- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
الإمام
الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)
|
|
الإمام الحسن بن علي
العسكري(عليه السلام) |
|
أهل
البيت في القرآن الكريم (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ
الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) الأحزاب: 33
/ 33 |
|
أهل
البيت في الُسنّة النبويّة (إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن
تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً) (الصحاح
والمسانيد) |
|
الفهرس إجمالي
|
|
مقدمة
المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)...
الفصل
الثاني: الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) ومتطلبات الجماعة الإسلامية... |
|
المقدمة
|
|
الحمد
لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، ثم الصلاة والسلام على من اختارهم هداةً
لعباده، لا سيَّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمد
(صلَّى الله عليه وآله) وعلى آله الميامين النجباء. (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)(الأنعام
(6): 71). (وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(البقرة
(2): 213). (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)(الأحزاب
(33): 4). (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ)(آل عمران (3): 101). (قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الْحَقِّ
أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ
كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(يونس (10): 35). (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ
مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إلى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(سبأ
(34): 6). (ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من الله)(القصص
(28):50). فالله
تعالى هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان
إلى الصراط المستقيم وإلى الحقّ القويم. وهذه الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم. ولقد
أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى
الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال، ومن هنا قال تعالى: (وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ)(الذاريات
(51): 56). وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، كانت المعرفة
والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال. وبعد
أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال;
لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة; والهوى الناشئ منهما، والملازم لهما فمن
هنا احتاج الإنسان ـ بالإضافة إلى عقله وسائر أدوات المعرفة
ـ إلى ما يضمن له سلامة البصيرة والرؤية; كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة
الهداية، وتتوفّر لديه كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو
طريق الشرّ والشقاء بملء إرادته. ويتولّى أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم الهداة المهديّون مهمّة الهداية
بجميع مراتبها، والتي تتلخّص في: 1 ـ تلقِّي الوحي بشكل كامل واستيعاب
الرسالة الإلهية بصورة دقيقة. وهذه المرحلة تتطلّب الاستعداد التام لتلقّي
الرسالة، ومن هنا يكون الاصطفاء الإلهي لرسله شأناً من شؤونه، كما أفصح بذلك
الذكر الحكيم قائلاً: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ
يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)(الأنعام (6): 124) و(اللَّهَ
يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ)(آل عمران (3): 179). 2 ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى البشرية
ولمن أرسلوا إليه، ويتوقّف الإبلاغ على الكفاءة التامّة التي تتمثّل في
(الاستيعاب والإحاطة اللازمة) بتفاصيل الرسالة وأهدافها ومتطلّباتها، و (العصمة)
عن الخطأ والانحراف معاً، قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ
أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ
وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا
اخْتَلَفُوا فِيهِ)(البقرة (2): 213). 3 ـ تكوين أُمة مؤمنة بالرسالة الإلهية،
وإعدادها لدعم القيادة الهادية من أجل تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في الحياة،
وقد صرّحت آيات الذكر الحكيم بهذه المهمّة مستخدمةً عنواني التزكية والتعليم،
قال تعالى: (يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ)(الجمعة(62): 2) والتزكية هي التربية باتجاه الكمال اللائق
بالإنسان. وتتطلّب التربية القدوة الصالحة التي تتمتّع بكلّ عناصر الكمال، كما
قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب (33): 21). ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري: وتبلورت
حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم على نهج الرسول العظيم وانفتاح الأمة عليهم
والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم،
فكانوا هم الأدلَّاء على الله وعلى مرضاته، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين
في محبّته، والذائبين في الشوق إليه، والسابقين إلى تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ
المنشود. ويختصّ
هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام الحسن بن علي العسكري(عليه السلام)، وهو الحادي
عشر من أئمة أهل البيت الاثني عشر الذين استخلفهم رسول الله(صلَّى الله عليه
وآله) بأمر من الله تعالى ونص على إمامتهم وخلافتهم له وجعلهم أمناء على شريعته
وأمته من بعده. ولا بدَّ لنا من تقديم الشكر إلى كلّ
الإخوة الأعزّاء الذين بذلوا جهداً وافراً وشاركوا في إنجاز هذا المشروع المبارك
وإخراجه إلى عالم النور ، لا سيَّما أعضاء لجنة التأليف بإشراف سماحة السيد منذر
الحكيم حفظه الله تعالى . ولا يسعنا إلاّ أن نبتهل إلى الله تعالى بالدعاء
والشكر لتوفيقه على إنجاز هذه الموسوعة المباركة فإنه حسبنا ونعم النصير. المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) قم المقدسة |
|
الباب
الأول
|
|
فيه فصول: |
|
الفصل
الأول: الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) في سطور
|
|
الإمام
الحسن بن علي العسكري هو المعصوم الثالث عشر
والإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت (ع) بعد
رسول الله (صلَّى الله عليه وآله). لقد كان الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) أستاذ العلماء وقدوة
العابدين وزعيم المعارضة السياسية والعقائدية في عصره،
وكان يشار إليه بالبنان وتهفو إليه النفوس بالحبّ والولاء كما كانت تهفو إلى
أبيه وجدّه اللذين عُرف كل منهما بابن الرضا (عليهما السلام)، كل هذا رغم معاداة
السلطة لأهل البيت (عليهم السلام) وملاحقتها لهم ولشيعتهم. |
|
الفصل
الثاني: انطباعات عن شخصية الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
|
|
احتلّ
أهل البيت (عليهم السلام) المنزلة الرفيعة في قلوب المسلمين لما تحلّوا به من
درجات عالية من العلم والفضل والتقوى والعبادة فضلاً عن النصوص الكثيرة الواردة
عن الرسول (صلَّى الله عليه وآله) في الحث على التمسّك بهم والأخذ عنهم. 5 ـ راهب دير العاقول: 10 ـ العلاّمة الشبراوي الشافعي: |
|
الفصل
الثالث: مظاهر من شخصية الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)
|
|
لقد
كان الإمام أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام) في معالي أخلاقه نفحة من نفحات
الرسالة الإسلامية فقد كان على جانب عظيم من سموّ الأخلاق، يقابل الصديق والعدو
بمكارم أخلاقه ومعالي صفاته، وكانت هذه الظاهرة من أبرز مكوناته النفسية، ورثها
عن آبائه وجده رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) الذي وسع الناس جميعاً بمكارم
أخلاقه، وقد أثّرت مكارم أخلاقه على أعدائه والحاقدين عليه، فانقلبوا من بغضه
إلى حبه والإخلاص له.( حياة الإمام الحسن العسكري(عليه السلام): 42.) سماحته
وكرمه زهده وعبادته |
|
الباب الثاني
|
|
فيه فصول: |
|
الفصل
الأول: نشأة الإمام الحسن بن علي العسكري(عليه السلام)
|
|
نسبه الشريف: ويلاحظ هنا اختلاف المؤرخين والرواة في تاريخ ميلاده الشريف
من حيث اليوم والشهر والسنة التي ولد فيها. و شاهد آخر على حراجة الظروف السياسية والاجتماعية التي كانت تحيط
بالإمامين العسكريين علي بن محمد والحسن بن علي(ع )
والتي كانت تحتم إبعاد الإمام العسكري من الأضواء والاتصال بالعامة إلاّ في حدود
يسمح الظرف بها أو تفرضها ضرورة بيان منزلته وإمامته وعلو مكانته وإتمام الحجة
به على الخواص والثقاة من أصحابه ، كل ذلك من أجل الحفاظ على حياته من طواغيت
بني العباس. |
|
الفصل
الثاني: مراحل حياة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
|
|
تنقسم حياة الإمام العسكري (عليه السلام) إلى مرحلتين متميزتين: المرحلة الثانية: هي أيام إمامته حتى استشهاده والتي تبدأ من سنة (254هـ) وحتى سنة استشهاده (260هـ) وهي
مرحلة حافلة بأحداث مهمة على الرغم من قصرها. |
|
الفصل الثالث: الإمام الحسن العسكري في ظلّ أبيه (عليهما
السلام)
|
|
كان شخوص الإمام الهادي مع ابنه الحسن العسكري (ع)
من المدينة سنة (234هـ) ( تاريخ الطبري: 7 / 519.)،
ورافقه خلال مدة تواجده في سامرّاء البالغة عشرين سنة
فيكون قد عاش الإمام الحسن العسكري(ع) في ظل أبيه اثنين وعشرين سنة حيث
استشهد أبوه الإمام الهادي(عليه السلام) سنة(254هـ). |
|
1 ـ طفولة متميّزة
|
|
روي
أن شخصاً مرّ بالحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) وهو
واقف مع أترابه من الصبيان، يبكي، فظنّ ذلك الشخص أن هذا الصبيّ يبكي
متحسّراً على ما في أيدي أترابه، ولذا فهو لا يشاركهم في لعبهم، فقال له: أشتري
لك ما تلعب به ؟، فردّ عليه الحسن (عليه السلام): «لا،
ما للّعب خُلِقنا». |
|
2 ـ عصر الإمام الهادي (عليه السلام)
|
|
عاصر
الإمام الهادي (عليه السلام) مدة إمامته ستّة من خلفاء
بني العباس، المعتصم منذ سنة (220 ـ 232 هـ ) والمتوكل
(232 ـ 247 هـ) حيث قتل على يد الأتراك، ثم جاءت أيام المنتصر ـ وكانت مدّة خلافته ستة أشهر ويومين، ثم المستعين (248 ـ 252هـ) كما عاصر الشطر الأكبر من
خلافة المعتز (252 ـ 255هـ) حيث كان استشهاد
الإمام الهادي (عليه السلام) سنة (254هـ) ( تاريخ الطبري: 7 أحداث سنة 234 وسنة 254 هـ.)، وفي هذا العام تولى مهام الإمامة ابنه الحسن بن
علي العسكري (عليهما السلام). |
|
3 ـ مواقف الإمام الهادي (عليه السلام)
تجاه الأحداث
|
|
يتضح
لنا من خلال الإجراءات التي قام بها المتوكل العباسي تجاه الإمام الهادي (عليه
السلام) أنّ حركة الإمام وقيامه بمهامّه إزاء الأمة وخاصّته ـ وهي القواعد
المؤمنة بمرجعيته الفكرية والروحيّة ـ كانت حركة محدودة تخضع لمدى الرقابة
والضغط الموجه إليه والى خاصته. فكان الإمام (عليه السلام) منتهجاً نفس السبيل
الذي انتهجه آباؤه (عليهم السلام)، وعلى وفق المصلحة العليا للرسالة الإسلامية
وبمقدار ما تسمح به الظروف العامة والخاصة التي تحيط بالإمام (عليه السلام) في
عصره وهي ضرورة الحفاظ على مفاهيم الرسالة الإسلامية أوّلاً
ومنع خاصّته من الوقوع في الانحراف أو ما كان يكيده لهم السلطان العباسي من
منزلقات ثانياً. |
|
الإمام الهادي (عليه السلام) والمتوكل
العباسي
|
|
لقد سعى جماعة بالإمام (عليه السلام) إلى المتوكل،
وأخبروه بأن في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها وأنه يطلب الأمر لنفسه، فأرسل
المتوكل مجموعة من الأتراك ليلاً ليهجموا على منزله على حين غفلة، فلمّا باغتوا
الإمام (ع ) وجدوه وحده، مستقبل القبلة وهو يقرأ
القرآن، وليس بينه وبين الأرض بساط فأخذ على الصورة التي وجد عليها، وحمل إلى
المتوكل في جوف الليل، فمثُل بين يدي المتوكل وهو في مجلس شرابه وفي يده كأس،
فلمّا رآه أعظمه وأكبره وأجلسه إلى جانبه ولم يكن في منزله شيء ممّا قيل عنه ولم تكن للمتوكّل حجة يتعلّل بها على الإمام (عليه السلام).
فناول المتوكل الإمام (عليه السلام) الكأس الذي في يده. باتوا على قلل الأجبال تحرسهم = غلب الرجال فما
أغنتهم القلل وطالما عمّروا دوراً لتحصنهم = ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا فبكى المتوكل بكاء كثيراً حتى بلّت
دموعه لحيته، وبكى من حضر ثم أمر برفع الشراب، ثم
قال ياأبا الحسن، أعليك دين ؟ قال الإمام (عليه السلام): نعم، أربعة آلاف دينار، فأمر بدفعها إليه، وردّه إلى
منزله مكرّماً.(
مروج الذهب: 4 / 11 عن المبرّد، ولعلّ عنه ابن خلكان في وفيات الأعيان: 2/434
وعن المسعودي السبط في تذكرة الخواص: 323.) |
|
الإمام الهادي (عليه السلام) ووزير
المنتصر
|
|
وروي
أن الإمام (عليه السلام) كان يساير أحمد بن الخصيب في أثناء وزارته وقد قصُرَ
أبو الحسن ـ أي الإمام الهادي (عليه السلام) ـ عنه فقال له ابن الخصيب: سر،
جُعلت فداك، فقال له أبو الحسن(ع): «أنت المقدّم»،
يقول الراوي فما لبثنا إلاّ أربعة أيام حتى وضع الدهق على ساق ابن الخصيب وقتل.( أصول الكافي: 1/501 ح6
وعنه في الإرشاد: 2/306 وإعلام الورى: 2/116 وعن الإرشاد في كشف الغمة: 3/170.) قل للخليفة ياابن عم محمد =
أشكل وزيرك إنه ركال (مروج الذهب: 4 / 48، والكامل
في التاريخ: 5 / 311.) |
|
الإمام الهادي (عليه السلام) والتحدّي
العلمي
|
|
لم
تنحصر تحديات السلطة بإجراءاتها القمعية ضد الإمام (عليه السلام) بل كانت تعمد
بين الحين والآخر إلى إحراج الإمام في قضايا علميّة حيث تدفع بوعاظها إلى محاججة
الإمام (ع) بطرح أسئلة في مجالس عامة. |
|
الإمام الهادي (عليه السلام) وفتنة خلق
القرآن
|
|
وفي
فترة حكم المأمون العباسي، أثيرت من قبل السلطان العباسي قضية خلق القرآن من أجل إبعاد الأمة عن همومها وأهدافها
بالإضافة إلى توسيع وتعميق شُقّة الخلاف بين أبناء الأمة، ليكون هذا
الخلاف حاجزاً بينهم وبين السلطان المنحرف والبعيد في سلوكه ونشاطه عن الشريعة
الإسلامية. |
|
الإمام الهادي (عليه السلام) مع أصحابه
وشيعته
|
|
لقد
حفلت حياة الإمام (عليه السلام) بالأحداث المريرة إذ كان الصراع على السلطة على
أشدّه بين أبناء الأسرة الحاكمة من جهة، وبين الأمراء والقوّاد الأتراك وغيرهم
من الطامحين في السلطة من جهة ثانية. فكان نتيجة هذا الصراع أن ينال الإمام
الهادي (عليه السلام) وأبناء عمومته وشيعته في هذه الظروف الكثير من الأذى
والاضطهاد باعتباره زعيم الجبهة المعارضة لكل هؤلاء المتصارعين على السلطة من
حكّام وأمراء ووزراء. فبالرغم من وجود هذا الصراع الشديد فان الحكام العباسيين
كانوا يخافون الإمام (عليه السلام) ويرون أنّه سيد أهل البيت وإمام الأمة وصاحب
الكلمة المسموعة بين الناس. |
|
رعاية الإمام الهادي (عليه
السلام) لشيعته وقضاء حوائجهم
|
|
كتب الإمام الهادي(عليه السلام) كتاباً حذّر فيه محمد بن الفرج
الرُخجي جاء فيه: فكان الإمام(ع) على اطلاع دائم على الوضع والظروف
التي كان يعيشها أصحابه وشيعته وهو يعمل جادّاً من أجل تخفيف وطأة ذلك عنهم لما
يعلمه من سوء ظروفهم الاقتصادية والسياسية، وما تقوم به السلطة العباسية من
التضييق وخلق ظروف يصعب عليهم التحرك أو العمل فيها فضلاً عن محاربتهم اقتصادياً
وسياسياً وربّما كان يتوخى الإمام(عليه السلام) من ذلك
أموراً مثل: |
|
الإمام الهادي (عليه
السلام) والغلاة
|
|
ظهر
في عصر الإمام(ع ) أشخاص وبرزت مجموعات تدعو إلى آراء وتوجهات خاصة بهم تحاول
خداع السذّج من الناس لصرفهم عن قيادة الإمام(ع ) وتشكيكهم في معتقداتهم لغرض
تفتيت الحركة الشيعية وتحجيم دورها. |
|
الإمام الهادي (عليه السلام) والثورات
في عصره
|
|
إن الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة وظروف
القهر والاستبداد السياسي التي عانت منها الأمة إبّان عصر الدولة العباسية
الثاني حفّزت كثيراً من معارضي الدولة على الخروج المسلّح عليها فحدثت عدّة
انتفاضات وثورات في أمصار الدولة كما كانت هناك حركات انفصالية قامت نتيجة لها
دول وإمارات في أمصار مختلفة. |
|
الإمام الهادي (عليه السلام) وأساليب
مواجهة السلطة
|
|
إن
إبعاد الإمام الهادي(عليه السلام) عن المدينة وإقامته قريباً من مركز الخلافة في
سامراء ما كان إلاّ لتحصى عليه حركاته وسكناته ومن ثم إبعاده عن شيعته وأهل بيته
ومحبّيه كمحاولة من السلطة العباسية لإضعاف نشاط الإمام وتحجيم دوره وبالتالي
إخضاعه لرقابة مشددة للتعرف على مدى تحرّكه أوّلاً
ثم التعرف على شيعته وأصحابه ثانياً واتخاذ
الإجراءات الكفيلة بإفشال تحرّكهم ومنع تأثير الإمام ومنع انتشار فكر الإمام(ع)
بين أبناء الأمة الإسلامية التي عرفت الإمام الرضا ومدرسته وأبناءه الذين كانوا
يشكّلون الجبهة الأساسية المعارضة للحكم القائم ثالثاً. |
|
4 ـ زواج الإمام الحسن العسكري(عليه
السلام)
|
|
روي عن بشر بن سليمان النخاس ـ وهو من ولد
أبي أيوب الأنصاري ـ أحد موالي أبي الحسن الهادي وأبي
محمد العسكري(عليهما السلام) أنّه قال: «أتاني كافور الخادم ـ خادم
الإمام الهادي ـ فقال: مولانا أبو الحسن علي الهادي(عليه السلام) يدعوك إليه
فأتيته فلما جلست بين يديه قال لي: يا بشر إنك من ولد
الأنصار وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البيت،
وإني مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بها، بسرّ أطلعك عليه،
وأنفذك في ابتياع أمة. فكتب
كتاباً لطيفاً بخط رومي ولغة رومية وطبع عليه خاتمه
وأخرج شقيقة صفراء فيها مئتان وعشرون ديناراً، فقال: خذها
وتوجه إلى بغداد واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق
السبايا وترى الجواري فيها ستجد طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العبّاس
وشرذمة من فتيان العرب، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمّى عمر بن يزيد
النخّاس عامة نهارك إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرين
صفيقين تمتنع من العرض ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها، وتسمع صرخة
رومية من وراء ستر رقيق،(فاعلم) أنّها تقول: واهتك ستراه، فيقول بعض المبتاعين:
عليّ ثلاثمئة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول له بالعربية: ولو برزت في
زيّ سليمان بن داود وعلى شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق على مالك، فيقول
النخّاس: فما الحيلة؟ ولا بد من بيعك، فتقول الجارية: وما العجلة؟ ولا بد من
اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى وفائه وأمانته، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخّاس وقل له: أنّ معك كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة
رومية وخطّ رومي، ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاءه، فناولها لتتأمل منه أخلاق
صاحبه فإن مالت إليه ورضيتهُ، فأنا وكيله في ابتياعها منك. فقلت:
يا مولاتي هل كان للحسن(عليه السلام) ولد ؟
فتبسّمت ثم قالت: إذا لم يكن للحسن(عليه السلام) عقب
فمن الحجة من بعده ؟ وقد أخبرتك أنه لا إمامة
لأخوين بعد الحسن والحسين(عليهما السلام). |
|
5 ـ علاقة الإمام الحسن العسكري (عليه
السلام) بأخيه محمد
|
|
كان للإمام علي الهادي (عليه السلام) من الذكور أربعة وبنت واحدة،
والذكور هم: |
|
6 ـ علاقته بأخيه الحسين:
|
|
( وكان الحسين بن علي الهادي فذاً من أفذاذ العقل البشري وثمرة
يانعة من ثمرات الإسلام، وقد تميّز بسموّ أدبه وسعة أخلاقه ووفرة علمه، وكان
شديد الاتصال بشقيقه الإمام الحسن(عليه السلام)، وكانا يسمّيان بالسبطين،
تشبيهاً لهما بجدّيهما ريحانتي رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) الحسن
والحسين(عليهما السلام). |
|
7 ـ علاقته بأخيه جعفر:
|
|
لم نعثر على نص خاص يصوّر لنا نوع علاقته بأخيه جعفر ما قبل إمامته.
ولكن هناك نصوصاً تفيد أنّ جعفر كان لا يتورّع عن
السعاية إلى السلطان حول أخيه الحسن كما لم يكن متورّعاً عن شرب الخمر،
وقد سجن مع الإمام ثم اُفرج عن الإمام ولم يفرج عنه ولكن الإمام (ع ) لم يخرج من
السجن حتى أخرج معه أخاه جعفر بالرغم من انه كان مسجوناً من أجل السعاية على
الإمام الحسن ومن أجل تظاهره بشرب الخمر، وكان بمنادمته للمتوكل يريد الغض من
أخيه الحسن(ع). ولقب عند الإمامية بالكذاب لأنه
ادعى الإمامة بعد أخيه الحسن وقيل إنه تاب
بعدئذٍ ولقب بالتوّاب.
