- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
19باب المختار من الخطب والأوامر - ابن ابي الحديد
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بسم
الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
إنما المرء في الدنيا غرض تنتضل فيه المنايا، ونهب تبادره المصائب، ومع كل جرعة
شرق، وفي كل أكلة غصص، ولا ينال العبد نعمة إلا
بفراق أخرى، ولا يستقبل يوماً من عمره إلا بفراق آخر من أجله، فنحن أعوان
المنون، وأنفسنا نصب الحتوف، فمن أين نرجو البقاء؟ وهذا الليل والنهار لم يرفعا
من شيء شرفاً، إلا أسرعا الكرة في هدم ما بنيا، وتفريق ما جمعا! الشرح: قد سبق من هذا الكلام في أثناء خطبته عليه السلام، وقد
ذكرنا نحن أشياء كثيرة في الدنيا وتقلبها بأهلها. والنهب: المال
المنهوب غنيمة، وجمعه نهاب. قوله: " فنحن أعوان المنون "، لأنا نأكل، ونشرب، ونجامع، ونركب
الخيل، والإبل، ونتصرف في الحاجات والمآرب، والموت
إنما يكون بأحد هذه الأسباب، إما من أخلاط تحدثها المآكل والمشارب، أو من
سقطة يسقط الإنسان من دابة هو راكبها، أو من ضعف يلحقه من الجماع المفرط، أو
لمصادمات واصطكاكات تصيبه عند تصرفه في مآربه وحركته وسعيه، ونحو ذلك، فكأنا نحن أعنا الموت على أنفسنا.
وعاد الحسن البصري عبد الله بن الأهتم في مرضه
الذي مات فيه، فأقبل عبد الله يصرف بصره إلى صندوق في جانب البيت، ثم قال للحسن: يا أبا سعيد، فيه مائة ألف لم يؤد
منها زكاة، ولم توصل بها رحم، قال الحسن:
ثكلتك أمك! فلم أعددتها؟ قال: لروعة الزمان،
ومكاثرة الإخوان، وجفوة السلطان. ثم التفت فقال: أيها الوارث، كل هنيئاً، فقد أتاك هذا المال
حلالاً، فلا يكن عليك وبالاً، أتاك ممن كان له جموعاً منوعاً، يركب فيه لجج
البحار، ومفاوز القفار، من باطل جمعه، ومن حق منعه، لم ينتفع به في حياته، وضره
بعد وفاته، جمعه فأوعاه، وشده فأوكاه إلى يوم القيامة، يوم ذي حسرات، وإن أعظم الحسرات أن ترى مالك في ميزان غيرك، بخلت بمال
أوتيته من رزق الله أن تنفقه في طاعة الله، فخزنته لغيرك، فأنفقه في مرضاة ربه،
يا لها حسرة لا تقال، ورحمة لا تنال! إنا لله وإنا إليه راجعون! الأصل: إن للقلوب شهوةً وإقبالاً، وإدباراً، فأتوها
من قبل شهوتها وإقبالها، فإن القلب إذا أكره عمي. الشرح: قد تقدم القول في الغضب مراراً، وهذا الفصل فصيح لطيف
المعنى، قال: لا سبيل لي إلى شفاء غيظي عند غضبي، لأني إما أن أكون قادراً على
الانتقام فيصدني عن تعجيله قول القائل: لو غفرت لكان أولى! وإما ألا أكون قادراً
على الانتقام فيصدني عنه كوني غير قادر عليه، فإذن لا سبيل لي إلى الإنتقام عند
الغضب. الشرح: قد سبق القول في مثل هذا، وأن الحسن
البصري مر على مزبلة، فقال: انظروا
إلى بطهم ودجاجهم وحلوائهم وعسلهم وسمنهم، والحسن إنما أخذه من كلام أمير
المؤمنين عليه السلام، وقال ابن وكيع في قول
المتنبي:
إنه أراد:
لو أفكر في حاله وهو في القبر، وقد تغيرت محاسنه، وسالت عيناه، قال: وهذا مثل قولهم:
لو أفكر الإنسان فيما يئول إليه الطعام لعافته نفسه. الأصل: لم يذهب من مالك
ما وعظك. وقيل لعالم فقير بعد أن كان غنياً: أين مالك؟ قال:
تجرت فيه فابتعت به تجربة الناس والوقت، فاستفدت أشرف العوضين.
الأصل: وقال عليه السلام لما سمع قول الخوارج: لا حكم
إلا لله، كلمة حق يراد بها باطل. الشرح:
معنى قوله سبحانه: "إن
الحكم إلا لله"، أي إذا أراد شيئاً من أفعال نفسه فلا بد من وقوعه،
بخلاف غيره من القادرين بالقدرة فإنه لا يجب حصول مرادهم إذا أرادوه، ألا ترى ما
قبل هذه الكلمة: "يا بني لا تدخلوا من باب
واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله
" خاف عليهم من الإصابة بالعين
إذا دخلوا من باب واحد، فأمرهم أن يدخلوا من أبواب
متفرقة، ثم قال لهم: "وما أغني عنكم من الله من شيء"، أي إذا
أراد الله بكم سوءاً لم يدفع عنكم ذلك السوء ما أشرت به عليكم من التفرق، ثم قال: "إن الحكم إلا
لله" أي ليس حي من الأحياء ينفذ
حكمه لا محالة ومراده لما هو من أفعاله إلا الحي القديم وحده، فهذا هو معنى هذه
الكلمة، وضلت الخوارج عندها فأنكروا على أمير المؤمنين عليه السلام
موافقته على التحكيم، وقالوا، كيف
يحكم وقد قال الله سبحانه: "إن الحكم إلا
لله"، فغلطوا لموضع اللفظ المشترك،
وليس هذا الحكم هو ذلك الحكم، فإذن هي كلمة حق يراد بها
باطل، لأنها حق على المفهوم الأول، ويريد بها الخوارج نفي كل ما يسمى حكماً إذا
صدر عن غير الله تعالى، وذلك باطل، لأن الله تعالى قد أمضى حكم المخلوقين في
كثير من الشرائع، الأصل: وقال
عليه السلام في صفة الغوغاء: هم الذين إذا اجتمعوا غلبوا، وإذا تفرقوا لم
يعرفوا. فقال عليه السلام: يرجع أهل المهن إلى مهنهم، فينتفع الناس بهم، كرجوع البناء
إلى بنائه، والنساج إلى منسجه، والخباز إلى مخبزه. وكان يقال:
العامة كالبحر إذا هاج أهلك راكبه. وقال بعضهم:
لا تسبوا الغوغاء فإنهم يطفئون الحريق، وينقذون الغريق، ويسدون البثوق.
الأصل: إن مع كل إنسان ملكين يحفظانه، فإذا
جاء القدر خليا بينه وبينه، وإن الأجل جنة حصينة. الشرح: قد
تقدم هذا، وقلنا: إنه
ذهب كثير من الحكماء هذا المذهب، وإن لله تعالى ملائكة موكلة تحفظ البشر
من التردي في بئر، ومن إصابة سهم معترض في طريق، ومن رفس دابة، ومن نهش حية، أو
لسع عقرب، ونحو ذلك. والشرائع أيضاً قد وردت بمثله وإن الأجل جنة، أي درع، ولهذا في علم الكلام مخرج صحيح، وذلك لأن أصحابنا يقولون: إن الله تعالى إذا علم
أن في بقاء زيد إلى وقت كذا لطفاً له أو لغيره من المكلفين صد من يهم بقتله عن
قتله بألطاف يفعلها تصده عنه أو تصرفه عنه بصارف، أو يمنعه عنه بمانع، كي لا
يقطع ذلك الإنسان بقتل زيد الألطاف التي يعلم الله أنها مقربة من الطاعة، ومبعدة
من المعصية لزيد أو لغيره، فقد بان أن الأجل على هذا التقدير جنة حصينة لزيد، من
حيث كان الله تعالى باعتبار ذلك الأجل مانعاً من قتله وإبطال حياته، ولا جنة
أحصن من ذلك.
وإنما
تشركاني في القوة والاستعانة أي إذا قوي أمري وأمر الإسلام بي قويتما أنتما
أيضاً، وإذا عجزت عن أمر، أو تأود علي أمر- أي اعوج- كنتما عونين لي ومساعدين
على إصلاحه. وقال لرجل في جنازة: أترى هذا الميت لو عاد إلى الدنيا لكان يعمل عملاً صالحاً؟
قال: نعم، قال: فإن لم يكن ذلك فكن أنت ذاك.
وقد سبق منا كلام طويل في الشكر.
الأصل: كل وعاء يضيق بما جعل فيه، إلا وعاء العلم فإنه
يتسع به. الشرح:
هذا الكلام تحته سر عظيم، ورمز إلى معنى شريف غامض، ومنه أخذ مثبتو النفس
الناطقة الحجة على قولهم، ومحصول ذلك أن القوى الجسمانية يكلها ويتعبها تكرار
أفاعيلها عليها، كقوة البصر تتعبها تكرار إدراك المرئيات، حتى ربما أذهبها
وأبطلها أصلاً، وكذلك قوة السمع يتعبها تكرار الأصوات عليها، وكذلك غيرها من
القوى الجسمانية، ولكنا وجدنا القوة العاقلة بالعكس من ذلك، فإن الإنسان كلما
تكررت عليه المعقولات ازدادت قوته العقلية سعةً وانبساطاً واستعداداً لإدراك
أمور أخرى غير ما أدركته من قبل، حتى كان تكرار المعقولات عليها يشحذها ويصقلها،
فهي إذن مخالفة في هذا الحكم للقوى الجسمانية، فليست منها، لأنها لو كانت منها
لكان حكمها حكم واحد من أخواتها، وإذا لم تكن جسمانية فهي مجردة، وهي التي
نسميها بالنفس الناطقة. قلت: الفهم ههنا
هو معرفة المقدمات، ولا بد أن يستعقب معرفة المقدمات معرفة النتيجة، فمعرفة
النتيجة هو العلم، فكأنه قال: من اعتبر تنور قلبه بنور الله تعالى ومن تنور قلبه
عقل المقدمات البرهانية، ومن عقل المقدمات البرهانية علم النتيجة الواجبة عنها،
وتلك هي الثمرة الشريفة التي في مثلها يتنافس المتنافسون. وأصحابنا
يقولون: إنه وعد بإمام يملك الأرض ويستولي على الممالك،
ولا يلزم من ذلك أنه لا بد أن يكون موجوداً، وإن كان غائباً إلى أن يظهر، بل يكفي في صحة هذا الكلام أن يخلق في آخر الوقت. فإنهم الذين
أزالوا ملك بني أمية، وهم بنو هاشم، وبطريقهم عطفت الدنيا على بني عبد المطلب
عطف الضروس. وتقول الزيدية:
إنه لا بد من أن يملك الأرض فاطمي يتلوه جماعة من
الفاطميين على مذهب زيد، وإن لم يكن أحد
منهم الآن موجوداً. وكم من عقل أسير عند هوى
أمير! ومن التوفيق حفظ التجربة، والمودة قرابة مستفادة، ولا تأمنن ملولاً. والفدام:
خرقة تجعل على فم الإبريق، فشبه الحلم بها، فإنه يرد السفيه عن السفه كما يرد
الفدام الخمر عن خروج القذى منها إلى الكأس.
وقد سبق القول في الاستشارة، وأن المستغني برأيه مخاطر، وكذلك القول في الصبر. والمناضلة:
المراماة.
الأصل: عجب المرء بنفسه أحد حساد عقله.
وقال الشاعر:
وكان يقال: أغض عن الدهر وإلا صرعك. وقال
تعالى: "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من
حولك"، وأصل هذه الكلمة مطابق للقواعد الحكمية، أعني الشجرة ذات
الأغصان حقيقة، وذلك لأن النبات كالحيوان في القوى النفسانية، أعني الغاذية
والمنمية، وما يخدم الغاذية من القوى الأربع، وهي الجاذبة، والماسكة، والدافعة،
والهاضمة، فإذا كان اليبس غالباً على شجرة كانت أغصانها أخف، وكان عودها أدق،
وإذا كانت الرطوبة غالبة كانت أغصانها أكثر، وعودها أغلظ، وذلك لاقتضاء اليبس
الذبول، واقتضاء الرطوبة الغلظ والعبالة والضخامة، ألا
ترى أن الإنسان الذي غلب اليبس على مزاجه، لا يزال مهلوساً نحيفاً، والذي غلبت
الرطوبة عليه لا يزال ضخماً عبلاً.
وكان يقال: أهدى
رأي الرجل ما نفذ حكمه، فإذا خولف فسد.
وقالوا: التجربة محك، وقالوا: مثل الإنسان مثل البطيخة، ظاهرها مونق، وقد يكون في باطنها
العيب والدود، وقد يكون طعمها حامضاً وتفهاً.
الأصل: حسد الصديق من سقم المودة.
ومن أدعية الحكماء: اللهم اكفني بوائق الثقات واحفظني من كيد الأصدقاء.
وقال آخر:
وذكر خالد بن صفوان شبيب بن شيبة، فقال: ذاك رجل ليس له صديق في السر ولا
عدو في العلانية.
الأصل: أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع.
وقال
آخر:
الأصل: ليس من العدل القضاء على الثقة بالظن. ولفظ الثقة ههنا مرادف للفظ العلم، فكأنه قال: لا
يجوز أن يزال ما علم بطريق قطعية لأمر ظني. وأعجب منه: من عومل فظلم إذا عامل كيف يظلم! وكان يقال:
العدو عدوان: عدو ظلمته، وعدو ظلمك، فإن اضطرك الدهر إلى أحدهما فاستعن بالذي
ظلمك، فإن الآخر موتور.
وقال
طاهر بن الحسين بن مصعب:
وكان يقال:
بعض التغافل فضيلة، وتمام الجود الإمساك عن ذكر المواهب، ومن الكرم أن تصفح عن التوبيخ، وأن تلتمس ستر هتك الكريم.
وقال
آخر:
ومتى
قصد به الانقباض فهو مدح للصبيان دون المشايخ، ومتى قصد به ترك القبيح فهو مدح
لكل أحد، وبالاعتبار الأول قيل: الحياء بالأفاضل قبيح،
وبالاعتبار الثاني ورد: إن الله ليستحيي من ذي شيبة في الإسلام أن يعذبه،
أي يترك تعذيبه ويسقبح لكرمه ذلك.
وما أصدق قول الشاعر:
فأما كيف يكتسب الحياء، فمن حق الإنسان إذا هم بقبيح أن
يتصور أجل من نفسه أنه يراه، فإن الإنسان يستحيي ممن يكبر في نفسه أن يطلع على
عيبه ولذلك لا يستحيي من الحيوان غير الناطق، ولا من الأطفال الذين لا يميزون،
ويستحيي من العالم أكثر مما يستحيي من الجاهل ومن الجماعة أكثر مما يستحيي من
الواحد، والذين يستحيي الإنسان منهم ثلاثة:
البشر، ونفسه، والله تعالى، أما البشر فهم أكثر من
يستحي منه الإنسان في غالب الناس، ثم نفسه، ثم خالقه، وذلك لقلة توفيقه وسوء
اختياره. واعلم أن من استحيا من الناس ولم يستح من نفسه فنفسه عنده أخس من
غيره، ومن استحيا منهما ولم يستح من الله تعالى فليس عارفاً، لأنه لو كان
عارفاً بالله لما استحيا من المخلوق دون الخالق، ألا ترى أن الإنسان لا بد أن
يستحي من الذي يعظمه ويعلم أنه يراه أو يستمع بخبره فيبكته، ومن لا يعرف الله
تعالى كيف يستعظمه! وكيف يعلم أنه يطلع عليه! وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استحيوا من الله
حق الحياء"،
أمر في ضمن كلامه هذا بمعرفته سبحانه وحث عليها، وقال سبحانه: "ألم يعلم بأن الله يرى"، تنبيهاً على
أن العبد إذا علم أن ربه يراه استحيا من ارتكاب الذنب.
والسيرة
العادلة سبب لقهر الملك الذي يسير بها أعداءه، ومن حلم عن سفيه وهو قادر على
الانتقام منه نصره الناس كلهم عليه، واتفقوا كلهم على ذم ذلك السفيه وتقبيح
فعله، والاستقراء واختبار العادات تشهد بجميع ذلك. الشرح: إنما لم يحسد الحاسد على صحة الجسد
لأنه صحيح الجسد، فقد شارك في الصحة، وما يشارك الإنسان غيره فيه لا يحسده عليه،
ولهذا أرباب الحسد إذا مرضوا حسدوا الأصحاء على الصحة.
وكان يقال:
ما طمعت إلا وذلت- يعنون النفس. وفي البيت المشهور:
وقالوا: عز من قنع، وذل من طمع. وقد تقدم القول في الطمع مراراً. ومن قرأ القرآن فمات فدخل النار، فهو كان ممن يتخذ آيات الله
هزواً. والجواب أن معنى كلامه عليه السلام هو أن من قرأ القرآن فمات
فدخل النار لأجل قراءته القرآن فهو ممن كان يتخذ
آيات الله هزواً، أي يقرؤه هازئاً به، ساخراً منه، مستهيناً بمواعظه وزواجره،
غير معتقد أنه من عند الله. ولا
يغبه، أي لا يأخذه غباً، بل يلازمه دائماً، وصدق
عليه السلام فإن حب الدنيا رأس كل خطيئة، وحث الدنيا هو الموجب للهم
والغم والحرص والأمل والخوف على ما اكتسبه أن ينفد، وللشح بما حوت يده، وغير ذلك
من الأخلاق الذميمة.
وقال الشاعر:
قال بعض الحكماء: المخير بين أن يستغني عن الدنيا وبين أن يستغني بالدنيا
كالمخير بين أن يكون مالكاً أو مملوكاً. وقال الرضي:
الأصل: وقال عليه السلام في قوله عز وجل:
"إن الله يأمر بالعدل والإحسان" : العدل الإنصاف، والإحسان التفضل. الأصل: وقال عليه السلام: من يعط باليد
القصيرة يعط باليد الطويلة. الشرح: هذا الفصل قد شرحه الرضي رحمه الله، فأغنى عن التعرض بشرحه. نبذ عن شجاعة علي عليه السلام الشرح: قد
ذكر عليه السلام الحكمة، ثم ذكر العلة، وما سمعنا أنه عليه السلام دعا إلى
مبارزة قط، إنما كان يدعى هو بعينه، أو يدعو من يبارز، فيخرج إليه فيقتله، دعا بنو ربيعة بن عبد شمس بني هاشم إلى البراز يوم بدر، فخرج عليه السلام فقتل الوليد واشترك هو وحمزة عليه السلام في قتل عتبة، ودعا طلحة بن أبي طلحة إلى البراز يوم أحد، فخرج إليه
فقتله، ودعا مرحب إلى البراز يوم خيبر فخرج إليه فقتله. خبر غزوة الخندق وينبغي أن نذكر ملخص هذه القصة من مغازي
الواقدي وابن إسحاق، قالا:
خرج عمرو بن عبد ود يوم الخندق وقد كان شهد بدراً
فارتث جريحاً، ولم يشهد أحداً، فحضر الخندق شاهراً سيفه معلماً، مدلاً بشجاعته
وبأسه، وخرج معه ضرار بن الخطاب الفهري وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب
ونوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزوميون، فطافوا بخيولهم على الخندق إصعاداً
وانحداراً، يطلبون موضعاً ضيقاً يعبرونه، حتى وقفوا على أضيق موضع فيه في المكان
المعروف بالمزار، فأكرهوا خيولهم على العبور فعبرت، وصاروا مع المسلمين على أرض
واحدة ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه قيام على رأسه، فتقدم عمرو بن
عبد ود فدعا إلى البراز مراراً، فلم يقم إليه أحد، فلما أكثر، قام علي عليه السلام فقال: أنا أبارزه يا رسول الله،
فأمره بالجلوس، وأعاد عمرو النداء والناس سكوت كأن على رؤوسهم الطير، فقال عمرو: أيها الناس، إنكم تزعمون
أن قتلاكم في الجنة وقتلانا في النار، أفما يحب أحدكم أن يقدم على الجنة أو يقدم
عدواً له إلى النار! فلم يقم إليه أحد، فقام علي عليه السلام دفعةً ثانية وقال: أنا له يا رسول الله، فأمره بالجلوس،
فجال عمرو بفرسه مقبلاً ومدبراً، وجاءت عظماء الأحزاب فوقفت من وراء الخندق ومدت
أعناقها تنظر، فلما رأى عمرو أن أحداً لا يجيبه، قال:
فقام علي عليه السلام فقال: يا رسول الله، ائذن لي في مبارزته، فقال: ادن، فدنا فقلده
سيفه، وعممه بعمامته، وقال: امض لشأنك، فلما انصرف قال: "اللهم أعنه عليه
"، فلما قرب منه قال له مجيباً إياه عن شعره:
فقال عمرو: من أنت! وكان عمرو شيخاً كبيرا قد جاوز الثمانين، وكان نديم أبي
طالب بن عبد المطلب في الجاهلية، فانتسب علي عليه
السلام له وقال: أنا علي بن أبي طالب، فقال: أجل، لقد كان أبوك نديماً لي
وصديقاً، فارجع فإني لا أحب أن أقتلك- كان شيخنا
أبو الخير مصدق بن شبيب النحوي يقول إذا مررنا في القراءة عليه بهذا الموضع:
والله ما أمره بالرجوع إبقاء عليه، بل خوفاً منه، فقد عرف قتلاه ببدر وأحد، وعلم
أنه إن ناهضه قتله، فاستحيا أن يظهر الفشل، فأظهر الإبقاء والإرعاء، وإنه لكاذب
فيهما- قالوا: فقال له علي عليه السلام: لكني أحب أن أقتلك، فقال يا بن
أخي، إني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك، فارجع وراءك خير لك، فقال علي عليه السلام: إن قريشاً تتحدث عنك أنك
قلت: لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلا أجبت ولو إلى واحدة منها، قال: أجل، فقال علي
عليه السلام: فإني أدعوك إلى الإسلام، قال:
دع عنك هذه، قال: فإني أدعوك إلى أن ترجع
بمن تبعك من قريش إلى مكة، قال: إذن تتحدث نساء
قريش عني أن غلاماً خدعني، قال: فإني أدعوك إلى البراز، فحمي عمرو وقال:
ما كنت أظن أن أحداً من العرب يرومها مني، ثم نزل فعقر فرسه- وقيل: ضرب وجهه
ففر- وتجاولا، فثارت لهما غبرة وارتهما عن العيون، إلى أن سمع الناس التكبير
عالياً من تحت الغبرة، فعلموا أن علياً قتله، وانجلت
الغبرة عنهما، وعلي راكب صدره يحز رأسه، وفر أصحابه ليعبروا الخندق، فظفرت بهم
خيلهم إلا نوفل بن عبد الله، فإنه قصر فرسه، فوقع في الخندق، فرماه
المسلمون بالحجارة، فقال: يا معاشر الناس، قتلة أكرم من هذه، فنزل إليه علي عليه السلام فقتله، وأدرك الزبير
هبيرة بن أبي وهب فضربه فقطع ثفر فرسه وسقطت درع كان حملها من ورائه، فأخذها
الزبير، وألقى عكرمة رمحه، وناوش عمر بن الخطاب ضرار بن عمرو، فحمل عليه ضرار
حتى إذا وجد عمر مس الرمح رفعه عنه وقال: إنها
لنعمة مشكورة، فاحفظها يا بن الخطاب، إني كنت آليت ألا تمكنني يداي من قتل قرشي
فأقتله. وانصرف ضرار راجعاً إلى أصحابه، وقد كان جرى له معه مثل هذه في
يوم أحد. وقد
ذكر هاتين القصتين معاً محمد بن عمر الواقدي في كتاب المغازي.
وله:
وفي حكمة أفلاطون: من أقوى الأسباب في محبة الرجل
لامرأته واتفاق ما بينهما أن يكون صوتها دون صوته بالطبع، وتميزها دون تميزه،
وقلبها أضعف من قلبه، فإذا زاد من هذا عندها شيء على ما عند الرجل تنافرا على
مقداره. قالوا: اختصمت الضبع والثعلب إلى الضب، فقالت
الضبع: يا أبا الحسل إني التقطت تمرة، قال:
طيباً جنيت، قالت: وإن هذا أخذها مني، قال: حظ نفسه أحرز، قالت:
فإني لطمته، قال: كريم حمى حقيقته، قالت: فلطمني، قال:
حر انتصر، قالت: اقض بيننا، قال: قد فعلت. ولعمري
لقد صدق- وما زال صادقاً- ومن تأمل سيرته في
حالتي خلوه من العمل وولايته الخلافة عرف صحة هذا القول. وكان يقال: أسباب
فتنة النساء ثلاثة: عين ناظرة، وصورة مستحسنة، وشهوة قادرة، فالحكيم من
لا يردد النظرة حتى يعرف حقائق الصورة، ولو أن رجلاً رأى امرأةً فأعجبته ثم
طالبها فامتنعت، هل كان إلا تاركها! فإن تأبى عقله عليه في مطالبتها كتأبيها
عليه في مساعفتها قدع نفسه عن لذته قدع الغيور إياه عن حرمة مسلم. الشرح:
الذنوب: الدلو الملأى، ولا يقال لها وهي فارغة: ذنوب، ومعنى الكلمة أن الدار
المبنية بالحجارة المغصوبة ولو بحجر واحد، لا بد أن يتعجل خرابها، وكأنما ذلك
الحجر رهن على حصول التخرب، أي كما أن الرهن لا بد أن يفتك، كذلك لا بد لما جعل
ذلك الحجر رهناً عليه أن يحصل.
والداران: دار أبي الحسن بن الفرات، ودار محمد بن داود بن
الجراح. وقال فيه أيضاً:
وكان ما تفرسه ابن بسام فيه حقاً، فإن داره نقضت حتى سويت بالأرض في
أيام الراضي بالله. الأصل: اتق الله بعض التقى وإن قل، واجعل بينك وبين الله ستراً
وإن رق.
ومثل قول الآخر:
ولهذا الحكم علة في العلم العقلي، وذلك أن النفس عندهم غنية بذاتها، مكتفية بنفسها، غير
محتاجة إلى شيء خارج عنها، وإنما عرضمت لها الحاجة والفقر إلى ما هو خارج عنها
لمقارنتها الهيولى، وذلك أن أمر الهيولى بالضد من أمر النفس في الفقر والحاجة،
ولما كان الإنسان مركباً من النفس والهيولى عرض له الشوق إلى تحصيل العلوم
والقنيات لانتفاعه بهما، والتذاذه بحصولهما، فأما
العلوم فإنه يحصلها في شبيه بالخزانة له، يرجع إليها متى شاء، ويستخرج
منها ما أراد، أعني القوى النفسانية التي هي محل الصور والمعاني على ما هو مذكور
في موضعه. وأما القنيات والمحسوسات
فإنه يروم منها مثل ما يروم من تلك، وأن يودعها خزانة محسوسة خارجة عن ذاته،
لكنه يغلط في ذلك من حيث يستكثر منها، إلى أن يتنبه بالحكمة على ما ينبغي أن
يقتني منها، وإنما حرص على ما منع لأن الإنسان إنما يطلب ما ليس عنده، لأن تحصيل
الحاصل محال، والطلب إنما يتوجه إلى المعدوم، لا إلى الموجود، فإذا حصله سكن
وعلم أنه قد ادخره، ومتى رجع إليه وحده إن كان مما يبقى بالذات، خزنه وتشوق إلى
شيء آخر منه، ولا يزال كذلك إلى أن يعلم أن الجزئيات لا نهاية لها وما لا نهاية
له، فلا مطمع تحصيله، ولا فائدة في النزوع إليه، ولا وجه لطلبه سواء كان معلوماً
أو محسوساً، فوجب أن يقصد من المعلومات إلى الأهم ومن المقتنيات إلى ضرورات
البدن ومقيماته، ويعدل عن الاستكثار منها، فإن حصولها كلها مع أنها لا نهاية لها
غير ممكن، وكلما فضل عن الحاجة وقدر الكفاية فهو مادة الأحزان والهموم، وضروب المكاره.
والغلط في هذا الباب كثير، وسبب ذلك طمع الإنسان في الغنى من معدن الفقر،
لأن الفقر هو الحاجة، والغنى هو الاستقلال، إلى أن يحتاج إليه، ولذلك قيل: إن
الله تعالى غني مطلقاً، لأنه غير محتاج البتة، فأما من كثرت قنياته فإنه يستكثر
حاجاته بحسب كثرة قنياته، وعلى قدر منازعته إلى الاستكثار تكثر وجوه فقره، وقد بين ذلك في شرائع الأنبياء، وأخلاق الحكماء، فأما الشيء الرخيص الموجود كثيراً فإنما يرغب عنه، لأنه
معلوم أنه إذا التمس وجد والغالي فإنما يقدر عليه في الأحيان ويصيبه الواحد بعد
الواحد، وكل إنسان يتمنى أن يكون ذلك الواحد ليصيبه وليحصل له مالا يحصل لغيره.
وقال بعض السلف:
كفران النعمة بوار، وقلما أقلعت نافرة فرجعت في نصابها، فاستدع شاردها بالشكر،
واستدم راهنها بكرم الجوار، ولا تحسب أن سبوغ ستر الله عليك غير متقلص عما قليل
عنك إذا أنت لم ترج لله وقاراً.
ومن
قصيدة لي في بعض أغراضي:
الأصل: من ظن بك خيراً فصدق ظنه. الشرح: هذا أحد الطرق إلى معرفة البارىء سبحانه، وهو أن يعزم
الإنسان على أمر، ويصمم رأيه عليه، ثم لا يلبث أن يخطر الله تعالى بباله خاطراً
صارفاً له عن ذلك الفعل، ولم يكن في حسابه، أي لولا أن في الوجود ذاتاً مدبرة
لهذا العالم لما خطرت الخواطر التي لم تكن محتسبة، وهذا فصل يتضمن كلاماً دقيقاً
يذكره المتكلمون في الخاطر الذي يخطر عن غير موجب لخطوره، فإنه لا يجوز أن يكون
الإنسان أخطره بباله، وإلا لكان ترجيحاً من غير مرجح لجانب الوجود على جانب
العدم، فلا بد أن يكون المخطر له بالبال شيئاً خارجاً عن ذات الإنسان، وذاك هو الشيء المسمى بصانع العالم. الشرح: هذا الفصل يتضمن بيان تعليل العبادات إيجاباً وسلباً. قال
عليه السلام: فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك، وذلك لأن الشرك نجاسة
حكمية لا عينية، وأي شيء يكون أنجس من الجهل أو أقبح! فالإيمان هو تطهير القلب من نجاسة ذلك الجهل. ثم تتضمن الصلاة من الخضوع والخشوع والامتناع
من الكلام والحركة الموهمة لمن رآها أن صاحبها خارج عن الصلاة، وما في غضون
الصلاة من الأذكار المتضمنة الذل والتواضع لعظمة الله تعالى. وفرض
الجهاد عزاً للإسلام، وذلك ظاهر، قال الله تعالى: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع
وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً"، وقال سبحانه: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل
ترهبون به عدو الله وعدوكم". الشرح: روى أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني
في كتاب "مقاتل الطالبين" أن يحيى بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه
السلام لما أمنه الرشيد بعد خروجه بالديلم وصار إليه بالغ في إكرامه وبره، فسعى
به بعد مدة عبد الله بن مصعب الزبيري إلى الرشيد-
وكان يبغضه- وقال له: إنه قد عاد يدعو إلى نفسه سراً، وحسن له نقض أمانه،
فأحضره وجمع بينه وبين عبد الله بن مصعب ليناظره فيما قذفه به ورفعه عليه فجبهه
ابن مصعب بحضرة الرشيد، وادعى عليه الحركة في الخروج وشق العصا، فقال يحيى: يا أمير المؤمنين، أتصدق هذا علي وتستنصحه،
وهو ابن عبد الله بن الزبير، الذي أدخل أباك
عبد الله وولده الشعب، وأضرم عليهم النار حتى خفصه
أبو عبد الله الجدلي، صاحب علي بن أبي طالب عليه السلام منه عنوة، وهو الذي ترك
الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أربعين جمعة في خطبته، فلما التاث عليه الناس قال:
إن له أهيل سوء إذا صليت عليه أو ذكرته أتلعوا أعناقهم واشرأبوا لذكره، فأكره أن
أسرهم أو اقر أعينهم، وهو الذي كان يشتم أباك ويلصق به العيوب حتى ورم كبده،
ولقد ذبحت بقرة يوماً لأبيك فوجدت كبدها سوداء قد نقبت، فقال علي ابنه: أما ترى كبد هذه البقرة يا أبت! فقال: يا بني هكذا ترك ابن الزبير كبد أبيك، ثم
نفاه إلى الطائف، فلما حضرته الوفاة قال لابنه علي:
يا بني إذا مت فالحق بقومك من بني عبد مناف بالشام، ولا
تقم في بلد لابن الزبير فيه إمرة، فاختار له صحبة يزيد بن معاوية على صحبة عبد
الله بن الزبير. ووالله إن عداوة هذا يا أمير المؤمنين لنا جميعاً بمنزلة
سواء، ولكنه قوي علي بك، وضعف عنك، فتقرب بي إليك ليظفر منك بي بما يريد، إذا لم
يقدر على مثله منك، وما ينبغي لك أن تسوغه ذلك في، فإن
معاوية بن أبي سفيان وهو أبعد نسباً منك إلينا ذكر الحسن بن علي يوماً فسبه، فساعده
عبد الله بن الزبير على ذلك، فزجره وانتهره، فقال: إنما ساعدتك يا أمير
المؤمنين، فقال: إن الحسن لحمي آكله ولا
أوكله. ومع هذا فهو الخارج مع أخي محمد على أبيك المنصور أبي
جعفر، والقائل لأخي في قصيدة طويلة أولها:
يحرض أخي فيها على الوثوب والنهوض إلى الخلافة، ويمدحه ويقول له:
فتغير وجه الرشيد عند سماع هذا الشعر، وتغيظ
على ابن مصعب، فابتدأ ابن مصعب يحلف بالله الذي لا إله إلا هو وبأيمان البيعة أن
هذا الشعر ليس له، وأنه لسديف،
فقال يحيى: والله يا أمير المؤمنين ما قاله
غيره، وما حلفت كاذباً ولا صادف بالله قبل هذا، وإن الله عز وجل إذا مجده العبد
في يمينه فقال: والله الطالب الغالب الرحمن الرحيم، استحيا أن يعاقبه فدعني أن
أحلفه بيمين ما حلف بها أحد قط كاذباً إلا عوجل، قال فحلفه، قال قل: برئت من حول الله وقوته، واعتصمت بحولي
وقوتي، وتقلدت الحول والقوة من دون الله، استكباراً على الله واستعلاء عليه، واستغناء عنه إن كنت قلت هذا الشعر! فامتنع عبد
الله من الحلف بذلك، فغضب الرشيد، وقال للفضل بن الربيع. يا عباسي ما له لا يحلف
إن كان صادقاً! هذا طيلساني علي، وهذه ثيابي لو
حلفني بهذه اليمين أنها لي لحلفت. فوكز الفضل عبد الله برجله- وكان له فيه
هوىً-وقال له:
احلف ويحك! فجعل يحلف بهذه اليمين، ووجهه متغير، وهو يرعد، فضرب يحيى بين كتفيه، وقال: يا بن مصعب، قطعت عمرك، لا
تفلح بعدها أبداً! قالوا: فما برح من موضعه حتى عرض له أعراض الجذام، استدارت عيناه،
وتفقأ وجهه، وقام إلى بيته فتقطع وتشقق لحمه وانتثر شعره، ومات بعد ثلاثة أيام، وحضر الفضل بن الربيع
جنازته، فلما
جعل في القبر انخسف اللحد به حتى خرج منه غبرة شديدة، وجعل
الفضل يقول: التراب التراب! فطرح التراب وهو
يهوي، فلم يستطيعوا سده حتى سقف بخشب، وطم عليه،
فكان الرشيد يقول بعد ذلك للفضل: أرأيت يا عباسي
ما أسرع ما أديل ليحيى من ابن مصعب. الأصل: يا بن آدم، كن
وصي نفسك واعمل في مالك ما تؤثر أن يعمل فيه من بعدك.
وروى أبو الفرج الأصبهاني عن عبدوس بن أبي دلف قال: حدثني أبي، قال:
قال لي المأمون: يا قاسم، أنت الذي يقول فيك علي بن جبلة:
البيتين،
فقلت مسرعاً: وما ينفعني ذلك يا أمير المؤمنين مع قوله في:
ومع
قول بكر بن النطاح في:
قال:
فلما انصرفت قال المأمون لمن حوله: لله دره! حفظ هجاء نفسه حتى انتفع به عندي،
وأطفأ لهيب المنافسة. فالتفت معاوية إلى وردان غلام عمرو، فقال: فما بقي من لذتك يا وريد؟ فقال: سرور أدخله قلوب الإخوان، وصنائع أعتقدها في
أعناق الكرام، فقال معاوية لعمرو: تباً
لمجلسي ومجلسك! لقد غلبني وغلبك هذا العبد، ثم قال:
يا وردان، أنا أحق بهذا منك؟ قال: قد أمكنتك
فافعل.
أي ليت لنا لضربة مبردة باتت على طهيان، وهو اسم جبل، بدلاً
وعوضاً من ماء زمزم. الشرح:
قد تقدم القول في الصدقة.
الأصل: الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله، والغدر بأهل الغدر وفاء
عند الله.
وليس يدل ذلك على ما ذكره، لأن الشاعر أراد المبالغة، فإن
الجهام الذي لا ماء فيه إذا كان أقطاعاً متفرقة خفيفة، كان ذكره أبلغ فيما يريده
من التشبيه، وهذا الخبر من أخبار الملاحم
التي كان يخبر بها عليه السلام، وهو يذكر فيه المهدي الذي يوجد عند أصحابنا في
آخر الزمان. ومعنى قوله: "ضرب بذنبه " أقام وثبت بعد اضطرابه، وذلك لأن اليعسوب فحل النحل
وسيدها، وهو أكثر زمانه طائر بجناحيه، فإذا ضرب بذنبه الأرض فقد أقام وترك
الطيران والحركة. والشحشح في غير هذا الموضع: البخيل الممسك. قال
الرضي رضي الله عنه: يريد بالقحم المهالك، لأنها تقحم أصحابها في المهالك
والمتالف في الأكثر فمن ذلك قحمة الأعراب، وهو أن تصيبهم السنة فتتفرق أموالهم،
فذلك تقحمها فيهم. وقيل فيه وجه آخر، وهو أنها تقحمهم بلاد الريف، أي تحوجهم إلى
دخول الحضر عند محول البدو. قال:
وقد قيل إن نص الحقاق بلوغ العقل وهو الإدراك، لأنه عليه السلام إنما أراد منتهى
الأمر الذي تجب به الحقوق والأحكام. وأما
التفسير الثاني، وهو أن المراد بنص الحقاق منتهى الأمر
الذي تجب به الحقوق فإن أهل اللغة لم ينقلوا عن العرب أنها استعملت الحقاق في
الحقوق، ولا يعرف هذا في كلامهم. وأما تفسير الرضي- رحمه الله- فهو أشبه من تفسير أبي عبيد، إلا أنه قال في آخره: والحقائق أيضاً جمع حقة، فالروايتان ترجعان إلى معنى واحد. وليس الأمر على ما
ذكر من أن الحقائق جمع حقة، ولكن الحقائق جمع حقاق، والحقاق جمع حق، وهو ما كان
من الإبل ابن ثلاث سنين، وقد دخل في الرابعة، فاستحق أن يحمل عليه وينتفع به،
فالحقائق إذن جمع الجمع لحق لا لحقة، ومثل إفال وأفائل. قال: ويمكن أن يقال: الحقاق هاهنا الخصومة، يقال: ما له فيه حق ولا حقاق أي ولا خصومة، ويقال لمن ينازع في صغار الأشياء إنه لبرق الحقاق،
أي خصومته في الدنيء من الأمر، فيكون المعنى إذا بلغت المرأة الحد الذي يستطيع
الإنسان الخصومة والجدال فعصبتها أولى بها من أمها، والحد الذي تكفل فيه المرأة
والغلام للخصومة والحكومة والجدال والمناظرة هو سن البلوغ.
والجد:
البئر العادية في الصحراء. والظنون: التي لا
يعلم هل فيها ماء أم لا. قوله: "والعازب والعزوب: الممتنع من الأكل والشرب "، ولو كان رباعياً لكان
"المعزب"، وهو واضح، وعلى هذا تكون الهمزة في أول الحرف همزة وصل
مكسورة، كما في "اضربوا" لأن المضارع يعزب بالكسر.
الشرح:
أول الكلام أن المرء المسلم ما لم يغش دناءة يخشع لها إذا ذكرت، ويغري به لئام
الناس، كالياسر الفالج ينتظر أول فوزة من قداحه، أو داعي الله، فما عند الله خير
للأبرار، يقول: هو بين خيرتين: إما أن يصير
إلى ما يحب من الدنيا، فهو بمنزلة صاحب القدح المعلى، وهو أوفرها نصيباً، أو
يموت فما عند الله خير له وأبقى. وقوله:
"إذا احمر البأس ": كناية عن اشتداد الأمر، وقد قيل في ذلك أقوال، أحسنها
أنه شبه حمي الحرب بالنار التي تجمع الحرارة والحمرة بفعلها ولونها، ومما يقوي ذلك قول الرسول صلى الله عليه وآله وقد رأى
مجتلد الناس يوم حنين وهي حرب هوازن: "الآن
حمي الوطيس"، والوطيس: مستوقد النار، فشبه رسول الله صلى الله عليه وآله ما استحر من جلاد القوم باحتدام النار وشدة التهابها.
وقال أبو عبيد:
فقه هذا الحديث أن ينصرف فيتوضأ ويبني على صلاته ما لم يتكلم، وهذا إنما هو قبل أن يحدث.
فأضاف الاسم إلى المصدر كما يقال: عمر العدل وعمرو الدهاء، لما كان
العدل والدهاء أغلب أحوالهما، وقال أبو الأسود
الدؤلي يذم إنساناً: إذا سئل أرز، وإذا دعي اهتز- يعني إلى الطعام، وفي الحديث: "إن الإسلام ليأرز إلى المدينة
كما تأرز الحية إلى جحرها". أي يجتمع إليها وينضم بعضه إلى بعض فيها.
وأما مثدن اليد، بالثاء فإن بعض الناس قال نراه أخذ من الثندوة وهي أصل الثدي فشبه يده في قصرها واجتماعها بذلك، فإن كان من هذا فالقياس أن يقال: مثند، لأن النون
قبل الدال في الثندوة، إلا أن يكون من المقلوب، فذاك
كثير في كلامهم. قال: العذرة فناء
الدار، وإنما سميت تلك الحاجة عذرة لأنها بالأفنية كانت تلقى، فكنى عنها
بالعذرة كما كنى عنها بالغائط، وإنما الغائط الأرض المطمئنة، وقال الحطيئة يهجو قوماً:
ومنها قوله عليه السلام: لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع.
