- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
أعلام الهداية
|
الإمام علي بن الحسين زين العابدين
(عليه السلام)
|
أعلام
الهداية المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) |
أهل
البيت في القرآن الكريم |
أهل
البيت في السنة النبويّة |
فهرس إجمالي
|
فهرس إجمالي |
المقدمة
|
الحمد
لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، ثم الصلاة والسلام على من اختارهم هداةً
لعباده، لا سيَّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمد
(صلَّى الله عليه وآله) وعلى آله الميامين النجباء. (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) (الأنعام
(6): 71). (وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة
(2): 213). (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) (الأحزاب
(33): 4). (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
(آل
عمران (3): 101). (قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ
أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ
كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (يونس (10): 35). (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ
مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(سبأ
(34): 6). (ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من الله)
(القصص (28):50). فالله
تعالى هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان
إلى الصراط المستقيم وإلى الحقّ القويم. وهذه
الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم. ولقد
أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى
الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال، ومن هنا قال تعالى:(وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ) (الذاريات
(51): 56). وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، كانت المعرفة
والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال. وبعد
أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال;
لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة; والهوى الناشئ منهما، والملازم لهما فمن
هنا احتاج الإنسان ـ بالإضافة إلى عقله وسائر أدوات المعرفة ـ إلى ما يضمن له
سلامة البصيرة والرؤية; كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة الهداية، وتتوفّر لديه
كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو طريق الشرّ والشقاء بملء
إرادته. 2
ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى البشرية ولمن أرسلوا إليه، ويتوقّف الإبلاغ على الكفاءة
التامّة التي تتمثّل في (الاستيعاب والإحاطة اللازمة) بتفاصيل الرسالة وأهدافها
ومتطلّباتها، و (العصمة) عن الخطأ والانحراف معاً، قال تعالى:(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ
النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)
(البقرة (2): 213). وقد
سلك الأنبياء السابقون وأوصياؤهم المصطفون طريق الهداية الدامي، واقتحموا سبيل
التربية الشاقّ، وتحمّلوا في سبيل أداء المهامّ الرسالية كلّ صعب، وقدّموا في
سبيل تحقيق أهداف الرسالات الإلهية كلّ ما يمكن أن يقدّمه الإنسان المتفاني في
مبدئه وعقيدته، ولم يتراجعوا لحظة، ولم يتلكّأوا طرفة عين. ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري: أ
ـ أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين
يتربّصون بها الدوائر. ب
ـ أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة باستمرار الأجيال; على يد مربٍّ كفوء علمياً
ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في الخلق والسلوك كالرسول (صلَّى الله عليه وآله)،
يستوعب الرسالة ويجسّدها في كل حركاته وسكناته. وتبلورت
حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم على نهج الرسول العظيم وانفتاح الأمة عليهم
والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم،
فكانوا هم الأدلاّء على الله وعلى مرضاته، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين
في محبّته، والذائبين في الشوق إليه، والسابقين إلى تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ
المنشود. ولا يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا
بجميع زوايا حياتهم العطرة ويدّعوا دراستها بشكل كامل، ومن هنا فإنّ محاولتنا
هذه إنّما هي إعطاء قبسات من حياتهم، ولقطات من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها
المؤرّخون واستطعنا اكتشافها من خلال مصادر الدراسة والتحقيق، عسى الله أن ينفع
بها إنّه وليّ التوفيق. إنّ
دراستنا لحركة أهل البيت (ع) الرسالية تبدأ برسول الإسلام وخاتم الأنبياء محمد
بن عبد الله (ص) وتنتهي بخاتم الأوصياء، محمد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر
عجّل الله تعالى فرجه وأنار الأرض بعدله. ويختص هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام عليّ بن الحسين زين
العابدين (ع)، وهو المعصوم السادس من أعلام الهداية والرابع من الأئمة الاثني
عشر بعد رسول الله (ص) والذي جسّد الإسلام المحمّدي بكل أبعاده في حياته الفردية
والاجتماعية في ظروف اجتماعية وسياسية عصيبة فحقق القيّم الإسلامية المُثلى في
الفكر والعقيدة والخلق والسلوك وكان نبراساً يشعّ إيماناً وطُهراً وبهاءً
للعالَمين. للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) قم المقدسة |
الباب
الأول:
|
فيه فصول: |
الفصل الأوّل: الإمام زين العابدين (عليه السلام) في سطور
|
* هو الإمام عليّ بن
الحسين (عليه السلام) رابع أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وجدّه
الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصيّ رسول الله(صلَّى الله عليه وآله)،
وأوّل من أسلم وآمن برسالته، وكان منه بمنزلة هارون من موسى، كما صحّ في الحديث
عنه (صحيح مسلم : 7 / 121 .). |
الفصل الثاني: انطباعات عن شخصيّة الإمام زين العابدين(عليه السلام)
|
اتّفق المسلمون على تعظيم الإمام
زين العابدين(عليه السلام) وأجمعوا على الاعتراف له بالفضل، وأنّه علم شاهق في
هذه الدنيا، لا يدانيه أحد في فضائله وعلمه وتقواه، وكان من مظاهر تبجيلهم له:
أنّهم كانوا يتبركون بتقبيل يده ووضعها على عيونهم (العقد الفريد : 2 / 251.)، ولم يقتصر تعظيمه على الذين
صحبوه أو التقوا به، وإنّما شمل المؤرخين على اختلاف ميولهم واتّجاهاتهم، فقد
رسموا بإعجاب وإكبار سيرته، وأضفوا عليه جميع الألقاب الكريمة والنعوت الشريفة. |
أقوال
وآراء معاصريه فيه (عليه السلام) :
|
عبّر المعاصرون للإمام(عليه
السلام) من العلماء والفقهاء والمؤرّخين بانطباعاتهم عن شخصيّته، وكلها إكبار
وتعظيم له، سواء في ذلك من أخلص له في الودّ أو أضمر له العداوة والبغضاء، وفيما
يلي نبذة من كلماتهم: 2 ـ كان عبد الله بن عباس على تقدّمه
في السنّ يجلّ الإمام (ع) وينحني خضوعاً له وتكريماً، فإذا رآه قام تعظيماً ورفع
صوته قائلاً: مرحباً بالحبيب ابن الحبيب(تأريخ دمشق : 36 / 147، وتذكرة الخواص : 324 .). |
آراء
العلماء والمؤرخين فيه (عليه السلام) :
|
1 ـ قال اليعقوبي:
كان أفضل الناس وأشدّهم عبادة، وكان يسمّى: زين
العابدين، وكان يسمّى أيضاً: ذا الثفنات، لما كان في وجهه من أثر السجود...( تاريخ اليعقوبي : 3 /
46.
). |
الفصل الثالث: مظاهر من شخصيّة الإمام زين العابدين(عليه السلام)
|
الحلم
:
|
كان الإمام من أعظم
الناس حلماً، وأكظمهم للغيظ، فمن صور حلمه التي رواها المؤرّخون : |
السخاء : |
أجمع المؤرِّخون على أنّه كان من أسخى الناس وأنداهم كفّاً، وأبرَّهم
بالفقراء والضعفاء، وقد نقلوا نوادر كثيرة من فيض جوده، منها: فقال
أبو حمزة: جعلت فداك متى رأى يوسف الرؤيا؟ قال(عليه السلام):
في تلك الليلة التي بات فيها يعقوب وآله شباعاً وبات
السائل الفقير طاوياً جائعاً)( علل الشرائع : 1/61 ب 42 ح 1 ط بيروت.). |
صدقاته
:
|
وكان من أعظم ما يصبو إليه الإمام
زين العابدين(ع) في حياته الصدقة على الفقراء لإنعاشهم ورفع البؤس عنهم، وكان (ع
) يحثّ على الصدقة; وذلك لما يترتّب عليها من الأجر الجزيل، فقد قال: (ما من رجل تصدّق على مسكين مستضعف فدعا له المسكين بشيء في
تلك الساعة إلاّ استجيب له) ( وسائل الشيعة : 6 / 296). |
العزّة
والإباء :
|
ومن صفات الإمام
عليّ بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) العزّة والإباء،
فقد ورثها من أبيه الحسين سيّد الشهداء (عليه السلام) الذي تحدّى طغاة عصره
قائلاً: (والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا
أقرّ لكم إقرار العبيد) ( وقعة الطف: 209 .). |
الزهد
:
|
لقد
اشتهر في عصره (عليه السلام) أنّه من أزهد الناس حتى أنّ الزهري حينما سُئل عن
أزهد الناس قال: عليّ بن الحسين (بحار الأنوار : 46/62 عن علل الشرائع : 1/270 ط بيروت.). (أيّها الناس، اتّقوا
الله واعلموا أنّكم إليه تُرجعون... يابن آدم، إنّ أجلك أسرع شيء إليك، قد أقبل
نحوك حثيثاً يطلبك ويوشك أن يدركك، وكأن قد أوفيت أجلك وقبض الملك روحك وصرت إلى
قبرك وحيداً، فردّ إليك فيه روحك، واقتحم عليك فيه ملكان ناكر ونكير لمساءلتك
وشديد امتحانك... فاتّقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ الله عَزَّ وجَلَّ لم
يحبّ زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه، ولم يرغّبهم فيها وفي عاجل زهرتها
وظاهر بهجتها، وإنّما خلق الدنيا وأهلها ليبلوهم فيها أيّهم أحسن عملاً لآخرته،
وأيم الله لقد ضرب لكم فيه الأمثال، وعرّف الآيات لقوم يعقلون، ولا قوة إلاّ
بالله، فازهدوا فيما زهّدكم الله عَزَّ وجَلَّ فيه من عاجل الحياة الدنيا... ولا
تركنوا إلى زهرة الدنيا وما فيها ركونَ من اتّخذها دار قرار ومنزل استيطان،
فإنّها دار بُلغة، ومنزل قلعة، ودار عمل، فتزوّدوا الأعمال الصالحة فيها قبل
تفرّق أيّامها، وقبل الإذن من الله في خرابها... جعلنا الله وإيّاكم من الزاهدين
في عاجل زهرة الحياة الدنيا، الراغبين لآجل ثواب الآخرة، فإنّما نحن به وله...) .. (الكافي : 8 / 72 ـ 76 ، وتحف العقول: 249 ـ 252.). |
الإنابة
إلى الله تعالى :
|
إنّ اشتهار الإمام بلقب زين
العابدين وسيّد الساجدين ممّا يشير إلى وضوح عنصر الإنابة إلى الله والانقطاع
إليه في حياة الإمام وسيرته وشخصيّته. |
سيرته
في بيته :
|
كان الإمام زين العابدين (ع ) من
أرأف الناس وأبرّهم وأرحمهم بأهل بيته، وكان لا يتميّز عليهم، وقد أُثر عنه أنّه
قال: (لَئن أدخل إلى السوق ومعي دراهم ابتاع بها
لعيالي لحماً وقد قرموا(قرموا: اشتدّ شوقهم إلى اللحم.) أحبّ إليَّ من أن أعتق نسمة) ( بحار الأنوار : 46 / 67 عن الكافي : 2/12.). |
مع
أبويه :
|
وقابل
الإمام المعروف الذي أسدته إليه مربّيته بكلّ ما تمكّن عليه من أنواع الإحسان،
وقد بلغ من جميل برّه بها أنّه امتنع أن يؤاكلها فلامه الناس، وأخذوا يسألونه
بإلحاح قائلين: أنت أبرّ الناس وأوصلهم رحماً، فلماذا لا تؤاكل أمك؟ فأجابهم
جواب من لم تشهد الدنيا مثل أدبه وكماله قائلاً:
(أخشى أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فأكون عاقّاً لها) ( الكامل للمبرد : 1 / 302، وشذرات الذهب : 1 / 105، ومناقب آل أبي
طالب: 4/176 عن أمالي النيشابوري.). |
مع
أبنائه:
|
أمّا سلوك الإمام عليّ بن الحسين
زين العابدين (عليه السلام) مع أبنائه فقد تميّز بالتربية الإسلامية الرفيعة
لهم، فغرس في نفوسهم نزعاته الخيّرة واتّجاهاته الإصلاحية العظيمة، وقد صاروا
بحكم تربيته لهم من ألمع رجال الفكر والعلم والجهاد في الإسلام. |
مع
مماليكه :
|
وسار الإمام (عليه السلام ) مع
مماليكه سيرة تتّسم بالرفق والعطف والحنان، فكان يعاملهم كأبنائه، وقد وجدوا في
كنفه من الرفق ما لم يجدوا في ظلّ آبائهم، حتّى أنّه لم يعاقب أمَةً ولا عبداً
فيما إذا اقترفا ذنباً(اقبال الأعمال : 1/443 ـ 445 باسناده عن التلعكبرى عن ابن عجلان عن
الصادق(عليه السلام) وعنه في بحار الأنوار : 46 / 103 ـ 105 . و 98/186 ـ 187.). |
الباب
الثاني:
|
فيه فصول: |
الفصل الأول: نشأة الإمام زين العابدين(عليه السلام)
|
لقد
توفّرت للإمام زين العابدين (عليه السلام) جميع المكوّنات التربوية الرفيعة التي
لم يظفر بها أحد سواه، وقد عملت على تكوينه وبناء شخصيّته بصورة متميّزة، جعلته
في الرعيل الأول من أئمّة المسلمين الذين منحهم الرسول (صلى الله عليه وآله)
ثقته، وجعلهم قادة لأمته وأمناء على أداء رسالته. نشأ
الإمام في أرفع بيت وأسماه ألا وهو بيت النبوّة والإمامة الذي أذن الله أن يرفع
ويذكر فيه اسمه (إشارة
لقوله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ
أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ
وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ
اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً
تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ). (النور (24) : 36 ـ 37.)، ومنذ الأيام الأولى من حياته كان جده الإمام
أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) يتعاهده بالرعاية ويشعّ عليه من
أنوار روحه التي طبّق شذاها العالم بأسره، فكان الحفيد ـ بحقٍّ ـ صورة صادقة عن
جدّه، يحاكيه ويضاهيه في شخصيّته ومكوّناته النفسية. كما عاش الإمام
(عليه السلام) في كنف عمّه الزكي الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام) سيّد شباب
أهل الجنّة وريحانة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وسبطه الأول، إذ
كان يغدق عليه من عطفه وحنانه، ويغرس في نفسه مُثُلَه العظيمة وخصاله السامية،
وكان الإمام (عليه السلام) طوال هذه السنين تحت ظلّ والده العظيم أبي الأحرار
وسيّد الشهداء الإمام الحسين بن علىّ(عليهما السلام ) الذي رأى في ولده علي زين
العابدين (ع ) امتداداً ذاتيّاً ومشرقاً لروحانيّة النبوّة ومُثُل الإمامة،
فأولاه المزيد من رعايته وعنايته، وقدّمه على بقية أبنائه، وصاحَبَه في أكثر
أوقاته. |
أمه , كُناه ,ألقابه: |
أمه :
اسمها (شهربانو) أو (شهر بانويه) أو (شاه زنان) بنت يزدجرد آخر ملوك الفرس(رغم أنّ أغلب المؤرخين
متفقون على أنّ أم الإمام السجاد (عليه السلام) هي ابنة الملك يزدجرد إلاّ أن
هناك من يعتبر ذلك مجرد أسطورة، راجع زندگانى علي بن الحسين (عليه السلام) للسيد
جعفر الشهيدي. والإسلام وإيران للشهيد مطهري: 100 ـ 109 وحول السيدة شهر بانو
للشيخ اليوسفي الغروي في مجلة رسالة الحسين(عليه السلام): 24/14 ـ 39 ، والثابت
أن أم الإمام السجاد(عليه السلام) سبيّة من سبايا الفرس، ولا يثبت أكثر من هذا.)، وذكر البعض
أنّ اُمه قد أجابت نداء ربّها أيّام نفاسها فلم تلد سواه(سيرة رسول الله (صلى
الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) : 2 / 189، المجمع العالمي لأهل البيت
(عليهم السلام) الطبعة الأولى 1414 هـ .). كُناه : |
الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام زين العابدين (عليه السلام)
|
تنقسم حياة الإمام زين العابدين(ع) ـ كما تنقسم حياة سائر
الأئمة(عليهم السلام) ـ إلى مرحلتين متميّزتين: مراحل حياة الإمام زين العابدين
(عليه السلام)) بعدها لتحمّل أعباء الإمامة والقيادة بعد استشهاد أبيه والصفوة
من أهل بيته وأصحابه في ملحمة عاشوراء الخالدة التي مهّد لها معاوية بن أبي
سفيان وتحمّل وزرها ابنه يزيد المعلن بفسقه والمستأثر بحكم الله في أرض الإسلام
المباركة. |
الفصل الثالث: الإمام زين العابدين (عليه السلام) من الولادة إلى الإمامة
|
وتتضمّن استعراض عصر الإمام(عليه السلام) وحياته قبل كربلاء، أي
من الولادة حتى استشهاد أبيه(عليه السلام) من سنة (38 أو 36 هـ) إلى سنة (61 هـ)
. |
الوضع
السياسي في العراق عند موت معاوية :
|
وعندما مات معاوية اعتبر الفريقان المتنفّذان في العراق أنّ
الفرصة باتت مؤاتية : وقد تباحث يزيد في هذا
الأمر مع مستشاره الرومي السيرجون، الذي أشار
عليه بتعيين عبيد الله بن زياد حاكماً على الكوفة، وبوصول
ابن زياد إلى الكوفة تخلّى أهلها عن مسلم، وأتاحوا لابن زياد قتله مع مضيّفه
هانئ بن عروة، ومن جهة أُخرى كان الإمام الحسين وأهل بيته (ع) وعدد من أنصاره في
الطريق إلى العراق، والإمام زين العابدين (عليه السلام) يرافق والده في كل هذه
الظروف العصيبة حتى وصلوا العراق(اقرأ أخبار هذه الأحداث مسندة موثقة في : وقعة الطف لأبي مخنف: 70 ـ
141، تحقيق محمد هادي اليوسفي الغروي.). |
النصّ
على إمامة زين العابدين(عليه السلام)
|
لقد
نصّ رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) على إمامة اثني عشر إماماً من أهل بيته
الأطهار، وعيّنَهم بذكر أسمائهم وأوصافهم، كما هو المعروف من حديث الصحابي جابر
بن عبد الله الأنصاري وغيره عند العامّة والخاصّة(راجع : منتخب الأثر: 97،
الباب الثامن، والإرشاد وإعلام الورى بأعلام الهدى: 2/181، 182، النصوص على
الأئمة الاثنا عشر، قادتنا: 5/14، وإثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: 2/285،
النصوص العامة على الأئمة، وإحقاق الحقّ وملحقاته ج1 ـ 25.). |
الإمام
زين العابدين(عليه السلام) يوم عاشوراء :
|
إنّ أشدّ ما كان يحزّ في نفوس أهل
بيت الرسالة ومحبّيهم ما رواه حميد بن مسلم، وهو شاهد عيان بعد ظهر اليوم العاشر
من المحرّم إثر استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) إذ قال: لقد كنت أرى المرأة
من نسائه وبناته وأهله تنازع ثوبها من ظهرها حتى تغلب عليه فيُذهب به منها. |
الباب
الثالث:
|
فيه فصول: |
الفصل الأول: الإمام زين العابدين (عليه السلام) من كربلاء إلى المدينة
|
الإمام
زين العابدين(عليه السلام) بعد ملحمة عاشوراء :
|
ذكر
المؤرّخون عن شاهد عيان أنّه قال: قدمت الكوفة في المحرّم من سنة إحدى وستّين،
منصرف عليّ بن الحسين (ع) بالنسوة من كربلاء ومعه الأجناد يحيطون بهم، وقد خرج
الناس للنظر اليهم، فلمّا اُقبل بهم على الجمال بغير وطاء جعل نساء الكوفة
يبكين، ويلتدِمنَ(التدمت المرأة: ضربت صدرها في
النياحة، وقيل : ضربت وجهها في المآتم.)، فسمعت عليّ بن الحسين وهو يقول
بصوت ضئيل وقد نهكته العلّة وفي عنقه الجامعة ويده مغلولة إلى عنقه: (إنّ هؤلاء النسوة يبكين فمن قتلنا؟!)( الأمالي للطوسي: 91.). ثمّ إنّ ابن زياد نصب الرؤوس كلّها بالكوفة على الخشب، كما أنّه
كان قد نصب رأس مسلم بن عقيل من قبل بالكوفة. وكتب
ابن زياد إلى يزيد يخبره بقتل الحسين(عليه السلام) وخبر أهل بيته(الكامل في التاريخ
للجزري : 4/83، وإنّ أوّل رأس حمل في الإسلام هو رأس عمر بن الحِمق الخزاعي إلى
معاوية.).
