- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
الجزء
الثامن عشرباب المختار من الخطب والأوامر - ابن ابي الحديد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بسم الله الرحمن الرحيم تتمة خبر فتح
مكة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي: وهرب
هبيرة بن أبي وهب وعبد الله بن الزبعرى جميعاً حتى انتهيا إلى نجران فلم يأمنا
الخوف حتى دخلا حصن نجران، فقيل: ما شأنكما، قالا: أما قريش فقد قتلت ودخل محمد
مكة، ونحن والله نرى أن محمداً سائر إلى حصنكم هذا، فجعلت لحارث بن كعب يصلحون
ما رث من حصنهم، وجمعوا ماشيتهم، فأرسل حسان بن ثابت
إلى ابن الزبعرى:
فلما جاء ابن الزبعرى شعر حسان تهيأ للخروج، فقال هبيرة
بن وهب: أين تريد يا بن عم، قال له: أريد والله محمداً، قال: أتريد أن
تتبعه، قال: أي والله، قال هبيرة: يا ليت أني
كنت رافقت غيرك، والله ما ظننت أنك تتبع محمداً أبداً، قال
ابن الزبعرى: هو ذاك، فعلى أي شيء أقيم مع بني الحارث بن كعب وأترك ابن
عمي وخير الناس وأبرهم، وبين قومي وداري، فانحدر ابن
الزبعرى حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في أصحابه، فلما نظر إليه قال: هذا ابن الزبعرى
ومعه وجه فيه نور الإسلام، فلما وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: السلام عليك يا رسول الله، شهدت أن لا
إله إلا الله، وأنك عبده ورسوله، والحمد الله الذي هداني للإسلام، لقد عاديتك وأجلبت عليك وركبت الفرس والبعير، ومشيت على قدمي
في عداوتك، ثم هربت منك إلى نجران، وأنا أريد ألا أقرب الإسلام أبداً، ثم أرادني
الله منه بخير، فألقاه في قلبي، وحببه إلي، وذكرت ما كنت فيه من الضلال واتباع
ما لا ينفع ذا عقل، من حجر يعبد، ويذبح له لا يدري من عبده ومن لا يعبده.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الحمد الله الذي هداك للإسلام، أحمد الله، إن الإسلام
يجب ما كان قبله. وأقام هبيرة بنجران، وأسلمت أم
هانىء، فقال هبيرة حين بلغه إسلامها يوم الفتح يؤنبها
شعراً من جملته:
فأقام بنجران حتى مات مشركاً قال الواقدي:
وهرب حويطب بن عبد العزى فدخل حائطاً بمكة، وجاء أبو ذر لحاجته، فدخل الحائط فرآه، فهرب حويطب، فقال أبو ذر: تعال فأنت آمن، فرجع إليه
فقال: أنت آمن، فاذهب حيث شئت، وإن شئت أدخلتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وإن
شئت فإلى منزلك، قال: وهل من سبيل إلى منزلي ألفى فاقتل قبل أن أصل إلى منزلي،
أو يدخل علي منزلي فاقتل، قال: فأنا أبلغ معك منزلك،
فبلغ معه منزله، ثم جعل ينادي على بابه: إن حويطباً آمن فلا يهيج. ثم
انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: أو ليس قد أمنا الناس كلهم إلا من أمرت بقتله. قال الواقدي:
وهرب عكرمة بن أبي جهل إلى اليمن حتى ركب البحر،
قال: وجاءت زوجته أم حكيم بنت الحارث بن هشام إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم في نسوة منهن هند بنت عتمة - وقد كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلها -
والبغوم بنت المعدل الكنانية امرأة صفوان بن أمية، وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة
امرأة الحارث بن هشام، وهند بنت عتبة بن الحجاج أم عبد الله بن عمرو بن العاص، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح، فأسلمن، ولما دخلن عليه دخلن وعنده زوجتاه وابنته فاطمة ونساء من نساء
عبد المطلب وسألن أن يبايعهن، فقال: إني لا
أصافح النساء، ويقال: إنه وضع على يده ثوباً
فمسحن عليه، ويقال: كان يؤتى بقدح من ماء فيدخل
يده فيه ثم يرفعه إليهن، فيدخلن أيديهن فيه، فقالت أم حكيم امرأة عكرمة:
يا رسول الله، إن عكرمة هرب منك إلى اليمن، خاف
أن تقتله، فأمنه، فقال: هو آمن. فخرجت أم حكيم في طلبه، ومعها
غلام لها رومي، فراودها عن نفسها، فجعلت تمنيه
حتى قدمت به على حي، فاستغاثت بهم عليه، فأوثقوه رباطاً، وأدركت عكرمة وقد انتهى إلى ساحل من سواحل تهامة، فركب
البحر، فهاج بهم، فجعل نوتي السفينة يقول له: أن أخلص، قال: أي شيء أقول؟ قال:
قل لا إله إلا الله، قال عكرمة: ما هربت إلا من
هذا، فجاءت أم حكيم على هذا من الأمر فجعلت تلح عليه وتقول: يابن عم، جئتك من
عند خير الناس، وأوصل الناس، وأبر الناس، لا تهلك نفسك، فوقف لها حتى أدركته، فقالت: إني قد استأمنت لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنك، قال: أنت فعلت؟ قالت: نعم أنا كلمته، فأمنك، فرجع معها،
فقالت: ما لقيت من غلامك الرومي، وأخبرته خبره، فقتله
عكرمة، فلما دنا من مكة قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم لأصحابه: يأتيكم
عكرمة بن أبي جهل مؤمناً، فلا تسبوا أباه، فإن
سب الميت يؤذي الحي. ولا يبلغ الميت. فلما وصل عكرمة
ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وثب
إليه صلى الله عليه وسلم وليس
عليه رداء فرحاً له، ثم جلس فوق عكرمة بين يديه ومعه
زوجته منقبة، فقال: يا محمد، إن هذه
أخبرتني أنك أمنتني، فقال: صدقت، أنت آمن، فقال
عكرمة: فإلام تدعو؟ فقال: إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول
الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وعد خصال الإسلام، فقال عكرمة: ما دعوت إلا إلى
حق، وإلى حسن جميل، ولقد كنت فينا من قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه، وأنت أصدقنا
حديثاً، وأعظمنا براً. ثم قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول
الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا
تسألني اليوم شيئاً أعطيه أحداً إلا أعطيتكه، قال: فإني أسألك أن تغفر لي كل
عداوة عاديتكها أو مسير أوضعت فيه، أو مقام لقيتك فيه، أو كلام قلته في وجهك، أو
أنت غائب عنه. فقال: اللهم اغفر
له كل عداوة عادانيها، وكل مسير سار فيه إلي يريد بذلك إطفاء نورك، واغفر له ما
نال مني ومن عرضي، في وجهي أو أنا غائب عنه. فقال
عكرمة: رضيت بذلك يا رسول الله، ثم قال:
أما والله لا أدع نفقة كنت أنفقها في صد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل
الإسلام وفي سبيل الله، ولأجتهدن في القتال بين يديك
حتى أقتل شهيداً، قال: فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأته بذلك النكاح الأول. قال الواقدي:
وأما صفوان بن أمية فهرب حتى أتى الشعبة، وجعل يقول
لغلامه يسار، وليس معه غيره: ويحك. انظر من ترى؟ فقال: هذا عمير بن وهب، قال صفوان: ما أصنع بعمير؟ والله ما جاء
إلا يريد قتلي، قد ظاهر محمداً علي، فلحقه، فقال
صفوان: يا عمير، مالك؟ ما كفاك ما صنعت؟ حملتني دينك وعيالك، ثم جئت تريد
قتلي، فقال: يا أبا وهب، جعلت فداك، جئتك من عند خير
الناس، وأبر الناس وأوصل الناس، وقد كان عمير قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا رسول الله، سيد قومي صفوان بن أمية خرج هارباً ليقذف نفسه في البحر، خاف ألا
تؤمنه، فأمنه فداك أبي وأمي، فقال: قد أمنته، فخرج في أثره،
فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمنك قال صفوان: لا والله حتى تأتيني بعلامة
أعرفها، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال:
يا رسول الله، جئته وهو يريد أن يقتل نفسه فقال: لا أرجع إلا بعلامة أعرفها، فقال: خذ عمامتي، فرجع عمير إليه بعمامة رسول الله صلى الله
عليه وسلم - وهي البرد الذي دخل فيه رسول الله صلى
الله عليه وسلم مكة معتجراً به - برد حبرة
أحمر - فخرج عمير في طلبه الثانية حتى جاءه بالبرد فقال:
يا أبا وهب، جئتك من عند خير الناس وأوصل الناس وأبر الناس، مجده مجدك، وعزه
عزك، وملكه ملكك، ابن أبيك وأمك، أذكرك الله في نفسك، فقال:
أخاف أن أقتل، قال: فإنه دعاك إلى الإسلام فإن رضيت وإلا سيرك شهرين فهو أوفى
الناس وأبرهم، وقد بعث إليك ببرده الذي دخل به معتجراً، أتعرفه؟ قال: نعم،
فأخرجه، فقال: نعم هو هو، فرجع صفوان حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجده يصلي
العصر بالناس، فقال: كم يصلون؟ قالوا: خمس صلوات في اليوم والليلة قال: أمحمد
يصلي بهم؟ قالوا: نعم، فلما سلم من صلاته صاح صفوان: يا
محمد، إن عمير بن وهب جاءني ببردك، وزعم أنك دعوتني إلى القدوم إليك، فإن رضيت
أمراً، وإلا سيرتني شهرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنزل أبا وهب،
فقال: لا والله أو تبين، لي، قال: بل سر أربعة أشهر. فنزل صفوان وخرج معه إلى حنين وهو
كافر، وأرسل إليه يستعير أدراعه، وكانت مائة درع،
فقال: أطوعاً أم كرهاً؟ فقال رضي الله عنه بل طوعاً
عاريةً مؤداةً، فأعاره إياها، ثم أعادها إليه بعد إنقضاء حنين والطائف،
فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة يسير في غنائم هوازن ينظر إليها،
فنظر صفوان إلى شعب هناك مملوء نعماً وشاءً ورعاءً، فأدام النظر إليه ورسول الله
صلى الله عليه وسلم يرمقه،
فقال: أبا وهب: يعجبك هذا الشعب؟ قال: نعم، قال: هو لك وما فيه. فقال صفوان: ما طابت نفس
أحد بمثل هذا إلا نفس نبي، أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. قال الواقدي:
فأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح فكان قد أسلم، وكان
يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، فربما أملى عليه رسول
الله صلى الله عليه وسلم
"سميع عليم" فيكتب
"عزيز حكيم" ونحو
ذلك، ويقرأ على رسول الله صلى الله عليه
وسلم فيقول: كذلك الله، ويقرأ
فافتتن، وقال: والله ما يدري ما يقول، إني لأكتب له ما شئت فلا ينكر، وإنه ليوحى
إلي كما يوحى، إلى محمد، وخرج هارباً من المدينة إلى مكة مرتداً، فأهدر رسول الله صلى
الله عليه وسلم دمه، وأمر بقتله يوم الفتح، فلما كان
يومئذ جاء إلى عثمان، وكان أخاه من الرضاعة،
فقال: يا أخي، إني قد أجرتك فاحتبسني ههنا واذهب إلى محمد فكلمه في، فإن محمداً إن رآني ضرب عنقي، إن جرمي أعظم الجرم، وقد جئت تائباً، فقال عثمان: قم فاذهب معي إليه، قال:
كلا، والله إنه إن رآني ضرب عنقي ولم يناظرني، قد أهدر دمي وأصحابه يطلبونني في
كل موضع، فقال عثمان: انطلق معي فإنه لا يقتلك
إن شاء الله، فلم يرع رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلا بعثمان آخذاً بيد عبد الله بن سعد واقفين بين يديه،
فقال عثمان: يا رسول الله، هذا أخي من الرضاعة،
إن أمه كانت تحملني وتمشيه وترضعني وتفطمه وتلطفني وتتركه. فهبه لي، فأعرض رسول الله صلى الله
عليه وسلم وجعل عثمان كلما أعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه استقبله بوجهه، وأعاد عليه هذا الكلام،
وإنما أعرض صلى
الله عليه وسلم عنه إرادةً لأن يقوم رجل فيضرب عنقه، فلما رأى ألا يقوم
أحد وعثمان قد انكب عليه يقبل رأسه ويقول: يا رسول
الله، بايعه فداك أبي وأمي على الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
نعم، فبايعه. قال الواقدي: قال ابن عباس رضي الله عنه: رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهبار يعتذر إليه وهو يطأطىء رأسه استحياءً مما يعتذر هبار ويقول له: قد عفوت عنك. قال الواقدي: وأما ابن خطل فإنه خرج حتى دخل بين أستار الكعبة، فأخرجه أبو برزة الأسلمي
منها، فضرب عنقه بين الركن والمقام، ويقال: بل قتله عمار بن ياسر، وقيل: سعد بن
حريث المخزومي، وقيل: شريك بن عبدة العجلاني،
والأثبت أنه أبو برزة، قال: وكان جرمه أنه أسلم
وهاجر إلى المدينة وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعياً، وبعث معه رجلاً من خزاعة فقتله، وساق ما أخذ من مال
الصدقة، ورجع إلى مكة، فقالت له قريش: ما جاء
بك، قال: لم أجد ديناً خيراً من دينكم، وكانت له
قينتان: إحداهما قرينى، والأخرى قرينة - أو أرنب، وكان ابن خطل يقول الشعر يهجو به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويغنيان به، ويدخل عليه
المشركون بيته فيشربون عنده الخمر، ويسمعون الغناء بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلقيه
نميلة بن عبد الله الليثي وهو من رهطه، فضربه بالسيف حتى قتله، فقالت
أخته ترثيه:
وكان
جرم مقيس من قبل أن أخاه هاشم بن صبابة أسلم
وشهد المريسيع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقتله رجل من رهط عبادة بن الصامت، وقيل: من بني عمرو بن عوف وهو لا يعرفه، فظنه من المشركين،
فمضى له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية
على العاقلة، فقدم مقيس أخوه المدينة فأخذ ديته، وأسلم، ثم عدا على قاتل أخيه، فقتله، وهرب مرتداً كافراً يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشعر، فأهدر دمه. وزاد محمد بن إسحاق في كتاب المغازي: أن هند بنت عتبة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نساء قريش متنكرة متنقبة لحدثها الذي كان في الإسلام، وما
صنعت بحمزة حين جدعته وبقرت بطنه عن كبده، فهي تخاف أن يأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحدثها ذلك، فلما دنت منه، وقال حين
بايعته على ألا تشركن بالله شيئاً قلن: نعم،
قال: ولا يسرقن، فقالت
هند: والله أنا كنت لاصيب من مال أب سفيان الهنة
والهنيهة فما أعلم أحلال ذلك أم لا؟ فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: وإنك لهند؟ قالت، نعم، أنا هند، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، فاعف عما سلف عفا الله عنك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا يزنين،
فقالت هند: وهل تزني الحرة، فقال: لا، ولا يقتلن أولادهن، فقالت هند: قد لعمري ربيناهم صغاراً وقتلتهم كباراً ببدر، فأنت وهم أعرف،
فضحك عمر بن الخطاب من قولها حتى أسفرت نواجذه،
قال: ولا يأتين ببهتان يفترينه، فقالت هند: إن إتيان البهتان لقبيح، فقال: ولا يعصينك في معروف، فقالت: ما جلسنا هذه الجلسة ونحن
نريد أن نعصيك.
قال الواقدي:
وفي يوم الفتح سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل
مكة الذين دخلها عليهم الطلقاء، لمنه عليهم بعد أن أظفره الله بهم، فصاروا أرقاء
له. وقد قيل له يوم الفتح: قد أمكنك الله تعالى فخذ ما شئت من أقمار على غصون -
يعنون النساء - فقال صلى الله عليه وسلم: يأبى ذلك إطعامهم الضيف، وإكرامهم البيت، ووجؤهم مناحر
الهدي. والأغلف القلب:
الذي لا بصيرة له، كأن قلبه في غلاف، قال تعالى:
وقالوا قلوبنا غلف". |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكتب إليه أيضاً.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
أما بعد، فقد آن لك أن تنتفع باللمح الباصر من عيان الأمور، فلقد سلكت مدارج
أسلافك بادعائك الأباطيل، واقتحامك غرور المين والأكاذيب، من إنتحالك ما قد علا
عنك، وابتزازك لما قد اختزن دونك، فراراً من الحق، وجحوداً لما هو ألزم لك من
لحمك ودمك، مما قد وعاه سمعك، وملىء به صدرك، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ وبعد
البيان إلا اللبس! فاحذر الشبهة واشتمالها على لبستها، فإن الفتنة طالما أغدقت
جلابيبها، وأعشت الأبصار ظلمتها، وقد أتاني كتاب منك ذو أفانين من القول ضعفت قواها
عن السلم، وأساطير لم يحكها عنك علم ولا حلم، أصبحت منها كالخائض في الدهاس،
والخابط في الديماس، وترقيت إلى مرقبة بعيدة المرام، نازحة الأعلام، تقصر دونها
الأنوق، ويحاذى بها العيوق، وحاش لله أن تلي للمسلمين من بعدي صدراً أو ورداً،
أو أجري لك على أحد منهم عقداً أو عهداً، فمن الآن فتدارك نفسك وانظر لها، فإنك
إن فرطت حتى ينهد إليك عباد الله أرتجت عليك الأمور، ومنعت أمراً هو منك اليوم
مقبول، والسلام.
فجمع بين اللغتين، وأنى مقلوبة عن آن، ومما يجري مجرى المثل قولهم لمن يرونه
شيئاً شديداً يبصره ولايشك فيه، قد رأيته لمحاً باصراً، قالوا: أي نظراً بتحديق شديد، ومخرجه مخرج رجل لابن وتامر، أي
ذو لبن وتمر، ومعنى باصر ذو بصر، يقول رضي الله عنه لمعاوية:
قد حان أن تنتفع بما تعلمه من معاينة الأمور والأحوال وتتحققه يقيناً بقلبك، كما
يتحقق ذو اللمح الباصر ما يبصره بحاسة بصره، وأراد ببيان الأمور ههنا معاينتها،
وهو ما يعرفه ضرورة من استحقاق علي رضي الله عنه للخلافة
دونه، وبراءته من كل شبهة ينسبها إليه. ثم قال له:
فقد سلكت، أي اتبعت طرائق أبي سفيان أبيك وعتبة جدك وأمثالهما من أهلك ذوي الكفر
والشقاق، والأباطيل: جمع باطل على غير قياس،
كأنهم جمعوا إبطيلاً، والاقتحام: إلقاء
النفس في الأمر من غير روية. والمين الكذب.
والغرور بالضم
المصدر وبالفتح الاسم، وانتحلت القصيدة، أي
ادعيتها كذباً. ونحن نخرجه على وجه لا يلزم منه ما
تقوله الشيعة، فنقول: لنفرض أن
النبي صلى الله عليه وسلم ما نص عليه بالخلافة بعده، أليس يعلم
معاوية وغيره من الصحابة أنه لو قال له في ألف مقام: أنا حرب لمن حاربت وسلم لمن
سالمت، ونحو ذلك من قوله: اللهم عاد من عاداه،
ووال من والاه، وقوله: حربك حربي وسلمك سلمي، وقوله: أنت مع الحق والحق معك، وقوله: هذا مني وأنا منه، وقوله:
هذا أخي، وقوله: يحب الله ورسوله، ويحبه الله
ورسوله، وقوله: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك، وقوله: إنه ولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي، وقوله في كلام قاله: خاصف النعل، وقوله: لا يحبه إلا
مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق، وقوله: إن الجنة
لتشتاق إلى أربعة، وجعله أولهم، وقوله لعمار:
تقتلك الفئة الباغية، وقوله: ستقاتل الناكثين
والقاسطين والمارقين بعدي، إلى غير ذلك مما يطول تعداده
جداً، ويحتاج إلى كتاب مفرد يوضع له، أما كان ينبغي لمعاوية أن يفكر في هذا ويتأمله، ويخشى
الله ويتقيه، فلعله رضي الله عنه إلى هذا أشار بقوله: وجحوداً لما هو ألزم لك من لحمك ودمك مما قد وعاه سمعك، وملىء
به صدرك. وروي وأغشت
بالغين المعجمة ظلمتها بالنصب، أي جعلت الفتنة ظلمتها غشاء للأبصار، والأفانين: الأساليب المختلفة. وقرأ أبو عمرو: "أدخلوا في السلم كافة"، وقال: ليس المعني بهذا الصلح، بل الإسلام والإيمان
لا غير، ومعنى ضعفت قواها، أي ليس لتلك الطلبات والدعاوى والشبهات التي تضمنها
كتابك من القوة ما يقتضي أن يكون المتمسك به مسلماً، لأنه كلام لا يقوله إلا من
هو إما كافر منافق أو فاسق، والكافر ليس بمسلم،
والفاسق أيضاً ليس بمسلم، على قول أصحابنا، ولا كافر. ثم قال: وأساطير لم
يحكها منك علم ولا حلم، الأساطير: الأباطيل،
وأحدها أسطورة بالضم وإسطارة بالكسر والألف. وحوك الكلام:
صنعته ونظمه. والحلم: العقل: يقول، له: ما صدر هذا
الكلام والهجر الفاسد عن عالم ولا عاقل. والأعلام:
جمع علم، وهو ما يهتدى به في الطرقات من المنار، يقول
له: سمت همتك إلى دعوى الخلافة، وهي منك كالمرقبة التي لا ترام بتعد على
من يطلبها، وليس فيه أعلام تهدي إلى سلوك طريقها، أي الطرق إليها غامضة، كالجبل
الأملس الذي ليس فيه درج ومراق يسلك منها إلى ذروته. وفي المثل:
أعز من بيض الأنوق، لأنها تحرزه ولا يكاد أحد يظفر به، وذلك لأن أوكارها في رؤوس
الجبال والأماكن الصعبة البعيدة، والعيوق:
كوكب معروف فوق زحل في العلو، وهذه أمثال ضربها في
بعد معاوية عن الخلافة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب له إلى عبد الله بن العباس وقد تقدم ذكره
بخلاف هذه الرواية.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما بعد، فإن
العبد ليفرح بالشيء الذي لم يكن ليفوته، ويحزن على الشيء الذي لم يكن ليصيبه،
فلا يكن أفضل ما نلت في نفسك من دنياك بلوغ لذة، أو شفاء غيظ، ولكن إطفاء باطل،
وإحياء حق. وليكن سرورك بما قدمت، وأسفك على ما خلفت، وهمك
فيما بعد الموت الشرح: هذا الفصل قد
تقدم شرح نظيره، وليس في ألفاظه ولا معانيه ما يفتقر إلى تفسير، ولكنا سنذكر من كلام الحكماء والصالحين كلمات تناسبه: بعض ما قيل في الدنيا وأحوالها. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكتب كتبه إلى قثم بن العباس وهو عامله علي مكة.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما
بعد، فأقم للناس الحج، وذكرهم بأيام الله، واجلس، لهم العصرين، فأفت المستفتي،
وعلم الجاهل، وذاكر العالم، ولا يكن لك إلى الناس سفير إلا لسانك، ولا حاجب إلا
وجهك. والرواية الأولى هي المشهورة، وهو أن يكون سفير اسم كان ولك خبرها، ولا يصح ما قاله الراوندي: إن خبرها إلى الناس،
لأن إلى ههنا متعلقة بنفس سفير، فلا يجوز أن تكون الخبر عن سفير، تقول: سفرت إلى بني فلان في الصلح، وإذا تعلق حرف
الجر بالكلمة صارا كالشيء الواحد.
وكان
الناس يقفون لأبي عباد وقت ركوبه، فيتقدم الواحد منهم إليه بقصته ليناوله إياها،
فيركله برجله بالركاب، ويضربه بسوطه، ويطير غضباً، ثم لا ينزل عن فرسه حتى يقضي
حاجته، ويأمر له بطلبته، فينصرف الرجل بها وهو ذام له ساخط عليه، فقال فيه دعبل:
وقال
فيه بعض الشعراء:
والمفاقر:
الحاجات، يقال: سد الله مفاقره، أي أغنى الله فقره، ثم أمره أن يأمر أهل مكة ألا
يأخذوا من أحد من الحجيج أجرة مسكن، واحتج على ذلك بالآية، وأصحاب أبي حنيفة يتمسكون بها في امتناع بيع دور مكة
وإجارتها، وهذا بناء على أن المسجد الحرام هو مكة كلها، والشافعي يرى خلاف ذلك، ويقول: إنه الكعبة، ولا
يمنع من بيع دور مكة ولا إجارتها، ويحتج بقوله
تعالى: "الذين أخرجوا من ديارهم"،
وأصحاب أبي حنيفة يقولون: إنها إضافة إختصاص لا
إضافة تمليك، كما تقول: جل الدابة، وقرأ سواء بالنصب على أن يكون أحد مفعولي
جعلنا أي جعلناه مستوياً فيه العاكف والباد، ومن قرأ بالرفع جعل الجملة هي
المفعول الثاني. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من كتاب له إلى سلمان الفارسي رحمه الله قبل أيام
خلافته.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما بعد
فإنما الدنيا مثل الحية لين مسها قاتل سمها فأعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك
منها، وضع عنك همومها، لما أيقنت به من فراقها، وتصرف حالاتها، وكن آنس ما تكون
بها أحذر ما تكون منها، فإن صاحبها كلما اطمأن فيها إلى سرور أشخصته عنه إلى
محذور، أو إلى إيناس أزالته عنه إلى إيحاش، والسلام. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب له إلى الحارث الهمداني
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
وتمسك بحبل القران وانتصحه، وأحل حلاله، وحرم حرامه وصدق بما سلف من الحق،
وأعتبر بما مضى من الدنيا لما بقي منها، فإن بعضها يشبه بعضاً، وآخرها لاحق
بأولها، وكلها حائل مفارق. وعظم اسم الله أن تذكره إلا على حق، وأكثر ذكر الموت
وما بعد الموت، ولا تتمن الموت إلا بشرط وثيق. ولا تجعل عرضك غرضاً لنبال القوم، ولا تحدث
الناس بكل ما سمعت به، فكفى بذلك كذباً، ولا ترد على الناس كل ما حدثوك به، فكفى
بذلك جهلاً. وأكثر
أن تنظر إلى من فضلت عليه، فإن ذلك من أبواب الشكر. وأطع
الله في جمل أمورك، فإن طاعة الله فاضلة على ما سواها. وخادع نفسك في العبادة
وارفق بها ولا تقهرها، وخذ عفوها ونشاطها، إلا ما كان مكتوباً عليك من الفريضة،
فإنه لا بد من قضائها، وتعاهدها عند محلها. وإياك ومصاحبة الفساق، فإن الشر بالشر ملحق. الحارث الأعور. الشرح: هو الحارث الأعور صاحب أمير المؤمنين رضي الله عنه: وهو الحارث بن عبد الله بن كعب بن
أسد بن نخلة بن حرث بن سبع بن صعب بن معاوية الهمداني، كان
أحد الفقهاء، له قول في الفتيا، وكان صاحب
علي رضي الله عنه، وإليه تنسب الشيعة الخطاب الذي خاطبه به في قوله رضي الله عنه:
وهي أبيات مشهورة قد ذكرناها فيما تقدم.
ويناسب قوله:
وآخرها لاحق بأولها، وكلها حائل مفارق قوله أيضاً رضي الله عنه في غير هذا الفصل: الماضي للمقيم عبرة، والميت للحي عظة،
وليس لأمس عودة، ولا المرء من غد على ثقة، الأول للأوسط رائد، والأوسط للأخير
قائد، وكل بكل لاحق، والكل لكل مفارق.
وقال الله تعالى حاكياً عن نبي من أنبيائه: "وما أريد أن
أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه". وفي المثل وهو منسوب إلى علي رضي الله عنه: إياك وما يعتذر منه.
وقال:
ومنها قوله: ولا
تحدث الناس بكل ما سمعت، فكفى بذلك كذبا"، قد نهى أن يحدث الإنسان بكل ما
رأى من العجائب فضلاً عما سمع، لأن الحديث الغريب المعجب تسارع النفس إلى
تكذيبه، وإلى أن تقوم الدلالة على صدقه قد فرط من سوء الظن فيه مافرط. ومنها قوله:
واحلم عند الغضب، هذه مناسبة الأولى، وقد تقدم منا قول كثير في الحلم وفضله،
وكذلك القول في قوله رضي الله عنه:
وتجاوز عند القدرة، وكان يقال: القدرة تذهب الحفيظة. وقال الرشيد لجعفر: قم بنا لنمضي إلى منزل الأصمعي، فمضيا إليه خفية ومعهما
خادم معه ألف دينار ليدفع ذلك إليه، فدخلا داره فوجدا كساء جرداء، وبارية سملاء،
وحصيراً مقطوعاً، وخباءً قديمة، وأباريق من خزف، ودواةً من زجاج، ودفاتر عليها
التراب وحيطاناً مملوءة من نسج العناكب، فوجم
الرشيد، وسأله مسائل غشةً لم تكن من غرضه، وإنما قطع بها خجله، وقال الرشيد لجعفر: ألا ترى إلى نفس هذا المهين،
قد بررناه بأكثر من خمسين ألف دينار وهذه حاله، لم تظهر عليه آثار نعمتنا، والله
لا دفعت إليه شيئاً، وخرج ولم يعطه.
ومنها قوله:
واسكن الأمصار العظام، وقد قيل: لا تسكن إلا
في مصر فيه سوق قائمة، ونهر جار، وطبيب حاذق، وسلطان عادل، فأما منازل الغفلة
والجفاء، فمثل قرى السواد الصغار، فإن أهلها لا نور فيهم، ولا ضوء عليهم، وإنما
هم كالدواب والأنعام، همهم الحرث والفلاحة، ولايفقهون شيئاً أصلاً، فمجاورتهم
تعمي القلب، وتظلم الحس، وإذا لم يجد الإنسان من يعينه على طاعة الله وعلى تعلم
العلم قصر فيهما. وجاء
في الخبر المرفوع: "الأسواق مواطن إبليس
وجنده"، وذلك لأنها قلما تخلو عن الأيمان الكاذبة، والبيوع الفاسدة، وهي
أيضاً مجمع النساء المومسات، وفجار الرجال، وفيها اجتماع أرباب الأهواء والبدع،
فلا يخلو أن يتجادل اثنان منهم في المذاهب والنحل فيفضي إلى الفتن. ومنها قوله:
وانظر إلى من فضلت عليه، كان يقال. أنظر إلى من دونك، ولا تنظر إلى من فوقك. وقد بين رضي الله عنه السر فيه فقال:
إن ذلك من أبواب الشكر، وصدق رضي الله عنه،
لأنك إذا رأيت جاهلاً وأنت عالم، أو عالماً وأنت أعلم منه، أو فقيراً وأنت أغنى
منه، أو مبتلى بسقم وأنت معافى عنه، كان ذلك باعثاً وداعياً لك إلى الشكر. قال: فإن طاعة
الله فاضلة على غيرها، وصدق رضي الله عنه، لأنها توجب السعادة الدائمة، والخلاص
من الشقاء الدائم، ولا أفضل مما يؤدي إلى ذلك. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكتب إلى سهل بن حنيف الأنصاري
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وهو
عامله على المدينة، في معنى قوم من أهلها لحقوا بمعاوية. وضع
البعير أي أسرع، وأوضعه صاحبه، قال:
ومهطعون:
مسرعون أيضاً، والأثرة: الاستئثار، يقول: قد
عرفوا أني لا أقسم إلا بالسوية، وأني لا أنفل قوماً على قوم، ولا أعطي على
الأحساب والأنساب كما فعل غيري، فتركوني وهربوا إلى من يستأثر ويؤثر. قال: فبعداً لهم
وسحقاً، دعاء عليهم بالبعد والهلاك. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكتب إلى المنذر بن الجارود العبدي وقد كان استعمله
على بعض النواحى فخان الأمانة في بعض ما ولاه من أعماله.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
أما بعد، فإن صلاح أبيك غرني منك، وظننت أنك تتبع هديه، وتسلك سبيله، فإذا أنت
فيما رقي إلي عنك لا تدع لهواك إنقياداً، ولا تبقي لآخرتك عتاداً، تعمر دنياك
بخراب آخرتك، وتصل عشيرتك بقطيعة دينك، ولئن كان ما بلغني عنك حقاً لجمل أهلك
وشسع نعلك خير منك، ومن كان بصفتك فليس بأهل أن يسد به ثغر، أو ينفذ به أمر، أو
يعلى له قدر، أو يشرك في أمانة، أو يؤمن على جباية، فأقبل إلي حين يصل إليك
كتابي هذا إن شاء الله. المنذر وأبوه الجارود. الشرح: هو المنذر بن الجارود. واسم الجارود
بشر بن خنيس بن المعلى، وهو الحارث بن زيد بن حارثة بن معاوية بن ثعلبة بن جذيمة
بن عوف بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى بن دعمي
بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، بيتهم بيت الشرف في عبد
القيس، وإنما سمي الجارود لبيت قاله بعض الشعراء فيه في آخره:
ووفد الجارود على النبي صلى الله عليه وسلم في سنة تسع، وقيل: في سنة
عشر.
قال: وقد اختلف في نسبه اختلافاً كثيراً، فقيل: بشر بن المعلى بن خنيس، وقيل: بشر بن خنيس بن المعلى، وقيل: بشر بن عمرو بن العلاء، وقيل: بشر بن عمرو بن المعلى، وكنيته أبو عتاب،
ويكنى أيضاً أبا المنذر. وقيل: إن عثمان بن العاص بعث الجارود في
بعث نحو ساحل فارس، فقتل بموضع يعرف بعقبة الجارود، وكان قبل ذلك يعرف بعقبة
الطين، فلما قتل الجارود فيه عرفه الناس بعقبة الجارود، وذلك في سنة إحدى
وعشرين. قال أبو عبيدة:
وقال عمر ابن الخطاب: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن هذا الأمر لا يكون إلا في قريش لما عدلت بالخلافة عن
الجارود بن بشر بن المعلى، ولا تخالجني في ذلك الأمور.
فلا يعرف في العرب أحد صنع صنيعه.
وكان يقال:
أطوع الناس في قومه الجارود بن بشر بن المعلى، لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتدت
العرب، خطب قومه فقال: أيها الناس، إن كان محمد قد مات فإن الله حي لا يموت،
فاستمسكوا بدينكم، ومن ذهب له في هذه الفتنة دينار أو درهم أو بقرة أو شاة فعلي
مثلاه، فما خالفه من عبد القيس أحد. واللام
في لهواك متعلقة بمحذوف دل عليه انقياداً، ولا يتعلق بنفس انقياد لأن المتعلق من
حروف الجر بالمصدر لا يجوز أن يتقدم على المصدر. والعتاد: العدة قوله: وتصل عشيرتك، كان فيما رقي إليه عنه أنه يقتطع المال
ويفيضه على رهطه وقومه ويخرج بعضه في لذاته ومآربه.
فأما شسع النعل
فضرب المثل بها في الإستهانة مشهور،
لابتذالها ووطئها الأقدام في التراب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكتب إلى عبد الله بن العباس رضي الله عنه.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
أما بعد، فإنك لست بسابق أجلك، ولا مرزوق ما ليس لك، واعلم بأن الدهر يومان: يوم
لك، ويوم عليك، وأن الدنيا دار دول، فما كان منها لك أتاك على ضعفك، وما كان
منها عليك لم تدفعه بقوتك.
ومن
جيد ما قيل في هذا المعنى قول أبي يعقوب الخريمي:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكتب إلى معاوية.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما بعد،
فإني على التردد في جوابك، والاستماع إلى كتابك، لموهن رأي، ومخطىء فراستي، وإنك
إذ تحاولني الأمور، وتراجعني السطور، كالمستثقل النائم تكذبه أحلامه، والمتحير
القائم يبهظه مقامه، لا يدري أله ما يأتي أم عليه، ولست به، غير أنه بك شبيه. قال: وإن كنت لست بذلك الرجل فإنك شبيه به، أما
تشبيهه بالنائم ثم ذي الأحلام، فإن معاوية لو رأى في
المنام في حياة رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه خليفة يخاطب بإمرة
المؤمنين، ويحارب علياً على الخلافة، ويقوم في المسلمين مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم لما
طلب لذلك المنام تأويلاً ولا تعبيراً، ولعده من وساوس الخيال وأضغاث الأحلام،
وكيف له أن يخطر هذا بباله، وهو أبعد الخلق منه! وهذا كما
يخطر للنفاط أن يكون ملكاً، ولا تنظرن إلى نسبه في المناقب، بل انظر إلى أن الإمامة هي نبوة مختصرة، وأن
الطليق المعدود من المؤلفة قلوبهم المكذب بقلبه وإن أقر بلسانه، الناقص المنزلة
عند المسلمين، القاعد في أخريات الصف، إذا دخل إلى مجلس فيه أهل السوابق من المهاجرين،
كيف يخطر ببال أحد أنها تصير فيه ويملكها ويسمه الناس وسمها، ويكون للمؤمنين
أميراً، ويصير هو الحاكم في رقاب أولئك العظماء من أهل الدين والفضل، وهذا أعجب من العجب، أن يجاهد النبي صلى الله عليه وسلم قوماً
بسيفه ولسانه ثلاثاً وعشرين سنة، ويلعنهم
ويبعدهم عنه، وينزل القرآن بذمهم ولعنهم، والبراءة منهم، فلما تمهدت له الدولة، وغلب الدين على الدنيا، وصارت شريعة
دينية محكمة، مات فشيد دينه الصالحون من أصحابه، وأوسعوا رقعة ملته، وعظم قدرها
في النفوس، فتسلمها منهم أولئك الأعداء الذين جاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم فملكوها وحكموا فيها، وقتلوا الصلحاء والأبرار وأقارب نبيهم الذين
يظهرون طاعته، وآلت تلك الحركة الأولى وذلك الإجتهاد السابق إلى أن كان ثمرته
لهم، فليته كان يبعث فيرى معاوية الطليق وابنه، ومروان وابنه خلفاء في مقامه،
يحكمون على المسلمين، فوضح أن معاوية فيما يراجعه ويكاتبه
به، كصاحب الأحلام. وقلت لأبي زيد البصري:
لم أبقى عليه؟ فقال: والله ما أبقى عليه مراعاة له، ولا رفقاً به، ولكنه خاف أن
يفعل كفعله، فيقول لعمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة وبسر
بن أبي أرطأة وأبي الأعور وأمثالهم: ارووا أنتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أن علياً رضي الله عنه منافق من أهل النار، ثم يحمل ذلك إلى أهل
العراق، فلهذا السبب أبقى عليه |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن حلف له رضي الله عنه كتبه بين ربيعة واليمن ونقل
من خط هشام بن الكلبي .
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: هذا ما اجتمع
عليه أهل اليمن حاضرها وباديها، وربيعة
حاضرها وباديها، أنهم على كتاب الله، يدعون إليه، ويأمرون به، ويجيبون من دعا
إليه وأمر به، لا يشترون به ثمناً قليلاً، ولا يرضون به بدلاً، وأنهم يد واحدة
على من خالف ذلك وتركه، وأنهم أنصار بعضهم لبعض، دعوتهم واحدة، لا ينقضون عهدهم
لمعتبة عاتب، ولا لغضب غاضب، ولا لاستذلال قوم قوماً، ولا لمسبة قوم قوماً، على
ذلك شاهدهم وغائبهم، وسفيههم وعالمهم، وحليمهم وجاهلهم. واليمن: كل
من ولده قحطان، نحو حمير، وعك وجذام، وكندة، والأزد، وغيرهم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكتب إلى معاوية من المدينة في أول ما بويع له
بالخلافة، ذكره الواقدى في كتاب الجمل.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي
سفيان: أما بعد، فقد علمت إعذاري فيكم، وإعراضي عنكم، حتى كان ما لا بد
منه ولا دفع له، والحديث طويل، والكلام كثير، وقد أدبر ما أدبر، وأقبل ما أقبل،
فبايع من قبلك، وأقبل إلي في وفد من أصحابك والسلام. قال:
وقد علمت إعذاري فيكم، أي كوني ذا عذر لو لمتكم أو ذممتكم، يعني في أيام عثمان.
ويطيع
علياً، ويبايع له، ويقدم عليه، ويسلم نفسه إليه، وهو نازل بالشام في وسط قحطان
ودونه منهم حرة لا ترام، وهم أطوع له من نعله، والأمر قد أمكنه الشروع فيه،
وتالله لو سمع هذا التحريض أجبن الناس وأضعفهم نفساً وأنقصهم همةً لحركه وشحذ من
عزمه، فكيف معاوية، وقد أيقظ الوليد بشعره من لا ينام! |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن وصية له لعبد الله بن العباس عند استخلافه إياه
على البصرة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
سع الناس بوجهك ومجلسك وحكمك، وإياك والغضب فإنه طيرة من الشيطان. والقرب
من الله، هو القرب من ثوابه، ولا شبهة أن ما قرب من الثواب باعد من العقاب،
وبالعكس لتنافيهما.
ومن وصية له رضي الله عنه لعبد الله بن
العباس أيضاً لما بعثه للإحتجاج على الخوارج . الأصل: لا تخاصمهم
بالقرآن فإن القرآن حمال ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن حاججهم بالسنة، فإنهم لن
يجدوا عنها محيصاً. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب له أجاب به أبا موسى الأشعري عن كتاب كتبه
إليه من المكان الذي اتعدوا فيه للحكومة، وذكر هذا الكتاب سعيد بن يحيى الأموي
في كتاب المغازي
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: فإن الناس قد
تغير كثير منهم عن كثير من حظهم، فمالوا مع الدنيا، ونطقوا بالهوى. وإني نزلت من
هذا الأمر منزلاً معجباً، اجتمع به أقوام أعجبتهم أنفسهم، وأنا أداوي منهم قرحاً
أخاف أن يكون علقاً يعود، وليس رجل - فاعلم - أحرص الناس على جماعة أمة محمد صلى الله عليه وسلم وألفتها مني، أبتغي بذلك حسن
الثواب، وكرم المآب. واعلم
أن هذا الكتاب كتاب من شك في أبي موسى واستوحش منه، ومن قد نقل عنه إلى أبي موسى
كلاماً إما صدقاً وإما كذباً. وقد نقل عن أبي موسى إليه كلاماً إما صدقاً
أيضا ًوإما كذباً، قال رضي الله عنه:
إن الناس قد تغير كثير منهم عن حظهم
من الآخرة، فمالوا مع الدنيا. وإني نزلت من هذا الأمر
منزلاً معجباً،
بكسر الجيم، أي يعجب من رآه، أي يجعله متعجباً منه. وهذا الكلام شكوى من أصحابه
ونصاره من أهل العراق، فإنهم كان اختلافهم عليه واضطرابهم شديداً جداً. والمنزل
والنزول ههنا مجاز واستعارة، والمعنى أني حصلت في هذا الأمر الذي حصلت فيه على
حال معجبة لمن تأملها، لأني حصلت بين قوم كل واحد منهم مستبد برأي يخالف فيه رأي
صاحبه، فلا تنتظم لهم كلمة ولا يستوثق لهم أمر، وإن حكمت عليهم برأي أراه أنا
خالفوه وعصوه، ومن لا يطاع فلا رأي له، وأنا معهم كالطبيب الذي يداوي قرحاً، أي
جراحة قد قاربت الإندمال ولم تندمل بعد، فهو يخاف أن يعود علقاً أي دماً.
