- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
أعلام
الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)
|
أعلام
الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه
السلام) المجمع
العالمي لأهل البيت (عليه السلام) قم المقدّسة |
أهل
البيت في القرآن الكريم ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً
) سورة
الأحزاب / آية : 33 |
أهل
البيت في السنّة النبوية ( إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن
تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً ) ( الصحاح والمسانيد ) |
فهرس إجمالي
|
الباب الأول : الفصل
الأول : نشأة الإمام الهادي (عليه السلام)
... |
المقدمة
|
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله
الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى ، ثم الصلاة والسلام على مَن اختارهم هداةً
لعباده ، لا سيّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمد
(صلَّى الله عليه وآله) وعلى آله الميامين النجباء . ( قُلْ إنّ هُدى الله هو الهُدى ) (الأنعام
(6) : 71) . 2 ـ إبلاغ
الرسالة الإلهية إلى البشرية ولمَن أُرسلوا إليه ، ويتوقّف الإبلاغ على الكفاءة
التامّة التي تتمثّل في ( الاستيعاب والإحاطة اللازمة ) بتفاصيل الرسالة
وأهدافها ومتطلّباتها ، و ( العصمة ) عن الخطأ والانحراف معاً ، قال تعالى : ( كان الناسُ أُمّةً واحدةً فبعث الله النبيِّين مبشّرين
ومنذرين وأنزل معهم الكتابَ بالحقّ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ) (البقرة (2)
: 213) . وقد سلك
الأنبياء السابقون وأوصياؤهم المصطفون طريق الهداية الدامي ، واقتحموا سبيل
التربية الشاقّ ، وتحمّلوا في سبيل أداء المهامّ الرسالية كلّ صعب ، وقدّموا في
سبيل تحقيق أهداف الرسالات الإلهية كلّ ما يمكن أن يقدّمه الإنسان المتفاني في
مبدئه وعقيدته ، ولم يتراجعوا لحظة ، ولم يتلكأوا طرفة عين . وقد توّج
الله جهودهم وجهادهم المستمرّ ـ على مدى العصور ـ برسالة خاتم الأنبياء محمد بن
عبد الله (صلَّى الله عليه وآله) وحمّله الأمانة الكبرى ومسؤولية الهداية بجميع
مراتبها ، طالباً منه تحقيق أهدافها . وقد خطا
الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) في هذا الطريق الوعر خطوات مدهشة ، وحقّق
في أقصر فترة زمنية أكبر نتاج ممكن في حساب الدعوات التغييرية والرسالات الثورية
، وكانت حصيلة جهاده وكدحه ليل نهار خلال عقدين من
الزمن ما يلي : 1 ـ تقديم
رسالة كاملة للبشرية تحتوي على عناصر الديمومة والبقاء . 2 ـ تزويدها بعناصر تصونها من الزيغ
والانحراف . 3 ـ تكوين أُمّة مسلمة تؤمن بالإسلام مبدأً
، وبالرسول قائداً ، وبالشريعة قانوناً للحياة . 4 ـ تأسيس دولة إسلامية وكيان سياسيٍّ يحمل
لواء الإسلام ويطبّق شريعة السماء . 5 ـ تقديم
الوجه المشرق للقيادة الربّانية الحكيمة المتمثّلة في قيادته (صلَّى الله عليه
وآله) . ولتحقيق
أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري : ويختص هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام علي بن محمد الهادي (عليه
السلام) عاشر أئمة أهل البيت (ع) ، وهو المعصوم الثاني عشر من أعلام الهداية
الذي جسّد الإسلام العظيم في القول والعمل كآبائه الطاهرين (صلوات الله عليهم
أجمعين) . المجمع
العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) قم المقدسة |
الباب
الأوّل :
|
الفصل
الأول : الإمام الهادي (عليه السلام) في
سطور . الفصل
الثاني : انطباعات عن شخصيّة الإمام الهادي
(عليه السلام) . الفصل
الثالث : مظاهر من شخصيّة الإمام الهادي
(عليه السلام) . |
الفصل الأوّل : الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) في سطور
|
الإمام
علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب (عليه السلام) هو عاشر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين أذهب الله عنهم
الرجس وطهّرهم تطهيراً . |
الفصل الثاني : انطباعات عن
شخصيّة الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)
|
تعطي كلمات
العلماء والعظماء في الإمام أبي الحسن علي بن محمّد الهادي (عليه السلام) ، صورة
من إكبار المؤالف والمخالف له (عليه السلام) ، وإجماع المسلمين على جلالته
وعظمته . وإليك بعض الانطباعات التي وصلتنا من معاصريه ومَن تلاهم من
العلماء والمؤرّخين عن هذه الشخصية الفريدة . 1
ـ من كتاب للمتوكل العباسي إلى الإمام الهادي (عليه السلام) : بسم
الله الرحمن الرحيم ، أمّا بعد : إنّ أمير المؤمنين عارف بقدرك ، راعٍ لقرابتك ،
موجب لحقّك ، مؤثر في الأمور فيك وفي أهل بيتك لما فيه صلاح حالك وحالهم ،
وتثبيت عِزّك وعِزّهم ، وإدخال الأمر عليك وعليهم ، يبتغي بذلك رضى الله وأداء
ما افترضه عليه فيك وفيهم . 2
ـ قال يحيى بن هرثمة ـ الذي أرسله المتوكل لإشخاص الإمام (عليه السلام) إلى سُرّ
مَن رأى ـ : فذهبت إلى المدينة فلمّا دخلتها
ضجّ أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله خوفاً على علي الهادي ، وقامت
الدنيا على ساق ؛ لأنّه كان محسناً إليهم ،
ملازماً للمسجد ، لم يكن عنده ميل إلى الدنيا ، ثم فتّشت منزله فلم أجد فيه إلاّ
مصاحف وأدعية وكتب العلم ، فعظم في عيني ، وتولّيت خدمته بنفسي ، وأحسنت عشرته ،
فلمّا قدمت به بغداد وبدأت بإسحاق الطاهري وكان والياً على بغداد ، فقال لي : يا
يحيى إنّ هذا الرجل قد ولده رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، والمتوكل مَن
تعلم فإن حرّضته عليه قتله ، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خصمك يوم
القيامة ، فقلت له : والله ما وقفت منه إلاّ على كل أمر جميل (تذكرة
الخواص : 202 .)
. |
الفصل الثالث : مظاهر من
شخصيّة الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)
|
لقد تحلّى
الإمام الهادي (عليه السلام) بمكارم الأخلاق التي بعث جدّه الرسول الأعظم
لتتميمها ، واجتمعت في شخصيته كل عناصر الفضل والكمال التي لا يسعنا الإحاطة بها
ولا تصويرها ، ولكن هذا لا يمنع أن نشير إلى جملة من مكارم أخلاقه التي تجلّت في
صور من سلوكه . 6
ـ تكريمه للعلماء : |
الباب
الثاني :
|
فيه فصول : |
الفصل الأوّل : نشأة الإمام
علي بن محمد الهادي (عليه السلام)
|
1 ـ نسبه الشريف
هو أبو الحسن علي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق
ابن محمد الباقر ابن علي زين العابدين ابن الحسين السبط ابن علي بن أبي طالب وهو
العاشر من أئمة أهل البيت (ع) . 3
ـ بشارة الرسول (صلّى الله عليه وآله) بولادته |
الفصل الثاني : مراحل حياة
الإمام الهادي (عليه السلام)
|
يمكن
تقسيم حياة الإمام الهادي (عليه السلام) التي ناهزت الأربعين سنة إلى مراحل
متعدّدة بلحاظ طبيعة مواقفه وطبيعة الظروف التي كانت تحيط به . غير أنّ
التقسيم الثنائي يتواءم والمنهج الذي اتّبعناه في دراسة حياة الأئمة (عليهم
السلام) ، والذي يرتكز على تنوّع مسؤولياتهم وأدوارهم بحسب الظروف والملابسات
السياسية والاجتماعية التي كانت تحيط بكل واحد منهم ووحدة الهدف الذي يعدّ جامعاً مشتركاً لكل مواقفهم (ع) والذي يتمثّل
في صيانة الشريعة من التحريف وحفظ الأمة الإسلامية من الانحراف عن عقيدتها
ومبادئها وصيانة دولة الرسول (ص) من التردّي ما أمكن والتمهيد لاستلام زمام
الحكم حينما لا يتنافى مع القيم التي شُرّع الحكم من أجل تطبيقها وصيانتها . والمرحلة
الأولى من حياة الإمام الهادي (عليه السلام)
تتمثّل في الحقبة الزمنية التي عاشها في ظلال إمامة أبيه الجواد (عليه السلام)
وهي بين (212 هـ) إلى (220 هـ) ويبلغ أقصاها ثمان سنوات تقريباً . وقد عاصر فيها كلاًّ من : المأمون والمعتصم العباسيين . |
الفصل الثالث : الإمام علي بن
محمد الهادي في ظلّ أبيه الجواد (عليهما السلام)
|
لقد تقلّد
الإمام محمد الجواد (عليه السلام) الزعامة الدينية والمرجعية الفكرية والروحية
للشيعة بعد استشهاد الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) سنة (202 هـ) (إثبات
الوصية : 184 .)
. |
الشيعة
وإمامة الجواد (عليه السلام)
|
بعد
التحاق الإمام الرضا (عليه السلام) بالرفيق الأعلى ، كان عمر الإمام الجواد
(عليه السلام) سبع سنوات وهذه الإمامة المبكّرة كانت أول ظاهرة ملفتة للنظر عند
الشيعة أنفسهم فضلاً عن غيرهم . |
عصر الإمام
الجواد
|
عاصر الإمام
الجواد (ع) من خلفاء بني العباس المأمون (198 ـ 218 هـ) والمعتصم (218 ـ 227 هـ)
، وكان المأمون يتظاهر بالتودّد للإمام الجواد (ع) ، وزوّجه ابنته أم الفضل ،
ومن قبل قد صاهر المأمون الإمام الرضا (عليه السلام) وولاّه عهده وقرّب العلويين
(تاريخ الإسلام : 2 / 66 ـ 67 للدكتور حسن إبراهيم حسن .) . |
الحالة
السياسية
|
كانت
تولية العهد إلى أكثر من شخص واحد
عاملاً مهمّاً في اختلال الوضع الأمني داخل الدولة الإسلامية نتيجة التنازع
والصراع على السلطة بين ولاة العهد ؛ لأنّ أحدهما
كان يرى أن يولّي العهد ابنه بدلاً عن أخيه الذي سبق أن عهد إليه أبوه بالولاية
كما تجلّى ذلك بوضوح في عهد الأمين والمأمون (مروج
الذهب : 4 / 350 ـ 353 .)
أضاع
الخلافة غِشُّ الوزير =
وفِسقُ الإمام ورأي المشير (مروج
الذهب : 3 / 397 .) ولمّا
قُتل الأمين حُمل رأسه إلى خراسان إلى المأمون فأمر بنصب الرأس في صحن الدار على خشبة ،
وأعطى الجند ، وأمر كل مَن قبض رزقه أن يلعنه ، فكان الرجل يقبض ويلعن الرأس ، فقبض بعض العجم عطاءه فقيل له : العن هذا الرأس فقال :
لعن الله هذا ولعن والديه وما ولدا وأدخلهم في كذا وكذا من أُمّهاتهم ، فقيل له
: لعنت أمير المؤمنين ! بحيث يسمع المأمون منه فتبسّم وتغافل ، وأمر بحطّ الرأس
وردّه إلى العراق (مروج الذهب : 3 / 414 .) . 4
ـ أحداث سنة تسع ومائتين : وفي هذه
السنة ظهر نصر بن أشعث العقيلي ، وكانت بينه وبين عبد الله بن طاهر الخزاعي قائد
جيش المأمون حروب كثيرة وطويلة الأمد
(تاريخ الذهبي ،
دول الإسلام : 115 ـ 117 .) . 5
ـ غزو بلاد الروم : وفي سنة خمس
عشرة ومائتين غزا المأمون بلاد الروم وأقام هناك ثلاثة أشهر وافتتح عدّة حصون
وبثّ سراياه تغير وتسبي وتحرق ثم قدم دمشق ودخل إلى مصر (تاريخ
الذهبي دول الإسلام : 115 ـ 117 .) . وامتدّت
هذه الحروب أكثر من سنتين ،
وقد أسرت الروم قائد جيش المأمون وحاصرت جيش المسلمين عام (217 هـ) . |
الإمام الجواد (عليه السلام)
والمأمون العباسي
|
لقد
انتهج المأمون سياسة خاصة تجاه الأئمة من أهل البيت (ع) تباين سياسة أسلافه من
ملوك بني العباس . |
زواج الإمام
الجواد (عليه السلام)
|
واستمراراً
لتوطيد علاقة المأمون بأهل البيت (عليهم السلام) كان تزويجه لابنته ـ أُمّ الفضل
ـ من الإمام الجواد (عليه السلام) ، ولمّا بلغ بني العباس ذلك اجتمعوا فاحتجّوا
؛ لتخوّفهم من أن يخرج السلطان عنهم وأن ينتزع منهم ـ بحسب زعمهم ـ لباس ألبسهم
الله ذلك ، فقالوا للمأمون : ننشدك الله يا أمير
المؤمنين أن تقيم على هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا ، فإنّا
نخاف أن تخرج به عنّا أمراً قد ملّكناه الله وتنزع منّا عزّاً قد ألبسناه الله ،
وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً ، وما كان عليه الخلفاء قبلك
من تبعيدهم والتصغير بهم ، وقد كنّا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت حتى كفانا
الله المهم من ذلك ، فالله الله أن تردّنا إلى غمٍّ قد انحسر عنّا واصرف رأيك عن
ابن الرضا واعدل إلى مَن تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره . |
الإمام
الجواد (عليه السلام) والمعتصم
|
والمعتصم هو
محمد بن هارون الرشيد ثامن خلفاء بني العباس بُويع له بالخلافة سنة (218 هـ) بعد
وفاة المأمون ، وقد خرج المعتصم سنة (217 هـ) لبناء سامراء (تاريخ
أبي الفداء : 1 / 343 .)
. |
نصوص الإمام
الجواد (عليه السلام) على إمامة ولده الهادي (عليه السلام)
|
أ ـ النص الأوّل : فلمّا أصبح
أبي كتب نسخة الرسالة في عشر رقاع بلفظها وختمها ودفعها إلى عشرة من وجوه
العصابة وقال لهم : إن حدث بي حدث الموت قبل أن أطالبكم بها فافتحوها واعملوا
بما فيها . ج ـ النص الثالث : هـ ـ النص الخامس : و
ـ النص السادس : قال أحمد بن
هلال : فأخبرني محمد بن إسماعيل بن بزيع أنّه حضر أُمية بن علي وهو يسأل أبا
جعفر الثاني (عليه السلام) عن ذلك ، فأجابه بمثل ذلك الجواب . ز
ـ النص السابع : |
استشهاد
الإمام الجواد (عليه السلام)
|
إنّ
تقريب الإمام الرضا (عليه السلام) والعهد إليه بولاية الأمر من قِبل المأمون
العباسي ، وكذا ما كان من المأمون تجاه الإمام الجواد (عليه السلام) يعبّر عن
دهاء سياسي في التعامل مع أقوى معارضي الدولة ، حيث يمتلك الإمامان القواعد
الشعبية الواسعة ممّا كان يشكّل خطراً على كيان الدولة ، فكان تصرّف المأمون
معهما من أجل تطويق الخطر المحدق بالكيان السياسي للدولة العباسية ؛ وذلك من
خلال عزل الإمام (عليه السلام) عن قواعده للحدّ من تأثيره في الأمة ، فتقريبه
للإمام (عليه السلام) يعني إقامة جبرية ، ومراقبة دقيقة تحصي عليه حتى أنفاسه
وتتعرّف على مواليه ومقرّبيه ، لمتابعتهم والتضييق عليهم . |
الباب
الثالث :
|
وفيه
فصول : |
الفصل الأوّل : المسيرة الرسالية لأهل البيت (عليهم السلام)
|
المسيرة
الرسالية لأهل البيت (ع) منذ عصر الرسول (صلّى الله عليه وآله) حتى عصر الإمام
الهادي (ع) |
تعتبر
الرسالة الإسلامية الكون مملكة لله سبحانه ، والإنسان خليفة له وأميناً من قِبله
، ينبغي له أن يقوم بأعباء المسؤولية التي حمّله الله إيّاها . لم يكن الإسلام نظرية بشرية لكي
تتحدَّد فكرياً من خلال ممارسة تجارب الخطأ والصواب في التطبيق ، وإنّما هو
رسالة الله التي حُدّدت فيها الأحكام والمفاهيم وزوّدت ربّانياً بكلّ التشريعات
العامّة ، فلا بدّ لزعامة هذه التجربة
من استيعاب الرسالة بحدودها وتفاصيلها ووعي كامل لأحكامها ومفاهيمها ، وإلاّ
كانت مضطرّة إلى استلهام مسبقاتها الذهنية ومرتكزاتها القَبْلية ؛ وذلك يؤدّي
إلى نكسة في مسيرة التجربة وبخاصة إذا لاحظنا أنّ الإسلام كان هو الرسالة
الخاتمة لرسالات السماء التي تمتد مع الزمن وتتعدّى كل الحدود الإقليمية
والقومية ، الأمر الذي لا يسمح بأن تمارس زعامته تجارب الخطأ والصواب التي
تتراكم فيها الأخطاء عبر فترة من الزمن حتى تشكّل ثغرة تهدّد التجربة بالسقوط
والانهيار (بحث حول الولاية : 57
ـ 58 .)
