- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
الجزء
الخامس عشرباب
المختار من الخطب والأوامر - ابن ابي الحديد |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول في أسماء الذين تعاقدوا من قريش على قتل رسول
الله صلى الله عليه وآله وما أصابوه به في المعركة يوم الحرب
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي:
تعاقد من قريش على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد
الله بن شهاب الزهر في وابن قميئة أحد بني الحارث بن فهر، وعتبة بن أبي وقاص
الزهري، وأبي بن خلف الجمحي. فلما أتى خالد بن الوليد من وراء المسلمين، واختلطت
الصفوف، ووضع المشركون السيف في المسلمين، رمى عتبة بن
أبي وقاص رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة
أحجار، فكسر رباعيته، وشجه في وجهه حتى غاب حلق
المغفر في وجنتيه، وأدمى شفتيه. قال: فأنظر إلى طلحة بن عبيد الله آخذاً
بحضنه حتى قام. قال سعد:
فلقد شفاني من عتبة أخي دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولقد حرصت على
قتله حرصاً ما حرصت على شيء قط، وإن كان ما علمت لعاقاً بالوالد، سيىء الخلق،
ولقد تخرقت صفوف المشركين مرتين أطلب أخي لأقتله، ولكنه
راغ مني روغان الثعلب، فلما كان الثالثة قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: يا عبد الله ما تريد؟ أتريد أن تقتل نفسك؟ فكففت. فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم:
اللهم لا تحولن الحول على أحد منهم. قال سعد: فوالله ما حال الحول على أحد ممن
رماه أو جرحه. مات عتبة، وأما ابن قميئة فاختلف
فيه، فقائل يقول: قتل في المعرك وقائل يقول: إنه رمى بسهم في ذلك اليوم فأصاب مصعب بن عمير فقتله، فقال: خذها وأنا ابن قميئة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: أقمأه الله، فعمد
إلى شاة يحتلبها فتنطحه لقرنها وهو معتلقها فقتلته. فوجد ميتاً
بين الجبال لدعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان عدو الله رجع إلى
أصحابه فأخبرهم أنه قتل محمداً. قال: وحدثني بعض قريش أن أفعى نهشت عبد
الله بن شهاب في طريقه إلى مكة فمات. قال: وسألت
بعض بني زهرة عن خبره، فأنكروا أن يكون رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم دعا عليه، أو يكون شج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقالوا: إن الذي شجه في وجهه
عبد الله بن حميد الأسدي. قال: فتطايرنا عنه تطائر الشعارير، ولم
يكن أحد يشبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا جد الجد، ثم طعنه بالحربة
في عنقه وهو على فرسه لم يسقط، إلا أنه خار كما يخور الثور، فقال
له أصحابه: أبا عامر، والله ما بك بأس، ولو كان هذا الذي بك بعين أحدنا ما ضره. قال:
واللات والعزى، لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا كلهم أجمعون، أليس قال:
لأقتلنه! فاحتملوه، وشغلهم ذلك عن طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله حتى
التحق بعظم أصحابه في الشعب. قال: فإني
لأسير ببطن رابغ بعد ذلك، وقد مضى هوي من الليل إذا نار تأجج، فهبتها، وإذا رجل
يخرج منها في سلسلة يجتذبها يصيح: العطش، وإذا رجل يقول: لا تسقه، فإن هذا قتيل
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
هذا أبي بن خلف، فقلت: ألا سحقاً! ويقال: إنه مات بسرف |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول في الملائكة هل نزلت بأحد وقاتلت أم لا
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي:
حدثني الزبير بن سعيد، عن عبد الله بن الفضل، قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم مصعب بن عمير اللواء فقتل، فأخذه ملك
في صورة مصعب فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم يقول له في آخر النهار: تقدم يا مصعب، فالتفت
إليه الملك، فقال: لست بمصعب، فعرف رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم أنه ملك أيد به. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول في مقتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي:
كان وحشي عبداً لابنة الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، ويقال: كان لجبير بن
مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، فقالت له ابنة
الحارث: إن أبي قتل يوم بدر، فإن أنت قتلت أحد
الثلاثة فأنت حر: محمد، وعلي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، فإني لا أرى في القوم كفؤاً لأبي غيرهم. فقال وحشي:
أما محمد فقد علمت أني لا أقدر عليه، وإن أصحابه لن يسلموه، وأما حمزة فوالله لو
وجدته نائما ما أيقظته من هيبته، وأما علي فألتمسه. قال وحشي:
فكنت يوم أحد ألتمسه، فبينا أنا في طلبه طلع علي، فطلع رجل حذر مرس كثير
الالتفات، فقلت: ما هذا بصاحبي الذي ألتمس، إذ رأيت حمزة يفري الناس فرياً،
فكمنت له إلى صخرة وهو مكبس له كتيت، فاعترض له سباع بن أم نيار، وكانت أمه ختانة بمكة، مولاة لشريف بن علاج بن عمرو بن
وهب الثقفي، وكان سباع يكنى أبا نيار، فقال له حمزة:
وأنت أيضاً يا بن مقطعة البظور ممن يكثر علينا! هلم إلي، فاحتمله، حتى
إذا برقت قدماه رمى به فبرك عليه، فشحطه شحط الشاة، ثم أقبل علي مكباً حين رآني،
فلما بلغ المسيل، وطىء على جرف فزلت قدمه، فهززت حربتي
حتى رضيت منها، فأضرب بها في خاصرته حتى خرجت من مثانته؛ وكر عليه طائفة
من أصحابه فأسمعهم يقولون: أبا عمارة، فلا يجيب، فقلت:
قد والله مات الرجل، وذكرت هنداً وما لقيت على أبيها وعمها وأخيها، وانكشف عنه
أصحابه حين أيقنوا بموته، ولا يروني، فأكر عليه فشققت بطنه، فاستخرجت كبده، فجئت
بها إلى هند بنت عتبة، فقلت: ماذا لي إن قتلت قاتل أبيك؟ قالت: سلني؛ فقلت: هذه كبد حمزة، فمضغتها ثم لفظتها، فلا أدري:
لم تسغها أو قذرتها؛ فنزعت ثيابها وحليها فأعطتنيه، ثم قالت: إذا جئت مكة فلك
عشرة دنانير، ثم قالت: أرني مصرعه، فأريتها مصرعه،
فقطعت مذاكيره، وجدعت أنفه، وقطعت أذنيه، ثم جعلت ذلك مسكتين ومعضدين
وخدمتين؛ حتى قدمت بذلك مكة وقدمت بكبده أيضاً معها. فقال: إني كنت
عبداً لجبير بن مطعم بن عدي، فلما خرج الناس إلى أحد
دعاني فقال: قد رأيت مقتل طعيمة بن عدي، قتله حمزة بن عبد المطلب يوم
بدر، فلم تزل نساؤنا في حزن شديد إلى يومي هذا، فإن قتلت حمزة فأنت حر؛ فخرجت مع
الناس ولي مزاريق كنت أمر بهند بنت عتبة فتقول: إيه أبا دسمة! اشف واشتف. فلما
وردنا أحداً نظرت إلى حمزة يقدم الناس يهدهم هداً، فرآني وقد كمنت له تحت شجرة،
فأقبل نحوي، وتعرض له سباع الخزاعي، فأقبل إليه وقال: وأنت أيضاً يا بن مقطعة
البظور ممن يكثر علينا هلم إلي، وأقبل نحوه حتى رأيت برقان رجليه، ثم ضرب به
الأرض وقتله، وأقبل نحوي سريعاً، فيعترض له جرف فيقع فيه، وأزرقه بمزراق فيقع في
لبته حتى خرج من بين رجليه. فقتله، ومررت بهند بنت عتبة فآذنتها، فأعطتني ثيابها
وحليها، وكان في ساقيها خدمتان من جزع ظفار ومسكتان من ورق، وخواتيم من ورق كن
في أصابع رجليها، فأعطتني بكل ذلك؛ وأما مسيلمة فإنا
دخلنا حديقة الموت يوم اليمامة فلما رأيته زرقته بالمزراق، وضربه رجل من
الأنصار بالسيف؛ فربك أعلم أينا قتله! إلا أني
سمعت امرأة تصيح فوق جدار: قتله العبد الحبشي. قال عبيد الله: فقلت: أتعرفني؟ فأكر بصره علي وقال: ابن عدي لعاتكة بنت العيص؟ قلت: نعم، قال: أما
والله ما لي بك عهد بعد أن دفعتك إلى أمك في محفتك التي كانت ترضعك فيها، ونظرت
إلى برقان قدميك حتى كأنه الآن.
قال:
فأجابتها هند بنت أثاثة بن المطلب بن عبد مناف:
قال محمد بن إسحاق: ومن الشعر الذي ارتجزت به هند بنت عتبة يوم أحد:
قال محمد بن إسحاق: حدثني صالح بن كيسان، قال: حدثت أن عمر بن الخطاب قال
لحسان: يا أبا الفريعة، لو سمعت ما تقول هند! ولو رأيت شرها قائمة على صخرة
ترتجز بنا، وتذكر ما صنعت بحمزة! فقال حسان:
والله إني لأنظر إلى الحربة تهوي وأنا على فارع - يعني أطمة- فقلت: والله إن هذه
لسلاح ليس بسلاح العرب، وإذا بها تهوي إلى حمزة ولا أدري، ولكن أسمعني بعض قولها
أكفيكموها، فأنشده عمر بعض ما قالت؟ فقال حسان يهجوها:
وقال
أيضاً يهجوها:
في أبيات كرهت ذكرها لفحشها. قال:
فلما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي نسوة من الأنصار لقيته وأصحابه أوزاع، فأول من لقيت
علي بن أخي فقال: ارجعي يا عمة، فإن في الناس تكشفاً، فقلت:
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: صالح، قلت: ادللني عليه حتى
أراه، فأشار إليه إشارة خفيةً، فانتهيت إليه وبه الجراحة.
حتى انتهى إلى الحارث، ووجد حمزة مقتولاً، فجاء فأخبر النبي صلى الله
عليه وآله وسلم، فأقبل يمشي حتى وقف عليه فقال: ما وقفت موقفاً قط أغيظ إلي من هذا الموقف. فطلعت صفية، فقال: يا زبير، اغن عني أمك، وحمزة يحفر
له، فقال الزبير يا أمه، إن في الناس تكشفاً، فارجعي، فقالت: ما أنا بفاعلة حتى
أرى رسول الله صلى الله وآله عليه وسلم، فلما رأته قالت: يا رسول الله، أين ابن
أمي حمزة؟ فقال: هو في الناس؛ قالت: لا أرجع حتى أنظر إليه، قال الزبير: فجعلت أطدها إلى الأرض حتى دفن وقال رسول الله صلى الله وآله عليه وسلم: لولا أن تحزن نساؤنا لذلك لتركناه للعافية، يعني السباع
والطير حتى يحشر يوم القيامة من بطونها وحواصلها. بئس القوم كانوا لنبيهم. قال: وأنا أسألك يا رسول الله أخرى، أن تلي
تركتي من بعدي. فقال له: نعم، فخرج عبد الله فقتل ومثل له كل
المثل، ودفن هو وحمزة في قبر واحد، وولي تركته رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، فاشترى لأمه مالاً بخيبر. قالت: من
يا رسول الله، قال: أخوك عبد الله، قالت: "إنا لله وإنا إليه راجعون "
غفر الله له ورحمه وهنيئاً له الشهادة، ثم قال: احتسبي، قالت: من يا رسول الله؟ قال: بعلك مصعب بن عمير، فقالت: واحزناه! ويقال: إنها قالت:
واعقراه. فدعا رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم لولده أن
يحسن الله عليهم الخلف، فتزوجت طلحة بن عبيد الله،
فولدت منه محمد بن طلحة، فكان أوصل الناس لولد مصعب بن عمير. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول فيمن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وآله
يوم أحد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي:
حدثني موسى بن يعقوب، عن عمته، عن أمها، عن المقداد، قال: لما تصاف القوم للقتال
يوم أحد، جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحت راية مصعب بن عمير، فلما
قتل أصحاب اللواء وهزم المشركون الهزيمة الأولى، وأغار المسلمون على معسكرهم
ينهبونه، ثم كر المشركون على المسلمين، فأتوهم من خلفهم، فتفرق الناس، ونادى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أصحاب الألوية، فقتل مصعب بن عمير حامل
لوائه صلى الله عليه وآله وسلم، وأخذ راية الخزرج سعد
بن عبادة، فقام رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم تحتها، وأصحابه محدقون به،
ودفع لواء المهاجرين إلى أبي الردم أحد بني عبد الدار آخر نهار ذلك اليوم، ونظرت
إلى لواء الأوس مع أسيد بن حضير، فناوشوا
المشركين ساعة، واقتتلوا على اختلاط من الصفوف، ونادى المشركون بشعارهم: يا
للعزى! يا لهبل! فأوجعوا والله فينا قتلاً ذريعاً، ونالوا من رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ما نالوا؛ لا والذي بعثه بالحق ما زال شبراً واحداً، إنه لفي وجه
العدو وتثوب إليه طائفة من أصحابه مرة، وتتفرق عنه مرة، فربما رأيته قائماً يرمي
عن قوسه أو يرمي بالحجر حتى تحاجزوا، وكانت العصابة
التي ثبتت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعة عشر رجلاً، سبعة من
المهاجرين، وسبعة من الأنصار، أما المهاجرون فعلي
عليه السلام وأبو بكر وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله
وأبو عبيدة بن الجراح والزبير بن العوام، وأما الأنصار
فالحباب بن المنذر وأبو دجانة وعاصم بن ثابت بن أبي
الأقلح والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير. ومن روى ذلك
جعلهما مكان سعد بن معاذ وأسيد بن حضير. روى الواقدي قال:
كان بين عثمان أيام خلافته وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فأرسل عبد الرحمن إلى الوليد بن عقبة فدعاه، فقال: اذهب إلى
أخيك فأبلغه عني ما أقول لك، فإني لا أعلم أحداً يبلغه غيرك. قال الوليد: أفعل. قال قل له: يقول لك عبد الرحمن: شهدت
بدراً ولم تشهدها. وثبت يوم أحد ووليت، وشهدت بيعة الرضوان ولم تشهدها، فلما
أخبره قال عثمان: صدق أخي، تخلفت عن بدر على ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وهي مريضة، فضرب لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسهمي وأجري، فكنت
بمنزلة من حفر بدراً، ووليت يوم أحد، فعفا الله عني في محكم كتابه. وأما بيعة الرضوان فإني خرجت إلى أهل مكة،
بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وقال: إن عثمان في طاعة الله وطاعة رسوله، وبايع عني بإحدى يديه على الأخرى،
فكان شمال النبي خيراً من يميني فلما جاء الوليد إلى عبد الرحمن بما قال قال:
صدق أخي. قال: وسأل رجل عبد الله بن عمر عن عثمان فقال: أذنب
يوم أحد ذنباً عظيماً، فعفا الله عنه، وأذنب فيكم ذنباً صغيرا فقتلتموه؛ واحتج
من روى أن عمر فر يوم أحد بما روي أنه جاءته في أيام خلافته امرأة تطلب برداً من
برود كانت بين يديه، وجاءت معها بنت لعمر تطلب برداً أيضاً، فأعطى المرأة ورد
ابنته، فقيل له في ذلك، فقال: إن أبا هذه ثبت يوم أحد، وأبا هذه فر يوم أحد ولم
يثبت. فانكشفوا، وهذا يدل على أن رقيه في الجبل قد كان
بعد إصعاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فيه، وهذا بأن يكون منقبةً له أشبه. قال: ليس في الصحابة من يحتشم ويستحيا من
ذكره بالفرار وما شابهه من العيب، فيضطر القائل
إلى الكناية إلا هما قلت له: هذا وهم، فقال: دعنا من جدلك ومنعك، ثم حلف أنه ما عنى الواقدي
غيرهما، وأنه لو كان غيرهما لذكره صريحاً،وبان في وجهه التنكر من مخالفتي له. وكان ممن ولى عمر وعثمان والحارث بن حاطب وثعلبة بن
حاطب وسواد بن غزية وسعد بن عثمان وعقبة بن عثمان وخارجة بن عمر بلغ ملل، وأوس
بن قيظي في نفر من بني حارثة بلغوا الشقرة ولقيتهم أم أيمن تحثي في وجوههم
التراب وتقول لبعضهم: هاك المغزل فاغزل به، وهلم. واحتج من قال بفرار عمر بما رواه الواقدي
في كتاب المغازي في قصة الحديبية، قال: قال عمر
يومئذ: يا رسول الله، ألم تكن حدثتنا أنك ستدخل المسجد الحرام وتأخذ مفتاح
الكعبة وتعرف مع المعرفين، وهدينا لم يصل إلى البيت ولا نحر! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
أقلت لكم في سفركم هذا؟ قال عمر: لا، قال: أما
إنكم ستدخلونه وآخذ مفتاح الكعبة وأحلق رأسي ورؤوسكم ببطن مكة وأعرف مع
المعرفين؛ ثم أقبل على عمر وقال: أنسيتم يوم أحد،
"إذ تصعدون ولا تلوون على أحد" وأنا
أدعوكم في أخراكم! أنسيتم يوم الأحزاب "إذ
جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر"!