ثم قال:
وإني لأعبد أي آنف، من عبد بالكسر أي أنف، وفسروا قوله: "فأنا أول العابدين" بذلك، يقول: إني لآنف من أن يقول
غيري قولاً باطلاً، فكيف لا آنف من ذلك لنفسي؟ ثم تختلف الروايات في اللفظة
بعدها كما ذكرنا.
ونحو
قول الآخر:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكتب لما استخلف إلى أمراء الأجناد .
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما بعد،
فإنما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الناس الحق فاشتروه، وأخذوهم بالباطل
فاقتدوه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
باب المختار من حكم أمير المؤمنين ومواعظه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ويدخل في ذلك المختار من أجوبة مسائله والكلام
القصير الخارج من سائر أغراضه.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اعلم أن
هذا الباب من كتابنا كالروح من البدن،
والسواد من العين، وهو الدرة المكنونة التي سائر
الكتاب صدفها، وربما وقع فيه تكرار لبعض ما تقدم يسير
جداً، وسبب ذلك طول الكتاب وبعد أطرافه عن الذهن، وإذا كان الرضي رحمه الله
قد سها فكرر في مواضع كثيرة في نهج البلاغة على اختصاره كنا نحن في تكرار يسير في كتابنا الطويل أعذر الأصل: كن
في الفتنة كابن اللبون، لا ظهر فيركب، ولا ضرع فيحلب. الشرح: ابن اللبون: ولد الناقة الذكر إذا استكمل السنة الثانية ودخل في الثالثة، ولا يقال
للأنثى: ابنة اللبون، وذلك لأن أمهما في الأغلب ترضع غيرهما، فتكون ذات لبن،
واللبون من الإبل والشاة: ذات اللبن، غزيرة كانت أو بكيئة، فإذا أرادوا الغزيرة
قالوا: لبنة، ويقال: ابن لبون وابن اللبون، منكراً أو معرفاً، قال الشاعر:
وابن اللبون لا يكون قد كمل وقوي ظهره على أن يركب، وليس
بأنثى ذات ضرع فيحلب وهو مطرح لا ينتفع به. من استشعر الطمع، أي جعله شعاره أي لازمه.
قال، عمر: ما الخمر صرفاً بأذهب لعقول الرجال
من الطمع.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفصل الثاني في الشكوى:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال رضي الله عنه: من كشف للناس ضره أي شكى إليهم بؤسه
وفقره، فقد رضي بالذل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفصل الثالث في حفظ
اللسان:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قد تقدم قول شاف في ذلك، وكان يقال: حفظ اللسان راحة الإنسان، وكان يقال: رب كلمة سفكت دماً،
وأورثت ندماً.
الأصل: البخل عار، والجبن منقصة، والفقر يخرس الفطن عن حاجته،
والمقل غريب في بلدته. ومن كلام بعض الحكماء في ذلك: ما أقل من يحمده الطالب، وتستقل به العشائر، ويرضى عنه
السائل، وما زالت أم الكرم نزوراً وأم اللؤم ذلولاً. وأكثر الواجدين من لا يجود، وأكثر الأجواد من لا يجد. الفصل الثاني في الجبن، وقد تقدم قولنا في فضل
الشجاعة. وقال هشام بن عبد الملك
لمسلمة أخيه:
يا أبا سعيد، هل دخلك ذعر في حرب قط شهدتها، قال: ما سلمت في ذلك عن ذعر ينبه
على حيلة، ولا غشيني ذعر سلبني رأيي، فقال له هشام: هذه
والله البسالة، قال أبو دلامة، وكان جباناً:
قال المنصور لأبي دلامة في حرب إبراهيم: تقدم ويلك! قال: يا أمير المؤمنين،
شهدت مع مروان بن محمد أربعة عساكر كلها انهزمت وكسرت، وإني أعيذك بالله أن يكون
عسكرك الخامس. الفصل الثالث في الفقر. وقد تقدم القول
فيه أيضاً: ومثل قوله: الفقر يخرس الفطن عن حاجته قول الشاعر:
ومثل
قوله رضي الله عنه: والمقل غريب في بلدته قول خلف الأحمر:
وكان يقال: مالك نورك، فإن أردت أن تنكسف ففرقه
وأتلفه. الشرح: فهذه الفصول
خمسة: الفصل الأول: قوله رضي الله عنه: العجز آفة، وهذا حق لأن الآفة هي
النقص أو ما أوجب النقص، والعجز كذلك. الفصل الثاني في الصبر
والشجاعة: قد تقدم قولنا في الصبر. وكان
يقال:
الصبر مر، لا يتجرعه إلا حر. الفصل الثالث: قوله: والزهد ثروة، وهذا حق، لأن الثروة ما
استغنى به الإنسان عن الناس، ولا غناء عنهم كالزهد عن دنياهم، فالزهد على
الحقيقة هو الغنى الأكبر. الفصل الرابع قوله: والورع جنة، كان يقال: لا عصمة كعصمة الورع والعبادة، أما
الورع فيعصمك من المعاصي، وأما العبادة فتعصمك من خصمك، فإن عدوك لو رآك، قائماً
تصلي وقد دخل ليقتلك لصد عنك وهابك. الفصل الخامس: قوله: ونعم القرين الرضا، قد سبق منا قول
مقنع في الرضا.
ومن كلام الحكماء:
النار لا ينقصها ما أخذ منها، ولكن يخمدها ألا تجد حطباً، وكذلك العلم لا يفنيه
الإقتباس ولكن فقد الحاملين له سبب عدمه قيل
لبعضهم: أي العلوم أفضل؟ قال: ما العامة فيه أزهد.
ثم
أقبل على رجل منا وسيم جسيم قدمناه أمامنا، فقال: أيكم يقول هذا الشعر؟ قال: لا
أدري، فقلت أنا من خلفه: يقوله ذو الإصبع، فتركني وأقبل على ذلك الرجل الجسيم،
فقال: ما كان اسم ذي الإصبع، قال: لا أدري، فقلت أنا من خلفه: اسمه حرثان،
فتركني وأقبل عليه، فقال له: ولم سمي ذا الإصبع؟ قال: لا أدري، فقلت أنا من
خلفه: نهشته حية في إصبعه، فأقبل عليه وتركني، فقال: من أيكم كان؟ فقال: لا
أدري، فقلت أنا من خلفه: من بني تاج الذين يقول الشاعر فيهم:
فأقبل
على الجسيم، فقال: كم عطاؤك؟ قال: سبعمائة درهم، فأقبل علي، وقال: وكم عطاؤك
أنت؟ قلت أربعمائة. فقال: يا أبا الزعزعة، حط من عطاء هذا ثلاثمائة وزدها في
عطاء هذا، فرحت وعطائي سبعمائة وعطاؤه أربعمائة. وأنشد منشد بحضرة الواثق هارون
بن المعتصم:
فقال شخص:
رجل هو خبر إن، ووافقه على ذلك قوم وخالفه آخرون، فقال
الواثق: من بقي من علماء النحويين، قالوا:
أبو عثمان المازني بالبصرة، فأمر بإشخاصه إلى سر من رأى بعد إزاحة علته، قال أبو عثمان: فاشخصت، فلما أدخلت عليه قال: ممن
الرجل؟ قلت: من مازن، قال: من مازن تميم، أم من مازن ربيعة، أم مازن قيس، أم
مازن اليمن، قلت: من مازن ربيعة، قال: باسمك؟ بالباء؟ -
يريد ما اسمك لأن لغة مازن ربيعة هكذا، يبدلون الميم باء والباء ميماً،
فقلت: مكر أي بكر، فضحك وقال: اجلس واطمئن،
فجلست فسألني عن البيت فأنشدته منصوباً، فقال: فأين خبر إن، فقلت: ظلم قال: كيف
هذا؟ قلت:
يا أمير المؤمنين، ألا ترى أن البيت إن لم يجعل ظلم خبر إن يكون مقطوع المعنى
معدوم الفائدة، فلما كررت القول عليه فهم، وقال: قبح الله من لا أدب له، ثم قال:
ألك ولد؟ قلت: بنية، قال: فما قالت لك حين ودعتها؟ قلت:
ما قالت بنت الأعشى:
قال:
فما قلت لها؟ قال: قلت أنشدتها بيت جرير:
فقال:
ثق بالنجاح إن شاء الله تعالى، ثم أمر لي بألف دينار وكسوة، وردني إلى البصرة.
الفصل الأول: قوله: صدر العاقل صندوق سره، قد ذكرنا فيما
تقدم طرفاً صالحاً في كتمان السر. الفصل الثاني: قوله:
البشاشة حبالة المودة، قد قلنا في البشر والبشاشة فيما سبق قولاً مقنعاً.
وقال
البحتري:
الفصل الثالث: قوله:
الاحتمال قبر العيوب، أي إذا احتملت صاحبك وحلمت عنه ستر هذا الخلق الحسن منك
عيوبك، كما يستر القبر الميت، وهذا مثل قولهم في الجود: كل عيب فالكرم يغطيه.
الأصل:
من رضي عن نفسه كثر الساخط عليه، والصدقة دواء منجح، وأعمال العباد في عاجلهم
نصب أعينهم في آجلهم.
وقال بعضهم:
دخلت على ابن منارة وبين يديه كتاب قد صنفه، فقلت: ما هذا؟ قال: كتاب عملته
مدخلاً إلى التورية، فقلت: إن الناس ينكرون هذا، فلو قطعت الوقت بغيره، قال:
الناس جهال، قلت: وأنت ضدهم، قال: نعم، قلت: فينبغي أن يكون ضدهم جاهلاً عندهم،
قال: كذاك هو، قلت: فقد بقيت أنت جاهلاً بإجماع الناس، والناس جهال بقولك وحدك، ومثل هذا المعنى قول الشاعر:
الفصل الثاني: الصدقة دواء
منجح، قد جاء في الصدقة فضل كثير، وذكرنا بعض ذلك فيما تقدم. وفي الحديث المرفوع:"تاجروا الله بالصدقة تربحوا"، وقيل:
الصدقة صداق الجنة. الفصل الثالث: قوله: أعمال العباد في عاجلهم نصب أعينهم
في آجلهم، هذا من قوله تعالى: "يوم تجد كل نفس
ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً
بعيداً"،. وقال تعالى: "فمن يعمل
مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره". أما
الإبصار، فقد اختلف فيه، فقيل: إنه بخروج
شعاع من العين يتصل بالمرئي. وقيل: إن القوة المبصرة التي في العين تلاقي
بذاتها المرئيات فتبصرها. وقال قوم:
بل بتكيف الهواء بالشعاع البصري من غير خروج، فيصير الهواء باعتبار تكيفه
بالشعاع به آلة العين في الإدراك. قالوا: ولو
كانت المرآة ذات قوة مبصرة لأدركت الصور المنطبعة فيها، وعلى جميع الأقوال فلا
بد من إثبات القوة المبصرة في الرطوبة الجلدية، وإلى الرطوبة الجلدية وقعت إشارته رضي الله عنه بقوله: ينظر بشحم. وقال قوم:
ليس اللسان آلة ضرورية في الكلام لأن من يقطع لسانه من أصله يتكلم. وأما إذا
قطع رأسه لم يتكلم. قالوا: وإنما الكلام باللهوات، وعلى
كلا القولين فلا بد أن تكون آلة الكلام لحماً، وإليه
وقعت إشارة أمير المؤمنين رضي الله عنه، وليس هذه البنية المخصوصة شرطاً
في الكلام على الإطلاق لجواز وجوده في الشجر والجماد عند أصحابنا، وإنما هي شرط
في كلام الإنسان، ولذا قال أمير المؤمنين:
اعجبوا لهذا الإنسان. وبالجملة فلا بد من عظم، لأن الحامل
اللحم والعصب إنما هو العظم. ولم يكن أحد يجسر أن يرد على جعفر
قولاً ولا رأياً، فيقال: إن أول ما ظهر من تغير الرشيد
له أنه كلم الفضل بن الربيع بشيء فرده عليه الفضل، ولم تجر عادته من قبل أن يفتح
فاه في وجهه، فأنكر سليمان بن أبي جعفر ذلك على الفضل،
فغضب الرشيد لإنكار سليمان، وقال: ما دخولك بين أخي ومولاي؟ كالراضي بما كان من الفضل، ثم تكلم جعفر بشيء قاله للفضل،
فقال الفضل: إشهد عليه يا أمير المؤمنين، فقال
جعفر: فض الله فاك يا جاهل، إذا كان أمير المؤمنين رضي
الله عنه الشاهد، فمن الحاكم المشهود عنده؟ فضحك الرشيد، وقال: يا فضل، لا تمار جعفراً، فإنك
لا تقع منه موقعاً. واعلم
أنا قد وجدنا تصديق ما قاله رضي الله عنه
في العلوم والفضائل والخصائص
النفسانية، دع حديث الدنيا والسلطان والرياسة، فإن المحظوظ من علم أو من فضيلة
تضاف إليه شوارد تلك الفضيلة وشوارد ذلك الفن، مثاله
حظ علي رضي الله عنه من الشجاعة، ومن الأمثال الحكمية قل أن ترى مثلاً شارداً أو كلمة حكمية إلا وتضيفها الناس
إليه، وكذلك ما يدعي العامة له من الشجاعة وقتل
الأبطال حتى يقال: إنه حمل على سبعين ألفاً فهزمهم، وقتل الجن في البئر، وفتل
الطوق الحديد في عنق خالد بن الوليد. وكذلك حظ عنترة بن شداد
في الشجاعة،
يذكر له من الأخبار ما لم يكن، وكذلك ما اشتهر به
أبو نواس في وصف الخمر، يضاف إليه من الشعر في هذا الفن ما لم يكن قاله، وكذلك جود حاتم وعبد الله بن جعفر ونحو ذلك،
وبالعكس من لا حظ له ينفى عنه ما هو حقيقة له، فقد رأينا كثيراً من الشعر الجيد
ينفى عن قائله استحقاراً له، لأنه خامل الذكر، وينسب إلى غيره، بل رأينا كتباً مصنفة في فنون من العلوم خمل ذكر مصنفيها
ونسبت إلى غيرهم من ذوي النباهة والصيت، وكل ذلك منسوب إلى الجد والإقبال.
وقال عقال بن شبة التميمي: كنت ردف أبي، فلقيه جرير بن الخطفى على بغلة، فحياه أبي
وألطفه، فلما مضى قلت له: أبعد أن قال لنا
ما قال، قال: يا بني أفأوسع جرحي.
وفي الحديث المرفوع: "للمسلم على المسلم ست: يسلم عليه إذا لقيه، ويجيبه
إذا دعاه، ويشمته إذا عطس، ويعوده إذا مرض، ويحب له ما يحب لنفسه، ويشيع جنازته
إذا مات".
وقد تقدم لنا كلام طويل في الحلم والصفح
والعفو. فقال صاحب مرو: أيها الأمير، إن عظم ذنبي يمنعني من الهدوء. فقال أبو مسلم: يا
عجباً، أقابلك بإحسان، وأنت مسيء، ثم أقابلك بإساءة وأنت محسن، فقال: الآن وثقت
بعفوك. وأذنب
بعض كتاب المأمون ذنباً، وتقدم إليه ليحتج لنفسه، فقال: يا هذا، قف مكانك، فإنما
هو عذر أو يمين، فقد وهبتهما لك، وقد تكرر منك ذلك، فلا تزال تسيء ونحسن، وتذنب
ونغفر، حتى يكون العفو هو الذي يصلحك.
وقال المأمون لإبراهيم بن المهدي لما ظفر به: إني قد شاورت في أمرك، فأشير علي
بقتلك، إلا أني وجدت قدرك فوق ذنبك، فكرهت قتلك للازم حرمتك. فقال إبراهيم: يا
أمير المؤمنين، إن المشير أشار بما تقتضيه السياسة، وتوجبه العادة، إلا أنك أبيت
أن تطلب النصر إلا من حيث عودته من العفو، فإن قتلت فلك نظراء، وإن عفوت فلا
نظير لك. قال: قد عفوت، فاذهب آمناً.
فقال:
قد فعلت، أما والله لو قلت في بعض ما قلته في عامر بن عمر، لأغنيتك طول حياتك،
ولو قلت في عامر بعض ما قلته في ما أذاقك برد الحياة.
وكان أبو أيوب السختياني يقول: إذا بلغني موت أخ كان لي، فكأنما سقط عضو مني.
وقال آخر:
وأوصى بعضهم ابنه، فقال: يا بني، إذا نازعتك نفسك إلى مصاحبة الرجال فاصحب من إذا
صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا عرضت لك مؤنة أعانك، وإن قلت صدق قولك، وإن
صلت شد صولك، وإن مددت يدك لأمر مدها، وإن بدت لك عورة سدها، وإن رأى منك حسنة
عدها، وإن سألته أعطاك، وإن سكت ابتداك، وإن نزلت بك ملمة واساك، من لا تأتيك
منه البوائق، ولا تحتار عليك منه الطرائق، ولا يخذلك عند الحقائق.
ومن الشعر المنسوب إليه رضي الله عنه أيضاً:
وقال بعض الحكماء:
ينبغي للإنسان أن يوكل بنفسه كالئين: أحدهما
يكلؤه من أمامه، والآخر يكلؤه من ورائه،
وهما عقله الصحيح، وأخوه النصيح، فإن عقله وإن صح فلن يبصره من عيبه إلا بمقدار
ما يرى الرجل من وجهه في المرآة، ويخفى عليه ما خلفه، وأما أخوه النصيح فيبصره
ما خلفه وما أمامه أيضاً.
وقال
آخر يرثي صديقاً له:
رأى
بعض الحكماء مصطحبين لا يفترقان، فسأل عنهما، فقيل: صديقان، قال: فما بال أحدهما
غنياً والآخر فقيراً! وقال رضي الله عنه في الذين اعتزلوا القتال معه. الأصل:
خذلوا الحق ولم ينصروا الباطل. الأصل:
إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر.
وقال
البحتري:
وقال أيضاً:
وقال ابن أبي طاهر :
وقال
أبو الفتح البستي:
وقال
أيضاً:
البحتري:
آخر:
الأصل:
من ضيعه الأقرب أتيح له الأبعد. وقد
وجدنا ذلك في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضيعه أهله ورهطه من قريش وخذلوه، وتمالئوا عليه، فقام
بنصره الأوس والخزرج، وهم أبعد الناس نسباً منه، لأنه من عدنان وهم من قحطان،
وكل واحد من الفريقين لا يحب الآخر حتى تحب الأرض الدم.
الأصل: تذل الأمور للمقادير، حتى يكون الحتف في التدبير. وأمثال هذا ونظائره أكثر من أن تحصى. الأصل: وسئل رضي الله عنه عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "غيروا الشيب، ولا تشبهوا
باليهود، فقال رضي الله عنه:
إنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك والدين قل، فأما الآن وقد
اتسع نطاقه، وضرب بجرانه، فامروء وما اختار. وقال لابن أبي عتيق: ألا تسمع؟ يظنونه ذماً ثم يقول:
واستعار أمير المؤمنين رضي الله عنه هذه اللفظة لسعة رقعة
الإسلام، وكذلك استعار قوله: وضرب بجرانه، أي أقام وثبت، وذلك لأن البعير إذا
ضرب بجرانه الأرض - وجرانه مقدم عنقه - فقد استناخ وبرك. وأما أبو بكر فصح الخبر عنه بذلك، وكذلك أمير المؤمنين، وقيل: إنه لم يخضب. وقتل الحسين رضي الله عنه يوم الطف وهو مخضوب. وفي الحديث المرفوع رواه
عقبة بن عامر:
"عليكم بالحناء، فإنه خضاب الإسلام، إنه يصفي البصر ويذهب بالصداع، ويزيد
في الباه، وإياكم والسواد، فإنه من سود، سود الله وجهه يوم القيامة".
وروي أن عبد المطلب وفد على سيف بن ذي يزن، فقال له: لو خضبت، فلما عاد إلى مكة خضب،
فقالت له امرأته نثيلة أم العباس وضرار: ما أحسن هذا الخضاب لو دام، فقال:
قال:
يعني أنه صار شيخاً، فصار حكماً بين الناس، من قوله:
وقال أسماء بن خارجة لجاريته: أخضبيني، فقالت حتى متى أرقعك! فقال:
وأما
من يروي أن علياً رضي الله عنه ما خضب، فيحتج بقوله، وقد قيل له: لو غيرت شيبك
يا أمير المؤمنين، فقال: الخضاب زينة، ونحن في مصيبة، يعني برسول الله صلى الله
عليه وسلم. وسئل
الحسن رضي الله عنه عن الخضاب فقال: هو جزع قبيح، وقال محمود الوراق:
وقد
روى قوم عن النبي صلى الله عليه وسلم كراهية الخضاب، وأنه قال: "لو
استقبلتم الشيب بالتواضع لكان خيراً لكم".
وقال
آخر:
ويقولون
في ديوان عرض الجيش ببغداد لمن يخضب إذا ذكروا حليته، مستعارة وهي كناية لطيفة. وأنا أستحسن قول البحتري: خضبت بالمقراض: كناية عن قص الشعر الأبيض، فجعل ذلك خضابه
عوضاً عن الصبغ، والأبيات هذه:
الأصل:
من جرى في عنان أمله عثر بأجله.
وقال
آخر:
الأصل:
أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم فما يعث، منهم عاثر إلا ويده بيد الله يرفعه. وكان يقال: ليس من المروءة كثرة الإلتفات في
الطريق.
وقال عمر:
تعلموا العربية فإنها تزيد في المروءة، وتعلموا النسب فرب رحم مجهولة قد وصلت
به.
وكان يقال:
الفرصة ما إذا حاولته فاخطأك نفعه، لم يصل إليك ضره. قال قد فسروه على
وجهين: أحدهما أن راكب عجز البعير
يلحقه مشقة وضرر، فأراد أنا إذا منعنا حقنا صبرنا على المشقة والمضرة، كما يصبر
راكب عجز البعير، وهذا التفسير قريب مما فسره
الرضي. والوجه الثاني
أن راكب عجز البعير إنما يكون إذا كان غيره قد ركب على ظهر البعير، وراكب ظهر البعير متقدم على راكب عجز البعير، فأراد أنا
إذا منعنا حقنا تأخرنا وتقدم غيرنا علينا،
فكنا كالراكب رديفاً لغيره، وأكد المعنى على كلا
التفسيرين بقوله: وإن طال السرى، لأنه إذا طال السرى كانت المشقة على راكب عجز البعير أعظم، وكان
الصبر على تأخر راكب عجز البعير عن الراكب على ظهره
أشد وأصعب. الشرح:
قد جاء في هذا المعنى آثار كثيرة، وأخبار جميلة. كان العتابي قد أملق، فجاء فوقف بباب المأمون يسترزق الله على يديه، فوافى يحيى بن أكثم، فعرض له العتابي، فقال له: إن رأيت أيها القاضي أن تعلم أمير
المؤمنين رضي الله عنه مكاني
فافعل، فقال: لست بحاجب، قال: قد علمت، ولكنك ذو فضل، وذو الفضل معوان، فقال: سلكت بي غير طريقي، قال: إن الله أتحفك منه
بجاه، ونعمة، وهو مقبل عليك بالزيادة إن شكرت، وبالتغيير إن كفرت، وأنا لك اليوم
خير منك لنفسك، لأني أدعوك إلى ما فيه ازدياد نعمتك، وأنت تأبى علي، ولكل شيء زكاة،
وزكاة الجاه رفد المستعين. فدخل يحيى فأخبر المأمون به، فأحضره وحادثه ولاطفه
ووصله.
وقال آخر:
وقال
آخر:
وكان يقال:
العين والوجه واللسان أصحاب أخبار على القلب، وقالوا:
القلوب كالمرايا المتقابلة، إذا ارتسمت في إحداهن صورة ظهرت في أخرى.
الأصل: إذا كنت في إدبار والموت في إقبال، فما أسرع الملتقى. الأصل: وسئل رضي الله عنه عن الإيمان فقال: الإيمان على أربع دعائم: على الصبر، واليقين، والعدل، والجهاد. أخبار
مع الملوك. ونذكر ههنا
الصدق في المواطن، وبين يدي الملوك، ومن يغضب لله، وينهى عن المنكر، ويقوم بالحق
ولا يبالي بالسلطان ولا يراقبه. وروى ابن قتيبة في كتاب عيون الأخبار
قال:
بينما المنصور يطوف ليلاً بالبيت سمع قائلاً يقول: اللهم إليك أشكو ظهور البغي
والفساد، وما يحول بين الحق وأهله من الطمع. فخرج المنصور فجلس ناحية من المسجد، وأرسل
إلى الرجل يدعوه، فصلى ركعتين، واستلم الركن، وأقبل
على المنصور فسلم عليه بالخلافة، فقال المنصور: ما الذي سمعتك تقوله من ظهور البغي والفساد في الأرض وما يحول بين الحق وأهله من الطمع؟ فو الله لقد
حشوت مسامعي ما أرمضني فقال: يا أمير المؤمنين،
إن أمنتني على نفسي أنبأتك بالأمور من
أصولها، وإلا احتجزت منك، واقتصرت على نفسي
فلي فيها شاغل، قال: أنت آمن على نفسك، فقل، فقال: إن الذي دخله الطمع حتى حال
بينه وبين إصلاح ما ظهر من البغي والفساد لأنت، قال: ويحك! وكيف يدخلني الطمع
والصفراء والبيضاء في قبضتي، والحلو والحامض عندي! قال: وهل دخل أحد من الطمع ما دخلك،
إن الله عز وجل استرعاك المسلمين وأموالهم، فأغفلت أمورهم، واهتممت بجمع
أموالهم، وجعلت بينك وبينهم حجباً من الجص والآجر، وأبواباً من الحديد، وحجبة
معهم السلاح، ثم سجنت نفسك فيها منهم، وبعثت عمالك في جباية الأموال وجمعها،
فقويتهم بالسلاح والرجال والكراع، وأمرت بألا يدخل عليك إلا فلان وفلان، نفر
سميتهم، ولم تأمر بإيصال المظلوم والملهوف، ولا الجائع والفقير، ولا الضعيف
والعاري، ولا أحد ممن له في هذا المال حق، فما زال هؤلاء النفر الذين استخلصتهم
لنفسك، وآثرتهم على رعيتك، وأمرت ألا يحجبوا عنك، يجبون الأموال ويجمعونها
ويحجبونها، وقالوا:
هذا رجل قد خان الله، فما لنا لا نخونه، وقد سخرنا، فائتمروا على ألا يصل إليك
من أخبار الناس شيء إلا ما أرادوا، ولا يخرج لك عامل فيخالف أمرهم إلا بغضوه
عندك وبغوه الغوائل، حتى تسقط منزلته ويصغر قدره. فلما انتشر ذلك عنك وعنهم
أعظمهم الناس وهابوهم، وكان أول من صانعهم عمالك بالهدايا والأموال ليقووا بها
على ظلم رعيتك، ثم فعل ذلك ذوو القدرة والثروة من رعيتك لينالوا به ظلم من
دونهم، فامتلأت بلاد الله بالطمع بغياً وفساداً، وصار هؤلاء القوم شركاءك في
سلطنتك وأنت غافل، فإن جاء متظلم حيل بينه وبين دخول دارك، وإن أراد رفع قصته
إليك عند ظهورك وجدك وقد نهيت عن ذلك، ووقفت للناس رجلاً ينظر في مظالمهم، فإن
جاء المتظلم إليه أرسلوا إلى صاحب المظالم ألا يرفع إليك قصته، ولا يكشف لك
حاله، فيجيبهم خوفاً منك، فلا يزال المظلوم يختلف نحوه، ويلوذ به، ويستغيث إليه
وهو يدفعه، ويعتل عليه، وإذا أجهد وأحرج، وظهرت أنت لبعض شأنك صرخ بين يديك،
فيضرب ضرباً مبرحاً ليكون نكالاً لغيره، وأنت تنظر
ولا تنكر، فما بقاء الإسلام على هذا. ولقد كنت أيام شبيبتي أسافر إلى الصين فقدمتها مرة وقد أصيب ملكها
بسمعه، فبكى بكاءً شديداً، فحداه جلساؤه على الصبر، فقال: أما إني لست أبكي للبلية النازلة، ولكن أبكي للمظلوم بالباب يصرخ فلا أسمع صوته! ثم قال:
أما إذ ذهب سمعي فإن بصري لم يذهب، نادوا في الناس ألا يلبس ثوباً أحمر إلا
مظلوم، ثم كان يركب الفيل طرفي نهاره ينظر هل يرى مظلوماً، فهذا مشرك بالله غلبت
رأفته بالمشركين على شح نفسه، وأنت مؤمن بالله من أهل بيت نبيه لا تغلبك رأفتك
بالمسلمين على شح نفسك، فإن كنت إنما تجمع المال
لولدك فقد أراك الله تعالى عبراً في الطفل يسقط من بطن أمه، ما له على
الأرض مال، وما من مال يومئذ إلا ودونه يد شحيحة تحويه، فلا يزال الله يلطف بذلك
الطفل حتى تعظم رغبة الناس إليه، ولست بالذي تعطي، لكن الله يعطي من يشاء ما
يشاء. وإن قلت:
إنما أجمع المال لتشييد السلطان، فقد أراك الله عبراً في بني أمية، ما أغنى عنهم
ما جمعوا من الذهب والفضة، وأعدوا من الرجال والسلاح والكراع حين أراد الله بهم
ما أراد، وإن قلت: أجمع المال لطلب غاية هي
أجسم من الغاية التي أنا فيها، فو الله ما فوق ما أنت إلا منزلة لا تدرك إلا
بخلاف ما أنت عليه، انظر هل تعاقب من عصاك بأشد من القتل؟ قال: لا، قال: فإن
الملك الذي خولك ما خولك لا يعاقب من عصاه بالقتل، بل بالخلود في العذاب الأليم،
وقد رأى ما قد عقدت عليه قلبك، وعملته جوارحك، ونظر إليه بصرك، واجترحته يداك
ومشت إليه رجلاك. وانظر هل يغني عنك ما شححت عليه من أمر الدنيا إذا انتزعه من
يدك ودعاك إلى الحساب على ما منحك! فبكى المنصور وقال: ليتني لم أخلق، ويحك،
فكيف أحتال لنفسي؟ قال: إن للناس أعلاماً يفزعون إليهم في دينهم، ويرضون بقولهم،
فاجعلهم بطانتك يرشدوك، وشاورهم في أمرك يسددوك، قال: قد بعثت إليهم فهربوا مني،
قال: نعم، خافوا أن تحملهم على طريقك، ولكن افتح
بابك، وسهل حجابك، وانظر المظلوم، واقمع الظالم، وخذ الفيء والصدقات مما حل
وطاب، واقسمه بالحق والعدل على أهله، وأنا الضامن عنهم أن يأتوك ويسعدوك على
صلاح الأمة. قال: يعني ليلة موته، فوجم المنصور، فقال
الربيع: حسبك، فقد غممت أمير المؤمنين، فقال عمرو بن
عبيد: إن هذا صحبك عشرين سنة لم ير عليه أن
ينصحك يوماً واحداً، ولم يعمل وراء بابك بشيء مما في كتاب الله ولا في
سنة نبيه، قال أبو جعفر: فما أصنع؟ قد قلت
لك: خاتمي في يدك فهلم أنت وأصحابك فاكفني، فقال
عمرو: دعنا بعدلك نسخ بأنفسنا بعونك، وببابك مظالم كثيرة، فارددها نعلم
أنك صادق. قال:
أجل، لقد سللته، ولكن لك لا عليك.
فإن قلت:
كيف يكون فاعل الخير خيراً من الخير؟ وفاعل الشر شراً من الشر! مع أن فاعل الخير
إنما كان ممدوحاً لأجل الخير، وفاعل الشر إنما كان مذموماً لأجل الشر، فإذا كان
الخير والشر هما سببا المدح والذم، وهما الأصل في
ذلك، فكيف يكون فاعلاهما خيراً وشراً منهما؟ قلت: لأن الخير والشر ليسا عبارة عن ذات
حية قادرة، وإنما هما فعلان، أو فعل وعدم فعل، أو عدمان، فلو قطع النظر في الذات
الحية القادرة التي يصدران عنها، لما انتفع أحد بهما ولا استضر، فالنفع والضرر
إنما حصلا من الحي الموصوف بهما لا منهما على انفرادهما، فلذلك كان فاعل الخير
خيراً من الخير، وفاعل الشر شراً من الشر.
قال:
أجل أعرفه، وأعرف الذي يقول:
يريد:
يا خيبة من يخيب، قال: أفتعرف الذي يقول:
قال:
نعم أعرفه وأعرف الذي يقول:
قال:
أما الشعر فأراك ترويه، فهل تقرأ من القرآن شيئاً، قال:
أقرأ منه الأكثر الأطيب: "هل أتى على
الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً"، فأغضبه، فقال: والله لقد بلغني أن امرأة الحضين حملت إليه
وهي حبلى من غيره قال: فما تحرك الشيخ عن هيئته الأولى، ثم قال على رسله، وما
يكون! تلد غلاماً على فراشي، فيقال: فلان ابن
الحضين، كما يقال: عبد الله بن مسلم. فأقبل قتيبة على
عبد الله وقال: لا يبعد الله غيرك! قلت:
هو الحضين بالضاد المعجمة، وليس في العرب من اسمه الحضين بالضاد المعجمه غيره الأصل: من أطال الأمل، أساء العمل. وقال، أبو عثمان النهدي: قد أتت علي ثلاثون ومائة سنة،
ما من شيء إلا وأجد فيه النقص إلا أملي،
فإني وجدته كما هو أو يزيد. الأصل:
يا بني احفظ عني أربعا، لا يضرك ما عملت معهن: إن أغنى الغنى العقل، وأكبر الفقر
الحمق، وأوحش الوحشة العجب، وأكرم الحسب حسن الخلق.
الأصل: لا قربة بالنوافل إذا أضرت بالفرائض. وأما إذا حمل على مجازه، فإن معناه يجب الإبتداء بالأهم وتقديمه على ما ليس بأهم، فتدخل هذه الكلمة في الآداب السلطانية والإخوانية، نحو أن تقول لمن توصيه: لا تبدأ
بخدمة حاجب الملك قبل أن تبدأ بخدمة ولد الملك، فإنك إنما تروم القربة
للملك بالخدمة، ولا قربة إليه في تأخير خدمة ولده وتقديم خدمة غلامه، وحمل الكلمة على حقيقتها أولى، لأن اهتمام أمير المؤمنين رضي الله عنه بالأمور
الدينية والشرعية في وصاياه ومنثور كلامه أعظم. أقوال ونوادر عن الحمقى. قالوا: كل شيء يعز إذا قل، والعقل كلما كان
أكثر كان أعز وأغلى. وقال الزهري:
إذا أنكرت عقلك فاقدحه بعاقل. وقيل لبعضهم:
العقل أفضل أم الجد، فقال: العقل من الجد. واعلم أن أخبار الحمقى ونوادرهم كثيرة،إلا أنا نذكر منها ههنا ما يليق بكتابنا، فإنه كتاب نزهناه عن الخلاعة والفحش
إجلالا لمنصب أمير المؤمنين.
وقال أبو كعب القاص في قصصه: إن النبي صلى الله عليه وسلم
قال في كبد حمزة ما علمتم، فادعوا الله أن يطعمنا من
كبد حمزة.
وطار
لبكار هذا بازي، فقال لصاحب الشرطة: أغلق أبواب دمشق لئلا يخرج البازي. ومن
حمقى قريش سليمان بن يزيد بن عبد الملك، قال
يوماً: لعن الله الوليد أخي، فلقد كان فاجراً، أرادني
على الفاحشة، فقال له قائل من أهله، اسكت ويحك،
فو الله إن كان هم لقد فعل. وكان عبد الملك
بن مروان يقول: أحمق بيت في قريش آل قيس بن غرمة.
فقال المهلب: حسبك
يرحمك الله! وكان عبد الملك بن هلال عنده زنبيل مملوء حصاً للتسبيح، فكان
يسبح بواحدة واحدة، فإذا مل طرح اثنين اثنين، ثم ثلاثاً ثلاثاً، فإذا أزداد
ملاله قبض قبضة وقال: سبحان
الله عددك، فإذا ضجر أخذ بعرا الزنبيل وقلبه، وقال: سبحان الله بعدد هذا. قال: من أين قلت هذا؟ قال: حبسني الرشيد عند مسرور الكبير، فضيق علي أنفاسي، فسمعته يوماً يقرأ: "ويل يومئذ للمكذبين"، بفتح الذال، فقلت له: لا تقل
أيها الأمير هكذا، قل: للمكذبين، وكسرت له الذال، لأن المكذبين هم الأنبياء، فقال: قد كان يقال لي عنك إنك قدري،
فلا نجوت إن نجوت الليلة مني، فعاينت منه تلك الليلة الموت من شدة ما عذبني. وشرد بعير لهبنقة - واسمه يزيد بن شروان -
فجعل ينادي: لمن أتى به بعيران، فقيل له: كيف تبذل ويلك بعيرين في بعير! فقال
لحلاوة الوجدان. الأصل: جعل الله ما
كان منك من شكواك حطاً لسيئاتك، فإن المرض لا أجر فيه،
ولكنه يحط السيئات ويحتها حت الأوراق، وإنما الأجر في
القول باللسان، والعمل بالأيدي والأقدام، وإن الله سبحانه يدخل بصدق
النية والسريرة الصالحة من يشاء من عباده الجنة. فإن قلت:
أيجوز أن يقال: إن الله تعالى يمرض الإنسان المستحق للعقاب، ويكون إنما أمرضه
ليسقط عنه العقاب لا غير؟ قلت: لا، لأنه قادر
على أن يسقط عنه العقاب ابتداءً، ولا يجوز إنزال الألم إلا حيث لا يمكن اقتناص
العوض المجزى به إليه إلا بطريق الألم، وإلا كان فعل الألم عبثاً، ألا ترى أنه
لا يجوز أن يستحق زيد على عمرو ألف درهم فيضربه ويقول: إنما أضربه لأجعل ما
يناله من ألم الضرب مسقطاً لما أستحقه من الدراهم عليه؟ وتذمه العقلاء ويسفهونه،
ويقولون له فهلا وهبتها له، وأسقطتها عنه من غير حاجة إلى أن تضربه وتؤلمه، والبحث المستقصى في هذه المسائل مذكور في كتبي الكلامية،
فليرجع إليها، وأيضاً فإن الآلام قد تنزل بالأنبياء
وليسوا ذوي ذنوب ومعاص ليقال: إنها تحطها عنهم. قلت: يجوز أن يكون
يذهب مذهب أبي علي في أن القادر بقدرة لا يخلو
عن الأخذ والترك. الأصل: رحم الله خباب بن الأرت، فلقد أسلم راغباً، وهاجر
طائعاً، وعاش مجاهداً، طوبى لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب، وقنع بالكفاف، ورضي عن
الله. خباب
بن الأرت. الشرح: هوخباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن
كعب بن مسعد بن زيد مناة بن تميم يكنى أبا عبد الله - وقيل: أبا محمد وقيل: أبا
يحيى - أصابه سبي فبيع بمكة. نزل خباب إلى الكوفة، ومات
بها في سنة سبع وثلاثين، وقيل: سنة تسع وثلاثين، بعد أن شهد مع أمير المؤمنين
رضي الله عنه صفين ونهروان، وصلى عليه علي رضي الله عنه، وكانت سنه يوم مات
ثلاثاً وسبعين سنة، ودفن بظهر الكوفة. الأصل: لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت
الدنيا بجماتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني، وذلك أنه قضي فانقضى على
لسان النبي الأمي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا علي، لا يبغضك مؤمن، ولا
يحبك منافق". ومراده رضي الله عنه من هذا الفصل إذكار الناس ما قاله فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو:
"لا يبغضك مؤمن، ولا يحبك منافق"، وهي كلمة حق،
وذلك لأن الإيمان وبغضه رضي الله عنه لا
يجتمعان، لأن بغضه كبيرة، وصاحب الكبيرة عندنا لا يسمى مؤمناً، وأما المنافق فهو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر،
والكافر بعقيدته لا يحب علياً رضي الله عنه،
لأن المراد من الخبر المحبة الدينية، ومن لا يعتقد الإسلام لا يحب أحداً من أهل
الإسلام، لإسلامه وجهاده في الدين، فقد بان أن الكلمة
حق، وهذا الخبر مروي في الصحاح بغير هذا اللفظ: "لا يحبك إلا مؤمن،
ولا يبغضك إلا منافق"، وقد فسرناه فيما سبق. قالوا: وإذاعة
السر من قلة الصبر، وضيق الصدر، ويوصف به ضعفة الرجال والنساء والصبيان. والسبب في أنه
يصعب كتمان السر أن للإنسان قوتين: إحداهما
آخذة، والأخرى معطية، وكل واحدة منهما تتشوق إلى فعلها الخاص بها، ولولا
أن الله تعالى وكل المعطية بإظهار ما عندها لما أتاك بالأخبار من لم تزود، فعلى
الإنسان أن يمسك هذه القوة ولا يطلقها إلا حيث يجب إطلاقها، فإنها إن لم تزم
وتخطم، تقحمت بصاحبها في كل مهلكة. ومثل المعنى الأول
قول الشاعر:
ومثل
المعنى الثاني قول أبي الطيب:
الأصل: قلوب الرجال وحشية، فمن تألفها أقبلت عليه.
