- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
أعلام
الهداية
|
محمد المصطفى
خاتم الأنبياء (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)
المجمع
العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) قم المقدسة |
فهرس إجمالي
|
الباب الأول: |
المقدمة
|
الحمد
لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، ثم الصلاة والسلام على من اختارهم هداةً
لعباده، لا سيَّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمد (صلَّى الله عليه وآله) وعلى آله الميامين
النجباء. (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)(الأنعام (6): 71). (وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(البقرة (2): 213). (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)(الأحزاب (33): 4). (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ)(آل عمران (3): 101). (قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ
أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ
كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(يونس (10): 35). (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ
مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(سبأ (34): 6). (ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من الله)(القصص (28):50). فالله
تعالى هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان
إلى الصراط المستقيم وإلى الحقّ القويم. وهذه
الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم. ولقد
أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى
الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال، ومن هنا قال تعالى:(وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ)(الذاريات (51): 56). وحيث
لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، كانت المعرفة والعبادة طريقاً منحصراً
وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال. وبعد
أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال;
لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة; والهوى الناشئ منهما، والملازم لهما فمن
هنا احتاج الإنسان ـ بالإضافة إلى عقله وسائر أدوات المعرفة ـ إلى ما يضمن له
سلامة البصيرة والرؤية; كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة الهداية، وتتوفّر
لديه كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو طريق الشرّ والشقاء بملء إرادته. 2 ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى
البشرية ولمن أرسلوا إليه، ويتوقّف الإبلاغ على الكفاءة التامّة التي تتمثّل في (الاستيعاب والإحاطة اللازمة) بتفاصيل الرسالة
وأهدافها ومتطلّباتها، و (العصمة) عن الخطأ
والانحراف معاً، قال تعالى:(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً
وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ
وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا
اخْتَلَفُوا فِيهِ)(البقرة (2): 213). ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري: أ ـ
أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين
يتربّصون بها الدوائر. ب ـ أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة
باستمرار الأجيال; على يد مربٍّ كفوء علمياً ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في
الخلق والسلوك كالرسول (صلَّى الله عليه وآله) ، يستوعب
الرسالة ويجسّدها في كل حركاته وسكناته. وتبلورت حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم على نهج الرسول العظيم
وانفتاح الأمة عليهم والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب
للسالكين المؤمنين بقيادتهم، فكانوا هم الأدلاّء على الله وعلى مرضاته،
والمستقرّين في أمر الله، والتامّين في محبّته، والذائبين في الشوق إليه،
والسابقين إلى تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ المنشود. ولا يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا بجميع زوايا حياتهم العطرة
ويدّعوا دراستها بشكل كامل، ومن هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما
هي إعطاء قبسات من حياتهم، ولقطات من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها
المؤرّخون واستطعنا اكتشافها من خلال مصادر الدراسة والتحقيق، عسى الله أن ينفع بها إنّه وليّ التوفيق. إنّ دراستنا لحركة أهل البيت (عليهم السلام)
الرسالية تبدأ برسول الإسلام وخاتم الأنبياء محمد بن عبد الله (صلَّى الله عليه
وآله) وتنتهي بخاتم الأوصياء، محمد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر عجّل الله
تعالى فرجه وأنار الأرض بعدله. ويختص
هذا الكتاب بدراسة حياة الرسول المصطفى محمد بن عبد
الله (صلَّى الله عليه وآله) الذي جسّد الإسلام بكل أبعاده، في جميع مرافق
حياته: الفردية والاجتماعية، وفي ظروف اجتماعية وسياسية عصيبة فأرسى قواعد القيم
الإسلامية المُثلى في واقع الفكر والعقيدة وفي أفق الخلق والسلوك وأصبح نبراساً
ـ على مدى العصور ـ يشعّ بالإيمان والطهر والبهاء للعالمين. |
الباب
الأول:
|
فيه فصول: |
المدخل: المنهج القرآني في عرض ودراسة التأريخ والسيرة
|
للقرآن الكريم عناية فائقة بسيرة
الأنبياء الهداة وله نهج خاص في عرض سيرتهم صلوات الله عليهم أجمعين. 2 ـ (لَقَدْ
كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (يوسف (12) : 111 .)
. (هُوَ الَّذِي
أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ
وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ
فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ
تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي
الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ
إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ
هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (آل عمران (3) : 7 ـ 8 .)
. |
الفصل الأول: النبيّ الخاتم (صلَّى الله عليه وآله) في سطور
|
ولد خاتم النبيين وسيّد المرسلين محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب (صلَّى الله عليه وآله)
في السابع عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل بعد
أن فقد أباه، ثم استرضع في بني سعد ، ورُدّ إلى اُمّه وهو
في الرابعة أو الخامسة من عمره. وقد توفّيت أُمّه حين بلغ السادسة من
عمره فكفله جدّه واختص به وبقي معه سنتين ثمّ ودّع الحياة بعد أن أوكل أمر
رعايته إلى عمّه الحنون أبي طالب حيث بقي مع عمّه إلى حين زواجه. ثمّ كانت السنة التاسعة عامرة بوفود القبائل التي أخذت تدخل في دين الله أفواجاً. |
الفصل الثاني: سنّة البشارة على مدى العصور
|
لقد صرّح القرآن
الكريم بأن العهد التاريخي للبشرية قد بدأ بظاهرة وجود النبوّات وبعث
الأنبياء وإرسال الرسل. الذين مضوا يقودون مجتمعاتهم نحو حياة أفضل ووجود إنساني
أكمل; مما يمكن أن نستنتج منه أنّ إشراق النبوّة
وظهور الأنبياء في المجتمعات البشريّة يعتبر بداية
العصر التاريخي للبشرية . |
بشارات
الأنبياء برسالة محمد بن عبد الله (صلَّى الله عليه وآله)
|
1 ـ لقد نصّ القرآن الكريم على بشارة إبراهيم الخليل (عليه السلام) برسالة خاتم النبيين
(صلَّى الله عليه وآله) بأسلوب الدعاء
قائلاً ـ بعد الكلام عن بيت الله الحرام في مكة المكرّمة ورفع القواعد من البيت
والدعاء بقبول عمله وعمل إسماعيل(عليه السلام) وطلب تحقيق اُمة مسلمة من ذريتهما
ـ : (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (البقرة (2) : 129.) . |
أهل الكتاب
ينتظرون خاتم النبييّن (صلَّى الله عليه وآله)
|
لم يكتف الأنبياء السابقون بذكر
الأوصاف العامة للنبيّ المبشَّر به، بل ذكروا أيضاً العلائم التي يستطيع
المبَشَّرون من خلالها معرفته بشكل دقيق، مثل : محل ولادته، ومحل هجرته وخصائص
زمن بعثته، وعلائم جسمية خاصة وخصائص يتفردّ بها في سلوكه وشريعته.. ولهذا قال
القرآن عن بني إسرائيل بأنهم كانوا يعرفون رسول الإسلام المبشَّر به في العهدين
كما يعرفون أبناءَهم (الانعام (6) : 20.) . |
الفصل الثالث: مظاهر من شخصية خاتم النبيين (صلَّى الله عليه وآله)
|
1 ـ الأمي العالم :
|
لقد تميّز خاتم النبيين بأنه لم
يتعلّم القراءة والكتابة عند معلّم بشري (النحل (16) : 103.)
ولم ينشأ في بيئة علم وإنما نشأ في مجتمع جاهلي، ولم يكذب أحد هذه الحقيقة التي
نادى بها القرآن (العنكبوت (29): 48.)
. |
2 ـ أوّل المسلمين العابدين :
|
إن الخضوع المطلق لله خالق الكون
ومبدع الوجود، والتسليم التام لعظيمقدرته ونفاذ حكمته، والعبودية الاختيارية
الكاملة تجاه الإله الأحد الفرد الصمد هي القمة الاولى التي لابد لكل إنسان أن
يجتازها كي يتهيّأ للاجتباء والاصطفاء الإلهي. وقد شهد القرآن الكريم بذلك لهذا
النبيّ العظيم حين قال عنه : (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي
رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ... وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام (6): 161 ـ 163.) . |
3 ـ الثقة المطلقة بالله تعالى:
|
قال الله تعالى لرسوله (صلَّى الله
عليه وآله): (أليس الله بكاف عبده)
(الزمر (39): 36.) . |
4 ـ الشجاعة الفائقة :
|
قال الله تعالى: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ
وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ)
(الأحزاب (33): 39.) وجاء عن علي
بن أبي طالب (ع) ـ الذي طأطأ له فرسان العرب ـ
أنّه: كنّا إذا احمرّ البأس ولقي القومُ القومَ
اتّقينا برسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فما يكون أحد أدنى من القوم منه
(فضائل الخمسة من
الصحاح الستة : 1 / 138.) . |
5 ـ زهد منقطع النظير :
|
قال تعالى: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ
أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ
وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طه (20): 131.) . |
6 ـ جود وحلم عظيمان :
|
قال ابن عبّاس:
كان النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر
رمضان.. إن جبريل كان يلقاه في كل سنة من رمضان.. فإذا لقيه جبريل كان رسول الله
(صلَّى الله عليه وآله) أجود بالخير من الريح المرسلة (صحيح مسلم : 4 / 481 /
الحديث 3308 ، ومسند أحمد: 1 0/ 598 / الحديث 3415.) . . لقد أفصح القرآن عن عظمة حلم الرسول (صلَّى الله
عليه وآله) بقوله تعالى: (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ
حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ)
(آل عمران (3):
159.)
، ووصف مدى رأفته ورحمته بقوله تعالى: (لَقَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ
عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة (9): 128.) |
7 ـ حياؤه وتواضعه :
|
عن أبي سعيد الخدريّ:
كان النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) أشدّ حياء من العذراء في خدرها وإذا كره شيئاً
عُرف في وجهه (صحيح البخاري : 3 / 1306 / ألحديث 3369.) . وكان يداعب أصحابه ولا يقول إلاّ
حقّاً (سنن الترمذي : 4 / 304 / الحديث 1990.) . ولقد شارك
أصحابه في بناء المسجد (مسند أحمد : 3 / 80 .) وحفر الخندق (الطبقات (لابن سعد): 1 / 240.)
وكان يكثر من مشاورة أصحابه بالرغم من أنّه كان أرجح الناس عقلاً (الدر المنثور : 2 / 359
، والمواهب اللدنيّة: 2 / 331.) . |
الباب
الثاني:
|
فيه
فصول: الفصل الأول: دور الولادة والنشأة. |
الفصل الأول: دور الولادة والنشأة
|
1 ـ ملامح انهيار المجتمع الوثني:
|
استحكم
الفساد والظلم في مجتمع الجزيرة في الفترة التي سبقت البعثة النبوية فلم تعد
كتلة المجتمع واحدة ولم تكن الخصائص الاجتماعية والثقافية التي أوجدتها طبيعة
الحياة في الصحراء كافية لإيقاف حالة الانهيار التي بدت ملامحها على المجتمع في
الجزيرة العربية. وما الأحلاف التي نشأت إلا تعبير عن ظاهرة اجتماعية لمقاومة
ذلك التحلل ولكنها في تعددها دليل على انعدام القوة المركزية في المجتمع. |
2 ـ إيمان آباء النبيّ (صلَّى الله عليه
وآله) :
|
ولد النبي (صلَّى الله عليه وآله)
وترعرع في عائلة تدين بالتوحيد وتتمتع بسمو الأخلاق وعلو المنزلة. فإيمان جدّه
عبد المطلب نلمسه من كلامه ودعائه عند هجوم أبرهة الحبشي لهدم الكعبة إذ لم
يلتجئ إلى الأصنام بل توكل على الله لحماية الكعبة (السيرة النبوية: 1 / 43
ـ 62 ، الكامل في التأريخ: 1 / 260 ، بحار الأنوار: 5 / 130.) . بل
يمكن أن نقول إن عبد المطلب كان عارفاً بشأن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)
ومستقبله المرتبط بالسماء من خلال الأخبار التي أكدت ذلك . وتجلّت اهتماماته به
في الاستسقاء بالنبي (صلَّى الله عليه وآله) وهو رضيع، وما ذلك إلاّ لما كان يعلمه من
مكانته عند الله المنعم الرازق (السيرة الحلبية : 1 / 182 ، الملل والنحل للشهرستاني: 2 / 248.) ، والشاهد الآخر هو تحذيره لأُم أيمن من الغفلة عنه
عندما كان صغيراً (سيرة زيني دحلان بهامش السيرة الحلبية: 1 / 64، وراجع تاريخ
اليعقوبي: 2 / 10.) . |
3 ـ مولد الرسول (صلَّى الله عليه وآله) :
|
ما إن استنفذت الديانة النصرانية
أغراضها في المجتمع البشري ولم تعد لها فاعلية تذكر حتى حلّت في الدنيا كلّ
مظاهر التيه والزّيغ، وأمسى الناس كافة ضُلاّل فتن وحيرة، استخفّتهم الجاهلية
الجهلاء، ولم تكن أوضاع الروم بأقل سوءاً من أوضاع منافسيهم في فارس، وما كانت
جزيرة العرب أفضل وضعاً من الاثنين. والكل على شفا حفرة من النّار. |
4 ـ رضاعه الميمون :
|
أصبح محمد(صلَّى الله
عليه وآله) الشغل الشاغل لجدّه عبد المطلب
الذي فقد ابنه عبد الله ـ وهو أعزّ أبنائه ـ في وقت مبكّر جداً. من هنا أوكل
جدّه رضاعه إلى (ثويبة) وهي جارية لأبي لهب كي
يتسنى لهم إرساله إلى بادية بني سعد ليرتضع هناك وينشأ في بيئة نقيّة بعيداً عن
الأوبئة التي كانت تهدد الأطفال في مكة ويترعرع بين أبناء البادية كما هي عادة
أشراف مكة في إعطاء أطفالهم الرضّع إلى المراضع وكانت مراضع قبيلة بني سعد من
المشهورات بهذا الأمر، وكانت تسكن حوالي مكة ونواحي الحرم وكانت نساؤهم يأتين
إلى مكة في موسم خاص من كل عام يلتمسن الرضعاء خصوصاً عام ولادة النبي (صلَّى الله عليه وآله) حيث كانت سنة جدب وقحط
فكنّ بحاجة إلى مساعدة أشراف مكة. |
5 ـ الاستسقاء بالنبيّ (صلَّى الله عليه
وآله) :
|
أشار المؤرخون إلى ظاهرة الاستسقاء
برسول الله (صلَّى الله عليه وآله) التي حدثت أكثر من مرة في حياته، حين كان
رضيعاً وحين كان غلاماً في حياة جدّه وعمه أبي طالب. فالمرة
الأولى: لمّا أصاب أهل مكّة من الجدب العظيم، وأمسك السحاب عنهم سنتين، أمر عبد المطلب ابنه أبا طالب أن يحضر حفيده محمداً (صلَّى الله عليه وآله) فأحضره ـ وهو رضيع في قماط ـ فوضعه على يديه
واستقبل الكعبة وقدّمه إلى السماء، وقال: يا ربِّ بحق هذا الغلام، وجعل يكرّر
قوله ويدعو: اسقنا غيثاً مغيثاً دائماً هطلاً، فلم يلبث ساعة حتى أطبقت الغيوم
وجه السماء وهطل المطر منهمراً حتى خافوا من شدته على المسجد أن ينهدم (الملل والنحل: 2 / 248 ،
وراجع السيرة الحلبيه: 1 / 182 ـ 183.)
. أبونا شفيع الناس
حين سقوا به = من الغيث رجاس العشير
بكور
(السيرة الحلبية: 1 / 331.) ونقل
المؤرّخون أن قريشاً طلبت من أبي طالب أن يستسقي لهم فخرج أبو طالب إلى المسجد
الحرام وبيده النبي (صلَّى
الله عليه وآله) ـ وهو غلام ـ كأنه شمس دجى تجلّت عنها غمامة ـ فدعا الله
بالنبي(صلَّى الله عليه وآله) فأقبلت السحاب في
السماء وهطل المطر فسالت به الأودية وسرّ الجميع وقد ذكر أبو طالب هذه الكرامة
أيضاً عندما تمادت قريش في عدائها للنبيّ (صلَّى الله
عليه وآله) ورسالته المباركة فقال: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه =
ربيع اليتامى عصمة للأرامل تلوذ به الهلاك من آل هاشم =
فهم عنده في نعمة وفواضل (السيرة الحلبية: 1 /
190، البداية والنهاية: 3 / 52، بحار الأنوار: 8 / 2.) وكلّ هذا يعرب لنا عن توحيد كفيلي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) الخالص
وإيمانهما بالله تعالى، ولو لم يكن لهما إلاّ هذان الموقفان لكفاهما فخراً واعتزازاً.
وهذا يدل أيضاً على أن رسول الله (صلَّى الله عليه
وآله) قد نشأ في بيت كانت الديانة السائدة فيه هي الحنيفية وتوحيد الله
تعالى. |
6 ـ مع اُمّه
آمنة :
|
لم يتمتع النبي
(صلَّى الله عليه وآله) بطول رعاية أُمه الحنون التي عاشت بعد أبيه وهي
تنتظر أن يشبَّ يتيم عبد الله ليكون لها سلوةً عن فقد زوجها الحبيب ولكن الموت
لم يمهلها طويلاً. فقد روي أن حليمة السعدية جاءت بالنبي (صلَّى الله عليه وآله)
إلى أهله وقد بلغ خمس سنين. وأرادت أُمه آمنة أن
تحمله معها وتزور قبر زوجها العزيز ويزور محمد(صلَّى الله عليه وآله) أخواله من
بني النجار في يثرب فيتعرف في هذه السفرة عليهم ولكن هذه الرحلة لم تترك على النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) إلاّ حزناً آخر حيث فقد
أُمه في طريق العودة في منطقة تدعى بالأبواء بعد أن زار الدار التي توفيّ ودفن
فيها أبوه، وكأنّ تلاحق الأحزان على قلب النبيّ (صلَّى
الله عليه وآله) في طفولته كانت خطوات إعداد إلهي لتتكامل نفسه الشريفة. |
7 ـ مع جدّه
عبد المطّلب :
|
بلغ محمد (صلَّى الله عليه وآله)
في قلب عبد المطلب مكانة لم يبلغها أحد من بنيه وأحفاده وهم سادات بطحاء مكة،
فقد روي أن عبد المطلب كان يجلس في فناء الكعبة على بساط كان يُمد له وحوله وجوه
قريش وساداتها وأولاده، فإذا وقعت عيناه على حفيده (محمد) (صلَّى الله عليه
وآله) أمر بأن يفرج له حتى يتقدم نحوه ثمّ يجلسه إلى جنبه على ذلك البساط الخاص
به (السيرة النبوية: 1 /
168.) . وهذه العناية من سيد قريش قد
عزّزت من مكانة محمد (صلَّى الله عليه وآله) في نفوس قريش إضافة إلى سمو أخلاقه
منذ نعومة أظفاره. |
الفصل الثاني: دور الفتوّة والشباب
|
1 ـ كفالة
أبي طالب للنبي (صلَّى الله عليه وآله) :
|
لقد استمرت رعاية عبد المطلب
لحفيده (محمد) (صلَّى الله عليه وآله) حين أوكل
أمره إلى ولده أبي طالب لما كان يعلم من أن أبا طالب سيقوم برعاية ابن أخيه خير
قيام وهو وإن كان فقيراً لكنّه كان أنبل إخوته وأكرمهم في قريش مكانة واحتراماً.
على أنّ أبا طالب كان شقيق عبد الله لأُمه وأبيه وهو مما يزيد أواصر التلاحم مع (محمد) (صلَّى الله عليه
وآله) والحنان والعطف عليه. |
2 ـ السفرة
الأولى إلى الشام :
|
كان من عادة قريش الخروج إلى الشام
كل عام مرة للتجارة إذ كانت هي المصدر الرئيس للكسب وعزم أبو طالب على الخروج في
هذه الرحلة ولم يكن يفكر في استصحاب محمد(صلَّى الله عليه وآله) خوفاً عليه من
وعثاء السفر ومخاطر اجتياز الصحراء، ولكن في لحظة الرحيل غيّر أبو طالب قراره إذ
وجد الإصرار لدى ابن أخيه كبيراً حين أغرورقت عيناه بالدموع لفراق عمه، فكانت
الرحلة الاُولى لمحمّد(صلَّى الله عليه وآله) إلى الشام بصحبة عمّه. واطّلع
محمّد في هذه الرحلة على طبيعة السفر عبر الصحراء وعرف طرق سير القوافل. |
3 ـ رعي
الغنم :
|
لم يرو عن أئمة أهل البيت (عليهم
السلام) ما ينص على أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قد رعى الأغنام في صباه، نعم روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) حديث يعمّ الأنبياء فيما
يخص الرعي وحكمة ذلك إذ جاء فيه: (ما بعث الله نبياً
قط حتى يسترعيه الغنم، يعلّمه بذلك رعيه للناس). كما روي عنه(عليه السلام) في حكمة الحرث والرعي قوله: (إنّ الله عزّ وجلّ أحبّ لأنبيائه من الأعمال: الحرث
والرعي، لئلا يكرهوا شيئاً من قطر السماء) (علل الشرائع: ص23، سفينة البحار: مادة نبأ.) . |
4 ـ حروب
الفجار :
|
كانت للعرب عدّة حروب استحلّت فيها حرمة الأشهر الحرم فسميت بحروب الفجار (موسوعة التاريخ الإسلامي
1 : 301 ـ 305 عن الأغاني 19 : 74 ـ 80 .)
. أولاً:
أن الرسول (صلَّى الله عليه وآله) كلما تقدم في العمر كانت شخصيته تزداد تألّقاً
وقد عرف بشجاعته الفائقة كسائر بني هاشم، ولكن هذا لا يعني أنهم شاركوا في حرب
فيها ظلم وفساد. فقد روي أن أحداً من بني هاشم لم يحضر هذه الحروب فإن أبا طالب
كان قد منع أن يكون فيها أحد منهم حين قال: هذا ظلم وعدوان، وقطيعة رحم،
واستحلال للشهر الحرام، ولا أحضره ولا أحد من أهلي (تاريخ اليعقوبي: 2 / 15.) .
وانسحب عبد الله بن جدعان وحرب بن أُمية ـ وهو قائد
قريش وكنانة حينذاك ـ وقالا: لا نحضر أمراً تغيب عنه بنو هاشم (تاريخ اليعقوبي : 2 / 15 .)
. |
5 ـ حلف
الفضول :
|
شعرت قريش بعد حرب الفجار بضعفها
وتفرّق كلمتها، وخشيت من طمع العرب فيها بعد أن كانت قويةً منيعةً، فدعا الزبير بن عبد المطلب إلى حلف الفضول حيث اجتمعت
بنو هاشم وزهرة وتميم وبنو أسد في دار عبد الله بن
جدعان، وغمس المتحالفون أيديهم فى ماء زمزم وتحالفوا على نصرة المظلوم،
والتأسي بالمعاش، والنهي عن المنكر (البداية والنهاية: 3 / 293، وراجع شرح النهج لابن أبي الحديد: 14 /
129 و283.)
وكان أشرف حلف في العهد الجاهلي. وقد شارك محمّد (صلَّى
الله عليه وآله) في هذا الحلف
وكان يومئذ قد جاوز العشرين من عمره (تاريخ اليعقوبي: 1 / 17.)
وقد أثنى عليه بعد نبوّته وأمضاه. بقوله: ما أحب أن لي بحلف حضرته في دار ابن
جدعان حمر النعم ولو دعيت به في الإسلام لأجبت) (سيرة ابن هشام: 1 / 142.) . |
6 ـ التجارة
بأموال خديجة :
|
بدأت شخصية محمد (صلَّى الله
عليه وآله) تتلألأ في المجتمع
المكي بما كانت تتمتع به من خلق رفيع وعلو همة وأمانة وصدق حديث فكانت القلوب
تنجذب إليه وهو سليل أسرة طاهرة ولكن الفقر الذي كان حليف أبي طالب دفع بالأسرة
الكريمة التي كان يعيش فيها محمد (صلَّى الله عليه
وآله) إلى أن يقترح أبو طالب على
ابن أخيه الذي كان قد بلغ الخامسة والعشرين من عمره
أن يخرج مضارباً بأموال خديجة بنت خويلد وبادر أبو طالب إلى خديجة وفاتحها
بالأمر فرحّبت به على الفور وسرّت سروراً عظيماً لما كانت تعرفه عن محمد (صلَّى الله عليه وآله) وقد بذلت له ضعف ما كانت تبذل لغيره ممّن يخرج
في تجارتها (راجع بحار الأنوار: 16 / 22، كشف الغمة: 2 / 134 نقلاً عن معالم
العترة للجنابذي، وراجع أيضاً السيرة الحلبية: 1 / 132.) . |
الفصل الثالث: من الزواج إلى البعثة
|
1 ـ الزواج
المبارك :
|
كان لابد لمثل شخصية محمد (صلَّى
الله عليه وآله) التى فاقت كلّ شخصيّة من الاقتران بامرأة تناسبه وتتجاوب مع
عظيم أهدافه وقيمه تواصل معه رحلة الجهاد والعمل المضنية وتصبر على متاعبه
ومصاعبه، ولم يكن يومذاك امرأة تصلح لمحمد(صلَّى الله عليه وآله) ولهذه المهمة
سوى خديجة، وشاء الله ذلك فاتجه قلب خديجة بكلّ عواطفه نحو محمد (صلَّى الله
عليه وآله) وتعلق بشخصه الكريم. ولقد كانت خديجة (رضي الله عنها) من خيرة نساء
قريش شرفاً وأكثرهن مالاً وأحسنهن جمالاً، وكانت تدعى في الجاهلية بـ(الطاهرة)
و(سيدة قريش). وكان كل رجال قومها حريصين على الاقتران بها. |
خديجة قبل أن
يتزوّجها النبي(صلَّى الله عليه وآله):
|
ولدت خديجة وسط اُسرة عريقة النسب
كانت تتمتّع بالذكر الطيب والخلق الكريم وتميل إلى التدين بالحنيفية ـ دين إبراهيم الخليل (ع) ـ فأبوها خويلد نازع ملك
اليمن حين أراد أن يحمل الحجر الأسود إلى اليمن، ولم ترهبه كثرة أنصاره دفاعاً
عن معتقده ومناسك دينه، وأسد بن عبد العزى ـ جد خديجة ـ كان من المبرّزين في حلف
الفضول الذي قام على أساس نصرة المظلوم، وقد شهد رسول
الله (صلَّى الله عليه وآله) لأهمية هذا الحلف وأيّد القيم التي قام عليها (السيرة النبوية: 1 /
141.) .
وابن عمها ورقة بن نوفل كان قد عاشر النصارى واليهود ودرس كتبهم. |
2 ـ إعادة وضع
الحجر الأسود :
|
كان للكعبة منزلة كبيرة لدى العرب
إذ كانت تعتني بها وتحج إليها في الجاهلية. وقبل البعثة النبوية بخمسة أعوام هدم
السيل الكعبة فاجتمعت قريش وقررت بناءها وتوسعتها وباشر أشراف القريشيين
والمكيين العمل، ولما تكامل البناء وبلغوا إلى موضع
الحجر الأسود اختلفوا في مَن يضعه في مكانه; فكل قبيلة كانت تريد أن تختص
بشرف ذلك واستعدوا للقتال وانضم كل حليف إلى حليفه وتركوا العمل في بنائها ثم
اجتمعوا في المسجد فتشاوروا واتفقوا على ان يكون أول داخل على الاجتماع هو الحكم
بينهم وتعاهدوا على الالتزام بحكمه فكان أول داخل محمد
بن عبد الله (صلَّى الله عليه وآله) فقالوا: هذا الأمين قد رضينا به، وأقدم النبي (صلَّى الله عليه وآله) على حلّ النزاع حين جعل الحجر في ثوب وقال:
لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثمّ قال: ارفعوا جميعاً ففعلوا فلما حاذوا
موضعه أخذه بيده الشريفة ووضعه حيث يجب أن يكون، وبعد ذلك أتمّوا بناءها (راجع تاريخ اليعقوبي: 2
/ 19، سيرة ابن هشام: 1 / 204، البداية والنهاية: 2 / 300، تاريخ الطبري: 2 / 37
(ط. الاستقامة).)
. |
3 ـ ولادة
عليّ (عليه السلام) وتربية النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) له :
|
إنّ العلاقة بين محمّد (صلَّى الله
عليه وآله) وعليّ بن أبي طالب(عليه السلام) لا تقتصر على النسب بل تتميّز بأنّها
علاقة فكرية وعاطفية عميقة جداً، فما ان خرجت فاطمة بنت أسد تحمل وليدها الذي
وضعته في بطن الكعبة (قال الحاكم النيسابوري: (فقد تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد
ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه في جوف الكعبة) المستدرك على
الصحيحين : 3 / 483.)