أنسيتم يوم كذا! وجعل يذكرهم أموراً، أنسيتم يوم كذا! فقال المسلمون: صدق الله وصدق رسوله،
أنت يا رسول الله أعلم بالله منا، فلما دخل عام القضية
وحلق رأسه قال: هذا الذي كنت وعدتكم به، فلما
كان يوم الفتح وأخذ مفتاح الكعبة قال: ادعوا إلي عمر بن الخطاب، فجاء فقال: هذا الذي كنت قلت لكم. قالوا: فلو لم يكن
فر يوم أحد لما قال له: أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول فيما جرى للمسلمين بعد إصعادهم في الجبل
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي:
حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم، عن أبيه قال: لما صاح الشيطان لعنه الله: إن
محمداً قد قتل يحزنهم بذلك، تفرقوا في كل وجه، وجعل الناس يمرون على النبي صلى
الله عليه وآله وسلم لا يلوي عليه أحد منهم، ورسول الله يدعوهم في أخراهم، حتى
انتهت هزيمة قوم منهم إلى المهراس، فتوجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يريد أصحابه في الشعب فانتهى إلى الشعب وأصحابه في الجبل أوزاع، يذكرون مقتل من
قتل منهم، ويذكرون ما جاءهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال كعب بن
مالك: فكنت أول من عرفه وعليه المغفر، فجعلت أصيح وأنا في الشعب: هذا رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم حي، فجعل يومىء إلي بيده على فيه أي اسكت، ثم دعا
بلأمتي فلبسها ونزع لأمته. قال الواقدي: وروي أنه لما طلع عليهم في النفر الذين ثبتوا معه - وهم أربعة
عشر، سبعة من المهاجرين، وسبعة من
الأنصار - جعلوا يولون في الجبل خائفين منهم يظنونهم
المشركين، جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتبسم إلى أبى بكر وهو
على جنبه ويقول له: ألح إليهم، فجعل أبو بكر يليح إليهم وهم لا يعرجون حتى نزع أبو دجانة عصابة حمراء على رأسه فأوفى على
الجبل، فجعل يصيح ويليح، فوقفوا حتى عرفوهم ولقد وضع أبو بردة بن نيار سهماً على
كبد قوسه، فأراد أن يرمي به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، فلما
تكلموا وناداهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمسك، وفرح المسلمون برؤيته حتى كأنهم لم تصبهم في أنفسهم مصيبة،
وسروا لسلامته وسلامتهم من المشركين. قال: وقال
الزبير بن العوام: غشينا النعاس فما منا رجل إلا وذقنه في صدره من النوم، فأسمع
معتب بن قشير - وكان من المنافقين -
يقول وإني لكالحالم: "لو كان لنا من الأمر شيء
ما قتلنا ههنا"، فأنزل الله تعالى فيه ذلك. قلت له: فإذا كان هذا قد خطر لهم، فلماذا صعدوا في
الجبل. قال الواقدي:
حدثني الضحاك بن عثمان، عن حمزة بن سعيد، قال: لما تحاجزوا وأراد أبو سفيان الإنصراف، أقبل يسير على فرس له
حوراء، فوقف على أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وهم في عرض الجبل، فنادى بأعلى صوته: اعل هبل،
ثم صاح: أين ابن أبي كبشة؟ يوم بيوم بدر، ألا إن الأيام دول. فيقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: نهاهم
صفوان. فلما رآهم
سعد على تلك الحال منطلقين وقد دخلوا في المكمن رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو كالمنكسر
فقال: وجه القوم يا رسول الله إلى مكة، امتطوا الإبل
وجنبوا الخيل. فقال: ما تقول؟
قلت: ما قلت يا رسول الله، فخلا بي فقال: أحقاً ما تقول؟ قلت: نعم يا رسول الله،
قال: فما بالي رأيتك منكسراً؟ فقلت: كرهت أن آتي المسلمين فرحاً بقفولهم إلى
بلادهم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إن سعداً لمجرب. قال
الواقدي: وقيل لعمرو بن العاص: كيف كان افتراق المسلمين والمشركين يوم أحد؟
فقال: ما تريدون إلى ذلك! قد جاء الله بالإسلام، ونفى
الكفر وأهله، ثم قال: لما كررنا عليهم أصبنا من أصبنا منهم وتفرقوا في كل وجه،
وفاءت لهم فئة بعد؛ فتشاورت قريش، فقالوا: لنا الغلبة، فلو انصرفنا، فإنه بلغنا
أن ابن أبي انصرف بثلث الناس، وقد تخلف الناس من الأوس والخزرج، ولا نأمن أن
يكروا علينا، وفينا جراح، وخيلنا عامتها قد عقرت من النبل، فمضينا، فما بلغنا
الروحاء حتى قام علينا عدة منها؛ وانصرفنا إلى مكة. وقال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: عليكم
صاحبكم، يعني طلحة، فأخذ أبو عبيدة بثنيته حلقة المغفر، فنزعها وسقط على ظهره،
وسقطت ثنية أبي عبيدة، ثم أخذ الحلقة بثنيته الأخرى، فكان أبو عبيدة في الناس
أثرم. ويقال: إن الذي نزع الحلقتين من وجه رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم عقبة بن وهب بن كلدة؛
ويقال: أبو اليسر. فقيل لمالك: تشرب الدم! فقال: نعم؛ أشرب دم
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: من مس دمه دمي لم تصبه النار. قال الواقدي: وخرجت فاطمة عليها السلام في نساء، وقد رأت الذي
بوجه أبيها صلى الله عليه وآله وسلم، فاعتنقته، وجعلت تمسح الدم عن وجهه، ورسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسوله. وذهب
علي عليه السلام فأتى بماء من المهراس، وقال لفاطمة: امسكي هذا السيف غير ذميم،
فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مختضباً بالدم، فقال: لئن كنت
أحسنت القتال اليوم، فلقد أحسن عاصم بن ثابت والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف،
وسيف أبي دجانة غير مذموم؛ هكذا
روى الواقدي.
فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لئن كنت صدقت
القتال اليوم لقد صدق معك سماك بن خرشة، وسهل ابن حنيف. قال: فأنا وسط القتلى لتعرفهم، إذ مررت به
صريعاً في الوادي، فناديته فلم يجب، ثم قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم أرسلني إليك. قال: فتنفس كما يتنفس الطير؛ ثم قال: وإن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم لحي! قلت: نعم، وقد أخبرنا أنه شرع لك اثنا عشر
سناناً، فقال: طعنت اثنتي عشرة طعنة كلها أجافتني، أبلغ قومك الأنصار السلام وقل
لهم: الله الله وما عاهدتم عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة العقبة!