( راجع منهاج التحرك عند الإمام الهادي(ع): 8،
وراجع أيضاً الإمام الهادي من المهد إلى اللحد: 138 وراجع أيضاً مسند الإمام
الحسن العسكري: 52 ـ 61 و130.) |
|
8 ـ النصوص على إمامة الحسن العسكري (عليه
السلام)
|
|
يواجه الباحث في هذا الموضوع ـ كما هو الحال في
تناول النصوص الواردة في آباء الإمام العسكري(ع) ـ ثلاثة
أنواع من النصوص يمكن تصنيفها كما يلي: |
|
أ ـ نصوص الرسول الأعظم(صلَّى الله
عليه وآله)
|
|
وهي
النصوص التي رواها الصحابة والأئمة (ع ) والتي اشتملت على ذكر أسماء الأئمة
الاثني عشر وما وعد الله ـ على لسان رسوله (صلَّى الله عليه وآله) ـ المصدقين
بهم والتابعين لهم، بالخير والسعادة في الدارين وما توعد به الناصبين لهم العداء
والمخالفين من العذاب والخزي فيهما أيضاً. 1 ـ روى الصدوق، عن محمد بن إبراهيم بن
إسحاق(رضي الله عنه) قال: حدثنا محمد بن همام: حدثنا أحمد بن مابنداذ قال: حدثنا
أحمد بن هلال، عن محمد ابن أبي عميرة عن المفضل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمد
عن أبيه، عن آبائه(عليهم السلام)، عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: (قال رسول الله(صلَّى الله عليه وآله): لما أُسري بي إلى
السماء أوحى إلي ربي جل جلاله فقال: يا محمد إني اطّلعت على الأرض اطلاعة
فاخترتك منها فجعلتك نبياً وشققت لك من اسمي اسماً. فأنا المحمود وأنت محمد، ثم
اطّلعت الثانية فاخترت منها علياً وجعلته وصيك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذريتك
وشققت له اسماً من أسمائي فأنا العلي الأعلى وهو علي، وخلقت فاطمة والحسن
والحسين من نوركما، ثم عرضت ولايتهم على الملائكة فمن
قبلها كان عندي من المقربين. 2 ـ وعن محمد بن علي بن الفضل بن تمام
الزيات(رحمه الله) قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: حدثني عباد بن يعقوب، قال:
حدثني موسى بن عثمان قال: حدثني الأعمش، قال: حدثني أبو إسحاق، عن الحارث وسعيد
ابن قيس، عن علي بن أبي طالب(عليه السلام) قال: قال
رسول الله(صلَّى الله عليه وآله): أنا واردكم على الحوض، وأنت يا علي الساقي،
والحسن الذائد، والحسين الآمر، وعلي بن الحسين
الفارض، ومحمد بن علي الناشر، وجعفر بن محمد السائق، وموسى بن جعفر محصي المحبين
والمبغضين وقامع المنافقين، وعلي بن موسى مزين المؤمنين، ومحمد بن علي منزل أهل
الجنة في درجاتهم وعلي بن محمد خطيب شيعته ومزوجهم الحور(العين) والحسن بن علي
سراج أهل الجنة يستضيئون به، والقائم شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن الله إلاّ
لمن يشاء ويرضى)( الخوارزمي، مقتل الحسين: 1 / 94 ـ 95.). 3 ـ وروى الصدوق، عن محمد بن موسى بن
المتوكل(رضي الله عنه) قال، حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسى
بن عمران النخعي، عن عمّه الحسين بن يزيد، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه
عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه، عن آبائه(عليهم السلام)، قال: (قال رسول الله(صلَّى الله عليه وآله): حدثني جبرئيل، عن
ربّ العزة جلّ جلاله أنه قال: من علم أن لا إله إلاّ أنا وحدي، وأن محمداً عبدي
ورسولي، وأنّ علي بن أبي طالب خليفتي وأن الأئمة من ولده حججي أدخلته الجنة
برحمتي ونجيته من النار بعفوي. ومن لم يشهد بذلك ولم يشهد أن علي بن أبي طالب
خليفتي أو شهد بذلك ولم يشهد أن الأئمة من ولده حججي فقد جحد نعمتي وصغر عظمتي
وكفر بآياتي، إن قصدني حجبته، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن
دعاني لم أستجب دعاءه، وإن رجاني خيبته وذلك جزاؤه مني وما أنا بظلاّم للعبيد.
فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله ومن الأئمة من ولد علي بن
أبي طالب ؟ قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ثم سيد العابدين في زمانه
علي بن الحسين ثم الباقر محمد بن علي ـ وستدركه يا جابر ـ فإذا أدركته فأقرئه
مني السلام. ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم الكاظم موسى بن جعفر، ثم الرضا علي بن
موسى، ثم التقي محمد بن علي، ثم النقي علي بن محمد ثم الزكي الحسن بن علي، ثم
ابنه القائم بالحق مهدي أمتي الذي يملأ الأرض
قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي
من أطاعهم فقد أطاعني ومن عصاهم فقد عصاني، ومن أنكرهم أو أنكر واحداً منهم فقد
أنكرني، بهم يمسك الله عَزَّ وجَلَّ السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه، وبهم
يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها).( كمال الدين: 1 / 258.) 4 ـ وعن عبد الله بن العباس قال: دخلت على
النبي(صلَّى الله عليه وآله) والحسن على عاتقه والحسين على فخذه يلثمهما
ويقبلهما ويقول: (اللهم وال من والاهما وعاد من
عاداهما)، ثم قال: (يا بن عباس كأني به وقد
خضبت شيبته من دمه، يدعو فلا يجاب ويستنصر فلا ينصر). قلت: من يفعل ذلك
يا رسول الله ؟ قال: شرار أمتي، ما لهم ؟ لا أنالهم
الله شفاعتي). ثم قال: يا بن عباس من زاره
عارفاً بحقه، كتب له ثواب ألف حجة وألف عمرة، ألا ومن زاره فكأنما زارني ومن
زارني فكأنما زار الله، وحق الزائر على الله أن لا يعذبه بالنار، ألا وإن
الإجابة تحت قبته والشفاء في تربته والأئمة من ولده). قلت: يا رسول الله
فكم الأئمة بعدك ؟ قال: (بعدد حواري عيسى وأسباط موسى
ونقباء بني إسرائيل). قلت: يارسول الله فكم كانوا ؟ قال: (كانوا اثني عشر والأئمة بعدي اثنا عشر، أولهم علي بن أبي
طالب وبعده سبطاي الحسن والحسين، فإذا انقضى الحسين فابنه عليّ، فإذا انقضى علي
فابنه محمد، فإذا انقضى محمد فابنه جعفر فإذا انقضى جعفر فابنه موسى، فإذا انقضى
موسى فابنه علي فإذا انقضى علي فابنه محمد فإذا انقضى محمد فابنه علي فإذا انقضى
علي فابنه الحسن فإذا انقضى الحسن فابنه
الحجة). قال ابن عباس: قلت يارسول الله أسامي لم أسمع بهن قط ! قال لي: (يابن عباس هم الأئمة بعدي وإنهم أمناء معصومون نجباء،
أخيار. يابن عباس، من أتى يوم القيامة عارفاً بحقهم أخذت بيده فأدخلته الجنة،
يابن عباس من أنكرهم أو ردّ واحداً منهم فكأنما قد أنكرني وردني، ومن أنكرني
وردني فكأنما أنكر الله ورده. يابن عباس سوف يأخذ الناس يميناً وشمالاً، فإذا
كان كذلك فاتبع علياً وحزبه فإنه مع الحق والحق معه، ولا يفترقان حتى يردا عليّ
الحوض. يابن عباس، ولايتهم ولايتي وولايتي ولاية الله وحربهم حربي وحربي حرب
الله وسلمهم سلمي وسلمي سلم الله). 5 ـ وعن أنس بن مالك قال: قال رسول
الله(صلَّى الله عليه وآله): «ولما عرج بي إلى السماء
رأيت على ساق العرش مكتوباً لا إله إلاّ الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته
به، ورأيت اثني عشر اسماً مكتوباً بالنور، فيهم علي بن أبي طالب وسبطيّ، وبعدهما
تسعة أسماء، علياً علياً علياً ثلاث مرات ومحمد محمد مرتين، وجعفر وموسى والحسن،
والحجة يتلألأ من بينهم. 6 ـ وعن سهل بن سعد الأنصاري قال: سُئلت
فاطمة بنت رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) عن الأئمة فقالت: 7 ـ وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب ; قال،
قال رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب(ع): 8 ـ وعن عائشة أنّها قالت: كان لنا مشربة
وكان النبي(صلَّى الله عليه وآله) إذا أراد لقاء جبرئيل(عليه السلام) لقيه فيها
فلقيه رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) مرة فيها وأمرني أن لا يصعد إليه أحد،
فدخل عليه الحسين بن علي(عليهما السلام)، فقال جبرئيل: من
هذا ؟ |
|
ب ـ نصوص الأئمة
المعصومين (عليهم السلام)
|
|
1 ـ عن يحيى بن يعمر، قال: كنت عند
الحسين(عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من العرب متَلثّماً أسمر شديد السمرة،
فسلّم، ورد الحسين(عليه السلام) فقال: يابن رسول الله! مسألة، فسأل الإمام(ع)
عدة مسائل والإمام يجيبه ثم قال: صدقت يابن رسول الله، فأخبرني عن عدد الأئمة
بعد رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) ؟ مسح النبي جبينه = فله
بريق في الخدود (إثبات الهداة: 1 / 599.) 2 ـ عن أبي خالد الكابلي قال: دخلت على
مولاي علي بن الحسين(عليه السلام) وفي يده صحيفة كان ينظر إليها ويبكي بكاء
شديداً. 3 ـ الإمام محمد بن علي الباقر(عليه السلام):
عن الورد بن الكميت عن أبيه الكميت ابن أبي المستهل قال: دخلت على سيدي أبي جعفر
محمد بن علي الباقر(عليهما السلام) فقلت: يابن رسول الله: إني قد قلت فيكم
أبياتاً أفتأذن لي في إنشادها ؟ فأذن، فأنشدته: أضحكني الدهر وأبكاني =
والدهر ذو صرف وألوان فبكى(عليه
السلام) وقال: «اللهم اغفر للكميت ما تقدم من ذنبه
وما تأخر». متى
يقوم الحق فيكم متى = يقوم مهديكم الثاني قال:
«سريعاً إن شاء الله سريعاً، ثم قال: ياأبا المستهل إن قائمنا هو التاسع من ولد الحسين، لأن
الأئمة بعد رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) اثنا عشر، الثاني عشر، هو القائم. 4 ـ الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع): عن علقمة بن
محمد الحضرمي عن الصادق(ع) قال: «الأئمة إثنا عشر». 5 ـ الإمام موسى بن جعفر(ع): روى الصدوق
بسنده عن عبد الله بن جندب، عن موسى بن جعفر أنه قال: 6 ـ الإمام علي بن موسى الرضا(ع): روى الصدوق،
عن أحمد بن زياد ابن جعفر الهمداني(رضي الله عنه) قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن
أبيه، عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: سمعت دعبل بن
علي الخزاعي يقول: مدارس آيات خلت من تلاوة = ومنزل وحي مقفر العرصات فلما
انتهيت إلى قولي: خروج إمام لا محالة خارج =
يقوم على اسم الله والبركات بكى
الرضا(عليه السلام) بكاء شديداً ثم رفع رأسه إلي فقال لي: «ياخزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري
من هذا الإمام ومتى يقوم ؟». 7 ـ الإمام محمد بن علي الجواد(عليه السلام):
روى الصدوق عن عبد الواحد بن محمد العبدوسي العطار(رضي الله عنه) قال: حدثنا علي
بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال: حدثنا حمدان بن سليمان قال: حدثنا الصقر بن
أبي دلف قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا(عليهما السلام) يقول: |
|
ج ـ نصوص الإمام
الهادي على إمامة الحسن العسكري (عليهما السلام)
|
|
حينما نطالع مجموعة النصوص التي وصلتنا عن الإمام الهادي(عليه
السلام) في مصادرنا الحديثية الموثوقة نلمس مجموعة
من الظواهر التي ترتبط بهذه النصوص الدالة(المشيرة أو
الصريحة الدلالة) على إمامة الحسن العسكري(ع ) بعد أبيه، وهي كما يلي: 1 ـ يبدو أن النصوص قد صدرت عن الإمام الهادي(عليه السلام) بالتدريج
لاعتبارات شتّى، ولا يمكن أن نغفل مراعاة الجانب الأمني في هذا التدرّج،
وهذا التدرّج في كيفية بيان المصداق وطرحه للمسلمين فالإمام (ع) نراه تارة يُبهم الأمر وأخرى
يشير إشارة سريعة وثالثة يقوم بالتصريح. 3 ـ إنّ النصوص التي ترتبط بأمر الإمامة
قبل وفاة ابنه محمد هي النص الثاني والسابع مما
رواه في الكافي في باب الإشارة والنص على أبي محمد(عليه السلام): نعم،
هناك نصوص من الإمام الهادي(عليه السلام) نفسه تتضمن بأن الحسن أكبر ولده، ولكن لا تأبى أن تحمل على أنه أكبر ولده بعد وفاة أخيه أبي
جعفر. 4 ـ وأما النصوص التي صدرت من الإمام الهادي(عليه السلام) وأشارت أو
صرّحت بإمامة الحسن(ع) بعد وفاة أخيه محمد فهي النص الرابع والخامس والثامن
والتاسع مما جاء في الكافي في كتاب الحجة، في باب الإشارة
والنص على أبي محمد(عليه السلام). وهي كما يلي: 5 ـ وصرّح النصّان العاشر والحادي عشر بإمامة أبي محمد الحسن
وذلك بعد مضيّ أخيه أبي جعفر(محمد بن علي) أمّا النص العاشر فيرويه أبو هاشم
الجعفري حيث يقول: كنت عند أبي الحسن(عليه السلام) بعد ما مضى ابنه أبو جعفر
وإني لأفكّر في نفسي أريد أن أقول كأنّهما ـ أعني أبا جعفر وأبا محمد ـ في هذا
الوقت كأبي الحسن موسى وإسماعيل ابني جعفر بن محمد(عليه السلام)، وإن قصّتهما
كقصّتهما، إذ كان أبو محمد المُرجى بعد أبي جعفر، فأقبل عليّ أبو الحسن (عليه
السلام) قبل أن أنطِق فقال: نعم ياأبا هاشم! بدا لله
في أبي محمد(ع ) بعد أبي جعفر(عليه السلام) ما لم يكن يُعرَفُ له، كما بدا له في
موسى(عليه السلام) بعد مضيّ إسماعيل ما كشف به عن حاله، وهو كما حدّثتك نفسك وإن
كره المُبطِلون. وأبو محمد ابني الخلف مِن بعدي، عنده علم ما يحتاج إليه ومعه
آلة الإمامة. 6 ـ ويُشهد الإمام جماعةً من الموالي على إمامة ابنه الحسن.
قبل مضيّه واستشهاده هو بأربعة أشهر كما جاء في النص الأول من هذا الباب من كتاب
الحجة حيث يقول يحيى بن يسار القنبري: أوصى أبو الحسن إلى ابنه الحسن قبل مضيّه
بأربعة أشهر وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي. 7 ـ وجاء في النص الثالث ما يتضمن
دليلاً وعلامةً على إمامة الإمام الحسن بعد وفاة أبيه حيث يقول عبد الله بن محمد
الإصفهاني: قال أبو الحسن(عليه السلام): صاحبكم بعدي
الّذي يصلّي عليَّ. ولم نعرف أبا محمد(ع) قبل ذلك. قال: فخرج أبو محمد
فصلَّى عليه. |
|
9 ـ اغتيال الإمام الهادي (عليه السلام)
واستشهاده
|
|
قال الشيخاني: واستشهد علي العسكري في آخر ملك
المعتزّ بالسمّ(الصراط
السويّ: 407.)، وقال الطبري الإمامي: في آخر ملك المعتز استشهد وليّ
الله... مسموماً(دلائل
الإمامة: 216.). |
|
10 ـ من دلائل إمامته بعد استشهاد أبيه (عليهما
السلام)
|
|
1 ـ قال أبو هاشم الجعفري: خطر ببالي أن
القرآن مخلوقٌ أم غير مخلوق ؟ فقال أبو محمد(ع):
ياأبا هاشم، اللهُ خالقُ كل شيء، وما سواه مخلوق.( المناقب 2 / 467.) 11 ـ ووقّع في الكتاب:
استغفِر اللهَ وتُب إليه ممّا تكلّمت به، وذلك
أني كنت يوماً مع جماعة من النصّاب فذكروا أبا طالب حتى ذكروا مولاي، فخضت معهم
لتضعيفهم أمره، فتركتُ الجلوس مع القوم وعلمت أنه أراد ذلك(مسند الإمام العسكري:
118 وبحار الأنوار 50 / 273 عن الخرائج والجرائح: 1/447 ح 33 ب 12. (2)). |
|
الباب الثالث
|
|
فيه فصول: |
|
الفصل
الأول: ملامح عصر الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)
|
|
الحالة السياسية
|
|
امتاز
العصر العبّاسي الثاني الذي بدأ بحكم المتوكل سنة(232 هـ ) بالنفوذ الواسع الذي
تمتع به الأتراك الذين غلبوا الخلفاء وسلبوهم زمام إدارة الدولة، وأساؤا التعامل
مع الأهالي منذ أيام المعتصم الذي سبق المتوكّل إلى الحكم، وهذا الوضع قد اضطرّ
المعتصم لنقل مركز حكمه من بغداد إلى سامراء بسبب السلوك التركي الخشن وشكاية
أهالي بغداد منهم. وظهور صاحب الزنج في
سنة(255 هـ )، فضلاً عن ثوّار علويين كانوا يدعون إلى الرضى من آل
محمد(ص) لا سيّما بعد ما عرفناه من كراهة المتوكّل للعلويين وقتله للإمام
الهادي(ع) ومراقبته الشديدة للإمام الحسن العسكري (ع)
( راجع الكامل في التاريخ ومروج الذهب أحداث
السنين(232 ـ 256 هـ ).). |
|
الحالة الاجتماعية
|
|
تحدثنا
فيما سبق عن الظرف السياسي وملابساته: من عدم الاستقرار وفقدان الأمن وذلك لتعدد
الحركات السياسية والمذهبية، الخارجة على الدولة العباسية في مختلف الأمصار
الإسلامية فضلاً عن دور الأتراك البارز في خلع وتولية الخليفة العباسي، وهذا دون
شك ينعكس سلبياً على الظروف الاجتماعية التي كان يعيشها أبناء الأمة المسلمة
ورعايا الدولة الإسلامية فينجم عنه توتّر في علاقة
السلطة بالشعب، وعدم استقرار الوضع الاجتماعي نتيجة لذلك، كما أن اختلال
الظروف السياسية يتسبب في التفاوت الاجتماعي وظهور الطبقية أو الفئات المتفاوتة
في المستوى المعيشي والمتباينة في الحقوق والواجبات تبعاً لولائها وقربها أو
بعدها من البلاط ورجاله، فانقسم أبناء الأمة وأتباع
الدين الذي كان يركّز على الأخوة الإيمانية والمساواة والعدل والإنصاف(قال تعالى في سورة
الحجرات الآية: 13( إنّما المؤمنون إخوة ) وقال(صلَّى الله عليه وآله): الناس سواسية كأسنان المشط المبسوط
للسرخسي: 5/23، لسان الميزان: 2/43، باختلاف يسير.)، إلى جماعة قليلة مترفة ومتمتعة بقوّة السلطان
وأخرى واسعة ـ تمثل غالبية أبناء الأمة الإسلامية ـ وهي معدمة ومسحوقة أنهكها
الصراع وزجّها في النّزاعات والحروب والتي ما تخمد إحداها حتى تتأجّج الثانية
وتتسع لتشمل مساحة أوسع من أرض الدولة الإسلامية(الكامل لابن الأثير: 4 أحداث السنين(248 ـ 322هـ ).)، ثم لتنفصل بعض أجزائها فتكون دولة مستقلة عن
مركزية الدولة وغير خاضعة لها، وأطلق المؤرخون عليها مرحلة (إمرة الأمراء) ( تاريخ الإسلام السياسي
د. حسن إبراهيم حسن: 3 / 26 وما بعدها.)،
إضافة إلى الدولة المستقلة كما هو الحال بالنسبة لأمارة
الحمدانيين والبويهيين والدولة الصفارية (254هـ) والدولة السامانية (261 ـ
389هـ) وغيرها... ممّا أدّى إلى تفكّك وسقوط الدولة العباسية فيما بعد سنة (656هـ). ولم
يكن هذا ليدوم بدخول العنصر التركي الذي كان يميل إلى البذخ والسيطرة وعدم
الخضوع إلى سلطة الخليفة العباسي كما أوضحنا. |
|
الحالة الثقافية
|
|
انتشرت الثقافة الإسلامية في هذا العصر انتشاراً يدعو إلى الإعجاب
بفضل الترجمة من اللغات الأجنبية وخاصة اليونانية والفارسية والهندية إلى
العربية. |
|
الحالة الاقتصادية
|
|
اعتنى
العباسيون بالزراعة وفلاحة البساتين التي قامت على دراسة علمية (تاريخ الإسلام السياسي:
3 / 319 بتصرف.). وذلك بفضل انتشار
المدارس الزراعية التي كان لها الأثر الكبير في إنارة عقول المسلمين. |
|
الفصل
الثاني: عصر الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)
|
|
لقد
أمضى الإمام الحسن العسكري الجزء الأكبر من عمره الشريف في العاصمة العباسية ـ سامراء ـ وواكب جميع الظروف والملابسات والمواقف
التي واجهت أباه الإمام علياً الهادي (عليه السلام)، ثم تسلّم مركز الإمامة
وقيادة الأمة الإسلامية سنة (254هـ) بعد وفاة أبيه(عليه السلام) وعمره الشريف
آنذاك(22) عاماً. ثم
إن المواجهة من الإمام كقيادة للحركة الرسالية لم تكن خاصة بالخلفاء العباسيين
الذين عاصرهم الإمام (ع) إذ كان هناك أيضاً خطر
النواصب وهم الذين نصبوا العداء لأهل البيت النبوي(ع) ووقفوا ضد أطروحتهم
الفكرية والسياسية المتميزة التي كانت تتناقض مع أطروحة الحكم القائم والطبقة
المستأثرة بالحكم والمنحرفة عن الإسلام النبوي. ( الأئمة الاثنا عشر: 235.) |
|
1 ـ المعتز العباسي(252 ـ 255 هـ )
|
|
لقد ازداد نفوذ الأتراك بعد قتلهم المتوكل عام(247هـ)
وتنصيب ابنه المنتصر بعده، حتى أن الخليفة العباسي أصبح مسلوب السلطة ضعيف
الإرادة ويتضح ذلك مما رواه ابن طباطبا حيث قال: لقد
عاصر الإمام الحسن العسكري(ع) أواخر خلافة المعتز الذي
كان استشهاد الإمام الهادي(ع) على يده بدس السمّ إليه فكانت سياسة المعتز
امتداداً لسياسة المتوكّل في محاربة الإمام الحسن العسكري ـ والشيعة ـ بل ربما ازدادت ظروف القهر في هذه الفترة
حتى أنّ المعتز أمر بتسفير الإمام الحسن العسكري(ع) إلى الكوفة حين رأى خطر وجود
الإمام(ع) واتّساع دائرة تأثيره وكثرة أصحابه. |
|
2 ـ المهتدي العباسي(255ـ 256 هـ )
|
|
هو محمد بن الواثق بن المعتصم، أمه أم ولد تسمى وردة، ولي الخلافة
بعد مقتل أخيه المعتز سنة(255هـ)، وما قبل أحد
ببيعته حتى جيء بالمعتزّ واعترف أمام شهود أنه عاجز عن الخلافة ومدّ يده فبايع
المهتدي فارتفع حينئذ إلى صدر المجلس(تاريخ الخلفاء، السيوطي: 422.)،
وبويع بالخلافة. ولقد تصنّع الزهد والتقشّف
محتذياً سيرة عمر بن عبد العزيز إغراء للعامة ومحاولة لتغيير انطباعهم عن
الخلفاء العباسيين الذين عُرفوا بالمجون والترف والإسراف في الملذّات والخمر
ومجالس اللهو، فقد نقل هاشم بن القاسم حينما سأل
المهتدي عن ما هو عليه من التقشّف وبما هو فيه من النعمة فقال له: إنّ
الأمر كما وصفت، ولكنّي فكّرت في أنه كان في بني أمية عمر ابن عبد العزيز ـ وكان
من التقلّل والتقشّف ما بلغك ـ فغرتُ على بني هاشم فأخذت نفسي بما رأيت(تاريخ الخلفاء: 423.). |
|
سياسة المهتدي تجاه معارضيه
|
|
أ
ـ الخليفة وأمراء الجند:
|
|
أ ـ الخليفة وأمراء
الجند: كانت سياسة المهتدي تجاه الأتراك تتمثل بالحذر والحيطة والخشية من
انقلابهم عليه كما فعلوا بالمتوكل والمعتز، لذا أمر بقتل موسى ومفلح من أمراء
جنده الأتراك الذين كانوا يتمتّعون بنفوذ كبير وتأثير فاعل في مجريات الأحداث،
غير أن(بكيال) الذي أمره المهتدي بقتلهما توقّف
عن قتل موسى بن بغا، لإدراكه أن للمهتدي خطة للحد من نفوذ الأتراك وتقليص الدور
الذي كانوا يتمتعون به، وقال بكيال: إنّي لست أفرح بهذا وإنما هذا يعمل علينا
كلنا، فأجمعوا على قتل المهتدي فكان بين الأتراك ومناصري الخليفة قتال شديد
وقُتل في يوم واحد أربعة آلاف من الأتراك ودام القتال إلى أن هزم جيش الخليفة
المؤلّف من المغاربة والفراغنة والأشروسنية، ومن ثم اُمسك الخليفة فعصر على
خصيتيه فمات في عام (256 هـ )( تاريخ الخلفاء، السيوطي: 424.). |
|
ب ـ المهتدي وأصحاب
الإمام الحسن العسكري(عليه السلام):
|
|
لم
تكن الظروف المحيطة بالإمام العسكري وأصحابه في عهد المهتدي أحسن مما كانت عليه
من الشدة والنفي والتهجير والقتل إبّان عهود المعتز والمتوكل ومن سبقهما من
خلفاء الدولة العباسية، بل كانت سياسة المهتدي امتداداً للمنهج العباسي في
التصديّ للإمام وشيعته وخاصته والنكاية بهم، والتجسس عليهم ومصادرة أموالهم
ومطاردتهم. ويمكن الاستدلال من خلال النص على اتساع
القاعدة الشعبية للإمام(ع) وصلته بهم وعمق الأواصر التي كانت تصله بهم، فهو
يتفقّد ما يحتاجونه، ويساهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في قضاء حوائجهم، وإن
لبعض أصحابه في الأمصار تأثيراً وعلائق بالولاة ومن يديرون الأمور في الولايات،
فكانت أخبار شيعته تصله أوّلاً بأول، ويحاول إبعادهم عن الوقوع في حبائل السلطان
وشركه كما في قصة سيف بن الليث المصري. |
|
ج ـ سجن الإمام
الحسن العسكري(عليه السلام):
|
|
ولما
رأى المهتدي أنّ وسائل النفي والإبعاد والمصادرة، لم تكن لتحدّ من نشاط
الإمام(ع) وشيعته، واتّساع حركته، لما كان لتعليمات الإمام(ع) ورقابته لشيعته من
أثر في إفشال محاولات السلطة العباسيّة لم تجد السلطة بُدّاً من اعتقال
الإمام(ع) والتضييق عليه في السجن، وكان المتولي لِسجنه صالح بن وصيف الذي أمر
المهتدي موسى بن بغا التركي بقتله، وقد جاءه العباسيّون إبان اعتقال الإمام(ع)
فقالوا له: ضيّق عليه ولا توسّع، فقال صالح: «ما أصنع به قد وكّلت به رجلين، شرّ
من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم»، ثمّ أمر
بإحضار الموكلين فقال لهما: ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل ؟ ـ يعني الإمام
الحسن العسكري(ع) ـ فقالا له: ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله لا
يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة فإذا نظر إلينا أرعدت فرائصنا وداخلنا ما لا
نملكه من أنفسنا فلمّا سمع العباسيّون ذلك انصرفوا خائبين(أصول الكافي: 1/512 ح 23
وعنه في الإرشاد: 2/334 وفي إعلام الورى: 2/150 وعن الإرشاد في كشف الغمة: 3/204.). لقد كان المهتدي يهدّد الإمام بالقتل وقد بلغ النبأ بعض أصحاب الإمام(ع) فكتب إليه: يا سيدي الحمد لله الذي شغله عنك فقد بلغني
أنه يتهددك. وذلك حين انشغل المهتدي بفتنة الموالي، وعزم على استئصالهم. وهنا
نجد الإجابة الدقيقة من الإمام(ع) حول مستقبل المهتدي حيث كتب الجواب ما يلي: ذاك أقصر لعمره، عدّ من يومك هذا خمسة ويقتل في اليوم
السادس بعد هوان واستخفاف يمرّ به(إعلام الورى: 356.). وكان كما
قال فقد انهزم جيشه ودخل سامراء وحده مستغيثاً بالعامة منادياً
يامعشر المسلمين: أنا أمير المؤمنين قاتلوا عن خليفتكم، فلم يجبه أحد(الكامل في التاريخ:
5/356.). |
|
3 ـ المعتمد ابن المتوكل العبّاسي(256 ـ
279 هـ )
|
|
وعاصر
الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بعد المعتزّ
والمهتدي، المعتمد العباسي، الذي انهمك في اللهو واللّذات واشتغل عن
الرعيّة فكرهه الناس وأحبّوا أخاه طلحة(تاريخ الخلفاء، السيوطي: 425.). الضعف
الذي هو فيه بقوله: أليس من العجائب أن مثلي = يرى
ما قلّ ممتنعاً عليه (سبائك الذهب: 87.) وكانت الفترة التي عاشها الإمام الحسن العسكري(ع)
في عهد المعتمد تقرب من خمس سنين، وهي من بداية خلافة
المعتمد سنة(256هـ) وحتى استشهاد الإمام(ع) سنة(260هـ)، وكان الوضع العام
مضطرباً لسيطرة الأتراك على السلطة أوّلاً، ولما
كان يحدث من حركات ضد السلطة في أقاليم الدولة ثانياً.