قال: وقد أجاز بعضهم أصعل في الصعل، وذكر أنها لغة لا أدري عمن
هي! والأصمع: الصغير الأذن، وامرأة صمعاء. قال أبو عبيد: الخروط: المتهور في الأمور، الراكب
برأسه جهلاً، ومنه قيل: انخرط علينا فلان،
أي اندرأ بالقول السيئ والفعل. قال: وفقه هذا
الحديث أنه ما أفتى عليه السلام بفساد صلاته لأنه لم يأمره بالإعادة،
ولكنه كره له أن يؤم قوماً هم له كارهون. قال أبو عبيد:
هذا مثل تضربه العرب للرجل يأتي بالخبر على وجهه ويصدق فيه. ويقال:
إن أصله أن الرجل ربما باع بعيره فيسأل المشتري عن سنه فيكذبه، فعرض رجل بكراً
له فصدق في سنه، فقال الآخر: صدقني سن بكره، فصار مثلاً. والقهز بكسر
القاف: ثياب بيض يخالطها حرير، ولا أراها عربية، وقد استعملها العرب، قال ذو الرمة يصف البزاة البيض:
ومنها: ذكر عليه السلام آخر الزمان والفتن، فقال: خير أهل ذلك الزمان كل نومة، أولئك
مصابيح الهدى، ليسوا بالمساييح ولا المذاييع البذر.
ثم قال:
إن أهون السقي التشريع، ثم فرق بينهم وسألهم، فاختلفوا، ثم أقروا بقتله، فقتلهم
به. يقول:
أقل ما كان يجب على شريح أن يستسقي في المسألة والبحث عن خبر الرجل ولا يقتصر
على طلب البينة. قال أبو عبيد:
هو الذي في شفته العليا طول ونتوء في وسطها محاذي الأنف. قال:
وإنما نراه قال لشريح: "أيها
العبد"، لأنه كان قد وقع عليه سبي في الجاهلية. فقيل له:
يا أمير المؤمنين، وما خفة الرداء في البقاء؟ فقال: الدين.
يريد بقوله: "بين
اذني وعاتقي ما تريد" في عنقي، والمعنى أني قد ضمنته فهو علي، وإنما قيل
للسيف رداء لأن حمالته تقع موقع الرداء، وهو في غير هذا الموضع العطاء، يقال:
فلان غمر الرداء أي واسع العطاء؟ قال: وقد يجوز أن يكون كنى بالرداء عن الظهر،
لأنه يقع عليه، يقول: فليخفف ظهره ولا يثقله بالدين، كما
قال الآخر: "خماص الأزر"، يريد خماص البطون. وقوله:
فليبكر العشاء، أي فليؤخره، قال الشاعر:
ويجوز
أن يريد فلينقص العشاء، قال الشاعر:
ومنها أنه أتي عليه السلام بالمال فكوم كومةً من ذهب وكومة من
فضة، فقال:
يا حمراء ويا بيضاء احمري وابيضي وغري غيري.
قال ابن قتيبة.
هذا مثل ضربه، وكان الأصمعي يقوله: "وهجانه فيه"، أي خالصه، وأصل المثل
لعمرو بن عدي ابن أخت جذيمة الأبرش، كان يجني الكمأة مع أتراب له، فكان أترابه
يأكلون ما يجدون، وكان عمرو يأتي به خاله ويقول هذا
القول.
يعني النساء أي من أهل الأحلاف. والمبلح، من قولهم: بلح الرجل إذا انقطع من الإعياء، فلم يقدر على أن يتحرك،
وأبلحه السير، وقال الأعشى:
ومنها قوله عليه السلام يوم خيبر:
قال ابن قتيبة:
كانت أم علي عليه السلام
سمته وأبو طالب غائب حين ولدته أسداً
باسم أبيها أسد بن هاشم بن عبد مناف، فلما قدم أبو
طالب غير اسمه وسماه علياً. وحيدرة:
اسم من أسماء الأسد، والسندرة: شجرة يعمل
منها القسي والنبل، قال:
فالسندرة في الرجز يحتمل أن تكون مكيالاً يتخذ من هذه الشجرة،
سمي باسمها كما يسمى القوس بنبعة. قال:
واحسب إن كان الأمر كذلك أن الكيل بها قد كان جزافاً فيه إفراط، قال: ويحتمل أن تكون السندرة هاهنا امرأةً كانت
تكيل كيلاً وافياً أو رجلاً.
قيل: كان للحارث بن سدوس أحد
وعشرون ذكراً، وكان ضرار بن عمرو الضبي يقول:
ألا إن شر حائل أم، فزوجوا الأمهات، وذلك أنه صرع، فأخذته الرماح، فاشتبك عليه
إخوته لأمه حتى خلصوه. قال: وقد ذكر أبو حاتم عن الأصمعي عن رجل من أهل حضرموت قال: نجد فيها الرائحة المنتنة الفظيعة
جداً، ثم نمكث حيناً فيأتينا الخبر بأن عظيماً من عظماء الكفار قد مات، فنرى أن
تلك الرائحة منه، قال: وربما سمع منها مثل
أصوات الحاج، فلا يستطيع أحد أن يمشي بها.
قال: وهذا مثل حديث علي عليه السلام الآخر، وهو أنه قال: السكينة
لها وجه كوجه الإنسان، وهي بعد ريح هفافة، أي خفيفة سريعة، والحجفة: الترس. فارتفعنا إلى علي عليه السلام فقصصنا عليه
القصة، فقال:
انطلقوا فإن عرفتم النقدة بعينها فادفعوها إليهم. وإن اختلطت عليكم
فادفعوا شرواها من الغنم إليهم. والغرنوق: الشاب. قال ابن قتيبة:
مبخرة: تورث البخر في الفم. ومجفرة: تقطع عن النكاح وتذهب شهوة الجماع، يقال جفر الفحل عن الإبل، إذا أكثر الضراب حتى يمل
وينقطع، ومثله قذر، وتقذر، قذوراً، ومثله أقطع فهو مقطع. وقوله "تثفل الريح"، أي تنتنها، والاسم الثفل، ومنه
الحديث "وليخرجن ثفلات ". والداء
الدفين، المستتر الذي قد قهرته الطبيعة، فالشمس تعينه على الطبيعة وتظهره. والعين التي ظهرت لما ركض الماء برجله. قال:
والباء في "بالضغث " زائدة،
تقديره: أنبتت الضغث، كقوله تعالى: "تنبت
بالدهن"، وكقوله: "يشرب بها عباد
الله". "وفي جانبه الأيسر مكر" أراد به المكر به حتى
قتل عليه السلام في مسجد الكوفة.
وقوله: "ثراه مرة" أي بله دفعة واحدة وأطعمه الناس، والثرى: الندا. وصمر البحر: نتنه وغمقه، ومنه قيل للدبر الضمارى. يسرع أحد قبلي إلى صلة رحم ودعوة حق، والأمر إليك يا بن عوف
على صدق النية، وجهد النصح، وأستغفر الله لي ولكم. قال ابن قتيبة: يقال غمصت فلاناً أغمصه واغتمصته،
إذا استصغرته واحتقرته، قال: ومعنى الحديث
أن الله تعالى نقص الخلق من عظم الأبدان وطولها من القوة والبطش وطول العمر ونحو
ذلك. ومنها أن سلامة الكندي قال: كان علي عليه السلام
يعلمنا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: اللهم داحي المدحوات، وبارىء
المسموكات، وجبار القلوب على فطراتها، شقيها وسعيدها، اجعل شرائف صلواتك، ونوامي
بركاتك، ورأفة تحياتك، على محمد عبدك ورسولك، الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق،
والمعلن الحق بالحق، والدامغ جيشات الأباطيل، كما حملته فاضطلع بأمرك لطاعتك، مستوفزاً
في مرضاتك، لغير نكل في قدم، ولا وهن في عزم، داعياً لوحيك، حافظاً لعهدك،
ماضياً على نفاذ أمرك، حتى أورى قبساً لقابس، آلاء الله تصل بأهله أسبابه، به
هديت القلوب بعد خوضات الفتن والإثم، موضحات الأعلام، ونائرات الأحكام، ومنيرات
الإسلام، فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون، وشهيدك يوم الدين، وبعيثك
نعمة، ورسولك بالحق رحمة. اللهم افسح له مفسحاً في عدلك، واجزه مضاعفات الخير من
فضلك، مهنآت غير مكدرات، من فوز ثوابك المحلول، وجزل عطائك المعلول، اللهم أعل
على بناء البانين بناءه، وأكرم مثواه لديك ونزله، أتمم له نوره، واجزه من
ابتعاثك له مقبول الشهادة، مرضي المقالة، ذا منطق عدل، وخطة فصل، وبرهان عظيم. وكل
شيء رفعته وأعليته فقد سمكته، وسمك البيت والحائط ارتفاعه، قال الفرزدق:
وقوله: جبار القلوب على فطراتها. من قولك جبرت العظم فجبر إذا كان
مكسوراً فلأمته وأقمته، كأنه أقام القلوب وأثبتها على ما فطرها عليه من معرفته
والإقرار به، شقيها وسعيدها، قال: ولم أجعل جباراً ههنا، من أجبرت فلانا على
الأمر إذا أدخلته فيه كرهاً، وقسرته، لأنه لا يقال من أفعل فعال، لا أعلم ذلك إلا
أن بعض القراء قرأ "أهديكم سبيل الرشاد"
بتشديد الشين، وقال: الرشاد الله، فهذا فعال
من أفعل، وهي قراءة شاذة، غير مستعملة، فأما
قول الله عز وجل: "وما أنت عليهم بجبار"
فإنه أراد وما أنت عليهم بمسلط تسليط الملوك. والجبابرة: الملوك، واعتبار ذلك قوله: "لست
عليهم بمسيطر" أي بمتسلط تسلط الملوك، فإن كان يجوز أن يقال من
أجبرت فلاناً على الأمر: أنا جبار له، وكان هذا محفوظاً، فقد يجوز أن يجعل قول علي عليه السلام: جبار القلوب من ذلك، وهو
أحسن في المعنى. واعلم أن اللام في "لغير
نكل " متعلقة بقوله:
"مستوفزاً"، أي هو مستوفز لغير نكول، بل للخوف منك، والخضوع
لك. وقوله:
"شهيدك يوم الدين"، أي الشاهد على الناس يوم
القيامة. وبعيثك رحمة، أي مبعوثك، فعيل في معنى مفعول. فقال علي عليه
السلام: حمدت من عظمت منته، وسبغت نعمته، وسبقت غضبه رحمته، وتمت كلمته،
ونفذت مشيئته، وبلغت قضيته، حمدته حمد مقر بربوبيته، متخضع لعبوديته، متنصل من
خطيئته، متفرد بتوحيده، مؤمل منه مغفرة تنجيه، يوم يشغل عن فصيلته وبنيه. وصيتكم معشر
من حضرني بوصية ربكم، وذكرتكم بسنة نبيكم، فعليكم برهبة تسكن قلوبكم، وخشية تذري
دموعكم، وتقية تنجيكم قبل يوم تبليكم وتذهلكم، يوم يفوز فيه من ثقل وزن حسنته،
وخف وزن سيئته، ولتكن مسألتكم وتملقكم مسألة ذل وخضوع، وشكر وخشوع، بتوبة وتورع،
وندم ورجوع، وليغتنم كل مغتنم منكم صحته قبل سقمه، وشبيبته قبل هرمه، وسعته قبل
فقره، وفرغته قبل شغله، وحضره قبل سفره، قبل تكبر وتهرم وتسقم، يمله طبيبه،
ويعرض عنه حبيبه وينقطع غمده، ويتغير عقله، ثم قيل: هو موعود، وجسمه منهوك، ثم
جد في نزع شديد، وحضره كل قريب وبعيد، فشخص بصره، وطمح نظره، ورشح جبينه، وعطف
عرينه، وسكن حنينه، وحزنته نفسه، وبكته عرسه، وحفر رمسه، ويتم منه ولده، وتفرق
منه عدده، وقسم جمعه، وذهب بصره وسمعه، ومدد وجرد، وعري وغسل، ونشف وسجي، وبسط
له وهيئ، ونشر عليه كفنه، وشد منه ذقنه، وقمص وعمم، وودع وسلم، وحمل فوق سرير،
وصلي عليه بتكبير، ونقل من دور مزخرفة، وقصور مشيدة، وحجر منجدة، وجعل في ضريح
ملحود وضيق مرصود، بلبن منضود، مسقف بجلمود، وهيل عليه حفره، وحثي عليه مدره،
وتحقق حذره، ونسي خبره، ورجع عنه وليه وصفيه، ونديمه ونسيبه، وتبدل به قرينه
وحبيبه، فهو حشو قبر، ورهين قفر، يسعى بجسمه دود قبره، ويسيل صديده من منخره،
يسحق تربه لحمه، وينشف دمه، ويرم عظمه حتى يوم حشره، فنشر من قبره حين ينفخ في
صور، ويدعى بحشر ونشور. وسجى الميت:
بسط عليه رداء. ونشر الميت من قبره بفتح النون
والشين، وأنشره الله تعالى. وقال
بعضهم: زابن، ومنهم من قال: هو جمع لا واحد له، نحو
أبابيل وعباديد، وأصل الزبن في اللغة الدفع، ومنه
ناقة زبون: تضرب حالبها وتدفعه. وتقول:
ملك زيد بفلانة بغير ألف، والباء هاهنا زائدة
كما زيدت في "كفى بالله حسيبا"،
وإنما حكمنا بزيادتها لأن العرب تقول: ملكت
أنا فلانة أي تزوجتها، وأملكت فلانة بزيد أي زوجتها به، فلما جاءت الباء هاهنا ولم يكن بد من إثبات الألف لأجل مجيئها
جعلناها زائدة، وصار تقديره: وملك حوراً عيناً.
الشرح:
السنن: الطريقة، يقال: تنح عن السنن، أي عن وجه الطريق. والنخيلة:
بظاهر الكوفة، وروي "ما تكفوني " بحذف النون. فشكر لهما وقال: وأين تقعان مما أريد! ا الأصل: وقيل:
إن الحارث بن حوط أتاه عليه السلام، فقال له: أتراني أظن أن أصحاب الجمل كانوا على
ضلالة؟ فقال عليه
السلام: يا حار، إنك نظرت تحتك، ولم تنظر فوقك فحرت، إنك لم تعرف الحق
فتعرف أهله، ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه.
أي باينته العراقي، فلما كان كل مؤثر في إزالة شيء فباينا له
نقل اللفظ بالاشتراك في الأمر العام إليه، ولما كان سعد وعبد الله لم يقوما
خطيبين في الناس يعلمانهم باطل معاوية وأصحاب الجمل، ولم يكشفا اللبس والشبهة
الداخلة على الناس في حرب هذين الفريقين، ولم يوضحا
وجوب طاعة علي عليه السلام فيردا الناس عن اتباع صاحب الجمل وأهل الشام صدق عليهما أنهما لم
يخذلا الباطل.
ويمكن أن يتأول على وجه آخر، وذلك أنه قد جاء خذلت الوحشية إذا
قامت على ولدها، فيكون معنى قوله: "ولم يخذلا
الباطل"، أي لم يقيما عليه وينصراه، فترجع هذه اللفظة إلى اللفظة
الأولى، وهي قوله: "أولئك قوم خذلوا الحق ولم
ينصروا الباطل". ويقال إن الموجود في خط الرضي "ابن
خوط " بالخاء المعجمة المضمومة. الشرح:
قد جاء في صحبة السلطان أمثال حكمية مستحسنة تناسب هذا المعنى، أو تجري مجراه في
شرح حال السلطان، نحو قولهم: صاحب السلطان كراكب الأسد يهابه الناس، وهو لمركوبه أهيب. واحذر أن
يستحلك فتحمى، فإن الغضب يعمي عن الفرصة، ويقطع عن الحجة، ويظهر عليك الخصم، ولا
تتوردن على السلطان بالدالة وإن كان أخاك، ولا بالحجة وإن وثقت أنها لك، ولا
بالنصيحة وإن كانت له دونك، فإن السلطان يعرض له
ثلاث دون ثلاث: القدرة دون الكرم، والحمية دون النصفة، واللجاج دون الحظ. وقرأت في تاريخ أحمد بن طاهر أن الرشيد أرسل إلى يحيى بن خالد
وهو في محبسه يقرعه بذنوبه، ويقول له: كيف رأيت! ألم أخرب دارك؟ ألم أقتل ولدك جعفراً؟ ألم أنهب
مالك؟ فقال يحيى للرسول: قل له: أما إخرابك
داري فستخرب دارك، وأما قتلك ولدي جعفراً فسيقتل ولدك محمد، وأما نهبك مالي
فسينهب مالك وخزانتك. فلما عاد الرسول
إليه بالجواب وجم طويلاً وحزن، وقال:
والله ليكونن ما قال، فإنه لم يقل لي شيئاً قط إلا وكان كما قال، فأخربت داره-
وهي الخلد- في حصار بغداد، وقتل ولده محمد، ونهب ماله، وخزانته، نهبها طاهر بن
الحسين.
وقال
عدي بن زيد:
الأصل: الناس في الدنيا عاملان: عامل في الدنيا
للدنيا، قد شغلته دنياه عن آخرته، يخشى على من يخلف الفقر، ويأمنه على نفسه،
فيفني عمره في منفعة غيره. ويجوز
أن يكون معناه إنه لكثرة ماله قد أمن الفقر على نفسه
ما دام حياً، ولكنه لا يأمن الفقر على ولده لأنه لا يثق من ولده بحسن الاكتساب
كما وثق من نفسه، فلا يزال في الاكتساب والازدياد منه لمنفعة ولده الذي يخاف
عليه الفقر بعد موته. فأما العامل في الدنيا لما بعدها فهم أصحاب
العبادة، يأتيهم رزقهم بغير اكتساب ولا كد، وقد حصلت لهم الآخرة، فقد حصل لهم
الحظان جميعاً. الشرح:
لسنا نشك أنه كان يذهب في الأحكام الشرعية والقضايا إلى أشياء يخالف فيها أقوال
الصحابة، نحو قطعه يد السارق من رؤوس الأصابع، وبيعه أمهات الأولاد، وغير ذلك،
وإنما كان يمنعه من تغير أحكام من تقدمه اشتغاله بحرب البغاة والخوارج، وإلى ذلك
يشير بالمداحض التي كان يؤمل استواء قدميه منها، ولهذا
قال لقضاته: "اقضوا كما كنتم تقضون حتى يكون للناس جماعة"، فلفظة "حتى" هاهنا مؤذنة بأنه فسح لهم
في اتباع عادتهم في القضايا والأحكام التي يعهدونها إلى أن يصير للناس جماعة،
وما بعد "إلى" و "حتى" ينبغي أن يكون مخالفاً لما قبلهما. والقول في صحة ذلك وفساده فرع من فروع مسألة الإمامة. والعارف لهذا، العامل به، أعظم الناس رحمةً في منفعة، والتارك
له، الشاك فيه، أعظم الناس شغلاً في مضرة.
وقال آخر:
وجاء في الخبر المرفوع: "أجملوا في الطلب، فإنه ليس
لعبد إلا ما كتب له، ولن يخرج عبد من الدنيا حتى يأتيه ما كتب له في الدنيا وهي
راغمة". الشرح:
قد تقدم القول في هذه المعاني كلها وقد ضرب الحكماء مثالاً لفرط الطمع، فقالوا: إن رجلاً صاد قبرة فقالت:
ما تريد أن تصنع بي؟ قال: أذبحك وآكلك، قالت: والله ما أشفي من قرم، ولا أشبع من جوع، ولكني أعلمك ثلاث خصال هن خير لك من أكلي، أما واحدة
فأعلمك إياها وأنا في يدك، وأما الثانية
فإذا صرت على الشجرة، وأما الثالثة فإذا صرت
على الجبل. فقال:
هاتي الأولى، قالت: لا تلهفن على ما فات، فخلاها، فلما
صارت على الشجرة قال: هاتي الثانية، قالت:
لا تصدقن بما لا يكون أنه يكون، ثم طارت، فصارت على الجبل، فقالت: يا شقي لو ذبحتني لأخرجت من حوصلتي درتين
وزن كل واحدة ثلاثون مثقالاً، فعض على يديه وتلهف تلهفاً شديداً، وقال: هاتي الثالثة، فقالت: أنت قد أنسيت
الاثنتين، فما تصنع بالثالثة؟ ألم أقل لك:
لا تلهفن على ما فات! وقد تلهفت، وألم أقل لك لا تصدقن بما لا يكون أنه يكون.
وأنا ولحمي ودمي وريشي لا يكون عشرين مثقالاً، فكيف صدقت أن في حوصلتي درتين كل
واحدة منهما ثلاثون مثقالاً! ثم طارت وذهبت. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه: "إنما مثلي ومثلكم ومثل الدنيا
كقوم سلكوا مفازةً غبراء حتى إذا لم يدروا ما سلكوا منها أكثر أم ما بقي أنفدوا
الزاد وحسروا الظهر، وبقوا بين ظهراني المفازة لا زاد ولا حمولة، فأيقنوا
بالهلكة، فبينما هم كذلك خرج عليهم رجل في حلة يقطر رأسه ماء، فقالوا: هذا قريب عهد بريف، وما جاءكم هذا إلا من
قريب، فلما انتهى إليهم وشاهد حالهم قال: أرأيتم إن هديتكم إلى ماء رواء، ورياض
خفر، ما تعملون؟ قالوا: لا نعصيك شيئاً، قال:
عهودكم ومواثيقكم بالله، فأعطوه ذلك، فأوردهم ماءً رواءً ورياضاً خضراً، ومكث
بينهم ما شاء الله، ثم قال: إني مفارقكم،
قالوا: إلى أين؟ قال: إلى ماء ليس كمائكم، ورياض ليست كرياضكم، فقال الأكثرون منهم: والله ما وجدنا ما نحن فيه
حتى ظننا أنا لا نجده، وما نصنع بمنزل خير من هذا! وقال
الأقلون منهم: ألم تعطوا هذا الرجل مواثيقكم وعهودكم بالله لا تعصونه
شيئاً، وقد صدقكم في أول حديثه، والله ليصدقنكم في آخره، فراح فيمن تبعه منهم،
وتخلف الباقون، فدهمهم عدو شديد البأس عظيم الجيش، فأصبحوا ما بين أسير وقتيل. الشرح: هذا مثل قوله تعالى: "فإنها لا تعمى
الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
وهذا هو التعليل بالباطل، فإن الله تعالى وإن كان كريماً
رحيماً عفواً غفوراً، إلا أنه صادق القول، وقد توعد العصاة، وقال: "وإن الفجار لفي جحيم. يصلونها يوم الدين. وما هم
عنها بغائبين"، وقال: "لا تختصموا
لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد. ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد"، ويكفي
في رحمته وعفوه وكرمه أن يغفر للتائب أو لمن ثوابه أكثر مما يستحقه من العقاب،
فالقول بالوعيد معلوم بأدلة السمع المتظاهرة المتناصرة التي قد أطنب أصحابنا في
تعدادها وإيضاحها، وإذا كان الشيء معلوماً، فقد قطع العلم به عذر أصحاب التعلل
والتمني، ووجب العمل بالمعلوم ورفض ما يخالفه. فهذا هو سؤال الإنظار لمن عوجل، فأما من أجل فإنه يعلل نفسه بالتسويف، ويقول: سوف أتوب، سوف أقلع عما أنا عليه، فأكثرهم يخترم من غير أن يبلغ هذا الأمل، وتأتيه
المنية وهو على أقبح حال وأسوئها، ومنهم من تشمله السعادة فيتوب قبل الموت، وأولئك
الذين ختمت أعمالهم بخاتمة الخير، وهم في العالم كالشعرة البيضاء في الثور
الأسود.
فما
انتفع بنفسه مدة، وفي المثل: الدهر إذا أتى
بسحواء سحسح، يعقبها بنكباء زعزع. وكذاك
شرب العيش فيه تلون، بيناه عذباً إذ تحول آجناً.
إسحاق بن إبراهيم الموصلي:
إذا
أدبر الأمر أتى الشر من حيث كان يأتي الخير.
أحيحة
بن الجلاح:
آخر:
آخر:
ومن
الشعر المنسوب إلى محمد الأمين بن زبيدة:
الأصل: وقال عليه السلام وقد سئل عن القدر: طريق مظلم فلا
تسلكوه. ثم سئل ثانياً فقال: بحر
عميق فلا تلجوه، ثم سئل ثالثاً، فقال: سر الله فلا تتكلفوه.
وقال رجل لحكيم:
ما خير الأشياء لي؟ قال: أن تكون عالماً، قال. فإن لم أكن؟ قال: أن تكون مثرياً؟
قال: فإن لم أكن؟ قال: أن تكون شارياً؟ قال: فإن لم أكن؟ قال: فأن تكون ميتاً.
وقال
أيضاً في المعنى بعينه:
الأصل: وقال عليه السلام: كان لي فيما مضى أخ في الله، وكان يعظمه في
عيني صغر الدنيا في عينه، وكان خارجاً من سلطان بطنه، فلا يتشهى ما لا يجد، ولا
يكثر إذا وجد، وكان أكثر دهره صامتاً، فإن قال بذ القائلين، ونقع غليل السائلين،
وكان ضعيفاً مستضعفاً، فإن جاء الجد فهو ليث عاد، وصل واد، لا يدلي بحجة حتى
يأتي قاضياً، كان لا يلوم أحداً على ما لا يجد العذر في مثله حتى يسمع اعتذاره،
وكان لا يشكو وجعاً إلا عند برئه، وكان يفعل ما يقول، ولا يقول ما لا يفعل، وكان
إن غلب على الكلام لم يغلب على السكوت، وكان على أن يسمع أحرص منه على أن يتكلم،
وكان إذا بدهه أمران نظر أيهما أقرب إلى الهوى فخالفه، فعليكم بهذه الخلائق
فالزموها، وتنافسوا فيها، فإن لم تستطيعوها فاعلموا أن أخذ القليل خير من ترك
الكثير.
وقال الشنفرى:
وقال بعضهم لابنه: يا بني عود نفسك الأثرة، ومجاهدة الهوى والشهوة، ولا تنهش
نهش السباع، ولا تقضم قضم البراذين، ولا تدمن الأكل إدمان النعاج، ولا تلقم لقم
الجمال، إن الله جعلك إنساناً، فلا تجعل نفسك بهيمة ولا سبعاً، واحذر سرعة
الكظة، وداء البطنة، فقد قال الحكيم: إذا كنت بطناً فعد نفسك من الزمنى وقال الأعشى:
واعلم
أن الشبع داعية البشم، والبشم داعية السقم، والسقم داعية الموت، ومن مات هذه
الميتة فقد مات موتة لئيمة، وهو مع هذا قاتل نفسه، وقاتل نفسه ألوم من قاتل
غيره. يا بني، والله ما أدى حق السجود والركوع ذو كظة، ولا خشع لله ذو بطنة،
والصوم مصحة، ولربما طالت أعماز الهند، وصحت أبدان العرب، ولله در الحارث بن كلدة حيث زعم أن الدواء هو الأزم،
وأن الداء إدخال الطعام في أثر الطعام، يا بني لم صفت أذهان الأعراب، وصحت أذهان
الرهبان مع طول الإقامة في الصوامع، حتى لم تعرف وجع المفاصل، ولا الأورام، إلا
لقلة الرزء، ووقاحة الأكل، وكيف لا ترغب في تدبير يجمع لك بين صحة البدن وذكاء
الذهن وصلاح المعاد والقرب وعيش الملائكة. يا
بني لم صار الضب أطول شيء ذماءً، إلا لأنه يتبلغ بالنسيم. ولم
زعم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصوم وجاء، ألا ليجعله حجاباً دون الشهوات! فافهم تأديب الله ورسوله، فإنهما لا يقصدان إلا مثلك. يا بني، إني قد بلغت تسعين عاماً ما نقص لي
سن، ولا انتشر لي عصب، ولا عرفت دنين أنف، ولا سيلان عين، ولا تقطير بول، ما
لذلك علة إلا التخفيف من الزاد، فإن كنت تحب الحياة فهذه سبيل الحياة، وإن كنت
تريد الموت فلا يبعد الله إلا من ظلم. وكان يقال: أقلل طعاماً تحمد مناماً.
وقال عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي: كان عمي يقول لي: لا تخرج يا بني من منزلك حتى تأخذ حلمك-
يعني تتغذى-فإذا أخذت حلمك فلا تزدد إليه حلماً، فإن الكثرة تئول إلى قلة. وفي الحديث المرفوع: ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطن، بحسب الرجل من طعامه ما
أقام صلبه، وأما إذا أبيت فثلث طعام، وثلث شراب، وثلث نفس. وأكل علي عليه السلام قليلاً من تمر دقل وشرب عليه ماء، وأمر يده على بطنه وقال: من أدخله بطنه النار فأبعده الله، ثم تمثل:
وكان
عليه السلام يفطر في رمضان الذي قتل فيه عند الحسن ليلة، وعند الحسين ليلة، وعند
عبد الله بن جعفر ليلة، لا يزيد على اللقمتين أو الثلاث، فيقال له، فيقول: إنما هي ليال قلائل، حتى يأتي
أمر الله وأنا خميص البطن، فضربه ابن ملجم لعنه
الله تلك الليلة.
وقال عيسى عليه السلام: يا بني إسرائيل، لا تكثروا الأكل،
فإنه من أكثر من الأكل أكثر من النوم، ومن أكثر النوم أقل الصلاة، ومن أقل
الصلاة كتب من الغافلين. وقيل ليوسف عليه السلام: ما لك لا تشبع وفي يديك
خزائن مصر؟ قال: إني إذا شبعت نسيت
الجائعين.
ووصف لسابور ذي الأكتاف رجل من إصطخر للقضاء، فاستقدمه، فدعاه إلى
الطعام،
فأخذ الملك دجاجة من بين يديه فنصفها، وجعل نصفها بين يدي ذلك الرجل، فأتى عليه
قبل أن يفرغ الملك من أكل النصف الآخر، فصرفه إلى بلده، وقال: إن سلفنا كانوا يقولون: من شره
إلى طعام الملك كان إلى أموال الرعية أشره. أنس يرفعه: إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت. أنس يرفعه:
أصل كل داء البردة، قالوا: هي التخمة؟ وقال أبو
دريد: العرب تعير بكثرة الأكل، وأنشد:
وقال الشاعر:
ابن عباس
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت
طاوياً ليالي ما له ولأهله عشاء، وكان عامة طعامه الشعير، وقالت عائشة: والذي بعث محمداً بالحق ما كان لنا
منخل، ولا أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزاً
منخولاً منذ بعثه الله إلى أن قبض، قالوا: فكيف كنتم تأكلون دقيق الشعير؟ قالت:
كنا نقول: أف أف.
فأما قوله عليه السلام: "كان لا يتشهى ما لا يجد"
فإنه قد نهى أن يتشهى الإنسان ما لا يجد؟ وقالوا:
إنه دليل على سقوط المروءة. يا
أشعث، إن تحزن على ابنك فقد استحقت ذلك منك الرحم، وإن تصبر ففي الله من كل
مصيبة خلف.
ومن كلامهم في التعازي: إذا استأثر الله بشيء فاله عنه، وتنسب
هذه الكلمة إلى عمر بن عبد العزيز.
وقال
آخر:
وقال
آخر:
ابن
نباتة السعدي:
البحتري:
وكتب بعضهم إلى صديق له مات ابنه: كيف شكرك لله تعالى على ما أخذ من وديعته، وعوض من مثوبته! وعزى عمر بن الخطاب أبو بكر
عن طفل، فقال:
عوضك الله منه ما عوضه منك، فإن الطفل يعوض من أبويه الجنة.
وقال آخر:
آخر:
أخذه المتنبي فقال:
ومثله لغيره:
الأصل: وقال عليه السلام عند وقوفه على قبر رسول الله صلى الله عليه وآله ساعة دفن رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الصبر لجميل إلا
عنك، وإن الجزع لقبيح إلا عليك، وإن المصاب بك لجليل، وإنه بعدك لقليل.
وقال أبو تمام:
وقال أبو الطيب:
وقال أبو تمام أيضاً:
وقالت خنساء أخت عمرو بن الشريد:
ومثل قوله عليه السلام: "وإنه بعدك لقليل"، يعني المصاب أي لا مبالاة
بالمصائب بعد المصيبة بك، قول بعضهم:
وقال الشمردل اليربوعي يرثي أخاه:
قوله:
هو المعنى الذي نحن فيه، وذكرنا سائر الأبيات لأنها فائقة بعيدة
النظير.
ومن الشعر المنسوب إلى علي عليه السلام- ويقال: إنه قاله يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ومن
شعر الحماسة:
الأصل: لا تصحب المائق فإنه يزين لك فعله،
ويود أن تكون مثله. وهذا الجواب تسميه الحكماء جواباً إقناعياً، لأن السائل أراد أن يذكر له كمية
المسافة مفصلة، نحو أن يقول: بينهما ألف فرسخ أو
أكثر أو أقل، فعدل عليه السلام عن ذلك وأجابه
بغيره، وهو جواب صحيح لا ريب فيه، لكنه غير شاف لغليل السائل، وتحته غرض صحيح، وذلك لأنه سأله بحضور
العامة تحت المنبر. فلو قال له:
بينهما ألف فرسخ مثلاً، لكان للسائل أن يطالبه بالدلالة على ذلك، والدلالة على
ذلك يشق حصولها على البديهة، ولو حصلت لشق عليه أن يوصلها إلى فهم السائل، ولو
فهمها السائل لما فهمتها العامة الحاضرون، ولصار فيها قول وخلاف، وكانت تكون
فتنة أو شبيهاً بالفتنة، فعدل إلى جواب صحيح إجمالي
أسكت السائل به، وقنع به السامعون أيضاً واستحسنوه، وهذا من نتائج حكمته عليه السلام.
الأصل: ما أكثر العبر وأقل الاعتبار! الشرح: ما أوجز هذه الكلمة وما أعظم فائدتها! ولا ريب أن العبر
كثيرة جداً، بل كل شيء في الوجود ففيه عبرة، ولا ريب أن المعتبرين بها قليلون،
وأن الناس قد غلب عليهم الجهل والهوى، وأرداهم حب الدنيا، وأسكرهم خمرها، وإن
اليقين في الأصل ضعيف عندهم، ولولا ضعفه لكانت أحوالهم غير هذه الأحوال. وقالوا: الجاهل من لا جاهل له.
الأصل: ما أهمني أمر أمهلت بعده، حتى أصلي ركعتين وأسأل الله
العافية.
الأصل: ما المبتلى الذي قد اشتد به البلاء، بأحوج إلى الدعاء من
المعافى الذي لا يأمن البلاء.
الأصل: إن المسكين رسول الله، فمن منعه فقد
منع الله، ومن أعطاه فقد أعطى الله. وقال بعض الصالحين: من لم تكن نفسه إلى ثواب الصدقة أحوج
من الفقير إلى صدقته، فقد أبطل صدقته، وضرب بها وجهه. الشرح: قد تقدم القول في هذا المعنى.
الأصل: مودة الآباء قرابة بين الأبناء، والقرابة أحوج إلى المودة
من المودة إلى القرابة.
ولا خير في القرابة من دون مودة، وقد قال القائل لما قيل له: إيماء
أحب إليك؛ أخوك أم صديقك؛ فقال: إنما احب
أخي إذا كان صديقاً، فالقربى محتاجة إلى المودة، والمودة مستغنية عن القربى.
وقال أبو الطيب:
أصل: لا يصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد
الله سبحانه أوثق منه بما في يده. فأما ما ذكره الرضي من أنه بعث أنساً إلى طلحة
و الزبير فغير معروف، ولوكأن
قد بعثه ليذكرهما بكلام يختص بهما من رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم ! لما أمكنه أن يرجع، فيقول:
إني أنسيته، لأنه ما فارقه متوجها نحوهما إلا وقد أقر بمعرفته وذكره، فكيف يرجع
بعد ساعة أو يوم فيقول: إني أنسيته، فينكر
بعد الإقرار! هذا مما لا يقع. وإذا رأيتموها قد ملت العمل وسئمت فاقتصروا
بها على الفرائض،
فإنه لا انتفاع بعمل لا يحضر القلب في.
وقال الفند الزماني:
وقال الأحنف:
وقال الراجز:
وقال
أخر:
وقال
أخر:
الأصل: وقال عليه السلام لكاتبه عبيد الله بن
أبي رافع: ألق دواتك، وأطل جلفة قلمك، وفرج بين الطور، وقر مط بين الحروف فإن
ذلك أجدر بصباحه الخط. وتقول: هي جلفة القلم بالكسر، وأصل
الجلف القشر، جلفت الطين من رأس الدن، والجلفة هيئة فتحة القلم التي
يستمد بها المداد، كما تقول: هو حسن الركبة والجلسة ونحو ذلك من الهيئات، وتقول:
قد قر مط فلان خطوه إذا مشى مشياً فيه ضيق وتقارب، وكذلك
القول في تضييق الحروف. الشرح:
ما أحسن قوله: "اختلفنا عنه لا
فيه"، وذلك لأن الاختلاف لم يكن في التوحيد والنبوة، بل في فروع خارجة عن
ذلك، نحو الإمامة والميراث، والخلاف في الزكاة هل هي واجبة أم لا، واليهود لم
يختلفوا كذلك، بل في التوحيد الذي هو الأصل. فكذلك الذين بارزوا علياً عليه السلام من
الأقران، لما كان قد طار صيته، واجتمعت الكلمة أنه ما بارزه
أحد إلا كان المقتول، غلب الوهم عليهم، فقصرت أنفسهم عن مقاومته، وانخذلت أيديهم
وجوارحهم عن مناهضته، وكان هو في الغاية القصوى من الشجاعة والإقدام، فيقتحم
عليهم ويقتلهم. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض ما قيل في الفقر والغنى
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: وقال عليه السلام لابنه: يا بني
إني أخاف عليك الفقر، فاستعذ بالله منه، فإن الفقر منقصة للدين، مدهشة للعقل،
داعية للمقت. الشرح: هذا
موضع قد أختلف الناس فيه كثيراً، ففضل قوم الغنى، وفضل قوم الفقر. وقال: "وجعلت
له مالاً ممدودا".
وقال
أخر:
وقال
أخر:
وقال
أخر:
وقال
الشاعر:
وقال العتابي:
الناس لصاحب المال ألزم من الشعاع للشمس، وهو عندهم أرفع من السماء، وأعذب من
الماء، وأحلى من الشهد، وأزكى من الورد، خطؤه صواب، و سيئته حسنة وقوله مقبول،
يغشى مجلسه، ولا يمل حديثه، والمفلس عندهم أكذب من لمعان السراب، ومن رؤيا
الكظة، ومن مرآة اللقوة ، ومن سحاب تموز، ولا يسأل عنه إن غاب، ولا يسلم عليه
إذا قدم، إن غاب شتموه، وإن حضر طردوه، مصافحته تنقض الوضوء، وقراءته تقطع
الصلاة، أثقل من الأمانة، وأبغض من السائل المبرم.
وقال أصحاب الفقر: الغنى سبب الطغيان، قال الله تعالى:
" كلا إن الإنسان ليطغى، أن رآه أستغني".
وكان يقال:
الفقر شعار الصالحين، والفقر لباس الأنبياء، ولذلك قال
البحتري:
وكان يقال:
الفقر مخف، والغنى مثقل. وفي الخبر: نجا
المخفون. وما أحسن قول أبي العتاهية:
وقد
ذم الله تعالى المال، فقال: "إنما أموالكم
وأولادكم فتنة".
يعني
الدينار، وما احسن ما قاله الأول:
وقال
أخر:
الأصل: وقال لسائل سأله عن مسألة : سل تفقهاً، ولا تسأل تعنتاً؛
فإن الجاهل المتعلم شبيه بالعالم، وإن العالم المتعنت شبيه بالجاهل. الشرح:
الإمام أفضل من الرعية رأيا وتدبيراً فالواجب على من يشير عليه بأمر فلا يقبل أن
يطيع ويسلم علم أن الإمام قد عرف من المصلحة ما لم يعرف.
الأصل: ما ظفر من ظفر الإثم به، والغالب بالشر
مغلوب. وقد ورد في الأخبار الصحيحة أن أبا ذر قال: انتهيت إلى رسول صلى الله
عليه وأله وسلم وهو
جالس في ظل الكعبة، فلما رآني قال: "هم الآخسرون
ورب الكعبة! فقلت: من هم؟ قال: هم الأكثر ون أموالاً، إلا من قال هكذا وهكذا من
بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، وقليل ما هم، ما من صاحب إبل ولا بقر
ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه، تنطحه
بقرونها، وتطاه بأظلافها، فما، كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضي الله
بين الناس...
كان النخعي يكره أن يعتذر إليه ويقول: اسكت معذورا، فإن المعاذير يحضرها
الكذب. الأصل: إن الله سبحانه
جعل الطاعة غنيمة الأكياس عند تفريط العجزة.
وكان يقال:
السلطان القاهر وإن كان ظالما خير للرعية وللملك من السلطان الضعيف وإن كان
عادلا. مغمور بفكرته، ضنين بخلته. سهل الخليقة، لين العريكة؛ نفسه أصلب
من الصلد؛ وهو أذل من العبد. وفي الحديث المرفوع: "أزهد في الناس يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس
يحبك الناس ". وقال الشاعر:
وقال بعض الأدباء: هذا المعنى الذي أطنب فيه الناس ليس كما يزعمونه، لعمري إن
لليأس راحة، ولكن لا كراحة النجاح، وما هو إلا كقول
من قال: لا أدري نصف العلم، فقيل له:
ولكنه النصف الذي لا ينفع! وقال ابن الفضل:
ومما يروى لعبد الله بن المبارك الزاهد:
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض ما قيل في الوعد والمطل،
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: المسئول حر حتى يعد. الشرح :
قد سبق القول في الوعد والمطل. ونحن نذكر هاهنا نكتا أخرى: في الحديث المرفوع:
"من وعد وعدا فكأنما عهد عهداً"، وكان يقال:
الوعد دين الكرام، والمطل دين اللئام. وكان يقال:
الوعد شبكة من شباك الأحرار يتصيدون بها المحا مد. وعنه عليه السلام : "لا تواعد أخاك موعدا
لتخلفه".
وقال الأخر:
وكان يقال:
المطل يسد على صاحبه باب العذر، ويوجب عليه الأحسن والأكثر، والتعجيل يحسن سيئة،
ويبسط عذره في التقليل.
وقال أخر:
الأصل: لو رأى العبد الأجل ومصيره، لأبغض الأمل وغروره.
وقد قال عليه السلام في موضع أخر: بشر مال البخيل بحادث أو
وارث. الأصل: العلم علمان: مطبوع ومسموع، ولا ينفع المسموع، إذا لم يكن
المطبوع. وكان إبراهيم قد ظهر بالبصرة، فقال عبد الله: أنا محبوس، والمحبوس محبوس الرأي، قال له: فعلى ذاك؛ قال يفرق الأموال كلها على الرجال
ويلقاه، فإن ظفر فذاك، وإلا يتوجه إلى أبيه محمد بجرجان، ويتركه يقدم على بيوت
أموال فارغة، فهو خير له من أن تكون الدبرة عليه، ويقدم عدوه على بيوت أموال
مملوءة.
الأصل: يوم العدل على الظالم، أشد من يوم الجور على المظلوم. وبلاؤها:
تعرفها وتصفحها، والتمييز بين ما طاب منها وما خبث.