. |
مضاعفات
الانحراف بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله)
|
لقد واجه
الإسلام بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) انحرافاً خطيراً في صميم التجربة
الإسلامية التي أنشأها هذا النبي العظيم (صلّى الله عليه وآله) لأُمّته . انهيار
الدولة الإسلامية ومضاعفاته ومعنى انهيار
الدولة الإسلامية أن تسقط الحضارة الإسلامية وتتخلّى عن قيادة المجتمع ويتفكّك
المجتمع الإسلامي ، ويُقصى الإسلام عن مركزه كقائد للمجتمع وكقائد للأمة ، لكن الأمة تبقى طبعاً ، حين تفشل تجربة المجتمع والدولة
، لكنّها سوف تنهار أمام أوّل غزو يغزوها ، كما انهارت أمام الغزو التتري الذي
واجهته الخلافة العباسية . |
دور الأئمّة
الراشدين
|
إنّ دور
الأئمّة الاثني عشر الذين نصّ عليهم وعلى إمامتهم الرسول (صلّى الله عليه وآله)
واستخلفهم لصيانة الإسلام من أيدي العابثين الذين كانوا يتربّصون به الدوائر ،
وحمّلهم مسؤولية تطبيقه وتربية الإنسانية على أساسه وصيانة دولة الرسول الخاتم
من الانهيار والتردّي يتلخّص في أمرين مهمّين
وخطّين أساسيين : |
المهامّ
الرساليّة للأئمّة الطاهرين
|
من
هنا تنوّعت مهامّ الأئمة الاثني عشر (ع) في مجالات شتّى باعتبار تعدّد العلاقات
وتعدّد الجوانب التي كانت تهمّهم كقيادة واعية رشيدة تريد تطبيق الإسلام وحفظه
وضمان خلوده للإنسانية جمعاء . |
موقف أهل
البيت (عليهم السلام) من انحراف الحكّام
|
كان للأئمّة
المعصومين (عليهم السلام) نشاط مستمر تجاه الحكم القائم والزعامات المنحرفة وقد
تمثّل في إيقاف الحاكم عن المزيد من الانحراف ، بالتوجيه الكلامي تارة ، أو
بالثورة المسلّحة ضد الحاكم حينما كان يشكّل انحرافه خطراً ماحقاً ـ كثورة
الإمام الحسين (عليه السلام) ضد يزيد بن معاوية ـ وإن كلّفهم ذلك حياتهم وقد
عملوا للحدّ من انحراف الحكّام عن طريق إيجاد المعارضة المستمرّة ودعمها بشكل
وآخر من أجل زعزعة القيادة المنحرفة بالرغم من دعمهم للدولة الإسلامية بشكل غير
مباشر حينما كانت تواجه خطراً ماحقاً أمام الكيانات الكافرة . |
أهل البيت (عليهم
السلام) وتربية الأُمّة
|
وكان للأئمّة
الأطهار (عليهم السلام) نشاط مستمر في مجال تربية الأمة عقائدياً وأخلاقياً
وسياسياً ؛ وذلك من خلال تربية الأصحاب العلماء وبناء الكوادر العلمية والشخصيات
النموذجية التي تقوم بمهامّ كبيرة مثل : نشر الوعي والفكر الإسلامي ، وتصحيح
الأخطاء المستجدّة في فهم الرسالة والشريعة ، ومواجهة التيارات الفكرية السياسية
المنحرفة ، أو الشخصيّات العلمية المنحرفة التي كان يوظّفها الحاكم المنحرف لدعم
زعامته . |
سلامة
النظرية الإسلامية
|
وهكذا خرج
الإسلام على مستوى النظرية سليماً من الانحراف وإن تشوّهت معالم التطبيق من خلال
الحكّام المنحرفين ، وتحولّت الأمة إلى أُمّة عقائدية تقف بوجه الغزو الفكري
والسياسي الكافر حتى استطاعت أن تسترجع قدرتها وروحها على المدى البعيد ، كما
لاحظناه في هذا القرن المعاصر بعد عصور الانهيار والتردّي حيث بزغ نور الإسلام
من جديد ليعود بالبشرية إلى مرفأ الحق التليد . |
مراحل الحركة
الرسالية للائمّة الراشدين (عليهم السلام)
|
وإذا
رجعنا إلى تاريخ أهل البيت (عليهم السلام) والظروف التي كانت قد أحاطت بهم
ولاحظنا سيرتهم ومواقفهم العامة والخاصة ؛ استطعنا أن نصنّف ظروفهم ومواقفهم إلى
مراحل وعصور ثلاثة يتميّز بعضها عن بعض بالرغم من اشتراكهم في كثير من الظروف
والمواقف ، ولكنّ الأدوار تتنوّع باعتبار مجموعة الظواهر العامّة التي تشكل
خطّاً فاصلاً ومميّزاً لكل عصر . |
موقع الإمام
الهادي (عليه السلام) في عملية التغيير الشاملة
|
والإمام علي
بن محمد الهادي (عليه السلام) يُصنّف في هذه المرحلة الثالثة من مراحل حركة أهل
البيت (ع) فهو قد مارس نشاطاً مكثّفاً لإعداد الجماعة الصالحة للدخول إلى دور
الغيبة المرتقب ، وتحصين هذا الخط ضد التحدّيات التي كانت توجّه إليه باستمرار . |
الفصل الثاني : عصر الإمام علي
بن محمّد الهادي (عليه السلام)
|
تحدّثنا
عن المرحلة الأولى من حياة الإمام الهادي (عليه السلام)
في ظِلال والده الإمام محمد الجواد (ع) وقد كانت فترة قصيرة جداً لم تتجاوز ثماني سنين ـ على أكثر التقادير ـ وقد قضاها في المدينة المنوّرة ، وكان في شطر منها
بعيداً عن والده ؛ وذلك لأنّ المعتصم العباسي قد استدعاه في سنة (218 هـ) إلى
بغداد . |
المعتصم (218
ـ 227 هـ)
|
هو
محمد بن الرشيد ، وُلد سنة (180 أو 178) ، واستولى على كرسي الخلافة سنة (218
هـ) أُمّه ماردة كانت أحظى الناس عند الرشيد . وهو أوّل خليفة أدخل الأتراك الديوان
وكان يتشبّه بملوك الأعاجم ويمشي مشيتهم ، وبلغت غلمانه الأتراك بضعة عشر ألفاً
. ملوك
بني العباس في الكتب سبعة = ولم
يأتنا في ثامن منهم الكُتْبُ وسار على ما
كان عليه المأمون من امتحان الناس بخلق القرآن وقاسى الناس منه مشقّة في ذلك ،
وقتل عليه خلقاً من العلماء ، وضرب الإمام أحمد بن حنبل في سنة عشرين ومائتين . |
الإمام
الهادي (عليه السلام) والمعتصم العباسي
|
بعد
اغتيال الإمام الجواد (عليه السلام) من قِبل المعتصم عهد
المعتصم إلى عمر بن الفرج أن يشخص بنفسه إلى المدينة ليختار معلّماً لأبي الحسن
الهادي (عليه السلام)
البالغ من العمر آنذاك ست سنين وأشهراً ، وقد عهد إليه أن يكون المعلّم معروفاً
بالنصب والانحراف عن أهل البيت (عليهم السلام) ليغذّيه ببغضهم . ولمّا انتهى
عمر إلى يثرب التقى بالوالي وعرّفه بمهمّته فأرشده الوالي وغيره إلى الجنيدي
الذي كان شديد البغض للعلويين ، فأرسل خلفه وعرّفه بالأمر فاستجاب له بعد أن
عيّن له راتباً شهرياً ، وعهد إليه أن يمنع الشيعة من زيارته والاتصال به . وأضاف
الجنيدي قائلاً : ( هذا الصبي
صغير نشأ بالمدينة بين الجدران السود فمن أين عَلِم هذا العلم الكبير ؟ يا سبحان
الله !! ثم نزع عن نفسه النصب لأهل البيت (عليهم السلام) ودان بالولاء لهم
واعتقد بالإمامة ) (مآثر الكبراء في تاريخ سامراء : 3 / 91 ـ 95 .) . فهذا
الإسراع يُعدّ محاولة للحيلولة دون بزوغ اسم الإمام الهادي (عليه السلام) وسطوع
فضله عند الخاص والعام ؛ لأنّ ما سوف يصدر منه يمكن أن يُنسب إلى معلّمه ومربّيه
. |
الواثق (227
ـ 232 هـ)
|
هو
هارون بن المعتصم ، أُمّه رومية
، وُلد في شعبان (196 هـ) واستولى على الخلافة في
ربيع الأوّل (227 هـ) . يا ذا الذي بعد أبي ظل مختفراً = ما أنت إلاّ مليك جاد إذ قدرا لولا الهوى لتحاربنا على قدر = وان أقف منه يوماً فسوف ترى (تاريخ
الخلفاء : 343 ـ 345 .) وفي
سنة (229 هـ) حبس الواثق كتّاب دولته وألزمهم
أموالاً عظيمة ، فأخذ من أحمد بن إسرائيل ثمانين ألف دينار ، ومن سليمان بن وهب
ـ كاتب ايتاخ ـ أربعمائة ألف دينار ، ومن الحسن بن وهب أربعة عشر ألف دينار ،
ومن إبراهيم بن رباح وكتّابه مائة ألف دينار ، ومن أحمد بن الخصيب مليوناً من
الدنانير ، ومن نجاح ستين ألف دينار ، ومن أبي الوزير مائة وأربعين ألف دينار (الكامل
في التاريخ : 5/269 .)
. |
الإمام
الهادي (عليه السلام) وبغا الكبير
|
وفي
سنة (230 هـ) أغار الأعراب من بني سليم على المدينة ونهبوا الأسواق وقتلوا
النفوس ، ولم يفلح حاكم المدينة في دفعهم حتى ازداد شرّهم واستفحل ؛ فوجّه إليهم
الواثق بغا الكبير ففرّقهم وقتل منهم وأسر آخرين وانهزم الباقون (الكامل
في التاريخ : 5/270 .)
. |
الواثق ومحنة
خلق القرآن
|
وامتحن
الواثق الناس في قضية خلق القرآن ، فكتب إلى القضاة أن يفعلوا ذلك في سائر
البلدان وأن لا يجيزوا إلاّ شهادة مَن قال بالتوحيد ، فحبس بهذا السبب عالماً
كثيراً . |
موقف الإمام
الهادي (عليه السلام) من مسألة خلق القرآن
|
لقد عمّت
الأمة فتنة كبرى زمن المأمون والمعتصم والواثق
بامتحان الناس بخلق القرآن وكانت هذه المسألة مسألة يتوقّف عليها مصير الأمة
الإسلامية ، وقد بيّن الإمام الهادي (عليه السلام) الرأي السديد في هذه المناورة
السياسية التي ابتدعتها السلطة ، فقد روي عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطين أنّه
قال : كتب علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) إلى بعض شيعته ببغداد
: |
إخبار الإمام
الهادي (عليه السلام) بموت الواثق
|
كان
الإمام الهادي (عليه السلام) يتابع التطوّرات السياسية ويرصد الأحداث بدقّة . قلت
: تركته أسوء الناس حالاً في السجن ، فقال : أما إنّه
صاحب الأمر . ما فعل ابن الزيات ؟
قلت : جُعلت فداك الناس معه والأمر أمره . فقال
: أما إنّه شؤم عليه . ثم
سكت وقال لي : لا بد أن تجري مقادير الله تعالى
وأحكامه . يا خيران ، مات الواثق وقد قعد المتوكل جعفر وقد قتل ابن الزيات
. فقلت
: متى جُعلت فداك ؟ قال : بعد خروجك بستة أيّام (أُصول
الكافي : 1 / 498 ح 1 ب 122 .)
. وهذه
الرواية دون شكّ تظهر لنا حدّة الصراع والتنافس على السلطة داخل الأسرة العباسية
الحاكمة ، كما تظهر لنا مدى متابعة الإمام (عليه السلام) للأوضاع العامة
والسياسية أوّلاً بأوّل . واهتمامه
الكبير هذا يوضح مستوى الحالة السياسية التي كانت تعيشها قواعد الإمام (عليه
السلام) الشعبية ومواليه ، فكان يوافيهم بمآل الأحداث السياسية ، ليكونوا على
حذر أولاً ; ولينمّي قابليّاتهم في المتابعة
وتحليل الظواهر ثانياً . |
المتوكّل
(232 ـ 247 هـ)
|
هو جعفر بن المعتصم بن الرشيد ، أُمّه أُمّ ولد اسمها
شجاع . أظهر الميل
إلى السنّة ، ورفع المحنة وكتب بذلك إلى الآفاق سنة (234 هـ) ، واستقدم
المحدّثين إلى سامرّاء وأجزل عطاياهم وأمرهم أن يحدّثوا بأحاديث الصفات والرؤية
. وقالوا
عنه : إنّه كان منهمكاً في اللذات
والشراب ، وكان له أربعة آلاف سُرِّيّة ( أمَة يتسرّى بها ) . وقال
علي بن الجهم : كان المتوكل
مشغوفاً بقبيحة أم المعتزّ ، والتي كانت أُم ولد له ، ومن
أجل شغفه بها أراد تقديم ابنها المعتزّ على
ابنه المنتصر بعد أن كان
قد بايع له بولاية العهد ، وسأل المنتصر
أن ينزل عن العهد فأبى، فكان يُحضره مجلس العامّة ويحطّ منزلته ويتهدّده ويشتمه
ويتوعّده(تاريخ الخلفاء : 349 ـ 350
.)
. فامسِك
ندى كفّيك عنّي ولا تزد = فقد خفتُ أن أطغى وأن
اتجبّرا فقال المتوكل : لا أمسك حتى
يغرقك جودي ، وكان قد أجازه على قصيدة بمائة ألف وعشرين ألفاً (تاريخ
الخلفاء : 349 ـ 350 .)
. يا
سيّدي كيف أخلفتَ وعدي = وتثاقلت عن وفاء بعهدي ؟ وقد
قتل المتوكل والفتح بن خاقان في مجلس لهوهما في ساعة واحدة وفي جوف الليل في الخامس
من شوّال سنة (247 هـ) كما سوف يأتي
بيانه . |
الإمام
الهادي (عليه السلام) والمتوكّل العبّاسي
|
وقد
عُرف المتوكل ببغضه لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ولآل البيت (عليهم السلام)
وشيعتهم ، ففي سنة (236 هـ) أمر بهدم قبر الإمام
الحسين (عليه السلام) وهدم ما حوله من الدور . بالله
إن كانت أُمية قد أتت = قتل ابن بنت
نبيّها مظلوما (تاريخ
الخلفاء ، السيوطي : 347 .) ولم
يقف المتوكّل عند حدّ في عدائه ونصبه لأهل البيت (عليهم السلام) وإيذاء شيعتهم
فقد قتل معلّم أولاده إمام العربية يعقوب ابن السكّيت حين
سأله : مَن أحب إليك ؟ هما ـ يعني ولديه المعتز والمؤيد ـ أو الحسن والحسين ؟ فقال ابن السكّيت : قنبر ـ يعني مولى علي ـ خير
منهما ، فأمر الأتراك فداسوا بطنه حتى مات ، وقيل أمر بسلّ لسانه فمات ، وذلك في
سنة (244 هـ) (تاريخ
الخلفاء : 348 .)
. |
الوشاية
بالإمام (عليه السلام)
|
يبدو من بعض
المصادر أنّ أحد أسباب إشخاص المتوكّل العباسي للإمام الهادي (عليه السلام) إلى
سامراء هو وشاية إمام الحرمين الذي كان معروفاً بالنصب لأهل البيت (عليهم
السلام) وقد كانت هذه الوشايات متتابعة ومتكرّرة ؛ وهذا دليل على عدم الارتياح
لتواجد الإمام الهادي (عليه السلام) بالمدينة ، وتأثيره الكبير على الحرمين معاً
وهما مركز الثقل العلمي والديني في الحاضرة الإسلامية . |
الإمام في
طريقه إلى سامراء
|
وحاول ابن
هرثمة في الطريق إحسان عِشرة الإمام (عليه السلام) وكان يرى من الإمام (عليه
السلام) الكرامات التي ترشده إلى عظمة الإمام ومكانته وحقيقة أمره ، وتوضح له
الجريمة التي يرتكبها في إزعاج الإمام (عليه السلام) والتجسّس عليه . غير أنّ هذا
الإكرام الذي ادّعاه ابن هرثمة يتنافى مع ما أمر به المتوكل من حجب الإمام (عليه
السلام) عنه في يوم وروده إلى سامراء ، ويزيد الأمر إبهاماً وتساؤلاً هو أمره
بإنزال الإمام (عليه السلام) في مكان متواضع جدّاً يُدعى بخان الصعاليك (الإرشاد
: 313 ـ 314 .)
. |
الإمام (عليه
السلام) في سامراء
|
إنّ حجب
المتوكل للإمام الهادي (عليه السلام) لدى وروده والأمر بإنزاله في خان الصعاليك
لو لاحظناه مع ما جاء في رسالة المتوكل للإمام الهادي (عليه السلام) يحمل بين
طيّاته صورة واضحة من نظرة المتوكل إلى الإمام (عليه السلام) ، فهو لا يأبى من
تحقير الإمام وإذلاله كلّما سنحت له الفرصة . ولكنّه كان يحاول التعتيم على ما
يدور في قرارة نفسه ؛ ولهذا أمر بعد ذلك بإفراد دار له فانتقل إليها
. |
تفتيش دار
الإمام (عليه السلام)
|
لم
تحقّق وسائل السلطة ـ في التضييق على الإمام ومراقبته ـ أهدافها في ضبط بعض
القضايا التي تؤكّد صحّة الوشايات بالإمام ، فكثيراً ما سعى بعض المتزلّفين
للخليفة بالإمام (عليه السلام) وأوغروا صدره ضد الإمام (عليه السلام) واخبروا
الخليفة كذباً وزوراً بأنّ لديه السلاح وتُجبى إليه الأموال من الأقاليم ، إلى
غيرها من الأكاذيب التي كانت تدفع بالخليفة إلى إرسال جنده وبعض قوّاده إلى دار
الإمام (عليه السلام) وتفتيشها ، ثم استدعاء الإمام (عليه السلام) إلى بلاط
المتوكل الذي كان ثملاً على مائدة شرابه ، حتى أنّ المتوكل الثمل بعد أن أعظم
الإمام وأجلسه إلى جانبه ناوله الكأس . فقال له
الإمام (عليه السلام) : يا أمير المؤمنين ما خامر
لحمي ودمي قط فأعفني فأعفاه . باتوا
على قلل الأجبال تحرسهم = غلب
الرجال فما أغنتهم القُلَلُ فبكى المتوكل ، ثم أمر برفع الشراب وقال
: يا أبا الحسن أعليك دين ؟ قال : نعم أربعة آلاف
دينار ، فدفعها إليه ورده إلى منزله مكرّماً . وممّا
يعزّز ذلك ما رواه الشيخ الطوسي (رضي الله عنه) بإسناده عن محمد بن الفحام :
أنّ الفتح بن خاقان قال : قد ذكر الرجل ـ يعني المتوكل ـ خبر مال يجيء من قم ،
وقد أمرني أن أرصده لأخبره ، فقلت له ، فقل لي : من أيّ طريق يجيء حتى أجيئه ؟
فجئت إلى الإمام علي بن محمد (عليهما السلام) فصادفت عنده مَن احتشمه فتبسّم
وقال لي : لا يكون إلاّ خيراً يا أبا موسى ، لِم لم تعد الرسالة الأولى ؟ فقلت :
أجللتك يا سيدي . فقال لي : المال يجيء الليلة وليس يصلون إليه فبت عندي . أولاً : إنّ
الإمام كان يعرف شكّ السلطة وهو آخذ حذره ومستيقظ ومتأهّب للأمر ; لذا أجاب مَن
سأله عن المال بأنّه سيصل ولا سبيل للمتوكل وجلاوزته عليه ، وفعلاً وصل المال
سالماً . قال
صقر : الحمد لله . |
محاولة
اغتيال الإمام الهادي (عليه السلام)
|
وقد دبّرت
السلطة الحاكمة آنذاك مؤامرة لقتل الإمام (عليه السلام) ولكنّها لم تنجح ، فقد
روي : أنّ أبا سعيد قال : حدثنا أبو العباس فضل بن أحمد بن إسرائيل الكاتب ونحن
بداره بسُرّ مَن رأى فجرى ذكر أبي الحسن (عليه السلام) فقال : يا أبا سعيد أحدثك
بشيء حدثني به أبي ؟ قال : كنّا مع المنتصر وأبي كاتبه فدخلنا والمتوكل على
سريره فسلّم المنتصر ووقف ووقفت خلفه ، وكان إذا دخل رحّب به وأجلسه ، فأطال
القيام وجعل يرفع رجلاً ويضع أخرى وهو لا يأذن له في القعود ورأيت وجهه يتغيّر
ساعة بعد ساعة ويقول للفتح بن خاقان : هذا الذي يقول فيه ما تقول ؟ ويرد عليه
القول ، والفتح يسكته ويقول : هو مكذوب عليه ، وهو يتلظّى ويستشيط ويقول : والله
لأقتلنّ هذا المرائي الزنديق وهو يدّعي الكذب ويطعن في دولتي . وسيدي ،
فلمّا بصر به الخزر خرّوا سجّداً ، فدعاهم المتوكل وقال : لِمَ لم تفعلوا ما
أمرتكم به ؟ قالوا : شدّة هيبته ، ورأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن
نتأمّلهم ، وامتلأت قلوبنا من ذلك . |
دعاء الإمام
(عليه السلام) على المتوكّل
|
والتجأ
الإمام أبو الحسن الهادي (ع) إلى الله تعالى ، وانقطع إليه ، وقد دعاه بالدعاء
الشريف الذي عُرف ( بدعاء المظلوم على الظالم ) وهو من الكنوز المشرقة عند أهل
البيت (عليهم السلام) (مهج
الدعوات : 50/209 .)