والله ما لكم عذر عند الله إن خلص إلى نبيكم ومنكم عين تطرف؛ فلم أرم من عنده
حتى مات؛ فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته، فرأيته استقبل القبلة رافعاً يديه يقول: اللهم
الق سعد بن الربيع وأنت عنه راض" قال الواقدي:
وخرجت السمداء بنت قيس؛ إحدى نساء بني دينار،
وقد أصيب ابناها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأحد: النعمان بن عبد عمر، وسليم بن الحارث، فلما نعيا لها قالت: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قالوا: بخير، هو بحمد الله صالح على
ما تحبين، فقالت: أرونيه أنظر إليه، فأشاروا لها إليه، فقالت:
كل مصيبة بعدك يا رسول الله جلل! وخرجت تسوق بابنيها بعيراً، تردهما إلى
المدينة؛ فلقيتها عائشة؛ فقالت: ما وراءك؟ فأخبرتها،
قالت: فمن هؤلاء معك؟ قالت ابناي؛ حل حل تحملهما إلى القبر. قال الواقدي: وكان حمزة بن عبد المطلب أول من جيء به إلى النبي صلى الله عليه وآله
وسلم
بعد انصراف قريش - أو كان من أولهم - فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، ثم قال: رأيت الملائكة تغسله - قالوا: لأن حمزة
كان جنباً ذلك اليوم - ولم يغسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الشهداء
يومئذ، وقال: لفوهم لدمائهم وجراحهم، فإنه ليس أحد يجرح في سبيل الله إلا
جاء يوم القيامة لون جرحه لون الدم، وريحه ريح المسك، ثم
قال: ضعوهم فأنا الشهيد على هؤلاء يوم القيامة، وكان حمزة أول من كبر عليه
أربعاً، ثم جمع إليه الشهداء فكان كلما أتي بشهيد وضع إلى جنب حمزة فصلى عليه
وعلى الشهيد، حتى صلى عليه سبعين مرة، لأن الشهداء سبعون. قال الواقدي: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزور قتلى أحد في كل حول، وإذا لقوه بالشعب رفع صوته يقول: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار! وكان أبو بكر يفعل مثل ذلك، وكذلك عمر بن الخطاب؛ ثم عثمان،
ثم معاوية، حين يمر حاجاً ومعتمراً. قال: ومر رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم على قبر مصعب بن عمير، فوقف
عليه، ودعا وقرأ: "من المؤمنين رجال
صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا
تبديلاً"، ثم قال: إن هؤلاء شهداء عند
الله يوم القيامة، فائتوهم فزوروهم وسلموا عليهم، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم
أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه. وكان أبو سعيد الخدري يقف على قبر حمزة فيدعو
ويقرأ ويقول مثل ذلك. اللهم إني أسألك من بركتك ورحمتك وفضلك
وعافيتك، اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إني أسألك
الأمن يوم الخوف، والغناء يوم الفاقة، عائذاً بك اللهم من شر ما أعطيت، ومن شر
ما منعمت، اللهم توفنا مسلمين، اللهم حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكره
إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم عذب كفرة أهل الكتاب
الذين يكذبون رسلك، ويصدون عن سبيلك، اللهم أنزل عليهم رجسك وعذابك إله الحق،
آمين! قال
الواقدي: وأقبل حتى نزل ببني حارثة يميناً حتى طلع على
بني عبد وهم يبكون على قتلاهم، فقال: لكن حمزة لا بواكى له! فخرج النساء
ينظرن إلى سلامة رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم، فخرجت إليه أم عامر الأشهلية، وتركت
النوح، فنظرت إليه وعليه الدرع كما هي، فقالت: كل مصيبة
بعدك جلل. وخرجت كبشة بنت عتبة بن معاوية بن بلحارث بن الخزرج تعدو نحو رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو
واقف على فرسه، وسعد بن معاذ آخذ بعنان فرسه، فقال سعد:
يا رسول الله، أمي، فقال: مرحباً بها! فدنت حتى تأملته، وقالت: إذ رأيتك سالماً
فقد شفت المصيبة. فعزاها بعمرو بن معاذ، ثم قال: يا أم سعد! أبشري وبشري أهليهم أن قتلاهم قد ترافقوا في الجنة
جميعاً وهم اثنا عشر رجلاً، وقد شفعوا في أهليهم،
فقالت: رضينا يا رسول الله، ومن يبكي عليهم بعد هذا! ثم
قالت: يا رسول الله، ادع لمن خلفوا، فقال: اللهم أذهب حزن قلوبهم، وآجر
مصيبتهم، وأحسن الخلف على من خلفوا. ثم قال لسعد بن معاذ:
حل أبا عمرو الدابة، فحل الفرس، وتبعه الناس، فقال: يا أبا عمرو، إن الجراح في
أهل دارك فاشية، وليس منهم مجروح إلا يأتي يوم القيامة جرحه كأغزر ما كان؛ اللون
لون دم، والريح ريح مسك، فمن كان مجروحاً فليقر في داره وليداو جرحه، ولا تبلغ
معي بيتي، عزمة مني. فنادى فيهم سعد: عزمة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألا
يتبعه جريح من بني عبد الأشهل، فتخلف كل مجروح، وباتوا يوقدون النيران ويداوون
الجراح، وإن فيهم لثلاثين جريحاً، ومضى سعد بن معاذ مع
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيته، ثم رجع إلى نسائه فساقهن، فلم تبق امرأة إلا جاء بها إلى
بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فبكين بين المغرب والعشاء، وقام رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم حين
فرغ من النوم لثلث الليل، فسمع البكاء فقال: ما هذا؟
قيل: نساء الأنصار يبكين على حمزة، فقال: رضي الله
تعالى عنكن وعن أولادكن؛ وأمر النساء أن يرجعن إلى منازلهن، قالت أم سعد بن معاذ: فرجعنا إلى بيوتنا بعد ليل ومعنا
رجالنا، فما بكت منا امرأة قط إلا بدأت بحمزة إلى يومنا
هذا. ويقال: إن معاذ بن جبل جاء بنساء بني سلمة، وجاء عبد
الله بن رواحة بنساء بلحارث بن الخزرج، فقال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم:
ما
أردت هذا؛ ونهاهن الغد عن النوح أشد النهي. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول فيما جرى للمشركين بعد انصرافهم إلى مكة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي:
حدثني موسى بن شيبة، عن قطر بن وهب الليثي، قال: لما
تحاجز الفريقان، ووجه قريش إلى مكة، وامتطوا الإبل، وجنبوا الخيل، سار وحشي، عبد
جبير بن مطعم على راحلته أربعاً، فقدم مكة يبشر قريشاً بمصاب المسلمين، فانتهى
إلى الثنية التي تطلع على الحجون فنادى بأعلى صوته: يا معشر قريش،
مراراً، حتى ثاب الناس إليه وهم خائفون أن يأتيهم بما يكرهون، فلما رضي منهم
قال: أبشروا فقد قتلنا من أصحاب محمد مقتلة لم نقتل مثلها في زحف قط، وجرحنا محمداً فأثبتناه بالجراح، وقتلنا رأس الكتيبة حمزة بن
عبد المطلب، فتفرق الناس عنه في كل وجه بالشماتة بقتل أصحاب النبي صلى الله عليه
وآله وسلم وإظهار السرور، وخلا جبير بن مطعم بوحشي، فقال: انظر ما تقول! قال وحشي: قد والله صدقت. قال: قتلت حمزة؟ قال: إي
والله ولقد زرقته بالمزراق في بطنه، فخرج من بين فخذيه، ثم نودي فلم يجب، فأخذت
كبده وحملتها إليك لتراها. فقال: أذهبت حزن نسائنا، وبردت حر قلوبنا؛ فأمر يومئذ نساءه
بمراجعة الطيب والدهن. قال الواقدي:
وقد كان عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي لما انكشف المشركون بأحد في
أول الأمر، خرج هارباً على وجهه، وكره أن يقدم مكة،
فقدم الطائف، فأخبر ثقيفاً أن أصحاب محمد قد ظفروا وانهزمنا، وكنت أول من
قدم عليكم، ثم جاءهم الخبر بعد أن قريشاً ظفرت
وعادت الدولة لها. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول في مقتل أبي عزة الجمحي ومعاوية بن المغيرة بن
أبي العاص ابن أمية بن عبد شمس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي:
أما أبو عزة - واسمه عمرو بن عبد الله بن عمير بن وهب
بن حذافة بن جمح - فإن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم أخذه أسيراً يوم أحد - ولم يؤخذ يوم أحد أسير غيره
فقال: يا محمد، من علي؛ فقال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: إن
المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، لا ترجع إلى مكة تمسح عارضيك،
فتقول: سخرت بمحمد مرتين. ثم أمر عاصم بن ثابت فضرب عنقه. فقال بعضهم: ما كان ليعدو
منزل عثمان، فاطلبوه به، فدخلوا منزل عثمان، فأشارت أم كلثوم إلى الموضع الذي
صيره فيه، فاستخرجوه من تحت حمارة لهم، فانطلقوا به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال عثمان حين رآه: والذي بعثك
بالحق ما جئت إلا لأطلب له الأمان، فهبه لي، فوهبه له،
وأجله ثلاثاً، وأقسم: لئن وجده بعدها يمشي في أرض المدينة وما حولها
ليقتلته. وخرج عثمان فجهزه واشترى له بعيراً، ثم قال: ارتحل. وسار رسول الله عليه صلى الله عليه وآله وسلم إلى حمراء الأسد وأقام
معاوية إلى اليوم الثالث ليعرف أخبار النبي صلى
الله عليه وآله وسلم، ويأتي بها قريشاً،
فلما كان في اليوم الرابع قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: إن معاوية أصبح قريباً لم ينفذ،
فاطلبوه. فأصابوه وقد أخطأ الطريق، فأدركوه، وكان
اللذان أسرعا في طلبه زيد بن حارثة وعمار بن ياسر، فوجداه بالجماء فضربه
زيد بالسيف، وقال عمار: إن لي فيه حقاً، فرمياه بسهم فقتلاه، ثم انصرفا إلى
المدينة بخبره، ويقال: إنه أدرك على ثمانية أميال من
المدينة، فلم يزل زيد وعمار يرميانه بالنبل حتى مات. قال: ويقال: إن علياً عليه السلام هو الذي قتل معاوية بن المغيرة. والصحيح ما ذكره ابن الكلبي من أنه شهد الحرب
كلها، وجدع أنف حمزة، ثم حصل في أيدي
المسلمين بعد انصراف قريش، لأنه تأخر عنهم لعارض عرض له فأدركه حينه،
فقتل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول في مقتل المجذر بن زياد البلوي والحارث بن
يزيد بن الصامت
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي:
كان المجذر بن زياد البلوي حليف بنى عوف بن الخزرج ممن شهد بدراً مع رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت له قصة في الجاهلية قبل
قدوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم
المدينة، وذلك أن حضير الكتائب، والد أسيد بن حضير، جاء إلى بني عمرو بن عوف، فكلم سويد بن
الصامت وخوات بن جبير وأبا لبابة بن عبد المنذر - ويقال سهل بن حنيف - فقال:
هل لكم أن تزوروني فأسقيكم شراباً، وأنحر لكم، وتقيمون عندي أياماً! قالوا: نعم، نحن نأتيك يوم كذا، فلما كان ذلك اليوم
جاؤوه فنحر لهم جزوراً، وسقاهم خمراً، وأقاموا عنده ثلاثة أيام حتى تغير اللحم - وكان سويد بن الصامت يومئذ شيخاً كبيراً- فلما
مضت الأيام الثلاثة قالوا: ما نرانا إلا راجعين إلى
أهلنا! فقال حضير: ما أحببتم! إن أحببتم فأقيموا، وإن أحببتم فانصرفوا،
فخرج الفتيان بسويد بن الصامت يحملانه على جمل من الثمل؛ فمروا لاصقين بالحرة
حتى كانوا قريباً من بني عيينة، فجلس سويد يبول وهو ثمل سكراً، فبصر به إنسان من الخزرج، فخرج حتى أتى المجذر بن زياد،
فقال: هل لك في الغنيمة الباردة! قال: ما هي؟
قال: سويد بن الصامت، أعزل لا سلاح معه، ثمل، فخرج المجذر
بن زياد بالسيف مصلتاً فلما رآه الفتيان وهما أعزلان لا سلاح معهما وليا،
والعداوة بين الأوس والخزرج شديدة. فانصرفا
مسرعين، وثبت الشيخ ولا حراك به، فوقف المجذر بن زياد، فقال: قد أمكن الله منك!
قال: ما تريد بي؟ قال: قتلك. قال: فارفع عن
الطعام، واخفض عن الدماغ، فإذا رجعت إلى أمك، فقل: إني
قتلت سويد بن الصامت. فقتله، فكان
قتله هو الذي هيج وقعة بعاث. وركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقدمه عويم بن ساعدة على باب المسجد، فضرب
عنقه.
فأما البلاذري فإنه ذكر هذا، وقال: ويقال إن الجلاس بن سويد بن الصامت
هو الذي قتل المجذر يوم أحد غيلةً؛ إلا أن شعر حسان يدل على أنه الحارث.
قال البلادري:
جذرة وجذارة أخوان، وهما ابنا عوف بن الحارث بن الخزرج. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول فيمن مات من المسلمين بأحد جملة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي:
ذكر سعيد بن المسيّب وأبو سعيد الخدري أنه قتل من
الأنصار خاصة أحد وسبعون، وبمثله قال مجاهد. وقال قوم
أيضاً: إن أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي جرح يوم
أحد، ومات من تلك الجراحة بعد أيام. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول فيمن قتل من المشركين بأحد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي:
قتل من بني عبد الدار طلحة بن أبي طلحة صاحب لواء قريش؛ قتله علي بن أبي طالب عليه السلام مبارزة، وعثمان بن أبي طلحة؛ قتله
حمزة بن عبد المطلب وأبو سعيد بن أبي طلحة؛ قتله سعد بن أبي وقاص، ومسافع بن
طلحة بن أبي طلحة، قتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، وكلاب بن طلحة بن أبي طلحة؛
قتله الزبير بن العوام والحارث بن طلحة بن أبي طلحة، قتله عاصم بن ثابت، والجلاس
بن طلحة بن أبي طلحة؛ قتله طلحة بن عبيد الله، وأرطاة
بن عبد شرحبيل؛ قتله علي بن أبي طالب عليه السلام وقارظ بن شريح بن عثمان بن عبد الدار -
ويروى قاسط بالسين والطاء المهملتين - قال الواقدي: لا يدرى من قتله، وقال البلاذري: قتله علي بن
أبي طالب عليه السلام، وصواب مولاهم: قتله علي بن أبي طالب عليه السلام
وقيل: قتله قزمان - وأبو عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير، قتله قزمان، فهؤلاء أحد
عشر. ومن بني أسد بن عبد العزى عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد؛ قتله
أبو دجانة في رواية الواقدي، وفي رواية محمد بن إسحاق،
قتله علي بن أبي طالب عليه السلام. قلت: فأما البلاذري فلم يذكر لهم قاتلاً، ولكنه عدهم في جملة من قتل من المشركين بأحد؛ وكذلك ابن إسحاق لم
يذكر من قتلهم، فإن صحت رواية الواقدي فعلي عليه السلام لم يكن قد قتل منهم إلا
واحداً، وإن كانت رواية ابن حبيب صحيحة فالأربعة من قتلاه عليه
السلام. وقد رأيت في بعض كتب أبي الحسن
المدائني أيضاً أن علياً عليه السلام هو الذي قتل بني سفيان
بن عويف يوم أحد، وروى له شعراً في ذلك. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول في خروجه صلى الله عليه وآله بعد انصرافه من
أحد إلى المشركين ليوقع بهم علي ما هو به من الوهن
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي:
بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن المشركين قد
عزموا أن يردوا إلى المدينة فينهبوها، فأحب أن يريهم قوة، فصلى الصبح يوم
الأحد لثمان خلون من شوال ومعه وجوه الأوس والخزرج،
وكانوا باتوا تلك الليلة في بابه يحرسونه من البيات، فيهم
سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ، والحباب بن المنذر، وأوس بن خولي، وقتادة بن
النعمان في عدة منهم. فلما انصرف من صلاة الصبح أمر
بلالاً أن ينادي في الناس، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمركم
بطلب عدوكم، ولا يخرج معنا إلا من شهد القتال بالأمس، فخرج
سعد بن معاذ راجعاً إلى قومه يأمرهم بالمسير، والجراح
في الناس فاشية، عامة بني عبد الأشهل جريح، بل كلها، فجاء سعد بن معاذ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم يأمركم أن تطلبوا عدوكم. قال: يقول أسيد بن
حضير وبه سبع جراحات، وهو يريد أن يداويها: سمعاً وطاعةً لله ولرسوله! فأخذ سلاحه ولم يعرج على دواء جراحه، ولحق برسول صلى الله
عليه وآله وسلم. فلما نظر إليهم والجراح فيهم فاشية، قال: اللهم ارحم بني سلمة. قال الواقدي: وحدثني عتبة بن جبيرة
عن رجال من قومه؛ أن عبد الله بن سهل ورافع بن سهل من بني عبد الأشهل رجعا من
أحد وبهما جراح كثيرة وعبد الله أثقلهما جرحاً، فلما أصبحا
وجاء سعد بن معاذ قومه يخبرهم أن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يأمرهم بطلب
العدو، قال أحدهما لصاحبه: والله إن تركنا غزاة
مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لغبن،
والله ما عندنا دابة نركبها، ولا ندري كيف نصنع! قال عبد الله انطلق بنا. قال جابر: فلم يخرج معه أحد لم يشهد القتال بالأمس
غيري، واستأذنه رجال لم يحضروا القتال. فأبى ذلك عليهم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلوائه
وهو معقود لم يحل من أمس، فدفعه إلى علي عليه السلام، ويقال: دفعه إلى أبي بكر، فخرج رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مجروح، في وجهه أثر الحلقتين، ومشجوج في جبهته في أصول الشعر،
ورباعيته قد شظيت، وشفته قد كلمت من باطنها، ومنكبه الأيمن موهن بضربة ابن
قميئة، وركبتاه مجحوشتان؛ فدخل المسجد فصلى ركعتين، والناس قد
حشدوا، ونزل أهل العوالي حيث جاءهم الصريخ. ودعا
بفرسه على باب المسجد، وتلقاه طلحة بن عبيد الله، وقد سمع المنادي، فخرج ينظر
متى يسير رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم!
