- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
الجزء
العشرون بسم الله الرحمن الرحيم
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: وقال عليه السلام: مقاربة الناس في أخلاقهم أمن من غوائلهم.
وقال الشاعر:
وكان يقال:
إذا نزلت على قوم فتشبه بأخلاقهم، فإن الإنسان من حيث يوجد، لا من حيث يولد. وفي الأمثال القديمة: من دخل ظفار حمر.
الأصل:
وقال عليه السلام لبعض خاطبيه وقد تكلم بكلمة
يستصغر مثله عن قول مثلها: لقد طرت شكيراً،
وهدرت سقباً. الأصل: وقال عليه السلام: من أومأ إلى متفاوت خذلته
الحيل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نبذة من حياة المغيرة بن شعبة،
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الشرح: أصحابنا غير متفقين على السكوت على المغيرة، بل أكثر
البغداديين يفسقونه، ويقولون فيه ما يقال في
الفاسق؛ ولما جاء عروة بن مسعود الثقفي إلى
رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم عام الحديبية نظر إليه
قائماً على رأس رسول الله مقلداً سيفاً، فقيل: من
هذا؛ قيل: ابن أخيك المغيرة، قال: وأنت هاهنا يا غدر! والله إني إلى الآن ما غسلت
سوءتك. ذكر حديثه أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني
في كتاب "الأغاني"، قال: كان المغيرة يحدث حديث إسلامه، قال: خرجت مع قوم
من بني مالك ونحن على دين الجاهلية إلى المقوقس ملك مصر، فدخلنا إلى الإسكندرية،
وأهدينا للملك هدايا كانت معنا، فكنت أهون أصحابي عليه، وقبض هدايا
القوم، وأمر لهم بجوائز، وفضل بعضهم على بعض، وقصر بي فأعطاني شيئا قليلاً لا
ذكر له، وخرجنا، فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا
لأهلهم وهم مسرورون، ولم يعرض أحد منهم علي مواساة، فلما خرجوا حملوا
معهم خمرا، فكانوا يشربون منها، فأشرب معهم، ونفسي تأبى أن تدعني معهم، وقلت: ينصرفون إلى الطائف بما أصابوا، وما حباهم
به الملك، ويخبرون قومي بتقصيره بي وازدرائه إياي! فأجمعت على قتلهم، فقلت: إني أجد صداعاً، فوضعوا شرابهم ودعوني، فقلت: رأسي يصدع، ولكن اجلسوا فأسقيكم، فلم ينكروا
من أمري شيئا، فجلست أسقيهم واشرب القدح بعد القدح، فلما دبت الكأس فيهم اشتهوا
الشراب، فجعلت اصرف لهم أترع الكأس ، فيشربون ولا يدرون، فأهمدتهم الخمر حتى
ناموا، ما يعقلون، فوثبت إليهم فقتلتهم جميعاً، وأخذت جميع ما كان معهم. قال: وكان قتل منهم
ثلاثة عشر إنساناً، واحتوى على ما معهم؛ فبلغ
ذلك ثقيفاً بالطائف، فتداعوا للقتال، ثم
اصطلحوا على أن حمل عمي عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مع أبي المعالي الجويني في أمر الصحابة والرد عليه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ثم إن تلك
الأحوال قد غابت عنا وبعدت أخبارها على حقائقها؛ فلا يليق بنا أن نخوض فيها؛ ولو
كان واحذ من هؤلاء قد أخطأ لوجب أن يحفظ رسول الله صلى
الله عليه وأله وسلم فيه، ومن المروءة أن يحفظ رسول الله
صلى الله عليه وأله وسلم في عائشة زوجته، وفي الزبير أبن عمته، وفي طلحة الذي
وقاه بيده. ثم ما الذي ألزمنا
وأوجب علينا أن نلعن أحداً من المسلمين أو نبرأ منه!! وأي ثواب في اللعنة
والبراءة!! إن الله تعالى لا يقول يوم القيامة للمكلف: لم تلعن؛ بل قد يقول له:
لم لعنت؛ ولو أن إنساناً عاش عمره كله لم يلعن إبليس لم يكن عاصياً ولا آثماً،
وإذا جعل الإنسان عوض اللعنة أستغفر الله كان خيراً له. ثم كيف يجوز للعامة أن تدخل أنفسها في أمور
الخاصة، وأولئك قوم كانوا أمراء هذه الأمة وقادتها، ونحن اليوم في طبقة سافلة
جداً عنهم؛ فكيف يحسن بنا التعرض لذكرهم! أليس يقبح من الرعية أن تخوض في دقائق
أمور الملك وأحواله وشؤونه التي تجري بينه وبين أهله وبني عمه ونسائه وسراريه!
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم صهراً لمعاوية، وأخته أم حبيبة و هي
أم المؤمنين في أخيها. على
أن جميع ما تنقله الشيعة من الاختلاف بينهم والمشاجرة لم يثبت، وما كان القوم إلا كبني أم واحدة ولم يتكدر
باطن أحد منهم على صاحبه قط، ولا وقع بينهم اختلاف ولا نزاع. ولو ظننا أن
الله عز وجل يعذرنا إذا قلنا: يا رب غاب أمرهم عنا، فلم يكن لخوضنا في أمر قد
غاب عنا معنئ، لاعتمدنا على هذا العذر، وواليناهم، ولكنا نخاف أن يقول سبحانه
لنا: إن كان أمرهم قد غاب عن أبصاركم، فلم يغب عن قلوبكم وأسماعكم؛ قد أتتكم به
الأخبار الصحيحة التي بمثلها ألزمتم أنفسكم الإقرار بالنبي صلى الله عليه وأله
وسلم وموالاة
من صدقه، ومعاداة من عصاه وجحده، أمر بتدبر القرآن وما جاء به الرسول، فهلا
حذرتم من أن تكونوا من أهل هذه الآية غدا: "
ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل" ! أما لفظة اللعن
فقد أمر الله تعالى بها وأوجبها، ألا ترى إلى قوله:
" أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون"، فهو إخبار معناه
الأمر، كقوله: " والمطلقات يتربصن بأنفسهن
ثلاثة قروء "؛ وقد لعن الله تعالى العاصين بقوله: " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود
"، وقوله: " إن الذين يؤذون الله
ورسوله لعنهم الله في الدنيا والأخيرة وأعد لهم عذابا مهيناً"،
وقوله: "ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا
تقتيلا"، وقال الله تعالى لإبليس:
"وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين "، وقال: "إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً". فأما قول من يقول : " أي ثواب في اللعن! وإن الله
تعالى لا لقول للمكلف! لم تلعن؛ بل قد يقول له: لم لعنت؛ وأنه لو جعل مكان لعن
الله فلانا، اللهم اغفر لي لكان خيراً له، ولو أن إنساناً عاش عمره كله لم يلعن
إبليس لم يؤاخذ بذلك "؛ فكلام جاهل لا يدري ما
يقول اللعن طاعة، ويستحق عليها الثواب إذا فعلت على وجهها، وهو أن يلعن
مستحق اللعن لله وفي الله، لا في العصبية والهوى، ألا
ترى أن الشرع قد ورد بها في نفي الولد، ونطق بها القرآن، وهو أن يقول الزوج في
الخامسة: "أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين "، فلو لم يكن الله تعالى يريد أن
يتلفظ عباده بهذه اللفظة وأنه قد تعبدهم بها، لما جعلها من معالم الشرع، ولما كررها في كثير من كتابه العزيز، ولما قال في
حق القائل: "وغضب الله عليه ولعنه"،
وليس المراد من قوله: "لعنه " إلا
الأمر لنا بأن نلعنه، ولو لم يكن المراد بها ذلك لكان لنا أن نلعنه، لأن الله
تعالى قد لعنه، أيلعن الله تعالى إنسانا ولا يكون
لنا أن نلعنه! هذا ما لا يسوغ في العقل، كما
لا يجوز أن يمدح الله إنسانا إلا ولنا أن نمدحه، ولا يذمه إلا ولنا أن
نذمه؛ وقال
تعالى: "هل
أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله"، وقال: "!ربنا آتهم ضعفين من
العذاب والعنهم لعنا كبيرا"، وقال
عز وجل: "وقالت
اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا". وكيف يقول القائل: إن الله تعالى لا يقول للمكلف: لم لم
تلعن؛ ألا يعلم هذا القائل أن الله تعالى أمر بولاية أوليائه، وأمر بعداوة أعدائه،
فكما يسأل! عن التولي يسأل عن التبري؟ ألا
ترى أن اليهودي إذا أسلم يطالب بأن يقال له: تلفظ بكلمة الشهادتين، ثم قل: برئت
من كل دين يخالف دين الإسلام، فلا بد من البراءة، لأن بها يتم العمل! ألم يسمع هذا القائل قول الشاعر:
فمودة العدو خروج عن ولاية الولي، وإذا بطلت المودة لم يبق إلا البراءة؛ لأنه لا يجوز أن يكون الإنسان
في درجة متوسطة مع أعداء الله تعالى وعصاته بالا يودهم ولا يبرأ منهم بإجماع
المسلمين على نفي هذه الواسطة. وبعد، فكيف أدخلتم أيها العامة والحشوية وأهل الحديث أنفسكم في
أمر عثمان وخضتم فيه، وقد غاب عنكم! وبرئتم من قتلته، ولعنتموهم! وكيف لم تحفظوا أبا بكر الصديق في محمد ابنه فإنكم لعنتموه وفسقتموه، ولا حفظتم
عائشة أم المؤمنين في أخيها محمد المذكور، ومنعتمونا أن نخوض و ندخل
أنفسنا في أمر علي والحسن والحسين ومعاوية الظالم له ولهما، المتعقب على حقه
وحقوقهما! وكيف صار لعن ظالم عثمان من السنة عندكم،
ولعن ظالم علي والحسن والحسين تكلفاً!! وكيف
أدخلت العامة أنفسها في أمر عائشة وبرئت ممن نظر إليها، ومن القائل لها: يا
حميراء، أو إنما هي حميراء، ولعنته بكشفه سترها، ومنعتنا نحن عن الحديث في أمر
فاطمة وما جرى لها بعد وفاة أبيها. فإن قلتم: إن بيت فاطمة إنما دخل، وسترها إنما كشف، حفظا لنظام
الإسلام، وكيلا ينتشر الأمر ويخرج قوم من المسلمين أعناقهم من ربقة الطاعة ولزوم
الجماعة. فكيف صار هتك ستر عائشة من الكبائر
التي يجب معها التخليد في النار، والبراءة من فاعله من أو كد عرى الإيمان، وصار
كشف بيت فاطمة والدخول عليها منزلها وجمع حطب ببابها، وتهددها بالتحريق من أو كد
غري الدين، وأثبت دعائم الإسلام؛ ومما أعز الله به المسلمين
وأطفأ به نار الفتنة؛ والحرمتان واحدة، والستران واحد. وما نحب أن نقول لكم: إن
حرمة فاطمة أعظم، ومكانها أرفع، وصيانتها لأجل رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم،
فإنها بضعة منه، وجزء من لحمه ودمه، وليست
كالزوجة الأجنبية التي لا نسب بينها وبين الزوج، وإنما هي وصلة مستعارة، وعقد
يجري مجرى إجارة المنفعة، وكما يملك رق الأمة بالبيع والشراء، ولهذا قال الفرضيون: أسباب
التوارث ثلاثة: سبب، ونسب، وولاء؛ فالنسب القرابة، والسبب النكاح، والولاء: ولاء
العتق؛ فجعلوا النكاح خارجاً عن النسب؛ ولو كانت الزوجة ذات نسب لجعلوا الأقسام
الثلاثة قسمين. قطع السارق وضرب القاذف، وجلد البكر
إذا زنا، وإن كان من المهاجرين أو الأنصار؛ ألا ترى أنه قال: لو سرقت فاطمة
لقطعتها فهذه ابنته، الجارية مجرى نفسه، ولم يحابها في دين الله، ولا راقبها في
حدود الله، وقد جلد أصحاب الإفك، ومنهم مسطح بن أثاثة، وكان من أهل بدر. قالوا: وكيف
كان النبي صلى الله عليه وأله وسلم يعرف هذا الحكم غيرنا ويكتمه عنا ونحن
الورثة؛ ونحن أول الناس بأن يؤدى هذا الحكم إليه، وهذا عمر بن الخطاب يشهد لأهل الشورى أنهم النفر الذين
توفي رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم وهو عنهم راض، ثم يأمر بضرب أعناقهم إن
أخروا فصل حال الإمامة، هذا بعد أن ثلبهم ، وقال في حقهم ما لو سمعته العامة
اليوم من قائل لوضعت ثوبه في عنقه سحباً إلى السلطان، ثم شهدت عليه بالرفض
واستحلت دمه، فإن كان الطعن على بعض الصحابة رفضاً
فعمر بن الخطاب أرفض الناس وإمام الروافض كلهم. ثم
ما شاع وأشتهر من قول عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة، وقى الله شرها؛ فمن عاد إلى
مثلها فاقتلوه؛ وهذا طعن في العقد، وقدح في البيعة الأصلية. ثم عمر القائل في سعد بن عبادة، وهو رئيس
الأنصار وسيدها: اقتلوا سعداً، قتل الله سعداً، اقتلوه
فإنه منافق. وقد شتم
أبا هريرة وطعن في روايته، وشتم خالد بن الوليد وطعن في
دينه، وحكم بفسقه وبوجوب قتله، وخون عمرو بن
العاصى ومعاوية بن أبي سفيان ونسبهما إلى سرقة مال الفيء واقتطاعه، وكان
سريعاً إلى المساءلة، كثير الجبة والشتم والسب لكل أحد، وقل أن يكون في الصحابة
من سلم من معرة لسانه أو يده، ولذلك أبغضوه وملوا
أيامه مع كثرة الفتوح فيها، !لا احترم عمر
الصحابة كما تحترمهم العامة! إما أن يكون عمر مخطئا، وإما أن تكون العامة على
الخطأ! فإن قالوا: عمر ما شتم ولا
ضرب، ولا أساء إلا إلى عاص مستحق لذلك، قيل لهم:
فكأنا نحن نقول: إنا نريد أن نبرأ ونعادي من لا
يستحق البراءة والمعاداة! كلا ما قلنا هذا، ولا يقول هذا مسلم ولا عاقل. فمن الناس من يقول:
روت في ذلك خبراً، ومن الناس من يقول: هو
موقوف عليها؛ وبدون هذا لو قاله إنسان اليوم يكون عند العامة زنديقاً. ثم قد حصر عثمان؛ حصرته أعيان الصحابة، فما كان أحذ ينكر
ذلك، ولا يعظمه ولا يسعى في إزالته، وإنما
أنكروا على من أنكر على المحاصرين له، وهو رجل كما علمتم من وجوه أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وأله وسلم ؛ثم من أشرافهم، ثم هو أقرب إليه من أبي بكر وعمر؛ وهو مع ذلك
إمام المسلمين، والمختار منهم للخلافة، وللإمام حق على رعيته عظيم،
فإن كان القوم قد أصابوا فإذن ليست الصحابة في
الموضع الذي وضعتها به العامة، وإن كانوا ما أصابوا فهذا هو الذي نقول من أن الخطأ جائز على آحاد الصحابة؛
كما يجوز على أحادنا اليوم. ولسنا نقدح في
الإجماع، ولا ندعي إجماعاً حقيقياً على قتل عثمان، وإنما نقول: إن كثيراً من المسلمين فعلوا ذلك والخصم يسلم أن ذلك كان
خطأ ومعصية، فقد سلم أن الصحابي يجوز أن يخطئ ويعصي، وهو المطلوب. وهذا المغيرة بن شعبة وهو من
الصحابة، ادعي عليه الزنا، وشهد عليه قوم بذلك، فلم ينكر ذلك عمر،
ولا قال: هذا محال وباطل لأن
هذا صحابي من صحابة رسول الله صلى
الله عليه وأله وسلم لا يجوز عليه الزنا،
وهلا أنكر عمر على الشهود وقال لهم: ويحكم هلا
تغافلتم عنه لما رأيتموه يفعل ذلك، فإن الله تعالى أوجب الإمساك عن مساوئ أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم ، وأوجب السر عليهم! وهلا تركتموه لرسول الله صلى الله عليه وأله وسلم في قوله:
"دعوا لي أصحابي "! ما رأينا عمر إلا وقد
انتصب لسماع الدعوى، وإقامة الشهادة، وأقبل يقول للمغيرة: يا مغيرة، ذهب
ربعك، يا مغيرة، ذهب نصفك يا مغيرة، ذهب ثلاثة أرباعك، حتى
اضطرب الرابع، فجلد الثلاثة. وهلا قال المغيرة لعمر: كيف تسمع في قول هؤلاء، وليسوا من الصحابة، وأنا من الصحابة، ورسول
الله صلى الله عليه وأله وسلم قد قال: "أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم
اهتديتم "! ما رأيناه قال ذلك،
بل استسلم لحكم الله تعالى. وهاهنا من هو أمثل من المغيرة وأفضل،
قدامة بن مظعون، لما شرب الخمر في أيام
عمر،
فأقام عليه الحد، وهو رجل من علية الصحابة ومن أهل
بدر، والمشهود لهم بالجنة، فلم يرد عمر
الشهادة، ولا درأ عنه الحد لعلة أنه بدري، ولا قال: قد نهى رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم عن ذكر مساوئ
الصحابة. وقد ضرب عمر أيضاً ابنه حدا فمات،
وكان ممن عاصر رسول صلى الله عليه وأله وسلم لم
تمنعه محاصرته له من أقامه الحد عليه. وقال أبو بكر في مرضه الذي مات فيه:
وددت أني لم اكشف بيت فاطمة ولو كان اغلق على حرب، فندم والندم لا يكون إلا عن ذنب. وقال ابن عباس: المتعة حلال، فقال له جبير بن مطعم: كان عمر ينهى عنها، فقال يا عدي نفسه، من هاهنا ضللتم، أحدثكم عن
رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم ، وتحدثني عن عمر! وجاء في الخبر عن علي عليه السلام ، لولا ما فعل عمر بن الخطاب في المتعة ما زنى إلا شقي؛
وقيل: ما زنى إلا شفا،
أي قليلاً. فأما سب بعضهم بعضاً وقدح بعضهم في
بعض في المسائل الفقهية فأكثر من أن يحصى،
مثل قول ابن عباس وهو يرد على زيد مذهبه القول في الفرائض:
إن شاء- أو قال: من شاء- باهلته إن الذي أحصى رمل عالج عددا أعدل من أن يجعل في
مال نصفاً ونصفاً وثلثا، هذان النصفان قد ذهبا بالمال، فأين موضع الثلث! ومثل قول أبي بن كعب في القرآن: لقد قرأت القرآن
وزيد هذا غلام ذو ذؤابتين يلعب بين صبيان اليهود في المكتب. وقالت عائشة: أخروا زيد بن أرقم أنه قد احبط جهاده
مع رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم. وكان يجب أن يكون بسر بن أبي ارطاة
الذي ذبح ولدي عبد الله بن عباس الصغيرين مهتدياً، لأن بسراً من الصحابة أيضاً، وكان يجب أن
يكون عمرو بن العاص ومعاوية اللذان كانا يلعنان
عليا أدبار الصلاة وولديه مهتديين؛ وقد كان
في الصحابة من يزني ومن يشرب الخمر كأبي
محجن الثقفي، ومن يرتد عن الإسلام كطليحة بن
خويلد، فيجب أن يكون كل من أقتدي بهؤلاء في
أفعالهم مهتدياً. إذا تأملت
كتب التواريخ وجدت الخمسين الثانية شراً كلها لا
خير فيها، ولا في رؤسائها وأمرائها، والناس
برؤسائهم وأمرائهم، والقرن خمسون سنة، فكيف يصح هذا الخبر. وصفوان بن المعطل أيضاً كان من
الصحابة، فكان ينبغي
ألا يضيق صدر رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم ،
ولا يحمل ذلك الهم والغم الشديدين اللذين حملهما ويقول:
صفوان من الصحابة، وعائشة من الصحابة، والمعصية
عليهما ممتنعة. قال: وقال بعض رؤساء المعتزلة: غلط أبي حنيفة في الأحكام عظيم، لأنه أضل خلقاً وغلط حماد أعظم من غلط أبي حنيفة، لأن حماداً أصل أبي حنيفة الذي منه تفرع، وغلط إبراهيم أغلظ وأعظم من
غلط حماد، لأنه أصل حماد وغلط علقمة والأسود أعظم من غلط إبراهيم؛ لأنهما أصله الذي عليه اعتمد، وغلط ابن مسعود أعظم من غلط هؤلاء جميعاً، لأنه أول من بدر إلى وضع الأديان برأيه، وهو الذي
قال: أقول فيها برأي، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمني. قال هذا المتكلم: على أن النظام وأصحابه ذهبوا إلى أنه لا حجة في
الإجماع، وأنه يجوز أن تجتمع الأمة على الخطأ
والمعصية، وعلى الفسق بل على الردة، وله كتاب موضوع في الإجماع يطعن فيه
في أدلة الفقهاء، ويقول: إنها ألفاظ غير
صريحة في كون الإجماع حجة، نحو قوله: "جعلناكم
أمة وسطا" وقوله: "كنتم خير
أمة" وقوله: "ويتبع غير سبيل
المؤمنين" . فأما علي عليه
السلام فإنه عندنا بمنزلة الرسول صلى
الله عليه وأله وسلم في تصويب قوله، والاحتجاج بفعله، ووجوب طاعته؛ ومتى صح عنه
أنه قد برئ من أحد من الناس برئناً منه كائناً من كان، ولكن
الشأن في تصحيح ما يروى عنه عليه السلام ، فقد أكثر الكذب عليه، وولدت العصبية
أحاديث لا أصل لها. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أخبار عمار بن ياسر ونسبه،
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما
عمار بن ياسر رحمه الله، فنحن نذكر نسبه وطرفاً من حاله مما
ذكره ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب، قال أبو عمر بن
عبد البر رحمه الله: هو عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن
حصين بن لوذ بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر بن نام بن عنس- بالنون- بن مالك
بن ادد العنسي المذحجيئ، يكنى أبا اليقظان، حليف لبني مخزوم، كذا قال ابن شهاب
وغيره. وقال الواقدي وطائفة من أهل العلم: إن ياسرا والد عمار بن ياسر عربي
قحطاني من عنس، من مذحج، إلا أن ابنه عماراً مولى لبني مخزوم، لأن أباه ياسراً
تزوج أمة لبعض بني مخزوم فأولدها عماراً، وذلك أن ياسرا قدم مكة مع أخوين له
يقال لهما: الحارث ومالك في طلب أخ لهم رابع، فرجع الحارث ومالك إلى اليمن،
وأقام ياسر بمكة، فحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم،
فزوجه أبو حذيفة أمة له يقال لها سمية بنت خياط، فولدت له عماراً فأعتقه
أبوحذيفة، فصار ولاة لبني مخزوم، وللحلف والولاء الذي بين بني مخزوم وعمار بن
ياسر كان اجتماع بني مخزوم إلى عثمان حين نال من عمار غلمان عثمان ما نالوا من
الضرب حتى انفتق له فتق في بطنه وكسروا ضلعا من أضلاعه، فاجتمعت بنو مخزوم؛ وقالوا: والله لئن مات لا قتلنا به أحدا غير عثمان. قال أبو عمر: وفيهم انزل: "إلا من اكره
وقلبه مطمئن بالأيمان " .
الأصل: وقال عليه السلام: ما استودع الله امرأ عقلاً إلا ليستنقذه به
يوماً ما. الشرح: لا بد أن
يكون للبارئ تعالى في إيداع العقل قلب زيد مثلاً غرض، ولا غرض إلا أن يستدل به
على ما فيه نجاته وخلاصه، وذلك هو التكليف، فإن قصر في النظر وجهل وأخطأ الصواب
فلا بد أن ينقذه عقله من ورطة من ورطات الدنيا، وليس يخلو أحد عن ذلك أصلا، لأن
كل عاقل لا بد أن يتخلص من مضرة سبيلها أن تنال بإعمال فكرته وعقله في الخلاص
منها؛ فالحاصل أن العقل إما أن ينقذ الإنقاذ
الديني، وهو الفلاح والنجاح على الحقيقة، أو ينقذ من بعض مهالك الدنيا وآفاتها، وعلى كل حال فقد صح قول أمير المؤمنين عليه السلام ،
وقد رويت هذه الكلمة مرفوعة، ورويت:
"إلا استنفذه به يوماً ما". |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض ما قيل في مدح العقل،
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقد تقدم من قولنا في العقل وما ذكر فيه ما فيه كفاية؛ ونحن نذكر هاهنا شيئاً
أخر: كان يقال: العاقل يروي
ثم يروي و يخبر ثم يخبر. لقمان: يا بني، شاور من جرب الأمور فإنه
يعطيك من رأيه ما قام عليه بالغلاء وتأخذه أنت بالمجان. فقال: إن الأحمق ليصيب بحمقه
أعظم مما يصيبه الفاجر بفجوره، وإنما ترتفع العباد غداً في درجاتهم، وينالون من
الزلفي من ربهم على قدر عقولهم. وسمع هذا الكلام أعرابي
فقال!:
هذا كلام يقطر عسله. من
نظر في المغاب ، ظفر بالمحاب. من اشتدت عزائمه اشتدت دعائمه. الرأي السديد، أجدى من الأيد الشديد.
أبو
الطيب:
ذكر المأمون ولد علي عليه السلام، فقال: خصوا بتدبير الآخرة، وحرموا تدبير
الدنيا.
فأضاف
إليه:
الأصل: وقال عليه السلام: من صارع الحق صرعه.
الأصل: وقال عليه السلام: القلب مصحف البصر.
يقول عليه السلام:
كما أن الإنسان إذا نظر في المصحف قرأ ما فيه، كذلك إذا أبصر الإنسان صاحبه فإنه
يرى قلبه بواسطة رؤية وجهه، ثم يعلم ما في قلبه من حب وبغض وغيرهما، كما يعلم
برؤية الخط الذي في المصحف ما يدل الخط عليه. وقال الشاعر:
الأصل: وقال عليه السلام: التقى رئيس الأخلاق.
الأصل: وقال عليه السلام: كفاك أدبا لنفسك اجتناب ما تكرهه من غيرك. وكتب بعض الكتاب إلى بعض الملوك في حال اقتضت ذلك:
الأصل: وقال عليه السلام يعزي قوماً: من صبر صبر الأحرار، وإلا سلا سلو الأغمار .
الشرح: أخذ
هذا المعنى أبو تمام بل حكاه فقال:
الأصل: وقال عليه السلام في صفة الدنيا: الدنيا تغر وتضر وتمر؛ إن الله سبحانه لم يرضها
ثوابا لأوليائه، ولا عقابا لأعدائه.
وغيره
يرفع ما بعد "بينا" و "بينما" على الابتداء والخبر، فأما إذ
وإذا فإن أكثر أهل العربية يمنعون من مجيئهما بعد بينا وبينما، ومنهم من يجيزه،
وعليه جاء كلام أمير المؤمنين، وأنشدوا:
وقالت
الحرقة بنت النعمان بن المنذر:
وقال
الشاعر:
وما
جاء في وصف الدنيا مما يناسب كلام أمير المؤمنين قول أبي العتاهية:
الأصل: وقال عليه السلام لابنه الحسن
عليه السلام: يا بني؛ لا تخلفن وراءك شيئاً من الدنيا فإنك تخلفه لأحد
رجلين: إما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت به، وإما رجل عمل فيه بمعصية
الله فشقي بما جمعت له؛ فكنت عونًا له على معصيته؛ وليس أحد هذين حقيقاً أن توثره
على نفسك. وخلاصة هذا الفصل أنك أن خلفت مالاً، فإما أن تخلفه لمن
يعمل فيه بطاعة الله، أو لمن يعمل فيه بمعصيته، فالأول
يسعد بما شقيت به أنت، والثاني يكون معانا منك
على المعصية بما تركته له من المال، وكلا الأمرين مذموم، وإنما قال له: "فارج لمن مضى رحمة الله، ولمن بقي رزق الله
"، لأنه قال في أول الكلام: "قد
كان لهذا المال أهل قبلك، وهو صائر إلى أهل بعدك".
الأصل:
وقال عليه السلام لقائل قال بحضرته أستغفر الله:
ثكلتك أمك! أتدري ما الاستغفار؛ إن للاستغفار درجة العاليين، وهو أسم واقع على ستة معان: أولها الندم على ما مضى، والثاني العزم على ترك العود إليه أبداً، والثالث أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله
عز وجل أملس ليس عليك تبعة، والرابع أن تعمد إلى
كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها، والخامس أن
تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم،
وينشأ بينهما لحم جديد، والسادس أن تذيق الجسم
ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك
تقول: أستغفر الله. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في ماهية التوبة وشروطها،
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وينبغي أن نذكر في هذا الموضوع
كلاماً مختصراً مما يقوله أصحابنا في التوبة؛ فإن كلام أمير المؤمنين هو
الأصل الذي أخذ منه أصحابنا مقالتهم، والذي
يقولونه في التوبة، فقد أتى على جوامعه عليه السلام
في هذا الفصل على اختصاره. فأما
القول في وجوب التوبة على العصاة، فلا ريب أن
الشرع يوجب ذلك، فأما العقل فالقول فيه إنه لا يخلو المكلف إما أن يعلم أن
معصيته كبيرة، أو يعلم أنها صغيرة، أو يجوز فيها كلا الأمرين، فإن علم كونها
كبيرة وجب عليه في العقول التوبة منها، لأن التوبة مزيلة لضرر الكبيرة، وإزالة
المضار واجبة في العقول، وإن جوز كونها كبيرة وجوز كونها صغيرة، لزمه أيضاً في
العقل التوبة منها، لأنه يأمن بالتوبة من مضرة مخوفة، وفعل ما يؤمن من المضار
المخوفة واجب، وإن علم أن معصيته صغيرة؛ وذلك كمعاصي الأنبياء؛ وكمن عصى ثم علم
بإخبار نبي أن معصيته صغيرة محبطة، فقد قال الشيخ
أبو علي: إن التوبة منها واجبة في العقول، لأنه إن لم يتب كان مصراً
والإصرار قبيح. الشرح: كان يقال: الحلم جنود مجندة لا أرزاق لها. وقال الشاعر:
وكان يقال: من
غرس شجرة الحلم، اجتنى ثمره السلم. وقد تقدم من القول في الحلم ما فيه كفاية. قال عليه السلام: لا يقولن أحدكم إن فلاناً أولى بفعل الخير مني، فيكون والله
كذلك، مثاله قوم موسرون في محلة واحدة، قصد واحداً منهم سائل فرده، وقال له:
اذهب إلى فلان، فهو أولى بأن يتصدق عليك مني، فإن
هذه الكلمة تقال دائماً، نهى عليه السلام عن قولها وقال: "فيكون
والله كذلك "، أي أن الله تعالي يوفق ذلك الشخص الذي أحيل ذلك السائل عليه،
وييسر الصدقة عليه، ويقوي دواعيه إليها، فيفعلها فتكون كلمة ذلك الإنسان الأول
قد صادفت قدراً وقضاء، ووقع الأمر بموجبها.
وأشد
تصريحاً بالمعنى قول الشاعر:
الأصل: وقال عليه السلام: لا ينبغي للعبد أن يثق بخصلتين: العافية والغنى،
بينا تراه معافى إذ سقم وبينا تراه غنياً إذ افتقر.
وقال
أخر:
وقال
عبيد الله بن طاهر:
أخر:
وقال
أخر:
الأصل: وقال عليه السلام: من شكا الحاجة إلى مؤمن فكأنما شكاها إلى الله،
ومن شكاها إلى كافر فكأنما شكا الله.
ورأيت
بعض الصوفية وقد سمع هذين البيتين من مغن
حاذق، فطرب وصفق وأخذهما لمعنى عنده، وقد قال بعض
المحدثين في هذا المعنى أيضاً:
الأصل: وقال عليه السلام: إن أعظم الحسرات يوم القيامة حسرة رجل كسب مالاً
في غير طاعة الله؛ فورثه رجلاً فأنفقه في طاعة الله سبحانه فدخل به الجنة، ودخل
الأول به النار.
فأكثرهم
إذن يخرج من الدنيا بحسرته، ويقدم على الآخرة بتبعته ، لأن تلك الآمال التي كانت
الحركة والسعئ فيها ليست متعلقة بأمور الدين والآخرة، لا جرم أنها تبعات
وعقوبات، ونسأل الله عفوه. الشرح:
هذا يصلح أن تجعله الأمامية شرح حال الأئمة
المعصومين على مذاهبهم، لقوله: فوق ما يرجون، بهم علم الكتاب، وبه علموا؛
وأما نحن فنجعله شرح حال العلماء العارفين
وهم أولياء الله الذين ذكرهم عليه السلام لما نظر الناس إلى ظاهر الدنيا وزخرفها
من المناكح والملابس والشهوات الحسية، نظروا هم إلى باطن الدنيا، فاشتغلوا
بالعلوم والمعارف والعبادة والزهد في الملاذ الجسمانية، فأماتوا من شهواتهم
وقواهم المذمومة كقوة الغضب وقوة الحسد ما خافوا أن يميتهم، وتركوا من الدنيا
اقتناء الأموال لعلمهم أنها ستتركهم، وأنه لا يمكن دوام الصحبة معها، فكان
استكثار الناس من تلك الصفات استقلالا عندهم، وبلوغ الناس لها فوتًا أيضاً
عندهم، فهم خصم لما سألمه الناس من الشهوات، وسلم لما عاداه الناس من العلوم والعبادات،
وبهم علم الكتاب، لأنه لولاهم لما عرف تأويل الآيات المتشابهات، ولأخذها الناس
على ظواهرها فضلوا. وبالكتاب
علموا، لأن الكتاب دل عليهم، ونبه الناس على مواضعهم، نحو قوله: "إنما يخشى الله من عباده العلماء". وقوله:
"هل يستوي الذين يعلمون والذين لا
يعلمون" وقوله: "ومن يؤت الحكمة
فقد أوتي خيراً كثيراً ". ونحو ذلك من الآيات التي تنادي عليهم، وتخطب
بفضلهم، وبهم قام الكتاب لأنهم قرروا البراهين على صدقه وصحة وروده من الله
تعالى على لسان جبريل عليه السلام ولولاهم لم يقم على ذلك دلالة للعوام،
وبالكتاب قاموا، أي باتباع أوامر الكتاب وادابه قاموا، لأنه لولا تأدبهم بآداب
القرآن، وامتثالهم أوامره؛ لما أغنى عنهم علمهم شيئا، بل كان وباله عليهم، ثم
قال: إنهم لا يرون مرجواً فوق ما يرجون، ولا مخوفاً فوق ما يخافون، وكيف لا
يكونون كذلك ومرجوهم مجاورة الله تعالى في حظائر قدسه، وهل فوق هذا مرجو لراج،
ومخوفهم سخط الله عليهم وإبعادهم عن جنابه، وهل فوق هذا مخوف لخائف.
وراود رجل امرأة عن نفسها، فقالت له: إن امرأ يبيع جنة عرضها السموات
والأرض بمقدار إصبعين لجاهل بالمساحة؛
فاستحيا ورجع. ومن المعنى الأول قول أبي العلاء:
وقال
أخر:
وقال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب:
أخر:
مثله:
الذي
يتعلق به غرضنا من الأبيات هو البيت الأول، وذكرنا سائرها لحسنها.
قال:
وأنشدني أيضاً في المعنى:
وقال
أخر:
وقال
أخر:
وقال
البحتري:
الأصل: وسئل عليه السلام: أيما أفضل؟ العدل أو الجود؛ فقال: العدل يضع
الأمور مواضعها، والجود يخرجها من جهتها، والعدد سائس عام؛ والجود عارض خاص،
فالعدل أشرفهما وأفضلهما. وكان يقال: من جهل شيئا عاداه. وقال الشاعر:
وقيل لأفلاطون:
لم يبغض الجافل العالم، ولا يبغض العالم الجاهل؛ فقال: لأن الجاهل يستشعر النقص
في نفسه، ويظن أن العالم يحتقره، ويزدريه فيبغضه، والعالم لا نقص عنده ولا يظن
أن الجاهل يحتقره، فليس عنده سبب لبغض الجاهل.
وقال
أخر:
وقال
البحتري:
الأصل: وقال عليه السلام: ما أنقض النوم لعزائم اليوم! الشرح: هذه الكلمة قد سبق،
وتكلمنا عليها، وما أحسن قول المعري:
وقال الرضي رحمه الله:
الأصل: وقال عليه السلام: ليس بلد بأحق بك من بلد؛ خير البلاد ما حملك.
وقال شيخي أبو جعفر يحي بن أبي زيد نقيب البصرة:
أبوعبادة
البحتري:
ومنبج،
هي مدينة البحتري، قال أبو تمام:
وقد ذهب كثير من الناس إلى غير هذا المذهب، فجعلوا بعض البلاد أحق بالإنسان من
بعض، وهو الوطن الأول ومسقط الرأس، قال الشاعر:
وكان يقال:
ميلك إلى مولدك من كرم محتدك .
أعرا بي:
كانت العرب
إذا سافرت حملت معها في تربة أرضها ما تستنشق ريحه، وتطرحه في الماء إذا شربته،
وكذلك كانت فلاسفة يونان تفعل.
وقالت الهند:
حرمة بلدك عليك كحرمة أبويك، كان غذاؤك منهما وأنت جنين وكان غذاؤهما منك.
الأصل: وقال عليه السلام وقد جاءه نعي الأشتر رحمه الله: مالك وما مالك؟ والله لو
كان جبلا لكان فنداً، أو كان حجراً لكان صلدأ لا يرتقيه الحافر، ولا يوفي عليه
الطائر. ثم
وصف تلك القطعة بالعلو العظيم، فقال: ولا يوفي عليه الطائر، أي لا يصعد عليه،
لقال: أوفي فلان على الجبل: اشرف.
الأصل: وقال عليه السلام: إذا كان في رجل خلة رائعة،
فانتظروا منه أخواتها . وشتم بعض سفهاء البصرة الأحنف شتماً قبيحاً فحلم عنه،
فقيل له في ذلك؛ فقال: دعوه فإني قد قتلته بالحلم عنه، وسيقتل نفسه
بجراءته، فلما كان بعد أيام جاء ذلك السفيه فشتم زياداً؛ وهو أمير البصرة حينئذ،
وظن أنه كالأحنف، فأمر به فقطع لسانه ويده. والذعادع: الفرق المتفرقة، الواحدة زعزعة، وربما قالوا:
تفرقوا. وكذلك بيع الرطب بالتمر متساوياً كيلا، كل ذلك يقول الشافعي: انه ربا، وأبو حنيفة يحرجه عن كونه رباً، ومسائل هذا الباب
كثيرة. الأصل: وقال عليه السلام: من عظم صغار المصائب؛
ابتلاه الله بكبارها. الشرح: قد تقدم مثل هذا المعنى مراراً، ومن
الكلام المشهور بين العامة: قبح الله أمرا تغلب شهوته على نخوته، والجيد النادر
في هذا قول الشاعر:
الأصل: وقال عليه السلام: ما مزح امروء مزحةً، إلا مج من عقله مجةً .
أي
ما زلت عزيزاً حتى أذلني الحب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أعبد الله بن الزبير نسبه وبعض أخباره
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ونحن
نذكر ما ذكره ابن عبد البر في ترجمة عبد الله بن الزبير، فإن هذا المصنف يذكر جمل أحوال الرجل دون تفاصيلها، ثم نذكر تفصيل أحواله من مواضع أخرى. قال أبو عمر: وشهد عبد الله الجمل مع أبيه وخالته، وكان شهماً ذكراً ذا
أنفة، وكان له لسن وفصاحة وكان أطلس لا لحية له ولا شعر في وجهه، وكان كثير
الصلاة، كثير الصيام، شديد البأس، كريم الجدات والأمهات والخالات، إلا أنه كان
فيه خلال لا يصلح معها للخلافة، فإنه كان بخيلاً ضيق العطن سيء الخلق حسوداً، كثير
الخلاف، أخرج محمد بن الحنفية من مكة والمدينة، ونفي عبد الله بن عباس إلى
الطائف. قال أبو عمر: وبويع له بالخلافة سنة أربع وستين في
قول أبي معشر.