. |
هلاك
المتوكّل
|
واستجاب
الله دعاء وليّه الإمام الهادي (ع) ، فلم يلبث
المتوكل بعد هذا الدعاء سوى ثلاثة أيام حتى هلك . |
المنتصر
بالله (247 ـ 248 هـ)
|
هو
محمّد بن المتوكل بن المعتصم ابن الرشيد ، أُمّه أُمّ ولد رومية اسمها حبشيّة . |
المنتصر
والعلويين
|
وكان
المنتصر ليّناً مع العلويين المظلومين في عهد أبيه ، فعطف عليهم ووجّه بمال
فرّقه عليهم وكان يؤثر مخالفة أبيه في جميع أحواله ومضادّة مذهبه طعناً عليه
ونصرة لفعله (مقاتل الطالبيين : 396 ونحوه في تاريخ الخلفاء : 417 .) . ولقد بررت
الطالبية بعدما = ذمّوا زماناً بعدها وزمانا ورددت
ألفة هاشم فرأيتهم = بعد العداوة بينهم إخوانا (تاريخ
الخلفاء : 417 ، 418 .) يقول أبو
الفرج عنه : وكان المنتصر يظهر الميل إلى أهل البيت (عليهم السلام) ويخالف أباه
في أفعاله فلم يجر منه على أحد منهم قتل أو حبس أو مكروه (مقاتل الطالبيين : 419 .) .
|
الثورات في
عصره
|
لم
يدم حكم المستعين سوى أربع سنوات وأشهر ، وقد تميّزت فترة حكمه
بالاضطرابات التي تعود إلى قوّة الأتراك وضعفه أمامهم ، كما تعود إلى الظلم
والإجحاف بالأمة إلى جانب تنازع العباسيين على السلطة ، وإليك فهرساً بما وقع في أيام حكمه من وثبات وثورات : |
المعتز (252
ـ 255 هـ)
|
هو
محمد بن المتوكل ، ولد سنة (232 هـ) ،
بُويع له وعمره تسع عشرة سنة ، ولم يل الخلافة قبله أحد أصغر منه ، وهو أوّل
خليفة أحدث الركوب
بحلية الذهب ، فقد كان الخلفاء قبله يركبون بالحلية الخفيفة من الفضّة . |
اضطهاد
الشيعة :
|
لقد
ذكر المؤرّخون موقف المعتز المعادي لآل محمد (صلّى الله عليه وآله) واضطهادهم
واضطهاد شيعتهم ، ومن نماذج سيرته أنّه أعمل السيف
في العلويين وآخرين حتّى ماتوا في سجونه ، وممّن قُتل في عهده : 2
ـ إبراهيم بن محمد العلوي فقد قتله طاهر بن عبد الله في وقعة كانت بينه وبين
الكوكبي بقزوين (المصدر
السابق : 433 .) ، وغير هؤلاء كثير
ممّن أعمل ولاة العباسيين فيهم السيف والقتل . |
الفصل الثالث : ملامح عصر
الإمام الهادي (عليه السلام)
|
1 ـ الحالة
السياسية العامّة
|
مارس الإمام الهادي (عليه السلام) مهامّه القيادية في حكم
المعتصم سنة (220هـ) واستشهد في حكم المعتزّ سنة (254 هـ) وخلال هذه السنوات
الأربعة والثلاثين قد عاصر ستّة من ملوك بني العباس الذين لم يتمتّعوا بلذّة
الحكم والخلافة كما تمتّع
آباؤهم ؛ حيث تراوحت فترة خلافة كل منهم بين ستة أشهر وخمسة إلى ثمان سنوات سوى
المتوكل الذي دام حكمه خمسة عشر عاماً . وكان
اغتيال الإمام الهادي (عليه السلام)
في حكم المعتزّ في سنة (254 هـ) (تاريخ
اليعقوبي : 2 / 503 .)
. إنّ
ضعف شخصيّة الحكّام هو أحد عوامل التفكّك والانهيار الذي أصاب الدولة الإسلامية
، وقد رافقه نفوذ زوجاتهم وأُمّهاتهم إلى جانب سيطرة الأتراك الذين اعتمدوا
عليهم للتخلّص من نفوذ الإيرانيين والعرب ، كما كان لظلم الأُمراء والوزراء دوره
البالغ في زعزعة ثقة الناس بالحكّام وإثارة الفتن والشغب داخل بلاد المسلمين (لقد
توالت حوادث الشغب في بغداد من سنة (249 هـ) وتجدّدت أربع مرات حتى سنة (252 هـ)
وبدأت مشاغبات الخوارج من سنة (252 هـ) واستمرّت إلى سنة (262 هـ) . ورافقها
ظهور صاحب الزنج سنة (255هـ) ، وهذه سوى ما سيأتي من انتفاضات العلويين خلال
النصف الأوّل من القرن الثالث الهجري .) ؛
تمرّداً على ظلم الظالمين ونهب ثروات المسلمين والاستهتار بالقيم الإسلامية
والتبذير في بيت مال المسلمين . |
2 ـ الحالة
الثقافية
|
كان
لترجمة الكتب اليونانية والفارسية والهندية إلى العربية أثر كبير في ثقافة هذا
العصر ، وكانت ظاهرة الترجمة قد ابتدأت
منذ أيام المأمون ، وقد أسهمت في رفد الثقافة الإسلامية من جهة والانفتاح على
الثقافات الأخرى التي قد تتقاطع مع ما أفرزته الحضارة الإسلامية من اتجاهات
فكرية وثقافية من جهة أخرى . |
3 ـ الحالة
الاقتصادية
|
إنّ
الاضطرابات السياسية والصراع على السلطة وبدء انفصال أجزاء عن الدولة العباسية
واستقلالها قد أثّر في تدهور الوضع الاقتصادي . |
4 ـ الموقع
الاجتماعي والسياسي للإمام الهادي (عليه السلام)
|
إنّ
حادثة إشخاص الإمام (عليه السلام) من قِبل المتوكل من المدينة إلى سامراء وإيكال
ذلك الأمر إلى يحيى بن هرثمة ، وما نقله يحيى هذا عن حالة أهل المدينة المنوّرة
، وما انتابهم وما أحدثوا من ضجيج واضطراب لإبعاد الإمام (عليه السلام) عنهم ؛
يصوّر لنا مدى تأثّر أهل المدينة بأخلاقيّة الإمام (عليه السلام) المثلى وحسن
سلوكه وتعامله معهم وشدّة اندماجه في حياتهم ، ولا غرو ، فهو سليل دوحة النبوّة
وثمرة شجرة الإمامة التي هي فرع النبوّة ، فالإمام هو حجّة الله سبحانه على خلقه
وهو المثل والقدوة التي يُقتدى بها وهو القيّم والحافظ لرسالة الإسلام . |
5 ـ
العباسيون والإمام الهادي (عليه السلام)
|
تدرّجت
سياسة الحكّام العباسيين في مناهضة أهل البيت (عليهم السلام) بعد أن عرفوا
موقعهم الديني والاجتماعي المتميّز ، وأنّهم لا يداهنون من أجل الحكم والملك ،
بل إنّهم أصحاب مبدأ وعقيدة وقيم ، فكانت سياسة السفّاح والمنصور والرشيد تتلخّص
في الرقابة المشدّدة والتضييق مع فسح المجال للتحرّك المحدود ، ورافقها خلق
البدائل العلمية لئلاّ ينفرد أهل البيت (عليهم السلام) بالمرجعية العلمية
والدينية في الساحة الاجتماعية ، فكان الدعم المباشر من الحكّام لأئمة المذاهب
وتبنّي بعضها والدعوة إليها في هذا الطريق . |
6 ـ اضطهاد
أتباع أهل البيت (عليهم السلام)
|
إذا استثنينا
سياسة المنتصر التي لم تدم سوى ستة أشهر والتي تمثّلت في
اللين مع العلويين وشيعة أهل البيت (عليهم
السلام) فإنّا نجد السياسة العباسية العامة
هي مناهضة أهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم ، وممارسة سياسة العنف معهم بالرغم
من اتّساع رقعة التشيّع بعد تظاهر المأمون باحترامه الخاص للإمام الرضا (ع) . |
7 ـ انتفاضات
العلويين
|
لقد
تمادى المتوكل في إيذاء العلويين ومنعهم حقوقهم التي منحهم الله إيّاها حتى
أشرفوا على الهلاك من شدّة الفقر ، بل تمادى في الجور عليهم حتى قدّم دعوى غير
العلوي على دعوى العلوي إذا تحاكما عند القضاة . 10 و 11 ـ
عيسى بن جعفر العلوي ، ثار مع علي بن زيد في الكوفة سنة (255 هـ) . |
الباب
الرابع :
|
وفيه
فصول : |
الفصل الأوّل : متطلّبات عصر
الإمام الهادي (عليه السلام)
|
بعد أن عرفنا
المهمّ من ملامح عصر الإمام الهادي (عليه السلام) نستطيع الآن
أن نقف على متطلّبات عصره . وسوف نبحث عنها في حقلين :
الأوّل
: متطلّبات الساحة الإسلامية العامة
. الثاني
: متطلّبات الجماعة الصالحة بعد
تمهيد عام لكلا الحقلين . وذلك أنّ
الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) قد تولّى الإمامة بعد استشهاد أبيه الجواد (عليه السلام) سنة (220 هـ) وهو لمّا يبلغ الحلم ؛ إذ لم يتعدّ عمره الثامنة ـ على
أكبر الفروض ـ فهو قد شابه أباه الجواد (ع) في تولّي
الإمامة في سنّ مبكّرة . والقضاء
على الإمام الجواد (عليه السلام) في هذه الظروف كاشف عن مدى عمق الهيمنة الروحية
والعلمية للإمام الجواد (ع) وهو عميد أهل البيت وكبيرهم روحيّاً وعلمياً
وقيادياً ؛ حيث طأطأ لعظمة علماء الطائفة ،
وتعلّقت به قلوب شيعته ومحبّيه ـ فضلاً عن قلوب مَن سواهم ـ ودانت له بالولاء
أعداد غفيرة من المسلمين . وإلاّ فلماذا هذا التسرّع في القضاء عليه وهو لم
يحاول القيام بأيّة حركة أو ثورة ضدّ النظام الحاكم ؟! فما هو
المخرج في رأيهم وبحسب مقاييسهم ؟ وكما علمنا ـ سابقاً ـ أنّ الإمام الهادي (ع)
في كل مراحل حياته التي قضاها في مدينة جدّه أو في سامراء كانت تحت رقابة شديدة
، وقد جرّعوه ما استطاعوا من الغصص التي كانت تتمثّل في محاولات الاحتواء تارة
والتسقيط العلمي تارة أُخرى ثم التحجيم بشتّى أشكاله التي تمثّلت في الاستدعاء
والتحقير والرقابة المكثّفة والسجن ومحاولات الاغتيال المتكرّرة خلال ثلاثة عقود
ونصف تقريباً من سنيّ عمره المبارك . فما
هي إفرازات هذا الواقع الذي ذكرناه من الناحيتين السياسية والاجتماعية ؟ وما هي
النتائج المتوقّعة لمثل هذه القضية التي لابد من إقرارها في نفوس المسلمين ؟
وهنا نصّ جدير بالدراسة والتأمّل قد وصلنا من الإمام الحسن العسكري (عليه
السلام) في هذا الشأن بالخصوص وفيه تأييده لهذه الحقيقة الكبرى . إذن ما أقلّ
الفرص المتاحة للإمام الهادي (ع) للقيام بهذا العبء الثقيل حيث إنّه لابد له أن
يجمع بين الدقّة والحذر من جهة ، والإبلاغ العام ليفوّت الفرص على الحكّام
ويعمّق للأمة مفهوم الانتظار والاستعداد للظهور والنهوض بوجه الظالمين . ولا أقل
من إتمام الحجّة على المسلمين ولو بواسطة المخلصين من أتباعه (ع) . |
متطلّبات الساحة الإسلامية في عصر الإمام الهادي (عليه
السلام)
|
1
ـ ترك مقارعة الحاكمين وتجنّب إثارتهم . |
1 ـ تجنّب
إثارة الحكّام وعمّالهم
|
اتّسم سلوك الإمام الهادي(عليه السلام)
طوال فترة إمامته بالتجنّب من أيّة إثارة للسلطة بدءاً بما فرض عليه من مُؤدّب
يتولّى أمره ، ثم الاستجابة لدعوة المتوكل واستقدامه إلى سامراء وفسح المجال
للتفتيش الذي قد تكرّر في المدينة وسامراء ، بل تعدّى ذلك إلى تطمين المتوكل
بأنّ الإمام (عليه السلام) لا يقصد الثورة عليه حين استعرض المتوكل قوّاته
وقدرته العسكرية وأحضر الإمام في هذا الاستعراض ليطلعه على ما يملكه من قوّة
لئلاّ يفكّر واحد من أهل بيته (عليهم
السلام) بالخروج على الخليفة . وإذا
بالإمام الهادي (عليه
السلام) يجيبه بأنّا لا نناقشكم في الدنيا
نحن مشتغلون بأمر الآخرة فلا عليك شيء ممّا تظن (بحار
الأنوار : 50/155 .)
. روى
ابن شهرآشوب بإسناده عن أبي محمد الفحّام أنّه قال :
سأل المتوكل ابن الجهم مَن أشعر الناس ؟ فذكر الجاهلية والإسلام . ثم أنّه سأل
أبا الحسن (عليه السلام) ، فقال (عليه السلام) الحمّاني
حيث يقول : لقد
فاخرتنا من قريش عصابة =
بمدّ خدود وامتداد أصابع قال : وما
نداء الصوامع يا أبا الحسن ؟ |
2
ـ الردّ على الإثارات الفكرية والشبهات الدينية
|
وقد
لاحظنا في عصر الإمام(عليه السلام) ما امتحنت به الأمة الإسلامية بما عرف بمحنة
خلق القرآن ، والإثارات المستمرّة حول الجبر والتفويض والاختيار . تضمّنت ردّاً
علمياً تفصيلياً على شبهة الجبر والتفويض ، بل تضمّنت بيان منهج بديع سلكه
الإمام (ع) في مقام الرد . وحيث كان الغلو والتصرّف من الظواهر المنحرفة في
المجتمع الإسلامي ، فقد واجههما الإمام الهادي(ع) بالشكل المناسب مع هاتين
الظاهرتين(راجع الفصل الثالث من الباب الأول مبحث ( التحذير من مجادلة الصوفيين
) . وراجع أيضاً مبحث ( الإمام والغلاة ) في الفصل الثاني من الباب الرابع .) . |
3 ـ التحدّي
العلمي للسلطة وعلمائها
|
لقد
كان الاختبار العلمي لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) أقصر طريق للحكام لمعرفة ما
هم عليه من الجدارة العلمية التي هي أحدى مقوّمات الإمامة . وهو في نفس الوقت
أقصر طريق لأهل البيت (عليهم السلام) للتألّق العلمي في المجتمع الإسلامي . قلت
: وعن
الخنثى ، وقول علي (عليه السلام) : يورث من المبال ، فمَن ينظر ـ إذا بال ـ إليه
؟ مع أنّه عسى أن يكون امرأة وقد نظر إليها الرجال ، أو عسى أن يكون رجلاً وقد
نظرت إليه النساء ، وهذا ما لا يحل . وشهادة الجارّ إلى نفسه لا تقبل . |
4 ـ توسيع
دائرة النفوذ في جهاز السلطة
|
إنّ
النفوذ الذي نجده للإمام الهادي (عليه السلام) هو النفوذ المعنوي على عامّة رجال
السلطة بما فيهم مَن لا يدين بالولاية لأهل البيت (عليهم السلام) . |
الفصل الثاني : الإمام الهادي
(عليه السلام) وتكامل بناء الجماعة الصالحة وتحصينها
|
1 ـ الإمام
الهادي (عليه السلام) وقضيّة حفيده المهدي (عليه السلام)
|
عرفنا
أنّ قضية الإمام المهدي (عليه السلام) في عصر الإمام الهادي (عليه السلام) تُعدّ
قضية أساسية للمسلمين بشكل عام ، ولأتباع أهل البيت (عليهم السلام) بشكل خاص ،
والظروف التي كانت تحيط بالإمام الهادي
(عليه السلام) كانت تزداد
حراجة كلّما اقتربت أيّام ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) وغيبته . |
وإليك نصوص
الإمام الهادي (عليه السلام) حول قضيّة الإمام المهدي (عليه السلام) :
|
1
ـ الكليني ، عن علي بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن أيوب بن نوح ، عن أبي الحسن
الثالث (عليه السلام) قال : إذا رفع علمكم من بين
أظهركم فتوقّعوا الفرج من تحت أقدامكم . |
المحور
الثاني فهو الأعداد النفسي
|
وأمّا
المحور الثاني فهو الأعداد النفسي وتحقيق الاستعداد الواقعي لدور غيبة الإمام
المهدي (عليه السلام) من قِبل شيعة الإمام (عليه السلام) . ومنه يبدو
أنّ التعتيم الإعلامي حتى على إمامة الحسن العسكري (عليه السلام) كان مقصوداً
للإمام الهادي (عليه السلام) ، فتارة ينفي إمامة غيره وأخرى يكنّيه وثالثة يصفه
ببعض الصفات التي قد توهم إرادة غيره في بادئ النظر وترشد إليه في نهاية المطاف
كما ورد عنه أنّ هذا الأمر في الكبير من ولدي . 2 ـ وعن علي
بن عمر النوفلي قال : كنت مع أبي الحسن (عليه السلام) في صحن داره فمرّ محمد
ابنه فقلت له جُعلت فداك هذا صاحبنا بعدك ؟ فقال : لا
، صاحبكم بعدي الحسن (أصول
الكافي : 1 / 325 ح 2 .)
. |
2 ـ تحصين الجماعة
الصالحة وإعدادها لمرحلة الغيبة
|
إنّ
هذا الترصين وإكمال البناء الذي نريد الحديث عنه قد قام به الإمام الهادي (عليه
السلام) في كل المجالات التي تهمّ الجماعة الصالحة التي سوف تفقد نعمة الارتباط
بالإمام المعصوم (عليه السلام) في وقت لاحق وقريب جداً . التحصين العقائدي أ
ـ إنّ الله اختصّ أهل البيت (ع)
بكرامته فجعلهم موضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي . 2
ـ حركة أهل البيت (عليهم السلام) 1
ـ أنّهم الدعاة إلى الله والأدلاّء على مرضاته . عصمكم الله من الزلل وآمنكم من الفتن وطهّركم من الدنس وأَذهب عنكم
الرجس وطهّركم تطهيراً . 4 ـ الموالون لأهل البيت (عليهم السلام) ( أشهدُ أنَّ هذا سابق لكم فيما مضى وجارٍ لكم فيما بقي وأنّ
أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض . ( محتجب بذمّتكم ومعترف بكم مؤمن بإيابكم مُصدِّق برجعتكم منتظر
لأمركم مرتقب لدولتكم آخذ بقولكم عامل بأمركم مستجير بكم زائر لكم عائذ بقبوركم
مستشفع إلى الله عزّ وجلّ بكم ومتقرّب بكم إليه ومقدّمكم أمام طلبتي وحوائجي
وإرادتي في كل أحوالي وأُموري ، مؤمن بسرّكم وعلانيتكم وشاهدكم وغائبكم وأوّلكم
وآخركم ومفوّض في ذلك كلّه إليكم ومسلّم فيه معكم وقلبي لكم مسلم ورأيي لكم تبع
ونصرتي لكم مُعدَّة حتى يحيي الله تعالى دينه بكم ويردّكم في أيامه ويظهركم
لعدله ويُمكّنكم في أرضه فمعكم معكم لا مع غيركم ، آمنت بكم وتولّيت آخركم بما
تولّيت به أوّلكم وبرئت إلى الله عزّ وجلّ من أعدائكم ومن الجبت والطاغوت
والشياطين وحزبهم الظالمين لكم الجاحدين لحقّكم والمارقين من ولايتكم الغاصبين
لإرثكم الشاكين فيكم المنحرفين عنكم ومن كلِّ وليجة دونكم وكل مطاع سواكم ومن
الأئمة الذين يدعون إلى النار . طأطأ كل شريف لشرفكم وبخع كل متكبّر لطاعتكم وخضع كل جبّار لفضلكم
وذلّ كل شيء لكم وأشرقت الأرض بنوركم وفاز الفائزون بولايتكم ، بكم يُسلك إلى
الرضوان وعلى مَن جحد ولايتكم غضب الرحمان . ثانياً ـ زيارة الغدير كان
أوّل ذكر آمن برسول الله (صلّى الله عليه وآله) وصلّى معه ، وصدّق بما جاءه من
عند الله علي بن أبي طالب (ع) وهو يومئذٍ ابن عشر سنين
(السيرة النبوية ، ابن إسحاق : 1/262 وعنه في الطبري : 2/312 .) . التحصين العلمي التحصين
التربوي وأمّا دعاؤه للمؤمنين وسعيه في قضاء حوائجهم فيشهد له ما يلي : التحصين
الأمني أ
ـ الحذر من تدوين الأُمور ب
ـ تغيير الأسماء |
نظام الوكلاء
|
بعد
أن أكّد الأئمة من أهل البيت (ع) على دورهم القيادي الديني في أوساط الجماعة
الصالحة وأوضحوا أهمّيّة الولاء لهم ، وأخذت تتسع الرقعة الجغرافية لأتباع أهل
البيت (ع) ، واحتاجوا إلى مَن يلبّي حاجاتهم الدينية ويكون حلقة وصل بينهم وبين
أئمتهم (عليهم السلام) بادر الأئمة (ع) إلى تعيين الوكلاء المعتمدين لهم في
مختلف المناطق وأرجعوا إليهم أتباعهم . والمهامّ
التي تولاّها الوكلاء لهم تمثّلت في بيان الأحكام الشرعية والمواقف السياسية
والاجتماعية ، وتوجيه النصائح الأخلاقية والتربوية ، واستلام الحقوق الشرعية
وتوزيعها ، وفصل النزاعات وتولّي الأوقاف وأمور القاصرين الذين لا وليّ لهم . |
وكلاء الإمام
الهادي (عليه السلام)
|
قد وقفنا على أسماء جملة من وكلاء الإمام الهادي (عليه السلام)
في مختلف المناطق وهم : وقد انحرف
بعضهم عن الطريق الذي رُسم له ، وكان الأئمة (عليهم السلام) يوضحون الأمر عند
انحراف بعض الوكلاء عن الطريق المقرر لهم حينما كانت تغريهم الأموال التي يحصلون
عليها فيستغلون منصب الوكالة لأغراض دنيوية مادية . ولا يسمحون لهم بإغراء الناس
واستغلالهم . |
التحصين
الاقتصادي
|
عرفنا
ـ ممّا ذكر ـ أنّ التحصين الاقتصادي هو أحد الأهداف المنظورة في تخطيط أهل البيت
(عليهم السلام) للجماعة الصالحة التي أرادوا لها أن تستقلّ في كيانها ، وتبتعد
عن عوامل الضعف والانهيار التي تفرضها الظروف السياسية أو الاقتصادية العامّة . دخل أبو عمرو
عثمان بن سعيد وأحمد بن إسحاق الأشعري وعليّ بن جعفر الهمداني على أبي الحسن
العسكريّ فشكا إليه أحمد بن إسحاق ديناً عليه ، فقال : يا أبا عمر ـ وكان وكيله
ـ ادفع إليه ثلاثين ألف دينار وإلى عليّ بن جعفر ثلاثين ألف دينار وخذ أنت
ثلاثين ألف دينار (المناقب : 2/488 .)