كما بعث إلى عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة ـ وهو من بني أمية ـ يخبره بقتل
الحسين(عليه السلام). ولمّا وصل كتاب ابن
زياد إلى الشام أمره يزيد بحمل رأس الحسين(ع) ورؤوس من قتل معه إليه، فأمر ابن
زياد بنساء الحسين (ع) وصبيانه فجُهِّزوا، وأمر
بعليّ بن الحسين(ع) فغُلّ بغِلٍّ إلى عنقه،
ثمّ سرّح بهم في أثر الرؤوس مع مجفر بن ثعلبة العائذي وشمر بن ذي الجوشن، وحملهم
على الأقتاب، وساروا بهم كما يسار بسبايا الكفار، فانطلقوا بهم حتى لحقوا بالقوم
الذين معهم الرؤوس، فلم يكلّم عليّ بن الحسين(ع)
أحداً منهم في الطريق بكلمة حتى بلغوا الشام(عن طبقات ابن سعد في ذيل تاريخ دمشق ترجمة الإمام الحسين(عليه
السلام) : 131، وأنساب الأشراف: 214، والطبري : 5/460 و 463 ، والإرشاد : 2/119
واللفظ للأخير.). |
سبايا
آل البيت (عليهم السلام ) في دمشق :
|
خضعت
الشام منذ فتحها بأيدي المسلمين لحكّام مثل خالد بن الوليد ومعاوية بن أبي
سفيان، فلم يشاهد الشاميون النبي(صلَّى الله عليه وآله) ولم يسمعوا حديثه الشريف
منه مباشرةً، ولم يطّلعوا على سيرة أصحابه عن كثب ، أمّا النفر القليل من صحابة
رسول الله(ص) الذين انتقلوا إلى الشام وأقاموا فيها فلم يكن لهم أثر في الناس،
فكانت النتيجة أنّ أهل الشام اعتبروا سلوك معاوية بن أبي سفيان وأصحابه سنّة
للمسلمين، ولمّا كانت الشام خاضعة للإمبراطورية الرومية قروناً طويلة، فقد كانت
حكومات العصر الإسلاميّ أفضل من سابقاتها بالنسبة للشاميّين. قال: نعم. |
الإمام(عليه السلام) في مجلس يزيد: |
أُدخل
رأس الحسين(عليه السلام) ونساؤه ومن تخلّف من أهله على يزيد وهم مقرّنون في
الحبال وزين العابدين(ع) مغلول، فلمّا وقفوا بين يديه على تلك الحال تمثّل يزيد
بشعر حصين بن حمام المرّي قائلاً: نفلِّقُ هاماً من رجال أعزّة = علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما (الإرشاد: 2/119 و 120،
ووقعة الطف لأبي مخنف : 168 و 271، والعقد الفريد : 5 / 124.) فردّ
عليه الإمام عليّ بن الحسين(عليه السلام) بقوله تعالى: (مَا
أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي
كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ *
لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ
وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) ( الحديد (57) : 22 ـ 23.). وبعد
هذه المقدّمة التعريفية لأسرته أخذ(عليه السلام) في بيان فضائلهم، قائلاً: (فمن عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي. أنا ابن
مكّة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الزكاة بأطراف الرداء، أنا ابن
خير من ائتزر وارتدى، أنا ابن خير من انتعل واحتفى، أنا ابن خير من طاف وسعى،
أنا ابن خير من حجّ ولبّى، أنا ابن من حُمل على البراق في الهواء، أنا ابن من
اُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فسبحان من أسرى، أنا ابن من بلغ
به جبرئيل إلى سدرة المنتهى، أنا ابن من دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى، أنا
ابن من صلّى بملائكة السماء، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن
محمّد المصطفى، أنا ابن علىّ المرتضى، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا:
لا إله إلاّ الله. أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله(صلَّى الله عليه وآله)
بسيفين، وطعن برمحين، وهاجر الهجرتين، وبايع البيعتين، وقاتل ببدر وحُنين، ولم
يكفر بالله طرفة عين. أنا ابن صالح المؤمنين، ووارث النبيّين، وقاطع الملحدين، ويعسوب
المسلمين، ونور المجاهدين، وزين العابدين، وتاج البكّائين، وأصبر الصابرين،
وأفضل القائمين من آل ياسين ورسول ربّ العالمين. أنا ابن المؤيّد بجبرئيل، المنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن
حرم المسلمين وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، والمجاهد أعداءه الناصبين،
وأفخر من مشى من قريش أجمعين، وأوّل من أجاب واستجاب لله من المؤمنين، وأقدم
السابقين، وقاصم المعتدين، ومبير المشركين، وسهم من مرامي الله، وبستان حكمة
الله، ... ذاك جدّي عليّ بن أبي طالب. أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيّدة النساء، أنا ابن الطهر
البتول، أنا ابن بضعة الرسول(صلَّى الله عليه وآله)، أنا ابن المرمّل بالدماء،
أنا ابن ذبيح كربلاء، أنا ابن من بكى عليه الجنّ في الظلماء، وناحت عليه الطير
في الهواء). |
الفصل الثاني: الإمام زين العابدين(عليه السلام) في المدينة
|
بدأت
ردود الفعل على مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) بالظهور مع دخول سبايا أهل
البيت(عليهم السلام) إلى الكوفة. فبالرغم من القمع والإرهاب اللذين مارسهما ابن
زياد مع كلّ من كان يبدي أدنى معارضة ليزيد، فإنّ أصواتاً بدأت ترتفع محتجّةً
على الظلم السائد. |
ثورة
أهل المدينة :
|
إنّ
نقد الوفد المدني ليزيد لم يكن هو الدليل الوحيد عند أهل المدينة على انحراف
يزيد وتنكّره للإسلام وجوره وطغيانه، بل إنّهم كانوا قد لمسوا جور يزيد وعمّاله
على البلدان الإسلامية وفسقهم وشدّة بطشهم واستهتارهم بالحرمات الإلهية التي لا
مجال لتأويلها، إذ كيف يمكن تأويل ما ارتكبه من القتل الفظيع في حقّ الحسين بن
علي بن أبي طالب(عليه السلام) ريحانة الرسول وسيّد شباب أهل الجنة وما اقترفه من
السبي لأهله وحُرَمه؟ وكيف يمكن تأويل ما أظهره من شربه للخمور التي حرّمها الله
بالنصّ الصريح؟! ولعلّه
قد سمع هذا الحديث، لكنّه لمّا وجد من يعتبر نفسه خليفة للنبي(صلَّى الله عليه
وآله) قد تجرّأ على قتل ابن بنت النبي(ص وسبي
بناته من مدينة إلى أُخرى، دون أن يعترض عليه أحد، فمِمّ يخشى هو إن اعتدى على
مدينة النبي(ص)؟! وبعد أن قمع بوحشيّة ثورة أهل
المدينة وأجهض انتفاضتهم; توجّه مسلم إلى مكة التي
أعلن فيها عبد الله بن الزبير ثورته على الحكم الأموي، لكنّه لقي حتفه في
الطريق، فتسلّم الحصين بن نمير قيادة الجيش
الأموي بناءً على أوامر يزيد، وعندما وصل أطراف مكة فرض حصاراً عليها
وضرب الكعبة بالمنجنيق وأحرقها(تأريخ الطبري : 5 / 498 وعنه في الكامل في التأريخ : 4 / 24 عن
الكلبي عن عوانة بن الحكم، ثم روى أخباراً عن ابن عمر تحاول نسبة الحرق إلى
أصحاب ابن الزبير خطأً، في محاولة لتبرير يزيد الشّرير.). |
انشقاق البيت
الأموي :
|
مات يزيد في ربيع
الأول من سنة (64 هـ) وهو في سنّ الثامنة والثلاثين من عمره في حُوّارين،
وكانت صحيفة أعماله في مدّة حكمه ـ الذي استمر ثلاث
سنوات وبضعة أشهر ـ مُسودّة بقتل ابن بنت النبيّ وأسر أهل بيت الوحي
وحرائر الرسالة إلى جانب القتل الجماعي لأهل المدينة وهدم الكعبة المشرّفة. |
تزايد
المعارضة للحكم الأموي :
|
صعّد عبد الله بن الزبير
معارضته للشام التي بدأها بعد موت معاوية، حيث
كان قد دعا الحجازييّن لمبايعته كخليفة للمسلمين، فاستجابت له الأكثرية الساحقة
منهم، وشهد العراق من جديد تحرّكات ضد الحكم الأموي. |
سنوات المحن
والاضطرابات :
|
كانت الفترة
الممتدّة بين عامي (66 و 75 هـ) بالنسبة للشام والحجاز والعراق فترة محن
واضطرابات، فلم يتحقّق في هذه المناطق الهدوء
والأمن. وشهد الحجاز هجوم قوات عبد الملك على مكة ومقتل عبد الله بن الزبير،
إلاّ أنّ نصيب العراق من الاضطرابات كان أكبر من المنطقتين السابقتين. ويمكن
القول بجرأة أنّ ما لحق بأهل العراق كان هو النتيجة الطبيعية لدعاء سبط الرسول الأعظم عليهم، إذ رفع الإمام الحسين(ع) يده بالدّعاء في كربلاء وقال : (اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسنيّ يوسف
وسلّط عليهم غلام ثقيف فيسومهم كأساً مصبَّرة فإنّهم كذّبونا وخذلونا ...)( تاريخ الطبري : 5/451
وعنه في وقعة الطف: 254 وقريباً منه في الإرشاد : 2/110، 111. وليس فيه: سنين
كسنيّ يوسف ، ولا غلام ثقيف .). |
الفصل الثالث: استشهاد الإمام
زين العابدين(عليه السلام)
|
وتقلّد الوليد أزمّة الملك بعد
أبيه عبد الملك بن مروان، وقد وصفه المسعودي
بأنّه كان جبّاراً عنيداً ظلوماً غشوماً(مروج الذهب : 3 / 96.)، حتّى طعن
عمر بن عبد العزيز الأموي في حكومته، فقال فيه: إنّه ممن امتلأت الأرض به جوراً(تأريخ الخلفاء : 223.). |
الباب
الرابع:
|
فيه فصول: |
الفصل الأوّل: نظرة عامة في
مسيرة أهل البيت(عليهم السلام) الرسالية
|
للوصول إلى التصور الصحيح عن
المسيرة الرساليّة لأهل البيت(عليهم السلام) الرسالية لابدّ أن نجيب على الأسئلة
التالية: والجزء
الآخر لهذه النظرية الأساسية: أن المسؤولية تستبطن الحساب
والثواب والعقاب. وهما يستبطنان وجود عالم آخر وراء هذا العالم لتحقيق نتائج هذه
المراقبة المستورة. وحينئذ لا يكون الإنسان قيد هذا الشوط القصير في الدنيا، بل
يكون رهن خط طويل، وعلى مستوى أهداف كبيرة لا يستطيع هو أن يستنزفها; إذ تكون
أوسع من عمر الإنسان في هذه الدنيا. وحيث
إن طريقه محدود في نطاق المادة فسوف تكون الأهداف على مستوى الطريق المحدود...
وحينئذ سوف يخسر القيم الأخلاقية ويتولد عن ذلك ـ طبعاً ـ ألوان من الصراع
والنزاع بين البشرية. |
الأخطار التي
كان يواجهها الإسلام :
|
لم يكن الإسلام نظرية بشرية لكي
تتحدَّدْ فكرياً من خلال الممارسة والتطبيق وتتبلور مفاهيمه عبر التجربة
المخلصة، وإنما هو رسالة الله التي حُدّدت فيها الأحكام والمفاهيم وزوّدت
ربّانياً بكلّ التشريعات العامّة التي تتطلبها التجربة، فلا بدّ لزعامة هذه
التجربة من استيعاب الرسالة بحدودها وتفاصيلها ووعي كامل لأحكامها ومفاهيمها،
وإلاّ كانت مضطرة إلى استلهام مسبّقاتها الذهنية ومرتكزاتها القَبْلية وذلك
يؤدّي إلى نكسة في مسيرة التجربة وبخاصة إذا لاحظنا أن الإسلام كان هو الرسالة
الخاتمة من رسالات السماء التي يجب أن تمتد مع الزمن وتتعدى كل الحدود الوقتية
والإقليمية والقومية، الأمر الذي لا يسمح بأن تمارس زعامته ـ التي تشكل الأساس
لكلّ ذلك الإمتداد ـ تجارب الخطأ والصواب التي تتراكم فيها الأخطاء عبر فترة من
الزمن حتى تشكل ثغرة تهدد التجربة بالسقوط والانهيار(بحث حول الولاية : 57 ـ
58 .). |
مضاعفات
الانحراف في القيادة الإسلامية :
|
وهكذا واجه الإسلام بعد
النبي(صلَّى الله عليه وآله) انحرافاً خطيراً في صميم التجربة الإسلامية التي
أنشأها النبي(صلَّى الله عليه وآله) للمجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية. وهذا
الانحراف في التجربة الاجتماعية والسياسية للأمّة في الدولة الإسلامية كان بحسب
طبيعة الأشياء من المفروض أن يتسع ليتعمق بالتدريج على مرّ الزمن; إذ الانحراف
يبدأ بذرة ثمّ تنمو هذه البذرة، وكلما تحققت مرحلة من الانحراف; مهّدت هذه
المرحلة لمرحلة أوسع وأرحب. |
مضاعفات
انهيار الدولة الإسلامية:
|
ومعنى انهيار الدولة الإسلامية أن تسقط الحضارة الإسلامية وتتخلى
عن قيادة المجتمع ويتفكك المجتمع الإسلامي، ويُقصى
الإسلام عن مركزه كقائد للمجتمع وكقائد للأمة، لكن الأمة تبقى طبعاً، حين تفشل
تجربة المجتمع والدولة، لكنها سوف تنهار أمام أول
غزو يغزوها، كما انهارت أمام الغزو التتري الذي واجهته الخلافة العباسية. ويتلخص دور الأئمّة الراشدين الذين
اختارهم الله ونص عليهم الرسول(ص) لصيانة الإسلام
وتطبيقه وتربية الإنسانية على أساسه وصيانة دولة الرسول الخاتم من الانهيار
والتردّي في أمرين مهمّين وخطّين أساسيين
بعد أن كانت التجربة الإسلامية تشتمل على عناصر ثلاثة باعتبارها عملية تربية
تتكوّن من (فاعل) هو المربي ومن (تنظيم) تقدّمه الشريعة ومن (حقل لهذا التنظيم)
وهو الأمة(أهل البيت تنوّع أدوار ووحدة هدف : 122 .). |
مراحل حركة
الأئمّة الطاهرين (عليهم السلام):
|
وإذا
رجعنا إلى تاريخ أهل البيت(عليهم السلام) والظروف المحيطة بهم ولاحظنا سلوكهم
ومواقفهم العامة والخاصة استطعنا أن نصنّف ظروفهم ومواقفهم إلى مراحل وعصور
ثلاثة يتميز بعضها عن بعض بالرغم من اشتراكهم في كثير من الظروف والمواقف ولكن
الأدوار تتنوع باعتبار مجموعة الظواهر العامّة التي تشكل خطّاً فاصلاً ومميّزاً
لكل عصر. |
الفصل الثاني: ملامح عصر
الإمام زين العابدين(عليه السلام)
|
تبيّن بوضوح من خلال البحوث السابقة
أنّ الإمام زين العابدين(ع) قد عاش أقسى فترة من الفترات التي مرّت على القادة
من أئمّة أهل البيت (ع)، لأنّه عاصر قمّة الإنحراف الذي بدأ بعد وفاة الرسول
الأعظم(ص).
|
الفصل الثالث: تخطيط الإمام
زين العابدين(عليه السلام) وجهاده
|
نجد
في سيرة الأئمّة(عليهم السلام) العديد من الأدلّة التي أوضحوا من خلالها للناس
سبب الاختلاف في أساليبهم في قيادة الحركة الإسلامية من إمام لآخر. فأجابه الإمام(عليه السلام): إقرأ بعدها:
(التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ
السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ
الْمُؤْمِنِينَ)، ثمّ قال(عليه السلام): إذا
ظهر هؤلاء ـ يعني المؤمنين حسب مواصفاتهم في الآية ـ لم نؤثر على الجهاد شيئاً(من لا يحضره الفقيه : 2
/ 141، ومناقب آل أبي طالب : 4 / 173 باختلاف يسير في الألفاظ.). ولهذا النهج
مبرّراته الموضوعية، فإنّ قوى الانحراف عبر سنوات
عديدة من سيطرتها على مراكز التوجيه الفكري والاجتماعي توفّرت على صنع أجيال
ذائبة في الانحراف، الأمر الذي أصبح فيه من المتعذّر على التيار الإسلامي السليم
مواجهتها، بالنظر لضخامة تلك القوى، وتوفّر الغطاء الواقي لها من مؤسسات وقدرات;
ولتعرّض التيار الإسلامي ذاته للخسائر المتتالية. هذا الذي تعرف
البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرمُ هذا ابنُ خير عبادِ الله كُلِّهمُ = هذا النقيُّ التقيُّ الطاهرُ
العلَمُ (القصيدة طويلة وهي مذكورة في كثير من المصادر التأريخية والأدبية،
اُنظر : وفيات الأعيان لابن خلّكان: 6 / 96، الإرشاد للمفيد: 2/150 ، 151 عن
محمّد بن إسماعيل بن جعفر الصادق(ع) وراجع غيرهما من المصادر في أوائل الفصل
الأوّل من الباب الأوّل.) إنّ هذه الحادثة توضّح أنّ الإمام (عليه السلام) كان قد حظي
بولاء جماهيريٍّ حقيقيٍّ واسع النطاق، بشكل جعل
ذلك الولاء يتجسّد حيّاً حتى في أقدس ساعة، وفي موقف عباديّ مشهود، فما أن تلتقي
الجماهير الكثيفة بإمامها الحقّ; حتى توسّع له، لكي يؤدّي مناسكه دون أيّة
مضايقة عفوية منها، بالرغم من أنّ الأمة تدرك عداء الحكم الأموي لأهل البيت
(عليهم السلام) وما يترتّب على ذلك العداء من موقف تجاه أنصار أهل البيت (عليهم
السلام) وأتباعهم. وحقّق النشاط العلمي
للإمام (عليه السلام) غاياته المتوخّاة، فالمسجد
النبويّ الشريف ودار الإمام (عليه السلام) شهدا طوال خمسة
وثلاثين عاماً ـ وهي فترة إمامته ـ نشاطاً فكرياً من الطراز الأول، حيث
استقطب الإمام(عليه السلام) طلاّب المعرفة الإسلامية في جميع حقولها، لا في
المدينة المنورة ومكّة المكرمة وحدهما، وإنّما في الساحة الإسلامية بأكملها، حتى
استطاع أن يخلق نواة مدرسة فكرية لها طابعها ومعالمها المميّزة، وتخرّج منها
قادة فكر ومحدّثون وفقهاء. |
1 ـ الجهاد
الفكري والعلمي :
|
من
المعلوم أنّ الفكر السليم هو أحد مقوّمات كلّ حركة سياسية صحيحة، فتثقيف
الجماهير وتوعيتها لتكون على علم بما يجري عليها وحواليها وما يجب لها وعليها من
حقوق وواجبات هو الركيزة الأولى لِصدّ الأنظمة الحاكمة الفاسدة التي تسعى على
طول التأريخ في إبعاد الناس عن الحقّ والتعاليم الأصيلة. |
2 ـ الجهاد
الاجتماعي والعملي :
|
إنّ أهّم أهداف القادة الإلهيّين
هو إصلاح المجتمع البشريّ بتربيته على التعاليم الإلهية، ولا بدّ للمصلح أن يمرّ
بمراحل من العمل الجادّ والمضني في هذا الطريق الشائك، فعليه: كان للإمام(عليه السلام) نشاط واسع في كلّ هذه المجالات، بحيث
يعدّ ـ بحقٍّ ـ في صدر قائمة المصلحين الإلهيين بالرغم من تميّز عصره بتحكّم
طغاة بني أمية على الأمة وعلى مقدّراتها وجسم الخلافة الإسلامية التي تقتل من
يعارضها وتهدر دمه تحت عنوان الخروج على الإسلام. |
أ ـ الأخلاق والتربية (على مستوى
الأمة وأتباع أهل البيت (عليهم السلام)) : |
ضرب
الإمام زين العابدين(عليه السلام) أروع الأمثلة في تجسيد الخلق المحمدي العظيم
في التزاماته الخاصة وفي سيرته مع الناس، بل مع كلّ ما حوله من الموجودات. وأخبار عبادته وخوفه من الله جلّ
جلاله وإعلانه ذلك في كلّ مناسبة ملأت الصحف حتى خصّ بلقب (زين العابدين) و
(سيّد الساجدين). وسنتحدّث عن بعض ذلك فيما بعد بإذنه تعالى، كما أنّنا أشرنا
إلى جانب بسيط جدّاً من ذلك سابقاً. |
ب ـ الإصلاح والدولة : |
لقد
شاع عند بعض المؤرّخين أنّ الأئمّة من أبناء الحسين (ع) قد اعتزلوا بعد مذبحة
كربلاء السياسة، وانصرفوا إلى الإرشاد والعبادة والانقطاع إلى الدنيا(نشأة الشيعة والتشيّع،
للشهيد السيّد محمد باقر الصدر.). قال:
فخرج عروة، فسكن العقيق. قال عبد الله بن
الحسن: وخرجت أنا فنزلت سويقة(مختصر تأريخ دمشق : 17 /
21.). |
ج ـ مقاومة الفساد : |
وإذا
كان من أهم واجبات المصلح وخاصةً المصلح الإلهي مقاومة الفساد ومحاربة المفسدين
في الأرض; فإنّ الإمام زين العابدين(عليه السلام) قام بدور بارز في أداء هذا
الواجب. |
الفصل الرابع: ظواهر فذّة في حياة الإمام زين العابدين (عليه السلام)
|
تميّزت
حياة الإمام زين العابدين(عليه السلام) بمظاهر فذّة، وهي وإن كانت متوفرة في
حياة آبائه الطاهرين وأبنائه الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) إلاّ أنّها برزت
في سيرته(عليه السلام) بشكل أكثر وضوحاً وأوسع دوراً، ممّا دعانا إلى تسليط
الضوء عليها أشدّ من غيرها، وهي: ظاهرة العبادة في
حياة الإمام (عليه السلام): |
عبادة الإمام :
|
1 ـ وضوؤه :
|
الوضوء
هو نور وطهارة من الذنوب، والمقدمة الأولى للصلاة، وكان الإمام(عليه السلام)
دوماً على طهارة، وقد تحدّث الرواة عن خشوعه لله في وضوئه، فقالوا: إنّه إذا
أراد الوضوء اصفرّ لونه، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيجيبهم
قائلاً: (أتدرون بين يدي مَن أقوم؟!)( نهاية الإرب : 21 /
326، سير أعلام النبلاء : 4 / 238.). |
2 ـ صلاته :
|
|
3 ـ صومه : |
وقضى
الإمام معظم أيام حياته صائماً، وقد قالت جاريته حينما سئلت عن عبادته: (ما
قدّمتُ له طعاماً في نهار قطّ) وقد أحبَّ الصومَ وحثَّ عليه إذ قال (ع): (إنّ الله تعالى وكّل ملائكة بالصائمين)( دعوات الرواندي: 4.)، وكان(عليه السلام) لا يفطر إلاّ في يوم العيدين
وغيرهما ممّا كان له عذر. (الحمد لله الذي هدانا
لحمده وجعلنا من أهله ; لنكون لإحسانه من الشاكرين، وليجزينا على ذلك جزاء
المحسنين. والحمد لله الذي حبانا بدينه، واختصّنا بملّته، وسَبَّلَنا(سبّلنا: أدخلنا.) في
سُبُلِ إحسانه، لنسلكها بمنّه إلى رضوانه... والحمد لله الذي جعل من تلك السبل
شهره شهر رمضان شهر الصيام وشهر الإسلام وشهر الطهور وشهر التمحيص وشهر
القيام... اللّهم صلّ على محمد وآله، وألهمنا معرفة فضله، وإجلال حرمته،
والتحفّظ ممّا حظرت فيه، وأعِنّا على صيامه بكفّ الجوارح عن معاصيك، واستعمالها
فيه بما يرضيك، حتى لا نُصغي بأسماعنا إلى لغو، ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو، وحتى
لا نبسط أيدينا إلى محظور، ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور، وحتى لا تعي بطوننا
إلاّ ما أحلَلْت، ولا تنطق ألسنتنا إلاّ بما مثّلت، ولا نتكلّف إلاّ ما يدني من
ثوابك، ولا نتعاطى إلاّ الذي يقي من عقابك، ثم خلّص ذلك كلّه من رئاء المرائين
وسُمعة المسمعين، لا نُشرك فيه أحداً دونك، ولا نبتغي فيه مراداً سواك ...