ثم شد عليه أصحاب الحجاج، فسأل عنهم، فقيل: هؤلاء أهل مصر، فقال لأصحابه:
اكسروا أغماد سيوفكم، واحملوا معي، فإنني في الرعيل الأول، ففعلوا، ثم حمل عليهم
وحملوا عليه فكان يضرب بسيفين، فلحق رجلاً فضربه فقطع يده، وانهزموا وجعل يضربهم
حتى أخرجهم من باب المسجد، وجعل رجل منهم أسود يسبه، فقال له: اصبر يا بن حام،
ثم حمل عليه فصرعه، ثم دخل عليه أهل حمص من باب بني شيبه فسأل عنهم، فقيل: هؤلاء
أهل حمص، فشد عليهم وجعل يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من المسجد، ثم انصرف وهو يقول:
ثم دخل عليه أهل الأردن من باب أخر، فقال: من هؤلاء؟ قيل: أهل الأردن، فجعل
يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من المسجد، ثم انصرف وهو يقول:
فاقبل
عليه حجر من ناحية الصفا فأصابه بين عينيه، فنكس رأسه وهو يقول:
أنشده
متمثلاً، وحماه موليان له، فكان أحدهما يرتجز فيقول:
قال: ثم اجتمعوا عليه، فلم يزالوا يضربونه ويضربهم حتى قتلوه
ومولييه جميعاً، فلما قتل كبر أهل الشام، فقال عبد
الله بن عمر: المكبرون يوم ولد خير من المكبرين يوم قتل. قال أبو عمر: وقال يعلى بن حرملة: دخلت مكة بعد ما قتل عبد الله بن
الزبير بثلاثة أيام، فإذا هو مصلوب، فجاءت أمه أسماء،
وكانت امرأة عجوزاً طويلة مكفوفة البصر تقاد، فقالت
للحجاج: أما آن لهذا الراكب أن ينزل؛ فقال لها: المنافق؛! قالت: والله ما كان منافقاً، ولكنه كان صواماً قواماً
براً؛ قال: انصرفي فإنك عجوز قد خرفت. قالت: لا والله ما خرفت، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم يقول: "يخرج من ثقيف
كذاب ومبير" ، أما الكذاب فقد رأيناه- تعني المختار- وأما المبير فأنت. قال: وقد روي محمد بن الضحاك عن أبيه أن أهل الشام كانوا وهم
يقاتلون عبد الله بمكة يصيحون: يا بن ذات النطاقين، يظنونه عيباً، فيقول ابنها: والإله، ثم يقول: إني وإياكم لكما قال أبو ذؤيب:
ثم يقبل على ابن أبي عتيق- وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن
أبى بكر- فيقول:
ألا تسمع يا بن أبي عتيق! قال الزبير: وزعموا أن
عبد الله بن الزبير لما ولد أتى به رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم،
فنظر في وجهه وقال: "أهو هو؟
ليمنعن البيت أو ليموتن دونه "، وقال العقيلي في
ذلك:
قال:
وقد روي نافع بن ثابت، عن محمد بن كعب القرظي، أن رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم دخل على أسماء حين ولد عبد الله فقال: أهو هو؟ فتركت أسماء
رضاعه، فقيل لرسول الله صلى الله عليه وأله وسلم: إن أسماء تركت رضاع عبد الله لما سمعت كلمتك، فقال لها: "أرضعيه ولو بماء عينيك، كبش بين ذئاب عليها
ثياب، ليمنعن الحرم أو ليموتن دونه ". قال:
وحدثني عمي مصعب بن عبد الله، قال: كان عبد الله بن الزبير يقول: هاجرت بي أمي
في بطنها، فما أصابها شيء من نصب أو مخمصة إلا وقد أصابني.
قال: وحدثني عبد الملك بن عبد العزيز، عن خاله يوسف بن الماجشون، قال قسم عبد الله بن الزبير الدهر
على ثلاث ليال: فليلة هو قايم حتى الصباح، وليلة هو
راكع حتى الصباح، وليلة هو ساجد حتى الصباح. قال الزبير:
وعبد الله أول من كسا الكعبة الديباج، وإن كان ليطيبها حتى يجد ريحها من دخل
الحرم. قال: ولم
تكن كسوة الكعبة من قبله إلا المسوح والأنطاع ، فلما جرد المهدي بن المنصور
الكعبة، كان فيما نزع عنها كسوة من ديباج مكتوب عليها: لعبد الله أبي بكر أمير
المؤمنين. قال: وحدثني يحمي بن معين بإسناد رفعه إلى هشام بن عروة، أن عبد الله
بن الزبير اخذ من بين القتلى يوم الجمل وبه بضع وأربعون طعنة وضربة، قال الزبير: واعتلت عائشة مرة، فدخل عليها بنو
أختها أسماء: عبد الله وعروة والمنذر، قال عروة: فسألناها عن حالها، فشكت إلينا
نهكة من علتها فعزاها عبد الله عن ذلك، فأجابته بنحو قولها، فعاد لها بالكلام،
فعادت له بالجواب، فصمت وبكي، قال عروة: فما
رأينا متحاورين من خلق الله أبلغ منهما. قال: ثم رفعت رأسها تنظر إلى وجهه، فابهتت
لبكائه، فبكت ثم قالت: ما أحقني منك يا بني،
ما أري. فلم علم بعد رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم وبعد أبوي أحداً انزل عندي منزلتك، قال عروة: وما سمعت عائشة وأمي أسماء تدعوان لأحد
من الخلق دعاءهما لعبد الله، قال: وقال موسى بن عقبة:
أقرأني عامر بن عبد الله بن الزبير وصية عبد الله بن مسعود إلى الزبير بن العوام
وإلى عبد الله بن الزبير من بعده، وإنهما في وصيتي في حل وبل .
فقال:
ذلك عبد الله بن الزبير: وكان عبد الله من جملة النفر الذين أمرهم عثمان بن عفان
أن ينسخوا القرآن في المصاحف. فقلت:
والله ما رأيت أحداً أشد جلداً على لحم، ولحماً على عظم من ابن الزبير؛ ولا رأيت
أحداً اثبت قائماً، ولا أحسن مصلياً من ابن الزبير، ولقد رأيت حجراً من المنجنيق
جاءه فصاب شرفة من المسجد، فمرت قذاذة منها بين لحيته وحلقه، فلم يزل من مقامه،
ولا عرفنا ذلك في صوته، فقال عمر: لا إله إلا
الله، لجاد ما وصفت! قال الزبير: وسمعت إسماعيل
بن يعقوب التيمي يحدث، قال: قال عمر بن عبد
العزيز لابن أبي مليكة، صف لنا عبد الله بن الزبير، فإنه
ترمرم على أصحابنا فتغشمروا عليه ، فقال: عن أي حاليه تسأل؟ أعن دينه، أم
عن دنياه؟ فقال: عن كل، قال: والله ما رأيت جلداً قط ركب على لحم ولا لحماً على
عصب، ولا عصباً على عظم، مثل جلده على لحمه ولا مثل لحمه على عصبه، ولا مثل عصبه
على عظمه؛ ولا رأيت نفساً ركبت بين جنبين مثل نفس له ركبت بين جنبين، ولقد قام
يوماً إلى الصلاة، فمر به حجر من حجارة المنجنيق، بلبنة مطبوخة من شرفات المسجد،
فمرت بين لحييه وصدره، والله ما خشع لها بصره، ولا قطع لها قراءته، ولا ركع دون
الركوع الذي كان يركع، ولقد كان إذا دخل في الصلاة خرج من كل شيء إليها؛ ولقد
كان يركع في الصلاة فيقع الرخم على ظهره ويسجد فكأنه مطروح. قال الزبير:
وحدث هشام بن عروة، قال: سمعت عمي، يقول: ما
أبالي إذا وجدت ثلاثمائة يصبرون صبري، لو أجلب علي أهل الأرض. قال: وابن الزبير
أحد الرهط الخمسة الذين وقع اتفاق أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص على إحضارهم،
والاستشارة بهم في يوم التحكيم وهم: عبد الله بن
الزبير، وعبد الله بن عمرو، وأبو الجهم بن حذيفة، وجبير بن مطعم، وعبد الرحمن بن
الحارث بن هشام. قال: وأعطت عائشة
من بشرها بأن عبد الله لم يقتل يوم الجمل عشرة آلاف درهم. قال: فكان أول شيء سمع من عبد الله بن الزبير أنه
كان ذات يوم يلعب مع الصبيان، فمر رجل، فصاح عليهم، ففروا منه، ومشي ابن الزبير
القهقري، ثم قال: يا صبيان؛ اجعلوني أميركم، وشدوا بنا عليه. قال: ومر
به عمر بن الخطاب وهو مع الصبيان، ففروا ووقف، فقال لم لم تفر مع أصحابك؟ فقال:
لم أجرم فأخافك، ولم تكن الطريق ضيقة فأوسع عليك! وروي الزبير بن بكار، أن عبد
الله بن سعد بن أبي سرح غزا إفريقية في خلافة عثمان، فقتل عبد الله بن الزبير
جرجير أمير جيش الروم، فقال ابن أبي لمرح: إني موجه بشيراً إلى أمير المؤمنين
بما فتح علينا، وأنت أولى من هاهنا، فانطلق إلى أمير المؤمنين فأخبره الخبر، قال
عبد الله: فلما قدمت على عثمان أخبرته بفتح الله وصنعه ونصره، ووصفت له أمرنا كيف
كان، فلما فرغت من كلامي قال: هل تستطيع أن تؤدي هذا إلى الناس؟ قلت: وما يمنعني
من ذلك! قال: فأخرج إلى الناس فأخبرهم قال عبد الله: فخرجت حتى جئت المنبر
فاستقبلت الناس، فتلقاني وجه أبي، فدخلتني له هيبة عرفها أبي في وجهي، فقبض قبضة
من حصباء، وجمع وجهه في وجهي وهم أن يحصبني فأحزمت، فتكلمت. وروي الزبير بن بكار، قال: كان سبب تعوذ ابن الزبير بالكعبة أنه كان يمشي بعد عتمه في
بعض شوارع المدينة؛ إذ لقي عبد الله بن سعد بن أبي سرح متلثما لا يبدو منه إلا
عيناه. قال: فأخذت بيده وقلت: ابن أبي سرح! كيف كنت بعدي؟ وكيف تركت أمير المؤمنين؟ يعني
معاوية- وقد كان ابن أبي سرح عنده بالشام- فلم يكلمني، فقلت: ما لك؟ أمات أمير
المؤمنين؟ فلم يكلمني، فتركته وقد أثبت معرفته، ثم
خرجت حتى لقيت الحسين بن علي رضي الله عنه، فأخبرته خبره، وقلت: ستأتيك
رسل الوليد، وكان الأمير على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، فانظر ما أنت صانع! وأعلم أن رواحلي في الدار
معدة، والموعد بيني وبينك أن تغفل عنا عيونهم، ثم فارقته فلم البث أن أتاني رسول
الوليد، فجئته فوجدت الحسين عنده، ووجدت عنده مروان بن الحكم، فنعي إلي معاوية؛
فاسترجعت فأقبل علي، وقال: هلم إلى بيعة يزيد، فقد كتب إلينا يأمرنا أن نأخذها
عليك! فقلت: إني قد علمت أن في نفسه علي
شيئاً لتركي بيعته في حياة أبيه، وإن بايعت له على هذه الحال توهم أني مكره على
البيعة، فلم يقع منه ذلك بحيث أريد، ولكن أصبح ويجتمع الناس، ويكون ذلك علانية
إن شاء الله؛ فنظر الوليد إلى مروان فقال مروان:
هو الذي قلت لك؛ إن يخرج لم تره. فأحببت أن القي
بيني وبين مروان شراً نتشاغل به، فقلت له: وما أنت وذاك يا بن الزرقاء!
فقال لي، وقلت له، حتى تواثبنا، فتناصيت أنا وهو، وقام الوليد فحجز بيننا، فقال
مروان: أتحجز بيننا بنفسك، وتدع أن تأمر أعوانك! فقال: قد أرى ما تريد، ولكن لا
أتولي ذلك منه والله أبداً، اذهب يابن الزبير حيث شئت؛ قال: فأخذت بيد الحسين،
وخرجنا من الباب حتى صرنا إلى المسجد، وأنا أقول:
فلما
دخل المسجد افترق هو والحسين، وعمد كل واحد منهما إلى مصلاه يصلي فيه، وجعلت
الرسل تختلف إليهما، يسمع وقع أقدامهم في الحصباء حتى هدأ عنهما الحس، ثم انصرفا
إلى منازلهما، فأتى ابن الزبير رواحله، فقعد عليها، وخرج من أدبار داره، ووافاه
الحسين بن علي، فخرجا جميعاً من ليلتهم، وسلكوا طريق الفرع حتى مروا بالجثجاثة
وبها جعفر بن الزبير قد ازدرعها، وغمز عليهم بعير من إبلهم فانتهوا إلى جعفر،
فلما رآهم قال: مات معاوية؟ فقال عبد الله: نعم؛ انطلق معنا وأعطنا أحد جمليك-
وكان ينضح على جملين له- فقال جعفر متمثلاً:
فقال عبد الله- وتطير منها: بفيك التراب! فخرجوا جميعاً حتى قدموا مكة، قال الزبير: فأما الحسين عليه السلام
فإنه خرج من مكة يوم التروية يطلب
الكوفة والعراق، وقد كان قال لعبد الله بن الزبير:
قد أتتني بيعة أربعين ألفا يحلفون لي بالطلاق والعتاق من أهل العراق، فقال:
أتخرج إلى قوم قتلوا أباك وخذلوا أخاك! قال: وبعض
الناس يزعم أن عبد الله بن عباس هو الذي قال للحسين ذلك. قال: وروي إسحاق بن عبيد الله، عن المنذر بن الجهم الأسلمي، قال: رأيت ابن الزبير، وقد خذله من معه
خذلانا شديداً، وجعلوا يخرجون إلى الحجاج، خرج إليه منهم نحو عشرة آلاف، وذكر
أنه كان ممن فارقه، وخرج إلى الحجاج ابناه: خبيب وحمزة، فأخذا من الحجاج
لأنفسهما أماناً. فانظري يا أمه، فإني مقتول من يومي هذا، فلا يشتد حزنك، وسلمي
لأمر الله، فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر، ولا عملا بفاحشة، ولم يجر في حكم، ولم
يغدر في أمان، ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد، ولم يبلغني ظلم عن عمالي فرضيت به
بل أنكرته، ولم يكن شيء آثر عندي من رضا ربي. اللهم إني لا أقول هذا تزكية مني
لنفسي، أنت أعلم بي، ولكنني أقوله تعزية لأمي لتسلو عني. فقالت
أمه: إني لأرجو من الله أن يكون عزائي فيك حسناً إن تقدمتني، فلا أخرج من
الدنيا حتى أنظر إلى ما يصير أمرك، فقال:
جزاك الله يا أمه خيراً! فلا تدعي الدعاء لي قبل وبعد؛ قالت:
لا أدعه أبداً، فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق.
ثم قالت: اللهم ارحم طول ذلك القيام في
الليل الطويل، وذلك النحيب والظمأ في هواجر المدينة ومكة، وبره بأبيه وبي! اللهم
إني قد سلمته لأمرك فيه، ورضيت بما قضيت، فأثبني في عبد الله ثواب الصابرين
الشاكرين .
فسمعت العجوز قوله، فقالت: تصبر والله، ولم لا تصبر وأبوك أبو بكر والزبير، وأمك صفية
بنت عبد المطلب ! قال
وروي محمد بن عمر عن ثور بن يزيد عن رجل من أهل حمص قال: شهدته والله ذلك اليوم
ونحن خمسمائة من أهل حمص، فدخل من باب المسجد لا يدخل منه غيرنا، وهو يشد علينا ونحن منهزمون وهو يرتجز:
فأقول: أنت والله الحر الشريف، فلقد رأيته يقف بالأبطح، لا يدنو
منه أحد حتى ظننا أنة لا يقتل . قال وروي مصعب بن ثابت، عن نافع مولي
بني أسد، قال: رأيت الأبواب قد شحنت بأهل الشام، وجعلوا على كل باب قائداً
ورجالاً وأهل بلد، فكان لأهل حمص الباب الذي يواجه باب الكعبة، ولأهل دمشق باب
بني شيبة، ولأهل الأردن باب الصفا، ولأهل فلسطين باب بني جمح، ولأهل فنسرين باب
بني سهم، وكان الحجاج وطارق بن عمرو في ناحية الأبطح إلى المروة، فمرة يحمل ابن
الزبير في هذه الناحية، ولكنه اشد في أجمة ما يقدم عليه الرجال، فيغدو في اثر
الرجال وهم على الباب حتى يخرجهم، ثم يصيح إلى عبد الله بن صفوان، يا أبا صفوان،
ويل أمه فتحاً لوكأن له رجال! ثم يقول:
فيقول
عبد الله بن صفوان: إي والله وألفاً .
ثم قالوا:
احملوا على بركة الله، ثم حمل حتى بلغ بهم إلى الحجون، فرمي بحجر، فأصاب وجهه،
فارعش ودمي وجهه، فلما وجد سخونة الدم تسيل على وجهه ولحيته قال:
قال:
وتقاووا عليه، وصاحت مولاة له مجنونة: وا أمير المؤمنيناه! وقد كان هوي، ورأته
حين هوي فأشارت لهم إليه، فقتل وإن عليه لثياب خز، وجاء الخبز إلى الحجاج، فسجد
وسار هو وطارق بن عمرو، فوقفاً عليه، فقال طارق: ما ولدت النساء اذكر من هذا، فقال الحجاج: أتمدح من يخالف طاعة أمير المؤمنين! فقال طارق:
هو أعذر لنا، ولولا هذا ما كان لنا عذر، إنا محاصروه وهو في غير خندق ولا حصن
ولا منعة منذ ثمانية أشهر ينتصف منا، بل يفضل علينا في كل ما التقينا نحن وهو؛
قال: فبلغ كلامهما عبد الملك، فصوب طارقاً.
وكسر بعض جنده خمسة أرماح في صدور أصحاب الحجاج، وكلما كسر
رمحاً أعطاه رمحاً، فشق عليه ذلك، وقال: خسمة أرماح! لا يحتمل بيت مال المسلمين
هذا.
قال: وجاءه أعرابي سائل فرده، فقال
له: لقد أحرقت الرمضاء قدمي، فقال: بل عليهما يبردان.
وروي المدائني، قال: لما أخرج ابن الزبير عبد الله بن عباس من مكة إلى الطائف مر
بنعمان، فنزل فصلى ركعتين، ثم رفع يديه يدعو، فقال: اللهم إنك تعلم أنه لم يكن
بلد أحب إلي من أن أعبدك فيه من البلد الحرام، وأنني لا احب أن تقبض روحي إلا
فيه، وأن الزبير أخرجني منه، ليكون الأقوى في سلطانه. اللهم فأوهن كيده، واجعل دائرة الله عليه.
فلما دنا من الطائف تلقاه أهلها، فقالوا: مرحباً بابن عم رسول الله صلى الله
عليه وأله وسلم ! أنت والله أحب إلينا وأكرم علينا ممن أخرجك؛ هذه منازلنا
تخيرها، فانزل! منها حيث أحببت؛ فنزل منزلاً، فكان يجلس إليه أهل الطائف بعد
الفجر وبعد العصر، فيتكلم بينهم، كان يحمد الله ويذكر النبي صلى الله عليه وأله
وسلم والخلفاء بعده، ويقول: ذهبوا فلم يدعوا أمثالهم ولا أشباههم ولا من
يدانيهم؛ ولكن بقي أقوام يطلبون الدنيا بعمل الآخرة، ويلبسون جلود الضأن، تحتها
قلوب الذئاب والنمور، ليظن الناس أنهم من الزاهدين في الدنيا، يراءون الناس
بأعمالهم، ويسخطون الله بسرائرهم، فادعوا الله أن يقضي لهذه الأمة بالخير
والإحسان، فيولي أمرها خيارها وإبرارها. ويهلك فجارها واشرارها،. ارفعوا أيديكم
إلى ربكم وسلوه ذلك؛ فيفعلون. فبلغ ذلك ابن الزبير، فكتب إليه: أما بعد، فقد بلغني أنك تجلس بالطائف العصرين فتفتيهم
بالجهل، تعيب أهل العقل والعلم؛ وإن حلمي عليك، واستدامتي فيئك جراك علي، فاكفف-
لا أبا لغيرك- من غربك، وأربع على ظلعك ، واعقل إن كان لك معقول، وأكرم نفسك
فإنك إن تهنها تجدها على الناس أعظم هواناً، ألم
تسمع قول الشاعر:
وإني
اقسم بالله لئن لم تنته عما بلغني عنك لتجدن جانبي خشناً، ولتجدنني إلى ما يردعك
عني عجلاً، فر رأيك، فإن أشفي بك شقاؤك على الردى فلا تلم إلا نفسك. فكتب إليه ابن عباس: أما بعد، فقد بلغني كتابك، قلت: إني أفتى الناس بالجهل، وإنما يفتي بالجهل من
لم يعرف من العلم شيئا، وقد أتاني الله من العلم ما لم يؤتك، وذكرت أن حلمك عني،
واستدامتك فيئي جراني عليك، ثم قلت: اكفف من
غر بك، و أربع على ظلعك؛ وضربت لي الأمثال، أحاديث الضبع، متى رأيتني لعرامك
هائباً، ومن حدك ناكلاً ! وقلت: لئن لم تكفف
لتجدن جانبي خشناً، فلا أبقي الله عليك إن أبقيت، ولا أرعى عليك إن أرعيت! فو
الله لا أنتهي عن قول الحق، وصفة أهل العدل والفضل، وذم الأخسرين أعمالا، الذين
ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا؛ والسلام. قدم معاوية المدينة راجعا من حجة حجها، فكثر الناس عليه في
حوائجهم، فقال! لصاحب إبله: قدم إبلك ليلاً حتى أرتحل، ففعل ذلك، وسار ولم يعلم
بأمره إلا عبد الله بن الزبير، فإنه ركب فرسه وقفا أثره، ومعاوية نائم في هودجه، فجعل يسير
إلى جانبه، فانتبه معاوية وقد سمع وقع حافر الفرس، فقال: من صاحب الفرس؛ قال:
أنا أبو خبيب، لو قد قتلتك منذ الليلة! يمازحه، فقال
معاوية: كلا لست من قتلة الملوك،
إنما يصيد كل طائر قدره. فقال ابن الزبير:
إلي تقول هذا، وقد وقفت في الصف بازاء علي بن أبي
طالب، وهو من تعلم! فقال معاوية: لا جرم! إنه قتلك وأباك بيسري يديه، وبقيت يده
اليمنى فارغة يطلب من يقتله بها. فقال ابن الزبير: أما
والله ما كان ذاك إلا في نصر عثمان فلم نجز به، فقال
معاوية: خل هذا عنك، فو الله لولا شدة بغضك ابن أبي طالب لجررت برجل
عثمان مع الضبع. فقال ابن الزبير: افتعلتها يا معاوية! أما إنا فد أعطيناك عهداً، ونحن وافون
لك به ما دمت حياً، ولكن ليعلمن من بعدك، فقال
معاوية: أما والله ما أخافك إلا على نفسك، وكأني بك وأنت مشدود مربوط في
الأنشوطة، وأنت تقول: ليت أبا عبد الرحمن
كان حياً، وليتني كنت حياً يومئذ، فأحلك حلا رفيقا، ولبئس المطلق والمعتق
والمسنون عليه أنت يومئذ! دخل عبد الله بن الزبير على معاوية وعنده عمرو بن العاص، فتكلم
عمرو- وأشار إلى ابن الزبير- فقال: هذا والله يا أمير المؤمنين الذي غرته أناتك، وأبطره حلمك،
فهو ينزو في نشطته نزو العير في حبالته، كلما قمصته
الغلواء والشرة سكنت الأنشوطة منه النفرة، وأحر به أن يئول إلى القلة أو
الذلة، فقال ابن الزبير: أما والله يا بن العاص، لولا أن الإيمان ألزمنا
بالوفاء، والطاعة للخلفاء- فنحن لا نريد بذلك بدلاً، ولا عنه حولاً- لكان لنا
وله ولك شأن، ولو وكله القضاء إلى رأيك، ومشورة نظرائك لدافعناه بمنكب لا تئوده
المزاحمة، ولقاذفناه بحجر لا تنكؤه المزاحمة؛ فقال
معاوية: أما والله يا بن الزبير لولا إيثاري الأناة على العجل، والصفح
على العقوبة، وأني كما قال الأول:
إذا لقرنتك إلى سارية من سواري الحرم تسكن بها غلواءك،
وينقطع عندها طمعك، وتنقص من املك، ما لعلك قد لويته فشزرته، وفتلته فأبرمته . وايم الله إنك من ذلك لعلى شرف جرف بعيد الهوة، فكن على نفسك ولها،
فما توبق ولا تنقذ غيرها، فشأنك وإياها. فبلغ الخبر عبد الله بن العباس، فخرج مغضباً
ومعه ابنه حتى أتى المسجد، فقصد قصد المنبر فحمد الله وأثني عليه، وصلى على رسول
الله صلى الله عليه وأله وسلم ثم قال: أيها الناس، إن ابن الزبير يزعم أن لا أول لرسول صلى الله
عليه وأله وسلم ولا أخر، فيا عجباً كل العجب لافترائه ولكذبه! والله إن أول من
اخذ الإيلاف وحمي عيرات قريش لهاشم، وإن أول من سقي مكة عذباً، وجعل باب الكعبة
ذهباً لعبد المطلب، والله لقد نشأت ناشئتنا مع ناشئة قريش، وإن كنا لقالتهم إذا
قالوا، وخطباءهم إذا خطبوا، وما عد مجد كمجد أولنا، ولا كان في قريش مجد لغيرنا،
لأنها في كفر ماحق، ودين فاسق، وضلة وضلالة، في عشواء عمياء، حتى اختار الله
تعالي لها نوراً، وبعث لها سراجاً، فانتجبه طيباً من طيبين، لا يسبه بمسبة، ولا
يبغي عليه غائلة، فكان أحدنا وولدنا، وعمنا وابن عمنا . ثم إن أسبق السابقين
إليه منا وابن عمنا، ثم تلاه في السبق، أهلنا ولحمتنا واحداً بعد واحد. فقال ابن عباس لقائده
سعد بن جبير بن هشام موك بني أسد بن خزيمه: استقبل بي وجه ابن الزبير، وارفع من
صدري، وكان
ابن عباس قد كف بصره فاستقبل به قائدة وجه ابن الزبير، وأقام قامته فحسر عن
ذراعيه، ثم قال يا بن الزبير:
يا بن الزبير، أما العمى فإن الله تعالى يقول: "فإنها
لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور"، وأما فتياي في
القملة والنملة، فإن فيها حكمين لا تعلمها أنت ولا أصحابك. وأما حملي المال!
فإنه كان مالاً جبيناه فأعطينا كل ذي حق حقه، وبقيت بقية هي دون حقنا في كتاب
الله فأخذناها بحقنا. وأما
المتعة فسل أمك أسماء إذا نزلت عن بردي عوسجة.
وأما
قتالنا أم المؤمنين فبنا سميت أم المؤمنين لا بك
ولا بأبيك، فانطلق أبوك وخالك إلى
حجاب مده الله عليها، فهتكاه عنها، ثم
اتخذاها فتنة يقتلان دونها، وصانا حلائلهما في بيوتهما، فما انصفا الله ولا محمدأ من أنفسهما أن ابرزا زوجة نبيه وصانا
حلائلهما. وأما قتالنا إياكم فأنا لقينا
زحفاً، فإن كنا كفاراً فقد كفرتم بفراركم منا، وإن
كنا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم إيانا،
وأيم الله لولا مكان صفية فيكم، ومكان خديجة فينا، لما
تركت لبني أسد بن عبد العزي عظماً إلا كسرته.
وروي عثمان بن طلحة العبدري، قال: شهدت من ابن عباس رحمه الله مشهداً ما سمعته
من رجل من قريش، كان يوضع إلي جانب سريره مروان بن الحكم- وهو يومئذ أمير
المدينة- سرير أخر أصغر من سريره؛ فيجلس عليه عبد الله بن عباس إذا دخل،
وتوضع الوسائد فيما سوى ذلك،
فأذن مروان يوماً للناس، وإذا سرير أخر قد احدث تجاه سرير مروان فأقبل ابن عباس فجلس على سريره، وجاء عبد الله بن الزبير
فجلس على السرير المحدث، وسكت مروان والقوم، فإذا يد ابن الزبير تتحرك فعلم أنه
يريد أن ينطق ، ثم نطق فقال: إن ناساً
يزعمون أن بيعة أبي بكر كانت غلطاً وفلتة ومغالبة، ألا إن شأن أبي بكر أعظم من أن يقال فيه هذا، ويزعمون
أنه لولا ما وقع لكان الأمر لهم وفيهم، والله ما كان من أصحاب محمد صلى الله
عليه وأله وسلم أحد أثبت إيماناً، ولا أعظم سابقة من أبي بكر، فمن قال غير ذلك فعليه لعنة الله! فأين هم حين
عقد أبو بكر لعمر، فلم يكن إلا ما قال، ثم ألقي عمر حظهم في حظوظ، وجدهم في
جدود، فقسمت تلك الحظوظ، فأخر الله سهمهم، وأدحض جدهم ، وولي الأمر عليهم من كان
أحق به منهم، فخرجوا عليه خروج اللصوص على التاجر خارجاً من القرية، فأصابوا منه
غرة فقتلوه، ثم قتلهم الله به قتلة، وصاروا مطرودين تحت بطون الكواكب. خطب عبد الله بن الزبير
أيام يزيد بن معاوية فقال في خطبته: يزيد القرود، يزيد الفهود، يزيد الخمور، يزيد الفجور! أما والله لقد بلغني أنه لا يزال مخموراً يخطب الناس وهو
طافح في سكره، فبلغ ذلك يزيد بن معاوية، فما أمسى ليلته حتى جهز جيش
الحرة، وهو عشرون ألفاً، وجلس والشموع بين يديه، وعليه ثياب معصفرة، والجنود
تعرض عليه ليلاً، فلما أصبح خرج فأبصر الجيش، ورأي تعبيته فقال:
لما خرج الحسين عليه السلام من مكة إلى العراق ضرب عبد الله بن
عباس بيده على منكب أبن الزبير، وقال:
خلا الجو والله لك يا بن الزبير! وسار الحسين إلى العراق، فقال
ابن الزبير: يا بن عباس، والله ما ترون هذا الأمر إلا لكم، ولا ترون إلا
أنكم أحق به من جميع الناس، فقال ابن عباس:
إنما يري من كان في شك، ونحن من ذلك على يقين ولكن اخبرني عن نفسك، بماذا تروم
هذا الأمر؛ قال: بشرفي، قال: وبماذا شرفت إن
كان لك شرف؟ فإنما هو بنا، فنحن أشرف منك،
لأن شرفك منا، وعلت أصواتهما، فقال غلام من آل
الزبير: دعنا منك يا بن عباس، فوا لله لا
تحبوننا يا بني هاشم ولا نحبكم أبداً، فلطمه عبد
الله بن الزبير بيده وقال: أتتكلم وأنا حاضر! فقال
ابن عباس: لم ضربت الغلام، والله أحق بالضرب منه من مزق ومرق ، قال: ومن
هو؛ قال: أنت، قال: واعترض بينهما رجال من
قريش فأسكتوهما.
فقال معاوية: لقد شعرت بعدي يا أبا خبيب! وبينما هما في ذلك دخل معن بن
أوس المزني، فقال له معاوية: إيه! هل أحدثت بعدنا شيئاً؟ قال: نعم، قال: قل،
فأنشد هذه الأبيات، فعجب معاوية وقال لابن الزبير: ألم تنشدها لنفسك آنفاً!
فقال: أنا سويت المعاني، وهو ألف الألفاظ ونظمها، وهو بعد ظئري، فما قال من شيء
فهو لي- وكان ابن الزبير مسترضعاً في مزينة-
فقال معاوية: وكذبا ياً أبا حبيب! فقام عبد الله
فخرج. وجاء فجلس، فقام أخوه مصعب فالتزم الركن وقال: اللهم رب كل
شيء، وإليك مصير كل شيء، أسألك بقدرتك على كل شيء، ألا تميتني حتى إلي العراق،
وأتزوج سكينة بنت الحسين بن علي، ثم جاء فجلس. فقام
عبد الملك فالتزم الركن وقال:
اللهم رب السموات السبع، والأرض ذات النبت والقفر، أسألك بما سألك به المطيعون
لأمرك، وأسألك بحق وجهك، وبحقك على جميع خلقك، ألا تميتني حتى ألي شرق الأرض
وغربها، لا ينازعني أحد إلا ظهرت عليه، ثم جاء فجلس. فقام عبد الله بن عمر فأخذ بالركن وقال: يا رحمن يا رحيم، أسألك برحمتك التي
سبقت غضبك، وبقدرتك على جميع خلقك، ألا تميتني حتى توجب لي الرحمة. وروي الزبير بن بكار في
كتاب أنساب قريش قال:
قد وفد من العراق على عبد الله بن الزبير،
فأتوه في المسجد الحرام، فسلموا عليه، فسألهم عن
مصعب أخيه وعن سيرته فيهم، فاثنوا عليه، وقالوا خيراً، وذلك في يوم جمعة،
فصلى عبد الله بالناس الجمعة، ثم صعد المنبر، فحمد
الله ثم تمثل:
أيها
الناس، إني قد سألت هذا الوفد من أهل العراق عن عاملهم مصعب بن الزبير فأحسنوا
الثناء عليه، وذكروا عنه ما احب، ألا إن مصعباً اطبى القلوب حتى لا تعدل به،
والأهواء حتى لا تحول عنه، واستمال الألسن بثنائها، والقلوب بنصائحها، والأنفس
بمحبتها وهو المحبوب في خاصته، المأمون في عامته، بما أطلق الله به لسانه من
الخير وبسط به يديه من البذل، ثم نزل. ألا
إن أهل العراق، أهل الغدر والنفاق، أسلموه وباعوه بأقل الثمن، فإن يقتل المصعب فأنا لله وأنا إليه راجعون! ما
نموت جبحاً كما يموت بنو العاص، ما نموت إلا قتلاً، قعصاً بالرماح، وموتاً تحت
ظلال السيوف، ألا إنما الدنيا عارية من الملك الأعلى الذي لا يزول سلطانه ولا
يبيد، فإن تقبل الدنيا علي لا آخذها أخذ الأشر البطر، أن تدبر عني لا أبكي عليها
بكاء الخرف المهتر، وإن جهلك المصعب فإن في آل الزبير لخلفاً. ثم نزل.
وروي أبو العباس في الكامل أن عروة لما صلب عبد الله جاء إلى عبد
الملك فوقف ببابه، وقال للحاجب: اعلم أمير المؤمنين أن أبا عبد الله بالباب، فدخل الحاجب
فقال: رجل يقول قولا عظيماً، قال: وما هو؟ فتهيب، فقال: قل. قال: رجل يقول: قل
لأمير المؤمنين: أبو عبد الله بالباب، فقال عبد الملك: قل لعروة يدخل، فدخل
فقال: تأمر بإنزال جيفة أبي بكر فإن النساء يجزعن، فامر بإنزاله. قال: وقد كان كتب
الحجاج إلى عبد الملك يقول: أن خزائن عبد الله عند عروة، فمره فليسقمها؛
فدفع عبد الملك إلى عروة، وظن أنه يتغير، فلم يحفل بذلك كأنه ما قرأه، فكتب عبد
الملك إلى الحجاج ألا يعرض لعروة.
دخل عبد الله بن الزبير على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين، لا تدعن مروان يرمي جماهير قريش بمشاقصه ، ويضرب صفاتهم
بمعوله. أما والله، إنه لولا مكانك لكان أخف
على رقابنا من فراشة، وأقل في أنفسنا من خشاشة ، وأيم الله لئن ملك أعنة خيل
تنقاد له لتركبن منه طبقاً تخافه. فقال معاوية: إن يطلب مروان هذا الأمر فقد طمع فيه من هو دونه، وإن يتركه
يتركه لمن فوقه، وما أراكم بمنتهين حتى يبعث الله عليكم من لا يعطف عليكم
بقرابة، ولا يذكركم عند ملمة، يسومكم خسفأ، ويسوقكم عسفاً.
فاطرق ابن الزبير ساعة ينكت في الأرض، ثم رفع رأسه وقال:
فقال عمرو:
والله يا بن الزبير إنك ما علمت لمتجلبحب جلابيب الفتنة، متآزر بوصائل التيه،
تتعاطى الذرا الشاهقة، والمعالي الباسقة، وما أنت من قريش في لباب جوهرها ولا
مؤنق حسبها! فقال ابن الزبير:
أما ما ذكرت من تعاطي الذرا فإنه طال بي إليها وسما ما لا يطول بك مثله:
انف حمي، وقلب ذكي، وصارم مشرفي، في اليد فارع ، وطريف مانع، إذ قعد بك انتفاخ
سحرك ، ووجيب قلبك . وأما ما ذكرت من
أني لست من قريش في لباب جوهرها، ومؤنق حسبها، فقد أحضرتني وإياك الأكفاء
العالمون بي وبك، فأجعلهم بيني وبينك فقال القوم:
قد أنصفك يا عمرو، قال: قد فعلت.
أما والله يا بن العاص، لو أن الذي أمرك بهذا واجهني بمثله لقصرت
إليه من سامي بصره، ولتركته يتلجلج لسانه، وتضطرم النار في جوفه، ولقد استعان
منك بغير واف ولجأ إلى غير كاف، ثم قام فخرج. وذكر المسعودي في كتاب مروج الذهب أن الحجاج لما حاصر ابن الزبير
لم يزل يزحف حتى ملك الجبل المعروف بأبي قبيس، وقد كان بيد ابن الزبير، فكتب بذلك إلى عبد
الملك، فلما قرأ كتابه كبر و كبر من كان في داره حتى اتصل التكبير بأهل
السوق،
فكبروا، وسأل الناس ما الخبر؛ فقيل لهم: إن الحجاج حاصر ابن الزبير بمكة، وظفر
بأبي قبيس، فقال الناس: لا نرضي حتى يحمل
أبو خبيب إلينا مكبلاً على رأسه برنس، راكب جمل، يطاف به في الأسواق، تراه
العيون.
وقال
فيه أيضاً:
وقال
فيه شاعر أيضاً، لما كانت الحرب بينه وبين الحصين بن نمير قبل أن يموت يزيد بن
معاوية:
وقال
الضحاك بن فيروز الديلمي:
قال:
هو عمرو بن الزبير أخوه، ضربه عبد الله حتى مات وكان مبايناً له . ثم إن عبد الله جمع بني هاشم كلهم في سجن عارم، وأراد أن يحرقهم بالنار، وجعل في فم
الشعب حطباً كثيراً، فأرسل المختار أبا عبد الله
الجدلي في أربعة آلاف، فقال أبو عبد الله
لأصحابه: ويحكم! إن بلغ أبن الزبير الخبر
عجل على بني هاشم فأتى عليهم، فانتدب هو نفسه في ثمانمائة فارس جريدة ، فما شعر
بهم ابن الزبير إلا والرايات تخفق بمكة، فقصد قصد الشعب، فأخرج الهاشميين منه،
ونادي بشعار محمد بن الحنفية، وسماه المهدي، وهرب ابن الزبير، فلاذ بأستار
الكعبة، فنهاهم محمد بن الحنفية عن طلبه وعن الحرب، وقال: لا أريد
الخلافة إلا إن طلبني الناس كلهم، واتفقوا علي
كلهم، ولا حاجة لي في الحرب .
قال: ابن الكاهلية هو عبد الله بن الزبير، والكاهلية هذه هي أم
خويلد بن أسد بن عبد العزي، وأسمها زهرة بنت عمرو بن خنثر بن روينة بن هلال، من
بني كاهل بن أسد بن خزيمة- قال: فقال عبد الله بن الزبير لما
بلغه الشعر: علم أنها شر أمهاتي فعيرني بها، وهي خير عماته. الأصل: وقال عليه السلام: ما لابن أدم والفخر! أوله
نطفة، وأخره جيفة. لا يرزق نفسه، ولا يدفع حتفه. الشرح:
قد تقدم كلامنا في الفخر، وذكرنا الشعر الذي أخذ من هذا الكلام، وهو قول القائل:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض ما قيل في الفخر وقبحه،
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقال بعض الحكماء: الفخر هو المباهاة بالأشياء الخارجة عن الإنسان، وذلك نهاية
الحمق لمن نظر بعين عقله، وانحسر عنه قناع جهله، فأعراض الدنيا عارية مستردة، لا
يؤمن في كل ساعة أن ترتجع، والمباهي بها مباه بما في غير ذاته. وأيضاً فإن الأعراض الدنيوية كما قيل: سحابة صيف عن قليل تقشع، وظل زائل عن
قريب يضمحل، كما قال الشاعر:
بل
كما قال تعالى: "إنما مثل الحياة الدنيا كماء
أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت
الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً
فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس " . |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مع بن أبي طالب حول أشعر الشعراء
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الشرح :
قرأت في أمال ابن دريد، أخبرنا الجرموزي، عن ابن المهلبي، عن ابن الكلبي، عن
شداد بن إبراهيم، عن عبيد الله بن الحسن العنبري، عن ابن عرادة، قال: كان علي بن أبي طالب عليه السلام يعشي الناس في
شهر رمضان باللحم ولا يتعشي معهم، فإذا فرغوا خطبهم ووعظهم، فأفاضوا ليلة في
الشعراء وهم على عشائهم، فلما فرغوا خطبهم عليه
السلام وقال في خطبته: اعلموا أن ملاك أمركم الذين، وعصمتكم التقوى،
وزينتكم الأدب، وحصون أعراضكم الحلم، ثم قال: قل يا أبا الأسود فيم كنتم تفيضون
فيه؟ أي الشعراء أشعر؛ فقال: يا أمير المؤمنين الذي يقول:
يعني أبا دواد الأيادي، فقال عليه السلام: ليس به، قالوا: فمن يا أمير
المؤمنين؟ فقال: لو رفعت للقوم غاية فجروا إليها معا علمنا من السابق منهم، ولكن
إن يكن فالذي لم يقل عن رغبة ولا رهبة. قيل: من هويا
أمير المؤمنين؛ قال: هو الملك الضليل ذو القروح، قيل: امرؤ القيس يا أمير
المؤمنين؟ قال: هو. قيل:
فأخبرنا عن ليلة القدر؛ قال: ما أخلو من أن أكون أعلمها فاستر علمها، ولست أشك
أن الله إنما يسترها عنكم نظراً لكم، لأنه لو أعلمكموها عملتم فيها وتركتم
غيرها، وأرجو أن لا تخطئكم إن شاء الله. انهضوا
رحمكم الله. وخروج: سابق. والغاية
بالغين المعجمة: الراية، قال الشاعر:
ويروي
قول الشماخ:
بالغين، والراء أكثر. فأما البيت الأول فبالغين لا غير، أنشده الخليل في
عروضه، وفي حديث طويل في الصحيح: " فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية
اثنا عشر ألفاً ". والميعة: أول جري الفرس، وقيل: الجري بعد الجري. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اختلاف العلماء في تفضيل بعض الشعراء علي بعض،
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وأنا أذكر في هذا الموضع ما اختلف فيه العلماء من تفضيل بعض الشعراء على بعض،
وأبتدئ في ذلك بما ذكره أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني في كتاب
الأغاني. قال ابن عباس: فقلت له: أولم يعتذر إليك؟ قال: بلى، قلت: فهو ما اعتذر به. قال: ثم أنشأ يحدثني فقال: إن أول من راثكم عن هذا
الأمر أبو بكر، إن قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوة. قال أبو الفرج:
ثم ذكر قصة طويلة ليست من هذا الباب، فكرهت ذكرها ثم
قال: يا بن عباس، هل تروي لشاعر الشعراء؛
قلت: ومن هو؟ قال: ويحك! شاعر الشعراء، الذي يقول:
فقلت: ذاك زهير، فقال: ذاك شاعر الشعراء، قلت: وبم كان شاعر الشعراء؟ قال: إنه
كان لا يعاظل الكلام، ويتجنب وحشيه، ولا يمدح أحداً إلا بما فيه.