. |
الفصل الثالث : الإمام الهادي
(عليه السلام) في ذمّة الخلود
|
استشهاد
الإمام الهادي (عليه السلام)
|
ظلّ
الإمام الهادي (ع) يعاني من ظلم الحكّام وجورهم حتّى دُسّ إليه السمّ كما حدث
لآبائه الطّاهرين ، وقد قال الإمام الحسن (عليه السلام) : ما منّا إلاّ مقتول أو مسموم (بحار
الأنوار : 27/216 ، ح 18 .)
. تجهيزه
وحضور الخاصّة والعامّة لتشييعه ثم خرج خادم
فوقف بحذاء أبي محمّد فنهض (عليه السلام) ، وأُخرجت الجنازة ، وخرج يمشي حتى
أُخرج بها إلى الشارع الذي بإزاء دار موسى بن بغا ، وقد كان أبو محمد (عليه
السلام) صلّى عليه قبل أن يخرج إلى النّاس ، وصلّى عليه لمّا أُخرج المعتمد . إنّه
قُبض بسرّ مَن رأى يوم الاثنين ثالث رجب (الدمعة
الساكبة : 8/225 ، بحار الأنوار : 50/206 ، ح 17 .) . ووافقهم
الفتّال النيسابوري في روضة الواعظين حيث قال : توفّي (عليه السلام) بـ (سرّ مَن
رأى) لثلاث ليال خلون نصف النّهار من رجب
(روضة الواعظين :
1/246 .) ;
وللزرندي قول : بأنّه توفّي يوم الاثنين الثالث عشر من رجب (الدمعة
الساكبة : 8/226 .)
. |
الفصل الرابع
: مدرسة الإمام الهادي (عليه
السلام) وتراثه |
لقد تميّز
عصر الإمام الهادي (عليه السلام) عن عصر أبيه الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
بزيادة الكبت والضغط عليه من قِبل السلطة حتى كانت الرقابة الدائمة هي الأمر
المميّز والفارق الواضح في حياته وحياة ابنه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
. |
البحث الأوّل
: أصحاب الإمام (عليه السلام) ورواة حديثه
|
كان الإمام الهادي (عليه السلام) مقصداً
لطلاب العلوم لتنوع ثقافته وشمول معارفه ، فهو (ع) المتخصّص في جميع العلوم ،
والخبير في تفسير القرآن الكريم ، والمتضلّع في الفقه الإسلامي بشتى حقوله
ومستوياته . وفيما
يأتي تراجم بعض أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) ، وقد رتّبناها حسب تسلسل
حروف الهجاء : عدّه الشيخ
من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) ومن أصحاب الإمام الجواد والهادي (عليهما
السلام) ، وقال الكشي : كان وكيله وقد حجّ أربعين حجّة . وكتب الإمام له : ( قد وصل الحساب تقبّل الله منك ورضي عنهم ، وجعلهم معنا في
الدنيا والآخرة ، وقد بعثت إليك من الدنانير بكذا ، ومن الكسوة بكذا ، فبارك لك
فيه ، وفي جميع نعمة الله عليك ، وقد كتبت إلى النضر أمرته أن ينتهي عنك ، وعن
التعرّض لك وبخلافك ، وأعلمته موضعك عندي ، وكتبت إلى أيوب : أمرته بذلك أيضاً ،
وكتبت إلى مواليي بهمدان كتاباً أمرتهم بطاعتك والمصير إلى أمرك ، وأن لا وكيل
لي سواك ) (اختيار معرفة الرجال : 2/869 .) . ودلّت هذه
الرواية على وثاقته وجلالة أمره ، وسموّ مكانته عند الإمام (عليه السلام) . 3
ـ إبراهيم بن مهزيار : 5
ـ أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمّي : (
وأحمد الله إليكم ما أنا عليه من عافيته ، وأُصلّي على نبيّه وآله أفضل صلاته
وأكمل رحمته ورأفته ، وإنّي أقمت ابا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربه
، ومَن كان من قبله من وكلائي ، وصار في منزلته عندي ، وولّيته ما كان يتولاّه
غيره من وكلائي قبلكم ليقبض حقّي ، وارتضيته لكم ، وقدّمته على غيره في ذلك ،
وهو أهله وموضعه ، فصيروا رحمكم الله إلى الدفع إليه ذلك وإليّ ، وأن لا تجعلوا
له على أنفسكم علّة ، فعليكم بالخروج عن ذلك ، والتسرّع إلى طاعة الله ، وتحليل
أموالكم ، والحقن لدمائكم ، وتعاونوا على البرّ والتقوى واتقوا الله لعلّكم
ترحمون ، واعتصموا بحبل الله جميعاً ، ولا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون ، فقد أوجبت
في طاعته طاعتي ، والخروج إلى عصيانه عصياني ، فالزموا الطريق يأجركم الله ،
ويزيدكم من فضله ، فإنّ الله بما عنده واسع كريم ، متطوّل على عباده رحيم ، نحن
وأنتم في وديعة الله وحفظه ، وكتبته بخطّي ، والحمد لله كثيراً )
(معجم رجال الحديث : 5/314 .) . وكشفت
هذه الرسالة عن سموّ مكانة ابن راشد عند الإمام (عليه السلام) وعظيم منزلته عنده
حتى قرن طاعته بطاعته (عليه
السلام) ، وعصيانه بعصيانه (عليه السلام) . لقد كانت
لأبي راشد مكانة مرموقة عند الإمام (عليه السلام) ، ومن الطبيعي أنّه لم يحتل
هذه المنزلة إلاّ بتقواه وورعه ، وشدّة تحرّجه في الدين ، ولمّا توفّي ابن راشد
ترحّم عليه الإمام (ع) ودعا له بالمغفرة والرضوان . وروى
أحمد بن محمد بن عيسى قال : خرجت إلى
الكوفة في طلب الحديث فلقيت بها الحسن بن علي الوشا ، فسألته أن يخرج لي كتاب
العلاء بن رزين القلا ، وأبان بن عثمان الأحمر ، فأخرجهما لي فقلت له : أحب أن
تجيزهما لي فقال لي : يا هذا رحمك الله ، وما عجلتك ، اذهب فاكتبهما ، واسمع من
بعد ، فقلت : لا آمن الحدثان ، فقال : لو علمت أنّ هذا الحديث يكون له هذا الطلب
لاستكثرت منه ، فإنّي أدركت في هذا المسجد ـ يعني مسجد الكوفة ـ تسعمائة شيخ
كلٌّ يقول : حدثني جعفر بن محمد ، وكان هذا الشيخ عيناً من عيون هذه الطائفة وله
كتب منها : ثواب الحج ،والمناسك والنوادر (معجم
رجال الحديث : 6/38 .)
. 11
ـ الريّان بن الصلت : واستفسر عبد
العظيم عن الحجّة من بعده قائلاً : وكيف ذاك يا مولاي ؟ قال الإمام (عليه
السلام) : ( لأنّه لا يرى شخصه ، ولا يحل ذكره باسمه
، حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما مُلئت ظلماً وجوراً ) . يكنّى أبا
عمرو ، الثقة الزكي ، خدم الإمام الهادي (عليه السلام) وله من العمر إحدى عشرة
سنة ، احتلّ المكانة المرموقة عند الإمام (عليه السلام) ، فقد روى أحمد ابن
إسحاق القمّي قال : دخلت على أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من
الأيام فقلت له : يا سيدي أنا أغيب وأشهد ، ولا يتهيّأ لي الوصول إليك إذا شهدت
في كل وقت فقول مَن نقبل ، وأمر مَن نمتثل ؟ فقال
(عليه السلام) : هذا
أبو عمرو الثقة الأمين ، ما قاله لكم فعنّي يقوله ، وما أدّاه إليكم فعنّي
يؤدّيه . أ
ـ عبادته : كان من عيون المتّقين والصالحين ،
ويقول المؤرّخون : إنّه كان إذا طلعت الشمس سجد لله تعالى ، وكان لا يرفع رأسه
حتى يدعو لألف من إخوانه بمثل ما دعا لنفسه ، وكان على جبهته سجّادة مثل ركبة
البعير من كثرة سجوده (اختيار
معرفة الرجال : 2/825 .)
. (
يا علي قد بلوتك وخبرتك في النصيحة والطاعة والخدمة والتوقير ، والقيام بما يجب
عليك ، فلو قلت : إنّي لم أر مثلك لرجوت أن أكون صادقاً فجزاك الله جنّات
الفردوس نزلاً . وما خفي علي مقامك ولا خدمتك ، في الحرّ والبرد ، في الليل
والنهار ، فأسأل الله إذا جمع الخلائق للقيامة أن يحبوك برحمة تغتبط بها إنّه
سميع الدعاء ) (معجم
رجال الحديث : 13/211 .)
. 15
ـ الفضل بن شاذان النيشابوري : أ
ـ ثناء الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عليه :
وأشاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بالفضل بن شاذان ، وأثنى عليه ثناءً
عاطراً ، فقد عرضت عليه إحدى مؤلّفاته فنظر فيه فترحّم عليه وقال : ( أغبط أهل خراسان بمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهرهم )
(جامع الرواة : 2/5 .) . 17
ـ محمد بن الحسن بن أبي الخطّاب الزيّات : 20
ـ يعقوب بن إسحاق : |
البحث الثاني
: نماذج من تراث الإمام الهادي (عليه السلام) |
1 ـ من تراثه التفسيري : 2 ـ من تراثه الكلامي وهي
دالّة على المسمّى وذلك أنَّ الإنسان وإن قيل واحدٌ فإنّه يخبر أنّه جثّة واحدة
وليس باثنين والإنسان نفسه ليس بواحد ؛ لأنَّ أعضاءه مختلفة وألوانه مختلفة ومن
ألوانه مختلفة غير واحد وهو أجزاء مجزّأة ، ليست بسواء . 4 ـ عن عليّ
بن إبراهيم ، عن المختار بن محمّد الهمدانيّ وعن محمّد ابن الحسن ، عن عبد الله
بن الحسن العلويّ جميعاً ، عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ ، عن أبي الحسن (عليه
السلام) قال : إنَّ لله إرادتين ومشيئتين : إرادة حتم
وإرادة عزم ، ينهى وهو يشاء ويأمر وهو يشاء . أو ما رأيت أنّه نهى آدم وزوجته أن
يأكلا من الشجرة وشاء ذلك ولو لم يشأ أن يأكلا لمّا غلبت مشيئتهما مشيئة الله
تعالى ، وأمر إبراهيم أن يذبح إسحاق ولم يشأ أن يذبحه ولو شاء لما غلبت مشيئة
إبراهيم مشيئة الله تعالى (أصول
الكافي : 1 / 151 . واعلم أنّ الرواية مشتملة على كون المأمور بالذبح إسحاق دون
إسماعيل وهو خلاف ما تظافرت عليه أخبار الشيعة . )
. 8 ـ رسالته
(عليه السلام) المعروفة في الردّ على أهل الجبر والتّفويض : ( من عليّ بن محمّد ; سلام عليكم وعلى مَن اتّبع الهدى
ورحمة الله وبركاته ; فإنّه ورد عليَّ كتابكم (رواها
الطبرسي بتلخيص في الاحتجاج تحت عنوان رسالته (عليه السلام) إلى أهل الأهواز حين
سألوه عن الجبر والتفويض ، راجع بحار الأنوار : 50/68 .)
وفهمت ما ذكرتم من اختلافكم في دينكم وخوضكم في القدر ومقالة مَن يقول منكم
بالجبر ومَن يقول بالتفويض وتفرُّقكم في ذلك وتقاطعكم وما ظهر من العداوة بينكم
، ثمّ سألتموني عنه وبيانه لكم وفهمت ذلك كلَّه . وإنّما
قدَّمنا هذا الشَّرح والبيان دليلاً على ما أردنا وقوَّة لما نحن مبيِّنوه من
أمر الجبر والتَّفويض والمنزلة بين المنزلتين وبالله العون والقوَّة وعليه
نتوكَّل في جميع أُمورنا فإنّا نبدأ من ذلك بقول الصّادق (عليه السلام) : ( لا جبر ولا تفويض ولكن منزلة بين المنزلتين وهي صحَّة
الخلقة وتخلية السَّرب (السرب ـ بالفتح ـ : الطريق والصدر ـ وبالكسر ـ أيضاً : الطريق والقلب
ـ وبالتحريك ـ الماء السائل .)
والمهلة في الوقت والزَّاد مثل الرَّاحلة والسَّبب
المهيِّج للفاعل على فعله ) ، فهذه خمسة أشياء جمع به الصّادق (عليه
السلام) جوامع الفضل ، فإذا نقص العبد منها خلَّة كان العمل عنه مطروحاً بحسبه ،
فأخبر الصّادق (عليه السلام) بأصل ما يجب على النّاس من طلب معرفته ونطق الكتاب
بتصديقه فشهد بذلك محكمات آيات رسوله ؛ لأنّ الرّسول (صلّى الله عليه وآله) وآله
(عليهم السلام) لا يعدون شيئاً من قوله وأقاويلهم حدود القرآن ، فإذا وردت حقائق
الأخبار والتُمست شواهدها من التَّنزيل فوجد لها موافقاً وعليها دليلاً كان
الاقتداءُ بها فرضاً لا يتعدّاه إلاّ أهل العناد كما ذكرنا في أوَّل الكتاب ،
ولمّا التمسنا تحقيق ما قاله الصّادق (عليه السلام) من المنزلة بين المنزلتين
وإنكاره الجبر والتفويض وجدنا الكتاب قد شهد له وصدَّق مقالته في هذا
. 3 ـ من تراثه الفقهي 6 ـ عن أبي
إسحاق بن عبد الله العلوي العريضي قال : وحك في صدري ما الأيام التي تُصام ؟
فقصدت مولانا أبا الحسن علي بن محمد (عليهما السلام) وهو بصربا
. 9 ـ عن أبي
علي بن راشد قال : قلت لأبي الحسن الثالث (عليه السلام) : إنّا نؤتى بالشيء
فيقال هذا كان لأبي جعفر (عليه السلام) عندنا ، فكيف نصنع ؟ فقال : ما كان لأبي (عليه السلام) بسبب الإمامة فهو لي وما كان غير
ذلك فهو ميراث على كتاب الله وسنّة نبيّه (صلّى الله عليه وآله) (مَن
لا يحضره الفقيه : 2 / 42 .)
. 10
ـ عن إبراهيم بن محمد قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) ، أسأله
عمّا يجب في الضياع ، فكتب : الخمس بعد المؤونة ، قال : فناظرت أصحابنا فقالوا :
المؤونة بعدما يأخذ السلطان ، وبعد مؤونة الرجل ، فكتبت إليه أنّك قلت : الخمس
بعد المؤونة وإن أصحابنا اختلفوا في المؤونة ؟ فكتب : الخمس
بعدما يأخذ السلطان وبعد مؤونة الرجل وعياله
(تفسير العياشي : 2 / 63 .) . 2
ـ دعاء الاعتصام ، وهذا نصّه : ( يا عدّتي عند العدد
، ويا رجائي والمعتمد ، ويا كهفي والسند ويا واحد يا أحد ، يا قل هو الله أحد ،
أسألك بحق مَن خلقته من خلقك ، ولم تجعل في خلقك مثلهم أحد أن تصلّي عليهم ...
ثمّ تذكر حاجتك ) (راجع
حياة الإمام علي الهادي : 131 ـ 136 .) . 2 ـ قال
(عليه السلام) : ( مَن سأل فوق قدر حقّه فهو أولى
بالحرمان ) . 18 ـ قال (ع)
: ( العجب صارف عن طلب العلم ، وداع إلى الغمط (غمط
الناس : احتقرهم وتكبّر عليهم .)
في الجهل ) . 43 ـ وقال
(ع) : ( الشّاكر أسعد بالشُّكر منه بالنّعمة الّتي
أوجبت الشُّكر ؛ لأنّ النِّعم متاع والشُّكر نعم وعقبى ) |
الفهرس أعلام
الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام). الفصل الأوّل : الإمام علي بن محمد الهادي (عليه
السلام) في سطور.
الفصل
الثاني : انطباعات عن شخصيّة الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام).
الفصل
الثالث : مظاهر من شخصيّة الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام).
الفصل
الأوّل : نشأة الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام). الفصل
الثاني : مراحل حياة الإمام الهادي (عليه السلام). الفصل
الثالث : الإمام علي بن محمد الهادي في ظلّ أبيه الجواد (عليهما السلام).
الشيعة وإمامة الجواد (عليه السلام).
الإمام الجواد (عليه السلام) والمأمون العباسي....
زواج الإمام الجواد (عليه السلام). الإمام الجواد (عليه السلام) والمعتصم.
نصوص الإمام الجواد (عليه السلام) على إمامة ولده الهادي
(عليه السلام).
استشهاد الإمام الجواد (عليه السلام).
الفصل
الأوّل : المسيرة الرسالية لأهل البيت (عليهم السلام). مضاعفات الانحراف بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله).
المهامّ الرساليّة للأئمّة الطاهرين..
موقف أهل البيت (عليهم السلام) من انحراف الحكّام.
أهل البيت (عليهم السلام) وتربية الأُمّة.
مراحل الحركة الرسالية للائمّة الراشدين (عليهم السلام).
موقع الإمام الهادي (عليه السلام) في عملية التغيير
الشاملة.
الفصل
الثاني : عصر الإمام علي بن محمّد الهادي (عليه السلام). الإمام الهادي (عليه السلام) والمعتصم العباسي....
الإمام الهادي (عليه السلام) وبغا الكبير..
موقف الإمام الهادي (عليه السلام) من مسألة خلق القرآن..
إخبار الإمام الهادي (عليه السلام) بموت الواثق..
الإمام الهادي (عليه السلام) والمتوكّل العبّاسي....
الوشاية بالإمام (عليه السلام). الإمام (عليه السلام) في سامراء. تفتيش دار الإمام (عليه السلام). محاولة اغتيال الإمام الهادي (عليه السلام).
دعاء الإمام (عليه السلام) على المتوكّل...
الفصل
الثالث : ملامح عصر الإمام الهادي (عليه السلام). 4 ـ الموقع الاجتماعي والسياسي للإمام الهادي (عليه
السلام).
5 ـ العباسيون والإمام الهادي (عليه السلام).
6 ـ اضطهاد أتباع أهل البيت (عليهم السلام).
الفصل
الأوّل : متطلّبات عصر الإمام الهادي (عليه السلام). متطلّبات
الساحة الإسلامية في عصر الإمام الهادي (عليه السلام). 1 ـ تجنّب إثارة الحكّام وعمّالهم. 2 ـ الردّ على الإثارات الفكرية والشبهات الدينية.
3 ـ التحدّي العلمي للسلطة وعلمائها
4 ـ توسيع دائرة النفوذ في جهاز السلطة.
الفصل
الثاني : الإمام الهادي (عليه السلام) وتكامل بناء الجماعة الصالحة وتحصينها
1 ـ الإمام الهادي (عليه السلام) وقضيّة حفيده المهدي
(عليه السلام).
نصوص الإمام
الهادي (عليه السلام) حول قضيّة الإمام المهدي (ع) : المحور الثاني فهو الأعداد النفسي.... 2 ـ تحصين الجماعة الصالحة وإعدادها لمرحلة الغيبة.
وكلاء الإمام الهادي (عليه السلام).