فأما
قول عمارة بن عقيل:
فيكاد
يخالف قول أمير المؤمنين رضي الله عنه في
الأصل، لأن أمير المؤمنين رضي الله عنه جعل أصل طبيعة القلوب التوحش، وإنما
تستمال لأمر خارج، وهو التألف والإحسان، وعمارة جعل أصل طبيعة النفس الصفو
والسلامة، وإنما تتكدر وتجمح لأمر خارج، وهو الإساءة والإيحاش. وكانت
سعادته تضرب بها الأمثال، وكثرة أمواله التي لم يجتمع لقارون مثلها. قال أبو حيان: فكان الناس يعجبون من ذلك، حتى إن جماعة من شيوخ بغداد
كانوا يقولون: إن ابن الجصاص أعقل الناس، وأحزم الناس، وإنه هو الذي ألحم
الحال بين المعتضد وبين خمارويه بن أحمد بن طولون، وسفر بينهما سفارة عجيبة،
وبلغ من الجهتين أحسن مبلغ، وخطب قطر الندى بنت خمارويه للمعتضد، وجهزها من مصر
على أجمل وجه وأعلى ترتيب، ولكنه كان يقصد أن يتغافل ويتجاهل ويظهر البله
والنقص، يستبقي بذلك ماله، ويحرس به نعمته، ويدفع عنه عين الكمال، وحسد الأعداء. قال أبو حيان:
فقلت له: فما الجد؟ وما هذا المعنى الذي علقت عليه هذه الأحكام كلها، فقال: ليس لي عنه عبارة معينة، ولكن لي به علم
شاف، استفدته بالإعتبار والتجربة والسماع العريض من الصغير والكبير، ولهذا سمع من امرأة من الأعراب ترقص ابناً لها فتقول له: رزقك
الله جداً يخدمك عليه ذوو العقول، ولا رزقك عقلاً تخدم به ذوي الجدود. وقالوا: العقوبة
الأم حالات ذي القدرة وأدناها، وهي طرف من الجزع، ومن رضي ألا يكون بينه وبين
الظالم إلا ستر رقيق فلينتصف.
وقال
آخر:
الأصل: لا غنى كالعقل، ولا فقر كالجهل، ولا ميراث كالأدب، ولا ظهير
كالمشاورة. قلت: هذا كلام الحسن عليه السلام، وأنا أقطع بذلك. وقال أنو شروان:
جميع أمر الدنيا. منقسم إلى ضربين لا ثالث لهما:
أما ما في دفعه حيلة فالاضطراب دواؤه، وأما ما لا حيلة فيه فالصبر شفاؤه. قيل لابن عمر:
توفي زيد بن ثابت وترك مائة ألف درهم، قال: هو تركها
لكنها لم تتركه.
وكان يقال: الحلال يقطر، والحرام يسيل. وقال بعض الحكماء:
ألا ترون ذا الغنى ما أدوم نصبه، وأقل راحته، وأخس من ماله حظه، وأشد من الأيام
حذره، وأغرى الدهر بنقصه وثلمه! ثم هو بين سلطان يرعاه، وحقوق تسترعيه، وأكفاء
ينافسونه، وولد يودون موته، قد بعث الغنى عليه من سلطانه العناء، ومن أكفائه
الحسد، ومن أعدائه البغي، ومن ذوي الحقوق الذم، ومن الولد الملالة وتمني الفقد،
لا كذي البلغة قنع فدام له السرور، ورفض الدنيا فسلم من الحسد، ورضي بالكفاف
فكفي الحقوق. الشرح:
قد ذكرنا نكتاً جليلة الموقع في القناعة فيما تقدم ونذكر ههنا زيادة على ذلك.
قال رجل لبقراط ورآه يأكل العشب: لو خدمت الملك لم تحتج إلى أن تأكل الحشيش، فقال له: وأنت إن أكلت الحشيش لم تحتج أن تخدم
الملك! الأصل: المال مادة الشهوات. وكان يقال:
ثلاثة يؤثرون المال على أنفسهم: تاجر البحر، والمقاتل بالأجرة، والمرتشي في
الحكم، وهو شرهم، لأن الأولين ربما سلما، ولا سلامة للثالث من الإثم. وقالوا في ذم المال: المال مثل الماء غاد ورائح، طبعه كطبع الصبي لا يوقف على سبب
رضاه ولا سخطه. المال لا ينفعك ما لم تفارقه.
وأخذ
هذا المعنى الحريري فقال:
قال
الشاعر:
الأصل: من حذرك، كمن بشرك. ومثله:
صديقك من نهاك، لا من أغراك. ومثله: رحم الله امرأً
أهدى إلي عيوبي. وأول ما يجب على الإنسان أن يحذر نفسه وينصحها، فمن غش نفسه فقلما يحذر غيره وينصحه،
وحق من استنصح أن يبذل غاية النصح ولو كان في أمر يضره، وإلى ذلك وقعت الإشارة في الكتاب العزيز بقوله سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله
ولو على أنفسكم"، وقال سبحانه: "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى". وقالت الحكماء:
النطق أشرف ما خص به الإنسان، لأنه صورته المعقولة التي باين بها سائر
الحيوانات، ولذلك قال سبحانه: "خلق الإنسان
علمه البيان"، ولم يقل: "وعلمه " بالواو لأنه سبحانه جعل قوله: "علمه البيان ! تفسيراً
لقوله: "خلق الإنسان ! لا عطفاً عليه، تنبيهاً على أن خلقه وتخصيصه
بالبيان الذي لو توهم مرتفعاً لارتفعت إنسانيته، ولذلك
قيل: ما الإنسان لولا اللسان إلا بهيمة مهملة، أو صورة ممثلة. وقال الشاعر:
قالوا: والصمت
من حيث هو صمت مذموم، وهو من صفات الجمادات، فضلاً عن الحيوانات، وكلام أمير المؤمنين عليه السلام وغيره من العلماء في مدح الصمت محمول على من يسيء الكلام
فيقع منه جنايات عظيمة في أمور الدين والدنيا، كما
روي في الخبر. "إن الإنسان إذا أصبح قالت أعضاؤه للسانه: اتق
الله فينا، فإنك إن استقمت نجونا، وإن زغت هلكنا"، فأما إذا اعتبر
النطق والصمت بذاتيهما فقط، فمحال أن يقال في الصمت فضل، فضلاً عن أن يخاير
ويقايس بينه وبين الكلام. فقال: لو قلت: زوج الله عدوك، لكان أبلغ في
الانتقام! ومن الكنايات المشهورة عنهن: "سلاح إبليس ". وقال الشاعر في
هذا المعنى:
ومن كلام بعض الحكماء: ليس ينبغي للعاقل أن يمدح امرأة إلا بعد موتها.
الأصل:
إذا حييت بتحية فحي بأحسن منها، وإذا أسديت إليك يد فكافئها بما يربي عليها،
والفضل مع ذلك للبادىء.
فقال معاوية: صدقت، وددت أنك الآن أيضاً خفضت من صوتك، يا غلام
أعطه خمسين ألف درهم، فلو كنت أحسنت في الأدب لأحسنا لك في الزيادة.
قال:
فشفعت له وقمت بأمره حتى بلغت له ما أحب. بزرجمهر: من
لم يستغن بنفسه عن شفيعه ووسائله وهت قوى أسبابه، وكان إلى الحرمان أقرب منه إلى
بلوغ المراد. ومثله:
من لم يرغب أوداؤه في اجتنابه لم يحظ بمدح شفعائه. ومثله:
إذا زرت الملوك فإن حسبي شفيعاً عندهم أن يعرفوني.
خرج
العطاء في أيام المنصور، وأقام الشقراني- من ولد شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم- ببابه أياماً لا يصل إليه عطاؤه، فخرج جعفر بن محمد من عند المنصور، فقام الشقراني إليه، فذكر له حاجته، فرحب به، ثم دخل ثانياً إلى المنصور، وخرج وعطاء الشقراني في كمه فصبه في كمه ثم قال: يا
شقران، إن الحسن من كل أحد حسن، و إنه منك أحسن لمكانك
منا، وإن القبيح من كل أحد قبيح، وهو منك أقبح
لمكانك منا. فاستحسن الناس ما قاله، وذلك لأن الشقراني كان صاحب شراب. قالوا: فانظر كيف أحسن السعي في استنجاز
طلبته، وكيف رحب به وأكرمه مع معرفته بحاله، وكيف وعظه ونهاه عن المنكر على وجه
التعريض! قال الزمخشري: وما هو إلا من أخلاق الأنبياء.
خبر محمد بن جعفر مع المنصور كان المنصور معجباً بمحادثة محمد بن
جعفر بن عبيد الله بن العباس، وكان
الناس لعظم قدره عند المنصور يفزعون إليه في الشفاعات وقضاء الحاجات، فنقل ذلك
على المنصور فحجبه مدة، ثم تتبعته نفسه، فحادث الربيع فيه، وقال: إنه لا صبر لي
عنه لكني قد ذكرت شفاعاته، فقال الربيع: أنا
أشترط ألا يعود، فكلمه الربيع، فقال: نعم، فمكث أياماً لا يشفع، ثم وقف له قوم
من قريش وغيرهم برقاع وهو يريد دار المنصور، فسألوه أن يأخذ رقاعهم، فقص عليهم
القصة، فضرعوا إليه وسألوه، فقال أما إذا أبيتم قبول العذر فإني لا أقبضها منكم،
ولكن هلموا فاجعلوها في كمي، فقذفوها في كمه، ودخل على المنصور وهو في الخضراء
يشرف على مدينة السلام وما حولها بين البساتين والضياع، فقال: أما ترى إلى
حسنها! قال: بلى يا أمير المؤمنين، فبارك الله لك فيما آتاك، وهنأك بإتمام نعمته
عليك فيما أعطاك! فما بنت العرب في دولة الإسلام، ولا العجم في سالف الأيام،
أحصن ولا أحسن من مدينتك، ولكن سمجتها في عيني خصلة، قال:
ما هي؟ قال: ليس لي فيها ضيعة، فضحك وقال:
نحسنها في عينك، ثلاث ضياع قد أقطعتكها، فقال: أنت والله يا أمير
المؤمنين شريف الموارد، كريم المصادر، فجعل الله باقي عمرك أكثر من ماضيه، وجعلت
الرقاع تبدر من كميه في أثناء كلامه وخطابه للمنصور، وهو يلتفت إليها ويقول:
ارجعن خاسئات، ثم يعود إلى حديثه، فقال المنصور: ما هذه بحقي عليك؟ ألا أعلمتني
خبرها! فأعلمه، فضحك فقال: أبيت يا بن معلم الخير إلا كرماً! ثم تمثل بقول عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر
بن أبي طالب:
ثم
أخذها وتصفحها ووقع فيها كلها بما طلب أصحابها.
وقال
دعبل:
آخر:
آخر:
آخر:
آخر:
وهذا مثل قول الآخر:
ابن الرومي:
الأصل: أهل الدنيا كركب يسار بهم وهم نيام.
ومثله
قوله عليه السلام: "الغريب من ليس له حبيب ".
وقال
آخر:
الأصل: فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها.
ومن أمثالهم المشهورة: "تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها.
وقال
بعضهم: وقفت على كنيف وفي أسفله كناف، وهو ينشد:
وأما كون الشكر زينة الغنى، فقد تقدم من القول ما هو كاف. الشرح:
قد أعجم تفسير هذه الكلمة على جماعة من الناس، وقالوا: المشهور
في كلام الحكماء: إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون، ولا معنى لقوله: "فلا تبل كيف كنت "! وجهلوا مراده عليه
السلام. ومراده:
إذا لم يكن ما تريد فلا تبل لذلك، أي لا تكترث بفوت فرادك ولا تبتئس بالحرمان، ولو وقف على هذا لتم الكلام وكمل المعنى، وصار هذا مثل قوله:
"فلا تكثر على ما فاتك منها أسفاً"، ومثل قول
الله تعالى: "لكيلا تأسوا على ما
فاتكم"، لكنه تمم وأكد فقال: "كيف كنت "، أي لا تبل بفوت
ما كنت أملته، ولا تحمل لذلك هماً كيف كنت، وعلى أي حال كنت، من حبس أو مرض أو
فقر أو فقد حبيب، وعلى الجملة، لا تبال الدهر، ولا تكترث بما يعكس عليك من غرضك،
ويحرمك من أملك؟ وليكن هذا الإهوان به والاحتقار له مما تعتمده دائماً على أي
حال أفضى بك الدهر إليها. وهذا واضح.
الأصل: من نصب نفسه للناس إماماً فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل
تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدبها أحق
بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم. الشرح: الفروع تابعة
للأصول، فإذا كان الأصل معوجاً استحال أن يكون الفرع مستقيماً، كما قال صاحب المثل: وهل يستقيم الظل والعود أعوج
"، فمن نصب نفسه للناس إماماً، ولم يكن قد علم نفسه ما انتصب ليعلمه الناس،
كان مثل من نصب نفسه ليعلم الناس الصياغة، والنجارة، وهو لا يحسن أن يصوغ
خاتماً، ولا ينجر لوحاً، وهذا نوع من السفه، بل هو السفه كله، ثم قال عليه السلام: وينبغي أن يكون تأديبه لهم بفعله
وسيرته قبل تأديبه لهم بلسانه، وذلك لأن الفعل أدل على حال الإنسان من القول. والظاهر أنها لأمير المؤمنين عليه
السلام، فإنها بكلامه أشبه، ولأن الرضي قد رواها عنه، وخبر العدل معمول به. آه من قلة
الزاد، وطول الطريق، وبعد السفر، وعظيم المورد! الشرح: السدول: جمع سديل، وهو ما أسدل على الهودج، ويجوز
في جمعه أيضاً السدال وسدائل، وهو ههنا استعارة. والتململ والتملل أيضاً، عدم الاستقرار من المرض،
كأنه على ملة، وهي الرماد الحار. فأما ضرار
بن ضمرة، فإن الرياشي روى خبره، ونقلته أنا من كتب عبد
الله بن إسماعيل بن أحمد الحلبي في "التذييل على نهج البلاغة"،
قال: دخل ضرار على معاوية- وكان ضرار من صحابة علي عليه
السلام- فقال له معاوية: يا
ضرار، صف لي علياً، قال: أو تعفيني! قال: لا أعفيك، قال: ما أصف منه! كان والله شديد القوى، بعيد المدى،
يتفجر العلم من أنحائه، والحكمة من أرجائه، حسن المعاشرة، سهل المباشرة، خشن
المأكل، قصير الملبس، غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، وكان
فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألنا، ويبتدئنا إذا سكتنا، ونحن مع تقريبه لنا أشد ما
يكون صاحب لصاحب هيبةً، لا نبتدئه الكلام لعظمته، يحب المساكين، ويقرب أهل
الدين، وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه... وتمام
الكلام مذكور في الكتاب. فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا حسن، كان
والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها. الأصل: ويحك! لعلك
ظننت قضاءً لازماً، وقدراً حاتماً! لو كان ذلك كذلك، لبطل الثواب والعقاب، وسقط
الوعد والوعيد، إن الله سبحانه أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً،
ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يعص مغلوباً، ولم يطع مكرهاً،
ولم يرسل الأنبياء لعباً، ولم ينزل الكتب للعباد عبثاً، ولا خلق السموات والأرض
وما بينهما باطلاً، "وذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار". الشرح:
قد ذكر شيخنا أبو الحسين رحمه الله هذا الخبر في
كتاب "الغرر" ورواه عن الأصبغ بن نباتة، قال: قام شيخ إلى علي عليه السلام فقال: أخبرنا عن مسيرنا إلى الشام،
أكان بقضاء الله وقدره؟ فقال: والذي فلق الحبة،
وبرأ النسمة، ما وطئنا موطئاً، ولا هبطنا وادياً إلا بقضاء الله وقدره. فقال الشيخ:
فعند الله أحتسب عنائي! ما أرى لي من الأجر شيئاً! فقال:
مه أيها الشيخ، لقد عظم الله أجركم لا مسيركم وأنتم سائرون، وفي منصرفكم وأنتم
منصرفون، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين، ولا إليها مضطرين. فقال الشيخ: وكيف
القضاء والقدر ساقانا؟ فقال!: ويحك! لعلك ظننت قضاءً لازماً، وقدراً حتماً! لو
كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب، والوعد والوعيد، والأمر والنهي، ولم تأت
لائمة من الله لمذنب، ولا محمدة لمحسن، ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء،
ولا المسيء أولى بالذم من المحسن، تلك مقالة عباد الأوثان، وجنود الشيطان، وشهود
الزور، وأهل العمى عن الصواب، وهم قدرية هذه الأمة ومجوسها، إن الله سبحانه أمر
تخييراً، ونهى تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يعص مغلوباً، ولم يطع مكرهاً، ولم يرسل
الرسل إلى خلقه عبثاً، ولم يخلق السموات والأرض وما بينهما باطلاً، "ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من
النار"، فقال الشيخ: فما القضاء
والقدر اللذان ما سرنا إلا بهما؟ فقال: هو الأمر من الله والحكم، ثم تلا قوله
سبحانه: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه"،
فنهض الشيخ مسروراً وهو يقول:
ذكر
ذلك أبو الحسين في بيان أن القضاء والقدر قد يكون بمعنى الحكم والأمر، وأنه من
الألفاظ المشتركة. تمج
عروقها الثرى، وتنطف فروعها بالندى، حتى إذا بلغ العشب إناه، وانتهى الزبرج
منتهاه، ضعف العمود، وذوى العود، وتولى من الزمان ما لا يعود، فحتت الرياح
الورق، وفرقت ما كان اتسق، فأصبحت هشيماً، وأمست رميماً. وقيل له:
العلم أفضل أم المال؟ فقال: العلم، قيل: فما بالنا نرى أهل العلم على أبواب أهل
المال أكثر مما نرى أصحاب الأموال على أبواب العلماء! قال: ذاك أيضاً عائد إلى
العلم والجهل، وإنما كان كما رأيتم، لعلم العلماء بالحاجة إلى المال، وجهل أصحاب
المال بفضيلة العلم.
الأصل:
أوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الإبل لكانت لذلك أهلاً: لا يرجون أحد منكم إلا
ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستحين أحد منكم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا
أعلم، ولا يستحين أحد إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه، وعليكم بالصبر، فإن الصبر من
الإيمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا خير في إيمان لا صبر
معه.
وكان يقال: من
استحيا من قول: "لا أدري " كان كمن يستحي من كشف ركبته، ثم يكشف
سوءته، وذلك لأن من امتنع من قول: "لا أدري
" وأجاب بالجهل والخطأ فقد واقع ما يجب في الحقيقة أن يستحيا منه،
وكف عما ليس بواجب أن يستحيا منه، فكان شبيهاً بما ذكرنا في الركبة والعورة. الشرح:
إنما قال كذلك لأن الشيخ كثير التجربة، فيبلغ من العدو برأيه ما لا يبلغ بشجاعته
الغلام الحدث غير المجرب، لأنه قد يغرر بنفسه فيهلك ويهلك أصحابه، ولا ريب أن
الرأي مقدم على الشجاعة، ولذلك قال أبو الطيب:
ومن وصايا أبرويز إلى ابنه شيرويه: لا تستعمل على جيشك غلاماً غمراً ترفاً، قد كثر إعجابه
بنفسه، وقلت تجاربه في غيره، ولا هرماً كبيراً مدبراً قد أخذ الدهر من عقله، كما
أخذت السن من جسمه، وعليك بالكهول ذوي الرأي! وقال لقيط بن يعمر الإيادي في هذا
المعنى:
الأصل: عجبت لمن يقنط ومعه الاستغفار. الأصل:
كان في الأرض أمانان من عذاب الله، وقد رفع أحدهما، فدونكم الآخر فتمسكوا به،
أما الأمان الذي رفع فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الأمان الباقي فالاستغفار، قال
الله تعالى: "ما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون". ومن أصلح أمر آخرته أصلح الله أمر دنياه. ومن كان له من نفسه واعظ،
كان عليه من الله حافظ.
ومثل الكلمة الثالثة قوله تعالى: "إن الله مع الذين اتقوا
والذين هم محسنون". الشرح: قل موضع من
الكتاب العزيز يذكر فيه الوعيد إلا ويمزجه بالوعد، مثل أن يقول: "إن ربك سريع
العقاب"، ثم يقول: "وإنه لغفور رحيم"،
والحكمة تقتفي هذا ليكون المكلف متردداً بين الرغبة والرهبة. والنفوس تحب الشهوات العاجلة، فتتهافت الناس على
المعاصي وبلوغ الشهوات والمآرب، معولين على ذلك، فلولا قول المرجئة وظهوره بين
الناس لكان العصيان إما معدوماً، أو قليلاً جداً. ومعنى ذلك
أنه سبحانه يختبر عباده بالأموال والأولاد ليتبين الساخط لرزقه، والراضي بقسمه،
وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم، ولكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب
والعقاب، لأن بعضهم يحب الذكور ويكره الإناث، وبعضهم يحب تثمير المال، ويكره
انثلام الحال. الشرح:
الفتنة لفظ مشترك، فتارة
تطلق على الجائحة والبلية تصيب الإنسان، تقول:
قد افتتن زيد وفتن فهو مفتون إذا أصابته مصيبة فذهب ماله أو عقله، أو نحو ذلك،
قال تعالى: "إن الذين فتنوا المؤمنين
والمؤمنات" يعني الذين عذبوهم بمكة ليرتدوا عن الإسلام، وتارة تطلق على الاختبار والامتحان، يقال: فتنت
الذهب إذا أدخلته النار لتنظر ما جودته. ودينار
مفتون، وتارة تطلق على الإحراق، قال تعالى: "يوم هم على النار يفتنون" وورق مفتون،
أي فضة محرقة، ويقال للحرة: فتين كأن
حجارتها محرقة، وتارةً تطلق على الضلال، يقال رجل فاتن ومفتن أي مضل عن الحق جاء
ثلاثياً ورباعياً، قال تعالى: "ما انتم عليه بفاتنين. إلا من هو صال الجحيم" أي بمضلين، وقرأ قوم
"مفتنين "، فمن قال: إني أعوذ بك
من الفتنة، وأراد الجائحة، أو الإحراق أو الضلال، فلا بأس بذلك، وإن أراد
الاختبار والامتحان فغير جائز، لأن الله تعالى أعلم بالمصلحة، وله أن يختبر
عباده لا ليعلم حالهم، بل ليعلم بعض عباده حال بعض، وعندي
أن أصل اللفظة هو الاختبار والامتحان، وأن الاعتبارات
الأخرى راجعة إليها، وإذا تأملت علمت صحة
ما ذكرناه. ولا خير في
الدنيا إلا لرجلين: رجل أذنب ذنوباً فهو يتداركها بالتوبة، ورجل يسارع في
الخيرات، ولا يقل عمل مع التقوى، وكيف يقل ما يتقبل! الشرح: قد قال الشاعر لهذا
المعنى:
قوله: "ولا يقل عمل مع التقوى""، أي مع اجتناب الكبائر، لأنه لو كان
موقعاً لكبيرة لما تقبل منه عمل أصلاً على قول
أصحابنا، فوجب أن يكون المراد بالتقوى اجتناب الكبائر، فأما مذهب المرجئة فإنهم يحملون التقوى ههنا على
الإسلام، لأن المسلم عندهم يتقبل أعماله، وإن كان مواقعاً للكبائر. واللحمة بالضم:
النسب والقرابة، وهذا مثل الحديث المرفوع،
"ائتوني بأعمالكم، ولا تأتوني بأنسابكم، إن أكرمكم عند الله أتقاكم" وفي الحديث الصحيح: "يا فاطمة بنت محمد، إني
لا أغني عنك من الله شيئاً". يقول عليه السلام:
ترك التنفل بالعبادات مع سلامة العقيدة الأصلية، خير من الاشتغال بالنوافل
وأوراد الصلاة مع عدم العلم، وهو المعني بقوله: "في
شك "، فإذا كان عدم التنفل خيراً من التنفل مع الشك فهو مع الجهل
المحض- وهو الاعتقاد الفاسد- أولى بأن يكون. الأصل:
وقال عليه السلام وقد سمع رجلاً يقول: "إنا
لله وإنا إليه راجعون"، فقال: إن قولنا "إنا لله " إقرار
على أنفسنا بالملك، وقولنا: "وإنا إليه راجعون
" إقرار على أنفسنا بالهلك. الشرح:
قد تقدم القول في كراهية مدح الإنسان في وجهه. وفي الحديث المرفوع: "إذا مدحت أخاك في وجهه، فكأنما أمررت على حلقه موسى
وميضة". وقال أيضاً:
"لو مشى رجل إلى رجل بسيف مرهف كان خيراً له من أن يثني عليه في وجهه. ومن كلام عمر: المدح هو الذبح، قالوا: لأن المذبوح
ينقطع عن الحركة والأعمال، وكذلك الممدوح يفتر عن العمل ويقول: قد حصل في القلوب
والنفوس ما أستغني به عن الحركة والجد. وقال زياد بن أبي مسلم: ليس أحد سمع ثناء أحد عليه إلا وتراءى له شيطان، ولكن
المؤمن يراجع. وقال شبيب بن شبة بن عقال: أمران لا يجتمعان إلا وجب النجح، وهما العاقل لا يسأل إلا
ما يجوز، والعاقل لا يرد سائله عما يمكن.
الأصل: يأتي على الناس زمان لا يقرب فيه
إلا الماحل، ولا يظرف فيه إلا الفاجر، ولا يضعف فيه إلا المنصف، يعدون الصدقة
فيه غرماً، وصلة الرحم مناً، والعبادة استطالة على الناس، فعند ذلك يكون السلطان
بمشورة الإماء، وإمارة الصبيان، وتدبير الخصيان. ورئي محمد
بن الحنفية عليه السلام واقفاً
بعرفات على برذون أصفر، وعليه مطرف خز أصفر، وجاء فرقد السبخي إلى الحسن وعلى
الحسن مطرف خز، فجعل ينظر إليه وعلى فرقد ثياب صوف، فقال الحسن: ما بالك تنظر
إلي وعلي ثياب أهل الجنة، وعليك ثياب أهل النار! إن أحدكم ليجعل الزهد في ثيابه
والكبر في صدره، فلهو أشد عجباً بصوفه من صاحب المطرف. الشرح:
هذا الفصل بين في نفسه لا يحتاج إلى شرح، وذلك لأن عمل كل واحد من الدارين مضاد
لعمل الأخرى، فعمل هذه الاكتساب، والاضطراب في الرزق، والاهتمام بأمر المعاش،
والولد والزوجة، وما ناسب ذلك. وعمل
هذه قطع العلائق، ورفض الشهوات، والانتصاب للعبادة، وصرف الوجه عن كل ما يصد عن
ذكر الله تعالى، ومعلوم أن هذين العملين متضادان، فلا جرم كانت الدنيا والآخرة
ضرتين لا يجتمعان! الأصل: وعن
نوف البكائي- وقيل البكالي باللام، وهو الأصح- قال: رأيت أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة وقد خرج من
فراشه فنظر إلى النجوم، فقال: يا نوف، أراقد أنت أم رامق؟ قلت: بل رامق يا أمير
المؤمنين، فقال: يا نوف، طوبى للزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة! أولئك
قوم اتخذوا الأرض بساطاً، وترابها فراشاً، وماءها طيباً، والقرآن شعاراً،
والدعاء دثاراً، ثم قرضوا الدنيا قرضاً على منهاج المسيح. يا نوف، إن داود عليه
السلام قام في مثل هذه الساعة من الليل، فقال: إنها لساعة لا يدعو فيها عبد إلا
استجيب له، إلا أن يكون عشاراً، أو عريفاً، أو شرطياً، أو صاحب عرطبة- وهي
الطنبور- أو صاحب كوبة، وهي الطبل.
فأما
البكالي في نسب نوف فلا أعرفه.
قالوا: مشرف والفوارس: موضعان، يقول: نظرت إلى ظعن يجزن بين
هذين الموضعين. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واجتمع ابن المقفع بالخليل بن أحمد،
وسمع كل منهما كلام الآخر، فسئل الخليل عنه فقال: وجدت
علمه أكثر من عقله، وهكذا كان، فإنه كان مع حكمته متهوراً، لا جرم تهوره قتله!
كتب كتاب أمان لعبد الله بن علي عم المنصور ويوجد فيه خطه، فكان من جملته: ومتى غدر أمير المؤمنين بعمه عبد
الله، أو أبطن غير ما أظهر أو تأول في شيء من شروط هذا الأمان فنساؤه طوالق،
ودوابه حبس، وعبيده وإماؤه أحرار، والمسلمون في حل من بيعته. فاشتد ذلك على
المنصور لما وقف عليه، وسأل: من الذي كتب له
الأمان؟ فقيل له: عبد الله بن المقفع كاتب
عميك عيسى وسليمان، ابني علي بالبصرة، فكتب المنصور إلى عامله بالبصرة سفيان بن
معاوية يأمره بقتله. وقيل: بل قال: أما أحد يكفيني ابن
المقفع! فكتب أبو الخصيب بها إلى سفيان بن معاوية المهلبي
أمير البصرة يومئذ-وكان سفيان واجداً على ابن المقفع لأنه كان يعبث به ويضحك منه
دائماً، فغضب سفيان يوماً من كلامه وافترى عليه، فرد
ابن المقفع عليه رداً فاحشاً، وقال له: يا بن المغتلمة! وكان يمتنع
ويعتصم بعيسى وسليمان ابني علي بن عبد الله بن العباس، فحقدها سفيان عليه- فلما
كوتب في أمره بما كوتب اعتزم قتله، فاستأذن عليه جماعة من أهل البصرة، منهم ابن
المقفع، فأدخل ابن المقفع قبلهم، وعدل به إلى حجرة في دهليزه، وجلس غلامه بدابته ينتظره على باب سفيان، فصادف ابن
المقفع في تلك الحجرة سفيان بن معاوية، وعنده غلمانه وتنور نار يسجر، فقال له سفيان: أتذكر يوم قلت لي كذا! أمي مغتلمة إن لم أقتلك قتلة لم يقتل بها أحد، ثم قطع
أعضاءه عضواً عضواً، وألقاها في النار وهو ينظر إليها
حتى أتى على جميع جسده، ثم أطبق التنور عليه، وخرج إلى الناس فكلمهم،
فلما خرجوا من عنده تخلف غلام ابن المقفع ينتظره فلم يخرج، فمضى وأخبر عيسى بن
علي وأخاه سليمان بحاله، فخاصما سفيان بن معاوية في أمره، فجحد دخوله إليه،
فأشخصاه إلى المنصور، وقامت البينة العادلة أن ابن
المقفع دخل دار سفيان حياً سليماً ولم يخرج منها. فقال المنصور: أنا أنظر في
هذا الأمر إن شاء الله غداً، فجاء سفيان ليلاً إلى المنصور فقال: يا أمير المؤمنين، اتق الله في صنيعتك ومتبع أمرك،
قال: لا ترع، وأحضرهم في غد، وقامت الشهادة وطلب سليمان وعيسى القصاص، فقال المنصور: أرأيتم إن قتلت سفيان بابن المقفع، ثم خرج ابن المقفع عليكم من هذا الباب- وأومأ إلى باب خلفه-
من ينصب لي نفسه حتى أقتله بسفيان؟ فسكتوا، واندفع الأمر، وأضرب عيسى وسليمان عن ذكر ابن المقفع بعدها، وذهب دمه هدراً. فإن قلت: فما مثال
الحكمة وخلافها، وإن لم يذكر عليه السلام مثاله؟ قلت:
كالشجاعة في القلب وضدها الجبن، وكالجود وضده البخل، وكالعفة وضدها الفجور، ونحو
ذلك. فأما الأمور التي عددها عليه السلام
فكلام مستأنف، إنما هو بيان أن كل شيء مما يتعلق بالقلب يلزمه لازم آخر نحو
الرجاء، فإن الإنسان إذا اشتد رجاؤه أذله الطمع،. والطمع
يتبع الرجاء، والفرق بين الطمع والرجاء أن الرجاء توقع منفعة ممن سبيله أن تصدر
تلك المنفعة عنه، والطمع توقع منفعة ممن يستبعد وقوع تلك المنفعة منه، ثم قال:
وإن هاج به الطمع قتله الحرص، وذلك لأن الحرص يتبع الطمع، إذا لم يعلم الطامع
أنه طامع، وإنما يظن أنه راج. والمعنى أن كل فضيلة فإنها مجنحة بطرفين معدودين من
الرذائل كما أوضحناه آنفاً، والمراد أن آل محمد
عليه وعليهم السلام هم الأمر المتوسط بين الطرفين المذمومين، فكل من
جاوزهم فالواجب أن يرجع إليهم، وكل من قصر عنهم فالواجب أن يلحق بهم. وفي المثل:
من صانع بالمال، لم يحتشم من طلب الحاجة. ولعل هذا هو مراد الرضي بقوله:
"وقد يؤول ذلك على معنى آخر ليس هذا موضع ذكره ". الشرح:
قد تقدم الكلام في جميع هذه الحكم. ثم
عد الأعمال الصالحة. وقال: "أولم ينظروا" ولا ريب أن
العبادة بأداء الفرائض فوق العبادة بالنوافل. والحياء مخ الإيمان، وكذلك الصبر
والتواضع مصيدة الشرف، وذلك هو الحسب، وأشرف الأشياء العلم، لأنه خاصة الإنسان،
وبه يقع الفضل بينه وبين سائر الحيوان . ومن كلام بعض الحكماء: إذا استشارك عدوك في الأمر فامحضه
النصيحة في الرأي، فإنه إن عمل برأيك وانتفع ندم على إفراطه في مناوأتك، وأفضت
عداوته إلى المودة، وإن خالفك واستضر عرف قدر أمانتك بنصحه، وبلغت مناك في
مكروهه.
قيل
لعالم: من أسوأ الناس حالاً؟ قال: من لا يثق بأحد لسوء ظنه، ولا يثق به أحد لسوء
فعله.
قيل لصوفي:
ما صناعتك؟ قال: حسن الظن بالله، وسوء الظن بالناس. وكان يقال: ما أحسن حسن الظن
إلا أن فيه العجز، وما أقبح سوء الظن إلا أن فيه الحزم.
الأصل: وقيل له عليه السلام: كيف تجدك يا أمير المؤمنين؟ فقال: كيف
يكون حال من يفنى ببقائه، ويسقم بصحته، ويؤتى من مأمنه.
وقال
آخر:
الأصل: كم من مستدرج بالإحسان إليه، ومغرور بالستر عليه، ومفتون بحسن
القول فيه! وما ابتلى الله أحداً بمثل الإملاء له. وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل
مدح رجلاً قد مر بمجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسمع، ولكن قال: "ويحك لكدت تضرب عنقه، لو سمعها
لما أفلح ".
الأصل: مثل الدنيا كمثل الحية لين مسها، والسمم الناقع في جوفها،
يهوي إليها الغر الجاهل، ويحذرها ذو اللب العاقل.
الأصل: وقال عيله السلام: وقد سئل عن قريش فقال: أما بنو مخزوم فريحانة قريش، تحب
حديث رجالهم، والنكاح في نسائهم. وأما بنو عبد شمس فأبعدها رأياً، وأمنعها لما وراء ظفورها، وأما نحن فأبذل لما في أيدينا
وأسمح عند الموت بنفوسنا، وهم أكثر وأمكر وأنكر، ونحن أفصح وأنصح وأصبح.
فدل
ذلك على أن ما تقوله مخزوم في التاريخ حق، وذلك أنهم قالوا: كانت قريش وكنانة
ومن والاهم من الناس يؤرخون بثلاثة أشياء: كانوا يقولون:
كان ذلك زمن مبنى الكعبة، وكان ذلك من مجيء الفيل، وكان ذلك عام مات هشام بن
المغيرة.
وكما
وضع من بني نمير قول جرير:
فلقيت
نمير من هذا البيت ما لقيت.
ونمير
قبيل شريف، وقد ثلم في شرفهم هذا البيت.
فضرب
بهشام المثل.
فضرب
المثل ببيتهم في قريش.
فضرب
المثل بآل المغيرة.
فجعل
قريشاً كلها حياً لهشام.
وهذا
مثل وفوق المثل.
فجعل
موت هشام وفقد الغيث سواء.
وقال
أبو الطمحان القيني- أو أخوه:
وقال
أبو بكر بن شعوب لقومه كنانة:
وقال
خداش بن زهير:
وقال
علي بن هرمة، عم إبراهيم بن هرمة:
وقال
الشاعر وهو يهجو رجلاً:
وقال
الأسود بن يعفر النهشلي:
وقال
ثابت قطنة- أو كعب الأشقري لمحمد بن الأشعث بن قيس:
وقال
الخزاعي في كلمته التي يذكر فيها أبا أحيحة:
وسأل
معاوية صعصعة بن صوحان العبدي عن قبائل قريش، فقال: إن قلنا غضبتم، وإن سكتنا
غضبتم، فقال: أقسمت عليك، قال: فيمن يقول شاعركم:
وقال
عبد الرحمن بن سيحان الجسري حليف بني أمية وهو يهجو عبد الله بن مطيع من بني
عدي:
وقال
أبو طالب بن عبد المطلب وهو يفخر بخاليه هشام والوليد على أبي سفيان بن حرب:
وقال
ابن الزبعرى فيهم:
وقال
شاعر من بني هوازن، أحد بني أنف الناقة حين سقى إبله عبد الله بن أبي أمية
المخزومي بعد أن منعه الزبرقان بن بدر:
فقال
عبد الله بن أبي أمية مجيباً له:
قالوا:
وكان الوليد بن المغيرة يجلس بذي المجاز فيحكم بين العرب أيام عكاظ وقد كان رجل
من بني عامر بن لؤي رافق رجلاً من بني عبد مناف بن قصي، فجرى بينهما كلام في
حبل، فعلاه بالعصا حتى قتله، فكاد دمه يطل، فقام دونه أبو طالب بن عبد المطلب
وقدمه إلى الوليد، فاستحلفه خمسين يميناً أنه ما قتله، ففي ذلك يقول أبو طالب:
وقال
أبو طالب أيضاً في كلمة له:
وقال
أبو طالب أيضاً يرثي أبا أمية زاد الركب وهو خاله:
وقال
أبو طالب أيضاً يرثي خاله هشام بن المغيرة:
عمرو
هذا هو أبو جهل بن هشام، وأبو عثمان هو هشام.
وقال
حسان بن ثابت وهو يهجو أبا جهل، وكان يكنى أبا الحكم:
فاعترف
له بالرياسة والتقدم.
فأبى
أن يحكم، فرجعا إلى هرم.
وقال
أيضاً في كلمة له:
وقال
عمارة بن أبي طرفة الهذلي، سمعت ابن جريج يقول في كلام له: هلك سيد البطحاء
بالرعاف؟ قلت: ومن سيد البطحاء؟ قال: هشام بن المغيرة. وقال
النبي صلى الله عليه وسلم: "لو
دخل أحد من مشركي قريش الجنة لدخلها هشام بن المغيرة، كان أبذلهم للمعروف،
وأحملهم للكل.
وقال
أيضاً وذكرهما في تلك الحروب:
وذكرهم
ابن الزبعرى في تلك الحروب فقال:
ريطة:
هي أم ولد المغيرة، وهي ريطة بنت سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب، وأبو عبد
مناف هو أبو أمية بن المغيرة، ويعرف بزاد الركب، واسمه حذيفة، وإنما قيل له: زاد
الركب لأنه كان إذا خرج مسافراً لم يتزود معه أحد، وكانت عنده عاتكة بنت عبد
المطلب بن هشام، وأما ذو الرمحين فهو أبو ربيعة بن المغيرة واسمه عمرو، وكان
المغيرة يكنى باسم ابنه الأكبر، وهو هشام، ولم يعقب إلا من حنتمة ابنته، وهي أم
عمر بن الخطاب.
وقال
الورد بن خلاس السهمي سهم باهلة يمدح الوليد:
وقال
أيضاً:
وقال:
قالوا:
الغيث لقب المغيرة، وجعل الوليد وأخاه هشاماً ربي تهامة كما قال لبيد بن ربيعة
في حذيفة بن بدر:
فجعله
رب معد. وزعم
اليقطري أبو اليقظان وأبو الحسن أن الحجاج سأل أعشى همدان عن بيوتات قريش في
الجاهلية، فقال: إني قد آليت ألا أنفر أحداً على أحد، ولكن أقول وتسمعون، قالوا:
فقل. قال: من أيهم المحبب في أهله، المؤرخ بذكره،
محلي الكعبة، وضارب القبة، والملقب بالخير، وصاحب الخير والمير؟ قالوا: من بني
مخزوم، قال: فمن أيهم ضجيع بسباسة، والمنحور عنه ألف ناقة، وزاد الركب، ومبيض
البطحاء؟ قالوا: من بني مخزوم، قال: فمن أيهم كان المقنع في حكمه، والمنفذ وصيته
على تهكمه، وعدل الجميع في الرفادة، وأول من وضع أساس الكعبة؟ قالوا من بني
مخزوم، قال: فمن أيهم صاحب الأريكة، ومطعم الخزيرة، قالوا من بني مخزوم، قال فمن
أيهم الإخوة العشرة، الكرام البررة؟ قالوا من بني مخزوم، قال: فهو ذاك؟ فقال رجل
من بني أمية، أيها الأمير، لو كان لهم مع قديمهم حديث الإسلام! فقال الحجاج: أو ما علمت بأن منهم رداد الردة، وقاتل مسيلمة،
وآسر طليحة، والمدرك بالطائلة، مع الفتوح العظام والأيادي الجسام فهذا آخر ما
ذكره أبو عثمان.
منا
بنو المغيرة العشرة أمهم ريطة، وقد تقدم ذكر نسبها، وأمها عاتكة بنت عبد العزى
بن قصي، وأمها الحظيا بنت كعب بن سعد بن تيم بن مرة. أول امرأة من قريش ضربت
قباب الأدم بذي المجاز، ولها يقول الشاعر:
فمن
هؤلاء- أعني الحظيا- الوليد بن المغيرة أمه صخرة بنت الحارث بن عبد الله بن عبد
شمس القشيري، كان أبو طالب بن عبد المطلب يفتخر بأنه خاله، وكفاك من رجل يفتخر
أبو طالب بخئولته! ألا ترى إلى قول أبي طالب:
ومنهم
حفص بن المغيرة، وكان شريفاً. وعثمان بن المغيرة. وكان شريفاً. ومنهم السيد
المطاع هشام بن المغيرة، وكان سيد قريش غير مدافع، له يقول أبو بكر بن الأسود بن
شعوب يرثيه:
ويقول
له الحارث بن أمية الضمري:
وقال
أيضاً يبكيه ويرثيه:
وضباعة
التي يذكرها الشعراء زوجة هشام، وهي من بني قشيرة.