إنك
يومئذ عنها لمشغول. ذكر عليه السلام الناس فقال: قد عمهم النقص إلا المعصومين. ثم قال:
سائلهم يسال تعنتاً، والسؤال على هذا الوجه مذموم، و مجيبهم متكلف للجواب،
وأفضلهم رأياً يكاد رضاه تارة وسخطه أخرى يرده عن فضل رأيه، أي يتبعون الهوى
ويكاد أصلبهم عوداً، أي أشدهم احتمالاً، تنكؤه اللحظة، نكأت القرحة إذا صدمتها
بشيء فتقشرها. و أستفعل بمعنى "فعل قد جاء كثيراً استغلظ
العسل، أي غلظ.
وأما
بناء ما لا يسكن، فنحو ذلك، وقال الشاعر:
وأما
جامع ما سوف يتركه، فأكثر الناس، قال الشاعر:
الأصل : من العصمة تعذر المعاصي. من العصمة ألا تقدر. وأيضاً،
من العصمة ألا تجد.
وقال أخر:
وقال مصعب بن الزبير: أني لأستحي من رجل وجه إلي رغبته، فبات ليلته يتململ
ويتقلقل على فراشه، ينتظر الصبح، قد جعلني أهلا لأن يقطر ماء وجهه لدي أن أرده
خائباً.
الأصل : الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق، والتقصير عن الاستحقاق
عي أو حسد. فأما من يذنب يستعظم ما أتاه، فحاله أخف من حال الأول، لأنه يكاد
يكون نادماً. أولها:
من نظر في عيب نفسه أشتغل عن عيب غيره؛ كان يقال:
أصلح نفسك أولا، ثم أصلح غيرك.
وخامسها:
من دخل مداخل السوء اتهم؛ هذا مثل قولهم: من عرض نفسه للشبهات فلا يلو من من
أساء به الظن.
الأصل: للظالم من الرجال ثلاث علامات:
الشرح:
يمكن أن يفسر هذا الكلام على وجهين: أحدهما
أن كل من وجدت فيه إحدى هذه الثلاث فهو ظالم، إما أن يكون قد وجبت عليه طاعة من فوقه فعصاه، فهو
بعصيانه ظالم له، لأنه قد وضعه في غير موضعه،، الظلم
في أصل اللغة؛ هو هذا المعنى، ولذلك سموا اللبن يشرب قبل أن يبلغ الروب
مظلوماً، لأن الشرب منه كان في غير موضعه إذا لم يرب ولم يخرج زبده، فكذلك من
عمى من فوقه فقد زحزحه عن مقامه إذا لم يطعه. وإما أن
يكون قد قهر من دونه وغلبه. وإما أن يكون
قد ظاهر الظلمة.
وفي الأثر:
تضايقي تنفرجي، سيجعل الله بعد العسر يسراً.
فأما الفرجة بالضم،
ففرجة الحائط وما أشبهه. الشرح:
تقدم القول نحو هذا المعنى، وهو أمر بالتفويضي والتوكل
على الله تعالى فيمن يخففه الإنسان من ولده وأهله، فإن الله تعالى أعلم
بالمصلحة، وأرأف بالإنسان من أبيه وأمه؛ ثم إن كان الولد في علم الله تعالى وليا
من أولياء الله سبحانه، فإن الله تعالى لا يضيعه، قال سبحانه: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه".
الأصل: كبر العيب أن تعيب ما فيك مثله.
الأصل: وهنأ بحضرته رجل رجلاً أخر بغلام ولد له فقال له: ليهنئك
الفارس! فقال عليه السلام: لا تقل ذلك، ولكن قل: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب، وبلغ
أشده، ورزقت بره.
الشرح:
قد رويت هذه الكلمة عن عمر- رضي الله عنه - ذكر
ذلك ابن قتيبة "عيون الأخبار"، وروي عنه أيضا: لي على كل خائن أمينان: الماء
والطين. فإذا معنى كلامه عليه السلام
أن الله تعالى إذا علم فيمن يجعل في
دار ويسد عليه بابها أن في بقاء حياته لطفاً لبعض المكلفين فإنه يجب على الله
تعالى أن يديم حياته، كما يشاء سبحانه؛ إما بغذاء
يقيم به مادة حياته، أو يديم حياته بغير سبب، وهذا هو الوجه الذي منه يأتيه أجله أيضاً، لأن إماتة
الله المكلف أمر تابع للمصلحة، لأنه لا بد من
انقطاع التكليف على كل حال للوجه الذي يذكره
أصحابنا في كتبهم، فإذا كان الموت تابعا
للمصلحة، وكان الإحياء تابعاً للمصلحة، فقد أتي الإنسان رزقه- يعني
حياته- من حيث يأتيه أجله. وانتظم الكلام.
الأصل: أيها الناس، ليركم الله من النعمة، وجلين، كما يراكم من
النقمة فرقين. إنه من وسع عليه في ذات يده، فلم ير ذلك استدراجا، فقد أمن
مخوفا"، ومن ضيق عليه في ذات يده، فلم ير ذلك اختباراً، فقد ضيع مأمولاً. و الصريف:
صوت الأسنان إما عند رعدة أو عند شدة الغضب والحنق، والحرص على الانتقام، أو نحو
ذلك. وكان ثمامة يحدث بسؤدد يحمى بن خالد وابنه جعفر ويقول: إن الرشيد نكب على بن عيسى بن ماهان
وألزمه مائة ألف دينار أذى منها خمسين ألفا، ويلح بالباقي، فأقسم الرشيد إن لم
يؤد المال في بقية هذا اليوم وإلا قتله. وكان علي بن عيسى
عدواً للبرامكة مكاشفاً، فلما علم أنه مقتول سأل أن يمكن من السعي إلى الناس
ستنجدهم، ففسح له في ذلك، فمضى ومعه وكيل الرشيد وأعوانه إلى باب يحيى وجعفر،
فأشبلا عليه وصححا من صلب أموالهما خمسين ألف دينار في باقي نهار ذلك اليوم
بديوان الرشيد باسم علي بن عيسى، واستخلصاه؛ فنقل بعض
المنتصحين لهما إليهما أن في بن عيسى قال في أخر نهار ذلك اليوم متمثلاً:
فقال يحيى للناقل إليه ذلك: يا هذا إن المرعوب ليسبق لسانه إلى ما لم يخطر بقلبه.
الأصل: إذا كانت لك إلى الله سبحانه حاجة فابدأ بمسألة الصلاة
على رسوله صلى الله عليه وأله وسلم، ثم سل حاجتك؛ فإن الله أكرم من أن يسأل
حاجتين، فيقضي إحداهما ويمنع الأخرى.
الأصل: الفكر مرآة صافية، والاعتبار منذر ناصح، وكفي أدباً لنفسك
تجنبك ما كرهته لغيرك. أخذه شاعر هم
فقال:
الأصل: العلم مقرون بالعمل، فمن علم عمل، والعلم يهتف بالعمل،
فإن أجاب وإلا أرتحل عنه. وإنما ينظر المؤمن إلى الدنيا بعين
الاعتبار، ويقتات منها ببطن الاضطرار، ويسمع فيها بأذن المقت والإبغاض، إن قيل
أثرى قيل كدي، وإن فرح له بالبقاء حزن له بالفناء، هذا ولم يأتهم يوم هم فيه
مبلسون . الثروة: اليسار والغنى، وإنما حكم على مكثريها
بالفاقة والفقر لأنهم لا ينتهون إلى حد من الثروة والمال إلا وجدوا واجتهدوا،
وحرصوا في طلب الزيادة عليه، فهم في كل أحوالهم فقراء إلى تحصيل المال، كما أن
من لا مال له أصلاً يجد ويجتهد في تحصيل المال، بل ربما كان جدهم وحرصهم على ذلك
أعظم من كدح الفقير و حرصه، وروي:
"واعين من غني عنها" ومن رواه "أغنى
أي أغنى الله من غني عنها وزهد فيها بالراحة وخلو البال وعدم الهم والغم. يقول:
بينا يقال: أثرى قيل: افتقر، لأن هذه صفة الدنيا في تقلبها بأهلها، وإن فرح له
بالحياة ودوامها، قيل: مات وعدم، هذا ولم
يأتهم يوم القيامة يوم هم فيه مبلسون، أبلس الرجل يلبس إبلاساً أي قنط ويئس،
واللفظ من لفظات الكتاب العزيز. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض ما قيل في حال الدنيا وصروفها
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقد
ذكرنا من حال الدنيا وصر وفها وغدرها بأهلها فيما تقدم أبواباً كثيرة نافعة،
ونحن نذكر هاهنا زيادة على ذلك. وروى أنس قال: كانت ناقة
رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم العضباء
لا تسبق، فجاء أعرابي بناقة له فسبقها، فشق ذلك على المسلمين، فقال رسول الله صلى
الله عليه وأله وسلم : "حق على الله ألا يرفع في الدنيا شيئا إلا وضعه ". ثم قال أبو الجرداء من قبل نفسه: أيها الناس، لو تعلمون ما اعلم
لخرجتم إلى الصعدات تبكون على أنفسكم، ولتركتم أموالكم لا حارس لها، ولا راجع
إليها إلا ما لا بد لكم منه، ولكن غاب عن قلوبكم ذكر الأخرة، وحضرها الأمل،
فصارت الدنيا أملك بأعمالكم، وصرتم كالذين لا يعلمون، فبعضكم شر من البهائم التي
لا تدع هواها، ما لكم لا تحابون ولا تناصحون في أموركم، وأنتم إخوان على دين
واحد، ما فرق بين أهوائكم إلا خبث سرائركم، ولو اجتمعتم على البر لتحاببتم، ما
لكم لا تناصحون في أموركم، ما هذا إلا من قلة الإيمان في قلوبكم، ولو كنتم
توقنون بأمر الأخرة كما توقنون بالدنيا لأثرتم طلب الأخرة، فإن قلتم حب العاجلة
غالب، فأنا نراكم تدعون العاجل من الدنيا للآجل منها، ما لكم تفرحون باليسير من
الدنيا، وتحزنون على اليسير منها يفوتكم، حتى يتبين ذلك في وجوهكم، ويظهر على
ألسنتكم، وتسمونها المصائب، وتقيمون فيها المآتم، وعامتكم قد تركوا كثيرا من
دينهم ثم لا يتبين ذلك في وجوههم، ولا تتغير حال بهم، يلقى بعضهم بعضا بالمسرة،
ويكره كل منكم أن يستقبل صاحبه بما يكره مخافة أن يستقبله صاحبه بمثله، فاصطحبتم
على الغل، وبنيتم مراعيكم على الدمن، وتصافيتم على رفض الأجل، أراحني الله منكم،
و ألحقني بمن احب رؤيته.
وفي الحديث المرفوع: "ليأتينكم بعدي دنيا تأكل إيمانكم كما تأكل النار
الحطب".
وقال بعض الحكماء:
كانت الدنيا ولم أكن فيها، وتذهب الدنيا ولا أكون فيها، ولست أسكن إليها، فإن
عيشها نكد، وصفوها كدر، وأهلها منها على وجل، إما بنعمة زائلة، أو ببلية نازلة،
أو ميتة قاضية. وقال بعضهم: من عيب الدنيا أنها لا تعطي أحداً ما يستحق، إما أن
تزيد له، وأما أن تنقص. وقال بعضهم:
ما أصبح أحد في الدنيا إلا وهو ضيف، ولا شبهة في أن الضيف مرتحل، وما أصبح ذو
مال فيها إلا وماله عارية عنده، ولا ريب أن العارية مردودة، ومثل هذا قول الشاعر :
وقيل لإبراهيم بن أدهم : كيف أنت؛ فأنشد:
وزار رابعة العدوية أصحابها، فذكروا الدنيا فأقبلوا على ذمها،
فقالت: اسكتوا عن ذكرها وكفوا، فلولا موقعها
في قلوبكم ما أكثرتم من ذكرها، إن من احب شيئا أكثر
من ذكره. وقال فطرف بن الشخير: لا تنظروا إلى خفض عيش الملوك، ولين رياشهم، ولكن انظروا
إلى سرعة ظعنهم، وسوء منقلبهم. قال الشاعر:
وقال أبو العتاهية:
وقاد بعضهم: الدنيا
جيفة ، فمن أراد منها شيئا فليصبر على معاشرة الكلاب. أخذ
المال من غير حقه، وإنفاقه في غير حقه، لإمساكه عن حقه، والشر كله لهذه الثلاث نبع. وهذا مقتبس من قول أمير المؤمنين عليه السلام : الدنيا والأخرة ضرتان: فبقدر ما
ترضي إحداهما تسخط الأخرى، وقال الشاعر:
وقالوا: لو وصفت الدنيا نفسها لما قالت أحسن من قول أبي نواس
فيها:
ومن كلام الشافعي يعظ أخا له: يا أخي، إن الدنيا دحض مزلة ، ودار مذلة، عمرانها إلى
الخراب سائر، وساكنها إلى القبور زائر، شملها على الفرقة موقوف، وغناها إلى
الفقر مصروف، الإكثار فيها إعسار، والإعسار فيها يسار، فافزع إلى الله، وارض
برزق الله، ولا تستلف من دار بقائك في دار فنائك، فإن عيشك في زائل، وجدار مائل.
أكثر من عملك، وأقصر من املك. وقال بعضهم:
الدنيا دار خراب، وأخرب منها قلب من يعمرها، والجنة دار عمران، وأعمر منها قلب
من يطلبها. ومن كلام بعض فصحاء الزهاد:
أيها الناس اعملوا في مهل، وكونوا من الله على وجل، ولا تغتروا بالأمل، ونسيان
الأجل، ولا تركنوا إلى الدنيا؛ فإنها غدارة غرارة خداعه، قد تزخرفت لكم بغرورها،
وفتنتكم بأمانيها، وتزينت لخطابها، فأضحت كالعروس المتجلية، العيون إليها ناظرة،
والقلوب عليها عاكفة، والنفوس لها عاشقة. فكم من عاشق لها قتلت، ومطمئن إليها خذلت! فانظروا إليها بعين الحقيقة، فإنها دار كثرت
بوائقها ، وذمها خالقها، جديدها يبلى، وملكها يفنى، و عزيزها يذل و كثيرها يقل،
وحيها يموت، وخيرها يفوت؛ فاستيقظوا من غفلتكم، وانتبهوا من رقدتكم، قبل أن يقال: فلان عليل، ومدنف ثقيل، فهل على الدواء
من دليل، وهل إلى الطبيب من سبيل؛ فتدعى لك الأطباء، ولا يرجى لك الشفاء، ثم يقال فلان أوصى، وماله أحصى، ثم يقال: قد ثقل لسانه فما يكلم إخوانه، ولا يعرف
جيرانه، وعرق عند ذلك جبينك، وتتابع أنينك، وثبت يقينك، وطمحت جفونك، وصدقت
ظنونك، وتلجلج لسانك، وبكى إخوانك، وقيل لك:
هذا ابنك فلان، وهذا أخوك فلان؛ منعت من الكلام فلا تنطق، وختم على لسانك فلا
ينطبق، ثم حل بك القضاء، وانتزعت روحك من الأعضاء، ثم عرج بها إلى السماء،
فأجتمع عند ذلك إخوانك، أحضرت أكفانك، فغسلوك وكفنوك، ثم حملوك فدفنوك، فانقطع
عوادك، واستراح حسادك، وانصرف أهلك إلى مالك، وبقيت مرتهنا بأعمالك. وكتب الحسن البصري إلى عمر بن عبد
العزيز: أما بعد، فإن الدنيا دار ظعن ليست بدار إقامة،
وإنما أنزل إليها عقوبة فأحذرها فإن الزاد منها ربحها، والغنى منها فقرها، لها
في كل حين قتيل، تذل من أعزها، وتفقر من جمعها، هي كالسم يأكله من لا يعرفه وهو
حتفه، فكن فيها كالمداوي جراحه، يحمي قليلاً مخافة ما يكرهه طويلاً، ويصبر على شدة
الدواء، مخافة طول البلاء، فأحذر هذه الدنيا الغدارة المكارة، الحثالة الخداعة،
التي قد تزينت بخدعها، وفتنت بغرورها، وتحلت بآمالها، وتشرفت لخطابها، فأصبحت
بينهم كالعروس تجلى على بعلها، العيون إليها ناظرة، والقلوب عليها وألهه،
والنفوس لها عاشقة، وهي لأزواجها كلهم قاتلة، فلا الباقي بالماضي معتبر.، ولا
الأخر بالأول مزدجر، ولا العارف بالله حين أخبره عنها مد كر، فمن عاشق لها قد
ظفر منها بحاجته، فاغتر وطغى ونسي المعاد، وشغل بها لبه حتى زلت عنها قدمه،
فعظمت ندامته، وكثرت حسرته، واجتمعت عليه سكرات الموت بألمه، وحسرات الفوت
بغصته، ومن راغب فيها لم يدرك منها ما طلب، ولم يرح نفسه من التعب، خرج منها
بغير زاد، وقدم على غير مهاد؛ فأحذرها ثم أحذرها، وكن ما تكون فيها أحذر ما تكون
لها، فإن صاحبها كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصته إلى مكروه، والسار منها لأهلها
كار، والنافع منها في غد ضار، قد وصل الرخاء منها بالبلاء، وجعل البقاء فيها
للفناء؛ فسرورها مشوب بالأحزان، ونعيمها مكار بالأشجان، لا يرجع ما ولى منها
وأدبر، ولا يدرى ما هو آت فينتظر، أمانيها كاذبة، وآمالها باطلة، وصفوها كدر،
وعيشها نكد، والإنسان فيها على خطر إن عقل ونظر، وهو من النعماء على غرر، ومن
البلاء على حذر، لو كان الخالق لها لم يخبر عنها خبراً، ولم يضرب لها مثلا،
لكانت هي نفسها قد أيقظت النائم، ونبهت الغافل، فكيف وقد جاء من الله عنها زاجر،
وبتصاريفها واعظ، فما لها عند الله قدر، ولا نظر إليها منذ خلقها، ولقد عرضت على نبيك محمد صلى الله عليه وأله وسلم بمفاتيحها وخزائنها لا ينقصه ذلك عند الله جناح بعوضة، فأبى أن
يقبلها، كره أن يخالف على الله أمره، أو يحب ما أبغضه خالقه، أو يرفع ما وضعه
مليكه، زواها الرب سبحانه عن الصالحين اختباراً، وبسطها لأعدائه اغتراراً، فيظن
المغرور بها، المقتدر عليها، أنه اكرم بها، وينسى ما صنع الله تعالى بمحمد صلى الله عليه وأله وسلم "من
شده الحجر على بطنه، وقد جاءت الرواية عنه عن ربه
سبحانه أنه قال لموسى: إذا رأيت الغنى مقبلاً فقل ذنب عجلت عقوبته، وإذا
رأيت الفقر مقبلاً فقل مرحباً بشعار الصالحين؛ وإن شئت
اقتديت بصاحب الروح والكلمة عيسى؛ كان يقول: آدمي
الجوع، وشعاري الخوف، ولباسي الصوف، وصفاتي في الشتاء مشارق الشمس، وسراجي
القمر، ووسادي الحجر، ودابتي رجلاي، وفاكهتي وطعامي ما أنبتت الأرض، أبيت وليس
لي شيء، وليس على الأرض أحد أغنى مني. ومن كلام بعض الحكماء:
الأيام سهام، والناس أغراض، والدهر يرميك كل يوم بسهامه، ويتخرمك بلياليه
وأيامه؛ حتى يستغرق جميع أجزائك، و يصمي جميع أبعاضك، فكيفكاء سلامتك من وقوع
الأيام بك، وسرعة الليالي في بدنك! ولو كشف لك عما
أحدثت الأيام فيك من النقص لاستوحشت من كل يوم يأتي عليك واستثقلت ممر الساعات بك،
ولكن تدبير الله تعالى فوق النظر والاعتبار. وقال أمير المؤمنين عليه السلام :
"من ظفر من الدنيا بأعلى وأعظم أمنية ليس كأخر ظفر من الأخرة بأدون درجات
أهل الثواب، لا مناسبة ولا قياس بين نعيم الدنيا والأخرة". وقال رجل لبشر بن الحارث: ادع لي فقد أضر الفقر بي
وبعيالي؛ فقال: إذا قال لك عيالك؛ ليس عندنا
دقيق ولا خبز فادع لبشر بن الحارث في ذلك الوقت، فإن دعاءك أفضل من دعائه. أيها المؤمنون، إنه من رأى عدواناً
يعمل به، ومنكراً يدعى إليه، فأنكره بقلبه فقد سلم وبريء، ومن أنكره بلسانه فقد
أجر، وهو أفضل من صاحبه، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة
الظالمين السفلي ، فذلك الذي أصاب سبيل الهدى، وقام على الطريق، ونور في قلبه اليقين. وكان النهي عن المنكر معروفا ًفي
العرب في جاهليتها، كان في قريش حلف الفضول، تحالفت قبائل منها على أن يردعوا
الظالم، وينصروا المظلوم، ويردوا عليه حقه ما بل بحر صوفه، وقد ذكرناه فيما
تقدم. والنفثة: الفعلة
الواحدة من نفثت الماء من فمي، أي قذفته بقوة. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
النهي عن المنكر،
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ونحن نذكر خلاصة ما يقوله أصحابنا في
النهي عن المنكر، ونترك الاستقصاء فيه للكتب
الكلامية التي هي أولى ببسط القول فيها من
هذا الكتاب. قال الشيخ أبو علي- رحمه الله:
العقل يدل على وجوبه، وإلى هذا القول مال شيخنا أبو
الحسين رحمه الله. وأما شروط حسنه فوجوه: منها
أن يكون ما ينكره قبيحاً، لأن إنكار الحسن وتحريمه قبيح، والقبيح على ضروب: فمنه ما يقبح من كل مكلف، وعلى كل
حال، كالظلم. ومنه ما يقبح من كل مكلف
على وجه دون وجه، كالرمي بالسهام، وتصريف الحمام، والعلافي بالسلاح، لأن تعاطي
ذلك لمعرفة الحرب والتقوى على العدو، ولتعرف أحوال البلاد بالحمام حسن لا يجوز
إنكاره، وان قصد بالاجتماع على ذلك الاجتماع على السخف واللهو ومعاشرة ذوي الريب
والمعاصي فهو قبيح يجب إنكاره. ومنها أن يكون ما ينهى عنه واقعاً، لأن غير الواقع لا
يحسن النهي عنه، لا نما يحسن الذم عليه، والنهي عن أمثاله. وأما من يقول من أصحابنا إن التكليف من المعلوم منه أنه يكفر حسن وإن لم يكن فيه لطف
لغير المكلف، فإنه لا يصح منه القول بقبح هذا
الإنكار. فأما شرائط وجوب النهي عن المنكر فأمور: منها
أن يغلب على الظن وقوع المعصية نحو أن يضيق وقت صلاة الظهر، ويرى الإنسان لا
يتهيأ للصلاة، أو يراه تهيأ لشرب الخمر بإعداد آلته، ومتى لم يكن كذلك حسن منا
أن ندعوه إلى الصلاة، و-إن لم يجب علينا دعاؤه. وإن غلب على ظنه
أنه لا يفعل ما أنكره عليه ولكنه يضر به؛ نظر فإن كان
إضراره به أعظم قبحا مما يتركه إذا أنكر عليه، فإنه لا يحسن الإنكار عليه، لأن
الإنكار عليه قد صار والحالة هذه مفسدة، نحو أن ينكر الإنسان على غيره
شرب الخمر، فيترك شربها ويقتله. وإن كان ما يتركه إذا أنكر عليه أعظم قبحا مما ينزل
به من المضرة، نحو أن يهم بالكفر، فإذا أنكر عليه تركه وجرح المنكر عليه أو قتله
فإنه لا يجب عليه الإنكار، ويحسن منه الإنكار، أما
قولنا: لا يجب عليه الإنكار، فلأن الله تعالى قد أباحنا التكلم بكلمة
الكفر عند الإكراه، فبأن يبيحنا ترك غيرنا أن يتلفظ بذلك عند الخوف على النفس
أولى، وأما قولنا: إنه يحسن الإنكار، فلأن
في الإنكار مع الظن لما ينزل! بالنفس من المضرة إعزازاً للدين، كما أن في
الامتناع من إظهار كلمة الكفر مع الصبر على قتل النفس إعزازاً للدين، لا فضل
بينهما. فأما كيفية إنكار المنكر فهو أن يبتدئ بالسهل، فإن نفع وإلا ترقى إلى الصعب، لأن الغرض ألا يقع
المنكر، فإذا أمكن ألا يقع بالسهل فلا معنى لتكلف الصعب، ولأنه تعالى أمر
بالإصلاح قبل القتال في قوله: "فأصلحوا
بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي". ووبئ البلد
بالكسر يوبأ وباءة فهو وبئ على فعيل أيضاً، ويجوز فهو
وبئ على فعل مثل خذر وأشر. يقول عليه السلام: الحق وإن كان ثقيلا إلا أن عاقبته
محمودة، ومغبته صالحة، والباطل وإن كان خفيفاً إلا أن عاقبته مذمومة، ومغبته غير
صالحة، فلا يحملن أحدكم حلاوة عاجل الباطل على فعله، فلا
خير في لذة قليلة عاجلة، يتعقبها مضار عظيمة آجلة، ولا يصرفن أحدكم عن
الحق ثقله فإنه سيحمد عقبى ذلك، كما يحمد شارب الدواء المر شربه فيما بعد إذا
وجد لذة العافية. ونحن نذكر هاهنا زيادات أخرى. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض ما ورد في الجود والبخل،
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال بعض الحكماء:
السخاء هيئة للإنسان، داعية إلى بذل المقتنيات، حصل معه البذل لها أو لم يحصل، وذلك خلق، ويقابله
الشح؛ وأما الجود، فهو بذل المقتنى؛ ويقابله البخل؛ هذا هو الأصل، وإن كان كل واحد منها قد يستعمل في موضع الأخر، والذي يدل على صحة
هذا الفرق أنهم جعلوا اسم الفاعل من السخاء والشح على
بناء الأفعال الغريزية، فقالوا: شحيح وسخي،
فبنوه على"فعيل" كما قالوا: حليم وسفيه وعفيف، وقالوا: جائد
وباخل، فبنوهما على اسم!فاعل "
كضارب وقاتل؛ فأما قولهم: بخيل، فمصروف عن لفظ فاعل للمبالغة، كقولهم في
راحم رحيم، وبدل أيضا على أن السخاء غريزة وخلق أنهم لم يصفوا البارىء
سبحانه به فيقولوا سخي، فأما الشح فقد عظم أمره وخوف منه، ولهذا قال عليه السلام: "ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه
"، فخص المطاع تنبيها على أن وجود الشح في النفس فقط ليس مما يستحق
به ذم لأنه ليس من فعله، وإنما يذم بالانقياد له؛ قال
سبحانه: "ومن يوق شح نفسه"، وقال: "واحضرت
الأنفس الشح". وحق
للجود بأن تقرن بالإيمان، فلا شيء أخص به وأشد مجانسة له منه، فإن من صفة المؤمن انشراح الصدر، كما قال تعالى: "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للأسلام ومن يرد
أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء"؛ وهذا من صفات الجواد والبخيل،
لأن الجواد واسع الصدر، منشرح مستبشر للإنفاق والبذل، والبخيل قنوط ضيق الصدر،
حرج القلب ممسك. وأما من يعطي لغرض
وداع نحو أن يحب الثناء والمحمدة، فانه مستعيض وتاجريعطي شيئا ليأخذ شيثا، قالوا قول أبي نواس:
ليس
بغاية في الوصف بالجود التام، بل هو وصف بتجارة عمودة، وأحسن
منه قول ابن الرومي:
وأحسن منهما قول بشار:
ونحن قد ذكرنا ما في هذا الموضع من البحث العقلي في كتبنا
العقلية.
ومثله:
الأصل: الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به، فإذا تكلمت به صرت في
وثاقه؛ فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك؛ فرب كلمة سلبت نعمة. الشرح: قد تقدم القول في مدح الصمت وذم
الكلام الكثير. وقيل لحذيفة:
قد أطلت سجن لسانك! فقال: لأنه غيرمأمون إذا
اطلق. الأصل: لا تقل ما لا
تعلم؛ بل لا تقل كل ما تعلم، فإن الله سبحانه قد فرض على جوارحك كلها فرائض يحتج بها عليك
يوم القيامة. وما أحسن قول شيخنا أبي علي رحمه الله: لولا القول بالإرجاء، لما عمي الله
في الأرض. وأما
الطمأنينة إلى من لم يعرف ولم يختبر فإنها عجز-
كما قال عليه السلام
- يعني عجزاً
في العقل والرأي، فإن الوثوق مع التجربة فيه ما
فيه، فكيف قبل التجربة! وقال الشاعر:
الأصل: من هوان الدنيا على الله أنه لا يعصى إلا فيها، ولا ينال
ما عنده إلا بتركها. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض ما قيل في حال الدنيا،
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقد تقدم من كلامنا في حال الدنيا
وهوانها على الله واغترار الناس بها وغدرها بهم ، وذم العقلاء لها، وتحذيرهم
منها ما فيه كفاية. مثل الدنيا
وأهلها كقوم ركبوا سفينة فانتهت بهم إلى جزيرة، فأمرهم الملاح بالخروج لقضاء الحاجة وحذرهم المقام، وخوفهم
مرور السفينة، واستعجالها، فتفرقوا في نواحي الجزيرة، فقضى بعضهم حاجته وبادر إلى السفينة، فصادف المكان خاليا، فأخذ أوسع المواضع وألينها وأوفقها
لمراده. وبعضهم توقف في الجزيرة ينظر إلى أزهارها وأنوارها العجيبة، وغياضها الملتفة،
ونغمات طيورها الطيبة، وألحانها الموزونة الغريبة، ولحظ في تزيينها أحجارها
وجواهرها ومعادنها المختلفة الألوان ذوات الأشكال الحسنة المنظر، العجيبة النقش،
السالبة أعين الناظرين بحسن زبرجها، وعجائب صورها، ثم
تنبه لخطر فوات السفينة، فرجع إليها فلم يصادف إلا مكانا ضيقاً حرجاً، فاستقر
فيه. وبعضهم أكب فيها على تلك الأصداف
والأحجار، وقد أعجبه حسنها، ولم تسمح نفسه بإهمالها وتركها،
فأستصحب منها جملة، فجاء إلى السفينة فلم يجد إلا مكاناً ضيقاً، وزاده ما حمله ضيقاً، وصار ثقلاً
عليه ووبالاً، فندم على أخذه، ولم تطعه نفسه على رميه، ولم يجد موضعا له،
فحمله على عنقه ورأسه، وجلس في المكان الضيق في
السفينة، وهو متأسف على أخذه ونادم، وليس ينفعه
ذلك. وبعضهم تولج بتلك الأنوار والغياض، ونسي السفينة
وأبعد في متفزجه ومتنزهه، حتى أن نداء الملاح لم
يبلغه لاشتغاله بأكل تلك الثمار، واشتمامه تلك الأنوار، والتفرج بين تلك
الأشجار، وهو مع ذلك خائف على نفسه من السباع، والسقطات والنكبات، ونهش الحيات،
وليس ينفك عن شوك يتثبت بثيابه، وغصن يجرح جسمه، ومروه تدمى رجله، وصوت هائل
يفزع منه، وعوسج يملأ طريقه، ويمنعه عن الانصراف لو أراده، وكان في جماعة ممن كان معه في السفينة حالهم حاله،
فلما بلغهم نداء السفينة راح بعضهم مثقلا بما معه فلم
يجد في السفينة موضعاً واسعاً ولا ضيقاً، فبقي على الشط حتى مات جوعاً. وبعضهم بلغه النداء، فلم يعرج عليه، واستغرقته اللذة، وسارت السفينة، فمنهم من افترسته السباع، ومنهم من تاه وهام على وجهه حتى هلك، ومنهم
من أرتطم في الأوحال، ومنهم من نهشته الحيات. فتفرقوا هلكى كالجيف المنتنة. فأما من وصل إلى السفينة مثقلاً بما أخذه من
الأزهار والفاكهة اللذيذة، والأحجار المعجبة، فإنها استرقته وشغله الحزن بحفظها
والخوف من ذهابها عن جميع أموره، وضاق عليه بطريقها مكانه، فلم تلبث أن ذبلت تلك الأزهار، وفسدت تلك الفاكهة الغضة.
وكمدت ألوان الأحجار وحالت، فظهر له نتن رائحتها، فصارت مع كونها مضيقة عليه
مؤذية له بنتنها ووحشتها، فلم يجد حيلة إلا أن ألقاها في البحر هربا ًمنها وقد
أثر في مزاجه ما أكله منها، فلم ينته إلى بلده إلا بعد أن ظهرت عليه الأسقام بما
أكل وما شم من تلك الروائح، فبلغ سقيما وقيذا مدبراً، وأما من كان رجع عن قريب وما فاته إلا
سعة المحل، فإنه تأذى بضيق المكان مدة، ولكن لما
وصل إلى الوطن استراح، وأما من رجع أولا فانه وجد المكان الأوسع، ووصل إلى الوطن
سالما طيب القلب مسروراً. وقد ضرب أيضا لها مثال أخر في عبور الإنسان عليها، قالوا: الأحوال ثلاثة: حال لم يكن الإنسان فيها شيئا، وهي ما قبل وجوده إلى
الأزل، وحال لا يكون فيها موجوداً مشاهداً للدنيا،
وهي بعد موته إلى الأبد، وحالة متوسطة بين الأزل
والأبد، وهي أيام حياته في الدنيا، فلينظر
العاقل إلى الطرفين الطويلين، ولينظر إلى الحالة المتوسطة، هل يجد لها
نسبة إليها ، وإذا رأى العاقل الدنيا بهذه العين لم يركن إليها، ولم يبال كيف
تقضت أيامه فيها، في ضر وضيق، أو في سعة ورفاهة، بل لا يبني لبنة على لبنة؛ توفي رسول صلى الله عليه وأله وسلم ، وما وضع لبنة على لبنة،
ولا قصبة على قصبة.
ورأى بعض الصحابة بنى بيتا من جص فقال: أرى الأمر أعجل من هذا، أنكر ذلك،
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وأله وسلم: ما لي وللدنيا، إنما مثلي ومثلها
كراكب سار في يوم صائف، فرفعت له شجرة فقام تحت ظلها ساعة ثم راح وتركها، وإلى
هذا أشار عيسى بن مريم حيث قال: الدنيا قنطرة، فاعبروها
ولا تعمروها، وهو مثل صحيح، فإن
الحياة الدنيا قنطرة إلى الأخرة، والمهد هو أحد جانبي
القنطرة، واللحد الجانب الأخر، وبينهما مسافة محدودة، فمن الناس من قطع
نصف القنطرة، ومنهم من قطع ثلثيها، ومنهم من لم يبق له إلا خطوة واحدة وهو غافل
عنها، وكيفما كان فلا بد من العبور والانتهاء،
ولا ريب أن عمارة هذه القنطرة، وتزيينها بأصناف الزينة لمن هو محمول قسرا ًوقهرا
على عبورها، يسوقه سائق عنيف، غاية الجهل والخذلان.
وكان
يقال: أجهل الناس من افتخر بالعظام البالية، وتبجح
بالقرون الماضية، واتكل على الأيام الخالية. وكان يقال: ضعة الدنيء في نفسه والرفيع في
أصله، أقبح من ضعة الوضيع في نفسه وأصله، لأن هذا تشبه بآبائه وسلفه، وذاك قصر
عن أصله وسلفه، فهو إلى الملامة أقرب، وعن العذر أبعد.
وقال عبد الله بن جعفر :
وقال أخر:
وقال أخر:
وقال أخر:
وقيل لرجل يدل بشرف آبائه، لعمري لك أول، ولكن ليس لأولك أخر. وقيل لشريف ناقص
الأدب: إن شرفك بأبيك لغيرك، وشرفك بنفسك لك، فافرق بين ما لك وما لغيرك،
ولا تفرح بشرف النسب، فإنه دون شرف الأدب. الشرح:
موضع "بعده النار" رفع لأنه صفة
"خير" الذي بعد ما"، وخبر يرفع لأنه اسم ما، وموضع الجار
والمجرور نصب لأنه خبر ما، والباء زائدة، مثلها في
قولك: ما أنت بزيد، كما تزاد في خبر ليس، والتقدير
ما خير تتعقبه النار بخير، كما تقول: ما لذة
تتلوها نغصه بلذة، ولا ينقدح في ما الوجهان اللذان
ذكرهما أرباب الصناعة النحوية في قولهم: لا خير بخير بعده النار، أحدهما
ما ذكرناه في ما، والأخر أن يكون موضع بعده النار جراً لأنه صفة خير المجرور،
ويكون معنى الباء معنى في كقولك: زيد بالدار وفي الدار، ويصير تقدير الكلام: لا خير في خير تعقبه النار، وذلك أن ما تستدعي
خبراً موجوداً في الكلام، بخلاف لا، فإن خبرها محذوف في
مثل قولك: لا إله إلا الله، ونحوه، أي في الوجود أو لنا أو ما أشبه ذلك،
وإذا جعلت بعده صفه خبر المجرور لم يبق معك ما تجعله خبر ما. فأما مرض القلب وصحته فالمراد به التقوى
وضدها، وقد سبق القول في ذلك.
الأصل: للمؤمن ثلاث ساعات: فساعة يناجي فيها ربه، وساعة يرم فيها
معايشه ، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذتها فيما يحل ويجمل؛ وليس للعاقل أن
يكون شاخصاً إلا في ثلاث: مرمة لمعاش، أو خطوة في معاد، أو لذة في غير محرم. ويرم معاشه:
يصلحه. وشاخصاً:
راحلاً. وخطوة في معاد،
يعني في عمل المعاد، وهو العبادة والطاعة.
فإذا
زهد فيها فقد لسخطها وإذا سخطها ابصر عيوبها مشاهدة لا رواية.
وكان يحي بن خالد يقول: ما جلس إلي أحد قط إلا هبته حتى
يتكلم، فإذا تكلم إما أن تزداد الهيبة أو تنقص. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض ما ورد في الطيب،
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: نعم الطيب المسك، خفيف محملة، عطر ريحه. الشرح:
كان النبي صلى الله عليه وأله وسلم كثير
التطيب بالمسك وبغيره من أصناف الطيب. وجاء الخبر الصحيح عنه: "حبب إلي من دنياكم ثلاث: الطيب، والنساء، وقرة عيني
في الصلاة". ونحوها: "لا تردوا الطيب فإنه طيب الريح،
خفيف المحمل".
قالوا:
!سميت الغالية غاليةً، لأن عبد الله بن جعفر أهدى لمعاوية قارورة منها، فسأله،
كم أنفق عليها، فذكر مالاً، فقال: هذه غالية فسميت غالية.
وروى أبو قلابة قال: كان أبن مسعود إذا خرج من بيته إلى المسجد عرف من في الطريق
أنه قد مر من طيب ريحه.
سمع عمر قول سحيم عبد بني الحسحاس:
فقال له:
ويحك! إنك مقتول، فلم تمض عليه أيام حتى قتل.
لو
كانت هذه الصفة لزنجية تجتلي الحلة لطابت، هلا قلت
كما قال سيدك أمرؤ القيس:
وقال الزمخشري: إن النوى المنقع بالمدينة ينتاب
أشرافها المواضع التي يكون فيها التماسنا ًلطيب ريحه، وإذا وجدوا ريحه بالعراق
هربوا منها لخبثها، قال: ومن أختلف في طرقات
المدينة وجد رائحة طيبه وبنة عجيبة، ولذلك سميت طيبة، والزنجية بها تجعل في
رأسها شيئا من بلح وما لا قيمة له، فتجد له خمرة لا يعدلها بيت عروس من ذوات
الأقدار.
الصنوبري
في استهداء المسك:
يقال: إن رجلاً وجد قرطاساً فيه اسم الله تعالى، فرفعه، وكان عنده دينار،
فاشترى به مسكاً، فطيبه، فرأى في المنام قائلا يقول له كما طيبت اسمي لاطيبن
ذكرك.
قالوا: خير العود المندلي، وهو منسوب آل مندل: قرية من قرى الهند، وأجوده أصلبه،
وامتحان رطبه أن ينطبع فيه نقش الخاتم، واليابس تفصح عنه النار، ومن خاصية المندلي أن رائحته تثبت في الثوب أسبوعا، وأنه لا
يقمل ما دامت فيه. قال صاحب المنهاج: العود عروق أشجار تقلع وتدفن في
الأرض حتى تتعفن، منها الخشبية والقشرية، ويبقى العود الخالص، وأجوده المندلي، ويجلب من وسط
بلاد الهند، ثم الجود الهندي، وهو يفضل على
المندلي بأنه لا يولد القمل، وهو أعبق بالثياب.
وقال
المسيب بن علس:
أخذه
العباس بن الأحنف فقال:
وهجا
بعض الشعراء العمال في أيام عمر، ووقع عليهم، فقال في بعض شعره:
فقبض
عمر على العمال وصادرهم. وفأرة الإبل ريحها حين
تصدر عن الماء. وقد أكلت العشب الطيب.
كان
لأبي أيوب المرزباني وزير المنصور دهن طيب يدهن به إذا ركب إلى المنصور فلما رأى
الناس غلبته على المنصور وطاعته له فيما يريده، حتى إنه ربما كان يستحضره ليوقع
به، فإذا رآه تبسم أليه وطابت نفسه، قالوا: دهن أبي أيوب من عمل السحرة، وضربوا
به المثل، فقالوا لمن يغلب على الإنسان، معه دهن أبي أيوب.
قال الأصمعي:
ذكر لأبي أيوب هؤلاء الذين يتقشفون، فقال: ما علمت أن القذر والذفر من الدين.
وقال أخر:
يزداد لؤماً على المديح كما يزداد نتن الكلاب في المطر وقالت
امرأة امرئ القيس له وكان مفركاً عند النساء: إذا عرقت عرقت بريح كلب. قال:
صدقت، إن أهلي أرضعوني مرة بلبن كلبة.
فأمر
له بألف دينار ومائة مثقال من المسك ومائة مثقال من العنبر. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض
ما قيل في الفخر
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في الحديث المرفوع:
"إن الله قد اذهب عنكم عيبه الجاهلية وفخرها بالآباء، الناس لآدم، وآدم من
تراب، مؤمن تقي، وفاجر شقي، لينتهين أقوام يتفأخرون برجال إنما هم فحم من فحم
جهنم أو ليكونن أهون على الله من جعلات تدفع النتن بأنفها". قال:
فاشفع فيه في ملأ ليكون أخزى له ، فشفع فيه، فدعا به فقال: إني مطلقك بشفاعة جرير، قال: أسير قسري، وطليق كلبي، فبأي
وجه أفأخر العرب بعدها! ردني إلى السجن. وسمع الفرزدق أبا بردة يقول: كيف لا أتبختر وأنا ابن أحد الحكمين، فقال: أحدهما مائق ، والأخر فاسق، فكن ابن أيهما شئت.