قال ابن سلام:
وأخبرني أبو قيس العنبري- ولم أر بدويأ يفي به- عن عكرمة بن جرير، قال: قلت
لأبي: يا أبت، من أشعر الناس؟ قال: أعن أهل الجاهلية تسألني، أم عن أهل الإسلام؟
قال: قلت: ما أردت إلا الإسلام، فإذا كنت قد ذكرت الجاهلية فأخبرني عن أهلها، فقال: زهير أشعر أهلها، قلت:
فالإسلام؛ قال: الفرزدق نبعة الشعر، قلت: فالأخطل،
قال: يجيد مدح الملوك، ويصيب وصف الخمر، قلت: فما
تركت لنفسك؟ قال: إني نحرت الشعر نحراً. قال: وأخبرني الحسن بن
علي قال: أخبرنا الحارث بن عمد عن المدائني، عن عيسي بن يزيد، قال: سأل معاوية الأحنف عن أشعر الشعراء؟
فقال: زهير، قال: وكيف ذاك، قال؛ ألقي على المادحين فضول الكلام، وأخذ خالصه
وصفوته، قال: مثل ماذا؟ قال؛ مثل قوله:
قال:
وأخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا عبد الله بن عمرو
القيسي قال: حدثنا خارجة بن عبد الله بن أبي سفيان، عن أبيه، عن ابن عباس قال:
خرجت مع عمر في أول غزاة غزاها، فقال لي ليلة: يا
بن عباس، أنشدني لشاعر الشعراء، قلت: من هو؟
قال: ابن أبي سلمي. قلت: ولم صار كذلك؛ قال: لأنه لا يتبع حوشي الكلام، ولا
يعاظل في منطقه، ولا يقول إلا ما يعرف، ولا يمدح الرجل إلا بما فيه، أليس هو
الذي يقول:
قال:
أي لا يحتاج إلى أن يجلد الفرس بالسوط.
أنشدني له:
فأنشدته حتى برق الفجر، فقال: حسبك الآن، اقرأ القرآن. قلت: ما أقرأ؟ قال:
الواقعة، فقرأتها، ونزل فأذن وصلى. وقال محمد بن سلام في كتاب "طبقات الشعراء": دخل الحطيئة على سعيد بن العاص
متنكراً، فلما قام الناس وبقي الخواص أراد الحاجب أن يقيمه، فأبي أن يقوم، فقال
سعيد دعه، وتذاكروا أيام العرب وأشعارها، فلما أسهبوا قال الحطيئة: ما صنعتم
شيئاً، فقال سعيد: فهل عندك علم من ذلك؟ قال: نعم،
قال: فمن أشعر العرب؟ قال: الذي يقول:
قال:
ثم من؛ قال: الذي يقول:
يعني زهيراً، ثم النابغة، ثم قال: وحسبك بي إذا وضعت إحدى رجلي على الأخرى، ثم عويت في إثر القوافي
كما يعوي الفصيل في أثر أمه! قال: فمن أنت؟ قال: أنا الحطيئة، فرحب به سعيد،
وأمر له بألف دينار.
فأما القول في النابغة الذبياني فإن أبا الفرج الأصفهاني قال في
كتاب الأغاني:
كنيته النابغة أبو أمامه، واسمه زياد بن معاوية، ولقب بالنابغة لقوله :
وهو
أحد الأشراف الذين غض الشعر منهم ، وهو من الطبقة الأول المقدمين على سائر
الشعراء.
قلنا: النابغة، قال: ذاك أشعر شعرائكم . قال: حدثني أحمد وحبيب،
عن عمر بن شبة، قال:
حدثنا عبيد بن جناد، قال: حدثنا معن بن عبد الرحمن، عن عيسي بن عبد الرحمن
السلمي، عن جده، عن الشعبي قال: قال عمر يوماً:
من أشعر الشعراء؟ فقيل له: أنت أعلم يا أمير المؤمنين؛ قال:
من الذي يقول:
قالوا:
النابغة؛ قال: فمن الذي يقول:
قالوا:
النابغة؛ قال: فمن الذي يقول:
قالوا:
النابغة، قال: فهو أشعر العرب .
يعني
النابغة .
فقال:
لولا أن أبا بصير- بعني الأعشى- أنشدني آنفاً لقلت: إنك أشعر الإنس والجن. فقام حسان بن
ثابت فقال: أنا والله أشعر منها ومنك ومن أبيك، فقال له النابغة: يا بن
أخي، أنت لا تحسن أن تقول:
قال: فخنس حسان لقوله .
فلم
يجد فيهم من يرويه، فاقبل علي وقال: أترويه؟ قلت:
نعم، فأنشدته القصيدة كلها، فقال: هذا أشعر العرب.
ربع
البيت يغنيك عن غيره، فل وتمثلت به لم تحتج إلى غيره.
قال:
هي إمامة أم عمرو الأصغر بن المنذر بن آمرىء القيس بن النعمان بن الشقيقة:
والشعر للنابغة، فالتفت إلي الأخطل فقال: إن أمير المؤمنين إنما سألني عن
أشعر أهل زمانه، ولو سألني عن أشعر أهل الجاهلية كنت حرياً أن أقول كما قلت أو
شبيها به، فقلت في نفسي: ثلاث على وافد أهل العراق. قال أبو الفرج:
وقد وجدت هذا الخبر أتم من هذه الرواية، ذكره أحمد بن الحارث الخراز في كتابه، عن المداثني، عن عبد الملك بن مسلم، قال: كتب عبد
الملك بن مروان إلى الحجاج: إنه ليس شيء من لذة الدنيا إلا وقد أصبت منه، ولم
يبق عندي شيء ألذ من مناقلة الإخوان الحديث، وقبلك عامر الشعبي فابعث به إلي،
فدعا الحجاج الشعبي، فجهزه وبعث به إليه، وقرظه واطراه في كتابه، فخرج الشعبي حتى إذا كان بباب عبد الملك قال للحاجب:
استأذن لي، قال: من أنت؟ قال: أنا عامر الشعبي قال: يرحمك الله، قال: ثم نهض
فأجلسني على كرسيه، فلم يلبث أن خرج إلي فقال: ادخل يرحمك الله، فدخلت، فإذا عبد
الملك جالس على كرسي، وبين يديه رجل أبيض الرأس واللحية، جالس على كرسئ، فسلمت،
فرد علي السلام، فأومأ إلي بقضيبه، فجلست عن يساره، ثم أقبل على ذلك الإنسان
الذي بين يديه فقال له: من أشعر الناس؟
فقال: أنا يا أمير المؤمنين، قال الشعبي:
فأظلم ما بيني وبين عبد الملك، فلم أصبر أن قلت: ومن هذا الذي يزعم أنه أشعر
الناس يا أمير المؤمنين؟ فعجب عبد الملك من عجلتي قبل
أن يسألني عن حالي، فقال: هذا الأخطل؛
فقلت: يا أخطل: أشعر والله منك الذي يقول:
الأبيات... قال: فأقبل عبد
الملك على الأخطل فقال له: أتحب أن لك قياضاً بشعرك شعر أحد من العرب، أم
تحب أنك قلته؛ قال: لا والله يا أمير المؤمنين إلا أني وددت أني كنت قلت أبياتاً
قالها رجل منا، ثم أنشده قول القطامي:
قال الشعبي: فقلت: قد قال القطامي أفضل من هذا، قال: وما قال؛ قلت: قال:
إلى
أخرها ، فقال عبد الملك: ثكلت القطامي أمه!
هذا والله الشعر، قال: فالتفت إلي الأخطل فقال:
يا شعبي، إن لك فنوناً في الأحاديث، وإنما لي فن واحد فإن رأيت ألا تحملني على
أكتاف قومك فأدعهم حرضاً! فقلت: لا أعرض لك
في شيء من الشعر أبداً، فأقلني هذه المرة، فقال:
من يتكفل بك؟ قلت: أمير المؤمنين، فقال عبد الملك: هو علي أنه لا يعرض لك أبداً،
ثم قال عبد الملك: يا شعبي، أي نساء الجاهلية أشعر؛
قلت: الخنساء، قال: ولم فضلتها على غيرها؛ قلت:
لقولها:
فقال
عبد الملك: أشعر منها والله التي تقول :
قال: ثم تبسم عبد الملك وقال: لا يشق عليك يا شعبي، فإنما أعلمتك هذا لأنه بلغني أن أهل
العراق يتطاولون على أهل الشام، ويقولون: إن
كان غلبونا على الدولة فلم يغلبونا على العلم والرواية، وأهل الشام أعلم بعلم
أهل العراق من أهل العراق، ثم ردد علي أبيات ليلي حتى حفظتها، ثم لم أزل عنده
أول داخل وأخر خارج، فكنت كذلك سنين، وجعلني في ألفين من العطاء، وجعل عشرين
رجلاً من ولدي وأهل بيتي في ألف ألف، ثم بعثني إلى
أخيه عبد العزيز بمصر، وكتب إليه: يا أخي، قد بعثت إليك بالشعبي، فانظر
هل رأيت قط مثله ! قال أبو الفرج الأصفهاني في ترجمة أوس بن حجر: إن أبا عبيدة
قال: كان أوس شاعر مضر حتى أسقطه النابغة، قال: وقد
ذكر الأصمعي أنه سمع أبا عمرو بن العلاء يقول: كان أوس بن حجر فحل العرب، فلما
نشأ النابغة طأطأ منه .
يقول:
هذه النفس تكلفني ألا يحدث لها الدهر هماً ولا حزناً، وذلك مما لم يستطعه أحد
قبلي.
كان
الملك منهم إذا مرض حمل على نعش وطيف به على أكتاف الرجال بين الحيرة والخورنق
والنجف، ينزهونه.
أي
لا آتيك حتى يثبت عندك أني غير مجرم.
أي
سأمسك لساني عن هجائك وإن كنت بالشام في هذين الواديين البعيدين عنك.
يقول:
أنا لا أهجرك وإن كنت من المنعة والعصمة على هذه الصفة.
فجعل أبو جعفر رحمه الله يهتز و يطرب، ثم قال: والله لو مزجت هذه القصيدة بشعر
البحتري لكادت تمتزج لسهولتها وسلامة ألفاظها، وما عليها من الديباجة والرونق. من يقول: إن امرأ القيس وزهيراً أشعر من هذا! هلموا فليحاكموني. فأما
امرؤ القيس بن حجر، فقال محمد بن سلام
الجمحي في كتاب "طبقات الشعراء" أخبرني يونسي بن حبيب أن علماء
البصرة كانوا يقدمونه على الشعراء كلهم، وأن أهل الكوفة كانوا يقدمون الأعشى،
وأن أهل الحجاز والبادية يقدمون زهيراً والنابغة.
قال: وأخبرني أبان بن عثمان البجلي، قال: مر لبيد بالكوفة في بني نهد، فاتبعوه
رسولاً يسأله: من أشعر الناس؟ فقال: الملك الضليل.
فأعادوه إليه، فقال: ثم من؟ فقال: الغلام القتيل-
يعني طرفة بن العبد- وقال غير أبان: قال: ثم ابن العشرين، قال: ثم من؟ قال: الشيخ أبوعقيل
يعني نفسه.
قال:
فما زال يذهب به ظليمه ويجيء حتى أنست به وعلمت أنه ليس بإنسي فقلت: يا هذا، من
أشعر العرب؟ قال: الذي يقول:
يعني
امرأ القيس، قلت: ثم من؟ قال: الذي يقول:
ثم
ذهب به ظليمه فلم أره. وقد سئل خلف الأحمر
من أشعر الناس؟ فقال: ما ينتهي إلى واحد يجمع عليه كما لانتهى إلى واحد هو أشجع
الناس، ولا أخطب الناس، ولا أجمل الناس، فقيل له: يا أبا محرز فأيهم أعجب إليك؟
فقال: الأعشى كان أجمعهم. ويقول:
نظيره في الإسلام جرير، ونظير النابغة الأخطل، ونظير زهير الفرزدق.
وقوله:
وقوله اللامية الأولى :
وقوله
:
وفي شعر امريء القيس من هذا الفن كثير، فمن أراده فليطلبه من
مجموع شعره.
ولمظ
الرجل يلمظ بالضم لمظا، إذا تتبع بلسانه بقية الطعام في فمه وأخرج لسانه فمسح به
شفتيه، وكذلك التلمظ، يقال: تلمظت الحية إذا أخرجت لسانها كما يتلمظ الآكل.
ثم قال: إنه ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة، فلا تبيعوها إلا
بها، من الناس من يبيع نفسه بالدراهم والدنانير، ومن الناس من يبيع نفسه بأحقر
الأشياء وأهونها، ويتبع هواه فيهلك، وهؤلاء في الحقيقة أحمق الناس، إلا أنه قد
رين على القلوب ، فغطتها الذنوب، أظلمت الأنفس بالجهل وسوء العادة، وطال الأمد
أيضاً على القلوب فقست، ولو فكر الإنسان حق الفكر لما باع نفسه إلا بالجنة لا
غير. والنهم بالفتح: إفراط الشهوة في الطعام، تقول منه: نهمت إلى
الطعام بكسر الهاء أنهم فأنا نهم، وكان في القرآن آية أنزلت ثم رفعت: "لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغي لهما ثالثا،
ولا يملا عين ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب ". مات أبو عثمان الجاحظ والكتاب على صدره وكان
شيخنا أبو علي رحمه الله
في النزع وهو يملي على ابنه أبي هاشم
مسائل في علم الكلام. وكان
القاضي أحمد بن أبيدواد
يأخذ الكتاب في خفه وهو راكب، فإذا جلس في دار الخليفة اشتغل بالنظر فيه إلى أن
يجلس الخليفة، ويدخل إليه. وقيل: ما فارق ابن أبي دواد الكتاب قط إلا في الخلاء. وأعرف
أنا في زماننا من مكث نحو خمس سنين لا ينام إلا وقت السحر صيفاً وشتاًء مكباً
على كتاب صنفه، وكانت وسادته التي ينائم عليها الكتاب.
وينبغي
أن يكون هذا الحكم مقيداً لا مطلقا، لأنه إذا أضر الصدق ضرراً عظيماً يؤدي إلى
تلف النفس أو إلى قطع بعض الأعضاء لم يجز فعله صريحاً، ووجبت المعاريض حينئذ. قوله:
"وأن تتقي الله في حديث غيرك "، أي في نقله وروايته فترويه كما سمعته
من غير تحريف.
وقال أبو تمام:
وقال أخر:
الأصل: وقال عليه السلام: الحلم والأناة توءمان، ينتجهما علو الهمة.
وقال أرباب المعاني: علمنا الله تعالى فضيلة الأناة بما حكاه عن سليمان: "سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ". وكان
يقال: الأناة حصن السلامة، والعجلة مفتاح الندامة، وكان
يقال: التأني مع الخيبة، خير من التهور مع النجاح، وقال الشاعر:
وقال من كره الأناة وذمها: لو كانت الأناة محمودة والعجلة مذمومة، لما قال موسى لربه:
"وعجلت إليك رب لترضي". وأنشدوا:
وقال
أخر:
الأصل: وقال عليه السلام: الغيبة جهد العاجز.
وقد
نظمت أنا كلمة الأحنف فقلت:
الأصل: وقال عليه السلام: رب مفتون بحسن القول فيه. الشرح:
طالما فتن الناس بثناء الناس عليهم، فيقصر العالم في اكتساب العلم اتكالا على
ثناء الناس عليه، ويقصر العابد في العبادة اتكالا على ثناء الناس عليه، ويقول كل
واحد منهما: إنما أردت ما اشتهرت به للصيت، وقد حصل، فلماذا أتكلف الزيادة،
أعاني التعب! وأيضاً فإن ثناء الناس على الإنسان يقتضي اعتراء العجب له، وإعجاب
المرء بنفسه مهلك. واعلم أن الرضي رحمه
الله قطع كتاب نهج البلاغة على هذا الفصل، وهكذا وجدت النسخة بخطه وقال:
"هذا حين انتهاء الغاية بنا إلى قطع المنتزع من كلام أمير المؤمنين عليه
السلام ، حامدين لله سبحانه على ما من به من توفيقنا لضم ما انتشر من أطرافه
وتقريب ما بعد من أقطاره، مقررين العزم كما شرطنا أولا على تفضيل أوراق من
البياض في أخر كل باب من الأبواب، لتكون لاقتناص الشارد، واستلحاق الوارد، وما
عساه أن يظهر لنا بعد الغموض، ويقع إلينا بعد الشذوذ، وما توفيقنا إلا بالله،
عليه توكلنا، وهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولي ونعم النصير".
الأصل: وقال عليه السلام؛ إن لبني أمية مرودا يجرون فيه، ولو قد اختلفوا فيما بينهم
ثم لو كادتهم الضباع لغلبتهم. وقد تقدم القول في مدح الأنصار، ولو لم يكن إلا قول رسول الله
صلى الله عليه وأله وسلم فيهم:
"إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلون عند الطمع "، ولو لم يكن إلا ما قاله
لعامر بن الطفيل فيهم لما قال له: "لأغزونك في كذا وكذا من الخيل "
يتوعده، فقال عليه السلام: "يكفي الله
ذلك وأبناء قيلة"، لكان فخراً لهم وهذا عظيم جداً وفوق العظيم، ولا ريب
أنهم الذين أيد الله بهم الدين، وأظهر بهم الإسلام بعد خفائه، ولولاهم لعجز
المهاجرون عن حرب قريش والعرب، وعن حماية رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم،
ولولا مدينتهم لم يكن للإسلام ظهر
يلجئون عليه، ويكفيهم فخراً يوم حمراء الأسد، يوم خرج بهم رسول الله صلى الله
عليه وأله وسلم إلى قريش بعد انكسار أصحابه، وقتل من قتل منهم، وخرجوا نحو القوم
والجراح فيهم فاشية، ودماؤهم تسيل، وإنهم مع ذلك كالأسد الغراث تتواثب على
فرائسها، وكم لهم من يوم أغر محجل! وقالت الأنصار:
لولا علي بن أبي طالب عليه السلام في المهاجرين لأبينا لأنفسنا أن يذكر
المهاجرون معنا، أو أن يقرنوا بنا، ولكن رب واحد كألف، بل كالوف.
وهذا
إفراط قبيح، ولفظ شنيع، والواجب أن يصان قدر النبوة عنه، وخصوصاً البيت الأخير،
فإنه قد أساء فيه الأدب، وقال ما لا يجوز قوله، وخالد بن سنان كان من بني عبس بن
بغيض، من قيس عيلان، ادعي النبوة، وقيل: إنه كانت تظهر عليه آيات ومعجزات، ثم
مات وانقرض دينه ودثرت دعوته، ولم يبق إلا أسمه، وليس يعرفه كل الناس، بل البعض
منهم. وهذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبي صلى الله عليه وأله ، وقد رواه قوم لأمير المؤمنين عليه السلام، وذكر
ذلك المبرد في الكتاب المقتضب في باب اللفظ المعروف . |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض ما ورد في الكنايات وبعض الشواهد عليها،
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقد كنا قدمنا قطعة صالحةً من الكنايات المستحسنة، ووعدنا أن
نعاود ذكر طرف منها، وهذا الموضع موضعه، فمن الكناية عن الحدث الخارج- وهو الذي كني عنه أمير
المؤمنين عليه السلام ، أو رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم- الكناية التي
ذكرها يحمي أن زياد في شعره، قيل: إن يحيي بن زياد ومطيع بن أيأس، وحماداً
الراوية جلسوا على شرب لهم، ومعهم رجل منهم، فانحل وكاؤه، فاستحيا وخرج، ولم يعد
إليهم، فكتب إليه يحيي بن زياد.
وليس
هذا الكتاب أهلاً أن يضمن حكاية سخيفة أو نادرة خليعة، فنذكر فيه ما جاء في هذا
المعنى، وإنما جرانا على ذكر هذه الحكاية خاصة كناية أمير المؤمنين رضي الله عنه
أو رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، ولكنا نذكر كنايات كثيرة في غير هذا
المعنى مستحسنة، ينتفع القارىء بالوقوف عليها.
وقال
العباس بن الأحنف:
ويقولون
للجارية الحسناء: قد أبقت من رضوان، قال الشاعر:
ويقولون
للمكشوف الأمر الواضح الحال: ابن جلا، وهو كناية عن الصبح ومنه ما تمثل به
الحجاج:
ومنه
قول القلاخ بن حزن:
ومنه
قولهم: فلان قائد الجمل لأنه لا يخفى لعظم الجمل وكبر جثته، وفي المثل: ما استتر
من قاد جملاً، وقالوا: كفى برغائها نداءً، ومثل هذا قولهم: ما يوم حليمة بسر
يقال ذلك في الأمر المشهور الذي لا يستر، ويوم حليمة يوم التقى المنذر الأكبر
والحارث الغساني الأكبر. وهو أشهر أيام العرب، يقال:
إنه ارتفع من العجاج ما ظهرت معه الكواكب نهاراً، وحليمة: اسم امرأة أضيف اليوم
إليها، لأنها أخرجت إلى المعركة مراكن الطيب، فكانت تطيب بها الداخلين إلى
القتال، فقاتلوا حتى تفانوا.
أي
أقوده من الكبر إلى موضع مرتفع لأركبه لضعفي، ومثل ذلك كنايتهم عن الشيخ الضعيف
بالعاجن، لأنه إذا قام عجن في الأرض بكفيه، قال الشاعر:
قالوا:
الكنتي الذي يقول كنت أفعل كذا، وكنت أركب الخيل، يتذكر ما مضى من زمانه، ولا
يكون ذلك إلا عند الهرم أو الفقر والعجز.
والركوع:
هو التطأطؤ والإنحناء بعد الإعتدال والإستواء، ويقال للإنسان إذا انتقل من
الثروة إلى الفقر: قد ركع قال:
وفي
هذا المعنى قال الشاعر:
ومثله
أيضا:
تروح
الشجر: إذا انفطر بالنبت، يقول: إن كان فقيراً فقد يستغني، كما أن الشجر الذي لا
ورق عليه سيكتسي ورقاً، ويقال: ركع الرجل، أي سقط.
وكما
يشبهون الشيخ بالراكع فيكنون به عنه، كذلك يقولون: يحجل في قيده لتقارب خطوه،
قال أبو الطمحان القيني:
ونحو
هذا قولهم للكبير: بدت له الأرنب، وذلك أن من يختل الأرنب ليصيدها يتمايل في
مشيته، وانشد ابن الأعرابي في النوادر:
ونحوه يقولون للكبير: قيد بفلان البعير، أي لا قوة ليده على أن يصرف البعير تحته
على حسب إرادته، فيقوده قائد يحمله حيث يريد. وقال
الشاعر:
وزاحم شاب شيخا في طريق فقال الشاب: كم ثمن القوس؟ يعيره بانحناء الظهر، فقال الشيخ: يابن أخي: إن طال بك عمر فسوف تشتريها بلا
ثمن. وأنشد لابن خلف:
ويقولون لمن رشا القاضي أو غيره: صب في قنديله زيتاً، وأنشد:
وكان أبو صالح كاتب الرشيد ينسب إلى أخذ الرشا، وكان كاتب أم جعفر وهو سعدان بن يحيى
كذلك، فقال لها الرشيد يوماً: أما سمعت ما قيل في كاتبك؟ قالت: ما هو؟ فأنشدها:
قالت:
فما قيل في كاتبك أشنع، وأنشدته:
ويقولون لمن طفق ثلاثاً: قد نحرها بمثلثة.
وأشار
بالعظامي إلى فخره بالأموات من آبائه ورهطه، وقال الشاعر:
ونحو هذا أن عبد الله بن زياد بن ظبيان التميمي دخل على أبيه وهو
يجود بنفسه فقال:
ألا أوصي بك الأمير؟ فقال: إذا لم يكن للحي إلا وصية الميت فالحي هو الميت، ويقال: إن عطاء بن أبي
سفيان قال ليزيد بن معاوية: أغنني عن غيرك، قال: حسبك ما أغناك به معاوية، قال فهو إذن الحي وأنت الميت، ومثل قولهم: عظامي قولهم:
خارجي، أي يفخر بغير أولية كانت له، قال كثير لعبد العزيز:
ويكنون عن العزيز وعن الذليل أيضأ فيقولون: بيضة البلد، فمن يقولها للمدح يذهب
إلى أن البيضة هي الحوزة والحمى، يقولون: فلان
يحمي بيضته، أي يحمي حوزته وجماعته، ومن يقولها للذم يعني أن الواحدة من بيض
النعام إذا فسدت تركها أبواها في البلد وذهبا عنها، قال الشاعر في المدح:
وقال
الآخر في الذم:
ويقولون
للشيء الذي يكون في الدهر مرة واحدة: هو بيضة الديك، قال بشار:
ويكنون
عن الثقيل بالقذى في الشراب، قال الأخطل يذكر الخمر والإجتماع عليها:
ويكنون
أيضاً عنه بقدح اللبلاب، قال الشاعر:
ويكنون
عنه أيضاً بالقدح الأول، لأن القدح الأول من الخمر تكرهه الطبيعة وما بعده فدونه
لاعتياده، قال الشاعر:
ويكنون
عنه بالكانون، قال الحطيئة يهجو أمه:
قالوا:
وأصله من كننت أي سترت، فكأنه إذا دخل على قوم وهم في حديث ستروه عنه، وقيل: بل
المراد شدة برده.
ويقولون لمن يحمدون جواره: جاره جار أبي دواد، وهو كعب بن مامة الإيادي، كان إذا جاوره
رجل فمات وداه، وإن هلك عليه شاة أو بعير أخلف عليه، فجاوره أبو دواد الإيادي،
فأحسن إليه، فضرب به المثل.
أخذ
قوله: ولايشقى بقعقاع جليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "هم القوم لايشقى بهم جليسهم ". ونظر أعرابي إلى رجل
جيد الكدنة، فقال: أرى عليك قطيفة محكمة. قال: نعم، ذاك عنوان نعمة الله
عندي. وأيضاً أسير
الهند لأنه يدعي أنه ابن الملك، وإن كان من أولاد السفلة.
وقال آخر في المعنى:
ويكنون عن النمام بالزجاج، لأنه يشف على ما تحته، قال الشاعر:
ويكنون عنه بالنسيم، من قول الآخر:
ويقولون:
إنه لصبح، وإنه لطيب، كله في النمام. ويقولون:
ما زال يفتل له في الذروة والغارب حتى أسمحت قرونته، وهي النفس والذروة: أعلى
السنام، والغارب: مقدمه. ومثله:
لا يعرف قطانه من لطانه، أي لا يعرف جبهته مما بين وركيه، وقالوا: الحدة كنية
الجهل، والإقتصاد كنية البخل، والإستقصاء كنية الظلم.
ويقولون:
زوده زاد الضب، أي لم يزوده شيئاً، لأن الضب لا يشرب الماء، وإنما يتغذى بالريح
والنسيم، ويأكل القليل من عشب الأرض.
وقال أبو الطيب:
ويقولون للمختلفين من الناس: هم كنعم الصدقة، وهم كبعر الكبش، قال عمرو بن لجأ:
وذلك لأن بعر الكبش يقع متفرقاً.
ومثله:
ويقاول
للمتساوين في الرداءة: كأسنان الحمار، قال الشاعر:
وقال
آخر:
وأنشد
المبرد في الكامل لأعرابي يصف قوماً من طيىء بالتساوي في الرداءة:
قال:
فقوله: ليس بينهم جليس هجاء قبيح، يقول: لا ينتجع الناس معروفهم، فليس بينهم
غيرهم، ويقولون في المتساوين في الرداءة أيضاً: هما كحماري العبادي، قيل له: أي
حماريك شر؟ قال: هذا ثم هذا. ويقال في التساوي في
الشر والخير: هم
كأسنان المشط، ويقال: وقعا كركبتي البعير،
وكرجلي النعامة.
وقال أبو سفيان بن حرب لعامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة وقد
تنافرا إليه:
أنتما كركبتي البعير، فلم ينفر واحداً منهما،
فقالا: فأينا اليمنى؟ فقال: كل منكما يمنى.
ويقولون:
فلان خليفة الخضر إذا كان كثير السفر، قال أبو تمام:
ويقولون للشيء المختار المنتخب: هوثمرة الغراب لأنه ينتقي خير الثمر.
ويقولون لمن لا يفي بالعهد: فلان لا يحفظ أول المائدة، لأن أولها: "يا أيها الذين
آمنوا أوفوا بالعقود".
وقال آخر :
وروي
أن كيسان غلام أبي عبيدة وفد على بعض البرامكة فلم يعطه شيئاً، فلما وافى البصرة قيل له: كيف وجدته؟ قال: وجدته
مشجباً من حيث ما أتيته وجدته.
وقال
آخر:
ويكنون عن الجرب بحب الشباب، قال الوزير المهلبي:
ويكنون عن القصير القامة بأبي زبيبة، وعن الطويل بخيط باطل. وكانت كنية مروان بن
الحكم لأنه كان طويلاً مضطرباً، قال فيه الشاعر:
وفي خيط باطل قولان: أحدهما أنه الهباء الذي يدخل
من ضوء الشمس في الكوة من البيت، وتسميه العامة غزل الشمس، والثاني أنه الخيط الذي يخرج من فم العنكبوت، وتسميه
العامة مخاط الشيطان. وتقول العرب للملقو: لطيم الشيطان، وكان لقب عمرو بن سعيد الأشدق، لأنه كان ملقوا.
وهذا
كالنادم يقرع السن، والبخيل ينكت الأرض ببنانه، أو بعود عند الرد، قال
الشاعر:
وقال آخر في نكت الأرض بالعيدان:
ويقولون للفارغ: فؤاد أم موسى.
وقال
بعضهم يهجو ابن زيدان الكاتب:
ويقولون
للمترف: رقيق النعل، وأصله قول النابغة:
يعني
أنهم ملوك، والملك لا يخصف نعله إنما يخصف نعله من يمشي. وقوله: طيب حجزاتهم، أي
هم أعفاء الفروج، أي يشدون حجزاتهم على عفة. وكذلك قولهم: فلان مسمط النعال، أي
نعله طبقة واحدة غير مخصوف، قال المرار بن سعيد الفقعسي :
وقريب
من هذا قول النجاشي:
يريد
أن نعالهم سبت، والسبت: جلود البقر المدبوغة بالقرظ ، ولا تقربها الكلاب، وإنما
تأكل الكلاب غير المدبوغ، لأنه إذا أصابه المطر دسمه فصار زهماً. ويقولون
للسيد: لا يطأ على قدم، أي هو يتقدم الناس ولا يتبع أحداً فيطأ على قدمه. ويقولون:
قد اخضرت نعالهم، أي صاروا في خصب وسعة، قال الشاعر:
وإذا دعوا على إنسان بالزمانة قالوا: خلع الله نعليه، لأن المقعد لا يحتاج
إلى نعل، ويقولون: أطفأ الله نوره، كناية عن العمى وعن الموت أيضاً، لأن من يموت
فقد طفئت ناره. ويقولون:
سقاه الله دم جوفه، دعاء عليه بأن يقتل ولده، ويضطر إلى أخذ ديته إبلاً فيشرب
ألبانها، ويقولون: رماه الله بليلة لا أخت
لها، أي ليلة موته، لأن ليلة الموت لا أخت لها، ويقولون:
وقعوا في سلا جمل، أي في داهية لا يرى مثلها، لأن الجمل لا سلا له، وإنما السلا
للناقة، وهي الجليدة التي تكون ملفوفة على ولدها، ويقولون:
صاروا في حولاء ناقة، إذا صاروا في خصب.
يقول:
هم ملوك، وأشباه الملوك لا حذق لهم بنحر الإبل والغنم، ولا يعرفون التجليد
والسلخ، ولهم من يتولى ذلك عنهم، وإذا لم يحضرهم من يجزر الجزور تكلفوا هم ذلك
بأنفسهم، فلم يحسنوا حز المفصل كما يفعله الجزار، وقوله:
أي
ليس بهم شره فإذا أكلوا اللحم تخذموا قليلاً قليلاً، والخذم: القطع، وأنشد
الجاحظ في مثله:
لأن ذلك كله أمارات الملوك، وقريب من ذلك قوله:
ويقولون:
فلان أملس، يكنون عمن لا خير فيه ولا شر، أي لا يثبت فيه حمد ولا ذم.
ويقولون، كناية
عن مجوسي: هو ممن يخط على النمل، والنمل جمع نملة، وهي قرحة بالإنسان، كانت
العرب تزعم أن ولد المجوسي إذا كان من أخته وخط عليها برأت، قال الشاعر:
ويقولون للصبي:
قد قطفت ثمرته، أي ختن. وقال
عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير:
ويقولون:
قدر حليمة، أي لا غليان فيها، ويقولون لمن
يصلي صلاة مختصرة: هو راجز الصلاة. ويقولون:
فلان عفيف الشفة، أي قليل السؤال، وفلان خفيف الشفة، كثير السؤال، وتكني العرب عن المتيقظ بالقطامي، وهو الصقر،
ويكنون عن الشدة والمشقة بعرق القربة، يقولون:
لقيت من فلان عرق القربة، أي العرق الذي يحدث بك من حملها وثقلها، وذلك لأن أشد
العمل كان عندهم السقي وما ناسبه من معالجة الإبل، وتكني
العرب عن الحشرات وهوام الأرض بجنود سعد، يعنون سعد الأخبية، وذلك لأنه
إذا طلع انتشرت في ظاهر الأرض، وخرج منها ما كان مستتراً في باطنها، قال الشاعر:
ويكني قوم عن السائلين على الأبواب بحفاظ سورة يوسف عليه السلام لأنهم يعتنون بحفظها دون غيرها، وقال عمارة يهجو محمد بن وهيب:
ويكنون عن اللقيط بتربية القاضي، وعن الرقيب
بثاني الحبيب، لأنه يرى معه أبداً، قال ابن الرومي:
ويكنون عن الوجه المليح بحجة المذنب، إشارة إلى قول الشاعر:
ويكنون عن الجاهل ذي النعمة بحجة الزنادقة، قال ابن الرومي:
وقال
ابن بسام في أبي الصقر أيضاً:
فهذا
ضد ذلك المقصد، لأن ذاك جعله حجة على الزندقة، وهذا جعله حجة على قدرة البارىء سبحانه على عجائب الأمور وغرائبها، وأن النعم
لا قدر لها عنده سبحانه، حيث جعلها عند أبي الصقر مع دناءة منزلته. وقال ابن الرومي:
وقد
يشابه ذلك قول أبي علي البصير في ابن سعدان:
وللمفجع في قريب منه:
ويقولون:
عرض فلان علي الحاجة عرضاً سابرياً، أي خفيفاً من غير استقصاء، تشبيهاً له
بالثوب السابري، والدرع السابرية، وهي الخفيفة.
يعني العباس بن الأحنف. وتقول العرب في معنى قول المحدثين، عرض عليه كذا عرضاً سابرياً: عرض عليه
عرض عالة، أي عرض الماء على النعم العالة التي قد شربت شرباً بعد شرب، وهو العلل، لأنها تعرض على الماء عرضاً خفيفاً لا تبالغ
فيه.
فأقبل ثعلب على أهل المجلس فقال: أجيبوه، فلم يكن عندهم جواب، وقال
له نفطويه: الجواب منك يا سيدي أحسن، فقال: على أنكم لا تعلمونه! قالوا:
لا نعلمه، فقال الأعرابي، قد سمعت ما قال
القوم، قال: ولا أنت أعزك الله تعلمه، فقال ثعلب:
أراد أن السنبل قد أفرك، قال: صدقت فأين حق
الفائدة، فأشار إليهم ثعلب، فبروه، فقام قائلاً:
بوركت من ثعلب، ما أعظم بركتك!.
وقال
آخر - وسماه غبار وقائع الدهر:
ويقولون للسحاب: فحل الأرض.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم وخضراء الدمن "،
فلما سئل عنها قال: "المرأة الحسناء في المنبت
السوء".
وقال ابن ميادة:
تقول العرب:
التقى الثريان في الأمرين يأتلفان ويتفقان، أوالرجلين، قال
أبو عبيدة: والثرى: التراب الندي في بطن الوادي، فإذا جاء المطر وسح في
بطن الوادي حتى يلتقي نداه والندى الذي في بطن الوادي
يقال: التقى الثريان.
يريد
أن الفحل إذا عاين الجيش والبارقة لم يلتفت لفت الحجور ولم يصهل، وتنبح الكلاب
أربابها، لأنها لا تعرفهم للبسهم الحديد، وتذهل المرأة عن ولدها رعباً، فجعل ذلك
عقوقاً.
وقال
أبوالعلاء المعري:
وأنشد
ابن دريد في هذا المعنى:
يعني
من القلق وأنه غير مطمئن. ويقولون للمتلون
المختلف الأحوال: ظل الذئب، لأنه لا يزال مرة هكذا ومرة هكذا، ويقولون: به داء الذئب، أي الجوع. ويقولون:
ألقى عصاه، إذا أقام واستقر، قال الشاعر:
ووقع القضيب من يد الحجاج وهو يخالب، فتطير بذلك حتى بان في
وجهه، فقام إليه رجل فقال:
إنه ليس ما سبق وهم الأمير إليه، ولكنه قول القائل، وأنشده البيت، فسري عنه.
وسقط
في يده، أي أيقن بالهلكة، وقد رددت يده إلى فيه، أي منعته من الكلام، وبنو فلان
يد على بني فلان، أي مجتمعون، وأعطاه كذا عن ظهريد، أي ابتداءً لا عن مكافأة.