فهدم
حكيم داره، فأعطاه بنو هشام داره التي بأجياد عوضاً منها.
قال الزبير:
وكان فارس قريش في الجاهلية هشام بن المغيرة، وأبو لبيد بن عبدة بن حجرة بن عبد
بن معيض بن عامر بن لؤي، وكان يقال لهشام: فارس البطحاء، فلما هلكا كان فارسي
قريش بعدهما عمرو بن عبد العامري المقتول يوم الخندق، وضرار بن الخطاب المحاربي
الفهري، ثم هبيرة بن أبي وهب وعكرمة بن أبي جهل المخزوميان قالوا: وكان عام مات
هشام تاريخاً، كعام الفيل، وعام الفجار، وعام بنيان الكعبة. وكان هشام ريئس بني
مخزوم يوم الفجار. والحارث
بن هشام أخو أبي جهل كان شريفاً مذكوراً، وله يقول كعب بن الأشرف اليهودي
الطائي:
وهو
الذي هاجر من مكة إلى الشام بأهله وماله في خلافة عمر بن الخطاب، فتبعه أهل مكة
يبكون، فرق وبكى وقال: إنا لو كنا نستبدل داراً بدار، وجاراً بجار، ما أردنا بكم
بدلاً، ولكنها النقلة إلى الله عز وجل، فلم يزل حابساً نفسه ومن معه بالشام
مجاهداً حتى مات. فقال:
حين غاب عني مثلك من قومي. وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام هو الذي رغب فيه عثمان
بن عفان وهو خليفة فزوجه ابنته. قالوا:
ومنا أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، كان سيداً جواداً وفقيهاً
عالماً، وهو الذي قدم عليه بنو أسد بن خزيمة يسألونه في دماء كانت بينهم، فاحتمل
عنهم أربعمائة بعير دية أربعة من القتلى، ولم يكن بيده مال، فقال لابنه عبد الله
بن أبي بكر: اذهب إلى عمك المغيرة بن عبد الرحمن فاسأله المعونة، فذهب عبد الله
إلى عمه فذكر له ذلك، فقال المغيرة: لقد أكبر علينا أبوك، فانصرف عنه عبد الله
وأقام أياماً لا يذكر لأبيه شيئاً، وكان يقود أباه إلى المسجد وقد ذهب بصره،
فقال له أبوه يوماً: أذهبت إلى عمك؟ قال: نعم، وسكت، فعرف حين سكت أنه لن يجد
عند عمه ما يحب. فقال
له: يا بني ألا تخبرني ما قال لك؟ قال: أيفعل أبو هشام- وكانت كنية المغيرة-
فربما فعل، ولكن اغد غداً إلى السوق فخذ لي عينة، فغدا عبد الله فتعين عينة من
السوق لأبيه وباعها، فأقام أياماً لا يبيع أحد في السوق طعاماً ولا زيتاً غير
عبد الله بن أبي بكر من تلك العينة، فلما فرغ أمره أبوه أن يدفعها إلى الأسديين
فدفعها إليهم.
فابن
بشر، عبد الله بن بشر بن مروان بن الحكم، وجدي التيم: حماد بن عمران بن موسى بن
طلحة بن عبيد الله، وأوتار عقبة يعني أولاد عقبة بن أبي معيط، والحاطبي لقمان بن
محمد بن حاطب الجمحي، ورهط صخر: بنو أبي سفيان بن حرب بن أمية، وكل هؤلاء كانوا
مشهورين بالكوفة، فلما قدمها المغيرة أخمل ذكرهم، والمغيرة هذا هو الذي بلغه أن
سليم بن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري أراد أن يبيع المنزل! الذي نزل فيه رسول
الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة على أبي أيوب بخمسمائة دينار، فأرسل إليه ألف
دينار، وسأله أن يبيعه إياه، فباعه، فلما ملكه جعله صدقة في يومه. وكان المغيرة يأمر بالسكر والجوز فيدقان ويطعمهما أصحاب الصفة
المساكين، ويقول:
إنهم يشتهون كما يشتهي غيرهم ولا يمكنهم، فخرج المغيرة في سفر ومعه جماعة فوردوا
غديراً ليس لهم ماء غيره- وكان ملحاً- فأمر بقرب العسل فشقت في الغدير وخيضت
بمائه، فما شرب أحد منهم حتى راحوا إلا من قرب المغيرة.
وأخوه
عكرمة بن خالد كان من وجوه قريش، وروى الحديث، وروي عنه.
قالوا: ولنا الأوقص، وهو محمد بن عبد الرحمن بن هشام بن المغيرة، كان
قاضي مكة، وكان فقيهاً. قالوا:
ومن يعد ما تعده مخزوم ولها خالد بن الوليد بن المغيرة
سيف الله! كان مباركاً، ميمون النقيبة شجاعاً، وكان إليه أعنة الخيل على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد معه فتح مكة، وجرح يوم حنين،
فنفث رسول الله صلى الله عليه وسلم على جرحه فبرأ، وهو الذي قتل مسيلمة وأسر طليحة، ومهد خلافة أبي بكر، وقال
يوم موته:
لقد شهدت كذا وكذا زحفاً، وما في جسدي موضع إصبع إلا وفيه طعنة أو ضربة، وهأنذا
أموت على فراشي كما يموت العير، فلا نامت أعين الجبناء! ومر
عمر بن الخطاب على دور بني مخزوم والنساء يندبن خالداً، وقد وصل خبره إليهم وكان
مات بحمص، فوقف وقال: ما على النساء أن يندبن أبا سليمان، وهل تقوم حرة عن مثله!
ثم أنشد:
وكان عمر مبغضاً لخالد، ومنحرفاً عنه، ولم يمنعه ذلك من أن صدق
فيه. وإسماعيل
بن هشام بن الوليد كان أمير المدينة. وإبراهيم ومحمد ابنا هشام بن عبد الملك. وأيوب
بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن الوليد، وكان من رجال قريش، ومن ولده هشام بن
إسماعيل بن أيوب وسلمة بن عبد الله بن الوليد بن الوليد، ولي شرطة المدينة.
قالوا:
ولنا سعيد بن المسيب الفقيه المشهور. وأما
الجواد المشهور فهو الحكم بن المطلب بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم. قلت:
لا مناقضة بينهما، لأنه أراد كثرة بني عبد شمس، فبالكثرة تمنع ما وراء ظهورها،
وكان بنو هاشم أقل عدداً من بني عبد شمس، إلا أن كل واحد منهم على انفراده أشجع
وأسمح بنفسه عند الموت من كل واحد على انفراده من بني عبد شمس، فقد بان أنه لا مناقضة بين القولين. الشرح:
أخذ هذا المعنى بعض الشعراء، فقال:
الأصل:
وقال عليه السلام وقد تبع جنازة فسمع رجلاً يضحك، فقال: كأن الموت فيها على غيرنا كتب، وكأن الحق فيها على غيرنا
وجب، وكأن الذي نرى من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون، نبوئهم أجداثهم،
ونأكل تراثهم، كأنا مخلدون بعدهم، قد نسينا كل واعظ وواعظة، ورمينا بكل جائحة. قلت:
لا يجوز أن يريد غيره، لأن لفظ العمل يشمل الاعتقاد، والنطق باللسان، وحركات
الأركان بالعبادات، إذ كل ذلك عمل وفعل، وإن كان بعضه من أفعال القلوب، وبعضه من
أفعال الجوارح، ولو لم يرد أمير المؤمنين عليه السلام ما
شرحناه لكان قد قال: الإسلام هو العمل
بالأركان خاصة، ولم يعتبر فيه الاعتقاد القلبي، ولا النطق اللفظي، وذلك مما لا
يقوله أحد. ورأى حكيم رجلاً
مثرياً يأكل خبزاً وملحاً، فقال: لم تفعل هذا؟ قال: أخاف الفقر، قال: فقد
تعجلته. فأما القول في الكبر والتيه فقد تقدم منه ما فيه كفاية، وقال ابن
الأعرابي: ما تاه علي أحد قط أكثر من مرة واحدة، أخذ هذا المعنى شاعر
فقال وأحسن:
وقد تقدم من كلامنا في نظائر هذه الألفاظ المذكورة ما يغني عن
الإطالة ههنا. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقال سفيان الثوري: كانوا لا يعدون الفقيه فقيهاً من لا يعد البلاء نعمة
والرخاء مصيبة. فلما
في الربيع من الكيفيتين اللتين هما منبع النمو والنفس النباتية، وهما الحرارة
والرطوبة وأما الخريف فخال من هاتين الكيفيتين ومستبدل بهما ضدهما، وهما البرودة
واليبس المنافيان للنشوء وحياة الحيوان والنبات. فأما لم كان الخريف بارداً يابساً والربيع
حاراً رطباً مع أن نسبة كل واحد منهما إلى الفصلين الخارجين عن الاعتدال وهما
الشتاء والصيف نسبة واحدة؟ فإن تعليل ذلك مذكور في الأصول الطبية، والكتب
الطبيعية، وليس هذا الموضع مما يحسن أن يشرح فيه مثل ذلك.
وقال الحسن عليه السلام:
مات صديق لنا صالح، فدفناه ومددنا على القبر ثوباً، فجاء صلة بن أشيم، فرفع طرف
الثوب ونادى: يا فلان:
وفي الحديث المرفوع، إنه عليه السلام كان إذا تبع الجنازة أكثر الصمات ،ورئي
عليه كآبة ظاهرة، وأكثر حديث النفس. وكانت تعطيها الشيء بعد الشيء تأمرها أن تتصدق
به، فتقول: اذهبي فضعي هذا في كندوج العمل.
وقال
آخر:
وجاء في الحديث المرفوع: "ما رأيت منظراً إلا والقبر أفظع منه ". |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقال وقد سمع رجلاً يذم الدنيا
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أيها الذام
للدنيا، المغتر بغرورها، المنخدع بأباطيلها، أتفتتن بها ثم تذمها! أنت المتجرم
عليها أم هي المتجرمة عليك! متى استهوتك، أم متى غرتك! أبمصارع آبائك من البلى،
أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى! كم عللت بكفيك، وكم مرضت بيديك. تبتغي لهم الشفاء،
وتستوصف لهم الأطباء، غداة لا يغني عنهم دواؤك، ولا يجدي عليهم بكاؤك! لم ينفع
أحدهم إشفاقك، ولم تسعف فيه بطلبتك، ولم تدفع عنه بقوتك، وقد علت لك به الدنيا
نفسك، وبمصرعه مصرعك. مسجد أحباء الله، ومصلى ملائكة الله، ومهبط وحي
الله، ومتجر أولياء الله، اكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا فيها الجنة، فمن ذا
يذمها، وقد آذنت ببينها، ونادت بفراقها، ونعمت نفسها وأهلها، فمثلت لهم ببلائها
البلاء، وشوقتهم بسرورها إلى السرور! راحت بعافية، وابتكرت بفجيعة، ترغيباً
وترهيباً، وتخويفاً وتحذيراً، فذمها رجال غداة الندامة، وحمدها آخرون يوم
القيامة، ذكرتهم الدنيا فذكروا وحدثتهم فصدقوا ووعظتهم فاتعظوا. واحتذى عبد الله بن المعتز حذو أمير المؤمنين عليه السلام في مدح
الدنيا فقال في كلام له: الدنيا
دار التأديب والتعريف، التي بمكروهها توصل إلى محبوب الآخرة، ومضمار الأعمال،
السابقة بأصحابها إلى الجنان، ودرجة الفوز التي يرتقي عليها المتقون إلى دار
الخلد، وهي الواعظة لمن عقل، والناصحة لمن قبل، وبساط المهل، وميدان العمل،
وقاصمة الجبارين، وملحقة الرغم معاطس المتكبرين، وكاسية التراب أبدان المختالين،
وصارعة المغترين، ومفرقة أموال الباخلين، وقاتلة القاتلين، والعادلة بالموت على
جميع العالمين، وناصرة المؤمنين، ومبيرة الكافرين، الحسنات فيها مضاعفة،
والسيئات بآلامها ممحوة، ومع عسرها يسران، والله تعالى قد ضمن أرزاق أهلها،
وأقسم في كتابه بما فيها، ورب طيبة من نعيمها قد حمد الله عليها فتلقتها أيدي
الكتبة ووجبت بها الجنة، وكم نائبة من نوائبها، وحادثة من حوادثها، قد راضت
الفهم، ونبهت الفطنة، وأذكت القريحة، وأفادت فضيلة الصبر، وكثرت ذخائر الأجر ومن الكلام المنسوب إلى علي عليه السلام: الناس أبناء الدنيا،
ولا يلام المرء على حب أمه، أخذه محمد بن وهب الحمير ي فقال:
الأصل:
إن لله ملكاً ينادي في كل يوم: لدوا للموت، واجمعوا للفناء، وابنوا للخراب.
ومثله
قوله تعالى: "ولقد ذرأنا لجهنم"، ليس
أنه ذرأهم ليعذبهم في جهنم، بل ذرأهم وكان عاقبة ذرئهم أن صاروا فيها، وبهذا
الحرف يحصل الجواب عن كثير من الآيات المتشابهة التي تتعلق بها المجبرة.
وأما
الموت فقد قال الشاعر:
ومن كلام علي عليه السلام: الصديق من صدق في غيبته.
قيل للثوري: دلني
على جليس أجلس إليه؟ قال: تلك ضالة لا توجد. الشرح: في بعض
الروايات أن ما نسب إلى الرضي رحمه الله من استنباط
هذه المعاني من الكتاب العزيز من متن كلام أمير المؤمنين عليه السلام وقد سبق
القول في كل واحدة من هذه الأربع مستقصىً. وزوج عامر بن الظرب ابنته من ابن أخيه، فلما أراد تحويلها
قال لأمها: مري ابنتك ألا تنزل مفازة إلا ومعها ماء، فإنه للأعلى جلاء،
وللأسفل نقاء، ولا تكثر مضاجعته، فإذا مل البدن مل القلب، ولا تمنعه شهوته، فإن
الحظوة في المواقعة. فلم يلبث إلا شهراً حتى جاءته
مشجوجة، فقال لابن أخيه:
يا بني ارفع عصاك عن بكرتك، فإن كان من غير أن تنفر بك فهو الداء الذي ليس له
دواء، وإن لم يكن بينكما وفاق ففراق، الخلع أحسن من الطلاق، وأن تترك أهلك
ومالك. الشرح:
هذا حق، لأن من لم يوقن بالخلف ويتخوف الفقر يضن بالعطية، ويعلم أنه إذا أعطى ثم
أعطى استنفد ماله، واحتاج إلى الناس لانقطاع مادته، وأما من يوقن بالخلف، فإنه
يعلم أن الجود شرف لصاحبه، وأن الجواد ممدوح عند الناس، فقد وجد الداعي إلى
السماح- ولا صارف له عنه- لأنه يعلم أن مادته دائمة غير منقطعة، فالصارف الذي
يخافه من قدمنا ذكره مفقود في حقه، فلا جرم أنه يجود بالعطية! الأصل: تنزل
المعونة على قدر المؤونة. فلما
أصبح أمر كاتبه بإعادة تلك الرسوم أجمع.
وهذا
الشعر وإن كان في الاقتصاد في المراتب والولايات، إلا أنه مدح للاقتصاد في
الجملة، فهو من هذا الباب. وسمع بعض الفضلاء قول الحكماء: التدبير نصف العيش، فقال: بل العيش كله.
وقال سفيان بن عيينة: الدنيا كلها هموم وغموم، فما كان منها سرور فهو ربح.
الأصل: ينزل الصبر على قدر المصيبة، ومن ضرب يده على فخذه عند مصيبته
حبط أجره.
وقال
عمرو بن معد يكرب:
وكان
يقال: من حدث نفسه بالبقاء، ولم يوطنها على المصائب، فهو عاجز الرأي. وكان يقال:
كفى باليأس معزياً، وبانقطاع الطمع زاجراً! وقال الشاعر:
الأصل:
كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا
السهر والعناء. حبذا
نوم الأكياس وإفطارهم! الشرح:
الأكياس ههنا العلماء العارفون، وذلك لأن عباداتهم تقع مطابقة لعقائدهم الصحيحة،
فتكون فروعاً راجعةً إلى أصل ثابت، وليس كذلك الجاهلون بالله تعالى، لأنهم إذا
لم يعرفوه ولم تكن عباداتهم متوجهة إليه فلم تكن مقبولة، ولذلك فسدت عبادة
النصارى واليهود. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له لكميل بن
زياد النخعي
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: قال
كميل بن زياد: أخذ بيدي أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب فأخرجني إلى الجبان، فلما أصحر تنفس الصعداء، ثم قال: يا كميل بن
زياد، إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها، فاحفظ عني ما أقول لك. وصدق عليه
السلام في أنهم همج رعاع أتباع كل
ناعق، ألا تراهم ينتقلون من التقليد لشخص إلى تقليد الآخر، لأدق خيال وأضعف وهم!
ثم شرع عليه السلام في
ذكر العلم وتفضيله على المال،، فقال:
"العلم يحرسك، وأنت تحرس المال "، وهذا
أحد وجوه التفضيل. فأما قوله:
"وصنيع المال يزول بزواله "، فتحته سر دقيق حكمي، وذلك لأن المال إنما
يظهر أثره ونفعه في الأمور الجسمانية، والملاذ الشهوانية، كالنساء والخيل
والأبنية والمأكل والمشرب والملابس ونحو ذلك، وهذه الآثار كلها تزول بزوال المال
أو بزوال رب المال، ألا ترى أنه إذا زال المال اضطر صاحبه إلى بيع الأبنية
والخيل والإماء، ورفض تلك العادة من المآكل الشهية والملابس البهية! وكذلك إذا
زال رب المال بالموت، فإنه تزول آثار المال عنده: فإنه لا يبقى بعد الموت آكلاً
شارباً لابساً، وأما آثار العلم فلا يمكن أن تزول أبداً والإنسان في الدنيا، ولا
بعد خروجه عن الدنيا، أما في الدنيا فلأن العالم بالله تعالى لا يعود جاهلاً به،
لأن انتفاء العلوم البديهية عن الذهن وما يلزمها من اللوازم بعد حصولها محال، فإذاً قد صدق قوله عليه
السلام في
الفرق بين المال والعلم: "إن صنيع المال يزول بزواله
"، أي وصنيع العلم لا يزول ولا يحتاج إلى أن يقول "بزواله " لأن تقدير الكلام: وصنيع المال يزول، لأن المال يزول
وأما بعد خروج الإنسان من الدنيا فإن صنيع العلم لا يزول، وذلك لأن صنيع العلم
في النفس الناطقة اللذة العقلية الدائمة لدوام سببها، وهو حصول العلم في جوهر
النفس الذي هو معشوق النفس مع انتفاء ما يشغلها عن التمتع به، والتلذذ بمصاحبته،
والذي كان يشغلها عنه في الدنيا استغراقها في تدبير البدن، وما تورده عليها
الحواس من الأمور الخارجية، ولا ريب أن العاشق إذا خلا بمعشوقه، وانتفت عنه
أسباب الكدر، كان في لذة عظيمة، فهذا هو سر قوله:
"وصنيع المال يزول بزواله ". هذا عندي إشارة إلى العرفان والوصول
إلى المقام الأشرف الذي لا يصل إليه إلا الواحد الفذ من العالم ممن لله تعالى
فيه سر، وله به اتصال. وثانيها.
قوم من أهل الخير والصلاح ليسوا بذوي بصيرة في الأمور الإلهية الغامضة. وهي من ألفاظه عليه السلام المعدودة.
وتكلم عبد الملك بن عمير وأعرابي حاضر، فقيل له: كيف ترى هذا؟ فقال: لو كان كلام
يؤتدم به لكان هذا الكلام مما يؤتدم به.
فقال: أخطا الشاعر، إن مرحباً لم يمت، وإنما قتله
علي بن أبي طالب عليه السلام!
وقال رجل لأعرابي: كيف أهلك؟ قال: صلباً إن شاء الله. وكان مسلمة بن عبد الملك يعرض الجند،
فقال لرجل: ما اسمك؟ فقال: "عبد" الله، وخفض، فقال:
ابن من؟ فقال: ابن "عبد" الله، وفتح، فأمر بضربه، فجعل يقول:
"سبحان " الله، ويضم، فقال مسلمة: ويحكم! دعوه فإنه مجبول على اللحن
والخطأ، لو كان تاركاً للحن في وقت لتركه وهو تحت السياط. فلما قرأ القاسم بن عبيد الله كتابه
استحسنه، وزاد في رزقه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقال عليه السلام لرجل سأله أن يعظه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: لا تكن ممن
يرجو الآخرة بغير عمل، ويرجو التوبة بطول الأمل، يقول في الدنيا بقول الزاهدين،
ويعمل فيها بعمل الراكبين، إن أعطي منها لم يشبع، وإن منع منها لم يقنع، يعجز عن
شكر ما أوتي، ويبتغي الزيادة فيما بقي، ينهى ولا ينتهي، ويأمر الناس بما لم يأت. يعجب بنفسه إذا عوفي، ويقنط إذا ابتلي! وإن أصابه
بلاء دعا مضطراً، وإن نالة رخاء أعرض مغتراً، تغلبه نفسه على ما يظن، ولا يغلبها
على ما يستيقن، يخاف على غيره باع دنى من ذنبه، ويرجو لنفسه بأكثر من عمله إن
استغنى بطر وفتن، وإن افتقر قنط ووهن، يقصر إذا عمل، ويبالغ إذا سأل، إن عرضت له
شهوة أسلف المعصية، وسوف التوبة، وإن عرته محنة انفرج عن شرائط الملة. قال:
"وإن منع منها لم يقنع " بما كان وصل إليه قبل المنع. ويجوز أن يحمل على حقيقته، أي أن الشكر على ما
أولي من النعم لا تنتهي قدرته إليه، أي نعم الله عليه أجل وأعظم من أن يقام
بواجب شكرها. ثم
قال: "يخاف على غيره بأدق من ذنبه، ويرجو لنفسه أكثر من عمله "، ما
يزال يرى الواحد منا كذلك يقول: إني لخائف على فلان من الذنب الفلاني وهو مقيم
على أفحش من ذلك الذنب، ويرجو لنفسه النجاة بما لا تقوم أعماله الصالحة بالمصير
إلى النجاة به، نحو أن يكون يصلي ركعات في الليل أو يصوم أياماً يسيرة في الشهر،
ونحو ذلك. ووهن
الرجل يهن، أي ضعف وهذا المعنى قد تكرر.
وقال
الكميت في مثل هذا:
فأما الرواية الأولى وهي: "لكل امرىء" فنظائرها في القرآن كثيرة، نحو قوله
تعالى: "يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم
شقي وسعيد"، وقوله: "يوم يتذكر
الإنسان ما سعى. وبرزت الجحيم لمن يرى. فأما من طغى. وآثر الحياة الدنيا فإن
الجحيم هي المأوى. وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. فإن الجنة هي
المأوى"، وغير ذلك من الآيات.
وقال
الشاعر:
وقال بعض الحكماء: حركة الإقبال بطيئة، وحركة الإدبار سريعة، لأن المقبل
كالصاعد إلى مرقاة، ومرقاة المدبر كالمقذوف به من علو إلى أسفل، قال الشاعر:
آخر:
وفي الخبر المرفوع:
كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء
لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها، فاشتد على الصحابة ذلك، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "إن حقاً على الله ألا يرفع
شيئاً من هذه الدنيا إلا وضعه ".
وقال بعض الأدباء في كلام له: بينا هذه الدنيا ترضع بدرتها وتصرح بزبدتها، وتلحف فضل
جناحها، وتغر بركود رياحها، إذ عطفت عطف الضروس، وصرخت صراخ الشموس، وشنت غارة
الهموم، وأراقت ما حلبت من النعيم، فالسعيد من لم يغتر بنكاحها، واستعد لو شك
طلاقها.
وقال
أبو العتاهية:
وقال
أنس بن مالك: ما من يوم ولا ليلة ولا شهر ولا سنة إلا والذي قبله خير منه، سمعت
ذلك من نبيكم صلى الله عليه وسلم، فقال شاعر:
قيل
لبعض عظماء الكتاب بعد ما صودر: ما تفكر في زوال نعمتك؟ فقال: لا بد من الزوال،
فلأن تزول وابقى خير من أن أزول وتبقى.
لما
فتح خالد بن الوليد عين التمر سأل عن الحرقة
بنت النعمان بن المنذر، فأتاها وسألها عن حالها، فقالت:
لقد طلعت علينا الشمس وما من شيء يدب تحت الخورنق إلا وهو تحت أيدينا، ثم غربت
وقد رحمنا كل من نلم به، وما بيت دخلته حبرة، إلا ستدخله عبرة، ثم قالت:
وجاءها سعد بن أبي وقاص مرة، فلما رآها، قال: قاتل الله عدي بن
زيد، كأنه كان ينظر إليها حيث قال لأبيها:
وقال مطرف بن الشخير: لا تنظروا إلى خفض عيش الملوك ولين رياشهم، ولكن انظروا إلى
سرعة ظعنهم وسوء منقلبهم، وإن عمراً قصيراً يستوجب به صاحبه النار لعمر مشؤوم
على صاحبه.
وهذا
النوع إما في الفعل كالمشي ورفع الحجر أو في رفع الانفعال كالصبر على المرض
واحتمال الضرب المفظع. وأما
النفسي ففيه تتعلق الفضيلة، وهو ضربان: صبر عن
مشتهى، ويقال له: عفة، وصبر على تحمل مكروه أو
محبوب. وتختلف أسماؤه بحسب اختلاف مواقعه، فإن كان في نزول مصيبة لم يتعد به
اسم الصبر، ويضاده الجزع والهلع والحزن، وإن كان في احتمال الغنى سمي ضبط النفس،
ويضاده البطر والأشر والرفغ وإن كان في محاربة سمي شجاعةً ويضاده الجبن، وإن كان
في إمساك النفس عن قضاء وطر الغضب سمي حلماً، ويضاده التذمر والاستشاطة، وإن كان
في نائبة مضجرة سمي سعة صدر، ويضاده الضجر وضيق العطن والتبرم، وإن كان في إمساك
كلام في الضمير سمي كتمان السر، ويضاده الإفشاء، وإن كان عن فضول العيش سمي
قناعةً وزهداً ويضاده الحرص والشره. فهذه كلها
أنواع الصبر، ولكن اللفظ العرفي واقع على الصبر الجسماني، وعلى ما يكون في نزول المصائب، وتنفرد باقي الأنواع
بأسماء تخصها. ومن أمثالهم:
البادي أظلم. فإن
قلت:
فإذا لم يكن بادياً لم يكن ظالماً، فأي حاجة له إلى الاحتراز بقوله:
"البادي "؟ قلت: لأن العرب تطلق
على ما يقع في مقابلة الظلم اسم "الظلم " أيضاً كقوله تعالى: "وجزاء سيئة سيئة مثلها". الأصل:
عليكم بطاعة من لا تعذرون في جهالته. وقال بعض الصالحين: ألا إنهما نجدا الخير والشر، فجعل
نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير. وكان يقال: كما أن البدن الخالي من النفس تفوح منه رائحة النتن، كذلك
النفس الخالية من الحكمة، وكما أن البدن الخالي من النفس ليس يحس ذلك بالبدن بل
الذين لهم حس يحسونه به، كذلك النفس العديمة للحكمة ليس تحس به تلك النفس، بل
يحس به الحكماء، وقيل لبعض الحكماء: ما بال
الناس ضلوا عن الحق؟ أتقول: إنهم لم تخلق فيهم قوة معرفة؟ فقال: لا، بل خلق لهم
ذلك، ولكنهم استعملوا تلك القوة على غير وجهها، وفي غير ما خلقت له، كالسم تدفعه
إلى إنسان ليقتل به عدوه فيقتل به نفسه. فلما انقضى كلامي قال: أحسبك غريباً؟ قلت: أجل،
قال: فصل بنا، فإن احتجت إلى منزل أنزلناك، أو إلى مال واسيناك، أو إلى حاجة
عاوناك.
قال المبرد:
أخذ هذا المعنى من قول رجل من قريش قال له رجل منهم: إني مررت بآل فلان وهم
يشتمونك شتماً رحمتك منه، قال: أفسمعتني أقول إلا خيراً! قال: لا، قال: إياهم
فارحم.
الأصل: من ملك استأثر.
الأصل: من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها. وكان عبد الله بن طاهر يذهب إلى هذا المذهب، ويقول: ما حك جلدك مثل ظفرك، ولأن أخطىء مع
الاستبداد ألف خطأ، أحب إلي من أن أستشير وأرى بعين النقص والحاجة. وقالوا:
خاطر من استبد برأيه.
الأصل: من كتم سره كانت الخيرة في يده. من أمثالهم: مقتل
الرجل بين لحييه.
وقال عمر بن عبد العزيز: القلوب أوعية الأسرار والشفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها
فليحفظ كل امرئ مفتاح سره.
فقال:
والله ما أراد بالاثنين إلا الشفتين الأصل: الفقر الموت الأكبر.
أخذ
السيواسي هذا المعنى، فقال في قصيدته الطويلة المعروفة بالساسانية:
قرئ
على أحد جانبي دينار:
وعلى
الجانب الآخر:
وقال أبو الدرداء:
من حفظ ماله فقد حفظ الأكثر من دينه وعرضه.
ومن دعاء السلف: اللهم إني أعوذ بك من ذل الفقر وبطر الغنى.
الأصل: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وقال معاوية لشداد بن أوس:
قم فاذكر علياً فانتقصه، فقام شداد فقال:
الحمد لله الذي افترض طاعته على عباده، وجعل رضاه عند أهل التقوى آثر من رضا غيره،
على ذلك مضى أولهم، وعليه مضى آخرهم. أيها
الناس، إن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قاهر وإن الدنيا أكل حاضر، يأكل منها
البر والفاجر، وإن السامع المطيع لله لا حجة عليه وإن السامع العاصي لله لا حجة
له، وإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإذا أراد الله بالناس خيراً استعمل
عليهم صلحاءهم، وقضى بينهم فقهاؤهم ، وجعل المال في سمحائهم، وإذا أراد بالعباد
شراً عمل عليهم سفهاؤهم، وقضى بينهم جهلاؤهم، وجعل المال عند بخلائهم. وإن من إصلاح الولاة أن تصلح قرناءها. ثم التفت إلى معاوية فقال:
نصحك يا معاوية من أسخطك بالحق، وغشك من أرضاك بالباطل! فقطع معاوية عليه كلامه،
وأمر بإنزاله، ثم لاطفه وأمر له بمال، فلما
قبضه قال: ألست من السمحاء الذين ذكرت؟ فقال:
إن كان لك مال غير مال المسلمين أصبته حلالاً، وأنفقته إفضالاً فنعم، وإن كان
مال المسلمين احتجبته دونهم أصبته اقترافاً، وأنفقته إسرافاً، فإن الله يقول: "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين". ولا بد من إضمار شيء في الكلام على قولنا وقول الإمامية، لأنا
نحن نقول: الأمر حقه بالأفضلية وهم
يقولون: إنه حقه بالنص، وعلى كلا التقديرين
فلا بد من إضمار شيء في الكلام، لأن لقائل أن يقول
له عليه السلام: لو كان حقك من غير أن يكون للمكلفين فيه نصيب لجاز ذلك
أن يؤخر كالدين الذي يستحق على زيد، يجوز لك أن تؤخره لأنه خالص لك وحدك، فأما
إذا كان للمكلفين فيه حاجة ماسة لم يكن حقك وحدك، لأن مصالح المكلفين منوطة
بإمامتك دون إمامة غيرك، فكيف يجوز لك تأخير ما فيه
مصلحة المكلفين؟ فإذن لا بد من إضمار شيء في الكلام. وتقديره:
لا
يعاب المرء بتأخير حقه إذا كان هناك مانع عن طلبه، ويستقيم
المعنى حينئذ على المذهبين جميعاً، لأنه إذا
كان هناك مانع جاز تقديم غيره عليه، وجاز له أن يؤخر طلب حقه خوف الفتنة،
والكلام في هذا الموضع مستقصىً في تصانيفنا في علم
الكلام. وقالت الحكماء:
كما أن المعجب بفرسه لا يروم أن يستبدل به غيره، كذلك المعجب بنفسه لا يريد
بحاله بدلاً، وإن كانت رديئة.
وأما التيه وماهيته فهو قريب من العجب، لكن
المعجب يصدق نفسه وهماً فيما يظن بها، والتياه يصدقها قطعاً، كأنه متحير في تيه. ويمكن
أن يفرق بينهما بأمر آخر، ويقول: إن المعجب
قد يعجب بنفسه ولا يؤذي أحداً بذلك الإعجاب، والتياه
يضم إلى الإعجاب الغض من الناس والترفع عليهم، فيستلزم ذلك الأذى لهم، فكل تائه معجب، وليس كل معجب تائهاً.
الأصل: قد أضاء الصبح لذي عينين.
ومثله:
وقال
ابن هانئ يمدح المعتز:
الأصل: ترك الذنب أهون من طلب التوبة.
نوادر عن المكثرين من الأكل وكان ابن عياش المنتوف يمازح المنصور أبا جعفر
فيحتمله على أنه كان جداً كله، فقدم المنصور لجلسائه يوماً بطة كثيرة الدهن،
فأكلوا وجعل يأمرهم بالازدياد من الأكل لطيبها، فقال ابن عياش: قد علمت غرضك يا
أمير المؤمنين، إنما تريد أن ترميهم منها بالحجاب- يعني الهيضة- فلا يأكلوا إلى
عشرة أيام شيئاً. والعرب تعير بكثرة الأكل، وتعيب بالجشع
والشره والنهم، وقد كان فيهم قوم موصوفون بكثرة الأكل منهم معاوية، قال أبو
الحسن المدائني في "كتاب الأكلة": كان يأكل في
اليوم أربع أكلات أخراهن عظماهن، ثم يتعشى بعدها بثريدة عليه بصل كثير، ودهن
كثير قد شغلها. وكان أكله
فاحشاً يأكل فيلطخ منديلين أو ثلاثة قبل أن يفرغ، وكان يأكل حتى يستلقي ويقول:
يا غلام، ارفع، فلأني والله ما شبعت ولكن مللت. قال: نيف وثمانون قدراً، قال: فأتني بها قدراً
قدراً، فعرضها عليه، وكان يأكل من كل قدر لقمتين أو ثلاثاً، ثم مسح يده، واستلقى
على قفاه، وأذن للناس، ووضعت الموائد، فقعد فأكل مع الناس كأنه لم يطعم شيئاً. وقد روي هذا الخبر عن
بعض العرب، وقيل: إنه أكل حواراً وأكلت امرأته حائلاً، فلما أراد أن يدنو
منها وعجز قالت له: كيف تصل إلي وبيني وبينك
بعيران. وكان هلال بن أبي بردة أكولاً، قال قصابه: جاءني رسوله سحرةً فأتيته وبين يديه
كانون فيه جمر وتيس ضخم، فقال: دونك هذا التيس فاذبحه فذبحته وسلخته، فقال: أخرج
هذا الكانون إلى الرواق وشرح اللحم وكبه على النار، فجعلت كلما استوى شيء قدمته
إليه حتى لم يبق من التيس إلا العظام وقطعة لحم على الجمر، فقال لي: كلها، فأكلتها، ثم شرب خمسة اقداح، وناولني قدحاً
فشربته فهزني، وجاءته جارية ببرمة فيها ناهضان ودجاجتان وأرغفة، فأكل ذلك كله،
ثم جاءته جارية أخرى بقصعة مغطاة لا أدري ما فيها، فضحك إلى الجارية، فقال: ويحك!
لم يبق في بطني موضع لهذا، فضحكت الجارية وانصرفت، فقال لي: الحق باهلك. فقال له:
ما تشتهي؟ قال: تمراً وسمناً، فانطلق به إلى منزله فجاء بخمس جلال تمراً وجرة
سمناً، فأكل الجميع وخرج، فمر برجل يبني داره ومعه مائة رجل، وقد قدم لهم سمناً
وتمراً، فدعاه إلى الأكل معهم، فأكل حتى شكوه إلى صاحب الدار، ثم خرج فمر برجل
بين يديه زنبيل فيه خبز أرز يابس بسمسم وهو يبيعه فجعل يساومه ويأكل حتى أتى على
الزنبيل، فأعطيت صاحب الزنبيل ثمن خبزه.
وليس
المراد بهذا الأمر سرعة فصل الحال لأول خاطر، ولأول رأي، إن ذلك خطأ، وقديماً قيل: دع الرأي يغب.
وقال
آخر:
وقال
آخر:
وكان يقال:
توسط الخوف تأمن. وكان
في القوم غلام من قريش جالساً، فتحمل الكلمة إلى
معاوية، فقال معاوية: أنت سمعت هانئاً يقولها؟ قال: نعم، قال: فاخرج فأت
حلقته، فإذا خف الناس عنه فقل له: أيها
الشيخ، قد وصلت كلمتك إلى معاوية، ولست في زمن أبي بكر وعمر، ولا أحب أن تتكلم
بهذا الكلام فإنهم بنو أمية، وقد عرفت جرأتهم وإقدامهم، ولم يدعني إلى هذا القول
لك إلا النصيحة والإشفاق عليك، فانظر ما يقول، فأتني به. فكتب إليه معاوية: من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الحسين بن علي: سلام عليك، أما بعد، فإن كتابك ورد
علي تذكر أن عيراً مرت بك من اليمن تحمل مالاً وحللاً وعنبراً وطيباً إلي
لأودعها خزائن دمشق، وأعل بها بعد النهل بني أبي، وأنك احتجت إليها فأخذتها ولم
تكن جديراً بأخذها إذ نسبتها إلي، لأن الوالي أحق بالمال، ثم عليه المخرج منه،
وإيم الله لو ترك ذلك حتى صار إلي، لم أبخسك حظك منه، ولكني قد ظننت يا بن أخي
أن في رأسك نزوة وبودي أن يكون ذلك في زماني فأعرف لك قدرك، وأتجاوز عن ذلك،
ولكني والله أتخوف أن تبتلى بمن لا ينظرك فواق ناقة، وكتب
في أصل كتابه:
وهذه
سعة صدر وفراسة صادقة.
فأفصح به أبو العتاهية في قوله:
الأصل:
احصد الشر من صدر غيرك، بقلعه من صدرك. أحدهما أنه يريد:
لا تضمر لأخيك سوءاً، فإنك لا تضمر ذاك إلا يضمر هو لك سوءاً، لأن القلوب يشعر
بعضها ببعض، فإذا صفوت لواحد صفا لك.
وفي المثل:
أطمع من أشعب، رأى سلالاً يصنع سلة، فقال له:
أوسعها، قال: ما لك وذاك؟ قال: لعل صاحبها
يهدي لي فيها شيئاً. وقيل:
لم يكن أطمع من اشعب إلا كلبه، رأى صورة القمر في البئر فظنه رغيفاً، فألقى نفسه
في البئر يطلبه، فمات. وكان يقال:
الحزم ملكة يوجبها كثرة التجارب، وأصله قوة العقل، فإن العاقل خائف أبداً،
والأحمق لا يخاف، وإن خاف كان قليل الخوف، ومن خاف أمراً توقاه، فهذا هو الحزم.
وكان يقال:
من الحزم والتوقي ترك الإفراط في التوقي.
الأصل:
من لم ينجه الصبر، أهلكه الجزع. الشرح:
قد تقدم لنا قول شاف في الصبر والجزع. أخذه شاعر فقال:
وقال ابن أبي العلاء يستبطىء بعض الرؤساء:
فإن قلت:
أي فائدة في قوله عليه السلام:
"من لم ينجه الصبر أهلكه الجزع
"؟ وهل هذا إلا كقول من قال: "من لم يجد ما يأكل ضره الجوع "؟.