حتى تقدّم إليها محمّد المصطفى (صلَّى الله عليه وآله) وأخذ علياً فضمَّه إلى
صدره (الفصول المهمة لإبن
الصباغ: 13 .) وكانت هذه بداية العناية به
والإعداد الخاص له. |
4 ـ ملامح من
شخصية خاتم الأنبياء (صلَّى الله عليه وآله) قبل البعثة :
|
لقد سطع اسم محمّد بن عبد الله (صلَّى الله عليه وآله) في مجتمع الجزيرة العربية في وقت كان الوهن
والتفكك قد بدا على أواصر ذلك المجتمع بكل نواحيه وكانت شخصيّة محمّد بن عبد الله
(صلَّى الله عليه وآله) تزداد تألّقاً وسموّاً. |
الباب
الثالث:
|
فيه
فصول: الفصل الأول: البعثة النبوية المباركة وإرهاصاتها. |
الفصل الأول: البعثة النبوية المباركة وإرهاصاتها
|
تمثل
نصوص القرآن الكريم أقدم النصوص التأريخية التي تتمتع بالصحة والدقة والمعاصرة
لأحداث عصر الرسالة الإسلامية، والمنهج العلمي يفرض علينا أن لا نتجاوز نصوص
القرآن الكريم فيما يخص عصر النبي (صلَّى الله عليه
وآله) الذي نزلت فيه الآيات حين بعثته واستمرت
بالنزول حتى وفاته. 7 ـ (وَإِنِ
اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) (سبأ (34): 50.) . |
الفصل الثاني: مراحل حركة الرسالة في العصر المكي
|
1 ـ بناء
الخلية الإيمانية الأولى :
|
وبعد اللقاء الأوّل مع وحي النبوّة
أخذت تتدرّج الآيات القرآنية بالنزول، ويبدو أنه
بعد أن نزلت عليه الآيات الأولى من سورة المزمل شرع النبي (صلَّى الله عليه
وآله) يهيّء نفسه للخطوات التالية في طريق نشر الرسالة الإسلامية وبناء المجتمع
الإسلامي، وكان عليه أن يعدّ العدّة لمواجهة الصعاب الكثيرة والمشاكل المتوقّعة،
وأن يُحكم خطّته وأسلوبه في العمل. |
2 ـ أدوار
العصر المكّي :
|
لقد مرّ
تبليغ الرّسالة الإسلامية على يدي النبيّ العظيم بثلاثة أدوار على الأقل حتى تهيّأت الظروف لتأسيس أوّل دولة إسلامية مباركة وهي كما
يلي: |
3 ـ دور
إعداد القاعدة الأولى :
|
تحرك النبيّ
(صلَّى الله عليه وآله)
داعياً إلى الإسلام بعد أن أمره الله تعالى بالقيام والإنذار (كما ورد في مطلع سورة المدّثر.)
ساعياً
لبناء كتلة إيمانية تكون بؤرة نور وإشعاع لهداية المجتمع واستمر الحال هكذا
حوالي ثلاث سنين مسدداً بالغيب معصوماً من الزلل. |
4 ـ دور
المواجهة الأولى وإنذار الأقربين:
|
وحين شاع خبر الإسلام في أرجاء
الجزيرة العربية وفي الوقت الذي بلغت فيه الفئة المؤمنة المستوى الروحي الذي
يؤهلها لخوض الصراع كان لابد من الانتقال إلى مرحلة الإعلان العام وأول خطواته
إنذار الأقربين في مجتمع تسوده الاعتبارات القبلية فمن الأولى إنذارهم قبل إنذار
الناس كافة، فكان نزول الأمر الإلهي: (وأنذر عشيرتك
الأقربين) (الشعراء (26) : 214.) ; من هنا دعا النبي(صلَّى الله
عليه وآله) عشيرته الأقربين وأوضح لهم أمر الرسالة وهدفها ومستقبلها وكان فيهم
من يرتجى خيره ويؤمل إيمانه. ولئن نهض أبو لهب معلناً المعاداة والكراهية فقد
تبنّى أبو طالب(عليه السلام) دعم النبي(صلَّى الله عليه وآله) وحماية رسالته. |
5 ـ دور
المواجهة الشاملة
|
ورغم احتياطات النبي (صلَّى الله عليه وآله) في المرحلة السابقة
وتجنّبه الدخول في مواجهة مباشرة له أو لأحد من المسلمين مع قوى الشرك والوثنية
فإنه كان يتعرّض خلالها للنقد واللوم اللاذع له ولبقيّة المسلمين. |
الفصل الثالث: موقف بني هاشم من النبي (صلَّى الله عليه وآله)
|
1 ـ دفاع أبي
طالب عن الرسول والرسالة :
|
لم
ينثن رسول الله (صلَّى
الله عليه وآله) عن الاستمرار في نشر الرسالة الإسلامية بل
اتسع نشاطه وكثرت تحركاته وتحركات أتباعه المؤمنين به وازدادت جاذبية الدين
الجديد في نظر الناس، وقد بدت قريش تظهر غيظها وتسعى لتجد السبل لإيقاف هذا
المدّ الجديد (الإسلام)، والقضاء عليه فعاودت مساعيها عند أبي طالب مرّة أخرى
باذلة مغرياتها تارة لإقناع الرسول بالعدول عن
دعوته والتراجع عن دينه وتارة أخرى بالتهديد والوعيد
فقالوا له: يا أبا طالب إن لك سناً وشرفاً ومنزلة فينا،
وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنّا وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم
آباءنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك حتى
يهلك أحد الفريقين. |
2 ـ
موقف قريش من الرسالة والرسول (صلَّى الله عليه وآله) :
|
نزلت آيات كثيرة من القرآن الكريم
خلال أربع سنوات من حركة الرسالة تضمنت بيان عظمة التوحيد والدعوة إليه والإعجاز
البلاغي والإنذار والوعيد لمخالفيه فتناقلتها الألسن وحوتها قلوب المؤمنين
وانجذب إليها القاصي والداني لاستماعها واستيعابها. |
3 ـ الكفر
يأبى الانصياع لصوت العقل :
|
تصورت قريش أنها بدهائها تستطيع أن
تثني النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) عن رسالته، وقد بان لها استجابة الناس لدعوته
المباركة. من هنا اقترح عتبة بن ربيعة ـ حين اجتمعت وجوه قريش ـ أن يذهب إلى النبيّ (صلَّى الله
عليه وآله) ليحدّثه كي يكفّ عن
دعوته، فمشى إليه والنبيّ (صلَّى الله عليه وآله) جالس ـ وحده ـ في المسجد، وامتدح النبيّ (صلَّى الله
عليه وآله) ومكانته في قريش وعرض
عليه عروضه والنبي (صلَّى الله عليه وآله) ينصت مستمعاً فقال:
يا ابن أخي إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى
تكون أكثرنا مالاً وإن كنت تريد به شرفاً سوّدناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك،
وإن كنت تريد به ملكاً ملّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رَ ئِيّاً تراه لا
تستطيع ردّه عن نفسك طلبنا لك الطبّ وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه... ولما
أتم كلامه قال (صلَّى الله عليه وآله) : أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم ، قال (صلَّى الله عليه
وآله) : فاسمع مني ثم تلا قوله تعالى: (تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ
فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيراً
وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ *وَقَالُوا
قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ)( فصلت (41): 1 ـ 5 .) واستمر النبيّ
(صلَّى الله عليه وآله) يقرأ الآيات الكريمة فانبهر عتبة لما سمع
وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليها. ثم سجد رسول الله عند آية السجدة. ثم قال (صلَّى الله عليه
وآله) : قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت
وذاك. |
4 ـ الاتّهام
بالسّحر :
|
أرادت قريش أن لا تختلف كلمتها ولا
تفقد مكانتها في محاربة الرسالة الإسلامية وفي نفس الوقت أن توقف سريان الرسالة
إلى نفوس الناس وموسم الحج على الأبواب فرأت أن تتخذ وسيلة تبدو فيها محافظتها
على مكانتها الوثنية وإضعاف دور الرسول ومكانته فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة لكبر سنّه وسعة معرفته لاتخاذ قرار
بذلك فاختلفت أقوالهم بين أن يدّعوا أنّه كاهن أو مجنون أو شاعر أو مريض تعتريه
الوسوسة أو ساحر، ثم أرجعوا القول للوليد فقال:
والله إنّ لقوله لحلاوة وإن أصله لعذق وإن فرعه لجناة وما أنتم بقائلين في هذا
شيئاً إلاّ عُرف أنّه باطل وإنّ أقرب القول فيه أن
تقولوا: ساحر جاء بقول هو سحر يُفرّق به بين المرء وأبيه وبين المرء
وأخيه وبين المرء وزوجه، فتفرّقوا يندسّون بين الناس يبثّون شائعتهم الخبيثة (السيرة النبوية: 1 /
289.). |
5 ـ التعذيب
وسيلة لقمع المؤمنين :
|
لقد عجزت قوى الكفر والشرك أن تثني
الرسول(صلَّى الله عليه وآله) وأصحاب الحق عن
الاستمرار في نشر الرسالة الإسلامية، مثلما عجزت عقولهم عن إدراك التوحيد
والإيمان، وراحت كل جهودهم لإيقاف الرسالة أو تشويهها سدى فلم يجدوا بُدّاً من
اتخاذ العنف والقسوة والتعذيب وسيلة لمحاربة أصحاب العقيدة فوثبت كل قبيلة على
من فيها من المسلمين فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب وفرض الجوع والعطش عليهم،
محاولين أن يفتنوهم عن دينهم ورسالة ربّهم. (إِنَّا كَفَيْنَاكَ
الْمُسْتَهْزِئِينَ)( الحجر (15): 95.)،
(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ
بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)( الأنعام (6) : 10.) . 7 ـ الحصار والمقاطعة الشاملة. |
6 ـ الهجرة
إلى الحبشة وإيجاد قاعدة آمنة :
|
لقد أدرك رسول الله (صلَّى الله
عليه وآله) بعد عامين من الجهر بالرسالة أن لا قدرة له على حماية المسلمين من
العناء الذي يصيبهم من طغاة قريش وزعماء الوثنية. |
7 ـ الحصار
الظالم وموقف بني هاشم :
|
ولمّا لم يستجب أبو طالب لقريش،
وأصرّ على حماية الرسول (صلَّى الله عليه وآله) مهما كان الثمن، كتبت قريش
صحيفتها الظالمة(جاء
في أعيان الشيعة ، ان الصحيفة الظالمة كتبت في غرّة محرم من السنة السابعة
للبعثة.) بالمقاطعة الشاملة في البيع
والشراء والمخالطة والزواج. |
8 ـ عام
الحزن :
|
وفي السنة العاشرة من
البعثة خرج المسلمون من الحصار وهم أصلب
عوداً وأغنى تجربة وأكثر قدرة على التحرك صوب الهدف الذي آلوا على أنفسهم أن لا
يتخلوا عنه رغم كل الصعاب. وكان من أثر الحصار أن اشتهر ذكر الإسلام والمسلمين
وانتشر في كل أرجاء الجزيرة العربية وكانت أمام رسول
الله (صلَّى الله عليه وآله) مهام صعبة، منها:
الانفتاح بصورة أوسع خارج نطاق مكة، ومحاولة إيجاد أكثر من مكان آمن تتحرك من
خلاله الرسالة الإسلامية. |
9 ـ الإسراء
والمعراج :
|
وفي هذه الفترة كانت حادثة الإسراء
والمعراج تثبيتاً للرسول (صلَّى الله عليه وآله) على طريق المقاومة الطويل،
وتكريماً له في أعقاب سنين طويلة من العمل والصمود، وتتويجاً لهذه المصاعب
والآلام المريرة مع قوى الشرك والضلالة، رفعه الله إلى قلب السموات، ليريه جوانب
من عظمة ملكه الباهرة في الكون الشاسع وليطلعه على أسرار الخليقة ومصير الإنسان
الصالح والطالح. |
الفصل الرابع: سنوات الانفراج حتى الهجرة
|
1 ـ الطائف
ترفض الرسالة الإسلامية :
|
كان خروجه (صلَّى الله
عليه وآله) إلى الطائف لليال بقين من شوال سنة عشرة من البعثة.أدرك
رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أن أذى قريش سيزداد ، وأن خطط المشركين
ومساعيهم للقضاء على الرسالة لن تتوقف، فقد زال غطاؤها الأمني بوفاة أبي طالب
ولابد للرسالة الإسلامية أن تنفتح على جبهة أوسع. وفي الوقت الذي استطاع فيه
رسول الله أن يبني الإنسان الرسالي سعى لتهيئة قاعدة تتضح فيها معالم الاستقرار
والنظام في محيط يمارس فيه الفرد حياته وعلاقاته مع ربه والناس ولينطلق بعد ذلك
إلى بناء الحضارة الإسلامية الإنسانية وفق تعاليم السماء، فوقع اختياره على
الطائف حيث تقطن ثقيف كبرى القبائل العربية بعد قريش. ولما انتهى إليها وحده أو
بمرافقة زيد بن حارثة أو بمرافقة زيد وعلي(راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 4 / 127 و 14 / 97 .)، عمد إلى نفر من ثقيف وهم يومئذ
سادتها وأشرافها، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله، وعرض عليهم المهمة التي جاء من
أجلها وهي أن ينصروه في دعوته ويمنعوه من قومه فلم يعبأوا لدعوته وردوا عليه
ساخرين فقال أحدهم: إنني أمزق ثياب الكعبة إن
كان الله أرسلك، وقال آخر: والله لا أكلمك أبداً
ولئن كنت رسولاً من الله كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أردّ عليك الكلام ولئن
كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك. وردّ الآخر قائلاً: أعجزٌ على الله أن
يرسل غيرك؟!( السيرة النبوية: 1 / 420 ، بحار الأنوار: 19 / 6 و7 و22 ، إعلام
الورى: 1 / 133.). |
2 ـ الانفتاح
على الرسالة ومعوّقاتها في مكة :
|
لقد كانت حركة الرسول(صلَّى الله عليه وآله) جهاداً رسالياً
متكاملاً، وكان منطقه وسلوكه وخلقه يحاكي الفطرة السليمة والأخلاق السامية،
يناشد الحق في النفوس ليحييها ويدعو إلى الفضيلة لتنعم البشرية بها ولهذا لم
ييأس الرسول (صلَّى الله عليه وآله) رغم اضطهاد
قريش وقسوتها معه وصد الطائف وجفوتها، إذ كان يتحرك بين الناس ويدعو الجميع إلى
دين الله ولا سيّما في مواسم العمرة والحج حيث تتوفّر فيها فرص تبليغية عظيمة فكان
(صلَّى الله عليه وآله) يقف على منازل القبائل من العرب ويقول: (يا بني فلان إني رسول الله إليكم يأمركم أن تتعبدوا إليه
ولا تشركوا به شيئاً وأن تؤمنوا بي وتصدقوني وتمنعوني حتى اُبيّن عن الله ما
بعثني به)( السيرة النبوية: 1 / 423، تأريخ الطبري: 2 / 429، أنساب الأشراف: 1
/ 237.). وفي جانب آخر تقوم أم جميل في وسط
النساء فتسخر من النبي (صلَّى الله عليه وآله) ودعوته المباركة لتمنع النساء من متابعته. |
3 ـ بيعة
العقبة الأولى :
|
كان النبي
(صلَّى الله عليه وآله) لا يدّخر
وسعاً ولا يتوانى في السعي لنشر الرسالة الإسلامية ودعوة أي عنصر يرى فيه الأمل
والخير أو يجد فيه التأثير والنفوذ ممن كان يقدم إلى مكة لحاجة ما. وقد كانت
مدينة يثرب تعيش صراعاً سياسياً وعسكرياً بين أقوى قطبين فيها وهما الأوس
والخزرج، وكان يؤجج هذا الصراع عناصر من اليهود ـ بخبثهم ودسائسهم ـ في جو من
ضياع القانون الإلهي. |
4 ـ بيعة
العقبة الثانية :
|
تحرك مصعب بين أزقة يثرب وفي
مجتمعاتها يتلو آيات الله ويحرك الأفئدة والعقول بالقرآن حتى آمن بالرسالة
الإسلامية عدد كبير من الناس. |
5 ـ
الاستعداد للهجرة إلى يثرب :
|
انتبهت قريش وخرجت من غفلتها فقد
انفتح باب الرجاء في الغلبة، في وجه المسلمين فراحت تزيد من استخدام القسوة
والتنكيل والاضطهاد للمسلمين في محاولة منها للقضاء عليهم قبل استفحال الأمر،
فشكا المسلمون ذلك لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله) واستأذنوه للخروج من مكة فاستمهلهم أياماً ثم
قال: (لقد أخبرت بدار هجرتكم وهي يثرب فمن أراد
الخروج فليخرج إليها) (الطبقات الكبرى: 1 / 226.)، وفي رواية أخرى: (إن
الله قد جعل لكم داراً تأمنون بها وإخواناً) ( مناقب آل أبي طالب: 1 /
182، السيرة النبوية : 1 / 468.). |
6 ـ المؤاخاة
قبل الهجرة :
|
قد آخى رسول
الله (صلَّى الله عليه وآله)
بين المهاجرين كنقطة انطلاق نحو المجتمع الإسلامي المتماسك يتعاونون كجسد واحد
لمصلحة الإسلام وإعلاء كلمة الله حيث سيواجه المسلمون مصاعب جمّة يستلزم تجاوزها
التعاون والتعاضد بأعلى مراتبه. |
الباب
الرابع:
|
فيه
فصول: الفصل الأول: تأسيس الدولة الإسلامية الأولى. |
الفصل الأول: تأسيس الدولة الإسلامية الأولى
|
1 ـ الهجرة
إلى يثرب :
|
لكي تتكامل حركة الرسالة وتتحقق
النبوّة أهدافها الربّانية المنشودة لابد أن تسدد وتؤيد بقوى الخير وعناصر تملك
اليقين المطلق بالعقيدة وتنذر نفسها لتلك العقيدة وتستعد للتضحية على الدوام مع
مؤهلات تصونها من الانحراف. وخرج رسول
الله (صلَّى الله عليه وآله) بعد منتصف الليل من داره تحيط به العناية الإلهية
مخترقاً طوق قوات الشرك المحيطة بداره تاركاً علياً في فراشه. وأخيراً بركت
الناقة عند مربد يعود لغلامين يتيمين من بني النجار أمام دار أبي أيوب الأنصاري
فأسرعت زوجته فأدخلت رحل رسول الله (صلَّى الله عليه
وآله) في دارها فنزل عندهم رسول الله (صلَّى
الله عليه وآله) إلى أن تمّ بناء المسجد النبوي وبيته (صلَّى الله عليه وآله) (
راجع السيرة النبوية: 1 / 494.). |
2 ـ بناء
المسجد :
|
لقد اجتاز النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)
بالمسلمين دائرة بناء الفرد ، وبوصوله إلى يثرب شرع في التخطيط لتكوين الدولة
التي تحكمها قوانين السماء والشريعة الإسلامية السمحاء ومن ثم بناء الحضارة
الإسلامية لتشمل كل الإنسانية في مرحلة ما بعد الدولة. |
3 ـ المؤاخاة
بين المهاجرين والأنصار:
|
ثم خطا النبي (صلَّى الله عليه وآله) خطوة اُخرى
لإقامة الدولة الجديدة والقضاء على بعض قيم النظام القبلي من دون أن يمس القبيلة
بشيء ، مستثمراً حالة التعاطف وحرارة الإيمان التي بدت من المسلمين فجعل أساس
العلاقة بين الأفراد رابطة العقيدة والدين متجاوزاً علقة الدم والعصبية، فقال (صلَّى الله عليه وآله): تآخوا في
الله أخوين أخوين، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: هذا أخي(السيرة النبوية: 1 / 504.)،
وأخذ كل رجل من الأنصار أخاً له من المهاجرين يشاركه الحياة. وبذا طوت المدينة
صفحة دامية من تأريخها إذ كانت لا تخلو أيامها من صراع مرير بين الأوس والخزرج
يؤججه اليهود بخبثهم ودسائسهم وانفتح على العالم عهد جديد من الحياة الإنسانية
الراقية حيث زرع رسول الله (صلَّى
الله عليه وآله) بذلك عنصر بقاء الأمة، وفاعليتها الإيمانية. |
أبعاد ونتائج
التآخي بين المسلمين
|
البعد الاقتصادي : |
1 ـ إعالة المهاجرين وإعادة
تأهيلهم اقتصادياً للعودة لممارسة حياتهم الطبيعية. |
البعد الاجتماعي : |
1 ـ القضاء على الأمراض الاجتماعية
المتأصلة في المجتمع ومخلفات التناحر القبلي وإشاعة روح الحب والود والتآلف لسد
الثغرات لئلاّ يستغلّها المتآمرون على الإسلام، وتوفير الجهود والطاقات البشرية
لخدمة الإسلام في مراحله اللاحقة. |
البعد السياسي : |
1 ـ تكوين نسيج مترابط من المسلمين
يتحرك مستجيباً لأوامر الرسول والرسالة كفرد واحد في ظرف تعددت فيه الجهات
المعادية ولم تتوقف عن دسائسها. |
4 ـ معاهدة
المدينة :
|
ولكي
ينتقل النبيّ (صلَّى
الله عليه وآله) بالمسلمين من حالة الصراع والمقاومة إلى مرحلة
البناء وتطبيق الشريعة الإسلامية كان لابد من توفير أجواء الأمن والاستقرار ـ ولو نسبياً ـ فالصراع قد
يعيق انتشارها في الوسط الجماهيري. 6 ـ توسيع دائرة المجتمع السياسي
باعتبار أنّ المسلمين واليهود يتعايشون في نظام سياسي واحد ويدافعون عنه. |
5 ـ النفاق
وبدايات الاستقرار في المدينة :
|
اهتم
النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) ببناء المجتمع المسلم ومن هنا فرض الهجرة على كل
مسلم إلاّ بعذر وذلك لاستقطاب كل الطاقات والكفاءات وسحبها إلى المدينة. وقد
تمتعت المدينة في هذا العهد الجديد بحياة الأمن والاستقرار فأصبح الأمر مزعجاً
لسائر القوى التي رفضت دعوة النبي (صلَّى الله عليه وآله) أولاً ورأت فيه طرفاً
يهدد معتقدها واليوم أصبح كياناً يرتقي بالإنسان نحو الفضائل وقوة تنمو باطّراد
لا يصدّه أحد عن نشر رسالته فأسلمت أعداد كبيرة منهم ومضى قسم آخر يخطط للابتعاد
عنه أو التحالف معه. ومن جانب آخر
كان النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) يرصد حركة النفاق ومساعي اليهود الحاقدة
لتقويض الكيان الإسلامي الفتيّ بتمزيق صفوفه بالتفرقة في ما بين المسلمين. ولم
تمض فترة طويلة حتى دخل الإسلام في كل بيت من بيوت المدينة(السيرة النبوية: 1 /
500.)، واتسق النظام الاجتماعي العام تحت حكم الإسلام وقيادة الرسول (صلَّى الله عليه وآله) . وفي هذه
الفترة شرّعت أحكام الزكاة والصيام وأحكام إقامة الحدود، كما شرع الأذان لإقامة
الصلاة وقبل ذلك كان النبي (صلَّى الله
عليه وآله) قد أعدّ منادياً ينادي
للصلاة إذا جاء وقتها ، ونزل الوحي الإلهي يعلّم رسول
الله (صلَّى الله عليه وآله) صيغة الأذان(الكافي: 1 / 83 ، تهذيب الأحكام: 1 / 215.) فدعا رسول
الله (صلَّى الله عليه وآله) بنفسه بلالاً وعلّمه كيفية الأذان. |
6 ـ تحويل
القبلة:
|
وكان النبيّ
(صلَّى الله عليه وآله) طوال فترة تواجده في مكة يتجه في صلاته نحو بيت المقدس ولم يغيّر من اتجاه صلاته بعد هجرته
المباركة إلى سبعة عشر شهراً ثم أمره الله أن
يتجه في صلاته نحو الكعبة. |
7 ـ بدايات
الصراع العسكري :
|
لقد كانت القوّة هي التي تحكم
الناس وتسودهم، وفي هذا الظرف تحرّكالنبي (صلَّى الله عليه وآله) والمسلمون ـ
بعد الاستقرار النسبي في المدينة ـ ليؤكّد لكل القوى المؤثرة في الجزيرة بل
وخارجها ـ كالروم وفارس ـ إصراره على نشر الرسالة الإسلامية وبناء الحضارة وفق تعاليم
السماء، وكان للمسلمين من أدوات البناء ما لم يملكه غيرهم، فهم أصحاب عقيدة وفكر
وطلاّب حقٍّ وعدل، ومشرّعي سلام وأمان، وأهل سيف وقتال. |
الفصل الثاني: الدفاع عن كيان الدولة الفتية
|
1 ـ غزوة بدر
الكبرى :
|
بنزول
الأمر الإلهي بالقتال انتقلت الرسالة الإسلامية إلى مرحلة جديدة من الصراع مع
قوى الشرك والضلالة، وتحركت في نفوس المهاجرين الرغبة الجادة لاسترداد حقوقهم
المسلوبة من قبل والتي استلبتها قريش منهم لا لشيء إلاّ لأنهم آمنوا بالله وحده. قال (صلَّى
الله عليه وآله) :
أجل. قال: إنّا قد آمنا بك وصدقّناك وشهدنا أن كل ما جئت به حق. وأعطيناك
مواثيقنا وعهودنا على السمع والطاعة، فامض يانبي الله، فوالذي بعثك بالحق لو
استعرضت هذا البحر فخضته لخضناه معك مابقي منا رجل، وما نكره أن يلقانا عدونا
غداً; إنا لصُبّر عند الحرب، صِدق عند اللقاء، لعلّ الله يريك منّا ما تقرّ به
عينك. |
نتائج
المعركة :
|
خلّفت معركة بدر نتائج
عظيمة
فقد فرّ المشركون نحو مكة والخيبة والذل يحيطان بهم من كل جانب تاركين خلفهم
سبعين قتيلاً وسبعين أسيراً وغنائم كثيرة... وبدت بين صفوف المسلمين المنتصرين
بوادر اختلاف حول كيفية تقسيم الغنائم فأمر النبي
(صلَّى الله عليه وآله) بجمعها حتى يرى فيها رأيه، ونزل الأمر الإلهي في
سورة الأنفال بتقسيم الغنائم وتشريع أحكام الخمس، فأعطى
رسول الله لكل فرد مقاتل حصته على قدم المساواة مع غيره (المغازي: 1 / 104،
السيرة النبوية: 1 / 642.). |
2 ـ اهتمام
النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) بزواج الزهراء (عليها السلام) :
|
حلّت الزهراء من قلب
النبي المصطفى (صلَّى الله عليه وآله) المنزلة
الرفيعة إذ كان يجد فيها السلوة والعزاء ، والصورة الطيبة التي تركتها خديجة
(عليها السلام)، والذرية الطاهرة. وشاركت الزهراء
(عليها السلام) النبي (صلَّى
الله عليه وآله) هموم الرسالة وعملت
كثيراً للتخفيف عنه حتى قال عنها: (إنها أم أبيها). |
3 ـ الصدام
المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع :
|
لمس اليهود خطر تنامي قوة الإسلام والمسلمين في المدينة.
فالكيان الطري أصبح أشد عوداً وأقوى شكيمةً وتحولت الرسالة الإسلامية إلى قوة
تحكم. |
4 ـ ردود فعل
قريش بعد انتصارات المسلمين :
|
جمع أبو سفيان عدداً من فرسان قريش
وقادهم نحو المدينة تدفعهم نواياهم الغادرة إلى الفتك بالمسلمين وردّ اعتبار
قريش المفقود في بدر. وعلى مقربة من المدينة عاثوا في الأرض فساداً وكرّوا
فارّين خوفاً من أن تنالهم سيوف المسلمين. |
5 ـ غزوة
أُحد (وقعت معركة أحد في شوال من السنة الثالثة للهجرة.) :
|
مرّت الأيام التي تلت معركة بدر
ثقيلة على قريش والمشركين. وفي المدينة لم يزل النبي (صلَّى الله عليه وآله) يواصل عمليّة
بناء الإنسان والدولة حيث كانت الآيات الإلهية تترى وهي تشرّع للإنسان سلوكه
وحياته والنبي يفصّل
التعاليم ويطبق الأحكام ويهدي إلى طاعة الله. |
6 ـ محاولات
الغدر بالمسلمين :
|
كان من الطبيعي في مجتمع تحكمه
القوة والغلبة بالسيف أن يطمع المشركون في المسلمين بعد النكسة في اُحد، لكن النبي القائد (صلَّى
الله عليه وآله) كان يقظاً
ومدركاً لكل المتغيرات حريصاً على سلامة الرسالة وقوّتها مجتهداً في بناء الدولة
والمحافظة عليها، فكان يتحسّس الأخبار ويستطلع النوايا ويسرع في الرّد قبل أن
يدرك المشركون أهدافهم فخرجت سرية أبي سلمة ترد غدر بني أسد بالمدينة ونجحت
السرية في مهمتها(المغازي: 1 / 340.)
وتمكن المسلمون أيضاً من رد كيد مشرك كان يعدّ لغزو المدينة. |
7 ـ غزوة بني النضير(وقعت هذه الغزوة في شهر ربيع الأول من السنة الرابعة
للهجرة .) :
|
تتابعت النكبات على المسلمين حتى
بدى للمنافقين وليهود المدينة أن هيبة المسلمين قد ضاعت، وأراد النبي (صلَّى الله عليه وآله) بحكمته
السياسية أن يحدّد ملامح التصرف الصحيح مع يهود (بني
النضير) مبرزاً نواياهم، فاستعان بهم على دفع دية القتيلين. فتلقوه قرب
مساكنهم مرحّبين به وبجماعة من المسلمين وهم يضمرون السوء، فطلبوا منه الجلوس
ريثما يحققون له طلبه. فجلس مستنداً إلى جدار بيت من بيوتهم فأسرعوا ـ مستغلّين الفرصة ـ لإلقاء حجر عليه وقتله، فهبط
الوحي عليه يخبره، فانسلّ من بينهم تاركاً الصحابة معهم، فاضطرب بنو النضير
وأمسوا في حيرة من أمرهم وباتوا قلقين بشدة من سوء فعلتهم، وأسرع الصحابة إلى
النبي (صلَّى الله عليه
وآله) في المسجد يستطلعون سرّ عودته فقال (صلَّى الله عليه وآله) : (همّت اليهود بالغدر بي فأخبرني الله بذلك
فقمت)( الطبقات الكبرى: 2 / 57
، امتاع الاسماع: 1 / 187.). |
8 ـ مناوشات
عسكرية بعد اُحد :
|
ساد الهدوء والاستقرار أجواء
المدينة واضطرب المنافقون قلقاً من انكشاف أساليبهم وأيقنوا أن الدور القادم هو
دور تحطيمهم. وفي هذا الظرف وردت أخبار للنبي (صلَّى الله عليه وآله) بأنّ غطفان تعدّ العدّة لغزو المدينة فأسرع النبي والمسلمون في الخروج إليهم ولكنهم فوجئوا بالعدو
قد أعدّ واستعدّ لملاقاتهم فتهيّب كل من الفريقين الآخر ولم يقع أي قتال. وفي
هذه الغزوة صلى النبي (صلَّى الله عليه وآله) صلاة الخوف بالمسلمين إذ لم يتسنَّ لهم الغفلة
عن العدو برهة من الزمن، وعاد المسلمون إلى المدينة دون قتال(راجع السيرة النبوية: 2
/ 204.)،
وسميت هذه الغزوة بـ (ذات الرقاع). |
9 ـ غزوة بني
المصطلق ودور النفاق :
|
ووردت أخبار جديدة تفيد بأن الحارث
بن أبي ضرار ـ زعيم بني المصطلق ـ يعدّ لغزو المدينة فاستوثق النبي (صلَّى
الله عليه وآله) ـ
كعادته قبل كل تحرك ـ من صدق الخبر وندب المسلمين فخرجوا إليهم والتقوا عند ماء
يدعى (المريسيع) ونشبت الحرب ففر المشركون بعد
قتل عشرة اشخاص منهم، وغنم المسلمون غنائم كثيرة وسُبيت أعداد كبيرة من عوائل بني
المصطلق، كانت من بينهم جويرية بنت الحارث فأعتقها النبي (صلَّى الله عليه وآله) ثم تزوجها،
وأطلق المسلمون ما في أيديهم من الأسرى إكراماً لرسول الله(صلَّى الله عليه وآله) ولها (تاريخ الطبري: 3 / 204، إمتاع الأسماع: 1 / 195.). وأسرع عبد الله بن
اُبي رأس النفاق يبتغي الفتنة ويؤجج الخلاف فوجّه اللّوم لمن حوله من أهل
المدينة إذ آووا ونصروا المهاجرين ثم قال: أما والله لئن رجعنا إلى المدينة
ليخرجنّ الأعز منها الأذل، وكادت أن تفلح مساعى ابن اُبي لولا أنّ النبي
(صلَّى الله عليه وآله) ـ بعد أن توثق من تحريض ابن أبيّ
ونفاقه ـ أمر بالعودة إلى المدينة على وجه السرعة رافضاً رأي عمر بن الخطاب بقتل
ابن أبي فقال (صلَّى
الله عليه وآله) :
(فكيف يا عمر إذا تحدّث الناس أن محمداً يقتل
أصحابه؟! لا)( إمتاع الأسماع: 1 / 202.).