وتقول:
حلب فلان الدهر أشطره، أي مرت عليه ضروبه خيره وشره، وقرع فلان لأمر ظنبوبه، أي
جد فيه واجتهد، وتقول: أبدى الشر نواجذه، أي
ظهر، وقد كشفت الحرب عن ساقها، وكشرت عن نابها، وتقول:
استنوق الجمل، يقال ذلك للرجل يكون في حديث ينتقل إلى غيره يخلطه به، وتقول لمن يهون بعد عز: استأتن العير، وتقول للضعيف يقوى: استنسر البغاث، ويقولون: شراب
بأنقع، أي معاود للأمور، وقال الحجاج: يا
أهل العراق، إنكم شرابون بأنقع، أي معتادون الخير والشر. والأنقع:
جمع نقع، وهو ما استنقع من الغدران، وأصله في الطائر الحذر يرد المناقع في
الفلوات حيث لا يبلغه قانص، ولا ينصب له شرك. خبر عن امرىء القيس. ونختم هذا الفصل في الكنايات بحكاية
رواها أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني، قال أبو الفرج: أخبرني
محمد بن القاسم الأنباري، قال: حدثني ابن عمي، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله،
عن الهيثم بن عدي. قال: وحدثني عمي، قال: حدثنا محمد بن سعد الكراني، قال: حدثنا العمري، عن الهيثم بن عدي، عن مجالد بن
سعيد، عن عبد الملك بن عمير، قال: قدم علينا
عمر بن هبيرة الكوفة أميراً على العراق، فأرسل إلى عشرة من وجوه أهل الكوفة أنا
أحدهم، فسرنا عنده، فقال: ليحدثني كل رجل
منكم أحدوثة وابدأ أنت يا أبا عمرو، فقلت: أصلح
الله الأمير! أحديث حق أم حديث باطل؛ قال: بل حديث حق، فقلت: إن امرأ القيس كان آلى أليةألا يتزوج إمرأة
حتى يسألها عن ثمانية وأربعة واثنتين، فجعل يخطب النساء، فإذا سألهن عن هذا قلن:
أربعة عشر، فبينا هو يسير في جوف الليل إذا هو برجل يحمل ابنة صغيرة له كأنها
البدر لتمه، فأعجبته، فقال لها: يا جارية،
ما ثمانية، وأربعة، واثنتان؟ فقالت: أما ثمانية فأطباء الكلبة، وأما أربعة: فأخلاف الناقة، وأما اثنتان فثديا المرأة، فخطبها إلى أبيها،
فزوجه إياها وشرطت عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال، فجعل لها ذلك، وعلى
أن يسوق إليها مائة من الإبل، وعشرة أعبد، وعشر وصائف، وثلاثة أفراس، ففعل ذلك،
ثم بعث عبداً إلى المرأة، وأهدى إليها معه نحياً من سمن ونحياً من عسل وحلة من
عصب ، فنزل العبد على بعض المياه، ونشر الحلة فلبسها فتعلقت بسفرة فانشقت، وفتح
النحيين فأطعم أهل الماء منهما فنقصا، ثم قدم على المرأة وأهلها خلوف فسألها عن
أبيها وأمها وأخيها، ودفع إليها هديتها، فقالت: أعلم
مولاك أن أبي ذهب يقرب بعيداً، ويبعد قريباً، وأن أمي ذهبت تشق النفس نفسين، وأن
أخي ذهب يراعي الشمس، وأن سماءكم انشقت، وأن وعاءيكم نضبا. وأما قولها:
إن أخي ذهب يراعي الشمس، فإن أخاها في سرح له يرعاه، فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح
به، وأما قولها: إن سماءكم انشقت، فإن البرد
الذي بعثت به انشق، وأما قولها إن وعاءيكم
نضبا فإن النحيين اللذين بعثت بهما نقصا، فاصدقني. فقال: يا مولاي،
إني نزلت بماء من مياه العرب، فسألوني عن نسبي فأخبرتهم أني ابن عمك، ونشرت
الحلة ولبستها وتجملت بها، فتعلقت بسمرة فانشقت، وفتحت النحيين فأطعمت منهما أهل
الماء، فقال: أولى لك! ثم ساق مائةً من الإبل، وخرج نحوها ومعه العبد يسقي
الإبل، فعجز، فأعانه امرؤ القيس، فرمى به العبد في
البئر، وخرج حتى أتى إلى أهل الجارية بالإبل، فأخبرهم أنه زوجها، فقيل لها: قد
جاء زوجك، فقالت: والله ما أدري أزوجي هو أم لا! ولكن انحروا له جزوراً
وأطعموه من كرشها وذنبها، ففعلوا، فأكل ما أطعموه، فقالت:
اسقوه لبناً حازراً وهو الحامض - فسقوه فشرب، فقالت: افرشوا له عند الفرث والدم،
ففرشوا له، فنام فلما أصبحت أرسلت إليه: إني
أريد أن أسألك، فقال لها: سلي عما بدا لك، فقالت: مم تختلج شفتاك؟ قال: من تقبيلي إياك، فقالت: مم يختلج كشحاك؟ قال: لالتزامي إياك، قالت: فمم يختلج فخذاك؟ قال: لتوركي إياك، فقالت عليكم العبد فشدوا
أيديكم به، ففعلوا. قال: ومر قوم فاستخرجوا امرأ القيس من البئر، فرجع إلى حيه وساق مائة من
الإبل، وأقبل إلى امرأته فقيل لها: قد جاء زوجك،
فقالت: والله ما أدري أزوجي هو أم لا! ولكن
انحروا له جزوراً، وأطعموه من كرشها وذنبها، ففعلوا، فلما أتوه بذلك قال: وأين الكبد والسنام والملحاء ، وأبى أن يأكل،
فقالت اسقوه لبناً حازراً، فأتي به، فأبى أن يشربه، وقال: فأين الضريب والرثيئة؟
فقالت: افرشوا له عند الفرث والدم، ففرشوا
له، فأبى أن ينام، وقال: افرشوا لي عند
التلعة الحمراء، واضربوا لي عليها خباءً، ثم أرسلت إليه: هلم شريطتي عليك في
المسائل الثلاث، فأرسل إليها أن سلي عما شئت، فقالت: مم تختلج شفتاك؟ فقال: لشربي المشعشعات، قالت: فمم يختلج كشحاك؟ قال: للبسي الحبرات. قالت: فمم تختلج فخذاك؟ قال: لركضي المطهمات، فقالت: هذا زوجي لعمري، فعليكم به. فهديت إليه الجارية. فقال ابن هبيرة:
حسبكم، فلا خير في الحديث سائر الليلة بعد حديث أبي عمرو، ولن يأتينا أحد منكم
بأعجب منه، فانصرفنا وأمر لي بجائزة. ويستذل فيه
أهل الخير والدين، ويكون فيه بيع على وجه الاضطرار والإلجاء، كمن بيعت ضيعته،
وهو ذليل ضعيف، من رب ضيعة مجاورة لها ذي ثروة وعز وجاه فيلجئه بمنعه الماء
واستذلاله الأكرة والوكيل إلى أن يبيعها عليه، وذلك منهي عنه، لأنه حرام محض. فأما الأفاضل من المهاجرين والأنصار الذين ولوا الإمامة قبله فلو أنه
أنكر إمامتهم، وغضب عليهم، وسخط فعلهم، فضلاً عن أن يشهر عليهم السيف، أويدعو
إلى نفسه، لقلنا:
إنهم من الهالكين، كما لوغضب عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه قد ثبت أن رسول الله علب قال له: "حربك حربي،
وسلمك سلمي"، وأنه قال: "اللهم وال من
ولاه، وعاد من عاداه"، وقال له: "لا
يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق"، ولكنا رأيناه رضي إمامتهم وبايعهم وصك خلفهم وأنكحهم وأكل من فيئهم، فلم
يكن لنا أن نتعدى فعله، ولا نتجاوز ما اشتهر عنه، ألا
ترى أنه لما برىء من معاوية برئنا منه، ولما لعنه لعناه، ولما حكم بضلال
أهل الشام ومن كان فيهم من بقايا الصحابة كعمرو
بن العاص وعبد الله ابنه وغيرهما حكمنا أيضا
بضلالهم! والحاصل أنا لم نجعل بينه
وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلا رتبة النبوة، وأعطيناه كل ما عدا ذلك من
الفضل المشترك بينه وبينه، ولم نطعن في أكابر
الصحابة الذين لم يصح عندنا أنه طعن فيهم، وعاملناهم بما عاملهم رضي الله عنه
به. في التفضيل بين الصحابة. وإن
الزوج يقول له: كذبت وأثمت، لقد بر قسمي، وصدقت مقالتي، وإنها امرأتي على رغم
أنفك، وغيظ قلبك، فاجتمعوا إلي يختصمون في ذلك، فسألت الرجل عن يمينه، فقال:
نعم، قد كان ذلك، وقد حلفت بطلاقها أن علياً خير هذه الأمة وأولاها برسول الله
صلى الله عليه وسلم، عرفه من عرفه، وأنكره من أنكره، فليغضب من غضب، وليرض من
رضى، وتسامع الناس بذلك، فاجتمعوا له، وإن كانت الألسن مجتمعة فالقلوب شتى، وقد
علمت يا أمير المؤمنين اختلاف الناس في أهوائهم، وتسرعهم إلى ما فيه الفتنة،
فأحجمنا عن الحكم لنحكم بما أراك الله، وإنهما تعلقا به، واقسم أبوها ألا يدعها
معه، وأقسم زوجها ألا يفارقها ولو ضربت عنقها إلا أن يحكم عليه بذلك حاكم لا
يستطيع مخالفته والإمتناع منه، فرفعناهم إليك يا أميرالمؤمنين، أحسن الله توفيقك
وأرشدك! وكتب في أسفل الكتاب:
قال: فجمع عمر بن عبد العزيز بني هاشم وبني أمية وأفخاد قريش، ثم
قال لأبي المرأة:
ما تقول أيها الشيخ؟ قال: يا أمير المؤمنين، هذا الرجل زوجته ابنتي، وجهزتها
إليه بأحسن ما يجهز به مثلها، حتى إذا أملت خيره، ورجوت صلاحه، حلف بطلاقها
كاذباً، ثم أراد الإقامة معها، فقال له عمر: يا شيخ، لعله لم يطلق امرأته، فكيف
حلف؟ قال الشيخ:
سبحان الله! الذي حلف عليه لأبين حنثاً وأوضح كذباً من أن يختلج في صدري منه شك،
مع سني وعلمي، لأنه زعم أن علياً خير هذه الأمة وإلا فامرأته طالق ثلاثاً. فقال
للزوج: ما تقول؟ أهكذا حلفت؟ قال. نعم، فقيل: إنه لما قال: نعم، كاد المجلس يرتج
بأهله، وبنو أمية ينظرون إليه شزراً، إلا أنهم لم ينطقوا بشيء، كل ينظر إلى وجه
عمر.
ثم قال للقوم:
ما تقولون في يمين هذا الرجل؟ فسكتوا، فقال: سبحان الله! قولوا. فقال رجل من بني
أمية: هذا حكم في فرج، ولسنا نجترىء على القول فيه، وأنت عالم بالقول،
مؤتمن لهم وعليهم، قل ما عندك، فإن القول ما لم يكن يحق باطلاً ويبطل حقاً جائز
علي في مجلسي. فقال عمر:
اسكتوا، أعجزاً ولؤماً! عرضت ذلك عليكم آنفاً فما انتدبتم له. قالوا: لأنك لم تعطنا ما أعطيت العقيلي، ولا
حكمتنا كما حكمته، فقال عمر: إن كان أصاب
وأخطاتم، وحزم وعجزتم، وأبصر وعميتم، فما ذنب عمر، لا أبا لكم! أتدرون ما مثلكم؟
قالوا: لا ندري، قال: لكن العقيلي يدري، ثم قال: ما تقول يا رجل؟ قال: نعم يا
أمير المؤمنين، كما قال الأول: دعيتم إلى أمر فلما عجزتم تناوله من لا يداخله
عجز فلما رأيتم ذلك أبدت نفوسكم نداماً وهل يغني من القدر الحذر! فقال عمر: أحسنت وأصبت، فقل ما سألتك عنه. قال:
يا أمير المؤمنين، بر قسمه، ولم تطلق إمرأته، قال: وأنى علمت ذاك؟ قال: نشدتك الله يا أمير المؤمنين، ألم تعلم أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال لفاطمة رضي الله عنها وهو عندها في بيتها عائد لها: يا بنية،
ما علتك؟ قالت:
الوعك يا أبتاه - وكان علي غائباً في بعض حوائج النبي صلى الله عليه وسلم - فقال لها: أتشتهين شيئاً؟ قالت: نعم
أشتهي عنباً، وأنا أعلم أنه عزيز، وليس وقت عنب، فقال
صلى الله عليه وسلم: إن الله قادر على أن يجيئنا به، ثم قال: اللهم ائتنا
به مع أفضل أمتي عندك منزلةً، فطرق علي الباب، ودخل ومعه مكتل قد ألقى عليه طرف
ردائه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما
هذا يا علي؟ قال: عنب التمسته لفاطمة، فقال: الله أكبر الله أكبر، اللهم كما
سررتني بأن خصصت علياً بدعوتي فاجعل فيه شفاء بنيتي، ثم قال: كلي على إسم الله
يا بنية، فأكلت، وما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استقلت وبرأت، فقال عمر: صدقت وبررت، أشهد لقد سمعته ووعيته، يا
رجل، خذ بيد إمرأتك فإن عرض لك أبوها فاهشم أنفه. ثم
قال: يا بني عبد مناف، والله ما نجهل ما يعلم غيرنا، ولا بنا عمى في ديننا، ولكنا كما قال الأول:
قيل:
فكأنما ألقم بني أمية حجراً، ومضى الرجل بامرأته. عليك
سلام، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإني قد فهمت كتابك،
وورد الرجلان والمرأة، وقد صدق الله يمين الزوج، وأبر قسمه، وأثبته على نكاحه،
فاستيقن ذلك، واعمل عليه، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. فأما
من قال بتفضيله على الناس كافة من التابعين فخلق كثير كأويس القرني وزيد بن
صوحان، وصعصعة أخيه، وجندب الخير، وعبيدة السحلماني وغيرهم ممن لا يحصى كثرة، ولم تكن لفظة الشيعة تعرف في ذلك العصر إلا لمن قال بتفضيله،
ولم تكن مقالة الإمامية ومن نحا نحوها من الطاعنين
في إمامة السلف مشهورة حينئذ على هذا النحو من الإشتهار، فكان القائلون بالتفضيل هم
المسمون الشيعة وجميع ما ورد من الآثار والأخبار
في فضل الشيعة وأنهم موعودون بالجنة، فهؤلاء
هم المعنيون به دون غيرهم، ولذلك قال أصحابنا المعتزلة في كتبهم وتصانيفهم: نحن الشيعة حقاً
فهذا القول هو أقرب إلى السلامة وأشبه بالحق من القولين المقتسمين طرفي الإفراط
والتفريط، إن شاء الله. الأصل:
وسئل عن التوحيد والعدل، فقال رضي الله عنه:
التوحيد ألا تتوهمه، والعدل ألا تتهمه. المعاني القديمة التي يثبتها الأشعري وأصحابه،
ولتنزيههم البارىء سبحانه عن فعل القبيح. وأضاف أصحابنا إلى التوحيد نفي المعاني القديمة، ونفي ثان في
الإلهية، ونفي الرؤية، ونفي كونه مشتهياً أو نافراً أو ملتذاً أو آلماً أو
عالماً بعلم محدث، أو قادراً بقدرة محدثة، أو حياً بحياة محدثة، أو نفي كونه
عالماً بالمستقبلات أبداً، أو نفي كونه عالماً بكل معلوم أو قادراً على كل
الأجناس وغير ذلك من
مسائل علم الكلام التي يدخلها أصحابنا في الركن الأول، وهو
التوحيد. بعض ما قيل من الشعر في الشيب والخضاب. الشرح: قد
تقدم لنا في الخضاب قول كاف، وأنا أستملح قول الصابي فيه:
وقال
أبو تمام:
وقال:
ابن
الرومي:
ومن
مختار ما جاء من الشعر في الشيب وإن لم يكن فيه ذكر الخضاب قول أبي تمام:
وقال
أيضاً:
وقال
أيضاً:
وقال
الصابي وذكر الخضاب:
البحتري:
الأصل:
وقال رضي الله عنه:
ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً ممن قدر فعف، لكاد العفيف أن يكون
ملكاً من الملائكة . أخبار حول العفة. الشرح: قد تقدم القول في العفة، وهي ضروب:
عفة اليد، وعفة اللسان، وعفة الفرج، وهي العظمى، وقد جاء في الحديث المرفوع: "من عشق فكتم وعف وصبر فمات مات شهيداً ودخل
الجنة".
خرجت
إمرأة من صالحات نساء قريش إلى بابها لتغلقه، ورأسها مكشوف، فرآها رجل أجنبي
فرجعت وحلقت شعرها، وكانت من أحسن النساء شعراً، فقيل لها في ذلك، قالت: ما كنت
لادع على رأسي شعراً رآه من ليس لي بمحرم. كان ابن سيرين
يقول: ما غشيت امرأة قط في يقظة ولا نوم غير أم عبد الله وإني لأرى
المرأة في المنام وأعلم أنها لا تحل لي فأصرف بصري عنها.
دخلت بثينة على عبد الملك بن مروان، فقال: ما أرى فيك يا بثينة شيئاً مما كان
يلهج به جميل! فقالت: إنه كان يربو إلي بعينين ليستا في رأسك يا أمير المؤمنين،
قال: فكيف صادفته في عفته؟ قالت: كما وصف نفسه إذ قال:
وقال أبو سهل السعدي: دخلت على جميل في مرض موته، فقال: يا أبا سهل، رجل يلقى
الله ولم يسفك دماً حراماً، ولم يشرب خمراً، ولم يأت فاحشةً، أترجو له الجنة؟
قلت: أي والله فمن هو؟ قال: إني لأرجو أن أكون أنا ذلك، فذكرت له بثينة، فقال:
إني لفي آخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من أيام الآخرة، لا نالتني شفاعة محمد
إن كنت حدثت نفسي بريبة معها أومع غيرها قط.
يقال:
إن امرأة ذات جمال دعت عبد الله بن عبد المطلب إلى نفسها لما كانت ترى على وجهه
من النور، فأبى وقال:
راود
توبة بن الحمير ليلى الأخيلية مرةً عن نفسها، فاشمأزت منه وقالت:
ابن
ميادة:
آخر:
في الحديث المرفوع: "لا تكونن حديد النظر إلى ما ليس لك، فإنه لا يزني
فرجك ما حفظت عينيك، وإن استطعت ألا تنظر إلى ثوب المرأة التي لا تحل لك فافعل
ولن تستطيع ذلك إلا بإذن الله ".
فقال عبد الملك: من ليلى هذه؟ إن كانت حرة لازوجنكها، وإن كانت أمة
لأشترينها لك بالغة ما بلغت، فقال: كلا يا أمير
المؤمنين، ما كنت لأصعر وجه حر أبداً في حرته ولا في أمته، وما ليلى التي
آنست بها إلا قوسي هذه سميتها ليلى لأن الشاعر لابد له من
النسيب.
هذا
مثل بيت الحماسة:
شاعر:
العباس
بن الأحنف:
قال
بعضهم: رأيت امرأةً مستقبلة البيت في الموسم، وهي في غاية الضر والنحافة رافعة
يديها تدعو، فقلت لها: هل لك من حاجة؟ قالت: حاجتي أن تنادي في الموقف بقولي:
ففعلت، وإذا أنا بفتى منهوك، فقال: أنا الزاد، فمضيت به إليها، فما
زادوا على النظر والبكاء، ثم قالت له: انصرف
مصاحباً، فقلت: ما علمت أن التقاءكما يقتصر
فيه على هذا، فقالت: أمسك يا فتى، أما علمت
أن ركوب العار ودخول النار شديد.
قال محمد بن عبد الله بن طاهر لبنيه: اعشقوا تظرفوا، وعفوا تشرفوا.
وقال بعض الظرفاء:
كان أرباب الهوى يسرون فيما مضى، ويقنعون بأن يمضغ أحدهم لباناً قد مضغته
محبوبته، أو يستاك بسواكها، ويرون ذاك عظيماً، واليوم يطلب أحدهم الخلوة وإرخاء
الستور، كأنه قد أشهد على نكاحها أبا سعيد وأبا
هريرة.
قال يوسف بن الماجشون: أنشدت محمد بن المنكدر قول وضاح اليمن:
فضحك وقال:
إن كان وضاح لفقيهاً في نفسه.
مرت إمرأة حسناء بقوم من بني نمير مجتمعين في ناد لهم، فرمقوها بأبصارهم، وقال قائل منهم:
ما أكملها لولا أنها رسحاء! فالتفتت إليهم، وقالت:
والله يا بني نمير، ما أطعتم الله ولا الشاعر، قال
الله تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من
أبصارهم". وقال الشاعر:
فأخجلتهم،
وقال أبو صخر الهذلي من شعر الحماسة:
آخر:
وأعف
من هذا الشعر قول عبد بني الحسحاس على فسقه:
وقال
آخر:
قوله:
ليست بكنة ولد ولا جارة يخشى علي ذمامها، مأخوذ من قول قيس بن الخطيم :
وهذا
الشاعر قد زاد عليه قوله: ولا حليلة صاحب.
آخر:
بشار
بن برد:
البيت
الآخر مثل قول القائل:
أبو الطيب المتنبي:
كان الصاحب رحمه الله يستهجن قوله: عما في سراويلاتها، ويقول: إن
كثيراً من العهر أحسن من هذه العفة، ومعنى البيت
الأول أن هذه الخلال الثلاث تراهن الملاح ضرائر لهن لأنهن يمنعنه عن
الخلوة بالملاح والتمتع بهن. ثم قال: إن هذه الخلال هي التي تمنعه لا
الخوف من تبعاتها، وقال قوم: هذا تهاون بالدين، ونوع من الإلحاد. وعندي أن هذا مذهب
للشعراء معروف، لا يريدون به التهاون بالدين، بل المبالغة في وصف سجاياهم
وأخلاقهم بالطهارة، وأنهم يتركون القبيح لأنه قبيح، لا لورود الشرع به، وخوف
العقاب منه.
ويمكن أيضاً
أن يريد بتبعاتها تبعات الدنيا، أي لا أخاف من قوم هذه المحبوبة التي أنست بها،
ولا أشفق من حربهم وكيدهم، فأما عفة اليد وعفة
اللسان فهما باب آخر. وقد ذكرنا طرفاً
صالحاً من ذلك في الأجزاء المتقدمة عند ذكرنا الورع. قال سليمان بن داود: يا بني إسرائيل، أوصيكم بأمرين أفلح من فعلهما: لا تدخلوا
أجوافكم إلا الطيب ولا تخرجوا من أفواهكم إلا الطيب. عائشة، قالت: يا رسول الله، من المؤمن؟ قال: من إذا أصبح نظر إلى رغيفيه كيف
يكتسبهما، قالت: يا رسول الله، أما إنهم
لوكلفوا ذلك لتكلفوه، فقال لها: إنهم قد كلفوه، ولكنهم يعسفون الدنيا عسفاً.
وقال
أيضا:ً
الأصل: وقال رضي الله عنه لزياد بن أبيه وقد استخلفه لعبد الله بن العباس
على فارس وأعمالها، في كلام طويل كان بينهما نهاه فيه عن تقديم الخراج: استعمل
العدل، واحذر العسف والحيف، فإن العسف يعود بالجلاء، والحيف يدعو إلى السيف. وقال بعضهم:
كان أهل العلم يضنون بعلمهم عن أهل الدنيا فيرغبون فيه ويبذلون لهم دنياهم،
واليوم قد بذل أهل العلم علمهم لأهل الدنيا فزهدوا فيه وضنوا عنهم بدنياهم. فنهضت متحفظاً، ولم أودعه، فقال لي: إن رأيت أن تعود
إلي في يوم مثله! فلم أذكر للمأمون شيئاً مما جرى، فلما كان في اليوم الذي وعدني
فيه لقياه سرت إليه فاستؤذن لي عليه، فتلقاني على باب الدار، فعانقني، وقبل بين
عيني، وقدمني أمامه، ومشى خلفي حتى أقعدني في الدست، وجلس بين يدي، وقد فرشت
الدار، وزينت بأنواع الزينة، وأقبل يحدثني ويتنادر معي إلى أن حضر وقت الطعام،
فأمر فقدمت أطباق الفاكهة، فأصبنا منها، ونصبت الموائد، فقدم عليها أنواع
الأطعمة من حارها وباردها، وحلوها وحامضها، ثم قال: أي الشراب أعجب إليك؟
فاقترحت عليه، وحضر الوصائف للخدمة، فلما أردت الإنصراف حمل معي جميع ما أحفر من
ذهب وفضة وفرش وكسوة، وقدم إلى البساط فرس بمركب ثقيل، فركبته وأمر من بحضرته من
الغلمان الروم والوصائف حتى سعوا بين يدي، وقال: عليك بهم فهم لك. ثم قال: إذا
زارك أخوك فلا تتكلف له، واقتصر على ما يحضرك، وإذا دعوته فاحتفل به واحتشد، ولا
تدعن ممكناً، كفعلنا إياك عند زيارتك إيانا، وفعلنا يوم دعوناك. الحكم
المنسوبة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. كان كثيراً ما يقول إذا فرغ من صلاة الليل: أشهد أن
السماوات والأرض وما بينهما آيات تدل عليك، وشواهد تشهد بما إليه دعوت. كل ما
يؤدي عنك الحجة ويشهد لك بالربوبية، موسوم بآثار نعمتك ومعالم تدبيرك. علوت بها
عن خلقك، فأوصلت إلى القلوب من معرفتك ما آنسها من وحشة الفكر، وكفاها رجم
الإحتجاج، فهي مع معرفتها بك، وولهها إليك، شاهدة بأنك لا تأخذك الأوهام، ولا
تدركك العقول ولا الأبصار. أعوذ بك أن
أشير بقلب أو لسان أو يد إلى غيرك، لا إله إلا أنت، واحداً أحداً، فرداً صمداً،
ونحن لك مسلمون. وكثرة
الصمت زمام اللسان، وحسم الفطنة، وإماطة الخاطر ، وعذاب الحس. اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز عنا وعنهم. الحمد
لله الذي جعل الأرض كفاتاً ، أحياءً وأمواتاً. والحمد لله الذي منها خلقنا،
وعليها ممشانا، وفيها معاشنا، وإليها يعيدنا، طوبى لمن ذكر المعاد، وقنع
بالكفاف، وأعد للحساب! إنكم مخلوقون اقتداراً، ومربوبون اقتساراً، ومضمنون
أجداثا، وكائنون رفاتاً، ومبعوثون أفراداً، ومدينون حساباً. فرحم الله امرأً اقترف فاعترف، ووجل فعقل، وحاذر
فبادر، وعمر فاعتبر، وحذر فازدجر، وأجاب فأناب، وراجع فتاب، واقتدى فاحتذى ،
وتأهب للمعاد، واستظهر بالزاد، ليوم رحيله، ووجه سبيله ولحال حاجته، وموطن
فاقته، فقدم أمامه لدار مقامه، فمهدوا لأنفسكم على سلامة الأبدان وفسحة الأعمار. فهل ينتظر أهل غضارة الشباب إلا حواني
الهرم، وأهل بضاضة الصحة إلا نوازل السقم، وأهل مدة البقاء إلا مفاجأة الفناء
واقتراب الموت، ومشارفة الإنتقال، وإشفاء الزوال، وحفز الأنين ورشح الجبين،
وامتداد العرنين، وعلز القلق، وقيظ الرمق وشدة المضض، وغصص الجرض. الجهل بالفضائل عدل الموت. وما أحسن العلم يزينه العمل، وما أحسن العمل يزينه
الرفق! أكبر الفخر
ألا تفخر. واعرف قدرك يستعل أمرك، وكفى ما مضى مخبراً عما
بقي! لا تعدن عدةً تحقرها قلة الثقة بنفسك، ولا يغرنك المرتقى السهل إذا كان
المنحدر وعراً. وشكا إليه رجل تعذر الرزق، فقال:
مه، لا تجاهد الرزق جهاد المغالب، ولا تتكل على القدر إتكال المستسلم، فإن
ابتغاء الفضل من السنة، والإجمال في الطلب من العفة، وليست العفة دافعةً رزقاً،
ولا الحرص جالباً فضلاً، لأن الرزق مقسوم، وفي شدة الحرص إكتساب المآثم. إذا استغنيت عن شيء فدعه وخذ ما أنت محتاج إليه. لا تؤاخين الفاجر، فإنه يزين لك فعله، ويود لو أنك
مثله، ويحسن لك أقبح خصاله، ومدخله ومخرجه من عندك شين وعار ونقص، ولا الأحمق
فإنه يجهد لك نفسه ولا ينفعك وربما أراد أن ينفعك فضرك، سكوته خير لك من نطقه،
وبعده خير لك من قربه، وموته خير لك من حياته، ولا الكذاب فإنه لا ينفعك معه
شيء، ينقل حديثك، وينقل الحديث إليك، حتى إنه ليحدث بالصدق فلا يصدق. البلاغة النصر بالحجة، والمعرفة بمواضع الفرصة، وسن
البصر بالحجة أن تدع الإفصاح بها إلى الكناية عنها إذا كان الإفصاح أوعر طريقة،
وكانت الكناية أبلغ في الدرك وأحق بالظفر. إياك
والشهوات، وليكن مما تستعين به على كفها علمك بأنها ملهية لعقلك، مهجنة لرأيك،
شائنة لغرضك، شاكلة لك عن معاظم أمورك، مشتدة بها التبعة عليك في آخرتك. إنما الشهوات لعب، فإذا حضر اللعب غاب الجد، ولن
يقام الدين وتصلح الدنيا إلا بالجد، فإذا نازعتك نفسك إلى اللهو واللذات، فاعلم
أنها قد نزعت بك إلى شر منزع، وأرادت بك أفضح الفضوح، فغالبها مغالبة ذلك،
وامتنع منها امتناع ذلك، وليكن مرجعك منها إلى الحق، فإنك مهما تترك من الحق لا
تتركه إلا إلى الباطل، ومهما تدع من الصواب لا تدعه إلا إلى الخطأ، فلا تداهنن
هواك في اليسير فيطمع منك في الكثير. إن ملاك العقل ومكارم الأخلاق صون العرض، والجزاء
بالفرض، والأخذ بالفضل، والوفاء بالعهد، والإنجاز للوعد. ومن حاول
أمراً بالمعصية كان أقرب إلى ما يخاف، وأبعد مما يرجو. إذا جرت المقادير بالمكاره سبقت الآفة إلى العقل
فحيرته، وأطلقت الألسن بما فيه تلف الأنفس. لا تصحبوا الأشرار فإنهم يمنون عليكم بالسلامة
منهم. من أتت عليه الأربعون من السنين قيل له: خذ حذرك من
حلول المقدور فإنك غير معذور، وليس أبناء الأربعين بأحق بالحذر من أبناء
العشرين، فإن طالبهما واحد، وليس عن الطلب براقد، وهو الموت، فاعمل لما أمامك من
الهول، ودع عنك زخرف القول. إحسانك إلى
الحر يحركه على المكافأة، وإحسانك إلى النذل يبعثه على معاودة المسألة. ينبغي للوالي أن يعمل بخصال ثلاث: تأخير
العقوبة منه في سلطان الغضب، والأناة فيما يرتئيه من رأي، وتعجيل مكافأة المحسن
بالإحسان، فإن في تأخير العقوبة إمكان العفو، وفي تعجيل المكافأة بالإحسان طاعة
الرعية، وفي الأناة انفساح الرأي وحمد العاقبة ووضوح الصواب. ولا تضجرن من صحبته، فإنما هو بمنزلة النخلة ينتظر
متى يسقط عليك منها منفعة. وخصه
بالتحية، واحفظ شاهده وغائبه، وليكن ذلك كله لله عز وجل، فإن العالم أفضل من
الصائم القائم المجاهد في سبيل الله. وإذا مات العالم
ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها إلا خلف منه. وطالب العلم تشيعه الملائكة حتى
يرجع. ذك قلبك بالأدب كما تذكي النار بالحطب. والعجلة في
الأمور مكسبة للمذلة، وزمام للندامة، وسلب للمروءة، وشين للحجى، ودليل على ضعف
العقيدة. من أداء الأمانة المكافأة على الصنيعة لأنها
كالوديعة عندك. إياك
ومواقف الإعتذار، فرب عذر أثبت الحجة على صاحبه وإن كان بريئاً. إن لله عباداً في الأرض كأنما رأوا أهل الجنة
في جنتهم وأهل النار في نارهم: اليقين وأنواره لامعة على
وجوههم، قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وأنفسهم عفيفة، وحوائجهم خفيفة، صبروا
أياماً قليلة لراحة طويلة، أما الليل فصافون أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم،
يجأرون إلى الله سبحانه بأدعيتهم، قد حلا في أفواههم، وحلا في قلوبهم طعم
مناجاته ولذيذ الخلوة به، قد أقسم الله على نفسه بجلال عزته ليورثنهم المقام
الأعلى في مقعد صدق عنده، وأما نهارهم فحلماء علماء، بررة، أتقياء، كالقداح ينظر
إليهم الناظر فيقول: مرضى، وما بالقوم من مرض، أو يقول: قد خولطوا، ولعمري لقد
خالطهم عظيم جليل. البخيل يسخو من عرضه بمقدار ما يبخل به من ماله،
والسخي يبخل من عرضه بمقدار ما يسخو به من ماله. قليل العلم إذا وقر في القلب كالطل يصيب الأرض
المطمئنة فتعشب. كتب إلى عامل له: إعمل بالحق ليوم لا يقضى فيه إلا
بالحق. احذروا الكلام في مجالس الخوف، فإن الخوف يذهل
العقل الذي منه نستمد، ويشغله بحراسة النفس عن حراسة المذهب الذي نروم نصرته. واحذر الغضب ممن يحملك عليه، فإنه مميت للخواطر،
مانع من التثبت. واحذر من
تبغضه فإن بغضك له يدعوك إلى الضجر به، وقليل الغضب كثير في أذى النفس والعقل،
والضجر مضيق للصدر، مضعف لقوى العقل، واحذر المحافل التي لا إنصاف لأهلها في
التسوية بينك وبين خصمك في الإقبال والإستماع، ولا أدب لهم يمنعهم من جور الحكم
لك وعليك. واحذر حين تظهر العصبية لخصمك بالإعتراض عليك
وتشييد قوله وحجته، فإن ذلك يهيج العصبية، والإعتراض على هذا الوجه يخلق الكلام،
ويذهب بهجة المعاني. واحذر كلام من لا يفهم عنك فإنه يضجرك واحذر
استصغار الخصم فإنه يمنع من التحفظ، ورب صغير غلب كبيراً! لا تقبل الرياسة على
أهل مدينتك، فإنهم لا يستقيمون لك إلا بما تخرج به من شرط الرئيس الفاضل. لو كسرت لي الوسادة لقضيت بين أهل
التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، حتى
تزهر تلك القضايا إلى الله عز وجل وتقول: يا رب، إن علياً قضى بين خلقك بقضائك. أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ليضربنكم على
الدين عوداً كما ضربتموهم عليه بدءاً. فيقال له:
فاقتله، فيقول: كيف أقتل قاتلي! إلهي ما قدر ذنوب أقابل بها كرمك، وما قدر عبادة
أقابل بها نعمك! وإني لأرجو أن تستغرق ذنوبي في كرمك، كما استغرقت أعمالي في
نعمك. إذا غضب الكريم فألن له الكلام، وإذا غضب اللئيم فخذ
له العصا. أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بيدي فهزها، وقال: ما أول نعمة أنعم الله بها عليك؟ قلت: أن خلقني حياً،
وأقدرني، وأكمل حواسي ومشاعري وقواي، قال: ثم ماذا؟ قلت: أن جعلني ذكراً، ولم
يجعلني أنثى، قال والثالثة: قلت: أن هداني للإسلام، قال: والرابعة، قلت:
"وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها". لا يصبر على الحرب ويصدق في اللقاء إلا ثلاثة:
مستبصر في دين، أو غيران على حرمة، أو ممتعض من ذل. المرأة تكتم الحب أربعين سنة، ولا تكتم البغض ساعة
واحدة. الممتحن كالمختنق، كلما ازداد اضطراباً ازداد
اختناقاً. وانظر أمن يطلب بالإجمال والتكرم أحق أن تسخو نفسك
له أم من يطلب بالشره والحرص! إذا كان
العقل تسعة أجزاء احتاج إلى جزء من جهل ليقدم به صاحبه على الأمور، فإن العاقل
أبداً متوان مترقب متخوف. ولارتدت في
حافرتها، وعاد قارحها جذعاً، وبازلها بكراً، ثم فتح الله عليها الفتوح، فأثرت
بعد الفاقة، وتمولت بعد الجهد والمخمصة، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان
سمجاً، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً، وقالت: لولا أنه حق لما
كان كذا، ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها، وحسن تدبير الأمراء القائمين بها،
فتأكد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين، فكنا نحن ممن خمل ذكره، وخبت ناره،
وانقطع صوته وصيته، حتى أكل الدهر علينا وشرب، ومضت السنون والأحقاب بما فيها،
ومات كثير ممن يعرف، ونشأ كثير ممن لا يعرف. وما عسى أن
يكون الولد لو كان! إن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم لم يقربني بما تعلمونه من القرب للنسب واللحمة، بل
للجهاد والنصيحة، أفتراه لو كان له ولد هل كان يفعل ما فعلت! وكذاك لم يكن يقرب
ما قربت، ثم لم يكن عند قريش والعرب سبباً للحظوة والمنزلة، بل للحرمان والجفوة.
اللهم إنك تعلم أني لم أرد الإمرة، ولا علو الملك والرياسة، وإنما أردت القيام
بحدودك، والأداء لشرعك، ووضع الأمور في مواضعها، وتوفير الحقوق على أهلها،
والمضي على منهاج نبيك، وإرشاد الضال إلى أنوار هدايتك. ليس الصوم الإمساك عن المأكل والمشرب، الصوم
الإمساك عن كل ما يكرهه الله سبحانه. كل شيء
يعصيك إذا أغضبته إلا الدنيا، فإنها تطيغك إذا أغضبتها. التواضع نعمة لا يفطن لها الحاسد. من سعادة
المرء أن يطول عمره، ويرى في أعدائه ما يسره. الغدر ذل حاضر، والغيبة لؤم باطن. أشجع الناس
أثبتهم عقلاً في بداهة الخوف. حب الرياسة شاغل عن حب الله سبحانه. من اسم جليل لمسمىً ذليل! الخير كله في السيف، وما قام هذا الدين إلا بالسيف،
أتعلمون ما معنى قوله تعالى: "وأنزلنا الحديد
فيه بأس شديد"؟ هذا هو السيف. تأمل ما تتحدث به، فإنما تملي على كاتبيك صحيفةً
يوصلانها إلى ربك، فانظر على من تملي، وإلى من تكتب. وإياك والتغاير في غير موضع الغيرة، فإن ذلك يدعو
الصحيحة منهن إلى السقم. إذا قال
أحدكم: والله، فلينظر ما يضيف إليها. لا تكونن المحدث من لا يسمع منه، والداخل في سر
اثنين لم يدخلاه فيه، ولا الآتي وليمة لم يدع إليها، ولا الجالس في مجلس لا
يستحقه، ولا طالب الفضل من أيدي اللئام، ولا المتحمق في الدالة، ولا المتعرض
للخير من عند العدو. من سره الغنى بلا سلطان، والكثرة بلا عشيرة، فليخرج
من ذل معصية الله إلى عز طاعته، فإنه واجد ذلك كله. من شبع عوقب في الحال ثلاث عقوبات: يلقى
الغطاء على قلبه، والنعاس على عينه، والكسل على بدنه. يقطع البليغ عن المسألة أمران: ذل
الطلب، وخوف الرد. المؤمن محدث. أعسر العيوب صلاحاً العجب واللجاجة. الحزن والغضب
أميران تابعان لوقوع الأمر بخلاف ما تحب، إلا أن
المكروه إذا أتاك ممن فوقك نتج عليك
حزناً، وإن أتاك ممن دونك نتج عليك غضباً. ويحكم يا أجراء السوء! أما الأجر فتأخذون، وأما
العمل فلا تعملون، إن عملتم فللعمل تفسدون، وسوف تلقون ما تفعلون، يوشك رب العمل
أن ينظر في عمله الذي أفسدتم، وفي أجره الذي أخذتم. يا غرماء السوء، تبدءون
بالهدية قبل قضاء الدين، تتطوعون بالنوافل ولا تؤدون الفرائض، إن رب الدين لا
يرضى بالهدية حتى يقضى دينه. لا تجالسوا إلا من يذكركم الله رؤيته، ويزيد في عملكم
منطقه، ويرغبكم في الآخرة عمله. كثرة الطعام تميت القلب كما تميت كثرة الماء الزرع. العالم مصباح الله في الأرض، فمن أراد الله به
خيراً اقتبس منه. لقد استنت الفصال حتى القرعى. لامته فاطمة على قعوده وأطالت
تعنيفه، وهو ساكت حتى أذن المؤذن، فلما بلغ إلى قوله: أشهد أن محمداً رسول الله، قال لها: أتحبين أن تزول هذه الدعوة من الدنيا؟ قالت: لا،
قال: فهو ما أقول لك. الموالي ينصرون، وبنو العم يحسدون. إذا سمعت الكلمة تؤذيك فطأطىء لها فإنها تتخطاك. خير الإخوان من إذا استغنيت عنه لم يزدك في المودة،
وإن احتجت إليه لم ينقصك منها. سلوا
القلوب عن المودات، فإنها شهود لا تقبل الرشا. العالم
يعرف الجاهل لأنه كان جاهلاً، والجاهل لا يعرف العالم لأنه لم يكن عالماً. يمنع الجاهل أن يجد ألم الحمق المستقر في قلبه ما
يمنع السكران أن يجد مس الشوكة في يده. القنية مخدومة، ومن خدم غير نفسه فليس بحر. خف الضعيف
إذا كان تحت راية الإنصاف أكثر من خوفك
القوي تحت راية الجور، فإن النصر يأتيه من حيث لا يشعر، وجرحه لا يندمل . الإنسان في
سعيه وتصرفاته كالعائم في اللجة، فهو يكافح الجرية في إدباره، ويجري معها في
إقباله. السباب مزاح النوكى، ولا بأس بالمفاكهة، يروح بها
الإنسان عن نفسه، ويخرج عن حد العبوس. إعادة الإعتذار تذكير بالذنب. لا ترد بأس
العدو القوي وغضبه بمثل الخضوع والذل، كسلامة الحشيش من الريح العاصف بانثنائه
معها كيفما مالت. كل الناس أمروا بأن يقولوا: لا إله إلا الله، إلا
رسول الله، فإنه رفع قدره عن ذلك، وقيل له:
فاعلم أنه لا إله إلا الله، فأمر بالعلم لا بالقول. زر القبور
تذكر بها الآخرة، وغسل الموتى يتحرك قلبك، فإن الجسد الخاوي عظة بليغة، وصل على
الجنائز لعله يحزنك، فإن الحزين قريب من الله. الإستئثار يوجب الحسد، والحسد يوجب
البغضة، والبغضة توجب الإختلاف، والإختلاف يوجب الفرقة، والفرقة توجب الضعف،
والضعف يوجب الذل، والذل يوجب زوال الدولة، وذهاب النعمة. لا تعامل العامة فيما أنعم به عليك من العلم، كما
تعامل الخاصة، واعلم أن لله سبحانه رجالاً أودعهم أسراراً خفية، ومنعهم عن
إشاعتها، واذكر قول العبد الصالح لموسى وقد قال له: "هل أتبعك على أن تعلمن
مما علمت رشدا. قال إنك لن تستطيع معي صبرا، وكيف تصبر على ما لم
تحط به خبرا"!. انظر العمل
الذي يسرك أن يأتيك الموت وأنت عليه فافعله الآن، فلست تأمن أن تموت الآن. أن الله تعالى جعلها فاتحة كتابه، وجعلها خاتمة دعوى أهل جنته، فقال: "وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين". ما أضيق الطريق على من لم يكن الحق تعالى دليله،
وما أوحشها على من لم يكن أنيسه! ومن اعتز بغير عز الله ذل، ومن تكثر بغير الله
قل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفهرس الجزء العشرون بسم الله الرحمن الرحيم. مع أبي المعالي الجويني في
أمر الصحابة والرد عليه. أعبد الله بن الزبير نسبه
وبعض أخباره مع بن أبي طالب حول أشعر
الشعراء. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الجزء
العشرون بسم الله الرحمن الرحيم
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: وقال عليه السلام: مقاربة الناس في أخلاقهم أمن من غوائلهم.