فضلاً عن مطاردة السلطة للشيعة والمضايقة على الإمام(ع) وعليهم وتشديد المراقبة من جهة ثالثة. |
|
وأهم هذه الأحداث في عصر المعتمد:
|
|
أ ـ ثورة الزنج:
|
|
كانت ثورة الزنج حدثاً مهماً لما نتج عنها من آثار
سيئة، فقد صحب حركة الزنج هذه، قتل، ونهب، وسلب، وإحراق مما أدّى إلى اضطراب
الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في عدّة من الأمصار التي سيطر عليها صاحب الزنج،
فبدأت ثورتهم في البصرة وامتدّت إلى عبّادان والأهواز وغيرهما. |
|
ب ـ حركة ابن الصوفي
العلوي:
|
|
وقد ظهر في صعيد مصر
وهو إبراهيم بن محمد وكان يعرف بابن الصوفي وملك مدينة أشنا(الكامل في التأريخ: 4 /
432.). وكانت معارك بينه وبين جيش
الدولة بقيادة ابن طولون اقتتلوا فيها قتالاً شديداً فقتل من رجال ابن الصوفي
الكثير، وانهزم ثمّ كانت وقعة أخرى مع جنده
عام(259هـ) وانهزم ابن الصوفي أيضاً إلى المدينة
وألقي القبض عليه وأرسل إلى ابن طولون في مصر.( الكامل في التأريخ: 4 /
432 ـ 433.) |
|
ج ـ ثورة علي بن زيد
في الكوفة:
|
|
كانت حركته في الكوفة سنة(256هـ) واستولى
عليها، وأزال عنها نائب الخليفة، واستقرّ بها، وسَيَّر
إليه المعتمد الشاه بن مكيال في جيش كثيف فالتقوا واقتتلوا وانهزم الشاه وقتل
جماعة كثيرة من أصحابه ونجا الشاه، ثمّ وجّه المعتمد
كيجور التركي لمحاربته، وقد أرسل كيجور إلى علي بن زيد يدعوه إلى الطّاعة
وبذل له الأمان، وطلب علي بن زيد أُموراً لم يجبه كيجور إليها، فخرج علي بن زيد من الكوفة وعسكر في القادسية فبلغ خبره كيجور فواقعه فانهزم عليّ بن زيد وقُتل جماعة من أصحابه(الكامل في التأريخ: 4 /
447.). |
|
د ـ المعتمد والإمام العسكري(عليه
السلام)
|
|
سعى المعتمد جاهداً في التخلص من الإمام العسكري(ع)
أي انّه سارَ على ذات المنهج الذي اتّبعه أسلافه من الخلفاء الأمويين والعباسيين
مع الأئمة المعصومين غير أنّ موقفه هذا سرعان ما تغيّر
ظاهراً، وقدّم الاعتذار للإمام (ع) بعد محاولة لتصفيته برميه مع السباع كما عمل مثل ذلك المتوكّل مع أبيه علي الهادي(عليه السلام)
وذلك حين سلّم الإمام العسكري(عليه السلام) إلى يحيى بن قتيبة الذي كان يضيّق
على الإمام (عليه السلام) حيث رمى به إلى مجموعة من السباع ظنّاً منه أنها سوف
تقتل الإمام(عليه السلام)، مع العلم بأن امرأة يحيى كانت قد حذّرته من أن يمس
الإمام بسوء بقولها له: «اتقِّ الله فإني أخاف عليك
منه». فلمّا حضر أبو محمد الحسن عند الخليفة قال له:
أدرك أُمة محمد فيما لحق في هذه النازلة، فقال أبو
محمد: دعهم يخرجون غداً اليوم الثالث،
قال: قد استعفى الناس من المطر واستكفوا فما فايدة خروجهم؟ قال: لأزيل الشك عن
الناس وما وقعوا فيه من هذه الورطة التي أفسدوا فيها عقولاً ضعيفة. |
|
هـ ـ المعتمد وموقفه من الشيعة
|
|
لم تتغير الإجراءات القمعية التي كانت تمارسها
السلطة العباسية تجاه الشيعة في عصر المعتمد بل كانت امتداداً للسياسة المعهودة
والتي أصبحت تقليداً يتوارثه الخلفاء العباسيون إزاء الأئمة الأطهار وشيعتهم
وذلك لما كان يخشاه الخلفاء من تطور الوضع لصالحهم واتّساع نشاطهم السياسي مما
قد ينجم عنه تغيّر الوضع ضد السلطة القائمة، والتفاف الناس بشكل أكبر حول الإمام
(ع) وبالتالي قد يتّخذ الإمام موقفاً جهاديّاً تجاه الخليفة وسلطته. |
|
استشهاد الإمام الحسن العسكري (عليه
السلام)
|
|
وبعد
أن أدّى الإمام العسكري (ع) مسؤليته بشكل كامل تجاه دينه وأمّة جده(صلى الله
عليه وآله) وولده (ع) نعى نفسه قبل سنة ستين ومئتين، وأخذ يهدّئ روع والدته
قائلاً لها: لا بد من وقوع أمر الله لا تجزعي..، ونزلت الكارثة كما قال، والتحق
بالرفيق الأعلى بعد أن اعتلّ(عليه السلام) في أوّل يوم
من شهر ربيع الأول من ذلك العام (الإرشاد: 2/ 336 ومهج الدعوات: 274.). ولم تزل العلة تزيد فيه والمرض يثقل عليه حتى استشهد في الثامن من ذلك الشهر، وروي أيضاً أنه قد سُم
واغتيل من قبل السلطة حيث دس السم له المعتمد العباسي الذي كان قد أزعجه تعظيم
الأمة للإمام العسكري وتقديمهم له على جميع الهاشميين من علويين وعباسيين فأجمع
رأيه على الفتك به (الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيثمي: 314 عن وفيات الأعيان لابن خلكان.). |
|
الصلاة على الإمام العسكري (عليه
السلام)
|
|
وكان لاستشهاد الإمام العسكري (ع ) صدى كبير في
سامراء حيث عطّلت الدكاكين وسارع العامة والخاصة مهرعين إلى بيت الإمام، ويروي
أحمد بن عبيد الله واصفاً ذلك اليوم العظيم قائلاً: ولما رفع خبر وفاته، ارتجّت
سرّ من رأى وقامت ضجة واحدة: مات ابن الرضا(كمال الدين: 1 / 43.)، وعطّلت الأسواق، وغلّقت أبواب الدكاكين وركب
بنو هاشم والكتّاب والقوّاد والقضاة والمعدّلون وساير الناس إلى أن حضروا جنازته
فكانت سرّ من رأى شبيهاً بالقيامة(لفصول المهمة: 271.). |
|
أولاد الإمام الحسن العسكري (عليه
السلام)
|
|
إن المشهور بين الشيعة الإمامية، أن الإمام
العسكري (عليه السلام) لم يكن له من الولد سوى الإمام محمد المهدي المنتظر(عليه
السلام)، ويدل عليه ما أشار إليه الشيخ المفيد (رضي
الله عنه)(
الإرشاد: 339.) حيث قال: أما الحسن
بن علي العسكري (عليه السلام) فلم يكن له ولد سوى صاحب الزمان عليه الصلاة
والسلام ولم يخلّف ولداً غيره ظاهراً أو باطناً (تاج المواليد: 135.). |
|
الفصل
الثالث: متطلّبات عصر الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)
|
|
لقد
تظافرت النصوص النبويّة تبعاً للقرآن الكريم ـ على خلود الرسالة الإسلامية
وظهورها على ما سواها من الرسالات، وأن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي اثنا عشر
خليفة ـ بعدد نقباء بني إسرائيل ـ كلّهم من قريش (راجع أحاديث الخلافة والإمارة والإمامة في الصحاح والمسانيد.). لقد باءت بالفشل كل محاولات الأمويين والعبّاسيين لتسقيط الأئمة من
أهل البيت(ع) وسدل الستار على شخصياتهم المتألقة،
ممّا أدّى إلى أن يغيّر المأمون العباسي سياسة أسلافه ليرصد أهل البيت (عليهم
السلام) عن كثب ويتظاهر بالاحترام وهو يبطن الحقد الدفين لهم وأصبحت سياسته هذه
سنة اقتدى بها من تأخّر منه كالمعتصم والمتوكّل ومن تلاه حتى المعتمد العباسي. «قد وضع
بنو أمية وبنو العباس سيوفهم علينا لعلّتين: إحداهما: أنّهم كانوا يعلمون(أن)
ليس لهم في الخلافة حق فيخافون من ادّعائنا إيّاها وتستقرّ في مركزها. وثانيهما:
أنهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أن زوال ملك الجبابرة الظلمة على يد
القائم منّا، وكانوا لا يشكّون أنهم من الجبابرة والظلمة، فسعوا في قتل أهل بيت
سول الله(صلى الله عليه وآله) وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول إلى منع تولد
القائم(عليه السلام) أو قتله، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم إلاّ أن يتم
نوره ولو كره المشركون»( منتخب الأثر: 359 ط ثانية عن أربعين الخاتون آبادي(كشف الحق).). ولو
لم يصدر من أهل البيت(عليهم السلام) إلاّ التأكيد على هذا المبدأ فقط ـ وإن لم
يمارسوا أي نشاط سياسي ملحوظ ـ لكان هذا كافياً في نظر الحكّام للقضاء عليهم
مادام هذا المبدأ يقضّ مضاجعهم. فالإمام المهدي(ع) قبل ولادته بأكثر من
قرنين كان قد تلألأ اسمه وتناقلت الرواة أهدافه وخصائصه ونسبه وكل ما يمتّ إلى
ثورته الإسلامية بصلة. بل
لمست ذلك بكل وجودها وهي ترى طفلاً لم يتجاوز العقد الأوّل من عمره وإذا به
يهيمن على عقول وقلوب الألوف من المسلمين. |
|
الباب
الرابع
|
|
وفيه فصول: |
|
الفصل الأول: الإمام العسكري(عليه السلام) ومتطلّبات الساحة
الإسلامية
|
|
بعد
أن اتّضح الجوّ العام الذي كان يحيط بالإمام الحسن العسكري(عليه السلام)
والمهامّ الأساسية التي تنتظره وهو حلقة الوصل بين عصري الحضور والغيبة بكل ما
يزخران به من خصائص وسمات، تأتي مهامّ الإمام الحسن
العسكري(عليه السلام) كالتالي: |
|
1 ـ الحكمة والدقّة في التعامل مع الحكّام
|
|
عرفنا ممّا سبق أن السلطة قد اتّخذت
بالنسبة للإمام(عليه السلام) الإجراءات التالية: |
|
2 ـ الردّ على الشبهات والدفاع عن حريم
الرسالة
|
|
من أهم النشاطات التي بدرت للإمام الحسن العسكري (عليه
السلام) في عصره هي الردّ الهادئ والحكيم لأكبر محاولة تخريبية كان الكندي ـ وهو
أحد فلاسفة المسلمين ـ قد تصدّى لها، فإنّه كان قد جمع جملة من الآيات المتشابهة
التي يبدو للناظر فيها أنها تنطوي على نوع من التناقض، وكان ينوي نشرها، وهذه
المحاولة كانت تستهدف القرآن الكريم سند الرسالة والنبوة، ورمز الكيان الإسلامي
الأوّل. |
|
3 ـ مواجهة الفرق المنحرفة
|
|
لقد
اختلف المسلمون بعد الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) وافترقوا إلى فرقتين،
فرقة اجتهدت مقابل النصوص الواردة عنه(صلى الله عليه وآله) وأخرى التزمت النص
ومنهجه في حياتها ومواقفها وسارت وفقاً له. |
|
إليك نموذجين من
مواجهة الإمام (عليه السلام) للفرق المنحرفة
|
|
1 ـ الإمام الحسن
العسكري (عليه السلام) والثنوية
|
|
والثنوية
من الفرق التي كانت في عصر الإمام العسكري(عليه السلام)، وهم من أثبت مع القديم
قديماً غيره، وهم المجوس يثبتون مع مبدأ الخير مبدءاً للشر وهما النور والظلمة(مجمع البحرين الطريحي:
1/78.) وكتب إليه أحد أصحابه يسأله الدعاء لوالديه، وكان
الأب ثنويّاً والأم مؤمنة فكتب(ع): رحم الله والدتك
ـ والتاء منقوطة من فوق ـ(كشف الغمة: 3/221، بحار الأنوار: 50/294.). |
|
2 ـ الإمام الحسن
العسكري (عليه السلام) والصوفية
|
|
لقد
أوضح الإمام الإمام العسكري(عليه السلام) فساد معتقدات الصوفية من خلال بيانه
لآرائهم وأساليبهم في التعامل وعلاقاتهم مع الناس، ما يتحلون به من صفات وخصائص،
ونلاحظ ذلك في حديث الإمام العسكري(عليه السلام) مع أبي هاشم الجعفري. حيث قال
له الإمام(عليه السلام): ياأبا هاشم: سيأتي زمان على
الناس وجوههم ضاحكة، مستبشرة، وقلوبهم مظلمة منكدرة، السُّنة فيهم بدعة، والبدعة
فيهم سُنّة، المؤمن بينهم محقَّر والفاسق بينهم موقَّر، أمراؤهم جاهلون جائرون،
وعلماؤهم في أبواب الظلمة سائرون، أغنياؤهم يسرقون زاد الفقراء، وأصاغرهم
يتقدّمون على الكبراء، وكل جاهل عندهم خبير وكل محيل عندهم فقير ; لا يتميزون
بين المخلص والمرتاب، ولا يعرفون الضأن من الذئاب، علماؤهم شرار خلق الله على
وجه الأرض، لأنّهم يميلون إلى الفلسفة والتصوف، وأيم الله إنّهم من أهل العدول
والتحرف، يبالغون في حبّ مخالفينا ويُضلّون شيعتنا وموالينا، فان نالوا منصباً
لم يشبعوا من الرثاء، وإن خذِلوا عبدوا الله على الرياء، ألا إنّهم قطّاع طريق
المؤمنين والدعاة إلى نحلة الملحدين، فمن أدركهم فليحذرهم وليصن دينه وإيمانه.