الفصل
الثالث : الإمام الهادي (عليه السلام) في ذمّة الخلود. استشهاد الإمام الهادي (عليه السلام). البحث الأوّل : أصحاب
الإمام (عليه السلام) ورواة حديثه والبحث الثاني من تراثه (ع)
|
أعلام
الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)
|
أعلام
الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه
السلام) المجمع
العالمي لأهل البيت (عليه السلام) قم المقدّسة |
أهل
البيت في القرآن الكريم ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً
) سورة
الأحزاب / آية : 33 |
أهل
البيت في السنّة النبوية ( إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن
تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً ) ( الصحاح والمسانيد ) |
فهرس إجمالي
|
الباب الأول : الفصل
الأول : نشأة الإمام الهادي (عليه السلام)
... |
المقدمة
|
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله
الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى ، ثم الصلاة والسلام على مَن اختارهم هداةً
لعباده ، لا سيّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمد
(صلَّى الله عليه وآله) وعلى آله الميامين النجباء . ( قُلْ إنّ هُدى الله هو الهُدى ) (الأنعام
(6) : 71) . 2 ـ إبلاغ
الرسالة الإلهية إلى البشرية ولمَن أُرسلوا إليه ، ويتوقّف الإبلاغ على الكفاءة
التامّة التي تتمثّل في ( الاستيعاب والإحاطة اللازمة ) بتفاصيل الرسالة
وأهدافها ومتطلّباتها ، و ( العصمة ) عن الخطأ والانحراف معاً ، قال تعالى : ( كان الناسُ أُمّةً واحدةً فبعث الله النبيِّين مبشّرين
ومنذرين وأنزل معهم الكتابَ بالحقّ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ) (البقرة (2)
: 213) . وقد سلك
الأنبياء السابقون وأوصياؤهم المصطفون طريق الهداية الدامي ، واقتحموا سبيل
التربية الشاقّ ، وتحمّلوا في سبيل أداء المهامّ الرسالية كلّ صعب ، وقدّموا في
سبيل تحقيق أهداف الرسالات الإلهية كلّ ما يمكن أن يقدّمه الإنسان المتفاني في
مبدئه وعقيدته ، ولم يتراجعوا لحظة ، ولم يتلكأوا طرفة عين . وقد توّج
الله جهودهم وجهادهم المستمرّ ـ على مدى العصور ـ برسالة خاتم الأنبياء محمد بن
عبد الله (صلَّى الله عليه وآله) وحمّله الأمانة الكبرى ومسؤولية الهداية بجميع
مراتبها ، طالباً منه تحقيق أهدافها . وقد خطا
الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) في هذا الطريق الوعر خطوات مدهشة ، وحقّق
في أقصر فترة زمنية أكبر نتاج ممكن في حساب الدعوات التغييرية والرسالات الثورية
، وكانت حصيلة جهاده وكدحه ليل نهار خلال عقدين من
الزمن ما يلي : 1 ـ تقديم
رسالة كاملة للبشرية تحتوي على عناصر الديمومة والبقاء . 2 ـ تزويدها بعناصر تصونها من الزيغ
والانحراف . 3 ـ تكوين أُمّة مسلمة تؤمن بالإسلام مبدأً
، وبالرسول قائداً ، وبالشريعة قانوناً للحياة . 4 ـ تأسيس دولة إسلامية وكيان سياسيٍّ يحمل
لواء الإسلام ويطبّق شريعة السماء . 5 ـ تقديم
الوجه المشرق للقيادة الربّانية الحكيمة المتمثّلة في قيادته (صلَّى الله عليه
وآله) . ولتحقيق
أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري : ويختص هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام علي بن محمد الهادي (عليه
السلام) عاشر أئمة أهل البيت (ع) ، وهو المعصوم الثاني عشر من أعلام الهداية
الذي جسّد الإسلام العظيم في القول والعمل كآبائه الطاهرين (صلوات الله عليهم
أجمعين) . المجمع
العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) قم المقدسة |
الباب
الأوّل :
|
الفصل
الأول : الإمام الهادي (عليه السلام) في
سطور . الفصل
الثاني : انطباعات عن شخصيّة الإمام الهادي
(عليه السلام) . الفصل
الثالث : مظاهر من شخصيّة الإمام الهادي
(عليه السلام) . |
الفصل الأوّل : الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) في سطور
|
الإمام
علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب (عليه السلام) هو عاشر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين أذهب الله عنهم
الرجس وطهّرهم تطهيراً . |
الفصل الثاني : انطباعات عن
شخصيّة الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)
|
تعطي كلمات
العلماء والعظماء في الإمام أبي الحسن علي بن محمّد الهادي (عليه السلام) ، صورة
من إكبار المؤالف والمخالف له (عليه السلام) ، وإجماع المسلمين على جلالته
وعظمته . وإليك بعض الانطباعات التي وصلتنا من معاصريه ومَن تلاهم من
العلماء والمؤرّخين عن هذه الشخصية الفريدة . 1
ـ من كتاب للمتوكل العباسي إلى الإمام الهادي (عليه السلام) : بسم
الله الرحمن الرحيم ، أمّا بعد : إنّ أمير المؤمنين عارف بقدرك ، راعٍ لقرابتك ،
موجب لحقّك ، مؤثر في الأمور فيك وفي أهل بيتك لما فيه صلاح حالك وحالهم ،
وتثبيت عِزّك وعِزّهم ، وإدخال الأمر عليك وعليهم ، يبتغي بذلك رضى الله وأداء
ما افترضه عليه فيك وفيهم . 2
ـ قال يحيى بن هرثمة ـ الذي أرسله المتوكل لإشخاص الإمام (عليه السلام) إلى سُرّ
مَن رأى ـ : فذهبت إلى المدينة فلمّا دخلتها
ضجّ أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله خوفاً على علي الهادي ، وقامت
الدنيا على ساق ؛ لأنّه كان محسناً إليهم ،
ملازماً للمسجد ، لم يكن عنده ميل إلى الدنيا ، ثم فتّشت منزله فلم أجد فيه إلاّ
مصاحف وأدعية وكتب العلم ، فعظم في عيني ، وتولّيت خدمته بنفسي ، وأحسنت عشرته ،
فلمّا قدمت به بغداد وبدأت بإسحاق الطاهري وكان والياً على بغداد ، فقال لي : يا
يحيى إنّ هذا الرجل قد ولده رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، والمتوكل مَن
تعلم فإن حرّضته عليه قتله ، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خصمك يوم
القيامة ، فقلت له : والله ما وقفت منه إلاّ على كل أمر جميل (تذكرة
الخواص : 202 .)
. |
الفصل الثالث : مظاهر من
شخصيّة الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)
|
لقد تحلّى
الإمام الهادي (عليه السلام) بمكارم الأخلاق التي بعث جدّه الرسول الأعظم
لتتميمها ، واجتمعت في شخصيته كل عناصر الفضل والكمال التي لا يسعنا الإحاطة بها
ولا تصويرها ، ولكن هذا لا يمنع أن نشير إلى جملة من مكارم أخلاقه التي تجلّت في
صور من سلوكه . 6
ـ تكريمه للعلماء : |
الباب
الثاني :
|
فيه فصول : |
الفصل الأوّل : نشأة الإمام
علي بن محمد الهادي (عليه السلام)
|
1 ـ نسبه الشريف
هو أبو الحسن علي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق
ابن محمد الباقر ابن علي زين العابدين ابن الحسين السبط ابن علي بن أبي طالب وهو
العاشر من أئمة أهل البيت (ع) . 3
ـ بشارة الرسول (صلّى الله عليه وآله) بولادته |
الفصل الثاني : مراحل حياة
الإمام الهادي (عليه السلام)
|
يمكن
تقسيم حياة الإمام الهادي (عليه السلام) التي ناهزت الأربعين سنة إلى مراحل
متعدّدة بلحاظ طبيعة مواقفه وطبيعة الظروف التي كانت تحيط به . غير أنّ
التقسيم الثنائي يتواءم والمنهج الذي اتّبعناه في دراسة حياة الأئمة (عليهم
السلام) ، والذي يرتكز على تنوّع مسؤولياتهم وأدوارهم بحسب الظروف والملابسات
السياسية والاجتماعية التي كانت تحيط بكل واحد منهم ووحدة الهدف الذي يعدّ جامعاً مشتركاً لكل مواقفهم (ع) والذي يتمثّل
في صيانة الشريعة من التحريف وحفظ الأمة الإسلامية من الانحراف عن عقيدتها
ومبادئها وصيانة دولة الرسول (ص) من التردّي ما أمكن والتمهيد لاستلام زمام
الحكم حينما لا يتنافى مع القيم التي شُرّع الحكم من أجل تطبيقها وصيانتها . والمرحلة
الأولى من حياة الإمام الهادي (عليه السلام)
تتمثّل في الحقبة الزمنية التي عاشها في ظلال إمامة أبيه الجواد (عليه السلام)
وهي بين (212 هـ) إلى (220 هـ) ويبلغ أقصاها ثمان سنوات تقريباً . وقد عاصر فيها كلاًّ من : المأمون والمعتصم العباسيين . |
الفصل الثالث : الإمام علي بن
محمد الهادي في ظلّ أبيه الجواد (عليهما السلام)
|
لقد تقلّد
الإمام محمد الجواد (عليه السلام) الزعامة الدينية والمرجعية الفكرية والروحية
للشيعة بعد استشهاد الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) سنة (202 هـ) (إثبات
الوصية : 184 .)
. |
الشيعة
وإمامة الجواد (عليه السلام)
|
بعد
التحاق الإمام الرضا (عليه السلام) بالرفيق الأعلى ، كان عمر الإمام الجواد
(عليه السلام) سبع سنوات وهذه الإمامة المبكّرة كانت أول ظاهرة ملفتة للنظر عند
الشيعة أنفسهم فضلاً عن غيرهم . |
عصر الإمام
الجواد
|
عاصر الإمام
الجواد (ع) من خلفاء بني العباس المأمون (198 ـ 218 هـ) والمعتصم (218 ـ 227 هـ)
، وكان المأمون يتظاهر بالتودّد للإمام الجواد (ع) ، وزوّجه ابنته أم الفضل ،
ومن قبل قد صاهر المأمون الإمام الرضا (عليه السلام) وولاّه عهده وقرّب العلويين
(تاريخ الإسلام : 2 / 66 ـ 67 للدكتور حسن إبراهيم حسن .) . |
الحالة
السياسية
|
كانت
تولية العهد إلى أكثر من شخص واحد
عاملاً مهمّاً في اختلال الوضع الأمني داخل الدولة الإسلامية نتيجة التنازع
والصراع على السلطة بين ولاة العهد ؛ لأنّ أحدهما
كان يرى أن يولّي العهد ابنه بدلاً عن أخيه الذي سبق أن عهد إليه أبوه بالولاية
كما تجلّى ذلك بوضوح في عهد الأمين والمأمون (مروج
الذهب : 4 / 350 ـ 353 .)
أضاع
الخلافة غِشُّ الوزير =
وفِسقُ الإمام ورأي المشير (مروج
الذهب : 3 / 397 .) ولمّا
قُتل الأمين حُمل رأسه إلى خراسان إلى المأمون فأمر بنصب الرأس في صحن الدار على خشبة ،
وأعطى الجند ، وأمر كل مَن قبض رزقه أن يلعنه ، فكان الرجل يقبض ويلعن الرأس ، فقبض بعض العجم عطاءه فقيل له : العن هذا الرأس فقال :
لعن الله هذا ولعن والديه وما ولدا وأدخلهم في كذا وكذا من أُمّهاتهم ، فقيل له
: لعنت أمير المؤمنين ! بحيث يسمع المأمون منه فتبسّم وتغافل ، وأمر بحطّ الرأس
وردّه إلى العراق (مروج الذهب : 3 / 414 .) . 4
ـ أحداث سنة تسع ومائتين : وفي هذه
السنة ظهر نصر بن أشعث العقيلي ، وكانت بينه وبين عبد الله بن طاهر الخزاعي قائد
جيش المأمون حروب كثيرة وطويلة الأمد
(تاريخ الذهبي ،
دول الإسلام : 115 ـ 117 .) . 5
ـ غزو بلاد الروم : وفي سنة خمس
عشرة ومائتين غزا المأمون بلاد الروم وأقام هناك ثلاثة أشهر وافتتح عدّة حصون
وبثّ سراياه تغير وتسبي وتحرق ثم قدم دمشق ودخل إلى مصر (تاريخ
الذهبي دول الإسلام : 115 ـ 117 .) . وامتدّت
هذه الحروب أكثر من سنتين ،
وقد أسرت الروم قائد جيش المأمون وحاصرت جيش المسلمين عام (217 هـ) . |
الإمام الجواد (عليه السلام)
والمأمون العباسي
|
لقد
انتهج المأمون سياسة خاصة تجاه الأئمة من أهل البيت (ع) تباين سياسة أسلافه من
ملوك بني العباس . |
زواج الإمام
الجواد (عليه السلام)
|
واستمراراً
لتوطيد علاقة المأمون بأهل البيت (عليهم السلام) كان تزويجه لابنته ـ أُمّ الفضل
ـ من الإمام الجواد (عليه السلام) ، ولمّا بلغ بني العباس ذلك اجتمعوا فاحتجّوا
؛ لتخوّفهم من أن يخرج السلطان عنهم وأن ينتزع منهم ـ بحسب زعمهم ـ لباس ألبسهم
الله ذلك ، فقالوا للمأمون : ننشدك الله يا أمير
المؤمنين أن تقيم على هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا ، فإنّا
نخاف أن تخرج به عنّا أمراً قد ملّكناه الله وتنزع منّا عزّاً قد ألبسناه الله ،
وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً ، وما كان عليه الخلفاء قبلك
من تبعيدهم والتصغير بهم ، وقد كنّا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت حتى كفانا
الله المهم من ذلك ، فالله الله أن تردّنا إلى غمٍّ قد انحسر عنّا واصرف رأيك عن
ابن الرضا واعدل إلى مَن تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره . |
الإمام
الجواد (عليه السلام) والمعتصم
|
والمعتصم هو
محمد بن هارون الرشيد ثامن خلفاء بني العباس بُويع له بالخلافة سنة (218 هـ) بعد
وفاة المأمون ، وقد خرج المعتصم سنة (217 هـ) لبناء سامراء (تاريخ
أبي الفداء : 1 / 343 .)
. |
نصوص الإمام
الجواد (عليه السلام) على إمامة ولده الهادي (عليه السلام)
|
أ ـ النص الأوّل : فلمّا أصبح
أبي كتب نسخة الرسالة في عشر رقاع بلفظها وختمها ودفعها إلى عشرة من وجوه
العصابة وقال لهم : إن حدث بي حدث الموت قبل أن أطالبكم بها فافتحوها واعملوا
بما فيها . ج ـ النص الثالث : هـ ـ النص الخامس : و
ـ النص السادس : قال أحمد بن
هلال : فأخبرني محمد بن إسماعيل بن بزيع أنّه حضر أُمية بن علي وهو يسأل أبا
جعفر الثاني (عليه السلام) عن ذلك ، فأجابه بمثل ذلك الجواب . ز
ـ النص السابع : |
استشهاد
الإمام الجواد (عليه السلام)
|
إنّ
تقريب الإمام الرضا (عليه السلام) والعهد إليه بولاية الأمر من قِبل المأمون
العباسي ، وكذا ما كان من المأمون تجاه الإمام الجواد (عليه السلام) يعبّر عن
دهاء سياسي في التعامل مع أقوى معارضي الدولة ، حيث يمتلك الإمامان القواعد
الشعبية الواسعة ممّا كان يشكّل خطراً على كيان الدولة ، فكان تصرّف المأمون
معهما من أجل تطويق الخطر المحدق بالكيان السياسي للدولة العباسية ؛ وذلك من
خلال عزل الإمام (عليه السلام) عن قواعده للحدّ من تأثيره في الأمة ، فتقريبه
للإمام (عليه السلام) يعني إقامة جبرية ، ومراقبة دقيقة تحصي عليه حتى أنفاسه
وتتعرّف على مواليه ومقرّبيه ، لمتابعتهم والتضييق عليهم . |
الباب
الثالث :
|
وفيه
فصول : |
الفصل الأوّل : المسيرة الرسالية لأهل البيت (عليهم السلام)
|
المسيرة
الرسالية لأهل البيت (ع) منذ عصر الرسول (صلّى الله عليه وآله) حتى عصر الإمام
الهادي (ع) |
تعتبر
الرسالة الإسلامية الكون مملكة لله سبحانه ، والإنسان خليفة له وأميناً من قِبله
، ينبغي له أن يقوم بأعباء المسؤولية التي حمّله الله إيّاها . لم يكن الإسلام نظرية بشرية لكي
تتحدَّد فكرياً من خلال ممارسة تجارب الخطأ والصواب في التطبيق ، وإنّما هو
رسالة الله التي حُدّدت فيها الأحكام والمفاهيم وزوّدت ربّانياً بكلّ التشريعات
العامّة ، فلا بدّ لزعامة هذه التجربة
من استيعاب الرسالة بحدودها وتفاصيلها ووعي كامل لأحكامها ومفاهيمها ، وإلاّ
كانت مضطرّة إلى استلهام مسبقاتها الذهنية ومرتكزاتها القَبْلية ؛ وذلك يؤدّي
إلى نكسة في مسيرة التجربة وبخاصة إذا لاحظنا أنّ الإسلام كان هو الرسالة
الخاتمة لرسالات السماء التي تمتد مع الزمن وتتعدّى كل الحدود الإقليمية
والقومية ، الأمر الذي لا يسمح بأن تمارس زعامته تجارب الخطأ والصواب التي
تتراكم فيها الأخطاء عبر فترة من الزمن حتى تشكّل ثغرة تهدّد التجربة بالسقوط
والانهيار (بحث حول الولاية : 57
ـ 58 .)