وقال الشاعر:
وكان يقال:
إذا نزلت على قوم فتشبه بأخلاقهم، فإن الإنسان من حيث يوجد، لا من حيث يولد. وفي الأمثال القديمة: من دخل ظفار حمر.
الأصل:
وقال عليه السلام لبعض خاطبيه وقد تكلم بكلمة
يستصغر مثله عن قول مثلها: لقد طرت شكيراً،
وهدرت سقباً. الأصل: وقال عليه السلام: من أومأ إلى متفاوت خذلته
الحيل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نبذة من حياة المغيرة بن شعبة،
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الشرح: أصحابنا غير متفقين على السكوت على المغيرة، بل أكثر
البغداديين يفسقونه، ويقولون فيه ما يقال في
الفاسق؛ ولما جاء عروة بن مسعود الثقفي إلى
رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم عام الحديبية نظر إليه
قائماً على رأس رسول الله مقلداً سيفاً، فقيل: من
هذا؛ قيل: ابن أخيك المغيرة، قال: وأنت هاهنا يا غدر! والله إني إلى الآن ما غسلت
سوءتك. ذكر حديثه أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني
في كتاب "الأغاني"، قال: كان المغيرة يحدث حديث إسلامه، قال: خرجت مع قوم
من بني مالك ونحن على دين الجاهلية إلى المقوقس ملك مصر، فدخلنا إلى الإسكندرية،
وأهدينا للملك هدايا كانت معنا، فكنت أهون أصحابي عليه، وقبض هدايا
القوم، وأمر لهم بجوائز، وفضل بعضهم على بعض، وقصر بي فأعطاني شيئا قليلاً لا
ذكر له، وخرجنا، فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا
لأهلهم وهم مسرورون، ولم يعرض أحد منهم علي مواساة، فلما خرجوا حملوا
معهم خمرا، فكانوا يشربون منها، فأشرب معهم، ونفسي تأبى أن تدعني معهم، وقلت: ينصرفون إلى الطائف بما أصابوا، وما حباهم
به الملك، ويخبرون قومي بتقصيره بي وازدرائه إياي! فأجمعت على قتلهم، فقلت: إني أجد صداعاً، فوضعوا شرابهم ودعوني، فقلت: رأسي يصدع، ولكن اجلسوا فأسقيكم، فلم ينكروا
من أمري شيئا، فجلست أسقيهم واشرب القدح بعد القدح، فلما دبت الكأس فيهم اشتهوا
الشراب، فجعلت اصرف لهم أترع الكأس ، فيشربون ولا يدرون، فأهمدتهم الخمر حتى
ناموا، ما يعقلون، فوثبت إليهم فقتلتهم جميعاً، وأخذت جميع ما كان معهم. قال: وكان قتل منهم
ثلاثة عشر إنساناً، واحتوى على ما معهم؛ فبلغ
ذلك ثقيفاً بالطائف، فتداعوا للقتال، ثم
اصطلحوا على أن حمل عمي عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مع أبي المعالي الجويني في أمر الصحابة والرد عليه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ثم إن تلك
الأحوال قد غابت عنا وبعدت أخبارها على حقائقها؛ فلا يليق بنا أن نخوض فيها؛ ولو
كان واحذ من هؤلاء قد أخطأ لوجب أن يحفظ رسول الله صلى
الله عليه وأله وسلم فيه، ومن المروءة أن يحفظ رسول الله
صلى الله عليه وأله وسلم في عائشة زوجته، وفي الزبير أبن عمته، وفي طلحة الذي
وقاه بيده. ثم ما الذي ألزمنا
وأوجب علينا أن نلعن أحداً من المسلمين أو نبرأ منه!! وأي ثواب في اللعنة
والبراءة!! إن الله تعالى لا يقول يوم القيامة للمكلف: لم تلعن؛ بل قد يقول له:
لم لعنت؛ ولو أن إنساناً عاش عمره كله لم يلعن إبليس لم يكن عاصياً ولا آثماً،
وإذا جعل الإنسان عوض اللعنة أستغفر الله كان خيراً له. ثم كيف يجوز للعامة أن تدخل أنفسها في أمور
الخاصة، وأولئك قوم كانوا أمراء هذه الأمة وقادتها، ونحن اليوم في طبقة سافلة
جداً عنهم؛ فكيف يحسن بنا التعرض لذكرهم! أليس يقبح من الرعية أن تخوض في دقائق
أمور الملك وأحواله وشؤونه التي تجري بينه وبين أهله وبني عمه ونسائه وسراريه!
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم صهراً لمعاوية، وأخته أم حبيبة و هي
أم المؤمنين في أخيها. على
أن جميع ما تنقله الشيعة من الاختلاف بينهم والمشاجرة لم يثبت، وما كان القوم إلا كبني أم واحدة ولم يتكدر
باطن أحد منهم على صاحبه قط، ولا وقع بينهم اختلاف ولا نزاع. ولو ظننا أن
الله عز وجل يعذرنا إذا قلنا: يا رب غاب أمرهم عنا، فلم يكن لخوضنا في أمر قد
غاب عنا معنئ، لاعتمدنا على هذا العذر، وواليناهم، ولكنا نخاف أن يقول سبحانه
لنا: إن كان أمرهم قد غاب عن أبصاركم، فلم يغب عن قلوبكم وأسماعكم؛ قد أتتكم به
الأخبار الصحيحة التي بمثلها ألزمتم أنفسكم الإقرار بالنبي صلى الله عليه وأله
وسلم وموالاة
من صدقه، ومعاداة من عصاه وجحده، أمر بتدبر القرآن وما جاء به الرسول، فهلا
حذرتم من أن تكونوا من أهل هذه الآية غدا: "
ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل" ! أما لفظة اللعن
فقد أمر الله تعالى بها وأوجبها، ألا ترى إلى قوله:
" أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون"، فهو إخبار معناه
الأمر، كقوله: " والمطلقات يتربصن بأنفسهن
ثلاثة قروء "؛ وقد لعن الله تعالى العاصين بقوله: " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود
"، وقوله: " إن الذين يؤذون الله
ورسوله لعنهم الله في الدنيا والأخيرة وأعد لهم عذابا مهيناً"،
وقوله: "ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا
تقتيلا"، وقال الله تعالى لإبليس:
"وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين "، وقال: "إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً". فأما قول من يقول : " أي ثواب في اللعن! وإن الله
تعالى لا لقول للمكلف! لم تلعن؛ بل قد يقول له: لم لعنت؛ وأنه لو جعل مكان لعن
الله فلانا، اللهم اغفر لي لكان خيراً له، ولو أن إنساناً عاش عمره كله لم يلعن
إبليس لم يؤاخذ بذلك "؛ فكلام جاهل لا يدري ما
يقول اللعن طاعة، ويستحق عليها الثواب إذا فعلت على وجهها، وهو أن يلعن
مستحق اللعن لله وفي الله، لا في العصبية والهوى، ألا
ترى أن الشرع قد ورد بها في نفي الولد، ونطق بها القرآن، وهو أن يقول الزوج في
الخامسة: "أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين "، فلو لم يكن الله تعالى يريد أن
يتلفظ عباده بهذه اللفظة وأنه قد تعبدهم بها، لما جعلها من معالم الشرع، ولما كررها في كثير من كتابه العزيز، ولما قال في
حق القائل: "وغضب الله عليه ولعنه"،
وليس المراد من قوله: "لعنه " إلا
الأمر لنا بأن نلعنه، ولو لم يكن المراد بها ذلك لكان لنا أن نلعنه، لأن الله
تعالى قد لعنه، أيلعن الله تعالى إنسانا ولا يكون
لنا أن نلعنه! هذا ما لا يسوغ في العقل، كما
لا يجوز أن يمدح الله إنسانا إلا ولنا أن نمدحه، ولا يذمه إلا ولنا أن
نذمه؛ وقال
تعالى: "هل
أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله"، وقال: "!ربنا آتهم ضعفين من
العذاب والعنهم لعنا كبيرا"، وقال
عز وجل: "وقالت
اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا". وكيف يقول القائل: إن الله تعالى لا يقول للمكلف: لم لم
تلعن؛ ألا يعلم هذا القائل أن الله تعالى أمر بولاية أوليائه، وأمر بعداوة أعدائه،
فكما يسأل! عن التولي يسأل عن التبري؟ ألا
ترى أن اليهودي إذا أسلم يطالب بأن يقال له: تلفظ بكلمة الشهادتين، ثم قل: برئت
من كل دين يخالف دين الإسلام، فلا بد من البراءة، لأن بها يتم العمل! ألم يسمع هذا القائل قول الشاعر:
فمودة العدو خروج عن ولاية الولي، وإذا بطلت المودة لم يبق إلا البراءة؛ لأنه لا يجوز أن يكون الإنسان
في درجة متوسطة مع أعداء الله تعالى وعصاته بالا يودهم ولا يبرأ منهم بإجماع
المسلمين على نفي هذه الواسطة. وبعد، فكيف أدخلتم أيها العامة والحشوية وأهل الحديث أنفسكم في
أمر عثمان وخضتم فيه، وقد غاب عنكم! وبرئتم من قتلته، ولعنتموهم! وكيف لم تحفظوا أبا بكر الصديق في محمد ابنه فإنكم لعنتموه وفسقتموه، ولا حفظتم
عائشة أم المؤمنين في أخيها محمد المذكور، ومنعتمونا أن نخوض و ندخل
أنفسنا في أمر علي والحسن والحسين ومعاوية الظالم له ولهما، المتعقب على حقه
وحقوقهما! وكيف صار لعن ظالم عثمان من السنة عندكم،
ولعن ظالم علي والحسن والحسين تكلفاً!! وكيف
أدخلت العامة أنفسها في أمر عائشة وبرئت ممن نظر إليها، ومن القائل لها: يا
حميراء، أو إنما هي حميراء، ولعنته بكشفه سترها، ومنعتنا نحن عن الحديث في أمر
فاطمة وما جرى لها بعد وفاة أبيها. فإن قلتم: إن بيت فاطمة إنما دخل، وسترها إنما كشف، حفظا لنظام
الإسلام، وكيلا ينتشر الأمر ويخرج قوم من المسلمين أعناقهم من ربقة الطاعة ولزوم
الجماعة. فكيف صار هتك ستر عائشة من الكبائر
التي يجب معها التخليد في النار، والبراءة من فاعله من أو كد عرى الإيمان، وصار
كشف بيت فاطمة والدخول عليها منزلها وجمع حطب ببابها، وتهددها بالتحريق من أو كد
غري الدين، وأثبت دعائم الإسلام؛ ومما أعز الله به المسلمين
وأطفأ به نار الفتنة؛ والحرمتان واحدة، والستران واحد. وما نحب أن نقول لكم: إن
حرمة فاطمة أعظم، ومكانها أرفع، وصيانتها لأجل رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم،
فإنها بضعة منه، وجزء من لحمه ودمه، وليست
كالزوجة الأجنبية التي لا نسب بينها وبين الزوج، وإنما هي وصلة مستعارة، وعقد
يجري مجرى إجارة المنفعة، وكما يملك رق الأمة بالبيع والشراء، ولهذا قال الفرضيون: أسباب
التوارث ثلاثة: سبب، ونسب، وولاء؛ فالنسب القرابة، والسبب النكاح، والولاء: ولاء
العتق؛ فجعلوا النكاح خارجاً عن النسب؛ ولو كانت الزوجة ذات نسب لجعلوا الأقسام
الثلاثة قسمين. قطع السارق وضرب القاذف، وجلد البكر
إذا زنا، وإن كان من المهاجرين أو الأنصار؛ ألا ترى أنه قال: لو سرقت فاطمة
لقطعتها فهذه ابنته، الجارية مجرى نفسه، ولم يحابها في دين الله، ولا راقبها في
حدود الله، وقد جلد أصحاب الإفك، ومنهم مسطح بن أثاثة، وكان من أهل بدر. قالوا: وكيف
كان النبي صلى الله عليه وأله وسلم يعرف هذا الحكم غيرنا ويكتمه عنا ونحن
الورثة؛ ونحن أول الناس بأن يؤدى هذا الحكم إليه، وهذا عمر بن الخطاب يشهد لأهل الشورى أنهم النفر الذين
توفي رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم وهو عنهم راض، ثم يأمر بضرب أعناقهم إن
أخروا فصل حال الإمامة، هذا بعد أن ثلبهم ، وقال في حقهم ما لو سمعته العامة
اليوم من قائل لوضعت ثوبه في عنقه سحباً إلى السلطان، ثم شهدت عليه بالرفض
واستحلت دمه، فإن كان الطعن على بعض الصحابة رفضاً
فعمر بن الخطاب أرفض الناس وإمام الروافض كلهم. ثم
ما شاع وأشتهر من قول عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة، وقى الله شرها؛ فمن عاد إلى
مثلها فاقتلوه؛ وهذا طعن في العقد، وقدح في البيعة الأصلية. ثم عمر القائل في سعد بن عبادة، وهو رئيس
الأنصار وسيدها: اقتلوا سعداً، قتل الله سعداً، اقتلوه
فإنه منافق. وقد شتم
أبا هريرة وطعن في روايته، وشتم خالد بن الوليد وطعن في
دينه، وحكم بفسقه وبوجوب قتله، وخون عمرو بن
العاصى ومعاوية بن أبي سفيان ونسبهما إلى سرقة مال الفيء واقتطاعه، وكان
سريعاً إلى المساءلة، كثير الجبة والشتم والسب لكل أحد، وقل أن يكون في الصحابة
من سلم من معرة لسانه أو يده، ولذلك أبغضوه وملوا
أيامه مع كثرة الفتوح فيها، !لا احترم عمر
الصحابة كما تحترمهم العامة! إما أن يكون عمر مخطئا، وإما أن تكون العامة على
الخطأ! فإن قالوا: عمر ما شتم ولا
ضرب، ولا أساء إلا إلى عاص مستحق لذلك، قيل لهم:
فكأنا نحن نقول: إنا نريد أن نبرأ ونعادي من لا
يستحق البراءة والمعاداة! كلا ما قلنا هذا، ولا يقول هذا مسلم ولا عاقل. فمن الناس من يقول:
روت في ذلك خبراً، ومن الناس من يقول: هو
موقوف عليها؛ وبدون هذا لو قاله إنسان اليوم يكون عند العامة زنديقاً. ثم قد حصر عثمان؛ حصرته أعيان الصحابة، فما كان أحذ ينكر
ذلك، ولا يعظمه ولا يسعى في إزالته، وإنما
أنكروا على من أنكر على المحاصرين له، وهو رجل كما علمتم من وجوه أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وأله وسلم ؛ثم من أشرافهم، ثم هو أقرب إليه من أبي بكر وعمر؛ وهو مع ذلك
إمام المسلمين، والمختار منهم للخلافة، وللإمام حق على رعيته عظيم،
فإن كان القوم قد أصابوا فإذن ليست الصحابة في
الموضع الذي وضعتها به العامة، وإن كانوا ما أصابوا فهذا هو الذي نقول من أن الخطأ جائز على آحاد الصحابة؛
كما يجوز على أحادنا اليوم. ولسنا نقدح في
الإجماع، ولا ندعي إجماعاً حقيقياً على قتل عثمان، وإنما نقول: إن كثيراً من المسلمين فعلوا ذلك والخصم يسلم أن ذلك كان
خطأ ومعصية، فقد سلم أن الصحابي يجوز أن يخطئ ويعصي، وهو المطلوب. وهذا المغيرة بن شعبة وهو من
الصحابة، ادعي عليه الزنا، وشهد عليه قوم بذلك، فلم ينكر ذلك عمر،
ولا قال: هذا محال وباطل لأن
هذا صحابي من صحابة رسول الله صلى
الله عليه وأله وسلم لا يجوز عليه الزنا،
وهلا أنكر عمر على الشهود وقال لهم: ويحكم هلا
تغافلتم عنه لما رأيتموه يفعل ذلك، فإن الله تعالى أوجب الإمساك عن مساوئ أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم ، وأوجب السر عليهم! وهلا تركتموه لرسول الله صلى الله عليه وأله وسلم في قوله:
"دعوا لي أصحابي "! ما رأينا عمر إلا وقد
انتصب لسماع الدعوى، وإقامة الشهادة، وأقبل يقول للمغيرة: يا مغيرة، ذهب
ربعك، يا مغيرة، ذهب نصفك يا مغيرة، ذهب ثلاثة أرباعك، حتى
اضطرب الرابع، فجلد الثلاثة. وهلا قال المغيرة لعمر: كيف تسمع في قول هؤلاء، وليسوا من الصحابة، وأنا من الصحابة، ورسول
الله صلى الله عليه وأله وسلم قد قال: "أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم
اهتديتم "! ما رأيناه قال ذلك،
بل استسلم لحكم الله تعالى. وهاهنا من هو أمثل من المغيرة وأفضل،
قدامة بن مظعون، لما شرب الخمر في أيام
عمر،
فأقام عليه الحد، وهو رجل من علية الصحابة ومن أهل
بدر، والمشهود لهم بالجنة، فلم يرد عمر
الشهادة، ولا درأ عنه الحد لعلة أنه بدري، ولا قال: قد نهى رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم عن ذكر مساوئ
الصحابة. وقد ضرب عمر أيضاً ابنه حدا فمات،
وكان ممن عاصر رسول صلى الله عليه وأله وسلم لم
تمنعه محاصرته له من أقامه الحد عليه. وقال أبو بكر في مرضه الذي مات فيه:
وددت أني لم اكشف بيت فاطمة ولو كان اغلق على حرب، فندم والندم لا يكون إلا عن ذنب. وقال ابن عباس: المتعة حلال، فقال له جبير بن مطعم: كان عمر ينهى عنها، فقال يا عدي نفسه، من هاهنا ضللتم، أحدثكم عن
رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم ، وتحدثني عن عمر! وجاء في الخبر عن علي عليه السلام ، لولا ما فعل عمر بن الخطاب في المتعة ما زنى إلا شقي؛
وقيل: ما زنى إلا شفا،
أي قليلاً. فأما سب بعضهم بعضاً وقدح بعضهم في
بعض في المسائل الفقهية فأكثر من أن يحصى،
مثل قول ابن عباس وهو يرد على زيد مذهبه القول في الفرائض:
إن شاء- أو قال: من شاء- باهلته إن الذي أحصى رمل عالج عددا أعدل من أن يجعل في
مال نصفاً ونصفاً وثلثا، هذان النصفان قد ذهبا بالمال، فأين موضع الثلث! ومثل قول أبي بن كعب في القرآن: لقد قرأت القرآن
وزيد هذا غلام ذو ذؤابتين يلعب بين صبيان اليهود في المكتب. وقالت عائشة: أخروا زيد بن أرقم أنه قد احبط جهاده
مع رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم. وكان يجب أن يكون بسر بن أبي ارطاة
الذي ذبح ولدي عبد الله بن عباس الصغيرين مهتدياً، لأن بسراً من الصحابة أيضاً، وكان يجب أن
يكون عمرو بن العاص ومعاوية اللذان كانا يلعنان
عليا أدبار الصلاة وولديه مهتديين؛ وقد كان
في الصحابة من يزني ومن يشرب الخمر كأبي
محجن الثقفي، ومن يرتد عن الإسلام كطليحة بن
خويلد، فيجب أن يكون كل من أقتدي بهؤلاء في
أفعالهم مهتدياً. إذا تأملت
كتب التواريخ وجدت الخمسين الثانية شراً كلها لا
خير فيها، ولا في رؤسائها وأمرائها، والناس
برؤسائهم وأمرائهم، والقرن خمسون سنة، فكيف يصح هذا الخبر. وصفوان بن المعطل أيضاً كان من
الصحابة، فكان ينبغي
ألا يضيق صدر رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم ،
ولا يحمل ذلك الهم والغم الشديدين اللذين حملهما ويقول:
صفوان من الصحابة، وعائشة من الصحابة، والمعصية
عليهما ممتنعة. قال: وقال بعض رؤساء المعتزلة: غلط أبي حنيفة في الأحكام عظيم، لأنه أضل خلقاً وغلط حماد أعظم من غلط أبي حنيفة، لأن حماداً أصل أبي حنيفة الذي منه تفرع، وغلط إبراهيم أغلظ وأعظم من
غلط حماد، لأنه أصل حماد وغلط علقمة والأسود أعظم من غلط إبراهيم؛ لأنهما أصله الذي عليه اعتمد، وغلط ابن مسعود أعظم من غلط هؤلاء جميعاً، لأنه أول من بدر إلى وضع الأديان برأيه، وهو الذي
قال: أقول فيها برأي، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمني. قال هذا المتكلم: على أن النظام وأصحابه ذهبوا إلى أنه لا حجة في
الإجماع، وأنه يجوز أن تجتمع الأمة على الخطأ
والمعصية، وعلى الفسق بل على الردة، وله كتاب موضوع في الإجماع يطعن فيه
في أدلة الفقهاء، ويقول: إنها ألفاظ غير
صريحة في كون الإجماع حجة، نحو قوله: "جعلناكم
أمة وسطا" وقوله: "كنتم خير
أمة" وقوله: "ويتبع غير سبيل
المؤمنين" . فأما علي عليه
السلام فإنه عندنا بمنزلة الرسول صلى
الله عليه وأله وسلم في تصويب قوله، والاحتجاج بفعله، ووجوب طاعته؛ ومتى صح عنه
أنه قد برئ من أحد من الناس برئناً منه كائناً من كان، ولكن
الشأن في تصحيح ما يروى عنه عليه السلام ، فقد أكثر الكذب عليه، وولدت العصبية
أحاديث لا أصل لها. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أخبار عمار بن ياسر ونسبه،
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما
عمار بن ياسر رحمه الله، فنحن نذكر نسبه وطرفاً من حاله مما
ذكره ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب، قال أبو عمر بن
عبد البر رحمه الله: هو عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن
حصين بن لوذ بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر بن نام بن عنس- بالنون- بن مالك
بن ادد العنسي المذحجيئ، يكنى أبا اليقظان، حليف لبني مخزوم، كذا قال ابن شهاب
وغيره. وقال الواقدي وطائفة من أهل العلم: إن ياسرا والد عمار بن ياسر عربي
قحطاني من عنس، من مذحج، إلا أن ابنه عماراً مولى لبني مخزوم، لأن أباه ياسراً
تزوج أمة لبعض بني مخزوم فأولدها عماراً، وذلك أن ياسرا قدم مكة مع أخوين له
يقال لهما: الحارث ومالك في طلب أخ لهم رابع، فرجع الحارث ومالك إلى اليمن،
وأقام ياسر بمكة، فحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم،
فزوجه أبو حذيفة أمة له يقال لها سمية بنت خياط، فولدت له عماراً فأعتقه
أبوحذيفة، فصار ولاة لبني مخزوم، وللحلف والولاء الذي بين بني مخزوم وعمار بن
ياسر كان اجتماع بني مخزوم إلى عثمان حين نال من عمار غلمان عثمان ما نالوا من
الضرب حتى انفتق له فتق في بطنه وكسروا ضلعا من أضلاعه، فاجتمعت بنو مخزوم؛ وقالوا: والله لئن مات لا قتلنا به أحدا غير عثمان. قال أبو عمر: وفيهم انزل: "إلا من اكره
وقلبه مطمئن بالأيمان " .
الأصل: وقال عليه السلام: ما استودع الله امرأ عقلاً إلا ليستنقذه به
يوماً ما. الشرح: لا بد أن
يكون للبارئ تعالى في إيداع العقل قلب زيد مثلاً غرض، ولا غرض إلا أن يستدل به
على ما فيه نجاته وخلاصه، وذلك هو التكليف، فإن قصر في النظر وجهل وأخطأ الصواب
فلا بد أن ينقذه عقله من ورطة من ورطات الدنيا، وليس يخلو أحد عن ذلك أصلا، لأن
كل عاقل لا بد أن يتخلص من مضرة سبيلها أن تنال بإعمال فكرته وعقله في الخلاص
منها؛ فالحاصل أن العقل إما أن ينقذ الإنقاذ
الديني، وهو الفلاح والنجاح على الحقيقة، أو ينقذ من بعض مهالك الدنيا وآفاتها، وعلى كل حال فقد صح قول أمير المؤمنين عليه السلام ،
وقد رويت هذه الكلمة مرفوعة، ورويت:
"إلا استنفذه به يوماً ما". |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض ما قيل في مدح العقل،
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقد تقدم من قولنا في العقل وما ذكر فيه ما فيه كفاية؛ ونحن نذكر هاهنا شيئاً
أخر: كان يقال: العاقل يروي
ثم يروي و يخبر ثم يخبر. لقمان: يا بني، شاور من جرب الأمور فإنه
يعطيك من رأيه ما قام عليه بالغلاء وتأخذه أنت بالمجان. فقال: إن الأحمق ليصيب بحمقه
أعظم مما يصيبه الفاجر بفجوره، وإنما ترتفع العباد غداً في درجاتهم، وينالون من
الزلفي من ربهم على قدر عقولهم. وسمع هذا الكلام أعرابي
فقال!:
هذا كلام يقطر عسله. من
نظر في المغاب ، ظفر بالمحاب. من اشتدت عزائمه اشتدت دعائمه. الرأي السديد، أجدى من الأيد الشديد.
أبو
الطيب:
ذكر المأمون ولد علي عليه السلام، فقال: خصوا بتدبير الآخرة، وحرموا تدبير
الدنيا.
فأضاف
إليه:
الأصل: وقال عليه السلام: من صارع الحق صرعه.
الأصل: وقال عليه السلام: القلب مصحف البصر.
يقول عليه السلام:
كما أن الإنسان إذا نظر في المصحف قرأ ما فيه، كذلك إذا أبصر الإنسان صاحبه فإنه
يرى قلبه بواسطة رؤية وجهه، ثم يعلم ما في قلبه من حب وبغض وغيرهما، كما يعلم
برؤية الخط الذي في المصحف ما يدل الخط عليه. وقال الشاعر:
الأصل: وقال عليه السلام: التقى رئيس الأخلاق.
الأصل: وقال عليه السلام: كفاك أدبا لنفسك اجتناب ما تكرهه من غيرك. وكتب بعض الكتاب إلى بعض الملوك في حال اقتضت ذلك:
الأصل: وقال عليه السلام يعزي قوماً: من صبر صبر الأحرار، وإلا سلا سلو الأغمار .
الشرح: أخذ
هذا المعنى أبو تمام بل حكاه فقال:
الأصل: وقال عليه السلام في صفة الدنيا: الدنيا تغر وتضر وتمر؛ إن الله سبحانه لم يرضها
ثوابا لأوليائه، ولا عقابا لأعدائه.
وغيره
يرفع ما بعد "بينا" و "بينما" على الابتداء والخبر، فأما إذ
وإذا فإن أكثر أهل العربية يمنعون من مجيئهما بعد بينا وبينما، ومنهم من يجيزه،
وعليه جاء كلام أمير المؤمنين، وأنشدوا:
وقالت
الحرقة بنت النعمان بن المنذر:
وقال
الشاعر:
وما
جاء في وصف الدنيا مما يناسب كلام أمير المؤمنين قول أبي العتاهية:
الأصل: وقال عليه السلام لابنه الحسن
عليه السلام: يا بني؛ لا تخلفن وراءك شيئاً من الدنيا فإنك تخلفه لأحد
رجلين: إما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت به، وإما رجل عمل فيه بمعصية
الله فشقي بما جمعت له؛ فكنت عونًا له على معصيته؛ وليس أحد هذين حقيقاً أن توثره
على نفسك. وخلاصة هذا الفصل أنك أن خلفت مالاً، فإما أن تخلفه لمن
يعمل فيه بطاعة الله، أو لمن يعمل فيه بمعصيته، فالأول
يسعد بما شقيت به أنت، والثاني يكون معانا منك
على المعصية بما تركته له من المال، وكلا الأمرين مذموم، وإنما قال له: "فارج لمن مضى رحمة الله، ولمن بقي رزق الله
"، لأنه قال في أول الكلام: "قد
كان لهذا المال أهل قبلك، وهو صائر إلى أهل بعدك".
الأصل:
وقال عليه السلام لقائل قال بحضرته أستغفر الله:
ثكلتك أمك! أتدري ما الاستغفار؛ إن للاستغفار درجة العاليين، وهو أسم واقع على ستة معان: أولها الندم على ما مضى، والثاني العزم على ترك العود إليه أبداً، والثالث أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله
عز وجل أملس ليس عليك تبعة، والرابع أن تعمد إلى
كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها، والخامس أن
تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم،
وينشأ بينهما لحم جديد، والسادس أن تذيق الجسم
ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك
تقول: أستغفر الله. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في ماهية التوبة وشروطها،
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وينبغي أن نذكر في هذا الموضوع
كلاماً مختصراً مما يقوله أصحابنا في التوبة؛ فإن كلام أمير المؤمنين هو
الأصل الذي أخذ منه أصحابنا مقالتهم، والذي
يقولونه في التوبة، فقد أتى على جوامعه عليه السلام
في هذا الفصل على اختصاره. فأما
القول في وجوب التوبة على العصاة، فلا ريب أن
الشرع يوجب ذلك، فأما العقل فالقول فيه إنه لا يخلو المكلف إما أن يعلم أن
معصيته كبيرة، أو يعلم أنها صغيرة، أو يجوز فيها كلا الأمرين، فإن علم كونها
كبيرة وجب عليه في العقول التوبة منها، لأن التوبة مزيلة لضرر الكبيرة، وإزالة
المضار واجبة في العقول، وإن جوز كونها كبيرة وجوز كونها صغيرة، لزمه أيضاً في
العقل التوبة منها، لأنه يأمن بالتوبة من مضرة مخوفة، وفعل ما يؤمن من المضار
المخوفة واجب، وإن علم أن معصيته صغيرة؛ وذلك كمعاصي الأنبياء؛ وكمن عصى ثم علم
بإخبار نبي أن معصيته صغيرة محبطة، فقد قال الشيخ
أبو علي: إن التوبة منها واجبة في العقول، لأنه إن لم يتب كان مصراً
والإصرار قبيح. الشرح: كان يقال: الحلم جنود مجندة لا أرزاق لها. وقال الشاعر:
وكان يقال: من
غرس شجرة الحلم، اجتنى ثمره السلم. وقد تقدم من القول في الحلم ما فيه كفاية. قال عليه السلام: لا يقولن أحدكم إن فلاناً أولى بفعل الخير مني، فيكون والله
كذلك، مثاله قوم موسرون في محلة واحدة، قصد واحداً منهم سائل فرده، وقال له:
اذهب إلى فلان، فهو أولى بأن يتصدق عليك مني، فإن
هذه الكلمة تقال دائماً، نهى عليه السلام عن قولها وقال: "فيكون
والله كذلك "، أي أن الله تعالي يوفق ذلك الشخص الذي أحيل ذلك السائل عليه،
وييسر الصدقة عليه، ويقوي دواعيه إليها، فيفعلها فتكون كلمة ذلك الإنسان الأول
قد صادفت قدراً وقضاء، ووقع الأمر بموجبها.
وأشد
تصريحاً بالمعنى قول الشاعر:
الأصل: وقال عليه السلام: لا ينبغي للعبد أن يثق بخصلتين: العافية والغنى،
بينا تراه معافى إذ سقم وبينا تراه غنياً إذ افتقر.
وقال
أخر:
وقال
عبيد الله بن طاهر:
أخر:
وقال
أخر:
الأصل: وقال عليه السلام: من شكا الحاجة إلى مؤمن فكأنما شكاها إلى الله،
ومن شكاها إلى كافر فكأنما شكا الله.
ورأيت
بعض الصوفية وقد سمع هذين البيتين من مغن
حاذق، فطرب وصفق وأخذهما لمعنى عنده، وقد قال بعض
المحدثين في هذا المعنى أيضاً:
الأصل: وقال عليه السلام: إن أعظم الحسرات يوم القيامة حسرة رجل كسب مالاً
في غير طاعة الله؛ فورثه رجلاً فأنفقه في طاعة الله سبحانه فدخل به الجنة، ودخل
الأول به النار.
فأكثرهم
إذن يخرج من الدنيا بحسرته، ويقدم على الآخرة بتبعته ، لأن تلك الآمال التي كانت
الحركة والسعئ فيها ليست متعلقة بأمور الدين والآخرة، لا جرم أنها تبعات
وعقوبات، ونسأل الله عفوه. الشرح:
هذا يصلح أن تجعله الأمامية شرح حال الأئمة
المعصومين على مذاهبهم، لقوله: فوق ما يرجون، بهم علم الكتاب، وبه علموا؛
وأما نحن فنجعله شرح حال العلماء العارفين
وهم أولياء الله الذين ذكرهم عليه السلام لما نظر الناس إلى ظاهر الدنيا وزخرفها
من المناكح والملابس والشهوات الحسية، نظروا هم إلى باطن الدنيا، فاشتغلوا
بالعلوم والمعارف والعبادة والزهد في الملاذ الجسمانية، فأماتوا من شهواتهم
وقواهم المذمومة كقوة الغضب وقوة الحسد ما خافوا أن يميتهم، وتركوا من الدنيا
اقتناء الأموال لعلمهم أنها ستتركهم، وأنه لا يمكن دوام الصحبة معها، فكان
استكثار الناس من تلك الصفات استقلالا عندهم، وبلوغ الناس لها فوتًا أيضاً
عندهم، فهم خصم لما سألمه الناس من الشهوات، وسلم لما عاداه الناس من العلوم والعبادات،
وبهم علم الكتاب، لأنه لولاهم لما عرف تأويل الآيات المتشابهات، ولأخذها الناس
على ظواهرها فضلوا. وبالكتاب
علموا، لأن الكتاب دل عليهم، ونبه الناس على مواضعهم، نحو قوله: "إنما يخشى الله من عباده العلماء". وقوله:
"هل يستوي الذين يعلمون والذين لا
يعلمون" وقوله: "ومن يؤت الحكمة
فقد أوتي خيراً كثيراً ". ونحو ذلك من الآيات التي تنادي عليهم، وتخطب
بفضلهم، وبهم قام الكتاب لأنهم قرروا البراهين على صدقه وصحة وروده من الله
تعالى على لسان جبريل عليه السلام ولولاهم لم يقم على ذلك دلالة للعوام،
وبالكتاب قاموا، أي باتباع أوامر الكتاب وادابه قاموا، لأنه لولا تأدبهم بآداب
القرآن، وامتثالهم أوامره؛ لما أغنى عنهم علمهم شيئا، بل كان وباله عليهم، ثم
قال: إنهم لا يرون مرجواً فوق ما يرجون، ولا مخوفاً فوق ما يخافون، وكيف لا
يكونون كذلك ومرجوهم مجاورة الله تعالى في حظائر قدسه، وهل فوق هذا مرجو لراج،
ومخوفهم سخط الله عليهم وإبعادهم عن جنابه، وهل فوق هذا مخوف لخائف.
وراود رجل امرأة عن نفسها، فقالت له: إن امرأ يبيع جنة عرضها السموات
والأرض بمقدار إصبعين لجاهل بالمساحة؛
فاستحيا ورجع. ومن المعنى الأول قول أبي العلاء:
وقال
أخر:
وقال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب:
أخر:
مثله:
الذي
يتعلق به غرضنا من الأبيات هو البيت الأول، وذكرنا سائرها لحسنها.
قال:
وأنشدني أيضاً في المعنى:
وقال
أخر:
وقال
أخر:
وقال
البحتري:
الأصل: وسئل عليه السلام: أيما أفضل؟ العدل أو الجود؛ فقال: العدل يضع
الأمور مواضعها، والجود يخرجها من جهتها، والعدد سائس عام؛ والجود عارض خاص،
فالعدل أشرفهما وأفضلهما. وكان يقال: من جهل شيئا عاداه. وقال الشاعر:
وقيل لأفلاطون:
لم يبغض الجافل العالم، ولا يبغض العالم الجاهل؛ فقال: لأن الجاهل يستشعر النقص
في نفسه، ويظن أن العالم يحتقره، ويزدريه فيبغضه، والعالم لا نقص عنده ولا يظن
أن الجاهل يحتقره، فليس عنده سبب لبغض الجاهل.
وقال
أخر:
وقال
البحتري:
الأصل: وقال عليه السلام: ما أنقض النوم لعزائم اليوم! الشرح: هذه الكلمة قد سبق،
وتكلمنا عليها، وما أحسن قول المعري:
وقال الرضي رحمه الله:
الأصل: وقال عليه السلام: ليس بلد بأحق بك من بلد؛ خير البلاد ما حملك.
وقال شيخي أبو جعفر يحي بن أبي زيد نقيب البصرة:
أبوعبادة
البحتري:
ومنبج،
هي مدينة البحتري، قال أبو تمام:
وقد ذهب كثير من الناس إلى غير هذا المذهب، فجعلوا بعض البلاد أحق بالإنسان من
بعض، وهو الوطن الأول ومسقط الرأس، قال الشاعر:
وكان يقال:
ميلك إلى مولدك من كرم محتدك .
أعرا بي:
كانت العرب
إذا سافرت حملت معها في تربة أرضها ما تستنشق ريحه، وتطرحه في الماء إذا شربته،
وكذلك كانت فلاسفة يونان تفعل.
وقالت الهند:
حرمة بلدك عليك كحرمة أبويك، كان غذاؤك منهما وأنت جنين وكان غذاؤهما منك.
الأصل: وقال عليه السلام وقد جاءه نعي الأشتر رحمه الله: مالك وما مالك؟ والله لو
كان جبلا لكان فنداً، أو كان حجراً لكان صلدأ لا يرتقيه الحافر، ولا يوفي عليه
الطائر. ثم
وصف تلك القطعة بالعلو العظيم، فقال: ولا يوفي عليه الطائر، أي لا يصعد عليه،
لقال: أوفي فلان على الجبل: اشرف.
الأصل: وقال عليه السلام: إذا كان في رجل خلة رائعة،
فانتظروا منه أخواتها . وشتم بعض سفهاء البصرة الأحنف شتماً قبيحاً فحلم عنه،
فقيل له في ذلك؛ فقال: دعوه فإني قد قتلته بالحلم عنه، وسيقتل نفسه
بجراءته، فلما كان بعد أيام جاء ذلك السفيه فشتم زياداً؛ وهو أمير البصرة حينئذ،
وظن أنه كالأحنف، فأمر به فقطع لسانه ويده. والذعادع: الفرق المتفرقة، الواحدة زعزعة، وربما قالوا:
تفرقوا. وكذلك بيع الرطب بالتمر متساوياً كيلا، كل ذلك يقول الشافعي: انه ربا، وأبو حنيفة يحرجه عن كونه رباً، ومسائل هذا الباب
كثيرة. الأصل: وقال عليه السلام: من عظم صغار المصائب؛
ابتلاه الله بكبارها. الشرح: قد تقدم مثل هذا المعنى مراراً، ومن
الكلام المشهور بين العامة: قبح الله أمرا تغلب شهوته على نخوته، والجيد النادر
في هذا قول الشاعر:
الأصل: وقال عليه السلام: ما مزح امروء مزحةً، إلا مج من عقله مجةً .
أي
ما زلت عزيزاً حتى أذلني الحب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أعبد الله بن الزبير نسبه وبعض أخباره
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ونحن
نذكر ما ذكره ابن عبد البر في ترجمة عبد الله بن الزبير، فإن هذا المصنف يذكر جمل أحوال الرجل دون تفاصيلها، ثم نذكر تفصيل أحواله من مواضع أخرى. قال أبو عمر: وشهد عبد الله الجمل مع أبيه وخالته، وكان شهماً ذكراً ذا
أنفة، وكان له لسن وفصاحة وكان أطلس لا لحية له ولا شعر في وجهه، وكان كثير
الصلاة، كثير الصيام، شديد البأس، كريم الجدات والأمهات والخالات، إلا أنه كان
فيه خلال لا يصلح معها للخلافة، فإنه كان بخيلاً ضيق العطن سيء الخلق حسوداً، كثير
الخلاف، أخرج محمد بن الحنفية من مكة والمدينة، ونفي عبد الله بن عباس إلى
الطائف. قال أبو عمر: وبويع له بالخلافة سنة أربع وستين في
قول أبي معشر.