اللهمّ اشحنه(أي : أملأه بعبادتنا إيّاك.)
بعبادتنا إيّاك، وزيّن أوقاتنا بطاعتنا لك، وأعنّا في
نهاره على صيامه، وفي ليله على الصلاة والتضرع إليك والخشوع لك والذلّة بين يديك
حتى لا يشهد نهاره علينا بغفلة ولا ليله بتفريط . اللهمّ واجعلنا في سائر الشهور
والأيام كذلك ما عمّرتنا...)( الصحيفة الكاملة السجادية : الدعاء 44.). وكان يلقّنهم بتلك الكلمات التي
تمثّل انقطاعه التامّ إلى الله تعالى واعتصامه به، وهو واقف يبكي من خشيته تعالى
ويقول: (ربِّ إنّك أمرتنا أن نعفو عمّن ظلمنا، وقد
عفونا عمّن ظلمنا كما أمرت فاعف عنّا فإنّك أولى بذلك منّا ومن المأمورين،
وأمرتنا أن لا نردّ سائلاً عن أبوابنا، وقد أتيناك سُؤّالاً ومساكين، وقد
أنَخْنا بفنائك وببابك نطلب نائلك ومعروفك وعطاءك فامنن بذلك علينا، ولا تخيّبنا
فإنّك أولى بذلك منّا ومن المأمورين، إلهي كَرُمتَ فأكرِمني، إذ كنت من سُؤّالك
وجُدْتَ بالمعروف فأخلطني بأهل نوالك يا كريم...). |
4 ـ دعاؤه :
|
أ ـ دعاؤه في
الأسحار :
|
وكان
الإمام(عليه السلام) يناجي ربّه ويدعوه بتضرّع وإخلاص في سحر كلّ ليلة من ليالي
شهر رمضان بالدعاء الجليل الذي عرف بدعاء أبي حمزة الثمالي; لأنّه هو الذي رواه
عنه، وهو من غرر أدعية أهل البيت(عليهم السلام) وهو يمثّل مدى إنابته وانقطاعه
إلى الله تعالى كما أنّ فيه من المواعظ ما يوجب صرف النفس عن غرورها وشهواتها،
كما يمتاز بجمال الأسلوب وروعة البيان وبلاغة العرض، وفيه من التذلّل والخشوع
والخضوع أمام الله تعالى ما لا يمكن صدوره إلاّ عن إمام معصوم. بك عرفتك وأنت دللتني عليك ودعوتني إليك، ولو لا أنت لم أدر ما
أنت. الحمد لله الذي أدعوه فيجيبني وإن كنتُ بطيئاً حين يدعوني، والحمد
لله الذي أسأله فيعطيني وإن كنت بخيلاً حين يستقرضني... أدعوك يا سيدي بلسان قد أخرسه ذنبه، ربّ أناجيك بقلب قد أوبقه
جرمه، أدعوك يا ربّ راهباً راغباً راجياً خائفاً، إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعتُ،
وإذا رأيت كرمك طمعت... اللهمّ إنّي كلّما قلت قد تهيّأت وتعبّأت وقمت للصلاة بين يديك
وناجيتك ألقيت عليّ نعاساً إذا أنا صلّيت وسلبتني مناجاتك إذا أنا ناجيت، ما لي
كلّما قلتُ قد صلُحت سريرتي(سريرتي: نيّتي.)
وقرب من مجالس التوابين مجلسي عرضت لي بلية أزالت
قدمي وحالت بيني وبين خدمتك. سيدي لعلّك عن بابك طردتني، وعن خدمتك نحيتني، أو
لعلّك رأيتني مستخفّاً بحقّك فأقصيتني، أو لعلّك فقدتني من مجالس العلماء
فخذلتني، أو لعلّك رأيتني في الغافلين فمن رحمتك آيستني، أو لعلّك رأيتني آلف
مجالس البطّالين فبيني وبينهم خلّيتني، أو لعلّك لم تحبّ أن تسمع دعائي
فباعدتني، أو لعلّك بجرمي وجريرتي كافيتني، أو لعلّك بقلّة حيائي منك جازيتني
... إلهي، لو قرنتني بالأصفاد ومنعتني سيبك(السَيْب: العطاء.) من بين
الأشهاد ودللت على فضايحي عيون العباد وأمرت بي إلى النار وحلت بيني وبين
الأبرار; ما قطعتُ رجائي منك، وما صرفت تأميلي للعفو عنك، ولا خرج حبّك من قلبي
... أرحم في هذه الدنيا
غربتي، وعند الموت كربتي، وفي القبر وحدتي، وفي اللحد وحشتي، وإذا نُشرتُ للحساب
بين يديك ذلّ موقفي، واغفر لي ما خفي على الآدميّين من عملي، وأدم لي ما به
سترتني، وارحمني صريعاً على الفراش، تقلّبني أيدي أحبّتي، وتفَضَّل عليّ ممدوداً
على المغتسل يقلّبُني صالح جيرتي، وتحنّنْ عليّ محمولاً قد تناول الأقرباء أطراف
جنازتي، وجُد عليّ منقولاً قد نزلتُ بك وحيداً في حفرتي، وارحم في ذلك البيت
الجديد غربتي، حتى لا أستأنس بغيرك...) ( راجع : مفاتيح الجنان (الدعاء المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي).). |
5 ـ حجّه
(عليه السلام) :
|
وكان يحثّ على الحج والعمرة بقوله: (حجّوا واعتمروا تصح أجسادكم، وتتّسع أرزاقكم، ويصلح
إيمانكم، وتكفوا مؤونة الناس ومؤونة عيالكم)( وسائل الشيعة : 8 / 5.). |
دعاؤه في يوم
عرفة :
|
وكان
الإمام(عليه السلام) في عرفات يقوم بالصلاة والدعاء وتلاوة القرآن الكريم، وكان
يدعو بدعاء جليل وهو من غرر أدعية أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)، وفيما يلي بعض
المقتطفات منه: أنت الله لا اله إلاّ أنت الأحد المتوحّد الفرد، وأنت الله لا اله
إلاّ أنت الكريم المتكرّم العظيم المتعظّم الكبير المتكبّر، وأنت الله لا اله
إلاّ أنت العليّ المتعال الشديد المحال(المحال: الأخذ.). أنت الذي قصرت الأوهام عن ذاتيتك، وعجزت الأفهام عن كيفيتك، ولم
تدرك الأبصار موضع أينيّتك، أنت الذي لا تُحدّ فتكون محدوداً، ولم تمثل فتكون
موجوداً، ولم تلد فتكون مولوداً. لك الحمد حمداً يدوم بدوامك، ولك الحمد حمداً خالداً بنعمتك، ولك
الحمد حمداً يوازي صنعك، ولك الحمد حمداً يزيد على رضاك، ولك الحمد حمداً مع حمد
كلّ حامد. ربّ صلّ على محمد وآله صلاةً زاكيةً لا تكون صلاةٌ أزكى منها، وصلّ
عليه صلاةً ناميةً لا تكون صلاةٌ أنمى منها، وصلّ عليه صلاةً راضيةً لا تكون
صلاةٌ فوقها... ربِّ صلِّ على أطائب أهل بيته الذين اخترتهم لأمرك، وجعلتهم خزنة
علمك وحفظة دينك، وخلفاءَك في أرضك، وحججك على عبادك، وطهّرتهم من الرجس والدنس
تطهيراً بإرادتك، وجعلتهم الوسيلة إليك والمسلك إلى جنّتك. اللهمّ إنّك أيّدت دينك في كلّ أوان بإمام أقمته علماً لعبادك
ومناراً في بلادك، بعد أن وَصَلْت حبله بحبلك، وجعلته الذريعة إلى رضوانك،
وافترضت طاعته، وحذّرت معصيته، وأمرت بامتثال أوامره والانتهاء عند نهيه، وألاّ
يتقدّمه متقدّم ولا يتأخّر عنه متأخّر، فهو عصمة اللائذين، وكهف المؤمنين، وعروة
المتمسّكين، وبهاءُ العالمين. وانزع من قلبي حبّ
دنيا دنية تنهى عمّا عندك، وتصدّ عن ابتغاء الوسيلة إليك، وتذهل عن التقرّب منك،
وزيّن لي التفرّد بمناجاتك بالليل والنهار، وهب لي عصمة تدنيني من خشيتك،
وتقطعني عن ركوب محارمك، وتفكّني من أسر العظائم، وهب لي التطهير من دنس
العصيان، وأذْهِب عنّي درن الخطايا، وسربلني(سربلني: قمّصني، والسربال: القميص.)
بسربال عافيتك. |
دعاؤه يوم
عيد الأضحى :
|
كان الإمام زين
العابدين(عليه السلام) يستقبل يوم عيد الأضحى بالابتهال إلى الله والتضرّع إليه،
طالباً منه أن وعباداته، وأن يمنحه المغفرة والرضوان، ومن دعائه في هذا اليوم
المبارك: |
ظاهرة الدعاء
والمناجاة في حياة الإمام (عليه السلام):
|
قال
تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا
دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً) ( الفرقان (25) : 77.
) إلهي تصاغر عند تعاظم
آلائك شكري، وتضاءل في جنب إكرامك إيّاي ثنائي ونشري(نشري: يعني هنا بسط الحديث بالمدح.). جلّلتني(جَلّلتني: غطّتني،
وغمرتني.) نعمك
من أنوار الإيمان حللاً، وضربت عليّ لطائف برّك من العزّ كللاً(كللاً: كلل جمع الكُلّة
وهي بيت أو خيمة رقيقة تُضرب للمبيت تمنع من الذباب والبَعوض وإنّما ذلك لأرباب
النعمة.)،
وقلّدتني مننك قلائد لا تحلّ، وطوّقتني أطواقاً لا تفلّ(لا تُفلّ: لا تثلم.)، فآلاؤك جمّة ضعف لساني عن إحصائها، ونعماؤك كثيرة قصر
فهمي عن إدراكها فضلاً عن استقصائها، فكيف لي بتحصيل الشكر وشكري إيّاك يفتقر
إلى شكر؟! فكلّما قلت: لك الحمد وجب عليّ لذلك أن أقول: لك الحمد...)( مناجاة الشاكرين.). |
تجلّيات
العرفان الإلهي :
|
وقال(عليه السلام): (إلهي ما ألذّ خواطر الإلهام بذكرك على القلوب، وما أحلى
المسير إليك بالأوهام في مسالك الغيوب، وما أطيب طعم حبّك، وما أعذب شرب قربك!
فأعذنا من طردك وإبعادك، واجعلنا من أخصّ عارفيك وأصلح عبادك وأصدق طائعيك وأخلص
عبّادك)(
مناجاة العارفين.). ويأخذنا
الذهول حينما نقرأ هذا النصّ السجّادي الذي أعطانا فيه صورة واضحة متميّزة عن
تضرّعه وتذلّله أمام الله سبحانه الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في
السماء. |
ظاهرة البكاء
في حياة الإمام(عليه السلام) :
|
تختلف دواعي البكاء عند الإنسان
،فقد يبكي شوقاً إلى المحبوب، وقد يبكي اعتراضاً وصرخةً في وجه النظام الغشوم،
ومن هنا يمكن تفسير وفهم ما جاء من: (أنّ البكاء
على الإمام أبي عبد الله الحسين وسيّد الشهداء (عليه السلام) من عوامل السعادة
الخالدة والزلفى إلى المهيمن سبحانه). ومنها:
الاحتفاظ بتراب قبر الحسين (عليه السلام) للسجود عليه
(بحار الأنوار : 46 / 79، باب 5، ح75.). |
ظاهرة
الإعتاق في حياة الإمام(عليه السلام):
|
العتق
ظاهرة فريدة جاءت بها الشريعة الإسلامية، وقد اعتنى بها الأئمّة الأطهار اعتناء
تاماً، إلاّ أنّ تحرير الرقيق يشكل ظاهرة بارزة في حياة الإمام زين
العابدين(عليه السلام) بالخصوص بشكل ليس له مثيل في تأريخ الإمامة، فهو أمر
يسترعي الانتباه والملاحظة الفاحصة. |
الباب
الخامس:
|
فيه فصول: |
الفصل الأول: من تراث الإمام
زين العابدين (عليه السلام)
|
لم
يذكر التأريخ أنّ الأئمّة من أهل البيت(عليه السلام) قد درسوا عند أحد أو
تتلمذوا عند شخصية علمية سوى ما ورثوه من آبائهم الكرام عن النبي(صلَّى الله
عليه وآله). |
في رحاب
القرآن الكريم :
|
القرآن الكريم هو الوحي الإلهي
الخالص والمعجزة الخالدة لنبوّة سيّد المرسلين وشريعة خاتم النبيّين والينبوع
الثرّ لكلّ علم ومعرفة، وعنه قال رسول الله(ص): (إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله
حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا
عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما) ( راجع مصادر وأسانيد
ونصوص هذا الحديث الشريف والمتواتر عند الفريقين في الأعداد 4 إلى 9 من مجلة
رسالة الثقلين، وحديث الثقلين، طبعة دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، مصر: 9
.). (اللهمّ إنّك
أعنتني على ختم كتابك الذي أنزلته نوراً، وجعلته مهيمناً على كلّ كتاب أنزلته،
وفضّلته على كلّ حديث قصصته، وفرقاناً فرّقت به بين حلالك وحرامك، وقرآناً أعربت
به عن شرائع أحكامك، وكتاباً فصّلته لعبادك تفصيلاً، ووحياً أنزلته على نبيّك
محمّد صلواتك عليه وآله تنزيلاً، وجعلته نوراً نهتدي من ظلم الضلالة والجهالة
باتّباعه، وشفاءً لمن أنصت بفهم التصديق إلى استماعه، وميزان قسط(القسط: العدل.) لا يحيف(لا يحيف: لا يميل.) عن الحقّ لسانه، ونور
هدىً لا يطفأ عن الشاهدين برهانه، وعلم نجاة لا يضلّ من أمّ قصد سنّته، ولا تنال
أيدي الهلكات من تعلّق بعروة عصمته. |
نماذج من
تفسير الإمام زين العابدين(عليه السلام) :
|
كان الإمام(عليه السلام) من ألمع
المفسّرين للقرآن الكريم، وقد استشهد علماء التفسير بالكثير من روائع تفسيره،
ويقول المؤرّخون أنّه كان صاحب مدرسة لتفسير القرآن، وقد أخذ عنه ابنه الشهيد
زيد في تفسيره للقرآن(حياة الإمام زين العابدين(عليه السلام): 2 / 32.) كما أخذ عنه ابنه الإمام أبو جعفر محمد الباقر(ع) الذي رواه عنه
زياد بن المنذر(حياة الإمام الباقر : 1 / 11، نقلاً عن الفهرست للشيخ الطوسي: 98.)الزعيم الروحي للفرقة الجارودية.