الشرح:
حديثه عليه السلام
في النثر والنظم المذكورين مع أبي بكر
وعمر، أما النثر فإلى عمر توجيهه لأن أبا بكر لما قال لعمر: امدد يدك، قال له
عمر: أنت صاحب رسول الله في المواطن كلها، شدتها ورخائها، فامدد أنت يدك، فقال
علي عليه السلام: إذا احتججت لاستحقاقه الأمر بصحبته إياه في المواطن كلها،
فهلا سلمت الأمر إلى من قد شركه في ذلك، وزاد عليه "بالقرابة"! وأما النظم فموجه إلى أبي بكر، لأن أبا بكر حاج
الأنصار في السقيفة. فقال: نحن عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيضته التي تفقأت عنه، فلما بويع
احتج على الناس بالبيعة، وأنها صدرت عن أهل الحل
والعقد، فقال علي عليه السلام:
أما احتجاجك على الأنصار بأنك من بيضة
رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن
قومه، فغيرك أقرب نسباً منك إليه، وأما احتجاجك بالاختيار ورضا الجماعة بك، فقد كان قوم من جملة الصحابة غائبين لم يحضروا العقد فكيف
يثبت! واعلم أن الكلام في هذا تتضمنه كتب
أصحابنا في الإمامة، ولهم عن هذا القول أجوبة ليس هذا موضع ذكرها. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفهرس ج الجزء الثامن عشرباب المختار
من الخطب والأوامر - ابن ابي الحديد. 3 بسم الله الرحمن الرحيم تتمة خبر
فتح مكة. 3 ومن كتاب له إلى عبد الله بن العباس
وقد تقدم ذكره بخلاف هذه الرواية. 11 وكتب كتبه إلى قثم بن العباس وهو
عامله علي مكة. 12 من كتاب له إلى سلمان الفارسي رحمه
الله قبل أيام خلافته. 13 ومن كتاب له إلى الحارث الهمداني. 15 وكتب إلى سهل بن حنيف الأنصاري. 20 وكتب إلى عبد الله بن العباس رضي
الله عنه. 23 ومن حلف له رضي الله عنه كتبه بين
ربيعة واليمن ونقل من خط هشام بن الكلبي . 25 وكتب إلى معاوية من المدينة في أول
ما بويع له بالخلافة، ذكره الواقدى في كتاب الجمل. 26 ومن وصية له لعبد الله بن العباس
عند استخلافه إياه على البصرة 26 وكتب لما استخلف إلى أمراء الأجناد
. 29 باب المختار من حكم أمير المؤمنين
ومواعظه. 29 ويدخل في ذلك المختار من أجوبة مسائله
والكلام القصير الخارج من سائر أغراضه. 29 الفصل الثالث في حفظ اللسان: 31 وقال وقد سمع رجلاً يذم الدنيا 108 |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الجزء
الثامن عشرباب المختار من الخطب والأوامر - ابن ابي الحديد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بسم الله الرحمن الرحيم تتمة خبر فتح
مكة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي: وهرب
هبيرة بن أبي وهب وعبد الله بن الزبعرى جميعاً حتى انتهيا إلى نجران فلم يأمنا
الخوف حتى دخلا حصن نجران، فقيل: ما شأنكما، قالا: أما قريش فقد قتلت ودخل محمد
مكة، ونحن والله نرى أن محمداً سائر إلى حصنكم هذا، فجعلت لحارث بن كعب يصلحون
ما رث من حصنهم، وجمعوا ماشيتهم، فأرسل حسان بن ثابت
إلى ابن الزبعرى:
فلما جاء ابن الزبعرى شعر حسان تهيأ للخروج، فقال هبيرة
بن وهب: أين تريد يا بن عم، قال له: أريد والله محمداً، قال: أتريد أن
تتبعه، قال: أي والله، قال هبيرة: يا ليت أني
كنت رافقت غيرك، والله ما ظننت أنك تتبع محمداً أبداً، قال
ابن الزبعرى: هو ذاك، فعلى أي شيء أقيم مع بني الحارث بن كعب وأترك ابن
عمي وخير الناس وأبرهم، وبين قومي وداري، فانحدر ابن
الزبعرى حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في أصحابه، فلما نظر إليه قال: هذا ابن الزبعرى
ومعه وجه فيه نور الإسلام، فلما وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: السلام عليك يا رسول الله، شهدت أن لا
إله إلا الله، وأنك عبده ورسوله، والحمد الله الذي هداني للإسلام، لقد عاديتك وأجلبت عليك وركبت الفرس والبعير، ومشيت على قدمي
في عداوتك، ثم هربت منك إلى نجران، وأنا أريد ألا أقرب الإسلام أبداً، ثم أرادني
الله منه بخير، فألقاه في قلبي، وحببه إلي، وذكرت ما كنت فيه من الضلال واتباع
ما لا ينفع ذا عقل، من حجر يعبد، ويذبح له لا يدري من عبده ومن لا يعبده.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الحمد الله الذي هداك للإسلام، أحمد الله، إن الإسلام
يجب ما كان قبله. وأقام هبيرة بنجران، وأسلمت أم
هانىء، فقال هبيرة حين بلغه إسلامها يوم الفتح يؤنبها
شعراً من جملته:
فأقام بنجران حتى مات مشركاً قال الواقدي:
وهرب حويطب بن عبد العزى فدخل حائطاً بمكة، وجاء أبو ذر لحاجته، فدخل الحائط فرآه، فهرب حويطب، فقال أبو ذر: تعال فأنت آمن، فرجع إليه
فقال: أنت آمن، فاذهب حيث شئت، وإن شئت أدخلتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وإن
شئت فإلى منزلك، قال: وهل من سبيل إلى منزلي ألفى فاقتل قبل أن أصل إلى منزلي،
أو يدخل علي منزلي فاقتل، قال: فأنا أبلغ معك منزلك،
فبلغ معه منزله، ثم جعل ينادي على بابه: إن حويطباً آمن فلا يهيج. ثم
انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: أو ليس قد أمنا الناس كلهم إلا من أمرت بقتله. قال الواقدي:
وهرب عكرمة بن أبي جهل إلى اليمن حتى ركب البحر،
قال: وجاءت زوجته أم حكيم بنت الحارث بن هشام إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم في نسوة منهن هند بنت عتمة - وقد كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلها -
والبغوم بنت المعدل الكنانية امرأة صفوان بن أمية، وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة
امرأة الحارث بن هشام، وهند بنت عتبة بن الحجاج أم عبد الله بن عمرو بن العاص، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح، فأسلمن، ولما دخلن عليه دخلن وعنده زوجتاه وابنته فاطمة ونساء من نساء
عبد المطلب وسألن أن يبايعهن، فقال: إني لا
أصافح النساء، ويقال: إنه وضع على يده ثوباً
فمسحن عليه، ويقال: كان يؤتى بقدح من ماء فيدخل
يده فيه ثم يرفعه إليهن، فيدخلن أيديهن فيه، فقالت أم حكيم امرأة عكرمة:
يا رسول الله، إن عكرمة هرب منك إلى اليمن، خاف
أن تقتله، فأمنه، فقال: هو آمن. فخرجت أم حكيم في طلبه، ومعها
غلام لها رومي، فراودها عن نفسها، فجعلت تمنيه
حتى قدمت به على حي، فاستغاثت بهم عليه، فأوثقوه رباطاً، وأدركت عكرمة وقد انتهى إلى ساحل من سواحل تهامة، فركب
البحر، فهاج بهم، فجعل نوتي السفينة يقول له: أن أخلص، قال: أي شيء أقول؟ قال:
قل لا إله إلا الله، قال عكرمة: ما هربت إلا من
هذا، فجاءت أم حكيم على هذا من الأمر فجعلت تلح عليه وتقول: يابن عم، جئتك من
عند خير الناس، وأوصل الناس، وأبر الناس، لا تهلك نفسك، فوقف لها حتى أدركته، فقالت: إني قد استأمنت لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنك، قال: أنت فعلت؟ قالت: نعم أنا كلمته، فأمنك، فرجع معها،
فقالت: ما لقيت من غلامك الرومي، وأخبرته خبره، فقتله
عكرمة، فلما دنا من مكة قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم لأصحابه: يأتيكم
عكرمة بن أبي جهل مؤمناً، فلا تسبوا أباه، فإن
سب الميت يؤذي الحي. ولا يبلغ الميت. فلما وصل عكرمة
ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وثب
إليه صلى الله عليه وسلم وليس
عليه رداء فرحاً له، ثم جلس فوق عكرمة بين يديه ومعه
زوجته منقبة، فقال: يا محمد، إن هذه
أخبرتني أنك أمنتني، فقال: صدقت، أنت آمن، فقال
عكرمة: فإلام تدعو؟ فقال: إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول
الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وعد خصال الإسلام، فقال عكرمة: ما دعوت إلا إلى
حق، وإلى حسن جميل، ولقد كنت فينا من قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه، وأنت أصدقنا
حديثاً، وأعظمنا براً. ثم قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول
الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا
تسألني اليوم شيئاً أعطيه أحداً إلا أعطيتكه، قال: فإني أسألك أن تغفر لي كل
عداوة عاديتكها أو مسير أوضعت فيه، أو مقام لقيتك فيه، أو كلام قلته في وجهك، أو
أنت غائب عنه. فقال: اللهم اغفر
له كل عداوة عادانيها، وكل مسير سار فيه إلي يريد بذلك إطفاء نورك، واغفر له ما
نال مني ومن عرضي، في وجهي أو أنا غائب عنه. فقال
عكرمة: رضيت بذلك يا رسول الله، ثم قال:
أما والله لا أدع نفقة كنت أنفقها في صد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل
الإسلام وفي سبيل الله، ولأجتهدن في القتال بين يديك
حتى أقتل شهيداً، قال: فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأته بذلك النكاح الأول. قال الواقدي:
وأما صفوان بن أمية فهرب حتى أتى الشعبة، وجعل يقول
لغلامه يسار، وليس معه غيره: ويحك. انظر من ترى؟ فقال: هذا عمير بن وهب، قال صفوان: ما أصنع بعمير؟ والله ما جاء
إلا يريد قتلي، قد ظاهر محمداً علي، فلحقه، فقال
صفوان: يا عمير، مالك؟ ما كفاك ما صنعت؟ حملتني دينك وعيالك، ثم جئت تريد
قتلي، فقال: يا أبا وهب، جعلت فداك، جئتك من عند خير
الناس، وأبر الناس وأوصل الناس، وقد كان عمير قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا رسول الله، سيد قومي صفوان بن أمية خرج هارباً ليقذف نفسه في البحر، خاف ألا
تؤمنه، فأمنه فداك أبي وأمي، فقال: قد أمنته، فخرج في أثره،
فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمنك قال صفوان: لا والله حتى تأتيني بعلامة
أعرفها، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال:
يا رسول الله، جئته وهو يريد أن يقتل نفسه فقال: لا أرجع إلا بعلامة أعرفها، فقال: خذ عمامتي، فرجع عمير إليه بعمامة رسول الله صلى الله
عليه وسلم - وهي البرد الذي دخل فيه رسول الله صلى
الله عليه وسلم مكة معتجراً به - برد حبرة
أحمر - فخرج عمير في طلبه الثانية حتى جاءه بالبرد فقال:
يا أبا وهب، جئتك من عند خير الناس وأوصل الناس وأبر الناس، مجده مجدك، وعزه
عزك، وملكه ملكك، ابن أبيك وأمك، أذكرك الله في نفسك، فقال:
أخاف أن أقتل، قال: فإنه دعاك إلى الإسلام فإن رضيت وإلا سيرك شهرين فهو أوفى
الناس وأبرهم، وقد بعث إليك ببرده الذي دخل به معتجراً، أتعرفه؟ قال: نعم،
فأخرجه، فقال: نعم هو هو، فرجع صفوان حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجده يصلي
العصر بالناس، فقال: كم يصلون؟ قالوا: خمس صلوات في اليوم والليلة قال: أمحمد
يصلي بهم؟ قالوا: نعم، فلما سلم من صلاته صاح صفوان: يا
محمد، إن عمير بن وهب جاءني ببردك، وزعم أنك دعوتني إلى القدوم إليك، فإن رضيت
أمراً، وإلا سيرتني شهرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنزل أبا وهب،
فقال: لا والله أو تبين، لي، قال: بل سر أربعة أشهر. فنزل صفوان وخرج معه إلى حنين وهو
كافر، وأرسل إليه يستعير أدراعه، وكانت مائة درع،
فقال: أطوعاً أم كرهاً؟ فقال رضي الله عنه بل طوعاً
عاريةً مؤداةً، فأعاره إياها، ثم أعادها إليه بعد إنقضاء حنين والطائف،
فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة يسير في غنائم هوازن ينظر إليها،
فنظر صفوان إلى شعب هناك مملوء نعماً وشاءً ورعاءً، فأدام النظر إليه ورسول الله
صلى الله عليه وسلم يرمقه،
فقال: أبا وهب: يعجبك هذا الشعب؟ قال: نعم، قال: هو لك وما فيه. فقال صفوان: ما طابت نفس
أحد بمثل هذا إلا نفس نبي، أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. قال الواقدي:
فأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح فكان قد أسلم، وكان
يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، فربما أملى عليه رسول
الله صلى الله عليه وسلم
"سميع عليم" فيكتب
"عزيز حكيم" ونحو
ذلك، ويقرأ على رسول الله صلى الله عليه
وسلم فيقول: كذلك الله، ويقرأ
فافتتن، وقال: والله ما يدري ما يقول، إني لأكتب له ما شئت فلا ينكر، وإنه ليوحى
إلي كما يوحى، إلى محمد، وخرج هارباً من المدينة إلى مكة مرتداً، فأهدر رسول الله صلى
الله عليه وسلم دمه، وأمر بقتله يوم الفتح، فلما كان
يومئذ جاء إلى عثمان، وكان أخاه من الرضاعة،
فقال: يا أخي، إني قد أجرتك فاحتبسني ههنا واذهب إلى محمد فكلمه في، فإن محمداً إن رآني ضرب عنقي، إن جرمي أعظم الجرم، وقد جئت تائباً، فقال عثمان: قم فاذهب معي إليه، قال:
كلا، والله إنه إن رآني ضرب عنقي ولم يناظرني، قد أهدر دمي وأصحابه يطلبونني في
كل موضع، فقال عثمان: انطلق معي فإنه لا يقتلك
إن شاء الله، فلم يرع رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلا بعثمان آخذاً بيد عبد الله بن سعد واقفين بين يديه،
فقال عثمان: يا رسول الله، هذا أخي من الرضاعة،
إن أمه كانت تحملني وتمشيه وترضعني وتفطمه وتلطفني وتتركه. فهبه لي، فأعرض رسول الله صلى الله
عليه وسلم وجعل عثمان كلما أعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه استقبله بوجهه، وأعاد عليه هذا الكلام،
وإنما أعرض صلى
الله عليه وسلم عنه إرادةً لأن يقوم رجل فيضرب عنقه، فلما رأى ألا يقوم
أحد وعثمان قد انكب عليه يقبل رأسه ويقول: يا رسول
الله، بايعه فداك أبي وأمي على الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
نعم، فبايعه. قال الواقدي: قال ابن عباس رضي الله عنه: رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهبار يعتذر إليه وهو يطأطىء رأسه استحياءً مما يعتذر هبار ويقول له: قد عفوت عنك. قال الواقدي: وأما ابن خطل فإنه خرج حتى دخل بين أستار الكعبة، فأخرجه أبو برزة الأسلمي
منها، فضرب عنقه بين الركن والمقام، ويقال: بل قتله عمار بن ياسر، وقيل: سعد بن
حريث المخزومي، وقيل: شريك بن عبدة العجلاني،
والأثبت أنه أبو برزة، قال: وكان جرمه أنه أسلم
وهاجر إلى المدينة وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعياً، وبعث معه رجلاً من خزاعة فقتله، وساق ما أخذ من مال
الصدقة، ورجع إلى مكة، فقالت له قريش: ما جاء
بك، قال: لم أجد ديناً خيراً من دينكم، وكانت له
قينتان: إحداهما قرينى، والأخرى قرينة - أو أرنب، وكان ابن خطل يقول الشعر يهجو به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويغنيان به، ويدخل عليه
المشركون بيته فيشربون عنده الخمر، ويسمعون الغناء بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلقيه
نميلة بن عبد الله الليثي وهو من رهطه، فضربه بالسيف حتى قتله، فقالت
أخته ترثيه:
وكان
جرم مقيس من قبل أن أخاه هاشم بن صبابة أسلم
وشهد المريسيع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقتله رجل من رهط عبادة بن الصامت، وقيل: من بني عمرو بن عوف وهو لا يعرفه، فظنه من المشركين،
فمضى له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية
على العاقلة، فقدم مقيس أخوه المدينة فأخذ ديته، وأسلم، ثم عدا على قاتل أخيه، فقتله، وهرب مرتداً كافراً يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشعر، فأهدر دمه. وزاد محمد بن إسحاق في كتاب المغازي: أن هند بنت عتبة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نساء قريش متنكرة متنقبة لحدثها الذي كان في الإسلام، وما
صنعت بحمزة حين جدعته وبقرت بطنه عن كبده، فهي تخاف أن يأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحدثها ذلك، فلما دنت منه، وقال حين
بايعته على ألا تشركن بالله شيئاً قلن: نعم،
قال: ولا يسرقن، فقالت
هند: والله أنا كنت لاصيب من مال أب سفيان الهنة
والهنيهة فما أعلم أحلال ذلك أم لا؟ فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: وإنك لهند؟ قالت، نعم، أنا هند، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، فاعف عما سلف عفا الله عنك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا يزنين،
فقالت هند: وهل تزني الحرة، فقال: لا، ولا يقتلن أولادهن، فقالت هند: قد لعمري ربيناهم صغاراً وقتلتهم كباراً ببدر، فأنت وهم أعرف،
فضحك عمر بن الخطاب من قولها حتى أسفرت نواجذه،
قال: ولا يأتين ببهتان يفترينه، فقالت هند: إن إتيان البهتان لقبيح، فقال: ولا يعصينك في معروف، فقالت: ما جلسنا هذه الجلسة ونحن
نريد أن نعصيك.
قال الواقدي:
وفي يوم الفتح سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل
مكة الذين دخلها عليهم الطلقاء، لمنه عليهم بعد أن أظفره الله بهم، فصاروا أرقاء
له. وقد قيل له يوم الفتح: قد أمكنك الله تعالى فخذ ما شئت من أقمار على غصون -
يعنون النساء - فقال صلى الله عليه وسلم: يأبى ذلك إطعامهم الضيف، وإكرامهم البيت، ووجؤهم مناحر
الهدي. والأغلف القلب:
الذي لا بصيرة له، كأن قلبه في غلاف، قال تعالى:
وقالوا قلوبنا غلف". |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكتب إليه أيضاً.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
أما بعد، فقد آن لك أن تنتفع باللمح الباصر من عيان الأمور، فلقد سلكت مدارج
أسلافك بادعائك الأباطيل، واقتحامك غرور المين والأكاذيب، من إنتحالك ما قد علا
عنك، وابتزازك لما قد اختزن دونك، فراراً من الحق، وجحوداً لما هو ألزم لك من
لحمك ودمك، مما قد وعاه سمعك، وملىء به صدرك، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ وبعد
البيان إلا اللبس! فاحذر الشبهة واشتمالها على لبستها، فإن الفتنة طالما أغدقت
جلابيبها، وأعشت الأبصار ظلمتها، وقد أتاني كتاب منك ذو أفانين من القول ضعفت قواها
عن السلم، وأساطير لم يحكها عنك علم ولا حلم، أصبحت منها كالخائض في الدهاس،
والخابط في الديماس، وترقيت إلى مرقبة بعيدة المرام، نازحة الأعلام، تقصر دونها
الأنوق، ويحاذى بها العيوق، وحاش لله أن تلي للمسلمين من بعدي صدراً أو ورداً،
أو أجري لك على أحد منهم عقداً أو عهداً، فمن الآن فتدارك نفسك وانظر لها، فإنك
إن فرطت حتى ينهد إليك عباد الله أرتجت عليك الأمور، ومنعت أمراً هو منك اليوم
مقبول، والسلام.
فجمع بين اللغتين، وأنى مقلوبة عن آن، ومما يجري مجرى المثل قولهم لمن يرونه
شيئاً شديداً يبصره ولايشك فيه، قد رأيته لمحاً باصراً، قالوا: أي نظراً بتحديق شديد، ومخرجه مخرج رجل لابن وتامر، أي
ذو لبن وتمر، ومعنى باصر ذو بصر، يقول رضي الله عنه لمعاوية:
قد حان أن تنتفع بما تعلمه من معاينة الأمور والأحوال وتتحققه يقيناً بقلبك، كما
يتحقق ذو اللمح الباصر ما يبصره بحاسة بصره، وأراد ببيان الأمور ههنا معاينتها،
وهو ما يعرفه ضرورة من استحقاق علي رضي الله عنه للخلافة
دونه، وبراءته من كل شبهة ينسبها إليه. ثم قال له:
فقد سلكت، أي اتبعت طرائق أبي سفيان أبيك وعتبة جدك وأمثالهما من أهلك ذوي الكفر
والشقاق، والأباطيل: جمع باطل على غير قياس،
كأنهم جمعوا إبطيلاً، والاقتحام: إلقاء
النفس في الأمر من غير روية. والمين الكذب.
والغرور بالضم
المصدر وبالفتح الاسم، وانتحلت القصيدة، أي
ادعيتها كذباً. ونحن نخرجه على وجه لا يلزم منه ما
تقوله الشيعة، فنقول: لنفرض أن
النبي صلى الله عليه وسلم ما نص عليه بالخلافة بعده، أليس يعلم
معاوية وغيره من الصحابة أنه لو قال له في ألف مقام: أنا حرب لمن حاربت وسلم لمن
سالمت، ونحو ذلك من قوله: اللهم عاد من عاداه،
ووال من والاه، وقوله: حربك حربي وسلمك سلمي، وقوله: أنت مع الحق والحق معك، وقوله: هذا مني وأنا منه، وقوله:
هذا أخي، وقوله: يحب الله ورسوله، ويحبه الله
ورسوله، وقوله: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك، وقوله: إنه ولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي، وقوله في كلام قاله: خاصف النعل، وقوله: لا يحبه إلا
مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق، وقوله: إن الجنة
لتشتاق إلى أربعة، وجعله أولهم، وقوله لعمار:
تقتلك الفئة الباغية، وقوله: ستقاتل الناكثين
والقاسطين والمارقين بعدي، إلى غير ذلك مما يطول تعداده
جداً، ويحتاج إلى كتاب مفرد يوضع له، أما كان ينبغي لمعاوية أن يفكر في هذا ويتأمله، ويخشى
الله ويتقيه، فلعله رضي الله عنه إلى هذا أشار بقوله: وجحوداً لما هو ألزم لك من لحمك ودمك مما قد وعاه سمعك، وملىء
به صدرك. وروي وأغشت
بالغين المعجمة ظلمتها بالنصب، أي جعلت الفتنة ظلمتها غشاء للأبصار، والأفانين: الأساليب المختلفة. وقرأ أبو عمرو: "أدخلوا في السلم كافة"، وقال: ليس المعني بهذا الصلح، بل الإسلام والإيمان
لا غير، ومعنى ضعفت قواها، أي ليس لتلك الطلبات والدعاوى والشبهات التي تضمنها
كتابك من القوة ما يقتضي أن يكون المتمسك به مسلماً، لأنه كلام لا يقوله إلا من
هو إما كافر منافق أو فاسق، والكافر ليس بمسلم،
والفاسق أيضاً ليس بمسلم، على قول أصحابنا، ولا كافر. ثم قال: وأساطير لم
يحكها منك علم ولا حلم، الأساطير: الأباطيل،
وأحدها أسطورة بالضم وإسطارة بالكسر والألف. وحوك الكلام:
صنعته ونظمه. والحلم: العقل: يقول، له: ما صدر هذا
الكلام والهجر الفاسد عن عالم ولا عاقل. والأعلام:
جمع علم، وهو ما يهتدى به في الطرقات من المنار، يقول
له: سمت همتك إلى دعوى الخلافة، وهي منك كالمرقبة التي لا ترام بتعد على
من يطلبها، وليس فيه أعلام تهدي إلى سلوك طريقها، أي الطرق إليها غامضة، كالجبل
الأملس الذي ليس فيه درج ومراق يسلك منها إلى ذروته. وفي المثل:
أعز من بيض الأنوق، لأنها تحرزه ولا يكاد أحد يظفر به، وذلك لأن أوكارها في رؤوس
الجبال والأماكن الصعبة البعيدة، والعيوق:
كوكب معروف فوق زحل في العلو، وهذه أمثال ضربها في
بعد معاوية عن الخلافة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب له إلى عبد الله بن العباس وقد تقدم ذكره
بخلاف هذه الرواية.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما بعد، فإن
العبد ليفرح بالشيء الذي لم يكن ليفوته، ويحزن على الشيء الذي لم يكن ليصيبه،
فلا يكن أفضل ما نلت في نفسك من دنياك بلوغ لذة، أو شفاء غيظ، ولكن إطفاء باطل،
وإحياء حق. وليكن سرورك بما قدمت، وأسفك على ما خلفت، وهمك
فيما بعد الموت الشرح: هذا الفصل قد
تقدم شرح نظيره، وليس في ألفاظه ولا معانيه ما يفتقر إلى تفسير، ولكنا سنذكر من كلام الحكماء والصالحين كلمات تناسبه: بعض ما قيل في الدنيا وأحوالها. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكتب كتبه إلى قثم بن العباس وهو عامله علي مكة.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما
بعد، فأقم للناس الحج، وذكرهم بأيام الله، واجلس، لهم العصرين، فأفت المستفتي،
وعلم الجاهل، وذاكر العالم، ولا يكن لك إلى الناس سفير إلا لسانك، ولا حاجب إلا
وجهك. والرواية الأولى هي المشهورة، وهو أن يكون سفير اسم كان ولك خبرها، ولا يصح ما قاله الراوندي: إن خبرها إلى الناس،
لأن إلى ههنا متعلقة بنفس سفير، فلا يجوز أن تكون الخبر عن سفير، تقول: سفرت إلى بني فلان في الصلح، وإذا تعلق حرف
الجر بالكلمة صارا كالشيء الواحد.
وكان
الناس يقفون لأبي عباد وقت ركوبه، فيتقدم الواحد منهم إليه بقصته ليناوله إياها،
فيركله برجله بالركاب، ويضربه بسوطه، ويطير غضباً، ثم لا ينزل عن فرسه حتى يقضي
حاجته، ويأمر له بطلبته، فينصرف الرجل بها وهو ذام له ساخط عليه، فقال فيه دعبل:
وقال
فيه بعض الشعراء:
والمفاقر:
الحاجات، يقال: سد الله مفاقره، أي أغنى الله فقره، ثم أمره أن يأمر أهل مكة ألا
يأخذوا من أحد من الحجيج أجرة مسكن، واحتج على ذلك بالآية، وأصحاب أبي حنيفة يتمسكون بها في امتناع بيع دور مكة
وإجارتها، وهذا بناء على أن المسجد الحرام هو مكة كلها، والشافعي يرى خلاف ذلك، ويقول: إنه الكعبة، ولا
يمنع من بيع دور مكة ولا إجارتها، ويحتج بقوله
تعالى: "الذين أخرجوا من ديارهم"،
وأصحاب أبي حنيفة يقولون: إنها إضافة إختصاص لا
إضافة تمليك، كما تقول: جل الدابة، وقرأ سواء بالنصب على أن يكون أحد مفعولي
جعلنا أي جعلناه مستوياً فيه العاكف والباد، ومن قرأ بالرفع جعل الجملة هي
المفعول الثاني. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من كتاب له إلى سلمان الفارسي رحمه الله قبل أيام
خلافته.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما بعد
فإنما الدنيا مثل الحية لين مسها قاتل سمها فأعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك
منها، وضع عنك همومها، لما أيقنت به من فراقها، وتصرف حالاتها، وكن آنس ما تكون
بها أحذر ما تكون منها، فإن صاحبها كلما اطمأن فيها إلى سرور أشخصته عنه إلى
محذور، أو إلى إيناس أزالته عنه إلى إيحاش، والسلام. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب له إلى الحارث الهمداني
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
وتمسك بحبل القران وانتصحه، وأحل حلاله، وحرم حرامه وصدق بما سلف من الحق،
وأعتبر بما مضى من الدنيا لما بقي منها، فإن بعضها يشبه بعضاً، وآخرها لاحق
بأولها، وكلها حائل مفارق. وعظم اسم الله أن تذكره إلا على حق، وأكثر ذكر الموت
وما بعد الموت، ولا تتمن الموت إلا بشرط وثيق. ولا تجعل عرضك غرضاً لنبال القوم، ولا تحدث
الناس بكل ما سمعت به، فكفى بذلك كذباً، ولا ترد على الناس كل ما حدثوك به، فكفى
بذلك جهلاً. وأكثر
أن تنظر إلى من فضلت عليه، فإن ذلك من أبواب الشكر. وأطع
الله في جمل أمورك، فإن طاعة الله فاضلة على ما سواها. وخادع نفسك في العبادة
وارفق بها ولا تقهرها، وخذ عفوها ونشاطها، إلا ما كان مكتوباً عليك من الفريضة،
فإنه لا بد من قضائها، وتعاهدها عند محلها. وإياك ومصاحبة الفساق، فإن الشر بالشر ملحق. الحارث الأعور. الشرح: هو الحارث الأعور صاحب أمير المؤمنين رضي الله عنه: وهو الحارث بن عبد الله بن كعب بن
أسد بن نخلة بن حرث بن سبع بن صعب بن معاوية الهمداني، كان
أحد الفقهاء، له قول في الفتيا، وكان صاحب
علي رضي الله عنه، وإليه تنسب الشيعة الخطاب الذي خاطبه به في قوله رضي الله عنه:
وهي أبيات مشهورة قد ذكرناها فيما تقدم.
ويناسب قوله:
وآخرها لاحق بأولها، وكلها حائل مفارق قوله أيضاً رضي الله عنه في غير هذا الفصل: الماضي للمقيم عبرة، والميت للحي عظة،
وليس لأمس عودة، ولا المرء من غد على ثقة، الأول للأوسط رائد، والأوسط للأخير
قائد، وكل بكل لاحق، والكل لكل مفارق.
وقال الله تعالى حاكياً عن نبي من أنبيائه: "وما أريد أن
أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه". وفي المثل وهو منسوب إلى علي رضي الله عنه: إياك وما يعتذر منه.
وقال:
ومنها قوله: ولا
تحدث الناس بكل ما سمعت، فكفى بذلك كذبا"، قد نهى أن يحدث الإنسان بكل ما
رأى من العجائب فضلاً عما سمع، لأن الحديث الغريب المعجب تسارع النفس إلى
تكذيبه، وإلى أن تقوم الدلالة على صدقه قد فرط من سوء الظن فيه مافرط. ومنها قوله:
واحلم عند الغضب، هذه مناسبة الأولى، وقد تقدم منا قول كثير في الحلم وفضله،
وكذلك القول في قوله رضي الله عنه:
وتجاوز عند القدرة، وكان يقال: القدرة تذهب الحفيظة. وقال الرشيد لجعفر: قم بنا لنمضي إلى منزل الأصمعي، فمضيا إليه خفية ومعهما
خادم معه ألف دينار ليدفع ذلك إليه، فدخلا داره فوجدا كساء جرداء، وبارية سملاء،
وحصيراً مقطوعاً، وخباءً قديمة، وأباريق من خزف، ودواةً من زجاج، ودفاتر عليها
التراب وحيطاناً مملوءة من نسج العناكب، فوجم
الرشيد، وسأله مسائل غشةً لم تكن من غرضه، وإنما قطع بها خجله، وقال الرشيد لجعفر: ألا ترى إلى نفس هذا المهين،
قد بررناه بأكثر من خمسين ألف دينار وهذه حاله، لم تظهر عليه آثار نعمتنا، والله
لا دفعت إليه شيئاً، وخرج ولم يعطه.
ومنها قوله:
واسكن الأمصار العظام، وقد قيل: لا تسكن إلا
في مصر فيه سوق قائمة، ونهر جار، وطبيب حاذق، وسلطان عادل، فأما منازل الغفلة
والجفاء، فمثل قرى السواد الصغار، فإن أهلها لا نور فيهم، ولا ضوء عليهم، وإنما
هم كالدواب والأنعام، همهم الحرث والفلاحة، ولايفقهون شيئاً أصلاً، فمجاورتهم
تعمي القلب، وتظلم الحس، وإذا لم يجد الإنسان من يعينه على طاعة الله وعلى تعلم
العلم قصر فيهما. وجاء
في الخبر المرفوع: "الأسواق مواطن إبليس
وجنده"، وذلك لأنها قلما تخلو عن الأيمان الكاذبة، والبيوع الفاسدة، وهي
أيضاً مجمع النساء المومسات، وفجار الرجال، وفيها اجتماع أرباب الأهواء والبدع،
فلا يخلو أن يتجادل اثنان منهم في المذاهب والنحل فيفضي إلى الفتن. ومنها قوله:
وانظر إلى من فضلت عليه، كان يقال. أنظر إلى من دونك، ولا تنظر إلى من فوقك. وقد بين رضي الله عنه السر فيه فقال:
إن ذلك من أبواب الشكر، وصدق رضي الله عنه،
لأنك إذا رأيت جاهلاً وأنت عالم، أو عالماً وأنت أعلم منه، أو فقيراً وأنت أغنى
منه، أو مبتلى بسقم وأنت معافى عنه، كان ذلك باعثاً وداعياً لك إلى الشكر. قال: فإن طاعة
الله فاضلة على غيرها، وصدق رضي الله عنه، لأنها توجب السعادة الدائمة، والخلاص
من الشقاء الدائم، ولا أفضل مما يؤدي إلى ذلك. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكتب إلى سهل بن حنيف الأنصاري
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وهو
عامله على المدينة، في معنى قوم من أهلها لحقوا بمعاوية. وضع
البعير أي أسرع، وأوضعه صاحبه، قال:
ومهطعون:
مسرعون أيضاً، والأثرة: الاستئثار، يقول: قد
عرفوا أني لا أقسم إلا بالسوية، وأني لا أنفل قوماً على قوم، ولا أعطي على
الأحساب والأنساب كما فعل غيري، فتركوني وهربوا إلى من يستأثر ويؤثر. قال: فبعداً لهم
وسحقاً، دعاء عليهم بالبعد والهلاك. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكتب إلى المنذر بن الجارود العبدي وقد كان استعمله
على بعض النواحى فخان الأمانة في بعض ما ولاه من أعماله.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
أما بعد، فإن صلاح أبيك غرني منك، وظننت أنك تتبع هديه، وتسلك سبيله، فإذا أنت
فيما رقي إلي عنك لا تدع لهواك إنقياداً، ولا تبقي لآخرتك عتاداً، تعمر دنياك
بخراب آخرتك، وتصل عشيرتك بقطيعة دينك، ولئن كان ما بلغني عنك حقاً لجمل أهلك
وشسع نعلك خير منك، ومن كان بصفتك فليس بأهل أن يسد به ثغر، أو ينفذ به أمر، أو
يعلى له قدر، أو يشرك في أمانة، أو يؤمن على جباية، فأقبل إلي حين يصل إليك
كتابي هذا إن شاء الله. المنذر وأبوه الجارود. الشرح: هو المنذر بن الجارود. واسم الجارود
بشر بن خنيس بن المعلى، وهو الحارث بن زيد بن حارثة بن معاوية بن ثعلبة بن جذيمة
بن عوف بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى بن دعمي
بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، بيتهم بيت الشرف في عبد
القيس، وإنما سمي الجارود لبيت قاله بعض الشعراء فيه في آخره:
ووفد الجارود على النبي صلى الله عليه وسلم في سنة تسع، وقيل: في سنة
عشر.
قال: وقد اختلف في نسبه اختلافاً كثيراً، فقيل: بشر بن المعلى بن خنيس، وقيل: بشر بن خنيس بن المعلى، وقيل: بشر بن عمرو بن العلاء، وقيل: بشر بن عمرو بن المعلى، وكنيته أبو عتاب،
ويكنى أيضاً أبا المنذر. وقيل: إن عثمان بن العاص بعث الجارود في
بعث نحو ساحل فارس، فقتل بموضع يعرف بعقبة الجارود، وكان قبل ذلك يعرف بعقبة
الطين، فلما قتل الجارود فيه عرفه الناس بعقبة الجارود، وذلك في سنة إحدى
وعشرين. قال أبو عبيدة:
وقال عمر ابن الخطاب: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن هذا الأمر لا يكون إلا في قريش لما عدلت بالخلافة عن
الجارود بن بشر بن المعلى، ولا تخالجني في ذلك الأمور.
فلا يعرف في العرب أحد صنع صنيعه.
وكان يقال:
أطوع الناس في قومه الجارود بن بشر بن المعلى، لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتدت
العرب، خطب قومه فقال: أيها الناس، إن كان محمد قد مات فإن الله حي لا يموت،
فاستمسكوا بدينكم، ومن ذهب له في هذه الفتنة دينار أو درهم أو بقرة أو شاة فعلي
مثلاه، فما خالفه من عبد القيس أحد. واللام
في لهواك متعلقة بمحذوف دل عليه انقياداً، ولا يتعلق بنفس انقياد لأن المتعلق من
حروف الجر بالمصدر لا يجوز أن يتقدم على المصدر. والعتاد: العدة قوله: وتصل عشيرتك، كان فيما رقي إليه عنه أنه يقتطع المال
ويفيضه على رهطه وقومه ويخرج بعضه في لذاته ومآربه.
فأما شسع النعل
فضرب المثل بها في الإستهانة مشهور،
لابتذالها ووطئها الأقدام في التراب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكتب إلى عبد الله بن العباس رضي الله عنه.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
أما بعد، فإنك لست بسابق أجلك، ولا مرزوق ما ليس لك، واعلم بأن الدهر يومان: يوم
لك، ويوم عليك، وأن الدنيا دار دول، فما كان منها لك أتاك على ضعفك، وما كان
منها عليك لم تدفعه بقوتك.
ومن
جيد ما قيل في هذا المعنى قول أبي يعقوب الخريمي:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكتب إلى معاوية.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما بعد،
فإني على التردد في جوابك، والاستماع إلى كتابك، لموهن رأي، ومخطىء فراستي، وإنك
إذ تحاولني الأمور، وتراجعني السطور، كالمستثقل النائم تكذبه أحلامه، والمتحير
القائم يبهظه مقامه، لا يدري أله ما يأتي أم عليه، ولست به، غير أنه بك شبيه. قال: وإن كنت لست بذلك الرجل فإنك شبيه به، أما
تشبيهه بالنائم ثم ذي الأحلام، فإن معاوية لو رأى في
المنام في حياة رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه خليفة يخاطب بإمرة
المؤمنين، ويحارب علياً على الخلافة، ويقوم في المسلمين مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم لما
طلب لذلك المنام تأويلاً ولا تعبيراً، ولعده من وساوس الخيال وأضغاث الأحلام،
وكيف له أن يخطر هذا بباله، وهو أبعد الخلق منه! وهذا كما
يخطر للنفاط أن يكون ملكاً، ولا تنظرن إلى نسبه في المناقب، بل انظر إلى أن الإمامة هي نبوة مختصرة، وأن
الطليق المعدود من المؤلفة قلوبهم المكذب بقلبه وإن أقر بلسانه، الناقص المنزلة
عند المسلمين، القاعد في أخريات الصف، إذا دخل إلى مجلس فيه أهل السوابق من المهاجرين،
كيف يخطر ببال أحد أنها تصير فيه ويملكها ويسمه الناس وسمها، ويكون للمؤمنين
أميراً، ويصير هو الحاكم في رقاب أولئك العظماء من أهل الدين والفضل، وهذا أعجب من العجب، أن يجاهد النبي صلى الله عليه وسلم قوماً
بسيفه ولسانه ثلاثاً وعشرين سنة، ويلعنهم
ويبعدهم عنه، وينزل القرآن بذمهم ولعنهم، والبراءة منهم، فلما تمهدت له الدولة، وغلب الدين على الدنيا، وصارت شريعة
دينية محكمة، مات فشيد دينه الصالحون من أصحابه، وأوسعوا رقعة ملته، وعظم قدرها
في النفوس، فتسلمها منهم أولئك الأعداء الذين جاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم فملكوها وحكموا فيها، وقتلوا الصلحاء والأبرار وأقارب نبيهم الذين
يظهرون طاعته، وآلت تلك الحركة الأولى وذلك الإجتهاد السابق إلى أن كان ثمرته
لهم، فليته كان يبعث فيرى معاوية الطليق وابنه، ومروان وابنه خلفاء في مقامه،
يحكمون على المسلمين، فوضح أن معاوية فيما يراجعه ويكاتبه
به، كصاحب الأحلام. وقلت لأبي زيد البصري:
لم أبقى عليه؟ فقال: والله ما أبقى عليه مراعاة له، ولا رفقاً به، ولكنه خاف أن
يفعل كفعله، فيقول لعمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة وبسر
بن أبي أرطأة وأبي الأعور وأمثالهم: ارووا أنتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أن علياً رضي الله عنه منافق من أهل النار، ثم يحمل ذلك إلى أهل
العراق، فلهذا السبب أبقى عليه |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن حلف له رضي الله عنه كتبه بين ربيعة واليمن ونقل
من خط هشام بن الكلبي .
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: هذا ما اجتمع
عليه أهل اليمن حاضرها وباديها، وربيعة
حاضرها وباديها، أنهم على كتاب الله، يدعون إليه، ويأمرون به، ويجيبون من دعا
إليه وأمر به، لا يشترون به ثمناً قليلاً، ولا يرضون به بدلاً، وأنهم يد واحدة
على من خالف ذلك وتركه، وأنهم أنصار بعضهم لبعض، دعوتهم واحدة، لا ينقضون عهدهم
لمعتبة عاتب، ولا لغضب غاضب، ولا لاستذلال قوم قوماً، ولا لمسبة قوم قوماً، على
ذلك شاهدهم وغائبهم، وسفيههم وعالمهم، وحليمهم وجاهلهم. واليمن: كل
من ولده قحطان، نحو حمير، وعك وجذام، وكندة، والأزد، وغيرهم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكتب إلى معاوية من المدينة في أول ما بويع له
بالخلافة، ذكره الواقدى في كتاب الجمل.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي
سفيان: أما بعد، فقد علمت إعذاري فيكم، وإعراضي عنكم، حتى كان ما لا بد
منه ولا دفع له، والحديث طويل، والكلام كثير، وقد أدبر ما أدبر، وأقبل ما أقبل،
فبايع من قبلك، وأقبل إلي في وفد من أصحابك والسلام. قال:
وقد علمت إعذاري فيكم، أي كوني ذا عذر لو لمتكم أو ذممتكم، يعني في أيام عثمان.
ويطيع
علياً، ويبايع له، ويقدم عليه، ويسلم نفسه إليه، وهو نازل بالشام في وسط قحطان
ودونه منهم حرة لا ترام، وهم أطوع له من نعله، والأمر قد أمكنه الشروع فيه،
وتالله لو سمع هذا التحريض أجبن الناس وأضعفهم نفساً وأنقصهم همةً لحركه وشحذ من
عزمه، فكيف معاوية، وقد أيقظ الوليد بشعره من لا ينام! |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن وصية له لعبد الله بن العباس عند استخلافه إياه
على البصرة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
سع الناس بوجهك ومجلسك وحكمك، وإياك والغضب فإنه طيرة من الشيطان. والقرب
من الله، هو القرب من ثوابه، ولا شبهة أن ما قرب من الثواب باعد من العقاب،
وبالعكس لتنافيهما.
ومن وصية له رضي الله عنه لعبد الله بن
العباس أيضاً لما بعثه للإحتجاج على الخوارج . الأصل: لا تخاصمهم
بالقرآن فإن القرآن حمال ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن حاججهم بالسنة، فإنهم لن
يجدوا عنها محيصاً. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب له أجاب به أبا موسى الأشعري عن كتاب كتبه
إليه من المكان الذي اتعدوا فيه للحكومة، وذكر هذا الكتاب سعيد بن يحيى الأموي
في كتاب المغازي
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: فإن الناس قد
تغير كثير منهم عن كثير من حظهم، فمالوا مع الدنيا، ونطقوا بالهوى. وإني نزلت من
هذا الأمر منزلاً معجباً، اجتمع به أقوام أعجبتهم أنفسهم، وأنا أداوي منهم قرحاً
أخاف أن يكون علقاً يعود، وليس رجل - فاعلم - أحرص الناس على جماعة أمة محمد صلى الله عليه وسلم وألفتها مني، أبتغي بذلك حسن
الثواب، وكرم المآب. واعلم
أن هذا الكتاب كتاب من شك في أبي موسى واستوحش منه، ومن قد نقل عنه إلى أبي موسى
كلاماً إما صدقاً وإما كذباً. وقد نقل عن أبي موسى إليه كلاماً إما صدقاً
أيضا ًوإما كذباً، قال رضي الله عنه:
إن الناس قد تغير كثير منهم عن حظهم
من الآخرة، فمالوا مع الدنيا. وإني نزلت من هذا الأمر
منزلاً معجباً،
بكسر الجيم، أي يعجب من رآه، أي يجعله متعجباً منه. وهذا الكلام شكوى من أصحابه
ونصاره من أهل العراق، فإنهم كان اختلافهم عليه واضطرابهم شديداً جداً. والمنزل
والنزول ههنا مجاز واستعارة، والمعنى أني حصلت في هذا الأمر الذي حصلت فيه على
حال معجبة لمن تأملها، لأني حصلت بين قوم كل واحد منهم مستبد برأي يخالف فيه رأي
صاحبه، فلا تنتظم لهم كلمة ولا يستوثق لهم أمر، وإن حكمت عليهم برأي أراه أنا
خالفوه وعصوه، ومن لا يطاع فلا رأي له، وأنا معهم كالطبيب الذي يداوي قرحاً، أي
جراحة قد قاربت الإندمال ولم تندمل بعد، فهو يخاف أن يعود علقاً أي دماً.