بعض
الأموية:
لبعض
الأموية أيضاً:
بعض
التياهين:
بعض
العلوية:
كان عمارة بن حمزة بن ميمون مولى بني العباس مثلاً في التيه؛ حتى
قيل: أتيه من عمارة. وكان يتولى دواوين
السفاح والمنصور، وكان إذا أخطأ مضى على خطئه تكبراً عن الرجوع، ويقول: نقض وإبرام في حالة واحدة، الإصرار على
الخطأ أهون من ذلك. وافتخرت أم سلمة المخزومية امرأة السفاح ذات ليلة بقومها على السفاح،
وبنو مخزوم يضرب بهم المثل في الكبر والتيه، فقال: أنا أحضرك الساعة على غير أهبة مولى من موالي ليس في أهلك
مثله، فأرسل إلى عمارة، وأمر الرسول أن يعجله عن تغيير زيه، فجاء على الحال التي وجده عليها الرسول في ثياب ممسكة مزررة
بالذهب، وقد غلف لحيته بالغالية حتى قامت، فرمى إليه السفاح بمدهن ذهب
مملوء غالية، فلم يلتفت إليه، وقال: هل ترى لها في لحيته موضعاً؛ فأخرجت أم سلمة عقدا لها ثمينا، وأمرت خادما أن يضعه بين
يديه، فقام وتركه، فأمرت الخادم أن يتبعه به،
ويقول: إنها تسألك قبوله، فقال للخادم: هو
لك، فأنصرف بالعقد إليها، فأعطت الخادم فكاكه عشرة آلاف دينار،
واسترجعته، وعجبت من نفس عمارة، وكان عمارة لا
يذل للخلفاء وهم مواليه ويتيه عليهم.
أراد حذيفة بن بدر الفزاري، وكان سيد قيس في زمانه.
ومن ذلك:
القول لا تملكه إذا نما، كالسهم لا تملكه إذا رمى، وقال
الشاعر:
وقال
محمود الوراق:
وقال الرضي رحمه الله:
وقال أيضاً:
الأصل: كل مقتصر عليه كاف.
وقال
أيضاً:
قلت:
لحاه الله، هلا قال: بأيدي الرجال! الأصل: من لم يعط
قاعداً، لم يعط قائماً.
الأصل: الدهر يومان: يوم لك، ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر،
وإذا كان عليك فاصبر. والدهر ضربان:
حبرة وعبرة . والدهر وقتان:
وقت سرور، ووقت ثبور . أحدهما البطر بمعنى الأشر، وشدة المرح، بطر الرجل بالكسر يبطر، وقد أبطره المال، وقالوا: بطر فلان معيشته، كما قالوا: رشد فلان أمره. والثاني البطر
بمعنى الحيرة والدهش، أي إذا كان الوقت لك فلا تقطعن زمانك بالحيرة و
الدهش عن شكر الله ومكافأة النعمة بالطاعة والعبادة والمحمل الأول أوضح. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوادر حول الأسماء والكنى
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وأما تعليم الوالد الولد القرآن والأدب فمأمور به،
وكذلك القول في تسميته باسم حسن، وقد جاء في
الحديث: "تسموا بأسماء
الأنبياء"، وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن. وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة". وكان
رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم يغير بعض الأسماء، سمى أبا بكر عبد الله، وكان اسمه في
الجاهلية عبد الكعبة، وسمى ابن عوف عبد الرحمن،
وكان اسمه عبد الحارث، وسمى شعب الضلالة شعب الهدى، وسمى يثرب طيبة، وسمى بني
الريبة بني الرشدة، وبني معاوية بني مرشدة. أبو هريرة عنه عليه السلام، أنه نهى أن يجمع بين أسمه وكنيته لأحد.
قالوا:
وكلما كان الاسم غريبا كان أشهر لصاحبه وأمنع من تعلق النبز به قال رؤبة:
ومن هاهنا أخذ المعري قوله يمدح الرضي والمرتضى رحمهما الله:
وسأل النسابة البكري رؤبة عن نسبه ولم يكن يعرفه، قال: أنا ابن العجاج، قال:
قصرت وعرفت. نظر عمر إلى
جارية له سوداء تبكى فقال: ما شأنك؛ قالت: ضربني ابنك أبو عيسى، قال: أوقد تكنى بأبي عيسى! علي به،
فأحضروه، فقال: ويحك! أكان لعيسى أب فتكنى به!
أتدري ما كنئ العرب! أبو سلمة، أبو عرفطة،
أبو طلحة، أو حنظلة، ثم أدبه. لما أقبل قحطبه بن شبيب
نحو ابن هبيرة أراد ابن هبيرة أن يكتب إلى مروان بخبره، وكره أن يسميه، فقال: اقلبوا اسمه، فوجدوه هبط حق، فقال: دعوه على هيئته. نظر المأمون إلى
غلام حسن الوجه في الموكب، فقال له: يا غلام، ما اسمك؛ قال: لا أدري،
قال: أو يكون أحد لا يعرف اسمه، فقال: يا أمير
المؤمنين، اسمي الذي اعرف به "لا أدري"، فقال المأمون:
ولد لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب ولد ذكر، فبشر به وهو
عند معاوية بن أبي سفيان، فقال له معاوية، سمه باسمي ولك
خمسمائة ألف درهم، فسماه معاوية، فدفعها
إليه، وقال اشتر بها لسمي ضيعة.
قالوا:
يريد بالشوك أخواله، وهم: قتادة وطلحة
وعوسجة ، وبالأحجار أعمامه، وهم صفوان وفهر وجندل وصخر وجرول .
استأذن الجاحظ
والشكاك- وهو من المتكلمين- على رئيس، فقال
الخادم لمولاه: الجاحد والشكاك، فقال: هذان
من الزنادقة لا محالة! فصاح الجاحظ:
ويحك! ارجع قل: الحدقي بالباب- وبه كان يعرف- فقال الخادم: الحلقي بالباب، فصاح الجاحظ ويلك! ارجع إلى الجاحد.
قال محمد بن صدقة المقرئ ليموت بن المزارع: صدق الله فيك اسمك! فقال له: أحوجك الله إلى اسم أبيك.
رأى الإسكندر في عسكره رجلا لا يزال ينهزم في الحرب، فسأله عن اسمه؛ فقال: اسمي
الإسكندر، فقال!: يا هذا، إما أن تغير اسمك، وإما أن تغير فعلك. وينبغي
للداخل على الملك أن يتلطف في مراعاة الأدب، كما حكى سعيد بن مرة الكندي، دخل
على معاوية فقال!: أنت سعيد؛ فقال: أمير المؤمنين السعيد، وأنا ابن مرة.
كان
قوم من الصحابة يخاطبون رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم: "يا نبئ الله بالهمزة، فأنكر
ذلك وقال: "لست بنبئ الله، ولكنى نبي الله
". |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أخبار حول العين والطيرة والفأل والسحر والعدوى،
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقد جاء في الحديث المرفوع: "العين حق، ولو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين، إذا
استغسلتم فاغسلوا"، قالوا في تفسيره: إنهم كانوا يطلبون من العائن أن يتوضأ
بماء ثم يسقى منه المعين ويغتسل بسائرة.
وعن النبي صلى الله عليه وأله وسلم : "القيافة والطرق والطيرة من الخبث
.
وقال
أخر:
تفاءل هشام بن عبد الملك بنصر بن سيار فقلده خراسان، فبقي فيها عشر سنين.
الكميت:
وقال بعض العرب: خرجت في طلب ناقة ضلت لي، فسمعت قائلا يقول:
فلم
أتطير و مضيت لوجهي، فلقيني رجل قبيح الوجه به ما شئت من عاهة، فلم أتطير و
تقدمت فلاحت لي أكمة فسمعت منها صائحاً:
فلم
أكترث ولا انثنيت وعلوتها، فوجدت ناقتي قد تفاجت للولادة فنتجتها ، وعدت إلى
منزلي بها ومعها ولدها. وروي عنه عليه السلام أنه كان يكره أن يسافر أو يتزوج في محاق الشهر،
وإذا كان القمر في العقرب. وكانوا يكرهون قيام الخدم بالمذاب والأشربة على رؤوسهم خوفأ من
أعينهم وشدة ملاحظتهم إياهم،
وكانوا يأمرون بإشباعهم قبل أن يأكلوا، وكانوا
يقولون في الكلب والسنور إما أن يطرد أو يشغل بما يطرح له. قالوا: وقد وجدنا الرجل يضرب الحية بعصا فيموت
الضارب والحية، لآن سم الحية فصل منها حتى خالط أحشاء الضارب وقلبه، ونفذ لا
مسام جسده.
حضر عمر بن الخطاب الموسم، فصاح به صائح: يا خليفة رسول الله، فقال رجل من بني
لهب، وهم أهل عيافة وزجر: دعاه باسم ميت: مات والله أمير المؤمنين عليه السلام، فلما وقف الناس للجمار إذا حصاة صكت صلعة عمر، فادمي منها، فقال ذلك القائل: أشعر والله أمير المؤمنين، لا والله
ما يقف هذا الموقف أبداً، فقتل عمر قبل أن
يحول الحول وقال كثير بن عبد الرحمن:
كان للعرب كاهنان اسم أحدهما شق، وكان نصف إنسان، واسم الأخر سطيح،
وكان يطوى طي الحصير، ويتكلمان بكل أعجوبة في الكهانة، فقال ابن الرومي:
وقال أبو عثمان الجاحظ: كان مسيلمة قبل أن يتنبأ يدور في الأسواق التي كانت بين دور
العرب والعجم كسوق الأبله وسوق بقة وسوق الأنبار وسوق الحيرة يلتمس تعلم الحيل
والنيرنجيات واحتيالات أصحاب الرقى والعزائم والنجوم، وقد كان أحكم علم الحزاة
وأصحاب الزجر والخط، فعمد إلى بيضة فصب إليها خلا حاذقاً قاطعاً، فلانت، حتى إذا
مدها الإنسان استطالت ودقت كالعلك، ثم أدخلها قارورة ضيقة الرأس وتركها حتى
انضمت واستدارت وجمدت، فعادت كهيئتها الأول، فأخرجها إلى قوم وهم أعراب
واستغواهم بها، وفيه قيل:
قالوا:
أراد براية الشادن التي يعملها الصبي من القرطاس الرقيق، ويجعل لها ذنبا وجناحين
ويرسلها يوم الريح بخيط طويل.
وقال
أخر:
وقال
أخر:
ومثله:
وكانوا
يتفاءلون بالآس لدوامه، ويتطيرون من النرجس لسرعة انقضائه، ويسمونه الغدار، وقال
العباس بن الأحنف:
خرج كثير يريد عزة ومعه صاحب له من نهد، فرأى غراباً ساقطاً فوق
بأنة ينتف ريشه، فقال له النهدي: إن صدق الطير فقد ماتت عزة، فوافي أهلها وقد
أخرجوا جنازتها، فقال:
وقال
الشاعر:
فأما القول في السحر فإن الفقهاء يثبتونه ويقولون: فيه القود، وقد
جاء في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم سحره لبيد بن أعصم اليهودي حتى كان يخيل إليه أنه عمل
الشيء ولم يعمله. وقوم من المتكلمين ينفون هذا عنه
عليه السلام، ويقولون: إنه معصوم من مثله. وقال لمن قال: أعدي بعضها بعضاً- يعني الإبل: د
أد وسلم فمن أعدي الأول؛ وقال: "لا عدوى ولا
هامة ولا صفر"، فالعدوى معروفة، والهامة:
ما كانت العرب تزعمه في المقتول لا يؤخذ بثأره، والصفر: ما كانت العرب تزعمه من
الحية في البطن تعض عند الجوع. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أخبار حول مذاهب العرب وتخيلاتها
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وسنذكر هاهنا نكتاً ممتعة من مذاهب العرب وتخيلاتها، لأن الموضع
قد ساقنا إليه، أنشد هشام بن الكلبي لامية بن أبي الصلت:
يروى أن عيسى بن عمر قال: ما أدري معنى هذا البيت!
ويقال إن الأصمعيئ صحف فيه، فقال: "وغالت البيقورا" بالغين
المعجمة، وفسره غيره فقال: عالت بمعنى أثقلت
البقر بما حملتها من السلع والعشر، والبيقور:
البقر. وعائل: غالب، أو مثقل.
وقال أخر:
ويمكن أن يحمل تفسير الأصمعي على محمل صحيح، فيقال: غالت بمعنى أهلكت، يقال: غاله كذا و
اغتاله أي أهلكه، وغالتهم غول، يعني المنية، ومنه الغضب غول الحلم.
وقال أخر:
وقال أخر:
يعيب العرب بفعلهم هذا :
وقال بعض الأذكياء: كل أمة قد تحذو في مذاهبها مذاهب ملة أخري، وقد كانت الهند
تزعم أن البقر ملائكة، سخط الله عليها فجعلها في الأرض، وأن لها عنده حرمة،
وكانوا يلطخون الأبدان بأخثائها ، ويغسلون الوجوه ببولها ويجعلونها مهور نسائهم،
ويتبركون بها في جميع أحوالهم، فلعل أوائل العرب حذوا هذا الحذو، وانتهجوا هذا
المسلك.
وقال
نهشل بن حري:
وقال
أخر:
فإن
كان ليس إلا هذا فليس ذاك بعجيب من البقر ولا بمذهب من مذاهب العرب لأنه قد يجوز
أن تمتنع البقر من الورود حتى يرد الثور كما تمتنع الغنم من سلوك الطرق أو دخول
الذور والأخبية حتى يتقدمها الكبش أو التيس، وكالنحل تتبع اليعسوب، والكراكي
تتبع أميرها، ولكن الذي تدل عليه أشعارها أن الثور يرد ويشرب ولا يمتنع ولكن
البقر تمتنع وتعاف الماء وقد رأت الثور يشرب، فحينئذ
يضرب الثور مع إجابتبما إلى الورود فتشرب البقر عند شربه، وهذا هو العجب، قال
الشاعر:
وقال
أخر:
وقال
الأعشى:
قالوا في تفسيره: لما كان امتناعها يتعقبه الضرب، حسن
أن يقال: عافت الماء لتضرب، وهذه اللام هي لام العاقبة، كقوله: "لدوا للموت "، وعلى هذا فسر أصحابنا
قوله سبحانه: "ولقد زرانا لجهنم كثيراً من
الجن والإنس " .
وقال
بعض بني عذرة:
وقال
أخر:
وقال
جميل وظرف في قوله، ولو قاله العباس بن الأحنف لكان ظريفاً:
وقال
عويمر النبهاني وهو يؤكد قول النضر بن شميل:
ومثله
قول الأخر:
ويشبه
مذهبهم في ضرب الثور مذهبهم في العريصيب الإبل فيكوى الصحيح ليبرا السقيم. وقال
النابغة:
وقال
بعض الأعراب:
وهذا البيت
يبطل رواية من روى بيت النابغة "كذي
العر" بضم العين، لأن العر بالضم:
قرح في مشافر الإبل غير الجرب، والعر بالفتح:
الجرب نفسه، فإذا دل الشعر على أن يكوى الصحيح ليبرأ الأجرب، فالواجب أن يكون بيت النابغة "كذي العر"
بالفتح.
إلا
أن يكون إطلاق لفظ الجرب على هذا المرض المخصوص من باب المجاز لمشابهته له.
وقال
أخر:
وقال
الأخر:
وقد
ظن قوم أن بيت الفرزدق وهو:
من
هذا الباب، وليس الأمر على ذلك، وإنما أراد
بالمفقئ قوله لجرير:
وأراد
بالمعنى قوله لجرير أيضاً:
وأراد
بقوله :بيت المحتبي قوله:
وبيت
الخافقان، قوله:
فأما مذهبهم في البلية، وهي ناقة تعقل عند القبر حتى تموت،
فمذهب مشهور، والبلية أنهم إذا مات منهم كريم بلوا ناقته أو بعيره،
فعكسوا عنقها، وأداروا رأسها إلى مؤخرها، وتركوها في حقيرة لا تطعم ولا تسقى حتى
تموت، وربما أحرقت بعد موتها، وربما سلخت وملئ جلدها تماماً . وكانوا يزعمون أن من مات ولم يبل عليه حشر ماشياً، ومن كانت
له بلية حشر راكباً على بليته، قال جريبة بن الأشيم الفقعسي لابنه:
وقال
جريبة أيضاً:
وقد ذكرت في مجموعي المسمى "بالعبقري الحسان " أن أبا عبد الله الحسين بن محمد بن جعفر
الخالع رحمه الله ذكر في كتابه آراء العرب وأديانها هذه الأبيات، واستشهد بها
على ما كانوا يعتقدون في البلية، وقلت: إنه
وهم في ذلك، وإنه ليس في هذه الأبيات دلالة على هذا المعنى، ولا لها به تعلق،
وإنما هي وصية لولده أن يعقر مطيته بعد موته، إما لكيلا يركبها غيره بعده، أو
على هيئة القربان كالهدي المعقور بمكة، أو كما كانوا يعقرون عند القبور، ومذهبم
في العقر على القبور، كقول زياد الأعجم في المغيرة بن المهلب:
وقال
الأخر:
ومذهبهم في العقر على القبور مشهور، وليس في هذا الشعر ما يدل على مذهبهم في البلية، فإن ظن ظان
أن قوله: "أو يفوز راكب "، فيه إيماء إلى ذلك، فليس الأمر كما ظنه،
ومعنئ البيت ادفني بفلاة جداء مقطوعة عن الإنس، ليس بها إلا الذئب والغراب، أو
أن يعتسف راكبها المفازة وهي المهلكة، سموها مفازة على طريق الفأل. وقيل:
إنها تسمى مفازة، من فوز أي هلك، فليس في هذا البيت
ذكر البلية، ولكن الخالع أخطأ في إيراده في هذا الباب، كما أخطأ في هذا الباب
أيضا في إيراده قول مالك بن الريب:
فظن
أن ذلك من هذا الباب الذي نحن فيه، ولم يرد الشاعر ذلك، وإنما أراد لا تركبوا
راحلتي بعدي، وعطلوها بحيث لا يشاهدها أعادي واصادقي ذاهبة حائية تحت راكبها،
فيشمت العدو ويساء الصديق، وقد أخطاء الخالع في مواضع عدة من هذا الكتاب، وأورد
أشعاراً في غير موضعها، وظنها مناسبة لما هو فيه، فمنها ما ذكرناه، ومنها أنه
ذكر مذهب العرب في الحلي ووضعه على اللديغ، واستشهد عليه بقول الشاعر:
ولا
وجه لإيراد هذا البيت في هذا الموضع، فالعداد معاودة السم الملسوع لا كل سنة في
الوقت الذي لدغ فيه، وليس هذا من باب الحلي بسبيل ومن ذلك إيراده قول الفرزدق
"غلبتك بالمفقئ" في باب فقء عيون الفحول، إذا بلغت الإبل ألفاً، وقد
تقدم شرحنا لموضع الوهم في ذلك. وسنذكر هاهنا كثيراً من المواضع التي وهم فيها
إن شاء الله.
وقال
عويم النبهاني:
ومن
تخيلات العرب ومذاهبها ما حكاه ابن الأعرابي، قال: كانت العرب إذا نفرت الناقة
فسميت لها أمها سكنت من النفار، قال الراجز:
علكم:
اسم عبد له، وإنما سأل عبده ترفعاً أن يعرف اسم أمها، لأن العبيد بالإبل أعرف،
وهم رعاتها.
ومما كانت العرب كالمجتمعة عليه الهامة، وذلك أنهم كانوا يقولون: ليس من ميت يموت ولا قتيل يقتل، إلا
ويخرج من رأسه هامة، فإن كان قتل ولم يؤخذ بثأره نادت الهامة على قبره: اسقوني،
فإني صدية، وعن هذا قال النبي صلى الله عليه وأله وسلم :
"لا هامة".
وقال أبو دواد الأيادي:
وقال بعضهم لابنه:
يقول له: لا تترك ثأري إن قتلت، فإنك إن تركته صاحت هامتي: اسقوني، فإن كل صدى- وهو هاهنا العطش- بأبيك،
وتلك التي تبيض منها الذوائب، لصعوبتها وشدتها، كما
يقال: أمر يشيب رأس الوليد، ويحتمل أن يريد به صعوبة الأمر عليه، وهو
مقبور إذا لم يثأر به، ويحتمل أن يريد به صعوبة الأمر على ابنه، يعني أن ذلك عار
عليك، وقال ذو الإصبع:
وقال
أخر:
ويحتمل
هذا البيت أن يكون خارجاً عن هذا المعنى الذي نحن فيه، وأن يكون ري هامته الذي
طلبه من ربه هو وصال ليلى وهما في الدنيا. وهم يكنون عما يشفيهم بأنه يروي
هامتهم.
وقال
توبة بن الحمير :
وقال
قيس بن الملؤح، وهو المجنون:
وقال
حميد بن ثور:
ومما أبطله الإسلام قول العرب بالصفر، زعموا أن في البطن حية إذا جاع الإنسان عضت
على شرسوفه وكبده، وقيل: هو الجوع بعينه، ليس أنها تعض بعد حصول الجوع، فأما لفظ
الحديث: "لا عدوى ولا هامة ولا صفر ولا غول "، فإن أبا عبيدة معمر بن المثنى قال: هو صفر الشهر
الذي بعد المحرم، قال: نهى عليه السلام عن
تأخيرهم المحرم إلى صفر، يعنى ما كانوا يفعلونه من المسيء، ولم يوافق أحد من
العلماء أبا عبيدة على هذا التفسير، وقال الشاعر :
وقال
بعض شعراء بني عبس يذكر قيس بن زهير لما هجر الناس وسكن الفيامي وانس بالوحش، ثم
رأى ليلة ناراً فعشا إليها، فشم عندها قتار اللحم ، فنازعته شهوته، فغلبها
وقهرها، ومال إلى شجرة سلم فلم يزل يكدمها ويأكل من
خبطها إلى أن مات:
وقوله:
"بالهوى" اسم موضع بعينه. وقال
أبو النجم العجلي:
وقال
أخر:
ومن خرافات العرب أن الرجل منهم كان إذا أراد دخول قرية فخاف
وباءها أو جنها، وقف على بابها، قبل أن يدخلها فنهق نهيق الحمار، ثم علق عليه كعب
أرنب، كأن ذلك عوذة له ورقية من الوباء والجن، ويسمون هذا النهيق التعشير، قال شاعر هم:
وقال
الهيثم بن عدي: خرج عروة بن الورد إلى خيبر في رفقة ليمتاروا، فلما قربوا منها
عشروا، وعاف عروة أن يفعل فعلهم، وقال:
الولوع بالضم:
الكذب، ولع الرجل إذا كذب، فيقال إن رفقته مرضوا ومات بعضهم، ونجا عروة من الموت
والمرض.
ويشابه
هذا أن الرجل منهم كان إذا ضل في فلاة قلب قميصه، وصفق بيديه كأنه يومئ بهما إلى
إنسان فيهتدي، قال أعرابي:
وقال
أبو العملس الطائي:
والأصل
في قلب الثياب التفاؤل بقلب الحال، وقد جاء في
الشريعة الإسلامية نحو ذلك في الاستسقاء.
وقال أخر:
وقال أخر:
وقال
أخر:
وقال
أخر:
وقد
كانوا يعقدون الرتم للحمى، ويرون أن من حلها انتقلت الحمى إليه، وقال الشاعر:
وقال
إن السكيت: إن العرب كانت تقول: إن المرأة المقلات وهي التي لا يعيش لها ولد،
إذا وطئت القتيل الشريف عاش ولدها، قال بشر بن أبي خازم:
وقال
أبو عبيدة: تتخطاه المقلاة سبع مرات، فذلك وطؤها له.
وقال
الأخر:
وقال
الأخر:
وقال
أخر:
ومن تخيلات العرب وخرافاتها، أن الغلام منهم كان إذا سقطت له سن
أخذها بين السبابة والإبهام وأستقبل الشمس إذا طلعت وقذف بها، وقال: يا شمس
أبدليني بسن أحسن منها، وليجر في ظلمها آياتك، أو تقول: "إياؤك "،
وهما جميعاً شعاع الشمس، قال طرفة:
وإلى
هذا الخيال أشار شاعر هم بقوله:
وقال
أخر:
وقال
أخر:
والناس
اليوم في صبيانهم على هذا المذهب.
وقال
عبد الله بن الزبير الأشدي:
وقال الكميت:
ومن تخيلات العرب أنهم كانوا إذا خافوا على الرجل الجنون وتعرض
الأرواح الخبيثة له نجسوه بتعليق الأقذار عليه، كخرقة الحيض وعظام الموتى،
قالوا: وأنفع من ذلك أن تعلق عليه طامث عظام موتى، ثم لا يراها يومه ذلك،
وأنشدوا للممزق العبدي:
قالوا:
والتنجيس يشفي إلا من العشق، قال أعرابي:
وقالت
امرأة- وقد نجست ولدها فلم ينفعه ومات:
وكان
أبو مهدية يعلق في عنقه العظام والصوف حذر الموت، وانشدوا:
ومن مذاهبهم أن
الرجل منهم كان إذا خدرت رجله ذكر من يحب أو دعاه فيذهب خدرها.
وقال
كثير:
وقال
جميل:
وقالت امرأة:
وقال أخر:
وقال المؤمل:
وقال الوليد بن يزيد:
ونظير هذا الوهم أن الرجل منهم كان إذا اختلجت عينه قال: أري من احبه، فإن كان غائباً توقع
قدومه، وإن كان بعيداً توقع قربه.
وقال أخر:
وقال أخر:
وهذا الوهم باق في الناس اليوم.
وقال أخر:
واستشهد
الخالع على هذا المعنى بقول كثير:
هذا البيت ليس بصريح في هذا الباب، ويحتمل أن يكون مراده فيه المعنى المشهور المطروق بين الشعر
من ذكر حرارة الوجد ولذعه، وتشبيهه بالنار، إلا أنه قد روى في كتابه خبرا ًيؤكد
المقصد الذي عزاه وادعاه، وهو عن محمد بن سليمان بن فليح، عن أبيه، عن جده، قال:
كنت عند عبد الله بن جعفر، فدخل عليه كثير وعليه أثر علة، فقال عبد الله: ما هذا
بك؛ قال: هذا ما فعلت بي أم الحويرث، ثم كشف عن ثوبه وهو مكوي، وأنشد:
ومن أوهامهم وتخيلاتهم أنهم كانوا يزعمون أن الرجل إذا أحب امرأة
وأحبته فشق برقعها، وشقت رداءه، صلح حبهما ودام، فإن لم يفعلا ذلك فسد حبهما،
قال سحيم عبد بني الحسحاس:
وقال
أخر:
ومن مذاهبهم انهم
كانوا يرون أن أكل لحوم السباع تزيد في الشجاعة والقوة،
وهذا مذهب طب والأطباء يعتقدونه، قال بعضهم:
وقال
بعض الأعراب- وأكل فؤاد الأسد ليكون شجاعاً- فعدا عليه نمر فجرحه:
وقال
أخر:
ومن مذاهبهم
أن صاحب الفرس المهقوع إذا ركبه فعرق تحته اغتلمت امرأته وطمحت إلى غيره،
وألهقعة: دائرة تكون بالفرس، وربما كانت على الكتف في الأكثر، وهي مستقبحة
عندهم، قال بعضهم لصاحبه:
فأجابه
صاحبه:
ومن مذاهبهم أنهم كانوا يوقدون النار خلف المسافر الذي لا يحبون رجوعه، يقولون
في دعائهم. أبعده الله واسحقه، وأوقد ناراً أثره! قال بعضهم:
وكانوا إذا خرجوا إلى الأسفار أوقدوا ناراً بينهم وبين المنزل
الذي يريدونه، ولم يوقدوها بينهم وبين المنزل
الذي خرجوا منه تفاؤلا بالرجوع إليه.
والخماطة:
شجرة، والعشيرة: تصغير العشرة، وهي شجرة أيضاً.
والسمرة
شيء يسيل من السمر كدم الغزال، وكانت العرب إذا ولدت المرأة أخذوا من دم السمر-
وهو صمغه الذي يسيل منه- ينقطونه بين عيني النفساء، وخطوا على وجه الصبي خطاً،
ويسمى هذا الصمغ السائل من السمر الدودم، ويقال بالذال المعجمة أيضاً، وتسمى هذه
الأشياء التي تعلق على الصبي: النفرات.
قال:
يريد أن القنفذ من مراكب الجن، فداوى منهم ولده بمراكبهم.
وقال
أخر:
وقال
أخر:
وقال
أخر:
وقال
أخر:
ومن مذاهبهم أن المسافر إذا خرج من بلده إلى أخر فلا ينبغي له أن
يلتفت، فإنه إذا ألتفت عاد، فلذلك لا يلتفت إلا العاشق الذي يريد العود، قال
بعضهم:
وقال
أخر، أنشده الخالع:
هذان
البيتان ذكرهما الخالع في هذا الباب، وعندي أنه لا دلاله فيهما على ما أراد، لأن
التلفت في أشعارهم كثير، ومرادهم به الإبانة والإعراب عن كثرة الشوق، والتأسف
على المفارقة، وكون الراحل عن المنزل حيث لم يمكنه المقام فيه بجثمانه يتبعه
بصره، ويتزود من رؤيته، كقول الرضي رحمه الله:
وليس
يقصد بالتلفت هاهنا التفاؤل بالرجوع إليها، لأن رسومها قد صارت نهبا ليد البلى،
فأي فائدة في الرجوع إليها! وإنما يريد ما قدمنا ذكره من الحنين والتذكر لما مضى
من أيامه فيها، وكذلك قول الأول:
ومثل
ذلك كثير، وقال بعضهم في المذهب الأول:
وقال
أخر، وقد طلق امرأته فتلفتت إليه:
ومن مذاهبهم:
إذا بثرت شفة الصبي حمل منخلًا على رأسه، ونادى بين بيوت الحي: الحلا الحلا،
الطعام الطعام، فتلقي له النساء كسر الخبز وأقطاع التمر واللحم في المنخل، ثم
يقلي ذلك للكلاب فتأكله فيبرأ من المرض، فإن أكل صبي من الصبيان من ذلك الذي
ألقاه للكلاب تمرة و لقمة أو لحمة أصبح وقد بثرت شفته. وانشد لامرأة:
ومن مذاهبهم
أن الرجل منهم كان إذا طرفت عينه بثوب أخر مسح الطارف عين المطروف سبع مرات،
يقول في الأولى: بإحدى جاءت من المدينة، وفي الثانية باثنتين جاءتا من المدينة،
وفي الثالثة بثلاث جئن من المدينة، إلى أن يقول في السابعة: بسبع جئن من
المدينة، فتبرا عين المطروف.
وقال
أخ :
وقال
أخر:
ومن مذاهبهم
كانوا إذا رحل الضيف أو غيره عنهم وأحبوا ألا يعود كسروا شيئا من الأواني وراءه،
وهذا مما تعمله الناس اليوم أيضاً، قال بعضهم:
وقال
أخر:
وقال
أخر:
ومن
مذاهبهم قولهم: إن من ولد في القمراء تقلصت غرلته فكان كالمختون. ويجوز عندنا أن
يكون ذلك من خواص القمر، كما أن من خواصه إبلاء الكتان، وإنتان اللحم، وقد روي
عن أمير المؤمنين عليه السلام: إذا رأيت الغلام طويل الغرلة فأقرب به من السؤدد،
وإذا رأيته قصير الغرلة كأنما ختنه القمر فأبعد به.
ومن
مذاهبهم التشاؤم بالعطاس، قال امرؤ القيس:
وقال
أخر:
ومن
مذاهبهم قولهم في الدعاء: لا عشت إلا عيش القراد! يضربونه مثلاً قي الشدة والصبر
على المشقة، ويزعمون أن القراد يعيش ببطنه عاماً وبظهره عاماً، ويقولون: إنه
يترك في طينه ويرمى بها الحائط فيبقى سنة على بطنه، وسنة على ظهره ولا يموت، قال
بعضهم:
ومن مذاهبهم كانت
النساء إذا غاب عنهن من يحببنه أخذن تراباً من موضع رجله كانت العرب تزعم أن ذلك
أسرع لرجوعه.
وقالت
امرأة:
ومن مذاهبهم،
أنهم كانوا يسمون العشا في العين الهدبد، وأصل الهدبد، اللبن الخاثر، فإذا أصاب
أحدهم ذلك عمد إلى سنام فقطع منه قطعة ومن الكبد قطعة، وقلاهما، وقال عند كل
لقمة يأكلها بعد أن يمسح جفنه الأعلى بسبابته:
قال:
فيذهب العشا بذلك. ومن مذاهبهم
اعتقادهم أن الورل والقنفذ والأرنب والظبي واليربوع والنعام مراكب الجن
يمتطونها، ولهم في ذلك أشعار مشهورة، ويزعمون أنهم يرون الجن ويظاهرونهم
ويخاطبونهم، ويشاهدون الغول، وربما جامعوها وتزوجوها، وقالوا:
إن عمرو بن يربوع تزوج الغول وأولدها بنين، ومكثت عنده دهراً، فكانت تقول له:
إذا لاح البرق من جهة بلادي- وهي جهة كذا- فاستره عني، فإني إن لم تستره عني
تركت ولدك عليك، وطرت إلى بلاد قومي، فكان عمرو بن
يربوع كلما برق البرق غطى وجهها بردائه فلا تبصره، وإلى هذا المعنى أشار أبو العلاء المعري في قوله يذكر الإبل وحنينها إلى
البرق:
قالوا:
فغفل عمرو بن يربوع عنها ليلة وقد لمع البرق فلم يستر وجهها، فطارت وقالت له وهي
تطير:
ومنهم من يقول: ركبت بعيراً وطارت عليه- أي أسرعت- فلم يدركها. وعن هذا قال
الشاعر:
قال: فبنو عمرو بن يربوع إلى اليوم يدعون بني السعلاة، ولذلك قال الشاعر يهجوهم:
فأبدل السين تاء، وهي
لغة قوم من العرب ومن مذاهبهم في الغول قولهم؛ إنها
إذا ضربت ضربةً واحدة بالسيف هلكت، فإن ضربت ثانية عاشت، وإلى هذا المعنى أشار
الشاعر بقوله:
وكانت العرب تسمي أصوات الجن العزيف وتقول: إن الرجل إذا قتل قنفذاً أو ورلاً لم
يأمن الجن على فحل إبله، وإذا أصاب إبله خطب أو بلاغ حمله على ذلك، ويزعمون أنهم
يسمعون الهاتف بذلك، ويقولون مثله في الجان من الحيات، وقتله عندهم عظيم.
وقال أبو عثمان أيضاً في الذين يذكرون عزيف الجن وتغول الغيلان: إن أثر هذا الأمر وابتداء هذا الخيال
أن القوم لما نزلوا بلاد الوحش عملت فيهم الوحشة، ومن انفرد وطال مقامه في
البلاد الخلاء استوحش، ولا سيما مع قلة الأشغال وفقد المذاكرين، والوحدة لا تقطع
أيامها إلا بالتمني والأفكار، وذلك أحد أسباب
الوسواس .
ومن
الشعر المنسوب إلى الجن:
وقال
أعرابي يكذب بذلك:
ومن
أشعارهم وأحاديثهم في رواية الجن وخطابهم وهتافهم ما
رواه أبو عثمان الجاحظ لسمير بن الحارث الضبي:
ويزعمون أن عمير بن ضبيعة رأى غلماناً ثلاثة يلعبون نهاراً، فوثب غلام منهم فقام على
عاتقي صاحبه، ووثب الأخر، فقام على عاتقي الأعلى منهما، فلما رآهم كذلك حمل
عليهم فصدمهم فوقعوا على ظهورهم وهم يضحكون، فقال عمير بن ضبيعة: فما مررت يومئذ
بشجرة إلا وسمعت من تحتها ضحكاً، فلما رجع إلى منزله مرض أربعة أشهر.
والذين
يروون هذا الشعر لتأبط شراً يروون أوله:
وقال
البهراني:
وقال الجاحظ: أصدقها الخمر لطيب ريحها، والغزال! لأنه من مراكب الجن. وقال أبو عبيدة بن أيوب العنبري أحد لصوص العرب:
ومن
هذه الأبيات:
وهذا الشعر من جيد شعر العرب، وإنما كان غرضنا منه متعلقاً بأوله، وذكرنا سائره لما فيه
من الأدب.
وقال أيضاً:
وقال أيضاً:
وقال
أيضا:
وقال
البهراني في قتل الغول:
وقال أيضاً،
يزعم أنه لما ثنى عليها الضرب عاشت:
وقال تأبط شراً يصف الغول ويذكر أنه راودها عن نفسها فامتنعت عليه فقتلها:
ومن أعاجيبهم أنهم
كانوا إذا طالت علة الواحد منهم وظنوا أن به مسا من الجن، لأنه قتل حية أو
يربوعاً أو قنفذاً، عملوا جمالاً من طين، وجعلوا عليها جوالق ، وملئوها حنطة
وشعيراً وتمرا، وجعلوا تلك الجمال في باب جحر إلى جهة المغرب وقت غروب الشمس،
وباتوا ليلتهم تلك، فإذا أصبحوا نظروا إلى تلك الجمال الطين، فإن رأوا أنها
بحالها قالوا: لم تقبل الدية، فزادوا فيها، وإن رأوها قد تساقطت وتبدد ما عليها
من الميرة قالوا: قد قبلت الدية، واستدلوا على شفاء المريض وضربوا بالدف، قال
بعضهم:
وقال
أخر:
وقال
أخر:
وكانوا إذا غم عليهم أمر الغائب ولم يعرفوا له خيرا جاؤوا إلى
بئر عادية أو حفر قديم ونادوا فيه: يا فلان، أو يا أبا فلان، ثلاث مرات، ويزعمون أنه إن كان
ميتاً لم يسمعوا صوتا، وإن كان حياً سمعوا صوتاً ربما توهموه وهماً، أو سمعوه من
الصدى، فبنوا عليه عقيدتهم، قال بعضهم:
وقال:
وقال
أخر:
وقال
أخر:
و
قال أخر:
أقوى
في البيت الثاني، وسكن "نضب " ضرورةً كما قال:
ومن أعاجيبهم أنهم كانوا في الحرب ربما أخرجوا النساء فيبلن بين الصفين، يرون أن ذلك يطفئ نار
الحرب ويقودهم إلى السلم، قال بعضهم:
وقال
أخر:
وقال
أخر:
وهذان البيتان يمكن أن يراد بهما أن النساء يبلن خيفة وذعراً، لا
على المعنى الذي نحن في ذكره، فإذن لا يكون فيهما دلالة على المراد.
وقال
أخر:
فأما
ذكرهم عزيف الجن في المفاوز والسباسب فكثير مشهور،
كقول بعضهم:
وقال
أخر:
وقال
الأعشى:
وقال:
وقال
أخر:
وقال الشرقي بن القطامي: كان رجل من كلب- يقال له عبيد
بن الحمارس- شجاعاً، وكان نازلا بالسماوة أيام الربيع، فلما حسر الربيع،
وقل ماؤه، وأقلعت أنواؤه، تحمل إلى وادي تبل، فرأى روضة وغديراً، فقال: روضة
وغدير، وخطب يسير، وأنا لما حويت مجير، فنزل هناك، وله امرأتان: اسم إحداهما
الرباب، والأخرى خولة، فقالت له خولة:
وقالت له الرباب:
فقال
مجيبا لهما:
ثم
صعد إلى جبل تبل فرأى شيهمة- وهي الأنثى من القنافذ- فرماها فأقعصها ومعها
ولدها، فارتبطه، فلما كان الليل هتف به هاتف من الجن:
فأجابه
ابن الحمارس:
فأجابه
الجني:
فأجابه
ابن الحمارس:
قال: فسمعهما شيخ من الجن، فقال: لا والله لا نرى قتل إنسان مثل هذا ثابت القلب ماضي
العزيمة، فقام ذلك الشيخ وحمد الله تعالى ثم أنشد:
فأجابه
ابن الحمارس:
ثم
غرم للجن لقوحاً متبعاً للقنفذ وولدها. وهذه
الحكاية وإن كانت كذباً إلا أنها تتضمن أدباً، وهي من طرائف أحاديث العرب
فذكرناها لأدبها وإمتاعها، ويقال: إن الشرقي بن القطامي كان يصنع أشعاراً
وينحلها غيره.
وقال
حسان بن ثابت:
وكانوا يزعمون أن اسم شيطان الأعشى مسحل واسم شيطان المخبل عمرو.
وقال
أخر:
وقال
الفرزدق يصف قصيدته:
وقال
أبو النجم :
وأنشد
الخالع فيما نحن فيه لبعض الرجاز:
وهذا
لا يدل على ما نحن بصدده من أمر الشعر وإلقائه إلى الإنسان، فلا وجه لإدخاله في
هذا الموضع.
وقد
يذر على الحية المقتولة يسير رماد، ويقال لها: قتلك العين فلا ثأر لك، وفي
أمثالهم لمن ذهب دمه هدراً: هو قتيل العين، قال الشاعر:
فأما
مذهبهم في الخرزات والأحجار والرقى والعزائم فمشهور، فمنها السلوانة- ويقال
السلوة- وهي خرزة يسقى العاشق منها فيسلو في زعمهم، وهي بيضاء شفافة، قال
الراجز:
السلوان:
جمع سلوانة.
وقال
أخر:
أي
سلوت عن السلوة واشتد بي العشق ودام. وقال الشمردل:
ومن
خرزاتهم الهنمة تجتلب بها الرجال وتعطف بها قلوبهم، ورقيتها: أخذته بالهنمه،
بالليل زوج وبالنهار أمه.
وقيل:
الدردبيس خرزة سوداء يتحبب بها النساء إلى بعولتهن، توجد في القبور العادية،
ورقيتها: أخذته بالدردبيس، تدر العرق اليبيس، وتذر الجديد كالدريس، وأنشد:
واضل
الدردبيس الداهية، ونقل إلى هذه لقوة تأثيرها.
وهي
من خرز الضرائر، إذا لبستها المرأة مال إليها بعلها دون ضرتها. ومنها كرار،
مبنية على الكسر، وزقيتها: يا كرار كريه، إن اقبل فسريه، وإن أدبر فضريه، من
فرجه إلى فيه.
ومنها الوجيهة،
وهي كالخصمة حمراء كالعقيق. ومنها العطفة،
خرزة العطف، والكحلة، خرزة سوداء تجعل على الصبيان لدفع العين عنهم، والقبلة
خرزة بيضاء تجعل في عنق الفرس من العين، والفطسة خرزة يمرض بها العدو ويقتل،
ورقيتها: أخذته بالفطسة، بالثوباء والعطسة، فلا يزال في تعسة، من أمره ونكسة،
حثى يزور رمسه.