. |
مضاعفات
الانحراف بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله)
|
لقد واجه
الإسلام بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) انحرافاً خطيراً في صميم التجربة
الإسلامية التي أنشأها هذا النبي العظيم (صلّى الله عليه وآله) لأُمّته . انهيار
الدولة الإسلامية ومضاعفاته ومعنى انهيار
الدولة الإسلامية أن تسقط الحضارة الإسلامية وتتخلّى عن قيادة المجتمع ويتفكّك
المجتمع الإسلامي ، ويُقصى الإسلام عن مركزه كقائد للمجتمع وكقائد للأمة ، لكن الأمة تبقى طبعاً ، حين تفشل تجربة المجتمع والدولة
، لكنّها سوف تنهار أمام أوّل غزو يغزوها ، كما انهارت أمام الغزو التتري الذي
واجهته الخلافة العباسية . |
دور الأئمّة
الراشدين
|
إنّ دور
الأئمّة الاثني عشر الذين نصّ عليهم وعلى إمامتهم الرسول (صلّى الله عليه وآله)
واستخلفهم لصيانة الإسلام من أيدي العابثين الذين كانوا يتربّصون به الدوائر ،
وحمّلهم مسؤولية تطبيقه وتربية الإنسانية على أساسه وصيانة دولة الرسول الخاتم
من الانهيار والتردّي يتلخّص في أمرين مهمّين
وخطّين أساسيين : |
المهامّ
الرساليّة للأئمّة الطاهرين
|
من
هنا تنوّعت مهامّ الأئمة الاثني عشر (ع) في مجالات شتّى باعتبار تعدّد العلاقات
وتعدّد الجوانب التي كانت تهمّهم كقيادة واعية رشيدة تريد تطبيق الإسلام وحفظه
وضمان خلوده للإنسانية جمعاء . |
موقف أهل
البيت (عليهم السلام) من انحراف الحكّام
|
كان للأئمّة
المعصومين (عليهم السلام) نشاط مستمر تجاه الحكم القائم والزعامات المنحرفة وقد
تمثّل في إيقاف الحاكم عن المزيد من الانحراف ، بالتوجيه الكلامي تارة ، أو
بالثورة المسلّحة ضد الحاكم حينما كان يشكّل انحرافه خطراً ماحقاً ـ كثورة
الإمام الحسين (عليه السلام) ضد يزيد بن معاوية ـ وإن كلّفهم ذلك حياتهم وقد
عملوا للحدّ من انحراف الحكّام عن طريق إيجاد المعارضة المستمرّة ودعمها بشكل
وآخر من أجل زعزعة القيادة المنحرفة بالرغم من دعمهم للدولة الإسلامية بشكل غير
مباشر حينما كانت تواجه خطراً ماحقاً أمام الكيانات الكافرة . |
أهل البيت (عليهم
السلام) وتربية الأُمّة
|
وكان للأئمّة
الأطهار (عليهم السلام) نشاط مستمر في مجال تربية الأمة عقائدياً وأخلاقياً
وسياسياً ؛ وذلك من خلال تربية الأصحاب العلماء وبناء الكوادر العلمية والشخصيات
النموذجية التي تقوم بمهامّ كبيرة مثل : نشر الوعي والفكر الإسلامي ، وتصحيح
الأخطاء المستجدّة في فهم الرسالة والشريعة ، ومواجهة التيارات الفكرية السياسية
المنحرفة ، أو الشخصيّات العلمية المنحرفة التي كان يوظّفها الحاكم المنحرف لدعم
زعامته . |
سلامة
النظرية الإسلامية
|
وهكذا خرج
الإسلام على مستوى النظرية سليماً من الانحراف وإن تشوّهت معالم التطبيق من خلال
الحكّام المنحرفين ، وتحولّت الأمة إلى أُمّة عقائدية تقف بوجه الغزو الفكري
والسياسي الكافر حتى استطاعت أن تسترجع قدرتها وروحها على المدى البعيد ، كما
لاحظناه في هذا القرن المعاصر بعد عصور الانهيار والتردّي حيث بزغ نور الإسلام
من جديد ليعود بالبشرية إلى مرفأ الحق التليد . |
مراحل الحركة
الرسالية للائمّة الراشدين (عليهم السلام)
|
وإذا
رجعنا إلى تاريخ أهل البيت (عليهم السلام) والظروف التي كانت قد أحاطت بهم
ولاحظنا سيرتهم ومواقفهم العامة والخاصة ؛ استطعنا أن نصنّف ظروفهم ومواقفهم إلى
مراحل وعصور ثلاثة يتميّز بعضها عن بعض بالرغم من اشتراكهم في كثير من الظروف
والمواقف ، ولكنّ الأدوار تتنوّع باعتبار مجموعة الظواهر العامّة التي تشكل
خطّاً فاصلاً ومميّزاً لكل عصر . |
موقع الإمام
الهادي (عليه السلام) في عملية التغيير الشاملة
|
والإمام علي
بن محمد الهادي (عليه السلام) يُصنّف في هذه المرحلة الثالثة من مراحل حركة أهل
البيت (ع) فهو قد مارس نشاطاً مكثّفاً لإعداد الجماعة الصالحة للدخول إلى دور
الغيبة المرتقب ، وتحصين هذا الخط ضد التحدّيات التي كانت توجّه إليه باستمرار . |
الفصل الثاني : عصر الإمام علي
بن محمّد الهادي (عليه السلام)
|
تحدّثنا
عن المرحلة الأولى من حياة الإمام الهادي (عليه السلام)
في ظِلال والده الإمام محمد الجواد (ع) وقد كانت فترة قصيرة جداً لم تتجاوز ثماني سنين ـ على أكثر التقادير ـ وقد قضاها في المدينة المنوّرة ، وكان في شطر منها
بعيداً عن والده ؛ وذلك لأنّ المعتصم العباسي قد استدعاه في سنة (218 هـ) إلى
بغداد . |
المعتصم (218
ـ 227 هـ)
|
هو
محمد بن الرشيد ، وُلد سنة (180 أو 178) ، واستولى على كرسي الخلافة سنة (218
هـ) أُمّه ماردة كانت أحظى الناس عند الرشيد . وهو أوّل خليفة أدخل الأتراك الديوان
وكان يتشبّه بملوك الأعاجم ويمشي مشيتهم ، وبلغت غلمانه الأتراك بضعة عشر ألفاً
. ملوك
بني العباس في الكتب سبعة = ولم
يأتنا في ثامن منهم الكُتْبُ وسار على ما
كان عليه المأمون من امتحان الناس بخلق القرآن وقاسى الناس منه مشقّة في ذلك ،
وقتل عليه خلقاً من العلماء ، وضرب الإمام أحمد بن حنبل في سنة عشرين ومائتين . |
الإمام
الهادي (عليه السلام) والمعتصم العباسي
|
بعد
اغتيال الإمام الجواد (عليه السلام) من قِبل المعتصم عهد
المعتصم إلى عمر بن الفرج أن يشخص بنفسه إلى المدينة ليختار معلّماً لأبي الحسن
الهادي (عليه السلام)
البالغ من العمر آنذاك ست سنين وأشهراً ، وقد عهد إليه أن يكون المعلّم معروفاً
بالنصب والانحراف عن أهل البيت (عليهم السلام) ليغذّيه ببغضهم . ولمّا انتهى
عمر إلى يثرب التقى بالوالي وعرّفه بمهمّته فأرشده الوالي وغيره إلى الجنيدي
الذي كان شديد البغض للعلويين ، فأرسل خلفه وعرّفه بالأمر فاستجاب له بعد أن
عيّن له راتباً شهرياً ، وعهد إليه أن يمنع الشيعة من زيارته والاتصال به . وأضاف
الجنيدي قائلاً : ( هذا الصبي
صغير نشأ بالمدينة بين الجدران السود فمن أين عَلِم هذا العلم الكبير ؟ يا سبحان
الله !! ثم نزع عن نفسه النصب لأهل البيت (عليهم السلام) ودان بالولاء لهم
واعتقد بالإمامة ) (مآثر الكبراء في تاريخ سامراء : 3 / 91 ـ 95 .) . فهذا
الإسراع يُعدّ محاولة للحيلولة دون بزوغ اسم الإمام الهادي (عليه السلام) وسطوع
فضله عند الخاص والعام ؛ لأنّ ما سوف يصدر منه يمكن أن يُنسب إلى معلّمه ومربّيه
. |
الواثق (227
ـ 232 هـ)
|
هو
هارون بن المعتصم ، أُمّه رومية
، وُلد في شعبان (196 هـ) واستولى على الخلافة في
ربيع الأوّل (227 هـ) . يا ذا الذي بعد أبي ظل مختفراً = ما أنت إلاّ مليك جاد إذ قدرا لولا الهوى لتحاربنا على قدر = وان أقف منه يوماً فسوف ترى (تاريخ
الخلفاء : 343 ـ 345 .) وفي
سنة (229 هـ) حبس الواثق كتّاب دولته وألزمهم
أموالاً عظيمة ، فأخذ من أحمد بن إسرائيل ثمانين ألف دينار ، ومن سليمان بن وهب
ـ كاتب ايتاخ ـ أربعمائة ألف دينار ، ومن الحسن بن وهب أربعة عشر ألف دينار ،
ومن إبراهيم بن رباح وكتّابه مائة ألف دينار ، ومن أحمد بن الخصيب مليوناً من
الدنانير ، ومن نجاح ستين ألف دينار ، ومن أبي الوزير مائة وأربعين ألف دينار (الكامل
في التاريخ : 5/269 .)
. |
الإمام
الهادي (عليه السلام) وبغا الكبير
|
وفي
سنة (230 هـ) أغار الأعراب من بني سليم على المدينة ونهبوا الأسواق وقتلوا
النفوس ، ولم يفلح حاكم المدينة في دفعهم حتى ازداد شرّهم واستفحل ؛ فوجّه إليهم
الواثق بغا الكبير ففرّقهم وقتل منهم وأسر آخرين وانهزم الباقون (الكامل
في التاريخ : 5/270 .)
. |
الواثق ومحنة
خلق القرآن
|
وامتحن
الواثق الناس في قضية خلق القرآن ، فكتب إلى القضاة أن يفعلوا ذلك في سائر
البلدان وأن لا يجيزوا إلاّ شهادة مَن قال بالتوحيد ، فحبس بهذا السبب عالماً
كثيراً . |
موقف الإمام
الهادي (عليه السلام) من مسألة خلق القرآن
|
لقد عمّت
الأمة فتنة كبرى زمن المأمون والمعتصم والواثق
بامتحان الناس بخلق القرآن وكانت هذه المسألة مسألة يتوقّف عليها مصير الأمة
الإسلامية ، وقد بيّن الإمام الهادي (عليه السلام) الرأي السديد في هذه المناورة
السياسية التي ابتدعتها السلطة ، فقد روي عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطين أنّه
قال : كتب علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) إلى بعض شيعته ببغداد
: |
إخبار الإمام
الهادي (عليه السلام) بموت الواثق
|
كان
الإمام الهادي (عليه السلام) يتابع التطوّرات السياسية ويرصد الأحداث بدقّة . قلت
: تركته أسوء الناس حالاً في السجن ، فقال : أما إنّه
صاحب الأمر . ما فعل ابن الزيات ؟
قلت : جُعلت فداك الناس معه والأمر أمره . فقال
: أما إنّه شؤم عليه . ثم
سكت وقال لي : لا بد أن تجري مقادير الله تعالى
وأحكامه . يا خيران ، مات الواثق وقد قعد المتوكل جعفر وقد قتل ابن الزيات
. فقلت
: متى جُعلت فداك ؟ قال : بعد خروجك بستة أيّام (أُصول
الكافي : 1 / 498 ح 1 ب 122 .)
. وهذه
الرواية دون شكّ تظهر لنا حدّة الصراع والتنافس على السلطة داخل الأسرة العباسية
الحاكمة ، كما تظهر لنا مدى متابعة الإمام (عليه السلام) للأوضاع العامة
والسياسية أوّلاً بأوّل . واهتمامه
الكبير هذا يوضح مستوى الحالة السياسية التي كانت تعيشها قواعد الإمام (عليه
السلام) الشعبية ومواليه ، فكان يوافيهم بمآل الأحداث السياسية ، ليكونوا على
حذر أولاً ; ولينمّي قابليّاتهم في المتابعة
وتحليل الظواهر ثانياً . |
المتوكّل
(232 ـ 247 هـ)
|
هو جعفر بن المعتصم بن الرشيد ، أُمّه أُمّ ولد اسمها
شجاع . أظهر الميل
إلى السنّة ، ورفع المحنة وكتب بذلك إلى الآفاق سنة (234 هـ) ، واستقدم
المحدّثين إلى سامرّاء وأجزل عطاياهم وأمرهم أن يحدّثوا بأحاديث الصفات والرؤية
. وقالوا
عنه : إنّه كان منهمكاً في اللذات
والشراب ، وكان له أربعة آلاف سُرِّيّة ( أمَة يتسرّى بها ) . وقال
علي بن الجهم : كان المتوكل
مشغوفاً بقبيحة أم المعتزّ ، والتي كانت أُم ولد له ، ومن
أجل شغفه بها أراد تقديم ابنها المعتزّ على
ابنه المنتصر بعد أن كان
قد بايع له بولاية العهد ، وسأل المنتصر
أن ينزل عن العهد فأبى، فكان يُحضره مجلس العامّة ويحطّ منزلته ويتهدّده ويشتمه
ويتوعّده(تاريخ الخلفاء : 349 ـ 350
.)
. فامسِك
ندى كفّيك عنّي ولا تزد = فقد خفتُ أن أطغى وأن
اتجبّرا فقال المتوكل : لا أمسك حتى
يغرقك جودي ، وكان قد أجازه على قصيدة بمائة ألف وعشرين ألفاً (تاريخ
الخلفاء : 349 ـ 350 .)
. يا
سيّدي كيف أخلفتَ وعدي = وتثاقلت عن وفاء بعهدي ؟ وقد
قتل المتوكل والفتح بن خاقان في مجلس لهوهما في ساعة واحدة وفي جوف الليل في الخامس
من شوّال سنة (247 هـ) كما سوف يأتي
بيانه . |
الإمام
الهادي (عليه السلام) والمتوكّل العبّاسي
|
وقد
عُرف المتوكل ببغضه لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ولآل البيت (عليهم السلام)
وشيعتهم ، ففي سنة (236 هـ) أمر بهدم قبر الإمام
الحسين (عليه السلام) وهدم ما حوله من الدور . بالله
إن كانت أُمية قد أتت = قتل ابن بنت
نبيّها مظلوما (تاريخ
الخلفاء ، السيوطي : 347 .) ولم
يقف المتوكّل عند حدّ في عدائه ونصبه لأهل البيت (عليهم السلام) وإيذاء شيعتهم
فقد قتل معلّم أولاده إمام العربية يعقوب ابن السكّيت حين
سأله : مَن أحب إليك ؟ هما ـ يعني ولديه المعتز والمؤيد ـ أو الحسن والحسين ؟ فقال ابن السكّيت : قنبر ـ يعني مولى علي ـ خير
منهما ، فأمر الأتراك فداسوا بطنه حتى مات ، وقيل أمر بسلّ لسانه فمات ، وذلك في
سنة (244 هـ) (تاريخ
الخلفاء : 348 .)
. |
الوشاية
بالإمام (عليه السلام)
|
يبدو من بعض
المصادر أنّ أحد أسباب إشخاص المتوكّل العباسي للإمام الهادي (عليه السلام) إلى
سامراء هو وشاية إمام الحرمين الذي كان معروفاً بالنصب لأهل البيت (عليهم
السلام) وقد كانت هذه الوشايات متتابعة ومتكرّرة ؛ وهذا دليل على عدم الارتياح
لتواجد الإمام الهادي (عليه السلام) بالمدينة ، وتأثيره الكبير على الحرمين معاً
وهما مركز الثقل العلمي والديني في الحاضرة الإسلامية . |
الإمام في
طريقه إلى سامراء
|
وحاول ابن
هرثمة في الطريق إحسان عِشرة الإمام (عليه السلام) وكان يرى من الإمام (عليه
السلام) الكرامات التي ترشده إلى عظمة الإمام ومكانته وحقيقة أمره ، وتوضح له
الجريمة التي يرتكبها في إزعاج الإمام (عليه السلام) والتجسّس عليه . غير أنّ هذا
الإكرام الذي ادّعاه ابن هرثمة يتنافى مع ما أمر به المتوكل من حجب الإمام (عليه
السلام) عنه في يوم وروده إلى سامراء ، ويزيد الأمر إبهاماً وتساؤلاً هو أمره
بإنزال الإمام (عليه السلام) في مكان متواضع جدّاً يُدعى بخان الصعاليك (الإرشاد
: 313 ـ 314 .)
. |
الإمام (عليه
السلام) في سامراء
|
إنّ حجب
المتوكل للإمام الهادي (عليه السلام) لدى وروده والأمر بإنزاله في خان الصعاليك
لو لاحظناه مع ما جاء في رسالة المتوكل للإمام الهادي (عليه السلام) يحمل بين
طيّاته صورة واضحة من نظرة المتوكل إلى الإمام (عليه السلام) ، فهو لا يأبى من
تحقير الإمام وإذلاله كلّما سنحت له الفرصة . ولكنّه كان يحاول التعتيم على ما
يدور في قرارة نفسه ؛ ولهذا أمر بعد ذلك بإفراد دار له فانتقل إليها
. |
تفتيش دار
الإمام (عليه السلام)
|
لم
تحقّق وسائل السلطة ـ في التضييق على الإمام ومراقبته ـ أهدافها في ضبط بعض
القضايا التي تؤكّد صحّة الوشايات بالإمام ، فكثيراً ما سعى بعض المتزلّفين
للخليفة بالإمام (عليه السلام) وأوغروا صدره ضد الإمام (عليه السلام) واخبروا
الخليفة كذباً وزوراً بأنّ لديه السلاح وتُجبى إليه الأموال من الأقاليم ، إلى
غيرها من الأكاذيب التي كانت تدفع بالخليفة إلى إرسال جنده وبعض قوّاده إلى دار
الإمام (عليه السلام) وتفتيشها ، ثم استدعاء الإمام (عليه السلام) إلى بلاط
المتوكل الذي كان ثملاً على مائدة شرابه ، حتى أنّ المتوكل الثمل بعد أن أعظم
الإمام وأجلسه إلى جانبه ناوله الكأس . فقال له
الإمام (عليه السلام) : يا أمير المؤمنين ما خامر
لحمي ودمي قط فأعفني فأعفاه . باتوا
على قلل الأجبال تحرسهم = غلب
الرجال فما أغنتهم القُلَلُ فبكى المتوكل ، ثم أمر برفع الشراب وقال
: يا أبا الحسن أعليك دين ؟ قال : نعم أربعة آلاف
دينار ، فدفعها إليه ورده إلى منزله مكرّماً . وممّا
يعزّز ذلك ما رواه الشيخ الطوسي (رضي الله عنه) بإسناده عن محمد بن الفحام :
أنّ الفتح بن خاقان قال : قد ذكر الرجل ـ يعني المتوكل ـ خبر مال يجيء من قم ،
وقد أمرني أن أرصده لأخبره ، فقلت له ، فقل لي : من أيّ طريق يجيء حتى أجيئه ؟
فجئت إلى الإمام علي بن محمد (عليهما السلام) فصادفت عنده مَن احتشمه فتبسّم
وقال لي : لا يكون إلاّ خيراً يا أبا موسى ، لِم لم تعد الرسالة الأولى ؟ فقلت :
أجللتك يا سيدي . فقال لي : المال يجيء الليلة وليس يصلون إليه فبت عندي . أولاً : إنّ
الإمام كان يعرف شكّ السلطة وهو آخذ حذره ومستيقظ ومتأهّب للأمر ; لذا أجاب مَن
سأله عن المال بأنّه سيصل ولا سبيل للمتوكل وجلاوزته عليه ، وفعلاً وصل المال
سالماً . قال
صقر : الحمد لله . |
محاولة
اغتيال الإمام الهادي (عليه السلام)
|
وقد دبّرت
السلطة الحاكمة آنذاك مؤامرة لقتل الإمام (عليه السلام) ولكنّها لم تنجح ، فقد
روي : أنّ أبا سعيد قال : حدثنا أبو العباس فضل بن أحمد بن إسرائيل الكاتب ونحن
بداره بسُرّ مَن رأى فجرى ذكر أبي الحسن (عليه السلام) فقال : يا أبا سعيد أحدثك
بشيء حدثني به أبي ؟ قال : كنّا مع المنتصر وأبي كاتبه فدخلنا والمتوكل على
سريره فسلّم المنتصر ووقف ووقفت خلفه ، وكان إذا دخل رحّب به وأجلسه ، فأطال
القيام وجعل يرفع رجلاً ويضع أخرى وهو لا يأذن له في القعود ورأيت وجهه يتغيّر
ساعة بعد ساعة ويقول للفتح بن خاقان : هذا الذي يقول فيه ما تقول ؟ ويرد عليه
القول ، والفتح يسكته ويقول : هو مكذوب عليه ، وهو يتلظّى ويستشيط ويقول : والله
لأقتلنّ هذا المرائي الزنديق وهو يدّعي الكذب ويطعن في دولتي . وسيدي ،
فلمّا بصر به الخزر خرّوا سجّداً ، فدعاهم المتوكل وقال : لِمَ لم تفعلوا ما
أمرتكم به ؟ قالوا : شدّة هيبته ، ورأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن
نتأمّلهم ، وامتلأت قلوبنا من ذلك . |
دعاء الإمام
(عليه السلام) على المتوكّل
|
والتجأ
الإمام أبو الحسن الهادي (ع) إلى الله تعالى ، وانقطع إليه ، وقد دعاه بالدعاء
الشريف الذي عُرف ( بدعاء المظلوم على الظالم ) وهو من الكنوز المشرقة عند أهل
البيت (عليهم السلام) (مهج
الدعوات : 50/209 .)