ولم يأذن النبي بالاستراحة في الطريق فسار
بالمسلمين يوماً وليلة ثم أذن لهم بالاستراحة فأخلد الجميع للنوم من شدة التعب
ولم تتح فرصة للتحدث وتعميق الخلاف. وعلى أبواب المدينة طلب عبد الله بن عبد
الله بن أبي الإذن من النبي (صلَّى الله عليه وآله) في قتل أبيه بيده دون أحد من المسلمين خشية أن
تثيره العاطفة فيثأر لأبيه فقال نبي الرحمة (صلَّى الله
عليه وآله) : (بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي
معنا). ثم وقف عبد الله (الأبن) ليمنع أباه من دخول المدينة إلاّ بإذن من
الرسول (
راجع السيرة النبوية: 2 / 292.)،
وفي هذا الظرف نزلت سورة المنافقين لتفضح سلوكهم
ونواياهم. |
10 ـ إبطال
أعراف جاهلية :
|
برحمته
الفياضة وبطيب قلبه المفعم حباً للإنسانية وقف النبي (صلَّى
الله عليه وآله) ذات يوم وقال لقريش: (يا من
حضر إشهدوا أن زيداً هذا ابني)( أسد الغابة: 2 / 235، الاستيعاب مادة: زيد.). وانتقل زيد من رقّ العبودية إلى
بنوة أكرم خلق الله وآمن زيد بالنبي المرسل من
أول أيام البعثة المباركة إيماناً صادقاً. ومضت الأيام حتى بلغ زيد مرحلة
الرجولة في ظل رعاية النبي الأكرم وبجرأة الثائر
العظيم والمصلح الكبير اختار النبي (صلَّى
الله عليه وآله)
زينب
بنت جحش (ابنة عمته) زوجاً لزيد، فامتنعت أن
تتنازل عن مكانتها الاجتماعية ونسبها الرفيع لتتزوج رجلاً سبق له أن كان رقّاً.
ولكن إيمانها الصادق دفعها لتستجيب لأمر الله تعالى حيث يقول: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) ( الأحزاب (33): 36.). |
الفصل الثالث: تظاهر قوى الشرك والرد الإلهي الحاسم
|
1 ـ
تحالف قوى الشرك وغزوة الخندق :
|
أشرفت السنة
الخامسة على الانقضاء وكانت كل الأحداث والتحركات العسكرية التي خاضها
المسلمون تهدف إلى الدفاع عن كيان الدولة الفتيّة، وتوفير الأمن في محيط المدينة
وأفرزت الأحداث تنوعاً وتعدداً في الجهات والأطراف المعادية للدين وللدولة
الإسلامية. فسعى اليهود لاستثمار هذا التنوع بتجميعه وتمويله وإثارة النزعة
العدائية فيه لاستئصال الوجود الإسلامي من الجزيرة، ومن ذلك أنهم أوهموا
المشركين الذين تساءلوا عن مدى أفضلية الدين الإسلامي على الشرك ، بأن الوثنية
خير من دين الإسلام (كما ورد في قوله تعالى
في الآية : 51 من سورة النساء.)
وتمكنوا من جمع قبائل المشركين وتعبئتهم وسوقهم صوب المدينة عاصمة الدولة
الإسلامية. وسرعان ما وصل الخبر إلى مسامع النبي(صلَّى
الله عليه وآله) وهو القائد المتحفز اليقظ والمدرك لكل التحركات
السياسية، من خلال العيون الثقات. |
2 ـ الضغط
على المسلمين :
|
لقد تعرض المسلمون لضغوط
عديدة أثناء الحصار منها: |
3 ـ هزيمة
العدو :
|
لقد كانت قوى الأحزاب ذات نوايا
وأهداف متخالفة، فاليهود كانوا يحاولون استعادة نفوذهم على المدينة بينما كانت
قريش مندفعة بعدائها للرسول والرسالة وكانت غطفان وفزارة وغيرها طامعة في محاصيل
خيبر التي وعدها اليهود. هذا من جانب. ومن جانب آخر أحدثت قسوة ظروف الحصار
كللاً ومللاً في نفوس الأحزاب إلى جانب ما واجههوه من التحصين وقوة المسلمين
التي أبدوها وما قام به (نُعيم بن مسعود) من إحداث شرخ في تحالف الأحزاب واليهود
إذ أقدم ـ بعد إسلامه ـ إلى الرسول (صلَّى الله عليه وآله) قائلاً: مرني ما شئت.
فقال له (صلَّى الله عليه وآله): (أنت فينا رجل واحد، فَخَذِّل عنا ما استطعت فإنّ الحرب
خدعة). وأرسل الله سبحانه وتعالى على
الأحزاب ريحاً عاتية باردة أحدثت فيهم رعباً وقلقاً فاقتلعت خيامهم وكفأت
قدورهم، فنادى أبو سفيان بقريش للرحيل فأخذوا معهم من المتاع ما استطاعوا حمله
وفرّوا هاربين وتبعتهم سائر القبائل حتى إذا أصبح الصباح لم يبق أحد منهم (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ) ( نزلت سورة الأحزاب
وفيها تفاصيل ما جرى يوم الخندق.). |
4 ـ غزو بني
قريظة وتصفية يهود المدينة :
|
لقد كشف يهود قريظة عن الحقد
والعداء الذي انطوت عليه نفوسهم يوم الخندق ولولا أن الله أخزى الأحزاب لتمكن
يهود بني قريظة من الفتك بالمسلمين من خلف ظهورهم فكان لابد للرسول (صلَّى
الله عليه وآله) من
معالجة موقفهم الخياني، ولهذا أمر النبي (صلَّى الله عليه وآله)
أن يتحرك المسلمون لمحاصرة اليهود في
حصونهم من دون أن يعطي فرصة للاستراحة مظهراً بذلك أهمية الحركة العسكرية
الجديدة فأذّن المؤذن في الناس: من كان
سامعاً مطيعاً فلا يصلينّ العصر إلا في بني قريظة(الطبري: 3 / 179.). |
الباب
الخامس:
|
فيه فصول: الفصل الأول: مرحلة الفتح. |
الفصل الأول: مرحلة الفتح
|
1 ـ صلح
الحديبية :
|
كادت تنقضي السنة
السادسة للهجرة وكانت تلك السّنة سنة جهاد مستمر ودفاع مستميت بالنسبة للمسلمين. واهتم
المسلمون بنشر الرسالة الإسلامية وبناء الإنسان والمجتمع الإسلامي وتكوين
الحضارة الإسلامية. وقد ادرك كل من كان في الجزيرة العربية عظمة هذا الدين وعرف
أن من المستحيل استئصاله والقضاء عليه، فالصراع مع قريش ـ وهي أكبر قوة سياسية وعسكرية آنذاك ـ ومع اليهود وباقي القوى المشركة لم يمنع من انتشار الإسلام وسطوع
معانيه وبلوغ أهدافه. سلك الرسول (صلَّى الله عليه وآله) وأصحابه
طريقاً وعراً ثم هبطوا إلى منطقة سهلة تدعى
بـ(الحديبية) فبركت ناقة رسول الله فقال (صلَّى الله عليه وآله): (ما
هذا لها عادة ولكن حبسها حابس الفيل بمكة)( بحار الأنوار : 20 / 229.)،
فأمر (صلَّى الله عليه وآله) المسلمين
بالنزول فيها ـ وقال (صلَّى الله عليه وآله): (لا تدعوني قريش اليوم
إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلاّ أعطيتهم إياها) ( الطبري: 3 / 216.)، ولكنّ قريشاً بقيت تترصد
المسلمين ووقف فرسانها في طريقهم، ثم بعثت إلى النبي (صلَّى
الله عليه وآله) بديل بن ورقاء في وفد من خزاعة لتستعلم هدف النبي
(صلَّى الله عليه وآله) وتصده
عن دخول مكة، وعاد الوفد ليقنع قريشاً أن السلم والعمرة هدف النبي (صلَّى الله عليه وآله). واستكبرت
قريش وبعثت بوفد آخر يرأسه الحليس
ـ سيد الأحابيش ـ فلما رآه النبي (صلَّى الله عليه وآله) مقبلاً قال: (إن هذا من قوم يتألهون) (أي يعظمون الله). فلما
رأى الحليس الهدي رجع إلى قريش من دون أن يلتقي بالنبي (صلَّى الله عليه وآله)
ليقنع قريشاً ان النبي والمسلمين جاءوا معتمرين
. ولكن لم تقتنع قريش فأرسلت مسعود بن عروة الثقفي الذي انبهر من مشهد المسلمين
وهم يتسابقون لالتقاط القطرات المتناثرة من وضوئه (صلَّى الله عليه وآله) فعاد إلى
قريش قائلاً: يا معشر قريش إني قد جئت كسرى في ملكه وقيصر في ملكه والنجاشي في
ملكه، وإني والله ما رأيت ملكاً في قوم قط مثل (محمد) في أصحابه، ولقد رأيت
قوماً لا يسلمونه لشيء قط فروا رأيكم(المغازي: 2 / 598.). |
شروط الصلح :
|
وبسبب
تشدد (سهيل) في
شروط الصلح كادت المفاوضات أن تفشل، وأخيراً
تمّ الاتفاق على عدّة شروط للصلح، هي: 1
ـ تعهّد الطرفين بترك الحرب عشر سنين ، يأمن فيها الناس ويكفّ بعضهم عن بعض. |
نتائج صلح
الحديبية :
|
1
ـ اعترفت قريش بكيان المسلمين كقوة عسكرية وسياسية منظمة، وكدولة حقيقية جديدة. |
2 ـ انطلاقة
الرسالة الإسلامية إلى خارج المدينة :
|
لقد كانت محاولات قريش للقضاء على
الإسلام فيما مضى عاملاً لانشغال النبي (صلَّى الله عليه وآله) والمسلمين في
معارك الدفاع والتحصين وتثبيت أركان الدولة والمجتمع الإسلامي عدة سنين فلم
يستطع خلالها أن يبلّغ بحريّة تامّة رسالته السماوية العالمية والخاتمة لكل
الأديان. ولكن بتوقيع معاهدة صلح الحديبية أمن الرسول جانب قريش وأتاحت هذه
العملية فرصة مناسبة لأن يبعث الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) سفراءه إلى زعماء القوى الكبرى المحيطة
بالجزيرة العربية والى كل رؤساء المجاميع في الجزيرة وخارجها يدعوهم إلى الإسلام
بعد بيان التعاليم الإلهية لهم. |
3 ـ غزوة
خيبر :
|
وقعت هذه الغزوة في شهر جمادى الآخرة من السنة السابعة للهجرة، راجع الطبقات الكبرى : 2 / 77. بجهود صادقة وبحنكة كبرى وشجاعة
فائقة وتسديد إلهي ارتقى النبي (صلَّى الله عليه وآله)
بالمسلمين سُلّم الوعي الرسالي والثبات
والخير وزرع فيهم روح الصبر والتواصل.. وانطلق (صلَّى الله عليه
وآله)
برسالته السماوية إلى العالم الإنساني
خارج الجزيرة العربية من خلال كتبه ورسله إلى زعماء القوى المجاورة. وتوقع النبي
(صلَّى
الله عليه وآله) أن تكون ردود الفعل مختلفة فقد يكون بعضها
هجوماً عسكرياً يقصد المدينة مستعيناً بما فيها من بقية جيوب المنافقين واليهود
وهم الذين حفل تأريخهم بالغدر والخيانة . |
4 ـ محاولة
اغتيال النبي (صلَّى الله عليه وآله) :
|
لقد قررت جماعة في الخفاء قتل النبي (صلَّى
الله عليه وآله) غيلةً شفاءً لحقدهم الدفين
وإرضاءً لنزعاتهم العدوانية ولهذا أهدت زينب بنت الحارث ـ زوجة سلام بن مشكم
اليهودي ـ إلى النبي (صلَّى الله عليه وآله) شاة مشوية ودسّت السمّ فيها وأكثرت منه في
ذراعها إذ كانت تعلم أن النبي (صلَّى الله عليه وآله) يحب الذراع من الشاة. |
5 ـ استسلام
أهالي فدك :
|
وتهاوت أوكار الخيانة أمام صولات
الحق والعدل، فما أن تم نصر الله في خيبر حتى قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك
فبعثوا إلى رسول الله (صلَّى
الله عليه وآله) يصالحونه على نصف محاصيل فدك وأن
يعيشوا تحت راية الحكم الإسلامي، مطيعين مسالمين فوافق رسول
الله (صلَّى الله عليه وآله)
على
ذلك. وبهذا أصبحت فدك ملكاً لرسول الله (صلَّى
الله عليه وآله) خاصة بحكم القرآن لأنها مما لم
يوجف عليه بخيل ولا سلاح إذ أعلنت استسلامها للنبي
(صلَّى الله
عليه وآله) من
دون تهديد أو قتال. وقد وهب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فدكاً لابنته فاطمة الزهراء (عليها
السلام)( مجمع البيان: 3 / 411، شرح ابن أبي الحديد: 16 / 268، الدر المنثور:
4 / 177.). |
6 ـ عمرة
القضاء :
|
انقضت
أيام الهدنة والنبي (صلَّى
الله عليه وآله) والمسلمون في عمل دؤوب متواصل
لتركيز دعائم الحكم الإسلامي، ولم تحدث تحركات عسكرية مهمة بعد فتح خيبر سوى
خروج سرايا تبليغية أو تأديبية لبعض العناصر التي كانت تظهر الشغب. |
الفصل الثاني: الإسلام خارج الجزيرة
|
1 ـ معركة
مؤتة (وقعت معركة مؤتة في جمادى الاُولى من السنة الثامنة للهجرة.) :
|
عزم النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)
على بسط
الأمن في شمال الجزيرة العربية، ودعوة أهلها إلى الإسلام والانطلاق نحو الشام.
من هنا بعث الحارث بن عمير الأزدي إلى الحارث ابن
أبي شمر الغساني فاعترضه شرحبيل بن عمرو الغسّاني فقتله. وخرج رسول الله
(صلَّى الله عليه وآله) معهم مودّعاً حتى بلغ ثنية الوداع. ولقد تألّم
رسول الله لمقتل جعفر بن أبي طالب وبكاه بشدة،
وذهب (صلَّى
الله عليه وآله) إلى بيت جعفر يعزّي أهله ويواسي أبناءه، كما
حزن كثيراً على زيد ابن حارثة(بحار الأنوار: 21 / 54، المغازي: 2 / 766، السيرة الحلبية: 3 / 68.). |
2 ـ فتح مكة (تم فتح مكة في شهر رمضان من السنة الثامنة
للهجرة.) :
|
لقد
اختلفت ردود فعل القوى في المنطقة بعد معركة مؤتة،
فالروم فرحوامن انسحاب المسلمين وعدم تمكّنهم من دخول الشام. ويبدو أن النبي
(صلَّى الله عليه وآله) كان يود أن يتحقق النصر المؤزّر سريعاً دون
إراقة قطرة دم ، متخذاً أسلوب المباغته. ولكن الخبر تسرب إلى رجل كان قد ضعف
أمام عواطفه فكتب إلى قريش كتاباً بذلك وبعثه مع امرأة توصله. ونزل الوحي يخبر
النبي (صلَّى الله عليه
وآله)
بذلك فأمر علياً والزبير بأن يلحقا المرأة ويسترجعا الكتاب، وانتزع علي بن أبي
طالب بقوة إيمانه برسول الله (صلَّى الله عليه وآله) الكتاب من
المرأة(السيرة النبوية: 2 / 398.). |
تحرك الجيش
الإسلامي نحو مكة :
|
وتحرك جيش المسلمين في العاشر من
شهر رمضان باتجاه مكة المكرمة، ولما بلغ مكاناً يدعى
(الكديد) طلب النبي(صلَّى الله عليه وآله) ماءاً فأفطر به أمام المسلمين
وأمرهم أن يفطروا لكن بعضاً منهم عصوا الرسول القائد ولم يفطروا فغضب من عصيانهم
وقال: (أولئك العصاة) وأمرهم أن يفطروا(وسائل الشيعة: 7 / 124،
السيرة الحلبية: 3 / 290، المغازي: 2 / 802، وصحيح مسلم 3/141 ـ 142، كتاب
الصيام باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية، ط دار الفكر ،
بيروت.). ولما وصل النبي (صلَّى الله عليه وآله) إلى مرّ
الظهران أمر المسلمين أن ينتشروا في الصحراء ويوقد كل منهم ناراً. وهكذا أضاء
الليل البهيم وظهر المسلمون كجيش عظيم تضيع أمامه كل قوى قريش مما أقلق العباس
بن عبد المطلب ـ وهو آخر المهاجرين إذ التحق بركب رسول الله في منطقة الجحفة ـ
فتحرك يبحث عن وسيلة يبلغ بها قريشاً أن تأتي مسلمة قبل دخول الجيش عليها. |
استسلام أبي
سفيان :
|
ولما مثل أبو سفيان بين يدي النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) قال له : (ويحك يا
أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلاّ الله؟) فقال أبو سفيان: بأبي أنت وأمي ما أحلمك، وأكرمك
وأوصلك! والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئاً بعد. فقال (صلَّى الله عليه
وآله) : ويحك
يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟) قال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما والله فإنّ
في النفس منها حتى الآن شيئاً (السيرة النبوية: 3 / 40،
مجمع البيان: 10 / 554 .). واستسلم من بقي من زعماء المشركين
بعد استسلام أبي سفيان، ولكن النبي (صلَّى
الله عليه وآله) استتماماً للضغط النفسي على قريش
كي تستسلم دون إراقة دماء قال للعباس: (يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمرّ به
جنود الله فيراها). |
دخول مكة :
|
أصدر رسول
الله (صلَّى
الله عليه وآله) أوامره الحكيمة بتوزيع مداخل
القوات إلى مكة مؤكداً عدم اللجوء إلى القتال إلاّ رداً عليه. وأهدر (صلَّى
الله عليه وآله) دماء عدد من المشركين ـ في كلّ الحالات ـ حتّى لو وجدوهم متعلقين بأستار
الكعبة، لعظيم جنايتهم ومعاداتهم للإسلام وللنبي (صلَّى
الله عليه وآله). |
3 ـ غزوة
حنين وحصار الطائف (وقعت معركة حنين فى شوال
من السنة الثامنة للهجرة.) :
|
(وقعت
معركة حنين فى شوال من السنة الثامنة للهجرة.) أمضى النبي (صلَّى الله عليه وآله) خمسة عشر
يوماً في مكة فاتحاً فيها عهداً جديداً من التوحيد بعد طول فترة من الشرك،
والغبطة والسرور يعمّان المسلمين، والأمان يلفّ أم القرى، وترامت إلى أسماع
النبي (صلَّى الله عليه وآله) أن قبيلتي
هوازن وثقيف قد أعدّتا العدّة لمحاربة الإسلام ظنّاً منهما أنّهما يُحققان ما
عجزت عنه سائر قوى الشرك والنفاق من تدمير الإسلام، وعزم النبي
(صلَّى الله عليه وآله) على الخروج لملاقاتهم ولكنه وطّد
دعائم الإدارة في مكة قبل خروجه كما هي سيرته عند كل فتح، فعيّن معاذ بن جبل
ليعلّم الناس القرآن وأحكام الإسلام كما عيّن عتاب بن أسيد للصلاة بالناس وإدارة
الأمور. |
توزيع
الغنائم :
|
تدافع المسلمون على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يلحّون عليه
أن يقسّم الغنائم حتى ألجأوه إلى شجرة وأخذوا رداءه; فقال: (ردّوا عليّ ردائي فوالله لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعماً
لقسّمته عليكم، ثم ما ألفيتموني بخيلاً ولا جباناً ولا كذّاباً). |
اعتراض
الأنصار :
|
ورأى سعد بن عبادة أن يخبر النبي
(صلَّى الله عليه وآله) بما يدور بين الأنصار من قولهم: لقي رسول الله قومه ونسي
أصحابه. فجمع سعد الأنصار وأقبل الرسول الكريم (صلَّى
الله عليه وآله) يحدّثهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: |
4 ـ غزوة
تبوك (كانت غزوة تبوك في رجب سنة ( 9 ) من الهجرة .) :
|
كانت غزوة تبوك في رجب
سنة ( 9 ) من الهجرة . أصبحت الدولة الإسلامية كياناً
يهاب جانبه، وكان على المسلمين الحفاظ على حدوده وأراضيه حتى تبلغ الرسالة
الإسلامية أرجاء الأرض. واستنفر النبي (صلَّى الله عليه وآله) المسلمين من جميع نقاط الدولة الإسلامية
استعداداً لحرب الروم إذ وردت أخبار تؤكد استعدادهم لغزو الجزيرة واسقاط الدولة
ومحق الدين الإسلامي وصادف أن كان ذلك العام عام جدب وقلّة ثمار وكان الوقت
صيفاً حاراً مما زاد من صعوبة الخروج لملاقاة عدو قوي متمرّس كبير العدد والعدة.
فتقاعس ذوو النفوس الضعيفة والمعنويات المتدنّية وبرز
النفاق ثانية علانية ليثبّط العزائم ويخذل الإسلام. |
الإعلان عن
مكانة علي (عليه السلام) لدى النبي (صلَّى الله عليه وآله) :
|
وأشاع المنافقون والذين في قلوبهم
مرض حول بقاء علي بن أبي طالب في المدينة اُموراً إذ قالوا: إنما تركه رسول الله
استثقالاً له وتخففاً منه، سعْياً منهم للإثارة رجاء أن يخلو جو المدينة لهم فأسرع عليّ(عليه
السلام) للالتحاق برسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فلحق به على مقربة من المدينة وقال: يا نبي الله زعم المنافقون أنك إنما خلّفتني أنك استثقلتني وتخفّفت
مني. |
جيش العسرة :
|
وانطلق جيش المسلمين في طريق وعر
طويل وقد أوضح لهم الرسول هدف المسيرة خلافاً لما كان في الغزوات الماضية. وكان
يتخلف عنه في الطريق جماعة ممن خرجوا معه من المدينة فكان يقول (صلَّى الله عليه وآله) لأصحابه:
دعوه فإن يكن به خير فسيلحقه الله بكم وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه. |
5- محاولة
اغتيال النبي (صلَّى الله عليه وآله) :
|
أقفل النبي
(صلَّى الله عليه وآله)
والمسلمون راجعين إلى المدينة بعد أن أمضوا بضع عشرة يوماً في تبوك، وتحرك
الشيطان في نفوس جمع ممّن لم يؤمن بالله ورسوله فعزموا
على اغتيال الرسول (صلَّى الله عليه وآله)
وذلك بتنفير ناقته عند مرورها عليهم ليطرحوه في واد كان هناك. |
من نتائج
غزوة تبوك :
|
1 ـ لقد برز المسلمون كقوة كبيرة
منظمة، تملك العقيدة القوية فتهابهم الدول المجاورة والديانات الأخرى وكان هذا
إنذاراً حقيقياً لكل القوى في خارج البلاد الإسلامية وداخلها بعدم التعرض
للإسلام والمسلمين. |
6 ـ عام
الوفود :
|
بدت سيطرة الإسلام على الجزيرة
واضحة . ولم يكن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)
ليلجأ إلى القوة والقتال إلاّ بعد إعذار وإنذار، بل وفي أكثر الوقائع كان قتال
المسلمين دفاعاً، على أن بعض قوى الشرك لا تعي الحق ولا تهتدي سبيلاً إلاّ بعد
عنف وقوة وتهديد ووعيد. |
إسلام قبيلة
ثقيف :
|
أملت ظروف النصر الإلهي على كل
عاقل أن يتدبر أمره ويحكّم عقله تجاه الإسلام. وكانت حكمة الرسول بالغة إذ أجّل فتح الطائف يوم امتنعت ثقيف فيها وها هي اليوم
ترسل وفدها لتعلن إسلامها بعد أن عاندت وكابرت وقتلت
سيداً من سادتها (عروة بن مسعود الثقفي) يوم جاءها مسلماً يدعوها إلى الدين
الجديد. |
7 ـ وفاة
إبراهيم ابن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) :
|
في غمرة أفراح النبي (صلَّى الله عليه وآله) بنجاح الإسلام وانتشار
الرسالة حيث كان الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، وعك إبراهيم بعد أن دخل في
عامه الثاني وجعلت أُمّه (ماريا) تمرّضه ولم ينفع معه شيء فأبلغ النبي(صلَّى
الله عليه وآله) باحتضار ولده فأقبل وإبراهيم يجود بنفسه في حضن اُمه فأخذه
النبي(صلَّى الله عليه وآله) وقال: (يا إبراهيم إنا لن نغني عنك من الله شيئاً إنا بك لمحزونون
تبكي العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرّب ولولا أنه وعدٌ صادق وموعود جامع
فإن الآخر منا يتبع الأول لوجدنا عليك يا إبراهيم وجداً شديداً ما وجدناه) ( السيرة الحلبية: 3 /
311، بحار الأنوار: 22 / 157.). |
الفصل الثالث: تصفية الوجود الوثني داخل الجزيرة
|
1 ـ إعلان
البراءة من المشركين :
|
لم يبق في الجزيرة العربية من بقي
على الشرك والوثنية سوى أفراد قلائل بعد أن انتشرت العقيدة الإسلامية والشريعة
السمحاء في أرجائها واعتنقها كثير من الناس. وهنا كان لابد من إعلان صريح حازم
يلغي كل مظاهر الشرك والوثنية في مناسك أكبر تجمع عبادي سياسي. |
2 ـ مباهلة
نصارى نجران :
|
اجتمع زعماء نصارى نجران وحكماؤهم
يتدارسون أمر كتاب النبي (صلَّى الله عليه
وآله) الذي يدعوهم فيه إلى الإسلام. ولم
يتوصلوا إلى رأي قاطع إذ كانت في أيديهم تعاليم تؤكد وجود نبي بعد عيسى (عليه السلام)، وما ظهر من محمد فهو يشير إلى
نبوّته. من هنا قرّروا أن يرسلوا وفداً يقابل شخص النبي(صلَّى الله عليه وآله) ويحاوره. وخرج إليهم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وهو يحمل الحسين وبيده الحسن وخلفه ابنته
فاطمة وابن عمّه علي بن أبي طالب امتثالاً لأمر الله تعالى الذي نصّ عليه الذكر
الحكيم قائلاً: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ
مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا
وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ
نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) ( آل عمران (3) : 61.)
ولم يصحب سواهم أحداً من المسلمين ليثبت للجميع صدق نبوته ورسالته وهنا قال أسقف نجران: يا معشر النصارى اني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن
يزيل جبلاً من مكانه لأزاله فلا تباهلوا فتهلكوا ولا
يبقى على وجه الأرض نصراني. |
3 ـ حجة
الوداع :
|
كان الرسول الأكرم القدوة الحسنة
للإنسانية جمعاء، يبلّغ آيات الله ويفسّرها ويفصّل أحكامها ببيان جلي، وجماهير
المسلمين حريصة على الاقتداء به في القول والعمل. وبحلول شهر ذي القعدة من العام
العاشر للهجرة عزم النبي (صلَّى الله عليه وآله) على أداء
فريضة الحج ـ ولم يكن قد حج من قبل وذلك ليطلع الأمة على أحكام الله في فريضة
الحج فتقاطرت ألوف المسلمين على المدينة وتجهّزوا للخروج مع النبي(صلَّى الله عليه وآله) حتى بلغ عددهم
ما يقارب مائة ألف مسلم من مختلف الحواضر والبوادي والقبائل، تجمعهم المودة
الصادقة والاُخوة الإسلامية والاستجابة لنداء الرسول
القائد (صلَّى الله عليه وآله)
بعد أن كانوا بالأمس القريب أعداءاً متنافرين، جُهّالاً كافرين. واصطحب النبي(صلَّى
الله عليه وآله) معه كل نسائه وابنته الصديقة
فاطمة الزهراء، وتخلّف زوجها علي بن أبي طالب في مهمة بعثه بها رسول الله (صلَّى
الله عليه وآله) ،
واستعمل على المدينة أبا دجانة الأنصاري. |
خطبة النبي (صلَّى الله عليه وآله) في حجة الوداع :
|
وروي أن النبي (صلَّى الله عليه وآله) خطب خطاباً
جامعاً فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: (أيها الناس
اسمعوا مني اُبين لكم فإني لا أدري لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا.
أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في
شهركم هذا في بلدكم هذا. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. فمن كانت عنده أمانة فليؤدّها
إلى الذي ائتمنه عليها وإنّ ربا الجاهلية موضوع، وإن أوّل رباً أبدأ به ربا عمي
العباس بن عبد المطلب. وإنّ دماء الجاهلية موضوعة، وإنّ أول دم أبدأ به دم عامر
بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وإنّ مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة
والسقاية، والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر ففيه مائة بعير فمن زاد
فهو من أهل الجاهلية. |
4 ـ تعيين
الوصي :
|
للمزيد من التفصيل
راجع موسوعة الغدير للعلاّمة الأميني الجزء الأوّل. أتمّ المسلمون حجّهم الأكبر وهم
يحتفّون بالنبي (صلَّى الله عليه وآله) وقد أخذوا
مناسكهم عنه، وقرّر الرسول (صلَّى الله عليه وآله) أن يعود إلى المدينة، ولما بلغ موكب الحجيج
العظيم إلى منطقة (رابغ) قرب (غدير خم) وقبل
أن يتفرّق الحجيج ويرجعوا إلى بلدانهم من هذه المنطقة نزل الوحي الإلهي بآية
التبليغ الآمرة والمحذّرة: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ
بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا
بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ( المائدة (5) : 67 .). |
5 ـ ظهور
المتنبئين :
|
تفرّقت جموع الحجيج من منطقة غدير
خم متّجهة نحو العراق والشام واليمن، واتّجه النبي (صلَّى
الله عليه وآله) نحو المدينة. وحمل الجميع وصية الرسول (صلَّى الله عليه وآله) بالخلافة والقيادة من بعده لربيبه علي بن أبي
طالب (عليه السلام) لتستمر حركة
الرسالة الإسلامية بنهج نبويّ وتجتاز العقبات بعد رحيل القائد الأوّل وذلك بعد
أن عرّف بعليّ في ذلك اليوم التاريخي الخالد بل منذ يوم الدار حيث أ نّه وصفه
بالوزير الناصح والأخ المؤازر والعضد المدافع والخليفة الذي يجب على الناس من
بعده أن يطيعوه ويتّبعوه ويتّخذوه لأنفسهم قائداً وزعيماً. |
6 ـ التعبئة
العامّة لغزو الروم: في صفر عام ( 11 هـ ) .
|
عقد النبي(صلَّى
الله عليه وآله) اللواء لاُسامة في صفر عام ( 11 هـ ) . أبدى النبي
(صلَّى الله عليه وآله) اهتماماً كبيراً للحدود الشمالية للدولة
الإسلامية حيث تتواجد دولة الروم المنظمة وصاحبة الجيش القوي. ولم تكن دولة فارس
ذات أثر مُقلق على الدولة الإسلامية لأنّ علامات الانهيار كانت قد بدت عليها،
كما أنها لم تكن تملك عقيدة روحية تدافع عنها كالمسيحية لدى الروم، فهي التي
كانت تشكّل خطراً على الكيان الإسلامي الفتيّ، خاصة وأن بعض عناصر الشغب والنفاق
قد أجليت عن الدولة الإسلامية فذهبت إلى الشام ولحق بها آخرون، وكان وجود نصارى
نجران عاملاً سياسياً يدفع الروم لنصرتهم. ولكنّ روح التمرد والطمع في
السلطان وقلّة الانضباط دفعت بعض العناصر إلى عدم التسليم التام لأمر النبي (صلَّى
الله عليه وآله) ولعلّها كانت
عارفة بالأهداف التي قصدها النبي (صلَّى
الله عليه وآله) ومن هنا حاولت أن تؤخّر حركة الجيش المجتمع في
معسكر (الجرف). وبلغ النبي (صلَّى
الله عليه وآله) ذلك فغضب وخرج ـ وهو ملتحف قطيفة، وقد عصَّبَ
جبهته بعصابة من ألم الحمّى التي أصابته ـ إلى المسجد فصعد المنبر ثم حمد الله
وأثنى عليه وقال: ( أما بعد أيها الناس فما مقالة
بلغتني عن بعضكم في تأميري أُسامة، ولئن طعنتم في إمارتي أُسامة لقد طعنتم في
إمارتي أباه من قبله وأيم الله إن كان للإمارة لَخليقاً وإن ابنه من بعده لخليق
للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ وإنّهما لمخيلان لكل خير(بمعنى أنهما ممن يتفرّس
فيهما كل خير. والخوليّ: هو الراعي الحسن القيام على المال.)، واستوصوا به خيراً
فإنه من خياركم) ( الطبقات الكبرى: 2 / 190، ط دار الفكر.). |
الفصل الرابع: أيام الرسول (صلَّى الله عليه وآله) الأخيرة
|
1 ـ الحيلولة
دون كتابة الوصية :
|
ورغم ثقل الحمى وألم المرض خرج
النبي (صلَّى الله عليه وآله) مستنداً على
علي (عليه السلام) والفضل بن العباس ليصلي بالناس
وليقطع بذلك الطريق على الوصوليين الذين خطّطوا لمصادرة الخلافة والزعامة التي
طمحوا لها من قبل حيث تمرّدوا على أوامر الرسول (صلَّى
الله عليه وآله) بالخروج مع جيش أُسامة بكل بساطة
والتفت النبيّ ـ بعد الصلاة ـ إلى الناس فقال: (أيها
الناس سُعّرت النار وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، وإني والله ما تمسكون عليّ
بشيء، إني لم أحلّ إلا ما أحلّ الله، ولم اُحرّم إلا ما حرّم الله) ( السيرة النبوية: 2 /
954، الطبقات الكبرى: 2 / 215.) فأطلق
بقوله هذا تحذيراً آخر أن لا يعصوه وإن لاحت في الأفق النوايا السيئة التي ستجلب
الويلات للأُمة حين يتزعّمها جهّالها. وهكذا
وقع التنازع والاختلاف وقالت النسوة من وراء الحجاب: إئتوا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بحاجته. فقال عمر: اسكتن فإنكن صويحبات يوسف إذا مرض
عصرتنّ أعينكن وإذا صحّ أخذتنّ بعنقه، فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): هن خير منكم(الطبقات الكبرى : 2 / 244 ، كنز العمال: 3 / 138.). |
2 ـ الزهراء
(عليها السلام) تزور أباها (صلَّى الله عليه وآله) :
|
أقبلت
الزهراء (عليها السلام) وهي تجر أذيال الحزن وتتطلع إلى أبيها وهو على وشك
الالتحاق بربّه فجلست عنده منكسرة القلب دامعة العين وهي تردد: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه = ثمالَ اليتامى عصمة للأرامل وفي هذه اللحظات فتح
النبي (صلَّى الله عليه وآله) عينيه وقال بصوت خافت:
يا بنية هذا قول عمك أبي طالب لا تقوليه ولكن قولي: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ
الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ
يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي
اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)( آل عمران (3): 144 .). |
3 ـ اللحظات
الأخيرة من عمر النبي (صلَّى الله عليه وآله) :
|
وكان علي (عليه السلام) ملازماً
للرسول (صلَّى الله عليه وآله) ملازمة ذي الظل لظلّه حتى آخر لحظات حياته
الشريفة وهو يوصيه ويعلّمه ويضع سرّه عنده. وفي الساعة الأخيرة قال رسول الله
(صلَّى الله عليه وآله): ادعوا لي أخي ـ وكان(صلَّى
الله عليه وآله) قد بعثه في حاجة فجاءه بعض
المسلمين فلم يعبأ بهم الرسول (صلَّى الله عليه
وآله)
حتى جاء علي (عليه السلام) فقال (صلَّى الله عليه وآله) له: اُدن
مني. فدنا علي (عليه السلام)
فاستند إليه فلم يزل مستنداً إليه يكلّمه حتى بدت عليه (صلَّى الله عليه وآله) علامات الاحتضار(الطبقات الكبرى: 2 /
263.)، وتوفّي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وهو في حجر علي(عليه السلام) . كما قد صرّح بذلك علي
(عليه السلام) نفسه في إحدى خطبه
الشهيرة (نهج البلاغة: خطبة 197.). |
4 ـ وفاة
النبي (صلَّى الله عليه وآله) ومراسم دفنه :
|
ولم يكن حول النبي (صلَّى الله عليه وآله) في اللحظات
الأخيرة إلاّ علي بن أبي طالب وبنو هاشم ونساؤه. وقد علم الناس بوفاته (صلَّى الله عليه وآله) من الضجيج
والصراخ الذي علا من بيت الرسول (صلَّى
الله عليه وآله) حزناً على فراق الحبيب، وخفقت
القلوب هلعة لرحيل أشرف خلق الله. وانتشر خبر الوفاة في المدينة انتشار النار في
الهشيم ودخل الناس في حزن وذهول رغم أنه (صلَّى الله عليه
وآله)
كان قد مهّد لذلك ونعى نفسه الشريفة عدّة مرات وأوصى الأمة بما يلزمها من طاعة
وليّها وخليفته من بعده علي ابن أبي طالب. لقد كانت وفاته صدمة عنيفة هزّت وجدان
المسلمين، فهاجت المدينة بسكانها وازدادت حيرة المجتمعين حول دار الرسول(صلَّى الله عليه وآله) أمام كلمة عمر بن الخطاب التي قالها وهو يهدد بالسيف: إنّ رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قد مات، إنه والله ما مات ولكنّه قد ذهب إلى
ربه كما ذهب موسى بن عمران (الكامل في التأريخ: 2 /
323، الطبقات الكبرى : 2 / 266، السيرة النبوية لزيني دحلان: 2 / 306.). |
الفصل الخامس: من معالم الرسالة الإسلامية الخاتمة
|
1
ـ
بماذا بعث النبي محمد(صلَّى الله عليه وآله) ؟
|
تجد هذا البحث في
سيرة النبي (صلَّى الله عليه وآله) للسيد محسن الأمين العاملي في كتابه أعيان
الشيعة. بعث الله تعالى نبيّه
محمّداً(صلَّى الله عليه وآله) على حين فترة من الرسل خاتماً للنبيين وناسخاً
لشرائع من كان قبله من المرسلين إلى الناس كافة أسودهم وأبيضهم عربيهم وعجميهم
وقد ملئت الأرض من مشرقها إلى مغربها بالخرافات والسخافات والبدع والقبائح
وعبادة الأوثان. |
2 ـ سهولة
الشريعة الإسلامية وسماحتها
|
واكتفى من الناس بأن يقولوا لا إله
إلاّ الله محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويصوموا شهر رمضان
ويحجوا البيت ويلتزموا بأحكام الإسلام. وكان قول هاتين الكلمتين ( لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله ) يكفي لأن
يكون لقائله ما للمسلمين وعليه ما عليهم |
3 ـ سمو
التعاليم الإسلامية
|
وبعث بالمساواة في الحقوق بين جميع
الخلق، وأنّ أحداً ليس خيراً من أحد إلا بالتقوى. وبالإخوة بين جميع المؤمنين
وبالكفاءة بينهم: تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، وبالعفو العام عمن دخل في
الإسلام. |
4 ـ القرآن
الكريم
|
وانزل
الله تعالى على نبيّه حين بعثه بالنبوّة قرآناً عربيّاً مبيّناً لا يأتيه الباطل
من بين يديه ولا من خلفه، وقد أعجز النبي(صلَّى
الله عليه وآله) به البلغاء وأخرس الفصحاء وتحدّاهم فيه فلم يستطيعوا
معارضته وهم أفصح العرب بل واليهم تنتهي الفصاحة والبلاغة، وقد حوى هذا الكتاب
العزيز المنزل من لدن حكيم عليم من أحكام الدين وأخبار الماضين وتهذيب الأخلاق
والأمر بالعدل والنهي عن الظلم وتبيان كل شيء ما جعله يختلف عن كل الكتب حتّى
المنزّلة منها وهو ما يزال يتلى على كر الدهور ومر الأيام وهو غض طري يحيّر
ببيانه العقول ولا تملّه الطباع مهما تكررت تلاوته وتقادم عهده. |
5 ـ الواجبات
والمحرمات في الشريعة الإسلامية :
|
وترتكز
الواجبات والمحرّمات في الشريعة الإسلامية على أسس فطرية واقعية وأمور تستلزمها
طبيعة الأهداف السامية للشريعة التي جاءت لإخراج هذا الإنسان من ظلمات الجاهلية
وهدايته إلى نور الحق والكمال ، ولا تحتاج الإنسانية إلى شيء يرتكز عليه الكمال
البشري إلاّ وأوجبته الشريعة الإسلامية على الإنسان وهيّأت له سبل الوصول إليه ،
وحرّمت كل شيء يعيق الإنسان عن السعادة الحقيقية المنشودة له وسدّت كل منافذ
السقوط إلى هوّة الشقاء . |
الفصل السادس: تراث خاتم المرسلين(صلَّى الله عليه وآله)
|
قال تعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)( الجمعة (62): 2 .). ويشترك
العطاءان بأنهما من فيض السماء على الإنسان بتوسط هذا الرسول الكريم. فهما وحي الله على قلب محمد (صلَّى الله عليه وآله) الذي
لم ينطق عن الهوى. وعن إبراهيم بن هاشم مسنداً إلى أبي جعفر (عليه
السلام):
في كتاب علي كل شيء يحتاج إليه حتى أرش الخدش (تاريخ التشريع الإسلامي
: 32 .). ومن هنا لزم على الباحث عن السنّة
النبوية الرجوع إلى مصادر السنّة عند أهل البيت(عليهم السلام) وأتباعهم فإنهم
أدرى بما في البيت. |
نماذج
من تراث سيّد المرسلين (صلَّى الله عليه وآله)
|
1 ـ العقل
والعلم :
|
1 ـ لقد اهتم الرسول (صلَّى الله
عليه وآله) بالعقل أشدّ الاهتمام، فعرّفه وبيّن وظيفته ودوره في الحياة: على
مستوى التكليف والمسؤولية، وعلى مستوى العمل والجزاء، كما بيّن عوامل رشده
وتكامله، فقال: |
2 ـ واهتم الرسول الرائد(صلَّى
الله عليه وآله) بالعلم والمعرفة،
مبيّناً دور العلم في الحياة وقيمته اذا ما قيس إلى سائر أنواع الكمال، فقال: |
2 ـ مصادر
التشريع :
|
3
ـ لقد رسم خاتم الرسل (صلَّى الله عليه وآله) للناس
جميعاً طريق السعادة الحقيقية وضمن لهم الوصول اليها فيما اذا التزموا
بالتعليمات التي بيّنها لهم. ويتلخّص طريق السعادة عند الرسول
(صلَّى الله عليه وآله) بالتمسك بأصلين أساسيين لا غنى
بأحدهما عن الآخر وهما الثقلان، حيث قال: |
القرآن ودوره
المتميّز :
|
4 ـ وأفصح النبي(صلَّى الله عليه
وآله) تبليغ بيانه عن عظمة القرآن الكريم مبيّناً دوره في الحياة وقيمة التمسك
التامّ به حيث خاطب عامّة البشرية قائلاً: |
أهل البيت
(عليهم السلام) أركان الدين
|
5 ـ وعرّف الرسول الخاتم(صلَّى
الله عليه وآله) الثقل الكبير ـ أي أهل بيت الرسالة: عليٌ وبنوه الأحد عشر ـ
بأنواع التعريف، وكان مما قاله في آخر خطبة خطبها: |
3 ـ أصول
العقيدة الإسلامية
|
الخالق لا يوصف: |
(إنّ الخالق لا يوصف
إلاّ بما وصف به نفسه، وكيف يوصف الخالق الذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن
تناله، والخطرات أن تحدّه، والأبصار عن الإحاطة به ؟ جلّ عمّا يصفه الواصفون،
ناء في قربه، وقريب في نأيه، كيّف الكيفيَّة فلا يقال له كيف؟ وأيَّن الأين فلا
يقال له أين؟ هو منقطع الكيفوفيَّة والأينونيَّة، فهو الأحد الصمد كما وصف نفسه،
والواصفون لا يبلغون نعته، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد)( بحار الأنوار : 2 / 94
، الكفاية، أبو المفضل الشيباني عن أحمد بن مطوق بن سوار عن المغيرة بن محمد ابن
المهلب عن عبد الغفار بن كثير عن إبراهيم بن حميد عن أبي هاشم عن مجاهد عن ابن
عباس قال: قدم يهودي على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، يقال له: نعثل.
فقال: يا محمد إني أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين، فإن أنت أجبتني عنها،
أسلمت على يدك. قال: سل يا أبا عمارة! فقال: يا محمد صف لي ربك. فقال:...). |
شروط التوحيد : |
(إذا قال العبد: (لا
إله إلاّ الله) فينبغي أن يكون معه تصديق وتعظيم، وحلاوة وحرمة، فإذا قال: (لا إله إلاّ الله)
ولم يكن معه تعظيم، فهو مبتدع. وإذا لم يكن معه حلاوة فهو مراء. وإذا لم يكن معه
حرمة فهو فاسق)( كلمة الرسول الأعظم : 30 .). |
رحمة الله : |
(إن رجلين كانا في بني
إسرائيل، أحدهما مجتهد في العبادة والآخر مذنب، فجعل يقول المجتهد: أقصر عمّا
أنت فيه، فيقول: خلّني وربي، حتى وجده يوماً على ذنب استعظمه، فقال: أقصر، قال:
خلّني وربي، أبُعثت عليّ رقيباً؟ فقال: والله لا يغفر الله لك ولا يدخلك الجنة.
فبعث الله إليهما ملكاً، فقبض أرواحهما فاجتمعا عنده، فقال للمذنب: اُدخل الجنة
برحمتي، وقال للآخر: أتستطيع أن تحظر على عبدي رحمتي ؟ فقال: لا يا ربّ. قال:
اذهبوا به إلى النّار)( كلمة الرسول الأعظم : 31 .). |
لا جبر ولا اختيار : |
(إنّ الله لا يطاع
جبراً، ولا يعصى مغلوباً، ولم يهمل العباد من المملكة، ولكنه القادر على ما
أقدرهم عليه، والمالك لما ملّكهم إياه; فإن
العباد إن ائتمروا بطاعة
الله لم يكن منها مانع، ولا عنها صاد، وإن عملوا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم
وبينها فعل، وليس من شاء أن يحول بينك وبين شيء ولم يفعله، فأتاه الذي فعله كان
هو الذي أدخله فيه)( بحار الأنوار : 77/140.). |
الخاتمية: |
(فُضِّلت على الأنبياء
بستّ : اُعطيت جوامع الكلم، ونُصرت بالرعب من مسيرة شهر، واُحلّت لي الغنائم.
وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً. واُرسلت إلى الخلق كافّة. وخُتم بي النبيّون)( المصدر السابق : 16/324
.). |
إنّ
الله اصطفاني : |
(إن الله اصطفى من
وُلد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة
قريشاً. واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، قال الله تبارك وتعالى:
(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ
عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) ( كلمة الرسول الأعظم :
35 . راجع بحار الأنوار : 16/323.). |
مثلي مثل الغيث : |
(إنّ مثل ما بعثني به
ربّي من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، منها طائفة طيّبة، فقبلت الماء
فأنبتت العشب والكلأ الكبير، وكانت منها أجادب امسكت الماء، فنفع الله بها الناس
فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها
أخرى، إنّما هي قيعات، لا تمسك ولا تُنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين
الله، وتفقّه فيما بعثني الله به، فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم
يقبل هدى الله الذي اُرسلت به)( بحار الأنوار : 1/184.). |
الإمام بعد رسول الله (صلَّى الله
عليه وآله) : |
(يا عمّار! إنّه سيكون
بعدي هنات، حتى يختلف السيف فيما بينهم، وحتى يقتل بعضهم بعضاً، وحتى يبرأ بعضهم
من بعض، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني: عليّ بن أبي طالب، فإن سلك
الناس كلّهم وادياً، وسلك عليُّ وادياً فاسلك وادي عليّ، وخلّ عن الناس. |
فضل عليّ(عليه السلام) : |
(لولا أنّني أشفق أن
تقول فيك طوائف ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت فيك اليوم مقالاً، لا
تمرُّ بملأ منهم إلاّ أخذوا التراب من تحت قدميك).( الإرشاد : 1 / 165 ،
قاله لأمير المؤمنين، بعد ما فتح الله على يديه في غزوة ذات السلاسل.) |
الأئمة بعد رسول الله(صلَّى الله
عليه وآله) : |
(الأئمة بعدي من عترتي بعدد نقباء بني إسرائيل، وحواريي عيسى، من
أحبهم فهو مؤمن ومن أبغضهم فهو منافق، هم حجج الله في خلقه وأعلامه في بريّته)( كفاية الأثر: 166، أبو
المفضل الشيباني عن أحمد بن عامر بن سليمان الطائي عن محمد بن عمران الكوفي عن
عبد الرحمن بن أبي نجران عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد عن
أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أخيه الحسن
ابن علي (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلَّى
الله عليه وآله): ...).
|
أئمة
الحق : |
(يا علي! أنت الإمام
والخليفة بعدي، وأنت أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذامضيت فابنك الحسن أولى
بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى الحسن فالحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا
مضى الحسين فابنه عليّ بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى عليّ فابنه
محمّد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر أولى بالمؤمنين من
أنفسهم، فإذا مضى جعفر فابنه موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى موسى
فابنه عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى علي فابنه محمد أولى بالمؤمنين
من أنفسهم، فإذا مضى محمد فابنه عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى عليّ
فابنه الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى الحسن فالقائم المهدي أولى
بالمؤمنين من أنفسهم، يفتح الله به مشارق الأرض ومغاربها، فهم أئمة الحق، وألسنة
الصدق، منصورٌ من نصرهم، مخذول من خذلهم)( كفاية الأثر : 195 ـ 196، عن الحسين بن علي، عن هارون بن موسى عن
محمد بن إسماعيل الفزاري، عن عبد الله بن الصالح كاتب الليث، عن رشد بن سعد، عن
الحسين بن يوسف الأنصاري، عن سهل بن سعد الأنصاري قال: سئلت فاطمة بنت رسول الله
(صلَّى الله عليه وآله) عن الأئمة فقالت: كان رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يقول لعلي: ... وروى نصّين آخرين عن
جابر الأنصاري فراجع.). |
النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)
يبشّر بالمهديّ (عليه السلام) : |
روى أحمد عن النبي (صلَّى الله
عليه وآله)، أنه قال: (لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض
ظلماً وعدواناً ثمّ يخرج من عترتي من يملأها قسطاً وعدلاً...)( راجع مسند أحمد : 3 /
425 ، الحديث 10920 .). |
4 ـ أصول
التشريع الإسلامي في تراث الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله)
|
تراجع هذه النصوص
وغيرها في أعيان الشيعة : 1/303ـ306. |
ألف ـ خصائص الإسلام : 8 ـ تعلّموا
الفرائض وعلّموها الناس فإنها نصف العلم . 5
ـ ادرؤا الحدود بالشبهات . 3
ـ تزوّجوا ولا تطلّقوا فإنّ الطلاق يهتزّ منه عرش
الرحمن . ـ
الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها . |
5 ـ من جوامع
الكلم في تراث الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) :
|
1
ـ إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق . 58 ـ من
أذاع فاحشةً كان كمبدئها . |
6 ـ نماذج من
ادعيته الشريفة (صلَّى الله عليه وآله)
|
ألف ـ من دعائه في
شهر رمضان بعد المكتوبة : (اللهم
أدخل على أهل القبور السرور، اللهم أغن كل فقير، اللهم أشبع كل جائع، اللهم اكس
كل عريان، اللهم اقض دين كل مدين، اللهم فرج عن كل مكروب، اللهم رد كل غريب،
اللهم فك كل أسير، اللهم أصلح كل فاسد من أمور المسلمين، اللهم اشف كل مريض،
اللهم سدّ فقرنا بغناك، اللهم غيّر سوء حالنا بحسن حالك، اللهم اقضِ عنا الدين
وأغننا من الفقر إنّك على كل شيء قدير).
|
الفهرس
محمد
المصطفى خاتم الأنبياء (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم). المدخل: المنهج القرآني في عرض ودراسة التأريخ والسيرة الفصل الأول:
النبيّ الخاتم (صلَّى الله عليه وآله) في سطور. الفصل الثاني: سنّة البشارة على مدى العصور. بشارات
الأنبياء برسالة محمد بن عبد الله (صلَّى الله عليه وآله). أهل
الكتاب ينتظرون خاتم النبييّن (صلَّى الله عليه وآله). الفصل الثالث: مظاهر من شخصية خاتم النبيين (صلَّى الله
عليه وآله). 3
ـ الثقة المطلقة بالله تعالى: الفصل الأول: دور الولادة والنشأة 1
ـ ملامح انهيار المجتمع الوثني: 2
ـ إيمان آباء النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) : 3
ـ مولد الرسول (صلَّى الله عليه وآله) : 5
ـ الاستسقاء بالنبيّ (صلَّى الله عليه وآله) : الفصل الثاني: دور الفتوّة والشباب... 1
ـ كفالة أبي طالب للنبي (صلَّى الله عليه وآله) : الفصل الثالث: من الزواج إلى البعثة. خديجة
قبل أن يتزوّجها النبي(صلَّى الله عليه وآله): 3
ـ ولادة عليّ (عليه السلام) وتربية النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) له : 4
ـ ملامح من شخصية خاتم الأنبياء (صلَّى الله عليه وآله) قبل البعثة : الفصل الأول: البعثة النبوية المباركة وإرهاصاتها الفصل الثاني: مراحل حركة الرسالة في العصر المكي... 1
ـ بناء الخلية الإيمانية الأولى : 3
ـ دور إعداد القاعدة الأولى : 4
ـ دور المواجهة الأولى وإنذار الأقربين: الفصل الثالث: موقف بني هاشم من النبي (صلَّى الله عليه
وآله). 1
ـ دفاع أبي طالب عن الرسول والرسالة : 2
ـ
موقف قريش من الرسالة والرسول (صلَّى الله عليه وآله) :
3
ـ الكفر يأبى الانصياع لصوت العقل : 5
ـ التعذيب وسيلة لقمع المؤمنين : 6
ـ الهجرة إلى الحبشة وإيجاد قاعدة آمنة : 7
ـ الحصار الظالم وموقف بني هاشم : الفصل الرابع: سنوات الانفراج حتى الهجرة
1
ـ الطائف ترفض الرسالة الإسلامية : 2
ـ الانفتاح على الرسالة ومعوّقاتها في مكة : 5
ـ الاستعداد للهجرة إلى يثرب : الفصل الأول: تأسيس الدولة الإسلامية الأولى.. 3
ـ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار: أبعاد
ونتائج التآخي بين المسلمين... 5
ـ النفاق وبدايات الاستقرار في المدينة : الفصل الثاني: الدفاع عن كيان الدولة الفتية. 69 2
ـ اهتمام النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) بزواج الزهراء (عليها السلام) :
3
ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع : 4
ـ ردود فعل قريش بعد انتصارات المسلمين : 5
ـ غزوة أُحد(وقعت معركة أحد في شوال من السنة الثالثة للهجرة.) :
6
ـ محاولات الغدر بالمسلمين :7- غزوة بني
النضير... 9
ـ غزوة بني المصطلق ودور النفاق : الفصل الثالث: تظاهر قوى الشرك والرد الإلهي الحاسم.