و
قال أخر:
وقال
أخر يخاطب امرأته:
هذا
الرجز أورده الخالع في هذا المعرض، وهو بأن يدل على عكس هذا المعنى أولى، لأن قوله: "لن يدفع المقدار بالرقى، ولا
بالتهاويل على الجن كلام يشعر بأن قذف الحصاة والنواة خلفه كالعوذة له، لا كما
تفعله الفارك التي تتمنى الفراق. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفهرس ج 19باب المختار من الخطب والأوامر
- ابن ابي الحديد.. 2 بعض ما قيل في الفقر والغنى.. 69 بعض ما قيل في الوعد والمطل، 74 بعض ما قيل في حال الدنيا وصروفها 85 بعض ما ورد في الجود والبخل، 95 نوادر حول الأسماء والكنى.. 113 أخبار حول العين والطيرة والفأل
والسحر والعدوى، 115 أخبار حول مذاهب العرب وتخيلاتها 120 |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
19باب المختار من الخطب والأوامر - ابن ابي الحديد
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بسم
الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
إنما المرء في الدنيا غرض تنتضل فيه المنايا، ونهب تبادره المصائب، ومع كل جرعة
شرق، وفي كل أكلة غصص، ولا ينال العبد نعمة إلا
بفراق أخرى، ولا يستقبل يوماً من عمره إلا بفراق آخر من أجله، فنحن أعوان
المنون، وأنفسنا نصب الحتوف، فمن أين نرجو البقاء؟ وهذا الليل والنهار لم يرفعا
من شيء شرفاً، إلا أسرعا الكرة في هدم ما بنيا، وتفريق ما جمعا! الشرح: قد سبق من هذا الكلام في أثناء خطبته عليه السلام، وقد
ذكرنا نحن أشياء كثيرة في الدنيا وتقلبها بأهلها. والنهب: المال
المنهوب غنيمة، وجمعه نهاب. قوله: " فنحن أعوان المنون "، لأنا نأكل، ونشرب، ونجامع، ونركب
الخيل، والإبل، ونتصرف في الحاجات والمآرب، والموت
إنما يكون بأحد هذه الأسباب، إما من أخلاط تحدثها المآكل والمشارب، أو من
سقطة يسقط الإنسان من دابة هو راكبها، أو من ضعف يلحقه من الجماع المفرط، أو
لمصادمات واصطكاكات تصيبه عند تصرفه في مآربه وحركته وسعيه، ونحو ذلك، فكأنا نحن أعنا الموت على أنفسنا.
وعاد الحسن البصري عبد الله بن الأهتم في مرضه
الذي مات فيه، فأقبل عبد الله يصرف بصره إلى صندوق في جانب البيت، ثم قال للحسن: يا أبا سعيد، فيه مائة ألف لم يؤد
منها زكاة، ولم توصل بها رحم، قال الحسن:
ثكلتك أمك! فلم أعددتها؟ قال: لروعة الزمان،
ومكاثرة الإخوان، وجفوة السلطان. ثم التفت فقال: أيها الوارث، كل هنيئاً، فقد أتاك هذا المال
حلالاً، فلا يكن عليك وبالاً، أتاك ممن كان له جموعاً منوعاً، يركب فيه لجج
البحار، ومفاوز القفار، من باطل جمعه، ومن حق منعه، لم ينتفع به في حياته، وضره
بعد وفاته، جمعه فأوعاه، وشده فأوكاه إلى يوم القيامة، يوم ذي حسرات، وإن أعظم الحسرات أن ترى مالك في ميزان غيرك، بخلت بمال
أوتيته من رزق الله أن تنفقه في طاعة الله، فخزنته لغيرك، فأنفقه في مرضاة ربه،
يا لها حسرة لا تقال، ورحمة لا تنال! إنا لله وإنا إليه راجعون! الأصل: إن للقلوب شهوةً وإقبالاً، وإدباراً، فأتوها
من قبل شهوتها وإقبالها، فإن القلب إذا أكره عمي. الشرح: قد تقدم القول في الغضب مراراً، وهذا الفصل فصيح لطيف
المعنى، قال: لا سبيل لي إلى شفاء غيظي عند غضبي، لأني إما أن أكون قادراً على
الانتقام فيصدني عن تعجيله قول القائل: لو غفرت لكان أولى! وإما ألا أكون قادراً
على الانتقام فيصدني عنه كوني غير قادر عليه، فإذن لا سبيل لي إلى الإنتقام عند
الغضب. الشرح: قد سبق القول في مثل هذا، وأن الحسن
البصري مر على مزبلة، فقال: انظروا
إلى بطهم ودجاجهم وحلوائهم وعسلهم وسمنهم، والحسن إنما أخذه من كلام أمير
المؤمنين عليه السلام، وقال ابن وكيع في قول
المتنبي:
إنه أراد:
لو أفكر في حاله وهو في القبر، وقد تغيرت محاسنه، وسالت عيناه، قال: وهذا مثل قولهم:
لو أفكر الإنسان فيما يئول إليه الطعام لعافته نفسه. الأصل: لم يذهب من مالك
ما وعظك. وقيل لعالم فقير بعد أن كان غنياً: أين مالك؟ قال:
تجرت فيه فابتعت به تجربة الناس والوقت، فاستفدت أشرف العوضين.
الأصل: وقال عليه السلام لما سمع قول الخوارج: لا حكم
إلا لله، كلمة حق يراد بها باطل. الشرح:
معنى قوله سبحانه: "إن
الحكم إلا لله"، أي إذا أراد شيئاً من أفعال نفسه فلا بد من وقوعه،
بخلاف غيره من القادرين بالقدرة فإنه لا يجب حصول مرادهم إذا أرادوه، ألا ترى ما
قبل هذه الكلمة: "يا بني لا تدخلوا من باب
واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله
" خاف عليهم من الإصابة بالعين
إذا دخلوا من باب واحد، فأمرهم أن يدخلوا من أبواب
متفرقة، ثم قال لهم: "وما أغني عنكم من الله من شيء"، أي إذا
أراد الله بكم سوءاً لم يدفع عنكم ذلك السوء ما أشرت به عليكم من التفرق، ثم قال: "إن الحكم إلا
لله" أي ليس حي من الأحياء ينفذ
حكمه لا محالة ومراده لما هو من أفعاله إلا الحي القديم وحده، فهذا هو معنى هذه
الكلمة، وضلت الخوارج عندها فأنكروا على أمير المؤمنين عليه السلام
موافقته على التحكيم، وقالوا، كيف
يحكم وقد قال الله سبحانه: "إن الحكم إلا
لله"، فغلطوا لموضع اللفظ المشترك،
وليس هذا الحكم هو ذلك الحكم، فإذن هي كلمة حق يراد بها
باطل، لأنها حق على المفهوم الأول، ويريد بها الخوارج نفي كل ما يسمى حكماً إذا
صدر عن غير الله تعالى، وذلك باطل، لأن الله تعالى قد أمضى حكم المخلوقين في
كثير من الشرائع، الأصل: وقال
عليه السلام في صفة الغوغاء: هم الذين إذا اجتمعوا غلبوا، وإذا تفرقوا لم
يعرفوا. فقال عليه السلام: يرجع أهل المهن إلى مهنهم، فينتفع الناس بهم، كرجوع البناء
إلى بنائه، والنساج إلى منسجه، والخباز إلى مخبزه. وكان يقال:
العامة كالبحر إذا هاج أهلك راكبه. وقال بعضهم:
لا تسبوا الغوغاء فإنهم يطفئون الحريق، وينقذون الغريق، ويسدون البثوق.
الأصل: إن مع كل إنسان ملكين يحفظانه، فإذا
جاء القدر خليا بينه وبينه، وإن الأجل جنة حصينة. الشرح: قد
تقدم هذا، وقلنا: إنه
ذهب كثير من الحكماء هذا المذهب، وإن لله تعالى ملائكة موكلة تحفظ البشر
من التردي في بئر، ومن إصابة سهم معترض في طريق، ومن رفس دابة، ومن نهش حية، أو
لسع عقرب، ونحو ذلك. والشرائع أيضاً قد وردت بمثله وإن الأجل جنة، أي درع، ولهذا في علم الكلام مخرج صحيح، وذلك لأن أصحابنا يقولون: إن الله تعالى إذا علم
أن في بقاء زيد إلى وقت كذا لطفاً له أو لغيره من المكلفين صد من يهم بقتله عن
قتله بألطاف يفعلها تصده عنه أو تصرفه عنه بصارف، أو يمنعه عنه بمانع، كي لا
يقطع ذلك الإنسان بقتل زيد الألطاف التي يعلم الله أنها مقربة من الطاعة، ومبعدة
من المعصية لزيد أو لغيره، فقد بان أن الأجل على هذا التقدير جنة حصينة لزيد، من
حيث كان الله تعالى باعتبار ذلك الأجل مانعاً من قتله وإبطال حياته، ولا جنة
أحصن من ذلك.
وإنما
تشركاني في القوة والاستعانة أي إذا قوي أمري وأمر الإسلام بي قويتما أنتما
أيضاً، وإذا عجزت عن أمر، أو تأود علي أمر- أي اعوج- كنتما عونين لي ومساعدين
على إصلاحه. وقال لرجل في جنازة: أترى هذا الميت لو عاد إلى الدنيا لكان يعمل عملاً صالحاً؟
قال: نعم، قال: فإن لم يكن ذلك فكن أنت ذاك.
وقد سبق منا كلام طويل في الشكر.
الأصل: كل وعاء يضيق بما جعل فيه، إلا وعاء العلم فإنه
يتسع به. الشرح:
هذا الكلام تحته سر عظيم، ورمز إلى معنى شريف غامض، ومنه أخذ مثبتو النفس
الناطقة الحجة على قولهم، ومحصول ذلك أن القوى الجسمانية يكلها ويتعبها تكرار
أفاعيلها عليها، كقوة البصر تتعبها تكرار إدراك المرئيات، حتى ربما أذهبها
وأبطلها أصلاً، وكذلك قوة السمع يتعبها تكرار الأصوات عليها، وكذلك غيرها من
القوى الجسمانية، ولكنا وجدنا القوة العاقلة بالعكس من ذلك، فإن الإنسان كلما
تكررت عليه المعقولات ازدادت قوته العقلية سعةً وانبساطاً واستعداداً لإدراك
أمور أخرى غير ما أدركته من قبل، حتى كان تكرار المعقولات عليها يشحذها ويصقلها،
فهي إذن مخالفة في هذا الحكم للقوى الجسمانية، فليست منها، لأنها لو كانت منها
لكان حكمها حكم واحد من أخواتها، وإذا لم تكن جسمانية فهي مجردة، وهي التي
نسميها بالنفس الناطقة. قلت: الفهم ههنا
هو معرفة المقدمات، ولا بد أن يستعقب معرفة المقدمات معرفة النتيجة، فمعرفة
النتيجة هو العلم، فكأنه قال: من اعتبر تنور قلبه بنور الله تعالى ومن تنور قلبه
عقل المقدمات البرهانية، ومن عقل المقدمات البرهانية علم النتيجة الواجبة عنها،
وتلك هي الثمرة الشريفة التي في مثلها يتنافس المتنافسون. وأصحابنا
يقولون: إنه وعد بإمام يملك الأرض ويستولي على الممالك،
ولا يلزم من ذلك أنه لا بد أن يكون موجوداً، وإن كان غائباً إلى أن يظهر، بل يكفي في صحة هذا الكلام أن يخلق في آخر الوقت. فإنهم الذين
أزالوا ملك بني أمية، وهم بنو هاشم، وبطريقهم عطفت الدنيا على بني عبد المطلب
عطف الضروس. وتقول الزيدية:
إنه لا بد من أن يملك الأرض فاطمي يتلوه جماعة من
الفاطميين على مذهب زيد، وإن لم يكن أحد
منهم الآن موجوداً. وكم من عقل أسير عند هوى
أمير! ومن التوفيق حفظ التجربة، والمودة قرابة مستفادة، ولا تأمنن ملولاً. والفدام:
خرقة تجعل على فم الإبريق، فشبه الحلم بها، فإنه يرد السفيه عن السفه كما يرد
الفدام الخمر عن خروج القذى منها إلى الكأس.
وقد سبق القول في الاستشارة، وأن المستغني برأيه مخاطر، وكذلك القول في الصبر. والمناضلة:
المراماة.
الأصل: عجب المرء بنفسه أحد حساد عقله.
وقال الشاعر:
وكان يقال: أغض عن الدهر وإلا صرعك. وقال
تعالى: "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من
حولك"، وأصل هذه الكلمة مطابق للقواعد الحكمية، أعني الشجرة ذات
الأغصان حقيقة، وذلك لأن النبات كالحيوان في القوى النفسانية، أعني الغاذية
والمنمية، وما يخدم الغاذية من القوى الأربع، وهي الجاذبة، والماسكة، والدافعة،
والهاضمة، فإذا كان اليبس غالباً على شجرة كانت أغصانها أخف، وكان عودها أدق،
وإذا كانت الرطوبة غالبة كانت أغصانها أكثر، وعودها أغلظ، وذلك لاقتضاء اليبس
الذبول، واقتضاء الرطوبة الغلظ والعبالة والضخامة، ألا
ترى أن الإنسان الذي غلب اليبس على مزاجه، لا يزال مهلوساً نحيفاً، والذي غلبت
الرطوبة عليه لا يزال ضخماً عبلاً.
وكان يقال: أهدى
رأي الرجل ما نفذ حكمه، فإذا خولف فسد.
وقالوا: التجربة محك، وقالوا: مثل الإنسان مثل البطيخة، ظاهرها مونق، وقد يكون في باطنها
العيب والدود، وقد يكون طعمها حامضاً وتفهاً.
الأصل: حسد الصديق من سقم المودة.
ومن أدعية الحكماء: اللهم اكفني بوائق الثقات واحفظني من كيد الأصدقاء.
وقال آخر:
وذكر خالد بن صفوان شبيب بن شيبة، فقال: ذاك رجل ليس له صديق في السر ولا
عدو في العلانية.
الأصل: أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع.
وقال
آخر:
الأصل: ليس من العدل القضاء على الثقة بالظن. ولفظ الثقة ههنا مرادف للفظ العلم، فكأنه قال: لا
يجوز أن يزال ما علم بطريق قطعية لأمر ظني. وأعجب منه: من عومل فظلم إذا عامل كيف يظلم! وكان يقال:
العدو عدوان: عدو ظلمته، وعدو ظلمك، فإن اضطرك الدهر إلى أحدهما فاستعن بالذي
ظلمك، فإن الآخر موتور.
وقال
طاهر بن الحسين بن مصعب:
وكان يقال:
بعض التغافل فضيلة، وتمام الجود الإمساك عن ذكر المواهب، ومن الكرم أن تصفح عن التوبيخ، وأن تلتمس ستر هتك الكريم.
وقال
آخر:
ومتى
قصد به الانقباض فهو مدح للصبيان دون المشايخ، ومتى قصد به ترك القبيح فهو مدح
لكل أحد، وبالاعتبار الأول قيل: الحياء بالأفاضل قبيح،
وبالاعتبار الثاني ورد: إن الله ليستحيي من ذي شيبة في الإسلام أن يعذبه،
أي يترك تعذيبه ويسقبح لكرمه ذلك.
وما أصدق قول الشاعر:
فأما كيف يكتسب الحياء، فمن حق الإنسان إذا هم بقبيح أن
يتصور أجل من نفسه أنه يراه، فإن الإنسان يستحيي ممن يكبر في نفسه أن يطلع على
عيبه ولذلك لا يستحيي من الحيوان غير الناطق، ولا من الأطفال الذين لا يميزون،
ويستحيي من العالم أكثر مما يستحيي من الجاهل ومن الجماعة أكثر مما يستحيي من
الواحد، والذين يستحيي الإنسان منهم ثلاثة:
البشر، ونفسه، والله تعالى، أما البشر فهم أكثر من
يستحي منه الإنسان في غالب الناس، ثم نفسه، ثم خالقه، وذلك لقلة توفيقه وسوء
اختياره. واعلم أن من استحيا من الناس ولم يستح من نفسه فنفسه عنده أخس من
غيره، ومن استحيا منهما ولم يستح من الله تعالى فليس عارفاً، لأنه لو كان
عارفاً بالله لما استحيا من المخلوق دون الخالق، ألا ترى أن الإنسان لا بد أن
يستحي من الذي يعظمه ويعلم أنه يراه أو يستمع بخبره فيبكته، ومن لا يعرف الله
تعالى كيف يستعظمه! وكيف يعلم أنه يطلع عليه! وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استحيوا من الله
حق الحياء"،
أمر في ضمن كلامه هذا بمعرفته سبحانه وحث عليها، وقال سبحانه: "ألم يعلم بأن الله يرى"، تنبيهاً على
أن العبد إذا علم أن ربه يراه استحيا من ارتكاب الذنب.
والسيرة
العادلة سبب لقهر الملك الذي يسير بها أعداءه، ومن حلم عن سفيه وهو قادر على
الانتقام منه نصره الناس كلهم عليه، واتفقوا كلهم على ذم ذلك السفيه وتقبيح
فعله، والاستقراء واختبار العادات تشهد بجميع ذلك. الشرح: إنما لم يحسد الحاسد على صحة الجسد
لأنه صحيح الجسد، فقد شارك في الصحة، وما يشارك الإنسان غيره فيه لا يحسده عليه،
ولهذا أرباب الحسد إذا مرضوا حسدوا الأصحاء على الصحة.
وكان يقال:
ما طمعت إلا وذلت- يعنون النفس. وفي البيت المشهور:
وقالوا: عز من قنع، وذل من طمع. وقد تقدم القول في الطمع مراراً. ومن قرأ القرآن فمات فدخل النار، فهو كان ممن يتخذ آيات الله
هزواً. والجواب أن معنى كلامه عليه السلام هو أن من قرأ القرآن فمات
فدخل النار لأجل قراءته القرآن فهو ممن كان يتخذ
آيات الله هزواً، أي يقرؤه هازئاً به، ساخراً منه، مستهيناً بمواعظه وزواجره،
غير معتقد أنه من عند الله. ولا
يغبه، أي لا يأخذه غباً، بل يلازمه دائماً، وصدق
عليه السلام فإن حب الدنيا رأس كل خطيئة، وحث الدنيا هو الموجب للهم
والغم والحرص والأمل والخوف على ما اكتسبه أن ينفد، وللشح بما حوت يده، وغير ذلك
من الأخلاق الذميمة.
وقال الشاعر:
قال بعض الحكماء: المخير بين أن يستغني عن الدنيا وبين أن يستغني بالدنيا
كالمخير بين أن يكون مالكاً أو مملوكاً. وقال الرضي:
الأصل: وقال عليه السلام في قوله عز وجل:
"إن الله يأمر بالعدل والإحسان" : العدل الإنصاف، والإحسان التفضل. الأصل: وقال عليه السلام: من يعط باليد
القصيرة يعط باليد الطويلة. الشرح: هذا الفصل قد شرحه الرضي رحمه الله، فأغنى عن التعرض بشرحه. نبذ عن شجاعة علي عليه السلام الشرح: قد
ذكر عليه السلام الحكمة، ثم ذكر العلة، وما سمعنا أنه عليه السلام دعا إلى
مبارزة قط، إنما كان يدعى هو بعينه، أو يدعو من يبارز، فيخرج إليه فيقتله، دعا بنو ربيعة بن عبد شمس بني هاشم إلى البراز يوم بدر، فخرج عليه السلام فقتل الوليد واشترك هو وحمزة عليه السلام في قتل عتبة، ودعا طلحة بن أبي طلحة إلى البراز يوم أحد، فخرج إليه
فقتله، ودعا مرحب إلى البراز يوم خيبر فخرج إليه فقتله. خبر غزوة الخندق وينبغي أن نذكر ملخص هذه القصة من مغازي
الواقدي وابن إسحاق، قالا:
خرج عمرو بن عبد ود يوم الخندق وقد كان شهد بدراً
فارتث جريحاً، ولم يشهد أحداً، فحضر الخندق شاهراً سيفه معلماً، مدلاً بشجاعته
وبأسه، وخرج معه ضرار بن الخطاب الفهري وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب
ونوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزوميون، فطافوا بخيولهم على الخندق إصعاداً
وانحداراً، يطلبون موضعاً ضيقاً يعبرونه، حتى وقفوا على أضيق موضع فيه في المكان
المعروف بالمزار، فأكرهوا خيولهم على العبور فعبرت، وصاروا مع المسلمين على أرض
واحدة ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه قيام على رأسه، فتقدم عمرو بن
عبد ود فدعا إلى البراز مراراً، فلم يقم إليه أحد، فلما أكثر، قام علي عليه السلام فقال: أنا أبارزه يا رسول الله،
فأمره بالجلوس، وأعاد عمرو النداء والناس سكوت كأن على رؤوسهم الطير، فقال عمرو: أيها الناس، إنكم تزعمون
أن قتلاكم في الجنة وقتلانا في النار، أفما يحب أحدكم أن يقدم على الجنة أو يقدم
عدواً له إلى النار! فلم يقم إليه أحد، فقام علي عليه السلام دفعةً ثانية وقال: أنا له يا رسول الله، فأمره بالجلوس،
فجال عمرو بفرسه مقبلاً ومدبراً، وجاءت عظماء الأحزاب فوقفت من وراء الخندق ومدت
أعناقها تنظر، فلما رأى عمرو أن أحداً لا يجيبه، قال:
فقام علي عليه السلام فقال: يا رسول الله، ائذن لي في مبارزته، فقال: ادن، فدنا فقلده
سيفه، وعممه بعمامته، وقال: امض لشأنك، فلما انصرف قال: "اللهم أعنه عليه
"، فلما قرب منه قال له مجيباً إياه عن شعره:
فقال عمرو: من أنت! وكان عمرو شيخاً كبيرا قد جاوز الثمانين، وكان نديم أبي
طالب بن عبد المطلب في الجاهلية، فانتسب علي عليه
السلام له وقال: أنا علي بن أبي طالب، فقال: أجل، لقد كان أبوك نديماً لي
وصديقاً، فارجع فإني لا أحب أن أقتلك- كان شيخنا
أبو الخير مصدق بن شبيب النحوي يقول إذا مررنا في القراءة عليه بهذا الموضع:
والله ما أمره بالرجوع إبقاء عليه، بل خوفاً منه، فقد عرف قتلاه ببدر وأحد، وعلم
أنه إن ناهضه قتله، فاستحيا أن يظهر الفشل، فأظهر الإبقاء والإرعاء، وإنه لكاذب
فيهما- قالوا: فقال له علي عليه السلام: لكني أحب أن أقتلك، فقال يا بن
أخي، إني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك، فارجع وراءك خير لك، فقال علي عليه السلام: إن قريشاً تتحدث عنك أنك
قلت: لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلا أجبت ولو إلى واحدة منها، قال: أجل، فقال علي
عليه السلام: فإني أدعوك إلى الإسلام، قال:
دع عنك هذه، قال: فإني أدعوك إلى أن ترجع
بمن تبعك من قريش إلى مكة، قال: إذن تتحدث نساء
قريش عني أن غلاماً خدعني، قال: فإني أدعوك إلى البراز، فحمي عمرو وقال:
ما كنت أظن أن أحداً من العرب يرومها مني، ثم نزل فعقر فرسه- وقيل: ضرب وجهه
ففر- وتجاولا، فثارت لهما غبرة وارتهما عن العيون، إلى أن سمع الناس التكبير
عالياً من تحت الغبرة، فعلموا أن علياً قتله، وانجلت
الغبرة عنهما، وعلي راكب صدره يحز رأسه، وفر أصحابه ليعبروا الخندق، فظفرت بهم
خيلهم إلا نوفل بن عبد الله، فإنه قصر فرسه، فوقع في الخندق، فرماه
المسلمون بالحجارة، فقال: يا معاشر الناس، قتلة أكرم من هذه، فنزل إليه علي عليه السلام فقتله، وأدرك الزبير
هبيرة بن أبي وهب فضربه فقطع ثفر فرسه وسقطت درع كان حملها من ورائه، فأخذها
الزبير، وألقى عكرمة رمحه، وناوش عمر بن الخطاب ضرار بن عمرو، فحمل عليه ضرار
حتى إذا وجد عمر مس الرمح رفعه عنه وقال: إنها
لنعمة مشكورة، فاحفظها يا بن الخطاب، إني كنت آليت ألا تمكنني يداي من قتل قرشي
فأقتله. وانصرف ضرار راجعاً إلى أصحابه، وقد كان جرى له معه مثل هذه في
يوم أحد. وقد
ذكر هاتين القصتين معاً محمد بن عمر الواقدي في كتاب المغازي.
وله:
وفي حكمة أفلاطون: من أقوى الأسباب في محبة الرجل
لامرأته واتفاق ما بينهما أن يكون صوتها دون صوته بالطبع، وتميزها دون تميزه،
وقلبها أضعف من قلبه، فإذا زاد من هذا عندها شيء على ما عند الرجل تنافرا على
مقداره. قالوا: اختصمت الضبع والثعلب إلى الضب، فقالت
الضبع: يا أبا الحسل إني التقطت تمرة، قال:
طيباً جنيت، قالت: وإن هذا أخذها مني، قال: حظ نفسه أحرز، قالت:
فإني لطمته، قال: كريم حمى حقيقته، قالت: فلطمني، قال:
حر انتصر، قالت: اقض بيننا، قال: قد فعلت. ولعمري
لقد صدق- وما زال صادقاً- ومن تأمل سيرته في
حالتي خلوه من العمل وولايته الخلافة عرف صحة هذا القول. وكان يقال: أسباب
فتنة النساء ثلاثة: عين ناظرة، وصورة مستحسنة، وشهوة قادرة، فالحكيم من
لا يردد النظرة حتى يعرف حقائق الصورة، ولو أن رجلاً رأى امرأةً فأعجبته ثم
طالبها فامتنعت، هل كان إلا تاركها! فإن تأبى عقله عليه في مطالبتها كتأبيها
عليه في مساعفتها قدع نفسه عن لذته قدع الغيور إياه عن حرمة مسلم. الشرح:
الذنوب: الدلو الملأى، ولا يقال لها وهي فارغة: ذنوب، ومعنى الكلمة أن الدار
المبنية بالحجارة المغصوبة ولو بحجر واحد، لا بد أن يتعجل خرابها، وكأنما ذلك
الحجر رهن على حصول التخرب، أي كما أن الرهن لا بد أن يفتك، كذلك لا بد لما جعل
ذلك الحجر رهناً عليه أن يحصل.
والداران: دار أبي الحسن بن الفرات، ودار محمد بن داود بن
الجراح. وقال فيه أيضاً:
وكان ما تفرسه ابن بسام فيه حقاً، فإن داره نقضت حتى سويت بالأرض في
أيام الراضي بالله. الأصل: اتق الله بعض التقى وإن قل، واجعل بينك وبين الله ستراً
وإن رق.
ومثل قول الآخر:
ولهذا الحكم علة في العلم العقلي، وذلك أن النفس عندهم غنية بذاتها، مكتفية بنفسها، غير
محتاجة إلى شيء خارج عنها، وإنما عرضمت لها الحاجة والفقر إلى ما هو خارج عنها
لمقارنتها الهيولى، وذلك أن أمر الهيولى بالضد من أمر النفس في الفقر والحاجة،
ولما كان الإنسان مركباً من النفس والهيولى عرض له الشوق إلى تحصيل العلوم
والقنيات لانتفاعه بهما، والتذاذه بحصولهما، فأما
العلوم فإنه يحصلها في شبيه بالخزانة له، يرجع إليها متى شاء، ويستخرج
منها ما أراد، أعني القوى النفسانية التي هي محل الصور والمعاني على ما هو مذكور
في موضعه. وأما القنيات والمحسوسات
فإنه يروم منها مثل ما يروم من تلك، وأن يودعها خزانة محسوسة خارجة عن ذاته،
لكنه يغلط في ذلك من حيث يستكثر منها، إلى أن يتنبه بالحكمة على ما ينبغي أن
يقتني منها، وإنما حرص على ما منع لأن الإنسان إنما يطلب ما ليس عنده، لأن تحصيل
الحاصل محال، والطلب إنما يتوجه إلى المعدوم، لا إلى الموجود، فإذا حصله سكن
وعلم أنه قد ادخره، ومتى رجع إليه وحده إن كان مما يبقى بالذات، خزنه وتشوق إلى
شيء آخر منه، ولا يزال كذلك إلى أن يعلم أن الجزئيات لا نهاية لها وما لا نهاية
له، فلا مطمع تحصيله، ولا فائدة في النزوع إليه، ولا وجه لطلبه سواء كان معلوماً
أو محسوساً، فوجب أن يقصد من المعلومات إلى الأهم ومن المقتنيات إلى ضرورات
البدن ومقيماته، ويعدل عن الاستكثار منها، فإن حصولها كلها مع أنها لا نهاية لها
غير ممكن، وكلما فضل عن الحاجة وقدر الكفاية فهو مادة الأحزان والهموم، وضروب المكاره.
والغلط في هذا الباب كثير، وسبب ذلك طمع الإنسان في الغنى من معدن الفقر،
لأن الفقر هو الحاجة، والغنى هو الاستقلال، إلى أن يحتاج إليه، ولذلك قيل: إن
الله تعالى غني مطلقاً، لأنه غير محتاج البتة، فأما من كثرت قنياته فإنه يستكثر
حاجاته بحسب كثرة قنياته، وعلى قدر منازعته إلى الاستكثار تكثر وجوه فقره، وقد بين ذلك في شرائع الأنبياء، وأخلاق الحكماء، فأما الشيء الرخيص الموجود كثيراً فإنما يرغب عنه، لأنه
معلوم أنه إذا التمس وجد والغالي فإنما يقدر عليه في الأحيان ويصيبه الواحد بعد
الواحد، وكل إنسان يتمنى أن يكون ذلك الواحد ليصيبه وليحصل له مالا يحصل لغيره.
وقال بعض السلف:
كفران النعمة بوار، وقلما أقلعت نافرة فرجعت في نصابها، فاستدع شاردها بالشكر،
واستدم راهنها بكرم الجوار، ولا تحسب أن سبوغ ستر الله عليك غير متقلص عما قليل
عنك إذا أنت لم ترج لله وقاراً.
ومن
قصيدة لي في بعض أغراضي:
الأصل: من ظن بك خيراً فصدق ظنه. الشرح: هذا أحد الطرق إلى معرفة البارىء سبحانه، وهو أن يعزم
الإنسان على أمر، ويصمم رأيه عليه، ثم لا يلبث أن يخطر الله تعالى بباله خاطراً
صارفاً له عن ذلك الفعل، ولم يكن في حسابه، أي لولا أن في الوجود ذاتاً مدبرة
لهذا العالم لما خطرت الخواطر التي لم تكن محتسبة، وهذا فصل يتضمن كلاماً دقيقاً
يذكره المتكلمون في الخاطر الذي يخطر عن غير موجب لخطوره، فإنه لا يجوز أن يكون
الإنسان أخطره بباله، وإلا لكان ترجيحاً من غير مرجح لجانب الوجود على جانب
العدم، فلا بد أن يكون المخطر له بالبال شيئاً خارجاً عن ذات الإنسان، وذاك هو الشيء المسمى بصانع العالم. الشرح: هذا الفصل يتضمن بيان تعليل العبادات إيجاباً وسلباً. قال
عليه السلام: فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك، وذلك لأن الشرك نجاسة
حكمية لا عينية، وأي شيء يكون أنجس من الجهل أو أقبح! فالإيمان هو تطهير القلب من نجاسة ذلك الجهل. ثم تتضمن الصلاة من الخضوع والخشوع والامتناع
من الكلام والحركة الموهمة لمن رآها أن صاحبها خارج عن الصلاة، وما في غضون
الصلاة من الأذكار المتضمنة الذل والتواضع لعظمة الله تعالى. وفرض
الجهاد عزاً للإسلام، وذلك ظاهر، قال الله تعالى: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع
وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً"، وقال سبحانه: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل
ترهبون به عدو الله وعدوكم". الشرح: روى أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني
في كتاب "مقاتل الطالبين" أن يحيى بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه
السلام لما أمنه الرشيد بعد خروجه بالديلم وصار إليه بالغ في إكرامه وبره، فسعى
به بعد مدة عبد الله بن مصعب الزبيري إلى الرشيد-
وكان يبغضه- وقال له: إنه قد عاد يدعو إلى نفسه سراً، وحسن له نقض أمانه،
فأحضره وجمع بينه وبين عبد الله بن مصعب ليناظره فيما قذفه به ورفعه عليه فجبهه
ابن مصعب بحضرة الرشيد، وادعى عليه الحركة في الخروج وشق العصا، فقال يحيى: يا أمير المؤمنين، أتصدق هذا علي وتستنصحه،
وهو ابن عبد الله بن الزبير، الذي أدخل أباك
عبد الله وولده الشعب، وأضرم عليهم النار حتى خفصه
أبو عبد الله الجدلي، صاحب علي بن أبي طالب عليه السلام منه عنوة، وهو الذي ترك
الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أربعين جمعة في خطبته، فلما التاث عليه الناس قال:
إن له أهيل سوء إذا صليت عليه أو ذكرته أتلعوا أعناقهم واشرأبوا لذكره، فأكره أن
أسرهم أو اقر أعينهم، وهو الذي كان يشتم أباك ويلصق به العيوب حتى ورم كبده،
ولقد ذبحت بقرة يوماً لأبيك فوجدت كبدها سوداء قد نقبت، فقال علي ابنه: أما ترى كبد هذه البقرة يا أبت! فقال: يا بني هكذا ترك ابن الزبير كبد أبيك، ثم
نفاه إلى الطائف، فلما حضرته الوفاة قال لابنه علي:
يا بني إذا مت فالحق بقومك من بني عبد مناف بالشام، ولا
تقم في بلد لابن الزبير فيه إمرة، فاختار له صحبة يزيد بن معاوية على صحبة عبد
الله بن الزبير. ووالله إن عداوة هذا يا أمير المؤمنين لنا جميعاً بمنزلة
سواء، ولكنه قوي علي بك، وضعف عنك، فتقرب بي إليك ليظفر منك بي بما يريد، إذا لم
يقدر على مثله منك، وما ينبغي لك أن تسوغه ذلك في، فإن
معاوية بن أبي سفيان وهو أبعد نسباً منك إلينا ذكر الحسن بن علي يوماً فسبه، فساعده
عبد الله بن الزبير على ذلك، فزجره وانتهره، فقال: إنما ساعدتك يا أمير
المؤمنين، فقال: إن الحسن لحمي آكله ولا
أوكله. ومع هذا فهو الخارج مع أخي محمد على أبيك المنصور أبي
جعفر، والقائل لأخي في قصيدة طويلة أولها:
يحرض أخي فيها على الوثوب والنهوض إلى الخلافة، ويمدحه ويقول له:
فتغير وجه الرشيد عند سماع هذا الشعر، وتغيظ
على ابن مصعب، فابتدأ ابن مصعب يحلف بالله الذي لا إله إلا هو وبأيمان البيعة أن
هذا الشعر ليس له، وأنه لسديف،
فقال يحيى: والله يا أمير المؤمنين ما قاله
غيره، وما حلفت كاذباً ولا صادف بالله قبل هذا، وإن الله عز وجل إذا مجده العبد
في يمينه فقال: والله الطالب الغالب الرحمن الرحيم، استحيا أن يعاقبه فدعني أن
أحلفه بيمين ما حلف بها أحد قط كاذباً إلا عوجل، قال فحلفه، قال قل: برئت من حول الله وقوته، واعتصمت بحولي
وقوتي، وتقلدت الحول والقوة من دون الله، استكباراً على الله واستعلاء عليه، واستغناء عنه إن كنت قلت هذا الشعر! فامتنع عبد
الله من الحلف بذلك، فغضب الرشيد، وقال للفضل بن الربيع. يا عباسي ما له لا يحلف
إن كان صادقاً! هذا طيلساني علي، وهذه ثيابي لو
حلفني بهذه اليمين أنها لي لحلفت. فوكز الفضل عبد الله برجله- وكان له فيه
هوىً-وقال له:
احلف ويحك! فجعل يحلف بهذه اليمين، ووجهه متغير، وهو يرعد، فضرب يحيى بين كتفيه، وقال: يا بن مصعب، قطعت عمرك، لا
تفلح بعدها أبداً! قالوا: فما برح من موضعه حتى عرض له أعراض الجذام، استدارت عيناه،
وتفقأ وجهه، وقام إلى بيته فتقطع وتشقق لحمه وانتثر شعره، ومات بعد ثلاثة أيام، وحضر الفضل بن الربيع
جنازته، فلما
جعل في القبر انخسف اللحد به حتى خرج منه غبرة شديدة، وجعل
الفضل يقول: التراب التراب! فطرح التراب وهو
يهوي، فلم يستطيعوا سده حتى سقف بخشب، وطم عليه،
فكان الرشيد يقول بعد ذلك للفضل: أرأيت يا عباسي
ما أسرع ما أديل ليحيى من ابن مصعب. الأصل: يا بن آدم، كن
وصي نفسك واعمل في مالك ما تؤثر أن يعمل فيه من بعدك.
وروى أبو الفرج الأصبهاني عن عبدوس بن أبي دلف قال: حدثني أبي، قال:
قال لي المأمون: يا قاسم، أنت الذي يقول فيك علي بن جبلة:
البيتين،
فقلت مسرعاً: وما ينفعني ذلك يا أمير المؤمنين مع قوله في:
ومع
قول بكر بن النطاح في:
قال:
فلما انصرفت قال المأمون لمن حوله: لله دره! حفظ هجاء نفسه حتى انتفع به عندي،
وأطفأ لهيب المنافسة. فالتفت معاوية إلى وردان غلام عمرو، فقال: فما بقي من لذتك يا وريد؟ فقال: سرور أدخله قلوب الإخوان، وصنائع أعتقدها في
أعناق الكرام، فقال معاوية لعمرو: تباً
لمجلسي ومجلسك! لقد غلبني وغلبك هذا العبد، ثم قال:
يا وردان، أنا أحق بهذا منك؟ قال: قد أمكنتك
فافعل.
أي ليت لنا لضربة مبردة باتت على طهيان، وهو اسم جبل، بدلاً
وعوضاً من ماء زمزم. الشرح:
قد تقدم القول في الصدقة.
الأصل: الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله، والغدر بأهل الغدر وفاء
عند الله.
وليس يدل ذلك على ما ذكره، لأن الشاعر أراد المبالغة، فإن
الجهام الذي لا ماء فيه إذا كان أقطاعاً متفرقة خفيفة، كان ذكره أبلغ فيما يريده
من التشبيه، وهذا الخبر من أخبار الملاحم
التي كان يخبر بها عليه السلام، وهو يذكر فيه المهدي الذي يوجد عند أصحابنا في
آخر الزمان. ومعنى قوله: "ضرب بذنبه " أقام وثبت بعد اضطرابه، وذلك لأن اليعسوب فحل النحل
وسيدها، وهو أكثر زمانه طائر بجناحيه، فإذا ضرب بذنبه الأرض فقد أقام وترك
الطيران والحركة. والشحشح في غير هذا الموضع: البخيل الممسك. قال
الرضي رضي الله عنه: يريد بالقحم المهالك، لأنها تقحم أصحابها في المهالك
والمتالف في الأكثر فمن ذلك قحمة الأعراب، وهو أن تصيبهم السنة فتتفرق أموالهم،
فذلك تقحمها فيهم. وقيل فيه وجه آخر، وهو أنها تقحمهم بلاد الريف، أي تحوجهم إلى
دخول الحضر عند محول البدو. قال:
وقد قيل إن نص الحقاق بلوغ العقل وهو الإدراك، لأنه عليه السلام إنما أراد منتهى
الأمر الذي تجب به الحقوق والأحكام. وأما
التفسير الثاني، وهو أن المراد بنص الحقاق منتهى الأمر
الذي تجب به الحقوق فإن أهل اللغة لم ينقلوا عن العرب أنها استعملت الحقاق في
الحقوق، ولا يعرف هذا في كلامهم. وأما تفسير الرضي- رحمه الله- فهو أشبه من تفسير أبي عبيد، إلا أنه قال في آخره: والحقائق أيضاً جمع حقة، فالروايتان ترجعان إلى معنى واحد. وليس الأمر على ما
ذكر من أن الحقائق جمع حقة، ولكن الحقائق جمع حقاق، والحقاق جمع حق، وهو ما كان
من الإبل ابن ثلاث سنين، وقد دخل في الرابعة، فاستحق أن يحمل عليه وينتفع به،
فالحقائق إذن جمع الجمع لحق لا لحقة، ومثل إفال وأفائل. قال: ويمكن أن يقال: الحقاق هاهنا الخصومة، يقال: ما له فيه حق ولا حقاق أي ولا خصومة، ويقال لمن ينازع في صغار الأشياء إنه لبرق الحقاق،
أي خصومته في الدنيء من الأمر، فيكون المعنى إذا بلغت المرأة الحد الذي يستطيع
الإنسان الخصومة والجدال فعصبتها أولى بها من أمها، والحد الذي تكفل فيه المرأة
والغلام للخصومة والحكومة والجدال والمناظرة هو سن البلوغ.
والجد:
البئر العادية في الصحراء. والظنون: التي لا
يعلم هل فيها ماء أم لا. قوله: "والعازب والعزوب: الممتنع من الأكل والشرب "، ولو كان رباعياً لكان
"المعزب"، وهو واضح، وعلى هذا تكون الهمزة في أول الحرف همزة وصل
مكسورة، كما في "اضربوا" لأن المضارع يعزب بالكسر.
الشرح:
أول الكلام أن المرء المسلم ما لم يغش دناءة يخشع لها إذا ذكرت، ويغري به لئام
الناس، كالياسر الفالج ينتظر أول فوزة من قداحه، أو داعي الله، فما عند الله خير
للأبرار، يقول: هو بين خيرتين: إما أن يصير
إلى ما يحب من الدنيا، فهو بمنزلة صاحب القدح المعلى، وهو أوفرها نصيباً، أو
يموت فما عند الله خير له وأبقى. وقوله:
"إذا احمر البأس ": كناية عن اشتداد الأمر، وقد قيل في ذلك أقوال، أحسنها
أنه شبه حمي الحرب بالنار التي تجمع الحرارة والحمرة بفعلها ولونها، ومما يقوي ذلك قول الرسول صلى الله عليه وآله وقد رأى
مجتلد الناس يوم حنين وهي حرب هوازن: "الآن
حمي الوطيس"، والوطيس: مستوقد النار، فشبه رسول الله صلى الله عليه وآله ما استحر من جلاد القوم باحتدام النار وشدة التهابها.
وقال أبو عبيد:
فقه هذا الحديث أن ينصرف فيتوضأ ويبني على صلاته ما لم يتكلم، وهذا إنما هو قبل أن يحدث.
فأضاف الاسم إلى المصدر كما يقال: عمر العدل وعمرو الدهاء، لما كان
العدل والدهاء أغلب أحوالهما، وقال أبو الأسود
الدؤلي يذم إنساناً: إذا سئل أرز، وإذا دعي اهتز- يعني إلى الطعام، وفي الحديث: "إن الإسلام ليأرز إلى المدينة
كما تأرز الحية إلى جحرها". أي يجتمع إليها وينضم بعضه إلى بعض فيها.
وأما مثدن اليد، بالثاء فإن بعض الناس قال نراه أخذ من الثندوة وهي أصل الثدي فشبه يده في قصرها واجتماعها بذلك، فإن كان من هذا فالقياس أن يقال: مثند، لأن النون
قبل الدال في الثندوة، إلا أن يكون من المقلوب، فذاك
كثير في كلامهم. قال: العذرة فناء
الدار، وإنما سميت تلك الحاجة عذرة لأنها بالأفنية كانت تلقى، فكنى عنها
بالعذرة كما كنى عنها بالغائط، وإنما الغائط الأرض المطمئنة، وقال الحطيئة يهجو قوماً:
ومنها قوله عليه السلام: لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع.