وهذه نماذج من تفسيره (ع) لكتاب الله العزيز. |
في رحاب الحديث
الشريف :
|
للحديث الشريف أهمية بالغة في
العلوم الإسلامية، فقد بُني معظم الفقه الإسلامي عليه، فإنّه يعرض بصورة موضوعية
وشاملة لتفصيل الأحكام الشرعية الواردة في القرآن الكريم، فيذكر أنواعها من
الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والإباحة، كما يذكر أجزاءها وشرائطها
وموانعها وسائر ما يعتبر فيها، ويعرض لعمومات الكتاب ومطلقاته فيخصّصها
ويقيّدها، وبالإضافة إلى ذلك يتناول آداب السلوك وقواعد الأخلاق، ويعطي البرامج
الوافية لسعادة الإنسان وبناء شخصيته. |
في رحاب
أُصول العقيدة ومباحث الكلام :
|
كان الإمام (عليه السلام) في زمانه
وحيد عصره في الإجابة على الأسئلة العقائدية المعقّدة ولا سيَّما ما تعرضت له
الأمة الإسلامية من تيارات فكرية مستوردة أو دخيلة تحاول زعزعة كيان العقيدة
الخالصة كمباحث القضاء والقدر والجبر والاختيار التي ظهرت بوادرها في حياة
الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) وأخذت بالنمو والانتشار بحيث شكّلت ظاهرة
فكرية تستدعي الانتباه وتتطلّب العلاج. |
الإمام زين
العابدين (ع ) ينصّ على الأئمّة من بعده ويبشّر بالمهدي(ع ) :
|
1 ـ روى (عليه السلام) عن جابر بن
عبد الله الأنصاري حديثاً طويلاً جاء فيه: أنّ رسول الله(صلَّى الله عليه وآله)
أشار إلى سبطه الحسين قائلاً لجابر: (ومن ذرّيّة هذا
رجل يخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت ظُلماً وجوراً...) ( معجم أحاديث الإمام المهدي (عج) : 3 / 190 .). 4 ـ وذكر(عليه السلام) أنّ سنن
الأنبياء تجري في القائم من آل محمد(صلَّى الله عليه وآله): فمن آدم ونوح طول العمر، ومن إبراهيم خفاء الولادة واعتزال
الناس، ومن موسى الخوف والغَيْبة، ومن عيسى(عليه السلام) اختلاف الناس فيه، ومن
أيّوب الفَرَج بَعد البلوى، ومن محمّد(صلَّى الله عليه وآله) الخروج بالسيف(معجم أحاديث الإمام
المهدي (عج) : 3 / 194 .). فقال: (حدّثني
أبي عن أبيه أنّ رسول الله قال: (إذا ولد ابني جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين
بن عليّ بن أبي طالب فسموه الصادق، فإنّ الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدّعي
الإمامة اجتراءً على الله وكذباً عليه، فهو عند الله (جعفر الكذّاب) المفتري على
الله، المدّعي لما ليس له بأهل، المخالف على أبيه، والحاسد لأخيه، ذلك الذي يكشف
سرّ الله عند غيبة وليّ الله). |
في رحاب
الفقه وأحكام الشريعة:
|
كانت الحلقة الدراسية التي أسّسها الإمام
زين العابدين(عليه السلام) حلقة حافلة بصنوف المعرفة الإسلامية، وكان يفيض فيها
الإمام من علومه وعلوم آبائه الطاهرين ويمرّن النابهين منهم على الفقه
والاستنباط، وقد تخرّج من هذه الحلقة الدراسية عدد كبير من فقهاء المسلمين. |
حقائق علمية
في الأدعية السجادية :
|
بالرغم من أنّ الصحيفة السجادية
وُظّفت أدعيتها لتربية الإنسان وترشيد حركته الفردية والاجتماعية ولكنّها تضمّنت
جملة من الحقائق العلمية التي تنبئ عن إحاطة الإمام بالحقائق العلمية وشموخ
مقامه العلمي ـ كما تضمّنت خطب الإمام أمير المؤمنين
(ع) ودعاء عرفة للإمام الحسين(ع ) قسماً
كبيراً من العلوم والمعارف ـ فيما يرتبط بتركيبة الإنسان الجسمية وكيفية خلقه أو
كيفية خلق أنواع الكائنات الأُخرى الأرضية والسماوية. |
أدب الإمام
زين العابدين(عليه السلام) :
|
إنّ
الإمام السجّاد توفّر على نتاج فنّيّ ضخم يجيء ـ من حيث الكمّ ـ بعد الإمام
علىّ(عليه السلام) كما يجيء ـ من حيث الكيف ـ متميّزاً بسمات خاصة، وفي مقدمة
ذلك أدب الدعاء الذي منحه السجاد(عليه السلام) خصائص فكرية وفنّيّة تفرّد بها(تأريخ الأدب العربي في
ضوء المنهج الإسلامي: 353 .). يا من يُجيبُ دعاء المضطرّ في الظُلَمِ = يا كاشفَ الضرّ والبَلوى مع السَقَمِ قال: فاقتفيته فإذا هو زين العابدين(عليه السلام). ألا يا أيّها المأمول في كلّ حاجة = شكوتُ إليك الضُرّ فاسمع
شكايتي قال:
فتأمّلته فإذا هو عليّ بن الحسين(عليهما السلام). لنحن على الحوض روّاده =
نذود ونسقي وراده احتجاجات الإمام زين العابدين(عليه السلام) : وقد
تميّز أئمّة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين بهذا الفنّ، واستطاعوا من خلال
هذا المجال إفحام خصومهم وإثبات جدارتهم العلمية بنحو لا يدع مجالاً للريب في
أنّهم مؤيّدون بتأييد ربّاني، وكما عبّر بعض أعدائهم: أنّهم أهل بيت قد زُقّوا
العِلمَ زقّاً. (يا أخا أهل البصرة، لا والله ما قتل عليّ مؤمناً، ولا قتل مسلماً،
وما أسلم القوم ولكن استسلموا وكتموا الكفر وأظهروا الإسلام، فلمّا وجدوا على
الكفر أعوانا أظهروه، وقد علمت صاحبة الجدب والمستحفظون من آل محمّد(صلَّى الله
عليه وآله) أنّ أصحاب الجمل وأصحاب صفّين وأصحاب النهروان لعنوا على لسان النبيّ
الأمي، وقد خاب من افترى). 4
ـ وروي: أنّ زين العابدين(عليه السلام) مرّ بالحسن البصري وهو يعظ الناس بمنى،
فوقف(عليه السلام) عليه ثم قال: 5
ـ وعن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت عليّ بن
الحسين(عليه السلام) يحدّث رجلاً من قريش قال: |
من غرر حكم
الإمام(عليه السلام) ومواعظه:
|
قد عرفت أنّ الإمام زين العابدين(عليه
السلام) لم يترك مدينة جدّه الرسول(صلَّى الله عليه وآله) بل بقي مرابطاً فيها
مشغولاً بتربية الأمة تربية فكرية وأخلاقية، وكان كلّ جمعة يعظهم ويحذّرهم من
الدنيا وحبائلها ومكائدها التي جعلت كثيراً من أهل عصره في أسرها، وممّا قاله في
التحذير من الدنيا والتزهيد فيها(تحف العقول لابن شعبة الحرّاني : 182 ـ 184 / ط . مؤسسة الأعلمي ـ
بيروت.): |
2 ـ الوصيّة
بالتقوى والإنابة إلى الله تعالى والتحذير من معونة الظلمة :
|
(فاتقوا الله
واستقبلوا من إصلاح أنفسكم وطاعة الله وطاعة من تولّونه فيها، لعلّ نادماً قد
ندم على ما قد فرّط بالأمس في جنب الله، وضيّع من حقّ الله، واستغفروا الله
وتوبوا إليه، فإنّه يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات، ويعلم ما تفعلون، وإيّاكم
وصحبة العاصين ومعونة الظالمين ومجاورة الفاسقين، احذروا فتنتهم، وتباعدوا من
ساحتهم). |
3 ـ موالاة
أولياء الله عَزَّ وجَلَّ :
|
(وأعلموا أنّه من خالف أولياء الله ودان بغير دين الله واستبدّ
بأمره دون أمر وليّ الله في نار تلتهب، تأكل أبداناً قد غابت عنها أرواحها،
وغلبت عليها شقوتها، فهم موتى لا يجدون حرّ النار، فاعتبروا يا اُولي الأبصار،
واحمدوا الله على ما هداكم، واعلموا أنّكم لا تخرجون من قدرة الله إلى غير
قدرته، وسيرى الله عملكم ثم تحشرون، فانتفعوا بالعظة، وتأدّبوا بآداب الصالحين). |
ومن غرر
كلماته (عليه السلام):
|
كل ما جاء تحت هذا
العنوان نقلناه عن تحف العقول 200 ـ 205 . (الخير كلّه صيانة الإنسان نفسه). (الرضى بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين). (من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا). (من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس). (لا يقلّ عمل مع تقوىً، وكيف يقلّ ما يتقبّل)؟ قيل
له : من أعظم الناس خطراً ؟ (خطراً: قدراً وشرفاً .) فقال(عليه
السلام): (من لم يرَ الدنيا خطراً لنفسه). وقال
بحضرته رجل: اللّهمّ أغنني عن خلقك، فقال(عليه السلام): (ليس هكذا، إنّما الناس بالناس، ولكن قل: اللّهمّ أغنني عن شرار خلقك). (اتّقوا الكذب، الصغير منه، والكبير، في كلّ جدّ وهزل، فإنّ الرجل
إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير). (كفى بنصر الله لك أن ترى عدوّك يعمل بمعاصي الله فيك). (طلب الحوائج إلى الناس مذلّة للحياة ومذهبة للحياء واستخفاف
بالوقار وهو الفقر الحاضر، وقلّة طلب الحوائج من الناس هو الغنى الحاضر). (إنّ أحبّكم إلى الله أحسنكم عملاً، وإنّ أعظمكم عند الله عملاً
أعظمكم فيما عند الله رغبة، وإنّ أنجاكم من عذاب الله أشدّكم خشية لله، وإنّ
أقربكم من الله أوسعكم خلقاً، وإنّ أرضاكم عند الله أسْبَغكم(أسبغكم: أوسعكم .) على
عياله، وإنّ أكرمكم على الله أتقاكم). (يابني، اُنظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق،
إيّاك ومصاحبة الكذّاب، فإنّه بمنزلة السراب يقرّب لك البعيد ويبعّد لك القريب،
وإيّاك ومصاحبة الفاسق، فإنّه بايعك بأكلة أو أقلّ من ذلك، وإيّاك ومصاحبة البخيل،
فإنّه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه، وإيّاك ومصاحبة الأحمق، فإنّه يريد أن
ينفعك فيضرّك، وإيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه، فإنّي وجدته ملعوناً في كتاب الله). (إنّ المعرفة وكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه، وقلة
مرائه، وحلمه، وصبره، وحسن خلقه). (لا حسب لقرشيّ ولا لعربيّ إلاّ بتواضع، ولا كرم إلاّ بتقوىً، ولا
عمل إلاّ بنيّة، ولا عبادة إلاّ بالتفقه، ألا وإنّ أبغض الناس إلى الله من يقتدي
بسنّة إمام ولا يقتدي بأعماله). (المؤمن من دعائه على ثلاث: إمّا أن يدّخر له، وإمّا أن يعجّل له،
وإمّا أن يدفع عنه بلاء يريد أن يصيبه). (إنّ المنافق ينهى ولا ينتهي، ويأمر ولا يأتي، إذا قام إلى الصلاة
اعترض، وإذا ركع ربض، وإذا سجد نقر، يمسي وهمّه العشاء ولم يصم، ويصبح وهمّه
النوم ولم يسهر، والمؤمن خلط عمله بحلمه، يجلس ليعلم، وينصت ليسلم، لا يحدّث
بالأمانة للأصدقاء، ولا يكتم الشهادة للبعداء، ولا يعمل شيئاً من الحقّ رياءاً
ولا يتركه حياءاً، إن زُكّي خاف ممّا يقولون، ويستغفر الله لما لا يعلمون، ولا
يضرّه جهل من جهله). (كم من مفتون بحسن القول فيه، وكم من مغرور بحسن الستر عليه؟). (ربّ مغرور مفتون يصبح لاهياً ضاحكاً، يأكل ويشرب وهو لا يدري
لعلّه قد سبقت له من الله سخطة يصلى بها نار جهنم). (إنّ من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الإقتار، والتوسّع على قدر
التوسّع، وإنصاف الناس من نفسه، وابتداؤه إيّاهم بالسلام). (ثلاث منجيات للمؤمن: كفّ لسانه عن الناس واغتيابهم، وإشغاله نفسه
بما ينفعه لآخرته ودنياه، وطول بكائه على خطيئته). (نظر المؤمن في وجه أخيه المؤمن للمودّة والمحبة له عبادة). (ثلاث من كنّ فيه من المؤمنين كان في كنف الله(في كنف الله: في حرزه
ورحمته.)، وأظلّه الله يوم القيامة في ظلّ عرشه، وآمنه من فزع اليوم
الأكبر: من أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم لنفسه، ورجل لم يُقَدِّم يداً ولا
رجلاً حتى يعلم أنّه في طاعة الله قدّمها أو في معصيته، ورجل لم يعب أخاه بعيب
حتى يترك ذلك العيب من نفسه، وكفى بالمرء شغلاً بعيبه لنفسه عن عيوب الناس). (ما من شيء أحبّ إلى الله بعد معرفته من عفّة بطن وفرج، وما
[من] شيء أحبّ إلى الله من أن يسأل). (افعل الخير إلى كلّ من طلبه منك، فإن كان أهله فقد أصبت موضعه،
وإن لم يكن بأهل كنت أنت أهله، وإن شتمك رجل عن يمينك ثم تحوّل إلى يسارك واعتذر
إليك فاقبل عذره). وكان
عليّ بن الحسين(عليهما السلام) إذا قرأ الآية: (وَإِنْ
تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)( إبراهيم (14) : 34 .) يقول: (سبحان
مَن لم يجعل في أحد من معرفة نعمه إلاّ المعرفة بالتقصير عن معرفتها، كما لم
يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم بأنّه لا يدركه، فشكر عَزَّ وجَلَّ
معرفة العارفين بالتقصير عن معرفته، وجعل معرفتهم بالتقصير شكراً، كما جعل علم
العالمين أنّهم لا يدركونه إيماناً، علماً منه أنّه قدّر وسع العباد فلا يجاوزون
ذلك). (سبحان من جعل
الاعتراف بالنعمة له حمداً، سبحان من جعل الاعتراف بالعجز عن الشكر شكراً).
|
الفصل الثاني: رسالة الحقوق
|
تكفّلت
رسالة الحقوق تنظيم أنواع العلاقات الفردية والاجتماعية للإنسان في هذه الحياة
بنحو يحقّق للفرد والمجتمع سلامة العلاقات، ويجمع لهما عوامل الاستقرار والرقيّ
والازدهار. وفيما يلي نصّ الرسالة
كما وردت في الخصال (الخصال : 564 ط. مؤسسة النشر الإسلامي .) : |
عرض إجماليّ
للحقوق :
|
(اعلم، أنّ لله عَزَّ وجَلَّ
عليك حقوقاً محيطة بك في كلّ حركة تحرّكتها، أو سكنة سكنتها، أو حال حلتها، أو
منزلة نزلتها، أو جارحة قلّبتها، أو آلة تصرّفت فيها، فأكبر حقوق الله تبارك
وتعالى عليك ما أوجب عليك لنفسه من حقّه الذي هو أصل الحقوق، ثمّ ما أوجب الله
عَزَّ وجَلَّ عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك، فجعل عَزَّ وجَلَّ
للسانك عليك حقّاً، ولسمعك عليك حقّاً، ولبصرك عليك حقاً، وليدك عليك حقّاً،
ولرجلك عليك حقّاً، ولبطنك عليك حقّاً، ولفرجك عليك حقاً، فهذه الجوارح السبع
التي بها تكون الأفعال، ثمّ جعل عَزَّ وجَلَّ لأفعالك عليك حقوقاً، فجعل لصلاتك
عليك حقّاً، ولصومك عليك حقّاً، ولصدقتك عليك حقّاً، ولهديك عليك حقّاً،
ولأفعالك عليك حقّاً. |
تفصيل الحقوق :
|
حق الله:
|
فأمّا حقّ الله الأكبر
عليك: فأن تعبده لا تشرك به شيئاً، فإذا فعلت بالإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك
أمر الدنيا والآخرة. |
حقّ النفس:
|
وحقّ نفسك عليك: أن
تستعملها بطاعة الله عَزَّ وجَلَّ. |
حقوق
الأعضاء:
|
1 ـ وحقّ
اللسان : إكرامه عن الخنى، وتعويده على الخير، وترك الفضول التي لا فائدة لها،
والبرّ بالناس، وحسن القول فيهم. |
حقوق
الأفعال:
|
1
ـ وحقّ الصلاة : أن تعلم أنّها وفادة إلى الله عَزَّ
وجَلَّ وأنت فيها قائم بين يدي الله عَزَّ وجَلَّ، فإذا علمت ذلك قمت مقام العبد
الذليل الحقير الراغب الراهب الراجي الخائف المستكين المتضرّع المعظّم لمن كان
بين يديه بالسكون والوقار، وتقبل عليها بقلبك، وتقيمها بحدودها وحقوقها. 4 ـ وحقّ
الصدقة : أن تعلم أنّها ذخرك عند ربّك عَزَّ وجَلَّ، ووديعتك التي لا تحتاج
الإشهاد عليها، فإذا علمتَ ذلك كنتَ بما تستودعه سرّاً أوثق منك بما تستودعه
علانيةً، وتعلم أنّها تدفع البلايا والأسقام عنك في الدنيا، وتدفع عنك النار في
الآخرة. |
حقوق
الأئمّة:
|
1 ـ وحقّ
السلطان : أن تعلم أنّك جعلت له فتنة، وأنّه مبتل فيك بما جعله الله عَزَّ
وجَلَّ له عليك من السلطان، وأنّ عليك أن لا تتعرّض لسخطه فتلقى بيدك إلى
التهلكة، وتكون شريكاً له فيما يأتي إليك من سوء. |
حقوق
الرعيّة:
|
1
ـ وأمّا حقّ رعيّتك بالسلطان : فأن تعلم أنّهم صاروا
رعيّتك لضعفهم وقوّتك، فيجب أن تعدل فيهم وتكون لهم كالوالد الرحيم، وتغفر لهم
جهلهم، ولا تعاجلهم بالعقوبة، وتشكر الله عَزَّ وجَلَّ على ما آتاك من القوّة
عليهم. |
حقوق الرحم:
|
1
ـ وحقّ أمك : أن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحتمل أحدٌ
أحداً، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحدٌ أحداً، ووَقَتْك بجميع جوارحها،
ولم تبالِ أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتضحى وتظلّك، وتهجر
النوم لأجلك، ووَقَتك الحرّ والبرد لتكون لها، فإنّك لا تطيق شكرها إلاّ بعون الله تعالى وتوفيقه. |
حقوق عامّة
الناس والأشياء:
|
1
ـ وأمّا حقّ ذي المعروف عليك : فأن تشكره وتذكر
معروفه وتكسبه المقالة الحسنة وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله عَزَّ
وجَلَّ، فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرّاً وعلانيةً، ثمّ إن قدرت على مكافأته
يوماً كافيته. وقد
تصدّى جملة من العلماء(منهم العلاّمة السيد حسن القبانچي فقد شرحها في جزئين كبيرين
باسم : شرح رسالة الحقوق.)
والقانونيّين لشرح هذه الرسالة الفريدة وبشتّى اللغات وعلى مختلف المستويات، وإن
شئت التفصيل والاستضاءة بأنوارها ـ أكثر ممّا مرّ ـ فراجعها . |
الفصل الثالث: في رحاب
الصحيفة السجادية
|
لقد
خطّط القرآن الكريم لثورة ثقافية عظيمة، وكانت آياته الأولى تبشّر بحركة كبرى في
عالم العلم والمعرفة، حيث ابتدأ الوحي الربّاني بالأمر بالقراءة أمراً مؤكدّاً
والإشارة بنعمة التعليم الإلهي والاهتمام بظاهرتي القلم والكتابة في التعليم
وتدوين المعرفة ونقلها وتطويرها وتطوير الإنسان من خلال تكامل المعرفة وتطوّر
العلوم. |
مميزات
الصحيفة السجّاديّة :
|
1
ـ إنّها تمثّل التجرّد التام من عالم المادّة والانقطاع
الكامل إلى الله تعالى
والاعتصام به، والذي هو
أثمن
ما
في الحياة. 7 ـ احتوت على حقائق علمية لم تكن
معروفةً في عصره . وقد أشرنا إلى بعض منها(راجع فصل: من علوم الإمام (عليه السلام)، حقائق علميّة في الأدعيّة
السجادية.). |
الدور
التأريخي للصحيفة السجادية :
|
قلنا:
إنّ المسلمين في عصر الإمام زين العابدين (ع) واجهوا (خطرين
كبيرين خارج النطاق السياسي والعسكري ، وكان لا بدّ من البدء بعمل حاسم للوقوف
في وجههما : |
من قيم خلقية
وحقوق وواجبات.
|
أقول :
قد استطاع الإمام عليّ بن الحسين بما أوتي من هذه المواهب أن ينشر من خلال
الدعاء جوّاً روحياً في المجتمع الإسلامي يساهم في تثبيت الإنسان المسلم عندما
تعصف به المغريات، وشدّه إلى ربّه حينما تجرّه الأرض إليها وتأكيد ما نشأ عليه
من قيم روحية، لكي يظلّ أميناً عليها في عصر الغنى والثروة كما كان أميناً عليها
وهو يشدّ حجر المجاعة على بطنه. |
سند الصحيفة
السجادية :
|
ينتهي سند الصحيفة إلى الإمام أبي
جعفر محمد الباقر (عليه السلام) وإلى أخيه الشهيد زيد بن عليّ بن الحسين (ع)،
وقد ذكرت سلسلة السند في مقدمة الصحيفة، وحظي هذا السند بالتواتر، وما زال
العلماء يتلقّونها موصولة الإسناد بالإسناد. |
شروح الصحيفة
السجادية :
|
عكف
العلماء على دراسة الصحيفة السجادية وشرحها وإيضاح مقاصدها، وقد اُلّفت في ذلك
مجموعة من الكتب القيّمة ذكرها شيخ المحقّقين الشيخ آغا بزرك الطهراني في
موسوعته المعروفة بـ (الذريعة إلى تصانيف الشيعة). وقد أحصى ستّة وستين شرحاً
لها. |
وصف الصحيفة
بـ (الكاملة) :
|
1
ـ ذكروا أنّ سبب تسمية هذه الصحيفة بـ (الكاملة) هو أنّ لدى الزيدية نسخة ناقصة
من هذه الصحيفة تصل إلى نصفها، ولذلك عرفت هذه الصحيفة بالكاملة(حياة الإمام زين
العابدين (عليه السلام) : 190 .). |
الصحيفة
السجادية الجامعة :
|
قال جامعها:
ويستفاد من ديباجة نسخ الصحيفة السجادية المتداولة أنّ عدد أدعيتها (75) دعاءً
إلاّ أنّ عدد الأدعية الموجودة فيها الآن برواية محمد ابن أحمد المطهّري هي (54)
دعاءً. |
الموضوعات
العامّة للصحيفة الجامعة :
|
1
ـ أدعيته (عليه السلام) في التحميد والتوحيد والتمجيد ، وفيها (8) أدعية . 20
ـ أدعيته في الرزق وقضاء الدين ، وفيها (4) أدعية . 42
ـ أدعيته في السجود ، وفيها (10) أدعية . |
الفصل الرابع: مدرسة الإمام
زين العابدين (عليه السلام)
|
إنّ حالة الجمود الفكريّ والركود
العلميّ التي أصابت الأمة الإسلامية بسبب سيطرة بني أميّة على الحكم كانت تستدعي
حركة فكرية اجتهادية تفتح الآفاق الذهنية للمسلمين كي يستطيعوا أن يحملوا مشعل
الكتاب والسنّة بروح المجتهد البصير، وهذا ما قام به الإمام زين العابدين (عليه
السلام) فانبرى إلى تأسيس مدرسة علمية وإيجاد حركة فكرية بما بدأه من حلقات
البحث والدرس في مسجد الرسول (صلَّى الله عليه وآله) وبما كان يثيره في خطبه في
صلوات الجُمَع أسبوعياً. |
الفهرس
الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام).
الفصل الأوّل:
الإمام زين العابدين(عليه السلام) في سطور. الفصل الثاني:
انطباعات عن شخصيّة الإمام زين العابدين(عليه السلام).
أقوال وآراء معاصريه فيه (عليه السلام) :
آراء العلماء والمؤرخين فيه (عليه السلام) :
الفصل الثالث: مظاهر من شخصيّة الإمام زين العابدين(عليه
السلام).
الفصل الأول: نشأة
الإمام زين العابدين(عليه السلام). الفصل الثاني:
مراحل حياة الإمام زين العابدين (عليه السلام). الفصل الثالث:
الإمام زين العابدين (عليه السلام) من الولادة إلى الإمامة.
الوضع السياسي في العراق عند موت معاوية :
النصّ على إمامة زين العابدين(عليه السلام).
الإمام زين العابدين(عليه السلام) يوم عاشوراء :
الفصل الأول:
الإمام زين العابدين (عليه السلام) من كربلاء إلى المدينة.
الإمام زين العابدين(عليه السلام) بعد ملحمة عاشوراء :
سبايا آل البيت(عليهم السلام) في دمشق :
الفصل الثاني: الإمام زين العابدين(عليه السلام) في
المدينة.
الفصل الثالث: استشهاد الإمام زين العابدين(عليه السلام).
الفصل الأوّل: نظرة عامة في مسيرة أهل البيت(عليهم
السلام) الرسالية.
الأخطار التي كان يواجهها الإسلام :
مضاعفات الانحراف في القيادة الإسلامية :
مضاعفات انهيار الدولة الإسلامية: مراحل حركة الأئمّة الطاهرين (عليهم السلام):
الفصل الثاني: ملامح عصر الإمام زين العابدين(عليه
السلام).
الفصل الثالث: تخطيط الإمام زين العابدين(عليه السلام)
وجهاده.
2 ـ الجهاد الاجتماعي والعملي : ظاهرة الدعاء والمناجاة في حياة الإمام (عليه السلام):
ظاهرة البكاء في حياة الإمام(عليه السلام) :
ظاهرة الإعتاق في حياة الإمام(عليه السلام):
الفصل الأول: من تراث الإمام زين العابدين (عليه السلام).
نماذج من تفسير الإمام زين العابدين(عليه السلام) :
في رحاب أُصول العقيدة ومباحث الكلام :
الإمام زين العابدين (ع ) ينصّ على الأئمّة من بعده
ويبشّر بالمهدي(ع ) :
حقائق علمية في الأدعية السجادية :
أدب الإمام زين العابدين(عليه السلام) :
من غرر حكم الإمام(عليه السلام) ومواعظه:
2 ـ الوصيّة بالتقوى والإنابة إلى الله تعالى والتحذير من
معونة الظلمة :
3 ـ موالاة أولياء الله عَزَّ وجَلَّ :
الفصل الثالث: في رحاب الصحيفة السجادية.