1
ـ
تحالف قوى الشرك وغزوة الخندق : 4
ـ غزو بني قريظة وتصفية يهود المدينة : 2
ـ انطلاقة الرسالة الإسلامية إلى خارج المدينة : 4
ـ محاولة اغتيال النبي (صلَّى الله عليه وآله) : الفصل الثاني: الإسلام خارج الجزيرة
1
ـ معركة مؤتة (وقعت معركة مؤتة في جمادى الاُولى من السنة الثامنة للهجرة.) :
2
ـ فتح مكة (تم فتح مكة في شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة.) :
3
ـ غزوة حنين وحصار الطائف(وقعت معركة حنين فى شوال من السنة الثامنة ه.) :
4
ـ غزوة تبوك (كانت غزوة تبوك في رجب سنة ( 9 ) من الهجرة .) :
الإعلان
عن مكانة علي (عليه السلام) لدى النبي (صلَّى الله عليه وآله) :
5-
حاولة اغتيال النبي (صلَّى الله عليه وآله) : 7
ـ وفاة إبراهيم ابن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) :
الفصل الثالث: تصفية الوجود الوثني داخل الجزيرة
1
ـ إعلان البراءة من المشركين : خطبة النبي (صلَّى الله عليه وآله) في حجة الوداع :
6
ـ التعبئة العامّة لغزو الروم: في صفر عام ( 11 هـ ) . الفصل الرابع: أيام الرسول (صلَّى الله عليه وآله)
الأخيرة 1
ـ الحيلولة دون كتابة الوصية : 2
ـ الزهراء (عليها السلام) تزور أباها (صلَّى الله عليه وآله) : 3
ـ اللحظات الأخيرة من عمر النبي (صلَّى الله عليه وآله) : 4
ـ وفاة النبي (صلَّى الله عليه وآله) ومراسم دفنه : الفصل الخامس: من معالم الرسالة الإسلامية الخاتمة. 1 ـ بماذا بعث النبي محمد(صلَّى
الله عليه وآله) ؟. 2
ـ سهولة الشريعة الإسلامية وسماحتها 5
ـ الواجبات والمحرمات في الشريعة الإسلامية : الفصل السادس: تراث خاتم المرسلين (صلَّى الله عليه وآله). نماذج
من تراث سيّد المرسلين (صلَّى الله عليه وآله). أهل
البيت (عليهم السلام) أركان الدين.. 4
ـ أصول التشريع الإسلامي في تراث الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله). 5
ـ من جوامع الكلم في تراث الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) : |
أعلام
الهداية
|
محمد المصطفى
خاتم الأنبياء (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)
المجمع
العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) قم المقدسة |
فهرس إجمالي
|
الباب الأول: |
المقدمة
|
الحمد
لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، ثم الصلاة والسلام على من اختارهم هداةً
لعباده، لا سيَّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمد (صلَّى الله عليه وآله) وعلى آله الميامين
النجباء. (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)(الأنعام (6): 71). (وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(البقرة (2): 213). (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)(الأحزاب (33): 4). (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ)(آل عمران (3): 101). (قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ
أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ
كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(يونس (10): 35). (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ
مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(سبأ (34): 6). (ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من الله)(القصص (28):50). فالله
تعالى هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان
إلى الصراط المستقيم وإلى الحقّ القويم. وهذه
الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم. ولقد
أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى
الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال، ومن هنا قال تعالى:(وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ)(الذاريات (51): 56). وحيث
لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، كانت المعرفة والعبادة طريقاً منحصراً
وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال. وبعد
أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال;
لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة; والهوى الناشئ منهما، والملازم لهما فمن
هنا احتاج الإنسان ـ بالإضافة إلى عقله وسائر أدوات المعرفة ـ إلى ما يضمن له
سلامة البصيرة والرؤية; كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة الهداية، وتتوفّر
لديه كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو طريق الشرّ والشقاء بملء إرادته. 2 ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى
البشرية ولمن أرسلوا إليه، ويتوقّف الإبلاغ على الكفاءة التامّة التي تتمثّل في (الاستيعاب والإحاطة اللازمة) بتفاصيل الرسالة
وأهدافها ومتطلّباتها، و (العصمة) عن الخطأ
والانحراف معاً، قال تعالى:(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً
وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ
وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا
اخْتَلَفُوا فِيهِ)(البقرة (2): 213). ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري: أ ـ
أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين
يتربّصون بها الدوائر. ب ـ أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة
باستمرار الأجيال; على يد مربٍّ كفوء علمياً ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في
الخلق والسلوك كالرسول (صلَّى الله عليه وآله) ، يستوعب
الرسالة ويجسّدها في كل حركاته وسكناته. وتبلورت حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم على نهج الرسول العظيم
وانفتاح الأمة عليهم والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب
للسالكين المؤمنين بقيادتهم، فكانوا هم الأدلاّء على الله وعلى مرضاته،
والمستقرّين في أمر الله، والتامّين في محبّته، والذائبين في الشوق إليه،
والسابقين إلى تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ المنشود. ولا يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا بجميع زوايا حياتهم العطرة
ويدّعوا دراستها بشكل كامل، ومن هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما
هي إعطاء قبسات من حياتهم، ولقطات من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها
المؤرّخون واستطعنا اكتشافها من خلال مصادر الدراسة والتحقيق، عسى الله أن ينفع بها إنّه وليّ التوفيق. إنّ دراستنا لحركة أهل البيت (عليهم السلام)
الرسالية تبدأ برسول الإسلام وخاتم الأنبياء محمد بن عبد الله (صلَّى الله عليه
وآله) وتنتهي بخاتم الأوصياء، محمد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر عجّل الله
تعالى فرجه وأنار الأرض بعدله. ويختص
هذا الكتاب بدراسة حياة الرسول المصطفى محمد بن عبد
الله (صلَّى الله عليه وآله) الذي جسّد الإسلام بكل أبعاده، في جميع مرافق
حياته: الفردية والاجتماعية، وفي ظروف اجتماعية وسياسية عصيبة فأرسى قواعد القيم
الإسلامية المُثلى في واقع الفكر والعقيدة وفي أفق الخلق والسلوك وأصبح نبراساً
ـ على مدى العصور ـ يشعّ بالإيمان والطهر والبهاء للعالمين. |
الباب
الأول:
|
فيه فصول: |
المدخل: المنهج القرآني في عرض ودراسة التأريخ والسيرة
|
للقرآن الكريم عناية فائقة بسيرة
الأنبياء الهداة وله نهج خاص في عرض سيرتهم صلوات الله عليهم أجمعين. 2 ـ (لَقَدْ
كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (يوسف (12) : 111 .)
. (هُوَ الَّذِي
أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ
وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ
فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ
تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي
الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ
إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ
هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (آل عمران (3) : 7 ـ 8 .)
. |
الفصل الأول: النبيّ الخاتم (صلَّى الله عليه وآله) في سطور
|
ولد خاتم النبيين وسيّد المرسلين محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب (صلَّى الله عليه وآله)
في السابع عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل بعد
أن فقد أباه، ثم استرضع في بني سعد ، ورُدّ إلى اُمّه وهو
في الرابعة أو الخامسة من عمره. وقد توفّيت أُمّه حين بلغ السادسة من
عمره فكفله جدّه واختص به وبقي معه سنتين ثمّ ودّع الحياة بعد أن أوكل أمر
رعايته إلى عمّه الحنون أبي طالب حيث بقي مع عمّه إلى حين زواجه. ثمّ كانت السنة التاسعة عامرة بوفود القبائل التي أخذت تدخل في دين الله أفواجاً. |
الفصل الثاني: سنّة البشارة على مدى العصور
|
لقد صرّح القرآن
الكريم بأن العهد التاريخي للبشرية قد بدأ بظاهرة وجود النبوّات وبعث
الأنبياء وإرسال الرسل. الذين مضوا يقودون مجتمعاتهم نحو حياة أفضل ووجود إنساني
أكمل; مما يمكن أن نستنتج منه أنّ إشراق النبوّة
وظهور الأنبياء في المجتمعات البشريّة يعتبر بداية
العصر التاريخي للبشرية . |
بشارات
الأنبياء برسالة محمد بن عبد الله (صلَّى الله عليه وآله)
|
1 ـ لقد نصّ القرآن الكريم على بشارة إبراهيم الخليل (عليه السلام) برسالة خاتم النبيين
(صلَّى الله عليه وآله) بأسلوب الدعاء
قائلاً ـ بعد الكلام عن بيت الله الحرام في مكة المكرّمة ورفع القواعد من البيت
والدعاء بقبول عمله وعمل إسماعيل(عليه السلام) وطلب تحقيق اُمة مسلمة من ذريتهما
ـ : (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (البقرة (2) : 129.) . |
أهل الكتاب
ينتظرون خاتم النبييّن (صلَّى الله عليه وآله)
|
لم يكتف الأنبياء السابقون بذكر
الأوصاف العامة للنبيّ المبشَّر به، بل ذكروا أيضاً العلائم التي يستطيع
المبَشَّرون من خلالها معرفته بشكل دقيق، مثل : محل ولادته، ومحل هجرته وخصائص
زمن بعثته، وعلائم جسمية خاصة وخصائص يتفردّ بها في سلوكه وشريعته.. ولهذا قال
القرآن عن بني إسرائيل بأنهم كانوا يعرفون رسول الإسلام المبشَّر به في العهدين
كما يعرفون أبناءَهم (الانعام (6) : 20.) . |
الفصل الثالث: مظاهر من شخصية خاتم النبيين (صلَّى الله عليه وآله)
|
1 ـ الأمي العالم :
|
لقد تميّز خاتم النبيين بأنه لم
يتعلّم القراءة والكتابة عند معلّم بشري (النحل (16) : 103.)
ولم ينشأ في بيئة علم وإنما نشأ في مجتمع جاهلي، ولم يكذب أحد هذه الحقيقة التي
نادى بها القرآن (العنكبوت (29): 48.)
. |
2 ـ أوّل المسلمين العابدين :
|
إن الخضوع المطلق لله خالق الكون
ومبدع الوجود، والتسليم التام لعظيمقدرته ونفاذ حكمته، والعبودية الاختيارية
الكاملة تجاه الإله الأحد الفرد الصمد هي القمة الاولى التي لابد لكل إنسان أن
يجتازها كي يتهيّأ للاجتباء والاصطفاء الإلهي. وقد شهد القرآن الكريم بذلك لهذا
النبيّ العظيم حين قال عنه : (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي
رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ... وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام (6): 161 ـ 163.) . |
3 ـ الثقة المطلقة بالله تعالى:
|
قال الله تعالى لرسوله (صلَّى الله
عليه وآله): (أليس الله بكاف عبده)
(الزمر (39): 36.) . |
4 ـ الشجاعة الفائقة :
|
قال الله تعالى: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ
وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ)
(الأحزاب (33): 39.) وجاء عن علي
بن أبي طالب (ع) ـ الذي طأطأ له فرسان العرب ـ
أنّه: كنّا إذا احمرّ البأس ولقي القومُ القومَ
اتّقينا برسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فما يكون أحد أدنى من القوم منه
(فضائل الخمسة من
الصحاح الستة : 1 / 138.) . |
5 ـ زهد منقطع النظير :
|
قال تعالى: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ
أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ
وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طه (20): 131.) . |
6 ـ جود وحلم عظيمان :
|
قال ابن عبّاس:
كان النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر
رمضان.. إن جبريل كان يلقاه في كل سنة من رمضان.. فإذا لقيه جبريل كان رسول الله
(صلَّى الله عليه وآله) أجود بالخير من الريح المرسلة (صحيح مسلم : 4 / 481 /
الحديث 3308 ، ومسند أحمد: 1 0/ 598 / الحديث 3415.) . . لقد أفصح القرآن عن عظمة حلم الرسول (صلَّى الله
عليه وآله) بقوله تعالى: (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ
حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ)
(آل عمران (3):
159.)
، ووصف مدى رأفته ورحمته بقوله تعالى: (لَقَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ
عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة (9): 128.) |
7 ـ حياؤه وتواضعه :
|
عن أبي سعيد الخدريّ:
كان النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) أشدّ حياء من العذراء في خدرها وإذا كره شيئاً
عُرف في وجهه (صحيح البخاري : 3 / 1306 / ألحديث 3369.) . وكان يداعب أصحابه ولا يقول إلاّ
حقّاً (سنن الترمذي : 4 / 304 / الحديث 1990.) . ولقد شارك
أصحابه في بناء المسجد (مسند أحمد : 3 / 80 .) وحفر الخندق (الطبقات (لابن سعد): 1 / 240.)
وكان يكثر من مشاورة أصحابه بالرغم من أنّه كان أرجح الناس عقلاً (الدر المنثور : 2 / 359
، والمواهب اللدنيّة: 2 / 331.) . |
الباب
الثاني:
|
فيه
فصول: الفصل الأول: دور الولادة والنشأة. |
الفصل الأول: دور الولادة والنشأة
|
1 ـ ملامح انهيار المجتمع الوثني:
|
استحكم
الفساد والظلم في مجتمع الجزيرة في الفترة التي سبقت البعثة النبوية فلم تعد
كتلة المجتمع واحدة ولم تكن الخصائص الاجتماعية والثقافية التي أوجدتها طبيعة
الحياة في الصحراء كافية لإيقاف حالة الانهيار التي بدت ملامحها على المجتمع في
الجزيرة العربية. وما الأحلاف التي نشأت إلا تعبير عن ظاهرة اجتماعية لمقاومة
ذلك التحلل ولكنها في تعددها دليل على انعدام القوة المركزية في المجتمع. |
2 ـ إيمان آباء النبيّ (صلَّى الله عليه
وآله) :
|
ولد النبي (صلَّى الله عليه وآله)
وترعرع في عائلة تدين بالتوحيد وتتمتع بسمو الأخلاق وعلو المنزلة. فإيمان جدّه
عبد المطلب نلمسه من كلامه ودعائه عند هجوم أبرهة الحبشي لهدم الكعبة إذ لم
يلتجئ إلى الأصنام بل توكل على الله لحماية الكعبة (السيرة النبوية: 1 / 43
ـ 62 ، الكامل في التأريخ: 1 / 260 ، بحار الأنوار: 5 / 130.) . بل
يمكن أن نقول إن عبد المطلب كان عارفاً بشأن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)
ومستقبله المرتبط بالسماء من خلال الأخبار التي أكدت ذلك . وتجلّت اهتماماته به
في الاستسقاء بالنبي (صلَّى الله عليه وآله) وهو رضيع، وما ذلك إلاّ لما كان يعلمه من
مكانته عند الله المنعم الرازق (السيرة الحلبية : 1 / 182 ، الملل والنحل للشهرستاني: 2 / 248.) ، والشاهد الآخر هو تحذيره لأُم أيمن من الغفلة عنه
عندما كان صغيراً (سيرة زيني دحلان بهامش السيرة الحلبية: 1 / 64، وراجع تاريخ
اليعقوبي: 2 / 10.) . |
3 ـ مولد الرسول (صلَّى الله عليه وآله) :
|
ما إن استنفذت الديانة النصرانية
أغراضها في المجتمع البشري ولم تعد لها فاعلية تذكر حتى حلّت في الدنيا كلّ
مظاهر التيه والزّيغ، وأمسى الناس كافة ضُلاّل فتن وحيرة، استخفّتهم الجاهلية
الجهلاء، ولم تكن أوضاع الروم بأقل سوءاً من أوضاع منافسيهم في فارس، وما كانت
جزيرة العرب أفضل وضعاً من الاثنين. والكل على شفا حفرة من النّار. |
4 ـ رضاعه الميمون :
|
أصبح محمد(صلَّى الله
عليه وآله) الشغل الشاغل لجدّه عبد المطلب
الذي فقد ابنه عبد الله ـ وهو أعزّ أبنائه ـ في وقت مبكّر جداً. من هنا أوكل
جدّه رضاعه إلى (ثويبة) وهي جارية لأبي لهب كي
يتسنى لهم إرساله إلى بادية بني سعد ليرتضع هناك وينشأ في بيئة نقيّة بعيداً عن
الأوبئة التي كانت تهدد الأطفال في مكة ويترعرع بين أبناء البادية كما هي عادة
أشراف مكة في إعطاء أطفالهم الرضّع إلى المراضع وكانت مراضع قبيلة بني سعد من
المشهورات بهذا الأمر، وكانت تسكن حوالي مكة ونواحي الحرم وكانت نساؤهم يأتين
إلى مكة في موسم خاص من كل عام يلتمسن الرضعاء خصوصاً عام ولادة النبي (صلَّى الله عليه وآله) حيث كانت سنة جدب وقحط
فكنّ بحاجة إلى مساعدة أشراف مكة. |
5 ـ الاستسقاء بالنبيّ (صلَّى الله عليه
وآله) :
|
أشار المؤرخون إلى ظاهرة الاستسقاء
برسول الله (صلَّى الله عليه وآله) التي حدثت أكثر من مرة في حياته، حين كان
رضيعاً وحين كان غلاماً في حياة جدّه وعمه أبي طالب. فالمرة
الأولى: لمّا أصاب أهل مكّة من الجدب العظيم، وأمسك السحاب عنهم سنتين، أمر عبد المطلب ابنه أبا طالب أن يحضر حفيده محمداً (صلَّى الله عليه وآله) فأحضره ـ وهو رضيع في قماط ـ فوضعه على يديه
واستقبل الكعبة وقدّمه إلى السماء، وقال: يا ربِّ بحق هذا الغلام، وجعل يكرّر
قوله ويدعو: اسقنا غيثاً مغيثاً دائماً هطلاً، فلم يلبث ساعة حتى أطبقت الغيوم
وجه السماء وهطل المطر منهمراً حتى خافوا من شدته على المسجد أن ينهدم (الملل والنحل: 2 / 248 ،
وراجع السيرة الحلبيه: 1 / 182 ـ 183.)
. أبونا شفيع الناس
حين سقوا به = من الغيث رجاس العشير
بكور
(السيرة الحلبية: 1 / 331.) ونقل
المؤرّخون أن قريشاً طلبت من أبي طالب أن يستسقي لهم فخرج أبو طالب إلى المسجد
الحرام وبيده النبي (صلَّى
الله عليه وآله) ـ وهو غلام ـ كأنه شمس دجى تجلّت عنها غمامة ـ فدعا الله
بالنبي(صلَّى الله عليه وآله) فأقبلت السحاب في
السماء وهطل المطر فسالت به الأودية وسرّ الجميع وقد ذكر أبو طالب هذه الكرامة
أيضاً عندما تمادت قريش في عدائها للنبيّ (صلَّى الله
عليه وآله) ورسالته المباركة فقال: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه =
ربيع اليتامى عصمة للأرامل تلوذ به الهلاك من آل هاشم =
فهم عنده في نعمة وفواضل (السيرة الحلبية: 1 /
190، البداية والنهاية: 3 / 52، بحار الأنوار: 8 / 2.) وكلّ هذا يعرب لنا عن توحيد كفيلي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) الخالص
وإيمانهما بالله تعالى، ولو لم يكن لهما إلاّ هذان الموقفان لكفاهما فخراً واعتزازاً.
وهذا يدل أيضاً على أن رسول الله (صلَّى الله عليه
وآله) قد نشأ في بيت كانت الديانة السائدة فيه هي الحنيفية وتوحيد الله
تعالى. |
6 ـ مع اُمّه
آمنة :
|
لم يتمتع النبي
(صلَّى الله عليه وآله) بطول رعاية أُمه الحنون التي عاشت بعد أبيه وهي
تنتظر أن يشبَّ يتيم عبد الله ليكون لها سلوةً عن فقد زوجها الحبيب ولكن الموت
لم يمهلها طويلاً. فقد روي أن حليمة السعدية جاءت بالنبي (صلَّى الله عليه وآله)
إلى أهله وقد بلغ خمس سنين. وأرادت أُمه آمنة أن
تحمله معها وتزور قبر زوجها العزيز ويزور محمد(صلَّى الله عليه وآله) أخواله من
بني النجار في يثرب فيتعرف في هذه السفرة عليهم ولكن هذه الرحلة لم تترك على النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) إلاّ حزناً آخر حيث فقد
أُمه في طريق العودة في منطقة تدعى بالأبواء بعد أن زار الدار التي توفيّ ودفن
فيها أبوه، وكأنّ تلاحق الأحزان على قلب النبيّ (صلَّى
الله عليه وآله) في طفولته كانت خطوات إعداد إلهي لتتكامل نفسه الشريفة. |
7 ـ مع جدّه
عبد المطّلب :
|
بلغ محمد (صلَّى الله عليه وآله)
في قلب عبد المطلب مكانة لم يبلغها أحد من بنيه وأحفاده وهم سادات بطحاء مكة،
فقد روي أن عبد المطلب كان يجلس في فناء الكعبة على بساط كان يُمد له وحوله وجوه
قريش وساداتها وأولاده، فإذا وقعت عيناه على حفيده (محمد) (صلَّى الله عليه
وآله) أمر بأن يفرج له حتى يتقدم نحوه ثمّ يجلسه إلى جنبه على ذلك البساط الخاص
به (السيرة النبوية: 1 /
168.) . وهذه العناية من سيد قريش قد
عزّزت من مكانة محمد (صلَّى الله عليه وآله) في نفوس قريش إضافة إلى سمو أخلاقه
منذ نعومة أظفاره. |
الفصل الثاني: دور الفتوّة والشباب
|
1 ـ كفالة
أبي طالب للنبي (صلَّى الله عليه وآله) :
|
لقد استمرت رعاية عبد المطلب
لحفيده (محمد) (صلَّى الله عليه وآله) حين أوكل
أمره إلى ولده أبي طالب لما كان يعلم من أن أبا طالب سيقوم برعاية ابن أخيه خير
قيام وهو وإن كان فقيراً لكنّه كان أنبل إخوته وأكرمهم في قريش مكانة واحتراماً.
على أنّ أبا طالب كان شقيق عبد الله لأُمه وأبيه وهو مما يزيد أواصر التلاحم مع (محمد) (صلَّى الله عليه
وآله) والحنان والعطف عليه. |
2 ـ السفرة
الأولى إلى الشام :
|
كان من عادة قريش الخروج إلى الشام
كل عام مرة للتجارة إذ كانت هي المصدر الرئيس للكسب وعزم أبو طالب على الخروج في
هذه الرحلة ولم يكن يفكر في استصحاب محمد(صلَّى الله عليه وآله) خوفاً عليه من
وعثاء السفر ومخاطر اجتياز الصحراء، ولكن في لحظة الرحيل غيّر أبو طالب قراره إذ
وجد الإصرار لدى ابن أخيه كبيراً حين أغرورقت عيناه بالدموع لفراق عمه، فكانت
الرحلة الاُولى لمحمّد(صلَّى الله عليه وآله) إلى الشام بصحبة عمّه. واطّلع
محمّد في هذه الرحلة على طبيعة السفر عبر الصحراء وعرف طرق سير القوافل. |
3 ـ رعي
الغنم :
|
لم يرو عن أئمة أهل البيت (عليهم
السلام) ما ينص على أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قد رعى الأغنام في صباه، نعم روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) حديث يعمّ الأنبياء فيما
يخص الرعي وحكمة ذلك إذ جاء فيه: (ما بعث الله نبياً
قط حتى يسترعيه الغنم، يعلّمه بذلك رعيه للناس). كما روي عنه(عليه السلام) في حكمة الحرث والرعي قوله: (إنّ الله عزّ وجلّ أحبّ لأنبيائه من الأعمال: الحرث
والرعي، لئلا يكرهوا شيئاً من قطر السماء) (علل الشرائع: ص23، سفينة البحار: مادة نبأ.) . |
4 ـ حروب
الفجار :
|
كانت للعرب عدّة حروب استحلّت فيها حرمة الأشهر الحرم فسميت بحروب الفجار (موسوعة التاريخ الإسلامي
1 : 301 ـ 305 عن الأغاني 19 : 74 ـ 80 .)
. أولاً:
أن الرسول (صلَّى الله عليه وآله) كلما تقدم في العمر كانت شخصيته تزداد تألّقاً
وقد عرف بشجاعته الفائقة كسائر بني هاشم، ولكن هذا لا يعني أنهم شاركوا في حرب
فيها ظلم وفساد. فقد روي أن أحداً من بني هاشم لم يحضر هذه الحروب فإن أبا طالب
كان قد منع أن يكون فيها أحد منهم حين قال: هذا ظلم وعدوان، وقطيعة رحم،
واستحلال للشهر الحرام، ولا أحضره ولا أحد من أهلي (تاريخ اليعقوبي: 2 / 15.) .
وانسحب عبد الله بن جدعان وحرب بن أُمية ـ وهو قائد
قريش وكنانة حينذاك ـ وقالا: لا نحضر أمراً تغيب عنه بنو هاشم (تاريخ اليعقوبي : 2 / 15 .)
. |
5 ـ حلف
الفضول :
|
شعرت قريش بعد حرب الفجار بضعفها
وتفرّق كلمتها، وخشيت من طمع العرب فيها بعد أن كانت قويةً منيعةً، فدعا الزبير بن عبد المطلب إلى حلف الفضول حيث اجتمعت
بنو هاشم وزهرة وتميم وبنو أسد في دار عبد الله بن
جدعان، وغمس المتحالفون أيديهم فى ماء زمزم وتحالفوا على نصرة المظلوم،
والتأسي بالمعاش، والنهي عن المنكر (البداية والنهاية: 3 / 293، وراجع شرح النهج لابن أبي الحديد: 14 /
129 و283.)
وكان أشرف حلف في العهد الجاهلي. وقد شارك محمّد (صلَّى
الله عليه وآله) في هذا الحلف
وكان يومئذ قد جاوز العشرين من عمره (تاريخ اليعقوبي: 1 / 17.)
وقد أثنى عليه بعد نبوّته وأمضاه. بقوله: ما أحب أن لي بحلف حضرته في دار ابن
جدعان حمر النعم ولو دعيت به في الإسلام لأجبت) (سيرة ابن هشام: 1 / 142.) . |
6 ـ التجارة
بأموال خديجة :
|
بدأت شخصية محمد (صلَّى الله
عليه وآله) تتلألأ في المجتمع
المكي بما كانت تتمتع به من خلق رفيع وعلو همة وأمانة وصدق حديث فكانت القلوب
تنجذب إليه وهو سليل أسرة طاهرة ولكن الفقر الذي كان حليف أبي طالب دفع بالأسرة
الكريمة التي كان يعيش فيها محمد (صلَّى الله عليه
وآله) إلى أن يقترح أبو طالب على
ابن أخيه الذي كان قد بلغ الخامسة والعشرين من عمره
أن يخرج مضارباً بأموال خديجة بنت خويلد وبادر أبو طالب إلى خديجة وفاتحها
بالأمر فرحّبت به على الفور وسرّت سروراً عظيماً لما كانت تعرفه عن محمد (صلَّى الله عليه وآله) وقد بذلت له ضعف ما كانت تبذل لغيره ممّن يخرج
في تجارتها (راجع بحار الأنوار: 16 / 22، كشف الغمة: 2 / 134 نقلاً عن معالم
العترة للجنابذي، وراجع أيضاً السيرة الحلبية: 1 / 132.) . |
الفصل الثالث: من الزواج إلى البعثة
|
1 ـ الزواج
المبارك :
|
كان لابد لمثل شخصية محمد (صلَّى
الله عليه وآله) التى فاقت كلّ شخصيّة من الاقتران بامرأة تناسبه وتتجاوب مع
عظيم أهدافه وقيمه تواصل معه رحلة الجهاد والعمل المضنية وتصبر على متاعبه
ومصاعبه، ولم يكن يومذاك امرأة تصلح لمحمد(صلَّى الله عليه وآله) ولهذه المهمة
سوى خديجة، وشاء الله ذلك فاتجه قلب خديجة بكلّ عواطفه نحو محمد (صلَّى الله
عليه وآله) وتعلق بشخصه الكريم. ولقد كانت خديجة (رضي الله عنها) من خيرة نساء
قريش شرفاً وأكثرهن مالاً وأحسنهن جمالاً، وكانت تدعى في الجاهلية بـ(الطاهرة)
و(سيدة قريش). وكان كل رجال قومها حريصين على الاقتران بها. |
خديجة قبل أن
يتزوّجها النبي(صلَّى الله عليه وآله):
|
ولدت خديجة وسط اُسرة عريقة النسب
كانت تتمتّع بالذكر الطيب والخلق الكريم وتميل إلى التدين بالحنيفية ـ دين إبراهيم الخليل (ع) ـ فأبوها خويلد نازع ملك
اليمن حين أراد أن يحمل الحجر الأسود إلى اليمن، ولم ترهبه كثرة أنصاره دفاعاً
عن معتقده ومناسك دينه، وأسد بن عبد العزى ـ جد خديجة ـ كان من المبرّزين في حلف
الفضول الذي قام على أساس نصرة المظلوم، وقد شهد رسول
الله (صلَّى الله عليه وآله) لأهمية هذا الحلف وأيّد القيم التي قام عليها (السيرة النبوية: 1 /
141.) .
وابن عمها ورقة بن نوفل كان قد عاشر النصارى واليهود ودرس كتبهم. |
2 ـ إعادة وضع
الحجر الأسود :
|
كان للكعبة منزلة كبيرة لدى العرب
إذ كانت تعتني بها وتحج إليها في الجاهلية. وقبل البعثة النبوية بخمسة أعوام هدم
السيل الكعبة فاجتمعت قريش وقررت بناءها وتوسعتها وباشر أشراف القريشيين
والمكيين العمل، ولما تكامل البناء وبلغوا إلى موضع
الحجر الأسود اختلفوا في مَن يضعه في مكانه; فكل قبيلة كانت تريد أن تختص
بشرف ذلك واستعدوا للقتال وانضم كل حليف إلى حليفه وتركوا العمل في بنائها ثم
اجتمعوا في المسجد فتشاوروا واتفقوا على ان يكون أول داخل على الاجتماع هو الحكم
بينهم وتعاهدوا على الالتزام بحكمه فكان أول داخل محمد
بن عبد الله (صلَّى الله عليه وآله) فقالوا: هذا الأمين قد رضينا به، وأقدم النبي (صلَّى الله عليه وآله) على حلّ النزاع حين جعل الحجر في ثوب وقال:
لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثمّ قال: ارفعوا جميعاً ففعلوا فلما حاذوا
موضعه أخذه بيده الشريفة ووضعه حيث يجب أن يكون، وبعد ذلك أتمّوا بناءها (راجع تاريخ اليعقوبي: 2
/ 19، سيرة ابن هشام: 1 / 204، البداية والنهاية: 2 / 300، تاريخ الطبري: 2 / 37
(ط. الاستقامة).)
. |
3 ـ ولادة
عليّ (عليه السلام) وتربية النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) له :
|
إنّ العلاقة بين محمّد (صلَّى الله
عليه وآله) وعليّ بن أبي طالب(عليه السلام) لا تقتصر على النسب بل تتميّز بأنّها
علاقة فكرية وعاطفية عميقة جداً، فما ان خرجت فاطمة بنت أسد تحمل وليدها الذي
وضعته في بطن الكعبة (قال الحاكم النيسابوري: (فقد تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد
ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه في جوف الكعبة) المستدرك على
الصحيحين : 3 / 483.)