قال: وقد أجاز بعضهم أصعل في الصعل، وذكر أنها لغة لا أدري عمن
هي! والأصمع: الصغير الأذن، وامرأة صمعاء. قال أبو عبيد: الخروط: المتهور في الأمور، الراكب
برأسه جهلاً، ومنه قيل: انخرط علينا فلان،
أي اندرأ بالقول السيئ والفعل. قال: وفقه هذا
الحديث أنه ما أفتى عليه السلام بفساد صلاته لأنه لم يأمره بالإعادة،
ولكنه كره له أن يؤم قوماً هم له كارهون. قال أبو عبيد:
هذا مثل تضربه العرب للرجل يأتي بالخبر على وجهه ويصدق فيه. ويقال:
إن أصله أن الرجل ربما باع بعيره فيسأل المشتري عن سنه فيكذبه، فعرض رجل بكراً
له فصدق في سنه، فقال الآخر: صدقني سن بكره، فصار مثلاً. والقهز بكسر
القاف: ثياب بيض يخالطها حرير، ولا أراها عربية، وقد استعملها العرب، قال ذو الرمة يصف البزاة البيض:
ومنها: ذكر عليه السلام آخر الزمان والفتن، فقال: خير أهل ذلك الزمان كل نومة، أولئك
مصابيح الهدى، ليسوا بالمساييح ولا المذاييع البذر.
ثم قال:
إن أهون السقي التشريع، ثم فرق بينهم وسألهم، فاختلفوا، ثم أقروا بقتله، فقتلهم
به. يقول:
أقل ما كان يجب على شريح أن يستسقي في المسألة والبحث عن خبر الرجل ولا يقتصر
على طلب البينة. قال أبو عبيد:
هو الذي في شفته العليا طول ونتوء في وسطها محاذي الأنف. قال:
وإنما نراه قال لشريح: "أيها
العبد"، لأنه كان قد وقع عليه سبي في الجاهلية. فقيل له:
يا أمير المؤمنين، وما خفة الرداء في البقاء؟ فقال: الدين.
يريد بقوله: "بين
اذني وعاتقي ما تريد" في عنقي، والمعنى أني قد ضمنته فهو علي، وإنما قيل
للسيف رداء لأن حمالته تقع موقع الرداء، وهو في غير هذا الموضع العطاء، يقال:
فلان غمر الرداء أي واسع العطاء؟ قال: وقد يجوز أن يكون كنى بالرداء عن الظهر،
لأنه يقع عليه، يقول: فليخفف ظهره ولا يثقله بالدين، كما
قال الآخر: "خماص الأزر"، يريد خماص البطون. وقوله:
فليبكر العشاء، أي فليؤخره، قال الشاعر:
ويجوز
أن يريد فلينقص العشاء، قال الشاعر:
ومنها أنه أتي عليه السلام بالمال فكوم كومةً من ذهب وكومة من
فضة، فقال:
يا حمراء ويا بيضاء احمري وابيضي وغري غيري.
قال ابن قتيبة.
هذا مثل ضربه، وكان الأصمعي يقوله: "وهجانه فيه"، أي خالصه، وأصل المثل
لعمرو بن عدي ابن أخت جذيمة الأبرش، كان يجني الكمأة مع أتراب له، فكان أترابه
يأكلون ما يجدون، وكان عمرو يأتي به خاله ويقول هذا
القول.
يعني النساء أي من أهل الأحلاف. والمبلح، من قولهم: بلح الرجل إذا انقطع من الإعياء، فلم يقدر على أن يتحرك،
وأبلحه السير، وقال الأعشى:
ومنها قوله عليه السلام يوم خيبر:
قال ابن قتيبة:
كانت أم علي عليه السلام
سمته وأبو طالب غائب حين ولدته أسداً
باسم أبيها أسد بن هاشم بن عبد مناف، فلما قدم أبو
طالب غير اسمه وسماه علياً. وحيدرة:
اسم من أسماء الأسد، والسندرة: شجرة يعمل
منها القسي والنبل، قال:
فالسندرة في الرجز يحتمل أن تكون مكيالاً يتخذ من هذه الشجرة،
سمي باسمها كما يسمى القوس بنبعة. قال:
واحسب إن كان الأمر كذلك أن الكيل بها قد كان جزافاً فيه إفراط، قال: ويحتمل أن تكون السندرة هاهنا امرأةً كانت
تكيل كيلاً وافياً أو رجلاً.
قيل: كان للحارث بن سدوس أحد
وعشرون ذكراً، وكان ضرار بن عمرو الضبي يقول:
ألا إن شر حائل أم، فزوجوا الأمهات، وذلك أنه صرع، فأخذته الرماح، فاشتبك عليه
إخوته لأمه حتى خلصوه. قال: وقد ذكر أبو حاتم عن الأصمعي عن رجل من أهل حضرموت قال: نجد فيها الرائحة المنتنة الفظيعة
جداً، ثم نمكث حيناً فيأتينا الخبر بأن عظيماً من عظماء الكفار قد مات، فنرى أن
تلك الرائحة منه، قال: وربما سمع منها مثل
أصوات الحاج، فلا يستطيع أحد أن يمشي بها.
قال: وهذا مثل حديث علي عليه السلام الآخر، وهو أنه قال: السكينة
لها وجه كوجه الإنسان، وهي بعد ريح هفافة، أي خفيفة سريعة، والحجفة: الترس. فارتفعنا إلى علي عليه السلام فقصصنا عليه
القصة، فقال:
انطلقوا فإن عرفتم النقدة بعينها فادفعوها إليهم. وإن اختلطت عليكم
فادفعوا شرواها من الغنم إليهم. والغرنوق: الشاب. قال ابن قتيبة:
مبخرة: تورث البخر في الفم. ومجفرة: تقطع عن النكاح وتذهب شهوة الجماع، يقال جفر الفحل عن الإبل، إذا أكثر الضراب حتى يمل
وينقطع، ومثله قذر، وتقذر، قذوراً، ومثله أقطع فهو مقطع. وقوله "تثفل الريح"، أي تنتنها، والاسم الثفل، ومنه
الحديث "وليخرجن ثفلات ". والداء
الدفين، المستتر الذي قد قهرته الطبيعة، فالشمس تعينه على الطبيعة وتظهره. والعين التي ظهرت لما ركض الماء برجله. قال:
والباء في "بالضغث " زائدة،
تقديره: أنبتت الضغث، كقوله تعالى: "تنبت
بالدهن"، وكقوله: "يشرب بها عباد
الله". "وفي جانبه الأيسر مكر" أراد به المكر به حتى
قتل عليه السلام في مسجد الكوفة.
وقوله: "ثراه مرة" أي بله دفعة واحدة وأطعمه الناس، والثرى: الندا. وصمر البحر: نتنه وغمقه، ومنه قيل للدبر الضمارى. يسرع أحد قبلي إلى صلة رحم ودعوة حق، والأمر إليك يا بن عوف
على صدق النية، وجهد النصح، وأستغفر الله لي ولكم. قال ابن قتيبة: يقال غمصت فلاناً أغمصه واغتمصته،
إذا استصغرته واحتقرته، قال: ومعنى الحديث
أن الله تعالى نقص الخلق من عظم الأبدان وطولها من القوة والبطش وطول العمر ونحو
ذلك. ومنها أن سلامة الكندي قال: كان علي عليه السلام
يعلمنا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: اللهم داحي المدحوات، وبارىء
المسموكات، وجبار القلوب على فطراتها، شقيها وسعيدها، اجعل شرائف صلواتك، ونوامي
بركاتك، ورأفة تحياتك، على محمد عبدك ورسولك، الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق،
والمعلن الحق بالحق، والدامغ جيشات الأباطيل، كما حملته فاضطلع بأمرك لطاعتك، مستوفزاً
في مرضاتك، لغير نكل في قدم، ولا وهن في عزم، داعياً لوحيك، حافظاً لعهدك،
ماضياً على نفاذ أمرك، حتى أورى قبساً لقابس، آلاء الله تصل بأهله أسبابه، به
هديت القلوب بعد خوضات الفتن والإثم، موضحات الأعلام، ونائرات الأحكام، ومنيرات
الإسلام، فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون، وشهيدك يوم الدين، وبعيثك
نعمة، ورسولك بالحق رحمة. اللهم افسح له مفسحاً في عدلك، واجزه مضاعفات الخير من
فضلك، مهنآت غير مكدرات، من فوز ثوابك المحلول، وجزل عطائك المعلول، اللهم أعل
على بناء البانين بناءه، وأكرم مثواه لديك ونزله، أتمم له نوره، واجزه من
ابتعاثك له مقبول الشهادة، مرضي المقالة، ذا منطق عدل، وخطة فصل، وبرهان عظيم. وكل
شيء رفعته وأعليته فقد سمكته، وسمك البيت والحائط ارتفاعه، قال الفرزدق:
وقوله: جبار القلوب على فطراتها. من قولك جبرت العظم فجبر إذا كان
مكسوراً فلأمته وأقمته، كأنه أقام القلوب وأثبتها على ما فطرها عليه من معرفته
والإقرار به، شقيها وسعيدها، قال: ولم أجعل جباراً ههنا، من أجبرت فلانا على
الأمر إذا أدخلته فيه كرهاً، وقسرته، لأنه لا يقال من أفعل فعال، لا أعلم ذلك إلا
أن بعض القراء قرأ "أهديكم سبيل الرشاد"
بتشديد الشين، وقال: الرشاد الله، فهذا فعال
من أفعل، وهي قراءة شاذة، غير مستعملة، فأما
قول الله عز وجل: "وما أنت عليهم بجبار"
فإنه أراد وما أنت عليهم بمسلط تسليط الملوك. والجبابرة: الملوك، واعتبار ذلك قوله: "لست
عليهم بمسيطر" أي بمتسلط تسلط الملوك، فإن كان يجوز أن يقال من
أجبرت فلاناً على الأمر: أنا جبار له، وكان هذا محفوظاً، فقد يجوز أن يجعل قول علي عليه السلام: جبار القلوب من ذلك، وهو
أحسن في المعنى. واعلم أن اللام في "لغير
نكل " متعلقة بقوله:
"مستوفزاً"، أي هو مستوفز لغير نكول، بل للخوف منك، والخضوع
لك. وقوله:
"شهيدك يوم الدين"، أي الشاهد على الناس يوم
القيامة. وبعيثك رحمة، أي مبعوثك، فعيل في معنى مفعول. فقال علي عليه
السلام: حمدت من عظمت منته، وسبغت نعمته، وسبقت غضبه رحمته، وتمت كلمته،
ونفذت مشيئته، وبلغت قضيته، حمدته حمد مقر بربوبيته، متخضع لعبوديته، متنصل من
خطيئته، متفرد بتوحيده، مؤمل منه مغفرة تنجيه، يوم يشغل عن فصيلته وبنيه. وصيتكم معشر
من حضرني بوصية ربكم، وذكرتكم بسنة نبيكم، فعليكم برهبة تسكن قلوبكم، وخشية تذري
دموعكم، وتقية تنجيكم قبل يوم تبليكم وتذهلكم، يوم يفوز فيه من ثقل وزن حسنته،
وخف وزن سيئته، ولتكن مسألتكم وتملقكم مسألة ذل وخضوع، وشكر وخشوع، بتوبة وتورع،
وندم ورجوع، وليغتنم كل مغتنم منكم صحته قبل سقمه، وشبيبته قبل هرمه، وسعته قبل
فقره، وفرغته قبل شغله، وحضره قبل سفره، قبل تكبر وتهرم وتسقم، يمله طبيبه،
ويعرض عنه حبيبه وينقطع غمده، ويتغير عقله، ثم قيل: هو موعود، وجسمه منهوك، ثم
جد في نزع شديد، وحضره كل قريب وبعيد، فشخص بصره، وطمح نظره، ورشح جبينه، وعطف
عرينه، وسكن حنينه، وحزنته نفسه، وبكته عرسه، وحفر رمسه، ويتم منه ولده، وتفرق
منه عدده، وقسم جمعه، وذهب بصره وسمعه، ومدد وجرد، وعري وغسل، ونشف وسجي، وبسط
له وهيئ، ونشر عليه كفنه، وشد منه ذقنه، وقمص وعمم، وودع وسلم، وحمل فوق سرير،
وصلي عليه بتكبير، ونقل من دور مزخرفة، وقصور مشيدة، وحجر منجدة، وجعل في ضريح
ملحود وضيق مرصود، بلبن منضود، مسقف بجلمود، وهيل عليه حفره، وحثي عليه مدره،
وتحقق حذره، ونسي خبره، ورجع عنه وليه وصفيه، ونديمه ونسيبه، وتبدل به قرينه
وحبيبه، فهو حشو قبر، ورهين قفر، يسعى بجسمه دود قبره، ويسيل صديده من منخره،
يسحق تربه لحمه، وينشف دمه، ويرم عظمه حتى يوم حشره، فنشر من قبره حين ينفخ في
صور، ويدعى بحشر ونشور. وسجى الميت:
بسط عليه رداء. ونشر الميت من قبره بفتح النون
والشين، وأنشره الله تعالى. وقال
بعضهم: زابن، ومنهم من قال: هو جمع لا واحد له، نحو
أبابيل وعباديد، وأصل الزبن في اللغة الدفع، ومنه
ناقة زبون: تضرب حالبها وتدفعه. وتقول:
ملك زيد بفلانة بغير ألف، والباء هاهنا زائدة
كما زيدت في "كفى بالله حسيبا"،
وإنما حكمنا بزيادتها لأن العرب تقول: ملكت
أنا فلانة أي تزوجتها، وأملكت فلانة بزيد أي زوجتها به، فلما جاءت الباء هاهنا ولم يكن بد من إثبات الألف لأجل مجيئها
جعلناها زائدة، وصار تقديره: وملك حوراً عيناً.
الشرح:
السنن: الطريقة، يقال: تنح عن السنن، أي عن وجه الطريق. والنخيلة:
بظاهر الكوفة، وروي "ما تكفوني " بحذف النون. فشكر لهما وقال: وأين تقعان مما أريد! ا الأصل: وقيل:
إن الحارث بن حوط أتاه عليه السلام، فقال له: أتراني أظن أن أصحاب الجمل كانوا على
ضلالة؟ فقال عليه
السلام: يا حار، إنك نظرت تحتك، ولم تنظر فوقك فحرت، إنك لم تعرف الحق
فتعرف أهله، ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه.
أي باينته العراقي، فلما كان كل مؤثر في إزالة شيء فباينا له
نقل اللفظ بالاشتراك في الأمر العام إليه، ولما كان سعد وعبد الله لم يقوما
خطيبين في الناس يعلمانهم باطل معاوية وأصحاب الجمل، ولم يكشفا اللبس والشبهة
الداخلة على الناس في حرب هذين الفريقين، ولم يوضحا
وجوب طاعة علي عليه السلام فيردا الناس عن اتباع صاحب الجمل وأهل الشام صدق عليهما أنهما لم
يخذلا الباطل.
ويمكن أن يتأول على وجه آخر، وذلك أنه قد جاء خذلت الوحشية إذا
قامت على ولدها، فيكون معنى قوله: "ولم يخذلا
الباطل"، أي لم يقيما عليه وينصراه، فترجع هذه اللفظة إلى اللفظة
الأولى، وهي قوله: "أولئك قوم خذلوا الحق ولم
ينصروا الباطل". ويقال إن الموجود في خط الرضي "ابن
خوط " بالخاء المعجمة المضمومة. الشرح:
قد جاء في صحبة السلطان أمثال حكمية مستحسنة تناسب هذا المعنى، أو تجري مجراه في
شرح حال السلطان، نحو قولهم: صاحب السلطان كراكب الأسد يهابه الناس، وهو لمركوبه أهيب. واحذر أن
يستحلك فتحمى، فإن الغضب يعمي عن الفرصة، ويقطع عن الحجة، ويظهر عليك الخصم، ولا
تتوردن على السلطان بالدالة وإن كان أخاك، ولا بالحجة وإن وثقت أنها لك، ولا
بالنصيحة وإن كانت له دونك، فإن السلطان يعرض له
ثلاث دون ثلاث: القدرة دون الكرم، والحمية دون النصفة، واللجاج دون الحظ. وقرأت في تاريخ أحمد بن طاهر أن الرشيد أرسل إلى يحيى بن خالد
وهو في محبسه يقرعه بذنوبه، ويقول له: كيف رأيت! ألم أخرب دارك؟ ألم أقتل ولدك جعفراً؟ ألم أنهب
مالك؟ فقال يحيى للرسول: قل له: أما إخرابك
داري فستخرب دارك، وأما قتلك ولدي جعفراً فسيقتل ولدك محمد، وأما نهبك مالي
فسينهب مالك وخزانتك. فلما عاد الرسول
إليه بالجواب وجم طويلاً وحزن، وقال:
والله ليكونن ما قال، فإنه لم يقل لي شيئاً قط إلا وكان كما قال، فأخربت داره-
وهي الخلد- في حصار بغداد، وقتل ولده محمد، ونهب ماله، وخزانته، نهبها طاهر بن
الحسين.
وقال
عدي بن زيد:
الأصل: الناس في الدنيا عاملان: عامل في الدنيا
للدنيا، قد شغلته دنياه عن آخرته، يخشى على من يخلف الفقر، ويأمنه على نفسه،
فيفني عمره في منفعة غيره. ويجوز
أن يكون معناه إنه لكثرة ماله قد أمن الفقر على نفسه
ما دام حياً، ولكنه لا يأمن الفقر على ولده لأنه لا يثق من ولده بحسن الاكتساب
كما وثق من نفسه، فلا يزال في الاكتساب والازدياد منه لمنفعة ولده الذي يخاف
عليه الفقر بعد موته. فأما العامل في الدنيا لما بعدها فهم أصحاب
العبادة، يأتيهم رزقهم بغير اكتساب ولا كد، وقد حصلت لهم الآخرة، فقد حصل لهم
الحظان جميعاً. الشرح:
لسنا نشك أنه كان يذهب في الأحكام الشرعية والقضايا إلى أشياء يخالف فيها أقوال
الصحابة، نحو قطعه يد السارق من رؤوس الأصابع، وبيعه أمهات الأولاد، وغير ذلك،
وإنما كان يمنعه من تغير أحكام من تقدمه اشتغاله بحرب البغاة والخوارج، وإلى ذلك
يشير بالمداحض التي كان يؤمل استواء قدميه منها، ولهذا
قال لقضاته: "اقضوا كما كنتم تقضون حتى يكون للناس جماعة"، فلفظة "حتى" هاهنا مؤذنة بأنه فسح لهم
في اتباع عادتهم في القضايا والأحكام التي يعهدونها إلى أن يصير للناس جماعة،
وما بعد "إلى" و "حتى" ينبغي أن يكون مخالفاً لما قبلهما. والقول في صحة ذلك وفساده فرع من فروع مسألة الإمامة. والعارف لهذا، العامل به، أعظم الناس رحمةً في منفعة، والتارك
له، الشاك فيه، أعظم الناس شغلاً في مضرة.
وقال آخر:
وجاء في الخبر المرفوع: "أجملوا في الطلب، فإنه ليس
لعبد إلا ما كتب له، ولن يخرج عبد من الدنيا حتى يأتيه ما كتب له في الدنيا وهي
راغمة". الشرح:
قد تقدم القول في هذه المعاني كلها وقد ضرب الحكماء مثالاً لفرط الطمع، فقالوا: إن رجلاً صاد قبرة فقالت:
ما تريد أن تصنع بي؟ قال: أذبحك وآكلك، قالت: والله ما أشفي من قرم، ولا أشبع من جوع، ولكني أعلمك ثلاث خصال هن خير لك من أكلي، أما واحدة
فأعلمك إياها وأنا في يدك، وأما الثانية
فإذا صرت على الشجرة، وأما الثالثة فإذا صرت
على الجبل. فقال:
هاتي الأولى، قالت: لا تلهفن على ما فات، فخلاها، فلما
صارت على الشجرة قال: هاتي الثانية، قالت:
لا تصدقن بما لا يكون أنه يكون، ثم طارت، فصارت على الجبل، فقالت: يا شقي لو ذبحتني لأخرجت من حوصلتي درتين
وزن كل واحدة ثلاثون مثقالاً، فعض على يديه وتلهف تلهفاً شديداً، وقال: هاتي الثالثة، فقالت: أنت قد أنسيت
الاثنتين، فما تصنع بالثالثة؟ ألم أقل لك:
لا تلهفن على ما فات! وقد تلهفت، وألم أقل لك لا تصدقن بما لا يكون أنه يكون.
وأنا ولحمي ودمي وريشي لا يكون عشرين مثقالاً، فكيف صدقت أن في حوصلتي درتين كل
واحدة منهما ثلاثون مثقالاً! ثم طارت وذهبت. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه: "إنما مثلي ومثلكم ومثل الدنيا
كقوم سلكوا مفازةً غبراء حتى إذا لم يدروا ما سلكوا منها أكثر أم ما بقي أنفدوا
الزاد وحسروا الظهر، وبقوا بين ظهراني المفازة لا زاد ولا حمولة، فأيقنوا
بالهلكة، فبينما هم كذلك خرج عليهم رجل في حلة يقطر رأسه ماء، فقالوا: هذا قريب عهد بريف، وما جاءكم هذا إلا من
قريب، فلما انتهى إليهم وشاهد حالهم قال: أرأيتم إن هديتكم إلى ماء رواء، ورياض
خفر، ما تعملون؟ قالوا: لا نعصيك شيئاً، قال:
عهودكم ومواثيقكم بالله، فأعطوه ذلك، فأوردهم ماءً رواءً ورياضاً خضراً، ومكث
بينهم ما شاء الله، ثم قال: إني مفارقكم،
قالوا: إلى أين؟ قال: إلى ماء ليس كمائكم، ورياض ليست كرياضكم، فقال الأكثرون منهم: والله ما وجدنا ما نحن فيه
حتى ظننا أنا لا نجده، وما نصنع بمنزل خير من هذا! وقال
الأقلون منهم: ألم تعطوا هذا الرجل مواثيقكم وعهودكم بالله لا تعصونه
شيئاً، وقد صدقكم في أول حديثه، والله ليصدقنكم في آخره، فراح فيمن تبعه منهم،
وتخلف الباقون، فدهمهم عدو شديد البأس عظيم الجيش، فأصبحوا ما بين أسير وقتيل. الشرح: هذا مثل قوله تعالى: "فإنها لا تعمى
الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
وهذا هو التعليل بالباطل، فإن الله تعالى وإن كان كريماً
رحيماً عفواً غفوراً، إلا أنه صادق القول، وقد توعد العصاة، وقال: "وإن الفجار لفي جحيم. يصلونها يوم الدين. وما هم
عنها بغائبين"، وقال: "لا تختصموا
لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد. ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد"، ويكفي
في رحمته وعفوه وكرمه أن يغفر للتائب أو لمن ثوابه أكثر مما يستحقه من العقاب،
فالقول بالوعيد معلوم بأدلة السمع المتظاهرة المتناصرة التي قد أطنب أصحابنا في
تعدادها وإيضاحها، وإذا كان الشيء معلوماً، فقد قطع العلم به عذر أصحاب التعلل
والتمني، ووجب العمل بالمعلوم ورفض ما يخالفه. فهذا هو سؤال الإنظار لمن عوجل، فأما من أجل فإنه يعلل نفسه بالتسويف، ويقول: سوف أتوب، سوف أقلع عما أنا عليه، فأكثرهم يخترم من غير أن يبلغ هذا الأمل، وتأتيه
المنية وهو على أقبح حال وأسوئها، ومنهم من تشمله السعادة فيتوب قبل الموت، وأولئك
الذين ختمت أعمالهم بخاتمة الخير، وهم في العالم كالشعرة البيضاء في الثور
الأسود.
فما
انتفع بنفسه مدة، وفي المثل: الدهر إذا أتى
بسحواء سحسح، يعقبها بنكباء زعزع. وكذاك
شرب العيش فيه تلون، بيناه عذباً إذ تحول آجناً.
إسحاق بن إبراهيم الموصلي:
إذا
أدبر الأمر أتى الشر من حيث كان يأتي الخير.
أحيحة
بن الجلاح:
آخر:
آخر:
ومن
الشعر المنسوب إلى محمد الأمين بن زبيدة:
الأصل: وقال عليه السلام وقد سئل عن القدر: طريق مظلم فلا
تسلكوه. ثم سئل ثانياً فقال: بحر
عميق فلا تلجوه، ثم سئل ثالثاً، فقال: سر الله فلا تتكلفوه.
وقال رجل لحكيم:
ما خير الأشياء لي؟ قال: أن تكون عالماً، قال. فإن لم أكن؟ قال: أن تكون مثرياً؟
قال: فإن لم أكن؟ قال: أن تكون شارياً؟ قال: فإن لم أكن؟ قال: فأن تكون ميتاً.
وقال
أيضاً في المعنى بعينه:
الأصل: وقال عليه السلام: كان لي فيما مضى أخ في الله، وكان يعظمه في
عيني صغر الدنيا في عينه، وكان خارجاً من سلطان بطنه، فلا يتشهى ما لا يجد، ولا
يكثر إذا وجد، وكان أكثر دهره صامتاً، فإن قال بذ القائلين، ونقع غليل السائلين،
وكان ضعيفاً مستضعفاً، فإن جاء الجد فهو ليث عاد، وصل واد، لا يدلي بحجة حتى
يأتي قاضياً، كان لا يلوم أحداً على ما لا يجد العذر في مثله حتى يسمع اعتذاره،
وكان لا يشكو وجعاً إلا عند برئه، وكان يفعل ما يقول، ولا يقول ما لا يفعل، وكان
إن غلب على الكلام لم يغلب على السكوت، وكان على أن يسمع أحرص منه على أن يتكلم،
وكان إذا بدهه أمران نظر أيهما أقرب إلى الهوى فخالفه، فعليكم بهذه الخلائق
فالزموها، وتنافسوا فيها، فإن لم تستطيعوها فاعلموا أن أخذ القليل خير من ترك
الكثير.
وقال الشنفرى:
وقال بعضهم لابنه: يا بني عود نفسك الأثرة، ومجاهدة الهوى والشهوة، ولا تنهش
نهش السباع، ولا تقضم قضم البراذين، ولا تدمن الأكل إدمان النعاج، ولا تلقم لقم
الجمال، إن الله جعلك إنساناً، فلا تجعل نفسك بهيمة ولا سبعاً، واحذر سرعة
الكظة، وداء البطنة، فقد قال الحكيم: إذا كنت بطناً فعد نفسك من الزمنى وقال الأعشى:
واعلم
أن الشبع داعية البشم، والبشم داعية السقم، والسقم داعية الموت، ومن مات هذه
الميتة فقد مات موتة لئيمة، وهو مع هذا قاتل نفسه، وقاتل نفسه ألوم من قاتل
غيره. يا بني، والله ما أدى حق السجود والركوع ذو كظة، ولا خشع لله ذو بطنة،
والصوم مصحة، ولربما طالت أعماز الهند، وصحت أبدان العرب، ولله در الحارث بن كلدة حيث زعم أن الدواء هو الأزم،
وأن الداء إدخال الطعام في أثر الطعام، يا بني لم صفت أذهان الأعراب، وصحت أذهان
الرهبان مع طول الإقامة في الصوامع، حتى لم تعرف وجع المفاصل، ولا الأورام، إلا
لقلة الرزء، ووقاحة الأكل، وكيف لا ترغب في تدبير يجمع لك بين صحة البدن وذكاء
الذهن وصلاح المعاد والقرب وعيش الملائكة. يا
بني لم صار الضب أطول شيء ذماءً، إلا لأنه يتبلغ بالنسيم. ولم
زعم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصوم وجاء، ألا ليجعله حجاباً دون الشهوات! فافهم تأديب الله ورسوله، فإنهما لا يقصدان إلا مثلك. يا بني، إني قد بلغت تسعين عاماً ما نقص لي
سن، ولا انتشر لي عصب، ولا عرفت دنين أنف، ولا سيلان عين، ولا تقطير بول، ما
لذلك علة إلا التخفيف من الزاد، فإن كنت تحب الحياة فهذه سبيل الحياة، وإن كنت
تريد الموت فلا يبعد الله إلا من ظلم. وكان يقال: أقلل طعاماً تحمد مناماً.
وقال عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي: كان عمي يقول لي: لا تخرج يا بني من منزلك حتى تأخذ حلمك-
يعني تتغذى-فإذا أخذت حلمك فلا تزدد إليه حلماً، فإن الكثرة تئول إلى قلة. وفي الحديث المرفوع: ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطن، بحسب الرجل من طعامه ما
أقام صلبه، وأما إذا أبيت فثلث طعام، وثلث شراب، وثلث نفس. وأكل علي عليه السلام قليلاً من تمر دقل وشرب عليه ماء، وأمر يده على بطنه وقال: من أدخله بطنه النار فأبعده الله، ثم تمثل:
وكان
عليه السلام يفطر في رمضان الذي قتل فيه عند الحسن ليلة، وعند الحسين ليلة، وعند
عبد الله بن جعفر ليلة، لا يزيد على اللقمتين أو الثلاث، فيقال له، فيقول: إنما هي ليال قلائل، حتى يأتي
أمر الله وأنا خميص البطن، فضربه ابن ملجم لعنه
الله تلك الليلة.
وقال عيسى عليه السلام: يا بني إسرائيل، لا تكثروا الأكل،
فإنه من أكثر من الأكل أكثر من النوم، ومن أكثر النوم أقل الصلاة، ومن أقل
الصلاة كتب من الغافلين. وقيل ليوسف عليه السلام: ما لك لا تشبع وفي يديك
خزائن مصر؟ قال: إني إذا شبعت نسيت
الجائعين.
ووصف لسابور ذي الأكتاف رجل من إصطخر للقضاء، فاستقدمه، فدعاه إلى
الطعام،
فأخذ الملك دجاجة من بين يديه فنصفها، وجعل نصفها بين يدي ذلك الرجل، فأتى عليه
قبل أن يفرغ الملك من أكل النصف الآخر، فصرفه إلى بلده، وقال: إن سلفنا كانوا يقولون: من شره
إلى طعام الملك كان إلى أموال الرعية أشره. أنس يرفعه: إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت. أنس يرفعه:
أصل كل داء البردة، قالوا: هي التخمة؟ وقال أبو
دريد: العرب تعير بكثرة الأكل، وأنشد:
وقال الشاعر:
ابن عباس
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت
طاوياً ليالي ما له ولأهله عشاء، وكان عامة طعامه الشعير، وقالت عائشة: والذي بعث محمداً بالحق ما كان لنا
منخل، ولا أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزاً
منخولاً منذ بعثه الله إلى أن قبض، قالوا: فكيف كنتم تأكلون دقيق الشعير؟ قالت:
كنا نقول: أف أف.
فأما قوله عليه السلام: "كان لا يتشهى ما لا يجد"
فإنه قد نهى أن يتشهى الإنسان ما لا يجد؟ وقالوا:
إنه دليل على سقوط المروءة. يا
أشعث، إن تحزن على ابنك فقد استحقت ذلك منك الرحم، وإن تصبر ففي الله من كل
مصيبة خلف.
ومن كلامهم في التعازي: إذا استأثر الله بشيء فاله عنه، وتنسب
هذه الكلمة إلى عمر بن عبد العزيز.
وقال
آخر:
وقال
آخر:
ابن
نباتة السعدي:
البحتري:
وكتب بعضهم إلى صديق له مات ابنه: كيف شكرك لله تعالى على ما أخذ من وديعته، وعوض من مثوبته! وعزى عمر بن الخطاب أبو بكر
عن طفل، فقال:
عوضك الله منه ما عوضه منك، فإن الطفل يعوض من أبويه الجنة.
وقال آخر:
آخر:
أخذه المتنبي فقال:
ومثله لغيره:
الأصل: وقال عليه السلام عند وقوفه على قبر رسول الله صلى الله عليه وآله ساعة دفن رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الصبر لجميل إلا
عنك، وإن الجزع لقبيح إلا عليك، وإن المصاب بك لجليل، وإنه بعدك لقليل.
وقال أبو تمام:
وقال أبو الطيب:
وقال أبو تمام أيضاً:
وقالت خنساء أخت عمرو بن الشريد:
ومثل قوله عليه السلام: "وإنه بعدك لقليل"، يعني المصاب أي لا مبالاة
بالمصائب بعد المصيبة بك، قول بعضهم:
وقال الشمردل اليربوعي يرثي أخاه:
قوله:
هو المعنى الذي نحن فيه، وذكرنا سائر الأبيات لأنها فائقة بعيدة
النظير.
ومن الشعر المنسوب إلى علي عليه السلام- ويقال: إنه قاله يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ومن
شعر الحماسة:
الأصل: لا تصحب المائق فإنه يزين لك فعله،
ويود أن تكون مثله. وهذا الجواب تسميه الحكماء جواباً إقناعياً، لأن السائل أراد أن يذكر له كمية
المسافة مفصلة، نحو أن يقول: بينهما ألف فرسخ أو
أكثر أو أقل، فعدل عليه السلام عن ذلك وأجابه
بغيره، وهو جواب صحيح لا ريب فيه، لكنه غير شاف لغليل السائل، وتحته غرض صحيح، وذلك لأنه سأله بحضور
العامة تحت المنبر. فلو قال له:
بينهما ألف فرسخ مثلاً، لكان للسائل أن يطالبه بالدلالة على ذلك، والدلالة على
ذلك يشق حصولها على البديهة، ولو حصلت لشق عليه أن يوصلها إلى فهم السائل، ولو
فهمها السائل لما فهمتها العامة الحاضرون، ولصار فيها قول وخلاف، وكانت تكون
فتنة أو شبيهاً بالفتنة، فعدل إلى جواب صحيح إجمالي
أسكت السائل به، وقنع به السامعون أيضاً واستحسنوه، وهذا من نتائج حكمته عليه السلام.
الأصل: ما أكثر العبر وأقل الاعتبار! الشرح: ما أوجز هذه الكلمة وما أعظم فائدتها! ولا ريب أن العبر
كثيرة جداً، بل كل شيء في الوجود ففيه عبرة، ولا ريب أن المعتبرين بها قليلون،
وأن الناس قد غلب عليهم الجهل والهوى، وأرداهم حب الدنيا، وأسكرهم خمرها، وإن
اليقين في الأصل ضعيف عندهم، ولولا ضعفه لكانت أحوالهم غير هذه الأحوال. وقالوا: الجاهل من لا جاهل له.
الأصل: ما أهمني أمر أمهلت بعده، حتى أصلي ركعتين وأسأل الله
العافية.
الأصل: ما المبتلى الذي قد اشتد به البلاء، بأحوج إلى الدعاء من
المعافى الذي لا يأمن البلاء.
الأصل: إن المسكين رسول الله، فمن منعه فقد
منع الله، ومن أعطاه فقد أعطى الله. وقال بعض الصالحين: من لم تكن نفسه إلى ثواب الصدقة أحوج
من الفقير إلى صدقته، فقد أبطل صدقته، وضرب بها وجهه. الشرح: قد تقدم القول في هذا المعنى.
الأصل: مودة الآباء قرابة بين الأبناء، والقرابة أحوج إلى المودة
من المودة إلى القرابة.
ولا خير في القرابة من دون مودة، وقد قال القائل لما قيل له: إيماء
أحب إليك؛ أخوك أم صديقك؛ فقال: إنما احب
أخي إذا كان صديقاً، فالقربى محتاجة إلى المودة، والمودة مستغنية عن القربى.
وقال أبو الطيب:
أصل: لا يصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد
الله سبحانه أوثق منه بما في يده. فأما ما ذكره الرضي من أنه بعث أنساً إلى طلحة
و الزبير فغير معروف، ولوكأن
قد بعثه ليذكرهما بكلام يختص بهما من رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم ! لما أمكنه أن يرجع، فيقول:
إني أنسيته، لأنه ما فارقه متوجها نحوهما إلا وقد أقر بمعرفته وذكره، فكيف يرجع
بعد ساعة أو يوم فيقول: إني أنسيته، فينكر
بعد الإقرار! هذا مما لا يقع. وإذا رأيتموها قد ملت العمل وسئمت فاقتصروا
بها على الفرائض،
فإنه لا انتفاع بعمل لا يحضر القلب في.
وقال الفند الزماني:
وقال الأحنف:
وقال الراجز:
وقال
أخر:
وقال
أخر:
الأصل: وقال عليه السلام لكاتبه عبيد الله بن
أبي رافع: ألق دواتك، وأطل جلفة قلمك، وفرج بين الطور، وقر مط بين الحروف فإن
ذلك أجدر بصباحه الخط. وتقول: هي جلفة القلم بالكسر، وأصل
الجلف القشر، جلفت الطين من رأس الدن، والجلفة هيئة فتحة القلم التي
يستمد بها المداد، كما تقول: هو حسن الركبة والجلسة ونحو ذلك من الهيئات، وتقول:
قد قر مط فلان خطوه إذا مشى مشياً فيه ضيق وتقارب، وكذلك
القول في تضييق الحروف. الشرح:
ما أحسن قوله: "اختلفنا عنه لا
فيه"، وذلك لأن الاختلاف لم يكن في التوحيد والنبوة، بل في فروع خارجة عن
ذلك، نحو الإمامة والميراث، والخلاف في الزكاة هل هي واجبة أم لا، واليهود لم
يختلفوا كذلك، بل في التوحيد الذي هو الأصل. فكذلك الذين بارزوا علياً عليه السلام من
الأقران، لما كان قد طار صيته، واجتمعت الكلمة أنه ما بارزه
أحد إلا كان المقتول، غلب الوهم عليهم، فقصرت أنفسهم عن مقاومته، وانخذلت أيديهم
وجوارحهم عن مناهضته، وكان هو في الغاية القصوى من الشجاعة والإقدام، فيقتحم
عليهم ويقتلهم. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض ما قيل في الفقر والغنى
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: وقال عليه السلام لابنه: يا بني
إني أخاف عليك الفقر، فاستعذ بالله منه، فإن الفقر منقصة للدين، مدهشة للعقل،
داعية للمقت. الشرح: هذا
موضع قد أختلف الناس فيه كثيراً، ففضل قوم الغنى، وفضل قوم الفقر. وقال: "وجعلت
له مالاً ممدودا".
وقال
أخر:
وقال
أخر:
وقال
أخر:
وقال
الشاعر:
وقال العتابي:
الناس لصاحب المال ألزم من الشعاع للشمس، وهو عندهم أرفع من السماء، وأعذب من
الماء، وأحلى من الشهد، وأزكى من الورد، خطؤه صواب، و سيئته حسنة وقوله مقبول،
يغشى مجلسه، ولا يمل حديثه، والمفلس عندهم أكذب من لمعان السراب، ومن رؤيا
الكظة، ومن مرآة اللقوة ، ومن سحاب تموز، ولا يسأل عنه إن غاب، ولا يسلم عليه
إذا قدم، إن غاب شتموه، وإن حضر طردوه، مصافحته تنقض الوضوء، وقراءته تقطع
الصلاة، أثقل من الأمانة، وأبغض من السائل المبرم.
وقال أصحاب الفقر: الغنى سبب الطغيان، قال الله تعالى:
" كلا إن الإنسان ليطغى، أن رآه أستغني".
وكان يقال:
الفقر شعار الصالحين، والفقر لباس الأنبياء، ولذلك قال
البحتري:
وكان يقال:
الفقر مخف، والغنى مثقل. وفي الخبر: نجا
المخفون. وما أحسن قول أبي العتاهية:
وقد
ذم الله تعالى المال، فقال: "إنما أموالكم
وأولادكم فتنة".
يعني
الدينار، وما احسن ما قاله الأول:
وقال
أخر:
الأصل: وقال لسائل سأله عن مسألة : سل تفقهاً، ولا تسأل تعنتاً؛
فإن الجاهل المتعلم شبيه بالعالم، وإن العالم المتعنت شبيه بالجاهل. الشرح:
الإمام أفضل من الرعية رأيا وتدبيراً فالواجب على من يشير عليه بأمر فلا يقبل أن
يطيع ويسلم علم أن الإمام قد عرف من المصلحة ما لم يعرف.
الأصل: ما ظفر من ظفر الإثم به، والغالب بالشر
مغلوب. وقد ورد في الأخبار الصحيحة أن أبا ذر قال: انتهيت إلى رسول صلى الله
عليه وأله وسلم وهو
جالس في ظل الكعبة، فلما رآني قال: "هم الآخسرون
ورب الكعبة! فقلت: من هم؟ قال: هم الأكثر ون أموالاً، إلا من قال هكذا وهكذا من
بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، وقليل ما هم، ما من صاحب إبل ولا بقر
ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه، تنطحه
بقرونها، وتطاه بأظلافها، فما، كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضي الله
بين الناس...
كان النخعي يكره أن يعتذر إليه ويقول: اسكت معذورا، فإن المعاذير يحضرها
الكذب. الأصل: إن الله سبحانه
جعل الطاعة غنيمة الأكياس عند تفريط العجزة.
وكان يقال:
السلطان القاهر وإن كان ظالما خير للرعية وللملك من السلطان الضعيف وإن كان
عادلا. مغمور بفكرته، ضنين بخلته. سهل الخليقة، لين العريكة؛ نفسه أصلب
من الصلد؛ وهو أذل من العبد. وفي الحديث المرفوع: "أزهد في الناس يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس
يحبك الناس ". وقال الشاعر:
وقال بعض الأدباء: هذا المعنى الذي أطنب فيه الناس ليس كما يزعمونه، لعمري إن
لليأس راحة، ولكن لا كراحة النجاح، وما هو إلا كقول
من قال: لا أدري نصف العلم، فقيل له:
ولكنه النصف الذي لا ينفع! وقال ابن الفضل:
ومما يروى لعبد الله بن المبارك الزاهد:
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض ما قيل في الوعد والمطل،
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: المسئول حر حتى يعد. الشرح :
قد سبق القول في الوعد والمطل. ونحن نذكر هاهنا نكتا أخرى: في الحديث المرفوع:
"من وعد وعدا فكأنما عهد عهداً"، وكان يقال:
الوعد دين الكرام، والمطل دين اللئام. وكان يقال:
الوعد شبكة من شباك الأحرار يتصيدون بها المحا مد. وعنه عليه السلام : "لا تواعد أخاك موعدا
لتخلفه".
وقال الأخر:
وكان يقال:
المطل يسد على صاحبه باب العذر، ويوجب عليه الأحسن والأكثر، والتعجيل يحسن سيئة،
ويبسط عذره في التقليل.
وقال أخر:
الأصل: لو رأى العبد الأجل ومصيره، لأبغض الأمل وغروره.
وقد قال عليه السلام في موضع أخر: بشر مال البخيل بحادث أو
وارث. الأصل: العلم علمان: مطبوع ومسموع، ولا ينفع المسموع، إذا لم يكن
المطبوع. وكان إبراهيم قد ظهر بالبصرة، فقال عبد الله: أنا محبوس، والمحبوس محبوس الرأي، قال له: فعلى ذاك؛ قال يفرق الأموال كلها على الرجال
ويلقاه، فإن ظفر فذاك، وإلا يتوجه إلى أبيه محمد بجرجان، ويتركه يقدم على بيوت
أموال فارغة، فهو خير له من أن تكون الدبرة عليه، ويقدم عدوه على بيوت أموال
مملوءة.
الأصل: يوم العدل على الظالم، أشد من يوم الجور على المظلوم. وبلاؤها:
تعرفها وتصفحها، والتمييز بين ما طاب منها وما خبث.