ثم قال: ياأبا هاشم: هذا ما حدثني به أبي عن آبائه عن
جعفر بن محمد(ع) وهو من أسرارنا فاكتمه إلاّ عن أهله (حديقة الشيعة: 592 عن
السيد المرتضى الرازي(ق 5) في كتبه: بيان الأديان وتبصرة العوام والفصول التامّة
في هداية العامّة عن الشيخ المفيد مسنداً، الأنوار النعمانية: 2 / 293، ذرائع
البيان في عوارض اللسان: 38.). |
|
4 ـ الدعوة إلى دين الحق
|
|
لم يتوان الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام) في
دعوة الناس إلى الهدى ودين الحق في كل الظروف والأحوال. والإمام الحسن
العسكري(عليه السلام) شأنه شأن آبائه الكرام في الحرص على هداية العباد وإخراجهم
من الظلمات إلى النور. ونجد في حياته(عليه السلام) نماذج تشير إلى هذا النوع من
النشاط. |
|
الفصل
الثاني: الإمام العسكري (عليه السلام) ومتطلّبات الجماعة الصالحة
|
|
تعتبر
الجماعة الصالحة المحور الأهمّ الذي كان يشغل بال واهتمام أهل البيت(ع) لأنها
الأداة الوحيدة الصالحة لتحقيق الأهداف الرسالية الكبرى، وهي الوسط الحقيقي الذي
يفهم ثقافة أهل البيت(ع) ورسالتهم ويستطيع التعاطي الإيجابي معهم وينقاد إلى
أوامرهم وتوجيهاتهم الرسالية. إنّ
الشعور بوجود إمام وقائد حي يرتبطون به ويرتبط بهم ـ رغم صعوبة الظروف ـ له
آثاره النفسية الايجابية، بينما يكون الشعور بوجود إمام لا يستطيعون الارتباط به
ولا يدرون متى سيظهر لهم وينفّس عنهم كرباتهم ويجيبهم على أسئلتهم يحمل معه
آثاراً نفسية سلبية إلاّ إذا كانت الغيبة عندهم كالحضور، ويكون البديل قادراً
على تلبية حوائجهم وسدّ خللهم. |
|
البحث الأول: الإمام الحسن العسكري
والتمهيد لقضية الإمام المهدي(عليهما السلام)
|
|
إنّ
أهم انجاز للإمام العسكري(عليه السلام) هو التخطيط الحاذق لصيانة ولده
المهدي(عليه السلام) من أيدي العتاة العابثين الذين كانوا يتربصون به الدوائر
منذ عقود قبل ولادته، ومن هنا كانت التمهيدات التي اتّخذها الإمام(عليه السلام)
بفضل جهود آبائه السابقين(عليهم السلام) وتحذيراتهم تنصب أوّلاً على إخفاء
ولادته عن أعدائه وعملائهم من النساء والرجال الذين زرعتهم السلطة داخل بيت
الإمام(عليه السلام)، إلى جانب إتمام الحجة به على شيعته ومحبّيه وأوليائه. وأما كيفية
إتمام الحجّة في هذه الظروف الاستثنائية على شيعته فقد تحقّقت ضمن خطوات ومراحل
دقيقة. |
|
الخطوات والمراحل
|
|
|
|
لقد
جاءت النصوص المبشّرة بولادة المهدي(عليه السلام) عن أبيه الإمام الحسن العسكري(عليه
السلام) تالية لنصوص الإمام الهادي(عليه السلام) التي ركّزت على أنه حفيد
الهادي(عليه السلام) وأنّه ابن الحسن العسكري(عليه السلام) وأنّ الناس سوف لا
يرون شخصه ولا يحلّ لهم ذكره باسمه، وأنه الذي يقول الناس عنه أنه لم يولد بعد،
وأنّه الذي يغيب عنهم ويرفع من بين أظهرهم وأنه الذي ستختلف شيعته إلى أن يقوم، وعلى الشيعة أن تلتفّ حول العلماء الذين ينوبون عنه وينتظرون
قيامه ودولته ويتمسّكون بأهل البيت (ع ) ويظهرون لهم الولاء بالدعاء والزيارة
وانه الذي سيكون إماماً وهو ابن خمس سنين (راجع معجم أحاديث الإمام المهدي(عليه السلام): 4/195 ـ 218.). 3
ـ روى الطوسي أن جماعة من شيعة الإمام الحسن العسكري وفدوا عليه بسرّ من رأى
فعرّفهم على وكيله وثقته عثمان بن سعيد العمري ثم قال لهم: واشهدوا عليّ أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأنّ ابنه
محمّداً وكيل ابني مهديّكم(غيبة الطوسي: 215.). من كان ذا عضد يُدرك ظلامته = إن الذليل الذي ليست له عضد ثم
سأل الإمام عمّا إذا كان له ولد فأجابه الإمام (ع ) قائلاً: إي والله سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً فأمّا الآن
فلا(الخرائج:
1/478.). وقد تضمّن هذا الحديث الإخبار بولادته خفيةً ليتم الله نوره. وعن
معاوية بن حكيم ومحمد بن أيّوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمري(رضي الله عنه) أنهم
قالوا: عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي(عليهما السلام) ونحن في منزله وكنّا
أربعين رجلاً فسئل عن الحجة من بعده فخرج عليهم غلام أشبه الناس به فقال: الخطوة الخامسة: الخطوة السادسة: وقد كان عثمان بن سعيد الوكيل الأوّل للإمام المهدي (عليه السلام)
بعد استشهاد الإمام الحسن العسكري (ع ) ثم أصبح محمّد بن عثمان وكيله الثاني كما
هو المعروف في ترتيب النواب الأربعة للإمام المهدي(ع ). الخطوة السابعة: |
|
البحث الثاني: الإعداد لعصر الغيبة
|
|
انتهينا في البحث السابق عن معرفة كيفية طرح الإمام
لقضية ولادة الإمام المهدي (ع ) وإمامته وأنه الخلف الصالح الذي وعد الله به
الأمم أن يجمع به الكلم في أصعب الظروف التي كانت تكتنف ولادة الإمام (ع )، وقد
لاحظنا مدى انسجام تلك الإجراءات التي اتّخذها الإمام العسكري(ع ) في هذا الصدد
مع الظروف المحيطة بهما. |
|
البحث الثالث: نظام الوكلاء في عصر
الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
|
|
إنّ
نظام الوكلاء قد أسّسه الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام) حين اتّسعت الرقعة
الجغرافية للقاعدة الموالية لأهل البيت(عليهم السلام). وقد اختار الأئمة من بين
أصحابهم وثقاتهم من أوكلوا إليه جملة من المهام التي لها علاقة بالإمام(عليه
السلام) مثل قبض الأموال وتلقي الأسئلة والاستفتاءات وتوزيع الأموال على
مستحقّيها بأمر الإمام(عليه السلام). وبالإضافة إلى مهمة الإرشاد وبيان الأحكام
كان الوكيل يقوم بتخفيف العبء عن الإمام وشيعته في ظروف تشديد الرقابة على
الإمام(عليه السلام) من قبل السلطة، كما كان يتولّى مهمة بيان مواقف الإمام
السياسية حين لا يكون من المصلحة أن يتولّى الإمام بنفسه بيان مواقفه بشكل صريح
ومباشر. |
|
وإليك قائمة بأسماء
بعض وكلاء الإمام الحسن العسكري(عليه السلام):
|
|
1 ـ إبراهيم بن عبدة النيسابوري من أصحاب العسكريين(عليهما
السلام)، كان وكيلاً له في نيسابور.. |
|
البحث الرابع: مدرسة الفقهاء والتمهيد
لعصر الغيبة:
|
|
أكمل
الإمام الحسن العسكري (ع ) الخط الذي أسّسه آباؤه الطاهرون وهو إنشاء جماعة
صالحة تمثل خط أهل البيت الفكري والعقائدي والأخلاقي والسلوكي وقد اهتمّ
الإمامان محمّد الباقر وجعفر الصادق(ع) بشكل خاص بإعداد وتربية مجموعة من الرواة
والفقهاء فتمثّلت فيهم مدرسة علمية استوفت في عهد الإمام العسكري(ع ) كل متطلبات
المدرسة العلمية من حيث المنهج والمصدر والمادة ممهدة به لعصر الغيبة الصغرى (تاريخ التشريع الإسلامي،
د. عبد الهادي الفضلي: 194 ـ 202.). ـ
داود بن أبي يزيد النيسابوري. وقد
تضمنت كتبه مختلف أبواب الأحكام كالصلاة والوضوء والعتق والدعاء والزهد والخمس
والزكاة والشهادات، والتجارات، والجهاد وكتاب حول فضل القرآن الكريم وبلغت كتبه ـ على ما أحصاه الأستاذ الفضلي ـ خمسة وثلاثين كتاباً (تاريخ التشريع
الإسلامي، عبد الهادي الفضلي: 200 ـ 202.). |
|
البحث الخامس: قيادة العلماء الأمناء
على حلاله وحرامه
|
|
إن
مرجعية العلماء وقيادتهم للشيعة بعد الغيبة الكبرى التي ابتدأت عام(329 هـ )
بوفاة الوكيل الرابع(علي بن محمد السمري، يراجع كشف الغمة: 3 / 207.) للإمام المهدي(عليه السلام) كانت تأسيساً
حيويّاً من قبل الأئمة المعصومين(عليهم السلام) وبأمر من الله ورسوله، فهم الذين
أمروا الشيعة بالرجوع إلى العلماء الفقهاء الذين تربّوا في مدرستهم الرسالية
لأخذ معالم دينهم عنهم، وهذا المفهوم قد أعطاه الإمام الصادق(عليه السلام) صبغته
التشريعية بقوله(عليه السلام): |
|
البحث السادس: الإمام العسكري(عليه
السلام) والفرق الضالّة
|
|
إن
للانحراف عن جادّة الصواب أسباباً
يعود بعضها إلى طبيعة الظروف التي تطرأ على الإنسان فتتعاضد مع ما يحمله من ضعف
فكري عقائدي أو هبوط أخلاقي ولا سيّما إذا لم يتلقّ تربية صحيحة من ذويه ومن
يحيط به أو يصاحبه. وأهل
البيت (عليهم السلام) قد أعدّهم الله ورسوله لتربية أبناء الأمة وانتشالهم من
الانحراف عبر التوجيه والإرشاد، وتبقى الاستجابة لهدايتهم هي السبب الأعمق
لتأثيرها وفاعليتها في كل فرد. |
|
1 ـ الإمام العسكري(عليه السلام) والواقفة
|
|
والواقفة جماعة، وقفت على إمامة الإمام موسى بن جعفر(ع )،
ولم تقل بإمامة الإمام الرضا(ع )، وكان المؤسس لمذهب هذه الجماعة زياد بن مروان
القندي الأنباري وعلي بن أبي حمزة، وعثمان بن عيسى وكان سبب توقّفهم هو أن زياد
بن مروان القندي الأنباري كانت عنده سبعون ألف دينار من الإمام موسى بن جعفر(ع )
فأظهر هو وصاحباه القول بالوقف طمعاً بالمال الذي كان عندهم (يراجع رجال الكشي: 467 ح
888 و 493 ح 946 وعنه في بحار الأنوار: 48/251 وعنه في سفينة البحار: 3/581.). روى شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي(رضي
الله عنه) عن ابن يزيد عن بعض أصحابه قال: مضى أبو
إبراهيم ـ الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ـ وعند زياد القندي سبعون ألف
دينار وعند عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون ألف دينار، وخمس جواري ومسكنه بمصر،
فبعث إليهم أبو الحسن الرضا (عليه السلام): «أن
احملوا ما قبلكم من المال، وما كان اجتمع لأبي عندكم، فإني وارثه وقائم مقامه،
وقد اقتسمنا ميراثه ـ وبهذا أشار الرضا (عليه السلام) إلى موت الإمام
الكاظم (ع ) ـ ولا عذر لكم في حبس ما قد اجتمع لي
ولورّاثه قبلكم». |
|
2 ـ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
والمفوّضة
|
|
والمفوّضة جماعة، قالت: إنّ الله خلق
محمّداً وفوّض إليه خلق الدُّنيا، فهو الخلاّق لما فيها، وقيل: فوّض ذلك إلى
الإمام علي (عليه السلام) ( يُراجع معجم الفرق الإسلامية: 235.) والأئمة (عليهم السلام) من بعده. وعن إدريس بن
زياد الكفرتوثائي قال: كنت أقول فيهم قولاً عظيماً فخرجتُ إلى العسكر للقاء أبي
محمّد (ع )، فقدمت وعليَّ أثر السفر وعناؤه، فألقيتُ نفسي على دكّان حمّام، فذهب
بي النوم، فما انتبهت إلاّ بمقرعة أبي محمّد (عليه السلام)، قد قرعني بها حتّى
استيقظت، فعرفته سلام الله عليه فقمتُ قائماً أقبّل قدمه وفخذه، وهو راكب،
والغلمان من حوله فكان أوّل ما تلقّاني به أن قال:
ياإدريس (بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا
يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)( الأنبياء(21): 26 ـ 27.). ثم
قال: ذكرت شخوصك إلى فارس فاشخص خار الله لك وتدخل مصر إن شاء الله
آمناً واقرأ من تثق به من موالينا السلام ومرهم بتقوى الله العظيم وأداء الأمانة
وأعلمهم أن المذيع علينا حرب لنا. قال: فلما قرأت خار الله لك في دخولك مصر إن شاء
الله آمناً لم أعرف المعنى فيه فقدمت بغداد عازماً على الخروج إلى فارس فلم يقيض
لي وخرجت إلى مصر. |
|
البحث السابع: من وصايا الإمام
العسكري(عليه السلام) وإرشاداته لشيعته
|
|
وتضمّنت وصايا الإمام ورسائله، بيان الأحكام الشرعية
ومسائل الحلال والحرام كما اشتملت على خطوط للتعامل مع الآخرين وكان ذلك بمثابة
منهاج سلوكي ليسير عليه شيعته ويقيموا علائقهم وفقاً له فيما بينهم وبين أبناء
المجتمع الذي يعيشون فيه وإن اختلفوا معهم في المذهب والمعتقد، ومن هذه الوصايا: |
|
البحث الثامن: الإمام العسكري(عليه
السلام) والتحصين الأمني
|
|
انتهج
الإمام الحسن العسكري نهج آبائه للمحافظة على شيعته وأتباعه الذين يمثّلون
الجماعة الصالحة في المجتمع الإسلامي، وقد شدّد الإمام العسكري دعوته إلى
الكتمان وعدم الإذاعة والحذر في التعامل مع الآخرين، والتشدد في نقل الأخبار
والوصايا عنه ونقل أوامره إلى أصحابه ونقل أخبارهم إليه، فإنّ أتباعه قد انتشروا
في أقطار الدولة الإسلامية في عصره(عليه السلام) بعد أن أخذ التشيع طابع
المعارضة واتسعت دائرته تحت راية أهل البيت(عليهم السلام) وكثيراً ما كانت تصدر
عنه(عليه السلام) التحذيرات المهمة لهم تجاه الفتن والابتلاءات المستقبلية
تجنيباً لهم من الوقوع في شرك السلطة وحفظاً لهم من مكائدها. 3
ـ إن النص يظهر لنا استغلال الإمام(عليه السلام) للمناسبات المختلفة لتحذير
أصحابه من الإفصاح عن أنفسهم وإظهار علاقتهم بالإمام كما سيتضح لنا ذلك من
النصوص الآتية. وسنقف في الفصل الأخير من الكتاب على أهم ما
صدر من الإمام(عليه السلام) في مجال التحصين العلمي والعقائدي والتربوي
والأخلاقي بالإضافة إلى ما قد عرفناه من التحصين
السياسي والأمني والاقتصادي فيما مرّ من خلال المهام التي جعلت على عاتق الوكلاء
وثقاة أصحابه. |
|
الفصل
الثالث: من تراث الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)
|
|
إنّ المأثور عن الإمام العسكري هو مجموعة
من النصوص التي يمكن تصنيفها تحت عناوين متعددة هي: |
|
أوّلاً: التفسير
|
|
لقد اختلف الفقهاء والمحدّثون في مدى صحة
انتساب التفسيرالمنسوب إلى الإمام الحسن العسكري(ع) منذ القرن الرابع الهجري حتى
يومنا هذا. |
|
نماذج من تراثه التفسيري
|
|
1 ـ روى الثقة الأمين أبو هاشم الجعفري ـ وهو من خيرة أصحاب
الإمام(ع) قال: كنت عند أبي محمد(ع) فسألته عن قول الله عَزَّ وجَلَّ:(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ
عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ
سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ...)( فاطر(35): 32.).
قال أبو هاشم: فدمعت عيناي وجعلت أفكر في نفسي ما أعطى الله آل محمد(صلَّى الله
عليه وآله) فنظر إلي الإمام وقال: عظم ما حدثتك به
نفسك من عظم شأن آل محمد، فاحمد الله، فقد جعلك الله متمسكاً بحبهم تدعى يوم
القيامة بهم إذا دُعي كل إنسان بإمامه، فأبشر ياأبا هاشم فإنك على خير(الثاقب في المناقب: ص341
ـ 242 للجرجاني.). 3
ـ وسأله أيضاً عن قول الله عَزَّ وجَلَّ: (لِلَّهِ
الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)( الروم(30): 4.)
فقال الإمام: من بعد أن يأمر بما يشاء، فقلت
في نفسي: هذا قول الله: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ
وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)( الأعراف(7): 54.) فنظر إلي الإمام وتبسم، ثم قال: (لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ
الْعَالَمِينَ)( كشف الغمة: 3 / 210 عن دلائل الحميري.). |
|
ثانياً: رسالة المنقبة
|
|
نقل العلاّمة المجلسي هذه الرسالة عن الإمام
العسكري قائلاً: وخرج من عند أبي محمد(عليه السلام) في سنة خمس وخمسين ومئتين
كتاب ترجمته (رسالة المنقبة). يشتمل على أكثر علم الحلال الحرام (بحار الأنوار: 50 / 310
عن مناقب آل أبي طالب: 4/457.). |
|
ثالثاً: مكاتبات الرجال عن العسكريين
|
|
أشار إلى هذه المكاتبات في أحكام الدين الشيخ ابن
شهرآشوب في المناقب راوياً لها عن الخيبر الحميري(تاريخ التشريع الإسلامي: 198 عن مناقب آل أبي طالب: 4/457.). |
|
رابعاً: مجموعة وصايا الإمام العسكري
وكتبه وتوقيعاته
|
|
إن ظاهرة صدور التوقيع من الإمام على أمر من الأمور
ـ بمعنى إرسال رسالة من الإمام إلى من يهمّه الأمر من وكيل أو تابع خاص مزوّدة
بتوقيعه ومشتملة على خطّه(عليه السلام) ـ قد مهّد بها الإمام الحسن العسكري(عليه
السلام) لفترة الغيبة، كما مهّد كل من الإمامين الهادي والعسكري(عليهما السلام)
بكثرة احتجابهما للغيبة المتوقّعة للإمام المهدي(عليه السلام). |
|
وإليك
بعض رسائل الإمام الحسن العسكري(عليه السلام):
|
|
1 ـ رسالته إلى إسحاق النيسابوري:
|
|
أرسل الإمام أبو محمد(عليه السلام) إلى إسحاق ابن
إسماعيل النيسابوري هذه الرسالة، وهي من غرر الرسائل، وقد استهدفت الوعظ،
والإصلاح الشامل، وهذا نصها: |
|
2 ـ رسالته إلى أهالي قم وآبة:
|
|
وأرسل الإمام أبو محمد(عليه السلام) إلى شيعته من
أهالي قم وآبة(آبة:
بليدة تقابل ساوة، وتعرف بين العامة بآوة، قال ذلك ياقوت في المعجم.) رسالة جاء فيها: |
|
باقي الرسائل
|
|
3 ـ رسالته إلى عبد الله
البيهقي: وأرسل الإمام (عليه السلام) إلى عبد الله بن حمدويه البيهقي الرسالة التالية: شجب الإمام (عليه السلام) في رسالته الظلم والبغي والحسد،
واستجار بالله من كل ظالم وباغ وحاسد، فإنه تعالى عون للمظلومين، وسند لهم، وهو
القادر على إزالة الظلم، وإنزال أقصى العقوبة بالمعتدين والظالمين(راجع باقر شريف القرشي
حياة الإمام الحسن العسكري: 73 ـ 88.). |
|
خامساً: اهتمامات الإمام الحسن
العسكري(عليه السلام) الفكرية والعلمية
|
|
نلاحظ
اهتماماً علميّاً متشعّب الجوانب من خلال النصوص الواصلة إلينا عن الإمام
العسكري، فهو يهتم بالقرآن الكريم وهو سند الشريعة ومصدرها الأساسي كما انه يهتم
بحفظ السنة النبوية وسنّة أهل البيت وتأريخهم، ويهتم أيضاً بنقده وتعريفه للشخصيات
التي يتوجّه إليها الناس لأخذ العلوم والأحكام منهم أو مراجعتهم لغرض الارتباط
بالإمام (ع) أو توكيلهم لإيصال الحقوق الشرعية إليه، فهو يعرّف وكلاءه ويوليهم
ثقة ويلعن من ينحرف منهم ويحذّر شيعته ومواليه من الغفلة عن رصد أحوالهم في حال
استقامتهم أو انحرافهم. |
|
من
تراثه المعرفيّ
|
|
1 ـ عن أبي منصور الطبرسي مسنداً قال:
حدثنا أبو محمّد الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام)، قال: حدثني أبي عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله(صلَّى الله
عليه وآله) أنه قال: ويقال للفقيه: ياأيها الكافل لأيتام آل محمد الهادي لضعفاء محبيهم
ومواليهم قف حتى تشفع لكل من أخذ عنك أو تعلم منك، فيقف فيدخل الجنة معه فئاماً
وفئاماً وفئاماً ـ حتى قال عشراً ـ وهم الذين أخذوا عنه علومه وأخذوا عمن أخذ
عنه وعمن أخذ عمن أخذ عنه إلى يوم القيامة، فانظروا كم صرف ما بين المنزلتين (الاحتجاج: 1 / 9.). |
|
من
تراثه الكلامي
|
|
1 ـ التوحيد في نصوص الإمام العسكري(عليه
السلام)
|
|
1 ـ روى الكليني، مسنداً عن يعقوب بن إسحاق قال:
كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله: كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه ؟
فوقّع (عليه السلام): ياأبا يوسف جلَّ سيّدي ومولاي
والمنعم عليّ وعلى آبائي أن يُرى. قال:
وسألته: هل رأى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ربّه ؟ فوقّع (عليه السلام): إنَّ الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما
أحبَّ (الكافي:
1 / 95 والتوحيد: 108.). |
|
2 ـ أهل البيت (عليهم السلام) والإمامة عند
الإمام العسكري (عليه السلام)
|
|
لقد
أشاد الإمام (ع ) بفضل أهل البيت الذين هم مصدر الوعي، والإيمان في دنيا
الإسلام، حيث قال(ع ): |
|
الإمام المهدي (عليه السلام) في تراث
الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
|
|
روي عن الحسن بن ظريف أنه قال: اختلج في
صدري مسألتان أردت الكتاب فيهما إلى أبي محمد (ع ) فكتبت أسأله عن القائم(عليه
السلام) إذا قام بما يقضي وأين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس ؟ وأردت أن أسأله
عن شيء لحمّى الرّبع فأغفلت خبر الحمّى. فجاء الجواب: |
|
السيرة النبوية في تراث الإمام العسكري
(عليه السلام)
|
|
وقد
وردت مجموعة من النصوص عن الإمام العسكري(ع ) فيما يخص سيرة النبي(ص) وسيرة أهل
بيته (ع ) ممّا يشير إلى ضرورة اهتمامه (ع ) بهذا الجانب في عصره. ياعبد الله إنما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم ويدعوهم إلى ربهم
ويكدّ نفسه في ذلك آناء الليل ونهاره، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها وعبيد وخدم
يسترونه عن الناس أليس كانت الرسالة تضيع والأمور تتباطأ، أو ما ترى الملوك إذا
احتجبوا كيف يجري الفساد والقبائح من حيث لا يعلمون به ولا يشعرون. وهو حكيم في أفعاله محمود في أعماله وذلك قوله تعالى:(وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ
الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) قال
الله تعالى: (
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ) يا
محمّد (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ
مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ). قال: فكيف صرت تقترح على رسول ربّ العالمين ما لا تسوغ لأكرتك
ومعامليك أن يقترحوه على رسولك إليهم ؟! وكيف أردت من رسول رب العالمين أن يستذم
إلى ربّه بأن يأمر عليه وينهى وأنت لا تسوغ مثل هذا على رسولك إلى أكرتك وقوامك
؟! هذه حجة قاطعة لإبطال جميع ما ذكرته في كل ما اقترحته ياعبد الله. فقال
رسول الله(صلى الله عليه وآله): ياأبا جهل أما علمت قصة إبراهيم الخليل لما رفع
في الملكوت، وذلك قول ربي: (وَكَذلِكَ نُرِي
إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ
الْمُوقِنِينَ) قوّى الله بصره لما رفعه دون السماء حتى أبصر الأرض ومن
عليها ظاهرين ومستترين فرأى رجلاً وامرأة على فاحشة فدعا عليهما بالهلاك فهلكا،
ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا. ثم قال رسول الله(صلَّى الله عليه وآله): لقد تركتم العمل يوم
السبت ثم عملتم بعده سائر الأيام، ثم تركتموه في السبت ثم عملتم بعده، أفتركتم
الحق إلى الباطل، أو الباطل إلى الحق، أو الباطل إلى الباطل، أو الحق إلى الحق ؟
قولوا كيف شئتم فهو قول محمّد وجوابه لكم، قالوا: بل ترك العمل في السبت حق،
والعمل بعده حق فقال رسول الله(صلَّى الله عليه وآله): فكذلك قبلة بيت المقدس في
وقته حق، ثم قبله الكعبة في وقته حق. يعني: إذا توجهتم بأمره فثم الوجه الذي
تقصدون منه الله وتأملون ثوابه. |
|
المختار
من تراثه الفقهي (عليه السلام)
|
|
وردت
عن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) نصوص فقهية تتوزع على مختلف أبواب الفقه
وهي تناهز الـ 75 نصاً كما أحصاها مسند الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) وإليك نماذج مختارة منها: 2
ـ وكتب حمزة بن محمد إلى أبي محمد(ع): لم فرض الله الصوم ؟ فورد في الجواب: ليجد الغني مسّ الجوع ; فيحنّ على الفقير(رواه الكليني في الكافي:
4 / 181، ح6 بتفاوت، من لا يحضره الفقيه: 3 / 43، ب21، ح3.). فكتب(عليه
السلام): يجب عليك فيه الخمس، إن شاء الله تعالى(التهذيب: 4 / 139، ح16.). فوقع
(عليه السلام): يصلح إذا أحاط الشراء بجميع ذلك إن
شاء الله(الكافي:
7 / 402، ذيل حديث 4 بتفاوت، من لا يحضره الفقيه: 3 / 153، ب73، ح10.). فوقّع
(عليه السلام): جايز للميّت ما أوصى به على ما أوصى
به، إن شاء الله(الكافي: 7 / 45، ح2، من لا يحضره الفقيه: 4 / 155، ب103، ح3.). باب الوقف: باب
المعيشة: باب الأولاد: المختار من تراثه (عليه السلام) في
الدعاء: وآخر دعوانا
أن الحمد لله رب العالمين |
|
|
|
|
الإمام
الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)
|
|
الإمام الحسن بن علي
العسكري(عليه السلام) |
|
أهل
البيت في القرآن الكريم (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ
الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) الأحزاب: 33
/ 33 |
|
أهل
البيت في الُسنّة النبويّة (إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن
تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً) (الصحاح
والمسانيد) |
|
الفهرس إجمالي
|
|
مقدمة
المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)...