ثم قال:
وإني لأعبد أي آنف، من عبد بالكسر أي أنف، وفسروا قوله: "فأنا أول العابدين" بذلك، يقول: إني لآنف من أن يقول
غيري قولاً باطلاً، فكيف لا آنف من ذلك لنفسي؟ ثم تختلف الروايات في اللفظة
بعدها كما ذكرنا.
ونحو
قول الآخر:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكتب لما استخلف إلى أمراء الأجناد .
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما بعد،
فإنما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الناس الحق فاشتروه، وأخذوهم بالباطل
فاقتدوه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
باب المختار من حكم أمير المؤمنين ومواعظه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ويدخل في ذلك المختار من أجوبة مسائله والكلام
القصير الخارج من سائر أغراضه.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اعلم أن
هذا الباب من كتابنا كالروح من البدن،
والسواد من العين، وهو الدرة المكنونة التي سائر
الكتاب صدفها، وربما وقع فيه تكرار لبعض ما تقدم يسير
جداً، وسبب ذلك طول الكتاب وبعد أطرافه عن الذهن، وإذا كان الرضي رحمه الله
قد سها فكرر في مواضع كثيرة في نهج البلاغة على اختصاره كنا نحن في تكرار يسير في كتابنا الطويل أعذر الأصل: كن
في الفتنة كابن اللبون، لا ظهر فيركب، ولا ضرع فيحلب. الشرح: ابن اللبون: ولد الناقة الذكر إذا استكمل السنة الثانية ودخل في الثالثة، ولا يقال
للأنثى: ابنة اللبون، وذلك لأن أمهما في الأغلب ترضع غيرهما، فتكون ذات لبن،
واللبون من الإبل والشاة: ذات اللبن، غزيرة كانت أو بكيئة، فإذا أرادوا الغزيرة
قالوا: لبنة، ويقال: ابن لبون وابن اللبون، منكراً أو معرفاً، قال الشاعر:
وابن اللبون لا يكون قد كمل وقوي ظهره على أن يركب، وليس
بأنثى ذات ضرع فيحلب وهو مطرح لا ينتفع به. من استشعر الطمع، أي جعله شعاره أي لازمه.
قال، عمر: ما الخمر صرفاً بأذهب لعقول الرجال
من الطمع.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفصل الثاني في الشكوى:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال رضي الله عنه: من كشف للناس ضره أي شكى إليهم بؤسه
وفقره، فقد رضي بالذل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفصل الثالث في حفظ
اللسان:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قد تقدم قول شاف في ذلك، وكان يقال: حفظ اللسان راحة الإنسان، وكان يقال: رب كلمة سفكت دماً،
وأورثت ندماً.
الأصل: البخل عار، والجبن منقصة، والفقر يخرس الفطن عن حاجته،
والمقل غريب في بلدته. ومن كلام بعض الحكماء في ذلك: ما أقل من يحمده الطالب، وتستقل به العشائر، ويرضى عنه
السائل، وما زالت أم الكرم نزوراً وأم اللؤم ذلولاً. وأكثر الواجدين من لا يجود، وأكثر الأجواد من لا يجد. الفصل الثاني في الجبن، وقد تقدم قولنا في فضل
الشجاعة. وقال هشام بن عبد الملك
لمسلمة أخيه:
يا أبا سعيد، هل دخلك ذعر في حرب قط شهدتها، قال: ما سلمت في ذلك عن ذعر ينبه
على حيلة، ولا غشيني ذعر سلبني رأيي، فقال له هشام: هذه
والله البسالة، قال أبو دلامة، وكان جباناً:
قال المنصور لأبي دلامة في حرب إبراهيم: تقدم ويلك! قال: يا أمير المؤمنين،
شهدت مع مروان بن محمد أربعة عساكر كلها انهزمت وكسرت، وإني أعيذك بالله أن يكون
عسكرك الخامس. الفصل الثالث في الفقر. وقد تقدم القول
فيه أيضاً: ومثل قوله: الفقر يخرس الفطن عن حاجته قول الشاعر:
ومثل
قوله رضي الله عنه: والمقل غريب في بلدته قول خلف الأحمر:
وكان يقال: مالك نورك، فإن أردت أن تنكسف ففرقه
وأتلفه. الشرح: فهذه الفصول
خمسة: الفصل الأول: قوله رضي الله عنه: العجز آفة، وهذا حق لأن الآفة هي
النقص أو ما أوجب النقص، والعجز كذلك. الفصل الثاني في الصبر
والشجاعة: قد تقدم قولنا في الصبر. وكان
يقال:
الصبر مر، لا يتجرعه إلا حر. الفصل الثالث: قوله: والزهد ثروة، وهذا حق، لأن الثروة ما
استغنى به الإنسان عن الناس، ولا غناء عنهم كالزهد عن دنياهم، فالزهد على
الحقيقة هو الغنى الأكبر. الفصل الرابع قوله: والورع جنة، كان يقال: لا عصمة كعصمة الورع والعبادة، أما
الورع فيعصمك من المعاصي، وأما العبادة فتعصمك من خصمك، فإن عدوك لو رآك، قائماً
تصلي وقد دخل ليقتلك لصد عنك وهابك. الفصل الخامس: قوله: ونعم القرين الرضا، قد سبق منا قول
مقنع في الرضا.
ومن كلام الحكماء:
النار لا ينقصها ما أخذ منها، ولكن يخمدها ألا تجد حطباً، وكذلك العلم لا يفنيه
الإقتباس ولكن فقد الحاملين له سبب عدمه قيل
لبعضهم: أي العلوم أفضل؟ قال: ما العامة فيه أزهد.
ثم
أقبل على رجل منا وسيم جسيم قدمناه أمامنا، فقال: أيكم يقول هذا الشعر؟ قال: لا
أدري، فقلت أنا من خلفه: يقوله ذو الإصبع، فتركني وأقبل على ذلك الرجل الجسيم،
فقال: ما كان اسم ذي الإصبع، قال: لا أدري، فقلت أنا من خلفه: اسمه حرثان،
فتركني وأقبل عليه، فقال له: ولم سمي ذا الإصبع؟ قال: لا أدري، فقلت أنا من
خلفه: نهشته حية في إصبعه، فأقبل عليه وتركني، فقال: من أيكم كان؟ فقال: لا
أدري، فقلت أنا من خلفه: من بني تاج الذين يقول الشاعر فيهم:
فأقبل
على الجسيم، فقال: كم عطاؤك؟ قال: سبعمائة درهم، فأقبل علي، وقال: وكم عطاؤك
أنت؟ قلت أربعمائة. فقال: يا أبا الزعزعة، حط من عطاء هذا ثلاثمائة وزدها في
عطاء هذا، فرحت وعطائي سبعمائة وعطاؤه أربعمائة. وأنشد منشد بحضرة الواثق هارون
بن المعتصم:
فقال شخص:
رجل هو خبر إن، ووافقه على ذلك قوم وخالفه آخرون، فقال
الواثق: من بقي من علماء النحويين، قالوا:
أبو عثمان المازني بالبصرة، فأمر بإشخاصه إلى سر من رأى بعد إزاحة علته، قال أبو عثمان: فاشخصت، فلما أدخلت عليه قال: ممن
الرجل؟ قلت: من مازن، قال: من مازن تميم، أم من مازن ربيعة، أم مازن قيس، أم
مازن اليمن، قلت: من مازن ربيعة، قال: باسمك؟ بالباء؟ -
يريد ما اسمك لأن لغة مازن ربيعة هكذا، يبدلون الميم باء والباء ميماً،
فقلت: مكر أي بكر، فضحك وقال: اجلس واطمئن،
فجلست فسألني عن البيت فأنشدته منصوباً، فقال: فأين خبر إن، فقلت: ظلم قال: كيف
هذا؟ قلت:
يا أمير المؤمنين، ألا ترى أن البيت إن لم يجعل ظلم خبر إن يكون مقطوع المعنى
معدوم الفائدة، فلما كررت القول عليه فهم، وقال: قبح الله من لا أدب له، ثم قال:
ألك ولد؟ قلت: بنية، قال: فما قالت لك حين ودعتها؟ قلت:
ما قالت بنت الأعشى:
قال:
فما قلت لها؟ قال: قلت أنشدتها بيت جرير:
فقال:
ثق بالنجاح إن شاء الله تعالى، ثم أمر لي بألف دينار وكسوة، وردني إلى البصرة.
الفصل الأول: قوله: صدر العاقل صندوق سره، قد ذكرنا فيما
تقدم طرفاً صالحاً في كتمان السر. الفصل الثاني: قوله:
البشاشة حبالة المودة، قد قلنا في البشر والبشاشة فيما سبق قولاً مقنعاً.
وقال
البحتري:
الفصل الثالث: قوله:
الاحتمال قبر العيوب، أي إذا احتملت صاحبك وحلمت عنه ستر هذا الخلق الحسن منك
عيوبك، كما يستر القبر الميت، وهذا مثل قولهم في الجود: كل عيب فالكرم يغطيه.
الأصل:
من رضي عن نفسه كثر الساخط عليه، والصدقة دواء منجح، وأعمال العباد في عاجلهم
نصب أعينهم في آجلهم.
وقال بعضهم:
دخلت على ابن منارة وبين يديه كتاب قد صنفه، فقلت: ما هذا؟ قال: كتاب عملته
مدخلاً إلى التورية، فقلت: إن الناس ينكرون هذا، فلو قطعت الوقت بغيره، قال:
الناس جهال، قلت: وأنت ضدهم، قال: نعم، قلت: فينبغي أن يكون ضدهم جاهلاً عندهم،
قال: كذاك هو، قلت: فقد بقيت أنت جاهلاً بإجماع الناس، والناس جهال بقولك وحدك، ومثل هذا المعنى قول الشاعر:
الفصل الثاني: الصدقة دواء
منجح، قد جاء في الصدقة فضل كثير، وذكرنا بعض ذلك فيما تقدم. وفي الحديث المرفوع:"تاجروا الله بالصدقة تربحوا"، وقيل:
الصدقة صداق الجنة. الفصل الثالث: قوله: أعمال العباد في عاجلهم نصب أعينهم
في آجلهم، هذا من قوله تعالى: "يوم تجد كل نفس
ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً
بعيداً"،. وقال تعالى: "فمن يعمل
مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره". أما
الإبصار، فقد اختلف فيه، فقيل: إنه بخروج
شعاع من العين يتصل بالمرئي. وقيل: إن القوة المبصرة التي في العين تلاقي
بذاتها المرئيات فتبصرها. وقال قوم:
بل بتكيف الهواء بالشعاع البصري من غير خروج، فيصير الهواء باعتبار تكيفه
بالشعاع به آلة العين في الإدراك. قالوا: ولو
كانت المرآة ذات قوة مبصرة لأدركت الصور المنطبعة فيها، وعلى جميع الأقوال فلا
بد من إثبات القوة المبصرة في الرطوبة الجلدية، وإلى الرطوبة الجلدية وقعت إشارته رضي الله عنه بقوله: ينظر بشحم. وقال قوم:
ليس اللسان آلة ضرورية في الكلام لأن من يقطع لسانه من أصله يتكلم. وأما إذا
قطع رأسه لم يتكلم. قالوا: وإنما الكلام باللهوات، وعلى
كلا القولين فلا بد أن تكون آلة الكلام لحماً، وإليه
وقعت إشارة أمير المؤمنين رضي الله عنه، وليس هذه البنية المخصوصة شرطاً
في الكلام على الإطلاق لجواز وجوده في الشجر والجماد عند أصحابنا، وإنما هي شرط
في كلام الإنسان، ولذا قال أمير المؤمنين:
اعجبوا لهذا الإنسان. وبالجملة فلا بد من عظم، لأن الحامل
اللحم والعصب إنما هو العظم. ولم يكن أحد يجسر أن يرد على جعفر
قولاً ولا رأياً، فيقال: إن أول ما ظهر من تغير الرشيد
له أنه كلم الفضل بن الربيع بشيء فرده عليه الفضل، ولم تجر عادته من قبل أن يفتح
فاه في وجهه، فأنكر سليمان بن أبي جعفر ذلك على الفضل،
فغضب الرشيد لإنكار سليمان، وقال: ما دخولك بين أخي ومولاي؟ كالراضي بما كان من الفضل، ثم تكلم جعفر بشيء قاله للفضل،
فقال الفضل: إشهد عليه يا أمير المؤمنين، فقال
جعفر: فض الله فاك يا جاهل، إذا كان أمير المؤمنين رضي
الله عنه الشاهد، فمن الحاكم المشهود عنده؟ فضحك الرشيد، وقال: يا فضل، لا تمار جعفراً، فإنك
لا تقع منه موقعاً. واعلم
أنا قد وجدنا تصديق ما قاله رضي الله عنه
في العلوم والفضائل والخصائص
النفسانية، دع حديث الدنيا والسلطان والرياسة، فإن المحظوظ من علم أو من فضيلة
تضاف إليه شوارد تلك الفضيلة وشوارد ذلك الفن، مثاله
حظ علي رضي الله عنه من الشجاعة، ومن الأمثال الحكمية قل أن ترى مثلاً شارداً أو كلمة حكمية إلا وتضيفها الناس
إليه، وكذلك ما يدعي العامة له من الشجاعة وقتل
الأبطال حتى يقال: إنه حمل على سبعين ألفاً فهزمهم، وقتل الجن في البئر، وفتل
الطوق الحديد في عنق خالد بن الوليد. وكذلك حظ عنترة بن شداد
في الشجاعة،
يذكر له من الأخبار ما لم يكن، وكذلك ما اشتهر به
أبو نواس في وصف الخمر، يضاف إليه من الشعر في هذا الفن ما لم يكن قاله، وكذلك جود حاتم وعبد الله بن جعفر ونحو ذلك،
وبالعكس من لا حظ له ينفى عنه ما هو حقيقة له، فقد رأينا كثيراً من الشعر الجيد
ينفى عن قائله استحقاراً له، لأنه خامل الذكر، وينسب إلى غيره، بل رأينا كتباً مصنفة في فنون من العلوم خمل ذكر مصنفيها
ونسبت إلى غيرهم من ذوي النباهة والصيت، وكل ذلك منسوب إلى الجد والإقبال.
وقال عقال بن شبة التميمي: كنت ردف أبي، فلقيه جرير بن الخطفى على بغلة، فحياه أبي
وألطفه، فلما مضى قلت له: أبعد أن قال لنا
ما قال، قال: يا بني أفأوسع جرحي.
وفي الحديث المرفوع: "للمسلم على المسلم ست: يسلم عليه إذا لقيه، ويجيبه
إذا دعاه، ويشمته إذا عطس، ويعوده إذا مرض، ويحب له ما يحب لنفسه، ويشيع جنازته
إذا مات".
وقد تقدم لنا كلام طويل في الحلم والصفح
والعفو. فقال صاحب مرو: أيها الأمير، إن عظم ذنبي يمنعني من الهدوء. فقال أبو مسلم: يا
عجباً، أقابلك بإحسان، وأنت مسيء، ثم أقابلك بإساءة وأنت محسن، فقال: الآن وثقت
بعفوك. وأذنب
بعض كتاب المأمون ذنباً، وتقدم إليه ليحتج لنفسه، فقال: يا هذا، قف مكانك، فإنما
هو عذر أو يمين، فقد وهبتهما لك، وقد تكرر منك ذلك، فلا تزال تسيء ونحسن، وتذنب
ونغفر، حتى يكون العفو هو الذي يصلحك.
وقال المأمون لإبراهيم بن المهدي لما ظفر به: إني قد شاورت في أمرك، فأشير علي
بقتلك، إلا أني وجدت قدرك فوق ذنبك، فكرهت قتلك للازم حرمتك. فقال إبراهيم: يا
أمير المؤمنين، إن المشير أشار بما تقتضيه السياسة، وتوجبه العادة، إلا أنك أبيت
أن تطلب النصر إلا من حيث عودته من العفو، فإن قتلت فلك نظراء، وإن عفوت فلا
نظير لك. قال: قد عفوت، فاذهب آمناً.
فقال:
قد فعلت، أما والله لو قلت في بعض ما قلته في عامر بن عمر، لأغنيتك طول حياتك،
ولو قلت في عامر بعض ما قلته في ما أذاقك برد الحياة.
وكان أبو أيوب السختياني يقول: إذا بلغني موت أخ كان لي، فكأنما سقط عضو مني.
وقال آخر:
وأوصى بعضهم ابنه، فقال: يا بني، إذا نازعتك نفسك إلى مصاحبة الرجال فاصحب من إذا
صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا عرضت لك مؤنة أعانك، وإن قلت صدق قولك، وإن
صلت شد صولك، وإن مددت يدك لأمر مدها، وإن بدت لك عورة سدها، وإن رأى منك حسنة
عدها، وإن سألته أعطاك، وإن سكت ابتداك، وإن نزلت بك ملمة واساك، من لا تأتيك
منه البوائق، ولا تحتار عليك منه الطرائق، ولا يخذلك عند الحقائق.
ومن الشعر المنسوب إليه رضي الله عنه أيضاً:
وقال بعض الحكماء:
ينبغي للإنسان أن يوكل بنفسه كالئين: أحدهما
يكلؤه من أمامه، والآخر يكلؤه من ورائه،
وهما عقله الصحيح، وأخوه النصيح، فإن عقله وإن صح فلن يبصره من عيبه إلا بمقدار
ما يرى الرجل من وجهه في المرآة، ويخفى عليه ما خلفه، وأما أخوه النصيح فيبصره
ما خلفه وما أمامه أيضاً.
وقال
آخر يرثي صديقاً له:
رأى
بعض الحكماء مصطحبين لا يفترقان، فسأل عنهما، فقيل: صديقان، قال: فما بال أحدهما
غنياً والآخر فقيراً! وقال رضي الله عنه في الذين اعتزلوا القتال معه. الأصل:
خذلوا الحق ولم ينصروا الباطل. الأصل:
إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر.
وقال
البحتري:
وقال أيضاً:
وقال ابن أبي طاهر :
وقال
أبو الفتح البستي:
وقال
أيضاً:
البحتري:
آخر:
الأصل:
من ضيعه الأقرب أتيح له الأبعد. وقد
وجدنا ذلك في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضيعه أهله ورهطه من قريش وخذلوه، وتمالئوا عليه، فقام
بنصره الأوس والخزرج، وهم أبعد الناس نسباً منه، لأنه من عدنان وهم من قحطان،
وكل واحد من الفريقين لا يحب الآخر حتى تحب الأرض الدم.
الأصل: تذل الأمور للمقادير، حتى يكون الحتف في التدبير. وأمثال هذا ونظائره أكثر من أن تحصى. الأصل: وسئل رضي الله عنه عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "غيروا الشيب، ولا تشبهوا
باليهود، فقال رضي الله عنه:
إنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك والدين قل، فأما الآن وقد
اتسع نطاقه، وضرب بجرانه، فامروء وما اختار. وقال لابن أبي عتيق: ألا تسمع؟ يظنونه ذماً ثم يقول:
واستعار أمير المؤمنين رضي الله عنه هذه اللفظة لسعة رقعة
الإسلام، وكذلك استعار قوله: وضرب بجرانه، أي أقام وثبت، وذلك لأن البعير إذا
ضرب بجرانه الأرض - وجرانه مقدم عنقه - فقد استناخ وبرك. وأما أبو بكر فصح الخبر عنه بذلك، وكذلك أمير المؤمنين، وقيل: إنه لم يخضب. وقتل الحسين رضي الله عنه يوم الطف وهو مخضوب. وفي الحديث المرفوع رواه
عقبة بن عامر:
"عليكم بالحناء، فإنه خضاب الإسلام، إنه يصفي البصر ويذهب بالصداع، ويزيد
في الباه، وإياكم والسواد، فإنه من سود، سود الله وجهه يوم القيامة".
وروي أن عبد المطلب وفد على سيف بن ذي يزن، فقال له: لو خضبت، فلما عاد إلى مكة خضب،
فقالت له امرأته نثيلة أم العباس وضرار: ما أحسن هذا الخضاب لو دام، فقال:
قال:
يعني أنه صار شيخاً، فصار حكماً بين الناس، من قوله:
وقال أسماء بن خارجة لجاريته: أخضبيني، فقالت حتى متى أرقعك! فقال:
وأما
من يروي أن علياً رضي الله عنه ما خضب، فيحتج بقوله، وقد قيل له: لو غيرت شيبك
يا أمير المؤمنين، فقال: الخضاب زينة، ونحن في مصيبة، يعني برسول الله صلى الله
عليه وسلم. وسئل
الحسن رضي الله عنه عن الخضاب فقال: هو جزع قبيح، وقال محمود الوراق:
وقد
روى قوم عن النبي صلى الله عليه وسلم كراهية الخضاب، وأنه قال: "لو
استقبلتم الشيب بالتواضع لكان خيراً لكم".
وقال
آخر:
ويقولون
في ديوان عرض الجيش ببغداد لمن يخضب إذا ذكروا حليته، مستعارة وهي كناية لطيفة. وأنا أستحسن قول البحتري: خضبت بالمقراض: كناية عن قص الشعر الأبيض، فجعل ذلك خضابه
عوضاً عن الصبغ، والأبيات هذه:
الأصل:
من جرى في عنان أمله عثر بأجله.
وقال
آخر:
الأصل:
أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم فما يعث، منهم عاثر إلا ويده بيد الله يرفعه. وكان يقال: ليس من المروءة كثرة الإلتفات في
الطريق.
وقال عمر:
تعلموا العربية فإنها تزيد في المروءة، وتعلموا النسب فرب رحم مجهولة قد وصلت
به.
وكان يقال:
الفرصة ما إذا حاولته فاخطأك نفعه، لم يصل إليك ضره. قال قد فسروه على
وجهين: أحدهما أن راكب عجز البعير
يلحقه مشقة وضرر، فأراد أنا إذا منعنا حقنا صبرنا على المشقة والمضرة، كما يصبر
راكب عجز البعير، وهذا التفسير قريب مما فسره
الرضي. والوجه الثاني
أن راكب عجز البعير إنما يكون إذا كان غيره قد ركب على ظهر البعير، وراكب ظهر البعير متقدم على راكب عجز البعير، فأراد أنا
إذا منعنا حقنا تأخرنا وتقدم غيرنا علينا،
فكنا كالراكب رديفاً لغيره، وأكد المعنى على كلا
التفسيرين بقوله: وإن طال السرى، لأنه إذا طال السرى كانت المشقة على راكب عجز البعير أعظم، وكان
الصبر على تأخر راكب عجز البعير عن الراكب على ظهره
أشد وأصعب. الشرح:
قد جاء في هذا المعنى آثار كثيرة، وأخبار جميلة. كان العتابي قد أملق، فجاء فوقف بباب المأمون يسترزق الله على يديه، فوافى يحيى بن أكثم، فعرض له العتابي، فقال له: إن رأيت أيها القاضي أن تعلم أمير
المؤمنين رضي الله عنه مكاني
فافعل، فقال: لست بحاجب، قال: قد علمت، ولكنك ذو فضل، وذو الفضل معوان، فقال: سلكت بي غير طريقي، قال: إن الله أتحفك منه
بجاه، ونعمة، وهو مقبل عليك بالزيادة إن شكرت، وبالتغيير إن كفرت، وأنا لك اليوم
خير منك لنفسك، لأني أدعوك إلى ما فيه ازدياد نعمتك، وأنت تأبى علي، ولكل شيء زكاة،
وزكاة الجاه رفد المستعين. فدخل يحيى فأخبر المأمون به، فأحضره وحادثه ولاطفه
ووصله.
وقال آخر:
وقال
آخر:
وكان يقال:
العين والوجه واللسان أصحاب أخبار على القلب، وقالوا:
القلوب كالمرايا المتقابلة، إذا ارتسمت في إحداهن صورة ظهرت في أخرى.
الأصل: إذا كنت في إدبار والموت في إقبال، فما أسرع الملتقى. الأصل: وسئل رضي الله عنه عن الإيمان فقال: الإيمان على أربع دعائم: على الصبر، واليقين، والعدل، والجهاد. أخبار
مع الملوك. ونذكر ههنا
الصدق في المواطن، وبين يدي الملوك، ومن يغضب لله، وينهى عن المنكر، ويقوم بالحق
ولا يبالي بالسلطان ولا يراقبه. وروى ابن قتيبة في كتاب عيون الأخبار
قال:
بينما المنصور يطوف ليلاً بالبيت سمع قائلاً يقول: اللهم إليك أشكو ظهور البغي
والفساد، وما يحول بين الحق وأهله من الطمع. فخرج المنصور فجلس ناحية من المسجد، وأرسل
إلى الرجل يدعوه، فصلى ركعتين، واستلم الركن، وأقبل
على المنصور فسلم عليه بالخلافة، فقال المنصور: ما الذي سمعتك تقوله من ظهور البغي والفساد في الأرض وما يحول بين الحق وأهله من الطمع؟ فو الله لقد
حشوت مسامعي ما أرمضني فقال: يا أمير المؤمنين،
إن أمنتني على نفسي أنبأتك بالأمور من
أصولها، وإلا احتجزت منك، واقتصرت على نفسي
فلي فيها شاغل، قال: أنت آمن على نفسك، فقل، فقال: إن الذي دخله الطمع حتى حال
بينه وبين إصلاح ما ظهر من البغي والفساد لأنت، قال: ويحك! وكيف يدخلني الطمع
والصفراء والبيضاء في قبضتي، والحلو والحامض عندي! قال: وهل دخل أحد من الطمع ما دخلك،
إن الله عز وجل استرعاك المسلمين وأموالهم، فأغفلت أمورهم، واهتممت بجمع
أموالهم، وجعلت بينك وبينهم حجباً من الجص والآجر، وأبواباً من الحديد، وحجبة
معهم السلاح، ثم سجنت نفسك فيها منهم، وبعثت عمالك في جباية الأموال وجمعها،
فقويتهم بالسلاح والرجال والكراع، وأمرت بألا يدخل عليك إلا فلان وفلان، نفر
سميتهم، ولم تأمر بإيصال المظلوم والملهوف، ولا الجائع والفقير، ولا الضعيف
والعاري، ولا أحد ممن له في هذا المال حق، فما زال هؤلاء النفر الذين استخلصتهم
لنفسك، وآثرتهم على رعيتك، وأمرت ألا يحجبوا عنك، يجبون الأموال ويجمعونها
ويحجبونها، وقالوا:
هذا رجل قد خان الله، فما لنا لا نخونه، وقد سخرنا، فائتمروا على ألا يصل إليك
من أخبار الناس شيء إلا ما أرادوا، ولا يخرج لك عامل فيخالف أمرهم إلا بغضوه
عندك وبغوه الغوائل، حتى تسقط منزلته ويصغر قدره. فلما انتشر ذلك عنك وعنهم
أعظمهم الناس وهابوهم، وكان أول من صانعهم عمالك بالهدايا والأموال ليقووا بها
على ظلم رعيتك، ثم فعل ذلك ذوو القدرة والثروة من رعيتك لينالوا به ظلم من
دونهم، فامتلأت بلاد الله بالطمع بغياً وفساداً، وصار هؤلاء القوم شركاءك في
سلطنتك وأنت غافل، فإن جاء متظلم حيل بينه وبين دخول دارك، وإن أراد رفع قصته
إليك عند ظهورك وجدك وقد نهيت عن ذلك، ووقفت للناس رجلاً ينظر في مظالمهم، فإن
جاء المتظلم إليه أرسلوا إلى صاحب المظالم ألا يرفع إليك قصته، ولا يكشف لك
حاله، فيجيبهم خوفاً منك، فلا يزال المظلوم يختلف نحوه، ويلوذ به، ويستغيث إليه
وهو يدفعه، ويعتل عليه، وإذا أجهد وأحرج، وظهرت أنت لبعض شأنك صرخ بين يديك،
فيضرب ضرباً مبرحاً ليكون نكالاً لغيره، وأنت تنظر
ولا تنكر، فما بقاء الإسلام على هذا. ولقد كنت أيام شبيبتي أسافر إلى الصين فقدمتها مرة وقد أصيب ملكها
بسمعه، فبكى بكاءً شديداً، فحداه جلساؤه على الصبر، فقال: أما إني لست أبكي للبلية النازلة، ولكن أبكي للمظلوم بالباب يصرخ فلا أسمع صوته! ثم قال:
أما إذ ذهب سمعي فإن بصري لم يذهب، نادوا في الناس ألا يلبس ثوباً أحمر إلا
مظلوم، ثم كان يركب الفيل طرفي نهاره ينظر هل يرى مظلوماً، فهذا مشرك بالله غلبت
رأفته بالمشركين على شح نفسه، وأنت مؤمن بالله من أهل بيت نبيه لا تغلبك رأفتك
بالمسلمين على شح نفسك، فإن كنت إنما تجمع المال
لولدك فقد أراك الله تعالى عبراً في الطفل يسقط من بطن أمه، ما له على
الأرض مال، وما من مال يومئذ إلا ودونه يد شحيحة تحويه، فلا يزال الله يلطف بذلك
الطفل حتى تعظم رغبة الناس إليه، ولست بالذي تعطي، لكن الله يعطي من يشاء ما
يشاء. وإن قلت:
إنما أجمع المال لتشييد السلطان، فقد أراك الله عبراً في بني أمية، ما أغنى عنهم
ما جمعوا من الذهب والفضة، وأعدوا من الرجال والسلاح والكراع حين أراد الله بهم
ما أراد، وإن قلت: أجمع المال لطلب غاية هي
أجسم من الغاية التي أنا فيها، فو الله ما فوق ما أنت إلا منزلة لا تدرك إلا
بخلاف ما أنت عليه، انظر هل تعاقب من عصاك بأشد من القتل؟ قال: لا، قال: فإن
الملك الذي خولك ما خولك لا يعاقب من عصاه بالقتل، بل بالخلود في العذاب الأليم،
وقد رأى ما قد عقدت عليه قلبك، وعملته جوارحك، ونظر إليه بصرك، واجترحته يداك
ومشت إليه رجلاك. وانظر هل يغني عنك ما شححت عليه من أمر الدنيا إذا انتزعه من
يدك ودعاك إلى الحساب على ما منحك! فبكى المنصور وقال: ليتني لم أخلق، ويحك،
فكيف أحتال لنفسي؟ قال: إن للناس أعلاماً يفزعون إليهم في دينهم، ويرضون بقولهم،
فاجعلهم بطانتك يرشدوك، وشاورهم في أمرك يسددوك، قال: قد بعثت إليهم فهربوا مني،
قال: نعم، خافوا أن تحملهم على طريقك، ولكن افتح
بابك، وسهل حجابك، وانظر المظلوم، واقمع الظالم، وخذ الفيء والصدقات مما حل
وطاب، واقسمه بالحق والعدل على أهله، وأنا الضامن عنهم أن يأتوك ويسعدوك على
صلاح الأمة. قال: يعني ليلة موته، فوجم المنصور، فقال
الربيع: حسبك، فقد غممت أمير المؤمنين، فقال عمرو بن
عبيد: إن هذا صحبك عشرين سنة لم ير عليه أن
ينصحك يوماً واحداً، ولم يعمل وراء بابك بشيء مما في كتاب الله ولا في
سنة نبيه، قال أبو جعفر: فما أصنع؟ قد قلت
لك: خاتمي في يدك فهلم أنت وأصحابك فاكفني، فقال
عمرو: دعنا بعدلك نسخ بأنفسنا بعونك، وببابك مظالم كثيرة، فارددها نعلم
أنك صادق. قال:
أجل، لقد سللته، ولكن لك لا عليك.
فإن قلت:
كيف يكون فاعل الخير خيراً من الخير؟ وفاعل الشر شراً من الشر! مع أن فاعل الخير
إنما كان ممدوحاً لأجل الخير، وفاعل الشر إنما كان مذموماً لأجل الشر، فإذا كان
الخير والشر هما سببا المدح والذم، وهما الأصل في
ذلك، فكيف يكون فاعلاهما خيراً وشراً منهما؟ قلت: لأن الخير والشر ليسا عبارة عن ذات
حية قادرة، وإنما هما فعلان، أو فعل وعدم فعل، أو عدمان، فلو قطع النظر في الذات
الحية القادرة التي يصدران عنها، لما انتفع أحد بهما ولا استضر، فالنفع والضرر
إنما حصلا من الحي الموصوف بهما لا منهما على انفرادهما، فلذلك كان فاعل الخير
خيراً من الخير، وفاعل الشر شراً من الشر.
قال:
أجل أعرفه، وأعرف الذي يقول:
يريد:
يا خيبة من يخيب، قال: أفتعرف الذي يقول:
قال:
نعم أعرفه وأعرف الذي يقول:
قال:
أما الشعر فأراك ترويه، فهل تقرأ من القرآن شيئاً، قال:
أقرأ منه الأكثر الأطيب: "هل أتى على
الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً"، فأغضبه، فقال: والله لقد بلغني أن امرأة الحضين حملت إليه
وهي حبلى من غيره قال: فما تحرك الشيخ عن هيئته الأولى، ثم قال على رسله، وما
يكون! تلد غلاماً على فراشي، فيقال: فلان ابن
الحضين، كما يقال: عبد الله بن مسلم. فأقبل قتيبة على
عبد الله وقال: لا يبعد الله غيرك! قلت:
هو الحضين بالضاد المعجمة، وليس في العرب من اسمه الحضين بالضاد المعجمه غيره الأصل: من أطال الأمل، أساء العمل. وقال، أبو عثمان النهدي: قد أتت علي ثلاثون ومائة سنة،
ما من شيء إلا وأجد فيه النقص إلا أملي،
فإني وجدته كما هو أو يزيد. الأصل:
يا بني احفظ عني أربعا، لا يضرك ما عملت معهن: إن أغنى الغنى العقل، وأكبر الفقر
الحمق، وأوحش الوحشة العجب، وأكرم الحسب حسن الخلق.
الأصل: لا قربة بالنوافل إذا أضرت بالفرائض. وأما إذا حمل على مجازه، فإن معناه يجب الإبتداء بالأهم وتقديمه على ما ليس بأهم، فتدخل هذه الكلمة في الآداب السلطانية والإخوانية، نحو أن تقول لمن توصيه: لا تبدأ
بخدمة حاجب الملك قبل أن تبدأ بخدمة ولد الملك، فإنك إنما تروم القربة
للملك بالخدمة، ولا قربة إليه في تأخير خدمة ولده وتقديم خدمة غلامه، وحمل الكلمة على حقيقتها أولى، لأن اهتمام أمير المؤمنين رضي الله عنه بالأمور
الدينية والشرعية في وصاياه ومنثور كلامه أعظم. أقوال ونوادر عن الحمقى. قالوا: كل شيء يعز إذا قل، والعقل كلما كان
أكثر كان أعز وأغلى. وقال الزهري:
إذا أنكرت عقلك فاقدحه بعاقل. وقيل لبعضهم:
العقل أفضل أم الجد، فقال: العقل من الجد. واعلم أن أخبار الحمقى ونوادرهم كثيرة،إلا أنا نذكر منها ههنا ما يليق بكتابنا، فإنه كتاب نزهناه عن الخلاعة والفحش
إجلالا لمنصب أمير المؤمنين.
وقال أبو كعب القاص في قصصه: إن النبي صلى الله عليه وسلم
قال في كبد حمزة ما علمتم، فادعوا الله أن يطعمنا من
كبد حمزة.
وطار
لبكار هذا بازي، فقال لصاحب الشرطة: أغلق أبواب دمشق لئلا يخرج البازي. ومن
حمقى قريش سليمان بن يزيد بن عبد الملك، قال
يوماً: لعن الله الوليد أخي، فلقد كان فاجراً، أرادني
على الفاحشة، فقال له قائل من أهله، اسكت ويحك،
فو الله إن كان هم لقد فعل. وكان عبد الملك
بن مروان يقول: أحمق بيت في قريش آل قيس بن غرمة.
فقال المهلب: حسبك
يرحمك الله! وكان عبد الملك بن هلال عنده زنبيل مملوء حصاً للتسبيح، فكان
يسبح بواحدة واحدة، فإذا مل طرح اثنين اثنين، ثم ثلاثاً ثلاثاً، فإذا أزداد
ملاله قبض قبضة وقال: سبحان
الله عددك، فإذا ضجر أخذ بعرا الزنبيل وقلبه، وقال: سبحان الله بعدد هذا. قال: من أين قلت هذا؟ قال: حبسني الرشيد عند مسرور الكبير، فضيق علي أنفاسي، فسمعته يوماً يقرأ: "ويل يومئذ للمكذبين"، بفتح الذال، فقلت له: لا تقل
أيها الأمير هكذا، قل: للمكذبين، وكسرت له الذال، لأن المكذبين هم الأنبياء، فقال: قد كان يقال لي عنك إنك قدري،
فلا نجوت إن نجوت الليلة مني، فعاينت منه تلك الليلة الموت من شدة ما عذبني. وشرد بعير لهبنقة - واسمه يزيد بن شروان -
فجعل ينادي: لمن أتى به بعيران، فقيل له: كيف تبذل ويلك بعيرين في بعير! فقال
لحلاوة الوجدان. الأصل: جعل الله ما
كان منك من شكواك حطاً لسيئاتك، فإن المرض لا أجر فيه،
ولكنه يحط السيئات ويحتها حت الأوراق، وإنما الأجر في
القول باللسان، والعمل بالأيدي والأقدام، وإن الله سبحانه يدخل بصدق
النية والسريرة الصالحة من يشاء من عباده الجنة. فإن قلت:
أيجوز أن يقال: إن الله تعالى يمرض الإنسان المستحق للعقاب، ويكون إنما أمرضه
ليسقط عنه العقاب لا غير؟ قلت: لا، لأنه قادر
على أن يسقط عنه العقاب ابتداءً، ولا يجوز إنزال الألم إلا حيث لا يمكن اقتناص
العوض المجزى به إليه إلا بطريق الألم، وإلا كان فعل الألم عبثاً، ألا ترى أنه
لا يجوز أن يستحق زيد على عمرو ألف درهم فيضربه ويقول: إنما أضربه لأجعل ما
يناله من ألم الضرب مسقطاً لما أستحقه من الدراهم عليه؟ وتذمه العقلاء ويسفهونه،
ويقولون له فهلا وهبتها له، وأسقطتها عنه من غير حاجة إلى أن تضربه وتؤلمه، والبحث المستقصى في هذه المسائل مذكور في كتبي الكلامية،
فليرجع إليها، وأيضاً فإن الآلام قد تنزل بالأنبياء
وليسوا ذوي ذنوب ومعاص ليقال: إنها تحطها عنهم. قلت: يجوز أن يكون
يذهب مذهب أبي علي في أن القادر بقدرة لا يخلو
عن الأخذ والترك. الأصل: رحم الله خباب بن الأرت، فلقد أسلم راغباً، وهاجر
طائعاً، وعاش مجاهداً، طوبى لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب، وقنع بالكفاف، ورضي عن
الله. خباب
بن الأرت. الشرح: هوخباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن
كعب بن مسعد بن زيد مناة بن تميم يكنى أبا عبد الله - وقيل: أبا محمد وقيل: أبا
يحيى - أصابه سبي فبيع بمكة. نزل خباب إلى الكوفة، ومات
بها في سنة سبع وثلاثين، وقيل: سنة تسع وثلاثين، بعد أن شهد مع أمير المؤمنين
رضي الله عنه صفين ونهروان، وصلى عليه علي رضي الله عنه، وكانت سنه يوم مات
ثلاثاً وسبعين سنة، ودفن بظهر الكوفة. الأصل: لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت
الدنيا بجماتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني، وذلك أنه قضي فانقضى على
لسان النبي الأمي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا علي، لا يبغضك مؤمن، ولا
يحبك منافق". ومراده رضي الله عنه من هذا الفصل إذكار الناس ما قاله فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو:
"لا يبغضك مؤمن، ولا يحبك منافق"، وهي كلمة حق،
وذلك لأن الإيمان وبغضه رضي الله عنه لا
يجتمعان، لأن بغضه كبيرة، وصاحب الكبيرة عندنا لا يسمى مؤمناً، وأما المنافق فهو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر،
والكافر بعقيدته لا يحب علياً رضي الله عنه،
لأن المراد من الخبر المحبة الدينية، ومن لا يعتقد الإسلام لا يحب أحداً من أهل
الإسلام، لإسلامه وجهاده في الدين، فقد بان أن الكلمة
حق، وهذا الخبر مروي في الصحاح بغير هذا اللفظ: "لا يحبك إلا مؤمن،
ولا يبغضك إلا منافق"، وقد فسرناه فيما سبق. قالوا: وإذاعة
السر من قلة الصبر، وضيق الصدر، ويوصف به ضعفة الرجال والنساء والصبيان. والسبب في أنه
يصعب كتمان السر أن للإنسان قوتين: إحداهما
آخذة، والأخرى معطية، وكل واحدة منهما تتشوق إلى فعلها الخاص بها، ولولا
أن الله تعالى وكل المعطية بإظهار ما عندها لما أتاك بالأخبار من لم تزود، فعلى
الإنسان أن يمسك هذه القوة ولا يطلقها إلا حيث يجب إطلاقها، فإنها إن لم تزم
وتخطم، تقحمت بصاحبها في كل مهلكة. ومثل المعنى الأول
قول الشاعر:
ومثل
المعنى الثاني قول أبي الطيب:
الأصل: قلوب الرجال وحشية، فمن تألفها أقبلت عليه.