إنك
يومئذ عنها لمشغول. ذكر عليه السلام الناس فقال: قد عمهم النقص إلا المعصومين. ثم قال:
سائلهم يسال تعنتاً، والسؤال على هذا الوجه مذموم، و مجيبهم متكلف للجواب،
وأفضلهم رأياً يكاد رضاه تارة وسخطه أخرى يرده عن فضل رأيه، أي يتبعون الهوى
ويكاد أصلبهم عوداً، أي أشدهم احتمالاً، تنكؤه اللحظة، نكأت القرحة إذا صدمتها
بشيء فتقشرها. و أستفعل بمعنى "فعل قد جاء كثيراً استغلظ
العسل، أي غلظ.
وأما
بناء ما لا يسكن، فنحو ذلك، وقال الشاعر:
وأما
جامع ما سوف يتركه، فأكثر الناس، قال الشاعر:
الأصل : من العصمة تعذر المعاصي. من العصمة ألا تقدر. وأيضاً،
من العصمة ألا تجد.
وقال أخر:
وقال مصعب بن الزبير: أني لأستحي من رجل وجه إلي رغبته، فبات ليلته يتململ
ويتقلقل على فراشه، ينتظر الصبح، قد جعلني أهلا لأن يقطر ماء وجهه لدي أن أرده
خائباً.
الأصل : الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق، والتقصير عن الاستحقاق
عي أو حسد. فأما من يذنب يستعظم ما أتاه، فحاله أخف من حال الأول، لأنه يكاد
يكون نادماً. أولها:
من نظر في عيب نفسه أشتغل عن عيب غيره؛ كان يقال:
أصلح نفسك أولا، ثم أصلح غيرك.
وخامسها:
من دخل مداخل السوء اتهم؛ هذا مثل قولهم: من عرض نفسه للشبهات فلا يلو من من
أساء به الظن.
الأصل: للظالم من الرجال ثلاث علامات:
الشرح:
يمكن أن يفسر هذا الكلام على وجهين: أحدهما
أن كل من وجدت فيه إحدى هذه الثلاث فهو ظالم، إما أن يكون قد وجبت عليه طاعة من فوقه فعصاه، فهو
بعصيانه ظالم له، لأنه قد وضعه في غير موضعه،، الظلم
في أصل اللغة؛ هو هذا المعنى، ولذلك سموا اللبن يشرب قبل أن يبلغ الروب
مظلوماً، لأن الشرب منه كان في غير موضعه إذا لم يرب ولم يخرج زبده، فكذلك من
عمى من فوقه فقد زحزحه عن مقامه إذا لم يطعه. وإما أن
يكون قد قهر من دونه وغلبه. وإما أن يكون
قد ظاهر الظلمة.
وفي الأثر:
تضايقي تنفرجي، سيجعل الله بعد العسر يسراً.
فأما الفرجة بالضم،
ففرجة الحائط وما أشبهه. الشرح:
تقدم القول نحو هذا المعنى، وهو أمر بالتفويضي والتوكل
على الله تعالى فيمن يخففه الإنسان من ولده وأهله، فإن الله تعالى أعلم
بالمصلحة، وأرأف بالإنسان من أبيه وأمه؛ ثم إن كان الولد في علم الله تعالى وليا
من أولياء الله سبحانه، فإن الله تعالى لا يضيعه، قال سبحانه: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه".
الأصل: كبر العيب أن تعيب ما فيك مثله.
الأصل: وهنأ بحضرته رجل رجلاً أخر بغلام ولد له فقال له: ليهنئك
الفارس! فقال عليه السلام: لا تقل ذلك، ولكن قل: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب، وبلغ
أشده، ورزقت بره.
الشرح:
قد رويت هذه الكلمة عن عمر- رضي الله عنه - ذكر
ذلك ابن قتيبة "عيون الأخبار"، وروي عنه أيضا: لي على كل خائن أمينان: الماء
والطين. فإذا معنى كلامه عليه السلام
أن الله تعالى إذا علم فيمن يجعل في
دار ويسد عليه بابها أن في بقاء حياته لطفاً لبعض المكلفين فإنه يجب على الله
تعالى أن يديم حياته، كما يشاء سبحانه؛ إما بغذاء
يقيم به مادة حياته، أو يديم حياته بغير سبب، وهذا هو الوجه الذي منه يأتيه أجله أيضاً، لأن إماتة
الله المكلف أمر تابع للمصلحة، لأنه لا بد من
انقطاع التكليف على كل حال للوجه الذي يذكره
أصحابنا في كتبهم، فإذا كان الموت تابعا
للمصلحة، وكان الإحياء تابعاً للمصلحة، فقد أتي الإنسان رزقه- يعني
حياته- من حيث يأتيه أجله. وانتظم الكلام.
الأصل: أيها الناس، ليركم الله من النعمة، وجلين، كما يراكم من
النقمة فرقين. إنه من وسع عليه في ذات يده، فلم ير ذلك استدراجا، فقد أمن
مخوفا"، ومن ضيق عليه في ذات يده، فلم ير ذلك اختباراً، فقد ضيع مأمولاً. و الصريف:
صوت الأسنان إما عند رعدة أو عند شدة الغضب والحنق، والحرص على الانتقام، أو نحو
ذلك. وكان ثمامة يحدث بسؤدد يحمى بن خالد وابنه جعفر ويقول: إن الرشيد نكب على بن عيسى بن ماهان
وألزمه مائة ألف دينار أذى منها خمسين ألفا، ويلح بالباقي، فأقسم الرشيد إن لم
يؤد المال في بقية هذا اليوم وإلا قتله. وكان علي بن عيسى
عدواً للبرامكة مكاشفاً، فلما علم أنه مقتول سأل أن يمكن من السعي إلى الناس
ستنجدهم، ففسح له في ذلك، فمضى ومعه وكيل الرشيد وأعوانه إلى باب يحيى وجعفر،
فأشبلا عليه وصححا من صلب أموالهما خمسين ألف دينار في باقي نهار ذلك اليوم
بديوان الرشيد باسم علي بن عيسى، واستخلصاه؛ فنقل بعض
المنتصحين لهما إليهما أن في بن عيسى قال في أخر نهار ذلك اليوم متمثلاً:
فقال يحيى للناقل إليه ذلك: يا هذا إن المرعوب ليسبق لسانه إلى ما لم يخطر بقلبه.
الأصل: إذا كانت لك إلى الله سبحانه حاجة فابدأ بمسألة الصلاة
على رسوله صلى الله عليه وأله وسلم، ثم سل حاجتك؛ فإن الله أكرم من أن يسأل
حاجتين، فيقضي إحداهما ويمنع الأخرى.
الأصل: الفكر مرآة صافية، والاعتبار منذر ناصح، وكفي أدباً لنفسك
تجنبك ما كرهته لغيرك. أخذه شاعر هم
فقال:
الأصل: العلم مقرون بالعمل، فمن علم عمل، والعلم يهتف بالعمل،
فإن أجاب وإلا أرتحل عنه. وإنما ينظر المؤمن إلى الدنيا بعين
الاعتبار، ويقتات منها ببطن الاضطرار، ويسمع فيها بأذن المقت والإبغاض، إن قيل
أثرى قيل كدي، وإن فرح له بالبقاء حزن له بالفناء، هذا ولم يأتهم يوم هم فيه
مبلسون . الثروة: اليسار والغنى، وإنما حكم على مكثريها
بالفاقة والفقر لأنهم لا ينتهون إلى حد من الثروة والمال إلا وجدوا واجتهدوا،
وحرصوا في طلب الزيادة عليه، فهم في كل أحوالهم فقراء إلى تحصيل المال، كما أن
من لا مال له أصلاً يجد ويجتهد في تحصيل المال، بل ربما كان جدهم وحرصهم على ذلك
أعظم من كدح الفقير و حرصه، وروي:
"واعين من غني عنها" ومن رواه "أغنى
أي أغنى الله من غني عنها وزهد فيها بالراحة وخلو البال وعدم الهم والغم. يقول:
بينا يقال: أثرى قيل: افتقر، لأن هذه صفة الدنيا في تقلبها بأهلها، وإن فرح له
بالحياة ودوامها، قيل: مات وعدم، هذا ولم
يأتهم يوم القيامة يوم هم فيه مبلسون، أبلس الرجل يلبس إبلاساً أي قنط ويئس،
واللفظ من لفظات الكتاب العزيز. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض ما قيل في حال الدنيا وصروفها
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقد
ذكرنا من حال الدنيا وصر وفها وغدرها بأهلها فيما تقدم أبواباً كثيرة نافعة،
ونحن نذكر هاهنا زيادة على ذلك. وروى أنس قال: كانت ناقة
رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم العضباء
لا تسبق، فجاء أعرابي بناقة له فسبقها، فشق ذلك على المسلمين، فقال رسول الله صلى
الله عليه وأله وسلم : "حق على الله ألا يرفع في الدنيا شيئا إلا وضعه ". ثم قال أبو الجرداء من قبل نفسه: أيها الناس، لو تعلمون ما اعلم
لخرجتم إلى الصعدات تبكون على أنفسكم، ولتركتم أموالكم لا حارس لها، ولا راجع
إليها إلا ما لا بد لكم منه، ولكن غاب عن قلوبكم ذكر الأخرة، وحضرها الأمل،
فصارت الدنيا أملك بأعمالكم، وصرتم كالذين لا يعلمون، فبعضكم شر من البهائم التي
لا تدع هواها، ما لكم لا تحابون ولا تناصحون في أموركم، وأنتم إخوان على دين
واحد، ما فرق بين أهوائكم إلا خبث سرائركم، ولو اجتمعتم على البر لتحاببتم، ما
لكم لا تناصحون في أموركم، ما هذا إلا من قلة الإيمان في قلوبكم، ولو كنتم
توقنون بأمر الأخرة كما توقنون بالدنيا لأثرتم طلب الأخرة، فإن قلتم حب العاجلة
غالب، فأنا نراكم تدعون العاجل من الدنيا للآجل منها، ما لكم تفرحون باليسير من
الدنيا، وتحزنون على اليسير منها يفوتكم، حتى يتبين ذلك في وجوهكم، ويظهر على
ألسنتكم، وتسمونها المصائب، وتقيمون فيها المآتم، وعامتكم قد تركوا كثيرا من
دينهم ثم لا يتبين ذلك في وجوههم، ولا تتغير حال بهم، يلقى بعضهم بعضا بالمسرة،
ويكره كل منكم أن يستقبل صاحبه بما يكره مخافة أن يستقبله صاحبه بمثله، فاصطحبتم
على الغل، وبنيتم مراعيكم على الدمن، وتصافيتم على رفض الأجل، أراحني الله منكم،
و ألحقني بمن احب رؤيته.
وفي الحديث المرفوع: "ليأتينكم بعدي دنيا تأكل إيمانكم كما تأكل النار
الحطب".
وقال بعض الحكماء:
كانت الدنيا ولم أكن فيها، وتذهب الدنيا ولا أكون فيها، ولست أسكن إليها، فإن
عيشها نكد، وصفوها كدر، وأهلها منها على وجل، إما بنعمة زائلة، أو ببلية نازلة،
أو ميتة قاضية. وقال بعضهم: من عيب الدنيا أنها لا تعطي أحداً ما يستحق، إما أن
تزيد له، وأما أن تنقص. وقال بعضهم:
ما أصبح أحد في الدنيا إلا وهو ضيف، ولا شبهة في أن الضيف مرتحل، وما أصبح ذو
مال فيها إلا وماله عارية عنده، ولا ريب أن العارية مردودة، ومثل هذا قول الشاعر :
وقيل لإبراهيم بن أدهم : كيف أنت؛ فأنشد:
وزار رابعة العدوية أصحابها، فذكروا الدنيا فأقبلوا على ذمها،
فقالت: اسكتوا عن ذكرها وكفوا، فلولا موقعها
في قلوبكم ما أكثرتم من ذكرها، إن من احب شيئا أكثر
من ذكره. وقال فطرف بن الشخير: لا تنظروا إلى خفض عيش الملوك، ولين رياشهم، ولكن انظروا
إلى سرعة ظعنهم، وسوء منقلبهم. قال الشاعر:
وقال أبو العتاهية:
وقاد بعضهم: الدنيا
جيفة ، فمن أراد منها شيئا فليصبر على معاشرة الكلاب. أخذ
المال من غير حقه، وإنفاقه في غير حقه، لإمساكه عن حقه، والشر كله لهذه الثلاث نبع. وهذا مقتبس من قول أمير المؤمنين عليه السلام : الدنيا والأخرة ضرتان: فبقدر ما
ترضي إحداهما تسخط الأخرى، وقال الشاعر:
وقالوا: لو وصفت الدنيا نفسها لما قالت أحسن من قول أبي نواس
فيها:
ومن كلام الشافعي يعظ أخا له: يا أخي، إن الدنيا دحض مزلة ، ودار مذلة، عمرانها إلى
الخراب سائر، وساكنها إلى القبور زائر، شملها على الفرقة موقوف، وغناها إلى
الفقر مصروف، الإكثار فيها إعسار، والإعسار فيها يسار، فافزع إلى الله، وارض
برزق الله، ولا تستلف من دار بقائك في دار فنائك، فإن عيشك في زائل، وجدار مائل.
أكثر من عملك، وأقصر من املك. وقال بعضهم:
الدنيا دار خراب، وأخرب منها قلب من يعمرها، والجنة دار عمران، وأعمر منها قلب
من يطلبها. ومن كلام بعض فصحاء الزهاد:
أيها الناس اعملوا في مهل، وكونوا من الله على وجل، ولا تغتروا بالأمل، ونسيان
الأجل، ولا تركنوا إلى الدنيا؛ فإنها غدارة غرارة خداعه، قد تزخرفت لكم بغرورها،
وفتنتكم بأمانيها، وتزينت لخطابها، فأضحت كالعروس المتجلية، العيون إليها ناظرة،
والقلوب عليها عاكفة، والنفوس لها عاشقة. فكم من عاشق لها قتلت، ومطمئن إليها خذلت! فانظروا إليها بعين الحقيقة، فإنها دار كثرت
بوائقها ، وذمها خالقها، جديدها يبلى، وملكها يفنى، و عزيزها يذل و كثيرها يقل،
وحيها يموت، وخيرها يفوت؛ فاستيقظوا من غفلتكم، وانتبهوا من رقدتكم، قبل أن يقال: فلان عليل، ومدنف ثقيل، فهل على الدواء
من دليل، وهل إلى الطبيب من سبيل؛ فتدعى لك الأطباء، ولا يرجى لك الشفاء، ثم يقال فلان أوصى، وماله أحصى، ثم يقال: قد ثقل لسانه فما يكلم إخوانه، ولا يعرف
جيرانه، وعرق عند ذلك جبينك، وتتابع أنينك، وثبت يقينك، وطمحت جفونك، وصدقت
ظنونك، وتلجلج لسانك، وبكى إخوانك، وقيل لك:
هذا ابنك فلان، وهذا أخوك فلان؛ منعت من الكلام فلا تنطق، وختم على لسانك فلا
ينطبق، ثم حل بك القضاء، وانتزعت روحك من الأعضاء، ثم عرج بها إلى السماء،
فأجتمع عند ذلك إخوانك، أحضرت أكفانك، فغسلوك وكفنوك، ثم حملوك فدفنوك، فانقطع
عوادك، واستراح حسادك، وانصرف أهلك إلى مالك، وبقيت مرتهنا بأعمالك. وكتب الحسن البصري إلى عمر بن عبد
العزيز: أما بعد، فإن الدنيا دار ظعن ليست بدار إقامة،
وإنما أنزل إليها عقوبة فأحذرها فإن الزاد منها ربحها، والغنى منها فقرها، لها
في كل حين قتيل، تذل من أعزها، وتفقر من جمعها، هي كالسم يأكله من لا يعرفه وهو
حتفه، فكن فيها كالمداوي جراحه، يحمي قليلاً مخافة ما يكرهه طويلاً، ويصبر على شدة
الدواء، مخافة طول البلاء، فأحذر هذه الدنيا الغدارة المكارة، الحثالة الخداعة،
التي قد تزينت بخدعها، وفتنت بغرورها، وتحلت بآمالها، وتشرفت لخطابها، فأصبحت
بينهم كالعروس تجلى على بعلها، العيون إليها ناظرة، والقلوب عليها وألهه،
والنفوس لها عاشقة، وهي لأزواجها كلهم قاتلة، فلا الباقي بالماضي معتبر.، ولا
الأخر بالأول مزدجر، ولا العارف بالله حين أخبره عنها مد كر، فمن عاشق لها قد
ظفر منها بحاجته، فاغتر وطغى ونسي المعاد، وشغل بها لبه حتى زلت عنها قدمه،
فعظمت ندامته، وكثرت حسرته، واجتمعت عليه سكرات الموت بألمه، وحسرات الفوت
بغصته، ومن راغب فيها لم يدرك منها ما طلب، ولم يرح نفسه من التعب، خرج منها
بغير زاد، وقدم على غير مهاد؛ فأحذرها ثم أحذرها، وكن ما تكون فيها أحذر ما تكون
لها، فإن صاحبها كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصته إلى مكروه، والسار منها لأهلها
كار، والنافع منها في غد ضار، قد وصل الرخاء منها بالبلاء، وجعل البقاء فيها
للفناء؛ فسرورها مشوب بالأحزان، ونعيمها مكار بالأشجان، لا يرجع ما ولى منها
وأدبر، ولا يدرى ما هو آت فينتظر، أمانيها كاذبة، وآمالها باطلة، وصفوها كدر،
وعيشها نكد، والإنسان فيها على خطر إن عقل ونظر، وهو من النعماء على غرر، ومن
البلاء على حذر، لو كان الخالق لها لم يخبر عنها خبراً، ولم يضرب لها مثلا،
لكانت هي نفسها قد أيقظت النائم، ونبهت الغافل، فكيف وقد جاء من الله عنها زاجر،
وبتصاريفها واعظ، فما لها عند الله قدر، ولا نظر إليها منذ خلقها، ولقد عرضت على نبيك محمد صلى الله عليه وأله وسلم بمفاتيحها وخزائنها لا ينقصه ذلك عند الله جناح بعوضة، فأبى أن
يقبلها، كره أن يخالف على الله أمره، أو يحب ما أبغضه خالقه، أو يرفع ما وضعه
مليكه، زواها الرب سبحانه عن الصالحين اختباراً، وبسطها لأعدائه اغتراراً، فيظن
المغرور بها، المقتدر عليها، أنه اكرم بها، وينسى ما صنع الله تعالى بمحمد صلى الله عليه وأله وسلم "من
شده الحجر على بطنه، وقد جاءت الرواية عنه عن ربه
سبحانه أنه قال لموسى: إذا رأيت الغنى مقبلاً فقل ذنب عجلت عقوبته، وإذا
رأيت الفقر مقبلاً فقل مرحباً بشعار الصالحين؛ وإن شئت
اقتديت بصاحب الروح والكلمة عيسى؛ كان يقول: آدمي
الجوع، وشعاري الخوف، ولباسي الصوف، وصفاتي في الشتاء مشارق الشمس، وسراجي
القمر، ووسادي الحجر، ودابتي رجلاي، وفاكهتي وطعامي ما أنبتت الأرض، أبيت وليس
لي شيء، وليس على الأرض أحد أغنى مني. ومن كلام بعض الحكماء:
الأيام سهام، والناس أغراض، والدهر يرميك كل يوم بسهامه، ويتخرمك بلياليه
وأيامه؛ حتى يستغرق جميع أجزائك، و يصمي جميع أبعاضك، فكيفكاء سلامتك من وقوع
الأيام بك، وسرعة الليالي في بدنك! ولو كشف لك عما
أحدثت الأيام فيك من النقص لاستوحشت من كل يوم يأتي عليك واستثقلت ممر الساعات بك،
ولكن تدبير الله تعالى فوق النظر والاعتبار. وقال أمير المؤمنين عليه السلام :
"من ظفر من الدنيا بأعلى وأعظم أمنية ليس كأخر ظفر من الأخرة بأدون درجات
أهل الثواب، لا مناسبة ولا قياس بين نعيم الدنيا والأخرة". وقال رجل لبشر بن الحارث: ادع لي فقد أضر الفقر بي
وبعيالي؛ فقال: إذا قال لك عيالك؛ ليس عندنا
دقيق ولا خبز فادع لبشر بن الحارث في ذلك الوقت، فإن دعاءك أفضل من دعائه. أيها المؤمنون، إنه من رأى عدواناً
يعمل به، ومنكراً يدعى إليه، فأنكره بقلبه فقد سلم وبريء، ومن أنكره بلسانه فقد
أجر، وهو أفضل من صاحبه، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة
الظالمين السفلي ، فذلك الذي أصاب سبيل الهدى، وقام على الطريق، ونور في قلبه اليقين. وكان النهي عن المنكر معروفا ًفي
العرب في جاهليتها، كان في قريش حلف الفضول، تحالفت قبائل منها على أن يردعوا
الظالم، وينصروا المظلوم، ويردوا عليه حقه ما بل بحر صوفه، وقد ذكرناه فيما
تقدم. والنفثة: الفعلة
الواحدة من نفثت الماء من فمي، أي قذفته بقوة. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
النهي عن المنكر،
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ونحن نذكر خلاصة ما يقوله أصحابنا في
النهي عن المنكر، ونترك الاستقصاء فيه للكتب
الكلامية التي هي أولى ببسط القول فيها من
هذا الكتاب. قال الشيخ أبو علي- رحمه الله:
العقل يدل على وجوبه، وإلى هذا القول مال شيخنا أبو
الحسين رحمه الله. وأما شروط حسنه فوجوه: منها
أن يكون ما ينكره قبيحاً، لأن إنكار الحسن وتحريمه قبيح، والقبيح على ضروب: فمنه ما يقبح من كل مكلف، وعلى كل
حال، كالظلم. ومنه ما يقبح من كل مكلف
على وجه دون وجه، كالرمي بالسهام، وتصريف الحمام، والعلافي بالسلاح، لأن تعاطي
ذلك لمعرفة الحرب والتقوى على العدو، ولتعرف أحوال البلاد بالحمام حسن لا يجوز
إنكاره، وان قصد بالاجتماع على ذلك الاجتماع على السخف واللهو ومعاشرة ذوي الريب
والمعاصي فهو قبيح يجب إنكاره. ومنها أن يكون ما ينهى عنه واقعاً، لأن غير الواقع لا
يحسن النهي عنه، لا نما يحسن الذم عليه، والنهي عن أمثاله. وأما من يقول من أصحابنا إن التكليف من المعلوم منه أنه يكفر حسن وإن لم يكن فيه لطف
لغير المكلف، فإنه لا يصح منه القول بقبح هذا
الإنكار. فأما شرائط وجوب النهي عن المنكر فأمور: منها
أن يغلب على الظن وقوع المعصية نحو أن يضيق وقت صلاة الظهر، ويرى الإنسان لا
يتهيأ للصلاة، أو يراه تهيأ لشرب الخمر بإعداد آلته، ومتى لم يكن كذلك حسن منا
أن ندعوه إلى الصلاة، و-إن لم يجب علينا دعاؤه. وإن غلب على ظنه
أنه لا يفعل ما أنكره عليه ولكنه يضر به؛ نظر فإن كان
إضراره به أعظم قبحا مما يتركه إذا أنكر عليه، فإنه لا يحسن الإنكار عليه، لأن
الإنكار عليه قد صار والحالة هذه مفسدة، نحو أن ينكر الإنسان على غيره
شرب الخمر، فيترك شربها ويقتله. وإن كان ما يتركه إذا أنكر عليه أعظم قبحا مما ينزل
به من المضرة، نحو أن يهم بالكفر، فإذا أنكر عليه تركه وجرح المنكر عليه أو قتله
فإنه لا يجب عليه الإنكار، ويحسن منه الإنكار، أما
قولنا: لا يجب عليه الإنكار، فلأن الله تعالى قد أباحنا التكلم بكلمة
الكفر عند الإكراه، فبأن يبيحنا ترك غيرنا أن يتلفظ بذلك عند الخوف على النفس
أولى، وأما قولنا: إنه يحسن الإنكار، فلأن
في الإنكار مع الظن لما ينزل! بالنفس من المضرة إعزازاً للدين، كما أن في
الامتناع من إظهار كلمة الكفر مع الصبر على قتل النفس إعزازاً للدين، لا فضل
بينهما. فأما كيفية إنكار المنكر فهو أن يبتدئ بالسهل، فإن نفع وإلا ترقى إلى الصعب، لأن الغرض ألا يقع
المنكر، فإذا أمكن ألا يقع بالسهل فلا معنى لتكلف الصعب، ولأنه تعالى أمر
بالإصلاح قبل القتال في قوله: "فأصلحوا
بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي". ووبئ البلد
بالكسر يوبأ وباءة فهو وبئ على فعيل أيضاً، ويجوز فهو
وبئ على فعل مثل خذر وأشر. يقول عليه السلام: الحق وإن كان ثقيلا إلا أن عاقبته
محمودة، ومغبته صالحة، والباطل وإن كان خفيفاً إلا أن عاقبته مذمومة، ومغبته غير
صالحة، فلا يحملن أحدكم حلاوة عاجل الباطل على فعله، فلا
خير في لذة قليلة عاجلة، يتعقبها مضار عظيمة آجلة، ولا يصرفن أحدكم عن
الحق ثقله فإنه سيحمد عقبى ذلك، كما يحمد شارب الدواء المر شربه فيما بعد إذا
وجد لذة العافية. ونحن نذكر هاهنا زيادات أخرى. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض ما ورد في الجود والبخل،
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال بعض الحكماء:
السخاء هيئة للإنسان، داعية إلى بذل المقتنيات، حصل معه البذل لها أو لم يحصل، وذلك خلق، ويقابله
الشح؛ وأما الجود، فهو بذل المقتنى؛ ويقابله البخل؛ هذا هو الأصل، وإن كان كل واحد منها قد يستعمل في موضع الأخر، والذي يدل على صحة
هذا الفرق أنهم جعلوا اسم الفاعل من السخاء والشح على
بناء الأفعال الغريزية، فقالوا: شحيح وسخي،
فبنوه على"فعيل" كما قالوا: حليم وسفيه وعفيف، وقالوا: جائد
وباخل، فبنوهما على اسم!فاعل "
كضارب وقاتل؛ فأما قولهم: بخيل، فمصروف عن لفظ فاعل للمبالغة، كقولهم في
راحم رحيم، وبدل أيضا على أن السخاء غريزة وخلق أنهم لم يصفوا البارىء
سبحانه به فيقولوا سخي، فأما الشح فقد عظم أمره وخوف منه، ولهذا قال عليه السلام: "ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه
"، فخص المطاع تنبيها على أن وجود الشح في النفس فقط ليس مما يستحق
به ذم لأنه ليس من فعله، وإنما يذم بالانقياد له؛ قال
سبحانه: "ومن يوق شح نفسه"، وقال: "واحضرت
الأنفس الشح". وحق
للجود بأن تقرن بالإيمان، فلا شيء أخص به وأشد مجانسة له منه، فإن من صفة المؤمن انشراح الصدر، كما قال تعالى: "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للأسلام ومن يرد
أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء"؛ وهذا من صفات الجواد والبخيل،
لأن الجواد واسع الصدر، منشرح مستبشر للإنفاق والبذل، والبخيل قنوط ضيق الصدر،
حرج القلب ممسك. وأما من يعطي لغرض
وداع نحو أن يحب الثناء والمحمدة، فانه مستعيض وتاجريعطي شيئا ليأخذ شيثا، قالوا قول أبي نواس:
ليس
بغاية في الوصف بالجود التام، بل هو وصف بتجارة عمودة، وأحسن
منه قول ابن الرومي:
وأحسن منهما قول بشار:
ونحن قد ذكرنا ما في هذا الموضع من البحث العقلي في كتبنا
العقلية.
ومثله:
الأصل: الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به، فإذا تكلمت به صرت في
وثاقه؛ فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك؛ فرب كلمة سلبت نعمة. الشرح: قد تقدم القول في مدح الصمت وذم
الكلام الكثير. وقيل لحذيفة:
قد أطلت سجن لسانك! فقال: لأنه غيرمأمون إذا
اطلق. الأصل: لا تقل ما لا
تعلم؛ بل لا تقل كل ما تعلم، فإن الله سبحانه قد فرض على جوارحك كلها فرائض يحتج بها عليك
يوم القيامة. وما أحسن قول شيخنا أبي علي رحمه الله: لولا القول بالإرجاء، لما عمي الله
في الأرض. وأما
الطمأنينة إلى من لم يعرف ولم يختبر فإنها عجز-
كما قال عليه السلام
- يعني عجزاً
في العقل والرأي، فإن الوثوق مع التجربة فيه ما
فيه، فكيف قبل التجربة! وقال الشاعر:
الأصل: من هوان الدنيا على الله أنه لا يعصى إلا فيها، ولا ينال
ما عنده إلا بتركها. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض ما قيل في حال الدنيا،
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقد تقدم من كلامنا في حال الدنيا
وهوانها على الله واغترار الناس بها وغدرها بهم ، وذم العقلاء لها، وتحذيرهم
منها ما فيه كفاية. مثل الدنيا
وأهلها كقوم ركبوا سفينة فانتهت بهم إلى جزيرة، فأمرهم الملاح بالخروج لقضاء الحاجة وحذرهم المقام، وخوفهم
مرور السفينة، واستعجالها، فتفرقوا في نواحي الجزيرة، فقضى بعضهم حاجته وبادر إلى السفينة، فصادف المكان خاليا، فأخذ أوسع المواضع وألينها وأوفقها
لمراده. وبعضهم توقف في الجزيرة ينظر إلى أزهارها وأنوارها العجيبة، وغياضها الملتفة،
ونغمات طيورها الطيبة، وألحانها الموزونة الغريبة، ولحظ في تزيينها أحجارها
وجواهرها ومعادنها المختلفة الألوان ذوات الأشكال الحسنة المنظر، العجيبة النقش،
السالبة أعين الناظرين بحسن زبرجها، وعجائب صورها، ثم
تنبه لخطر فوات السفينة، فرجع إليها فلم يصادف إلا مكانا ضيقاً حرجاً، فاستقر
فيه. وبعضهم أكب فيها على تلك الأصداف
والأحجار، وقد أعجبه حسنها، ولم تسمح نفسه بإهمالها وتركها،
فأستصحب منها جملة، فجاء إلى السفينة فلم يجد إلا مكاناً ضيقاً، وزاده ما حمله ضيقاً، وصار ثقلاً
عليه ووبالاً، فندم على أخذه، ولم تطعه نفسه على رميه، ولم يجد موضعا له،
فحمله على عنقه ورأسه، وجلس في المكان الضيق في
السفينة، وهو متأسف على أخذه ونادم، وليس ينفعه
ذلك. وبعضهم تولج بتلك الأنوار والغياض، ونسي السفينة
وأبعد في متفزجه ومتنزهه، حتى أن نداء الملاح لم
يبلغه لاشتغاله بأكل تلك الثمار، واشتمامه تلك الأنوار، والتفرج بين تلك
الأشجار، وهو مع ذلك خائف على نفسه من السباع، والسقطات والنكبات، ونهش الحيات،
وليس ينفك عن شوك يتثبت بثيابه، وغصن يجرح جسمه، ومروه تدمى رجله، وصوت هائل
يفزع منه، وعوسج يملأ طريقه، ويمنعه عن الانصراف لو أراده، وكان في جماعة ممن كان معه في السفينة حالهم حاله،
فلما بلغهم نداء السفينة راح بعضهم مثقلا بما معه فلم
يجد في السفينة موضعاً واسعاً ولا ضيقاً، فبقي على الشط حتى مات جوعاً. وبعضهم بلغه النداء، فلم يعرج عليه، واستغرقته اللذة، وسارت السفينة، فمنهم من افترسته السباع، ومنهم من تاه وهام على وجهه حتى هلك، ومنهم
من أرتطم في الأوحال، ومنهم من نهشته الحيات. فتفرقوا هلكى كالجيف المنتنة. فأما من وصل إلى السفينة مثقلاً بما أخذه من
الأزهار والفاكهة اللذيذة، والأحجار المعجبة، فإنها استرقته وشغله الحزن بحفظها
والخوف من ذهابها عن جميع أموره، وضاق عليه بطريقها مكانه، فلم تلبث أن ذبلت تلك الأزهار، وفسدت تلك الفاكهة الغضة.
وكمدت ألوان الأحجار وحالت، فظهر له نتن رائحتها، فصارت مع كونها مضيقة عليه
مؤذية له بنتنها ووحشتها، فلم يجد حيلة إلا أن ألقاها في البحر هربا ًمنها وقد
أثر في مزاجه ما أكله منها، فلم ينته إلى بلده إلا بعد أن ظهرت عليه الأسقام بما
أكل وما شم من تلك الروائح، فبلغ سقيما وقيذا مدبراً، وأما من كان رجع عن قريب وما فاته إلا
سعة المحل، فإنه تأذى بضيق المكان مدة، ولكن لما
وصل إلى الوطن استراح، وأما من رجع أولا فانه وجد المكان الأوسع، ووصل إلى الوطن
سالما طيب القلب مسروراً. وقد ضرب أيضا لها مثال أخر في عبور الإنسان عليها، قالوا: الأحوال ثلاثة: حال لم يكن الإنسان فيها شيئا، وهي ما قبل وجوده إلى
الأزل، وحال لا يكون فيها موجوداً مشاهداً للدنيا،
وهي بعد موته إلى الأبد، وحالة متوسطة بين الأزل
والأبد، وهي أيام حياته في الدنيا، فلينظر
العاقل إلى الطرفين الطويلين، ولينظر إلى الحالة المتوسطة، هل يجد لها
نسبة إليها ، وإذا رأى العاقل الدنيا بهذه العين لم يركن إليها، ولم يبال كيف
تقضت أيامه فيها، في ضر وضيق، أو في سعة ورفاهة، بل لا يبني لبنة على لبنة؛ توفي رسول صلى الله عليه وأله وسلم ، وما وضع لبنة على لبنة،
ولا قصبة على قصبة.
ورأى بعض الصحابة بنى بيتا من جص فقال: أرى الأمر أعجل من هذا، أنكر ذلك،
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وأله وسلم: ما لي وللدنيا، إنما مثلي ومثلها
كراكب سار في يوم صائف، فرفعت له شجرة فقام تحت ظلها ساعة ثم راح وتركها، وإلى
هذا أشار عيسى بن مريم حيث قال: الدنيا قنطرة، فاعبروها
ولا تعمروها، وهو مثل صحيح، فإن
الحياة الدنيا قنطرة إلى الأخرة، والمهد هو أحد جانبي
القنطرة، واللحد الجانب الأخر، وبينهما مسافة محدودة، فمن الناس من قطع
نصف القنطرة، ومنهم من قطع ثلثيها، ومنهم من لم يبق له إلا خطوة واحدة وهو غافل
عنها، وكيفما كان فلا بد من العبور والانتهاء،
ولا ريب أن عمارة هذه القنطرة، وتزيينها بأصناف الزينة لمن هو محمول قسرا ًوقهرا
على عبورها، يسوقه سائق عنيف، غاية الجهل والخذلان.
وكان
يقال: أجهل الناس من افتخر بالعظام البالية، وتبجح
بالقرون الماضية، واتكل على الأيام الخالية. وكان يقال: ضعة الدنيء في نفسه والرفيع في
أصله، أقبح من ضعة الوضيع في نفسه وأصله، لأن هذا تشبه بآبائه وسلفه، وذاك قصر
عن أصله وسلفه، فهو إلى الملامة أقرب، وعن العذر أبعد.
وقال عبد الله بن جعفر :
وقال أخر:
وقال أخر:
وقال أخر:
وقيل لرجل يدل بشرف آبائه، لعمري لك أول، ولكن ليس لأولك أخر. وقيل لشريف ناقص
الأدب: إن شرفك بأبيك لغيرك، وشرفك بنفسك لك، فافرق بين ما لك وما لغيرك،
ولا تفرح بشرف النسب، فإنه دون شرف الأدب. الشرح:
موضع "بعده النار" رفع لأنه صفة
"خير" الذي بعد ما"، وخبر يرفع لأنه اسم ما، وموضع الجار
والمجرور نصب لأنه خبر ما، والباء زائدة، مثلها في
قولك: ما أنت بزيد، كما تزاد في خبر ليس، والتقدير
ما خير تتعقبه النار بخير، كما تقول: ما لذة
تتلوها نغصه بلذة، ولا ينقدح في ما الوجهان اللذان
ذكرهما أرباب الصناعة النحوية في قولهم: لا خير بخير بعده النار، أحدهما
ما ذكرناه في ما، والأخر أن يكون موضع بعده النار جراً لأنه صفة خير المجرور،
ويكون معنى الباء معنى في كقولك: زيد بالدار وفي الدار، ويصير تقدير الكلام: لا خير في خير تعقبه النار، وذلك أن ما تستدعي
خبراً موجوداً في الكلام، بخلاف لا، فإن خبرها محذوف في
مثل قولك: لا إله إلا الله، ونحوه، أي في الوجود أو لنا أو ما أشبه ذلك،
وإذا جعلت بعده صفه خبر المجرور لم يبق معك ما تجعله خبر ما. فأما مرض القلب وصحته فالمراد به التقوى
وضدها، وقد سبق القول في ذلك.
الأصل: للمؤمن ثلاث ساعات: فساعة يناجي فيها ربه، وساعة يرم فيها
معايشه ، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذتها فيما يحل ويجمل؛ وليس للعاقل أن
يكون شاخصاً إلا في ثلاث: مرمة لمعاش، أو خطوة في معاد، أو لذة في غير محرم. ويرم معاشه:
يصلحه. وشاخصاً:
راحلاً. وخطوة في معاد،
يعني في عمل المعاد، وهو العبادة والطاعة.
فإذا
زهد فيها فقد لسخطها وإذا سخطها ابصر عيوبها مشاهدة لا رواية.
وكان يحي بن خالد يقول: ما جلس إلي أحد قط إلا هبته حتى
يتكلم، فإذا تكلم إما أن تزداد الهيبة أو تنقص. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض ما ورد في الطيب،
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: نعم الطيب المسك، خفيف محملة، عطر ريحه. الشرح:
كان النبي صلى الله عليه وأله وسلم كثير
التطيب بالمسك وبغيره من أصناف الطيب. وجاء الخبر الصحيح عنه: "حبب إلي من دنياكم ثلاث: الطيب، والنساء، وقرة عيني
في الصلاة". ونحوها: "لا تردوا الطيب فإنه طيب الريح،
خفيف المحمل".
قالوا:
!سميت الغالية غاليةً، لأن عبد الله بن جعفر أهدى لمعاوية قارورة منها، فسأله،
كم أنفق عليها، فذكر مالاً، فقال: هذه غالية فسميت غالية.
وروى أبو قلابة قال: كان أبن مسعود إذا خرج من بيته إلى المسجد عرف من في الطريق
أنه قد مر من طيب ريحه.
سمع عمر قول سحيم عبد بني الحسحاس:
فقال له:
ويحك! إنك مقتول، فلم تمض عليه أيام حتى قتل.
لو
كانت هذه الصفة لزنجية تجتلي الحلة لطابت، هلا قلت
كما قال سيدك أمرؤ القيس:
وقال الزمخشري: إن النوى المنقع بالمدينة ينتاب
أشرافها المواضع التي يكون فيها التماسنا ًلطيب ريحه، وإذا وجدوا ريحه بالعراق
هربوا منها لخبثها، قال: ومن أختلف في طرقات
المدينة وجد رائحة طيبه وبنة عجيبة، ولذلك سميت طيبة، والزنجية بها تجعل في
رأسها شيئا من بلح وما لا قيمة له، فتجد له خمرة لا يعدلها بيت عروس من ذوات
الأقدار.
الصنوبري
في استهداء المسك:
يقال: إن رجلاً وجد قرطاساً فيه اسم الله تعالى، فرفعه، وكان عنده دينار،
فاشترى به مسكاً، فطيبه، فرأى في المنام قائلا يقول له كما طيبت اسمي لاطيبن
ذكرك.
قالوا: خير العود المندلي، وهو منسوب آل مندل: قرية من قرى الهند، وأجوده أصلبه،
وامتحان رطبه أن ينطبع فيه نقش الخاتم، واليابس تفصح عنه النار، ومن خاصية المندلي أن رائحته تثبت في الثوب أسبوعا، وأنه لا
يقمل ما دامت فيه. قال صاحب المنهاج: العود عروق أشجار تقلع وتدفن في
الأرض حتى تتعفن، منها الخشبية والقشرية، ويبقى العود الخالص، وأجوده المندلي، ويجلب من وسط
بلاد الهند، ثم الجود الهندي، وهو يفضل على
المندلي بأنه لا يولد القمل، وهو أعبق بالثياب.
وقال
المسيب بن علس:
أخذه
العباس بن الأحنف فقال:
وهجا
بعض الشعراء العمال في أيام عمر، ووقع عليهم، فقال في بعض شعره:
فقبض
عمر على العمال وصادرهم. وفأرة الإبل ريحها حين
تصدر عن الماء. وقد أكلت العشب الطيب.
كان
لأبي أيوب المرزباني وزير المنصور دهن طيب يدهن به إذا ركب إلى المنصور فلما رأى
الناس غلبته على المنصور وطاعته له فيما يريده، حتى إنه ربما كان يستحضره ليوقع
به، فإذا رآه تبسم أليه وطابت نفسه، قالوا: دهن أبي أيوب من عمل السحرة، وضربوا
به المثل، فقالوا لمن يغلب على الإنسان، معه دهن أبي أيوب.
قال الأصمعي:
ذكر لأبي أيوب هؤلاء الذين يتقشفون، فقال: ما علمت أن القذر والذفر من الدين.
وقال أخر:
يزداد لؤماً على المديح كما يزداد نتن الكلاب في المطر وقالت
امرأة امرئ القيس له وكان مفركاً عند النساء: إذا عرقت عرقت بريح كلب. قال:
صدقت، إن أهلي أرضعوني مرة بلبن كلبة.
فأمر
له بألف دينار ومائة مثقال من المسك ومائة مثقال من العنبر. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض
ما قيل في الفخر
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في الحديث المرفوع:
"إن الله قد اذهب عنكم عيبه الجاهلية وفخرها بالآباء، الناس لآدم، وآدم من
تراب، مؤمن تقي، وفاجر شقي، لينتهين أقوام يتفأخرون برجال إنما هم فحم من فحم
جهنم أو ليكونن أهون على الله من جعلات تدفع النتن بأنفها". قال:
فاشفع فيه في ملأ ليكون أخزى له ، فشفع فيه، فدعا به فقال: إني مطلقك بشفاعة جرير، قال: أسير قسري، وطليق كلبي، فبأي
وجه أفأخر العرب بعدها! ردني إلى السجن. وسمع الفرزدق أبا بردة يقول: كيف لا أتبختر وأنا ابن أحد الحكمين، فقال: أحدهما مائق ، والأخر فاسق، فكن ابن أيهما شئت.