فإذا هو وعليه الدرع والمغفر لا يرى منه إلا عيناه، فقال:
يا طلحة، سلاحك، قال: قريباً، قال طلحة: فأخرج،
وأعدو فألبس درعي وآخذ سيفي، وأطرح درقتي في صدري، وإن بي لتسع جراحات، ولأنا
أهم بجراح رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم مني
بجراحي، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على طلحة، فقال: أين ترى القوم الآن؟ قال: هم بالسيالة فقال رسول
الله صلى الله عليه
وآله وسلم: ذلك
الذي ظننت، أما إنهم يا طلحة لن ينالوا منا مثل أمس حتى يفتح
الله مكة علينا، قال: وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة نفر من أسلم طليعة في آثار القوم،
فانقطع أحدهم، وانقطع قبال نعل الآخر، ولحق الثالث
بقريش وهم بحمراء الأسد، ولهم زجل يأتمرون في الرجوع إلى المدينة، وصفوان بن أمية ينهاهم عن ذلك، ولحق الذي انقطع قبال
نعله بصاحبه، فبصرت قريش بالرجلين، فعطفت عليهما،
فأصابوهما، وانتهى المسلمون إلى مصرعهما بحمراء
الأسد، فقبرهما رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم في قبر واحد، فهما القرينان. قال الواقدي:
وجاء معبد بن أبي معبد الخزاعي - وهو يومئذ مشرك - إلى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت خزاعة سلماً للنبي صلى الله عليه وآله
وسلم، فقال: يا محمد عز علينا ما أصابك في
نفسك، وما أصابك في أصحابك، ولوددنا أن الله تعالى أعلى كعبك، وأن المصيبة كانت
بغيرك، ثم مضى معبد حتى يجد أبا سفيان وقريشاً بالروحاء
وهم يقولون: لا محمداً أصبتم، ولا الكواعب أردفتم، فبئسما صنعتم! وهم مجمعون على الرجوع إلى المدينة، ويقول قائلهم فيما بينهم: ما صنعنا شيئاً، أصبنا
أشرافهم، ثم رجعنا قبل أن نستأصلهم، وقبل أن يكون لهم وفر، وكان المتكلم بهذا عكرمة بن أبي جهل، فلما جاء معبد
إلى أبي سفيان قال: هذا معبد، وعنده الخبر، ما وراءك يا
معبد؟ قال: تركت محمداً وأصحابه خلفي يتحرقون عليكم بمثل النيران، وقد اجتمع معه من تخلف عنه بالأمس من الأوس والخزرج، وتعاهدوا
ألا يرجعوا حتى يلحقوكم فيثأروا منكم، وقد غضبوا
لقومهم غضباً شديداً ولمن أصبتم من إشرافهم. قالوا: ويحك، ما تقول؟ قال:
والله ما أرى أن ترتحلوا حتى تروا نواصي الخيل، ولقد حملني ما رأيت منهم أن قلت
أبياتاً، قالوا: وما هي؟ فأنشدهم هذا الشعر:
وقد كان صفوان بن أمية رد القوم بكلامه قبل أن يطلع معبد، وقال لهم صفوان: يا قوم، لا تفعلوا؛ فإن القوم قد حربوا، وأخشى أن
يجمعوا عليكم من تخلف من الخزرج، فارجعوا والدولة لكم، فإني لا آمن إن رجعتم
إليهم أن تكون الدولة عليكم. قال: فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: أرشدهم صفوان وما كان
برشيد،
ثم قال: والذي نفسي بيده لقد سومت لهم الحجارة، ولو رجعوا لكانوا كأمس الذاهب،
قال: فانصرف القوم سراعاً خائفين من الطلب لهم، ومر
بأبي سفيان قوم من عبد القيس يريدون المدينة، فقال لهم: هل أنتم مبلغو
محمد وأصحابه ما أرسلكم به؛ على أن أوقر لكم أباعركم زبيباً غداً بعكاظ؛ إن أنتم
جئتموني! قالوا: نعم، قال: حيثما لقيتم محمداً وأصحابه
فأخبروهم أنا قد أجمعنا الرجعة إليهم، وأنا آثاركم. وانطلق أبو سفيان إلى
مكة، وقدم الركب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بالحمراء
فأخبروهم بالذي أمرهم أبو سفيان، فقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانزل ذلك في
القران، وأرسل معبد رجلاً من خزاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمه أنه قد انصرف أبو سفيان وأصحابه خائفين
وجلين،
فانصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بعد ثلاث إلى المدينة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في شرح غزاة مؤتة نذكرها من كتاب الواقدي
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ونزيد على ذلك ما رواه محمد بن إسحاق في كتابه
على عادتنا فيما تقدم قال الواقدي: حدثني ربيعة بن عثمان عن عمر بن الحكم،
قال:
بعث رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم الحارث بن عمير الأزدي في سنة ثمان
إلى ملك بصرى بكتاب، فلما نزل مؤتة عرض له
شرحبيل بن عمرو الغساني، فقال: أين تريد؟ قال: الشام، قال:
لعلك من رسل محمد. قال: نعم، فأمر به فأوثق رباطاً ثم قدمه فضرب عنقه، ولم يقتل
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رسول غيره، وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فاشتد عليه،
وندب الناس وأخبرهم بمقتل الحارث، فأسرعوا وخرجوا، فعسكروا بالجرف، فلما صلى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر
جلس وجلس أصحابه حوله، وجاء النعمان بن مهض اليهودي
فوقف مع الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: زيد بن حارثة أمير الناس، فإن قتل
زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن
رواحة، فإن أصيب ابن رواحة فليرتض
المسلمون من بينهم رجلاً فليجعلوه عليهم. ثم جعل اليهودي يقول لزيد بن حارثة: اعهد فلا ترجع إلى محمد أبداً إن كان نبياً. قال زيد: أشهد أنه نبي صادق فلما أجمعوا
المسير وعقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم
اللواء بيده دفعه إلى زيد بن حارثة، وهو لواء أبيض، ومشى الناس إلى أمراء رسول
الله صلى الله عليه وآله
وسلم يودعونهم ويدعون لهم وكانوا ثلاثة آلاف، فلما ساروا في
معسكرهم ناداهم المسلمون: دفع الله عنكم، وردكم صالحين سالمين غانمين، فقال عبد الله بن رواحة:
قلت:
اتفق المحدثون على أن زيد بن حارثة كان هو الأمير الأول، وأنكرت الشيعة ذلك، وقالوا: كان جعفر بن أبي طالب هو
الأمير الأول، فإن قتل فزيد بن حارثة،
فإن قتل فعبد الله بن رواحة، ورووا في ذلك
روايات، وقد وجدت في الأشعار التي ذكرها محمد بن
إسحاق في كتاب المغازي ما يشهد لقولهم، فمن ذلك ما رواه عن حسان بن ثابت وهو:
ومنها
قول كعب بن مالك الأنصاري من قصيدة أولها:
قال الواقدي:
فحدثني ابن أبي سبرة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن رافع بن إسحاق، عن
زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطبهم
فأوصاهم فقال: أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيراً، اغزوا باسم الله
وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً،
وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث:
فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم، واكفف عنهم، ادعهم إلى الدخول في الإسلام، فإن
فعلوا فاقبل واكفف. ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى المهاجرين، فإن فعلوا فأخبرهم أن
لهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين. وإن دخلوا في الإسلام واختاروا دارهم فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب
المسلمين، يجري عليهم حكم الله، ولا يكون لهم في الفيء ولا في الغنيمة شيء، إلا
أن يجاهدوا مع المسلمين،
فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإن أنت حاصرت أهل
حصن أو مدينة فأرادوا أن تستنزلهم على حكم الله فلا تستنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم
أم لا! وإن حاصرت أهل حصن أو مدينة وأرادوا أن تجعل لهم ذمة الله وذمة
رسول الله فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة رسول الله، ولكن
اجعل لهم ذمتك وذمة أبيك وأصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم آبائكم خير
لكم من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله. فقال ابن رواحة: لا أسألك عن شيئ بعدها.
قال محمد بن إسحاق: فلما ودع المسلمين بكى، فقالوا له: ما يبكيك يا عبد الله؟
قال: والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة إليها، ولكني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ: "وإن منكم إلا واردها"، فلست أدري كيف لي بالصدر
بعد الورود! قال الواقدي:
وكان زيد بن أرقم يحدث، قال: كنت يتيماً في حجر عبد الله بن رواحة، فلم أر والي يتيم كان خيراً لي
منه، خرجت معه في وجهة إلى مؤتة وصب بي وصببت به، فكان يردفني خلف رحله، فقال
ذات ليلة وهو على راحلته بين شعبتي رحله:
فلما
سمعت منه هذا الشعر بكيت، فخفقني بالدرة وقال: وما عليك يا
لكع أن يرزقني الله الشهادة فأستريح من الدنيا ونصبها، وهمومها وأحزانها
وأحداثها، وترجع أنت بين شعبتي الرحل! قال
الواقدي: ومضى المسلمون فنزلوا وادي القرى فأقاموا به
أياماً، وساروا حتى نزلوا بمؤتة، وبلغهم أن هرقل ملك
الروم قد نزل ماء من مياه البلقاء في بكر وبهراء ولخم وجذام وغيرهم مائة ألف
مقاتل، وعليهم رجل من بلي، فأقام المسلمون
ليلتين ينظرون في أمرهم، وقالوا: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنخبره
الخبر؛ فإما أن يردنا أو يزيدنا رجالاً؛ فبينا الناس
على ذلك من أمرهم جاءهم عبد الله بن رواحة فشجعهم، وقال: والله ما كنا
نقاتل الناس بكثرة عدة ولا كثرة سلاح ولا كثرة خيل، إلا بهذا الدين الذي أكرمنا
الله به، انطلقوا فقاتلوا؛ فقد والله رأينا يوم
بدر، وما معنا إلا فرسان، إنما هي إحدى الحسنيين:
إما الظهور عليهم فذاك ما وعدنا الله ورسوله، وليس لوعده خلف، وإما الشهادة فنلحق بالإخوان، نرافقهم في الجنان. فشجع الناس
على قول ابن رواحة. وروى محمد بن إسحاق قال: لما ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيداً وجعفراً سكت عن عبد الله بن رواحة حتى تغيرت وجوة الأنصار، وظنوا أنه قد كان من عبد الله بعض
ما يكرهون، ثم قال: أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل حتى
قتل شهيداً، ثم قال: لقد رفعوا لي في الجنة فيما يرى النائم على سرر من
ذهب، فرأيت في سرير ابن رواحة ازوراراً عن سريري صاحبيه، فقلت: لم هذا؟ فقيل: لأنهما مضيا؛ وتردد هذا بعض التردد، ثم مضى.
ثم
ارتجز أيضاً فقال:
ثم
نزل عن فرسه فقاتل، فأتاه ابن عم له ببضعة من لحم، فقال: اشدد بهذا صلبك. فأخذها
من يده، فانتهش منها نهشة ثم سمع الحطمة في ناحية من الناس، فقال: وأنت يا بن
رواحة في الدنيا! ثم ألقاها من يده وأخذ سيفه، فتقدم فقاتل حتى قتل. قال: فإن الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في
الجنة، قالت: بأبي وأمي، فأعلم
الناس ذلك! فقام رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم
بيدي
يمسح بيده رأسي حتى رقي على المنبر وأجلسني أمامه على الدرجة السفلى، وإن الحزن
ليعرف عليه، فتكلم فقال: إن المرء كثير بأخيه
وابن عمه، ألا إن جعفراً قد استشهد، وقد جعل الله
له جناحين يطير بهما في الجنة. ثم نزل، فدخل بيته وأدخلني، وأمر بطعام فصنع لنا،
وأرسل إلى أخي فتغدينا عنده غداء طيباً، عمدت سلمى خادمته إلى شعير فطحنته، ثم
نشفته، ثم أنضجته وآدمته بزيت، وجعلت عليه فلفلاً، فتغذيت أنا وأخي معه، وأقمنا
عنده ثلاثة أيام ندور معه في بيوت نسائه، ثم أرجعنا إلى
بيتنا، وأتاني رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم بعد ذلك وأنا أساوم في شاة، فقال: اللهم بارك له في صفقته، فوالله ما بعت شيئاً ولا اشتريت
إلا بورك فيه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في مناقب جعفر الطيار
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
روى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب مقاتل
الطالبيين أن كنية جعفر بن أبي
طالب أبو المساكين ،قال: وكان ثالث الإخوة من ولد أبي طالب، أكبرهم طالب،
وبعده عقيل، وبعده جعفر، وبعده علي، وكل واحد منهم أكبر من الآخر بعشر سنين،
وعلي أصغرهم سنا، وأمهم جميعاً فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. وقد ورد فيه حديث كثير؛ من ذلك أن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم لما فتح خيبر
قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة، فالتزمه رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم وجعل
يقبل بين عشيه ويقول: ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا!