ثم شد عليه أصحاب الحجاج، فسأل عنهم، فقيل: هؤلاء أهل مصر، فقال لأصحابه:
اكسروا أغماد سيوفكم، واحملوا معي، فإنني في الرعيل الأول، ففعلوا، ثم حمل عليهم
وحملوا عليه فكان يضرب بسيفين، فلحق رجلاً فضربه فقطع يده، وانهزموا وجعل يضربهم
حتى أخرجهم من باب المسجد، وجعل رجل منهم أسود يسبه، فقال له: اصبر يا بن حام،
ثم حمل عليه فصرعه، ثم دخل عليه أهل حمص من باب بني شيبه فسأل عنهم، فقيل: هؤلاء
أهل حمص، فشد عليهم وجعل يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من المسجد، ثم انصرف وهو يقول:
ثم دخل عليه أهل الأردن من باب أخر، فقال: من هؤلاء؟ قيل: أهل الأردن، فجعل
يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من المسجد، ثم انصرف وهو يقول:
فاقبل
عليه حجر من ناحية الصفا فأصابه بين عينيه، فنكس رأسه وهو يقول:
أنشده
متمثلاً، وحماه موليان له، فكان أحدهما يرتجز فيقول:
قال: ثم اجتمعوا عليه، فلم يزالوا يضربونه ويضربهم حتى قتلوه
ومولييه جميعاً، فلما قتل كبر أهل الشام، فقال عبد
الله بن عمر: المكبرون يوم ولد خير من المكبرين يوم قتل. قال أبو عمر: وقال يعلى بن حرملة: دخلت مكة بعد ما قتل عبد الله بن
الزبير بثلاثة أيام، فإذا هو مصلوب، فجاءت أمه أسماء،
وكانت امرأة عجوزاً طويلة مكفوفة البصر تقاد، فقالت
للحجاج: أما آن لهذا الراكب أن ينزل؛ فقال لها: المنافق؛! قالت: والله ما كان منافقاً، ولكنه كان صواماً قواماً
براً؛ قال: انصرفي فإنك عجوز قد خرفت. قالت: لا والله ما خرفت، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم يقول: "يخرج من ثقيف
كذاب ومبير" ، أما الكذاب فقد رأيناه- تعني المختار- وأما المبير فأنت. قال: وقد روي محمد بن الضحاك عن أبيه أن أهل الشام كانوا وهم
يقاتلون عبد الله بمكة يصيحون: يا بن ذات النطاقين، يظنونه عيباً، فيقول ابنها: والإله، ثم يقول: إني وإياكم لكما قال أبو ذؤيب:
ثم يقبل على ابن أبي عتيق- وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن
أبى بكر- فيقول:
ألا تسمع يا بن أبي عتيق! قال الزبير: وزعموا أن
عبد الله بن الزبير لما ولد أتى به رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم،
فنظر في وجهه وقال: "أهو هو؟
ليمنعن البيت أو ليموتن دونه "، وقال العقيلي في
ذلك:
قال:
وقد روي نافع بن ثابت، عن محمد بن كعب القرظي، أن رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم دخل على أسماء حين ولد عبد الله فقال: أهو هو؟ فتركت أسماء
رضاعه، فقيل لرسول الله صلى الله عليه وأله وسلم: إن أسماء تركت رضاع عبد الله لما سمعت كلمتك، فقال لها: "أرضعيه ولو بماء عينيك، كبش بين ذئاب عليها
ثياب، ليمنعن الحرم أو ليموتن دونه ". قال:
وحدثني عمي مصعب بن عبد الله، قال: كان عبد الله بن الزبير يقول: هاجرت بي أمي
في بطنها، فما أصابها شيء من نصب أو مخمصة إلا وقد أصابني.
قال: وحدثني عبد الملك بن عبد العزيز، عن خاله يوسف بن الماجشون، قال قسم عبد الله بن الزبير الدهر
على ثلاث ليال: فليلة هو قايم حتى الصباح، وليلة هو
راكع حتى الصباح، وليلة هو ساجد حتى الصباح. قال الزبير:
وعبد الله أول من كسا الكعبة الديباج، وإن كان ليطيبها حتى يجد ريحها من دخل
الحرم. قال: ولم
تكن كسوة الكعبة من قبله إلا المسوح والأنطاع ، فلما جرد المهدي بن المنصور
الكعبة، كان فيما نزع عنها كسوة من ديباج مكتوب عليها: لعبد الله أبي بكر أمير
المؤمنين. قال: وحدثني يحمي بن معين بإسناد رفعه إلى هشام بن عروة، أن عبد الله
بن الزبير اخذ من بين القتلى يوم الجمل وبه بضع وأربعون طعنة وضربة، قال الزبير: واعتلت عائشة مرة، فدخل عليها بنو
أختها أسماء: عبد الله وعروة والمنذر، قال عروة: فسألناها عن حالها، فشكت إلينا
نهكة من علتها فعزاها عبد الله عن ذلك، فأجابته بنحو قولها، فعاد لها بالكلام،
فعادت له بالجواب، فصمت وبكي، قال عروة: فما
رأينا متحاورين من خلق الله أبلغ منهما. قال: ثم رفعت رأسها تنظر إلى وجهه، فابهتت
لبكائه، فبكت ثم قالت: ما أحقني منك يا بني،
ما أري. فلم علم بعد رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم وبعد أبوي أحداً انزل عندي منزلتك، قال عروة: وما سمعت عائشة وأمي أسماء تدعوان لأحد
من الخلق دعاءهما لعبد الله، قال: وقال موسى بن عقبة:
أقرأني عامر بن عبد الله بن الزبير وصية عبد الله بن مسعود إلى الزبير بن العوام
وإلى عبد الله بن الزبير من بعده، وإنهما في وصيتي في حل وبل .
فقال:
ذلك عبد الله بن الزبير: وكان عبد الله من جملة النفر الذين أمرهم عثمان بن عفان
أن ينسخوا القرآن في المصاحف. فقلت:
والله ما رأيت أحداً أشد جلداً على لحم، ولحماً على عظم من ابن الزبير؛ ولا رأيت
أحداً اثبت قائماً، ولا أحسن مصلياً من ابن الزبير، ولقد رأيت حجراً من المنجنيق
جاءه فصاب شرفة من المسجد، فمرت قذاذة منها بين لحيته وحلقه، فلم يزل من مقامه،
ولا عرفنا ذلك في صوته، فقال عمر: لا إله إلا
الله، لجاد ما وصفت! قال الزبير: وسمعت إسماعيل
بن يعقوب التيمي يحدث، قال: قال عمر بن عبد
العزيز لابن أبي مليكة، صف لنا عبد الله بن الزبير، فإنه
ترمرم على أصحابنا فتغشمروا عليه ، فقال: عن أي حاليه تسأل؟ أعن دينه، أم
عن دنياه؟ فقال: عن كل، قال: والله ما رأيت جلداً قط ركب على لحم ولا لحماً على
عصب، ولا عصباً على عظم، مثل جلده على لحمه ولا مثل لحمه على عصبه، ولا مثل عصبه
على عظمه؛ ولا رأيت نفساً ركبت بين جنبين مثل نفس له ركبت بين جنبين، ولقد قام
يوماً إلى الصلاة، فمر به حجر من حجارة المنجنيق، بلبنة مطبوخة من شرفات المسجد،
فمرت بين لحييه وصدره، والله ما خشع لها بصره، ولا قطع لها قراءته، ولا ركع دون
الركوع الذي كان يركع، ولقد كان إذا دخل في الصلاة خرج من كل شيء إليها؛ ولقد
كان يركع في الصلاة فيقع الرخم على ظهره ويسجد فكأنه مطروح. قال الزبير:
وحدث هشام بن عروة، قال: سمعت عمي، يقول: ما
أبالي إذا وجدت ثلاثمائة يصبرون صبري، لو أجلب علي أهل الأرض. قال: وابن الزبير
أحد الرهط الخمسة الذين وقع اتفاق أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص على إحضارهم،
والاستشارة بهم في يوم التحكيم وهم: عبد الله بن
الزبير، وعبد الله بن عمرو، وأبو الجهم بن حذيفة، وجبير بن مطعم، وعبد الرحمن بن
الحارث بن هشام. قال: وأعطت عائشة
من بشرها بأن عبد الله لم يقتل يوم الجمل عشرة آلاف درهم. قال: فكان أول شيء سمع من عبد الله بن الزبير أنه
كان ذات يوم يلعب مع الصبيان، فمر رجل، فصاح عليهم، ففروا منه، ومشي ابن الزبير
القهقري، ثم قال: يا صبيان؛ اجعلوني أميركم، وشدوا بنا عليه. قال: ومر
به عمر بن الخطاب وهو مع الصبيان، ففروا ووقف، فقال لم لم تفر مع أصحابك؟ فقال:
لم أجرم فأخافك، ولم تكن الطريق ضيقة فأوسع عليك! وروي الزبير بن بكار، أن عبد
الله بن سعد بن أبي سرح غزا إفريقية في خلافة عثمان، فقتل عبد الله بن الزبير
جرجير أمير جيش الروم، فقال ابن أبي لمرح: إني موجه بشيراً إلى أمير المؤمنين
بما فتح علينا، وأنت أولى من هاهنا، فانطلق إلى أمير المؤمنين فأخبره الخبر، قال
عبد الله: فلما قدمت على عثمان أخبرته بفتح الله وصنعه ونصره، ووصفت له أمرنا كيف
كان، فلما فرغت من كلامي قال: هل تستطيع أن تؤدي هذا إلى الناس؟ قلت: وما يمنعني
من ذلك! قال: فأخرج إلى الناس فأخبرهم قال عبد الله: فخرجت حتى جئت المنبر
فاستقبلت الناس، فتلقاني وجه أبي، فدخلتني له هيبة عرفها أبي في وجهي، فقبض قبضة
من حصباء، وجمع وجهه في وجهي وهم أن يحصبني فأحزمت، فتكلمت. وروي الزبير بن بكار، قال: كان سبب تعوذ ابن الزبير بالكعبة أنه كان يمشي بعد عتمه في
بعض شوارع المدينة؛ إذ لقي عبد الله بن سعد بن أبي سرح متلثما لا يبدو منه إلا
عيناه. قال: فأخذت بيده وقلت: ابن أبي سرح! كيف كنت بعدي؟ وكيف تركت أمير المؤمنين؟ يعني
معاوية- وقد كان ابن أبي سرح عنده بالشام- فلم يكلمني، فقلت: ما لك؟ أمات أمير
المؤمنين؟ فلم يكلمني، فتركته وقد أثبت معرفته، ثم
خرجت حتى لقيت الحسين بن علي رضي الله عنه، فأخبرته خبره، وقلت: ستأتيك
رسل الوليد، وكان الأمير على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، فانظر ما أنت صانع! وأعلم أن رواحلي في الدار
معدة، والموعد بيني وبينك أن تغفل عنا عيونهم، ثم فارقته فلم البث أن أتاني رسول
الوليد، فجئته فوجدت الحسين عنده، ووجدت عنده مروان بن الحكم، فنعي إلي معاوية؛
فاسترجعت فأقبل علي، وقال: هلم إلى بيعة يزيد، فقد كتب إلينا يأمرنا أن نأخذها
عليك! فقلت: إني قد علمت أن في نفسه علي
شيئاً لتركي بيعته في حياة أبيه، وإن بايعت له على هذه الحال توهم أني مكره على
البيعة، فلم يقع منه ذلك بحيث أريد، ولكن أصبح ويجتمع الناس، ويكون ذلك علانية
إن شاء الله؛ فنظر الوليد إلى مروان فقال مروان:
هو الذي قلت لك؛ إن يخرج لم تره. فأحببت أن القي
بيني وبين مروان شراً نتشاغل به، فقلت له: وما أنت وذاك يا بن الزرقاء!
فقال لي، وقلت له، حتى تواثبنا، فتناصيت أنا وهو، وقام الوليد فحجز بيننا، فقال
مروان: أتحجز بيننا بنفسك، وتدع أن تأمر أعوانك! فقال: قد أرى ما تريد، ولكن لا
أتولي ذلك منه والله أبداً، اذهب يابن الزبير حيث شئت؛ قال: فأخذت بيد الحسين،
وخرجنا من الباب حتى صرنا إلى المسجد، وأنا أقول:
فلما
دخل المسجد افترق هو والحسين، وعمد كل واحد منهما إلى مصلاه يصلي فيه، وجعلت
الرسل تختلف إليهما، يسمع وقع أقدامهم في الحصباء حتى هدأ عنهما الحس، ثم انصرفا
إلى منازلهما، فأتى ابن الزبير رواحله، فقعد عليها، وخرج من أدبار داره، ووافاه
الحسين بن علي، فخرجا جميعاً من ليلتهم، وسلكوا طريق الفرع حتى مروا بالجثجاثة
وبها جعفر بن الزبير قد ازدرعها، وغمز عليهم بعير من إبلهم فانتهوا إلى جعفر،
فلما رآهم قال: مات معاوية؟ فقال عبد الله: نعم؛ انطلق معنا وأعطنا أحد جمليك-
وكان ينضح على جملين له- فقال جعفر متمثلاً:
فقال عبد الله- وتطير منها: بفيك التراب! فخرجوا جميعاً حتى قدموا مكة، قال الزبير: فأما الحسين عليه السلام
فإنه خرج من مكة يوم التروية يطلب
الكوفة والعراق، وقد كان قال لعبد الله بن الزبير:
قد أتتني بيعة أربعين ألفا يحلفون لي بالطلاق والعتاق من أهل العراق، فقال:
أتخرج إلى قوم قتلوا أباك وخذلوا أخاك! قال: وبعض
الناس يزعم أن عبد الله بن عباس هو الذي قال للحسين ذلك. قال: وروي إسحاق بن عبيد الله، عن المنذر بن الجهم الأسلمي، قال: رأيت ابن الزبير، وقد خذله من معه
خذلانا شديداً، وجعلوا يخرجون إلى الحجاج، خرج إليه منهم نحو عشرة آلاف، وذكر
أنه كان ممن فارقه، وخرج إلى الحجاج ابناه: خبيب وحمزة، فأخذا من الحجاج
لأنفسهما أماناً. فانظري يا أمه، فإني مقتول من يومي هذا، فلا يشتد حزنك، وسلمي
لأمر الله، فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر، ولا عملا بفاحشة، ولم يجر في حكم، ولم
يغدر في أمان، ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد، ولم يبلغني ظلم عن عمالي فرضيت به
بل أنكرته، ولم يكن شيء آثر عندي من رضا ربي. اللهم إني لا أقول هذا تزكية مني
لنفسي، أنت أعلم بي، ولكنني أقوله تعزية لأمي لتسلو عني. فقالت
أمه: إني لأرجو من الله أن يكون عزائي فيك حسناً إن تقدمتني، فلا أخرج من
الدنيا حتى أنظر إلى ما يصير أمرك، فقال:
جزاك الله يا أمه خيراً! فلا تدعي الدعاء لي قبل وبعد؛ قالت:
لا أدعه أبداً، فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق.
ثم قالت: اللهم ارحم طول ذلك القيام في
الليل الطويل، وذلك النحيب والظمأ في هواجر المدينة ومكة، وبره بأبيه وبي! اللهم
إني قد سلمته لأمرك فيه، ورضيت بما قضيت، فأثبني في عبد الله ثواب الصابرين
الشاكرين .
فسمعت العجوز قوله، فقالت: تصبر والله، ولم لا تصبر وأبوك أبو بكر والزبير، وأمك صفية
بنت عبد المطلب ! قال
وروي محمد بن عمر عن ثور بن يزيد عن رجل من أهل حمص قال: شهدته والله ذلك اليوم
ونحن خمسمائة من أهل حمص، فدخل من باب المسجد لا يدخل منه غيرنا، وهو يشد علينا ونحن منهزمون وهو يرتجز:
فأقول: أنت والله الحر الشريف، فلقد رأيته يقف بالأبطح، لا يدنو
منه أحد حتى ظننا أنة لا يقتل . قال وروي مصعب بن ثابت، عن نافع مولي
بني أسد، قال: رأيت الأبواب قد شحنت بأهل الشام، وجعلوا على كل باب قائداً
ورجالاً وأهل بلد، فكان لأهل حمص الباب الذي يواجه باب الكعبة، ولأهل دمشق باب
بني شيبة، ولأهل الأردن باب الصفا، ولأهل فلسطين باب بني جمح، ولأهل فنسرين باب
بني سهم، وكان الحجاج وطارق بن عمرو في ناحية الأبطح إلى المروة، فمرة يحمل ابن
الزبير في هذه الناحية، ولكنه اشد في أجمة ما يقدم عليه الرجال، فيغدو في اثر
الرجال وهم على الباب حتى يخرجهم، ثم يصيح إلى عبد الله بن صفوان، يا أبا صفوان،
ويل أمه فتحاً لوكأن له رجال! ثم يقول:
فيقول
عبد الله بن صفوان: إي والله وألفاً .
ثم قالوا:
احملوا على بركة الله، ثم حمل حتى بلغ بهم إلى الحجون، فرمي بحجر، فأصاب وجهه،
فارعش ودمي وجهه، فلما وجد سخونة الدم تسيل على وجهه ولحيته قال:
قال:
وتقاووا عليه، وصاحت مولاة له مجنونة: وا أمير المؤمنيناه! وقد كان هوي، ورأته
حين هوي فأشارت لهم إليه، فقتل وإن عليه لثياب خز، وجاء الخبز إلى الحجاج، فسجد
وسار هو وطارق بن عمرو، فوقفاً عليه، فقال طارق: ما ولدت النساء اذكر من هذا، فقال الحجاج: أتمدح من يخالف طاعة أمير المؤمنين! فقال طارق:
هو أعذر لنا، ولولا هذا ما كان لنا عذر، إنا محاصروه وهو في غير خندق ولا حصن
ولا منعة منذ ثمانية أشهر ينتصف منا، بل يفضل علينا في كل ما التقينا نحن وهو؛
قال: فبلغ كلامهما عبد الملك، فصوب طارقاً.
وكسر بعض جنده خمسة أرماح في صدور أصحاب الحجاج، وكلما كسر
رمحاً أعطاه رمحاً، فشق عليه ذلك، وقال: خسمة أرماح! لا يحتمل بيت مال المسلمين
هذا.
قال: وجاءه أعرابي سائل فرده، فقال
له: لقد أحرقت الرمضاء قدمي، فقال: بل عليهما يبردان.
وروي المدائني، قال: لما أخرج ابن الزبير عبد الله بن عباس من مكة إلى الطائف مر
بنعمان، فنزل فصلى ركعتين، ثم رفع يديه يدعو، فقال: اللهم إنك تعلم أنه لم يكن
بلد أحب إلي من أن أعبدك فيه من البلد الحرام، وأنني لا احب أن تقبض روحي إلا
فيه، وأن الزبير أخرجني منه، ليكون الأقوى في سلطانه. اللهم فأوهن كيده، واجعل دائرة الله عليه.
فلما دنا من الطائف تلقاه أهلها، فقالوا: مرحباً بابن عم رسول الله صلى الله
عليه وأله وسلم ! أنت والله أحب إلينا وأكرم علينا ممن أخرجك؛ هذه منازلنا
تخيرها، فانزل! منها حيث أحببت؛ فنزل منزلاً، فكان يجلس إليه أهل الطائف بعد
الفجر وبعد العصر، فيتكلم بينهم، كان يحمد الله ويذكر النبي صلى الله عليه وأله
وسلم والخلفاء بعده، ويقول: ذهبوا فلم يدعوا أمثالهم ولا أشباههم ولا من
يدانيهم؛ ولكن بقي أقوام يطلبون الدنيا بعمل الآخرة، ويلبسون جلود الضأن، تحتها
قلوب الذئاب والنمور، ليظن الناس أنهم من الزاهدين في الدنيا، يراءون الناس
بأعمالهم، ويسخطون الله بسرائرهم، فادعوا الله أن يقضي لهذه الأمة بالخير
والإحسان، فيولي أمرها خيارها وإبرارها. ويهلك فجارها واشرارها،. ارفعوا أيديكم
إلى ربكم وسلوه ذلك؛ فيفعلون. فبلغ ذلك ابن الزبير، فكتب إليه: أما بعد، فقد بلغني أنك تجلس بالطائف العصرين فتفتيهم
بالجهل، تعيب أهل العقل والعلم؛ وإن حلمي عليك، واستدامتي فيئك جراك علي، فاكفف-
لا أبا لغيرك- من غربك، وأربع على ظلعك ، واعقل إن كان لك معقول، وأكرم نفسك
فإنك إن تهنها تجدها على الناس أعظم هواناً، ألم
تسمع قول الشاعر:
وإني
اقسم بالله لئن لم تنته عما بلغني عنك لتجدن جانبي خشناً، ولتجدنني إلى ما يردعك
عني عجلاً، فر رأيك، فإن أشفي بك شقاؤك على الردى فلا تلم إلا نفسك. فكتب إليه ابن عباس: أما بعد، فقد بلغني كتابك، قلت: إني أفتى الناس بالجهل، وإنما يفتي بالجهل من
لم يعرف من العلم شيئا، وقد أتاني الله من العلم ما لم يؤتك، وذكرت أن حلمك عني،
واستدامتك فيئي جراني عليك، ثم قلت: اكفف من
غر بك، و أربع على ظلعك؛ وضربت لي الأمثال، أحاديث الضبع، متى رأيتني لعرامك
هائباً، ومن حدك ناكلاً ! وقلت: لئن لم تكفف
لتجدن جانبي خشناً، فلا أبقي الله عليك إن أبقيت، ولا أرعى عليك إن أرعيت! فو
الله لا أنتهي عن قول الحق، وصفة أهل العدل والفضل، وذم الأخسرين أعمالا، الذين
ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا؛ والسلام. قدم معاوية المدينة راجعا من حجة حجها، فكثر الناس عليه في
حوائجهم، فقال! لصاحب إبله: قدم إبلك ليلاً حتى أرتحل، ففعل ذلك، وسار ولم يعلم
بأمره إلا عبد الله بن الزبير، فإنه ركب فرسه وقفا أثره، ومعاوية نائم في هودجه، فجعل يسير
إلى جانبه، فانتبه معاوية وقد سمع وقع حافر الفرس، فقال: من صاحب الفرس؛ قال:
أنا أبو خبيب، لو قد قتلتك منذ الليلة! يمازحه، فقال
معاوية: كلا لست من قتلة الملوك،
إنما يصيد كل طائر قدره. فقال ابن الزبير:
إلي تقول هذا، وقد وقفت في الصف بازاء علي بن أبي
طالب، وهو من تعلم! فقال معاوية: لا جرم! إنه قتلك وأباك بيسري يديه، وبقيت يده
اليمنى فارغة يطلب من يقتله بها. فقال ابن الزبير: أما
والله ما كان ذاك إلا في نصر عثمان فلم نجز به، فقال
معاوية: خل هذا عنك، فو الله لولا شدة بغضك ابن أبي طالب لجررت برجل
عثمان مع الضبع. فقال ابن الزبير: افتعلتها يا معاوية! أما إنا فد أعطيناك عهداً، ونحن وافون
لك به ما دمت حياً، ولكن ليعلمن من بعدك، فقال
معاوية: أما والله ما أخافك إلا على نفسك، وكأني بك وأنت مشدود مربوط في
الأنشوطة، وأنت تقول: ليت أبا عبد الرحمن
كان حياً، وليتني كنت حياً يومئذ، فأحلك حلا رفيقا، ولبئس المطلق والمعتق
والمسنون عليه أنت يومئذ! دخل عبد الله بن الزبير على معاوية وعنده عمرو بن العاص، فتكلم
عمرو- وأشار إلى ابن الزبير- فقال: هذا والله يا أمير المؤمنين الذي غرته أناتك، وأبطره حلمك،
فهو ينزو في نشطته نزو العير في حبالته، كلما قمصته
الغلواء والشرة سكنت الأنشوطة منه النفرة، وأحر به أن يئول إلى القلة أو
الذلة، فقال ابن الزبير: أما والله يا بن العاص، لولا أن الإيمان ألزمنا
بالوفاء، والطاعة للخلفاء- فنحن لا نريد بذلك بدلاً، ولا عنه حولاً- لكان لنا
وله ولك شأن، ولو وكله القضاء إلى رأيك، ومشورة نظرائك لدافعناه بمنكب لا تئوده
المزاحمة، ولقاذفناه بحجر لا تنكؤه المزاحمة؛ فقال
معاوية: أما والله يا بن الزبير لولا إيثاري الأناة على العجل، والصفح
على العقوبة، وأني كما قال الأول:
إذا لقرنتك إلى سارية من سواري الحرم تسكن بها غلواءك،
وينقطع عندها طمعك، وتنقص من املك، ما لعلك قد لويته فشزرته، وفتلته فأبرمته . وايم الله إنك من ذلك لعلى شرف جرف بعيد الهوة، فكن على نفسك ولها،
فما توبق ولا تنقذ غيرها، فشأنك وإياها. فبلغ الخبر عبد الله بن العباس، فخرج مغضباً
ومعه ابنه حتى أتى المسجد، فقصد قصد المنبر فحمد الله وأثني عليه، وصلى على رسول
الله صلى الله عليه وأله وسلم ثم قال: أيها الناس، إن ابن الزبير يزعم أن لا أول لرسول صلى الله
عليه وأله وسلم ولا أخر، فيا عجباً كل العجب لافترائه ولكذبه! والله إن أول من
اخذ الإيلاف وحمي عيرات قريش لهاشم، وإن أول من سقي مكة عذباً، وجعل باب الكعبة
ذهباً لعبد المطلب، والله لقد نشأت ناشئتنا مع ناشئة قريش، وإن كنا لقالتهم إذا
قالوا، وخطباءهم إذا خطبوا، وما عد مجد كمجد أولنا، ولا كان في قريش مجد لغيرنا،
لأنها في كفر ماحق، ودين فاسق، وضلة وضلالة، في عشواء عمياء، حتى اختار الله
تعالي لها نوراً، وبعث لها سراجاً، فانتجبه طيباً من طيبين، لا يسبه بمسبة، ولا
يبغي عليه غائلة، فكان أحدنا وولدنا، وعمنا وابن عمنا . ثم إن أسبق السابقين
إليه منا وابن عمنا، ثم تلاه في السبق، أهلنا ولحمتنا واحداً بعد واحد. فقال ابن عباس لقائده
سعد بن جبير بن هشام موك بني أسد بن خزيمه: استقبل بي وجه ابن الزبير، وارفع من
صدري، وكان
ابن عباس قد كف بصره فاستقبل به قائدة وجه ابن الزبير، وأقام قامته فحسر عن
ذراعيه، ثم قال يا بن الزبير:
يا بن الزبير، أما العمى فإن الله تعالى يقول: "فإنها
لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور"، وأما فتياي في
القملة والنملة، فإن فيها حكمين لا تعلمها أنت ولا أصحابك. وأما حملي المال!
فإنه كان مالاً جبيناه فأعطينا كل ذي حق حقه، وبقيت بقية هي دون حقنا في كتاب
الله فأخذناها بحقنا. وأما
المتعة فسل أمك أسماء إذا نزلت عن بردي عوسجة.
وأما
قتالنا أم المؤمنين فبنا سميت أم المؤمنين لا بك
ولا بأبيك، فانطلق أبوك وخالك إلى
حجاب مده الله عليها، فهتكاه عنها، ثم
اتخذاها فتنة يقتلان دونها، وصانا حلائلهما في بيوتهما، فما انصفا الله ولا محمدأ من أنفسهما أن ابرزا زوجة نبيه وصانا
حلائلهما. وأما قتالنا إياكم فأنا لقينا
زحفاً، فإن كنا كفاراً فقد كفرتم بفراركم منا، وإن
كنا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم إيانا،
وأيم الله لولا مكان صفية فيكم، ومكان خديجة فينا، لما
تركت لبني أسد بن عبد العزي عظماً إلا كسرته.
وروي عثمان بن طلحة العبدري، قال: شهدت من ابن عباس رحمه الله مشهداً ما سمعته
من رجل من قريش، كان يوضع إلي جانب سريره مروان بن الحكم- وهو يومئذ أمير
المدينة- سرير أخر أصغر من سريره؛ فيجلس عليه عبد الله بن عباس إذا دخل،
وتوضع الوسائد فيما سوى ذلك،
فأذن مروان يوماً للناس، وإذا سرير أخر قد احدث تجاه سرير مروان فأقبل ابن عباس فجلس على سريره، وجاء عبد الله بن الزبير
فجلس على السرير المحدث، وسكت مروان والقوم، فإذا يد ابن الزبير تتحرك فعلم أنه
يريد أن ينطق ، ثم نطق فقال: إن ناساً
يزعمون أن بيعة أبي بكر كانت غلطاً وفلتة ومغالبة، ألا إن شأن أبي بكر أعظم من أن يقال فيه هذا، ويزعمون
أنه لولا ما وقع لكان الأمر لهم وفيهم، والله ما كان من أصحاب محمد صلى الله
عليه وأله وسلم أحد أثبت إيماناً، ولا أعظم سابقة من أبي بكر، فمن قال غير ذلك فعليه لعنة الله! فأين هم حين
عقد أبو بكر لعمر، فلم يكن إلا ما قال، ثم ألقي عمر حظهم في حظوظ، وجدهم في
جدود، فقسمت تلك الحظوظ، فأخر الله سهمهم، وأدحض جدهم ، وولي الأمر عليهم من كان
أحق به منهم، فخرجوا عليه خروج اللصوص على التاجر خارجاً من القرية، فأصابوا منه
غرة فقتلوه، ثم قتلهم الله به قتلة، وصاروا مطرودين تحت بطون الكواكب. خطب عبد الله بن الزبير
أيام يزيد بن معاوية فقال في خطبته: يزيد القرود، يزيد الفهود، يزيد الخمور، يزيد الفجور! أما والله لقد بلغني أنه لا يزال مخموراً يخطب الناس وهو
طافح في سكره، فبلغ ذلك يزيد بن معاوية، فما أمسى ليلته حتى جهز جيش
الحرة، وهو عشرون ألفاً، وجلس والشموع بين يديه، وعليه ثياب معصفرة، والجنود
تعرض عليه ليلاً، فلما أصبح خرج فأبصر الجيش، ورأي تعبيته فقال:
لما خرج الحسين عليه السلام من مكة إلى العراق ضرب عبد الله بن
عباس بيده على منكب أبن الزبير، وقال:
خلا الجو والله لك يا بن الزبير! وسار الحسين إلى العراق، فقال
ابن الزبير: يا بن عباس، والله ما ترون هذا الأمر إلا لكم، ولا ترون إلا
أنكم أحق به من جميع الناس، فقال ابن عباس:
إنما يري من كان في شك، ونحن من ذلك على يقين ولكن اخبرني عن نفسك، بماذا تروم
هذا الأمر؛ قال: بشرفي، قال: وبماذا شرفت إن
كان لك شرف؟ فإنما هو بنا، فنحن أشرف منك،
لأن شرفك منا، وعلت أصواتهما، فقال غلام من آل
الزبير: دعنا منك يا بن عباس، فوا لله لا
تحبوننا يا بني هاشم ولا نحبكم أبداً، فلطمه عبد
الله بن الزبير بيده وقال: أتتكلم وأنا حاضر! فقال
ابن عباس: لم ضربت الغلام، والله أحق بالضرب منه من مزق ومرق ، قال: ومن
هو؛ قال: أنت، قال: واعترض بينهما رجال من
قريش فأسكتوهما.
فقال معاوية: لقد شعرت بعدي يا أبا خبيب! وبينما هما في ذلك دخل معن بن
أوس المزني، فقال له معاوية: إيه! هل أحدثت بعدنا شيئاً؟ قال: نعم، قال: قل،
فأنشد هذه الأبيات، فعجب معاوية وقال لابن الزبير: ألم تنشدها لنفسك آنفاً!
فقال: أنا سويت المعاني، وهو ألف الألفاظ ونظمها، وهو بعد ظئري، فما قال من شيء
فهو لي- وكان ابن الزبير مسترضعاً في مزينة-
فقال معاوية: وكذبا ياً أبا حبيب! فقام عبد الله
فخرج. وجاء فجلس، فقام أخوه مصعب فالتزم الركن وقال: اللهم رب كل
شيء، وإليك مصير كل شيء، أسألك بقدرتك على كل شيء، ألا تميتني حتى إلي العراق،
وأتزوج سكينة بنت الحسين بن علي، ثم جاء فجلس. فقام
عبد الملك فالتزم الركن وقال:
اللهم رب السموات السبع، والأرض ذات النبت والقفر، أسألك بما سألك به المطيعون
لأمرك، وأسألك بحق وجهك، وبحقك على جميع خلقك، ألا تميتني حتى ألي شرق الأرض
وغربها، لا ينازعني أحد إلا ظهرت عليه، ثم جاء فجلس. فقام عبد الله بن عمر فأخذ بالركن وقال: يا رحمن يا رحيم، أسألك برحمتك التي
سبقت غضبك، وبقدرتك على جميع خلقك، ألا تميتني حتى توجب لي الرحمة. وروي الزبير بن بكار في
كتاب أنساب قريش قال:
قد وفد من العراق على عبد الله بن الزبير،
فأتوه في المسجد الحرام، فسلموا عليه، فسألهم عن
مصعب أخيه وعن سيرته فيهم، فاثنوا عليه، وقالوا خيراً، وذلك في يوم جمعة،
فصلى عبد الله بالناس الجمعة، ثم صعد المنبر، فحمد
الله ثم تمثل:
أيها
الناس، إني قد سألت هذا الوفد من أهل العراق عن عاملهم مصعب بن الزبير فأحسنوا
الثناء عليه، وذكروا عنه ما احب، ألا إن مصعباً اطبى القلوب حتى لا تعدل به،
والأهواء حتى لا تحول عنه، واستمال الألسن بثنائها، والقلوب بنصائحها، والأنفس
بمحبتها وهو المحبوب في خاصته، المأمون في عامته، بما أطلق الله به لسانه من
الخير وبسط به يديه من البذل، ثم نزل. ألا
إن أهل العراق، أهل الغدر والنفاق، أسلموه وباعوه بأقل الثمن، فإن يقتل المصعب فأنا لله وأنا إليه راجعون! ما
نموت جبحاً كما يموت بنو العاص، ما نموت إلا قتلاً، قعصاً بالرماح، وموتاً تحت
ظلال السيوف، ألا إنما الدنيا عارية من الملك الأعلى الذي لا يزول سلطانه ولا
يبيد، فإن تقبل الدنيا علي لا آخذها أخذ الأشر البطر، أن تدبر عني لا أبكي عليها
بكاء الخرف المهتر، وإن جهلك المصعب فإن في آل الزبير لخلفاً. ثم نزل.
وروي أبو العباس في الكامل أن عروة لما صلب عبد الله جاء إلى عبد
الملك فوقف ببابه، وقال للحاجب: اعلم أمير المؤمنين أن أبا عبد الله بالباب، فدخل الحاجب
فقال: رجل يقول قولا عظيماً، قال: وما هو؟ فتهيب، فقال: قل. قال: رجل يقول: قل
لأمير المؤمنين: أبو عبد الله بالباب، فقال عبد الملك: قل لعروة يدخل، فدخل
فقال: تأمر بإنزال جيفة أبي بكر فإن النساء يجزعن، فامر بإنزاله. قال: وقد كان كتب
الحجاج إلى عبد الملك يقول: أن خزائن عبد الله عند عروة، فمره فليسقمها؛
فدفع عبد الملك إلى عروة، وظن أنه يتغير، فلم يحفل بذلك كأنه ما قرأه، فكتب عبد
الملك إلى الحجاج ألا يعرض لعروة.
دخل عبد الله بن الزبير على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين، لا تدعن مروان يرمي جماهير قريش بمشاقصه ، ويضرب صفاتهم
بمعوله. أما والله، إنه لولا مكانك لكان أخف
على رقابنا من فراشة، وأقل في أنفسنا من خشاشة ، وأيم الله لئن ملك أعنة خيل
تنقاد له لتركبن منه طبقاً تخافه. فقال معاوية: إن يطلب مروان هذا الأمر فقد طمع فيه من هو دونه، وإن يتركه
يتركه لمن فوقه، وما أراكم بمنتهين حتى يبعث الله عليكم من لا يعطف عليكم
بقرابة، ولا يذكركم عند ملمة، يسومكم خسفأ، ويسوقكم عسفاً.
فاطرق ابن الزبير ساعة ينكت في الأرض، ثم رفع رأسه وقال:
فقال عمرو:
والله يا بن الزبير إنك ما علمت لمتجلبحب جلابيب الفتنة، متآزر بوصائل التيه،
تتعاطى الذرا الشاهقة، والمعالي الباسقة، وما أنت من قريش في لباب جوهرها ولا
مؤنق حسبها! فقال ابن الزبير:
أما ما ذكرت من تعاطي الذرا فإنه طال بي إليها وسما ما لا يطول بك مثله:
انف حمي، وقلب ذكي، وصارم مشرفي، في اليد فارع ، وطريف مانع، إذ قعد بك انتفاخ
سحرك ، ووجيب قلبك . وأما ما ذكرت من
أني لست من قريش في لباب جوهرها، ومؤنق حسبها، فقد أحضرتني وإياك الأكفاء
العالمون بي وبك، فأجعلهم بيني وبينك فقال القوم:
قد أنصفك يا عمرو، قال: قد فعلت.
أما والله يا بن العاص، لو أن الذي أمرك بهذا واجهني بمثله لقصرت
إليه من سامي بصره، ولتركته يتلجلج لسانه، وتضطرم النار في جوفه، ولقد استعان
منك بغير واف ولجأ إلى غير كاف، ثم قام فخرج. وذكر المسعودي في كتاب مروج الذهب أن الحجاج لما حاصر ابن الزبير
لم يزل يزحف حتى ملك الجبل المعروف بأبي قبيس، وقد كان بيد ابن الزبير، فكتب بذلك إلى عبد
الملك، فلما قرأ كتابه كبر و كبر من كان في داره حتى اتصل التكبير بأهل
السوق،
فكبروا، وسأل الناس ما الخبر؛ فقيل لهم: إن الحجاج حاصر ابن الزبير بمكة، وظفر
بأبي قبيس، فقال الناس: لا نرضي حتى يحمل
أبو خبيب إلينا مكبلاً على رأسه برنس، راكب جمل، يطاف به في الأسواق، تراه
العيون.
وقال
فيه أيضاً:
وقال
فيه شاعر أيضاً، لما كانت الحرب بينه وبين الحصين بن نمير قبل أن يموت يزيد بن
معاوية:
وقال
الضحاك بن فيروز الديلمي:
قال:
هو عمرو بن الزبير أخوه، ضربه عبد الله حتى مات وكان مبايناً له . ثم إن عبد الله جمع بني هاشم كلهم في سجن عارم، وأراد أن يحرقهم بالنار، وجعل في فم
الشعب حطباً كثيراً، فأرسل المختار أبا عبد الله
الجدلي في أربعة آلاف، فقال أبو عبد الله
لأصحابه: ويحكم! إن بلغ أبن الزبير الخبر
عجل على بني هاشم فأتى عليهم، فانتدب هو نفسه في ثمانمائة فارس جريدة ، فما شعر
بهم ابن الزبير إلا والرايات تخفق بمكة، فقصد قصد الشعب، فأخرج الهاشميين منه،
ونادي بشعار محمد بن الحنفية، وسماه المهدي، وهرب ابن الزبير، فلاذ بأستار
الكعبة، فنهاهم محمد بن الحنفية عن طلبه وعن الحرب، وقال: لا أريد
الخلافة إلا إن طلبني الناس كلهم، واتفقوا علي
كلهم، ولا حاجة لي في الحرب .
قال: ابن الكاهلية هو عبد الله بن الزبير، والكاهلية هذه هي أم
خويلد بن أسد بن عبد العزي، وأسمها زهرة بنت عمرو بن خنثر بن روينة بن هلال، من
بني كاهل بن أسد بن خزيمة- قال: فقال عبد الله بن الزبير لما
بلغه الشعر: علم أنها شر أمهاتي فعيرني بها، وهي خير عماته. الأصل: وقال عليه السلام: ما لابن أدم والفخر! أوله
نطفة، وأخره جيفة. لا يرزق نفسه، ولا يدفع حتفه. الشرح:
قد تقدم كلامنا في الفخر، وذكرنا الشعر الذي أخذ من هذا الكلام، وهو قول القائل:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض ما قيل في الفخر وقبحه،
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقال بعض الحكماء: الفخر هو المباهاة بالأشياء الخارجة عن الإنسان، وذلك نهاية
الحمق لمن نظر بعين عقله، وانحسر عنه قناع جهله، فأعراض الدنيا عارية مستردة، لا
يؤمن في كل ساعة أن ترتجع، والمباهي بها مباه بما في غير ذاته. وأيضاً فإن الأعراض الدنيوية كما قيل: سحابة صيف عن قليل تقشع، وظل زائل عن
قريب يضمحل، كما قال الشاعر:
بل
كما قال تعالى: "إنما مثل الحياة الدنيا كماء
أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت
الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً
فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس " . |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مع بن أبي طالب حول أشعر الشعراء
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الشرح :
قرأت في أمال ابن دريد، أخبرنا الجرموزي، عن ابن المهلبي، عن ابن الكلبي، عن
شداد بن إبراهيم، عن عبيد الله بن الحسن العنبري، عن ابن عرادة، قال: كان علي بن أبي طالب عليه السلام يعشي الناس في
شهر رمضان باللحم ولا يتعشي معهم، فإذا فرغوا خطبهم ووعظهم، فأفاضوا ليلة في
الشعراء وهم على عشائهم، فلما فرغوا خطبهم عليه
السلام وقال في خطبته: اعلموا أن ملاك أمركم الذين، وعصمتكم التقوى،
وزينتكم الأدب، وحصون أعراضكم الحلم، ثم قال: قل يا أبا الأسود فيم كنتم تفيضون
فيه؟ أي الشعراء أشعر؛ فقال: يا أمير المؤمنين الذي يقول:
يعني أبا دواد الأيادي، فقال عليه السلام: ليس به، قالوا: فمن يا أمير
المؤمنين؟ فقال: لو رفعت للقوم غاية فجروا إليها معا علمنا من السابق منهم، ولكن
إن يكن فالذي لم يقل عن رغبة ولا رهبة. قيل: من هويا
أمير المؤمنين؛ قال: هو الملك الضليل ذو القروح، قيل: امرؤ القيس يا أمير
المؤمنين؟ قال: هو. قيل:
فأخبرنا عن ليلة القدر؛ قال: ما أخلو من أن أكون أعلمها فاستر علمها، ولست أشك
أن الله إنما يسترها عنكم نظراً لكم، لأنه لو أعلمكموها عملتم فيها وتركتم
غيرها، وأرجو أن لا تخطئكم إن شاء الله. انهضوا
رحمكم الله. وخروج: سابق. والغاية
بالغين المعجمة: الراية، قال الشاعر:
ويروي
قول الشماخ:
بالغين، والراء أكثر. فأما البيت الأول فبالغين لا غير، أنشده الخليل في
عروضه، وفي حديث طويل في الصحيح: " فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية
اثنا عشر ألفاً ". والميعة: أول جري الفرس، وقيل: الجري بعد الجري. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اختلاف العلماء في تفضيل بعض الشعراء علي بعض،
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وأنا أذكر في هذا الموضع ما اختلف فيه العلماء من تفضيل بعض الشعراء على بعض،
وأبتدئ في ذلك بما ذكره أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني في كتاب
الأغاني. قال ابن عباس: فقلت له: أولم يعتذر إليك؟ قال: بلى، قلت: فهو ما اعتذر به. قال: ثم أنشأ يحدثني فقال: إن أول من راثكم عن هذا
الأمر أبو بكر، إن قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوة. قال أبو الفرج:
ثم ذكر قصة طويلة ليست من هذا الباب، فكرهت ذكرها ثم
قال: يا بن عباس، هل تروي لشاعر الشعراء؛
قلت: ومن هو؟ قال: ويحك! شاعر الشعراء، الذي يقول:
فقلت: ذاك زهير، فقال: ذاك شاعر الشعراء، قلت: وبم كان شاعر الشعراء؟ قال: إنه
كان لا يعاظل الكلام، ويتجنب وحشيه، ولا يمدح أحداً إلا بما فيه.