حتى تقدّم إليها محمّد المصطفى (صلَّى الله عليه وآله) وأخذ علياً فضمَّه إلى
صدره (الفصول المهمة لإبن
الصباغ: 13 .) وكانت هذه بداية العناية به
والإعداد الخاص له. |
4 ـ ملامح من
شخصية خاتم الأنبياء (صلَّى الله عليه وآله) قبل البعثة :
|
لقد سطع اسم محمّد بن عبد الله (صلَّى الله عليه وآله) في مجتمع الجزيرة العربية في وقت كان الوهن
والتفكك قد بدا على أواصر ذلك المجتمع بكل نواحيه وكانت شخصيّة محمّد بن عبد الله
(صلَّى الله عليه وآله) تزداد تألّقاً وسموّاً. |
الباب
الثالث:
|
فيه
فصول: الفصل الأول: البعثة النبوية المباركة وإرهاصاتها. |
الفصل الأول: البعثة النبوية المباركة وإرهاصاتها
|
تمثل
نصوص القرآن الكريم أقدم النصوص التأريخية التي تتمتع بالصحة والدقة والمعاصرة
لأحداث عصر الرسالة الإسلامية، والمنهج العلمي يفرض علينا أن لا نتجاوز نصوص
القرآن الكريم فيما يخص عصر النبي (صلَّى الله عليه
وآله) الذي نزلت فيه الآيات حين بعثته واستمرت
بالنزول حتى وفاته. 7 ـ (وَإِنِ
اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) (سبأ (34): 50.) . |
الفصل الثاني: مراحل حركة الرسالة في العصر المكي
|
1 ـ بناء
الخلية الإيمانية الأولى :
|
وبعد اللقاء الأوّل مع وحي النبوّة
أخذت تتدرّج الآيات القرآنية بالنزول، ويبدو أنه
بعد أن نزلت عليه الآيات الأولى من سورة المزمل شرع النبي (صلَّى الله عليه
وآله) يهيّء نفسه للخطوات التالية في طريق نشر الرسالة الإسلامية وبناء المجتمع
الإسلامي، وكان عليه أن يعدّ العدّة لمواجهة الصعاب الكثيرة والمشاكل المتوقّعة،
وأن يُحكم خطّته وأسلوبه في العمل. |
2 ـ أدوار
العصر المكّي :
|
لقد مرّ
تبليغ الرّسالة الإسلامية على يدي النبيّ العظيم بثلاثة أدوار على الأقل حتى تهيّأت الظروف لتأسيس أوّل دولة إسلامية مباركة وهي كما
يلي: |
3 ـ دور
إعداد القاعدة الأولى :
|
تحرك النبيّ
(صلَّى الله عليه وآله)
داعياً إلى الإسلام بعد أن أمره الله تعالى بالقيام والإنذار (كما ورد في مطلع سورة المدّثر.)
ساعياً
لبناء كتلة إيمانية تكون بؤرة نور وإشعاع لهداية المجتمع واستمر الحال هكذا
حوالي ثلاث سنين مسدداً بالغيب معصوماً من الزلل. |
4 ـ دور
المواجهة الأولى وإنذار الأقربين:
|
وحين شاع خبر الإسلام في أرجاء
الجزيرة العربية وفي الوقت الذي بلغت فيه الفئة المؤمنة المستوى الروحي الذي
يؤهلها لخوض الصراع كان لابد من الانتقال إلى مرحلة الإعلان العام وأول خطواته
إنذار الأقربين في مجتمع تسوده الاعتبارات القبلية فمن الأولى إنذارهم قبل إنذار
الناس كافة، فكان نزول الأمر الإلهي: (وأنذر عشيرتك
الأقربين) (الشعراء (26) : 214.) ; من هنا دعا النبي(صلَّى الله
عليه وآله) عشيرته الأقربين وأوضح لهم أمر الرسالة وهدفها ومستقبلها وكان فيهم
من يرتجى خيره ويؤمل إيمانه. ولئن نهض أبو لهب معلناً المعاداة والكراهية فقد
تبنّى أبو طالب(عليه السلام) دعم النبي(صلَّى الله عليه وآله) وحماية رسالته. |
5 ـ دور
المواجهة الشاملة
|
ورغم احتياطات النبي (صلَّى الله عليه وآله) في المرحلة السابقة
وتجنّبه الدخول في مواجهة مباشرة له أو لأحد من المسلمين مع قوى الشرك والوثنية
فإنه كان يتعرّض خلالها للنقد واللوم اللاذع له ولبقيّة المسلمين. |
الفصل الثالث: موقف بني هاشم من النبي (صلَّى الله عليه وآله)
|
1 ـ دفاع أبي
طالب عن الرسول والرسالة :
|
لم
ينثن رسول الله (صلَّى
الله عليه وآله) عن الاستمرار في نشر الرسالة الإسلامية بل
اتسع نشاطه وكثرت تحركاته وتحركات أتباعه المؤمنين به وازدادت جاذبية الدين
الجديد في نظر الناس، وقد بدت قريش تظهر غيظها وتسعى لتجد السبل لإيقاف هذا
المدّ الجديد (الإسلام)، والقضاء عليه فعاودت مساعيها عند أبي طالب مرّة أخرى
باذلة مغرياتها تارة لإقناع الرسول بالعدول عن
دعوته والتراجع عن دينه وتارة أخرى بالتهديد والوعيد
فقالوا له: يا أبا طالب إن لك سناً وشرفاً ومنزلة فينا،
وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنّا وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم
آباءنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك حتى
يهلك أحد الفريقين. |
2 ـ
موقف قريش من الرسالة والرسول (صلَّى الله عليه وآله) :
|
نزلت آيات كثيرة من القرآن الكريم
خلال أربع سنوات من حركة الرسالة تضمنت بيان عظمة التوحيد والدعوة إليه والإعجاز
البلاغي والإنذار والوعيد لمخالفيه فتناقلتها الألسن وحوتها قلوب المؤمنين
وانجذب إليها القاصي والداني لاستماعها واستيعابها. |
3 ـ الكفر
يأبى الانصياع لصوت العقل :
|
تصورت قريش أنها بدهائها تستطيع أن
تثني النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) عن رسالته، وقد بان لها استجابة الناس لدعوته
المباركة. من هنا اقترح عتبة بن ربيعة ـ حين اجتمعت وجوه قريش ـ أن يذهب إلى النبيّ (صلَّى الله
عليه وآله) ليحدّثه كي يكفّ عن
دعوته، فمشى إليه والنبيّ (صلَّى الله عليه وآله) جالس ـ وحده ـ في المسجد، وامتدح النبيّ (صلَّى الله
عليه وآله) ومكانته في قريش وعرض
عليه عروضه والنبي (صلَّى الله عليه وآله) ينصت مستمعاً فقال:
يا ابن أخي إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى
تكون أكثرنا مالاً وإن كنت تريد به شرفاً سوّدناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك،
وإن كنت تريد به ملكاً ملّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رَ ئِيّاً تراه لا
تستطيع ردّه عن نفسك طلبنا لك الطبّ وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه... ولما
أتم كلامه قال (صلَّى الله عليه وآله) : أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم ، قال (صلَّى الله عليه
وآله) : فاسمع مني ثم تلا قوله تعالى: (تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ
فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيراً
وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ *وَقَالُوا
قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ)( فصلت (41): 1 ـ 5 .) واستمر النبيّ
(صلَّى الله عليه وآله) يقرأ الآيات الكريمة فانبهر عتبة لما سمع
وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليها. ثم سجد رسول الله عند آية السجدة. ثم قال (صلَّى الله عليه
وآله) : قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت
وذاك. |
4 ـ الاتّهام
بالسّحر :
|
أرادت قريش أن لا تختلف كلمتها ولا
تفقد مكانتها في محاربة الرسالة الإسلامية وفي نفس الوقت أن توقف سريان الرسالة
إلى نفوس الناس وموسم الحج على الأبواب فرأت أن تتخذ وسيلة تبدو فيها محافظتها
على مكانتها الوثنية وإضعاف دور الرسول ومكانته فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة لكبر سنّه وسعة معرفته لاتخاذ قرار
بذلك فاختلفت أقوالهم بين أن يدّعوا أنّه كاهن أو مجنون أو شاعر أو مريض تعتريه
الوسوسة أو ساحر، ثم أرجعوا القول للوليد فقال:
والله إنّ لقوله لحلاوة وإن أصله لعذق وإن فرعه لجناة وما أنتم بقائلين في هذا
شيئاً إلاّ عُرف أنّه باطل وإنّ أقرب القول فيه أن
تقولوا: ساحر جاء بقول هو سحر يُفرّق به بين المرء وأبيه وبين المرء
وأخيه وبين المرء وزوجه، فتفرّقوا يندسّون بين الناس يبثّون شائعتهم الخبيثة (السيرة النبوية: 1 /
289.). |
5 ـ التعذيب
وسيلة لقمع المؤمنين :
|
لقد عجزت قوى الكفر والشرك أن تثني
الرسول(صلَّى الله عليه وآله) وأصحاب الحق عن
الاستمرار في نشر الرسالة الإسلامية، مثلما عجزت عقولهم عن إدراك التوحيد
والإيمان، وراحت كل جهودهم لإيقاف الرسالة أو تشويهها سدى فلم يجدوا بُدّاً من
اتخاذ العنف والقسوة والتعذيب وسيلة لمحاربة أصحاب العقيدة فوثبت كل قبيلة على
من فيها من المسلمين فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب وفرض الجوع والعطش عليهم،
محاولين أن يفتنوهم عن دينهم ورسالة ربّهم. (إِنَّا كَفَيْنَاكَ
الْمُسْتَهْزِئِينَ)( الحجر (15): 95.)،
(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ
بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)( الأنعام (6) : 10.) . 7 ـ الحصار والمقاطعة الشاملة. |
6 ـ الهجرة
إلى الحبشة وإيجاد قاعدة آمنة :
|
لقد أدرك رسول الله (صلَّى الله
عليه وآله) بعد عامين من الجهر بالرسالة أن لا قدرة له على حماية المسلمين من
العناء الذي يصيبهم من طغاة قريش وزعماء الوثنية. |
7 ـ الحصار
الظالم وموقف بني هاشم :
|
ولمّا لم يستجب أبو طالب لقريش،
وأصرّ على حماية الرسول (صلَّى الله عليه وآله) مهما كان الثمن، كتبت قريش
صحيفتها الظالمة(جاء
في أعيان الشيعة ، ان الصحيفة الظالمة كتبت في غرّة محرم من السنة السابعة
للبعثة.) بالمقاطعة الشاملة في البيع
والشراء والمخالطة والزواج. |
8 ـ عام
الحزن :
|
وفي السنة العاشرة من
البعثة خرج المسلمون من الحصار وهم أصلب
عوداً وأغنى تجربة وأكثر قدرة على التحرك صوب الهدف الذي آلوا على أنفسهم أن لا
يتخلوا عنه رغم كل الصعاب. وكان من أثر الحصار أن اشتهر ذكر الإسلام والمسلمين
وانتشر في كل أرجاء الجزيرة العربية وكانت أمام رسول
الله (صلَّى الله عليه وآله) مهام صعبة، منها:
الانفتاح بصورة أوسع خارج نطاق مكة، ومحاولة إيجاد أكثر من مكان آمن تتحرك من
خلاله الرسالة الإسلامية. |
9 ـ الإسراء
والمعراج :
|
وفي هذه الفترة كانت حادثة الإسراء
والمعراج تثبيتاً للرسول (صلَّى الله عليه وآله) على طريق المقاومة الطويل،
وتكريماً له في أعقاب سنين طويلة من العمل والصمود، وتتويجاً لهذه المصاعب
والآلام المريرة مع قوى الشرك والضلالة، رفعه الله إلى قلب السموات، ليريه جوانب
من عظمة ملكه الباهرة في الكون الشاسع وليطلعه على أسرار الخليقة ومصير الإنسان
الصالح والطالح. |
الفصل الرابع: سنوات الانفراج حتى الهجرة
|
1 ـ الطائف
ترفض الرسالة الإسلامية :
|
كان خروجه (صلَّى الله
عليه وآله) إلى الطائف لليال بقين من شوال سنة عشرة من البعثة.أدرك
رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أن أذى قريش سيزداد ، وأن خطط المشركين
ومساعيهم للقضاء على الرسالة لن تتوقف، فقد زال غطاؤها الأمني بوفاة أبي طالب
ولابد للرسالة الإسلامية أن تنفتح على جبهة أوسع. وفي الوقت الذي استطاع فيه
رسول الله أن يبني الإنسان الرسالي سعى لتهيئة قاعدة تتضح فيها معالم الاستقرار
والنظام في محيط يمارس فيه الفرد حياته وعلاقاته مع ربه والناس ولينطلق بعد ذلك
إلى بناء الحضارة الإسلامية الإنسانية وفق تعاليم السماء، فوقع اختياره على
الطائف حيث تقطن ثقيف كبرى القبائل العربية بعد قريش. ولما انتهى إليها وحده أو
بمرافقة زيد بن حارثة أو بمرافقة زيد وعلي(راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 4 / 127 و 14 / 97 .)، عمد إلى نفر من ثقيف وهم يومئذ
سادتها وأشرافها، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله، وعرض عليهم المهمة التي جاء من
أجلها وهي أن ينصروه في دعوته ويمنعوه من قومه فلم يعبأوا لدعوته وردوا عليه
ساخرين فقال أحدهم: إنني أمزق ثياب الكعبة إن
كان الله أرسلك، وقال آخر: والله لا أكلمك أبداً
ولئن كنت رسولاً من الله كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أردّ عليك الكلام ولئن
كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك. وردّ الآخر قائلاً: أعجزٌ على الله أن
يرسل غيرك؟!( السيرة النبوية: 1 / 420 ، بحار الأنوار: 19 / 6 و7 و22 ، إعلام
الورى: 1 / 133.). |
2 ـ الانفتاح
على الرسالة ومعوّقاتها في مكة :
|
لقد كانت حركة الرسول(صلَّى الله عليه وآله) جهاداً رسالياً
متكاملاً، وكان منطقه وسلوكه وخلقه يحاكي الفطرة السليمة والأخلاق السامية،
يناشد الحق في النفوس ليحييها ويدعو إلى الفضيلة لتنعم البشرية بها ولهذا لم
ييأس الرسول (صلَّى الله عليه وآله) رغم اضطهاد
قريش وقسوتها معه وصد الطائف وجفوتها، إذ كان يتحرك بين الناس ويدعو الجميع إلى
دين الله ولا سيّما في مواسم العمرة والحج حيث تتوفّر فيها فرص تبليغية عظيمة فكان
(صلَّى الله عليه وآله) يقف على منازل القبائل من العرب ويقول: (يا بني فلان إني رسول الله إليكم يأمركم أن تتعبدوا إليه
ولا تشركوا به شيئاً وأن تؤمنوا بي وتصدقوني وتمنعوني حتى اُبيّن عن الله ما
بعثني به)( السيرة النبوية: 1 / 423، تأريخ الطبري: 2 / 429، أنساب الأشراف: 1
/ 237.). وفي جانب آخر تقوم أم جميل في وسط
النساء فتسخر من النبي (صلَّى الله عليه وآله) ودعوته المباركة لتمنع النساء من متابعته. |
3 ـ بيعة
العقبة الأولى :
|
كان النبي
(صلَّى الله عليه وآله) لا يدّخر
وسعاً ولا يتوانى في السعي لنشر الرسالة الإسلامية ودعوة أي عنصر يرى فيه الأمل
والخير أو يجد فيه التأثير والنفوذ ممن كان يقدم إلى مكة لحاجة ما. وقد كانت
مدينة يثرب تعيش صراعاً سياسياً وعسكرياً بين أقوى قطبين فيها وهما الأوس
والخزرج، وكان يؤجج هذا الصراع عناصر من اليهود ـ بخبثهم ودسائسهم ـ في جو من
ضياع القانون الإلهي. |
4 ـ بيعة
العقبة الثانية :
|
تحرك مصعب بين أزقة يثرب وفي
مجتمعاتها يتلو آيات الله ويحرك الأفئدة والعقول بالقرآن حتى آمن بالرسالة
الإسلامية عدد كبير من الناس. |
5 ـ
الاستعداد للهجرة إلى يثرب :
|
انتبهت قريش وخرجت من غفلتها فقد
انفتح باب الرجاء في الغلبة، في وجه المسلمين فراحت تزيد من استخدام القسوة
والتنكيل والاضطهاد للمسلمين في محاولة منها للقضاء عليهم قبل استفحال الأمر،
فشكا المسلمون ذلك لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله) واستأذنوه للخروج من مكة فاستمهلهم أياماً ثم
قال: (لقد أخبرت بدار هجرتكم وهي يثرب فمن أراد
الخروج فليخرج إليها) (الطبقات الكبرى: 1 / 226.)، وفي رواية أخرى: (إن
الله قد جعل لكم داراً تأمنون بها وإخواناً) ( مناقب آل أبي طالب: 1 /
182، السيرة النبوية : 1 / 468.). |
6 ـ المؤاخاة
قبل الهجرة :
|
قد آخى رسول
الله (صلَّى الله عليه وآله)
بين المهاجرين كنقطة انطلاق نحو المجتمع الإسلامي المتماسك يتعاونون كجسد واحد
لمصلحة الإسلام وإعلاء كلمة الله حيث سيواجه المسلمون مصاعب جمّة يستلزم تجاوزها
التعاون والتعاضد بأعلى مراتبه. |
الباب
الرابع:
|
فيه
فصول: الفصل الأول: تأسيس الدولة الإسلامية الأولى. |
الفصل الأول: تأسيس الدولة الإسلامية الأولى
|
1 ـ الهجرة
إلى يثرب :
|
لكي تتكامل حركة الرسالة وتتحقق
النبوّة أهدافها الربّانية المنشودة لابد أن تسدد وتؤيد بقوى الخير وعناصر تملك
اليقين المطلق بالعقيدة وتنذر نفسها لتلك العقيدة وتستعد للتضحية على الدوام مع
مؤهلات تصونها من الانحراف. وخرج رسول
الله (صلَّى الله عليه وآله) بعد منتصف الليل من داره تحيط به العناية الإلهية
مخترقاً طوق قوات الشرك المحيطة بداره تاركاً علياً في فراشه. وأخيراً بركت
الناقة عند مربد يعود لغلامين يتيمين من بني النجار أمام دار أبي أيوب الأنصاري
فأسرعت زوجته فأدخلت رحل رسول الله (صلَّى الله عليه
وآله) في دارها فنزل عندهم رسول الله (صلَّى
الله عليه وآله) إلى أن تمّ بناء المسجد النبوي وبيته (صلَّى الله عليه وآله) (
راجع السيرة النبوية: 1 / 494.). |
2 ـ بناء
المسجد :
|
لقد اجتاز النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)
بالمسلمين دائرة بناء الفرد ، وبوصوله إلى يثرب شرع في التخطيط لتكوين الدولة
التي تحكمها قوانين السماء والشريعة الإسلامية السمحاء ومن ثم بناء الحضارة
الإسلامية لتشمل كل الإنسانية في مرحلة ما بعد الدولة. |
3 ـ المؤاخاة
بين المهاجرين والأنصار:
|
ثم خطا النبي (صلَّى الله عليه وآله) خطوة اُخرى
لإقامة الدولة الجديدة والقضاء على بعض قيم النظام القبلي من دون أن يمس القبيلة
بشيء ، مستثمراً حالة التعاطف وحرارة الإيمان التي بدت من المسلمين فجعل أساس
العلاقة بين الأفراد رابطة العقيدة والدين متجاوزاً علقة الدم والعصبية، فقال (صلَّى الله عليه وآله): تآخوا في
الله أخوين أخوين، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: هذا أخي(السيرة النبوية: 1 / 504.)،
وأخذ كل رجل من الأنصار أخاً له من المهاجرين يشاركه الحياة. وبذا طوت المدينة
صفحة دامية من تأريخها إذ كانت لا تخلو أيامها من صراع مرير بين الأوس والخزرج
يؤججه اليهود بخبثهم ودسائسهم وانفتح على العالم عهد جديد من الحياة الإنسانية
الراقية حيث زرع رسول الله (صلَّى
الله عليه وآله) بذلك عنصر بقاء الأمة، وفاعليتها الإيمانية. |
أبعاد ونتائج
التآخي بين المسلمين
|
البعد الاقتصادي : |
1 ـ إعالة المهاجرين وإعادة
تأهيلهم اقتصادياً للعودة لممارسة حياتهم الطبيعية. |
البعد الاجتماعي : |
1 ـ القضاء على الأمراض الاجتماعية
المتأصلة في المجتمع ومخلفات التناحر القبلي وإشاعة روح الحب والود والتآلف لسد
الثغرات لئلاّ يستغلّها المتآمرون على الإسلام، وتوفير الجهود والطاقات البشرية
لخدمة الإسلام في مراحله اللاحقة. |
البعد السياسي : |
1 ـ تكوين نسيج مترابط من المسلمين
يتحرك مستجيباً لأوامر الرسول والرسالة كفرد واحد في ظرف تعددت فيه الجهات
المعادية ولم تتوقف عن دسائسها. |
4 ـ معاهدة
المدينة :
|
ولكي
ينتقل النبيّ (صلَّى
الله عليه وآله) بالمسلمين من حالة الصراع والمقاومة إلى مرحلة
البناء وتطبيق الشريعة الإسلامية كان لابد من توفير أجواء الأمن والاستقرار ـ ولو نسبياً ـ فالصراع قد
يعيق انتشارها في الوسط الجماهيري. 6 ـ توسيع دائرة المجتمع السياسي
باعتبار أنّ المسلمين واليهود يتعايشون في نظام سياسي واحد ويدافعون عنه. |
5 ـ النفاق
وبدايات الاستقرار في المدينة :
|
اهتم
النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) ببناء المجتمع المسلم ومن هنا فرض الهجرة على كل
مسلم إلاّ بعذر وذلك لاستقطاب كل الطاقات والكفاءات وسحبها إلى المدينة. وقد
تمتعت المدينة في هذا العهد الجديد بحياة الأمن والاستقرار فأصبح الأمر مزعجاً
لسائر القوى التي رفضت دعوة النبي (صلَّى الله عليه وآله) أولاً ورأت فيه طرفاً
يهدد معتقدها واليوم أصبح كياناً يرتقي بالإنسان نحو الفضائل وقوة تنمو باطّراد
لا يصدّه أحد عن نشر رسالته فأسلمت أعداد كبيرة منهم ومضى قسم آخر يخطط للابتعاد
عنه أو التحالف معه. ومن جانب آخر
كان النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) يرصد حركة النفاق ومساعي اليهود الحاقدة
لتقويض الكيان الإسلامي الفتيّ بتمزيق صفوفه بالتفرقة في ما بين المسلمين. ولم
تمض فترة طويلة حتى دخل الإسلام في كل بيت من بيوت المدينة(السيرة النبوية: 1 /
500.)، واتسق النظام الاجتماعي العام تحت حكم الإسلام وقيادة الرسول (صلَّى الله عليه وآله) . وفي هذه
الفترة شرّعت أحكام الزكاة والصيام وأحكام إقامة الحدود، كما شرع الأذان لإقامة
الصلاة وقبل ذلك كان النبي (صلَّى الله
عليه وآله) قد أعدّ منادياً ينادي
للصلاة إذا جاء وقتها ، ونزل الوحي الإلهي يعلّم رسول
الله (صلَّى الله عليه وآله) صيغة الأذان(الكافي: 1 / 83 ، تهذيب الأحكام: 1 / 215.) فدعا رسول
الله (صلَّى الله عليه وآله) بنفسه بلالاً وعلّمه كيفية الأذان. |
6 ـ تحويل
القبلة:
|
وكان النبيّ
(صلَّى الله عليه وآله) طوال فترة تواجده في مكة يتجه في صلاته نحو بيت المقدس ولم يغيّر من اتجاه صلاته بعد هجرته
المباركة إلى سبعة عشر شهراً ثم أمره الله أن
يتجه في صلاته نحو الكعبة. |
7 ـ بدايات
الصراع العسكري :
|
لقد كانت القوّة هي التي تحكم
الناس وتسودهم، وفي هذا الظرف تحرّكالنبي (صلَّى الله عليه وآله) والمسلمون ـ
بعد الاستقرار النسبي في المدينة ـ ليؤكّد لكل القوى المؤثرة في الجزيرة بل
وخارجها ـ كالروم وفارس ـ إصراره على نشر الرسالة الإسلامية وبناء الحضارة وفق تعاليم
السماء، وكان للمسلمين من أدوات البناء ما لم يملكه غيرهم، فهم أصحاب عقيدة وفكر
وطلاّب حقٍّ وعدل، ومشرّعي سلام وأمان، وأهل سيف وقتال. |
الفصل الثاني: الدفاع عن كيان الدولة الفتية
|
1 ـ غزوة بدر
الكبرى :
|
بنزول
الأمر الإلهي بالقتال انتقلت الرسالة الإسلامية إلى مرحلة جديدة من الصراع مع
قوى الشرك والضلالة، وتحركت في نفوس المهاجرين الرغبة الجادة لاسترداد حقوقهم
المسلوبة من قبل والتي استلبتها قريش منهم لا لشيء إلاّ لأنهم آمنوا بالله وحده. قال (صلَّى
الله عليه وآله) :
أجل. قال: إنّا قد آمنا بك وصدقّناك وشهدنا أن كل ما جئت به حق. وأعطيناك
مواثيقنا وعهودنا على السمع والطاعة، فامض يانبي الله، فوالذي بعثك بالحق لو
استعرضت هذا البحر فخضته لخضناه معك مابقي منا رجل، وما نكره أن يلقانا عدونا
غداً; إنا لصُبّر عند الحرب، صِدق عند اللقاء، لعلّ الله يريك منّا ما تقرّ به
عينك. |
نتائج
المعركة :
|
خلّفت معركة بدر نتائج
عظيمة
فقد فرّ المشركون نحو مكة والخيبة والذل يحيطان بهم من كل جانب تاركين خلفهم
سبعين قتيلاً وسبعين أسيراً وغنائم كثيرة... وبدت بين صفوف المسلمين المنتصرين
بوادر اختلاف حول كيفية تقسيم الغنائم فأمر النبي
(صلَّى الله عليه وآله) بجمعها حتى يرى فيها رأيه، ونزل الأمر الإلهي في
سورة الأنفال بتقسيم الغنائم وتشريع أحكام الخمس، فأعطى
رسول الله لكل فرد مقاتل حصته على قدم المساواة مع غيره (المغازي: 1 / 104،
السيرة النبوية: 1 / 642.). |
2 ـ اهتمام
النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) بزواج الزهراء (عليها السلام) :
|
حلّت الزهراء من قلب
النبي المصطفى (صلَّى الله عليه وآله) المنزلة
الرفيعة إذ كان يجد فيها السلوة والعزاء ، والصورة الطيبة التي تركتها خديجة
(عليها السلام)، والذرية الطاهرة. وشاركت الزهراء
(عليها السلام) النبي (صلَّى
الله عليه وآله) هموم الرسالة وعملت
كثيراً للتخفيف عنه حتى قال عنها: (إنها أم أبيها). |
3 ـ الصدام
المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع :
|
لمس اليهود خطر تنامي قوة الإسلام والمسلمين في المدينة.
فالكيان الطري أصبح أشد عوداً وأقوى شكيمةً وتحولت الرسالة الإسلامية إلى قوة
تحكم. |
4 ـ ردود فعل
قريش بعد انتصارات المسلمين :
|
جمع أبو سفيان عدداً من فرسان قريش
وقادهم نحو المدينة تدفعهم نواياهم الغادرة إلى الفتك بالمسلمين وردّ اعتبار
قريش المفقود في بدر. وعلى مقربة من المدينة عاثوا في الأرض فساداً وكرّوا
فارّين خوفاً من أن تنالهم سيوف المسلمين. |
5 ـ غزوة
أُحد (وقعت معركة أحد في شوال من السنة الثالثة للهجرة.) :
|
مرّت الأيام التي تلت معركة بدر
ثقيلة على قريش والمشركين. وفي المدينة لم يزل النبي (صلَّى الله عليه وآله) يواصل عمليّة
بناء الإنسان والدولة حيث كانت الآيات الإلهية تترى وهي تشرّع للإنسان سلوكه
وحياته والنبي يفصّل
التعاليم ويطبق الأحكام ويهدي إلى طاعة الله. |
6 ـ محاولات
الغدر بالمسلمين :
|
كان من الطبيعي في مجتمع تحكمه
القوة والغلبة بالسيف أن يطمع المشركون في المسلمين بعد النكسة في اُحد، لكن النبي القائد (صلَّى
الله عليه وآله) كان يقظاً
ومدركاً لكل المتغيرات حريصاً على سلامة الرسالة وقوّتها مجتهداً في بناء الدولة
والمحافظة عليها، فكان يتحسّس الأخبار ويستطلع النوايا ويسرع في الرّد قبل أن
يدرك المشركون أهدافهم فخرجت سرية أبي سلمة ترد غدر بني أسد بالمدينة ونجحت
السرية في مهمتها(المغازي: 1 / 340.)
وتمكن المسلمون أيضاً من رد كيد مشرك كان يعدّ لغزو المدينة. |
7 ـ غزوة بني النضير(وقعت هذه الغزوة في شهر ربيع الأول من السنة الرابعة
للهجرة .) :
|
تتابعت النكبات على المسلمين حتى
بدى للمنافقين وليهود المدينة أن هيبة المسلمين قد ضاعت، وأراد النبي (صلَّى الله عليه وآله) بحكمته
السياسية أن يحدّد ملامح التصرف الصحيح مع يهود (بني
النضير) مبرزاً نواياهم، فاستعان بهم على دفع دية القتيلين. فتلقوه قرب
مساكنهم مرحّبين به وبجماعة من المسلمين وهم يضمرون السوء، فطلبوا منه الجلوس
ريثما يحققون له طلبه. فجلس مستنداً إلى جدار بيت من بيوتهم فأسرعوا ـ مستغلّين الفرصة ـ لإلقاء حجر عليه وقتله، فهبط
الوحي عليه يخبره، فانسلّ من بينهم تاركاً الصحابة معهم، فاضطرب بنو النضير
وأمسوا في حيرة من أمرهم وباتوا قلقين بشدة من سوء فعلتهم، وأسرع الصحابة إلى
النبي (صلَّى الله عليه
وآله) في المسجد يستطلعون سرّ عودته فقال (صلَّى الله عليه وآله) : (همّت اليهود بالغدر بي فأخبرني الله بذلك
فقمت)( الطبقات الكبرى: 2 / 57
، امتاع الاسماع: 1 / 187.). |
8 ـ مناوشات
عسكرية بعد اُحد :
|
ساد الهدوء والاستقرار أجواء
المدينة واضطرب المنافقون قلقاً من انكشاف أساليبهم وأيقنوا أن الدور القادم هو
دور تحطيمهم. وفي هذا الظرف وردت أخبار للنبي (صلَّى الله عليه وآله) بأنّ غطفان تعدّ العدّة لغزو المدينة فأسرع النبي والمسلمون في الخروج إليهم ولكنهم فوجئوا بالعدو
قد أعدّ واستعدّ لملاقاتهم فتهيّب كل من الفريقين الآخر ولم يقع أي قتال. وفي
هذه الغزوة صلى النبي (صلَّى الله عليه وآله) صلاة الخوف بالمسلمين إذ لم يتسنَّ لهم الغفلة
عن العدو برهة من الزمن، وعاد المسلمون إلى المدينة دون قتال(راجع السيرة النبوية: 2
/ 204.)،
وسميت هذه الغزوة بـ (ذات الرقاع). |
9 ـ غزوة بني
المصطلق ودور النفاق :
|
ووردت أخبار جديدة تفيد بأن الحارث
بن أبي ضرار ـ زعيم بني المصطلق ـ يعدّ لغزو المدينة فاستوثق النبي (صلَّى
الله عليه وآله) ـ
كعادته قبل كل تحرك ـ من صدق الخبر وندب المسلمين فخرجوا إليهم والتقوا عند ماء
يدعى (المريسيع) ونشبت الحرب ففر المشركون بعد
قتل عشرة اشخاص منهم، وغنم المسلمون غنائم كثيرة وسُبيت أعداد كبيرة من عوائل بني
المصطلق، كانت من بينهم جويرية بنت الحارث فأعتقها النبي (صلَّى الله عليه وآله) ثم تزوجها،
وأطلق المسلمون ما في أيديهم من الأسرى إكراماً لرسول الله(صلَّى الله عليه وآله) ولها (تاريخ الطبري: 3 / 204، إمتاع الأسماع: 1 / 195.). وأسرع عبد الله بن
اُبي رأس النفاق يبتغي الفتنة ويؤجج الخلاف فوجّه اللّوم لمن حوله من أهل
المدينة إذ آووا ونصروا المهاجرين ثم قال: أما والله لئن رجعنا إلى المدينة
ليخرجنّ الأعز منها الأذل، وكادت أن تفلح مساعى ابن اُبي لولا أنّ النبي
(صلَّى الله عليه وآله) ـ بعد أن توثق من تحريض ابن أبيّ
ونفاقه ـ أمر بالعودة إلى المدينة على وجه السرعة رافضاً رأي عمر بن الخطاب بقتل
ابن أبي فقال (صلَّى
الله عليه وآله) :
(فكيف يا عمر إذا تحدّث الناس أن محمداً يقتل
أصحابه؟! لا)( إمتاع الأسماع: 1 / 202.).