بقدوم جعفر، أم بفتح خيبر! قال: وقد روى خالد الحذاء، عن عكرمة، عن أبي هريرة
أنه قال: ما ركب المطايا، ولا ركب الكور، ولا انتعل، ولا احتذى النعال أحد بعد
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل
من جعفر من أبي طالب. قال أبو عمر: وقد روى ابن المسيب أن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قال:
مثل لي جعفر وزيد وعبد الله في خيمة من در، كل واحد منهم على سرير، فرأيت زيداً
وابن رواحة في أعناقهما صدوداً، ورأيت جعفراً مستقيماً ليس فيه صدود، فسألت فقيل
لي: إنهما حين غشيهما الموت أعرضا وصدا بوجهيهما، وأما جعفر فلم يفعل. فقال:
إني لا أدعي أن لي في الإسلام مثل صحبته ولا مثل هجرته ولا قرابته؛ ولكن خبروني
عنكم، ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوماً! قالوا: بلى، قال: فليدفع إلينا قتلته
لنقتلهم به، ولا قتال بيننا وبينه، قالا: فاكتب إليه كتاباً يأته به بعضنا، فكتب مع أبي مسلم الخولاني: من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن
أبي طالب. سلام عليك،
فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإن الله اصطفى محمداً بعلمه،
وجعله الأمين على وحيه، والرسول إلى خلقه، واجتبى له من المسلمين أعواناً أيده
الله تعالى بهم، فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام، فكان
أفضلهم في الإسلام وأنصحهم لله ورسوله الخليفة من بعده، ثم خليفة خليفته من بعد
خليفته، ثم الثالث الخليفة المظلوم عثمان، فكلهم حسدت، وعلى كلهم بغيت، عرفنا
ذلك في نظرك الشزر، وقولك الهجر، وتنفسك الصعداء، وإبطائك عن الخلفاء، تقاد إلى
كل منهم كما يقاد الفحل المخشوش حتى تبايع وأنت كاره، ثم لم تكن لأحد منهم بأعظم
حسداً منك لابن عمك عثمان، وكان أحقهم ألا تفعل ذلك في قرابته وصهره، فقطعت
رحمه، وقبحت محاسنه، وألبت الناس عليه، وبطنت وظهرت حتى ضربت إليه آباط الإبل،
وقيدت إليه الإبل العراب، وحمل عليه السلاح في حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقتل معك في
المحلة وأنت تسمع في داره الهائعة، لا تردع الظن، والتهمة عن نفسك بقول ولا عمل.
وأقسم قسماً صادقاً لو قمت فيما كان من أمره مقاماً واحداً تنهنه الناس عنه، ما
عدل بك من قبلنا من الناس أحداً، ولمحا ذلك عندهم ما كانوا يعرفونك به من
المجانبة لعثمان والبغي عليه، وأخرى أنت بها عند أنصار عثمان ظنين؟ إيواؤك قتلة
عثمان، فهم عضدك وأنصارك، ويدك وبطانتك؛ وقد ذكر لي أنك تتنصل من دمه، فإن كنت
صادقاً فأمكنا من قتلته نقتلهم به، ونحن أسرع الناس إليك، وإلا فإنه ليس لك
ولأصحابك إلا السيف؛ والذي لا إله إلا هو لنطلبن قتلة عثمان في الجبال والرمال
والبر والبحر، حتى يقتلهم الله أو لتلحقن أرواحنا بالله، والسلام. إن عثمان قتل مسلماً محرماً مظلوماً، فادفع إلينا
قتلته، وأنت أميرنا، فإن خالفك من الناس أحد كانت أيدينا لك ناصرة، وألسنتنا لك
شاهدة، وكنت ذا عذر وحجة. فقال علي عليه
السلام، والله ما أردت
أن أدفعهم إليكم طرفة عين قط، لقد ضربت هذا الأمر أنفه وعينه، فما رأيته ينبغي
لي أن أدفعهم إليك، ولا إلى غيرك. فخرج أبو مسلم بالكتاب وهو يقول: الآن طاب الضراب!
وكان جواب علي عليه السلام:
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان. وذكرت أن الله تعالى اجتبى له من المسلمين أعواناً
أيده الله بهم، فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام، فكان أفضلهم
- زعمت - في الإسلام، وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة
وخليفة الخليفة، ولعمري إن مكانهما في
الإسلام لعظيم، وإن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد، فرحمهما الله وجزاهما أحسن ما عملا! وذكرت أن عثمان كان في الفضل تالياً، فإن يك عثمان محسناً فسيجزيه الله بإحسانه، وإن يك مسيئاً
فسيلقى رباً غفوراً لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، ولعمري إني لأرجو إذا أعطى
الله الناس على قدر فضائلهم في الإسلام ونصيحتهم لله ولرسوله، أن يكون نصيبنا في
ذلك الأوفر. إن محمداً صلى
الله عليه وآله وسلم
لما
دعا إلى الإيمان بالله والتوحيد له كنا أهل البيت أول من آمن به وصدقه فيما جاء،
فبتنا أحوالاً كاملةً مجرمة تامة، وما يعبد الله في ربع ساكن من العرب غيرنا،
فأراد قومنا قتل نبينا، واجتياح أصلنا، وهموا بنا الهموم، وفعلوا بنا الأفاعيل،
ومنعونا الميرة، وامسكوا عنا العذب، وأحلسونا الخوف. وجعلوا علينا الأرصاد
والعيون، واضطرونا إلى جبل وعر، وأوقدوا لنا نار الحرب، وكتبوا بينهم كتاباً، لا يؤاكلوننا، ولا يشاربوننا، ولا يناكحوننا، ولا
يبايعوننا، ولا نأمن منهم حتى ندفع إليهم محمداً فيقتلوه ويمثلوا به، فلم نكن
نأمن فيهم إلا من موسم إلى موسم، فعزم الله لنا على منعه، والذب عن حوزته،
والرمي من وراء حرمته، والقيام بأسيافنا دونه في ساعات الخوف بالليل والنهار،
فمؤمننا يرجو بذلك الثواب، وكافرنا يحامي عن الأصل، وأما من أسلم من قريش
فإنهم مما نحن فيه خلاء، منهم الحليف الممنوع، ومنهم ذو العشيرة التي تدافع عنه،
فلا يبغيه أحد مثل ما بغانا به قومنا من التلف، فهم من القتل بمكان نجوة وأمن،
فكان ذلك ما شاء الله أن يكون. ثم أمر
الله تعالى رسوله بالهجرة، وأذن له بعد ذلك في قتال المشركين، فكان إذا احمر
البأس، ودعيت نزال أقام أهل بيته، فاستقدموا، فوقى أصحابه بهم حد الأسنة والسيوف، فقتل عبيدة يوم بدر، وحمزة يوم أحد، وجعفر وزيد يوم
مؤتة، وأراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة مع النبي صلى الله
عليه وآله وسلم غير مرة، إلا أن آجالهم عجلت، ومنيته أخرت، والله ولي الإحسان إليهم، والمنة عليهم، بما أسلفوا من
أمر الصالحات، فما سمعت بأحد ولا رأيته هو أنصح في طاعة رسوله ولا لنبيه،
ولا أصبر على اللأواء والسراء والضراء وحين البأس، ومواطن المكروه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من
هؤلاء النفر الذين سميت لك، وفي المهاجرين خير كثير
يعرف، جزاهم الله خيراً بأحسن أعمالهم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب له إلى معاوية أيضاً
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: وكيف أنت
صانع إذا تكشفت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا قد تبهجت بزينتها، وخدعت بلذتها،
دعتك فأجبتها، وقادتك فاتبعتها. وأمرتك فأطعتها، وإنه يوشك أن يقفك واقف على ما
لا ينجيك منه منج. قوله: فاقعس عن هذا
الأمر، أي تأخر عنه، والماضي قعس بالفتح، ومثله تقاعس واقعنسس، وأهبة الحساب:
عدته، وتأهب: استعد وجمع الأهبة أهب، وشمر لما قد نزل بك، أي جد واجتهد وخف،
ومنه رجل شمري بفتح الشين، وتكسر، والغواة: جهع غاو، وهو الضال. ومأخذه مصدر، أي تناولك الشيطان تناوله المعروف،
وحذف مفعول أخذ لدلالة الكلام عليه، ولأن اللفظة تجري مجرى المثل. ولست أقول برياستهم على بني هاشم،
ولكنهم كانوا رؤساء على كثير من بطون قريش، ألا
ترى أن بني نوفل بن عبد مناف ما زالوا أتباعاً لهم، وأن
بني عبد شمس كانوا في يوم بدر قادة الجيش، كان رئيس الجيش عتبة بن ربيعة، وكانوا
في يوم أحد ويوم الخندق قادة الجيش! كان الرئيس في هذين اليومين أبا سفيان بن
حرب؛ وأيضاً فإن في لفظة أمير المؤمنين عليه السلام ما يشعر بما قلناه، وهو قوله: وولاة أمر الأمة فان
الأمة في العرب هم المسلمون، أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم. أما بعد، فإنك المطبوع على قلبك، المغطى على بصرك؛
الشر من شيمتك، والعتو من خليقتك، فشمر للحرب، واصبر للضرب، فوالله ليرجعن الأمر
إلى ما علمت، والعاقبة للمتقين. هيهات
هيهات! أخطأك ما تمنى، وهوى قلبك فيما هوى، فاربع على ظلعك، وقس شبرك بفترك،
تعلم أين حالك من حال من يزن الجبال حلمه، ويفصل بين أهل الشك علمه؛ والسلام. قوله عليه السلام شدخاً؛ الشدخ: كسر الشيء الأجوف، شدخت رأسه
فانشدخ، وهؤلاء الثلاثة: حنظلة بن أبي سفيان، والوليد
بن عتبة، وأبوه عتبة بن ربيعة، فحنظلة أخوه، والوليد خاله، وعتبة جده، وقد
تقدم ذكر قتله إياهم في غزاة بدر. وقوله:
قد علمت حيث وقع دم عثمان فاطلبه من هناك، يريد به إن كنت تطلب ثأرك من عند من
أجلب وحاصر، فالذي فعل ذلك طلحة والزبير؛ فاطلب ثأرك من بني تميم ومن بني أسد بن
عبد العزى، وإن كنت تطلبه ممن خذل، فاطلبه من نفسك فإنك خذلته، وكنت قادراُ على
أن ترفده وتمده بالرجال، فخذلته وقعدت عنه بعد أن استنجدك واستغاث بك. ولعمري لينفذن العلم فيك، وليتمن النور بصغرك
وقماءتك، ولتخسأن طريداً مدحوراً، أو قتيلاً مثبوراً؛ ولتجزين بعملك حيث لا ناصر
لك، ولا مصرخ عندك. وقد أسهبت في ذكر عثمان، ولعمري ما قتله غيرك، ولا
خذله سواك، ولقد تربصت به الدوائر، وتمنيت له الأماني، طمعاً فيما ظهر منك، ودل
عليه فعلك، وإني لأرجو أن ألحقك به على أعظم من ذنبه، وأكبر من خطيئته. وأذكرك ما لست له ناسياً؛ يوم
قتلت أخاك حنظلة، وجررت برجله إلى القليب، وأسرت أخاك عمراً؛ فجعلت عنقه بين
ساقيه رباطاً، وطلبتك ففررت ولك حصاص، فلولا أني لا أتبع فاراً، لجعلتك ثالثهما،
وأنا أولي لك بالله ألية برة غير فاجرة؛ لئن جمعتني
وإياك جوامع الأقدار، لأتركنك مثلا يتمثل به الناس أبداً، ولأجعجعن بك في مناخك
حتى يحكم الله بيني وبينك، وهو خير الحاكمين. ولئن أنسأ الله في أجلي قليلاً لإعزينك سرايا
المسلمين، ولأنهدن إليك في جحفل من المهاجرين والأنصار، ثم لا أقبل لك معذرة ولا
شفاعة، ولا أجيبك إلى طلب وسؤال، ولترجعن إلى تحيرك وترددك وتلددك، فقد شاهدت
وأبصرت ورأيت سحب الموت كيف هطلت عليك بصيبها حتى اعتصمت بكتاب أنت وأبوك أول من
كفر وكذب بنزوله. ولقد كنت
تفرستها، وآذنتك أنك فاعلها، وقد مضى منها ما مضى، وانقضى من كيدك فيها ما
انقضى، وأنا سائر نحوك على أثر هذا الكتاب، فاختر لنفسك، وانظر لها، وتداركها،
فإنك إن فطرت واستمررت على غيك وغلوائك حتى ينهد إليك عباد الله، أرتخت عليك
الأمور، ومنعت أمراً هو اليوم منك مقبول. قال النقيب أبو زيد:
ولا خلاف عند أحد أن علياً عليه السلام قتل
حنظلة وأسر عمراً أخاه. ولقد شهد بدراً، وهرب على رجليه من هو أعظم منهما ومن
أخيهما عمرو بن عبد ود فارس يوم الأحزاب، شهدها ونجا هارباً على قدميه،
وهو شيخ كبير، وارتث جريحاً، فوصل إلى مكة
وهو وقيذ فلم يشهد أحداً، فلما برأ شهد الخندق،
فقتله قاتل الأبطال، والذي فاته يوم بدر استدركه يوم الخندق. واعلم يا معاوية أنك قد ادعيت أمراً لست
من أهله لا في القديم ولا في الحديث، ولست تقول فيه بأمر بين يعرف له أثر، ولا
عليك منه شاهد من كتاب الله؛ ولست متعلقاً بآية من كتاب
الله، ولا عهد من رسول الله صلى الله عليه
وآله سلم، فكيف أنت صانع إذا تقشعت عنك غيابة ما أنت فيه من
دنيا قد فتنت بزينتها، وركنت إلى ذاتها وخلي بينك وبين عدوك فيها، وهو عدو كلب
مضل جاهد مليح، ملح، مع ما قد ثبت في نفسك من جهتها، دعتك فأجبتها، وقادتك
فاتبعتها، وأمرتك فأطعتها، فاقعس عن هذا الأمر، وخذ أهبة الحساب، فإنه يوشك أن
يقفك واقف على ما لا يجنك مجن. واعلم أن هذا الأمر لو كان إلى الناس أو بأيديهم
لحسدوناه، ولامتنوا علينا به، ولكنه قضاء ممن منحناه واختصنا به، على لسان نبيه
الصادق المصدق، لا أفلح من شك بعد العرفان والبينة! رب احكم بيننا وبين عدونا
بالحق وأنت خير الحاكمين. قال نصر: فكتب معاوية إليه الجواب: من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن
أبي طالب، أما بعد، فدع الحسد، فإنك طالما لم تنتفع به، ولا تفسد سابقة جهادك
بشرة نخوتك، فإن الأعمال بخواتيمها، ولا تمحص سابقتك بقتال من لا حق لك في حقه،
فإنك إن تفعل لا تضر بذلك إلا نفسك، ولا تمحق إلا عملك، ولا تبطل إلا حجتك؛
ولعمري إن ما مضى لك من السابقات لشبيه أن يكون ممحوقاً، لما اجترأت عليه من سفك
الدماء، وخلاف أهل الحق، فاقرأ السورة التي يذكر فيها الفلق وتعوذ من نفسك فإنك
الحاسد إذا حسد. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن وصية له وصى بها جيشاً بعثه إلى العدو
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: فإذا نزلتم
بعدو أو نزل بكم، فليكن معسكركم في قبل الأشراف، أو سفاح الجبال، أو أثناء
الأنهار، كيما يكون لكم ردءاً، ودونكم مرداً. ومناكب الهضاب:
أعاليها؛ لئلا يأتيكم العدو إما من حيث تأمنون، أو من حيث تخافون. والطلائع: طائفة من الجيش تبعث ليعلم منها أحوال العدو.