. |
هلاك
المتوكّل
|
واستجاب
الله دعاء وليّه الإمام الهادي (ع) ، فلم يلبث
المتوكل بعد هذا الدعاء سوى ثلاثة أيام حتى هلك . |
المنتصر
بالله (247 ـ 248 هـ)
|
هو
محمّد بن المتوكل بن المعتصم ابن الرشيد ، أُمّه أُمّ ولد رومية اسمها حبشيّة . |
المنتصر
والعلويين
|
وكان
المنتصر ليّناً مع العلويين المظلومين في عهد أبيه ، فعطف عليهم ووجّه بمال
فرّقه عليهم وكان يؤثر مخالفة أبيه في جميع أحواله ومضادّة مذهبه طعناً عليه
ونصرة لفعله (مقاتل الطالبيين : 396 ونحوه في تاريخ الخلفاء : 417 .) . ولقد بررت
الطالبية بعدما = ذمّوا زماناً بعدها وزمانا ورددت
ألفة هاشم فرأيتهم = بعد العداوة بينهم إخوانا (تاريخ
الخلفاء : 417 ، 418 .) يقول أبو
الفرج عنه : وكان المنتصر يظهر الميل إلى أهل البيت (عليهم السلام) ويخالف أباه
في أفعاله فلم يجر منه على أحد منهم قتل أو حبس أو مكروه (مقاتل الطالبيين : 419 .) .
|
الثورات في
عصره
|
لم
يدم حكم المستعين سوى أربع سنوات وأشهر ، وقد تميّزت فترة حكمه
بالاضطرابات التي تعود إلى قوّة الأتراك وضعفه أمامهم ، كما تعود إلى الظلم
والإجحاف بالأمة إلى جانب تنازع العباسيين على السلطة ، وإليك فهرساً بما وقع في أيام حكمه من وثبات وثورات : |
المعتز (252
ـ 255 هـ)
|
هو
محمد بن المتوكل ، ولد سنة (232 هـ) ،
بُويع له وعمره تسع عشرة سنة ، ولم يل الخلافة قبله أحد أصغر منه ، وهو أوّل
خليفة أحدث الركوب
بحلية الذهب ، فقد كان الخلفاء قبله يركبون بالحلية الخفيفة من الفضّة . |
اضطهاد
الشيعة :
|
لقد
ذكر المؤرّخون موقف المعتز المعادي لآل محمد (صلّى الله عليه وآله) واضطهادهم
واضطهاد شيعتهم ، ومن نماذج سيرته أنّه أعمل السيف
في العلويين وآخرين حتّى ماتوا في سجونه ، وممّن قُتل في عهده : 2
ـ إبراهيم بن محمد العلوي فقد قتله طاهر بن عبد الله في وقعة كانت بينه وبين
الكوكبي بقزوين (المصدر
السابق : 433 .) ، وغير هؤلاء كثير
ممّن أعمل ولاة العباسيين فيهم السيف والقتل . |
الفصل الثالث : ملامح عصر
الإمام الهادي (عليه السلام)
|
1 ـ الحالة
السياسية العامّة
|
مارس الإمام الهادي (عليه السلام) مهامّه القيادية في حكم
المعتصم سنة (220هـ) واستشهد في حكم المعتزّ سنة (254 هـ) وخلال هذه السنوات
الأربعة والثلاثين قد عاصر ستّة من ملوك بني العباس الذين لم يتمتّعوا بلذّة
الحكم والخلافة كما تمتّع
آباؤهم ؛ حيث تراوحت فترة خلافة كل منهم بين ستة أشهر وخمسة إلى ثمان سنوات سوى
المتوكل الذي دام حكمه خمسة عشر عاماً . وكان
اغتيال الإمام الهادي (عليه السلام)
في حكم المعتزّ في سنة (254 هـ) (تاريخ
اليعقوبي : 2 / 503 .)
. إنّ
ضعف شخصيّة الحكّام هو أحد عوامل التفكّك والانهيار الذي أصاب الدولة الإسلامية
، وقد رافقه نفوذ زوجاتهم وأُمّهاتهم إلى جانب سيطرة الأتراك الذين اعتمدوا
عليهم للتخلّص من نفوذ الإيرانيين والعرب ، كما كان لظلم الأُمراء والوزراء دوره
البالغ في زعزعة ثقة الناس بالحكّام وإثارة الفتن والشغب داخل بلاد المسلمين (لقد
توالت حوادث الشغب في بغداد من سنة (249 هـ) وتجدّدت أربع مرات حتى سنة (252 هـ)
وبدأت مشاغبات الخوارج من سنة (252 هـ) واستمرّت إلى سنة (262 هـ) . ورافقها
ظهور صاحب الزنج سنة (255هـ) ، وهذه سوى ما سيأتي من انتفاضات العلويين خلال
النصف الأوّل من القرن الثالث الهجري .) ؛
تمرّداً على ظلم الظالمين ونهب ثروات المسلمين والاستهتار بالقيم الإسلامية
والتبذير في بيت مال المسلمين . |
2 ـ الحالة
الثقافية
|
كان
لترجمة الكتب اليونانية والفارسية والهندية إلى العربية أثر كبير في ثقافة هذا
العصر ، وكانت ظاهرة الترجمة قد ابتدأت
منذ أيام المأمون ، وقد أسهمت في رفد الثقافة الإسلامية من جهة والانفتاح على
الثقافات الأخرى التي قد تتقاطع مع ما أفرزته الحضارة الإسلامية من اتجاهات
فكرية وثقافية من جهة أخرى . |
3 ـ الحالة
الاقتصادية
|
إنّ
الاضطرابات السياسية والصراع على السلطة وبدء انفصال أجزاء عن الدولة العباسية
واستقلالها قد أثّر في تدهور الوضع الاقتصادي . |
4 ـ الموقع
الاجتماعي والسياسي للإمام الهادي (عليه السلام)
|
إنّ
حادثة إشخاص الإمام (عليه السلام) من قِبل المتوكل من المدينة إلى سامراء وإيكال
ذلك الأمر إلى يحيى بن هرثمة ، وما نقله يحيى هذا عن حالة أهل المدينة المنوّرة
، وما انتابهم وما أحدثوا من ضجيج واضطراب لإبعاد الإمام (عليه السلام) عنهم ؛
يصوّر لنا مدى تأثّر أهل المدينة بأخلاقيّة الإمام (عليه السلام) المثلى وحسن
سلوكه وتعامله معهم وشدّة اندماجه في حياتهم ، ولا غرو ، فهو سليل دوحة النبوّة
وثمرة شجرة الإمامة التي هي فرع النبوّة ، فالإمام هو حجّة الله سبحانه على خلقه
وهو المثل والقدوة التي يُقتدى بها وهو القيّم والحافظ لرسالة الإسلام . |
5 ـ
العباسيون والإمام الهادي (عليه السلام)
|
تدرّجت
سياسة الحكّام العباسيين في مناهضة أهل البيت (عليهم السلام) بعد أن عرفوا
موقعهم الديني والاجتماعي المتميّز ، وأنّهم لا يداهنون من أجل الحكم والملك ،
بل إنّهم أصحاب مبدأ وعقيدة وقيم ، فكانت سياسة السفّاح والمنصور والرشيد تتلخّص
في الرقابة المشدّدة والتضييق مع فسح المجال للتحرّك المحدود ، ورافقها خلق
البدائل العلمية لئلاّ ينفرد أهل البيت (عليهم السلام) بالمرجعية العلمية
والدينية في الساحة الاجتماعية ، فكان الدعم المباشر من الحكّام لأئمة المذاهب
وتبنّي بعضها والدعوة إليها في هذا الطريق . |
6 ـ اضطهاد
أتباع أهل البيت (عليهم السلام)
|
إذا استثنينا
سياسة المنتصر التي لم تدم سوى ستة أشهر والتي تمثّلت في
اللين مع العلويين وشيعة أهل البيت (عليهم
السلام) فإنّا نجد السياسة العباسية العامة
هي مناهضة أهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم ، وممارسة سياسة العنف معهم بالرغم
من اتّساع رقعة التشيّع بعد تظاهر المأمون باحترامه الخاص للإمام الرضا (ع) . |
7 ـ انتفاضات
العلويين
|
لقد
تمادى المتوكل في إيذاء العلويين ومنعهم حقوقهم التي منحهم الله إيّاها حتى
أشرفوا على الهلاك من شدّة الفقر ، بل تمادى في الجور عليهم حتى قدّم دعوى غير
العلوي على دعوى العلوي إذا تحاكما عند القضاة . 10 و 11 ـ
عيسى بن جعفر العلوي ، ثار مع علي بن زيد في الكوفة سنة (255 هـ) . |
الباب
الرابع :
|
وفيه
فصول : |
الفصل الأوّل : متطلّبات عصر
الإمام الهادي (عليه السلام)
|
بعد أن عرفنا
المهمّ من ملامح عصر الإمام الهادي (عليه السلام) نستطيع الآن
أن نقف على متطلّبات عصره . وسوف نبحث عنها في حقلين :
الأوّل
: متطلّبات الساحة الإسلامية العامة
. الثاني
: متطلّبات الجماعة الصالحة بعد
تمهيد عام لكلا الحقلين . وذلك أنّ
الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) قد تولّى الإمامة بعد استشهاد أبيه الجواد (عليه السلام) سنة (220 هـ) وهو لمّا يبلغ الحلم ؛ إذ لم يتعدّ عمره الثامنة ـ على
أكبر الفروض ـ فهو قد شابه أباه الجواد (ع) في تولّي
الإمامة في سنّ مبكّرة . والقضاء
على الإمام الجواد (عليه السلام) في هذه الظروف كاشف عن مدى عمق الهيمنة الروحية
والعلمية للإمام الجواد (ع) وهو عميد أهل البيت وكبيرهم روحيّاً وعلمياً
وقيادياً ؛ حيث طأطأ لعظمة علماء الطائفة ،
وتعلّقت به قلوب شيعته ومحبّيه ـ فضلاً عن قلوب مَن سواهم ـ ودانت له بالولاء
أعداد غفيرة من المسلمين . وإلاّ فلماذا هذا التسرّع في القضاء عليه وهو لم
يحاول القيام بأيّة حركة أو ثورة ضدّ النظام الحاكم ؟! فما هو
المخرج في رأيهم وبحسب مقاييسهم ؟ وكما علمنا ـ سابقاً ـ أنّ الإمام الهادي (ع)
في كل مراحل حياته التي قضاها في مدينة جدّه أو في سامراء كانت تحت رقابة شديدة
، وقد جرّعوه ما استطاعوا من الغصص التي كانت تتمثّل في محاولات الاحتواء تارة
والتسقيط العلمي تارة أُخرى ثم التحجيم بشتّى أشكاله التي تمثّلت في الاستدعاء
والتحقير والرقابة المكثّفة والسجن ومحاولات الاغتيال المتكرّرة خلال ثلاثة عقود
ونصف تقريباً من سنيّ عمره المبارك . فما
هي إفرازات هذا الواقع الذي ذكرناه من الناحيتين السياسية والاجتماعية ؟ وما هي
النتائج المتوقّعة لمثل هذه القضية التي لابد من إقرارها في نفوس المسلمين ؟
وهنا نصّ جدير بالدراسة والتأمّل قد وصلنا من الإمام الحسن العسكري (عليه
السلام) في هذا الشأن بالخصوص وفيه تأييده لهذه الحقيقة الكبرى . إذن ما أقلّ
الفرص المتاحة للإمام الهادي (ع) للقيام بهذا العبء الثقيل حيث إنّه لابد له أن
يجمع بين الدقّة والحذر من جهة ، والإبلاغ العام ليفوّت الفرص على الحكّام
ويعمّق للأمة مفهوم الانتظار والاستعداد للظهور والنهوض بوجه الظالمين . ولا أقل
من إتمام الحجّة على المسلمين ولو بواسطة المخلصين من أتباعه (ع) . |
متطلّبات الساحة الإسلامية في عصر الإمام الهادي (عليه
السلام)
|
1
ـ ترك مقارعة الحاكمين وتجنّب إثارتهم . |
1 ـ تجنّب
إثارة الحكّام وعمّالهم
|
اتّسم سلوك الإمام الهادي(عليه السلام)
طوال فترة إمامته بالتجنّب من أيّة إثارة للسلطة بدءاً بما فرض عليه من مُؤدّب
يتولّى أمره ، ثم الاستجابة لدعوة المتوكل واستقدامه إلى سامراء وفسح المجال
للتفتيش الذي قد تكرّر في المدينة وسامراء ، بل تعدّى ذلك إلى تطمين المتوكل
بأنّ الإمام (عليه السلام) لا يقصد الثورة عليه حين استعرض المتوكل قوّاته
وقدرته العسكرية وأحضر الإمام في هذا الاستعراض ليطلعه على ما يملكه من قوّة
لئلاّ يفكّر واحد من أهل بيته (عليهم
السلام) بالخروج على الخليفة . وإذا
بالإمام الهادي (عليه
السلام) يجيبه بأنّا لا نناقشكم في الدنيا
نحن مشتغلون بأمر الآخرة فلا عليك شيء ممّا تظن (بحار
الأنوار : 50/155 .)
. روى
ابن شهرآشوب بإسناده عن أبي محمد الفحّام أنّه قال :
سأل المتوكل ابن الجهم مَن أشعر الناس ؟ فذكر الجاهلية والإسلام . ثم أنّه سأل
أبا الحسن (عليه السلام) ، فقال (عليه السلام) الحمّاني
حيث يقول : لقد
فاخرتنا من قريش عصابة =
بمدّ خدود وامتداد أصابع قال : وما
نداء الصوامع يا أبا الحسن ؟ |
2
ـ الردّ على الإثارات الفكرية والشبهات الدينية
|
وقد
لاحظنا في عصر الإمام(عليه السلام) ما امتحنت به الأمة الإسلامية بما عرف بمحنة
خلق القرآن ، والإثارات المستمرّة حول الجبر والتفويض والاختيار . تضمّنت ردّاً
علمياً تفصيلياً على شبهة الجبر والتفويض ، بل تضمّنت بيان منهج بديع سلكه
الإمام (ع) في مقام الرد . وحيث كان الغلو والتصرّف من الظواهر المنحرفة في
المجتمع الإسلامي ، فقد واجههما الإمام الهادي(ع) بالشكل المناسب مع هاتين
الظاهرتين(راجع الفصل الثالث من الباب الأول مبحث ( التحذير من مجادلة الصوفيين
) . وراجع أيضاً مبحث ( الإمام والغلاة ) في الفصل الثاني من الباب الرابع .) . |
3 ـ التحدّي
العلمي للسلطة وعلمائها
|
لقد
كان الاختبار العلمي لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) أقصر طريق للحكام لمعرفة ما
هم عليه من الجدارة العلمية التي هي أحدى مقوّمات الإمامة . وهو في نفس الوقت
أقصر طريق لأهل البيت (عليهم السلام) للتألّق العلمي في المجتمع الإسلامي . قلت
: وعن
الخنثى ، وقول علي (عليه السلام) : يورث من المبال ، فمَن ينظر ـ إذا بال ـ إليه
؟ مع أنّه عسى أن يكون امرأة وقد نظر إليها الرجال ، أو عسى أن يكون رجلاً وقد
نظرت إليه النساء ، وهذا ما لا يحل . وشهادة الجارّ إلى نفسه لا تقبل . |
4 ـ توسيع
دائرة النفوذ في جهاز السلطة
|
إنّ
النفوذ الذي نجده للإمام الهادي (عليه السلام) هو النفوذ المعنوي على عامّة رجال
السلطة بما فيهم مَن لا يدين بالولاية لأهل البيت (عليهم السلام) . |
الفصل الثاني : الإمام الهادي
(عليه السلام) وتكامل بناء الجماعة الصالحة وتحصينها
|
1 ـ الإمام
الهادي (عليه السلام) وقضيّة حفيده المهدي (عليه السلام)
|
عرفنا
أنّ قضية الإمام المهدي (عليه السلام) في عصر الإمام الهادي (عليه السلام) تُعدّ
قضية أساسية للمسلمين بشكل عام ، ولأتباع أهل البيت (عليهم السلام) بشكل خاص ،
والظروف التي كانت تحيط بالإمام الهادي
(عليه السلام) كانت تزداد
حراجة كلّما اقتربت أيّام ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) وغيبته . |
وإليك نصوص
الإمام الهادي (عليه السلام) حول قضيّة الإمام المهدي (عليه السلام) :
|
1
ـ الكليني ، عن علي بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن أيوب بن نوح ، عن أبي الحسن
الثالث (عليه السلام) قال : إذا رفع علمكم من بين
أظهركم فتوقّعوا الفرج من تحت أقدامكم . |
المحور
الثاني فهو الأعداد النفسي
|
وأمّا
المحور الثاني فهو الأعداد النفسي وتحقيق الاستعداد الواقعي لدور غيبة الإمام
المهدي (عليه السلام) من قِبل شيعة الإمام (عليه السلام) . ومنه يبدو
أنّ التعتيم الإعلامي حتى على إمامة الحسن العسكري (عليه السلام) كان مقصوداً
للإمام الهادي (عليه السلام) ، فتارة ينفي إمامة غيره وأخرى يكنّيه وثالثة يصفه
ببعض الصفات التي قد توهم إرادة غيره في بادئ النظر وترشد إليه في نهاية المطاف
كما ورد عنه أنّ هذا الأمر في الكبير من ولدي . 2 ـ وعن علي
بن عمر النوفلي قال : كنت مع أبي الحسن (عليه السلام) في صحن داره فمرّ محمد
ابنه فقلت له جُعلت فداك هذا صاحبنا بعدك ؟ فقال : لا
، صاحبكم بعدي الحسن (أصول
الكافي : 1 / 325 ح 2 .)
. |
2 ـ تحصين الجماعة
الصالحة وإعدادها لمرحلة الغيبة
|
إنّ
هذا الترصين وإكمال البناء الذي نريد الحديث عنه قد قام به الإمام الهادي (عليه
السلام) في كل المجالات التي تهمّ الجماعة الصالحة التي سوف تفقد نعمة الارتباط
بالإمام المعصوم (عليه السلام) في وقت لاحق وقريب جداً . التحصين العقائدي أ
ـ إنّ الله اختصّ أهل البيت (ع)
بكرامته فجعلهم موضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي . 2
ـ حركة أهل البيت (عليهم السلام) 1
ـ أنّهم الدعاة إلى الله والأدلاّء على مرضاته . عصمكم الله من الزلل وآمنكم من الفتن وطهّركم من الدنس وأَذهب عنكم
الرجس وطهّركم تطهيراً . 4 ـ الموالون لأهل البيت (عليهم السلام) ( أشهدُ أنَّ هذا سابق لكم فيما مضى وجارٍ لكم فيما بقي وأنّ
أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض . ( محتجب بذمّتكم ومعترف بكم مؤمن بإيابكم مُصدِّق برجعتكم منتظر
لأمركم مرتقب لدولتكم آخذ بقولكم عامل بأمركم مستجير بكم زائر لكم عائذ بقبوركم
مستشفع إلى الله عزّ وجلّ بكم ومتقرّب بكم إليه ومقدّمكم أمام طلبتي وحوائجي
وإرادتي في كل أحوالي وأُموري ، مؤمن بسرّكم وعلانيتكم وشاهدكم وغائبكم وأوّلكم
وآخركم ومفوّض في ذلك كلّه إليكم ومسلّم فيه معكم وقلبي لكم مسلم ورأيي لكم تبع
ونصرتي لكم مُعدَّة حتى يحيي الله تعالى دينه بكم ويردّكم في أيامه ويظهركم
لعدله ويُمكّنكم في أرضه فمعكم معكم لا مع غيركم ، آمنت بكم وتولّيت آخركم بما
تولّيت به أوّلكم وبرئت إلى الله عزّ وجلّ من أعدائكم ومن الجبت والطاغوت
والشياطين وحزبهم الظالمين لكم الجاحدين لحقّكم والمارقين من ولايتكم الغاصبين
لإرثكم الشاكين فيكم المنحرفين عنكم ومن كلِّ وليجة دونكم وكل مطاع سواكم ومن
الأئمة الذين يدعون إلى النار . طأطأ كل شريف لشرفكم وبخع كل متكبّر لطاعتكم وخضع كل جبّار لفضلكم
وذلّ كل شيء لكم وأشرقت الأرض بنوركم وفاز الفائزون بولايتكم ، بكم يُسلك إلى
الرضوان وعلى مَن جحد ولايتكم غضب الرحمان . ثانياً ـ زيارة الغدير كان
أوّل ذكر آمن برسول الله (صلّى الله عليه وآله) وصلّى معه ، وصدّق بما جاءه من
عند الله علي بن أبي طالب (ع) وهو يومئذٍ ابن عشر سنين
(السيرة النبوية ، ابن إسحاق : 1/262 وعنه في الطبري : 2/312 .) . التحصين العلمي التحصين
التربوي وأمّا دعاؤه للمؤمنين وسعيه في قضاء حوائجهم فيشهد له ما يلي : التحصين
الأمني أ
ـ الحذر من تدوين الأُمور ب
ـ تغيير الأسماء |
نظام الوكلاء
|
بعد
أن أكّد الأئمة من أهل البيت (ع) على دورهم القيادي الديني في أوساط الجماعة
الصالحة وأوضحوا أهمّيّة الولاء لهم ، وأخذت تتسع الرقعة الجغرافية لأتباع أهل
البيت (ع) ، واحتاجوا إلى مَن يلبّي حاجاتهم الدينية ويكون حلقة وصل بينهم وبين
أئمتهم (عليهم السلام) بادر الأئمة (ع) إلى تعيين الوكلاء المعتمدين لهم في
مختلف المناطق وأرجعوا إليهم أتباعهم . والمهامّ
التي تولاّها الوكلاء لهم تمثّلت في بيان الأحكام الشرعية والمواقف السياسية
والاجتماعية ، وتوجيه النصائح الأخلاقية والتربوية ، واستلام الحقوق الشرعية
وتوزيعها ، وفصل النزاعات وتولّي الأوقاف وأمور القاصرين الذين لا وليّ لهم . |
وكلاء الإمام
الهادي (عليه السلام)
|
قد وقفنا على أسماء جملة من وكلاء الإمام الهادي (عليه السلام)
في مختلف المناطق وهم : وقد انحرف
بعضهم عن الطريق الذي رُسم له ، وكان الأئمة (عليهم السلام) يوضحون الأمر عند
انحراف بعض الوكلاء عن الطريق المقرر لهم حينما كانت تغريهم الأموال التي يحصلون
عليها فيستغلون منصب الوكالة لأغراض دنيوية مادية . ولا يسمحون لهم بإغراء الناس
واستغلالهم . |
التحصين
الاقتصادي
|
عرفنا
ـ ممّا ذكر ـ أنّ التحصين الاقتصادي هو أحد الأهداف المنظورة في تخطيط أهل البيت
(عليهم السلام) للجماعة الصالحة التي أرادوا لها أن تستقلّ في كيانها ، وتبتعد
عن عوامل الضعف والانهيار التي تفرضها الظروف السياسية أو الاقتصادية العامّة . دخل أبو عمرو
عثمان بن سعيد وأحمد بن إسحاق الأشعري وعليّ بن جعفر الهمداني على أبي الحسن
العسكريّ فشكا إليه أحمد بن إسحاق ديناً عليه ، فقال : يا أبا عمر ـ وكان وكيله
ـ ادفع إليه ثلاثين ألف دينار وإلى عليّ بن جعفر ثلاثين ألف دينار وخذ أنت
ثلاثين ألف دينار (المناقب : 2/488 .)