الدور التأريخي للصحيفة السجادية :
الموضوعات العامّة للصحيفة الجامعة :
الفصل الرابع: مدرسة الإمام زين العابدين (عليه السلام).
|
أعلام الهداية
|
الإمام علي بن الحسين زين العابدين
(عليه السلام)
|
أعلام
الهداية المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) |
أهل
البيت في القرآن الكريم |
أهل
البيت في السنة النبويّة |
فهرس إجمالي
|
فهرس إجمالي |
المقدمة
|
الحمد
لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، ثم الصلاة والسلام على من اختارهم هداةً
لعباده، لا سيَّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمد
(صلَّى الله عليه وآله) وعلى آله الميامين النجباء. (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) (الأنعام
(6): 71). (وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة
(2): 213). (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) (الأحزاب
(33): 4). (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
(آل
عمران (3): 101). (قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ
أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ
كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (يونس (10): 35). (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ
مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(سبأ
(34): 6). (ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من الله)
(القصص (28):50). فالله
تعالى هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان
إلى الصراط المستقيم وإلى الحقّ القويم. وهذه
الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم. ولقد
أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى
الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال، ومن هنا قال تعالى:(وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ) (الذاريات
(51): 56). وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، كانت المعرفة
والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال. وبعد
أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال;
لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة; والهوى الناشئ منهما، والملازم لهما فمن
هنا احتاج الإنسان ـ بالإضافة إلى عقله وسائر أدوات المعرفة ـ إلى ما يضمن له
سلامة البصيرة والرؤية; كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة الهداية، وتتوفّر لديه
كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو طريق الشرّ والشقاء بملء
إرادته. 2
ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى البشرية ولمن أرسلوا إليه، ويتوقّف الإبلاغ على الكفاءة
التامّة التي تتمثّل في (الاستيعاب والإحاطة اللازمة) بتفاصيل الرسالة وأهدافها
ومتطلّباتها، و (العصمة) عن الخطأ والانحراف معاً، قال تعالى:(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ
النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)
(البقرة (2): 213). وقد
سلك الأنبياء السابقون وأوصياؤهم المصطفون طريق الهداية الدامي، واقتحموا سبيل
التربية الشاقّ، وتحمّلوا في سبيل أداء المهامّ الرسالية كلّ صعب، وقدّموا في
سبيل تحقيق أهداف الرسالات الإلهية كلّ ما يمكن أن يقدّمه الإنسان المتفاني في
مبدئه وعقيدته، ولم يتراجعوا لحظة، ولم يتلكّأوا طرفة عين. ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري: أ
ـ أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين
يتربّصون بها الدوائر. ب
ـ أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة باستمرار الأجيال; على يد مربٍّ كفوء علمياً
ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في الخلق والسلوك كالرسول (صلَّى الله عليه وآله)،
يستوعب الرسالة ويجسّدها في كل حركاته وسكناته. وتبلورت
حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم على نهج الرسول العظيم وانفتاح الأمة عليهم
والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم،
فكانوا هم الأدلاّء على الله وعلى مرضاته، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين
في محبّته، والذائبين في الشوق إليه، والسابقين إلى تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ
المنشود. ولا يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا
بجميع زوايا حياتهم العطرة ويدّعوا دراستها بشكل كامل، ومن هنا فإنّ محاولتنا
هذه إنّما هي إعطاء قبسات من حياتهم، ولقطات من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها
المؤرّخون واستطعنا اكتشافها من خلال مصادر الدراسة والتحقيق، عسى الله أن ينفع
بها إنّه وليّ التوفيق. إنّ
دراستنا لحركة أهل البيت (ع) الرسالية تبدأ برسول الإسلام وخاتم الأنبياء محمد
بن عبد الله (ص) وتنتهي بخاتم الأوصياء، محمد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر
عجّل الله تعالى فرجه وأنار الأرض بعدله. ويختص هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام عليّ بن الحسين زين
العابدين (ع)، وهو المعصوم السادس من أعلام الهداية والرابع من الأئمة الاثني
عشر بعد رسول الله (ص) والذي جسّد الإسلام المحمّدي بكل أبعاده في حياته الفردية
والاجتماعية في ظروف اجتماعية وسياسية عصيبة فحقق القيّم الإسلامية المُثلى في
الفكر والعقيدة والخلق والسلوك وكان نبراساً يشعّ إيماناً وطُهراً وبهاءً
للعالَمين. للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) قم المقدسة |
الباب
الأول:
|
فيه فصول: |
الفصل الأوّل: الإمام زين العابدين (عليه السلام) في سطور
|
* هو الإمام عليّ بن
الحسين (عليه السلام) رابع أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وجدّه
الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصيّ رسول الله(صلَّى الله عليه وآله)،
وأوّل من أسلم وآمن برسالته، وكان منه بمنزلة هارون من موسى، كما صحّ في الحديث
عنه (صحيح مسلم : 7 / 121 .). |
الفصل الثاني: انطباعات عن شخصيّة الإمام زين العابدين(عليه السلام)
|
اتّفق المسلمون على تعظيم الإمام
زين العابدين(عليه السلام) وأجمعوا على الاعتراف له بالفضل، وأنّه علم شاهق في
هذه الدنيا، لا يدانيه أحد في فضائله وعلمه وتقواه، وكان من مظاهر تبجيلهم له:
أنّهم كانوا يتبركون بتقبيل يده ووضعها على عيونهم (العقد الفريد : 2 / 251.)، ولم يقتصر تعظيمه على الذين
صحبوه أو التقوا به، وإنّما شمل المؤرخين على اختلاف ميولهم واتّجاهاتهم، فقد
رسموا بإعجاب وإكبار سيرته، وأضفوا عليه جميع الألقاب الكريمة والنعوت الشريفة. |
أقوال
وآراء معاصريه فيه (عليه السلام) :
|
عبّر المعاصرون للإمام(عليه
السلام) من العلماء والفقهاء والمؤرّخين بانطباعاتهم عن شخصيّته، وكلها إكبار
وتعظيم له، سواء في ذلك من أخلص له في الودّ أو أضمر له العداوة والبغضاء، وفيما
يلي نبذة من كلماتهم: 2 ـ كان عبد الله بن عباس على تقدّمه
في السنّ يجلّ الإمام (ع) وينحني خضوعاً له وتكريماً، فإذا رآه قام تعظيماً ورفع
صوته قائلاً: مرحباً بالحبيب ابن الحبيب(تأريخ دمشق : 36 / 147، وتذكرة الخواص : 324 .). |
آراء
العلماء والمؤرخين فيه (عليه السلام) :
|
1 ـ قال اليعقوبي:
كان أفضل الناس وأشدّهم عبادة، وكان يسمّى: زين
العابدين، وكان يسمّى أيضاً: ذا الثفنات، لما كان في وجهه من أثر السجود...( تاريخ اليعقوبي : 3 /
46.
). |
الفصل الثالث: مظاهر من شخصيّة الإمام زين العابدين(عليه السلام)
|
الحلم
:
|
كان الإمام من أعظم
الناس حلماً، وأكظمهم للغيظ، فمن صور حلمه التي رواها المؤرّخون : |
السخاء : |
أجمع المؤرِّخون على أنّه كان من أسخى الناس وأنداهم كفّاً، وأبرَّهم
بالفقراء والضعفاء، وقد نقلوا نوادر كثيرة من فيض جوده، منها: فقال
أبو حمزة: جعلت فداك متى رأى يوسف الرؤيا؟ قال(عليه السلام):
في تلك الليلة التي بات فيها يعقوب وآله شباعاً وبات
السائل الفقير طاوياً جائعاً)( علل الشرائع : 1/61 ب 42 ح 1 ط بيروت.). |
صدقاته
:
|
وكان من أعظم ما يصبو إليه الإمام
زين العابدين(ع) في حياته الصدقة على الفقراء لإنعاشهم ورفع البؤس عنهم، وكان (ع
) يحثّ على الصدقة; وذلك لما يترتّب عليها من الأجر الجزيل، فقد قال: (ما من رجل تصدّق على مسكين مستضعف فدعا له المسكين بشيء في
تلك الساعة إلاّ استجيب له) ( وسائل الشيعة : 6 / 296). |
العزّة
والإباء :
|
ومن صفات الإمام
عليّ بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) العزّة والإباء،
فقد ورثها من أبيه الحسين سيّد الشهداء (عليه السلام) الذي تحدّى طغاة عصره
قائلاً: (والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا
أقرّ لكم إقرار العبيد) ( وقعة الطف: 209 .). |
الزهد
:
|
لقد
اشتهر في عصره (عليه السلام) أنّه من أزهد الناس حتى أنّ الزهري حينما سُئل عن
أزهد الناس قال: عليّ بن الحسين (بحار الأنوار : 46/62 عن علل الشرائع : 1/270 ط بيروت.). (أيّها الناس، اتّقوا
الله واعلموا أنّكم إليه تُرجعون... يابن آدم، إنّ أجلك أسرع شيء إليك، قد أقبل
نحوك حثيثاً يطلبك ويوشك أن يدركك، وكأن قد أوفيت أجلك وقبض الملك روحك وصرت إلى
قبرك وحيداً، فردّ إليك فيه روحك، واقتحم عليك فيه ملكان ناكر ونكير لمساءلتك
وشديد امتحانك... فاتّقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ الله عَزَّ وجَلَّ لم
يحبّ زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه، ولم يرغّبهم فيها وفي عاجل زهرتها
وظاهر بهجتها، وإنّما خلق الدنيا وأهلها ليبلوهم فيها أيّهم أحسن عملاً لآخرته،
وأيم الله لقد ضرب لكم فيه الأمثال، وعرّف الآيات لقوم يعقلون، ولا قوة إلاّ
بالله، فازهدوا فيما زهّدكم الله عَزَّ وجَلَّ فيه من عاجل الحياة الدنيا... ولا
تركنوا إلى زهرة الدنيا وما فيها ركونَ من اتّخذها دار قرار ومنزل استيطان،
فإنّها دار بُلغة، ومنزل قلعة، ودار عمل، فتزوّدوا الأعمال الصالحة فيها قبل
تفرّق أيّامها، وقبل الإذن من الله في خرابها... جعلنا الله وإيّاكم من الزاهدين
في عاجل زهرة الحياة الدنيا، الراغبين لآجل ثواب الآخرة، فإنّما نحن به وله...) .. (الكافي : 8 / 72 ـ 76 ، وتحف العقول: 249 ـ 252.). |
الإنابة
إلى الله تعالى :
|
إنّ اشتهار الإمام بلقب زين
العابدين وسيّد الساجدين ممّا يشير إلى وضوح عنصر الإنابة إلى الله والانقطاع
إليه في حياة الإمام وسيرته وشخصيّته. |
سيرته
في بيته :
|
كان الإمام زين العابدين (ع ) من
أرأف الناس وأبرّهم وأرحمهم بأهل بيته، وكان لا يتميّز عليهم، وقد أُثر عنه أنّه
قال: (لَئن أدخل إلى السوق ومعي دراهم ابتاع بها
لعيالي لحماً وقد قرموا(قرموا: اشتدّ شوقهم إلى اللحم.) أحبّ إليَّ من أن أعتق نسمة) ( بحار الأنوار : 46 / 67 عن الكافي : 2/12.). |
مع
أبويه :
|
وقابل
الإمام المعروف الذي أسدته إليه مربّيته بكلّ ما تمكّن عليه من أنواع الإحسان،
وقد بلغ من جميل برّه بها أنّه امتنع أن يؤاكلها فلامه الناس، وأخذوا يسألونه
بإلحاح قائلين: أنت أبرّ الناس وأوصلهم رحماً، فلماذا لا تؤاكل أمك؟ فأجابهم
جواب من لم تشهد الدنيا مثل أدبه وكماله قائلاً:
(أخشى أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فأكون عاقّاً لها) ( الكامل للمبرد : 1 / 302، وشذرات الذهب : 1 / 105، ومناقب آل أبي
طالب: 4/176 عن أمالي النيشابوري.). |
مع
أبنائه:
|
أمّا سلوك الإمام عليّ بن الحسين
زين العابدين (عليه السلام) مع أبنائه فقد تميّز بالتربية الإسلامية الرفيعة
لهم، فغرس في نفوسهم نزعاته الخيّرة واتّجاهاته الإصلاحية العظيمة، وقد صاروا
بحكم تربيته لهم من ألمع رجال الفكر والعلم والجهاد في الإسلام. |
مع
مماليكه :
|
وسار الإمام (عليه السلام ) مع
مماليكه سيرة تتّسم بالرفق والعطف والحنان، فكان يعاملهم كأبنائه، وقد وجدوا في
كنفه من الرفق ما لم يجدوا في ظلّ آبائهم، حتّى أنّه لم يعاقب أمَةً ولا عبداً
فيما إذا اقترفا ذنباً(اقبال الأعمال : 1/443 ـ 445 باسناده عن التلعكبرى عن ابن عجلان عن
الصادق(عليه السلام) وعنه في بحار الأنوار : 46 / 103 ـ 105 . و 98/186 ـ 187.). |
الباب
الثاني:
|
فيه فصول: |
الفصل الأول: نشأة الإمام زين العابدين(عليه السلام)
|
لقد
توفّرت للإمام زين العابدين (عليه السلام) جميع المكوّنات التربوية الرفيعة التي
لم يظفر بها أحد سواه، وقد عملت على تكوينه وبناء شخصيّته بصورة متميّزة، جعلته
في الرعيل الأول من أئمّة المسلمين الذين منحهم الرسول (صلى الله عليه وآله)
ثقته، وجعلهم قادة لأمته وأمناء على أداء رسالته. نشأ
الإمام في أرفع بيت وأسماه ألا وهو بيت النبوّة والإمامة الذي أذن الله أن يرفع
ويذكر فيه اسمه (إشارة
لقوله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ
أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ
وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ
اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً
تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ). (النور (24) : 36 ـ 37.)، ومنذ الأيام الأولى من حياته كان جده الإمام
أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) يتعاهده بالرعاية ويشعّ عليه من
أنوار روحه التي طبّق شذاها العالم بأسره، فكان الحفيد ـ بحقٍّ ـ صورة صادقة عن
جدّه، يحاكيه ويضاهيه في شخصيّته ومكوّناته النفسية. كما عاش الإمام
(عليه السلام) في كنف عمّه الزكي الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام) سيّد شباب
أهل الجنّة وريحانة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وسبطه الأول، إذ
كان يغدق عليه من عطفه وحنانه، ويغرس في نفسه مُثُلَه العظيمة وخصاله السامية،
وكان الإمام (عليه السلام) طوال هذه السنين تحت ظلّ والده العظيم أبي الأحرار
وسيّد الشهداء الإمام الحسين بن علىّ(عليهما السلام ) الذي رأى في ولده علي زين
العابدين (ع ) امتداداً ذاتيّاً ومشرقاً لروحانيّة النبوّة ومُثُل الإمامة،
فأولاه المزيد من رعايته وعنايته، وقدّمه على بقية أبنائه، وصاحَبَه في أكثر
أوقاته. |
أمه , كُناه ,ألقابه: |
أمه :
اسمها (شهربانو) أو (شهر بانويه) أو (شاه زنان) بنت يزدجرد آخر ملوك الفرس(رغم أنّ أغلب المؤرخين
متفقون على أنّ أم الإمام السجاد (عليه السلام) هي ابنة الملك يزدجرد إلاّ أن
هناك من يعتبر ذلك مجرد أسطورة، راجع زندگانى علي بن الحسين (عليه السلام) للسيد
جعفر الشهيدي. والإسلام وإيران للشهيد مطهري: 100 ـ 109 وحول السيدة شهر بانو
للشيخ اليوسفي الغروي في مجلة رسالة الحسين(عليه السلام): 24/14 ـ 39 ، والثابت
أن أم الإمام السجاد(عليه السلام) سبيّة من سبايا الفرس، ولا يثبت أكثر من هذا.)، وذكر البعض
أنّ اُمه قد أجابت نداء ربّها أيّام نفاسها فلم تلد سواه(سيرة رسول الله (صلى
الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) : 2 / 189، المجمع العالمي لأهل البيت
(عليهم السلام) الطبعة الأولى 1414 هـ .). كُناه : |
الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام زين العابدين (عليه السلام)
|
تنقسم حياة الإمام زين العابدين(ع) ـ كما تنقسم حياة سائر
الأئمة(عليهم السلام) ـ إلى مرحلتين متميّزتين: مراحل حياة الإمام زين العابدين
(عليه السلام)) بعدها لتحمّل أعباء الإمامة والقيادة بعد استشهاد أبيه والصفوة
من أهل بيته وأصحابه في ملحمة عاشوراء الخالدة التي مهّد لها معاوية بن أبي
سفيان وتحمّل وزرها ابنه يزيد المعلن بفسقه والمستأثر بحكم الله في أرض الإسلام
المباركة. |
الفصل الثالث: الإمام زين العابدين (عليه السلام) من الولادة إلى الإمامة
|
وتتضمّن استعراض عصر الإمام(عليه السلام) وحياته قبل كربلاء، أي
من الولادة حتى استشهاد أبيه(عليه السلام) من سنة (38 أو 36 هـ) إلى سنة (61 هـ)
. |
الوضع
السياسي في العراق عند موت معاوية :
|
وعندما مات معاوية اعتبر الفريقان المتنفّذان في العراق أنّ
الفرصة باتت مؤاتية : وقد تباحث يزيد في هذا
الأمر مع مستشاره الرومي السيرجون، الذي أشار
عليه بتعيين عبيد الله بن زياد حاكماً على الكوفة، وبوصول
ابن زياد إلى الكوفة تخلّى أهلها عن مسلم، وأتاحوا لابن زياد قتله مع مضيّفه
هانئ بن عروة، ومن جهة أُخرى كان الإمام الحسين وأهل بيته (ع) وعدد من أنصاره في
الطريق إلى العراق، والإمام زين العابدين (عليه السلام) يرافق والده في كل هذه
الظروف العصيبة حتى وصلوا العراق(اقرأ أخبار هذه الأحداث مسندة موثقة في : وقعة الطف لأبي مخنف: 70 ـ
141، تحقيق محمد هادي اليوسفي الغروي.). |
النصّ
على إمامة زين العابدين(عليه السلام)
|
لقد
نصّ رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) على إمامة اثني عشر إماماً من أهل بيته
الأطهار، وعيّنَهم بذكر أسمائهم وأوصافهم، كما هو المعروف من حديث الصحابي جابر
بن عبد الله الأنصاري وغيره عند العامّة والخاصّة(راجع : منتخب الأثر: 97،
الباب الثامن، والإرشاد وإعلام الورى بأعلام الهدى: 2/181، 182، النصوص على
الأئمة الاثنا عشر، قادتنا: 5/14، وإثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: 2/285،
النصوص العامة على الأئمة، وإحقاق الحقّ وملحقاته ج1 ـ 25.). |
الإمام
زين العابدين(عليه السلام) يوم عاشوراء :
|
إنّ أشدّ ما كان يحزّ في نفوس أهل
بيت الرسالة ومحبّيهم ما رواه حميد بن مسلم، وهو شاهد عيان بعد ظهر اليوم العاشر
من المحرّم إثر استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) إذ قال: لقد كنت أرى المرأة
من نسائه وبناته وأهله تنازع ثوبها من ظهرها حتى تغلب عليه فيُذهب به منها. |
الباب
الثالث:
|
فيه فصول: |
الفصل الأول: الإمام زين العابدين (عليه السلام) من كربلاء إلى المدينة
|
الإمام
زين العابدين(عليه السلام) بعد ملحمة عاشوراء :
|
ذكر
المؤرّخون عن شاهد عيان أنّه قال: قدمت الكوفة في المحرّم من سنة إحدى وستّين،
منصرف عليّ بن الحسين (ع) بالنسوة من كربلاء ومعه الأجناد يحيطون بهم، وقد خرج
الناس للنظر اليهم، فلمّا اُقبل بهم على الجمال بغير وطاء جعل نساء الكوفة
يبكين، ويلتدِمنَ(التدمت المرأة: ضربت صدرها في
النياحة، وقيل : ضربت وجهها في المآتم.)، فسمعت عليّ بن الحسين وهو يقول
بصوت ضئيل وقد نهكته العلّة وفي عنقه الجامعة ويده مغلولة إلى عنقه: (إنّ هؤلاء النسوة يبكين فمن قتلنا؟!)( الأمالي للطوسي: 91.). ثمّ إنّ ابن زياد نصب الرؤوس كلّها بالكوفة على الخشب، كما أنّه
كان قد نصب رأس مسلم بن عقيل من قبل بالكوفة. وكتب
ابن زياد إلى يزيد يخبره بقتل الحسين(عليه السلام) وخبر أهل بيته(الكامل في التاريخ
للجزري : 4/83، وإنّ أوّل رأس حمل في الإسلام هو رأس عمر بن الحِمق الخزاعي إلى
معاوية.).