قال ابن سلام:
وأخبرني أبو قيس العنبري- ولم أر بدويأ يفي به- عن عكرمة بن جرير، قال: قلت
لأبي: يا أبت، من أشعر الناس؟ قال: أعن أهل الجاهلية تسألني، أم عن أهل الإسلام؟
قال: قلت: ما أردت إلا الإسلام، فإذا كنت قد ذكرت الجاهلية فأخبرني عن أهلها، فقال: زهير أشعر أهلها، قلت:
فالإسلام؛ قال: الفرزدق نبعة الشعر، قلت: فالأخطل،
قال: يجيد مدح الملوك، ويصيب وصف الخمر، قلت: فما
تركت لنفسك؟ قال: إني نحرت الشعر نحراً. قال: وأخبرني الحسن بن
علي قال: أخبرنا الحارث بن عمد عن المدائني، عن عيسي بن يزيد، قال: سأل معاوية الأحنف عن أشعر الشعراء؟
فقال: زهير، قال: وكيف ذاك، قال؛ ألقي على المادحين فضول الكلام، وأخذ خالصه
وصفوته، قال: مثل ماذا؟ قال؛ مثل قوله:
قال:
وأخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا عبد الله بن عمرو
القيسي قال: حدثنا خارجة بن عبد الله بن أبي سفيان، عن أبيه، عن ابن عباس قال:
خرجت مع عمر في أول غزاة غزاها، فقال لي ليلة: يا
بن عباس، أنشدني لشاعر الشعراء، قلت: من هو؟
قال: ابن أبي سلمي. قلت: ولم صار كذلك؛ قال: لأنه لا يتبع حوشي الكلام، ولا
يعاظل في منطقه، ولا يقول إلا ما يعرف، ولا يمدح الرجل إلا بما فيه، أليس هو
الذي يقول:
قال:
أي لا يحتاج إلى أن يجلد الفرس بالسوط.
أنشدني له:
فأنشدته حتى برق الفجر، فقال: حسبك الآن، اقرأ القرآن. قلت: ما أقرأ؟ قال:
الواقعة، فقرأتها، ونزل فأذن وصلى. وقال محمد بن سلام في كتاب "طبقات الشعراء": دخل الحطيئة على سعيد بن العاص
متنكراً، فلما قام الناس وبقي الخواص أراد الحاجب أن يقيمه، فأبي أن يقوم، فقال
سعيد دعه، وتذاكروا أيام العرب وأشعارها، فلما أسهبوا قال الحطيئة: ما صنعتم
شيئاً، فقال سعيد: فهل عندك علم من ذلك؟ قال: نعم،
قال: فمن أشعر العرب؟ قال: الذي يقول:
قال:
ثم من؛ قال: الذي يقول:
يعني زهيراً، ثم النابغة، ثم قال: وحسبك بي إذا وضعت إحدى رجلي على الأخرى، ثم عويت في إثر القوافي
كما يعوي الفصيل في أثر أمه! قال: فمن أنت؟ قال: أنا الحطيئة، فرحب به سعيد،
وأمر له بألف دينار.
فأما القول في النابغة الذبياني فإن أبا الفرج الأصفهاني قال في
كتاب الأغاني:
كنيته النابغة أبو أمامه، واسمه زياد بن معاوية، ولقب بالنابغة لقوله :
وهو
أحد الأشراف الذين غض الشعر منهم ، وهو من الطبقة الأول المقدمين على سائر
الشعراء.
قلنا: النابغة، قال: ذاك أشعر شعرائكم . قال: حدثني أحمد وحبيب،
عن عمر بن شبة، قال:
حدثنا عبيد بن جناد، قال: حدثنا معن بن عبد الرحمن، عن عيسي بن عبد الرحمن
السلمي، عن جده، عن الشعبي قال: قال عمر يوماً:
من أشعر الشعراء؟ فقيل له: أنت أعلم يا أمير المؤمنين؛ قال:
من الذي يقول:
قالوا:
النابغة؛ قال: فمن الذي يقول:
قالوا:
النابغة؛ قال: فمن الذي يقول:
قالوا:
النابغة، قال: فهو أشعر العرب .
يعني
النابغة .
فقال:
لولا أن أبا بصير- بعني الأعشى- أنشدني آنفاً لقلت: إنك أشعر الإنس والجن. فقام حسان بن
ثابت فقال: أنا والله أشعر منها ومنك ومن أبيك، فقال له النابغة: يا بن
أخي، أنت لا تحسن أن تقول:
قال: فخنس حسان لقوله .
فلم
يجد فيهم من يرويه، فاقبل علي وقال: أترويه؟ قلت:
نعم، فأنشدته القصيدة كلها، فقال: هذا أشعر العرب.
ربع
البيت يغنيك عن غيره، فل وتمثلت به لم تحتج إلى غيره.
قال:
هي إمامة أم عمرو الأصغر بن المنذر بن آمرىء القيس بن النعمان بن الشقيقة:
والشعر للنابغة، فالتفت إلي الأخطل فقال: إن أمير المؤمنين إنما سألني عن
أشعر أهل زمانه، ولو سألني عن أشعر أهل الجاهلية كنت حرياً أن أقول كما قلت أو
شبيها به، فقلت في نفسي: ثلاث على وافد أهل العراق. قال أبو الفرج:
وقد وجدت هذا الخبر أتم من هذه الرواية، ذكره أحمد بن الحارث الخراز في كتابه، عن المداثني، عن عبد الملك بن مسلم، قال: كتب عبد
الملك بن مروان إلى الحجاج: إنه ليس شيء من لذة الدنيا إلا وقد أصبت منه، ولم
يبق عندي شيء ألذ من مناقلة الإخوان الحديث، وقبلك عامر الشعبي فابعث به إلي،
فدعا الحجاج الشعبي، فجهزه وبعث به إليه، وقرظه واطراه في كتابه، فخرج الشعبي حتى إذا كان بباب عبد الملك قال للحاجب:
استأذن لي، قال: من أنت؟ قال: أنا عامر الشعبي قال: يرحمك الله، قال: ثم نهض
فأجلسني على كرسيه، فلم يلبث أن خرج إلي فقال: ادخل يرحمك الله، فدخلت، فإذا عبد
الملك جالس على كرسي، وبين يديه رجل أبيض الرأس واللحية، جالس على كرسئ، فسلمت،
فرد علي السلام، فأومأ إلي بقضيبه، فجلست عن يساره، ثم أقبل على ذلك الإنسان
الذي بين يديه فقال له: من أشعر الناس؟
فقال: أنا يا أمير المؤمنين، قال الشعبي:
فأظلم ما بيني وبين عبد الملك، فلم أصبر أن قلت: ومن هذا الذي يزعم أنه أشعر
الناس يا أمير المؤمنين؟ فعجب عبد الملك من عجلتي قبل
أن يسألني عن حالي، فقال: هذا الأخطل؛
فقلت: يا أخطل: أشعر والله منك الذي يقول:
الأبيات... قال: فأقبل عبد
الملك على الأخطل فقال له: أتحب أن لك قياضاً بشعرك شعر أحد من العرب، أم
تحب أنك قلته؛ قال: لا والله يا أمير المؤمنين إلا أني وددت أني كنت قلت أبياتاً
قالها رجل منا، ثم أنشده قول القطامي:
قال الشعبي: فقلت: قد قال القطامي أفضل من هذا، قال: وما قال؛ قلت: قال:
إلى
أخرها ، فقال عبد الملك: ثكلت القطامي أمه!
هذا والله الشعر، قال: فالتفت إلي الأخطل فقال:
يا شعبي، إن لك فنوناً في الأحاديث، وإنما لي فن واحد فإن رأيت ألا تحملني على
أكتاف قومك فأدعهم حرضاً! فقلت: لا أعرض لك
في شيء من الشعر أبداً، فأقلني هذه المرة، فقال:
من يتكفل بك؟ قلت: أمير المؤمنين، فقال عبد الملك: هو علي أنه لا يعرض لك أبداً،
ثم قال عبد الملك: يا شعبي، أي نساء الجاهلية أشعر؛
قلت: الخنساء، قال: ولم فضلتها على غيرها؛ قلت:
لقولها:
فقال
عبد الملك: أشعر منها والله التي تقول :
قال: ثم تبسم عبد الملك وقال: لا يشق عليك يا شعبي، فإنما أعلمتك هذا لأنه بلغني أن أهل
العراق يتطاولون على أهل الشام، ويقولون: إن
كان غلبونا على الدولة فلم يغلبونا على العلم والرواية، وأهل الشام أعلم بعلم
أهل العراق من أهل العراق، ثم ردد علي أبيات ليلي حتى حفظتها، ثم لم أزل عنده
أول داخل وأخر خارج، فكنت كذلك سنين، وجعلني في ألفين من العطاء، وجعل عشرين
رجلاً من ولدي وأهل بيتي في ألف ألف، ثم بعثني إلى
أخيه عبد العزيز بمصر، وكتب إليه: يا أخي، قد بعثت إليك بالشعبي، فانظر
هل رأيت قط مثله ! قال أبو الفرج الأصفهاني في ترجمة أوس بن حجر: إن أبا عبيدة
قال: كان أوس شاعر مضر حتى أسقطه النابغة، قال: وقد
ذكر الأصمعي أنه سمع أبا عمرو بن العلاء يقول: كان أوس بن حجر فحل العرب، فلما
نشأ النابغة طأطأ منه .
يقول:
هذه النفس تكلفني ألا يحدث لها الدهر هماً ولا حزناً، وذلك مما لم يستطعه أحد
قبلي.
كان
الملك منهم إذا مرض حمل على نعش وطيف به على أكتاف الرجال بين الحيرة والخورنق
والنجف، ينزهونه.
أي
لا آتيك حتى يثبت عندك أني غير مجرم.
أي
سأمسك لساني عن هجائك وإن كنت بالشام في هذين الواديين البعيدين عنك.
يقول:
أنا لا أهجرك وإن كنت من المنعة والعصمة على هذه الصفة.
فجعل أبو جعفر رحمه الله يهتز و يطرب، ثم قال: والله لو مزجت هذه القصيدة بشعر
البحتري لكادت تمتزج لسهولتها وسلامة ألفاظها، وما عليها من الديباجة والرونق. من يقول: إن امرأ القيس وزهيراً أشعر من هذا! هلموا فليحاكموني. فأما
امرؤ القيس بن حجر، فقال محمد بن سلام
الجمحي في كتاب "طبقات الشعراء" أخبرني يونسي بن حبيب أن علماء
البصرة كانوا يقدمونه على الشعراء كلهم، وأن أهل الكوفة كانوا يقدمون الأعشى،
وأن أهل الحجاز والبادية يقدمون زهيراً والنابغة.
قال: وأخبرني أبان بن عثمان البجلي، قال: مر لبيد بالكوفة في بني نهد، فاتبعوه
رسولاً يسأله: من أشعر الناس؟ فقال: الملك الضليل.
فأعادوه إليه، فقال: ثم من؟ فقال: الغلام القتيل-
يعني طرفة بن العبد- وقال غير أبان: قال: ثم ابن العشرين، قال: ثم من؟ قال: الشيخ أبوعقيل
يعني نفسه.
قال:
فما زال يذهب به ظليمه ويجيء حتى أنست به وعلمت أنه ليس بإنسي فقلت: يا هذا، من
أشعر العرب؟ قال: الذي يقول:
يعني
امرأ القيس، قلت: ثم من؟ قال: الذي يقول:
ثم
ذهب به ظليمه فلم أره. وقد سئل خلف الأحمر
من أشعر الناس؟ فقال: ما ينتهي إلى واحد يجمع عليه كما لانتهى إلى واحد هو أشجع
الناس، ولا أخطب الناس، ولا أجمل الناس، فقيل له: يا أبا محرز فأيهم أعجب إليك؟
فقال: الأعشى كان أجمعهم. ويقول:
نظيره في الإسلام جرير، ونظير النابغة الأخطل، ونظير زهير الفرزدق.
وقوله:
وقوله اللامية الأولى :
وقوله
:
وفي شعر امريء القيس من هذا الفن كثير، فمن أراده فليطلبه من
مجموع شعره.
ولمظ
الرجل يلمظ بالضم لمظا، إذا تتبع بلسانه بقية الطعام في فمه وأخرج لسانه فمسح به
شفتيه، وكذلك التلمظ، يقال: تلمظت الحية إذا أخرجت لسانها كما يتلمظ الآكل.
ثم قال: إنه ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة، فلا تبيعوها إلا
بها، من الناس من يبيع نفسه بالدراهم والدنانير، ومن الناس من يبيع نفسه بأحقر
الأشياء وأهونها، ويتبع هواه فيهلك، وهؤلاء في الحقيقة أحمق الناس، إلا أنه قد
رين على القلوب ، فغطتها الذنوب، أظلمت الأنفس بالجهل وسوء العادة، وطال الأمد
أيضاً على القلوب فقست، ولو فكر الإنسان حق الفكر لما باع نفسه إلا بالجنة لا
غير. والنهم بالفتح: إفراط الشهوة في الطعام، تقول منه: نهمت إلى
الطعام بكسر الهاء أنهم فأنا نهم، وكان في القرآن آية أنزلت ثم رفعت: "لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغي لهما ثالثا،
ولا يملا عين ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب ". مات أبو عثمان الجاحظ والكتاب على صدره وكان
شيخنا أبو علي رحمه الله
في النزع وهو يملي على ابنه أبي هاشم
مسائل في علم الكلام. وكان
القاضي أحمد بن أبيدواد
يأخذ الكتاب في خفه وهو راكب، فإذا جلس في دار الخليفة اشتغل بالنظر فيه إلى أن
يجلس الخليفة، ويدخل إليه. وقيل: ما فارق ابن أبي دواد الكتاب قط إلا في الخلاء. وأعرف
أنا في زماننا من مكث نحو خمس سنين لا ينام إلا وقت السحر صيفاً وشتاًء مكباً
على كتاب صنفه، وكانت وسادته التي ينائم عليها الكتاب.
وينبغي
أن يكون هذا الحكم مقيداً لا مطلقا، لأنه إذا أضر الصدق ضرراً عظيماً يؤدي إلى
تلف النفس أو إلى قطع بعض الأعضاء لم يجز فعله صريحاً، ووجبت المعاريض حينئذ. قوله:
"وأن تتقي الله في حديث غيرك "، أي في نقله وروايته فترويه كما سمعته
من غير تحريف.
وقال أبو تمام:
وقال أخر:
الأصل: وقال عليه السلام: الحلم والأناة توءمان، ينتجهما علو الهمة.
وقال أرباب المعاني: علمنا الله تعالى فضيلة الأناة بما حكاه عن سليمان: "سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ". وكان
يقال: الأناة حصن السلامة، والعجلة مفتاح الندامة، وكان
يقال: التأني مع الخيبة، خير من التهور مع النجاح، وقال الشاعر:
وقال من كره الأناة وذمها: لو كانت الأناة محمودة والعجلة مذمومة، لما قال موسى لربه:
"وعجلت إليك رب لترضي". وأنشدوا:
وقال
أخر:
الأصل: وقال عليه السلام: الغيبة جهد العاجز.
وقد
نظمت أنا كلمة الأحنف فقلت:
الأصل: وقال عليه السلام: رب مفتون بحسن القول فيه. الشرح:
طالما فتن الناس بثناء الناس عليهم، فيقصر العالم في اكتساب العلم اتكالا على
ثناء الناس عليه، ويقصر العابد في العبادة اتكالا على ثناء الناس عليه، ويقول كل
واحد منهما: إنما أردت ما اشتهرت به للصيت، وقد حصل، فلماذا أتكلف الزيادة،
أعاني التعب! وأيضاً فإن ثناء الناس على الإنسان يقتضي اعتراء العجب له، وإعجاب
المرء بنفسه مهلك. واعلم أن الرضي رحمه
الله قطع كتاب نهج البلاغة على هذا الفصل، وهكذا وجدت النسخة بخطه وقال:
"هذا حين انتهاء الغاية بنا إلى قطع المنتزع من كلام أمير المؤمنين عليه
السلام ، حامدين لله سبحانه على ما من به من توفيقنا لضم ما انتشر من أطرافه
وتقريب ما بعد من أقطاره، مقررين العزم كما شرطنا أولا على تفضيل أوراق من
البياض في أخر كل باب من الأبواب، لتكون لاقتناص الشارد، واستلحاق الوارد، وما
عساه أن يظهر لنا بعد الغموض، ويقع إلينا بعد الشذوذ، وما توفيقنا إلا بالله،
عليه توكلنا، وهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولي ونعم النصير".
الأصل: وقال عليه السلام؛ إن لبني أمية مرودا يجرون فيه، ولو قد اختلفوا فيما بينهم
ثم لو كادتهم الضباع لغلبتهم. وقد تقدم القول في مدح الأنصار، ولو لم يكن إلا قول رسول الله
صلى الله عليه وأله وسلم فيهم:
"إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلون عند الطمع "، ولو لم يكن إلا ما قاله
لعامر بن الطفيل فيهم لما قال له: "لأغزونك في كذا وكذا من الخيل "
يتوعده، فقال عليه السلام: "يكفي الله
ذلك وأبناء قيلة"، لكان فخراً لهم وهذا عظيم جداً وفوق العظيم، ولا ريب
أنهم الذين أيد الله بهم الدين، وأظهر بهم الإسلام بعد خفائه، ولولاهم لعجز
المهاجرون عن حرب قريش والعرب، وعن حماية رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم،
ولولا مدينتهم لم يكن للإسلام ظهر
يلجئون عليه، ويكفيهم فخراً يوم حمراء الأسد، يوم خرج بهم رسول الله صلى الله
عليه وأله وسلم إلى قريش بعد انكسار أصحابه، وقتل من قتل منهم، وخرجوا نحو القوم
والجراح فيهم فاشية، ودماؤهم تسيل، وإنهم مع ذلك كالأسد الغراث تتواثب على
فرائسها، وكم لهم من يوم أغر محجل! وقالت الأنصار:
لولا علي بن أبي طالب عليه السلام في المهاجرين لأبينا لأنفسنا أن يذكر
المهاجرون معنا، أو أن يقرنوا بنا، ولكن رب واحد كألف، بل كالوف.
وهذا
إفراط قبيح، ولفظ شنيع، والواجب أن يصان قدر النبوة عنه، وخصوصاً البيت الأخير،
فإنه قد أساء فيه الأدب، وقال ما لا يجوز قوله، وخالد بن سنان كان من بني عبس بن
بغيض، من قيس عيلان، ادعي النبوة، وقيل: إنه كانت تظهر عليه آيات ومعجزات، ثم
مات وانقرض دينه ودثرت دعوته، ولم يبق إلا أسمه، وليس يعرفه كل الناس، بل البعض
منهم. وهذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبي صلى الله عليه وأله ، وقد رواه قوم لأمير المؤمنين عليه السلام، وذكر
ذلك المبرد في الكتاب المقتضب في باب اللفظ المعروف . |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض ما ورد في الكنايات وبعض الشواهد عليها،
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقد كنا قدمنا قطعة صالحةً من الكنايات المستحسنة، ووعدنا أن
نعاود ذكر طرف منها، وهذا الموضع موضعه، فمن الكناية عن الحدث الخارج- وهو الذي كني عنه أمير
المؤمنين عليه السلام ، أو رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم- الكناية التي
ذكرها يحمي أن زياد في شعره، قيل: إن يحيي بن زياد ومطيع بن أيأس، وحماداً
الراوية جلسوا على شرب لهم، ومعهم رجل منهم، فانحل وكاؤه، فاستحيا وخرج، ولم يعد
إليهم، فكتب إليه يحيي بن زياد.
وليس
هذا الكتاب أهلاً أن يضمن حكاية سخيفة أو نادرة خليعة، فنذكر فيه ما جاء في هذا
المعنى، وإنما جرانا على ذكر هذه الحكاية خاصة كناية أمير المؤمنين رضي الله عنه
أو رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، ولكنا نذكر كنايات كثيرة في غير هذا
المعنى مستحسنة، ينتفع القارىء بالوقوف عليها.
وقال
العباس بن الأحنف:
ويقولون
للجارية الحسناء: قد أبقت من رضوان، قال الشاعر:
ويقولون
للمكشوف الأمر الواضح الحال: ابن جلا، وهو كناية عن الصبح ومنه ما تمثل به
الحجاج:
ومنه
قول القلاخ بن حزن:
ومنه
قولهم: فلان قائد الجمل لأنه لا يخفى لعظم الجمل وكبر جثته، وفي المثل: ما استتر
من قاد جملاً، وقالوا: كفى برغائها نداءً، ومثل هذا قولهم: ما يوم حليمة بسر
يقال ذلك في الأمر المشهور الذي لا يستر، ويوم حليمة يوم التقى المنذر الأكبر
والحارث الغساني الأكبر. وهو أشهر أيام العرب، يقال:
إنه ارتفع من العجاج ما ظهرت معه الكواكب نهاراً، وحليمة: اسم امرأة أضيف اليوم
إليها، لأنها أخرجت إلى المعركة مراكن الطيب، فكانت تطيب بها الداخلين إلى
القتال، فقاتلوا حتى تفانوا.
أي
أقوده من الكبر إلى موضع مرتفع لأركبه لضعفي، ومثل ذلك كنايتهم عن الشيخ الضعيف
بالعاجن، لأنه إذا قام عجن في الأرض بكفيه، قال الشاعر:
قالوا:
الكنتي الذي يقول كنت أفعل كذا، وكنت أركب الخيل، يتذكر ما مضى من زمانه، ولا
يكون ذلك إلا عند الهرم أو الفقر والعجز.
والركوع:
هو التطأطؤ والإنحناء بعد الإعتدال والإستواء، ويقال للإنسان إذا انتقل من
الثروة إلى الفقر: قد ركع قال:
وفي
هذا المعنى قال الشاعر:
ومثله
أيضا:
تروح
الشجر: إذا انفطر بالنبت، يقول: إن كان فقيراً فقد يستغني، كما أن الشجر الذي لا
ورق عليه سيكتسي ورقاً، ويقال: ركع الرجل، أي سقط.
وكما
يشبهون الشيخ بالراكع فيكنون به عنه، كذلك يقولون: يحجل في قيده لتقارب خطوه،
قال أبو الطمحان القيني:
ونحو
هذا قولهم للكبير: بدت له الأرنب، وذلك أن من يختل الأرنب ليصيدها يتمايل في
مشيته، وانشد ابن الأعرابي في النوادر:
ونحوه يقولون للكبير: قيد بفلان البعير، أي لا قوة ليده على أن يصرف البعير تحته
على حسب إرادته، فيقوده قائد يحمله حيث يريد. وقال
الشاعر:
وزاحم شاب شيخا في طريق فقال الشاب: كم ثمن القوس؟ يعيره بانحناء الظهر، فقال الشيخ: يابن أخي: إن طال بك عمر فسوف تشتريها بلا
ثمن. وأنشد لابن خلف:
ويقولون لمن رشا القاضي أو غيره: صب في قنديله زيتاً، وأنشد:
وكان أبو صالح كاتب الرشيد ينسب إلى أخذ الرشا، وكان كاتب أم جعفر وهو سعدان بن يحيى
كذلك، فقال لها الرشيد يوماً: أما سمعت ما قيل في كاتبك؟ قالت: ما هو؟ فأنشدها:
قالت:
فما قيل في كاتبك أشنع، وأنشدته:
ويقولون لمن طفق ثلاثاً: قد نحرها بمثلثة.
وأشار
بالعظامي إلى فخره بالأموات من آبائه ورهطه، وقال الشاعر:
ونحو هذا أن عبد الله بن زياد بن ظبيان التميمي دخل على أبيه وهو
يجود بنفسه فقال:
ألا أوصي بك الأمير؟ فقال: إذا لم يكن للحي إلا وصية الميت فالحي هو الميت، ويقال: إن عطاء بن أبي
سفيان قال ليزيد بن معاوية: أغنني عن غيرك، قال: حسبك ما أغناك به معاوية، قال فهو إذن الحي وأنت الميت، ومثل قولهم: عظامي قولهم:
خارجي، أي يفخر بغير أولية كانت له، قال كثير لعبد العزيز:
ويكنون عن العزيز وعن الذليل أيضأ فيقولون: بيضة البلد، فمن يقولها للمدح يذهب
إلى أن البيضة هي الحوزة والحمى، يقولون: فلان
يحمي بيضته، أي يحمي حوزته وجماعته، ومن يقولها للذم يعني أن الواحدة من بيض
النعام إذا فسدت تركها أبواها في البلد وذهبا عنها، قال الشاعر في المدح:
وقال
الآخر في الذم:
ويقولون
للشيء الذي يكون في الدهر مرة واحدة: هو بيضة الديك، قال بشار:
ويكنون
عن الثقيل بالقذى في الشراب، قال الأخطل يذكر الخمر والإجتماع عليها:
ويكنون
أيضاً عنه بقدح اللبلاب، قال الشاعر:
ويكنون
عنه أيضاً بالقدح الأول، لأن القدح الأول من الخمر تكرهه الطبيعة وما بعده فدونه
لاعتياده، قال الشاعر:
ويكنون
عنه بالكانون، قال الحطيئة يهجو أمه:
قالوا:
وأصله من كننت أي سترت، فكأنه إذا دخل على قوم وهم في حديث ستروه عنه، وقيل: بل
المراد شدة برده.
ويقولون لمن يحمدون جواره: جاره جار أبي دواد، وهو كعب بن مامة الإيادي، كان إذا جاوره
رجل فمات وداه، وإن هلك عليه شاة أو بعير أخلف عليه، فجاوره أبو دواد الإيادي،
فأحسن إليه، فضرب به المثل.
أخذ
قوله: ولايشقى بقعقاع جليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "هم القوم لايشقى بهم جليسهم ". ونظر أعرابي إلى رجل
جيد الكدنة، فقال: أرى عليك قطيفة محكمة. قال: نعم، ذاك عنوان نعمة الله
عندي. وأيضاً أسير
الهند لأنه يدعي أنه ابن الملك، وإن كان من أولاد السفلة.
وقال آخر في المعنى:
ويكنون عن النمام بالزجاج، لأنه يشف على ما تحته، قال الشاعر:
ويكنون عنه بالنسيم، من قول الآخر:
ويقولون:
إنه لصبح، وإنه لطيب، كله في النمام. ويقولون:
ما زال يفتل له في الذروة والغارب حتى أسمحت قرونته، وهي النفس والذروة: أعلى
السنام، والغارب: مقدمه. ومثله:
لا يعرف قطانه من لطانه، أي لا يعرف جبهته مما بين وركيه، وقالوا: الحدة كنية
الجهل، والإقتصاد كنية البخل، والإستقصاء كنية الظلم.
ويقولون:
زوده زاد الضب، أي لم يزوده شيئاً، لأن الضب لا يشرب الماء، وإنما يتغذى بالريح
والنسيم، ويأكل القليل من عشب الأرض.
وقال أبو الطيب:
ويقولون للمختلفين من الناس: هم كنعم الصدقة، وهم كبعر الكبش، قال عمرو بن لجأ:
وذلك لأن بعر الكبش يقع متفرقاً.
ومثله:
ويقاول
للمتساوين في الرداءة: كأسنان الحمار، قال الشاعر:
وقال
آخر:
وأنشد
المبرد في الكامل لأعرابي يصف قوماً من طيىء بالتساوي في الرداءة:
قال:
فقوله: ليس بينهم جليس هجاء قبيح، يقول: لا ينتجع الناس معروفهم، فليس بينهم
غيرهم، ويقولون في المتساوين في الرداءة أيضاً: هما كحماري العبادي، قيل له: أي
حماريك شر؟ قال: هذا ثم هذا. ويقال في التساوي في
الشر والخير: هم
كأسنان المشط، ويقال: وقعا كركبتي البعير،
وكرجلي النعامة.
وقال أبو سفيان بن حرب لعامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة وقد
تنافرا إليه:
أنتما كركبتي البعير، فلم ينفر واحداً منهما،
فقالا: فأينا اليمنى؟ فقال: كل منكما يمنى.
ويقولون:
فلان خليفة الخضر إذا كان كثير السفر، قال أبو تمام:
ويقولون للشيء المختار المنتخب: هوثمرة الغراب لأنه ينتقي خير الثمر.
ويقولون لمن لا يفي بالعهد: فلان لا يحفظ أول المائدة، لأن أولها: "يا أيها الذين
آمنوا أوفوا بالعقود".
وقال آخر :
وروي
أن كيسان غلام أبي عبيدة وفد على بعض البرامكة فلم يعطه شيئاً، فلما وافى البصرة قيل له: كيف وجدته؟ قال: وجدته
مشجباً من حيث ما أتيته وجدته.
وقال
آخر:
ويكنون عن الجرب بحب الشباب، قال الوزير المهلبي:
ويكنون عن القصير القامة بأبي زبيبة، وعن الطويل بخيط باطل. وكانت كنية مروان بن
الحكم لأنه كان طويلاً مضطرباً، قال فيه الشاعر:
وفي خيط باطل قولان: أحدهما أنه الهباء الذي يدخل
من ضوء الشمس في الكوة من البيت، وتسميه العامة غزل الشمس، والثاني أنه الخيط الذي يخرج من فم العنكبوت، وتسميه
العامة مخاط الشيطان. وتقول العرب للملقو: لطيم الشيطان، وكان لقب عمرو بن سعيد الأشدق، لأنه كان ملقوا.
وهذا
كالنادم يقرع السن، والبخيل ينكت الأرض ببنانه، أو بعود عند الرد، قال
الشاعر:
وقال آخر في نكت الأرض بالعيدان:
ويقولون للفارغ: فؤاد أم موسى.
وقال
بعضهم يهجو ابن زيدان الكاتب:
ويقولون
للمترف: رقيق النعل، وأصله قول النابغة:
يعني
أنهم ملوك، والملك لا يخصف نعله إنما يخصف نعله من يمشي. وقوله: طيب حجزاتهم، أي
هم أعفاء الفروج، أي يشدون حجزاتهم على عفة. وكذلك قولهم: فلان مسمط النعال، أي
نعله طبقة واحدة غير مخصوف، قال المرار بن سعيد الفقعسي :
وقريب
من هذا قول النجاشي:
يريد
أن نعالهم سبت، والسبت: جلود البقر المدبوغة بالقرظ ، ولا تقربها الكلاب، وإنما
تأكل الكلاب غير المدبوغ، لأنه إذا أصابه المطر دسمه فصار زهماً. ويقولون
للسيد: لا يطأ على قدم، أي هو يتقدم الناس ولا يتبع أحداً فيطأ على قدمه. ويقولون:
قد اخضرت نعالهم، أي صاروا في خصب وسعة، قال الشاعر:
وإذا دعوا على إنسان بالزمانة قالوا: خلع الله نعليه، لأن المقعد لا يحتاج
إلى نعل، ويقولون: أطفأ الله نوره، كناية عن العمى وعن الموت أيضاً، لأن من يموت
فقد طفئت ناره. ويقولون:
سقاه الله دم جوفه، دعاء عليه بأن يقتل ولده، ويضطر إلى أخذ ديته إبلاً فيشرب
ألبانها، ويقولون: رماه الله بليلة لا أخت
لها، أي ليلة موته، لأن ليلة الموت لا أخت لها، ويقولون:
وقعوا في سلا جمل، أي في داهية لا يرى مثلها، لأن الجمل لا سلا له، وإنما السلا
للناقة، وهي الجليدة التي تكون ملفوفة على ولدها، ويقولون:
صاروا في حولاء ناقة، إذا صاروا في خصب.
يقول:
هم ملوك، وأشباه الملوك لا حذق لهم بنحر الإبل والغنم، ولا يعرفون التجليد
والسلخ، ولهم من يتولى ذلك عنهم، وإذا لم يحضرهم من يجزر الجزور تكلفوا هم ذلك
بأنفسهم، فلم يحسنوا حز المفصل كما يفعله الجزار، وقوله:
أي
ليس بهم شره فإذا أكلوا اللحم تخذموا قليلاً قليلاً، والخذم: القطع، وأنشد
الجاحظ في مثله:
لأن ذلك كله أمارات الملوك، وقريب من ذلك قوله:
ويقولون:
فلان أملس، يكنون عمن لا خير فيه ولا شر، أي لا يثبت فيه حمد ولا ذم.
ويقولون، كناية
عن مجوسي: هو ممن يخط على النمل، والنمل جمع نملة، وهي قرحة بالإنسان، كانت
العرب تزعم أن ولد المجوسي إذا كان من أخته وخط عليها برأت، قال الشاعر:
ويقولون للصبي:
قد قطفت ثمرته، أي ختن. وقال
عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير:
ويقولون:
قدر حليمة، أي لا غليان فيها، ويقولون لمن
يصلي صلاة مختصرة: هو راجز الصلاة. ويقولون:
فلان عفيف الشفة، أي قليل السؤال، وفلان خفيف الشفة، كثير السؤال، وتكني العرب عن المتيقظ بالقطامي، وهو الصقر،
ويكنون عن الشدة والمشقة بعرق القربة، يقولون:
لقيت من فلان عرق القربة، أي العرق الذي يحدث بك من حملها وثقلها، وذلك لأن أشد
العمل كان عندهم السقي وما ناسبه من معالجة الإبل، وتكني
العرب عن الحشرات وهوام الأرض بجنود سعد، يعنون سعد الأخبية، وذلك لأنه
إذا طلع انتشرت في ظاهر الأرض، وخرج منها ما كان مستتراً في باطنها، قال الشاعر:
ويكني قوم عن السائلين على الأبواب بحفاظ سورة يوسف عليه السلام لأنهم يعتنون بحفظها دون غيرها، وقال عمارة يهجو محمد بن وهيب:
ويكنون عن اللقيط بتربية القاضي، وعن الرقيب
بثاني الحبيب، لأنه يرى معه أبداً، قال ابن الرومي:
ويكنون عن الوجه المليح بحجة المذنب، إشارة إلى قول الشاعر:
ويكنون عن الجاهل ذي النعمة بحجة الزنادقة، قال ابن الرومي:
وقال
ابن بسام في أبي الصقر أيضاً:
فهذا
ضد ذلك المقصد، لأن ذاك جعله حجة على الزندقة، وهذا جعله حجة على قدرة البارىء سبحانه على عجائب الأمور وغرائبها، وأن النعم
لا قدر لها عنده سبحانه، حيث جعلها عند أبي الصقر مع دناءة منزلته. وقال ابن الرومي:
وقد
يشابه ذلك قول أبي علي البصير في ابن سعدان:
وللمفجع في قريب منه:
ويقولون:
عرض فلان علي الحاجة عرضاً سابرياً، أي خفيفاً من غير استقصاء، تشبيهاً له
بالثوب السابري، والدرع السابرية، وهي الخفيفة.
يعني العباس بن الأحنف. وتقول العرب في معنى قول المحدثين، عرض عليه كذا عرضاً سابرياً: عرض عليه
عرض عالة، أي عرض الماء على النعم العالة التي قد شربت شرباً بعد شرب، وهو العلل، لأنها تعرض على الماء عرضاً خفيفاً لا تبالغ
فيه.
فأقبل ثعلب على أهل المجلس فقال: أجيبوه، فلم يكن عندهم جواب، وقال
له نفطويه: الجواب منك يا سيدي أحسن، فقال: على أنكم لا تعلمونه! قالوا:
لا نعلمه، فقال الأعرابي، قد سمعت ما قال
القوم، قال: ولا أنت أعزك الله تعلمه، فقال ثعلب:
أراد أن السنبل قد أفرك، قال: صدقت فأين حق
الفائدة، فأشار إليهم ثعلب، فبروه، فقام قائلاً:
بوركت من ثعلب، ما أعظم بركتك!.
وقال
آخر - وسماه غبار وقائع الدهر:
ويقولون للسحاب: فحل الأرض.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم وخضراء الدمن "،
فلما سئل عنها قال: "المرأة الحسناء في المنبت
السوء".
وقال ابن ميادة:
تقول العرب:
التقى الثريان في الأمرين يأتلفان ويتفقان، أوالرجلين، قال
أبو عبيدة: والثرى: التراب الندي في بطن الوادي، فإذا جاء المطر وسح في
بطن الوادي حتى يلتقي نداه والندى الذي في بطن الوادي
يقال: التقى الثريان.
يريد
أن الفحل إذا عاين الجيش والبارقة لم يلتفت لفت الحجور ولم يصهل، وتنبح الكلاب
أربابها، لأنها لا تعرفهم للبسهم الحديد، وتذهل المرأة عن ولدها رعباً، فجعل ذلك
عقوقاً.
وقال
أبوالعلاء المعري:
وأنشد
ابن دريد في هذا المعنى:
يعني
من القلق وأنه غير مطمئن. ويقولون للمتلون
المختلف الأحوال: ظل الذئب، لأنه لا يزال مرة هكذا ومرة هكذا، ويقولون: به داء الذئب، أي الجوع. ويقولون:
ألقى عصاه، إذا أقام واستقر، قال الشاعر:
ووقع القضيب من يد الحجاج وهو يخالب، فتطير بذلك حتى بان في
وجهه، فقام إليه رجل فقال:
إنه ليس ما سبق وهم الأمير إليه، ولكنه قول القائل، وأنشده البيت، فسري عنه.
وسقط
في يده، أي أيقن بالهلكة، وقد رددت يده إلى فيه، أي منعته من الكلام، وبنو فلان
يد على بني فلان، أي مجتمعون، وأعطاه كذا عن ظهريد، أي ابتداءً لا عن مكافأة.