وقال عليه السلام: المقدمة عيون الجيش. والطلائع
عيون المقدمة، فالطلائع إذاً عيون الجيش. ثم نهاهم
عن النوم إلا غراراً أو مضمضة، وكلا اللفظتين ما قل من النوم. فقام قحطبة مذعوراً فلم ير شيئاً يروعه، ولم يعاين
غباراً، فقال لخالد: ما هذا الرأي؟ فقال:
أيها الأمير! لا تتشاغل بي، وناد في الناس، أما ترى أقاطيع الوحوش قد أقبلت
وفارقت مواضعها حتى خالطت الناس! وإن وراءها لجمعاً
كثيفاً. قال: فوالله ما أسرجوا ولا ألجموا حتى رأوا النقع
وساطع الغبار، فسلموا، ولولا ذلك لكان الجيش قد
اصطلم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن وصية له وصى بها معقل بن قيس الرياحي حين أنفذه
إلى الشام في ثلاثة آلاف مقدمة له
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أتق الله
الذي لا بد لك من لقائه، ولا منتهى لك دونه، ولا تقاتلن إلا من قاتلك، وسر
البردين، وغور بالناس، ورفه في السير، ولا تسر أول الليل، فإن الله جعله سكناً،
وقدره مقاماً لا ظعناً، فأرح فيه بدنك، وروح ظهرك، فإذا وقفت حين ينبطح السحر،
أو حين ينفجر الفجر، فسر على بركة الله. فإذا لقيت العدو فقف من أصحابك وسطاً،
ولا تدن من القوم دنو من يريد أن ينشب الحرب. ولا تباعد عنهم تباعد من يهاب البأس، حتى يأتيك
أمري. ويجوز أن يكون قوله: ورفه في السير، من قولك: رفهت عن
الغريم، أي نفست عنه. وقد علل أمير المؤمنين عليه السلام النهي
بقوله: فإن الله تعالى جعله سكناً، وقدره مقاماً لا ظعناً،
يقول: لما امتن الله تعالى على عباده بأن جعل لهم الليل ليسكنوا فيه كره أن
يخالفوا ذلك. ولكن لقائل أن يقول: فكيف
لم يكره السير والحركة في آخره وهو من جملة الليل أيضاً ويمكن أن يكون فهم من
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الليل الذي
جعل سكناً للبشر إنما هو من أوله إلى وقت السحر. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قوال في الحروب
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وفي الحديث المرفوع:
لا تتمنوا العدو فعسى أن تبتلوا بهم، ولكن قولوا اللهم اكفنا شرهم؛ وكف عنا
بأسهم، وإذا جاءوك يعرفون أو يضجون فعليكم الأرض جلوساً، وقولوا: اللهم أنت ربنا
وربهم، وبيدك نواصينا ونواصيهم، فإذا غشوكم فثوروا في وجوههم. وانظر متى تقول ومتى تفعل، وما تقول
وما تفعل، ولا تتوعدن في معصية بأكثر من عقوبتها، فإنك إن فعلت أثمت، وإن تركت
كذبت، واتق الله، وإذا لقيت فاصبر. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب له إلى أميرين من أمراء جيشه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: وقد أمرت
عليكما وعلى من في حيزكما مالك بن الحارث الأشتر،
فاسمعا له وأطيعا، اجعلاه درعاً ومجناً، فإنه ممن لا يخاف وهنه ولا سقطته، ولا
بطؤه عما الإسراع إليه أحزم، ولا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض مناقب مالك الأشتر
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الشرح:
هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلمة بن ربيعة بن خزيمة بن سعد بن مالك بن
النخع بن عمرو بن علة بن خالد بن مالك بن أدد. وكان فارساً
شجاعاً رئيسا من أكابر الشيعة وعظمائها، شديد التحقق بولاء أمير المؤمنين
عليه السلام ونصره، وقال فيه بعد موته: رحم الله مالكاً، فلقد كان لي كما كنت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!
ولما
قنت علي عليه السلام على خمسة ولعنهم وهم:
معاوية، وعمرو بن العاص، وأبو الأعور السلمي، وحبيب بن مسلمة، وبسر بن أرطاة، قنت معاوية على خمسة، وهم: علي، والحسن،
والحسين - عليهم السلام -
وعبد الله بن العباس، والأشتر، ولعنهم. وقد
روي
أنه قال لما ولى علي عليه
السلام
بني العباس على الحجاز واليمن والعراق:
فلماذا قتلنا الشيخ بالأمس! وإن علياً عليه
السلام لما بلغته هذه الكلمة أحضره ولاطفه
واعتذر إليه وقال له: فهل وليت حسناً أو حسيناً أو أحداً من
ولد جعفر أخي، أو عقيلاً أو واحداً من ولده! وإنما
وليت ولد عمي العباس، لأني سمعت العباس يطلب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإمارة
مراراً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
يا عم، إن الإمارة إن طلبتها وكلت إليها، وإن طلبتك أعنت عليها. ورأيت
بنيه في أيام عمر وعثمان يجدون في أنفسهم إذ ولى غيرهم من أبناء الطلقاء ولم يول
أحدا منهم، فأحببت أن أصل رحمهم، وأزيل ما كان في أنفسهم؛ وبعد فإن علمت أحداً من أبناء الطلقاء هو خير منهم فأتني
به. فخرج الأشتر وقد زال ما في نفسه. وسمعت
أيضاً رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن أحدكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين، وليس من
أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة فأنا - لا
أشك - ذلك الرجل، والله ما كذبت ولا كذبت، فانظري الطريق. قالت أم ذر: فقلت: أنى وقد ذهب الحاج وتقطعت
الطرق! فقال: اذهبي فتبصري. قالت: فكنت أشتد إلى الكثيب، فأصعد فأنظر، ثم أرجع إليه فأمرضه، فبينا أنا
وهو على هذه الحال إذ أنا برجال على ركابهم كأنهم الرخم تخب بهم رواحلهم،
فأسرعوا إلي حتى وقفوا علي وقالوا: يا أمة الله، مالك؛ فقلت: امرؤ من المسلمين
يموت، تكفنونه؟ قالوا: ومن هو؟ قلت: أبو ذر، قالوا: صاحب رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم؟ قلت: نعم، ففدوه بآبائهم
وأمهاتهم، وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه، فقال
لهم: أبشروا فإني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من
المؤمنين، وليس من أولئك النفر إلا وقد هلك في قرية وجماعة، والله ما كذبت ولا كذبت، ولو كان عندي ثوب يسعني كفناً لي أو
لامرأتي لم أكفن إلا في ثوب لي أو لها؛ وإني أنشدكم الله ألا يكفنني رجل منكم
كان أميراً أو عريفاً أو بريداً أو نقيباً! قالت:
وليس في أولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال، إلا فتى من الأنصار قال له:
أنا أكفنك يا عم في ردائي هذا، وفي ثوبين معي في عيبتي من غزل أمي؛ فقال أبو ذر: أنت تكفنني، فمات فكفنه الأنصاري وغسله النفر الذين حضروه وقاموا عليه ودفنوه؛ في
نفر كلهم يمان. قلت:
حجر بن الأدبر هو حجر بن عدي الذي قتله معاوية،
وهو من أعلام الشيعة وعظمائها، وأما الأشتر
فهو أشهر في الشيعة من أبي الهذيل في المعتزلة. قرئ كتاب الاستيعاب على شيخنا عبد الوهاب بن
سكينة المحدث
وأنا حاضر، فلما انتهى القارئ إلى هذا الخبر قال أستاذي عمر بن عبد الله الدباس - وكنت أحضر معه سماع
الحديث -: لتقل الشيعة بعد هذا ما شاءت، فما قال المرتضى والمفيد إلا بعض ما كان حجر والأشتر
يعتقدانه في عثمان ومن تقدمه، فأشار الشيخ إليه
بالسكوت، فسكت، وذكرنا آثار الأشتر ومقاماته بصفين فيما سبق.
ويقال: إن عائشة فقدت عبد الله فسألت عنه، فقيل لها: عهدنا به وهو معانق للأشتر، فقالت: واثكل أسماء! ومات الأشتر في سنة تسع وثلاثين متوجهاً
إلى مصر والياً عليها لعلي عليه السلام. قيل:
سقي سماً، وقيل: إنه لم يصح ذلك، وإنما مات
حتف أنفه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أقوال لبعض القادة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام عمر:
إن هذا الأمر لا يصلح إلا لقوي في غير عنف، ولين في غير ضعف. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن وصية له لعسكره بصفين قبل لقاء العدو
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: لا تقاتلوهم حتى يبدءوكم فإنكم بحمد الله على حجة، وترككم
إياهم حتى يبدءوكم حجة أخرى لكم عليهم، فإذا كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبراً؛ ولا تصيبوا معوراً، ولا تجهزوا على
جريح، ولا تهيجوا النساء بأذى وإن شتمن أعراضكم، وسببن أمراءكم، فإنهن ضعيفات
القوى والأنفس والعقول؛ إن كنا لنؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات، وإن كان الرجل
ليتناول المرأة في الجاهلية بالفهر أو الهراوة، فيعير بها وعقبه من بعده. ونهى - إذا وقعت الهزيمة - عن قتل المدبر، والإجهاز
على الجريح، وهو إتمام قتله. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نبذ من الأقوال الحكيمة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومما
ورد في الشعر في هذا المعنى قول الشاعر:
وقالت امرأة عبد الله بن خلف الخزاعي بالبصرة لعلي عليه السلام
بعد ظفره، وقد مر ببابها:
يا علي، يا قاتل الأحبة، لا مرحباً بك! أيتم الله منك ولدك كما أيتمت بني عبد
الله بن خلف! فلم يرد عليها، ولكنه وقف وأشار إلى
ناحية من دارها، ففهمت إشارته، فسكتت وانصرفت. وكانت
قد سترت عندها عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم،
فأشار إلى الموضع الذي كانا فيه، أي لو شئت
أخرجتهما! فلما فهمت انصرفت، وكان عليه
السلام حليماً كريماً. أوصيكم بتقوى الله، ولزوم الحق والصبر، فقاتلوا في سبيل الله من
كفر بالله، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. ولا تجبنوا عند اللقاء، ولا تمثلوا عند
الغارة، ولا تسرفوا عند الظهور، ولا تقتلوا هرماً، ولا امرأة، ولا وليداً،
وتوقوا أن تطأوا هؤلاء عند التقاء الزحفين وعند حمة النهضات وفي شن الغارات، ولا
تغلوا عند الغنائم، ونزهوا الجهاد عن غرض الدنيا، وأبشروا بالأرباح في البيع
الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم. قال أبو بكر يوم حنين: لن نغلب اليوم من قلة - وكانوا اثني عشر ألفاً - فهزموا
يومئذ هزيمةً قبيحة، وأنزل الله تعالى قوله:
"ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً". |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قصة فيروز بن يزد جرد بن بهرام
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن الكلمات المستحسنة في سوء عاقبة
البغي ما ذكره ابن قتيبة في كتاب عيون الأخبار أن فيروز بن يزد جرد بن بهرام لما ملك سار بجنوده نحو
بلاد الهياطلة، فلما انتهى إليهم اشتد رعب ملكهم
أخشنوار منه وحذره، فناظر أصحابه ووزراءه في أمره فقال رجل منهم: أعطني
موثقاً من الله وعهداً تطمئن إليه نفسي أن تكفيني الغم بأمر أهلي وولدي، وأن
تحسن إليهم، وتخلفني فيهم، ثم اقطع يدي ورجلي وألقني في طريق فيروز حتى يمر بي
هو وأصحابه، وأنا أكفيك أمرهم، وأورطهم مورطاً تكون فيه هلكتهم. فقبل
فيروز قوله بعد أن أشار إليه وزراؤه بالاتهام له، والحذر منه، وبغير
ذلك.