كما بعث إلى عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة ـ وهو من بني أمية ـ يخبره بقتل
الحسين(عليه السلام). ولمّا وصل كتاب ابن
زياد إلى الشام أمره يزيد بحمل رأس الحسين(ع) ورؤوس من قتل معه إليه، فأمر ابن
زياد بنساء الحسين (ع) وصبيانه فجُهِّزوا، وأمر
بعليّ بن الحسين(ع) فغُلّ بغِلٍّ إلى عنقه،
ثمّ سرّح بهم في أثر الرؤوس مع مجفر بن ثعلبة العائذي وشمر بن ذي الجوشن، وحملهم
على الأقتاب، وساروا بهم كما يسار بسبايا الكفار، فانطلقوا بهم حتى لحقوا بالقوم
الذين معهم الرؤوس، فلم يكلّم عليّ بن الحسين(ع)
أحداً منهم في الطريق بكلمة حتى بلغوا الشام(عن طبقات ابن سعد في ذيل تاريخ دمشق ترجمة الإمام الحسين(عليه
السلام) : 131، وأنساب الأشراف: 214، والطبري : 5/460 و 463 ، والإرشاد : 2/119
واللفظ للأخير.). |
سبايا
آل البيت (عليهم السلام ) في دمشق :
|
خضعت
الشام منذ فتحها بأيدي المسلمين لحكّام مثل خالد بن الوليد ومعاوية بن أبي
سفيان، فلم يشاهد الشاميون النبي(صلَّى الله عليه وآله) ولم يسمعوا حديثه الشريف
منه مباشرةً، ولم يطّلعوا على سيرة أصحابه عن كثب ، أمّا النفر القليل من صحابة
رسول الله(ص) الذين انتقلوا إلى الشام وأقاموا فيها فلم يكن لهم أثر في الناس،
فكانت النتيجة أنّ أهل الشام اعتبروا سلوك معاوية بن أبي سفيان وأصحابه سنّة
للمسلمين، ولمّا كانت الشام خاضعة للإمبراطورية الرومية قروناً طويلة، فقد كانت
حكومات العصر الإسلاميّ أفضل من سابقاتها بالنسبة للشاميّين. قال: نعم. |
الإمام(عليه السلام) في مجلس يزيد: |
أُدخل
رأس الحسين(عليه السلام) ونساؤه ومن تخلّف من أهله على يزيد وهم مقرّنون في
الحبال وزين العابدين(ع) مغلول، فلمّا وقفوا بين يديه على تلك الحال تمثّل يزيد
بشعر حصين بن حمام المرّي قائلاً: نفلِّقُ هاماً من رجال أعزّة = علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما (الإرشاد: 2/119 و 120،
ووقعة الطف لأبي مخنف : 168 و 271، والعقد الفريد : 5 / 124.) فردّ
عليه الإمام عليّ بن الحسين(عليه السلام) بقوله تعالى: (مَا
أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي
كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ *
لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ
وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) ( الحديد (57) : 22 ـ 23.). وبعد
هذه المقدّمة التعريفية لأسرته أخذ(عليه السلام) في بيان فضائلهم، قائلاً: (فمن عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي. أنا ابن
مكّة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الزكاة بأطراف الرداء، أنا ابن
خير من ائتزر وارتدى، أنا ابن خير من انتعل واحتفى، أنا ابن خير من طاف وسعى،
أنا ابن خير من حجّ ولبّى، أنا ابن من حُمل على البراق في الهواء، أنا ابن من
اُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فسبحان من أسرى، أنا ابن من بلغ
به جبرئيل إلى سدرة المنتهى، أنا ابن من دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى، أنا
ابن من صلّى بملائكة السماء، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن
محمّد المصطفى، أنا ابن علىّ المرتضى، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا:
لا إله إلاّ الله. أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله(صلَّى الله عليه وآله)
بسيفين، وطعن برمحين، وهاجر الهجرتين، وبايع البيعتين، وقاتل ببدر وحُنين، ولم
يكفر بالله طرفة عين. أنا ابن صالح المؤمنين، ووارث النبيّين، وقاطع الملحدين، ويعسوب
المسلمين، ونور المجاهدين، وزين العابدين، وتاج البكّائين، وأصبر الصابرين،
وأفضل القائمين من آل ياسين ورسول ربّ العالمين. أنا ابن المؤيّد بجبرئيل، المنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن
حرم المسلمين وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، والمجاهد أعداءه الناصبين،
وأفخر من مشى من قريش أجمعين، وأوّل من أجاب واستجاب لله من المؤمنين، وأقدم
السابقين، وقاصم المعتدين، ومبير المشركين، وسهم من مرامي الله، وبستان حكمة
الله، ... ذاك جدّي عليّ بن أبي طالب. أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيّدة النساء، أنا ابن الطهر
البتول، أنا ابن بضعة الرسول(صلَّى الله عليه وآله)، أنا ابن المرمّل بالدماء،
أنا ابن ذبيح كربلاء، أنا ابن من بكى عليه الجنّ في الظلماء، وناحت عليه الطير
في الهواء). |
الفصل الثاني: الإمام زين العابدين(عليه السلام) في المدينة
|
بدأت
ردود الفعل على مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) بالظهور مع دخول سبايا أهل
البيت(عليهم السلام) إلى الكوفة. فبالرغم من القمع والإرهاب اللذين مارسهما ابن
زياد مع كلّ من كان يبدي أدنى معارضة ليزيد، فإنّ أصواتاً بدأت ترتفع محتجّةً
على الظلم السائد. |
ثورة
أهل المدينة :
|
إنّ
نقد الوفد المدني ليزيد لم يكن هو الدليل الوحيد عند أهل المدينة على انحراف
يزيد وتنكّره للإسلام وجوره وطغيانه، بل إنّهم كانوا قد لمسوا جور يزيد وعمّاله
على البلدان الإسلامية وفسقهم وشدّة بطشهم واستهتارهم بالحرمات الإلهية التي لا
مجال لتأويلها، إذ كيف يمكن تأويل ما ارتكبه من القتل الفظيع في حقّ الحسين بن
علي بن أبي طالب(عليه السلام) ريحانة الرسول وسيّد شباب أهل الجنة وما اقترفه من
السبي لأهله وحُرَمه؟ وكيف يمكن تأويل ما أظهره من شربه للخمور التي حرّمها الله
بالنصّ الصريح؟! ولعلّه
قد سمع هذا الحديث، لكنّه لمّا وجد من يعتبر نفسه خليفة للنبي(صلَّى الله عليه
وآله) قد تجرّأ على قتل ابن بنت النبي(ص وسبي
بناته من مدينة إلى أُخرى، دون أن يعترض عليه أحد، فمِمّ يخشى هو إن اعتدى على
مدينة النبي(ص)؟! وبعد أن قمع بوحشيّة ثورة أهل
المدينة وأجهض انتفاضتهم; توجّه مسلم إلى مكة التي
أعلن فيها عبد الله بن الزبير ثورته على الحكم الأموي، لكنّه لقي حتفه في
الطريق، فتسلّم الحصين بن نمير قيادة الجيش
الأموي بناءً على أوامر يزيد، وعندما وصل أطراف مكة فرض حصاراً عليها
وضرب الكعبة بالمنجنيق وأحرقها(تأريخ الطبري : 5 / 498 وعنه في الكامل في التأريخ : 4 / 24 عن
الكلبي عن عوانة بن الحكم، ثم روى أخباراً عن ابن عمر تحاول نسبة الحرق إلى
أصحاب ابن الزبير خطأً، في محاولة لتبرير يزيد الشّرير.). |
انشقاق البيت
الأموي :
|
مات يزيد في ربيع
الأول من سنة (64 هـ) وهو في سنّ الثامنة والثلاثين من عمره في حُوّارين،
وكانت صحيفة أعماله في مدّة حكمه ـ الذي استمر ثلاث
سنوات وبضعة أشهر ـ مُسودّة بقتل ابن بنت النبيّ وأسر أهل بيت الوحي
وحرائر الرسالة إلى جانب القتل الجماعي لأهل المدينة وهدم الكعبة المشرّفة. |
تزايد
المعارضة للحكم الأموي :
|
صعّد عبد الله بن الزبير
معارضته للشام التي بدأها بعد موت معاوية، حيث
كان قد دعا الحجازييّن لمبايعته كخليفة للمسلمين، فاستجابت له الأكثرية الساحقة
منهم، وشهد العراق من جديد تحرّكات ضد الحكم الأموي. |
سنوات المحن
والاضطرابات :
|
كانت الفترة
الممتدّة بين عامي (66 و 75 هـ) بالنسبة للشام والحجاز والعراق فترة محن
واضطرابات، فلم يتحقّق في هذه المناطق الهدوء
والأمن. وشهد الحجاز هجوم قوات عبد الملك على مكة ومقتل عبد الله بن الزبير،
إلاّ أنّ نصيب العراق من الاضطرابات كان أكبر من المنطقتين السابقتين. ويمكن
القول بجرأة أنّ ما لحق بأهل العراق كان هو النتيجة الطبيعية لدعاء سبط الرسول الأعظم عليهم، إذ رفع الإمام الحسين(ع) يده بالدّعاء في كربلاء وقال : (اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسنيّ يوسف
وسلّط عليهم غلام ثقيف فيسومهم كأساً مصبَّرة فإنّهم كذّبونا وخذلونا ...)( تاريخ الطبري : 5/451
وعنه في وقعة الطف: 254 وقريباً منه في الإرشاد : 2/110، 111. وليس فيه: سنين
كسنيّ يوسف ، ولا غلام ثقيف .). |
الفصل الثالث: استشهاد الإمام
زين العابدين(عليه السلام)
|
وتقلّد الوليد أزمّة الملك بعد
أبيه عبد الملك بن مروان، وقد وصفه المسعودي
بأنّه كان جبّاراً عنيداً ظلوماً غشوماً(مروج الذهب : 3 / 96.)، حتّى طعن
عمر بن عبد العزيز الأموي في حكومته، فقال فيه: إنّه ممن امتلأت الأرض به جوراً(تأريخ الخلفاء : 223.). |
الباب
الرابع:
|
فيه فصول: |
الفصل الأوّل: نظرة عامة في
مسيرة أهل البيت(عليهم السلام) الرسالية
|
للوصول إلى التصور الصحيح عن
المسيرة الرساليّة لأهل البيت(عليهم السلام) الرسالية لابدّ أن نجيب على الأسئلة
التالية: والجزء
الآخر لهذه النظرية الأساسية: أن المسؤولية تستبطن الحساب
والثواب والعقاب. وهما يستبطنان وجود عالم آخر وراء هذا العالم لتحقيق نتائج هذه
المراقبة المستورة. وحينئذ لا يكون الإنسان قيد هذا الشوط القصير في الدنيا، بل
يكون رهن خط طويل، وعلى مستوى أهداف كبيرة لا يستطيع هو أن يستنزفها; إذ تكون
أوسع من عمر الإنسان في هذه الدنيا. وحيث
إن طريقه محدود في نطاق المادة فسوف تكون الأهداف على مستوى الطريق المحدود...
وحينئذ سوف يخسر القيم الأخلاقية ويتولد عن ذلك ـ طبعاً ـ ألوان من الصراع
والنزاع بين البشرية. |
الأخطار التي
كان يواجهها الإسلام :
|
لم يكن الإسلام نظرية بشرية لكي
تتحدَّدْ فكرياً من خلال الممارسة والتطبيق وتتبلور مفاهيمه عبر التجربة
المخلصة، وإنما هو رسالة الله التي حُدّدت فيها الأحكام والمفاهيم وزوّدت
ربّانياً بكلّ التشريعات العامّة التي تتطلبها التجربة، فلا بدّ لزعامة هذه
التجربة من استيعاب الرسالة بحدودها وتفاصيلها ووعي كامل لأحكامها ومفاهيمها،
وإلاّ كانت مضطرة إلى استلهام مسبّقاتها الذهنية ومرتكزاتها القَبْلية وذلك
يؤدّي إلى نكسة في مسيرة التجربة وبخاصة إذا لاحظنا أن الإسلام كان هو الرسالة
الخاتمة من رسالات السماء التي يجب أن تمتد مع الزمن وتتعدى كل الحدود الوقتية
والإقليمية والقومية، الأمر الذي لا يسمح بأن تمارس زعامته ـ التي تشكل الأساس
لكلّ ذلك الإمتداد ـ تجارب الخطأ والصواب التي تتراكم فيها الأخطاء عبر فترة من
الزمن حتى تشكل ثغرة تهدد التجربة بالسقوط والانهيار(بحث حول الولاية : 57 ـ
58 .). |
مضاعفات
الانحراف في القيادة الإسلامية :
|
وهكذا واجه الإسلام بعد
النبي(صلَّى الله عليه وآله) انحرافاً خطيراً في صميم التجربة الإسلامية التي
أنشأها النبي(صلَّى الله عليه وآله) للمجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية. وهذا
الانحراف في التجربة الاجتماعية والسياسية للأمّة في الدولة الإسلامية كان بحسب
طبيعة الأشياء من المفروض أن يتسع ليتعمق بالتدريج على مرّ الزمن; إذ الانحراف
يبدأ بذرة ثمّ تنمو هذه البذرة، وكلما تحققت مرحلة من الانحراف; مهّدت هذه
المرحلة لمرحلة أوسع وأرحب. |
مضاعفات
انهيار الدولة الإسلامية:
|
ومعنى انهيار الدولة الإسلامية أن تسقط الحضارة الإسلامية وتتخلى
عن قيادة المجتمع ويتفكك المجتمع الإسلامي، ويُقصى
الإسلام عن مركزه كقائد للمجتمع وكقائد للأمة، لكن الأمة تبقى طبعاً، حين تفشل
تجربة المجتمع والدولة، لكنها سوف تنهار أمام أول
غزو يغزوها، كما انهارت أمام الغزو التتري الذي واجهته الخلافة العباسية. ويتلخص دور الأئمّة الراشدين الذين
اختارهم الله ونص عليهم الرسول(ص) لصيانة الإسلام
وتطبيقه وتربية الإنسانية على أساسه وصيانة دولة الرسول الخاتم من الانهيار
والتردّي في أمرين مهمّين وخطّين أساسيين
بعد أن كانت التجربة الإسلامية تشتمل على عناصر ثلاثة باعتبارها عملية تربية
تتكوّن من (فاعل) هو المربي ومن (تنظيم) تقدّمه الشريعة ومن (حقل لهذا التنظيم)
وهو الأمة(أهل البيت تنوّع أدوار ووحدة هدف : 122 .). |
مراحل حركة
الأئمّة الطاهرين (عليهم السلام):
|
وإذا
رجعنا إلى تاريخ أهل البيت(عليهم السلام) والظروف المحيطة بهم ولاحظنا سلوكهم
ومواقفهم العامة والخاصة استطعنا أن نصنّف ظروفهم ومواقفهم إلى مراحل وعصور
ثلاثة يتميز بعضها عن بعض بالرغم من اشتراكهم في كثير من الظروف والمواقف ولكن
الأدوار تتنوع باعتبار مجموعة الظواهر العامّة التي تشكل خطّاً فاصلاً ومميّزاً
لكل عصر. |
الفصل الثاني: ملامح عصر
الإمام زين العابدين(عليه السلام)
|
تبيّن بوضوح من خلال البحوث السابقة
أنّ الإمام زين العابدين(ع) قد عاش أقسى فترة من الفترات التي مرّت على القادة
من أئمّة أهل البيت (ع)، لأنّه عاصر قمّة الإنحراف الذي بدأ بعد وفاة الرسول
الأعظم(ص).
|
الفصل الثالث: تخطيط الإمام
زين العابدين(عليه السلام) وجهاده
|
نجد
في سيرة الأئمّة(عليهم السلام) العديد من الأدلّة التي أوضحوا من خلالها للناس
سبب الاختلاف في أساليبهم في قيادة الحركة الإسلامية من إمام لآخر. فأجابه الإمام(عليه السلام): إقرأ بعدها:
(التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ
السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ
الْمُؤْمِنِينَ)، ثمّ قال(عليه السلام): إذا
ظهر هؤلاء ـ يعني المؤمنين حسب مواصفاتهم في الآية ـ لم نؤثر على الجهاد شيئاً(من لا يحضره الفقيه : 2
/ 141، ومناقب آل أبي طالب : 4 / 173 باختلاف يسير في الألفاظ.). ولهذا النهج
مبرّراته الموضوعية، فإنّ قوى الانحراف عبر سنوات
عديدة من سيطرتها على مراكز التوجيه الفكري والاجتماعي توفّرت على صنع أجيال
ذائبة في الانحراف، الأمر الذي أصبح فيه من المتعذّر على التيار الإسلامي السليم
مواجهتها، بالنظر لضخامة تلك القوى، وتوفّر الغطاء الواقي لها من مؤسسات وقدرات;
ولتعرّض التيار الإسلامي ذاته للخسائر المتتالية. هذا الذي تعرف
البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرمُ هذا ابنُ خير عبادِ الله كُلِّهمُ = هذا النقيُّ التقيُّ الطاهرُ
العلَمُ (القصيدة طويلة وهي مذكورة في كثير من المصادر التأريخية والأدبية،
اُنظر : وفيات الأعيان لابن خلّكان: 6 / 96، الإرشاد للمفيد: 2/150 ، 151 عن
محمّد بن إسماعيل بن جعفر الصادق(ع) وراجع غيرهما من المصادر في أوائل الفصل
الأوّل من الباب الأوّل.) إنّ هذه الحادثة توضّح أنّ الإمام (عليه السلام) كان قد حظي
بولاء جماهيريٍّ حقيقيٍّ واسع النطاق، بشكل جعل
ذلك الولاء يتجسّد حيّاً حتى في أقدس ساعة، وفي موقف عباديّ مشهود، فما أن تلتقي
الجماهير الكثيفة بإمامها الحقّ; حتى توسّع له، لكي يؤدّي مناسكه دون أيّة
مضايقة عفوية منها، بالرغم من أنّ الأمة تدرك عداء الحكم الأموي لأهل البيت
(عليهم السلام) وما يترتّب على ذلك العداء من موقف تجاه أنصار أهل البيت (عليهم
السلام) وأتباعهم. وحقّق النشاط العلمي
للإمام (عليه السلام) غاياته المتوخّاة، فالمسجد
النبويّ الشريف ودار الإمام (عليه السلام) شهدا طوال خمسة
وثلاثين عاماً ـ وهي فترة إمامته ـ نشاطاً فكرياً من الطراز الأول، حيث
استقطب الإمام(عليه السلام) طلاّب المعرفة الإسلامية في جميع حقولها، لا في
المدينة المنورة ومكّة المكرمة وحدهما، وإنّما في الساحة الإسلامية بأكملها، حتى
استطاع أن يخلق نواة مدرسة فكرية لها طابعها ومعالمها المميّزة، وتخرّج منها
قادة فكر ومحدّثون وفقهاء. |
1 ـ الجهاد
الفكري والعلمي :
|
من
المعلوم أنّ الفكر السليم هو أحد مقوّمات كلّ حركة سياسية صحيحة، فتثقيف
الجماهير وتوعيتها لتكون على علم بما يجري عليها وحواليها وما يجب لها وعليها من
حقوق وواجبات هو الركيزة الأولى لِصدّ الأنظمة الحاكمة الفاسدة التي تسعى على
طول التأريخ في إبعاد الناس عن الحقّ والتعاليم الأصيلة. |
2 ـ الجهاد
الاجتماعي والعملي :
|
إنّ أهّم أهداف القادة الإلهيّين
هو إصلاح المجتمع البشريّ بتربيته على التعاليم الإلهية، ولا بدّ للمصلح أن يمرّ
بمراحل من العمل الجادّ والمضني في هذا الطريق الشائك، فعليه: كان للإمام(عليه السلام) نشاط واسع في كلّ هذه المجالات، بحيث
يعدّ ـ بحقٍّ ـ في صدر قائمة المصلحين الإلهيين بالرغم من تميّز عصره بتحكّم
طغاة بني أمية على الأمة وعلى مقدّراتها وجسم الخلافة الإسلامية التي تقتل من
يعارضها وتهدر دمه تحت عنوان الخروج على الإسلام. |
أ ـ الأخلاق والتربية (على مستوى
الأمة وأتباع أهل البيت (عليهم السلام)) : |
ضرب
الإمام زين العابدين(عليه السلام) أروع الأمثلة في تجسيد الخلق المحمدي العظيم
في التزاماته الخاصة وفي سيرته مع الناس، بل مع كلّ ما حوله من الموجودات. وأخبار عبادته وخوفه من الله جلّ
جلاله وإعلانه ذلك في كلّ مناسبة ملأت الصحف حتى خصّ بلقب (زين العابدين) و
(سيّد الساجدين). وسنتحدّث عن بعض ذلك فيما بعد بإذنه تعالى، كما أنّنا أشرنا
إلى جانب بسيط جدّاً من ذلك سابقاً. |
ب ـ الإصلاح والدولة : |
لقد
شاع عند بعض المؤرّخين أنّ الأئمّة من أبناء الحسين (ع) قد اعتزلوا بعد مذبحة
كربلاء السياسة، وانصرفوا إلى الإرشاد والعبادة والانقطاع إلى الدنيا(نشأة الشيعة والتشيّع،
للشهيد السيّد محمد باقر الصدر.). قال:
فخرج عروة، فسكن العقيق. قال عبد الله بن
الحسن: وخرجت أنا فنزلت سويقة(مختصر تأريخ دمشق : 17 /
21.). |
ج ـ مقاومة الفساد : |
وإذا
كان من أهم واجبات المصلح وخاصةً المصلح الإلهي مقاومة الفساد ومحاربة المفسدين
في الأرض; فإنّ الإمام زين العابدين(عليه السلام) قام بدور بارز في أداء هذا
الواجب. |
الفصل الرابع: ظواهر فذّة في حياة الإمام زين العابدين (عليه السلام)
|
تميّزت
حياة الإمام زين العابدين(عليه السلام) بمظاهر فذّة، وهي وإن كانت متوفرة في
حياة آبائه الطاهرين وأبنائه الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) إلاّ أنّها برزت
في سيرته(عليه السلام) بشكل أكثر وضوحاً وأوسع دوراً، ممّا دعانا إلى تسليط
الضوء عليها أشدّ من غيرها، وهي: ظاهرة العبادة في
حياة الإمام (عليه السلام): |
عبادة الإمام :
|
1 ـ وضوؤه :
|
الوضوء
هو نور وطهارة من الذنوب، والمقدمة الأولى للصلاة، وكان الإمام(عليه السلام)
دوماً على طهارة، وقد تحدّث الرواة عن خشوعه لله في وضوئه، فقالوا: إنّه إذا
أراد الوضوء اصفرّ لونه، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيجيبهم
قائلاً: (أتدرون بين يدي مَن أقوم؟!)( نهاية الإرب : 21 /
326، سير أعلام النبلاء : 4 / 238.). |
2 ـ صلاته :
|
|
3 ـ صومه : |
وقضى
الإمام معظم أيام حياته صائماً، وقد قالت جاريته حينما سئلت عن عبادته: (ما
قدّمتُ له طعاماً في نهار قطّ) وقد أحبَّ الصومَ وحثَّ عليه إذ قال (ع): (إنّ الله تعالى وكّل ملائكة بالصائمين)( دعوات الرواندي: 4.)، وكان(عليه السلام) لا يفطر إلاّ في يوم العيدين
وغيرهما ممّا كان له عذر. (الحمد لله الذي هدانا
لحمده وجعلنا من أهله ; لنكون لإحسانه من الشاكرين، وليجزينا على ذلك جزاء
المحسنين. والحمد لله الذي حبانا بدينه، واختصّنا بملّته، وسَبَّلَنا(سبّلنا: أدخلنا.) في
سُبُلِ إحسانه، لنسلكها بمنّه إلى رضوانه... والحمد لله الذي جعل من تلك السبل
شهره شهر رمضان شهر الصيام وشهر الإسلام وشهر الطهور وشهر التمحيص وشهر
القيام... اللّهم صلّ على محمد وآله، وألهمنا معرفة فضله، وإجلال حرمته،
والتحفّظ ممّا حظرت فيه، وأعِنّا على صيامه بكفّ الجوارح عن معاصيك، واستعمالها
فيه بما يرضيك، حتى لا نُصغي بأسماعنا إلى لغو، ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو، وحتى
لا نبسط أيدينا إلى محظور، ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور، وحتى لا تعي بطوننا
إلاّ ما أحلَلْت، ولا تنطق ألسنتنا إلاّ بما مثّلت، ولا نتكلّف إلاّ ما يدني من
ثوابك، ولا نتعاطى إلاّ الذي يقي من عقابك، ثم خلّص ذلك كلّه من رئاء المرائين
وسُمعة المسمعين، لا نُشرك فيه أحداً دونك، ولا نبتغي فيه مراداً سواك ...