الفصل
الثاني: الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) ومتطلبات الجماعة الإسلامية... |
|
المقدمة
|
|
الحمد
لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، ثم الصلاة والسلام على من اختارهم هداةً
لعباده، لا سيَّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمد
(صلَّى الله عليه وآله) وعلى آله الميامين النجباء. (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)(الأنعام
(6): 71). (وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(البقرة
(2): 213). (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)(الأحزاب
(33): 4). (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ)(آل عمران (3): 101). (قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الْحَقِّ
أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ
كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(يونس (10): 35). (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ
مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إلى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(سبأ
(34): 6). (ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من الله)(القصص
(28):50). فالله
تعالى هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان
إلى الصراط المستقيم وإلى الحقّ القويم. وهذه الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم. ولقد
أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى
الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال، ومن هنا قال تعالى: (وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ)(الذاريات
(51): 56). وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، كانت المعرفة
والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال. وبعد
أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال;
لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة; والهوى الناشئ منهما، والملازم لهما فمن
هنا احتاج الإنسان ـ بالإضافة إلى عقله وسائر أدوات المعرفة
ـ إلى ما يضمن له سلامة البصيرة والرؤية; كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة
الهداية، وتتوفّر لديه كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو
طريق الشرّ والشقاء بملء إرادته. ويتولّى أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم الهداة المهديّون مهمّة الهداية
بجميع مراتبها، والتي تتلخّص في: 1 ـ تلقِّي الوحي بشكل كامل واستيعاب
الرسالة الإلهية بصورة دقيقة. وهذه المرحلة تتطلّب الاستعداد التام لتلقّي
الرسالة، ومن هنا يكون الاصطفاء الإلهي لرسله شأناً من شؤونه، كما أفصح بذلك
الذكر الحكيم قائلاً: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ
يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)(الأنعام (6): 124) و(اللَّهَ
يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ)(آل عمران (3): 179). 2 ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى البشرية
ولمن أرسلوا إليه، ويتوقّف الإبلاغ على الكفاءة التامّة التي تتمثّل في
(الاستيعاب والإحاطة اللازمة) بتفاصيل الرسالة وأهدافها ومتطلّباتها، و (العصمة)
عن الخطأ والانحراف معاً، قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ
أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ
وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا
اخْتَلَفُوا فِيهِ)(البقرة (2): 213). 3 ـ تكوين أُمة مؤمنة بالرسالة الإلهية،
وإعدادها لدعم القيادة الهادية من أجل تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في الحياة،
وقد صرّحت آيات الذكر الحكيم بهذه المهمّة مستخدمةً عنواني التزكية والتعليم،
قال تعالى: (يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ)(الجمعة(62): 2) والتزكية هي التربية باتجاه الكمال اللائق
بالإنسان. وتتطلّب التربية القدوة الصالحة التي تتمتّع بكلّ عناصر الكمال، كما
قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب (33): 21). ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري: وتبلورت
حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم على نهج الرسول العظيم وانفتاح الأمة عليهم
والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم،
فكانوا هم الأدلَّاء على الله وعلى مرضاته، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين
في محبّته، والذائبين في الشوق إليه، والسابقين إلى تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ
المنشود. ويختصّ
هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام الحسن بن علي العسكري(عليه السلام)، وهو الحادي
عشر من أئمة أهل البيت الاثني عشر الذين استخلفهم رسول الله(صلَّى الله عليه
وآله) بأمر من الله تعالى ونص على إمامتهم وخلافتهم له وجعلهم أمناء على شريعته
وأمته من بعده. ولا بدَّ لنا من تقديم الشكر إلى كلّ
الإخوة الأعزّاء الذين بذلوا جهداً وافراً وشاركوا في إنجاز هذا المشروع المبارك
وإخراجه إلى عالم النور ، لا سيَّما أعضاء لجنة التأليف بإشراف سماحة السيد منذر
الحكيم حفظه الله تعالى . ولا يسعنا إلاّ أن نبتهل إلى الله تعالى بالدعاء
والشكر لتوفيقه على إنجاز هذه الموسوعة المباركة فإنه حسبنا ونعم النصير. المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) قم المقدسة |
|
الباب
الأول
|
|
فيه فصول: |
|
الفصل
الأول: الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) في سطور
|
|
الإمام
الحسن بن علي العسكري هو المعصوم الثالث عشر
والإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت (ع) بعد
رسول الله (صلَّى الله عليه وآله). لقد كان الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) أستاذ العلماء وقدوة
العابدين وزعيم المعارضة السياسية والعقائدية في عصره،
وكان يشار إليه بالبنان وتهفو إليه النفوس بالحبّ والولاء كما كانت تهفو إلى
أبيه وجدّه اللذين عُرف كل منهما بابن الرضا (عليهما السلام)، كل هذا رغم معاداة
السلطة لأهل البيت (عليهم السلام) وملاحقتها لهم ولشيعتهم. |
|
الفصل
الثاني: انطباعات عن شخصية الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
|
|
احتلّ
أهل البيت (عليهم السلام) المنزلة الرفيعة في قلوب المسلمين لما تحلّوا به من
درجات عالية من العلم والفضل والتقوى والعبادة فضلاً عن النصوص الكثيرة الواردة
عن الرسول (صلَّى الله عليه وآله) في الحث على التمسّك بهم والأخذ عنهم. 5 ـ راهب دير العاقول: 10 ـ العلاّمة الشبراوي الشافعي: |
|
الفصل
الثالث: مظاهر من شخصية الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)
|
|
لقد
كان الإمام أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام) في معالي أخلاقه نفحة من نفحات
الرسالة الإسلامية فقد كان على جانب عظيم من سموّ الأخلاق، يقابل الصديق والعدو
بمكارم أخلاقه ومعالي صفاته، وكانت هذه الظاهرة من أبرز مكوناته النفسية، ورثها
عن آبائه وجده رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) الذي وسع الناس جميعاً بمكارم
أخلاقه، وقد أثّرت مكارم أخلاقه على أعدائه والحاقدين عليه، فانقلبوا من بغضه
إلى حبه والإخلاص له.( حياة الإمام الحسن العسكري(عليه السلام): 42.) سماحته
وكرمه زهده وعبادته |
|
الباب الثاني
|
|
فيه فصول: |
|
الفصل
الأول: نشأة الإمام الحسن بن علي العسكري(عليه السلام)
|
|
نسبه الشريف: ويلاحظ هنا اختلاف المؤرخين والرواة في تاريخ ميلاده الشريف
من حيث اليوم والشهر والسنة التي ولد فيها. و شاهد آخر على حراجة الظروف السياسية والاجتماعية التي كانت تحيط
بالإمامين العسكريين علي بن محمد والحسن بن علي(ع )
والتي كانت تحتم إبعاد الإمام العسكري من الأضواء والاتصال بالعامة إلاّ في حدود
يسمح الظرف بها أو تفرضها ضرورة بيان منزلته وإمامته وعلو مكانته وإتمام الحجة
به على الخواص والثقاة من أصحابه ، كل ذلك من أجل الحفاظ على حياته من طواغيت
بني العباس. |
|
الفصل
الثاني: مراحل حياة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
|
|
تنقسم حياة الإمام العسكري (عليه السلام) إلى مرحلتين متميزتين: المرحلة الثانية: هي أيام إمامته حتى استشهاده والتي تبدأ من سنة (254هـ) وحتى سنة استشهاده (260هـ) وهي
مرحلة حافلة بأحداث مهمة على الرغم من قصرها. |
|
الفصل الثالث: الإمام الحسن العسكري في ظلّ أبيه (عليهما
السلام)
|
|
كان شخوص الإمام الهادي مع ابنه الحسن العسكري (ع)
من المدينة سنة (234هـ) ( تاريخ الطبري: 7 / 519.)،
ورافقه خلال مدة تواجده في سامرّاء البالغة عشرين سنة
فيكون قد عاش الإمام الحسن العسكري(ع) في ظل أبيه اثنين وعشرين سنة حيث
استشهد أبوه الإمام الهادي(عليه السلام) سنة(254هـ). |
|
1 ـ طفولة متميّزة
|
|
روي
أن شخصاً مرّ بالحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) وهو
واقف مع أترابه من الصبيان، يبكي، فظنّ ذلك الشخص أن هذا الصبيّ يبكي
متحسّراً على ما في أيدي أترابه، ولذا فهو لا يشاركهم في لعبهم، فقال له: أشتري
لك ما تلعب به ؟، فردّ عليه الحسن (عليه السلام): «لا،
ما للّعب خُلِقنا». |
|
2 ـ عصر الإمام الهادي (عليه السلام)
|
|
عاصر
الإمام الهادي (عليه السلام) مدة إمامته ستّة من خلفاء
بني العباس، المعتصم منذ سنة (220 ـ 232 هـ ) والمتوكل
(232 ـ 247 هـ) حيث قتل على يد الأتراك، ثم جاءت أيام المنتصر ـ وكانت مدّة خلافته ستة أشهر ويومين، ثم المستعين (248 ـ 252هـ) كما عاصر الشطر الأكبر من
خلافة المعتز (252 ـ 255هـ) حيث كان استشهاد
الإمام الهادي (عليه السلام) سنة (254هـ) ( تاريخ الطبري: 7 أحداث سنة 234 وسنة 254 هـ.)، وفي هذا العام تولى مهام الإمامة ابنه الحسن بن
علي العسكري (عليهما السلام). |
|
3 ـ مواقف الإمام الهادي (عليه السلام)
تجاه الأحداث
|
|
يتضح
لنا من خلال الإجراءات التي قام بها المتوكل العباسي تجاه الإمام الهادي (عليه
السلام) أنّ حركة الإمام وقيامه بمهامّه إزاء الأمة وخاصّته ـ وهي القواعد
المؤمنة بمرجعيته الفكرية والروحيّة ـ كانت حركة محدودة تخضع لمدى الرقابة
والضغط الموجه إليه والى خاصته. فكان الإمام (عليه السلام) منتهجاً نفس السبيل
الذي انتهجه آباؤه (عليهم السلام)، وعلى وفق المصلحة العليا للرسالة الإسلامية
وبمقدار ما تسمح به الظروف العامة والخاصة التي تحيط بالإمام (عليه السلام) في
عصره وهي ضرورة الحفاظ على مفاهيم الرسالة الإسلامية أوّلاً
ومنع خاصّته من الوقوع في الانحراف أو ما كان يكيده لهم السلطان العباسي من
منزلقات ثانياً. |
|
الإمام الهادي (عليه السلام) والمتوكل
العباسي
|
|
لقد سعى جماعة بالإمام (عليه السلام) إلى المتوكل،
وأخبروه بأن في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها وأنه يطلب الأمر لنفسه، فأرسل
المتوكل مجموعة من الأتراك ليلاً ليهجموا على منزله على حين غفلة، فلمّا باغتوا
الإمام (ع ) وجدوه وحده، مستقبل القبلة وهو يقرأ
القرآن، وليس بينه وبين الأرض بساط فأخذ على الصورة التي وجد عليها، وحمل إلى
المتوكل في جوف الليل، فمثُل بين يدي المتوكل وهو في مجلس شرابه وفي يده كأس،
فلمّا رآه أعظمه وأكبره وأجلسه إلى جانبه ولم يكن في منزله شيء ممّا قيل عنه ولم تكن للمتوكّل حجة يتعلّل بها على الإمام (عليه السلام).
فناول المتوكل الإمام (عليه السلام) الكأس الذي في يده. باتوا على قلل الأجبال تحرسهم = غلب الرجال فما
أغنتهم القلل وطالما عمّروا دوراً لتحصنهم = ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا فبكى المتوكل بكاء كثيراً حتى بلّت
دموعه لحيته، وبكى من حضر ثم أمر برفع الشراب، ثم
قال ياأبا الحسن، أعليك دين ؟ قال الإمام (عليه السلام): نعم، أربعة آلاف دينار، فأمر بدفعها إليه، وردّه إلى
منزله مكرّماً.(
مروج الذهب: 4 / 11 عن المبرّد، ولعلّ عنه ابن خلكان في وفيات الأعيان: 2/434
وعن المسعودي السبط في تذكرة الخواص: 323.) |
|
الإمام الهادي (عليه السلام) ووزير
المنتصر
|
|
وروي
أن الإمام (عليه السلام) كان يساير أحمد بن الخصيب في أثناء وزارته وقد قصُرَ
أبو الحسن ـ أي الإمام الهادي (عليه السلام) ـ عنه فقال له ابن الخصيب: سر،
جُعلت فداك، فقال له أبو الحسن(ع): «أنت المقدّم»،
يقول الراوي فما لبثنا إلاّ أربعة أيام حتى وضع الدهق على ساق ابن الخصيب وقتل.( أصول الكافي: 1/501 ح6
وعنه في الإرشاد: 2/306 وإعلام الورى: 2/116 وعن الإرشاد في كشف الغمة: 3/170.) قل للخليفة ياابن عم محمد =
أشكل وزيرك إنه ركال (مروج الذهب: 4 / 48، والكامل
في التاريخ: 5 / 311.) |
|
الإمام الهادي (عليه السلام) والتحدّي
العلمي
|
|
لم
تنحصر تحديات السلطة بإجراءاتها القمعية ضد الإمام (عليه السلام) بل كانت تعمد
بين الحين والآخر إلى إحراج الإمام في قضايا علميّة حيث تدفع بوعاظها إلى محاججة
الإمام (ع) بطرح أسئلة في مجالس عامة. |
|
الإمام الهادي (عليه السلام) وفتنة خلق
القرآن
|
|
وفي
فترة حكم المأمون العباسي، أثيرت من قبل السلطان العباسي قضية خلق القرآن من أجل إبعاد الأمة عن همومها وأهدافها
بالإضافة إلى توسيع وتعميق شُقّة الخلاف بين أبناء الأمة، ليكون هذا
الخلاف حاجزاً بينهم وبين السلطان المنحرف والبعيد في سلوكه ونشاطه عن الشريعة
الإسلامية. |
|
الإمام الهادي (عليه السلام) مع أصحابه
وشيعته
|
|
لقد
حفلت حياة الإمام (عليه السلام) بالأحداث المريرة إذ كان الصراع على السلطة على
أشدّه بين أبناء الأسرة الحاكمة من جهة، وبين الأمراء والقوّاد الأتراك وغيرهم
من الطامحين في السلطة من جهة ثانية. فكان نتيجة هذا الصراع أن ينال الإمام
الهادي (عليه السلام) وأبناء عمومته وشيعته في هذه الظروف الكثير من الأذى
والاضطهاد باعتباره زعيم الجبهة المعارضة لكل هؤلاء المتصارعين على السلطة من
حكّام وأمراء ووزراء. فبالرغم من وجود هذا الصراع الشديد فان الحكام العباسيين
كانوا يخافون الإمام (عليه السلام) ويرون أنّه سيد أهل البيت وإمام الأمة وصاحب
الكلمة المسموعة بين الناس. |
|
رعاية الإمام الهادي (عليه
السلام) لشيعته وقضاء حوائجهم
|
|
كتب الإمام الهادي(عليه السلام) كتاباً حذّر فيه محمد بن الفرج
الرُخجي جاء فيه: فكان الإمام(ع) على اطلاع دائم على الوضع والظروف
التي كان يعيشها أصحابه وشيعته وهو يعمل جادّاً من أجل تخفيف وطأة ذلك عنهم لما
يعلمه من سوء ظروفهم الاقتصادية والسياسية، وما تقوم به السلطة العباسية من
التضييق وخلق ظروف يصعب عليهم التحرك أو العمل فيها فضلاً عن محاربتهم اقتصادياً
وسياسياً وربّما كان يتوخى الإمام(عليه السلام) من ذلك
أموراً مثل: |
|
الإمام الهادي (عليه
السلام) والغلاة
|
|
ظهر
في عصر الإمام(ع ) أشخاص وبرزت مجموعات تدعو إلى آراء وتوجهات خاصة بهم تحاول
خداع السذّج من الناس لصرفهم عن قيادة الإمام(ع ) وتشكيكهم في معتقداتهم لغرض
تفتيت الحركة الشيعية وتحجيم دورها. |
|
الإمام الهادي (عليه السلام) والثورات
في عصره
|
|
إن الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة وظروف
القهر والاستبداد السياسي التي عانت منها الأمة إبّان عصر الدولة العباسية
الثاني حفّزت كثيراً من معارضي الدولة على الخروج المسلّح عليها فحدثت عدّة
انتفاضات وثورات في أمصار الدولة كما كانت هناك حركات انفصالية قامت نتيجة لها
دول وإمارات في أمصار مختلفة. |
|
الإمام الهادي (عليه السلام) وأساليب
مواجهة السلطة
|
|
إن
إبعاد الإمام الهادي(عليه السلام) عن المدينة وإقامته قريباً من مركز الخلافة في
سامراء ما كان إلاّ لتحصى عليه حركاته وسكناته ومن ثم إبعاده عن شيعته وأهل بيته
ومحبّيه كمحاولة من السلطة العباسية لإضعاف نشاط الإمام وتحجيم دوره وبالتالي
إخضاعه لرقابة مشددة للتعرف على مدى تحرّكه أوّلاً
ثم التعرف على شيعته وأصحابه ثانياً واتخاذ
الإجراءات الكفيلة بإفشال تحرّكهم ومنع تأثير الإمام ومنع انتشار فكر الإمام(ع)
بين أبناء الأمة الإسلامية التي عرفت الإمام الرضا ومدرسته وأبناءه الذين كانوا
يشكّلون الجبهة الأساسية المعارضة للحكم القائم ثالثاً. |
|
4 ـ زواج الإمام الحسن العسكري(عليه
السلام)
|
|
روي عن بشر بن سليمان النخاس ـ وهو من ولد
أبي أيوب الأنصاري ـ أحد موالي أبي الحسن الهادي وأبي
محمد العسكري(عليهما السلام) أنّه قال: «أتاني كافور الخادم ـ خادم
الإمام الهادي ـ فقال: مولانا أبو الحسن علي الهادي(عليه السلام) يدعوك إليه
فأتيته فلما جلست بين يديه قال لي: يا بشر إنك من ولد
الأنصار وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البيت،
وإني مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بها، بسرّ أطلعك عليه،
وأنفذك في ابتياع أمة. فكتب
كتاباً لطيفاً بخط رومي ولغة رومية وطبع عليه خاتمه
وأخرج شقيقة صفراء فيها مئتان وعشرون ديناراً، فقال: خذها
وتوجه إلى بغداد واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق
السبايا وترى الجواري فيها ستجد طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العبّاس
وشرذمة من فتيان العرب، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمّى عمر بن يزيد
النخّاس عامة نهارك إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرين
صفيقين تمتنع من العرض ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها، وتسمع صرخة
رومية من وراء ستر رقيق،(فاعلم) أنّها تقول: واهتك ستراه، فيقول بعض المبتاعين:
عليّ ثلاثمئة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول له بالعربية: ولو برزت في
زيّ سليمان بن داود وعلى شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق على مالك، فيقول
النخّاس: فما الحيلة؟ ولا بد من بيعك، فتقول الجارية: وما العجلة؟ ولا بد من
اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى وفائه وأمانته، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخّاس وقل له: أنّ معك كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة
رومية وخطّ رومي، ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاءه، فناولها لتتأمل منه أخلاق
صاحبه فإن مالت إليه ورضيتهُ، فأنا وكيله في ابتياعها منك. فقلت:
يا مولاتي هل كان للحسن(عليه السلام) ولد ؟
فتبسّمت ثم قالت: إذا لم يكن للحسن(عليه السلام) عقب
فمن الحجة من بعده ؟ وقد أخبرتك أنه لا إمامة
لأخوين بعد الحسن والحسين(عليهما السلام). |
|
5 ـ علاقة الإمام الحسن العسكري (عليه
السلام) بأخيه محمد
|
|
كان للإمام علي الهادي (عليه السلام) من الذكور أربعة وبنت واحدة،
والذكور هم: |
|
6 ـ علاقته بأخيه الحسين:
|
|
( وكان الحسين بن علي الهادي فذاً من أفذاذ العقل البشري وثمرة
يانعة من ثمرات الإسلام، وقد تميّز بسموّ أدبه وسعة أخلاقه ووفرة علمه، وكان
شديد الاتصال بشقيقه الإمام الحسن(عليه السلام)، وكانا يسمّيان بالسبطين،
تشبيهاً لهما بجدّيهما ريحانتي رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) الحسن
والحسين(عليهما السلام). |
|
7 ـ علاقته بأخيه جعفر:
|
|
لم نعثر على نص خاص يصوّر لنا نوع علاقته بأخيه جعفر ما قبل إمامته.
ولكن هناك نصوصاً تفيد أنّ جعفر كان لا يتورّع عن
السعاية إلى السلطان حول أخيه الحسن كما لم يكن متورّعاً عن شرب الخمر،
وقد سجن مع الإمام ثم اُفرج عن الإمام ولم يفرج عنه ولكن الإمام (ع ) لم يخرج من
السجن حتى أخرج معه أخاه جعفر بالرغم من انه كان مسجوناً من أجل السعاية على
الإمام الحسن ومن أجل تظاهره بشرب الخمر، وكان بمنادمته للمتوكل يريد الغض من
أخيه الحسن(ع). ولقب عند الإمامية بالكذاب لأنه
ادعى الإمامة بعد أخيه الحسن وقيل إنه تاب
بعدئذٍ ولقب بالتوّاب.