وتقول:
حلب فلان الدهر أشطره، أي مرت عليه ضروبه خيره وشره، وقرع فلان لأمر ظنبوبه، أي
جد فيه واجتهد، وتقول: أبدى الشر نواجذه، أي
ظهر، وقد كشفت الحرب عن ساقها، وكشرت عن نابها، وتقول:
استنوق الجمل، يقال ذلك للرجل يكون في حديث ينتقل إلى غيره يخلطه به، وتقول لمن يهون بعد عز: استأتن العير، وتقول للضعيف يقوى: استنسر البغاث، ويقولون: شراب
بأنقع، أي معاود للأمور، وقال الحجاج: يا
أهل العراق، إنكم شرابون بأنقع، أي معتادون الخير والشر. والأنقع:
جمع نقع، وهو ما استنقع من الغدران، وأصله في الطائر الحذر يرد المناقع في
الفلوات حيث لا يبلغه قانص، ولا ينصب له شرك. خبر عن امرىء القيس. ونختم هذا الفصل في الكنايات بحكاية
رواها أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني، قال أبو الفرج: أخبرني
محمد بن القاسم الأنباري، قال: حدثني ابن عمي، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله،
عن الهيثم بن عدي. قال: وحدثني عمي، قال: حدثنا محمد بن سعد الكراني، قال: حدثنا العمري، عن الهيثم بن عدي، عن مجالد بن
سعيد، عن عبد الملك بن عمير، قال: قدم علينا
عمر بن هبيرة الكوفة أميراً على العراق، فأرسل إلى عشرة من وجوه أهل الكوفة أنا
أحدهم، فسرنا عنده، فقال: ليحدثني كل رجل
منكم أحدوثة وابدأ أنت يا أبا عمرو، فقلت: أصلح
الله الأمير! أحديث حق أم حديث باطل؛ قال: بل حديث حق، فقلت: إن امرأ القيس كان آلى أليةألا يتزوج إمرأة
حتى يسألها عن ثمانية وأربعة واثنتين، فجعل يخطب النساء، فإذا سألهن عن هذا قلن:
أربعة عشر، فبينا هو يسير في جوف الليل إذا هو برجل يحمل ابنة صغيرة له كأنها
البدر لتمه، فأعجبته، فقال لها: يا جارية،
ما ثمانية، وأربعة، واثنتان؟ فقالت: أما ثمانية فأطباء الكلبة، وأما أربعة: فأخلاف الناقة، وأما اثنتان فثديا المرأة، فخطبها إلى أبيها،
فزوجه إياها وشرطت عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال، فجعل لها ذلك، وعلى
أن يسوق إليها مائة من الإبل، وعشرة أعبد، وعشر وصائف، وثلاثة أفراس، ففعل ذلك،
ثم بعث عبداً إلى المرأة، وأهدى إليها معه نحياً من سمن ونحياً من عسل وحلة من
عصب ، فنزل العبد على بعض المياه، ونشر الحلة فلبسها فتعلقت بسفرة فانشقت، وفتح
النحيين فأطعم أهل الماء منهما فنقصا، ثم قدم على المرأة وأهلها خلوف فسألها عن
أبيها وأمها وأخيها، ودفع إليها هديتها، فقالت: أعلم
مولاك أن أبي ذهب يقرب بعيداً، ويبعد قريباً، وأن أمي ذهبت تشق النفس نفسين، وأن
أخي ذهب يراعي الشمس، وأن سماءكم انشقت، وأن وعاءيكم نضبا. وأما قولها:
إن أخي ذهب يراعي الشمس، فإن أخاها في سرح له يرعاه، فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح
به، وأما قولها: إن سماءكم انشقت، فإن البرد
الذي بعثت به انشق، وأما قولها إن وعاءيكم
نضبا فإن النحيين اللذين بعثت بهما نقصا، فاصدقني. فقال: يا مولاي،
إني نزلت بماء من مياه العرب، فسألوني عن نسبي فأخبرتهم أني ابن عمك، ونشرت
الحلة ولبستها وتجملت بها، فتعلقت بسمرة فانشقت، وفتحت النحيين فأطعمت منهما أهل
الماء، فقال: أولى لك! ثم ساق مائةً من الإبل، وخرج نحوها ومعه العبد يسقي
الإبل، فعجز، فأعانه امرؤ القيس، فرمى به العبد في
البئر، وخرج حتى أتى إلى أهل الجارية بالإبل، فأخبرهم أنه زوجها، فقيل لها: قد
جاء زوجك، فقالت: والله ما أدري أزوجي هو أم لا! ولكن انحروا له جزوراً
وأطعموه من كرشها وذنبها، ففعلوا، فأكل ما أطعموه، فقالت:
اسقوه لبناً حازراً وهو الحامض - فسقوه فشرب، فقالت: افرشوا له عند الفرث والدم،
ففرشوا له، فنام فلما أصبحت أرسلت إليه: إني
أريد أن أسألك، فقال لها: سلي عما بدا لك، فقالت: مم تختلج شفتاك؟ قال: من تقبيلي إياك، فقالت: مم يختلج كشحاك؟ قال: لالتزامي إياك، قالت: فمم يختلج فخذاك؟ قال: لتوركي إياك، فقالت عليكم العبد فشدوا
أيديكم به، ففعلوا. قال: ومر قوم فاستخرجوا امرأ القيس من البئر، فرجع إلى حيه وساق مائة من
الإبل، وأقبل إلى امرأته فقيل لها: قد جاء زوجك،
فقالت: والله ما أدري أزوجي هو أم لا! ولكن
انحروا له جزوراً، وأطعموه من كرشها وذنبها، ففعلوا، فلما أتوه بذلك قال: وأين الكبد والسنام والملحاء ، وأبى أن يأكل،
فقالت اسقوه لبناً حازراً، فأتي به، فأبى أن يشربه، وقال: فأين الضريب والرثيئة؟
فقالت: افرشوا له عند الفرث والدم، ففرشوا
له، فأبى أن ينام، وقال: افرشوا لي عند
التلعة الحمراء، واضربوا لي عليها خباءً، ثم أرسلت إليه: هلم شريطتي عليك في
المسائل الثلاث، فأرسل إليها أن سلي عما شئت، فقالت: مم تختلج شفتاك؟ فقال: لشربي المشعشعات، قالت: فمم يختلج كشحاك؟ قال: للبسي الحبرات. قالت: فمم تختلج فخذاك؟ قال: لركضي المطهمات، فقالت: هذا زوجي لعمري، فعليكم به. فهديت إليه الجارية. فقال ابن هبيرة:
حسبكم، فلا خير في الحديث سائر الليلة بعد حديث أبي عمرو، ولن يأتينا أحد منكم
بأعجب منه، فانصرفنا وأمر لي بجائزة. ويستذل فيه
أهل الخير والدين، ويكون فيه بيع على وجه الاضطرار والإلجاء، كمن بيعت ضيعته،
وهو ذليل ضعيف، من رب ضيعة مجاورة لها ذي ثروة وعز وجاه فيلجئه بمنعه الماء
واستذلاله الأكرة والوكيل إلى أن يبيعها عليه، وذلك منهي عنه، لأنه حرام محض. فأما الأفاضل من المهاجرين والأنصار الذين ولوا الإمامة قبله فلو أنه
أنكر إمامتهم، وغضب عليهم، وسخط فعلهم، فضلاً عن أن يشهر عليهم السيف، أويدعو
إلى نفسه، لقلنا:
إنهم من الهالكين، كما لوغضب عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه قد ثبت أن رسول الله علب قال له: "حربك حربي،
وسلمك سلمي"، وأنه قال: "اللهم وال من
ولاه، وعاد من عاداه"، وقال له: "لا
يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق"، ولكنا رأيناه رضي إمامتهم وبايعهم وصك خلفهم وأنكحهم وأكل من فيئهم، فلم
يكن لنا أن نتعدى فعله، ولا نتجاوز ما اشتهر عنه، ألا
ترى أنه لما برىء من معاوية برئنا منه، ولما لعنه لعناه، ولما حكم بضلال
أهل الشام ومن كان فيهم من بقايا الصحابة كعمرو
بن العاص وعبد الله ابنه وغيرهما حكمنا أيضا
بضلالهم! والحاصل أنا لم نجعل بينه
وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلا رتبة النبوة، وأعطيناه كل ما عدا ذلك من
الفضل المشترك بينه وبينه، ولم نطعن في أكابر
الصحابة الذين لم يصح عندنا أنه طعن فيهم، وعاملناهم بما عاملهم رضي الله عنه
به. في التفضيل بين الصحابة. وإن
الزوج يقول له: كذبت وأثمت، لقد بر قسمي، وصدقت مقالتي، وإنها امرأتي على رغم
أنفك، وغيظ قلبك، فاجتمعوا إلي يختصمون في ذلك، فسألت الرجل عن يمينه، فقال:
نعم، قد كان ذلك، وقد حلفت بطلاقها أن علياً خير هذه الأمة وأولاها برسول الله
صلى الله عليه وسلم، عرفه من عرفه، وأنكره من أنكره، فليغضب من غضب، وليرض من
رضى، وتسامع الناس بذلك، فاجتمعوا له، وإن كانت الألسن مجتمعة فالقلوب شتى، وقد
علمت يا أمير المؤمنين اختلاف الناس في أهوائهم، وتسرعهم إلى ما فيه الفتنة،
فأحجمنا عن الحكم لنحكم بما أراك الله، وإنهما تعلقا به، واقسم أبوها ألا يدعها
معه، وأقسم زوجها ألا يفارقها ولو ضربت عنقها إلا أن يحكم عليه بذلك حاكم لا
يستطيع مخالفته والإمتناع منه، فرفعناهم إليك يا أميرالمؤمنين، أحسن الله توفيقك
وأرشدك! وكتب في أسفل الكتاب:
قال: فجمع عمر بن عبد العزيز بني هاشم وبني أمية وأفخاد قريش، ثم
قال لأبي المرأة:
ما تقول أيها الشيخ؟ قال: يا أمير المؤمنين، هذا الرجل زوجته ابنتي، وجهزتها
إليه بأحسن ما يجهز به مثلها، حتى إذا أملت خيره، ورجوت صلاحه، حلف بطلاقها
كاذباً، ثم أراد الإقامة معها، فقال له عمر: يا شيخ، لعله لم يطلق امرأته، فكيف
حلف؟ قال الشيخ:
سبحان الله! الذي حلف عليه لأبين حنثاً وأوضح كذباً من أن يختلج في صدري منه شك،
مع سني وعلمي، لأنه زعم أن علياً خير هذه الأمة وإلا فامرأته طالق ثلاثاً. فقال
للزوج: ما تقول؟ أهكذا حلفت؟ قال. نعم، فقيل: إنه لما قال: نعم، كاد المجلس يرتج
بأهله، وبنو أمية ينظرون إليه شزراً، إلا أنهم لم ينطقوا بشيء، كل ينظر إلى وجه
عمر.
ثم قال للقوم:
ما تقولون في يمين هذا الرجل؟ فسكتوا، فقال: سبحان الله! قولوا. فقال رجل من بني
أمية: هذا حكم في فرج، ولسنا نجترىء على القول فيه، وأنت عالم بالقول،
مؤتمن لهم وعليهم، قل ما عندك، فإن القول ما لم يكن يحق باطلاً ويبطل حقاً جائز
علي في مجلسي. فقال عمر:
اسكتوا، أعجزاً ولؤماً! عرضت ذلك عليكم آنفاً فما انتدبتم له. قالوا: لأنك لم تعطنا ما أعطيت العقيلي، ولا
حكمتنا كما حكمته، فقال عمر: إن كان أصاب
وأخطاتم، وحزم وعجزتم، وأبصر وعميتم، فما ذنب عمر، لا أبا لكم! أتدرون ما مثلكم؟
قالوا: لا ندري، قال: لكن العقيلي يدري، ثم قال: ما تقول يا رجل؟ قال: نعم يا
أمير المؤمنين، كما قال الأول: دعيتم إلى أمر فلما عجزتم تناوله من لا يداخله
عجز فلما رأيتم ذلك أبدت نفوسكم نداماً وهل يغني من القدر الحذر! فقال عمر: أحسنت وأصبت، فقل ما سألتك عنه. قال:
يا أمير المؤمنين، بر قسمه، ولم تطلق إمرأته، قال: وأنى علمت ذاك؟ قال: نشدتك الله يا أمير المؤمنين، ألم تعلم أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال لفاطمة رضي الله عنها وهو عندها في بيتها عائد لها: يا بنية،
ما علتك؟ قالت:
الوعك يا أبتاه - وكان علي غائباً في بعض حوائج النبي صلى الله عليه وسلم - فقال لها: أتشتهين شيئاً؟ قالت: نعم
أشتهي عنباً، وأنا أعلم أنه عزيز، وليس وقت عنب، فقال
صلى الله عليه وسلم: إن الله قادر على أن يجيئنا به، ثم قال: اللهم ائتنا
به مع أفضل أمتي عندك منزلةً، فطرق علي الباب، ودخل ومعه مكتل قد ألقى عليه طرف
ردائه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما
هذا يا علي؟ قال: عنب التمسته لفاطمة، فقال: الله أكبر الله أكبر، اللهم كما
سررتني بأن خصصت علياً بدعوتي فاجعل فيه شفاء بنيتي، ثم قال: كلي على إسم الله
يا بنية، فأكلت، وما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استقلت وبرأت، فقال عمر: صدقت وبررت، أشهد لقد سمعته ووعيته، يا
رجل، خذ بيد إمرأتك فإن عرض لك أبوها فاهشم أنفه. ثم
قال: يا بني عبد مناف، والله ما نجهل ما يعلم غيرنا، ولا بنا عمى في ديننا، ولكنا كما قال الأول:
قيل:
فكأنما ألقم بني أمية حجراً، ومضى الرجل بامرأته. عليك
سلام، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإني قد فهمت كتابك،
وورد الرجلان والمرأة، وقد صدق الله يمين الزوج، وأبر قسمه، وأثبته على نكاحه،
فاستيقن ذلك، واعمل عليه، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. فأما
من قال بتفضيله على الناس كافة من التابعين فخلق كثير كأويس القرني وزيد بن
صوحان، وصعصعة أخيه، وجندب الخير، وعبيدة السحلماني وغيرهم ممن لا يحصى كثرة، ولم تكن لفظة الشيعة تعرف في ذلك العصر إلا لمن قال بتفضيله،
ولم تكن مقالة الإمامية ومن نحا نحوها من الطاعنين
في إمامة السلف مشهورة حينئذ على هذا النحو من الإشتهار، فكان القائلون بالتفضيل هم
المسمون الشيعة وجميع ما ورد من الآثار والأخبار
في فضل الشيعة وأنهم موعودون بالجنة، فهؤلاء
هم المعنيون به دون غيرهم، ولذلك قال أصحابنا المعتزلة في كتبهم وتصانيفهم: نحن الشيعة حقاً
فهذا القول هو أقرب إلى السلامة وأشبه بالحق من القولين المقتسمين طرفي الإفراط
والتفريط، إن شاء الله. الأصل:
وسئل عن التوحيد والعدل، فقال رضي الله عنه:
التوحيد ألا تتوهمه، والعدل ألا تتهمه. المعاني القديمة التي يثبتها الأشعري وأصحابه،
ولتنزيههم البارىء سبحانه عن فعل القبيح. وأضاف أصحابنا إلى التوحيد نفي المعاني القديمة، ونفي ثان في
الإلهية، ونفي الرؤية، ونفي كونه مشتهياً أو نافراً أو ملتذاً أو آلماً أو
عالماً بعلم محدث، أو قادراً بقدرة محدثة، أو حياً بحياة محدثة، أو نفي كونه
عالماً بالمستقبلات أبداً، أو نفي كونه عالماً بكل معلوم أو قادراً على كل
الأجناس وغير ذلك من
مسائل علم الكلام التي يدخلها أصحابنا في الركن الأول، وهو
التوحيد. بعض ما قيل من الشعر في الشيب والخضاب. الشرح: قد
تقدم لنا في الخضاب قول كاف، وأنا أستملح قول الصابي فيه:
وقال
أبو تمام:
وقال:
ابن
الرومي:
ومن
مختار ما جاء من الشعر في الشيب وإن لم يكن فيه ذكر الخضاب قول أبي تمام:
وقال
أيضاً:
وقال
أيضاً:
وقال
الصابي وذكر الخضاب:
البحتري:
الأصل:
وقال رضي الله عنه:
ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً ممن قدر فعف، لكاد العفيف أن يكون
ملكاً من الملائكة . أخبار حول العفة. الشرح: قد تقدم القول في العفة، وهي ضروب:
عفة اليد، وعفة اللسان، وعفة الفرج، وهي العظمى، وقد جاء في الحديث المرفوع: "من عشق فكتم وعف وصبر فمات مات شهيداً ودخل
الجنة".
خرجت
إمرأة من صالحات نساء قريش إلى بابها لتغلقه، ورأسها مكشوف، فرآها رجل أجنبي
فرجعت وحلقت شعرها، وكانت من أحسن النساء شعراً، فقيل لها في ذلك، قالت: ما كنت
لادع على رأسي شعراً رآه من ليس لي بمحرم. كان ابن سيرين
يقول: ما غشيت امرأة قط في يقظة ولا نوم غير أم عبد الله وإني لأرى
المرأة في المنام وأعلم أنها لا تحل لي فأصرف بصري عنها.
دخلت بثينة على عبد الملك بن مروان، فقال: ما أرى فيك يا بثينة شيئاً مما كان
يلهج به جميل! فقالت: إنه كان يربو إلي بعينين ليستا في رأسك يا أمير المؤمنين،
قال: فكيف صادفته في عفته؟ قالت: كما وصف نفسه إذ قال:
وقال أبو سهل السعدي: دخلت على جميل في مرض موته، فقال: يا أبا سهل، رجل يلقى
الله ولم يسفك دماً حراماً، ولم يشرب خمراً، ولم يأت فاحشةً، أترجو له الجنة؟
قلت: أي والله فمن هو؟ قال: إني لأرجو أن أكون أنا ذلك، فذكرت له بثينة، فقال:
إني لفي آخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من أيام الآخرة، لا نالتني شفاعة محمد
إن كنت حدثت نفسي بريبة معها أومع غيرها قط.
يقال:
إن امرأة ذات جمال دعت عبد الله بن عبد المطلب إلى نفسها لما كانت ترى على وجهه
من النور، فأبى وقال:
راود
توبة بن الحمير ليلى الأخيلية مرةً عن نفسها، فاشمأزت منه وقالت:
ابن
ميادة:
آخر:
في الحديث المرفوع: "لا تكونن حديد النظر إلى ما ليس لك، فإنه لا يزني
فرجك ما حفظت عينيك، وإن استطعت ألا تنظر إلى ثوب المرأة التي لا تحل لك فافعل
ولن تستطيع ذلك إلا بإذن الله ".
فقال عبد الملك: من ليلى هذه؟ إن كانت حرة لازوجنكها، وإن كانت أمة
لأشترينها لك بالغة ما بلغت، فقال: كلا يا أمير
المؤمنين، ما كنت لأصعر وجه حر أبداً في حرته ولا في أمته، وما ليلى التي
آنست بها إلا قوسي هذه سميتها ليلى لأن الشاعر لابد له من
النسيب.
هذا
مثل بيت الحماسة:
شاعر:
العباس
بن الأحنف:
قال
بعضهم: رأيت امرأةً مستقبلة البيت في الموسم، وهي في غاية الضر والنحافة رافعة
يديها تدعو، فقلت لها: هل لك من حاجة؟ قالت: حاجتي أن تنادي في الموقف بقولي:
ففعلت، وإذا أنا بفتى منهوك، فقال: أنا الزاد، فمضيت به إليها، فما
زادوا على النظر والبكاء، ثم قالت له: انصرف
مصاحباً، فقلت: ما علمت أن التقاءكما يقتصر
فيه على هذا، فقالت: أمسك يا فتى، أما علمت
أن ركوب العار ودخول النار شديد.
قال محمد بن عبد الله بن طاهر لبنيه: اعشقوا تظرفوا، وعفوا تشرفوا.
وقال بعض الظرفاء:
كان أرباب الهوى يسرون فيما مضى، ويقنعون بأن يمضغ أحدهم لباناً قد مضغته
محبوبته، أو يستاك بسواكها، ويرون ذاك عظيماً، واليوم يطلب أحدهم الخلوة وإرخاء
الستور، كأنه قد أشهد على نكاحها أبا سعيد وأبا
هريرة.
قال يوسف بن الماجشون: أنشدت محمد بن المنكدر قول وضاح اليمن:
فضحك وقال:
إن كان وضاح لفقيهاً في نفسه.
مرت إمرأة حسناء بقوم من بني نمير مجتمعين في ناد لهم، فرمقوها بأبصارهم، وقال قائل منهم:
ما أكملها لولا أنها رسحاء! فالتفتت إليهم، وقالت:
والله يا بني نمير، ما أطعتم الله ولا الشاعر، قال
الله تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من
أبصارهم". وقال الشاعر:
فأخجلتهم،
وقال أبو صخر الهذلي من شعر الحماسة:
آخر:
وأعف
من هذا الشعر قول عبد بني الحسحاس على فسقه:
وقال
آخر:
قوله:
ليست بكنة ولد ولا جارة يخشى علي ذمامها، مأخوذ من قول قيس بن الخطيم :
وهذا
الشاعر قد زاد عليه قوله: ولا حليلة صاحب.
آخر:
بشار
بن برد:
البيت
الآخر مثل قول القائل:
أبو الطيب المتنبي:
كان الصاحب رحمه الله يستهجن قوله: عما في سراويلاتها، ويقول: إن
كثيراً من العهر أحسن من هذه العفة، ومعنى البيت
الأول أن هذه الخلال الثلاث تراهن الملاح ضرائر لهن لأنهن يمنعنه عن
الخلوة بالملاح والتمتع بهن. ثم قال: إن هذه الخلال هي التي تمنعه لا
الخوف من تبعاتها، وقال قوم: هذا تهاون بالدين، ونوع من الإلحاد. وعندي أن هذا مذهب
للشعراء معروف، لا يريدون به التهاون بالدين، بل المبالغة في وصف سجاياهم
وأخلاقهم بالطهارة، وأنهم يتركون القبيح لأنه قبيح، لا لورود الشرع به، وخوف
العقاب منه.
ويمكن أيضاً
أن يريد بتبعاتها تبعات الدنيا، أي لا أخاف من قوم هذه المحبوبة التي أنست بها،
ولا أشفق من حربهم وكيدهم، فأما عفة اليد وعفة
اللسان فهما باب آخر. وقد ذكرنا طرفاً
صالحاً من ذلك في الأجزاء المتقدمة عند ذكرنا الورع. قال سليمان بن داود: يا بني إسرائيل، أوصيكم بأمرين أفلح من فعلهما: لا تدخلوا
أجوافكم إلا الطيب ولا تخرجوا من أفواهكم إلا الطيب. عائشة، قالت: يا رسول الله، من المؤمن؟ قال: من إذا أصبح نظر إلى رغيفيه كيف
يكتسبهما، قالت: يا رسول الله، أما إنهم
لوكلفوا ذلك لتكلفوه، فقال لها: إنهم قد كلفوه، ولكنهم يعسفون الدنيا عسفاً.
وقال
أيضا:ً
الأصل: وقال رضي الله عنه لزياد بن أبيه وقد استخلفه لعبد الله بن العباس
على فارس وأعمالها، في كلام طويل كان بينهما نهاه فيه عن تقديم الخراج: استعمل
العدل، واحذر العسف والحيف، فإن العسف يعود بالجلاء، والحيف يدعو إلى السيف. وقال بعضهم:
كان أهل العلم يضنون بعلمهم عن أهل الدنيا فيرغبون فيه ويبذلون لهم دنياهم،
واليوم قد بذل أهل العلم علمهم لأهل الدنيا فزهدوا فيه وضنوا عنهم بدنياهم. فنهضت متحفظاً، ولم أودعه، فقال لي: إن رأيت أن تعود
إلي في يوم مثله! فلم أذكر للمأمون شيئاً مما جرى، فلما كان في اليوم الذي وعدني
فيه لقياه سرت إليه فاستؤذن لي عليه، فتلقاني على باب الدار، فعانقني، وقبل بين
عيني، وقدمني أمامه، ومشى خلفي حتى أقعدني في الدست، وجلس بين يدي، وقد فرشت
الدار، وزينت بأنواع الزينة، وأقبل يحدثني ويتنادر معي إلى أن حضر وقت الطعام،
فأمر فقدمت أطباق الفاكهة، فأصبنا منها، ونصبت الموائد، فقدم عليها أنواع
الأطعمة من حارها وباردها، وحلوها وحامضها، ثم قال: أي الشراب أعجب إليك؟
فاقترحت عليه، وحضر الوصائف للخدمة، فلما أردت الإنصراف حمل معي جميع ما أحفر من
ذهب وفضة وفرش وكسوة، وقدم إلى البساط فرس بمركب ثقيل، فركبته وأمر من بحضرته من
الغلمان الروم والوصائف حتى سعوا بين يدي، وقال: عليك بهم فهم لك. ثم قال: إذا
زارك أخوك فلا تتكلف له، واقتصر على ما يحضرك، وإذا دعوته فاحتفل به واحتشد، ولا
تدعن ممكناً، كفعلنا إياك عند زيارتك إيانا، وفعلنا يوم دعوناك. الحكم
المنسوبة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. كان كثيراً ما يقول إذا فرغ من صلاة الليل: أشهد أن
السماوات والأرض وما بينهما آيات تدل عليك، وشواهد تشهد بما إليه دعوت. كل ما
يؤدي عنك الحجة ويشهد لك بالربوبية، موسوم بآثار نعمتك ومعالم تدبيرك. علوت بها
عن خلقك، فأوصلت إلى القلوب من معرفتك ما آنسها من وحشة الفكر، وكفاها رجم
الإحتجاج، فهي مع معرفتها بك، وولهها إليك، شاهدة بأنك لا تأخذك الأوهام، ولا
تدركك العقول ولا الأبصار. أعوذ بك أن
أشير بقلب أو لسان أو يد إلى غيرك، لا إله إلا أنت، واحداً أحداً، فرداً صمداً،
ونحن لك مسلمون. وكثرة
الصمت زمام اللسان، وحسم الفطنة، وإماطة الخاطر ، وعذاب الحس. اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز عنا وعنهم. الحمد
لله الذي جعل الأرض كفاتاً ، أحياءً وأمواتاً. والحمد لله الذي منها خلقنا،
وعليها ممشانا، وفيها معاشنا، وإليها يعيدنا، طوبى لمن ذكر المعاد، وقنع
بالكفاف، وأعد للحساب! إنكم مخلوقون اقتداراً، ومربوبون اقتساراً، ومضمنون
أجداثا، وكائنون رفاتاً، ومبعوثون أفراداً، ومدينون حساباً. فرحم الله امرأً اقترف فاعترف، ووجل فعقل، وحاذر
فبادر، وعمر فاعتبر، وحذر فازدجر، وأجاب فأناب، وراجع فتاب، واقتدى فاحتذى ،
وتأهب للمعاد، واستظهر بالزاد، ليوم رحيله، ووجه سبيله ولحال حاجته، وموطن
فاقته، فقدم أمامه لدار مقامه، فمهدوا لأنفسكم على سلامة الأبدان وفسحة الأعمار. فهل ينتظر أهل غضارة الشباب إلا حواني
الهرم، وأهل بضاضة الصحة إلا نوازل السقم، وأهل مدة البقاء إلا مفاجأة الفناء
واقتراب الموت، ومشارفة الإنتقال، وإشفاء الزوال، وحفز الأنين ورشح الجبين،
وامتداد العرنين، وعلز القلق، وقيظ الرمق وشدة المضض، وغصص الجرض. الجهل بالفضائل عدل الموت. وما أحسن العلم يزينه العمل، وما أحسن العمل يزينه
الرفق! أكبر الفخر
ألا تفخر. واعرف قدرك يستعل أمرك، وكفى ما مضى مخبراً عما
بقي! لا تعدن عدةً تحقرها قلة الثقة بنفسك، ولا يغرنك المرتقى السهل إذا كان
المنحدر وعراً. وشكا إليه رجل تعذر الرزق، فقال:
مه، لا تجاهد الرزق جهاد المغالب، ولا تتكل على القدر إتكال المستسلم، فإن
ابتغاء الفضل من السنة، والإجمال في الطلب من العفة، وليست العفة دافعةً رزقاً،
ولا الحرص جالباً فضلاً، لأن الرزق مقسوم، وفي شدة الحرص إكتساب المآثم. إذا استغنيت عن شيء فدعه وخذ ما أنت محتاج إليه. لا تؤاخين الفاجر، فإنه يزين لك فعله، ويود لو أنك
مثله، ويحسن لك أقبح خصاله، ومدخله ومخرجه من عندك شين وعار ونقص، ولا الأحمق
فإنه يجهد لك نفسه ولا ينفعك وربما أراد أن ينفعك فضرك، سكوته خير لك من نطقه،
وبعده خير لك من قربه، وموته خير لك من حياته، ولا الكذاب فإنه لا ينفعك معه
شيء، ينقل حديثك، وينقل الحديث إليك، حتى إنه ليحدث بالصدق فلا يصدق. البلاغة النصر بالحجة، والمعرفة بمواضع الفرصة، وسن
البصر بالحجة أن تدع الإفصاح بها إلى الكناية عنها إذا كان الإفصاح أوعر طريقة،
وكانت الكناية أبلغ في الدرك وأحق بالظفر. إياك
والشهوات، وليكن مما تستعين به على كفها علمك بأنها ملهية لعقلك، مهجنة لرأيك،
شائنة لغرضك، شاكلة لك عن معاظم أمورك، مشتدة بها التبعة عليك في آخرتك. إنما الشهوات لعب، فإذا حضر اللعب غاب الجد، ولن
يقام الدين وتصلح الدنيا إلا بالجد، فإذا نازعتك نفسك إلى اللهو واللذات، فاعلم
أنها قد نزعت بك إلى شر منزع، وأرادت بك أفضح الفضوح، فغالبها مغالبة ذلك،
وامتنع منها امتناع ذلك، وليكن مرجعك منها إلى الحق، فإنك مهما تترك من الحق لا
تتركه إلا إلى الباطل، ومهما تدع من الصواب لا تدعه إلا إلى الخطأ، فلا تداهنن
هواك في اليسير فيطمع منك في الكثير. إن ملاك العقل ومكارم الأخلاق صون العرض، والجزاء
بالفرض، والأخذ بالفضل، والوفاء بالعهد، والإنجاز للوعد. ومن حاول
أمراً بالمعصية كان أقرب إلى ما يخاف، وأبعد مما يرجو. إذا جرت المقادير بالمكاره سبقت الآفة إلى العقل
فحيرته، وأطلقت الألسن بما فيه تلف الأنفس. لا تصحبوا الأشرار فإنهم يمنون عليكم بالسلامة
منهم. من أتت عليه الأربعون من السنين قيل له: خذ حذرك من
حلول المقدور فإنك غير معذور، وليس أبناء الأربعين بأحق بالحذر من أبناء
العشرين، فإن طالبهما واحد، وليس عن الطلب براقد، وهو الموت، فاعمل لما أمامك من
الهول، ودع عنك زخرف القول. إحسانك إلى
الحر يحركه على المكافأة، وإحسانك إلى النذل يبعثه على معاودة المسألة. ينبغي للوالي أن يعمل بخصال ثلاث: تأخير
العقوبة منه في سلطان الغضب، والأناة فيما يرتئيه من رأي، وتعجيل مكافأة المحسن
بالإحسان، فإن في تأخير العقوبة إمكان العفو، وفي تعجيل المكافأة بالإحسان طاعة
الرعية، وفي الأناة انفساح الرأي وحمد العاقبة ووضوح الصواب. ولا تضجرن من صحبته، فإنما هو بمنزلة النخلة ينتظر
متى يسقط عليك منها منفعة. وخصه
بالتحية، واحفظ شاهده وغائبه، وليكن ذلك كله لله عز وجل، فإن العالم أفضل من
الصائم القائم المجاهد في سبيل الله. وإذا مات العالم
ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها إلا خلف منه. وطالب العلم تشيعه الملائكة حتى
يرجع. ذك قلبك بالأدب كما تذكي النار بالحطب. والعجلة في
الأمور مكسبة للمذلة، وزمام للندامة، وسلب للمروءة، وشين للحجى، ودليل على ضعف
العقيدة. من أداء الأمانة المكافأة على الصنيعة لأنها
كالوديعة عندك. إياك
ومواقف الإعتذار، فرب عذر أثبت الحجة على صاحبه وإن كان بريئاً. إن لله عباداً في الأرض كأنما رأوا أهل الجنة
في جنتهم وأهل النار في نارهم: اليقين وأنواره لامعة على
وجوههم، قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وأنفسهم عفيفة، وحوائجهم خفيفة، صبروا
أياماً قليلة لراحة طويلة، أما الليل فصافون أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم،
يجأرون إلى الله سبحانه بأدعيتهم، قد حلا في أفواههم، وحلا في قلوبهم طعم
مناجاته ولذيذ الخلوة به، قد أقسم الله على نفسه بجلال عزته ليورثنهم المقام
الأعلى في مقعد صدق عنده، وأما نهارهم فحلماء علماء، بررة، أتقياء، كالقداح ينظر
إليهم الناظر فيقول: مرضى، وما بالقوم من مرض، أو يقول: قد خولطوا، ولعمري لقد
خالطهم عظيم جليل. البخيل يسخو من عرضه بمقدار ما يبخل به من ماله،
والسخي يبخل من عرضه بمقدار ما يسخو به من ماله. قليل العلم إذا وقر في القلب كالطل يصيب الأرض
المطمئنة فتعشب. كتب إلى عامل له: إعمل بالحق ليوم لا يقضى فيه إلا
بالحق. احذروا الكلام في مجالس الخوف، فإن الخوف يذهل
العقل الذي منه نستمد، ويشغله بحراسة النفس عن حراسة المذهب الذي نروم نصرته. واحذر الغضب ممن يحملك عليه، فإنه مميت للخواطر،
مانع من التثبت. واحذر من
تبغضه فإن بغضك له يدعوك إلى الضجر به، وقليل الغضب كثير في أذى النفس والعقل،
والضجر مضيق للصدر، مضعف لقوى العقل، واحذر المحافل التي لا إنصاف لأهلها في
التسوية بينك وبين خصمك في الإقبال والإستماع، ولا أدب لهم يمنعهم من جور الحكم
لك وعليك. واحذر حين تظهر العصبية لخصمك بالإعتراض عليك
وتشييد قوله وحجته، فإن ذلك يهيج العصبية، والإعتراض على هذا الوجه يخلق الكلام،
ويذهب بهجة المعاني. واحذر كلام من لا يفهم عنك فإنه يضجرك واحذر
استصغار الخصم فإنه يمنع من التحفظ، ورب صغير غلب كبيراً! لا تقبل الرياسة على
أهل مدينتك، فإنهم لا يستقيمون لك إلا بما تخرج به من شرط الرئيس الفاضل. لو كسرت لي الوسادة لقضيت بين أهل
التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، حتى
تزهر تلك القضايا إلى الله عز وجل وتقول: يا رب، إن علياً قضى بين خلقك بقضائك. أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ليضربنكم على
الدين عوداً كما ضربتموهم عليه بدءاً. فيقال له:
فاقتله، فيقول: كيف أقتل قاتلي! إلهي ما قدر ذنوب أقابل بها كرمك، وما قدر عبادة
أقابل بها نعمك! وإني لأرجو أن تستغرق ذنوبي في كرمك، كما استغرقت أعمالي في
نعمك. إذا غضب الكريم فألن له الكلام، وإذا غضب اللئيم فخذ
له العصا. أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بيدي فهزها، وقال: ما أول نعمة أنعم الله بها عليك؟ قلت: أن خلقني حياً،
وأقدرني، وأكمل حواسي ومشاعري وقواي، قال: ثم ماذا؟ قلت: أن جعلني ذكراً، ولم
يجعلني أنثى، قال والثالثة: قلت: أن هداني للإسلام، قال: والرابعة، قلت:
"وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها". لا يصبر على الحرب ويصدق في اللقاء إلا ثلاثة:
مستبصر في دين، أو غيران على حرمة، أو ممتعض من ذل. المرأة تكتم الحب أربعين سنة، ولا تكتم البغض ساعة
واحدة. الممتحن كالمختنق، كلما ازداد اضطراباً ازداد
اختناقاً. وانظر أمن يطلب بالإجمال والتكرم أحق أن تسخو نفسك
له أم من يطلب بالشره والحرص! إذا كان
العقل تسعة أجزاء احتاج إلى جزء من جهل ليقدم به صاحبه على الأمور، فإن العاقل
أبداً متوان مترقب متخوف. ولارتدت في
حافرتها، وعاد قارحها جذعاً، وبازلها بكراً، ثم فتح الله عليها الفتوح، فأثرت
بعد الفاقة، وتمولت بعد الجهد والمخمصة، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان
سمجاً، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً، وقالت: لولا أنه حق لما
كان كذا، ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها، وحسن تدبير الأمراء القائمين بها،
فتأكد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين، فكنا نحن ممن خمل ذكره، وخبت ناره،
وانقطع صوته وصيته، حتى أكل الدهر علينا وشرب، ومضت السنون والأحقاب بما فيها،
ومات كثير ممن يعرف، ونشأ كثير ممن لا يعرف. وما عسى أن
يكون الولد لو كان! إن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم لم يقربني بما تعلمونه من القرب للنسب واللحمة، بل
للجهاد والنصيحة، أفتراه لو كان له ولد هل كان يفعل ما فعلت! وكذاك لم يكن يقرب
ما قربت، ثم لم يكن عند قريش والعرب سبباً للحظوة والمنزلة، بل للحرمان والجفوة.
اللهم إنك تعلم أني لم أرد الإمرة، ولا علو الملك والرياسة، وإنما أردت القيام
بحدودك، والأداء لشرعك، ووضع الأمور في مواضعها، وتوفير الحقوق على أهلها،
والمضي على منهاج نبيك، وإرشاد الضال إلى أنوار هدايتك. ليس الصوم الإمساك عن المأكل والمشرب، الصوم
الإمساك عن كل ما يكرهه الله سبحانه. كل شيء
يعصيك إذا أغضبته إلا الدنيا، فإنها تطيغك إذا أغضبتها. التواضع نعمة لا يفطن لها الحاسد. من سعادة
المرء أن يطول عمره، ويرى في أعدائه ما يسره. الغدر ذل حاضر، والغيبة لؤم باطن. أشجع الناس
أثبتهم عقلاً في بداهة الخوف. حب الرياسة شاغل عن حب الله سبحانه. من اسم جليل لمسمىً ذليل! الخير كله في السيف، وما قام هذا الدين إلا بالسيف،
أتعلمون ما معنى قوله تعالى: "وأنزلنا الحديد
فيه بأس شديد"؟ هذا هو السيف. تأمل ما تتحدث به، فإنما تملي على كاتبيك صحيفةً
يوصلانها إلى ربك، فانظر على من تملي، وإلى من تكتب. وإياك والتغاير في غير موضع الغيرة، فإن ذلك يدعو
الصحيحة منهن إلى السقم. إذا قال
أحدكم: والله، فلينظر ما يضيف إليها. لا تكونن المحدث من لا يسمع منه، والداخل في سر
اثنين لم يدخلاه فيه، ولا الآتي وليمة لم يدع إليها، ولا الجالس في مجلس لا
يستحقه، ولا طالب الفضل من أيدي اللئام، ولا المتحمق في الدالة، ولا المتعرض
للخير من عند العدو. من سره الغنى بلا سلطان، والكثرة بلا عشيرة، فليخرج
من ذل معصية الله إلى عز طاعته، فإنه واجد ذلك كله. من شبع عوقب في الحال ثلاث عقوبات: يلقى
الغطاء على قلبه، والنعاس على عينه، والكسل على بدنه. يقطع البليغ عن المسألة أمران: ذل
الطلب، وخوف الرد. المؤمن محدث. أعسر العيوب صلاحاً العجب واللجاجة. الحزن والغضب
أميران تابعان لوقوع الأمر بخلاف ما تحب، إلا أن
المكروه إذا أتاك ممن فوقك نتج عليك
حزناً، وإن أتاك ممن دونك نتج عليك غضباً. ويحكم يا أجراء السوء! أما الأجر فتأخذون، وأما
العمل فلا تعملون، إن عملتم فللعمل تفسدون، وسوف تلقون ما تفعلون، يوشك رب العمل
أن ينظر في عمله الذي أفسدتم، وفي أجره الذي أخذتم. يا غرماء السوء، تبدءون
بالهدية قبل قضاء الدين، تتطوعون بالنوافل ولا تؤدون الفرائض، إن رب الدين لا
يرضى بالهدية حتى يقضى دينه. لا تجالسوا إلا من يذكركم الله رؤيته، ويزيد في عملكم
منطقه، ويرغبكم في الآخرة عمله. كثرة الطعام تميت القلب كما تميت كثرة الماء الزرع. العالم مصباح الله في الأرض، فمن أراد الله به
خيراً اقتبس منه. لقد استنت الفصال حتى القرعى. لامته فاطمة على قعوده وأطالت
تعنيفه، وهو ساكت حتى أذن المؤذن، فلما بلغ إلى قوله: أشهد أن محمداً رسول الله، قال لها: أتحبين أن تزول هذه الدعوة من الدنيا؟ قالت: لا،
قال: فهو ما أقول لك. الموالي ينصرون، وبنو العم يحسدون. إذا سمعت الكلمة تؤذيك فطأطىء لها فإنها تتخطاك. خير الإخوان من إذا استغنيت عنه لم يزدك في المودة،
وإن احتجت إليه لم ينقصك منها. سلوا
القلوب عن المودات، فإنها شهود لا تقبل الرشا. العالم
يعرف الجاهل لأنه كان جاهلاً، والجاهل لا يعرف العالم لأنه لم يكن عالماً. يمنع الجاهل أن يجد ألم الحمق المستقر في قلبه ما
يمنع السكران أن يجد مس الشوكة في يده. القنية مخدومة، ومن خدم غير نفسه فليس بحر. خف الضعيف
إذا كان تحت راية الإنصاف أكثر من خوفك
القوي تحت راية الجور، فإن النصر يأتيه من حيث لا يشعر، وجرحه لا يندمل . الإنسان في
سعيه وتصرفاته كالعائم في اللجة، فهو يكافح الجرية في إدباره، ويجري معها في
إقباله. السباب مزاح النوكى، ولا بأس بالمفاكهة، يروح بها
الإنسان عن نفسه، ويخرج عن حد العبوس. إعادة الإعتذار تذكير بالذنب. لا ترد بأس
العدو القوي وغضبه بمثل الخضوع والذل، كسلامة الحشيش من الريح العاصف بانثنائه
معها كيفما مالت. كل الناس أمروا بأن يقولوا: لا إله إلا الله، إلا
رسول الله، فإنه رفع قدره عن ذلك، وقيل له:
فاعلم أنه لا إله إلا الله، فأمر بالعلم لا بالقول. زر القبور
تذكر بها الآخرة، وغسل الموتى يتحرك قلبك، فإن الجسد الخاوي عظة بليغة، وصل على
الجنائز لعله يحزنك، فإن الحزين قريب من الله. الإستئثار يوجب الحسد، والحسد يوجب
البغضة، والبغضة توجب الإختلاف، والإختلاف يوجب الفرقة، والفرقة توجب الضعف،
والضعف يوجب الذل، والذل يوجب زوال الدولة، وذهاب النعمة. لا تعامل العامة فيما أنعم به عليك من العلم، كما
تعامل الخاصة، واعلم أن لله سبحانه رجالاً أودعهم أسراراً خفية، ومنعهم عن
إشاعتها، واذكر قول العبد الصالح لموسى وقد قال له: "هل أتبعك على أن تعلمن
مما علمت رشدا. قال إنك لن تستطيع معي صبرا، وكيف تصبر على ما لم
تحط به خبرا"!. انظر العمل
الذي يسرك أن يأتيك الموت وأنت عليه فافعله الآن، فلست تأمن أن تموت الآن. أن الله تعالى جعلها فاتحة كتابه، وجعلها خاتمة دعوى أهل جنته، فقال: "وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين". ما أضيق الطريق على من لم يكن الحق تعالى دليله،
وما أوحشها على من لم يكن أنيسه! ومن اعتز بغير عز الله ذل، ومن تكثر بغير الله
قل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفهرس الجزء العشرون بسم الله الرحمن الرحيم. مع أبي المعالي الجويني في
أمر الصحابة والرد عليه. أعبد الله بن الزبير نسبه
وبعض أخباره مع بن أبي طالب حول أشعر
الشعراء. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||