فأما
قول عمارة بن عقيل:
فيكاد
يخالف قول أمير المؤمنين رضي الله عنه في
الأصل، لأن أمير المؤمنين رضي الله عنه جعل أصل طبيعة القلوب التوحش، وإنما
تستمال لأمر خارج، وهو التألف والإحسان، وعمارة جعل أصل طبيعة النفس الصفو
والسلامة، وإنما تتكدر وتجمح لأمر خارج، وهو الإساءة والإيحاش. وكانت
سعادته تضرب بها الأمثال، وكثرة أمواله التي لم يجتمع لقارون مثلها. قال أبو حيان: فكان الناس يعجبون من ذلك، حتى إن جماعة من شيوخ بغداد
كانوا يقولون: إن ابن الجصاص أعقل الناس، وأحزم الناس، وإنه هو الذي ألحم
الحال بين المعتضد وبين خمارويه بن أحمد بن طولون، وسفر بينهما سفارة عجيبة،
وبلغ من الجهتين أحسن مبلغ، وخطب قطر الندى بنت خمارويه للمعتضد، وجهزها من مصر
على أجمل وجه وأعلى ترتيب، ولكنه كان يقصد أن يتغافل ويتجاهل ويظهر البله
والنقص، يستبقي بذلك ماله، ويحرس به نعمته، ويدفع عنه عين الكمال، وحسد الأعداء. قال أبو حيان:
فقلت له: فما الجد؟ وما هذا المعنى الذي علقت عليه هذه الأحكام كلها، فقال: ليس لي عنه عبارة معينة، ولكن لي به علم
شاف، استفدته بالإعتبار والتجربة والسماع العريض من الصغير والكبير، ولهذا سمع من امرأة من الأعراب ترقص ابناً لها فتقول له: رزقك
الله جداً يخدمك عليه ذوو العقول، ولا رزقك عقلاً تخدم به ذوي الجدود. وقالوا: العقوبة
الأم حالات ذي القدرة وأدناها، وهي طرف من الجزع، ومن رضي ألا يكون بينه وبين
الظالم إلا ستر رقيق فلينتصف.
وقال
آخر:
الأصل: لا غنى كالعقل، ولا فقر كالجهل، ولا ميراث كالأدب، ولا ظهير
كالمشاورة. قلت: هذا كلام الحسن عليه السلام، وأنا أقطع بذلك. وقال أنو شروان:
جميع أمر الدنيا. منقسم إلى ضربين لا ثالث لهما:
أما ما في دفعه حيلة فالاضطراب دواؤه، وأما ما لا حيلة فيه فالصبر شفاؤه. قيل لابن عمر:
توفي زيد بن ثابت وترك مائة ألف درهم، قال: هو تركها
لكنها لم تتركه.
وكان يقال: الحلال يقطر، والحرام يسيل. وقال بعض الحكماء:
ألا ترون ذا الغنى ما أدوم نصبه، وأقل راحته، وأخس من ماله حظه، وأشد من الأيام
حذره، وأغرى الدهر بنقصه وثلمه! ثم هو بين سلطان يرعاه، وحقوق تسترعيه، وأكفاء
ينافسونه، وولد يودون موته، قد بعث الغنى عليه من سلطانه العناء، ومن أكفائه
الحسد، ومن أعدائه البغي، ومن ذوي الحقوق الذم، ومن الولد الملالة وتمني الفقد،
لا كذي البلغة قنع فدام له السرور، ورفض الدنيا فسلم من الحسد، ورضي بالكفاف
فكفي الحقوق. الشرح:
قد ذكرنا نكتاً جليلة الموقع في القناعة فيما تقدم ونذكر ههنا زيادة على ذلك.
قال رجل لبقراط ورآه يأكل العشب: لو خدمت الملك لم تحتج إلى أن تأكل الحشيش، فقال له: وأنت إن أكلت الحشيش لم تحتج أن تخدم
الملك! الأصل: المال مادة الشهوات. وكان يقال:
ثلاثة يؤثرون المال على أنفسهم: تاجر البحر، والمقاتل بالأجرة، والمرتشي في
الحكم، وهو شرهم، لأن الأولين ربما سلما، ولا سلامة للثالث من الإثم. وقالوا في ذم المال: المال مثل الماء غاد ورائح، طبعه كطبع الصبي لا يوقف على سبب
رضاه ولا سخطه. المال لا ينفعك ما لم تفارقه.
وأخذ
هذا المعنى الحريري فقال:
قال
الشاعر:
الأصل: من حذرك، كمن بشرك. ومثله:
صديقك من نهاك، لا من أغراك. ومثله: رحم الله امرأً
أهدى إلي عيوبي. وأول ما يجب على الإنسان أن يحذر نفسه وينصحها، فمن غش نفسه فقلما يحذر غيره وينصحه،
وحق من استنصح أن يبذل غاية النصح ولو كان في أمر يضره، وإلى ذلك وقعت الإشارة في الكتاب العزيز بقوله سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله
ولو على أنفسكم"، وقال سبحانه: "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى". وقالت الحكماء:
النطق أشرف ما خص به الإنسان، لأنه صورته المعقولة التي باين بها سائر
الحيوانات، ولذلك قال سبحانه: "خلق الإنسان
علمه البيان"، ولم يقل: "وعلمه " بالواو لأنه سبحانه جعل قوله: "علمه البيان ! تفسيراً
لقوله: "خلق الإنسان ! لا عطفاً عليه، تنبيهاً على أن خلقه وتخصيصه
بالبيان الذي لو توهم مرتفعاً لارتفعت إنسانيته، ولذلك
قيل: ما الإنسان لولا اللسان إلا بهيمة مهملة، أو صورة ممثلة. وقال الشاعر:
قالوا: والصمت
من حيث هو صمت مذموم، وهو من صفات الجمادات، فضلاً عن الحيوانات، وكلام أمير المؤمنين عليه السلام وغيره من العلماء في مدح الصمت محمول على من يسيء الكلام
فيقع منه جنايات عظيمة في أمور الدين والدنيا، كما
روي في الخبر. "إن الإنسان إذا أصبح قالت أعضاؤه للسانه: اتق
الله فينا، فإنك إن استقمت نجونا، وإن زغت هلكنا"، فأما إذا اعتبر
النطق والصمت بذاتيهما فقط، فمحال أن يقال في الصمت فضل، فضلاً عن أن يخاير
ويقايس بينه وبين الكلام. فقال: لو قلت: زوج الله عدوك، لكان أبلغ في
الانتقام! ومن الكنايات المشهورة عنهن: "سلاح إبليس ". وقال الشاعر في
هذا المعنى:
ومن كلام بعض الحكماء: ليس ينبغي للعاقل أن يمدح امرأة إلا بعد موتها.
الأصل:
إذا حييت بتحية فحي بأحسن منها، وإذا أسديت إليك يد فكافئها بما يربي عليها،
والفضل مع ذلك للبادىء.
فقال معاوية: صدقت، وددت أنك الآن أيضاً خفضت من صوتك، يا غلام
أعطه خمسين ألف درهم، فلو كنت أحسنت في الأدب لأحسنا لك في الزيادة.
قال:
فشفعت له وقمت بأمره حتى بلغت له ما أحب. بزرجمهر: من
لم يستغن بنفسه عن شفيعه ووسائله وهت قوى أسبابه، وكان إلى الحرمان أقرب منه إلى
بلوغ المراد. ومثله:
من لم يرغب أوداؤه في اجتنابه لم يحظ بمدح شفعائه. ومثله:
إذا زرت الملوك فإن حسبي شفيعاً عندهم أن يعرفوني.
خرج
العطاء في أيام المنصور، وأقام الشقراني- من ولد شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم- ببابه أياماً لا يصل إليه عطاؤه، فخرج جعفر بن محمد من عند المنصور، فقام الشقراني إليه، فذكر له حاجته، فرحب به، ثم دخل ثانياً إلى المنصور، وخرج وعطاء الشقراني في كمه فصبه في كمه ثم قال: يا
شقران، إن الحسن من كل أحد حسن، و إنه منك أحسن لمكانك
منا، وإن القبيح من كل أحد قبيح، وهو منك أقبح
لمكانك منا. فاستحسن الناس ما قاله، وذلك لأن الشقراني كان صاحب شراب. قالوا: فانظر كيف أحسن السعي في استنجاز
طلبته، وكيف رحب به وأكرمه مع معرفته بحاله، وكيف وعظه ونهاه عن المنكر على وجه
التعريض! قال الزمخشري: وما هو إلا من أخلاق الأنبياء.
خبر محمد بن جعفر مع المنصور كان المنصور معجباً بمحادثة محمد بن
جعفر بن عبيد الله بن العباس، وكان
الناس لعظم قدره عند المنصور يفزعون إليه في الشفاعات وقضاء الحاجات، فنقل ذلك
على المنصور فحجبه مدة، ثم تتبعته نفسه، فحادث الربيع فيه، وقال: إنه لا صبر لي
عنه لكني قد ذكرت شفاعاته، فقال الربيع: أنا
أشترط ألا يعود، فكلمه الربيع، فقال: نعم، فمكث أياماً لا يشفع، ثم وقف له قوم
من قريش وغيرهم برقاع وهو يريد دار المنصور، فسألوه أن يأخذ رقاعهم، فقص عليهم
القصة، فضرعوا إليه وسألوه، فقال أما إذا أبيتم قبول العذر فإني لا أقبضها منكم،
ولكن هلموا فاجعلوها في كمي، فقذفوها في كمه، ودخل على المنصور وهو في الخضراء
يشرف على مدينة السلام وما حولها بين البساتين والضياع، فقال: أما ترى إلى
حسنها! قال: بلى يا أمير المؤمنين، فبارك الله لك فيما آتاك، وهنأك بإتمام نعمته
عليك فيما أعطاك! فما بنت العرب في دولة الإسلام، ولا العجم في سالف الأيام،
أحصن ولا أحسن من مدينتك، ولكن سمجتها في عيني خصلة، قال:
ما هي؟ قال: ليس لي فيها ضيعة، فضحك وقال:
نحسنها في عينك، ثلاث ضياع قد أقطعتكها، فقال: أنت والله يا أمير
المؤمنين شريف الموارد، كريم المصادر، فجعل الله باقي عمرك أكثر من ماضيه، وجعلت
الرقاع تبدر من كميه في أثناء كلامه وخطابه للمنصور، وهو يلتفت إليها ويقول:
ارجعن خاسئات، ثم يعود إلى حديثه، فقال المنصور: ما هذه بحقي عليك؟ ألا أعلمتني
خبرها! فأعلمه، فضحك فقال: أبيت يا بن معلم الخير إلا كرماً! ثم تمثل بقول عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر
بن أبي طالب:
ثم
أخذها وتصفحها ووقع فيها كلها بما طلب أصحابها.
وقال
دعبل:
آخر:
آخر:
آخر:
آخر:
وهذا مثل قول الآخر:
ابن الرومي:
الأصل: أهل الدنيا كركب يسار بهم وهم نيام.
ومثله
قوله عليه السلام: "الغريب من ليس له حبيب ".
وقال
آخر:
الأصل: فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها.
ومن أمثالهم المشهورة: "تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها.
وقال
بعضهم: وقفت على كنيف وفي أسفله كناف، وهو ينشد:
وأما كون الشكر زينة الغنى، فقد تقدم من القول ما هو كاف. الشرح:
قد أعجم تفسير هذه الكلمة على جماعة من الناس، وقالوا: المشهور
في كلام الحكماء: إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون، ولا معنى لقوله: "فلا تبل كيف كنت "! وجهلوا مراده عليه
السلام. ومراده:
إذا لم يكن ما تريد فلا تبل لذلك، أي لا تكترث بفوت فرادك ولا تبتئس بالحرمان، ولو وقف على هذا لتم الكلام وكمل المعنى، وصار هذا مثل قوله:
"فلا تكثر على ما فاتك منها أسفاً"، ومثل قول
الله تعالى: "لكيلا تأسوا على ما
فاتكم"، لكنه تمم وأكد فقال: "كيف كنت "، أي لا تبل بفوت
ما كنت أملته، ولا تحمل لذلك هماً كيف كنت، وعلى أي حال كنت، من حبس أو مرض أو
فقر أو فقد حبيب، وعلى الجملة، لا تبال الدهر، ولا تكترث بما يعكس عليك من غرضك،
ويحرمك من أملك؟ وليكن هذا الإهوان به والاحتقار له مما تعتمده دائماً على أي
حال أفضى بك الدهر إليها. وهذا واضح.
الأصل: من نصب نفسه للناس إماماً فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل
تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدبها أحق
بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم. الشرح: الفروع تابعة
للأصول، فإذا كان الأصل معوجاً استحال أن يكون الفرع مستقيماً، كما قال صاحب المثل: وهل يستقيم الظل والعود أعوج
"، فمن نصب نفسه للناس إماماً، ولم يكن قد علم نفسه ما انتصب ليعلمه الناس،
كان مثل من نصب نفسه ليعلم الناس الصياغة، والنجارة، وهو لا يحسن أن يصوغ
خاتماً، ولا ينجر لوحاً، وهذا نوع من السفه، بل هو السفه كله، ثم قال عليه السلام: وينبغي أن يكون تأديبه لهم بفعله
وسيرته قبل تأديبه لهم بلسانه، وذلك لأن الفعل أدل على حال الإنسان من القول. والظاهر أنها لأمير المؤمنين عليه
السلام، فإنها بكلامه أشبه، ولأن الرضي قد رواها عنه، وخبر العدل معمول به. آه من قلة
الزاد، وطول الطريق، وبعد السفر، وعظيم المورد! الشرح: السدول: جمع سديل، وهو ما أسدل على الهودج، ويجوز
في جمعه أيضاً السدال وسدائل، وهو ههنا استعارة. والتململ والتملل أيضاً، عدم الاستقرار من المرض،
كأنه على ملة، وهي الرماد الحار. فأما ضرار
بن ضمرة، فإن الرياشي روى خبره، ونقلته أنا من كتب عبد
الله بن إسماعيل بن أحمد الحلبي في "التذييل على نهج البلاغة"،
قال: دخل ضرار على معاوية- وكان ضرار من صحابة علي عليه
السلام- فقال له معاوية: يا
ضرار، صف لي علياً، قال: أو تعفيني! قال: لا أعفيك، قال: ما أصف منه! كان والله شديد القوى، بعيد المدى،
يتفجر العلم من أنحائه، والحكمة من أرجائه، حسن المعاشرة، سهل المباشرة، خشن
المأكل، قصير الملبس، غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، وكان
فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألنا، ويبتدئنا إذا سكتنا، ونحن مع تقريبه لنا أشد ما
يكون صاحب لصاحب هيبةً، لا نبتدئه الكلام لعظمته، يحب المساكين، ويقرب أهل
الدين، وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه... وتمام
الكلام مذكور في الكتاب. فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا حسن، كان
والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها. الأصل: ويحك! لعلك
ظننت قضاءً لازماً، وقدراً حاتماً! لو كان ذلك كذلك، لبطل الثواب والعقاب، وسقط
الوعد والوعيد، إن الله سبحانه أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً،
ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يعص مغلوباً، ولم يطع مكرهاً،
ولم يرسل الأنبياء لعباً، ولم ينزل الكتب للعباد عبثاً، ولا خلق السموات والأرض
وما بينهما باطلاً، "وذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار". الشرح:
قد ذكر شيخنا أبو الحسين رحمه الله هذا الخبر في
كتاب "الغرر" ورواه عن الأصبغ بن نباتة، قال: قام شيخ إلى علي عليه السلام فقال: أخبرنا عن مسيرنا إلى الشام،
أكان بقضاء الله وقدره؟ فقال: والذي فلق الحبة،
وبرأ النسمة، ما وطئنا موطئاً، ولا هبطنا وادياً إلا بقضاء الله وقدره. فقال الشيخ:
فعند الله أحتسب عنائي! ما أرى لي من الأجر شيئاً! فقال:
مه أيها الشيخ، لقد عظم الله أجركم لا مسيركم وأنتم سائرون، وفي منصرفكم وأنتم
منصرفون، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين، ولا إليها مضطرين. فقال الشيخ: وكيف
القضاء والقدر ساقانا؟ فقال!: ويحك! لعلك ظننت قضاءً لازماً، وقدراً حتماً! لو
كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب، والوعد والوعيد، والأمر والنهي، ولم تأت
لائمة من الله لمذنب، ولا محمدة لمحسن، ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء،
ولا المسيء أولى بالذم من المحسن، تلك مقالة عباد الأوثان، وجنود الشيطان، وشهود
الزور، وأهل العمى عن الصواب، وهم قدرية هذه الأمة ومجوسها، إن الله سبحانه أمر
تخييراً، ونهى تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يعص مغلوباً، ولم يطع مكرهاً، ولم يرسل
الرسل إلى خلقه عبثاً، ولم يخلق السموات والأرض وما بينهما باطلاً، "ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من
النار"، فقال الشيخ: فما القضاء
والقدر اللذان ما سرنا إلا بهما؟ فقال: هو الأمر من الله والحكم، ثم تلا قوله
سبحانه: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه"،
فنهض الشيخ مسروراً وهو يقول:
ذكر
ذلك أبو الحسين في بيان أن القضاء والقدر قد يكون بمعنى الحكم والأمر، وأنه من
الألفاظ المشتركة. تمج
عروقها الثرى، وتنطف فروعها بالندى، حتى إذا بلغ العشب إناه، وانتهى الزبرج
منتهاه، ضعف العمود، وذوى العود، وتولى من الزمان ما لا يعود، فحتت الرياح
الورق، وفرقت ما كان اتسق، فأصبحت هشيماً، وأمست رميماً. وقيل له:
العلم أفضل أم المال؟ فقال: العلم، قيل: فما بالنا نرى أهل العلم على أبواب أهل
المال أكثر مما نرى أصحاب الأموال على أبواب العلماء! قال: ذاك أيضاً عائد إلى
العلم والجهل، وإنما كان كما رأيتم، لعلم العلماء بالحاجة إلى المال، وجهل أصحاب
المال بفضيلة العلم.
الأصل:
أوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الإبل لكانت لذلك أهلاً: لا يرجون أحد منكم إلا
ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستحين أحد منكم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا
أعلم، ولا يستحين أحد إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه، وعليكم بالصبر، فإن الصبر من
الإيمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا خير في إيمان لا صبر
معه.
وكان يقال: من
استحيا من قول: "لا أدري " كان كمن يستحي من كشف ركبته، ثم يكشف
سوءته، وذلك لأن من امتنع من قول: "لا أدري
" وأجاب بالجهل والخطأ فقد واقع ما يجب في الحقيقة أن يستحيا منه،
وكف عما ليس بواجب أن يستحيا منه، فكان شبيهاً بما ذكرنا في الركبة والعورة. الشرح:
إنما قال كذلك لأن الشيخ كثير التجربة، فيبلغ من العدو برأيه ما لا يبلغ بشجاعته
الغلام الحدث غير المجرب، لأنه قد يغرر بنفسه فيهلك ويهلك أصحابه، ولا ريب أن
الرأي مقدم على الشجاعة، ولذلك قال أبو الطيب:
ومن وصايا أبرويز إلى ابنه شيرويه: لا تستعمل على جيشك غلاماً غمراً ترفاً، قد كثر إعجابه
بنفسه، وقلت تجاربه في غيره، ولا هرماً كبيراً مدبراً قد أخذ الدهر من عقله، كما
أخذت السن من جسمه، وعليك بالكهول ذوي الرأي! وقال لقيط بن يعمر الإيادي في هذا
المعنى:
الأصل: عجبت لمن يقنط ومعه الاستغفار. الأصل:
كان في الأرض أمانان من عذاب الله، وقد رفع أحدهما، فدونكم الآخر فتمسكوا به،
أما الأمان الذي رفع فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الأمان الباقي فالاستغفار، قال
الله تعالى: "ما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون". ومن أصلح أمر آخرته أصلح الله أمر دنياه. ومن كان له من نفسه واعظ،
كان عليه من الله حافظ.
ومثل الكلمة الثالثة قوله تعالى: "إن الله مع الذين اتقوا
والذين هم محسنون". الشرح: قل موضع من
الكتاب العزيز يذكر فيه الوعيد إلا ويمزجه بالوعد، مثل أن يقول: "إن ربك سريع
العقاب"، ثم يقول: "وإنه لغفور رحيم"،
والحكمة تقتفي هذا ليكون المكلف متردداً بين الرغبة والرهبة. والنفوس تحب الشهوات العاجلة، فتتهافت الناس على
المعاصي وبلوغ الشهوات والمآرب، معولين على ذلك، فلولا قول المرجئة وظهوره بين
الناس لكان العصيان إما معدوماً، أو قليلاً جداً. ومعنى ذلك
أنه سبحانه يختبر عباده بالأموال والأولاد ليتبين الساخط لرزقه، والراضي بقسمه،
وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم، ولكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب
والعقاب، لأن بعضهم يحب الذكور ويكره الإناث، وبعضهم يحب تثمير المال، ويكره
انثلام الحال. الشرح:
الفتنة لفظ مشترك، فتارة
تطلق على الجائحة والبلية تصيب الإنسان، تقول:
قد افتتن زيد وفتن فهو مفتون إذا أصابته مصيبة فذهب ماله أو عقله، أو نحو ذلك،
قال تعالى: "إن الذين فتنوا المؤمنين
والمؤمنات" يعني الذين عذبوهم بمكة ليرتدوا عن الإسلام، وتارة تطلق على الاختبار والامتحان، يقال: فتنت
الذهب إذا أدخلته النار لتنظر ما جودته. ودينار
مفتون، وتارة تطلق على الإحراق، قال تعالى: "يوم هم على النار يفتنون" وورق مفتون،
أي فضة محرقة، ويقال للحرة: فتين كأن
حجارتها محرقة، وتارةً تطلق على الضلال، يقال رجل فاتن ومفتن أي مضل عن الحق جاء
ثلاثياً ورباعياً، قال تعالى: "ما انتم عليه بفاتنين. إلا من هو صال الجحيم" أي بمضلين، وقرأ قوم
"مفتنين "، فمن قال: إني أعوذ بك
من الفتنة، وأراد الجائحة، أو الإحراق أو الضلال، فلا بأس بذلك، وإن أراد
الاختبار والامتحان فغير جائز، لأن الله تعالى أعلم بالمصلحة، وله أن يختبر
عباده لا ليعلم حالهم، بل ليعلم بعض عباده حال بعض، وعندي
أن أصل اللفظة هو الاختبار والامتحان، وأن الاعتبارات
الأخرى راجعة إليها، وإذا تأملت علمت صحة
ما ذكرناه. ولا خير في
الدنيا إلا لرجلين: رجل أذنب ذنوباً فهو يتداركها بالتوبة، ورجل يسارع في
الخيرات، ولا يقل عمل مع التقوى، وكيف يقل ما يتقبل! الشرح: قد قال الشاعر لهذا
المعنى:
قوله: "ولا يقل عمل مع التقوى""، أي مع اجتناب الكبائر، لأنه لو كان
موقعاً لكبيرة لما تقبل منه عمل أصلاً على قول
أصحابنا، فوجب أن يكون المراد بالتقوى اجتناب الكبائر، فأما مذهب المرجئة فإنهم يحملون التقوى ههنا على
الإسلام، لأن المسلم عندهم يتقبل أعماله، وإن كان مواقعاً للكبائر. واللحمة بالضم:
النسب والقرابة، وهذا مثل الحديث المرفوع،
"ائتوني بأعمالكم، ولا تأتوني بأنسابكم، إن أكرمكم عند الله أتقاكم" وفي الحديث الصحيح: "يا فاطمة بنت محمد، إني
لا أغني عنك من الله شيئاً". يقول عليه السلام:
ترك التنفل بالعبادات مع سلامة العقيدة الأصلية، خير من الاشتغال بالنوافل
وأوراد الصلاة مع عدم العلم، وهو المعني بقوله: "في
شك "، فإذا كان عدم التنفل خيراً من التنفل مع الشك فهو مع الجهل
المحض- وهو الاعتقاد الفاسد- أولى بأن يكون. الأصل:
وقال عليه السلام وقد سمع رجلاً يقول: "إنا
لله وإنا إليه راجعون"، فقال: إن قولنا "إنا لله " إقرار
على أنفسنا بالملك، وقولنا: "وإنا إليه راجعون
" إقرار على أنفسنا بالهلك. الشرح:
قد تقدم القول في كراهية مدح الإنسان في وجهه. وفي الحديث المرفوع: "إذا مدحت أخاك في وجهه، فكأنما أمررت على حلقه موسى
وميضة". وقال أيضاً:
"لو مشى رجل إلى رجل بسيف مرهف كان خيراً له من أن يثني عليه في وجهه. ومن كلام عمر: المدح هو الذبح، قالوا: لأن المذبوح
ينقطع عن الحركة والأعمال، وكذلك الممدوح يفتر عن العمل ويقول: قد حصل في القلوب
والنفوس ما أستغني به عن الحركة والجد. وقال زياد بن أبي مسلم: ليس أحد سمع ثناء أحد عليه إلا وتراءى له شيطان، ولكن
المؤمن يراجع. وقال شبيب بن شبة بن عقال: أمران لا يجتمعان إلا وجب النجح، وهما العاقل لا يسأل إلا
ما يجوز، والعاقل لا يرد سائله عما يمكن.
الأصل: يأتي على الناس زمان لا يقرب فيه
إلا الماحل، ولا يظرف فيه إلا الفاجر، ولا يضعف فيه إلا المنصف، يعدون الصدقة
فيه غرماً، وصلة الرحم مناً، والعبادة استطالة على الناس، فعند ذلك يكون السلطان
بمشورة الإماء، وإمارة الصبيان، وتدبير الخصيان. ورئي محمد
بن الحنفية عليه السلام واقفاً
بعرفات على برذون أصفر، وعليه مطرف خز أصفر، وجاء فرقد السبخي إلى الحسن وعلى
الحسن مطرف خز، فجعل ينظر إليه وعلى فرقد ثياب صوف، فقال الحسن: ما بالك تنظر
إلي وعلي ثياب أهل الجنة، وعليك ثياب أهل النار! إن أحدكم ليجعل الزهد في ثيابه
والكبر في صدره، فلهو أشد عجباً بصوفه من صاحب المطرف. الشرح:
هذا الفصل بين في نفسه لا يحتاج إلى شرح، وذلك لأن عمل كل واحد من الدارين مضاد
لعمل الأخرى، فعمل هذه الاكتساب، والاضطراب في الرزق، والاهتمام بأمر المعاش،
والولد والزوجة، وما ناسب ذلك. وعمل
هذه قطع العلائق، ورفض الشهوات، والانتصاب للعبادة، وصرف الوجه عن كل ما يصد عن
ذكر الله تعالى، ومعلوم أن هذين العملين متضادان، فلا جرم كانت الدنيا والآخرة
ضرتين لا يجتمعان! الأصل: وعن
نوف البكائي- وقيل البكالي باللام، وهو الأصح- قال: رأيت أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة وقد خرج من
فراشه فنظر إلى النجوم، فقال: يا نوف، أراقد أنت أم رامق؟ قلت: بل رامق يا أمير
المؤمنين، فقال: يا نوف، طوبى للزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة! أولئك
قوم اتخذوا الأرض بساطاً، وترابها فراشاً، وماءها طيباً، والقرآن شعاراً،
والدعاء دثاراً، ثم قرضوا الدنيا قرضاً على منهاج المسيح. يا نوف، إن داود عليه
السلام قام في مثل هذه الساعة من الليل، فقال: إنها لساعة لا يدعو فيها عبد إلا
استجيب له، إلا أن يكون عشاراً، أو عريفاً، أو شرطياً، أو صاحب عرطبة- وهي
الطنبور- أو صاحب كوبة، وهي الطبل.
فأما
البكالي في نسب نوف فلا أعرفه.
قالوا: مشرف والفوارس: موضعان، يقول: نظرت إلى ظعن يجزن بين
هذين الموضعين. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واجتمع ابن المقفع بالخليل بن أحمد،
وسمع كل منهما كلام الآخر، فسئل الخليل عنه فقال: وجدت
علمه أكثر من عقله، وهكذا كان، فإنه كان مع حكمته متهوراً، لا جرم تهوره قتله!
كتب كتاب أمان لعبد الله بن علي عم المنصور ويوجد فيه خطه، فكان من جملته: ومتى غدر أمير المؤمنين بعمه عبد
الله، أو أبطن غير ما أظهر أو تأول في شيء من شروط هذا الأمان فنساؤه طوالق،
ودوابه حبس، وعبيده وإماؤه أحرار، والمسلمون في حل من بيعته. فاشتد ذلك على
المنصور لما وقف عليه، وسأل: من الذي كتب له
الأمان؟ فقيل له: عبد الله بن المقفع كاتب
عميك عيسى وسليمان، ابني علي بالبصرة، فكتب المنصور إلى عامله بالبصرة سفيان بن
معاوية يأمره بقتله. وقيل: بل قال: أما أحد يكفيني ابن
المقفع! فكتب أبو الخصيب بها إلى سفيان بن معاوية المهلبي
أمير البصرة يومئذ-وكان سفيان واجداً على ابن المقفع لأنه كان يعبث به ويضحك منه
دائماً، فغضب سفيان يوماً من كلامه وافترى عليه، فرد
ابن المقفع عليه رداً فاحشاً، وقال له: يا بن المغتلمة! وكان يمتنع
ويعتصم بعيسى وسليمان ابني علي بن عبد الله بن العباس، فحقدها سفيان عليه- فلما
كوتب في أمره بما كوتب اعتزم قتله، فاستأذن عليه جماعة من أهل البصرة، منهم ابن
المقفع، فأدخل ابن المقفع قبلهم، وعدل به إلى حجرة في دهليزه، وجلس غلامه بدابته ينتظره على باب سفيان، فصادف ابن
المقفع في تلك الحجرة سفيان بن معاوية، وعنده غلمانه وتنور نار يسجر، فقال له سفيان: أتذكر يوم قلت لي كذا! أمي مغتلمة إن لم أقتلك قتلة لم يقتل بها أحد، ثم قطع
أعضاءه عضواً عضواً، وألقاها في النار وهو ينظر إليها
حتى أتى على جميع جسده، ثم أطبق التنور عليه، وخرج إلى الناس فكلمهم،
فلما خرجوا من عنده تخلف غلام ابن المقفع ينتظره فلم يخرج، فمضى وأخبر عيسى بن
علي وأخاه سليمان بحاله، فخاصما سفيان بن معاوية في أمره، فجحد دخوله إليه،
فأشخصاه إلى المنصور، وقامت البينة العادلة أن ابن
المقفع دخل دار سفيان حياً سليماً ولم يخرج منها. فقال المنصور: أنا أنظر في
هذا الأمر إن شاء الله غداً، فجاء سفيان ليلاً إلى المنصور فقال: يا أمير المؤمنين، اتق الله في صنيعتك ومتبع أمرك،
قال: لا ترع، وأحضرهم في غد، وقامت الشهادة وطلب سليمان وعيسى القصاص، فقال المنصور: أرأيتم إن قتلت سفيان بابن المقفع، ثم خرج ابن المقفع عليكم من هذا الباب- وأومأ إلى باب خلفه-
من ينصب لي نفسه حتى أقتله بسفيان؟ فسكتوا، واندفع الأمر، وأضرب عيسى وسليمان عن ذكر ابن المقفع بعدها، وذهب دمه هدراً. فإن قلت: فما مثال
الحكمة وخلافها، وإن لم يذكر عليه السلام مثاله؟ قلت:
كالشجاعة في القلب وضدها الجبن، وكالجود وضده البخل، وكالعفة وضدها الفجور، ونحو
ذلك. فأما الأمور التي عددها عليه السلام
فكلام مستأنف، إنما هو بيان أن كل شيء مما يتعلق بالقلب يلزمه لازم آخر نحو
الرجاء، فإن الإنسان إذا اشتد رجاؤه أذله الطمع،. والطمع
يتبع الرجاء، والفرق بين الطمع والرجاء أن الرجاء توقع منفعة ممن سبيله أن تصدر
تلك المنفعة عنه، والطمع توقع منفعة ممن يستبعد وقوع تلك المنفعة منه، ثم قال:
وإن هاج به الطمع قتله الحرص، وذلك لأن الحرص يتبع الطمع، إذا لم يعلم الطامع
أنه طامع، وإنما يظن أنه راج. والمعنى أن كل فضيلة فإنها مجنحة بطرفين معدودين من
الرذائل كما أوضحناه آنفاً، والمراد أن آل محمد
عليه وعليهم السلام هم الأمر المتوسط بين الطرفين المذمومين، فكل من
جاوزهم فالواجب أن يرجع إليهم، وكل من قصر عنهم فالواجب أن يلحق بهم. وفي المثل:
من صانع بالمال، لم يحتشم من طلب الحاجة. ولعل هذا هو مراد الرضي بقوله:
"وقد يؤول ذلك على معنى آخر ليس هذا موضع ذكره ". الشرح:
قد تقدم الكلام في جميع هذه الحكم. ثم
عد الأعمال الصالحة. وقال: "أولم ينظروا" ولا ريب أن
العبادة بأداء الفرائض فوق العبادة بالنوافل. والحياء مخ الإيمان، وكذلك الصبر
والتواضع مصيدة الشرف، وذلك هو الحسب، وأشرف الأشياء العلم، لأنه خاصة الإنسان،
وبه يقع الفضل بينه وبين سائر الحيوان . ومن كلام بعض الحكماء: إذا استشارك عدوك في الأمر فامحضه
النصيحة في الرأي، فإنه إن عمل برأيك وانتفع ندم على إفراطه في مناوأتك، وأفضت
عداوته إلى المودة، وإن خالفك واستضر عرف قدر أمانتك بنصحه، وبلغت مناك في
مكروهه.
قيل
لعالم: من أسوأ الناس حالاً؟ قال: من لا يثق بأحد لسوء ظنه، ولا يثق به أحد لسوء
فعله.
قيل لصوفي:
ما صناعتك؟ قال: حسن الظن بالله، وسوء الظن بالناس. وكان يقال: ما أحسن حسن الظن
إلا أن فيه العجز، وما أقبح سوء الظن إلا أن فيه الحزم.
الأصل: وقيل له عليه السلام: كيف تجدك يا أمير المؤمنين؟ فقال: كيف
يكون حال من يفنى ببقائه، ويسقم بصحته، ويؤتى من مأمنه.
وقال
آخر:
الأصل: كم من مستدرج بالإحسان إليه، ومغرور بالستر عليه، ومفتون بحسن
القول فيه! وما ابتلى الله أحداً بمثل الإملاء له. وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل
مدح رجلاً قد مر بمجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسمع، ولكن قال: "ويحك لكدت تضرب عنقه، لو سمعها
لما أفلح ".
الأصل: مثل الدنيا كمثل الحية لين مسها، والسمم الناقع في جوفها،
يهوي إليها الغر الجاهل، ويحذرها ذو اللب العاقل.
الأصل: وقال عيله السلام: وقد سئل عن قريش فقال: أما بنو مخزوم فريحانة قريش، تحب
حديث رجالهم، والنكاح في نسائهم. وأما بنو عبد شمس فأبعدها رأياً، وأمنعها لما وراء ظفورها، وأما نحن فأبذل لما في أيدينا
وأسمح عند الموت بنفوسنا، وهم أكثر وأمكر وأنكر، ونحن أفصح وأنصح وأصبح.
فدل
ذلك على أن ما تقوله مخزوم في التاريخ حق، وذلك أنهم قالوا: كانت قريش وكنانة
ومن والاهم من الناس يؤرخون بثلاثة أشياء: كانوا يقولون:
كان ذلك زمن مبنى الكعبة، وكان ذلك من مجيء الفيل، وكان ذلك عام مات هشام بن
المغيرة.
وكما
وضع من بني نمير قول جرير:
فلقيت
نمير من هذا البيت ما لقيت.
ونمير
قبيل شريف، وقد ثلم في شرفهم هذا البيت.
فضرب
بهشام المثل.
فضرب
المثل ببيتهم في قريش.
فضرب
المثل بآل المغيرة.
فجعل
قريشاً كلها حياً لهشام.
وهذا
مثل وفوق المثل.
فجعل
موت هشام وفقد الغيث سواء.
وقال
أبو الطمحان القيني- أو أخوه:
وقال
أبو بكر بن شعوب لقومه كنانة:
وقال
خداش بن زهير:
وقال
علي بن هرمة، عم إبراهيم بن هرمة:
وقال
الشاعر وهو يهجو رجلاً:
وقال
الأسود بن يعفر النهشلي:
وقال
ثابت قطنة- أو كعب الأشقري لمحمد بن الأشعث بن قيس:
وقال
الخزاعي في كلمته التي يذكر فيها أبا أحيحة:
وسأل
معاوية صعصعة بن صوحان العبدي عن قبائل قريش، فقال: إن قلنا غضبتم، وإن سكتنا
غضبتم، فقال: أقسمت عليك، قال: فيمن يقول شاعركم:
وقال
عبد الرحمن بن سيحان الجسري حليف بني أمية وهو يهجو عبد الله بن مطيع من بني
عدي:
وقال
أبو طالب بن عبد المطلب وهو يفخر بخاليه هشام والوليد على أبي سفيان بن حرب:
وقال
ابن الزبعرى فيهم:
وقال
شاعر من بني هوازن، أحد بني أنف الناقة حين سقى إبله عبد الله بن أبي أمية
المخزومي بعد أن منعه الزبرقان بن بدر:
فقال
عبد الله بن أبي أمية مجيباً له:
قالوا:
وكان الوليد بن المغيرة يجلس بذي المجاز فيحكم بين العرب أيام عكاظ وقد كان رجل
من بني عامر بن لؤي رافق رجلاً من بني عبد مناف بن قصي، فجرى بينهما كلام في
حبل، فعلاه بالعصا حتى قتله، فكاد دمه يطل، فقام دونه أبو طالب بن عبد المطلب
وقدمه إلى الوليد، فاستحلفه خمسين يميناً أنه ما قتله، ففي ذلك يقول أبو طالب:
وقال
أبو طالب أيضاً في كلمة له:
وقال
أبو طالب أيضاً يرثي أبا أمية زاد الركب وهو خاله:
وقال
أبو طالب أيضاً يرثي خاله هشام بن المغيرة:
عمرو
هذا هو أبو جهل بن هشام، وأبو عثمان هو هشام.
وقال
حسان بن ثابت وهو يهجو أبا جهل، وكان يكنى أبا الحكم:
فاعترف
له بالرياسة والتقدم.
فأبى
أن يحكم، فرجعا إلى هرم.
وقال
أيضاً في كلمة له:
وقال
عمارة بن أبي طرفة الهذلي، سمعت ابن جريج يقول في كلام له: هلك سيد البطحاء
بالرعاف؟ قلت: ومن سيد البطحاء؟ قال: هشام بن المغيرة. وقال
النبي صلى الله عليه وسلم: "لو
دخل أحد من مشركي قريش الجنة لدخلها هشام بن المغيرة، كان أبذلهم للمعروف،
وأحملهم للكل.
وقال
أيضاً وذكرهما في تلك الحروب:
وذكرهم
ابن الزبعرى في تلك الحروب فقال:
ريطة:
هي أم ولد المغيرة، وهي ريطة بنت سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب، وأبو عبد
مناف هو أبو أمية بن المغيرة، ويعرف بزاد الركب، واسمه حذيفة، وإنما قيل له: زاد
الركب لأنه كان إذا خرج مسافراً لم يتزود معه أحد، وكانت عنده عاتكة بنت عبد
المطلب بن هشام، وأما ذو الرمحين فهو أبو ربيعة بن المغيرة واسمه عمرو، وكان
المغيرة يكنى باسم ابنه الأكبر، وهو هشام، ولم يعقب إلا من حنتمة ابنته، وهي أم
عمر بن الخطاب.
وقال
الورد بن خلاس السهمي سهم باهلة يمدح الوليد:
وقال
أيضاً:
وقال:
قالوا:
الغيث لقب المغيرة، وجعل الوليد وأخاه هشاماً ربي تهامة كما قال لبيد بن ربيعة
في حذيفة بن بدر:
فجعله
رب معد. وزعم
اليقطري أبو اليقظان وأبو الحسن أن الحجاج سأل أعشى همدان عن بيوتات قريش في
الجاهلية، فقال: إني قد آليت ألا أنفر أحداً على أحد، ولكن أقول وتسمعون، قالوا:
فقل. قال: من أيهم المحبب في أهله، المؤرخ بذكره،
محلي الكعبة، وضارب القبة، والملقب بالخير، وصاحب الخير والمير؟ قالوا: من بني
مخزوم، قال: فمن أيهم ضجيع بسباسة، والمنحور عنه ألف ناقة، وزاد الركب، ومبيض
البطحاء؟ قالوا: من بني مخزوم، قال: فمن أيهم كان المقنع في حكمه، والمنفذ وصيته
على تهكمه، وعدل الجميع في الرفادة، وأول من وضع أساس الكعبة؟ قالوا من بني
مخزوم، قال: فمن أيهم صاحب الأريكة، ومطعم الخزيرة، قالوا من بني مخزوم، قال فمن
أيهم الإخوة العشرة، الكرام البررة؟ قالوا من بني مخزوم، قال: فهو ذاك؟ فقال رجل
من بني أمية، أيها الأمير، لو كان لهم مع قديمهم حديث الإسلام! فقال الحجاج: أو ما علمت بأن منهم رداد الردة، وقاتل مسيلمة،
وآسر طليحة، والمدرك بالطائلة، مع الفتوح العظام والأيادي الجسام فهذا آخر ما
ذكره أبو عثمان.
منا
بنو المغيرة العشرة أمهم ريطة، وقد تقدم ذكر نسبها، وأمها عاتكة بنت عبد العزى
بن قصي، وأمها الحظيا بنت كعب بن سعد بن تيم بن مرة. أول امرأة من قريش ضربت
قباب الأدم بذي المجاز، ولها يقول الشاعر:
فمن
هؤلاء- أعني الحظيا- الوليد بن المغيرة أمه صخرة بنت الحارث بن عبد الله بن عبد
شمس القشيري، كان أبو طالب بن عبد المطلب يفتخر بأنه خاله، وكفاك من رجل يفتخر
أبو طالب بخئولته! ألا ترى إلى قول أبي طالب:
ومنهم
حفص بن المغيرة، وكان شريفاً. وعثمان بن المغيرة. وكان شريفاً. ومنهم السيد
المطاع هشام بن المغيرة، وكان سيد قريش غير مدافع، له يقول أبو بكر بن الأسود بن
شعوب يرثيه:
ويقول
له الحارث بن أمية الضمري:
وقال
أيضاً يبكيه ويرثيه:
وضباعة
التي يذكرها الشعراء زوجة هشام، وهي من بني قشيرة.