( راجع منهاج التحرك عند الإمام الهادي(ع): 8،
وراجع أيضاً الإمام الهادي من المهد إلى اللحد: 138 وراجع أيضاً مسند الإمام
الحسن العسكري: 52 ـ 61 و130.) |
|
8 ـ النصوص على إمامة الحسن العسكري (عليه
السلام)
|
|
يواجه الباحث في هذا الموضوع ـ كما هو الحال في
تناول النصوص الواردة في آباء الإمام العسكري(ع) ـ ثلاثة
أنواع من النصوص يمكن تصنيفها كما يلي: |
|
أ ـ نصوص الرسول الأعظم(صلَّى الله
عليه وآله)
|
|
وهي
النصوص التي رواها الصحابة والأئمة (ع ) والتي اشتملت على ذكر أسماء الأئمة
الاثني عشر وما وعد الله ـ على لسان رسوله (صلَّى الله عليه وآله) ـ المصدقين
بهم والتابعين لهم، بالخير والسعادة في الدارين وما توعد به الناصبين لهم العداء
والمخالفين من العذاب والخزي فيهما أيضاً. 1 ـ روى الصدوق، عن محمد بن إبراهيم بن
إسحاق(رضي الله عنه) قال: حدثنا محمد بن همام: حدثنا أحمد بن مابنداذ قال: حدثنا
أحمد بن هلال، عن محمد ابن أبي عميرة عن المفضل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمد
عن أبيه، عن آبائه(عليهم السلام)، عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: (قال رسول الله(صلَّى الله عليه وآله): لما أُسري بي إلى
السماء أوحى إلي ربي جل جلاله فقال: يا محمد إني اطّلعت على الأرض اطلاعة
فاخترتك منها فجعلتك نبياً وشققت لك من اسمي اسماً. فأنا المحمود وأنت محمد، ثم
اطّلعت الثانية فاخترت منها علياً وجعلته وصيك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذريتك
وشققت له اسماً من أسمائي فأنا العلي الأعلى وهو علي، وخلقت فاطمة والحسن
والحسين من نوركما، ثم عرضت ولايتهم على الملائكة فمن
قبلها كان عندي من المقربين. 2 ـ وعن محمد بن علي بن الفضل بن تمام
الزيات(رحمه الله) قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: حدثني عباد بن يعقوب، قال:
حدثني موسى بن عثمان قال: حدثني الأعمش، قال: حدثني أبو إسحاق، عن الحارث وسعيد
ابن قيس، عن علي بن أبي طالب(عليه السلام) قال: قال
رسول الله(صلَّى الله عليه وآله): أنا واردكم على الحوض، وأنت يا علي الساقي،
والحسن الذائد، والحسين الآمر، وعلي بن الحسين
الفارض، ومحمد بن علي الناشر، وجعفر بن محمد السائق، وموسى بن جعفر محصي المحبين
والمبغضين وقامع المنافقين، وعلي بن موسى مزين المؤمنين، ومحمد بن علي منزل أهل
الجنة في درجاتهم وعلي بن محمد خطيب شيعته ومزوجهم الحور(العين) والحسن بن علي
سراج أهل الجنة يستضيئون به، والقائم شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن الله إلاّ
لمن يشاء ويرضى)( الخوارزمي، مقتل الحسين: 1 / 94 ـ 95.). 3 ـ وروى الصدوق، عن محمد بن موسى بن
المتوكل(رضي الله عنه) قال، حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسى
بن عمران النخعي، عن عمّه الحسين بن يزيد، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه
عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه، عن آبائه(عليهم السلام)، قال: (قال رسول الله(صلَّى الله عليه وآله): حدثني جبرئيل، عن
ربّ العزة جلّ جلاله أنه قال: من علم أن لا إله إلاّ أنا وحدي، وأن محمداً عبدي
ورسولي، وأنّ علي بن أبي طالب خليفتي وأن الأئمة من ولده حججي أدخلته الجنة
برحمتي ونجيته من النار بعفوي. ومن لم يشهد بذلك ولم يشهد أن علي بن أبي طالب
خليفتي أو شهد بذلك ولم يشهد أن الأئمة من ولده حججي فقد جحد نعمتي وصغر عظمتي
وكفر بآياتي، إن قصدني حجبته، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن
دعاني لم أستجب دعاءه، وإن رجاني خيبته وذلك جزاؤه مني وما أنا بظلاّم للعبيد.
فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله ومن الأئمة من ولد علي بن
أبي طالب ؟ قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ثم سيد العابدين في زمانه
علي بن الحسين ثم الباقر محمد بن علي ـ وستدركه يا جابر ـ فإذا أدركته فأقرئه
مني السلام. ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم الكاظم موسى بن جعفر، ثم الرضا علي بن
موسى، ثم التقي محمد بن علي، ثم النقي علي بن محمد ثم الزكي الحسن بن علي، ثم
ابنه القائم بالحق مهدي أمتي الذي يملأ الأرض
قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي
من أطاعهم فقد أطاعني ومن عصاهم فقد عصاني، ومن أنكرهم أو أنكر واحداً منهم فقد
أنكرني، بهم يمسك الله عَزَّ وجَلَّ السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه، وبهم
يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها).( كمال الدين: 1 / 258.) 4 ـ وعن عبد الله بن العباس قال: دخلت على
النبي(صلَّى الله عليه وآله) والحسن على عاتقه والحسين على فخذه يلثمهما
ويقبلهما ويقول: (اللهم وال من والاهما وعاد من
عاداهما)، ثم قال: (يا بن عباس كأني به وقد
خضبت شيبته من دمه، يدعو فلا يجاب ويستنصر فلا ينصر). قلت: من يفعل ذلك
يا رسول الله ؟ قال: شرار أمتي، ما لهم ؟ لا أنالهم
الله شفاعتي). ثم قال: يا بن عباس من زاره
عارفاً بحقه، كتب له ثواب ألف حجة وألف عمرة، ألا ومن زاره فكأنما زارني ومن
زارني فكأنما زار الله، وحق الزائر على الله أن لا يعذبه بالنار، ألا وإن
الإجابة تحت قبته والشفاء في تربته والأئمة من ولده). قلت: يا رسول الله
فكم الأئمة بعدك ؟ قال: (بعدد حواري عيسى وأسباط موسى
ونقباء بني إسرائيل). قلت: يارسول الله فكم كانوا ؟ قال: (كانوا اثني عشر والأئمة بعدي اثنا عشر، أولهم علي بن أبي
طالب وبعده سبطاي الحسن والحسين، فإذا انقضى الحسين فابنه عليّ، فإذا انقضى علي
فابنه محمد، فإذا انقضى محمد فابنه جعفر فإذا انقضى جعفر فابنه موسى، فإذا انقضى
موسى فابنه علي فإذا انقضى علي فابنه محمد فإذا انقضى محمد فابنه علي فإذا انقضى
علي فابنه الحسن فإذا انقضى الحسن فابنه
الحجة). قال ابن عباس: قلت يارسول الله أسامي لم أسمع بهن قط ! قال لي: (يابن عباس هم الأئمة بعدي وإنهم أمناء معصومون نجباء،
أخيار. يابن عباس، من أتى يوم القيامة عارفاً بحقهم أخذت بيده فأدخلته الجنة،
يابن عباس من أنكرهم أو ردّ واحداً منهم فكأنما قد أنكرني وردني، ومن أنكرني
وردني فكأنما أنكر الله ورده. يابن عباس سوف يأخذ الناس يميناً وشمالاً، فإذا
كان كذلك فاتبع علياً وحزبه فإنه مع الحق والحق معه، ولا يفترقان حتى يردا عليّ
الحوض. يابن عباس، ولايتهم ولايتي وولايتي ولاية الله وحربهم حربي وحربي حرب
الله وسلمهم سلمي وسلمي سلم الله). 5 ـ وعن أنس بن مالك قال: قال رسول
الله(صلَّى الله عليه وآله): «ولما عرج بي إلى السماء
رأيت على ساق العرش مكتوباً لا إله إلاّ الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته
به، ورأيت اثني عشر اسماً مكتوباً بالنور، فيهم علي بن أبي طالب وسبطيّ، وبعدهما
تسعة أسماء، علياً علياً علياً ثلاث مرات ومحمد محمد مرتين، وجعفر وموسى والحسن،
والحجة يتلألأ من بينهم. 6 ـ وعن سهل بن سعد الأنصاري قال: سُئلت
فاطمة بنت رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) عن الأئمة فقالت: 7 ـ وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب ; قال،
قال رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب(ع): 8 ـ وعن عائشة أنّها قالت: كان لنا مشربة
وكان النبي(صلَّى الله عليه وآله) إذا أراد لقاء جبرئيل(عليه السلام) لقيه فيها
فلقيه رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) مرة فيها وأمرني أن لا يصعد إليه أحد،
فدخل عليه الحسين بن علي(عليهما السلام)، فقال جبرئيل: من
هذا ؟ |
|
ب ـ نصوص الأئمة
المعصومين (عليهم السلام)
|
|
1 ـ عن يحيى بن يعمر، قال: كنت عند
الحسين(عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من العرب متَلثّماً أسمر شديد السمرة،
فسلّم، ورد الحسين(عليه السلام) فقال: يابن رسول الله! مسألة، فسأل الإمام(ع)
عدة مسائل والإمام يجيبه ثم قال: صدقت يابن رسول الله، فأخبرني عن عدد الأئمة
بعد رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) ؟ مسح النبي جبينه = فله
بريق في الخدود (إثبات الهداة: 1 / 599.) 2 ـ عن أبي خالد الكابلي قال: دخلت على
مولاي علي بن الحسين(عليه السلام) وفي يده صحيفة كان ينظر إليها ويبكي بكاء
شديداً. 3 ـ الإمام محمد بن علي الباقر(عليه السلام):
عن الورد بن الكميت عن أبيه الكميت ابن أبي المستهل قال: دخلت على سيدي أبي جعفر
محمد بن علي الباقر(عليهما السلام) فقلت: يابن رسول الله: إني قد قلت فيكم
أبياتاً أفتأذن لي في إنشادها ؟ فأذن، فأنشدته: أضحكني الدهر وأبكاني =
والدهر ذو صرف وألوان فبكى(عليه
السلام) وقال: «اللهم اغفر للكميت ما تقدم من ذنبه
وما تأخر». متى
يقوم الحق فيكم متى = يقوم مهديكم الثاني قال:
«سريعاً إن شاء الله سريعاً، ثم قال: ياأبا المستهل إن قائمنا هو التاسع من ولد الحسين، لأن
الأئمة بعد رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) اثنا عشر، الثاني عشر، هو القائم. 4 ـ الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع): عن علقمة بن
محمد الحضرمي عن الصادق(ع) قال: «الأئمة إثنا عشر». 5 ـ الإمام موسى بن جعفر(ع): روى الصدوق
بسنده عن عبد الله بن جندب، عن موسى بن جعفر أنه قال: 6 ـ الإمام علي بن موسى الرضا(ع): روى الصدوق،
عن أحمد بن زياد ابن جعفر الهمداني(رضي الله عنه) قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن
أبيه، عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: سمعت دعبل بن
علي الخزاعي يقول: مدارس آيات خلت من تلاوة = ومنزل وحي مقفر العرصات فلما
انتهيت إلى قولي: خروج إمام لا محالة خارج =
يقوم على اسم الله والبركات بكى
الرضا(عليه السلام) بكاء شديداً ثم رفع رأسه إلي فقال لي: «ياخزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري
من هذا الإمام ومتى يقوم ؟». 7 ـ الإمام محمد بن علي الجواد(عليه السلام):
روى الصدوق عن عبد الواحد بن محمد العبدوسي العطار(رضي الله عنه) قال: حدثنا علي
بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال: حدثنا حمدان بن سليمان قال: حدثنا الصقر بن
أبي دلف قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا(عليهما السلام) يقول: |
|
ج ـ نصوص الإمام
الهادي على إمامة الحسن العسكري (عليهما السلام)
|
|
حينما نطالع مجموعة النصوص التي وصلتنا عن الإمام الهادي(عليه
السلام) في مصادرنا الحديثية الموثوقة نلمس مجموعة
من الظواهر التي ترتبط بهذه النصوص الدالة(المشيرة أو
الصريحة الدلالة) على إمامة الحسن العسكري(ع ) بعد أبيه، وهي كما يلي: 1 ـ يبدو أن النصوص قد صدرت عن الإمام الهادي(عليه السلام) بالتدريج
لاعتبارات شتّى، ولا يمكن أن نغفل مراعاة الجانب الأمني في هذا التدرّج،
وهذا التدرّج في كيفية بيان المصداق وطرحه للمسلمين فالإمام (ع) نراه تارة يُبهم الأمر وأخرى
يشير إشارة سريعة وثالثة يقوم بالتصريح. 3 ـ إنّ النصوص التي ترتبط بأمر الإمامة
قبل وفاة ابنه محمد هي النص الثاني والسابع مما
رواه في الكافي في باب الإشارة والنص على أبي محمد(عليه السلام): نعم،
هناك نصوص من الإمام الهادي(عليه السلام) نفسه تتضمن بأن الحسن أكبر ولده، ولكن لا تأبى أن تحمل على أنه أكبر ولده بعد وفاة أخيه أبي
جعفر. 4 ـ وأما النصوص التي صدرت من الإمام الهادي(عليه السلام) وأشارت أو
صرّحت بإمامة الحسن(ع) بعد وفاة أخيه محمد فهي النص الرابع والخامس والثامن
والتاسع مما جاء في الكافي في كتاب الحجة، في باب الإشارة
والنص على أبي محمد(عليه السلام). وهي كما يلي: 5 ـ وصرّح النصّان العاشر والحادي عشر بإمامة أبي محمد الحسن
وذلك بعد مضيّ أخيه أبي جعفر(محمد بن علي) أمّا النص العاشر فيرويه أبو هاشم
الجعفري حيث يقول: كنت عند أبي الحسن(عليه السلام) بعد ما مضى ابنه أبو جعفر
وإني لأفكّر في نفسي أريد أن أقول كأنّهما ـ أعني أبا جعفر وأبا محمد ـ في هذا
الوقت كأبي الحسن موسى وإسماعيل ابني جعفر بن محمد(عليه السلام)، وإن قصّتهما
كقصّتهما، إذ كان أبو محمد المُرجى بعد أبي جعفر، فأقبل عليّ أبو الحسن (عليه
السلام) قبل أن أنطِق فقال: نعم ياأبا هاشم! بدا لله
في أبي محمد(ع ) بعد أبي جعفر(عليه السلام) ما لم يكن يُعرَفُ له، كما بدا له في
موسى(عليه السلام) بعد مضيّ إسماعيل ما كشف به عن حاله، وهو كما حدّثتك نفسك وإن
كره المُبطِلون. وأبو محمد ابني الخلف مِن بعدي، عنده علم ما يحتاج إليه ومعه
آلة الإمامة. 6 ـ ويُشهد الإمام جماعةً من الموالي على إمامة ابنه الحسن.
قبل مضيّه واستشهاده هو بأربعة أشهر كما جاء في النص الأول من هذا الباب من كتاب
الحجة حيث يقول يحيى بن يسار القنبري: أوصى أبو الحسن إلى ابنه الحسن قبل مضيّه
بأربعة أشهر وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي. 7 ـ وجاء في النص الثالث ما يتضمن
دليلاً وعلامةً على إمامة الإمام الحسن بعد وفاة أبيه حيث يقول عبد الله بن محمد
الإصفهاني: قال أبو الحسن(عليه السلام): صاحبكم بعدي
الّذي يصلّي عليَّ. ولم نعرف أبا محمد(ع) قبل ذلك. قال: فخرج أبو محمد
فصلَّى عليه. |
|
9 ـ اغتيال الإمام الهادي (عليه السلام)
واستشهاده
|
|
قال الشيخاني: واستشهد علي العسكري في آخر ملك
المعتزّ بالسمّ(الصراط
السويّ: 407.)، وقال الطبري الإمامي: في آخر ملك المعتز استشهد وليّ
الله... مسموماً(دلائل
الإمامة: 216.). |
|
10 ـ من دلائل إمامته بعد استشهاد أبيه (عليهما
السلام)
|
|
1 ـ قال أبو هاشم الجعفري: خطر ببالي أن
القرآن مخلوقٌ أم غير مخلوق ؟ فقال أبو محمد(ع):
ياأبا هاشم، اللهُ خالقُ كل شيء، وما سواه مخلوق.( المناقب 2 / 467.) 11 ـ ووقّع في الكتاب:
استغفِر اللهَ وتُب إليه ممّا تكلّمت به، وذلك
أني كنت يوماً مع جماعة من النصّاب فذكروا أبا طالب حتى ذكروا مولاي، فخضت معهم
لتضعيفهم أمره، فتركتُ الجلوس مع القوم وعلمت أنه أراد ذلك(مسند الإمام العسكري:
118 وبحار الأنوار 50 / 273 عن الخرائج والجرائح: 1/447 ح 33 ب 12. (2)). |
|
الباب الثالث
|
|
فيه فصول: |
|
الفصل
الأول: ملامح عصر الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)
|
|
الحالة السياسية
|
|
امتاز
العصر العبّاسي الثاني الذي بدأ بحكم المتوكل سنة(232 هـ ) بالنفوذ الواسع الذي
تمتع به الأتراك الذين غلبوا الخلفاء وسلبوهم زمام إدارة الدولة، وأساؤا التعامل
مع الأهالي منذ أيام المعتصم الذي سبق المتوكّل إلى الحكم، وهذا الوضع قد اضطرّ
المعتصم لنقل مركز حكمه من بغداد إلى سامراء بسبب السلوك التركي الخشن وشكاية
أهالي بغداد منهم. وظهور صاحب الزنج في
سنة(255 هـ )، فضلاً عن ثوّار علويين كانوا يدعون إلى الرضى من آل
محمد(ص) لا سيّما بعد ما عرفناه من كراهة المتوكّل للعلويين وقتله للإمام
الهادي(ع) ومراقبته الشديدة للإمام الحسن العسكري (ع)
( راجع الكامل في التاريخ ومروج الذهب أحداث
السنين(232 ـ 256 هـ ).). |
|
الحالة الاجتماعية
|
|
تحدثنا
فيما سبق عن الظرف السياسي وملابساته: من عدم الاستقرار وفقدان الأمن وذلك لتعدد
الحركات السياسية والمذهبية، الخارجة على الدولة العباسية في مختلف الأمصار
الإسلامية فضلاً عن دور الأتراك البارز في خلع وتولية الخليفة العباسي، وهذا دون
شك ينعكس سلبياً على الظروف الاجتماعية التي كان يعيشها أبناء الأمة المسلمة
ورعايا الدولة الإسلامية فينجم عنه توتّر في علاقة
السلطة بالشعب، وعدم استقرار الوضع الاجتماعي نتيجة لذلك، كما أن اختلال
الظروف السياسية يتسبب في التفاوت الاجتماعي وظهور الطبقية أو الفئات المتفاوتة
في المستوى المعيشي والمتباينة في الحقوق والواجبات تبعاً لولائها وقربها أو
بعدها من البلاط ورجاله، فانقسم أبناء الأمة وأتباع
الدين الذي كان يركّز على الأخوة الإيمانية والمساواة والعدل والإنصاف(قال تعالى في سورة
الحجرات الآية: 13( إنّما المؤمنون إخوة ) وقال(صلَّى الله عليه وآله): الناس سواسية كأسنان المشط المبسوط
للسرخسي: 5/23، لسان الميزان: 2/43، باختلاف يسير.)، إلى جماعة قليلة مترفة ومتمتعة بقوّة السلطان
وأخرى واسعة ـ تمثل غالبية أبناء الأمة الإسلامية ـ وهي معدمة ومسحوقة أنهكها
الصراع وزجّها في النّزاعات والحروب والتي ما تخمد إحداها حتى تتأجّج الثانية
وتتسع لتشمل مساحة أوسع من أرض الدولة الإسلامية(الكامل لابن الأثير: 4 أحداث السنين(248 ـ 322هـ ).)، ثم لتنفصل بعض أجزائها فتكون دولة مستقلة عن
مركزية الدولة وغير خاضعة لها، وأطلق المؤرخون عليها مرحلة (إمرة الأمراء) ( تاريخ الإسلام السياسي
د. حسن إبراهيم حسن: 3 / 26 وما بعدها.)،
إضافة إلى الدولة المستقلة كما هو الحال بالنسبة لأمارة
الحمدانيين والبويهيين والدولة الصفارية (254هـ) والدولة السامانية (261 ـ
389هـ) وغيرها... ممّا أدّى إلى تفكّك وسقوط الدولة العباسية فيما بعد سنة (656هـ). ولم
يكن هذا ليدوم بدخول العنصر التركي الذي كان يميل إلى البذخ والسيطرة وعدم
الخضوع إلى سلطة الخليفة العباسي كما أوضحنا. |
|
الحالة الثقافية
|
|
انتشرت الثقافة الإسلامية في هذا العصر انتشاراً يدعو إلى الإعجاب
بفضل الترجمة من اللغات الأجنبية وخاصة اليونانية والفارسية والهندية إلى
العربية. |
|
الحالة الاقتصادية
|
|
اعتنى
العباسيون بالزراعة وفلاحة البساتين التي قامت على دراسة علمية (تاريخ الإسلام السياسي:
3 / 319 بتصرف.). وذلك بفضل انتشار
المدارس الزراعية التي كان لها الأثر الكبير في إنارة عقول المسلمين. |
|
الفصل
الثاني: عصر الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)
|
|
لقد
أمضى الإمام الحسن العسكري الجزء الأكبر من عمره الشريف في العاصمة العباسية ـ سامراء ـ وواكب جميع الظروف والملابسات والمواقف
التي واجهت أباه الإمام علياً الهادي (عليه السلام)، ثم تسلّم مركز الإمامة
وقيادة الأمة الإسلامية سنة (254هـ) بعد وفاة أبيه(عليه السلام) وعمره الشريف
آنذاك(22) عاماً. ثم
إن المواجهة من الإمام كقيادة للحركة الرسالية لم تكن خاصة بالخلفاء العباسيين
الذين عاصرهم الإمام (ع) إذ كان هناك أيضاً خطر
النواصب وهم الذين نصبوا العداء لأهل البيت النبوي(ع) ووقفوا ضد أطروحتهم
الفكرية والسياسية المتميزة التي كانت تتناقض مع أطروحة الحكم القائم والطبقة
المستأثرة بالحكم والمنحرفة عن الإسلام النبوي. ( الأئمة الاثنا عشر: 235.) |
|
1 ـ المعتز العباسي(252 ـ 255 هـ )
|
|
لقد ازداد نفوذ الأتراك بعد قتلهم المتوكل عام(247هـ)
وتنصيب ابنه المنتصر بعده، حتى أن الخليفة العباسي أصبح مسلوب السلطة ضعيف
الإرادة ويتضح ذلك مما رواه ابن طباطبا حيث قال: لقد
عاصر الإمام الحسن العسكري(ع) أواخر خلافة المعتز الذي
كان استشهاد الإمام الهادي(ع) على يده بدس السمّ إليه فكانت سياسة المعتز
امتداداً لسياسة المتوكّل في محاربة الإمام الحسن العسكري ـ والشيعة ـ بل ربما ازدادت ظروف القهر في هذه الفترة
حتى أنّ المعتز أمر بتسفير الإمام الحسن العسكري(ع) إلى الكوفة حين رأى خطر وجود
الإمام(ع) واتّساع دائرة تأثيره وكثرة أصحابه. |
|
2 ـ المهتدي العباسي(255ـ 256 هـ )
|
|
هو محمد بن الواثق بن المعتصم، أمه أم ولد تسمى وردة، ولي الخلافة
بعد مقتل أخيه المعتز سنة(255هـ)، وما قبل أحد
ببيعته حتى جيء بالمعتزّ واعترف أمام شهود أنه عاجز عن الخلافة ومدّ يده فبايع
المهتدي فارتفع حينئذ إلى صدر المجلس(تاريخ الخلفاء، السيوطي: 422.)،
وبويع بالخلافة. ولقد تصنّع الزهد والتقشّف
محتذياً سيرة عمر بن عبد العزيز إغراء للعامة ومحاولة لتغيير انطباعهم عن
الخلفاء العباسيين الذين عُرفوا بالمجون والترف والإسراف في الملذّات والخمر
ومجالس اللهو، فقد نقل هاشم بن القاسم حينما سأل
المهتدي عن ما هو عليه من التقشّف وبما هو فيه من النعمة فقال له: إنّ
الأمر كما وصفت، ولكنّي فكّرت في أنه كان في بني أمية عمر ابن عبد العزيز ـ وكان
من التقلّل والتقشّف ما بلغك ـ فغرتُ على بني هاشم فأخذت نفسي بما رأيت(تاريخ الخلفاء: 423.). |
|
سياسة المهتدي تجاه معارضيه
|
|
أ
ـ الخليفة وأمراء الجند:
|
|
أ ـ الخليفة وأمراء
الجند: كانت سياسة المهتدي تجاه الأتراك تتمثل بالحذر والحيطة والخشية من
انقلابهم عليه كما فعلوا بالمتوكل والمعتز، لذا أمر بقتل موسى ومفلح من أمراء
جنده الأتراك الذين كانوا يتمتّعون بنفوذ كبير وتأثير فاعل في مجريات الأحداث،
غير أن(بكيال) الذي أمره المهتدي بقتلهما توقّف
عن قتل موسى بن بغا، لإدراكه أن للمهتدي خطة للحد من نفوذ الأتراك وتقليص الدور
الذي كانوا يتمتعون به، وقال بكيال: إنّي لست أفرح بهذا وإنما هذا يعمل علينا
كلنا، فأجمعوا على قتل المهتدي فكان بين الأتراك ومناصري الخليفة قتال شديد
وقُتل في يوم واحد أربعة آلاف من الأتراك ودام القتال إلى أن هزم جيش الخليفة
المؤلّف من المغاربة والفراغنة والأشروسنية، ومن ثم اُمسك الخليفة فعصر على
خصيتيه فمات في عام (256 هـ )( تاريخ الخلفاء، السيوطي: 424.). |
|
ب ـ المهتدي وأصحاب
الإمام الحسن العسكري(عليه السلام):
|
|
لم
تكن الظروف المحيطة بالإمام العسكري وأصحابه في عهد المهتدي أحسن مما كانت عليه
من الشدة والنفي والتهجير والقتل إبّان عهود المعتز والمتوكل ومن سبقهما من
خلفاء الدولة العباسية، بل كانت سياسة المهتدي امتداداً للمنهج العباسي في
التصديّ للإمام وشيعته وخاصته والنكاية بهم، والتجسس عليهم ومصادرة أموالهم
ومطاردتهم. ويمكن الاستدلال من خلال النص على اتساع
القاعدة الشعبية للإمام(ع) وصلته بهم وعمق الأواصر التي كانت تصله بهم، فهو
يتفقّد ما يحتاجونه، ويساهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في قضاء حوائجهم، وإن
لبعض أصحابه في الأمصار تأثيراً وعلائق بالولاة ومن يديرون الأمور في الولايات،
فكانت أخبار شيعته تصله أوّلاً بأول، ويحاول إبعادهم عن الوقوع في حبائل السلطان
وشركه كما في قصة سيف بن الليث المصري. |
|
ج ـ سجن الإمام
الحسن العسكري(عليه السلام):
|
|
ولما
رأى المهتدي أنّ وسائل النفي والإبعاد والمصادرة، لم تكن لتحدّ من نشاط
الإمام(ع) وشيعته، واتّساع حركته، لما كان لتعليمات الإمام(ع) ورقابته لشيعته من
أثر في إفشال محاولات السلطة العباسيّة لم تجد السلطة بُدّاً من اعتقال
الإمام(ع) والتضييق عليه في السجن، وكان المتولي لِسجنه صالح بن وصيف الذي أمر
المهتدي موسى بن بغا التركي بقتله، وقد جاءه العباسيّون إبان اعتقال الإمام(ع)
فقالوا له: ضيّق عليه ولا توسّع، فقال صالح: «ما أصنع به قد وكّلت به رجلين، شرّ
من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم»، ثمّ أمر
بإحضار الموكلين فقال لهما: ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل ؟ ـ يعني الإمام
الحسن العسكري(ع) ـ فقالا له: ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله لا
يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة فإذا نظر إلينا أرعدت فرائصنا وداخلنا ما لا
نملكه من أنفسنا فلمّا سمع العباسيّون ذلك انصرفوا خائبين(أصول الكافي: 1/512 ح 23
وعنه في الإرشاد: 2/334 وفي إعلام الورى: 2/150 وعن الإرشاد في كشف الغمة: 3/204.). لقد كان المهتدي يهدّد الإمام بالقتل وقد بلغ النبأ بعض أصحاب الإمام(ع) فكتب إليه: يا سيدي الحمد لله الذي شغله عنك فقد بلغني
أنه يتهددك. وذلك حين انشغل المهتدي بفتنة الموالي، وعزم على استئصالهم. وهنا
نجد الإجابة الدقيقة من الإمام(ع) حول مستقبل المهتدي حيث كتب الجواب ما يلي: ذاك أقصر لعمره، عدّ من يومك هذا خمسة ويقتل في اليوم
السادس بعد هوان واستخفاف يمرّ به(إعلام الورى: 356.). وكان كما
قال فقد انهزم جيشه ودخل سامراء وحده مستغيثاً بالعامة منادياً
يامعشر المسلمين: أنا أمير المؤمنين قاتلوا عن خليفتكم، فلم يجبه أحد(الكامل في التاريخ:
5/356.). |
|
3 ـ المعتمد ابن المتوكل العبّاسي(256 ـ
279 هـ )
|
|
وعاصر
الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بعد المعتزّ
والمهتدي، المعتمد العباسي، الذي انهمك في اللهو واللّذات واشتغل عن
الرعيّة فكرهه الناس وأحبّوا أخاه طلحة(تاريخ الخلفاء، السيوطي: 425.). الضعف
الذي هو فيه بقوله: أليس من العجائب أن مثلي = يرى
ما قلّ ممتنعاً عليه (سبائك الذهب: 87.) وكانت الفترة التي عاشها الإمام الحسن العسكري(ع)
في عهد المعتمد تقرب من خمس سنين، وهي من بداية خلافة
المعتمد سنة(256هـ) وحتى استشهاد الإمام(ع) سنة(260هـ)، وكان الوضع العام
مضطرباً لسيطرة الأتراك على السلطة أوّلاً، ولما
كان يحدث من حركات ضد السلطة في أقاليم الدولة ثانياً.