فخالفهم وسلك تلك الطريق، فانتهوا بعد يومين إلى
موضع من المفازة لا صدر لهم عنه، ولا ماء معهم، ولا بين أيديهم، وتبين لهم أنهم قد خدعوا، فتفرقوا في تلك المفازة
يميناً وشمالاً يلتمسون الماء، فقتل العطش أكثرهم، ولم يسلم مع فيروز إلا عدة
يسيرة، فانتهى إليهم أخشنوار بجيشه،
فواقعهم في تلك الحال التي هم فيها من القلة والضر والجهد، فاستمكنوا منهم، بعد
أن أعظموا النكاية فيهم. فرضي فيروز بذلك، فخلى سبيله، وجعلا بين المملكتين حجراً لا
يتجاوزه كل واحد منهما. فمكث فيروز برهة من دهره، ثم
حمله الأنف على أن يعود لغزو الهياطلة، ودعا أصحابه إلى ذلك، فنهوه عنه،
وقالوا: إنك قد عاهدته، ونحن نتخوف عليك عاقبة البغي والغدر، مع ما في ذلك من
العار وسوء القالة فقال لهم: إنما اشترطت له
ألا أجوز الحجر الذي جعلناه بيننا، وأنا آمر بالحجر فيحمل أمامنا على عجل. فقالوا: أيها الملك،
إن العهود والمواثيق التي يتعاطاها الناس بينهم لا تحمل على ما يسره المعطي لها،
ولكن على ما يعلن به المعطى إياها، وإنما جعلت عهد
الله وميثاقه على الأمر الذي عرفه، لا على الأمر الذي لم يخطر له ببال. وأنا لم نجبرك على ما شرطت لنا، بل كنت أنت الراغب
إلينا فيه، والمريد لنا عليه، ففكر في ذلك، وميز بين هذين الأمرين فانظر أيهما
أشد عاراً، وأقبح سماعاً، إن طلب رجل أمراً فلم يقدر له ولم ينجح في طلبته وسلك
سبيلاً فلم يظفر فيه ببغيته، واستمكن منه عدوه على حال جهد وضيعة منه وممن هم
معه. واعلم أنه ليس يدعوني إلى ما تسمع من مخاطبتي إياك
ضعف من نفسي، ولا من قلة جنودي، ولكني أحببت أن أزداد بذلك حجةً واستظهاراً،
فأزداد به للنصر والمعونة من الله استيجاباً، ولا أوثر على العافية والسلامة
شيئاً ما وجدت إليهما سبيلاً. فقال فيروز لأصحابه: لقد كان أخشنوار حسن
المحاورة، وما رأيت للفرس الذي كان تحته نظيراً في الدواب، فإنه لم يزل قوائمه،
ولم يرفع حوافره عن مواضعها، ولا صهل، ولا أحدث شيئاً يقطع به المحاورة في طول
ما تواقفنا. وقال أخشنوار لأصحابه: لقد واقفت فيروز كما رأيتم
وعليه السلاح كله، فلم يتحرك، ولم ينزع رجله من ركابه، ولا حنى ظهره، ولا التفت
يميناً ولا شمالاً، ولقد توركت أنا مراراً، وتمطيت على فرسي، والتفت إلى من
خلفي، ومددت بصري فيما أمامي، وهو منتصب ساكن على حاله، ولولا محاورته إياي
لظننت أنه لا يبصرني. وإنما أرادا بما وصفنا من ذلك أن ينشر هذان
الحديثان في أهل عسكرهما فيشتغلوا بالإفاضة فيهما، عن النظر فيما تذاكرا. فلما كان في اليوم الثاني أخرج أخشنوار الصحيفة
التي كتبها لهم فيروز، ونصبها على رمح ليراها أهل عسكر فيروز فيعرفوا غدره
وبغيه، ويخرجوا من متابعته على هواه، فما هو إلا أن
رأوها، حتى انتقض عسكرهم واختلفوا، وما تلبثوا إلا يسيراً حتى انهزموا، وقتل
منهم خلق كثير، وهلك فيروز، فقال أخشنوار: لقد صدق الذي قال: لا مرد لما قدر ولا شيء أشد إحالة
لمنافع الرأي من الهوى واللجاج، ولا أضيع من نصيحة يمنحها من لا يوطن نفسه على
قبولها، والصبر على مكروهها، ولا أسرع عقوبة وأسوأ عاقبة من البغي والغدر، ولا
أجلب لعظيم العار والفضوح من الأنف وإفراط العجب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكان يقول إذا لقي العدو محارباً
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: اللهم إليك
أفضت القلوب، ومدت الأعناق، وشخصت الأبصار، ونقلت الأقدام، وأنضيت الأبدان. اللهم وقد استحصد زرع الباطل وبلغ نهايته، واستحكم
عموده، واستجمع طريده، وحذق وليده، وضرب بجرانه، فأتح له من الحق يداً حاصدة،
تجذ سنامه، وتهشم سوقه، وتصرع قائمه، ليستخفي الباطل بقبح حليته، ويظهر الحق
بحسن صورته. ووجدت هذه الألفاظ في دعاء منسوب إلى علي بن الحسين زين
العابدين عليه السلام، ولعله من
كلامه، وقد كان لسديف يدعو به. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكان يقول لأصحابه عند الحرب
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: لا تشتدن
عليكم فرة بعدها كرة، ولا جولة بعدها حملة، وأعطوا السيوف حقوقها، ووطنوا للجنوب
مصارعها، واذمروا أنفسكم على الطعن الدعسي، والضرب الطلحفي، وأميتوا الأصوات
فإنه أطرد للفشل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أقوال أخر في الحروب
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وأوصى أكثم بن صيفي قوماً نهضوا إلى
الحرب فقال: ابرزوا للحرب، وادرعوا الليل، فإنه أخفى للويل،
ولا جماعة لمن اختلف، واعلموا أن كثرة الصياح من الفشل، والمرء يعجز لا محالة. وأوصى عبد الملك بن صالح أمير سرية بعثها، فقال:
أنت تاجر الله لعباده، فكن كالمضارب الكيس الذي إن وجد ربحاً تجر، وإلا احتفظ
برأس المال، ولا تطلب الغنيمة حتى تحوز السلامة، وكن من احتيالك على عدوك أشد
حذراً من احتيال عدوك عليك. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب له إلى معاوية جواباً عن كتاب منه إليه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: وأما طلبك إلي
الشام، فإني لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس. ولبئس
الخلف خلف يتبع سلفاً هوى في نار جهنم. ولما أدخل
الله العرب في دينه أفواجاً، وأسلمت له هذه الأمة طوعاً وكرهاً، كنتم ممن دخل في
الدين؛ إما رغبةً وإما رهبةً، على حين فاز أهل السبق بسبقهم، وذهب المهاجرون
الأولون بفضلهم، فلا تجعلن للشيطان فيك نصيباً، ولا على نفسك سبيلاً والسلام. وروي: ألا ومن أكله
الحق فإلى النار، وهذه الرواية أليق من الرواية
المذكورة في أكثر الكتب، لأن الحق يأكل أهل الباطل، ومن روى تلك الرواية أضمر مضافاً تقديره أعداء الحق، ومضافاً
آخر تقديره أعداء الباطل. ويجوز أن يكون من أكله
الحق فإلى الجنة، أي من أفضى به الحق ونصرته والقيام دونه إلى القتل؛ فإن
مصيره إلى الجنة، فيسمى الحق لما كانت نصرته كالسبب إلى القتل أكلا لذلك
المقتول، وكذلك القول في الجانب الآخر. قلت:
نعم، إذا تبع آثار سلفه واحتذى حذوهم، وأمير
المؤمنين عليه السلام ما
عاب معاوية بأن سلفه كفار فقط، بل بكونه متبعاً لهم. وقال قوم:
بل منصوب لإضافته إلى الفعل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ما حدث بين علي ومعاوية يوم صفين
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وذكر نصر
بن مزاحم بن بشار العقيلي في كتاب صفين أن هذا الكتاب
كتبه علي عليه السلام إلى معاوية قبل
ليلة الهرير بيومين أو ثلاثة. وكان معاوية بن الضحاك بن سفيان صاحب راية بني سليم مع معاوية مبغضاً لمعاوية وأهل الشام،
وله هوى مع أهل العراق وعلي بن أبي طالب عليه السلام، وكان يكتب بأخبار معاوية إلى عبد الله بن الطفيل العامري،
وهو مع أهل العراق، فيخبر بها عليا عليه السلام، فلما شاعت كلمة علي عليه السلام وجل
لها أهل الشام، وبعث ابن الضحاك إلى عبد الله بن الطفيل: إني قائل شعراً أذعر به
أهل الشام وأرغم به معاوية، وكان معاوية لا يتهمه، وكان له فضل ونجدة ولسان،
فقال ليلاً ليستمع أصحابه:
فلما
سمع أهل الشام شعره أتوا به معاوية، فهم بقتله، ثم راقب فيه قومه، فطرده من
الشام، فلحق بمصر وندم معاوية على تسييره إياه. وقال معاوية: لشعر السلمي أشد
على أهل الشام من لقاء علي، ماله قاتله الله، لو صار خلف جابلق مصعداً لم يأمن
علياً! ألا تعلمون ما جابلق؟ يقول لأهل الشام، قالوا: لا، قال: مدينة في أقصى
المشرق ليس بعدها شيء.
قال: فلما انتهى إلى معاوية شعر الأشتر قال: شعر منكر، من شاعر منكر، رأس أهل
العراق وعظيمهم، ومسعر حربهم، وأول الفتنة وآخرها، قد رأيت أن أعاود علياً
وأسأله إقراري على الشام، فقد كنت كتبت إليه ذلك فلم يجب إليه، ولأكتبن ثانية
فالقي في نفسه الشك والرقة. فقال له عمرو بن
العاص وضحك: أين أنت يا معاوية من خدعة علي! قال: ألسنا بني عبد مناف!
قال: بلى، ولكن لهم النبوة دونك، وإن شئت أن تكتب فاكتب؛ فكتب معاوية إلى علي عليه السلام مع رجل من السكاسك يقال له عبد الله بن عقبة، وكان
من نافلة أهل العراق:
أما بعد فإنك لو علمت أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض،
ولئن كنا قد غلبنا على عقولنا لقد بقي لنا منها ما نندم به على ما مضى، ونصلح ما
بقي، وقد كنت سألتك الشام على أن تلزمني لك بيعة وطاعة، فأبيت ذلك علي، فأعطاني
الله ما منعت، وأنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس، فإني لا أرجو من البقاء
إلا ما ترجو، ولا أخاف من الموت إلا ما تخاف، وقد والله فارقت الأجناد، وذهبت
الرجال، ونحن بنو عبد مناف؛ ليس لبعضنا على بعض فضل
إلا فضل لا يستذل به عزيز، ولا يسترق به حر، والسلام. أما
بعد، فقد جاءني كتابك تذكر أنك لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم
يجنها بعضنا على بعض، فإني لو قتلت في ذات الله، وحييت؛ ثم قتلت ثم حييت سبعين
مرة لم أرجع عن الشدة في ذات الله والجهاد لأعداء الله، وأما قولك: إنه قد بقي من عقولنا ما نندم به على ما مضى، فإني ما نقصت عقلي، ولا ندمت على فعلي. وأما طلبك الشام فإني
لم أكن أعطيك اليوم ما منعتك أمس، وأما استواؤنا في الخوف والرجاء فلست
أمضى على الشك مني على اليقين، وليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق
على الآخرة. وأما قولك:
إنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل على بعض! فلعمري إنا
بنو أب واحد، ولكن ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد
المطلب، ولا المهاجر كالطليق، ولا المحق كالمبطل، وفي أيدينا بعد فضل النبوة
التي أذللنا بها العزيز وأعززنا بها الذليل. والسلام.