اللهمّ اشحنه(أي : أملأه بعبادتنا إيّاك.)
بعبادتنا إيّاك، وزيّن أوقاتنا بطاعتنا لك، وأعنّا في
نهاره على صيامه، وفي ليله على الصلاة والتضرع إليك والخشوع لك والذلّة بين يديك
حتى لا يشهد نهاره علينا بغفلة ولا ليله بتفريط . اللهمّ واجعلنا في سائر الشهور
والأيام كذلك ما عمّرتنا...)( الصحيفة الكاملة السجادية : الدعاء 44.). وكان يلقّنهم بتلك الكلمات التي
تمثّل انقطاعه التامّ إلى الله تعالى واعتصامه به، وهو واقف يبكي من خشيته تعالى
ويقول: (ربِّ إنّك أمرتنا أن نعفو عمّن ظلمنا، وقد
عفونا عمّن ظلمنا كما أمرت فاعف عنّا فإنّك أولى بذلك منّا ومن المأمورين،
وأمرتنا أن لا نردّ سائلاً عن أبوابنا، وقد أتيناك سُؤّالاً ومساكين، وقد
أنَخْنا بفنائك وببابك نطلب نائلك ومعروفك وعطاءك فامنن بذلك علينا، ولا تخيّبنا
فإنّك أولى بذلك منّا ومن المأمورين، إلهي كَرُمتَ فأكرِمني، إذ كنت من سُؤّالك
وجُدْتَ بالمعروف فأخلطني بأهل نوالك يا كريم...). |
4 ـ دعاؤه :
|
أ ـ دعاؤه في
الأسحار :
|
وكان
الإمام(عليه السلام) يناجي ربّه ويدعوه بتضرّع وإخلاص في سحر كلّ ليلة من ليالي
شهر رمضان بالدعاء الجليل الذي عرف بدعاء أبي حمزة الثمالي; لأنّه هو الذي رواه
عنه، وهو من غرر أدعية أهل البيت(عليهم السلام) وهو يمثّل مدى إنابته وانقطاعه
إلى الله تعالى كما أنّ فيه من المواعظ ما يوجب صرف النفس عن غرورها وشهواتها،
كما يمتاز بجمال الأسلوب وروعة البيان وبلاغة العرض، وفيه من التذلّل والخشوع
والخضوع أمام الله تعالى ما لا يمكن صدوره إلاّ عن إمام معصوم. بك عرفتك وأنت دللتني عليك ودعوتني إليك، ولو لا أنت لم أدر ما
أنت. الحمد لله الذي أدعوه فيجيبني وإن كنتُ بطيئاً حين يدعوني، والحمد
لله الذي أسأله فيعطيني وإن كنت بخيلاً حين يستقرضني... أدعوك يا سيدي بلسان قد أخرسه ذنبه، ربّ أناجيك بقلب قد أوبقه
جرمه، أدعوك يا ربّ راهباً راغباً راجياً خائفاً، إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعتُ،
وإذا رأيت كرمك طمعت... اللهمّ إنّي كلّما قلت قد تهيّأت وتعبّأت وقمت للصلاة بين يديك
وناجيتك ألقيت عليّ نعاساً إذا أنا صلّيت وسلبتني مناجاتك إذا أنا ناجيت، ما لي
كلّما قلتُ قد صلُحت سريرتي(سريرتي: نيّتي.)
وقرب من مجالس التوابين مجلسي عرضت لي بلية أزالت
قدمي وحالت بيني وبين خدمتك. سيدي لعلّك عن بابك طردتني، وعن خدمتك نحيتني، أو
لعلّك رأيتني مستخفّاً بحقّك فأقصيتني، أو لعلّك فقدتني من مجالس العلماء
فخذلتني، أو لعلّك رأيتني في الغافلين فمن رحمتك آيستني، أو لعلّك رأيتني آلف
مجالس البطّالين فبيني وبينهم خلّيتني، أو لعلّك لم تحبّ أن تسمع دعائي
فباعدتني، أو لعلّك بجرمي وجريرتي كافيتني، أو لعلّك بقلّة حيائي منك جازيتني
... إلهي، لو قرنتني بالأصفاد ومنعتني سيبك(السَيْب: العطاء.) من بين
الأشهاد ودللت على فضايحي عيون العباد وأمرت بي إلى النار وحلت بيني وبين
الأبرار; ما قطعتُ رجائي منك، وما صرفت تأميلي للعفو عنك، ولا خرج حبّك من قلبي
... أرحم في هذه الدنيا
غربتي، وعند الموت كربتي، وفي القبر وحدتي، وفي اللحد وحشتي، وإذا نُشرتُ للحساب
بين يديك ذلّ موقفي، واغفر لي ما خفي على الآدميّين من عملي، وأدم لي ما به
سترتني، وارحمني صريعاً على الفراش، تقلّبني أيدي أحبّتي، وتفَضَّل عليّ ممدوداً
على المغتسل يقلّبُني صالح جيرتي، وتحنّنْ عليّ محمولاً قد تناول الأقرباء أطراف
جنازتي، وجُد عليّ منقولاً قد نزلتُ بك وحيداً في حفرتي، وارحم في ذلك البيت
الجديد غربتي، حتى لا أستأنس بغيرك...) ( راجع : مفاتيح الجنان (الدعاء المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي).). |
5 ـ حجّه
(عليه السلام) :
|
وكان يحثّ على الحج والعمرة بقوله: (حجّوا واعتمروا تصح أجسادكم، وتتّسع أرزاقكم، ويصلح
إيمانكم، وتكفوا مؤونة الناس ومؤونة عيالكم)( وسائل الشيعة : 8 / 5.). |
دعاؤه في يوم
عرفة :
|
وكان
الإمام(عليه السلام) في عرفات يقوم بالصلاة والدعاء وتلاوة القرآن الكريم، وكان
يدعو بدعاء جليل وهو من غرر أدعية أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)، وفيما يلي بعض
المقتطفات منه: أنت الله لا اله إلاّ أنت الأحد المتوحّد الفرد، وأنت الله لا اله
إلاّ أنت الكريم المتكرّم العظيم المتعظّم الكبير المتكبّر، وأنت الله لا اله
إلاّ أنت العليّ المتعال الشديد المحال(المحال: الأخذ.). أنت الذي قصرت الأوهام عن ذاتيتك، وعجزت الأفهام عن كيفيتك، ولم
تدرك الأبصار موضع أينيّتك، أنت الذي لا تُحدّ فتكون محدوداً، ولم تمثل فتكون
موجوداً، ولم تلد فتكون مولوداً. لك الحمد حمداً يدوم بدوامك، ولك الحمد حمداً خالداً بنعمتك، ولك
الحمد حمداً يوازي صنعك، ولك الحمد حمداً يزيد على رضاك، ولك الحمد حمداً مع حمد
كلّ حامد. ربّ صلّ على محمد وآله صلاةً زاكيةً لا تكون صلاةٌ أزكى منها، وصلّ
عليه صلاةً ناميةً لا تكون صلاةٌ أنمى منها، وصلّ عليه صلاةً راضيةً لا تكون
صلاةٌ فوقها... ربِّ صلِّ على أطائب أهل بيته الذين اخترتهم لأمرك، وجعلتهم خزنة
علمك وحفظة دينك، وخلفاءَك في أرضك، وحججك على عبادك، وطهّرتهم من الرجس والدنس
تطهيراً بإرادتك، وجعلتهم الوسيلة إليك والمسلك إلى جنّتك. اللهمّ إنّك أيّدت دينك في كلّ أوان بإمام أقمته علماً لعبادك
ومناراً في بلادك، بعد أن وَصَلْت حبله بحبلك، وجعلته الذريعة إلى رضوانك،
وافترضت طاعته، وحذّرت معصيته، وأمرت بامتثال أوامره والانتهاء عند نهيه، وألاّ
يتقدّمه متقدّم ولا يتأخّر عنه متأخّر، فهو عصمة اللائذين، وكهف المؤمنين، وعروة
المتمسّكين، وبهاءُ العالمين. وانزع من قلبي حبّ
دنيا دنية تنهى عمّا عندك، وتصدّ عن ابتغاء الوسيلة إليك، وتذهل عن التقرّب منك،
وزيّن لي التفرّد بمناجاتك بالليل والنهار، وهب لي عصمة تدنيني من خشيتك،
وتقطعني عن ركوب محارمك، وتفكّني من أسر العظائم، وهب لي التطهير من دنس
العصيان، وأذْهِب عنّي درن الخطايا، وسربلني(سربلني: قمّصني، والسربال: القميص.)
بسربال عافيتك. |
دعاؤه يوم
عيد الأضحى :
|
كان الإمام زين
العابدين(عليه السلام) يستقبل يوم عيد الأضحى بالابتهال إلى الله والتضرّع إليه،
طالباً منه أن وعباداته، وأن يمنحه المغفرة والرضوان، ومن دعائه في هذا اليوم
المبارك: |
ظاهرة الدعاء
والمناجاة في حياة الإمام (عليه السلام):
|
قال
تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا
دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً) ( الفرقان (25) : 77.
) إلهي تصاغر عند تعاظم
آلائك شكري، وتضاءل في جنب إكرامك إيّاي ثنائي ونشري(نشري: يعني هنا بسط الحديث بالمدح.). جلّلتني(جَلّلتني: غطّتني،
وغمرتني.) نعمك
من أنوار الإيمان حللاً، وضربت عليّ لطائف برّك من العزّ كللاً(كللاً: كلل جمع الكُلّة
وهي بيت أو خيمة رقيقة تُضرب للمبيت تمنع من الذباب والبَعوض وإنّما ذلك لأرباب
النعمة.)،
وقلّدتني مننك قلائد لا تحلّ، وطوّقتني أطواقاً لا تفلّ(لا تُفلّ: لا تثلم.)، فآلاؤك جمّة ضعف لساني عن إحصائها، ونعماؤك كثيرة قصر
فهمي عن إدراكها فضلاً عن استقصائها، فكيف لي بتحصيل الشكر وشكري إيّاك يفتقر
إلى شكر؟! فكلّما قلت: لك الحمد وجب عليّ لذلك أن أقول: لك الحمد...)( مناجاة الشاكرين.). |
تجلّيات
العرفان الإلهي :
|
وقال(عليه السلام): (إلهي ما ألذّ خواطر الإلهام بذكرك على القلوب، وما أحلى
المسير إليك بالأوهام في مسالك الغيوب، وما أطيب طعم حبّك، وما أعذب شرب قربك!
فأعذنا من طردك وإبعادك، واجعلنا من أخصّ عارفيك وأصلح عبادك وأصدق طائعيك وأخلص
عبّادك)(
مناجاة العارفين.). ويأخذنا
الذهول حينما نقرأ هذا النصّ السجّادي الذي أعطانا فيه صورة واضحة متميّزة عن
تضرّعه وتذلّله أمام الله سبحانه الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في
السماء. |
ظاهرة البكاء
في حياة الإمام(عليه السلام) :
|
تختلف دواعي البكاء عند الإنسان
،فقد يبكي شوقاً إلى المحبوب، وقد يبكي اعتراضاً وصرخةً في وجه النظام الغشوم،
ومن هنا يمكن تفسير وفهم ما جاء من: (أنّ البكاء
على الإمام أبي عبد الله الحسين وسيّد الشهداء (عليه السلام) من عوامل السعادة
الخالدة والزلفى إلى المهيمن سبحانه). ومنها:
الاحتفاظ بتراب قبر الحسين (عليه السلام) للسجود عليه
(بحار الأنوار : 46 / 79، باب 5، ح75.). |
ظاهرة
الإعتاق في حياة الإمام(عليه السلام):
|
العتق
ظاهرة فريدة جاءت بها الشريعة الإسلامية، وقد اعتنى بها الأئمّة الأطهار اعتناء
تاماً، إلاّ أنّ تحرير الرقيق يشكل ظاهرة بارزة في حياة الإمام زين
العابدين(عليه السلام) بالخصوص بشكل ليس له مثيل في تأريخ الإمامة، فهو أمر
يسترعي الانتباه والملاحظة الفاحصة. |
الباب
الخامس:
|
فيه فصول: |
الفصل الأول: من تراث الإمام
زين العابدين (عليه السلام)
|
لم
يذكر التأريخ أنّ الأئمّة من أهل البيت(عليه السلام) قد درسوا عند أحد أو
تتلمذوا عند شخصية علمية سوى ما ورثوه من آبائهم الكرام عن النبي(صلَّى الله
عليه وآله). |
في رحاب
القرآن الكريم :
|
القرآن الكريم هو الوحي الإلهي
الخالص والمعجزة الخالدة لنبوّة سيّد المرسلين وشريعة خاتم النبيّين والينبوع
الثرّ لكلّ علم ومعرفة، وعنه قال رسول الله(ص): (إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله
حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا
عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما) ( راجع مصادر وأسانيد
ونصوص هذا الحديث الشريف والمتواتر عند الفريقين في الأعداد 4 إلى 9 من مجلة
رسالة الثقلين، وحديث الثقلين، طبعة دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، مصر: 9
.). (اللهمّ إنّك
أعنتني على ختم كتابك الذي أنزلته نوراً، وجعلته مهيمناً على كلّ كتاب أنزلته،
وفضّلته على كلّ حديث قصصته، وفرقاناً فرّقت به بين حلالك وحرامك، وقرآناً أعربت
به عن شرائع أحكامك، وكتاباً فصّلته لعبادك تفصيلاً، ووحياً أنزلته على نبيّك
محمّد صلواتك عليه وآله تنزيلاً، وجعلته نوراً نهتدي من ظلم الضلالة والجهالة
باتّباعه، وشفاءً لمن أنصت بفهم التصديق إلى استماعه، وميزان قسط(القسط: العدل.) لا يحيف(لا يحيف: لا يميل.) عن الحقّ لسانه، ونور
هدىً لا يطفأ عن الشاهدين برهانه، وعلم نجاة لا يضلّ من أمّ قصد سنّته، ولا تنال
أيدي الهلكات من تعلّق بعروة عصمته. |
نماذج من
تفسير الإمام زين العابدين(عليه السلام) :
|
كان الإمام(عليه السلام) من ألمع
المفسّرين للقرآن الكريم، وقد استشهد علماء التفسير بالكثير من روائع تفسيره،
ويقول المؤرّخون أنّه كان صاحب مدرسة لتفسير القرآن، وقد أخذ عنه ابنه الشهيد
زيد في تفسيره للقرآن(حياة الإمام زين العابدين(عليه السلام): 2 / 32.) كما أخذ عنه ابنه الإمام أبو جعفر محمد الباقر(ع) الذي رواه عنه
زياد بن المنذر(حياة الإمام الباقر : 1 / 11، نقلاً عن الفهرست للشيخ الطوسي: 98.)الزعيم الروحي للفرقة الجارودية.