. |
الفصل الثالث : الإمام الهادي
(عليه السلام) في ذمّة الخلود
|
استشهاد
الإمام الهادي (عليه السلام)
|
ظلّ
الإمام الهادي (ع) يعاني من ظلم الحكّام وجورهم حتّى دُسّ إليه السمّ كما حدث
لآبائه الطّاهرين ، وقد قال الإمام الحسن (عليه السلام) : ما منّا إلاّ مقتول أو مسموم (بحار
الأنوار : 27/216 ، ح 18 .)
. تجهيزه
وحضور الخاصّة والعامّة لتشييعه ثم خرج خادم
فوقف بحذاء أبي محمّد فنهض (عليه السلام) ، وأُخرجت الجنازة ، وخرج يمشي حتى
أُخرج بها إلى الشارع الذي بإزاء دار موسى بن بغا ، وقد كان أبو محمد (عليه
السلام) صلّى عليه قبل أن يخرج إلى النّاس ، وصلّى عليه لمّا أُخرج المعتمد . إنّه
قُبض بسرّ مَن رأى يوم الاثنين ثالث رجب (الدمعة
الساكبة : 8/225 ، بحار الأنوار : 50/206 ، ح 17 .) . ووافقهم
الفتّال النيسابوري في روضة الواعظين حيث قال : توفّي (عليه السلام) بـ (سرّ مَن
رأى) لثلاث ليال خلون نصف النّهار من رجب
(روضة الواعظين :
1/246 .) ;
وللزرندي قول : بأنّه توفّي يوم الاثنين الثالث عشر من رجب (الدمعة
الساكبة : 8/226 .)
. |
الفصل الرابع
: مدرسة الإمام الهادي (عليه
السلام) وتراثه |
لقد تميّز
عصر الإمام الهادي (عليه السلام) عن عصر أبيه الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
بزيادة الكبت والضغط عليه من قِبل السلطة حتى كانت الرقابة الدائمة هي الأمر
المميّز والفارق الواضح في حياته وحياة ابنه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
. |
البحث الأوّل
: أصحاب الإمام (عليه السلام) ورواة حديثه
|
كان الإمام الهادي (عليه السلام) مقصداً
لطلاب العلوم لتنوع ثقافته وشمول معارفه ، فهو (ع) المتخصّص في جميع العلوم ،
والخبير في تفسير القرآن الكريم ، والمتضلّع في الفقه الإسلامي بشتى حقوله
ومستوياته . وفيما
يأتي تراجم بعض أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) ، وقد رتّبناها حسب تسلسل
حروف الهجاء : عدّه الشيخ
من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) ومن أصحاب الإمام الجواد والهادي (عليهما
السلام) ، وقال الكشي : كان وكيله وقد حجّ أربعين حجّة . وكتب الإمام له : ( قد وصل الحساب تقبّل الله منك ورضي عنهم ، وجعلهم معنا في
الدنيا والآخرة ، وقد بعثت إليك من الدنانير بكذا ، ومن الكسوة بكذا ، فبارك لك
فيه ، وفي جميع نعمة الله عليك ، وقد كتبت إلى النضر أمرته أن ينتهي عنك ، وعن
التعرّض لك وبخلافك ، وأعلمته موضعك عندي ، وكتبت إلى أيوب : أمرته بذلك أيضاً ،
وكتبت إلى مواليي بهمدان كتاباً أمرتهم بطاعتك والمصير إلى أمرك ، وأن لا وكيل
لي سواك ) (اختيار معرفة الرجال : 2/869 .) . ودلّت هذه
الرواية على وثاقته وجلالة أمره ، وسموّ مكانته عند الإمام (عليه السلام) . 3
ـ إبراهيم بن مهزيار : 5
ـ أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمّي : (
وأحمد الله إليكم ما أنا عليه من عافيته ، وأُصلّي على نبيّه وآله أفضل صلاته
وأكمل رحمته ورأفته ، وإنّي أقمت ابا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربه
، ومَن كان من قبله من وكلائي ، وصار في منزلته عندي ، وولّيته ما كان يتولاّه
غيره من وكلائي قبلكم ليقبض حقّي ، وارتضيته لكم ، وقدّمته على غيره في ذلك ،
وهو أهله وموضعه ، فصيروا رحمكم الله إلى الدفع إليه ذلك وإليّ ، وأن لا تجعلوا
له على أنفسكم علّة ، فعليكم بالخروج عن ذلك ، والتسرّع إلى طاعة الله ، وتحليل
أموالكم ، والحقن لدمائكم ، وتعاونوا على البرّ والتقوى واتقوا الله لعلّكم
ترحمون ، واعتصموا بحبل الله جميعاً ، ولا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون ، فقد أوجبت
في طاعته طاعتي ، والخروج إلى عصيانه عصياني ، فالزموا الطريق يأجركم الله ،
ويزيدكم من فضله ، فإنّ الله بما عنده واسع كريم ، متطوّل على عباده رحيم ، نحن
وأنتم في وديعة الله وحفظه ، وكتبته بخطّي ، والحمد لله كثيراً )
(معجم رجال الحديث : 5/314 .) . وكشفت
هذه الرسالة عن سموّ مكانة ابن راشد عند الإمام (عليه السلام) وعظيم منزلته عنده
حتى قرن طاعته بطاعته (عليه
السلام) ، وعصيانه بعصيانه (عليه السلام) . لقد كانت
لأبي راشد مكانة مرموقة عند الإمام (عليه السلام) ، ومن الطبيعي أنّه لم يحتل
هذه المنزلة إلاّ بتقواه وورعه ، وشدّة تحرّجه في الدين ، ولمّا توفّي ابن راشد
ترحّم عليه الإمام (ع) ودعا له بالمغفرة والرضوان . وروى
أحمد بن محمد بن عيسى قال : خرجت إلى
الكوفة في طلب الحديث فلقيت بها الحسن بن علي الوشا ، فسألته أن يخرج لي كتاب
العلاء بن رزين القلا ، وأبان بن عثمان الأحمر ، فأخرجهما لي فقلت له : أحب أن
تجيزهما لي فقال لي : يا هذا رحمك الله ، وما عجلتك ، اذهب فاكتبهما ، واسمع من
بعد ، فقلت : لا آمن الحدثان ، فقال : لو علمت أنّ هذا الحديث يكون له هذا الطلب
لاستكثرت منه ، فإنّي أدركت في هذا المسجد ـ يعني مسجد الكوفة ـ تسعمائة شيخ
كلٌّ يقول : حدثني جعفر بن محمد ، وكان هذا الشيخ عيناً من عيون هذه الطائفة وله
كتب منها : ثواب الحج ،والمناسك والنوادر (معجم
رجال الحديث : 6/38 .)
. 11
ـ الريّان بن الصلت : واستفسر عبد
العظيم عن الحجّة من بعده قائلاً : وكيف ذاك يا مولاي ؟ قال الإمام (عليه
السلام) : ( لأنّه لا يرى شخصه ، ولا يحل ذكره باسمه
، حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما مُلئت ظلماً وجوراً ) . يكنّى أبا
عمرو ، الثقة الزكي ، خدم الإمام الهادي (عليه السلام) وله من العمر إحدى عشرة
سنة ، احتلّ المكانة المرموقة عند الإمام (عليه السلام) ، فقد روى أحمد ابن
إسحاق القمّي قال : دخلت على أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من
الأيام فقلت له : يا سيدي أنا أغيب وأشهد ، ولا يتهيّأ لي الوصول إليك إذا شهدت
في كل وقت فقول مَن نقبل ، وأمر مَن نمتثل ؟ فقال
(عليه السلام) : هذا
أبو عمرو الثقة الأمين ، ما قاله لكم فعنّي يقوله ، وما أدّاه إليكم فعنّي
يؤدّيه . أ
ـ عبادته : كان من عيون المتّقين والصالحين ،
ويقول المؤرّخون : إنّه كان إذا طلعت الشمس سجد لله تعالى ، وكان لا يرفع رأسه
حتى يدعو لألف من إخوانه بمثل ما دعا لنفسه ، وكان على جبهته سجّادة مثل ركبة
البعير من كثرة سجوده (اختيار
معرفة الرجال : 2/825 .)
. (
يا علي قد بلوتك وخبرتك في النصيحة والطاعة والخدمة والتوقير ، والقيام بما يجب
عليك ، فلو قلت : إنّي لم أر مثلك لرجوت أن أكون صادقاً فجزاك الله جنّات
الفردوس نزلاً . وما خفي علي مقامك ولا خدمتك ، في الحرّ والبرد ، في الليل
والنهار ، فأسأل الله إذا جمع الخلائق للقيامة أن يحبوك برحمة تغتبط بها إنّه
سميع الدعاء ) (معجم
رجال الحديث : 13/211 .)
. 15
ـ الفضل بن شاذان النيشابوري : أ
ـ ثناء الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عليه :
وأشاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بالفضل بن شاذان ، وأثنى عليه ثناءً
عاطراً ، فقد عرضت عليه إحدى مؤلّفاته فنظر فيه فترحّم عليه وقال : ( أغبط أهل خراسان بمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهرهم )
(جامع الرواة : 2/5 .) . 17
ـ محمد بن الحسن بن أبي الخطّاب الزيّات : 20
ـ يعقوب بن إسحاق : |
البحث الثاني
: نماذج من تراث الإمام الهادي (عليه السلام) |
1 ـ من تراثه التفسيري : 2 ـ من تراثه الكلامي وهي
دالّة على المسمّى وذلك أنَّ الإنسان وإن قيل واحدٌ فإنّه يخبر أنّه جثّة واحدة
وليس باثنين والإنسان نفسه ليس بواحد ؛ لأنَّ أعضاءه مختلفة وألوانه مختلفة ومن
ألوانه مختلفة غير واحد وهو أجزاء مجزّأة ، ليست بسواء . 4 ـ عن عليّ
بن إبراهيم ، عن المختار بن محمّد الهمدانيّ وعن محمّد ابن الحسن ، عن عبد الله
بن الحسن العلويّ جميعاً ، عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ ، عن أبي الحسن (عليه
السلام) قال : إنَّ لله إرادتين ومشيئتين : إرادة حتم
وإرادة عزم ، ينهى وهو يشاء ويأمر وهو يشاء . أو ما رأيت أنّه نهى آدم وزوجته أن
يأكلا من الشجرة وشاء ذلك ولو لم يشأ أن يأكلا لمّا غلبت مشيئتهما مشيئة الله
تعالى ، وأمر إبراهيم أن يذبح إسحاق ولم يشأ أن يذبحه ولو شاء لما غلبت مشيئة
إبراهيم مشيئة الله تعالى (أصول
الكافي : 1 / 151 . واعلم أنّ الرواية مشتملة على كون المأمور بالذبح إسحاق دون
إسماعيل وهو خلاف ما تظافرت عليه أخبار الشيعة . )
. 8 ـ رسالته
(عليه السلام) المعروفة في الردّ على أهل الجبر والتّفويض : ( من عليّ بن محمّد ; سلام عليكم وعلى مَن اتّبع الهدى
ورحمة الله وبركاته ; فإنّه ورد عليَّ كتابكم (رواها
الطبرسي بتلخيص في الاحتجاج تحت عنوان رسالته (عليه السلام) إلى أهل الأهواز حين
سألوه عن الجبر والتفويض ، راجع بحار الأنوار : 50/68 .)
وفهمت ما ذكرتم من اختلافكم في دينكم وخوضكم في القدر ومقالة مَن يقول منكم
بالجبر ومَن يقول بالتفويض وتفرُّقكم في ذلك وتقاطعكم وما ظهر من العداوة بينكم
، ثمّ سألتموني عنه وبيانه لكم وفهمت ذلك كلَّه . وإنّما
قدَّمنا هذا الشَّرح والبيان دليلاً على ما أردنا وقوَّة لما نحن مبيِّنوه من
أمر الجبر والتَّفويض والمنزلة بين المنزلتين وبالله العون والقوَّة وعليه
نتوكَّل في جميع أُمورنا فإنّا نبدأ من ذلك بقول الصّادق (عليه السلام) : ( لا جبر ولا تفويض ولكن منزلة بين المنزلتين وهي صحَّة
الخلقة وتخلية السَّرب (السرب ـ بالفتح ـ : الطريق والصدر ـ وبالكسر ـ أيضاً : الطريق والقلب
ـ وبالتحريك ـ الماء السائل .)
والمهلة في الوقت والزَّاد مثل الرَّاحلة والسَّبب
المهيِّج للفاعل على فعله ) ، فهذه خمسة أشياء جمع به الصّادق (عليه
السلام) جوامع الفضل ، فإذا نقص العبد منها خلَّة كان العمل عنه مطروحاً بحسبه ،
فأخبر الصّادق (عليه السلام) بأصل ما يجب على النّاس من طلب معرفته ونطق الكتاب
بتصديقه فشهد بذلك محكمات آيات رسوله ؛ لأنّ الرّسول (صلّى الله عليه وآله) وآله
(عليهم السلام) لا يعدون شيئاً من قوله وأقاويلهم حدود القرآن ، فإذا وردت حقائق
الأخبار والتُمست شواهدها من التَّنزيل فوجد لها موافقاً وعليها دليلاً كان
الاقتداءُ بها فرضاً لا يتعدّاه إلاّ أهل العناد كما ذكرنا في أوَّل الكتاب ،
ولمّا التمسنا تحقيق ما قاله الصّادق (عليه السلام) من المنزلة بين المنزلتين
وإنكاره الجبر والتفويض وجدنا الكتاب قد شهد له وصدَّق مقالته في هذا
. 3 ـ من تراثه الفقهي 6 ـ عن أبي
إسحاق بن عبد الله العلوي العريضي قال : وحك في صدري ما الأيام التي تُصام ؟
فقصدت مولانا أبا الحسن علي بن محمد (عليهما السلام) وهو بصربا
. 9 ـ عن أبي
علي بن راشد قال : قلت لأبي الحسن الثالث (عليه السلام) : إنّا نؤتى بالشيء
فيقال هذا كان لأبي جعفر (عليه السلام) عندنا ، فكيف نصنع ؟ فقال : ما كان لأبي (عليه السلام) بسبب الإمامة فهو لي وما كان غير
ذلك فهو ميراث على كتاب الله وسنّة نبيّه (صلّى الله عليه وآله) (مَن
لا يحضره الفقيه : 2 / 42 .)
. 10
ـ عن إبراهيم بن محمد قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) ، أسأله
عمّا يجب في الضياع ، فكتب : الخمس بعد المؤونة ، قال : فناظرت أصحابنا فقالوا :
المؤونة بعدما يأخذ السلطان ، وبعد مؤونة الرجل ، فكتبت إليه أنّك قلت : الخمس
بعد المؤونة وإن أصحابنا اختلفوا في المؤونة ؟ فكتب : الخمس
بعدما يأخذ السلطان وبعد مؤونة الرجل وعياله
(تفسير العياشي : 2 / 63 .) . 2
ـ دعاء الاعتصام ، وهذا نصّه : ( يا عدّتي عند العدد
، ويا رجائي والمعتمد ، ويا كهفي والسند ويا واحد يا أحد ، يا قل هو الله أحد ،
أسألك بحق مَن خلقته من خلقك ، ولم تجعل في خلقك مثلهم أحد أن تصلّي عليهم ...
ثمّ تذكر حاجتك ) (راجع
حياة الإمام علي الهادي : 131 ـ 136 .) . 2 ـ قال
(عليه السلام) : ( مَن سأل فوق قدر حقّه فهو أولى
بالحرمان ) . 18 ـ قال (ع)
: ( العجب صارف عن طلب العلم ، وداع إلى الغمط (غمط
الناس : احتقرهم وتكبّر عليهم .)
في الجهل ) . 43 ـ وقال
(ع) : ( الشّاكر أسعد بالشُّكر منه بالنّعمة الّتي
أوجبت الشُّكر ؛ لأنّ النِّعم متاع والشُّكر نعم وعقبى ) |
الفهرس أعلام
الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام). الفصل الأوّل : الإمام علي بن محمد الهادي (عليه
السلام) في سطور.
الفصل
الثاني : انطباعات عن شخصيّة الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام).
الفصل
الثالث : مظاهر من شخصيّة الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام).
الفصل
الأوّل : نشأة الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام). الفصل
الثاني : مراحل حياة الإمام الهادي (عليه السلام). الفصل
الثالث : الإمام علي بن محمد الهادي في ظلّ أبيه الجواد (عليهما السلام).
الشيعة وإمامة الجواد (عليه السلام).
الإمام الجواد (عليه السلام) والمأمون العباسي....
زواج الإمام الجواد (عليه السلام). الإمام الجواد (عليه السلام) والمعتصم.
نصوص الإمام الجواد (عليه السلام) على إمامة ولده الهادي
(عليه السلام).
استشهاد الإمام الجواد (عليه السلام).
الفصل
الأوّل : المسيرة الرسالية لأهل البيت (عليهم السلام). مضاعفات الانحراف بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله).
المهامّ الرساليّة للأئمّة الطاهرين..
موقف أهل البيت (عليهم السلام) من انحراف الحكّام.
أهل البيت (عليهم السلام) وتربية الأُمّة.
مراحل الحركة الرسالية للائمّة الراشدين (عليهم السلام).
موقع الإمام الهادي (عليه السلام) في عملية التغيير
الشاملة.
الفصل
الثاني : عصر الإمام علي بن محمّد الهادي (عليه السلام). الإمام الهادي (عليه السلام) والمعتصم العباسي....
الإمام الهادي (عليه السلام) وبغا الكبير..
موقف الإمام الهادي (عليه السلام) من مسألة خلق القرآن..
إخبار الإمام الهادي (عليه السلام) بموت الواثق..
الإمام الهادي (عليه السلام) والمتوكّل العبّاسي....
الوشاية بالإمام (عليه السلام). الإمام (عليه السلام) في سامراء. تفتيش دار الإمام (عليه السلام). محاولة اغتيال الإمام الهادي (عليه السلام).
دعاء الإمام (عليه السلام) على المتوكّل...
الفصل
الثالث : ملامح عصر الإمام الهادي (عليه السلام). 4 ـ الموقع الاجتماعي والسياسي للإمام الهادي (عليه
السلام).
5 ـ العباسيون والإمام الهادي (عليه السلام).
6 ـ اضطهاد أتباع أهل البيت (عليهم السلام).
الفصل
الأوّل : متطلّبات عصر الإمام الهادي (عليه السلام). متطلّبات
الساحة الإسلامية في عصر الإمام الهادي (عليه السلام). 1 ـ تجنّب إثارة الحكّام وعمّالهم. 2 ـ الردّ على الإثارات الفكرية والشبهات الدينية.
3 ـ التحدّي العلمي للسلطة وعلمائها
4 ـ توسيع دائرة النفوذ في جهاز السلطة.
الفصل
الثاني : الإمام الهادي (عليه السلام) وتكامل بناء الجماعة الصالحة وتحصينها
1 ـ الإمام الهادي (عليه السلام) وقضيّة حفيده المهدي
(عليه السلام).
نصوص الإمام
الهادي (عليه السلام) حول قضيّة الإمام المهدي (ع) : المحور الثاني فهو الأعداد النفسي.... 2 ـ تحصين الجماعة الصالحة وإعدادها لمرحلة الغيبة.
وكلاء الإمام الهادي (عليه السلام).
الفصل
الثالث : الإمام الهادي (عليه السلام) في ذمّة الخلود. استشهاد الإمام الهادي (عليه السلام). البحث الأوّل : أصحاب
الإمام (عليه السلام) ورواة حديثه والبحث الثاني من تراثه (ع)
|