بعض
الأموية:
لبعض
الأموية أيضاً:
بعض
التياهين:
بعض
العلوية:
كان عمارة بن حمزة بن ميمون مولى بني العباس مثلاً في التيه؛ حتى
قيل: أتيه من عمارة. وكان يتولى دواوين
السفاح والمنصور، وكان إذا أخطأ مضى على خطئه تكبراً عن الرجوع، ويقول: نقض وإبرام في حالة واحدة، الإصرار على
الخطأ أهون من ذلك. وافتخرت أم سلمة المخزومية امرأة السفاح ذات ليلة بقومها على السفاح،
وبنو مخزوم يضرب بهم المثل في الكبر والتيه، فقال: أنا أحضرك الساعة على غير أهبة مولى من موالي ليس في أهلك
مثله، فأرسل إلى عمارة، وأمر الرسول أن يعجله عن تغيير زيه، فجاء على الحال التي وجده عليها الرسول في ثياب ممسكة مزررة
بالذهب، وقد غلف لحيته بالغالية حتى قامت، فرمى إليه السفاح بمدهن ذهب
مملوء غالية، فلم يلتفت إليه، وقال: هل ترى لها في لحيته موضعاً؛ فأخرجت أم سلمة عقدا لها ثمينا، وأمرت خادما أن يضعه بين
يديه، فقام وتركه، فأمرت الخادم أن يتبعه به،
ويقول: إنها تسألك قبوله، فقال للخادم: هو
لك، فأنصرف بالعقد إليها، فأعطت الخادم فكاكه عشرة آلاف دينار،
واسترجعته، وعجبت من نفس عمارة، وكان عمارة لا
يذل للخلفاء وهم مواليه ويتيه عليهم.
أراد حذيفة بن بدر الفزاري، وكان سيد قيس في زمانه.
ومن ذلك:
القول لا تملكه إذا نما، كالسهم لا تملكه إذا رمى، وقال
الشاعر:
وقال
محمود الوراق:
وقال الرضي رحمه الله:
وقال أيضاً:
الأصل: كل مقتصر عليه كاف.
وقال
أيضاً:
قلت:
لحاه الله، هلا قال: بأيدي الرجال! الأصل: من لم يعط
قاعداً، لم يعط قائماً.
الأصل: الدهر يومان: يوم لك، ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر،
وإذا كان عليك فاصبر. والدهر ضربان:
حبرة وعبرة . والدهر وقتان:
وقت سرور، ووقت ثبور . أحدهما البطر بمعنى الأشر، وشدة المرح، بطر الرجل بالكسر يبطر، وقد أبطره المال، وقالوا: بطر فلان معيشته، كما قالوا: رشد فلان أمره. والثاني البطر
بمعنى الحيرة والدهش، أي إذا كان الوقت لك فلا تقطعن زمانك بالحيرة و
الدهش عن شكر الله ومكافأة النعمة بالطاعة والعبادة والمحمل الأول أوضح. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوادر حول الأسماء والكنى
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وأما تعليم الوالد الولد القرآن والأدب فمأمور به،
وكذلك القول في تسميته باسم حسن، وقد جاء في
الحديث: "تسموا بأسماء
الأنبياء"، وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن. وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة". وكان
رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم يغير بعض الأسماء، سمى أبا بكر عبد الله، وكان اسمه في
الجاهلية عبد الكعبة، وسمى ابن عوف عبد الرحمن،
وكان اسمه عبد الحارث، وسمى شعب الضلالة شعب الهدى، وسمى يثرب طيبة، وسمى بني
الريبة بني الرشدة، وبني معاوية بني مرشدة. أبو هريرة عنه عليه السلام، أنه نهى أن يجمع بين أسمه وكنيته لأحد.
قالوا:
وكلما كان الاسم غريبا كان أشهر لصاحبه وأمنع من تعلق النبز به قال رؤبة:
ومن هاهنا أخذ المعري قوله يمدح الرضي والمرتضى رحمهما الله:
وسأل النسابة البكري رؤبة عن نسبه ولم يكن يعرفه، قال: أنا ابن العجاج، قال:
قصرت وعرفت. نظر عمر إلى
جارية له سوداء تبكى فقال: ما شأنك؛ قالت: ضربني ابنك أبو عيسى، قال: أوقد تكنى بأبي عيسى! علي به،
فأحضروه، فقال: ويحك! أكان لعيسى أب فتكنى به!
أتدري ما كنئ العرب! أبو سلمة، أبو عرفطة،
أبو طلحة، أو حنظلة، ثم أدبه. لما أقبل قحطبه بن شبيب
نحو ابن هبيرة أراد ابن هبيرة أن يكتب إلى مروان بخبره، وكره أن يسميه، فقال: اقلبوا اسمه، فوجدوه هبط حق، فقال: دعوه على هيئته. نظر المأمون إلى
غلام حسن الوجه في الموكب، فقال له: يا غلام، ما اسمك؛ قال: لا أدري،
قال: أو يكون أحد لا يعرف اسمه، فقال: يا أمير
المؤمنين، اسمي الذي اعرف به "لا أدري"، فقال المأمون:
ولد لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب ولد ذكر، فبشر به وهو
عند معاوية بن أبي سفيان، فقال له معاوية، سمه باسمي ولك
خمسمائة ألف درهم، فسماه معاوية، فدفعها
إليه، وقال اشتر بها لسمي ضيعة.
قالوا:
يريد بالشوك أخواله، وهم: قتادة وطلحة
وعوسجة ، وبالأحجار أعمامه، وهم صفوان وفهر وجندل وصخر وجرول .
استأذن الجاحظ
والشكاك- وهو من المتكلمين- على رئيس، فقال
الخادم لمولاه: الجاحد والشكاك، فقال: هذان
من الزنادقة لا محالة! فصاح الجاحظ:
ويحك! ارجع قل: الحدقي بالباب- وبه كان يعرف- فقال الخادم: الحلقي بالباب، فصاح الجاحظ ويلك! ارجع إلى الجاحد.
قال محمد بن صدقة المقرئ ليموت بن المزارع: صدق الله فيك اسمك! فقال له: أحوجك الله إلى اسم أبيك.
رأى الإسكندر في عسكره رجلا لا يزال ينهزم في الحرب، فسأله عن اسمه؛ فقال: اسمي
الإسكندر، فقال!: يا هذا، إما أن تغير اسمك، وإما أن تغير فعلك. وينبغي
للداخل على الملك أن يتلطف في مراعاة الأدب، كما حكى سعيد بن مرة الكندي، دخل
على معاوية فقال!: أنت سعيد؛ فقال: أمير المؤمنين السعيد، وأنا ابن مرة.
كان
قوم من الصحابة يخاطبون رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم: "يا نبئ الله بالهمزة، فأنكر
ذلك وقال: "لست بنبئ الله، ولكنى نبي الله
". |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أخبار حول العين والطيرة والفأل والسحر والعدوى،
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقد جاء في الحديث المرفوع: "العين حق، ولو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين، إذا
استغسلتم فاغسلوا"، قالوا في تفسيره: إنهم كانوا يطلبون من العائن أن يتوضأ
بماء ثم يسقى منه المعين ويغتسل بسائرة.
وعن النبي صلى الله عليه وأله وسلم : "القيافة والطرق والطيرة من الخبث
.
وقال
أخر:
تفاءل هشام بن عبد الملك بنصر بن سيار فقلده خراسان، فبقي فيها عشر سنين.
الكميت:
وقال بعض العرب: خرجت في طلب ناقة ضلت لي، فسمعت قائلا يقول:
فلم
أتطير و مضيت لوجهي، فلقيني رجل قبيح الوجه به ما شئت من عاهة، فلم أتطير و
تقدمت فلاحت لي أكمة فسمعت منها صائحاً:
فلم
أكترث ولا انثنيت وعلوتها، فوجدت ناقتي قد تفاجت للولادة فنتجتها ، وعدت إلى
منزلي بها ومعها ولدها. وروي عنه عليه السلام أنه كان يكره أن يسافر أو يتزوج في محاق الشهر،
وإذا كان القمر في العقرب. وكانوا يكرهون قيام الخدم بالمذاب والأشربة على رؤوسهم خوفأ من
أعينهم وشدة ملاحظتهم إياهم،
وكانوا يأمرون بإشباعهم قبل أن يأكلوا، وكانوا
يقولون في الكلب والسنور إما أن يطرد أو يشغل بما يطرح له. قالوا: وقد وجدنا الرجل يضرب الحية بعصا فيموت
الضارب والحية، لآن سم الحية فصل منها حتى خالط أحشاء الضارب وقلبه، ونفذ لا
مسام جسده.
حضر عمر بن الخطاب الموسم، فصاح به صائح: يا خليفة رسول الله، فقال رجل من بني
لهب، وهم أهل عيافة وزجر: دعاه باسم ميت: مات والله أمير المؤمنين عليه السلام، فلما وقف الناس للجمار إذا حصاة صكت صلعة عمر، فادمي منها، فقال ذلك القائل: أشعر والله أمير المؤمنين، لا والله
ما يقف هذا الموقف أبداً، فقتل عمر قبل أن
يحول الحول وقال كثير بن عبد الرحمن:
كان للعرب كاهنان اسم أحدهما شق، وكان نصف إنسان، واسم الأخر سطيح،
وكان يطوى طي الحصير، ويتكلمان بكل أعجوبة في الكهانة، فقال ابن الرومي:
وقال أبو عثمان الجاحظ: كان مسيلمة قبل أن يتنبأ يدور في الأسواق التي كانت بين دور
العرب والعجم كسوق الأبله وسوق بقة وسوق الأنبار وسوق الحيرة يلتمس تعلم الحيل
والنيرنجيات واحتيالات أصحاب الرقى والعزائم والنجوم، وقد كان أحكم علم الحزاة
وأصحاب الزجر والخط، فعمد إلى بيضة فصب إليها خلا حاذقاً قاطعاً، فلانت، حتى إذا
مدها الإنسان استطالت ودقت كالعلك، ثم أدخلها قارورة ضيقة الرأس وتركها حتى
انضمت واستدارت وجمدت، فعادت كهيئتها الأول، فأخرجها إلى قوم وهم أعراب
واستغواهم بها، وفيه قيل:
قالوا:
أراد براية الشادن التي يعملها الصبي من القرطاس الرقيق، ويجعل لها ذنبا وجناحين
ويرسلها يوم الريح بخيط طويل.
وقال
أخر:
وقال
أخر:
ومثله:
وكانوا
يتفاءلون بالآس لدوامه، ويتطيرون من النرجس لسرعة انقضائه، ويسمونه الغدار، وقال
العباس بن الأحنف:
خرج كثير يريد عزة ومعه صاحب له من نهد، فرأى غراباً ساقطاً فوق
بأنة ينتف ريشه، فقال له النهدي: إن صدق الطير فقد ماتت عزة، فوافي أهلها وقد
أخرجوا جنازتها، فقال:
وقال
الشاعر:
فأما القول في السحر فإن الفقهاء يثبتونه ويقولون: فيه القود، وقد
جاء في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم سحره لبيد بن أعصم اليهودي حتى كان يخيل إليه أنه عمل
الشيء ولم يعمله. وقوم من المتكلمين ينفون هذا عنه
عليه السلام، ويقولون: إنه معصوم من مثله. وقال لمن قال: أعدي بعضها بعضاً- يعني الإبل: د
أد وسلم فمن أعدي الأول؛ وقال: "لا عدوى ولا
هامة ولا صفر"، فالعدوى معروفة، والهامة:
ما كانت العرب تزعمه في المقتول لا يؤخذ بثأره، والصفر: ما كانت العرب تزعمه من
الحية في البطن تعض عند الجوع. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أخبار حول مذاهب العرب وتخيلاتها
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وسنذكر هاهنا نكتاً ممتعة من مذاهب العرب وتخيلاتها، لأن الموضع
قد ساقنا إليه، أنشد هشام بن الكلبي لامية بن أبي الصلت:
يروى أن عيسى بن عمر قال: ما أدري معنى هذا البيت!
ويقال إن الأصمعيئ صحف فيه، فقال: "وغالت البيقورا" بالغين
المعجمة، وفسره غيره فقال: عالت بمعنى أثقلت
البقر بما حملتها من السلع والعشر، والبيقور:
البقر. وعائل: غالب، أو مثقل.
وقال أخر:
ويمكن أن يحمل تفسير الأصمعي على محمل صحيح، فيقال: غالت بمعنى أهلكت، يقال: غاله كذا و
اغتاله أي أهلكه، وغالتهم غول، يعني المنية، ومنه الغضب غول الحلم.
وقال أخر:
وقال أخر:
يعيب العرب بفعلهم هذا :
وقال بعض الأذكياء: كل أمة قد تحذو في مذاهبها مذاهب ملة أخري، وقد كانت الهند
تزعم أن البقر ملائكة، سخط الله عليها فجعلها في الأرض، وأن لها عنده حرمة،
وكانوا يلطخون الأبدان بأخثائها ، ويغسلون الوجوه ببولها ويجعلونها مهور نسائهم،
ويتبركون بها في جميع أحوالهم، فلعل أوائل العرب حذوا هذا الحذو، وانتهجوا هذا
المسلك.
وقال
نهشل بن حري:
وقال
أخر:
فإن
كان ليس إلا هذا فليس ذاك بعجيب من البقر ولا بمذهب من مذاهب العرب لأنه قد يجوز
أن تمتنع البقر من الورود حتى يرد الثور كما تمتنع الغنم من سلوك الطرق أو دخول
الذور والأخبية حتى يتقدمها الكبش أو التيس، وكالنحل تتبع اليعسوب، والكراكي
تتبع أميرها، ولكن الذي تدل عليه أشعارها أن الثور يرد ويشرب ولا يمتنع ولكن
البقر تمتنع وتعاف الماء وقد رأت الثور يشرب، فحينئذ
يضرب الثور مع إجابتبما إلى الورود فتشرب البقر عند شربه، وهذا هو العجب، قال
الشاعر:
وقال
أخر:
وقال
الأعشى:
قالوا في تفسيره: لما كان امتناعها يتعقبه الضرب، حسن
أن يقال: عافت الماء لتضرب، وهذه اللام هي لام العاقبة، كقوله: "لدوا للموت "، وعلى هذا فسر أصحابنا
قوله سبحانه: "ولقد زرانا لجهنم كثيراً من
الجن والإنس " .
وقال
بعض بني عذرة:
وقال
أخر:
وقال
جميل وظرف في قوله، ولو قاله العباس بن الأحنف لكان ظريفاً:
وقال
عويمر النبهاني وهو يؤكد قول النضر بن شميل:
ومثله
قول الأخر:
ويشبه
مذهبهم في ضرب الثور مذهبهم في العريصيب الإبل فيكوى الصحيح ليبرا السقيم. وقال
النابغة:
وقال
بعض الأعراب:
وهذا البيت
يبطل رواية من روى بيت النابغة "كذي
العر" بضم العين، لأن العر بالضم:
قرح في مشافر الإبل غير الجرب، والعر بالفتح:
الجرب نفسه، فإذا دل الشعر على أن يكوى الصحيح ليبرأ الأجرب، فالواجب أن يكون بيت النابغة "كذي العر"
بالفتح.
إلا
أن يكون إطلاق لفظ الجرب على هذا المرض المخصوص من باب المجاز لمشابهته له.
وقال
أخر:
وقال
الأخر:
وقد
ظن قوم أن بيت الفرزدق وهو:
من
هذا الباب، وليس الأمر على ذلك، وإنما أراد
بالمفقئ قوله لجرير:
وأراد
بالمعنى قوله لجرير أيضاً:
وأراد
بقوله :بيت المحتبي قوله:
وبيت
الخافقان، قوله:
فأما مذهبهم في البلية، وهي ناقة تعقل عند القبر حتى تموت،
فمذهب مشهور، والبلية أنهم إذا مات منهم كريم بلوا ناقته أو بعيره،
فعكسوا عنقها، وأداروا رأسها إلى مؤخرها، وتركوها في حقيرة لا تطعم ولا تسقى حتى
تموت، وربما أحرقت بعد موتها، وربما سلخت وملئ جلدها تماماً . وكانوا يزعمون أن من مات ولم يبل عليه حشر ماشياً، ومن كانت
له بلية حشر راكباً على بليته، قال جريبة بن الأشيم الفقعسي لابنه:
وقال
جريبة أيضاً:
وقد ذكرت في مجموعي المسمى "بالعبقري الحسان " أن أبا عبد الله الحسين بن محمد بن جعفر
الخالع رحمه الله ذكر في كتابه آراء العرب وأديانها هذه الأبيات، واستشهد بها
على ما كانوا يعتقدون في البلية، وقلت: إنه
وهم في ذلك، وإنه ليس في هذه الأبيات دلالة على هذا المعنى، ولا لها به تعلق،
وإنما هي وصية لولده أن يعقر مطيته بعد موته، إما لكيلا يركبها غيره بعده، أو
على هيئة القربان كالهدي المعقور بمكة، أو كما كانوا يعقرون عند القبور، ومذهبم
في العقر على القبور، كقول زياد الأعجم في المغيرة بن المهلب:
وقال
الأخر:
ومذهبهم في العقر على القبور مشهور، وليس في هذا الشعر ما يدل على مذهبهم في البلية، فإن ظن ظان
أن قوله: "أو يفوز راكب "، فيه إيماء إلى ذلك، فليس الأمر كما ظنه،
ومعنئ البيت ادفني بفلاة جداء مقطوعة عن الإنس، ليس بها إلا الذئب والغراب، أو
أن يعتسف راكبها المفازة وهي المهلكة، سموها مفازة على طريق الفأل. وقيل:
إنها تسمى مفازة، من فوز أي هلك، فليس في هذا البيت
ذكر البلية، ولكن الخالع أخطأ في إيراده في هذا الباب، كما أخطأ في هذا الباب
أيضا في إيراده قول مالك بن الريب:
فظن
أن ذلك من هذا الباب الذي نحن فيه، ولم يرد الشاعر ذلك، وإنما أراد لا تركبوا
راحلتي بعدي، وعطلوها بحيث لا يشاهدها أعادي واصادقي ذاهبة حائية تحت راكبها،
فيشمت العدو ويساء الصديق، وقد أخطاء الخالع في مواضع عدة من هذا الكتاب، وأورد
أشعاراً في غير موضعها، وظنها مناسبة لما هو فيه، فمنها ما ذكرناه، ومنها أنه
ذكر مذهب العرب في الحلي ووضعه على اللديغ، واستشهد عليه بقول الشاعر:
ولا
وجه لإيراد هذا البيت في هذا الموضع، فالعداد معاودة السم الملسوع لا كل سنة في
الوقت الذي لدغ فيه، وليس هذا من باب الحلي بسبيل ومن ذلك إيراده قول الفرزدق
"غلبتك بالمفقئ" في باب فقء عيون الفحول، إذا بلغت الإبل ألفاً، وقد
تقدم شرحنا لموضع الوهم في ذلك. وسنذكر هاهنا كثيراً من المواضع التي وهم فيها
إن شاء الله.
وقال
عويم النبهاني:
ومن
تخيلات العرب ومذاهبها ما حكاه ابن الأعرابي، قال: كانت العرب إذا نفرت الناقة
فسميت لها أمها سكنت من النفار، قال الراجز:
علكم:
اسم عبد له، وإنما سأل عبده ترفعاً أن يعرف اسم أمها، لأن العبيد بالإبل أعرف،
وهم رعاتها.
ومما كانت العرب كالمجتمعة عليه الهامة، وذلك أنهم كانوا يقولون: ليس من ميت يموت ولا قتيل يقتل، إلا
ويخرج من رأسه هامة، فإن كان قتل ولم يؤخذ بثأره نادت الهامة على قبره: اسقوني،
فإني صدية، وعن هذا قال النبي صلى الله عليه وأله وسلم :
"لا هامة".
وقال أبو دواد الأيادي:
وقال بعضهم لابنه:
يقول له: لا تترك ثأري إن قتلت، فإنك إن تركته صاحت هامتي: اسقوني، فإن كل صدى- وهو هاهنا العطش- بأبيك،
وتلك التي تبيض منها الذوائب، لصعوبتها وشدتها، كما
يقال: أمر يشيب رأس الوليد، ويحتمل أن يريد به صعوبة الأمر عليه، وهو
مقبور إذا لم يثأر به، ويحتمل أن يريد به صعوبة الأمر على ابنه، يعني أن ذلك عار
عليك، وقال ذو الإصبع:
وقال
أخر:
ويحتمل
هذا البيت أن يكون خارجاً عن هذا المعنى الذي نحن فيه، وأن يكون ري هامته الذي
طلبه من ربه هو وصال ليلى وهما في الدنيا. وهم يكنون عما يشفيهم بأنه يروي
هامتهم.
وقال
توبة بن الحمير :
وقال
قيس بن الملؤح، وهو المجنون:
وقال
حميد بن ثور:
ومما أبطله الإسلام قول العرب بالصفر، زعموا أن في البطن حية إذا جاع الإنسان عضت
على شرسوفه وكبده، وقيل: هو الجوع بعينه، ليس أنها تعض بعد حصول الجوع، فأما لفظ
الحديث: "لا عدوى ولا هامة ولا صفر ولا غول "، فإن أبا عبيدة معمر بن المثنى قال: هو صفر الشهر
الذي بعد المحرم، قال: نهى عليه السلام عن
تأخيرهم المحرم إلى صفر، يعنى ما كانوا يفعلونه من المسيء، ولم يوافق أحد من
العلماء أبا عبيدة على هذا التفسير، وقال الشاعر :
وقال
بعض شعراء بني عبس يذكر قيس بن زهير لما هجر الناس وسكن الفيامي وانس بالوحش، ثم
رأى ليلة ناراً فعشا إليها، فشم عندها قتار اللحم ، فنازعته شهوته، فغلبها
وقهرها، ومال إلى شجرة سلم فلم يزل يكدمها ويأكل من
خبطها إلى أن مات:
وقوله:
"بالهوى" اسم موضع بعينه. وقال
أبو النجم العجلي:
وقال
أخر:
ومن خرافات العرب أن الرجل منهم كان إذا أراد دخول قرية فخاف
وباءها أو جنها، وقف على بابها، قبل أن يدخلها فنهق نهيق الحمار، ثم علق عليه كعب
أرنب، كأن ذلك عوذة له ورقية من الوباء والجن، ويسمون هذا النهيق التعشير، قال شاعر هم:
وقال
الهيثم بن عدي: خرج عروة بن الورد إلى خيبر في رفقة ليمتاروا، فلما قربوا منها
عشروا، وعاف عروة أن يفعل فعلهم، وقال:
الولوع بالضم:
الكذب، ولع الرجل إذا كذب، فيقال إن رفقته مرضوا ومات بعضهم، ونجا عروة من الموت
والمرض.
ويشابه
هذا أن الرجل منهم كان إذا ضل في فلاة قلب قميصه، وصفق بيديه كأنه يومئ بهما إلى
إنسان فيهتدي، قال أعرابي:
وقال
أبو العملس الطائي:
والأصل
في قلب الثياب التفاؤل بقلب الحال، وقد جاء في
الشريعة الإسلامية نحو ذلك في الاستسقاء.
وقال أخر:
وقال أخر:
وقال
أخر:
وقال
أخر:
وقد
كانوا يعقدون الرتم للحمى، ويرون أن من حلها انتقلت الحمى إليه، وقال الشاعر:
وقال
إن السكيت: إن العرب كانت تقول: إن المرأة المقلات وهي التي لا يعيش لها ولد،
إذا وطئت القتيل الشريف عاش ولدها، قال بشر بن أبي خازم:
وقال
أبو عبيدة: تتخطاه المقلاة سبع مرات، فذلك وطؤها له.
وقال
الأخر:
وقال
الأخر:
وقال
أخر:
ومن تخيلات العرب وخرافاتها، أن الغلام منهم كان إذا سقطت له سن
أخذها بين السبابة والإبهام وأستقبل الشمس إذا طلعت وقذف بها، وقال: يا شمس
أبدليني بسن أحسن منها، وليجر في ظلمها آياتك، أو تقول: "إياؤك "،
وهما جميعاً شعاع الشمس، قال طرفة:
وإلى
هذا الخيال أشار شاعر هم بقوله:
وقال
أخر:
وقال
أخر:
والناس
اليوم في صبيانهم على هذا المذهب.
وقال
عبد الله بن الزبير الأشدي:
وقال الكميت:
ومن تخيلات العرب أنهم كانوا إذا خافوا على الرجل الجنون وتعرض
الأرواح الخبيثة له نجسوه بتعليق الأقذار عليه، كخرقة الحيض وعظام الموتى،
قالوا: وأنفع من ذلك أن تعلق عليه طامث عظام موتى، ثم لا يراها يومه ذلك،
وأنشدوا للممزق العبدي:
قالوا:
والتنجيس يشفي إلا من العشق، قال أعرابي:
وقالت
امرأة- وقد نجست ولدها فلم ينفعه ومات:
وكان
أبو مهدية يعلق في عنقه العظام والصوف حذر الموت، وانشدوا:
ومن مذاهبهم أن
الرجل منهم كان إذا خدرت رجله ذكر من يحب أو دعاه فيذهب خدرها.
وقال
كثير:
وقال
جميل:
وقالت امرأة:
وقال أخر:
وقال المؤمل:
وقال الوليد بن يزيد:
ونظير هذا الوهم أن الرجل منهم كان إذا اختلجت عينه قال: أري من احبه، فإن كان غائباً توقع
قدومه، وإن كان بعيداً توقع قربه.
وقال أخر:
وقال أخر:
وهذا الوهم باق في الناس اليوم.
وقال أخر:
واستشهد
الخالع على هذا المعنى بقول كثير:
هذا البيت ليس بصريح في هذا الباب، ويحتمل أن يكون مراده فيه المعنى المشهور المطروق بين الشعر
من ذكر حرارة الوجد ولذعه، وتشبيهه بالنار، إلا أنه قد روى في كتابه خبرا ًيؤكد
المقصد الذي عزاه وادعاه، وهو عن محمد بن سليمان بن فليح، عن أبيه، عن جده، قال:
كنت عند عبد الله بن جعفر، فدخل عليه كثير وعليه أثر علة، فقال عبد الله: ما هذا
بك؛ قال: هذا ما فعلت بي أم الحويرث، ثم كشف عن ثوبه وهو مكوي، وأنشد:
ومن أوهامهم وتخيلاتهم أنهم كانوا يزعمون أن الرجل إذا أحب امرأة
وأحبته فشق برقعها، وشقت رداءه، صلح حبهما ودام، فإن لم يفعلا ذلك فسد حبهما،
قال سحيم عبد بني الحسحاس:
وقال
أخر:
ومن مذاهبهم انهم
كانوا يرون أن أكل لحوم السباع تزيد في الشجاعة والقوة،
وهذا مذهب طب والأطباء يعتقدونه، قال بعضهم:
وقال
بعض الأعراب- وأكل فؤاد الأسد ليكون شجاعاً- فعدا عليه نمر فجرحه:
وقال
أخر:
ومن مذاهبهم
أن صاحب الفرس المهقوع إذا ركبه فعرق تحته اغتلمت امرأته وطمحت إلى غيره،
وألهقعة: دائرة تكون بالفرس، وربما كانت على الكتف في الأكثر، وهي مستقبحة
عندهم، قال بعضهم لصاحبه:
فأجابه
صاحبه:
ومن مذاهبهم أنهم كانوا يوقدون النار خلف المسافر الذي لا يحبون رجوعه، يقولون
في دعائهم. أبعده الله واسحقه، وأوقد ناراً أثره! قال بعضهم:
وكانوا إذا خرجوا إلى الأسفار أوقدوا ناراً بينهم وبين المنزل
الذي يريدونه، ولم يوقدوها بينهم وبين المنزل
الذي خرجوا منه تفاؤلا بالرجوع إليه.
والخماطة:
شجرة، والعشيرة: تصغير العشرة، وهي شجرة أيضاً.
والسمرة
شيء يسيل من السمر كدم الغزال، وكانت العرب إذا ولدت المرأة أخذوا من دم السمر-
وهو صمغه الذي يسيل منه- ينقطونه بين عيني النفساء، وخطوا على وجه الصبي خطاً،
ويسمى هذا الصمغ السائل من السمر الدودم، ويقال بالذال المعجمة أيضاً، وتسمى هذه
الأشياء التي تعلق على الصبي: النفرات.
قال:
يريد أن القنفذ من مراكب الجن، فداوى منهم ولده بمراكبهم.
وقال
أخر:
وقال
أخر:
وقال
أخر:
وقال
أخر:
ومن مذاهبهم أن المسافر إذا خرج من بلده إلى أخر فلا ينبغي له أن
يلتفت، فإنه إذا ألتفت عاد، فلذلك لا يلتفت إلا العاشق الذي يريد العود، قال
بعضهم:
وقال
أخر، أنشده الخالع:
هذان
البيتان ذكرهما الخالع في هذا الباب، وعندي أنه لا دلاله فيهما على ما أراد، لأن
التلفت في أشعارهم كثير، ومرادهم به الإبانة والإعراب عن كثرة الشوق، والتأسف
على المفارقة، وكون الراحل عن المنزل حيث لم يمكنه المقام فيه بجثمانه يتبعه
بصره، ويتزود من رؤيته، كقول الرضي رحمه الله:
وليس
يقصد بالتلفت هاهنا التفاؤل بالرجوع إليها، لأن رسومها قد صارت نهبا ليد البلى،
فأي فائدة في الرجوع إليها! وإنما يريد ما قدمنا ذكره من الحنين والتذكر لما مضى
من أيامه فيها، وكذلك قول الأول:
ومثل
ذلك كثير، وقال بعضهم في المذهب الأول:
وقال
أخر، وقد طلق امرأته فتلفتت إليه:
ومن مذاهبهم:
إذا بثرت شفة الصبي حمل منخلًا على رأسه، ونادى بين بيوت الحي: الحلا الحلا،
الطعام الطعام، فتلقي له النساء كسر الخبز وأقطاع التمر واللحم في المنخل، ثم
يقلي ذلك للكلاب فتأكله فيبرأ من المرض، فإن أكل صبي من الصبيان من ذلك الذي
ألقاه للكلاب تمرة و لقمة أو لحمة أصبح وقد بثرت شفته. وانشد لامرأة:
ومن مذاهبهم
أن الرجل منهم كان إذا طرفت عينه بثوب أخر مسح الطارف عين المطروف سبع مرات،
يقول في الأولى: بإحدى جاءت من المدينة، وفي الثانية باثنتين جاءتا من المدينة،
وفي الثالثة بثلاث جئن من المدينة، إلى أن يقول في السابعة: بسبع جئن من
المدينة، فتبرا عين المطروف.
وقال
أخ :
وقال
أخر:
ومن مذاهبهم
كانوا إذا رحل الضيف أو غيره عنهم وأحبوا ألا يعود كسروا شيئا من الأواني وراءه،
وهذا مما تعمله الناس اليوم أيضاً، قال بعضهم:
وقال
أخر:
وقال
أخر:
ومن
مذاهبهم قولهم: إن من ولد في القمراء تقلصت غرلته فكان كالمختون. ويجوز عندنا أن
يكون ذلك من خواص القمر، كما أن من خواصه إبلاء الكتان، وإنتان اللحم، وقد روي
عن أمير المؤمنين عليه السلام: إذا رأيت الغلام طويل الغرلة فأقرب به من السؤدد،
وإذا رأيته قصير الغرلة كأنما ختنه القمر فأبعد به.
ومن
مذاهبهم التشاؤم بالعطاس، قال امرؤ القيس:
وقال
أخر:
ومن
مذاهبهم قولهم في الدعاء: لا عشت إلا عيش القراد! يضربونه مثلاً قي الشدة والصبر
على المشقة، ويزعمون أن القراد يعيش ببطنه عاماً وبظهره عاماً، ويقولون: إنه
يترك في طينه ويرمى بها الحائط فيبقى سنة على بطنه، وسنة على ظهره ولا يموت، قال
بعضهم:
ومن مذاهبهم كانت
النساء إذا غاب عنهن من يحببنه أخذن تراباً من موضع رجله كانت العرب تزعم أن ذلك
أسرع لرجوعه.
وقالت
امرأة:
ومن مذاهبهم،
أنهم كانوا يسمون العشا في العين الهدبد، وأصل الهدبد، اللبن الخاثر، فإذا أصاب
أحدهم ذلك عمد إلى سنام فقطع منه قطعة ومن الكبد قطعة، وقلاهما، وقال عند كل
لقمة يأكلها بعد أن يمسح جفنه الأعلى بسبابته:
قال:
فيذهب العشا بذلك. ومن مذاهبهم
اعتقادهم أن الورل والقنفذ والأرنب والظبي واليربوع والنعام مراكب الجن
يمتطونها، ولهم في ذلك أشعار مشهورة، ويزعمون أنهم يرون الجن ويظاهرونهم
ويخاطبونهم، ويشاهدون الغول، وربما جامعوها وتزوجوها، وقالوا:
إن عمرو بن يربوع تزوج الغول وأولدها بنين، ومكثت عنده دهراً، فكانت تقول له:
إذا لاح البرق من جهة بلادي- وهي جهة كذا- فاستره عني، فإني إن لم تستره عني
تركت ولدك عليك، وطرت إلى بلاد قومي، فكان عمرو بن
يربوع كلما برق البرق غطى وجهها بردائه فلا تبصره، وإلى هذا المعنى أشار أبو العلاء المعري في قوله يذكر الإبل وحنينها إلى
البرق:
قالوا:
فغفل عمرو بن يربوع عنها ليلة وقد لمع البرق فلم يستر وجهها، فطارت وقالت له وهي
تطير:
ومنهم من يقول: ركبت بعيراً وطارت عليه- أي أسرعت- فلم يدركها. وعن هذا قال
الشاعر:
قال: فبنو عمرو بن يربوع إلى اليوم يدعون بني السعلاة، ولذلك قال الشاعر يهجوهم:
فأبدل السين تاء، وهي
لغة قوم من العرب ومن مذاهبهم في الغول قولهم؛ إنها
إذا ضربت ضربةً واحدة بالسيف هلكت، فإن ضربت ثانية عاشت، وإلى هذا المعنى أشار
الشاعر بقوله:
وكانت العرب تسمي أصوات الجن العزيف وتقول: إن الرجل إذا قتل قنفذاً أو ورلاً لم
يأمن الجن على فحل إبله، وإذا أصاب إبله خطب أو بلاغ حمله على ذلك، ويزعمون أنهم
يسمعون الهاتف بذلك، ويقولون مثله في الجان من الحيات، وقتله عندهم عظيم.
وقال أبو عثمان أيضاً في الذين يذكرون عزيف الجن وتغول الغيلان: إن أثر هذا الأمر وابتداء هذا الخيال
أن القوم لما نزلوا بلاد الوحش عملت فيهم الوحشة، ومن انفرد وطال مقامه في
البلاد الخلاء استوحش، ولا سيما مع قلة الأشغال وفقد المذاكرين، والوحدة لا تقطع
أيامها إلا بالتمني والأفكار، وذلك أحد أسباب
الوسواس .
ومن
الشعر المنسوب إلى الجن:
وقال
أعرابي يكذب بذلك:
ومن
أشعارهم وأحاديثهم في رواية الجن وخطابهم وهتافهم ما
رواه أبو عثمان الجاحظ لسمير بن الحارث الضبي:
ويزعمون أن عمير بن ضبيعة رأى غلماناً ثلاثة يلعبون نهاراً، فوثب غلام منهم فقام على
عاتقي صاحبه، ووثب الأخر، فقام على عاتقي الأعلى منهما، فلما رآهم كذلك حمل
عليهم فصدمهم فوقعوا على ظهورهم وهم يضحكون، فقال عمير بن ضبيعة: فما مررت يومئذ
بشجرة إلا وسمعت من تحتها ضحكاً، فلما رجع إلى منزله مرض أربعة أشهر.
والذين
يروون هذا الشعر لتأبط شراً يروون أوله:
وقال
البهراني:
وقال الجاحظ: أصدقها الخمر لطيب ريحها، والغزال! لأنه من مراكب الجن. وقال أبو عبيدة بن أيوب العنبري أحد لصوص العرب:
ومن
هذه الأبيات:
وهذا الشعر من جيد شعر العرب، وإنما كان غرضنا منه متعلقاً بأوله، وذكرنا سائره لما فيه
من الأدب.
وقال أيضاً:
وقال أيضاً:
وقال
أيضا:
وقال
البهراني في قتل الغول:
وقال أيضاً،
يزعم أنه لما ثنى عليها الضرب عاشت:
وقال تأبط شراً يصف الغول ويذكر أنه راودها عن نفسها فامتنعت عليه فقتلها:
ومن أعاجيبهم أنهم
كانوا إذا طالت علة الواحد منهم وظنوا أن به مسا من الجن، لأنه قتل حية أو
يربوعاً أو قنفذاً، عملوا جمالاً من طين، وجعلوا عليها جوالق ، وملئوها حنطة
وشعيراً وتمرا، وجعلوا تلك الجمال في باب جحر إلى جهة المغرب وقت غروب الشمس،
وباتوا ليلتهم تلك، فإذا أصبحوا نظروا إلى تلك الجمال الطين، فإن رأوا أنها
بحالها قالوا: لم تقبل الدية، فزادوا فيها، وإن رأوها قد تساقطت وتبدد ما عليها
من الميرة قالوا: قد قبلت الدية، واستدلوا على شفاء المريض وضربوا بالدف، قال
بعضهم:
وقال
أخر:
وقال
أخر:
وكانوا إذا غم عليهم أمر الغائب ولم يعرفوا له خيرا جاؤوا إلى
بئر عادية أو حفر قديم ونادوا فيه: يا فلان، أو يا أبا فلان، ثلاث مرات، ويزعمون أنه إن كان
ميتاً لم يسمعوا صوتا، وإن كان حياً سمعوا صوتاً ربما توهموه وهماً، أو سمعوه من
الصدى، فبنوا عليه عقيدتهم، قال بعضهم:
وقال:
وقال
أخر:
وقال
أخر:
و
قال أخر:
أقوى
في البيت الثاني، وسكن "نضب " ضرورةً كما قال:
ومن أعاجيبهم أنهم كانوا في الحرب ربما أخرجوا النساء فيبلن بين الصفين، يرون أن ذلك يطفئ نار
الحرب ويقودهم إلى السلم، قال بعضهم:
وقال
أخر:
وقال
أخر:
وهذان البيتان يمكن أن يراد بهما أن النساء يبلن خيفة وذعراً، لا
على المعنى الذي نحن في ذكره، فإذن لا يكون فيهما دلالة على المراد.
وقال
أخر:
فأما
ذكرهم عزيف الجن في المفاوز والسباسب فكثير مشهور،
كقول بعضهم:
وقال
أخر:
وقال
الأعشى:
وقال:
وقال
أخر:
وقال الشرقي بن القطامي: كان رجل من كلب- يقال له عبيد
بن الحمارس- شجاعاً، وكان نازلا بالسماوة أيام الربيع، فلما حسر الربيع،
وقل ماؤه، وأقلعت أنواؤه، تحمل إلى وادي تبل، فرأى روضة وغديراً، فقال: روضة
وغدير، وخطب يسير، وأنا لما حويت مجير، فنزل هناك، وله امرأتان: اسم إحداهما
الرباب، والأخرى خولة، فقالت له خولة:
وقالت له الرباب:
فقال
مجيبا لهما:
ثم
صعد إلى جبل تبل فرأى شيهمة- وهي الأنثى من القنافذ- فرماها فأقعصها ومعها
ولدها، فارتبطه، فلما كان الليل هتف به هاتف من الجن:
فأجابه
ابن الحمارس:
فأجابه
الجني:
فأجابه
ابن الحمارس:
قال: فسمعهما شيخ من الجن، فقال: لا والله لا نرى قتل إنسان مثل هذا ثابت القلب ماضي
العزيمة، فقام ذلك الشيخ وحمد الله تعالى ثم أنشد:
فأجابه
ابن الحمارس:
ثم
غرم للجن لقوحاً متبعاً للقنفذ وولدها. وهذه
الحكاية وإن كانت كذباً إلا أنها تتضمن أدباً، وهي من طرائف أحاديث العرب
فذكرناها لأدبها وإمتاعها، ويقال: إن الشرقي بن القطامي كان يصنع أشعاراً
وينحلها غيره.
وقال
حسان بن ثابت:
وكانوا يزعمون أن اسم شيطان الأعشى مسحل واسم شيطان المخبل عمرو.
وقال
أخر:
وقال
الفرزدق يصف قصيدته:
وقال
أبو النجم :
وأنشد
الخالع فيما نحن فيه لبعض الرجاز:
وهذا
لا يدل على ما نحن بصدده من أمر الشعر وإلقائه إلى الإنسان، فلا وجه لإدخاله في
هذا الموضع.
وقد
يذر على الحية المقتولة يسير رماد، ويقال لها: قتلك العين فلا ثأر لك، وفي
أمثالهم لمن ذهب دمه هدراً: هو قتيل العين، قال الشاعر:
فأما
مذهبهم في الخرزات والأحجار والرقى والعزائم فمشهور، فمنها السلوانة- ويقال
السلوة- وهي خرزة يسقى العاشق منها فيسلو في زعمهم، وهي بيضاء شفافة، قال
الراجز:
السلوان:
جمع سلوانة.
وقال
أخر:
أي
سلوت عن السلوة واشتد بي العشق ودام. وقال الشمردل:
ومن
خرزاتهم الهنمة تجتلب بها الرجال وتعطف بها قلوبهم، ورقيتها: أخذته بالهنمه،
بالليل زوج وبالنهار أمه.
وقيل:
الدردبيس خرزة سوداء يتحبب بها النساء إلى بعولتهن، توجد في القبور العادية،
ورقيتها: أخذته بالدردبيس، تدر العرق اليبيس، وتذر الجديد كالدريس، وأنشد:
واضل
الدردبيس الداهية، ونقل إلى هذه لقوة تأثيرها.
وهي
من خرز الضرائر، إذا لبستها المرأة مال إليها بعلها دون ضرتها. ومنها كرار،
مبنية على الكسر، وزقيتها: يا كرار كريه، إن اقبل فسريه، وإن أدبر فضريه، من
فرجه إلى فيه.
ومنها الوجيهة،
وهي كالخصمة حمراء كالعقيق. ومنها العطفة،
خرزة العطف، والكحلة، خرزة سوداء تجعل على الصبيان لدفع العين عنهم، والقبلة
خرزة بيضاء تجعل في عنق الفرس من العين، والفطسة خرزة يمرض بها العدو ويقتل،
ورقيتها: أخذته بالفطسة، بالثوباء والعطسة، فلا يزال في تعسة، من أمره ونكسة،
حثى يزور رمسه.
و
قال أخر:
وقال
أخر يخاطب امرأته:
هذا
الرجز أورده الخالع في هذا المعرض، وهو بأن يدل على عكس هذا المعنى أولى، لأن قوله: "لن يدفع المقدار بالرقى، ولا
بالتهاويل على الجن كلام يشعر بأن قذف الحصاة والنواة خلفه كالعوذة له، لا كما
تفعله الفارك التي تتمنى الفراق. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفهرس ج 19باب المختار من الخطب والأوامر
- ابن ابي الحديد.. 2 بعض ما قيل في الفقر والغنى.. 69 بعض ما قيل في الوعد والمطل، 74 بعض ما قيل في حال الدنيا وصروفها 85 بعض ما ورد في الجود والبخل، 95 نوادر حول الأسماء والكنى.. 113 أخبار حول العين والطيرة والفأل
والسحر والعدوى، 115 أخبار حول مذاهب العرب وتخيلاتها 120 |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||