ولم يأذن النبي بالاستراحة في الطريق فسار
بالمسلمين يوماً وليلة ثم أذن لهم بالاستراحة فأخلد الجميع للنوم من شدة التعب
ولم تتح فرصة للتحدث وتعميق الخلاف. وعلى أبواب المدينة طلب عبد الله بن عبد
الله بن أبي الإذن من النبي (صلَّى الله عليه وآله) في قتل أبيه بيده دون أحد من المسلمين خشية أن
تثيره العاطفة فيثأر لأبيه فقال نبي الرحمة (صلَّى الله
عليه وآله) : (بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي
معنا). ثم وقف عبد الله (الأبن) ليمنع أباه من دخول المدينة إلاّ بإذن من
الرسول (
راجع السيرة النبوية: 2 / 292.)،
وفي هذا الظرف نزلت سورة المنافقين لتفضح سلوكهم
ونواياهم. |
10 ـ إبطال
أعراف جاهلية :
|
برحمته
الفياضة وبطيب قلبه المفعم حباً للإنسانية وقف النبي (صلَّى
الله عليه وآله) ذات يوم وقال لقريش: (يا من
حضر إشهدوا أن زيداً هذا ابني)( أسد الغابة: 2 / 235، الاستيعاب مادة: زيد.). وانتقل زيد من رقّ العبودية إلى
بنوة أكرم خلق الله وآمن زيد بالنبي المرسل من
أول أيام البعثة المباركة إيماناً صادقاً. ومضت الأيام حتى بلغ زيد مرحلة
الرجولة في ظل رعاية النبي الأكرم وبجرأة الثائر
العظيم والمصلح الكبير اختار النبي (صلَّى
الله عليه وآله)
زينب
بنت جحش (ابنة عمته) زوجاً لزيد، فامتنعت أن
تتنازل عن مكانتها الاجتماعية ونسبها الرفيع لتتزوج رجلاً سبق له أن كان رقّاً.
ولكن إيمانها الصادق دفعها لتستجيب لأمر الله تعالى حيث يقول: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) ( الأحزاب (33): 36.). |
الفصل الثالث: تظاهر قوى الشرك والرد الإلهي الحاسم
|
1 ـ
تحالف قوى الشرك وغزوة الخندق :
|
أشرفت السنة
الخامسة على الانقضاء وكانت كل الأحداث والتحركات العسكرية التي خاضها
المسلمون تهدف إلى الدفاع عن كيان الدولة الفتيّة، وتوفير الأمن في محيط المدينة
وأفرزت الأحداث تنوعاً وتعدداً في الجهات والأطراف المعادية للدين وللدولة
الإسلامية. فسعى اليهود لاستثمار هذا التنوع بتجميعه وتمويله وإثارة النزعة
العدائية فيه لاستئصال الوجود الإسلامي من الجزيرة، ومن ذلك أنهم أوهموا
المشركين الذين تساءلوا عن مدى أفضلية الدين الإسلامي على الشرك ، بأن الوثنية
خير من دين الإسلام (كما ورد في قوله تعالى
في الآية : 51 من سورة النساء.)
وتمكنوا من جمع قبائل المشركين وتعبئتهم وسوقهم صوب المدينة عاصمة الدولة
الإسلامية. وسرعان ما وصل الخبر إلى مسامع النبي(صلَّى
الله عليه وآله) وهو القائد المتحفز اليقظ والمدرك لكل التحركات
السياسية، من خلال العيون الثقات. |
2 ـ الضغط
على المسلمين :
|
لقد تعرض المسلمون لضغوط
عديدة أثناء الحصار منها: |
3 ـ هزيمة
العدو :
|
لقد كانت قوى الأحزاب ذات نوايا
وأهداف متخالفة، فاليهود كانوا يحاولون استعادة نفوذهم على المدينة بينما كانت
قريش مندفعة بعدائها للرسول والرسالة وكانت غطفان وفزارة وغيرها طامعة في محاصيل
خيبر التي وعدها اليهود. هذا من جانب. ومن جانب آخر أحدثت قسوة ظروف الحصار
كللاً ومللاً في نفوس الأحزاب إلى جانب ما واجههوه من التحصين وقوة المسلمين
التي أبدوها وما قام به (نُعيم بن مسعود) من إحداث شرخ في تحالف الأحزاب واليهود
إذ أقدم ـ بعد إسلامه ـ إلى الرسول (صلَّى الله عليه وآله) قائلاً: مرني ما شئت.
فقال له (صلَّى الله عليه وآله): (أنت فينا رجل واحد، فَخَذِّل عنا ما استطعت فإنّ الحرب
خدعة). وأرسل الله سبحانه وتعالى على
الأحزاب ريحاً عاتية باردة أحدثت فيهم رعباً وقلقاً فاقتلعت خيامهم وكفأت
قدورهم، فنادى أبو سفيان بقريش للرحيل فأخذوا معهم من المتاع ما استطاعوا حمله
وفرّوا هاربين وتبعتهم سائر القبائل حتى إذا أصبح الصباح لم يبق أحد منهم (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ) ( نزلت سورة الأحزاب
وفيها تفاصيل ما جرى يوم الخندق.). |
4 ـ غزو بني
قريظة وتصفية يهود المدينة :
|
لقد كشف يهود قريظة عن الحقد
والعداء الذي انطوت عليه نفوسهم يوم الخندق ولولا أن الله أخزى الأحزاب لتمكن
يهود بني قريظة من الفتك بالمسلمين من خلف ظهورهم فكان لابد للرسول (صلَّى
الله عليه وآله) من
معالجة موقفهم الخياني، ولهذا أمر النبي (صلَّى الله عليه وآله)
أن يتحرك المسلمون لمحاصرة اليهود في
حصونهم من دون أن يعطي فرصة للاستراحة مظهراً بذلك أهمية الحركة العسكرية
الجديدة فأذّن المؤذن في الناس: من كان
سامعاً مطيعاً فلا يصلينّ العصر إلا في بني قريظة(الطبري: 3 / 179.). |
الباب
الخامس:
|
فيه فصول: الفصل الأول: مرحلة الفتح. |
الفصل الأول: مرحلة الفتح
|
1 ـ صلح
الحديبية :
|
كادت تنقضي السنة
السادسة للهجرة وكانت تلك السّنة سنة جهاد مستمر ودفاع مستميت بالنسبة للمسلمين. واهتم
المسلمون بنشر الرسالة الإسلامية وبناء الإنسان والمجتمع الإسلامي وتكوين
الحضارة الإسلامية. وقد ادرك كل من كان في الجزيرة العربية عظمة هذا الدين وعرف
أن من المستحيل استئصاله والقضاء عليه، فالصراع مع قريش ـ وهي أكبر قوة سياسية وعسكرية آنذاك ـ ومع اليهود وباقي القوى المشركة لم يمنع من انتشار الإسلام وسطوع
معانيه وبلوغ أهدافه. سلك الرسول (صلَّى الله عليه وآله) وأصحابه
طريقاً وعراً ثم هبطوا إلى منطقة سهلة تدعى
بـ(الحديبية) فبركت ناقة رسول الله فقال (صلَّى الله عليه وآله): (ما
هذا لها عادة ولكن حبسها حابس الفيل بمكة)( بحار الأنوار : 20 / 229.)،
فأمر (صلَّى الله عليه وآله) المسلمين
بالنزول فيها ـ وقال (صلَّى الله عليه وآله): (لا تدعوني قريش اليوم
إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلاّ أعطيتهم إياها) ( الطبري: 3 / 216.)، ولكنّ قريشاً بقيت تترصد
المسلمين ووقف فرسانها في طريقهم، ثم بعثت إلى النبي (صلَّى
الله عليه وآله) بديل بن ورقاء في وفد من خزاعة لتستعلم هدف النبي
(صلَّى الله عليه وآله) وتصده
عن دخول مكة، وعاد الوفد ليقنع قريشاً أن السلم والعمرة هدف النبي (صلَّى الله عليه وآله). واستكبرت
قريش وبعثت بوفد آخر يرأسه الحليس
ـ سيد الأحابيش ـ فلما رآه النبي (صلَّى الله عليه وآله) مقبلاً قال: (إن هذا من قوم يتألهون) (أي يعظمون الله). فلما
رأى الحليس الهدي رجع إلى قريش من دون أن يلتقي بالنبي (صلَّى الله عليه وآله)
ليقنع قريشاً ان النبي والمسلمين جاءوا معتمرين
. ولكن لم تقتنع قريش فأرسلت مسعود بن عروة الثقفي الذي انبهر من مشهد المسلمين
وهم يتسابقون لالتقاط القطرات المتناثرة من وضوئه (صلَّى الله عليه وآله) فعاد إلى
قريش قائلاً: يا معشر قريش إني قد جئت كسرى في ملكه وقيصر في ملكه والنجاشي في
ملكه، وإني والله ما رأيت ملكاً في قوم قط مثل (محمد) في أصحابه، ولقد رأيت
قوماً لا يسلمونه لشيء قط فروا رأيكم(المغازي: 2 / 598.). |
شروط الصلح :
|
وبسبب
تشدد (سهيل) في
شروط الصلح كادت المفاوضات أن تفشل، وأخيراً
تمّ الاتفاق على عدّة شروط للصلح، هي: 1
ـ تعهّد الطرفين بترك الحرب عشر سنين ، يأمن فيها الناس ويكفّ بعضهم عن بعض. |
نتائج صلح
الحديبية :
|
1
ـ اعترفت قريش بكيان المسلمين كقوة عسكرية وسياسية منظمة، وكدولة حقيقية جديدة. |
2 ـ انطلاقة
الرسالة الإسلامية إلى خارج المدينة :
|
لقد كانت محاولات قريش للقضاء على
الإسلام فيما مضى عاملاً لانشغال النبي (صلَّى الله عليه وآله) والمسلمين في
معارك الدفاع والتحصين وتثبيت أركان الدولة والمجتمع الإسلامي عدة سنين فلم
يستطع خلالها أن يبلّغ بحريّة تامّة رسالته السماوية العالمية والخاتمة لكل
الأديان. ولكن بتوقيع معاهدة صلح الحديبية أمن الرسول جانب قريش وأتاحت هذه
العملية فرصة مناسبة لأن يبعث الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) سفراءه إلى زعماء القوى الكبرى المحيطة
بالجزيرة العربية والى كل رؤساء المجاميع في الجزيرة وخارجها يدعوهم إلى الإسلام
بعد بيان التعاليم الإلهية لهم. |
3 ـ غزوة
خيبر :
|
وقعت هذه الغزوة في شهر جمادى الآخرة من السنة السابعة للهجرة، راجع الطبقات الكبرى : 2 / 77. بجهود صادقة وبحنكة كبرى وشجاعة
فائقة وتسديد إلهي ارتقى النبي (صلَّى الله عليه وآله)
بالمسلمين سُلّم الوعي الرسالي والثبات
والخير وزرع فيهم روح الصبر والتواصل.. وانطلق (صلَّى الله عليه
وآله)
برسالته السماوية إلى العالم الإنساني
خارج الجزيرة العربية من خلال كتبه ورسله إلى زعماء القوى المجاورة. وتوقع النبي
(صلَّى
الله عليه وآله) أن تكون ردود الفعل مختلفة فقد يكون بعضها
هجوماً عسكرياً يقصد المدينة مستعيناً بما فيها من بقية جيوب المنافقين واليهود
وهم الذين حفل تأريخهم بالغدر والخيانة . |
4 ـ محاولة
اغتيال النبي (صلَّى الله عليه وآله) :
|
لقد قررت جماعة في الخفاء قتل النبي (صلَّى
الله عليه وآله) غيلةً شفاءً لحقدهم الدفين
وإرضاءً لنزعاتهم العدوانية ولهذا أهدت زينب بنت الحارث ـ زوجة سلام بن مشكم
اليهودي ـ إلى النبي (صلَّى الله عليه وآله) شاة مشوية ودسّت السمّ فيها وأكثرت منه في
ذراعها إذ كانت تعلم أن النبي (صلَّى الله عليه وآله) يحب الذراع من الشاة. |
5 ـ استسلام
أهالي فدك :
|
وتهاوت أوكار الخيانة أمام صولات
الحق والعدل، فما أن تم نصر الله في خيبر حتى قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك
فبعثوا إلى رسول الله (صلَّى
الله عليه وآله) يصالحونه على نصف محاصيل فدك وأن
يعيشوا تحت راية الحكم الإسلامي، مطيعين مسالمين فوافق رسول
الله (صلَّى الله عليه وآله)
على
ذلك. وبهذا أصبحت فدك ملكاً لرسول الله (صلَّى
الله عليه وآله) خاصة بحكم القرآن لأنها مما لم
يوجف عليه بخيل ولا سلاح إذ أعلنت استسلامها للنبي
(صلَّى الله
عليه وآله) من
دون تهديد أو قتال. وقد وهب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فدكاً لابنته فاطمة الزهراء (عليها
السلام)( مجمع البيان: 3 / 411، شرح ابن أبي الحديد: 16 / 268، الدر المنثور:
4 / 177.). |
6 ـ عمرة
القضاء :
|
انقضت
أيام الهدنة والنبي (صلَّى
الله عليه وآله) والمسلمون في عمل دؤوب متواصل
لتركيز دعائم الحكم الإسلامي، ولم تحدث تحركات عسكرية مهمة بعد فتح خيبر سوى
خروج سرايا تبليغية أو تأديبية لبعض العناصر التي كانت تظهر الشغب. |
الفصل الثاني: الإسلام خارج الجزيرة
|
1 ـ معركة
مؤتة (وقعت معركة مؤتة في جمادى الاُولى من السنة الثامنة للهجرة.) :
|
عزم النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)
على بسط
الأمن في شمال الجزيرة العربية، ودعوة أهلها إلى الإسلام والانطلاق نحو الشام.
من هنا بعث الحارث بن عمير الأزدي إلى الحارث ابن
أبي شمر الغساني فاعترضه شرحبيل بن عمرو الغسّاني فقتله. وخرج رسول الله
(صلَّى الله عليه وآله) معهم مودّعاً حتى بلغ ثنية الوداع. ولقد تألّم
رسول الله لمقتل جعفر بن أبي طالب وبكاه بشدة،
وذهب (صلَّى
الله عليه وآله) إلى بيت جعفر يعزّي أهله ويواسي أبناءه، كما
حزن كثيراً على زيد ابن حارثة(بحار الأنوار: 21 / 54، المغازي: 2 / 766، السيرة الحلبية: 3 / 68.). |
2 ـ فتح مكة (تم فتح مكة في شهر رمضان من السنة الثامنة
للهجرة.) :
|
لقد
اختلفت ردود فعل القوى في المنطقة بعد معركة مؤتة،
فالروم فرحوامن انسحاب المسلمين وعدم تمكّنهم من دخول الشام. ويبدو أن النبي
(صلَّى الله عليه وآله) كان يود أن يتحقق النصر المؤزّر سريعاً دون
إراقة قطرة دم ، متخذاً أسلوب المباغته. ولكن الخبر تسرب إلى رجل كان قد ضعف
أمام عواطفه فكتب إلى قريش كتاباً بذلك وبعثه مع امرأة توصله. ونزل الوحي يخبر
النبي (صلَّى الله عليه
وآله)
بذلك فأمر علياً والزبير بأن يلحقا المرأة ويسترجعا الكتاب، وانتزع علي بن أبي
طالب بقوة إيمانه برسول الله (صلَّى الله عليه وآله) الكتاب من
المرأة(السيرة النبوية: 2 / 398.). |
تحرك الجيش
الإسلامي نحو مكة :
|
وتحرك جيش المسلمين في العاشر من
شهر رمضان باتجاه مكة المكرمة، ولما بلغ مكاناً يدعى
(الكديد) طلب النبي(صلَّى الله عليه وآله) ماءاً فأفطر به أمام المسلمين
وأمرهم أن يفطروا لكن بعضاً منهم عصوا الرسول القائد ولم يفطروا فغضب من عصيانهم
وقال: (أولئك العصاة) وأمرهم أن يفطروا(وسائل الشيعة: 7 / 124،
السيرة الحلبية: 3 / 290، المغازي: 2 / 802، وصحيح مسلم 3/141 ـ 142، كتاب
الصيام باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية، ط دار الفكر ،
بيروت.). ولما وصل النبي (صلَّى الله عليه وآله) إلى مرّ
الظهران أمر المسلمين أن ينتشروا في الصحراء ويوقد كل منهم ناراً. وهكذا أضاء
الليل البهيم وظهر المسلمون كجيش عظيم تضيع أمامه كل قوى قريش مما أقلق العباس
بن عبد المطلب ـ وهو آخر المهاجرين إذ التحق بركب رسول الله في منطقة الجحفة ـ
فتحرك يبحث عن وسيلة يبلغ بها قريشاً أن تأتي مسلمة قبل دخول الجيش عليها. |
استسلام أبي
سفيان :
|
ولما مثل أبو سفيان بين يدي النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) قال له : (ويحك يا
أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلاّ الله؟) فقال أبو سفيان: بأبي أنت وأمي ما أحلمك، وأكرمك
وأوصلك! والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئاً بعد. فقال (صلَّى الله عليه
وآله) : ويحك
يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟) قال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما والله فإنّ
في النفس منها حتى الآن شيئاً (السيرة النبوية: 3 / 40،
مجمع البيان: 10 / 554 .). واستسلم من بقي من زعماء المشركين
بعد استسلام أبي سفيان، ولكن النبي (صلَّى
الله عليه وآله) استتماماً للضغط النفسي على قريش
كي تستسلم دون إراقة دماء قال للعباس: (يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمرّ به
جنود الله فيراها). |
دخول مكة :
|
أصدر رسول
الله (صلَّى
الله عليه وآله) أوامره الحكيمة بتوزيع مداخل
القوات إلى مكة مؤكداً عدم اللجوء إلى القتال إلاّ رداً عليه. وأهدر (صلَّى
الله عليه وآله) دماء عدد من المشركين ـ في كلّ الحالات ـ حتّى لو وجدوهم متعلقين بأستار
الكعبة، لعظيم جنايتهم ومعاداتهم للإسلام وللنبي (صلَّى
الله عليه وآله). |
3 ـ غزوة
حنين وحصار الطائف (وقعت معركة حنين فى شوال
من السنة الثامنة للهجرة.) :
|
(وقعت
معركة حنين فى شوال من السنة الثامنة للهجرة.) أمضى النبي (صلَّى الله عليه وآله) خمسة عشر
يوماً في مكة فاتحاً فيها عهداً جديداً من التوحيد بعد طول فترة من الشرك،
والغبطة والسرور يعمّان المسلمين، والأمان يلفّ أم القرى، وترامت إلى أسماع
النبي (صلَّى الله عليه وآله) أن قبيلتي
هوازن وثقيف قد أعدّتا العدّة لمحاربة الإسلام ظنّاً منهما أنّهما يُحققان ما
عجزت عنه سائر قوى الشرك والنفاق من تدمير الإسلام، وعزم النبي
(صلَّى الله عليه وآله) على الخروج لملاقاتهم ولكنه وطّد
دعائم الإدارة في مكة قبل خروجه كما هي سيرته عند كل فتح، فعيّن معاذ بن جبل
ليعلّم الناس القرآن وأحكام الإسلام كما عيّن عتاب بن أسيد للصلاة بالناس وإدارة
الأمور. |
توزيع
الغنائم :
|
تدافع المسلمون على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يلحّون عليه
أن يقسّم الغنائم حتى ألجأوه إلى شجرة وأخذوا رداءه; فقال: (ردّوا عليّ ردائي فوالله لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعماً
لقسّمته عليكم، ثم ما ألفيتموني بخيلاً ولا جباناً ولا كذّاباً). |
اعتراض
الأنصار :
|
ورأى سعد بن عبادة أن يخبر النبي
(صلَّى الله عليه وآله) بما يدور بين الأنصار من قولهم: لقي رسول الله قومه ونسي
أصحابه. فجمع سعد الأنصار وأقبل الرسول الكريم (صلَّى
الله عليه وآله) يحدّثهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: |
4 ـ غزوة
تبوك (كانت غزوة تبوك في رجب سنة ( 9 ) من الهجرة .) :
|
كانت غزوة تبوك في رجب
سنة ( 9 ) من الهجرة . أصبحت الدولة الإسلامية كياناً
يهاب جانبه، وكان على المسلمين الحفاظ على حدوده وأراضيه حتى تبلغ الرسالة
الإسلامية أرجاء الأرض. واستنفر النبي (صلَّى الله عليه وآله) المسلمين من جميع نقاط الدولة الإسلامية
استعداداً لحرب الروم إذ وردت أخبار تؤكد استعدادهم لغزو الجزيرة واسقاط الدولة
ومحق الدين الإسلامي وصادف أن كان ذلك العام عام جدب وقلّة ثمار وكان الوقت
صيفاً حاراً مما زاد من صعوبة الخروج لملاقاة عدو قوي متمرّس كبير العدد والعدة.
فتقاعس ذوو النفوس الضعيفة والمعنويات المتدنّية وبرز
النفاق ثانية علانية ليثبّط العزائم ويخذل الإسلام. |
الإعلان عن
مكانة علي (عليه السلام) لدى النبي (صلَّى الله عليه وآله) :
|
وأشاع المنافقون والذين في قلوبهم
مرض حول بقاء علي بن أبي طالب في المدينة اُموراً إذ قالوا: إنما تركه رسول الله
استثقالاً له وتخففاً منه، سعْياً منهم للإثارة رجاء أن يخلو جو المدينة لهم فأسرع عليّ(عليه
السلام) للالتحاق برسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فلحق به على مقربة من المدينة وقال: يا نبي الله زعم المنافقون أنك إنما خلّفتني أنك استثقلتني وتخفّفت
مني. |
جيش العسرة :
|
وانطلق جيش المسلمين في طريق وعر
طويل وقد أوضح لهم الرسول هدف المسيرة خلافاً لما كان في الغزوات الماضية. وكان
يتخلف عنه في الطريق جماعة ممن خرجوا معه من المدينة فكان يقول (صلَّى الله عليه وآله) لأصحابه:
دعوه فإن يكن به خير فسيلحقه الله بكم وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه. |
5- محاولة
اغتيال النبي (صلَّى الله عليه وآله) :
|
أقفل النبي
(صلَّى الله عليه وآله)
والمسلمون راجعين إلى المدينة بعد أن أمضوا بضع عشرة يوماً في تبوك، وتحرك
الشيطان في نفوس جمع ممّن لم يؤمن بالله ورسوله فعزموا
على اغتيال الرسول (صلَّى الله عليه وآله)
وذلك بتنفير ناقته عند مرورها عليهم ليطرحوه في واد كان هناك. |
من نتائج
غزوة تبوك :
|
1 ـ لقد برز المسلمون كقوة كبيرة
منظمة، تملك العقيدة القوية فتهابهم الدول المجاورة والديانات الأخرى وكان هذا
إنذاراً حقيقياً لكل القوى في خارج البلاد الإسلامية وداخلها بعدم التعرض
للإسلام والمسلمين. |
6 ـ عام
الوفود :
|
بدت سيطرة الإسلام على الجزيرة
واضحة . ولم يكن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)
ليلجأ إلى القوة والقتال إلاّ بعد إعذار وإنذار، بل وفي أكثر الوقائع كان قتال
المسلمين دفاعاً، على أن بعض قوى الشرك لا تعي الحق ولا تهتدي سبيلاً إلاّ بعد
عنف وقوة وتهديد ووعيد. |
إسلام قبيلة
ثقيف :
|
أملت ظروف النصر الإلهي على كل
عاقل أن يتدبر أمره ويحكّم عقله تجاه الإسلام. وكانت حكمة الرسول بالغة إذ أجّل فتح الطائف يوم امتنعت ثقيف فيها وها هي اليوم
ترسل وفدها لتعلن إسلامها بعد أن عاندت وكابرت وقتلت
سيداً من سادتها (عروة بن مسعود الثقفي) يوم جاءها مسلماً يدعوها إلى الدين
الجديد. |
7 ـ وفاة
إبراهيم ابن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) :
|
في غمرة أفراح النبي (صلَّى الله عليه وآله) بنجاح الإسلام وانتشار
الرسالة حيث كان الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، وعك إبراهيم بعد أن دخل في
عامه الثاني وجعلت أُمّه (ماريا) تمرّضه ولم ينفع معه شيء فأبلغ النبي(صلَّى
الله عليه وآله) باحتضار ولده فأقبل وإبراهيم يجود بنفسه في حضن اُمه فأخذه
النبي(صلَّى الله عليه وآله) وقال: (يا إبراهيم إنا لن نغني عنك من الله شيئاً إنا بك لمحزونون
تبكي العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرّب ولولا أنه وعدٌ صادق وموعود جامع
فإن الآخر منا يتبع الأول لوجدنا عليك يا إبراهيم وجداً شديداً ما وجدناه) ( السيرة الحلبية: 3 /
311، بحار الأنوار: 22 / 157.). |
الفصل الثالث: تصفية الوجود الوثني داخل الجزيرة
|
1 ـ إعلان
البراءة من المشركين :
|
لم يبق في الجزيرة العربية من بقي
على الشرك والوثنية سوى أفراد قلائل بعد أن انتشرت العقيدة الإسلامية والشريعة
السمحاء في أرجائها واعتنقها كثير من الناس. وهنا كان لابد من إعلان صريح حازم
يلغي كل مظاهر الشرك والوثنية في مناسك أكبر تجمع عبادي سياسي. |
2 ـ مباهلة
نصارى نجران :
|
اجتمع زعماء نصارى نجران وحكماؤهم
يتدارسون أمر كتاب النبي (صلَّى الله عليه
وآله) الذي يدعوهم فيه إلى الإسلام. ولم
يتوصلوا إلى رأي قاطع إذ كانت في أيديهم تعاليم تؤكد وجود نبي بعد عيسى (عليه السلام)، وما ظهر من محمد فهو يشير إلى
نبوّته. من هنا قرّروا أن يرسلوا وفداً يقابل شخص النبي(صلَّى الله عليه وآله) ويحاوره. وخرج إليهم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وهو يحمل الحسين وبيده الحسن وخلفه ابنته
فاطمة وابن عمّه علي بن أبي طالب امتثالاً لأمر الله تعالى الذي نصّ عليه الذكر
الحكيم قائلاً: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ
مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا
وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ
نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) ( آل عمران (3) : 61.)
ولم يصحب سواهم أحداً من المسلمين ليثبت للجميع صدق نبوته ورسالته وهنا قال أسقف نجران: يا معشر النصارى اني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن
يزيل جبلاً من مكانه لأزاله فلا تباهلوا فتهلكوا ولا
يبقى على وجه الأرض نصراني. |
3 ـ حجة
الوداع :
|
كان الرسول الأكرم القدوة الحسنة
للإنسانية جمعاء، يبلّغ آيات الله ويفسّرها ويفصّل أحكامها ببيان جلي، وجماهير
المسلمين حريصة على الاقتداء به في القول والعمل. وبحلول شهر ذي القعدة من العام
العاشر للهجرة عزم النبي (صلَّى الله عليه وآله) على أداء
فريضة الحج ـ ولم يكن قد حج من قبل وذلك ليطلع الأمة على أحكام الله في فريضة
الحج فتقاطرت ألوف المسلمين على المدينة وتجهّزوا للخروج مع النبي(صلَّى الله عليه وآله) حتى بلغ عددهم
ما يقارب مائة ألف مسلم من مختلف الحواضر والبوادي والقبائل، تجمعهم المودة
الصادقة والاُخوة الإسلامية والاستجابة لنداء الرسول
القائد (صلَّى الله عليه وآله)
بعد أن كانوا بالأمس القريب أعداءاً متنافرين، جُهّالاً كافرين. واصطحب النبي(صلَّى
الله عليه وآله) معه كل نسائه وابنته الصديقة
فاطمة الزهراء، وتخلّف زوجها علي بن أبي طالب في مهمة بعثه بها رسول الله (صلَّى
الله عليه وآله) ،
واستعمل على المدينة أبا دجانة الأنصاري. |
خطبة النبي (صلَّى الله عليه وآله) في حجة الوداع :
|
وروي أن النبي (صلَّى الله عليه وآله) خطب خطاباً
جامعاً فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: (أيها الناس
اسمعوا مني اُبين لكم فإني لا أدري لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا.
أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في
شهركم هذا في بلدكم هذا. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. فمن كانت عنده أمانة فليؤدّها
إلى الذي ائتمنه عليها وإنّ ربا الجاهلية موضوع، وإن أوّل رباً أبدأ به ربا عمي
العباس بن عبد المطلب. وإنّ دماء الجاهلية موضوعة، وإنّ أول دم أبدأ به دم عامر
بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وإنّ مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة
والسقاية، والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر ففيه مائة بعير فمن زاد
فهو من أهل الجاهلية. |
4 ـ تعيين
الوصي :
|
للمزيد من التفصيل
راجع موسوعة الغدير للعلاّمة الأميني الجزء الأوّل. أتمّ المسلمون حجّهم الأكبر وهم
يحتفّون بالنبي (صلَّى الله عليه وآله) وقد أخذوا
مناسكهم عنه، وقرّر الرسول (صلَّى الله عليه وآله) أن يعود إلى المدينة، ولما بلغ موكب الحجيج
العظيم إلى منطقة (رابغ) قرب (غدير خم) وقبل
أن يتفرّق الحجيج ويرجعوا إلى بلدانهم من هذه المنطقة نزل الوحي الإلهي بآية
التبليغ الآمرة والمحذّرة: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ
بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا
بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ( المائدة (5) : 67 .). |
5 ـ ظهور
المتنبئين :
|
تفرّقت جموع الحجيج من منطقة غدير
خم متّجهة نحو العراق والشام واليمن، واتّجه النبي (صلَّى
الله عليه وآله) نحو المدينة. وحمل الجميع وصية الرسول (صلَّى الله عليه وآله) بالخلافة والقيادة من بعده لربيبه علي بن أبي
طالب (عليه السلام) لتستمر حركة
الرسالة الإسلامية بنهج نبويّ وتجتاز العقبات بعد رحيل القائد الأوّل وذلك بعد
أن عرّف بعليّ في ذلك اليوم التاريخي الخالد بل منذ يوم الدار حيث أ نّه وصفه
بالوزير الناصح والأخ المؤازر والعضد المدافع والخليفة الذي يجب على الناس من
بعده أن يطيعوه ويتّبعوه ويتّخذوه لأنفسهم قائداً وزعيماً. |
6 ـ التعبئة
العامّة لغزو الروم: في صفر عام ( 11 هـ ) .
|
عقد النبي(صلَّى
الله عليه وآله) اللواء لاُسامة في صفر عام ( 11 هـ ) . أبدى النبي
(صلَّى الله عليه وآله) اهتماماً كبيراً للحدود الشمالية للدولة
الإسلامية حيث تتواجد دولة الروم المنظمة وصاحبة الجيش القوي. ولم تكن دولة فارس
ذات أثر مُقلق على الدولة الإسلامية لأنّ علامات الانهيار كانت قد بدت عليها،
كما أنها لم تكن تملك عقيدة روحية تدافع عنها كالمسيحية لدى الروم، فهي التي
كانت تشكّل خطراً على الكيان الإسلامي الفتيّ، خاصة وأن بعض عناصر الشغب والنفاق
قد أجليت عن الدولة الإسلامية فذهبت إلى الشام ولحق بها آخرون، وكان وجود نصارى
نجران عاملاً سياسياً يدفع الروم لنصرتهم. ولكنّ روح التمرد والطمع في
السلطان وقلّة الانضباط دفعت بعض العناصر إلى عدم التسليم التام لأمر النبي (صلَّى
الله عليه وآله) ولعلّها كانت
عارفة بالأهداف التي قصدها النبي (صلَّى
الله عليه وآله) ومن هنا حاولت أن تؤخّر حركة الجيش المجتمع في
معسكر (الجرف). وبلغ النبي (صلَّى
الله عليه وآله) ذلك فغضب وخرج ـ وهو ملتحف قطيفة، وقد عصَّبَ
جبهته بعصابة من ألم الحمّى التي أصابته ـ إلى المسجد فصعد المنبر ثم حمد الله
وأثنى عليه وقال: ( أما بعد أيها الناس فما مقالة
بلغتني عن بعضكم في تأميري أُسامة، ولئن طعنتم في إمارتي أُسامة لقد طعنتم في
إمارتي أباه من قبله وأيم الله إن كان للإمارة لَخليقاً وإن ابنه من بعده لخليق
للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ وإنّهما لمخيلان لكل خير(بمعنى أنهما ممن يتفرّس
فيهما كل خير. والخوليّ: هو الراعي الحسن القيام على المال.)، واستوصوا به خيراً
فإنه من خياركم) ( الطبقات الكبرى: 2 / 190، ط دار الفكر.). |
الفصل الرابع: أيام الرسول (صلَّى الله عليه وآله) الأخيرة
|
1 ـ الحيلولة
دون كتابة الوصية :
|
ورغم ثقل الحمى وألم المرض خرج
النبي (صلَّى الله عليه وآله) مستنداً على
علي (عليه السلام) والفضل بن العباس ليصلي بالناس
وليقطع بذلك الطريق على الوصوليين الذين خطّطوا لمصادرة الخلافة والزعامة التي
طمحوا لها من قبل حيث تمرّدوا على أوامر الرسول (صلَّى
الله عليه وآله) بالخروج مع جيش أُسامة بكل بساطة
والتفت النبيّ ـ بعد الصلاة ـ إلى الناس فقال: (أيها
الناس سُعّرت النار وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، وإني والله ما تمسكون عليّ
بشيء، إني لم أحلّ إلا ما أحلّ الله، ولم اُحرّم إلا ما حرّم الله) ( السيرة النبوية: 2 /
954، الطبقات الكبرى: 2 / 215.) فأطلق
بقوله هذا تحذيراً آخر أن لا يعصوه وإن لاحت في الأفق النوايا السيئة التي ستجلب
الويلات للأُمة حين يتزعّمها جهّالها. وهكذا
وقع التنازع والاختلاف وقالت النسوة من وراء الحجاب: إئتوا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بحاجته. فقال عمر: اسكتن فإنكن صويحبات يوسف إذا مرض
عصرتنّ أعينكن وإذا صحّ أخذتنّ بعنقه، فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): هن خير منكم(الطبقات الكبرى : 2 / 244 ، كنز العمال: 3 / 138.). |
2 ـ الزهراء
(عليها السلام) تزور أباها (صلَّى الله عليه وآله) :
|
أقبلت
الزهراء (عليها السلام) وهي تجر أذيال الحزن وتتطلع إلى أبيها وهو على وشك
الالتحاق بربّه فجلست عنده منكسرة القلب دامعة العين وهي تردد: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه = ثمالَ اليتامى عصمة للأرامل وفي هذه اللحظات فتح
النبي (صلَّى الله عليه وآله) عينيه وقال بصوت خافت:
يا بنية هذا قول عمك أبي طالب لا تقوليه ولكن قولي: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ
الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ
يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي
اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)( آل عمران (3): 144 .). |
3 ـ اللحظات
الأخيرة من عمر النبي (صلَّى الله عليه وآله) :
|
وكان علي (عليه السلام) ملازماً
للرسول (صلَّى الله عليه وآله) ملازمة ذي الظل لظلّه حتى آخر لحظات حياته
الشريفة وهو يوصيه ويعلّمه ويضع سرّه عنده. وفي الساعة الأخيرة قال رسول الله
(صلَّى الله عليه وآله): ادعوا لي أخي ـ وكان(صلَّى
الله عليه وآله) قد بعثه في حاجة فجاءه بعض
المسلمين فلم يعبأ بهم الرسول (صلَّى الله عليه
وآله)
حتى جاء علي (عليه السلام) فقال (صلَّى الله عليه وآله) له: اُدن
مني. فدنا علي (عليه السلام)
فاستند إليه فلم يزل مستنداً إليه يكلّمه حتى بدت عليه (صلَّى الله عليه وآله) علامات الاحتضار(الطبقات الكبرى: 2 /
263.)، وتوفّي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وهو في حجر علي(عليه السلام) . كما قد صرّح بذلك علي
(عليه السلام) نفسه في إحدى خطبه
الشهيرة (نهج البلاغة: خطبة 197.). |
4 ـ وفاة
النبي (صلَّى الله عليه وآله) ومراسم دفنه :
|
ولم يكن حول النبي (صلَّى الله عليه وآله) في اللحظات
الأخيرة إلاّ علي بن أبي طالب وبنو هاشم ونساؤه. وقد علم الناس بوفاته (صلَّى الله عليه وآله) من الضجيج
والصراخ الذي علا من بيت الرسول (صلَّى
الله عليه وآله) حزناً على فراق الحبيب، وخفقت
القلوب هلعة لرحيل أشرف خلق الله. وانتشر خبر الوفاة في المدينة انتشار النار في
الهشيم ودخل الناس في حزن وذهول رغم أنه (صلَّى الله عليه
وآله)
كان قد مهّد لذلك ونعى نفسه الشريفة عدّة مرات وأوصى الأمة بما يلزمها من طاعة
وليّها وخليفته من بعده علي ابن أبي طالب. لقد كانت وفاته صدمة عنيفة هزّت وجدان
المسلمين، فهاجت المدينة بسكانها وازدادت حيرة المجتمعين حول دار الرسول(صلَّى الله عليه وآله) أمام كلمة عمر بن الخطاب التي قالها وهو يهدد بالسيف: إنّ رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قد مات، إنه والله ما مات ولكنّه قد ذهب إلى
ربه كما ذهب موسى بن عمران (الكامل في التأريخ: 2 /
323، الطبقات الكبرى : 2 / 266، السيرة النبوية لزيني دحلان: 2 / 306.). |
الفصل الخامس: من معالم الرسالة الإسلامية الخاتمة
|
1
ـ
بماذا بعث النبي محمد(صلَّى الله عليه وآله) ؟
|
تجد هذا البحث في
سيرة النبي (صلَّى الله عليه وآله) للسيد محسن الأمين العاملي في كتابه أعيان
الشيعة. بعث الله تعالى نبيّه
محمّداً(صلَّى الله عليه وآله) على حين فترة من الرسل خاتماً للنبيين وناسخاً
لشرائع من كان قبله من المرسلين إلى الناس كافة أسودهم وأبيضهم عربيهم وعجميهم
وقد ملئت الأرض من مشرقها إلى مغربها بالخرافات والسخافات والبدع والقبائح
وعبادة الأوثان. |
2 ـ سهولة
الشريعة الإسلامية وسماحتها
|
واكتفى من الناس بأن يقولوا لا إله
إلاّ الله محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويصوموا شهر رمضان
ويحجوا البيت ويلتزموا بأحكام الإسلام. وكان قول هاتين الكلمتين ( لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله ) يكفي لأن
يكون لقائله ما للمسلمين وعليه ما عليهم |
3 ـ سمو
التعاليم الإسلامية
|
وبعث بالمساواة في الحقوق بين جميع
الخلق، وأنّ أحداً ليس خيراً من أحد إلا بالتقوى. وبالإخوة بين جميع المؤمنين
وبالكفاءة بينهم: تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، وبالعفو العام عمن دخل في
الإسلام. |
4 ـ القرآن
الكريم
|
وانزل
الله تعالى على نبيّه حين بعثه بالنبوّة قرآناً عربيّاً مبيّناً لا يأتيه الباطل
من بين يديه ولا من خلفه، وقد أعجز النبي(صلَّى
الله عليه وآله) به البلغاء وأخرس الفصحاء وتحدّاهم فيه فلم يستطيعوا
معارضته وهم أفصح العرب بل واليهم تنتهي الفصاحة والبلاغة، وقد حوى هذا الكتاب
العزيز المنزل من لدن حكيم عليم من أحكام الدين وأخبار الماضين وتهذيب الأخلاق
والأمر بالعدل والنهي عن الظلم وتبيان كل شيء ما جعله يختلف عن كل الكتب حتّى
المنزّلة منها وهو ما يزال يتلى على كر الدهور ومر الأيام وهو غض طري يحيّر
ببيانه العقول ولا تملّه الطباع مهما تكررت تلاوته وتقادم عهده. |
5 ـ الواجبات
والمحرمات في الشريعة الإسلامية :
|
وترتكز
الواجبات والمحرّمات في الشريعة الإسلامية على أسس فطرية واقعية وأمور تستلزمها
طبيعة الأهداف السامية للشريعة التي جاءت لإخراج هذا الإنسان من ظلمات الجاهلية
وهدايته إلى نور الحق والكمال ، ولا تحتاج الإنسانية إلى شيء يرتكز عليه الكمال
البشري إلاّ وأوجبته الشريعة الإسلامية على الإنسان وهيّأت له سبل الوصول إليه ،
وحرّمت كل شيء يعيق الإنسان عن السعادة الحقيقية المنشودة له وسدّت كل منافذ
السقوط إلى هوّة الشقاء . |
الفصل السادس: تراث خاتم المرسلين(صلَّى الله عليه وآله)
|
قال تعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)( الجمعة (62): 2 .). ويشترك
العطاءان بأنهما من فيض السماء على الإنسان بتوسط هذا الرسول الكريم. فهما وحي الله على قلب محمد (صلَّى الله عليه وآله) الذي
لم ينطق عن الهوى. وعن إبراهيم بن هاشم مسنداً إلى أبي جعفر (عليه
السلام):
في كتاب علي كل شيء يحتاج إليه حتى أرش الخدش (تاريخ التشريع الإسلامي
: 32 .). ومن هنا لزم على الباحث عن السنّة
النبوية الرجوع إلى مصادر السنّة عند أهل البيت(عليهم السلام) وأتباعهم فإنهم
أدرى بما في البيت. |
نماذج
من تراث سيّد المرسلين (صلَّى الله عليه وآله)
|
1 ـ العقل
والعلم :
|
1 ـ لقد اهتم الرسول (صلَّى الله
عليه وآله) بالعقل أشدّ الاهتمام، فعرّفه وبيّن وظيفته ودوره في الحياة: على
مستوى التكليف والمسؤولية، وعلى مستوى العمل والجزاء، كما بيّن عوامل رشده
وتكامله، فقال: |
2 ـ واهتم الرسول الرائد(صلَّى
الله عليه وآله) بالعلم والمعرفة،
مبيّناً دور العلم في الحياة وقيمته اذا ما قيس إلى سائر أنواع الكمال، فقال: |
2 ـ مصادر
التشريع :
|
3
ـ لقد رسم خاتم الرسل (صلَّى الله عليه وآله) للناس
جميعاً طريق السعادة الحقيقية وضمن لهم الوصول اليها فيما اذا التزموا
بالتعليمات التي بيّنها لهم. ويتلخّص طريق السعادة عند الرسول
(صلَّى الله عليه وآله) بالتمسك بأصلين أساسيين لا غنى
بأحدهما عن الآخر وهما الثقلان، حيث قال: |
القرآن ودوره
المتميّز :
|
4 ـ وأفصح النبي(صلَّى الله عليه
وآله) تبليغ بيانه عن عظمة القرآن الكريم مبيّناً دوره في الحياة وقيمة التمسك
التامّ به حيث خاطب عامّة البشرية قائلاً: |
أهل البيت
(عليهم السلام) أركان الدين
|
5 ـ وعرّف الرسول الخاتم(صلَّى
الله عليه وآله) الثقل الكبير ـ أي أهل بيت الرسالة: عليٌ وبنوه الأحد عشر ـ
بأنواع التعريف، وكان مما قاله في آخر خطبة خطبها: |
3 ـ أصول
العقيدة الإسلامية
|
الخالق لا يوصف: |
(إنّ الخالق لا يوصف
إلاّ بما وصف به نفسه، وكيف يوصف الخالق الذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن
تناله، والخطرات أن تحدّه، والأبصار عن الإحاطة به ؟ جلّ عمّا يصفه الواصفون،
ناء في قربه، وقريب في نأيه، كيّف الكيفيَّة فلا يقال له كيف؟ وأيَّن الأين فلا
يقال له أين؟ هو منقطع الكيفوفيَّة والأينونيَّة، فهو الأحد الصمد كما وصف نفسه،
والواصفون لا يبلغون نعته، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد)( بحار الأنوار : 2 / 94
، الكفاية، أبو المفضل الشيباني عن أحمد بن مطوق بن سوار عن المغيرة بن محمد ابن
المهلب عن عبد الغفار بن كثير عن إبراهيم بن حميد عن أبي هاشم عن مجاهد عن ابن
عباس قال: قدم يهودي على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، يقال له: نعثل.
فقال: يا محمد إني أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين، فإن أنت أجبتني عنها،
أسلمت على يدك. قال: سل يا أبا عمارة! فقال: يا محمد صف لي ربك. فقال:...). |
شروط التوحيد : |
(إذا قال العبد: (لا
إله إلاّ الله) فينبغي أن يكون معه تصديق وتعظيم، وحلاوة وحرمة، فإذا قال: (لا إله إلاّ الله)
ولم يكن معه تعظيم، فهو مبتدع. وإذا لم يكن معه حلاوة فهو مراء. وإذا لم يكن معه
حرمة فهو فاسق)( كلمة الرسول الأعظم : 30 .). |
رحمة الله : |
(إن رجلين كانا في بني
إسرائيل، أحدهما مجتهد في العبادة والآخر مذنب، فجعل يقول المجتهد: أقصر عمّا
أنت فيه، فيقول: خلّني وربي، حتى وجده يوماً على ذنب استعظمه، فقال: أقصر، قال:
خلّني وربي، أبُعثت عليّ رقيباً؟ فقال: والله لا يغفر الله لك ولا يدخلك الجنة.
فبعث الله إليهما ملكاً، فقبض أرواحهما فاجتمعا عنده، فقال للمذنب: اُدخل الجنة
برحمتي، وقال للآخر: أتستطيع أن تحظر على عبدي رحمتي ؟ فقال: لا يا ربّ. قال:
اذهبوا به إلى النّار)( كلمة الرسول الأعظم : 31 .). |
لا جبر ولا اختيار : |
(إنّ الله لا يطاع
جبراً، ولا يعصى مغلوباً، ولم يهمل العباد من المملكة، ولكنه القادر على ما
أقدرهم عليه، والمالك لما ملّكهم إياه; فإن
العباد إن ائتمروا بطاعة
الله لم يكن منها مانع، ولا عنها صاد، وإن عملوا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم
وبينها فعل، وليس من شاء أن يحول بينك وبين شيء ولم يفعله، فأتاه الذي فعله كان
هو الذي أدخله فيه)( بحار الأنوار : 77/140.). |
الخاتمية: |
(فُضِّلت على الأنبياء
بستّ : اُعطيت جوامع الكلم، ونُصرت بالرعب من مسيرة شهر، واُحلّت لي الغنائم.
وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً. واُرسلت إلى الخلق كافّة. وخُتم بي النبيّون)( المصدر السابق : 16/324
.). |
إنّ
الله اصطفاني : |
(إن الله اصطفى من
وُلد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة
قريشاً. واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، قال الله تبارك وتعالى:
(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ
عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) ( كلمة الرسول الأعظم :
35 . راجع بحار الأنوار : 16/323.). |
مثلي مثل الغيث : |
(إنّ مثل ما بعثني به
ربّي من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، منها طائفة طيّبة، فقبلت الماء
فأنبتت العشب والكلأ الكبير، وكانت منها أجادب امسكت الماء، فنفع الله بها الناس
فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها
أخرى، إنّما هي قيعات، لا تمسك ولا تُنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين
الله، وتفقّه فيما بعثني الله به، فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم
يقبل هدى الله الذي اُرسلت به)( بحار الأنوار : 1/184.). |
الإمام بعد رسول الله (صلَّى الله
عليه وآله) : |
(يا عمّار! إنّه سيكون
بعدي هنات، حتى يختلف السيف فيما بينهم، وحتى يقتل بعضهم بعضاً، وحتى يبرأ بعضهم
من بعض، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني: عليّ بن أبي طالب، فإن سلك
الناس كلّهم وادياً، وسلك عليُّ وادياً فاسلك وادي عليّ، وخلّ عن الناس. |
فضل عليّ(عليه السلام) : |
(لولا أنّني أشفق أن
تقول فيك طوائف ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت فيك اليوم مقالاً، لا
تمرُّ بملأ منهم إلاّ أخذوا التراب من تحت قدميك).( الإرشاد : 1 / 165 ،
قاله لأمير المؤمنين، بعد ما فتح الله على يديه في غزوة ذات السلاسل.) |
الأئمة بعد رسول الله(صلَّى الله
عليه وآله) : |
(الأئمة بعدي من عترتي بعدد نقباء بني إسرائيل، وحواريي عيسى، من
أحبهم فهو مؤمن ومن أبغضهم فهو منافق، هم حجج الله في خلقه وأعلامه في بريّته)( كفاية الأثر: 166، أبو
المفضل الشيباني عن أحمد بن عامر بن سليمان الطائي عن محمد بن عمران الكوفي عن
عبد الرحمن بن أبي نجران عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد عن
أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أخيه الحسن
ابن علي (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلَّى
الله عليه وآله): ...).
|
أئمة
الحق : |
(يا علي! أنت الإمام
والخليفة بعدي، وأنت أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذامضيت فابنك الحسن أولى
بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى الحسن فالحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا
مضى الحسين فابنه عليّ بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى عليّ فابنه
محمّد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر أولى بالمؤمنين من
أنفسهم، فإذا مضى جعفر فابنه موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى موسى
فابنه عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى علي فابنه محمد أولى بالمؤمنين
من أنفسهم، فإذا مضى محمد فابنه عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى عليّ
فابنه الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى الحسن فالقائم المهدي أولى
بالمؤمنين من أنفسهم، يفتح الله به مشارق الأرض ومغاربها، فهم أئمة الحق، وألسنة
الصدق، منصورٌ من نصرهم، مخذول من خذلهم)( كفاية الأثر : 195 ـ 196، عن الحسين بن علي، عن هارون بن موسى عن
محمد بن إسماعيل الفزاري، عن عبد الله بن الصالح كاتب الليث، عن رشد بن سعد، عن
الحسين بن يوسف الأنصاري، عن سهل بن سعد الأنصاري قال: سئلت فاطمة بنت رسول الله
(صلَّى الله عليه وآله) عن الأئمة فقالت: كان رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يقول لعلي: ... وروى نصّين آخرين عن
جابر الأنصاري فراجع.). |
النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)
يبشّر بالمهديّ (عليه السلام) : |
روى أحمد عن النبي (صلَّى الله
عليه وآله)، أنه قال: (لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض
ظلماً وعدواناً ثمّ يخرج من عترتي من يملأها قسطاً وعدلاً...)( راجع مسند أحمد : 3 /
425 ، الحديث 10920 .). |
4 ـ أصول
التشريع الإسلامي في تراث الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله)
|
تراجع هذه النصوص
وغيرها في أعيان الشيعة : 1/303ـ306. |
ألف ـ خصائص الإسلام : 8 ـ تعلّموا
الفرائض وعلّموها الناس فإنها نصف العلم . 5
ـ ادرؤا الحدود بالشبهات . 3
ـ تزوّجوا ولا تطلّقوا فإنّ الطلاق يهتزّ منه عرش
الرحمن . ـ
الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها . |
5 ـ من جوامع
الكلم في تراث الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) :
|
1
ـ إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق . 58 ـ من
أذاع فاحشةً كان كمبدئها . |
6 ـ نماذج من
ادعيته الشريفة (صلَّى الله عليه وآله)
|
ألف ـ من دعائه في
شهر رمضان بعد المكتوبة : (اللهم
أدخل على أهل القبور السرور، اللهم أغن كل فقير، اللهم أشبع كل جائع، اللهم اكس
كل عريان، اللهم اقض دين كل مدين، اللهم فرج عن كل مكروب، اللهم رد كل غريب،
اللهم فك كل أسير، اللهم أصلح كل فاسد من أمور المسلمين، اللهم اشف كل مريض،
اللهم سدّ فقرنا بغناك، اللهم غيّر سوء حالنا بحسن حالك، اللهم اقضِ عنا الدين
وأغننا من الفقر إنّك على كل شيء قدير).
|
الفهرس
محمد
المصطفى خاتم الأنبياء (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم). المدخل: المنهج القرآني في عرض ودراسة التأريخ والسيرة الفصل الأول:
النبيّ الخاتم (صلَّى الله عليه وآله) في سطور. الفصل الثاني: سنّة البشارة على مدى العصور. بشارات
الأنبياء برسالة محمد بن عبد الله (صلَّى الله عليه وآله). أهل
الكتاب ينتظرون خاتم النبييّن (صلَّى الله عليه وآله). الفصل الثالث: مظاهر من شخصية خاتم النبيين (صلَّى الله
عليه وآله). 3
ـ الثقة المطلقة بالله تعالى: الفصل الأول: دور الولادة والنشأة 1
ـ ملامح انهيار المجتمع الوثني: 2
ـ إيمان آباء النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) : 3
ـ مولد الرسول (صلَّى الله عليه وآله) : 5
ـ الاستسقاء بالنبيّ (صلَّى الله عليه وآله) : الفصل الثاني: دور الفتوّة والشباب... 1
ـ كفالة أبي طالب للنبي (صلَّى الله عليه وآله) : الفصل الثالث: من الزواج إلى البعثة. خديجة
قبل أن يتزوّجها النبي(صلَّى الله عليه وآله): 3
ـ ولادة عليّ (عليه السلام) وتربية النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) له : 4
ـ ملامح من شخصية خاتم الأنبياء (صلَّى الله عليه وآله) قبل البعثة : الفصل الأول: البعثة النبوية المباركة وإرهاصاتها الفصل الثاني: مراحل حركة الرسالة في العصر المكي... 1
ـ بناء الخلية الإيمانية الأولى : 3
ـ دور إعداد القاعدة الأولى : 4
ـ دور المواجهة الأولى وإنذار الأقربين: الفصل الثالث: موقف بني هاشم من النبي (صلَّى الله عليه
وآله). 1
ـ دفاع أبي طالب عن الرسول والرسالة : 2
ـ
موقف قريش من الرسالة والرسول (صلَّى الله عليه وآله) :
3
ـ الكفر يأبى الانصياع لصوت العقل : 5
ـ التعذيب وسيلة لقمع المؤمنين : 6
ـ الهجرة إلى الحبشة وإيجاد قاعدة آمنة : 7
ـ الحصار الظالم وموقف بني هاشم : الفصل الرابع: سنوات الانفراج حتى الهجرة
1
ـ الطائف ترفض الرسالة الإسلامية : 2
ـ الانفتاح على الرسالة ومعوّقاتها في مكة : 5
ـ الاستعداد للهجرة إلى يثرب : الفصل الأول: تأسيس الدولة الإسلامية الأولى.. 3
ـ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار: أبعاد
ونتائج التآخي بين المسلمين... 5
ـ النفاق وبدايات الاستقرار في المدينة : الفصل الثاني: الدفاع عن كيان الدولة الفتية. 69 2
ـ اهتمام النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) بزواج الزهراء (عليها السلام) :
3
ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع : 4
ـ ردود فعل قريش بعد انتصارات المسلمين : 5
ـ غزوة أُحد(وقعت معركة أحد في شوال من السنة الثالثة للهجرة.) :
6
ـ محاولات الغدر بالمسلمين :7- غزوة بني
النضير... 9
ـ غزوة بني المصطلق ودور النفاق : الفصل الثالث: تظاهر قوى الشرك والرد الإلهي الحاسم.
1
ـ
تحالف قوى الشرك وغزوة الخندق : 4
ـ غزو بني قريظة وتصفية يهود المدينة : 2
ـ انطلاقة الرسالة الإسلامية إلى خارج المدينة : 4
ـ محاولة اغتيال النبي (صلَّى الله عليه وآله) : الفصل الثاني: الإسلام خارج الجزيرة
1
ـ معركة مؤتة (وقعت معركة مؤتة في جمادى الاُولى من السنة الثامنة للهجرة.) :
2
ـ فتح مكة (تم فتح مكة في شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة.) :
3
ـ غزوة حنين وحصار الطائف(وقعت معركة حنين فى شوال من السنة الثامنة ه.) :
4
ـ غزوة تبوك (كانت غزوة تبوك في رجب سنة ( 9 ) من الهجرة .) :
الإعلان
عن مكانة علي (عليه السلام) لدى النبي (صلَّى الله عليه وآله) :
5-
حاولة اغتيال النبي (صلَّى الله عليه وآله) : 7
ـ وفاة إبراهيم ابن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) :
الفصل الثالث: تصفية الوجود الوثني داخل الجزيرة
1
ـ إعلان البراءة من المشركين : خطبة النبي (صلَّى الله عليه وآله) في حجة الوداع :
6
ـ التعبئة العامّة لغزو الروم: في صفر عام ( 11 هـ ) . الفصل الرابع: أيام الرسول (صلَّى الله عليه وآله)
الأخيرة 1
ـ الحيلولة دون كتابة الوصية : 2
ـ الزهراء (عليها السلام) تزور أباها (صلَّى الله عليه وآله) : 3
ـ اللحظات الأخيرة من عمر النبي (صلَّى الله عليه وآله) : 4
ـ وفاة النبي (صلَّى الله عليه وآله) ومراسم دفنه : الفصل الخامس: من معالم الرسالة الإسلامية الخاتمة. 1 ـ بماذا بعث النبي محمد(صلَّى
الله عليه وآله) ؟. 2
ـ سهولة الشريعة الإسلامية وسماحتها 5
ـ الواجبات والمحرمات في الشريعة الإسلامية : الفصل السادس: تراث خاتم المرسلين (صلَّى الله عليه وآله). نماذج
من تراث سيّد المرسلين (صلَّى الله عليه وآله). أهل
البيت (عليهم السلام) أركان الدين.. 4
ـ أصول التشريع الإسلامي في تراث الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله). 5
ـ من جوامع الكلم في تراث الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) : |