فضلاً عن مطاردة السلطة للشيعة والمضايقة على الإمام(ع) وعليهم وتشديد المراقبة من جهة ثالثة. |
|
وأهم هذه الأحداث في عصر المعتمد:
|
|
أ ـ ثورة الزنج:
|
|
كانت ثورة الزنج حدثاً مهماً لما نتج عنها من آثار
سيئة، فقد صحب حركة الزنج هذه، قتل، ونهب، وسلب، وإحراق مما أدّى إلى اضطراب
الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في عدّة من الأمصار التي سيطر عليها صاحب الزنج،
فبدأت ثورتهم في البصرة وامتدّت إلى عبّادان والأهواز وغيرهما. |
|
ب ـ حركة ابن الصوفي
العلوي:
|
|
وقد ظهر في صعيد مصر
وهو إبراهيم بن محمد وكان يعرف بابن الصوفي وملك مدينة أشنا(الكامل في التأريخ: 4 /
432.). وكانت معارك بينه وبين جيش
الدولة بقيادة ابن طولون اقتتلوا فيها قتالاً شديداً فقتل من رجال ابن الصوفي
الكثير، وانهزم ثمّ كانت وقعة أخرى مع جنده
عام(259هـ) وانهزم ابن الصوفي أيضاً إلى المدينة
وألقي القبض عليه وأرسل إلى ابن طولون في مصر.( الكامل في التأريخ: 4 /
432 ـ 433.) |
|
ج ـ ثورة علي بن زيد
في الكوفة:
|
|
كانت حركته في الكوفة سنة(256هـ) واستولى
عليها، وأزال عنها نائب الخليفة، واستقرّ بها، وسَيَّر
إليه المعتمد الشاه بن مكيال في جيش كثيف فالتقوا واقتتلوا وانهزم الشاه وقتل
جماعة كثيرة من أصحابه ونجا الشاه، ثمّ وجّه المعتمد
كيجور التركي لمحاربته، وقد أرسل كيجور إلى علي بن زيد يدعوه إلى الطّاعة
وبذل له الأمان، وطلب علي بن زيد أُموراً لم يجبه كيجور إليها، فخرج علي بن زيد من الكوفة وعسكر في القادسية فبلغ خبره كيجور فواقعه فانهزم عليّ بن زيد وقُتل جماعة من أصحابه(الكامل في التأريخ: 4 /
447.). |
|
د ـ المعتمد والإمام العسكري(عليه
السلام)
|
|
سعى المعتمد جاهداً في التخلص من الإمام العسكري(ع)
أي انّه سارَ على ذات المنهج الذي اتّبعه أسلافه من الخلفاء الأمويين والعباسيين
مع الأئمة المعصومين غير أنّ موقفه هذا سرعان ما تغيّر
ظاهراً، وقدّم الاعتذار للإمام (ع) بعد محاولة لتصفيته برميه مع السباع كما عمل مثل ذلك المتوكّل مع أبيه علي الهادي(عليه السلام)
وذلك حين سلّم الإمام العسكري(عليه السلام) إلى يحيى بن قتيبة الذي كان يضيّق
على الإمام (عليه السلام) حيث رمى به إلى مجموعة من السباع ظنّاً منه أنها سوف
تقتل الإمام(عليه السلام)، مع العلم بأن امرأة يحيى كانت قد حذّرته من أن يمس
الإمام بسوء بقولها له: «اتقِّ الله فإني أخاف عليك
منه». فلمّا حضر أبو محمد الحسن عند الخليفة قال له:
أدرك أُمة محمد فيما لحق في هذه النازلة، فقال أبو
محمد: دعهم يخرجون غداً اليوم الثالث،
قال: قد استعفى الناس من المطر واستكفوا فما فايدة خروجهم؟ قال: لأزيل الشك عن
الناس وما وقعوا فيه من هذه الورطة التي أفسدوا فيها عقولاً ضعيفة. |
|
هـ ـ المعتمد وموقفه من الشيعة
|
|
لم تتغير الإجراءات القمعية التي كانت تمارسها
السلطة العباسية تجاه الشيعة في عصر المعتمد بل كانت امتداداً للسياسة المعهودة
والتي أصبحت تقليداً يتوارثه الخلفاء العباسيون إزاء الأئمة الأطهار وشيعتهم
وذلك لما كان يخشاه الخلفاء من تطور الوضع لصالحهم واتّساع نشاطهم السياسي مما
قد ينجم عنه تغيّر الوضع ضد السلطة القائمة، والتفاف الناس بشكل أكبر حول الإمام
(ع) وبالتالي قد يتّخذ الإمام موقفاً جهاديّاً تجاه الخليفة وسلطته. |
|
استشهاد الإمام الحسن العسكري (عليه
السلام)
|
|
وبعد
أن أدّى الإمام العسكري (ع) مسؤليته بشكل كامل تجاه دينه وأمّة جده(صلى الله
عليه وآله) وولده (ع) نعى نفسه قبل سنة ستين ومئتين، وأخذ يهدّئ روع والدته
قائلاً لها: لا بد من وقوع أمر الله لا تجزعي..، ونزلت الكارثة كما قال، والتحق
بالرفيق الأعلى بعد أن اعتلّ(عليه السلام) في أوّل يوم
من شهر ربيع الأول من ذلك العام (الإرشاد: 2/ 336 ومهج الدعوات: 274.). ولم تزل العلة تزيد فيه والمرض يثقل عليه حتى استشهد في الثامن من ذلك الشهر، وروي أيضاً أنه قد سُم
واغتيل من قبل السلطة حيث دس السم له المعتمد العباسي الذي كان قد أزعجه تعظيم
الأمة للإمام العسكري وتقديمهم له على جميع الهاشميين من علويين وعباسيين فأجمع
رأيه على الفتك به (الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيثمي: 314 عن وفيات الأعيان لابن خلكان.). |
|
الصلاة على الإمام العسكري (عليه
السلام)
|
|
وكان لاستشهاد الإمام العسكري (ع ) صدى كبير في
سامراء حيث عطّلت الدكاكين وسارع العامة والخاصة مهرعين إلى بيت الإمام، ويروي
أحمد بن عبيد الله واصفاً ذلك اليوم العظيم قائلاً: ولما رفع خبر وفاته، ارتجّت
سرّ من رأى وقامت ضجة واحدة: مات ابن الرضا(كمال الدين: 1 / 43.)، وعطّلت الأسواق، وغلّقت أبواب الدكاكين وركب
بنو هاشم والكتّاب والقوّاد والقضاة والمعدّلون وساير الناس إلى أن حضروا جنازته
فكانت سرّ من رأى شبيهاً بالقيامة(لفصول المهمة: 271.). |
|
أولاد الإمام الحسن العسكري (عليه
السلام)
|
|
إن المشهور بين الشيعة الإمامية، أن الإمام
العسكري (عليه السلام) لم يكن له من الولد سوى الإمام محمد المهدي المنتظر(عليه
السلام)، ويدل عليه ما أشار إليه الشيخ المفيد (رضي
الله عنه)(
الإرشاد: 339.) حيث قال: أما الحسن
بن علي العسكري (عليه السلام) فلم يكن له ولد سوى صاحب الزمان عليه الصلاة
والسلام ولم يخلّف ولداً غيره ظاهراً أو باطناً (تاج المواليد: 135.). |
|
الفصل
الثالث: متطلّبات عصر الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)
|
|
لقد
تظافرت النصوص النبويّة تبعاً للقرآن الكريم ـ على خلود الرسالة الإسلامية
وظهورها على ما سواها من الرسالات، وأن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي اثنا عشر
خليفة ـ بعدد نقباء بني إسرائيل ـ كلّهم من قريش (راجع أحاديث الخلافة والإمارة والإمامة في الصحاح والمسانيد.). لقد باءت بالفشل كل محاولات الأمويين والعبّاسيين لتسقيط الأئمة من
أهل البيت(ع) وسدل الستار على شخصياتهم المتألقة،
ممّا أدّى إلى أن يغيّر المأمون العباسي سياسة أسلافه ليرصد أهل البيت (عليهم
السلام) عن كثب ويتظاهر بالاحترام وهو يبطن الحقد الدفين لهم وأصبحت سياسته هذه
سنة اقتدى بها من تأخّر منه كالمعتصم والمتوكّل ومن تلاه حتى المعتمد العباسي. «قد وضع
بنو أمية وبنو العباس سيوفهم علينا لعلّتين: إحداهما: أنّهم كانوا يعلمون(أن)
ليس لهم في الخلافة حق فيخافون من ادّعائنا إيّاها وتستقرّ في مركزها. وثانيهما:
أنهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أن زوال ملك الجبابرة الظلمة على يد
القائم منّا، وكانوا لا يشكّون أنهم من الجبابرة والظلمة، فسعوا في قتل أهل بيت
سول الله(صلى الله عليه وآله) وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول إلى منع تولد
القائم(عليه السلام) أو قتله، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم إلاّ أن يتم
نوره ولو كره المشركون»( منتخب الأثر: 359 ط ثانية عن أربعين الخاتون آبادي(كشف الحق).). ولو
لم يصدر من أهل البيت(عليهم السلام) إلاّ التأكيد على هذا المبدأ فقط ـ وإن لم
يمارسوا أي نشاط سياسي ملحوظ ـ لكان هذا كافياً في نظر الحكّام للقضاء عليهم
مادام هذا المبدأ يقضّ مضاجعهم. فالإمام المهدي(ع) قبل ولادته بأكثر من
قرنين كان قد تلألأ اسمه وتناقلت الرواة أهدافه وخصائصه ونسبه وكل ما يمتّ إلى
ثورته الإسلامية بصلة. بل
لمست ذلك بكل وجودها وهي ترى طفلاً لم يتجاوز العقد الأوّل من عمره وإذا به
يهيمن على عقول وقلوب الألوف من المسلمين. |
|
الباب
الرابع
|
|
وفيه فصول: |
|
الفصل الأول: الإمام العسكري(عليه السلام) ومتطلّبات الساحة
الإسلامية
|
|
بعد
أن اتّضح الجوّ العام الذي كان يحيط بالإمام الحسن العسكري(عليه السلام)
والمهامّ الأساسية التي تنتظره وهو حلقة الوصل بين عصري الحضور والغيبة بكل ما
يزخران به من خصائص وسمات، تأتي مهامّ الإمام الحسن
العسكري(عليه السلام) كالتالي: |
|
1 ـ الحكمة والدقّة في التعامل مع الحكّام
|
|
عرفنا ممّا سبق أن السلطة قد اتّخذت
بالنسبة للإمام(عليه السلام) الإجراءات التالية: |
|
2 ـ الردّ على الشبهات والدفاع عن حريم
الرسالة
|
|
من أهم النشاطات التي بدرت للإمام الحسن العسكري (عليه
السلام) في عصره هي الردّ الهادئ والحكيم لأكبر محاولة تخريبية كان الكندي ـ وهو
أحد فلاسفة المسلمين ـ قد تصدّى لها، فإنّه كان قد جمع جملة من الآيات المتشابهة
التي يبدو للناظر فيها أنها تنطوي على نوع من التناقض، وكان ينوي نشرها، وهذه
المحاولة كانت تستهدف القرآن الكريم سند الرسالة والنبوة، ورمز الكيان الإسلامي
الأوّل. |
|
3 ـ مواجهة الفرق المنحرفة
|
|
لقد
اختلف المسلمون بعد الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) وافترقوا إلى فرقتين،
فرقة اجتهدت مقابل النصوص الواردة عنه(صلى الله عليه وآله) وأخرى التزمت النص
ومنهجه في حياتها ومواقفها وسارت وفقاً له. |
|
إليك نموذجين من
مواجهة الإمام (عليه السلام) للفرق المنحرفة
|
|
1 ـ الإمام الحسن
العسكري (عليه السلام) والثنوية
|
|
والثنوية
من الفرق التي كانت في عصر الإمام العسكري(عليه السلام)، وهم من أثبت مع القديم
قديماً غيره، وهم المجوس يثبتون مع مبدأ الخير مبدءاً للشر وهما النور والظلمة(مجمع البحرين الطريحي:
1/78.) وكتب إليه أحد أصحابه يسأله الدعاء لوالديه، وكان
الأب ثنويّاً والأم مؤمنة فكتب(ع): رحم الله والدتك
ـ والتاء منقوطة من فوق ـ(كشف الغمة: 3/221، بحار الأنوار: 50/294.). |
|
2 ـ الإمام الحسن
العسكري (عليه السلام) والصوفية
|
|
لقد
أوضح الإمام الإمام العسكري(عليه السلام) فساد معتقدات الصوفية من خلال بيانه
لآرائهم وأساليبهم في التعامل وعلاقاتهم مع الناس، ما يتحلون به من صفات وخصائص،
ونلاحظ ذلك في حديث الإمام العسكري(عليه السلام) مع أبي هاشم الجعفري. حيث قال
له الإمام(عليه السلام): ياأبا هاشم: سيأتي زمان على
الناس وجوههم ضاحكة، مستبشرة، وقلوبهم مظلمة منكدرة، السُّنة فيهم بدعة، والبدعة
فيهم سُنّة، المؤمن بينهم محقَّر والفاسق بينهم موقَّر، أمراؤهم جاهلون جائرون،
وعلماؤهم في أبواب الظلمة سائرون، أغنياؤهم يسرقون زاد الفقراء، وأصاغرهم
يتقدّمون على الكبراء، وكل جاهل عندهم خبير وكل محيل عندهم فقير ; لا يتميزون
بين المخلص والمرتاب، ولا يعرفون الضأن من الذئاب، علماؤهم شرار خلق الله على
وجه الأرض، لأنّهم يميلون إلى الفلسفة والتصوف، وأيم الله إنّهم من أهل العدول
والتحرف، يبالغون في حبّ مخالفينا ويُضلّون شيعتنا وموالينا، فان نالوا منصباً
لم يشبعوا من الرثاء، وإن خذِلوا عبدوا الله على الرياء، ألا إنّهم قطّاع طريق
المؤمنين والدعاة إلى نحلة الملحدين، فمن أدركهم فليحذرهم وليصن دينه وإيمانه.