وهذه نماذج من تفسيره (ع) لكتاب الله العزيز. |
في رحاب الحديث
الشريف :
|
للحديث الشريف أهمية بالغة في
العلوم الإسلامية، فقد بُني معظم الفقه الإسلامي عليه، فإنّه يعرض بصورة موضوعية
وشاملة لتفصيل الأحكام الشرعية الواردة في القرآن الكريم، فيذكر أنواعها من
الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والإباحة، كما يذكر أجزاءها وشرائطها
وموانعها وسائر ما يعتبر فيها، ويعرض لعمومات الكتاب ومطلقاته فيخصّصها
ويقيّدها، وبالإضافة إلى ذلك يتناول آداب السلوك وقواعد الأخلاق، ويعطي البرامج
الوافية لسعادة الإنسان وبناء شخصيته. |
في رحاب
أُصول العقيدة ومباحث الكلام :
|
كان الإمام (عليه السلام) في زمانه
وحيد عصره في الإجابة على الأسئلة العقائدية المعقّدة ولا سيَّما ما تعرضت له
الأمة الإسلامية من تيارات فكرية مستوردة أو دخيلة تحاول زعزعة كيان العقيدة
الخالصة كمباحث القضاء والقدر والجبر والاختيار التي ظهرت بوادرها في حياة
الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) وأخذت بالنمو والانتشار بحيث شكّلت ظاهرة
فكرية تستدعي الانتباه وتتطلّب العلاج. |
الإمام زين
العابدين (ع ) ينصّ على الأئمّة من بعده ويبشّر بالمهدي(ع ) :
|
1 ـ روى (عليه السلام) عن جابر بن
عبد الله الأنصاري حديثاً طويلاً جاء فيه: أنّ رسول الله(صلَّى الله عليه وآله)
أشار إلى سبطه الحسين قائلاً لجابر: (ومن ذرّيّة هذا
رجل يخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت ظُلماً وجوراً...) ( معجم أحاديث الإمام المهدي (عج) : 3 / 190 .). 4 ـ وذكر(عليه السلام) أنّ سنن
الأنبياء تجري في القائم من آل محمد(صلَّى الله عليه وآله): فمن آدم ونوح طول العمر، ومن إبراهيم خفاء الولادة واعتزال
الناس، ومن موسى الخوف والغَيْبة، ومن عيسى(عليه السلام) اختلاف الناس فيه، ومن
أيّوب الفَرَج بَعد البلوى، ومن محمّد(صلَّى الله عليه وآله) الخروج بالسيف(معجم أحاديث الإمام
المهدي (عج) : 3 / 194 .). فقال: (حدّثني
أبي عن أبيه أنّ رسول الله قال: (إذا ولد ابني جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين
بن عليّ بن أبي طالب فسموه الصادق، فإنّ الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدّعي
الإمامة اجتراءً على الله وكذباً عليه، فهو عند الله (جعفر الكذّاب) المفتري على
الله، المدّعي لما ليس له بأهل، المخالف على أبيه، والحاسد لأخيه، ذلك الذي يكشف
سرّ الله عند غيبة وليّ الله). |
في رحاب
الفقه وأحكام الشريعة:
|
كانت الحلقة الدراسية التي أسّسها الإمام
زين العابدين(عليه السلام) حلقة حافلة بصنوف المعرفة الإسلامية، وكان يفيض فيها
الإمام من علومه وعلوم آبائه الطاهرين ويمرّن النابهين منهم على الفقه
والاستنباط، وقد تخرّج من هذه الحلقة الدراسية عدد كبير من فقهاء المسلمين. |
حقائق علمية
في الأدعية السجادية :
|
بالرغم من أنّ الصحيفة السجادية
وُظّفت أدعيتها لتربية الإنسان وترشيد حركته الفردية والاجتماعية ولكنّها تضمّنت
جملة من الحقائق العلمية التي تنبئ عن إحاطة الإمام بالحقائق العلمية وشموخ
مقامه العلمي ـ كما تضمّنت خطب الإمام أمير المؤمنين
(ع) ودعاء عرفة للإمام الحسين(ع ) قسماً
كبيراً من العلوم والمعارف ـ فيما يرتبط بتركيبة الإنسان الجسمية وكيفية خلقه أو
كيفية خلق أنواع الكائنات الأُخرى الأرضية والسماوية. |
أدب الإمام
زين العابدين(عليه السلام) :
|
إنّ
الإمام السجّاد توفّر على نتاج فنّيّ ضخم يجيء ـ من حيث الكمّ ـ بعد الإمام
علىّ(عليه السلام) كما يجيء ـ من حيث الكيف ـ متميّزاً بسمات خاصة، وفي مقدمة
ذلك أدب الدعاء الذي منحه السجاد(عليه السلام) خصائص فكرية وفنّيّة تفرّد بها(تأريخ الأدب العربي في
ضوء المنهج الإسلامي: 353 .). يا من يُجيبُ دعاء المضطرّ في الظُلَمِ = يا كاشفَ الضرّ والبَلوى مع السَقَمِ قال: فاقتفيته فإذا هو زين العابدين(عليه السلام). ألا يا أيّها المأمول في كلّ حاجة = شكوتُ إليك الضُرّ فاسمع
شكايتي قال:
فتأمّلته فإذا هو عليّ بن الحسين(عليهما السلام). لنحن على الحوض روّاده =
نذود ونسقي وراده احتجاجات الإمام زين العابدين(عليه السلام) : وقد
تميّز أئمّة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين بهذا الفنّ، واستطاعوا من خلال
هذا المجال إفحام خصومهم وإثبات جدارتهم العلمية بنحو لا يدع مجالاً للريب في
أنّهم مؤيّدون بتأييد ربّاني، وكما عبّر بعض أعدائهم: أنّهم أهل بيت قد زُقّوا
العِلمَ زقّاً. (يا أخا أهل البصرة، لا والله ما قتل عليّ مؤمناً، ولا قتل مسلماً،
وما أسلم القوم ولكن استسلموا وكتموا الكفر وأظهروا الإسلام، فلمّا وجدوا على
الكفر أعوانا أظهروه، وقد علمت صاحبة الجدب والمستحفظون من آل محمّد(صلَّى الله
عليه وآله) أنّ أصحاب الجمل وأصحاب صفّين وأصحاب النهروان لعنوا على لسان النبيّ
الأمي، وقد خاب من افترى). 4
ـ وروي: أنّ زين العابدين(عليه السلام) مرّ بالحسن البصري وهو يعظ الناس بمنى،
فوقف(عليه السلام) عليه ثم قال: 5
ـ وعن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت عليّ بن
الحسين(عليه السلام) يحدّث رجلاً من قريش قال: |
من غرر حكم
الإمام(عليه السلام) ومواعظه:
|
قد عرفت أنّ الإمام زين العابدين(عليه
السلام) لم يترك مدينة جدّه الرسول(صلَّى الله عليه وآله) بل بقي مرابطاً فيها
مشغولاً بتربية الأمة تربية فكرية وأخلاقية، وكان كلّ جمعة يعظهم ويحذّرهم من
الدنيا وحبائلها ومكائدها التي جعلت كثيراً من أهل عصره في أسرها، وممّا قاله في
التحذير من الدنيا والتزهيد فيها(تحف العقول لابن شعبة الحرّاني : 182 ـ 184 / ط . مؤسسة الأعلمي ـ
بيروت.): |
2 ـ الوصيّة
بالتقوى والإنابة إلى الله تعالى والتحذير من معونة الظلمة :
|
(فاتقوا الله
واستقبلوا من إصلاح أنفسكم وطاعة الله وطاعة من تولّونه فيها، لعلّ نادماً قد
ندم على ما قد فرّط بالأمس في جنب الله، وضيّع من حقّ الله، واستغفروا الله
وتوبوا إليه، فإنّه يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات، ويعلم ما تفعلون، وإيّاكم
وصحبة العاصين ومعونة الظالمين ومجاورة الفاسقين، احذروا فتنتهم، وتباعدوا من
ساحتهم). |
3 ـ موالاة
أولياء الله عَزَّ وجَلَّ :
|
(وأعلموا أنّه من خالف أولياء الله ودان بغير دين الله واستبدّ
بأمره دون أمر وليّ الله في نار تلتهب، تأكل أبداناً قد غابت عنها أرواحها،
وغلبت عليها شقوتها، فهم موتى لا يجدون حرّ النار، فاعتبروا يا اُولي الأبصار،
واحمدوا الله على ما هداكم، واعلموا أنّكم لا تخرجون من قدرة الله إلى غير
قدرته، وسيرى الله عملكم ثم تحشرون، فانتفعوا بالعظة، وتأدّبوا بآداب الصالحين). |
ومن غرر
كلماته (عليه السلام):
|
كل ما جاء تحت هذا
العنوان نقلناه عن تحف العقول 200 ـ 205 . (الخير كلّه صيانة الإنسان نفسه). (الرضى بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين). (من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا). (من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس). (لا يقلّ عمل مع تقوىً، وكيف يقلّ ما يتقبّل)؟ قيل
له : من أعظم الناس خطراً ؟ (خطراً: قدراً وشرفاً .) فقال(عليه
السلام): (من لم يرَ الدنيا خطراً لنفسه). وقال
بحضرته رجل: اللّهمّ أغنني عن خلقك، فقال(عليه السلام): (ليس هكذا، إنّما الناس بالناس، ولكن قل: اللّهمّ أغنني عن شرار خلقك). (اتّقوا الكذب، الصغير منه، والكبير، في كلّ جدّ وهزل، فإنّ الرجل
إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير). (كفى بنصر الله لك أن ترى عدوّك يعمل بمعاصي الله فيك). (طلب الحوائج إلى الناس مذلّة للحياة ومذهبة للحياء واستخفاف
بالوقار وهو الفقر الحاضر، وقلّة طلب الحوائج من الناس هو الغنى الحاضر). (إنّ أحبّكم إلى الله أحسنكم عملاً، وإنّ أعظمكم عند الله عملاً
أعظمكم فيما عند الله رغبة، وإنّ أنجاكم من عذاب الله أشدّكم خشية لله، وإنّ
أقربكم من الله أوسعكم خلقاً، وإنّ أرضاكم عند الله أسْبَغكم(أسبغكم: أوسعكم .) على
عياله، وإنّ أكرمكم على الله أتقاكم). (يابني، اُنظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق،
إيّاك ومصاحبة الكذّاب، فإنّه بمنزلة السراب يقرّب لك البعيد ويبعّد لك القريب،
وإيّاك ومصاحبة الفاسق، فإنّه بايعك بأكلة أو أقلّ من ذلك، وإيّاك ومصاحبة البخيل،
فإنّه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه، وإيّاك ومصاحبة الأحمق، فإنّه يريد أن
ينفعك فيضرّك، وإيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه، فإنّي وجدته ملعوناً في كتاب الله). (إنّ المعرفة وكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه، وقلة
مرائه، وحلمه، وصبره، وحسن خلقه). (لا حسب لقرشيّ ولا لعربيّ إلاّ بتواضع، ولا كرم إلاّ بتقوىً، ولا
عمل إلاّ بنيّة، ولا عبادة إلاّ بالتفقه، ألا وإنّ أبغض الناس إلى الله من يقتدي
بسنّة إمام ولا يقتدي بأعماله). (المؤمن من دعائه على ثلاث: إمّا أن يدّخر له، وإمّا أن يعجّل له،
وإمّا أن يدفع عنه بلاء يريد أن يصيبه). (إنّ المنافق ينهى ولا ينتهي، ويأمر ولا يأتي، إذا قام إلى الصلاة
اعترض، وإذا ركع ربض، وإذا سجد نقر، يمسي وهمّه العشاء ولم يصم، ويصبح وهمّه
النوم ولم يسهر، والمؤمن خلط عمله بحلمه، يجلس ليعلم، وينصت ليسلم، لا يحدّث
بالأمانة للأصدقاء، ولا يكتم الشهادة للبعداء، ولا يعمل شيئاً من الحقّ رياءاً
ولا يتركه حياءاً، إن زُكّي خاف ممّا يقولون، ويستغفر الله لما لا يعلمون، ولا
يضرّه جهل من جهله). (كم من مفتون بحسن القول فيه، وكم من مغرور بحسن الستر عليه؟). (ربّ مغرور مفتون يصبح لاهياً ضاحكاً، يأكل ويشرب وهو لا يدري
لعلّه قد سبقت له من الله سخطة يصلى بها نار جهنم). (إنّ من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الإقتار، والتوسّع على قدر
التوسّع، وإنصاف الناس من نفسه، وابتداؤه إيّاهم بالسلام). (ثلاث منجيات للمؤمن: كفّ لسانه عن الناس واغتيابهم، وإشغاله نفسه
بما ينفعه لآخرته ودنياه، وطول بكائه على خطيئته). (نظر المؤمن في وجه أخيه المؤمن للمودّة والمحبة له عبادة). (ثلاث من كنّ فيه من المؤمنين كان في كنف الله(في كنف الله: في حرزه
ورحمته.)، وأظلّه الله يوم القيامة في ظلّ عرشه، وآمنه من فزع اليوم
الأكبر: من أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم لنفسه، ورجل لم يُقَدِّم يداً ولا
رجلاً حتى يعلم أنّه في طاعة الله قدّمها أو في معصيته، ورجل لم يعب أخاه بعيب
حتى يترك ذلك العيب من نفسه، وكفى بالمرء شغلاً بعيبه لنفسه عن عيوب الناس). (ما من شيء أحبّ إلى الله بعد معرفته من عفّة بطن وفرج، وما
[من] شيء أحبّ إلى الله من أن يسأل). (افعل الخير إلى كلّ من طلبه منك، فإن كان أهله فقد أصبت موضعه،
وإن لم يكن بأهل كنت أنت أهله، وإن شتمك رجل عن يمينك ثم تحوّل إلى يسارك واعتذر
إليك فاقبل عذره). وكان
عليّ بن الحسين(عليهما السلام) إذا قرأ الآية: (وَإِنْ
تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)( إبراهيم (14) : 34 .) يقول: (سبحان
مَن لم يجعل في أحد من معرفة نعمه إلاّ المعرفة بالتقصير عن معرفتها، كما لم
يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم بأنّه لا يدركه، فشكر عَزَّ وجَلَّ
معرفة العارفين بالتقصير عن معرفته، وجعل معرفتهم بالتقصير شكراً، كما جعل علم
العالمين أنّهم لا يدركونه إيماناً، علماً منه أنّه قدّر وسع العباد فلا يجاوزون
ذلك). (سبحان من جعل
الاعتراف بالنعمة له حمداً، سبحان من جعل الاعتراف بالعجز عن الشكر شكراً).
|
الفصل الثاني: رسالة الحقوق
|
تكفّلت
رسالة الحقوق تنظيم أنواع العلاقات الفردية والاجتماعية للإنسان في هذه الحياة
بنحو يحقّق للفرد والمجتمع سلامة العلاقات، ويجمع لهما عوامل الاستقرار والرقيّ
والازدهار. وفيما يلي نصّ الرسالة
كما وردت في الخصال (الخصال : 564 ط. مؤسسة النشر الإسلامي .) : |
عرض إجماليّ
للحقوق :
|
(اعلم، أنّ لله عَزَّ وجَلَّ
عليك حقوقاً محيطة بك في كلّ حركة تحرّكتها، أو سكنة سكنتها، أو حال حلتها، أو
منزلة نزلتها، أو جارحة قلّبتها، أو آلة تصرّفت فيها، فأكبر حقوق الله تبارك
وتعالى عليك ما أوجب عليك لنفسه من حقّه الذي هو أصل الحقوق، ثمّ ما أوجب الله
عَزَّ وجَلَّ عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك، فجعل عَزَّ وجَلَّ
للسانك عليك حقّاً، ولسمعك عليك حقّاً، ولبصرك عليك حقاً، وليدك عليك حقّاً،
ولرجلك عليك حقّاً، ولبطنك عليك حقّاً، ولفرجك عليك حقاً، فهذه الجوارح السبع
التي بها تكون الأفعال، ثمّ جعل عَزَّ وجَلَّ لأفعالك عليك حقوقاً، فجعل لصلاتك
عليك حقّاً، ولصومك عليك حقّاً، ولصدقتك عليك حقّاً، ولهديك عليك حقّاً،
ولأفعالك عليك حقّاً. |
تفصيل الحقوق :
|
حق الله:
|
فأمّا حقّ الله الأكبر
عليك: فأن تعبده لا تشرك به شيئاً، فإذا فعلت بالإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك
أمر الدنيا والآخرة. |
حقّ النفس:
|
وحقّ نفسك عليك: أن
تستعملها بطاعة الله عَزَّ وجَلَّ. |
حقوق
الأعضاء:
|
1 ـ وحقّ
اللسان : إكرامه عن الخنى، وتعويده على الخير، وترك الفضول التي لا فائدة لها،
والبرّ بالناس، وحسن القول فيهم. |
حقوق
الأفعال:
|
1
ـ وحقّ الصلاة : أن تعلم أنّها وفادة إلى الله عَزَّ
وجَلَّ وأنت فيها قائم بين يدي الله عَزَّ وجَلَّ، فإذا علمت ذلك قمت مقام العبد
الذليل الحقير الراغب الراهب الراجي الخائف المستكين المتضرّع المعظّم لمن كان
بين يديه بالسكون والوقار، وتقبل عليها بقلبك، وتقيمها بحدودها وحقوقها. 4 ـ وحقّ
الصدقة : أن تعلم أنّها ذخرك عند ربّك عَزَّ وجَلَّ، ووديعتك التي لا تحتاج
الإشهاد عليها، فإذا علمتَ ذلك كنتَ بما تستودعه سرّاً أوثق منك بما تستودعه
علانيةً، وتعلم أنّها تدفع البلايا والأسقام عنك في الدنيا، وتدفع عنك النار في
الآخرة. |
حقوق
الأئمّة:
|
1 ـ وحقّ
السلطان : أن تعلم أنّك جعلت له فتنة، وأنّه مبتل فيك بما جعله الله عَزَّ
وجَلَّ له عليك من السلطان، وأنّ عليك أن لا تتعرّض لسخطه فتلقى بيدك إلى
التهلكة، وتكون شريكاً له فيما يأتي إليك من سوء. |
حقوق
الرعيّة:
|
1
ـ وأمّا حقّ رعيّتك بالسلطان : فأن تعلم أنّهم صاروا
رعيّتك لضعفهم وقوّتك، فيجب أن تعدل فيهم وتكون لهم كالوالد الرحيم، وتغفر لهم
جهلهم، ولا تعاجلهم بالعقوبة، وتشكر الله عَزَّ وجَلَّ على ما آتاك من القوّة
عليهم. |
حقوق الرحم:
|
1
ـ وحقّ أمك : أن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحتمل أحدٌ
أحداً، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحدٌ أحداً، ووَقَتْك بجميع جوارحها،
ولم تبالِ أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتضحى وتظلّك، وتهجر
النوم لأجلك، ووَقَتك الحرّ والبرد لتكون لها، فإنّك لا تطيق شكرها إلاّ بعون الله تعالى وتوفيقه. |
حقوق عامّة
الناس والأشياء:
|
1
ـ وأمّا حقّ ذي المعروف عليك : فأن تشكره وتذكر
معروفه وتكسبه المقالة الحسنة وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله عَزَّ
وجَلَّ، فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرّاً وعلانيةً، ثمّ إن قدرت على مكافأته
يوماً كافيته. وقد
تصدّى جملة من العلماء(منهم العلاّمة السيد حسن القبانچي فقد شرحها في جزئين كبيرين
باسم : شرح رسالة الحقوق.)
والقانونيّين لشرح هذه الرسالة الفريدة وبشتّى اللغات وعلى مختلف المستويات، وإن
شئت التفصيل والاستضاءة بأنوارها ـ أكثر ممّا مرّ ـ فراجعها . |
الفصل الثالث: في رحاب
الصحيفة السجادية
|
لقد
خطّط القرآن الكريم لثورة ثقافية عظيمة، وكانت آياته الأولى تبشّر بحركة كبرى في
عالم العلم والمعرفة، حيث ابتدأ الوحي الربّاني بالأمر بالقراءة أمراً مؤكدّاً
والإشارة بنعمة التعليم الإلهي والاهتمام بظاهرتي القلم والكتابة في التعليم
وتدوين المعرفة ونقلها وتطويرها وتطوير الإنسان من خلال تكامل المعرفة وتطوّر
العلوم. |
مميزات
الصحيفة السجّاديّة :
|
1
ـ إنّها تمثّل التجرّد التام من عالم المادّة والانقطاع
الكامل إلى الله تعالى
والاعتصام به، والذي هو
أثمن
ما
في الحياة. 7 ـ احتوت على حقائق علمية لم تكن
معروفةً في عصره . وقد أشرنا إلى بعض منها(راجع فصل: من علوم الإمام (عليه السلام)، حقائق علميّة في الأدعيّة
السجادية.). |
الدور
التأريخي للصحيفة السجادية :
|
قلنا:
إنّ المسلمين في عصر الإمام زين العابدين (ع) واجهوا (خطرين
كبيرين خارج النطاق السياسي والعسكري ، وكان لا بدّ من البدء بعمل حاسم للوقوف
في وجههما : |
من قيم خلقية
وحقوق وواجبات.
|
أقول :
قد استطاع الإمام عليّ بن الحسين بما أوتي من هذه المواهب أن ينشر من خلال
الدعاء جوّاً روحياً في المجتمع الإسلامي يساهم في تثبيت الإنسان المسلم عندما
تعصف به المغريات، وشدّه إلى ربّه حينما تجرّه الأرض إليها وتأكيد ما نشأ عليه
من قيم روحية، لكي يظلّ أميناً عليها في عصر الغنى والثروة كما كان أميناً عليها
وهو يشدّ حجر المجاعة على بطنه. |
سند الصحيفة
السجادية :
|
ينتهي سند الصحيفة إلى الإمام أبي
جعفر محمد الباقر (عليه السلام) وإلى أخيه الشهيد زيد بن عليّ بن الحسين (ع)،
وقد ذكرت سلسلة السند في مقدمة الصحيفة، وحظي هذا السند بالتواتر، وما زال
العلماء يتلقّونها موصولة الإسناد بالإسناد. |
شروح الصحيفة
السجادية :
|
عكف
العلماء على دراسة الصحيفة السجادية وشرحها وإيضاح مقاصدها، وقد اُلّفت في ذلك
مجموعة من الكتب القيّمة ذكرها شيخ المحقّقين الشيخ آغا بزرك الطهراني في
موسوعته المعروفة بـ (الذريعة إلى تصانيف الشيعة). وقد أحصى ستّة وستين شرحاً
لها. |
وصف الصحيفة
بـ (الكاملة) :
|
1
ـ ذكروا أنّ سبب تسمية هذه الصحيفة بـ (الكاملة) هو أنّ لدى الزيدية نسخة ناقصة
من هذه الصحيفة تصل إلى نصفها، ولذلك عرفت هذه الصحيفة بالكاملة(حياة الإمام زين
العابدين (عليه السلام) : 190 .). |
الصحيفة
السجادية الجامعة :
|
قال جامعها:
ويستفاد من ديباجة نسخ الصحيفة السجادية المتداولة أنّ عدد أدعيتها (75) دعاءً
إلاّ أنّ عدد الأدعية الموجودة فيها الآن برواية محمد ابن أحمد المطهّري هي (54)
دعاءً. |
الموضوعات
العامّة للصحيفة الجامعة :
|
1
ـ أدعيته (عليه السلام) في التحميد والتوحيد والتمجيد ، وفيها (8) أدعية . 20
ـ أدعيته في الرزق وقضاء الدين ، وفيها (4) أدعية . 42
ـ أدعيته في السجود ، وفيها (10) أدعية . |
الفصل الرابع: مدرسة الإمام
زين العابدين (عليه السلام)
|
إنّ حالة الجمود الفكريّ والركود
العلميّ التي أصابت الأمة الإسلامية بسبب سيطرة بني أميّة على الحكم كانت تستدعي
حركة فكرية اجتهادية تفتح الآفاق الذهنية للمسلمين كي يستطيعوا أن يحملوا مشعل
الكتاب والسنّة بروح المجتهد البصير، وهذا ما قام به الإمام زين العابدين (عليه
السلام) فانبرى إلى تأسيس مدرسة علمية وإيجاد حركة فكرية بما بدأه من حلقات
البحث والدرس في مسجد الرسول (صلَّى الله عليه وآله) وبما كان يثيره في خطبه في
صلوات الجُمَع أسبوعياً. |
الفهرس
الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام).
الفصل الأوّل:
الإمام زين العابدين(عليه السلام) في سطور. الفصل الثاني:
انطباعات عن شخصيّة الإمام زين العابدين(عليه السلام).
أقوال وآراء معاصريه فيه (عليه السلام) :
آراء العلماء والمؤرخين فيه (عليه السلام) :
الفصل الثالث: مظاهر من شخصيّة الإمام زين العابدين(عليه
السلام).
الفصل الأول: نشأة
الإمام زين العابدين(عليه السلام). الفصل الثاني:
مراحل حياة الإمام زين العابدين (عليه السلام). الفصل الثالث:
الإمام زين العابدين (عليه السلام) من الولادة إلى الإمامة.
الوضع السياسي في العراق عند موت معاوية :
النصّ على إمامة زين العابدين(عليه السلام).
الإمام زين العابدين(عليه السلام) يوم عاشوراء :
الفصل الأول:
الإمام زين العابدين (عليه السلام) من كربلاء إلى المدينة.
الإمام زين العابدين(عليه السلام) بعد ملحمة عاشوراء :
سبايا آل البيت(عليهم السلام) في دمشق :
الفصل الثاني: الإمام زين العابدين(عليه السلام) في
المدينة.
الفصل الثالث: استشهاد الإمام زين العابدين(عليه السلام).
الفصل الأوّل: نظرة عامة في مسيرة أهل البيت(عليهم
السلام) الرسالية.
الأخطار التي كان يواجهها الإسلام :
مضاعفات الانحراف في القيادة الإسلامية :
مضاعفات انهيار الدولة الإسلامية: مراحل حركة الأئمّة الطاهرين (عليهم السلام):
الفصل الثاني: ملامح عصر الإمام زين العابدين(عليه
السلام).
الفصل الثالث: تخطيط الإمام زين العابدين(عليه السلام)
وجهاده.
2 ـ الجهاد الاجتماعي والعملي : ظاهرة الدعاء والمناجاة في حياة الإمام (عليه السلام):
ظاهرة البكاء في حياة الإمام(عليه السلام) :
ظاهرة الإعتاق في حياة الإمام(عليه السلام):
الفصل الأول: من تراث الإمام زين العابدين (عليه السلام).
نماذج من تفسير الإمام زين العابدين(عليه السلام) :
في رحاب أُصول العقيدة ومباحث الكلام :
الإمام زين العابدين (ع ) ينصّ على الأئمّة من بعده
ويبشّر بالمهدي(ع ) :
حقائق علمية في الأدعية السجادية :
أدب الإمام زين العابدين(عليه السلام) :
من غرر حكم الإمام(عليه السلام) ومواعظه:
2 ـ الوصيّة بالتقوى والإنابة إلى الله تعالى والتحذير من
معونة الظلمة :
3 ـ موالاة أولياء الله عَزَّ وجَلَّ :
الفصل الثالث: في رحاب الصحيفة السجادية.
الدور التأريخي للصحيفة السجادية :
الموضوعات العامّة للصحيفة الجامعة :
الفصل الرابع: مدرسة الإمام زين العابدين (عليه السلام).
|