فهدم
حكيم داره، فأعطاه بنو هشام داره التي بأجياد عوضاً منها.
قال الزبير:
وكان فارس قريش في الجاهلية هشام بن المغيرة، وأبو لبيد بن عبدة بن حجرة بن عبد
بن معيض بن عامر بن لؤي، وكان يقال لهشام: فارس البطحاء، فلما هلكا كان فارسي
قريش بعدهما عمرو بن عبد العامري المقتول يوم الخندق، وضرار بن الخطاب المحاربي
الفهري، ثم هبيرة بن أبي وهب وعكرمة بن أبي جهل المخزوميان قالوا: وكان عام مات
هشام تاريخاً، كعام الفيل، وعام الفجار، وعام بنيان الكعبة. وكان هشام ريئس بني
مخزوم يوم الفجار. والحارث
بن هشام أخو أبي جهل كان شريفاً مذكوراً، وله يقول كعب بن الأشرف اليهودي
الطائي:
وهو
الذي هاجر من مكة إلى الشام بأهله وماله في خلافة عمر بن الخطاب، فتبعه أهل مكة
يبكون، فرق وبكى وقال: إنا لو كنا نستبدل داراً بدار، وجاراً بجار، ما أردنا بكم
بدلاً، ولكنها النقلة إلى الله عز وجل، فلم يزل حابساً نفسه ومن معه بالشام
مجاهداً حتى مات. فقال:
حين غاب عني مثلك من قومي. وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام هو الذي رغب فيه عثمان
بن عفان وهو خليفة فزوجه ابنته. قالوا:
ومنا أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، كان سيداً جواداً وفقيهاً
عالماً، وهو الذي قدم عليه بنو أسد بن خزيمة يسألونه في دماء كانت بينهم، فاحتمل
عنهم أربعمائة بعير دية أربعة من القتلى، ولم يكن بيده مال، فقال لابنه عبد الله
بن أبي بكر: اذهب إلى عمك المغيرة بن عبد الرحمن فاسأله المعونة، فذهب عبد الله
إلى عمه فذكر له ذلك، فقال المغيرة: لقد أكبر علينا أبوك، فانصرف عنه عبد الله
وأقام أياماً لا يذكر لأبيه شيئاً، وكان يقود أباه إلى المسجد وقد ذهب بصره،
فقال له أبوه يوماً: أذهبت إلى عمك؟ قال: نعم، وسكت، فعرف حين سكت أنه لن يجد
عند عمه ما يحب. فقال
له: يا بني ألا تخبرني ما قال لك؟ قال: أيفعل أبو هشام- وكانت كنية المغيرة-
فربما فعل، ولكن اغد غداً إلى السوق فخذ لي عينة، فغدا عبد الله فتعين عينة من
السوق لأبيه وباعها، فأقام أياماً لا يبيع أحد في السوق طعاماً ولا زيتاً غير
عبد الله بن أبي بكر من تلك العينة، فلما فرغ أمره أبوه أن يدفعها إلى الأسديين
فدفعها إليهم.
فابن
بشر، عبد الله بن بشر بن مروان بن الحكم، وجدي التيم: حماد بن عمران بن موسى بن
طلحة بن عبيد الله، وأوتار عقبة يعني أولاد عقبة بن أبي معيط، والحاطبي لقمان بن
محمد بن حاطب الجمحي، ورهط صخر: بنو أبي سفيان بن حرب بن أمية، وكل هؤلاء كانوا
مشهورين بالكوفة، فلما قدمها المغيرة أخمل ذكرهم، والمغيرة هذا هو الذي بلغه أن
سليم بن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري أراد أن يبيع المنزل! الذي نزل فيه رسول
الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة على أبي أيوب بخمسمائة دينار، فأرسل إليه ألف
دينار، وسأله أن يبيعه إياه، فباعه، فلما ملكه جعله صدقة في يومه. وكان المغيرة يأمر بالسكر والجوز فيدقان ويطعمهما أصحاب الصفة
المساكين، ويقول:
إنهم يشتهون كما يشتهي غيرهم ولا يمكنهم، فخرج المغيرة في سفر ومعه جماعة فوردوا
غديراً ليس لهم ماء غيره- وكان ملحاً- فأمر بقرب العسل فشقت في الغدير وخيضت
بمائه، فما شرب أحد منهم حتى راحوا إلا من قرب المغيرة.
وأخوه
عكرمة بن خالد كان من وجوه قريش، وروى الحديث، وروي عنه.
قالوا: ولنا الأوقص، وهو محمد بن عبد الرحمن بن هشام بن المغيرة، كان
قاضي مكة، وكان فقيهاً. قالوا:
ومن يعد ما تعده مخزوم ولها خالد بن الوليد بن المغيرة
سيف الله! كان مباركاً، ميمون النقيبة شجاعاً، وكان إليه أعنة الخيل على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد معه فتح مكة، وجرح يوم حنين،
فنفث رسول الله صلى الله عليه وسلم على جرحه فبرأ، وهو الذي قتل مسيلمة وأسر طليحة، ومهد خلافة أبي بكر، وقال
يوم موته:
لقد شهدت كذا وكذا زحفاً، وما في جسدي موضع إصبع إلا وفيه طعنة أو ضربة، وهأنذا
أموت على فراشي كما يموت العير، فلا نامت أعين الجبناء! ومر
عمر بن الخطاب على دور بني مخزوم والنساء يندبن خالداً، وقد وصل خبره إليهم وكان
مات بحمص، فوقف وقال: ما على النساء أن يندبن أبا سليمان، وهل تقوم حرة عن مثله!
ثم أنشد:
وكان عمر مبغضاً لخالد، ومنحرفاً عنه، ولم يمنعه ذلك من أن صدق
فيه. وإسماعيل
بن هشام بن الوليد كان أمير المدينة. وإبراهيم ومحمد ابنا هشام بن عبد الملك. وأيوب
بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن الوليد، وكان من رجال قريش، ومن ولده هشام بن
إسماعيل بن أيوب وسلمة بن عبد الله بن الوليد بن الوليد، ولي شرطة المدينة.
قالوا:
ولنا سعيد بن المسيب الفقيه المشهور. وأما
الجواد المشهور فهو الحكم بن المطلب بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم. قلت:
لا مناقضة بينهما، لأنه أراد كثرة بني عبد شمس، فبالكثرة تمنع ما وراء ظهورها،
وكان بنو هاشم أقل عدداً من بني عبد شمس، إلا أن كل واحد منهم على انفراده أشجع
وأسمح بنفسه عند الموت من كل واحد على انفراده من بني عبد شمس، فقد بان أنه لا مناقضة بين القولين. الشرح:
أخذ هذا المعنى بعض الشعراء، فقال:
الأصل:
وقال عليه السلام وقد تبع جنازة فسمع رجلاً يضحك، فقال: كأن الموت فيها على غيرنا كتب، وكأن الحق فيها على غيرنا
وجب، وكأن الذي نرى من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون، نبوئهم أجداثهم،
ونأكل تراثهم، كأنا مخلدون بعدهم، قد نسينا كل واعظ وواعظة، ورمينا بكل جائحة. قلت:
لا يجوز أن يريد غيره، لأن لفظ العمل يشمل الاعتقاد، والنطق باللسان، وحركات
الأركان بالعبادات، إذ كل ذلك عمل وفعل، وإن كان بعضه من أفعال القلوب، وبعضه من
أفعال الجوارح، ولو لم يرد أمير المؤمنين عليه السلام ما
شرحناه لكان قد قال: الإسلام هو العمل
بالأركان خاصة، ولم يعتبر فيه الاعتقاد القلبي، ولا النطق اللفظي، وذلك مما لا
يقوله أحد. ورأى حكيم رجلاً
مثرياً يأكل خبزاً وملحاً، فقال: لم تفعل هذا؟ قال: أخاف الفقر، قال: فقد
تعجلته. فأما القول في الكبر والتيه فقد تقدم منه ما فيه كفاية، وقال ابن
الأعرابي: ما تاه علي أحد قط أكثر من مرة واحدة، أخذ هذا المعنى شاعر
فقال وأحسن:
وقد تقدم من كلامنا في نظائر هذه الألفاظ المذكورة ما يغني عن
الإطالة ههنا. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقال سفيان الثوري: كانوا لا يعدون الفقيه فقيهاً من لا يعد البلاء نعمة
والرخاء مصيبة. فلما
في الربيع من الكيفيتين اللتين هما منبع النمو والنفس النباتية، وهما الحرارة
والرطوبة وأما الخريف فخال من هاتين الكيفيتين ومستبدل بهما ضدهما، وهما البرودة
واليبس المنافيان للنشوء وحياة الحيوان والنبات. فأما لم كان الخريف بارداً يابساً والربيع
حاراً رطباً مع أن نسبة كل واحد منهما إلى الفصلين الخارجين عن الاعتدال وهما
الشتاء والصيف نسبة واحدة؟ فإن تعليل ذلك مذكور في الأصول الطبية، والكتب
الطبيعية، وليس هذا الموضع مما يحسن أن يشرح فيه مثل ذلك.
وقال الحسن عليه السلام:
مات صديق لنا صالح، فدفناه ومددنا على القبر ثوباً، فجاء صلة بن أشيم، فرفع طرف
الثوب ونادى: يا فلان:
وفي الحديث المرفوع، إنه عليه السلام كان إذا تبع الجنازة أكثر الصمات ،ورئي
عليه كآبة ظاهرة، وأكثر حديث النفس. وكانت تعطيها الشيء بعد الشيء تأمرها أن تتصدق
به، فتقول: اذهبي فضعي هذا في كندوج العمل.
وقال
آخر:
وجاء في الحديث المرفوع: "ما رأيت منظراً إلا والقبر أفظع منه ". |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقال وقد سمع رجلاً يذم الدنيا
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أيها الذام
للدنيا، المغتر بغرورها، المنخدع بأباطيلها، أتفتتن بها ثم تذمها! أنت المتجرم
عليها أم هي المتجرمة عليك! متى استهوتك، أم متى غرتك! أبمصارع آبائك من البلى،
أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى! كم عللت بكفيك، وكم مرضت بيديك. تبتغي لهم الشفاء،
وتستوصف لهم الأطباء، غداة لا يغني عنهم دواؤك، ولا يجدي عليهم بكاؤك! لم ينفع
أحدهم إشفاقك، ولم تسعف فيه بطلبتك، ولم تدفع عنه بقوتك، وقد علت لك به الدنيا
نفسك، وبمصرعه مصرعك. مسجد أحباء الله، ومصلى ملائكة الله، ومهبط وحي
الله، ومتجر أولياء الله، اكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا فيها الجنة، فمن ذا
يذمها، وقد آذنت ببينها، ونادت بفراقها، ونعمت نفسها وأهلها، فمثلت لهم ببلائها
البلاء، وشوقتهم بسرورها إلى السرور! راحت بعافية، وابتكرت بفجيعة، ترغيباً
وترهيباً، وتخويفاً وتحذيراً، فذمها رجال غداة الندامة، وحمدها آخرون يوم
القيامة، ذكرتهم الدنيا فذكروا وحدثتهم فصدقوا ووعظتهم فاتعظوا. واحتذى عبد الله بن المعتز حذو أمير المؤمنين عليه السلام في مدح
الدنيا فقال في كلام له: الدنيا
دار التأديب والتعريف، التي بمكروهها توصل إلى محبوب الآخرة، ومضمار الأعمال،
السابقة بأصحابها إلى الجنان، ودرجة الفوز التي يرتقي عليها المتقون إلى دار
الخلد، وهي الواعظة لمن عقل، والناصحة لمن قبل، وبساط المهل، وميدان العمل،
وقاصمة الجبارين، وملحقة الرغم معاطس المتكبرين، وكاسية التراب أبدان المختالين،
وصارعة المغترين، ومفرقة أموال الباخلين، وقاتلة القاتلين، والعادلة بالموت على
جميع العالمين، وناصرة المؤمنين، ومبيرة الكافرين، الحسنات فيها مضاعفة،
والسيئات بآلامها ممحوة، ومع عسرها يسران، والله تعالى قد ضمن أرزاق أهلها،
وأقسم في كتابه بما فيها، ورب طيبة من نعيمها قد حمد الله عليها فتلقتها أيدي
الكتبة ووجبت بها الجنة، وكم نائبة من نوائبها، وحادثة من حوادثها، قد راضت
الفهم، ونبهت الفطنة، وأذكت القريحة، وأفادت فضيلة الصبر، وكثرت ذخائر الأجر ومن الكلام المنسوب إلى علي عليه السلام: الناس أبناء الدنيا،
ولا يلام المرء على حب أمه، أخذه محمد بن وهب الحمير ي فقال:
الأصل:
إن لله ملكاً ينادي في كل يوم: لدوا للموت، واجمعوا للفناء، وابنوا للخراب.
ومثله
قوله تعالى: "ولقد ذرأنا لجهنم"، ليس
أنه ذرأهم ليعذبهم في جهنم، بل ذرأهم وكان عاقبة ذرئهم أن صاروا فيها، وبهذا
الحرف يحصل الجواب عن كثير من الآيات المتشابهة التي تتعلق بها المجبرة.
وأما
الموت فقد قال الشاعر:
ومن كلام علي عليه السلام: الصديق من صدق في غيبته.
قيل للثوري: دلني
على جليس أجلس إليه؟ قال: تلك ضالة لا توجد. الشرح: في بعض
الروايات أن ما نسب إلى الرضي رحمه الله من استنباط
هذه المعاني من الكتاب العزيز من متن كلام أمير المؤمنين عليه السلام وقد سبق
القول في كل واحدة من هذه الأربع مستقصىً. وزوج عامر بن الظرب ابنته من ابن أخيه، فلما أراد تحويلها
قال لأمها: مري ابنتك ألا تنزل مفازة إلا ومعها ماء، فإنه للأعلى جلاء،
وللأسفل نقاء، ولا تكثر مضاجعته، فإذا مل البدن مل القلب، ولا تمنعه شهوته، فإن
الحظوة في المواقعة. فلم يلبث إلا شهراً حتى جاءته
مشجوجة، فقال لابن أخيه:
يا بني ارفع عصاك عن بكرتك، فإن كان من غير أن تنفر بك فهو الداء الذي ليس له
دواء، وإن لم يكن بينكما وفاق ففراق، الخلع أحسن من الطلاق، وأن تترك أهلك
ومالك. الشرح:
هذا حق، لأن من لم يوقن بالخلف ويتخوف الفقر يضن بالعطية، ويعلم أنه إذا أعطى ثم
أعطى استنفد ماله، واحتاج إلى الناس لانقطاع مادته، وأما من يوقن بالخلف، فإنه
يعلم أن الجود شرف لصاحبه، وأن الجواد ممدوح عند الناس، فقد وجد الداعي إلى
السماح- ولا صارف له عنه- لأنه يعلم أن مادته دائمة غير منقطعة، فالصارف الذي
يخافه من قدمنا ذكره مفقود في حقه، فلا جرم أنه يجود بالعطية! الأصل: تنزل
المعونة على قدر المؤونة. فلما
أصبح أمر كاتبه بإعادة تلك الرسوم أجمع.
وهذا
الشعر وإن كان في الاقتصاد في المراتب والولايات، إلا أنه مدح للاقتصاد في
الجملة، فهو من هذا الباب. وسمع بعض الفضلاء قول الحكماء: التدبير نصف العيش، فقال: بل العيش كله.
وقال سفيان بن عيينة: الدنيا كلها هموم وغموم، فما كان منها سرور فهو ربح.
الأصل: ينزل الصبر على قدر المصيبة، ومن ضرب يده على فخذه عند مصيبته
حبط أجره.
وقال
عمرو بن معد يكرب:
وكان
يقال: من حدث نفسه بالبقاء، ولم يوطنها على المصائب، فهو عاجز الرأي. وكان يقال:
كفى باليأس معزياً، وبانقطاع الطمع زاجراً! وقال الشاعر:
الأصل:
كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا
السهر والعناء. حبذا
نوم الأكياس وإفطارهم! الشرح:
الأكياس ههنا العلماء العارفون، وذلك لأن عباداتهم تقع مطابقة لعقائدهم الصحيحة،
فتكون فروعاً راجعةً إلى أصل ثابت، وليس كذلك الجاهلون بالله تعالى، لأنهم إذا
لم يعرفوه ولم تكن عباداتهم متوجهة إليه فلم تكن مقبولة، ولذلك فسدت عبادة
النصارى واليهود. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له لكميل بن
زياد النخعي
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: قال
كميل بن زياد: أخذ بيدي أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب فأخرجني إلى الجبان، فلما أصحر تنفس الصعداء، ثم قال: يا كميل بن
زياد، إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها، فاحفظ عني ما أقول لك. وصدق عليه
السلام في أنهم همج رعاع أتباع كل
ناعق، ألا تراهم ينتقلون من التقليد لشخص إلى تقليد الآخر، لأدق خيال وأضعف وهم!
ثم شرع عليه السلام في
ذكر العلم وتفضيله على المال،، فقال:
"العلم يحرسك، وأنت تحرس المال "، وهذا
أحد وجوه التفضيل. فأما قوله:
"وصنيع المال يزول بزواله "، فتحته سر دقيق حكمي، وذلك لأن المال إنما
يظهر أثره ونفعه في الأمور الجسمانية، والملاذ الشهوانية، كالنساء والخيل
والأبنية والمأكل والمشرب والملابس ونحو ذلك، وهذه الآثار كلها تزول بزوال المال
أو بزوال رب المال، ألا ترى أنه إذا زال المال اضطر صاحبه إلى بيع الأبنية
والخيل والإماء، ورفض تلك العادة من المآكل الشهية والملابس البهية! وكذلك إذا
زال رب المال بالموت، فإنه تزول آثار المال عنده: فإنه لا يبقى بعد الموت آكلاً
شارباً لابساً، وأما آثار العلم فلا يمكن أن تزول أبداً والإنسان في الدنيا، ولا
بعد خروجه عن الدنيا، أما في الدنيا فلأن العالم بالله تعالى لا يعود جاهلاً به،
لأن انتفاء العلوم البديهية عن الذهن وما يلزمها من اللوازم بعد حصولها محال، فإذاً قد صدق قوله عليه
السلام في
الفرق بين المال والعلم: "إن صنيع المال يزول بزواله
"، أي وصنيع العلم لا يزول ولا يحتاج إلى أن يقول "بزواله " لأن تقدير الكلام: وصنيع المال يزول، لأن المال يزول
وأما بعد خروج الإنسان من الدنيا فإن صنيع العلم لا يزول، وذلك لأن صنيع العلم
في النفس الناطقة اللذة العقلية الدائمة لدوام سببها، وهو حصول العلم في جوهر
النفس الذي هو معشوق النفس مع انتفاء ما يشغلها عن التمتع به، والتلذذ بمصاحبته،
والذي كان يشغلها عنه في الدنيا استغراقها في تدبير البدن، وما تورده عليها
الحواس من الأمور الخارجية، ولا ريب أن العاشق إذا خلا بمعشوقه، وانتفت عنه
أسباب الكدر، كان في لذة عظيمة، فهذا هو سر قوله:
"وصنيع المال يزول بزواله ". هذا عندي إشارة إلى العرفان والوصول
إلى المقام الأشرف الذي لا يصل إليه إلا الواحد الفذ من العالم ممن لله تعالى
فيه سر، وله به اتصال. وثانيها.
قوم من أهل الخير والصلاح ليسوا بذوي بصيرة في الأمور الإلهية الغامضة. وهي من ألفاظه عليه السلام المعدودة.
وتكلم عبد الملك بن عمير وأعرابي حاضر، فقيل له: كيف ترى هذا؟ فقال: لو كان كلام
يؤتدم به لكان هذا الكلام مما يؤتدم به.
فقال: أخطا الشاعر، إن مرحباً لم يمت، وإنما قتله
علي بن أبي طالب عليه السلام!
وقال رجل لأعرابي: كيف أهلك؟ قال: صلباً إن شاء الله. وكان مسلمة بن عبد الملك يعرض الجند،
فقال لرجل: ما اسمك؟ فقال: "عبد" الله، وخفض، فقال:
ابن من؟ فقال: ابن "عبد" الله، وفتح، فأمر بضربه، فجعل يقول:
"سبحان " الله، ويضم، فقال مسلمة: ويحكم! دعوه فإنه مجبول على اللحن
والخطأ، لو كان تاركاً للحن في وقت لتركه وهو تحت السياط. فلما قرأ القاسم بن عبيد الله كتابه
استحسنه، وزاد في رزقه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقال عليه السلام لرجل سأله أن يعظه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: لا تكن ممن
يرجو الآخرة بغير عمل، ويرجو التوبة بطول الأمل، يقول في الدنيا بقول الزاهدين،
ويعمل فيها بعمل الراكبين، إن أعطي منها لم يشبع، وإن منع منها لم يقنع، يعجز عن
شكر ما أوتي، ويبتغي الزيادة فيما بقي، ينهى ولا ينتهي، ويأمر الناس بما لم يأت. يعجب بنفسه إذا عوفي، ويقنط إذا ابتلي! وإن أصابه
بلاء دعا مضطراً، وإن نالة رخاء أعرض مغتراً، تغلبه نفسه على ما يظن، ولا يغلبها
على ما يستيقن، يخاف على غيره باع دنى من ذنبه، ويرجو لنفسه بأكثر من عمله إن
استغنى بطر وفتن، وإن افتقر قنط ووهن، يقصر إذا عمل، ويبالغ إذا سأل، إن عرضت له
شهوة أسلف المعصية، وسوف التوبة، وإن عرته محنة انفرج عن شرائط الملة. قال:
"وإن منع منها لم يقنع " بما كان وصل إليه قبل المنع. ويجوز أن يحمل على حقيقته، أي أن الشكر على ما
أولي من النعم لا تنتهي قدرته إليه، أي نعم الله عليه أجل وأعظم من أن يقام
بواجب شكرها. ثم
قال: "يخاف على غيره بأدق من ذنبه، ويرجو لنفسه أكثر من عمله "، ما
يزال يرى الواحد منا كذلك يقول: إني لخائف على فلان من الذنب الفلاني وهو مقيم
على أفحش من ذلك الذنب، ويرجو لنفسه النجاة بما لا تقوم أعماله الصالحة بالمصير
إلى النجاة به، نحو أن يكون يصلي ركعات في الليل أو يصوم أياماً يسيرة في الشهر،
ونحو ذلك. ووهن
الرجل يهن، أي ضعف وهذا المعنى قد تكرر.
وقال
الكميت في مثل هذا:
فأما الرواية الأولى وهي: "لكل امرىء" فنظائرها في القرآن كثيرة، نحو قوله
تعالى: "يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم
شقي وسعيد"، وقوله: "يوم يتذكر
الإنسان ما سعى. وبرزت الجحيم لمن يرى. فأما من طغى. وآثر الحياة الدنيا فإن
الجحيم هي المأوى. وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. فإن الجنة هي
المأوى"، وغير ذلك من الآيات.
وقال
الشاعر:
وقال بعض الحكماء: حركة الإقبال بطيئة، وحركة الإدبار سريعة، لأن المقبل
كالصاعد إلى مرقاة، ومرقاة المدبر كالمقذوف به من علو إلى أسفل، قال الشاعر:
آخر:
وفي الخبر المرفوع:
كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء
لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها، فاشتد على الصحابة ذلك، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "إن حقاً على الله ألا يرفع
شيئاً من هذه الدنيا إلا وضعه ".
وقال بعض الأدباء في كلام له: بينا هذه الدنيا ترضع بدرتها وتصرح بزبدتها، وتلحف فضل
جناحها، وتغر بركود رياحها، إذ عطفت عطف الضروس، وصرخت صراخ الشموس، وشنت غارة
الهموم، وأراقت ما حلبت من النعيم، فالسعيد من لم يغتر بنكاحها، واستعد لو شك
طلاقها.
وقال
أبو العتاهية:
وقال
أنس بن مالك: ما من يوم ولا ليلة ولا شهر ولا سنة إلا والذي قبله خير منه، سمعت
ذلك من نبيكم صلى الله عليه وسلم، فقال شاعر:
قيل
لبعض عظماء الكتاب بعد ما صودر: ما تفكر في زوال نعمتك؟ فقال: لا بد من الزوال،
فلأن تزول وابقى خير من أن أزول وتبقى.
لما
فتح خالد بن الوليد عين التمر سأل عن الحرقة
بنت النعمان بن المنذر، فأتاها وسألها عن حالها، فقالت:
لقد طلعت علينا الشمس وما من شيء يدب تحت الخورنق إلا وهو تحت أيدينا، ثم غربت
وقد رحمنا كل من نلم به، وما بيت دخلته حبرة، إلا ستدخله عبرة، ثم قالت:
وجاءها سعد بن أبي وقاص مرة، فلما رآها، قال: قاتل الله عدي بن
زيد، كأنه كان ينظر إليها حيث قال لأبيها:
وقال مطرف بن الشخير: لا تنظروا إلى خفض عيش الملوك ولين رياشهم، ولكن انظروا إلى
سرعة ظعنهم وسوء منقلبهم، وإن عمراً قصيراً يستوجب به صاحبه النار لعمر مشؤوم
على صاحبه.
وهذا
النوع إما في الفعل كالمشي ورفع الحجر أو في رفع الانفعال كالصبر على المرض
واحتمال الضرب المفظع. وأما
النفسي ففيه تتعلق الفضيلة، وهو ضربان: صبر عن
مشتهى، ويقال له: عفة، وصبر على تحمل مكروه أو
محبوب. وتختلف أسماؤه بحسب اختلاف مواقعه، فإن كان في نزول مصيبة لم يتعد به
اسم الصبر، ويضاده الجزع والهلع والحزن، وإن كان في احتمال الغنى سمي ضبط النفس،
ويضاده البطر والأشر والرفغ وإن كان في محاربة سمي شجاعةً ويضاده الجبن، وإن كان
في إمساك النفس عن قضاء وطر الغضب سمي حلماً، ويضاده التذمر والاستشاطة، وإن كان
في نائبة مضجرة سمي سعة صدر، ويضاده الضجر وضيق العطن والتبرم، وإن كان في إمساك
كلام في الضمير سمي كتمان السر، ويضاده الإفشاء، وإن كان عن فضول العيش سمي
قناعةً وزهداً ويضاده الحرص والشره. فهذه كلها
أنواع الصبر، ولكن اللفظ العرفي واقع على الصبر الجسماني، وعلى ما يكون في نزول المصائب، وتنفرد باقي الأنواع
بأسماء تخصها. ومن أمثالهم:
البادي أظلم. فإن
قلت:
فإذا لم يكن بادياً لم يكن ظالماً، فأي حاجة له إلى الاحتراز بقوله:
"البادي "؟ قلت: لأن العرب تطلق
على ما يقع في مقابلة الظلم اسم "الظلم " أيضاً كقوله تعالى: "وجزاء سيئة سيئة مثلها". الأصل:
عليكم بطاعة من لا تعذرون في جهالته. وقال بعض الصالحين: ألا إنهما نجدا الخير والشر، فجعل
نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير. وكان يقال: كما أن البدن الخالي من النفس تفوح منه رائحة النتن، كذلك
النفس الخالية من الحكمة، وكما أن البدن الخالي من النفس ليس يحس ذلك بالبدن بل
الذين لهم حس يحسونه به، كذلك النفس العديمة للحكمة ليس تحس به تلك النفس، بل
يحس به الحكماء، وقيل لبعض الحكماء: ما بال
الناس ضلوا عن الحق؟ أتقول: إنهم لم تخلق فيهم قوة معرفة؟ فقال: لا، بل خلق لهم
ذلك، ولكنهم استعملوا تلك القوة على غير وجهها، وفي غير ما خلقت له، كالسم تدفعه
إلى إنسان ليقتل به عدوه فيقتل به نفسه. فلما انقضى كلامي قال: أحسبك غريباً؟ قلت: أجل،
قال: فصل بنا، فإن احتجت إلى منزل أنزلناك، أو إلى مال واسيناك، أو إلى حاجة
عاوناك.
قال المبرد:
أخذ هذا المعنى من قول رجل من قريش قال له رجل منهم: إني مررت بآل فلان وهم
يشتمونك شتماً رحمتك منه، قال: أفسمعتني أقول إلا خيراً! قال: لا، قال: إياهم
فارحم.
الأصل: من ملك استأثر.
الأصل: من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها. وكان عبد الله بن طاهر يذهب إلى هذا المذهب، ويقول: ما حك جلدك مثل ظفرك، ولأن أخطىء مع
الاستبداد ألف خطأ، أحب إلي من أن أستشير وأرى بعين النقص والحاجة. وقالوا:
خاطر من استبد برأيه.
الأصل: من كتم سره كانت الخيرة في يده. من أمثالهم: مقتل
الرجل بين لحييه.
وقال عمر بن عبد العزيز: القلوب أوعية الأسرار والشفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها
فليحفظ كل امرئ مفتاح سره.
فقال:
والله ما أراد بالاثنين إلا الشفتين الأصل: الفقر الموت الأكبر.
أخذ
السيواسي هذا المعنى، فقال في قصيدته الطويلة المعروفة بالساسانية:
قرئ
على أحد جانبي دينار:
وعلى
الجانب الآخر:
وقال أبو الدرداء:
من حفظ ماله فقد حفظ الأكثر من دينه وعرضه.
ومن دعاء السلف: اللهم إني أعوذ بك من ذل الفقر وبطر الغنى.
الأصل: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وقال معاوية لشداد بن أوس:
قم فاذكر علياً فانتقصه، فقام شداد فقال:
الحمد لله الذي افترض طاعته على عباده، وجعل رضاه عند أهل التقوى آثر من رضا غيره،
على ذلك مضى أولهم، وعليه مضى آخرهم. أيها
الناس، إن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قاهر وإن الدنيا أكل حاضر، يأكل منها
البر والفاجر، وإن السامع المطيع لله لا حجة عليه وإن السامع العاصي لله لا حجة
له، وإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإذا أراد الله بالناس خيراً استعمل
عليهم صلحاءهم، وقضى بينهم فقهاؤهم ، وجعل المال في سمحائهم، وإذا أراد بالعباد
شراً عمل عليهم سفهاؤهم، وقضى بينهم جهلاؤهم، وجعل المال عند بخلائهم. وإن من إصلاح الولاة أن تصلح قرناءها. ثم التفت إلى معاوية فقال:
نصحك يا معاوية من أسخطك بالحق، وغشك من أرضاك بالباطل! فقطع معاوية عليه كلامه،
وأمر بإنزاله، ثم لاطفه وأمر له بمال، فلما
قبضه قال: ألست من السمحاء الذين ذكرت؟ فقال:
إن كان لك مال غير مال المسلمين أصبته حلالاً، وأنفقته إفضالاً فنعم، وإن كان
مال المسلمين احتجبته دونهم أصبته اقترافاً، وأنفقته إسرافاً، فإن الله يقول: "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين". ولا بد من إضمار شيء في الكلام على قولنا وقول الإمامية، لأنا
نحن نقول: الأمر حقه بالأفضلية وهم
يقولون: إنه حقه بالنص، وعلى كلا التقديرين
فلا بد من إضمار شيء في الكلام، لأن لقائل أن يقول
له عليه السلام: لو كان حقك من غير أن يكون للمكلفين فيه نصيب لجاز ذلك
أن يؤخر كالدين الذي يستحق على زيد، يجوز لك أن تؤخره لأنه خالص لك وحدك، فأما
إذا كان للمكلفين فيه حاجة ماسة لم يكن حقك وحدك، لأن مصالح المكلفين منوطة
بإمامتك دون إمامة غيرك، فكيف يجوز لك تأخير ما فيه
مصلحة المكلفين؟ فإذن لا بد من إضمار شيء في الكلام. وتقديره:
لا
يعاب المرء بتأخير حقه إذا كان هناك مانع عن طلبه، ويستقيم
المعنى حينئذ على المذهبين جميعاً، لأنه إذا
كان هناك مانع جاز تقديم غيره عليه، وجاز له أن يؤخر طلب حقه خوف الفتنة،
والكلام في هذا الموضع مستقصىً في تصانيفنا في علم
الكلام. وقالت الحكماء:
كما أن المعجب بفرسه لا يروم أن يستبدل به غيره، كذلك المعجب بنفسه لا يريد
بحاله بدلاً، وإن كانت رديئة.
وأما التيه وماهيته فهو قريب من العجب، لكن
المعجب يصدق نفسه وهماً فيما يظن بها، والتياه يصدقها قطعاً، كأنه متحير في تيه. ويمكن
أن يفرق بينهما بأمر آخر، ويقول: إن المعجب
قد يعجب بنفسه ولا يؤذي أحداً بذلك الإعجاب، والتياه
يضم إلى الإعجاب الغض من الناس والترفع عليهم، فيستلزم ذلك الأذى لهم، فكل تائه معجب، وليس كل معجب تائهاً.
الأصل: قد أضاء الصبح لذي عينين.
ومثله:
وقال
ابن هانئ يمدح المعتز:
الأصل: ترك الذنب أهون من طلب التوبة.
نوادر عن المكثرين من الأكل وكان ابن عياش المنتوف يمازح المنصور أبا جعفر
فيحتمله على أنه كان جداً كله، فقدم المنصور لجلسائه يوماً بطة كثيرة الدهن،
فأكلوا وجعل يأمرهم بالازدياد من الأكل لطيبها، فقال ابن عياش: قد علمت غرضك يا
أمير المؤمنين، إنما تريد أن ترميهم منها بالحجاب- يعني الهيضة- فلا يأكلوا إلى
عشرة أيام شيئاً. والعرب تعير بكثرة الأكل، وتعيب بالجشع
والشره والنهم، وقد كان فيهم قوم موصوفون بكثرة الأكل منهم معاوية، قال أبو
الحسن المدائني في "كتاب الأكلة": كان يأكل في
اليوم أربع أكلات أخراهن عظماهن، ثم يتعشى بعدها بثريدة عليه بصل كثير، ودهن
كثير قد شغلها. وكان أكله
فاحشاً يأكل فيلطخ منديلين أو ثلاثة قبل أن يفرغ، وكان يأكل حتى يستلقي ويقول:
يا غلام، ارفع، فلأني والله ما شبعت ولكن مللت. قال: نيف وثمانون قدراً، قال: فأتني بها قدراً
قدراً، فعرضها عليه، وكان يأكل من كل قدر لقمتين أو ثلاثاً، ثم مسح يده، واستلقى
على قفاه، وأذن للناس، ووضعت الموائد، فقعد فأكل مع الناس كأنه لم يطعم شيئاً. وقد روي هذا الخبر عن
بعض العرب، وقيل: إنه أكل حواراً وأكلت امرأته حائلاً، فلما أراد أن يدنو
منها وعجز قالت له: كيف تصل إلي وبيني وبينك
بعيران. وكان هلال بن أبي بردة أكولاً، قال قصابه: جاءني رسوله سحرةً فأتيته وبين يديه
كانون فيه جمر وتيس ضخم، فقال: دونك هذا التيس فاذبحه فذبحته وسلخته، فقال: أخرج
هذا الكانون إلى الرواق وشرح اللحم وكبه على النار، فجعلت كلما استوى شيء قدمته
إليه حتى لم يبق من التيس إلا العظام وقطعة لحم على الجمر، فقال لي: كلها، فأكلتها، ثم شرب خمسة اقداح، وناولني قدحاً
فشربته فهزني، وجاءته جارية ببرمة فيها ناهضان ودجاجتان وأرغفة، فأكل ذلك كله،
ثم جاءته جارية أخرى بقصعة مغطاة لا أدري ما فيها، فضحك إلى الجارية، فقال: ويحك!
لم يبق في بطني موضع لهذا، فضحكت الجارية وانصرفت، فقال لي: الحق باهلك. فقال له:
ما تشتهي؟ قال: تمراً وسمناً، فانطلق به إلى منزله فجاء بخمس جلال تمراً وجرة
سمناً، فأكل الجميع وخرج، فمر برجل يبني داره ومعه مائة رجل، وقد قدم لهم سمناً
وتمراً، فدعاه إلى الأكل معهم، فأكل حتى شكوه إلى صاحب الدار، ثم خرج فمر برجل
بين يديه زنبيل فيه خبز أرز يابس بسمسم وهو يبيعه فجعل يساومه ويأكل حتى أتى على
الزنبيل، فأعطيت صاحب الزنبيل ثمن خبزه.
وليس
المراد بهذا الأمر سرعة فصل الحال لأول خاطر، ولأول رأي، إن ذلك خطأ، وقديماً قيل: دع الرأي يغب.
وقال
آخر:
وقال
آخر:
وكان يقال:
توسط الخوف تأمن. وكان
في القوم غلام من قريش جالساً، فتحمل الكلمة إلى
معاوية، فقال معاوية: أنت سمعت هانئاً يقولها؟ قال: نعم، قال: فاخرج فأت
حلقته، فإذا خف الناس عنه فقل له: أيها
الشيخ، قد وصلت كلمتك إلى معاوية، ولست في زمن أبي بكر وعمر، ولا أحب أن تتكلم
بهذا الكلام فإنهم بنو أمية، وقد عرفت جرأتهم وإقدامهم، ولم يدعني إلى هذا القول
لك إلا النصيحة والإشفاق عليك، فانظر ما يقول، فأتني به. فكتب إليه معاوية: من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الحسين بن علي: سلام عليك، أما بعد، فإن كتابك ورد
علي تذكر أن عيراً مرت بك من اليمن تحمل مالاً وحللاً وعنبراً وطيباً إلي
لأودعها خزائن دمشق، وأعل بها بعد النهل بني أبي، وأنك احتجت إليها فأخذتها ولم
تكن جديراً بأخذها إذ نسبتها إلي، لأن الوالي أحق بالمال، ثم عليه المخرج منه،
وإيم الله لو ترك ذلك حتى صار إلي، لم أبخسك حظك منه، ولكني قد ظننت يا بن أخي
أن في رأسك نزوة وبودي أن يكون ذلك في زماني فأعرف لك قدرك، وأتجاوز عن ذلك،
ولكني والله أتخوف أن تبتلى بمن لا ينظرك فواق ناقة، وكتب
في أصل كتابه:
وهذه
سعة صدر وفراسة صادقة.
فأفصح به أبو العتاهية في قوله:
الأصل:
احصد الشر من صدر غيرك، بقلعه من صدرك. أحدهما أنه يريد:
لا تضمر لأخيك سوءاً، فإنك لا تضمر ذاك إلا يضمر هو لك سوءاً، لأن القلوب يشعر
بعضها ببعض، فإذا صفوت لواحد صفا لك.
وفي المثل:
أطمع من أشعب، رأى سلالاً يصنع سلة، فقال له:
أوسعها، قال: ما لك وذاك؟ قال: لعل صاحبها
يهدي لي فيها شيئاً. وقيل:
لم يكن أطمع من اشعب إلا كلبه، رأى صورة القمر في البئر فظنه رغيفاً، فألقى نفسه
في البئر يطلبه، فمات. وكان يقال:
الحزم ملكة يوجبها كثرة التجارب، وأصله قوة العقل، فإن العاقل خائف أبداً،
والأحمق لا يخاف، وإن خاف كان قليل الخوف، ومن خاف أمراً توقاه، فهذا هو الحزم.
وكان يقال:
من الحزم والتوقي ترك الإفراط في التوقي.
الأصل:
من لم ينجه الصبر، أهلكه الجزع. الشرح:
قد تقدم لنا قول شاف في الصبر والجزع. أخذه شاعر فقال:
وقال ابن أبي العلاء يستبطىء بعض الرؤساء:
فإن قلت:
أي فائدة في قوله عليه السلام:
"من لم ينجه الصبر أهلكه الجزع
"؟ وهل هذا إلا كقول من قال: "من لم يجد ما يأكل ضره الجوع "؟.
الشرح:
حديثه عليه السلام
في النثر والنظم المذكورين مع أبي بكر
وعمر، أما النثر فإلى عمر توجيهه لأن أبا بكر لما قال لعمر: امدد يدك، قال له
عمر: أنت صاحب رسول الله في المواطن كلها، شدتها ورخائها، فامدد أنت يدك، فقال
علي عليه السلام: إذا احتججت لاستحقاقه الأمر بصحبته إياه في المواطن كلها،
فهلا سلمت الأمر إلى من قد شركه في ذلك، وزاد عليه "بالقرابة"! وأما النظم فموجه إلى أبي بكر، لأن أبا بكر حاج
الأنصار في السقيفة. فقال: نحن عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيضته التي تفقأت عنه، فلما بويع
احتج على الناس بالبيعة، وأنها صدرت عن أهل الحل
والعقد، فقال علي عليه السلام:
أما احتجاجك على الأنصار بأنك من بيضة
رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن
قومه، فغيرك أقرب نسباً منك إليه، وأما احتجاجك بالاختيار ورضا الجماعة بك، فقد كان قوم من جملة الصحابة غائبين لم يحضروا العقد فكيف
يثبت! واعلم أن الكلام في هذا تتضمنه كتب
أصحابنا في الإمامة، ولهم عن هذا القول أجوبة ليس هذا موضع ذكرها. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفهرس ج الجزء الثامن عشرباب المختار
من الخطب والأوامر - ابن ابي الحديد. 3 بسم الله الرحمن الرحيم تتمة خبر
فتح مكة. 3 ومن كتاب له إلى عبد الله بن العباس
وقد تقدم ذكره بخلاف هذه الرواية. 11 وكتب كتبه إلى قثم بن العباس وهو
عامله علي مكة. 12 من كتاب له إلى سلمان الفارسي رحمه
الله قبل أيام خلافته. 13 ومن كتاب له إلى الحارث الهمداني. 15 وكتب إلى سهل بن حنيف الأنصاري. 20 وكتب إلى عبد الله بن العباس رضي
الله عنه. 23 ومن حلف له رضي الله عنه كتبه بين
ربيعة واليمن ونقل من خط هشام بن الكلبي . 25 وكتب إلى معاوية من المدينة في أول
ما بويع له بالخلافة، ذكره الواقدى في كتاب الجمل. 26 ومن وصية له لعبد الله بن العباس
عند استخلافه إياه على البصرة 26 وكتب لما استخلف إلى أمراء الأجناد
. 29 باب المختار من حكم أمير المؤمنين
ومواعظه. 29 ويدخل في ذلك المختار من أجوبة مسائله
والكلام القصير الخارج من سائر أغراضه. 29 الفصل الثالث في حفظ اللسان: 31 وقال وقد سمع رجلاً يذم الدنيا 108 |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||