ثم قال: ياأبا هاشم: هذا ما حدثني به أبي عن آبائه عن
جعفر بن محمد(ع) وهو من أسرارنا فاكتمه إلاّ عن أهله (حديقة الشيعة: 592 عن
السيد المرتضى الرازي(ق 5) في كتبه: بيان الأديان وتبصرة العوام والفصول التامّة
في هداية العامّة عن الشيخ المفيد مسنداً، الأنوار النعمانية: 2 / 293، ذرائع
البيان في عوارض اللسان: 38.). |
|
4 ـ الدعوة إلى دين الحق
|
|
لم يتوان الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام) في
دعوة الناس إلى الهدى ودين الحق في كل الظروف والأحوال. والإمام الحسن
العسكري(عليه السلام) شأنه شأن آبائه الكرام في الحرص على هداية العباد وإخراجهم
من الظلمات إلى النور. ونجد في حياته(عليه السلام) نماذج تشير إلى هذا النوع من
النشاط. |
|
الفصل
الثاني: الإمام العسكري (عليه السلام) ومتطلّبات الجماعة الصالحة
|
|
تعتبر
الجماعة الصالحة المحور الأهمّ الذي كان يشغل بال واهتمام أهل البيت(ع) لأنها
الأداة الوحيدة الصالحة لتحقيق الأهداف الرسالية الكبرى، وهي الوسط الحقيقي الذي
يفهم ثقافة أهل البيت(ع) ورسالتهم ويستطيع التعاطي الإيجابي معهم وينقاد إلى
أوامرهم وتوجيهاتهم الرسالية. إنّ
الشعور بوجود إمام وقائد حي يرتبطون به ويرتبط بهم ـ رغم صعوبة الظروف ـ له
آثاره النفسية الايجابية، بينما يكون الشعور بوجود إمام لا يستطيعون الارتباط به
ولا يدرون متى سيظهر لهم وينفّس عنهم كرباتهم ويجيبهم على أسئلتهم يحمل معه
آثاراً نفسية سلبية إلاّ إذا كانت الغيبة عندهم كالحضور، ويكون البديل قادراً
على تلبية حوائجهم وسدّ خللهم. |
|
البحث الأول: الإمام الحسن العسكري
والتمهيد لقضية الإمام المهدي(عليهما السلام)
|
|
إنّ
أهم انجاز للإمام العسكري(عليه السلام) هو التخطيط الحاذق لصيانة ولده
المهدي(عليه السلام) من أيدي العتاة العابثين الذين كانوا يتربصون به الدوائر
منذ عقود قبل ولادته، ومن هنا كانت التمهيدات التي اتّخذها الإمام(عليه السلام)
بفضل جهود آبائه السابقين(عليهم السلام) وتحذيراتهم تنصب أوّلاً على إخفاء
ولادته عن أعدائه وعملائهم من النساء والرجال الذين زرعتهم السلطة داخل بيت
الإمام(عليه السلام)، إلى جانب إتمام الحجة به على شيعته ومحبّيه وأوليائه. وأما كيفية
إتمام الحجّة في هذه الظروف الاستثنائية على شيعته فقد تحقّقت ضمن خطوات ومراحل
دقيقة. |
|
الخطوات والمراحل
|
|
|
|
لقد
جاءت النصوص المبشّرة بولادة المهدي(عليه السلام) عن أبيه الإمام الحسن العسكري(عليه
السلام) تالية لنصوص الإمام الهادي(عليه السلام) التي ركّزت على أنه حفيد
الهادي(عليه السلام) وأنّه ابن الحسن العسكري(عليه السلام) وأنّ الناس سوف لا
يرون شخصه ولا يحلّ لهم ذكره باسمه، وأنه الذي يقول الناس عنه أنه لم يولد بعد،
وأنّه الذي يغيب عنهم ويرفع من بين أظهرهم وأنه الذي ستختلف شيعته إلى أن يقوم، وعلى الشيعة أن تلتفّ حول العلماء الذين ينوبون عنه وينتظرون
قيامه ودولته ويتمسّكون بأهل البيت (ع ) ويظهرون لهم الولاء بالدعاء والزيارة
وانه الذي سيكون إماماً وهو ابن خمس سنين (راجع معجم أحاديث الإمام المهدي(عليه السلام): 4/195 ـ 218.). 3
ـ روى الطوسي أن جماعة من شيعة الإمام الحسن العسكري وفدوا عليه بسرّ من رأى
فعرّفهم على وكيله وثقته عثمان بن سعيد العمري ثم قال لهم: واشهدوا عليّ أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأنّ ابنه
محمّداً وكيل ابني مهديّكم(غيبة الطوسي: 215.). من كان ذا عضد يُدرك ظلامته = إن الذليل الذي ليست له عضد ثم
سأل الإمام عمّا إذا كان له ولد فأجابه الإمام (ع ) قائلاً: إي والله سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً فأمّا الآن
فلا(الخرائج:
1/478.). وقد تضمّن هذا الحديث الإخبار بولادته خفيةً ليتم الله نوره. وعن
معاوية بن حكيم ومحمد بن أيّوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمري(رضي الله عنه) أنهم
قالوا: عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي(عليهما السلام) ونحن في منزله وكنّا
أربعين رجلاً فسئل عن الحجة من بعده فخرج عليهم غلام أشبه الناس به فقال: الخطوة الخامسة: الخطوة السادسة: وقد كان عثمان بن سعيد الوكيل الأوّل للإمام المهدي (عليه السلام)
بعد استشهاد الإمام الحسن العسكري (ع ) ثم أصبح محمّد بن عثمان وكيله الثاني كما
هو المعروف في ترتيب النواب الأربعة للإمام المهدي(ع ). الخطوة السابعة: |
|
البحث الثاني: الإعداد لعصر الغيبة
|
|
انتهينا في البحث السابق عن معرفة كيفية طرح الإمام
لقضية ولادة الإمام المهدي (ع ) وإمامته وأنه الخلف الصالح الذي وعد الله به
الأمم أن يجمع به الكلم في أصعب الظروف التي كانت تكتنف ولادة الإمام (ع )، وقد
لاحظنا مدى انسجام تلك الإجراءات التي اتّخذها الإمام العسكري(ع ) في هذا الصدد
مع الظروف المحيطة بهما. |
|
البحث الثالث: نظام الوكلاء في عصر
الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
|
|
إنّ
نظام الوكلاء قد أسّسه الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام) حين اتّسعت الرقعة
الجغرافية للقاعدة الموالية لأهل البيت(عليهم السلام). وقد اختار الأئمة من بين
أصحابهم وثقاتهم من أوكلوا إليه جملة من المهام التي لها علاقة بالإمام(عليه
السلام) مثل قبض الأموال وتلقي الأسئلة والاستفتاءات وتوزيع الأموال على
مستحقّيها بأمر الإمام(عليه السلام). وبالإضافة إلى مهمة الإرشاد وبيان الأحكام
كان الوكيل يقوم بتخفيف العبء عن الإمام وشيعته في ظروف تشديد الرقابة على
الإمام(عليه السلام) من قبل السلطة، كما كان يتولّى مهمة بيان مواقف الإمام
السياسية حين لا يكون من المصلحة أن يتولّى الإمام بنفسه بيان مواقفه بشكل صريح
ومباشر. |
|
وإليك قائمة بأسماء
بعض وكلاء الإمام الحسن العسكري(عليه السلام):
|
|
1 ـ إبراهيم بن عبدة النيسابوري من أصحاب العسكريين(عليهما
السلام)، كان وكيلاً له في نيسابور.. |
|
البحث الرابع: مدرسة الفقهاء والتمهيد
لعصر الغيبة:
|
|
أكمل
الإمام الحسن العسكري (ع ) الخط الذي أسّسه آباؤه الطاهرون وهو إنشاء جماعة
صالحة تمثل خط أهل البيت الفكري والعقائدي والأخلاقي والسلوكي وقد اهتمّ
الإمامان محمّد الباقر وجعفر الصادق(ع) بشكل خاص بإعداد وتربية مجموعة من الرواة
والفقهاء فتمثّلت فيهم مدرسة علمية استوفت في عهد الإمام العسكري(ع ) كل متطلبات
المدرسة العلمية من حيث المنهج والمصدر والمادة ممهدة به لعصر الغيبة الصغرى (تاريخ التشريع الإسلامي،
د. عبد الهادي الفضلي: 194 ـ 202.). ـ
داود بن أبي يزيد النيسابوري. وقد
تضمنت كتبه مختلف أبواب الأحكام كالصلاة والوضوء والعتق والدعاء والزهد والخمس
والزكاة والشهادات، والتجارات، والجهاد وكتاب حول فضل القرآن الكريم وبلغت كتبه ـ على ما أحصاه الأستاذ الفضلي ـ خمسة وثلاثين كتاباً (تاريخ التشريع
الإسلامي، عبد الهادي الفضلي: 200 ـ 202.). |
|
البحث الخامس: قيادة العلماء الأمناء
على حلاله وحرامه
|
|
إن
مرجعية العلماء وقيادتهم للشيعة بعد الغيبة الكبرى التي ابتدأت عام(329 هـ )
بوفاة الوكيل الرابع(علي بن محمد السمري، يراجع كشف الغمة: 3 / 207.) للإمام المهدي(عليه السلام) كانت تأسيساً
حيويّاً من قبل الأئمة المعصومين(عليهم السلام) وبأمر من الله ورسوله، فهم الذين
أمروا الشيعة بالرجوع إلى العلماء الفقهاء الذين تربّوا في مدرستهم الرسالية
لأخذ معالم دينهم عنهم، وهذا المفهوم قد أعطاه الإمام الصادق(عليه السلام) صبغته
التشريعية بقوله(عليه السلام): |
|
البحث السادس: الإمام العسكري(عليه
السلام) والفرق الضالّة
|
|
إن
للانحراف عن جادّة الصواب أسباباً
يعود بعضها إلى طبيعة الظروف التي تطرأ على الإنسان فتتعاضد مع ما يحمله من ضعف
فكري عقائدي أو هبوط أخلاقي ولا سيّما إذا لم يتلقّ تربية صحيحة من ذويه ومن
يحيط به أو يصاحبه. وأهل
البيت (عليهم السلام) قد أعدّهم الله ورسوله لتربية أبناء الأمة وانتشالهم من
الانحراف عبر التوجيه والإرشاد، وتبقى الاستجابة لهدايتهم هي السبب الأعمق
لتأثيرها وفاعليتها في كل فرد. |
|
1 ـ الإمام العسكري(عليه السلام) والواقفة
|
|
والواقفة جماعة، وقفت على إمامة الإمام موسى بن جعفر(ع )،
ولم تقل بإمامة الإمام الرضا(ع )، وكان المؤسس لمذهب هذه الجماعة زياد بن مروان
القندي الأنباري وعلي بن أبي حمزة، وعثمان بن عيسى وكان سبب توقّفهم هو أن زياد
بن مروان القندي الأنباري كانت عنده سبعون ألف دينار من الإمام موسى بن جعفر(ع )
فأظهر هو وصاحباه القول بالوقف طمعاً بالمال الذي كان عندهم (يراجع رجال الكشي: 467 ح
888 و 493 ح 946 وعنه في بحار الأنوار: 48/251 وعنه في سفينة البحار: 3/581.). روى شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي(رضي
الله عنه) عن ابن يزيد عن بعض أصحابه قال: مضى أبو
إبراهيم ـ الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ـ وعند زياد القندي سبعون ألف
دينار وعند عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون ألف دينار، وخمس جواري ومسكنه بمصر،
فبعث إليهم أبو الحسن الرضا (عليه السلام): «أن
احملوا ما قبلكم من المال، وما كان اجتمع لأبي عندكم، فإني وارثه وقائم مقامه،
وقد اقتسمنا ميراثه ـ وبهذا أشار الرضا (عليه السلام) إلى موت الإمام
الكاظم (ع ) ـ ولا عذر لكم في حبس ما قد اجتمع لي
ولورّاثه قبلكم». |
|
2 ـ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
والمفوّضة
|
|
والمفوّضة جماعة، قالت: إنّ الله خلق
محمّداً وفوّض إليه خلق الدُّنيا، فهو الخلاّق لما فيها، وقيل: فوّض ذلك إلى
الإمام علي (عليه السلام) ( يُراجع معجم الفرق الإسلامية: 235.) والأئمة (عليهم السلام) من بعده. وعن إدريس بن
زياد الكفرتوثائي قال: كنت أقول فيهم قولاً عظيماً فخرجتُ إلى العسكر للقاء أبي
محمّد (ع )، فقدمت وعليَّ أثر السفر وعناؤه، فألقيتُ نفسي على دكّان حمّام، فذهب
بي النوم، فما انتبهت إلاّ بمقرعة أبي محمّد (عليه السلام)، قد قرعني بها حتّى
استيقظت، فعرفته سلام الله عليه فقمتُ قائماً أقبّل قدمه وفخذه، وهو راكب،
والغلمان من حوله فكان أوّل ما تلقّاني به أن قال:
ياإدريس (بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا
يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)( الأنبياء(21): 26 ـ 27.). ثم
قال: ذكرت شخوصك إلى فارس فاشخص خار الله لك وتدخل مصر إن شاء الله
آمناً واقرأ من تثق به من موالينا السلام ومرهم بتقوى الله العظيم وأداء الأمانة
وأعلمهم أن المذيع علينا حرب لنا. قال: فلما قرأت خار الله لك في دخولك مصر إن شاء
الله آمناً لم أعرف المعنى فيه فقدمت بغداد عازماً على الخروج إلى فارس فلم يقيض
لي وخرجت إلى مصر. |
|
البحث السابع: من وصايا الإمام
العسكري(عليه السلام) وإرشاداته لشيعته
|
|
وتضمّنت وصايا الإمام ورسائله، بيان الأحكام الشرعية
ومسائل الحلال والحرام كما اشتملت على خطوط للتعامل مع الآخرين وكان ذلك بمثابة
منهاج سلوكي ليسير عليه شيعته ويقيموا علائقهم وفقاً له فيما بينهم وبين أبناء
المجتمع الذي يعيشون فيه وإن اختلفوا معهم في المذهب والمعتقد، ومن هذه الوصايا: |
|
البحث الثامن: الإمام العسكري(عليه
السلام) والتحصين الأمني
|
|
انتهج
الإمام الحسن العسكري نهج آبائه للمحافظة على شيعته وأتباعه الذين يمثّلون
الجماعة الصالحة في المجتمع الإسلامي، وقد شدّد الإمام العسكري دعوته إلى
الكتمان وعدم الإذاعة والحذر في التعامل مع الآخرين، والتشدد في نقل الأخبار
والوصايا عنه ونقل أوامره إلى أصحابه ونقل أخبارهم إليه، فإنّ أتباعه قد انتشروا
في أقطار الدولة الإسلامية في عصره(عليه السلام) بعد أن أخذ التشيع طابع
المعارضة واتسعت دائرته تحت راية أهل البيت(عليهم السلام) وكثيراً ما كانت تصدر
عنه(عليه السلام) التحذيرات المهمة لهم تجاه الفتن والابتلاءات المستقبلية
تجنيباً لهم من الوقوع في شرك السلطة وحفظاً لهم من مكائدها. 3
ـ إن النص يظهر لنا استغلال الإمام(عليه السلام) للمناسبات المختلفة لتحذير
أصحابه من الإفصاح عن أنفسهم وإظهار علاقتهم بالإمام كما سيتضح لنا ذلك من
النصوص الآتية. وسنقف في الفصل الأخير من الكتاب على أهم ما
صدر من الإمام(عليه السلام) في مجال التحصين العلمي والعقائدي والتربوي
والأخلاقي بالإضافة إلى ما قد عرفناه من التحصين
السياسي والأمني والاقتصادي فيما مرّ من خلال المهام التي جعلت على عاتق الوكلاء
وثقاة أصحابه. |
|
الفصل
الثالث: من تراث الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)
|
|
إنّ المأثور عن الإمام العسكري هو مجموعة
من النصوص التي يمكن تصنيفها تحت عناوين متعددة هي: |
|
أوّلاً: التفسير
|
|
لقد اختلف الفقهاء والمحدّثون في مدى صحة
انتساب التفسيرالمنسوب إلى الإمام الحسن العسكري(ع) منذ القرن الرابع الهجري حتى
يومنا هذا. |
|
نماذج من تراثه التفسيري
|
|
1 ـ روى الثقة الأمين أبو هاشم الجعفري ـ وهو من خيرة أصحاب
الإمام(ع) قال: كنت عند أبي محمد(ع) فسألته عن قول الله عَزَّ وجَلَّ:(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ
عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ
سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ...)( فاطر(35): 32.).
قال أبو هاشم: فدمعت عيناي وجعلت أفكر في نفسي ما أعطى الله آل محمد(صلَّى الله
عليه وآله) فنظر إلي الإمام وقال: عظم ما حدثتك به
نفسك من عظم شأن آل محمد، فاحمد الله، فقد جعلك الله متمسكاً بحبهم تدعى يوم
القيامة بهم إذا دُعي كل إنسان بإمامه، فأبشر ياأبا هاشم فإنك على خير(الثاقب في المناقب: ص341
ـ 242 للجرجاني.). 3
ـ وسأله أيضاً عن قول الله عَزَّ وجَلَّ: (لِلَّهِ
الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)( الروم(30): 4.)
فقال الإمام: من بعد أن يأمر بما يشاء، فقلت
في نفسي: هذا قول الله: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ
وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)( الأعراف(7): 54.) فنظر إلي الإمام وتبسم، ثم قال: (لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ
الْعَالَمِينَ)( كشف الغمة: 3 / 210 عن دلائل الحميري.). |
|
ثانياً: رسالة المنقبة
|
|
نقل العلاّمة المجلسي هذه الرسالة عن الإمام
العسكري قائلاً: وخرج من عند أبي محمد(عليه السلام) في سنة خمس وخمسين ومئتين
كتاب ترجمته (رسالة المنقبة). يشتمل على أكثر علم الحلال الحرام (بحار الأنوار: 50 / 310
عن مناقب آل أبي طالب: 4/457.). |
|
ثالثاً: مكاتبات الرجال عن العسكريين
|
|
أشار إلى هذه المكاتبات في أحكام الدين الشيخ ابن
شهرآشوب في المناقب راوياً لها عن الخيبر الحميري(تاريخ التشريع الإسلامي: 198 عن مناقب آل أبي طالب: 4/457.). |
|
رابعاً: مجموعة وصايا الإمام العسكري
وكتبه وتوقيعاته
|
|
إن ظاهرة صدور التوقيع من الإمام على أمر من الأمور
ـ بمعنى إرسال رسالة من الإمام إلى من يهمّه الأمر من وكيل أو تابع خاص مزوّدة
بتوقيعه ومشتملة على خطّه(عليه السلام) ـ قد مهّد بها الإمام الحسن العسكري(عليه
السلام) لفترة الغيبة، كما مهّد كل من الإمامين الهادي والعسكري(عليهما السلام)
بكثرة احتجابهما للغيبة المتوقّعة للإمام المهدي(عليه السلام). |
|
وإليك
بعض رسائل الإمام الحسن العسكري(عليه السلام):
|
|
1 ـ رسالته إلى إسحاق النيسابوري:
|
|
أرسل الإمام أبو محمد(عليه السلام) إلى إسحاق ابن
إسماعيل النيسابوري هذه الرسالة، وهي من غرر الرسائل، وقد استهدفت الوعظ،
والإصلاح الشامل، وهذا نصها: |
|
2 ـ رسالته إلى أهالي قم وآبة:
|
|
وأرسل الإمام أبو محمد(عليه السلام) إلى شيعته من
أهالي قم وآبة(آبة:
بليدة تقابل ساوة، وتعرف بين العامة بآوة، قال ذلك ياقوت في المعجم.) رسالة جاء فيها: |
|
باقي الرسائل
|
|
3 ـ رسالته إلى عبد الله
البيهقي: وأرسل الإمام (عليه السلام) إلى عبد الله بن حمدويه البيهقي الرسالة التالية: شجب الإمام (عليه السلام) في رسالته الظلم والبغي والحسد،
واستجار بالله من كل ظالم وباغ وحاسد، فإنه تعالى عون للمظلومين، وسند لهم، وهو
القادر على إزالة الظلم، وإنزال أقصى العقوبة بالمعتدين والظالمين(راجع باقر شريف القرشي
حياة الإمام الحسن العسكري: 73 ـ 88.). |
|
خامساً: اهتمامات الإمام الحسن
العسكري(عليه السلام) الفكرية والعلمية
|
|
نلاحظ
اهتماماً علميّاً متشعّب الجوانب من خلال النصوص الواصلة إلينا عن الإمام
العسكري، فهو يهتم بالقرآن الكريم وهو سند الشريعة ومصدرها الأساسي كما انه يهتم
بحفظ السنة النبوية وسنّة أهل البيت وتأريخهم، ويهتم أيضاً بنقده وتعريفه للشخصيات
التي يتوجّه إليها الناس لأخذ العلوم والأحكام منهم أو مراجعتهم لغرض الارتباط
بالإمام (ع) أو توكيلهم لإيصال الحقوق الشرعية إليه، فهو يعرّف وكلاءه ويوليهم
ثقة ويلعن من ينحرف منهم ويحذّر شيعته ومواليه من الغفلة عن رصد أحوالهم في حال
استقامتهم أو انحرافهم. |
|
من
تراثه المعرفيّ
|
|
1 ـ عن أبي منصور الطبرسي مسنداً قال:
حدثنا أبو محمّد الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام)، قال: حدثني أبي عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله(صلَّى الله
عليه وآله) أنه قال: ويقال للفقيه: ياأيها الكافل لأيتام آل محمد الهادي لضعفاء محبيهم
ومواليهم قف حتى تشفع لكل من أخذ عنك أو تعلم منك، فيقف فيدخل الجنة معه فئاماً
وفئاماً وفئاماً ـ حتى قال عشراً ـ وهم الذين أخذوا عنه علومه وأخذوا عمن أخذ
عنه وعمن أخذ عمن أخذ عنه إلى يوم القيامة، فانظروا كم صرف ما بين المنزلتين (الاحتجاج: 1 / 9.). |
|
من
تراثه الكلامي
|
|
1 ـ التوحيد في نصوص الإمام العسكري(عليه
السلام)
|
|
1 ـ روى الكليني، مسنداً عن يعقوب بن إسحاق قال:
كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله: كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه ؟
فوقّع (عليه السلام): ياأبا يوسف جلَّ سيّدي ومولاي
والمنعم عليّ وعلى آبائي أن يُرى. قال:
وسألته: هل رأى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ربّه ؟ فوقّع (عليه السلام): إنَّ الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما
أحبَّ (الكافي:
1 / 95 والتوحيد: 108.). |
|
2 ـ أهل البيت (عليهم السلام) والإمامة عند
الإمام العسكري (عليه السلام)
|
|
لقد
أشاد الإمام (ع ) بفضل أهل البيت الذين هم مصدر الوعي، والإيمان في دنيا
الإسلام، حيث قال(ع ): |
|
الإمام المهدي (عليه السلام) في تراث
الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
|
|
روي عن الحسن بن ظريف أنه قال: اختلج في
صدري مسألتان أردت الكتاب فيهما إلى أبي محمد (ع ) فكتبت أسأله عن القائم(عليه
السلام) إذا قام بما يقضي وأين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس ؟ وأردت أن أسأله
عن شيء لحمّى الرّبع فأغفلت خبر الحمّى. فجاء الجواب: |
|
السيرة النبوية في تراث الإمام العسكري
(عليه السلام)
|
|
وقد
وردت مجموعة من النصوص عن الإمام العسكري(ع ) فيما يخص سيرة النبي(ص) وسيرة أهل
بيته (ع ) ممّا يشير إلى ضرورة اهتمامه (ع ) بهذا الجانب في عصره. ياعبد الله إنما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم ويدعوهم إلى ربهم
ويكدّ نفسه في ذلك آناء الليل ونهاره، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها وعبيد وخدم
يسترونه عن الناس أليس كانت الرسالة تضيع والأمور تتباطأ، أو ما ترى الملوك إذا
احتجبوا كيف يجري الفساد والقبائح من حيث لا يعلمون به ولا يشعرون. وهو حكيم في أفعاله محمود في أعماله وذلك قوله تعالى:(وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ
الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) قال
الله تعالى: (
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ) يا
محمّد (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ
مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ). قال: فكيف صرت تقترح على رسول ربّ العالمين ما لا تسوغ لأكرتك
ومعامليك أن يقترحوه على رسولك إليهم ؟! وكيف أردت من رسول رب العالمين أن يستذم
إلى ربّه بأن يأمر عليه وينهى وأنت لا تسوغ مثل هذا على رسولك إلى أكرتك وقوامك
؟! هذه حجة قاطعة لإبطال جميع ما ذكرته في كل ما اقترحته ياعبد الله. فقال
رسول الله(صلى الله عليه وآله): ياأبا جهل أما علمت قصة إبراهيم الخليل لما رفع
في الملكوت، وذلك قول ربي: (وَكَذلِكَ نُرِي
إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ
الْمُوقِنِينَ) قوّى الله بصره لما رفعه دون السماء حتى أبصر الأرض ومن
عليها ظاهرين ومستترين فرأى رجلاً وامرأة على فاحشة فدعا عليهما بالهلاك فهلكا،
ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا. ثم قال رسول الله(صلَّى الله عليه وآله): لقد تركتم العمل يوم
السبت ثم عملتم بعده سائر الأيام، ثم تركتموه في السبت ثم عملتم بعده، أفتركتم
الحق إلى الباطل، أو الباطل إلى الحق، أو الباطل إلى الباطل، أو الحق إلى الحق ؟
قولوا كيف شئتم فهو قول محمّد وجوابه لكم، قالوا: بل ترك العمل في السبت حق،
والعمل بعده حق فقال رسول الله(صلَّى الله عليه وآله): فكذلك قبلة بيت المقدس في
وقته حق، ثم قبله الكعبة في وقته حق. يعني: إذا توجهتم بأمره فثم الوجه الذي
تقصدون منه الله وتأملون ثوابه. |
|
المختار
من تراثه الفقهي (عليه السلام)
|
|
وردت
عن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) نصوص فقهية تتوزع على مختلف أبواب الفقه
وهي تناهز الـ 75 نصاً كما أحصاها مسند الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) وإليك نماذج مختارة منها: 2
ـ وكتب حمزة بن محمد إلى أبي محمد(ع): لم فرض الله الصوم ؟ فورد في الجواب: ليجد الغني مسّ الجوع ; فيحنّ على الفقير(رواه الكليني في الكافي:
4 / 181، ح6 بتفاوت، من لا يحضره الفقيه: 3 / 43، ب21، ح3.). فكتب(عليه
السلام): يجب عليك فيه الخمس، إن شاء الله تعالى(التهذيب: 4 / 139، ح16.). فوقع
(عليه السلام): يصلح إذا أحاط الشراء بجميع ذلك إن
شاء الله(الكافي:
7 / 402، ذيل حديث 4 بتفاوت، من لا يحضره الفقيه: 3 / 153، ب73، ح10.). فوقّع
(عليه السلام): جايز للميّت ما أوصى به على ما أوصى
به، إن شاء الله(الكافي: 7 / 45، ح2، من لا يحضره الفقيه: 4 / 155، ب103، ح3.). باب الوقف: باب
المعيشة: باب الأولاد: المختار من تراثه (عليه السلام) في
الدعاء: وآخر دعوانا
أن الحمد لله رب العالمين |
|
|
|