فلما بلغ معاوية شعر عمرو دعاه فقال له: العجب لك! تفيل رأي، وتعظم عليا وقد
فضحك! فقال:
أما تفييلي رأيك فقد كان، وأما إعظامي علياً فإنك بإعظامه أشد معرفة مني، ولكنك
تطويه وأنا أنشره. وأما فضيحتي فلم يفتضح امرؤ لقي أبا حسن. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب له إلى عبد الله بن عباس وهو عامله على
البصرة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: وأعلم أن
البصرة مهبط إبليس، ومغرس الفتن، فحادث أهلها بالإحسان إليهم، واحلل عقدة الخوف
عن قلوبهم. ومأزورون،
كان أصله موزورون، ولكنه جاء بالألف ليحاذي به ألف مأجورون وقد قال النبي صلى
الله عليه وآله وسلم مثل ذلك . ويعني بالشر ههنا الضرر فقط، لا الظلم والفعل القبيح. قوله عليه السلام: وكن
عند صالح ظني فيك، أي كن واقفاً عنده كأنك تشاهده فتمنعك مشاهدته عن فعل ما لا
يجوز. فال الرأي يفيل، أي ضعف وأخطأ. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بنو تميم وفضائلهم
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقد
ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب التاج أن لبني تميم مآثر لم يشركهم فيها
غيرهم. أما بنو سعد بن زيد مناة فلها ثلاث خصال يعرفها العرب: إحداها: كثرة
العدد فإنه أضعف عددها على بني تميم حتى ملأت السهل والجبل عدلت مضر كثرة، وعامة
العدد منها في كعب بن سعد بن زيد مناة، ولذلك قال
أوس بن مغراء:
وقال
الفرزدق أيضا فيهم هذه الأبيات:
وقال
أيضا:
ولذلك
كانت تسمى سعد الأكثرين. وفي المثل: في كل
واد بنو سعد.
وقال الفرزدق:
والثالثة:
أن منهم أشرف بيت في العرب الذي شرفته ملوك لخم. قال المنذز بن المنذر بن ماء
السماء ذات يوم وعنده وفود العرب ودعا ببردي أبيه محرق بن المنذر فقال: ليلبس
هذين أعز العرب وأكرمهم حسباً. فأحجم الناس، فقال أحيمر بن خلف بن بهدلة بن عوف
بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم: أنا لهما، قال الملك: بماذا؟ قال: بأن مضر
أكرم العرب وأعزها وأكثرها عديداً، وأن تميماً كاهلها وأكثرها، وأن بيتها وعددها
في بني بهدلة بن عوف، وهو جدي. فقال: هذا أنت في أصلك وعشيرتك، فكيف أنت في
عترتك وأدانيك! قال: أنا أبو عشرة، وأخو عشرة، وعم عشرة. فدفعهما إليه، وإلى هذا
أشار الزبرقان بن بدر في قوله:
قال أبو عبيدة:
ولهم في الإسلام خصلة، قدم قيس بن عاصم المنقري
على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نفر من بني
سعد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
هذا سيد أهل الوبر، فجعله سيد خندف وقيس ممن يسكن
الوبر.
ومن
ذلك في بني مجاشع بن دارم صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع،
وهو أول من أحيا الوئيد، قام الإسلام وقد اشترى ثلاثمائة موؤودة فأعتقهن ورباهن،
وكانت العرب تئد البنات خوف الإملاق. ومن ذلك غالب بن صعصعة، وهو أبو الفرزدق، وغالب هو الذي قرى
مائة ضيف، واحتمل عشر ديات لقوم لا يعرفهم، وكان من حديث ذلك أن بني كلب بن وبرة
افتخرت بينها في أنديتها، فقالت: نحن لباب العرب وقلبها، ونحن الذين لا
ننازع حسباً وكرماً. فقال شيخ منهم: إن العرب
غير مقرة لكم بذلك، إن لها أحساباً، وإن منها لباباً، وإن لها فعالاً، ولكن
ابعثوا مائة منكم في أحسن هيئة وبزة ينفرون من مروا به في العرب ويسألونه عشر
ديات، ولا ينتسبون له، فمن قراهم وبذل لهم الديات فهو الكريم الذي لا ينازع
فضلاً؛ فخرجوا حتى قدموا على أرض بني تميم وأسد، فنفروا الأحياء حياً فحياً،
وماء فماء، لا يجدون أحداً على ما يريدون؛ حتى مروا
على أكثم بن صيفي، فسألوه ذلك، فقال: من هؤلاء القتلى؟ ومن أنتم؟ وما
قصتكم؟ فإن لكم لشأناً باختلافكم في كلامكم! فعدلوا عنه، ثم مروا بقتيبة بن
الحارث بن شهاب اليربوعي فسألوه عن ذلك، فقال: من أنتم؟ قالوا: من كلب بن وبرة. فقال:
إني لأبغي كلباً بدم، فإن انسلخ الأشهر الحرم وأنتم بهذه الأرض وأدرككم الخيل
نكلت بكم وأثكلتكم أمهاتكم. فخرجوا من عنده مرعوبين، فمروا بعطارد بن حاجب بن
زرارة، فسألوه ذلك، فقال: قولوا بياناً
وخذوها، فقالوا: أما هذا فقد سألكم قبل أن يعطيكم فتركوه، ومروا ببني مجاشع بن
دارم فأتوا على واد قد امتلأ إبلا فيها غالب بن صعصعة يهنأ منها إبلاً، فسألوه
القرى والديات، فقال: هاكم البزل قبل النزول
فابتزوها من البرك وحوزوا دياتكم، ثم انزلوا، فتنزلوا وأخبروه بالحال، وقالوا: أرشدك الله من سيد قوم! لقد أرحتنا من طول
النصب، ولو علمنا لقصدنا إليك، فذلك قول الفرزدق:
قال:
فأما بنو يربوع بن حنظلة، فمنهم. ثم
من بني رياح بن يربوع عتاب بن هرمي بن رياح، كانت له ردافة الملوك، ملوك آل
المنذر، وردافة الملك أن يثنى به في الشرب، وإذا غاب الملك خلفه في مجلسه، وورث
ذلك بنوه كابراً عن كابر، حتى قام الإسلام، قال
لبيد بن ربيعة:
ويربوع
أول من قتل قتيلا من المشركين، وهو واقد بن عبد
الله بن ثعلبة بن يربوع، حليف عمر بن الخطاب، قتل عمرو
بن الحضرمي في سرية نخلة، فقال عمر بن الخطاب يفتخر بذلك:
ولها
جواد العرب كلها في الإسلام؛ بدأ العرب كلها جوداً، خالد بن عتاب بن ورقاء
الرياحي. دخل الفرزدق على
سليمان بن عبد الملك، وكان يشنؤه لكثرة بأوه
وفخره، فتجهمه وتنكر له، وأغلظ في خطابه حتى قال: من أنت لا أم لك! قال:
أو ما تعرفني يا أمير المؤمنين؟ أنا من حي هم من أوفى العرب، وأحلم العرب، وأسود
العرب، وأجود العرب وأشجع العرب، وأشعر العرب. فقال سليمان: والله لتحتجن لما ذكرت أو لأوجعن ظهرك، ولابعدن دارك. قال: أما أوفى العرب فحاجب بن زرارة؛ رهن قوسه عن العرب
كلها وأوفى. وأما أحلم العرب
فالأحنف بن قيس يضرب به المثل حلماً، وأما أسود
العرب فقيس بن عاصم، قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا سيد أهل الوبر؛ وأما أشجع العرب فالحريش بن هلال السعدي؛ وأما أجود العرب فخالد بن عتاب بن ورقاء الرياحي، وأما أشعر العرب فهأنذا عندك! قال سليمان: فما جاء بك؟ لا شيء لك عندنا، فارجع على عقبك، وغمه ما سمع من عزه، ولم
يستطع له رداً، فقال الفرزدق في أبيات:
قلت:
ولو ذكر عتيبة بن الحارث بن شهاب اليربوعي وقال: إنه أشجع العرب لكان غير مدافع. قالوا:
كانت العرب تقول: لو وقع القمر إلى الأرض لما التقفه إلا عتيبة بن الحارث لثقافته بالرمح. وكان يقال له:
صياد الفوارس وسم الفوارس، وهو الذي أسر بسطام بن قيس، وهو
فارس ربيعة وشجاعها، ومكث عنده في القيد مدة حتى استوفى فداءه وجز ناصيته، وخلى
سبيله على ألا يغزو بني يربوع. وعتيبة هذا هو المقدم على فرسان العرب كلها في
كتاب طبقات الشجعان ومقاتل الفرسان، ولكن الفرزدق لم
يذكره وإن كان تميمياً، لأن جريراً يفتخر به،
لأنه من بني يربوع، فحملته
عداوة جرير على أن عدل عن ذكره.
ومنها هلال بن أحوز المازني الذي ساد تميماً كلها في الإسلام، ولم
يسدها غيره. قال: والله ما أنت من
هاشم المنتخبين، ولا من أمية المستخلفين، ولا من عبد الدار المستحجبين،
فبم تفخر؟ قال: نحن ريحانة قريش، قال أبو
الصقعب: قبحاً لما جئت به! وهل تدري لم سميت
مخزوم ريحانة قريش؟ سميت لحظوة نسائها عند الرجال،
فأفحمه. فقال عبد الملك:
ما تقول هذا وقد مضى منهم لقيط بن زرارة ولم يخلف عقباً، ومضى قعقاع بن معبد بن
زرارة ولم يخلف عقباً، ومضى محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة ولم يخلف
عقباً! والله لا تنسى العرب هذه الثلاثة أبداً. قال أبو العباس:
إن الأصمعي قال: إن حرباً كانت بالبادية ثم
اتصلت بالبصرة، فتفاقم الأمر فيها، ثم مشي بين الناس بالصلح، فاجتمعوا في المسجد
الجامع. قال: فبعثت وأنا غلام
إلى ضرار بن القعقاع من بني دارم، فاستأذنت عليه، فأذن لي، فدخلت، فإذا
به في شملة يخلط بزراً لعنز له حلوب، فخبرته بمجتمع القوم، فأمهل حتى أكلت
العنز، ثم غسل الصحفة وصاح: يا جارية،
غدينا، فأتته بزيت وتمر، فدعاني، فقذرته أن آكل معه حتى إذا قضى من أكله وحاجته
وطراً وثب إلى طين ملقى في الدار، فغسل به يده، ثم صاح: يا جارية، اسقيني ماءً،
فأتته بماء، فشربه ومسح فضله على وجهه، ثم قال: الحمد
لله، ماء الفرات بتمر البصرة بزيت الشام، متى نؤدي شكر هذه النعم! ثم قال: علي بردائي، فأتته برداء عدني فارتدى به
على تلك الشملة. قال الأصمعي: فتجافيت عنه استقباحاً لزيه، فلما دخل المسجد صلى ركعتين، ثم مشى
إلى القوم، فلم تبق حبوة إلا حلت إعظاماً له، ثم جلس
فتحمل جميع ما كان بين الأحياء في ماله ثم انصرف.
ولكيز بن أفصى تعم عبد القيس. قال: فلما تواقفوا بعث إليهم الأحنف: يا معشر الأزد من
اليمن وربيعة من أهل البصرة، أنتم والله أحب إلينا من تميم الكوفة، وأنتم
جيراننا في الدار، ويدنا على العدو، وأنتم بدأتمونا بالأمس، ووطئتم حريمنا،
وحرقتم علينا، فدفعنا عن أنفسنا، ولا حاجة لنا في الشر
ما طلبنا في الخير مسلكاً، فتيمموا بنا طريقة مستقيمة. فوجه إليه زياد بن
عمرو: تخير خلة من ثلاث: إن شئت فانزل أنت وقومك على حكمنا، وإن شئت فخل لنا عن البصرة، وارحل أنت وقومك إلى حيث شئتم،
وإلا فدوا قتلانا، واهدروا دماءكم، وليود مسعود
دية المشعرة. قال
الله عز وجل: "ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا
أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل"، ولكن الثالثة إنما هي حمل على المال، فنحن نبطل دماءنا، وندي قتلاكم، وإنما مسعود رجل من
المسلمين، وقد أذهب الله عز وجل أمر الجاهلية. فاجتمع القوم على أن يقفوا أمر مسعود، ويغمدوا
السيف، وتودى سائر القتلى من الأزد وربيعة، فضمن ذلك
الأحنف، ودفع إليهم إياس بن قتادة المجاشعي رهينة حتى يؤدي هذا المال،
فرضي به القوم، ففخر بذلك الفرزدق، فقال لجرير:
ويقال: إن تميماً في ذلك الوقت مع باديتها وحلفائها من الأساورة والزط والسبابجة وغيرهم كانوا زهاء سبعين ألفاً، وفي ذلك يقول جرير:
قال الأحنف بن قيس:
فكثرت علي الديات فلم أجدها في حاضرة تميم،
فخرجت نحو يبرين إلى بادية تميم، فسألت عن المقصود هناك، فأرشدت إلى قبة، فإذا شيخ جالس بفنائها مؤتزر بشملة،
محتب بحبل، فسلمت عليه، وانتسبت له، فقال لي: ما فعل
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قلت: توفي. قال: فما فعل عمر بن الخطاب الذي
كان يحفظ العرب ويحوطها؟ قلت: توفي. قال: فأي خير في
حاضرتكم بعدهما؟ قال: فذكرت له الديات التي
لزمتنا للأزد وربيعة، قال: قال لي: أقم،
فإذا راع قد أراح عليه ألف بعير، فقال: خذها، تم أراح علينا آخر
مثلها، فقال: خذها، فقلت: لا أحتاج إليها. قال:
فانصرفت بالألف عنه، ووالله ما أدري من هو إلى الساعة! |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب له عليه السلام إلى بعض عماله
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما بعد، فإن
دهاقين أهل بلدك شكوا منك غلظةً وقسوةً، واحتقاراً وجفوةً، ونظرت فلم أرهم أهلاً
لأن يدنوا لشركهم، ولا أن يقصوا ويجفوا لعهدهم، فالبس لهم جلباباً من اللين
تشوبه بطرف من الشدة، وداول لهم بين القسوة والرأفة، وأمزج لهم بين التقريب
والإدناء، والإبعاد والإقصاء. إن شاء الله. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب له إلى زياد بن أبيه وهو خليفة عامله عبد
الله بن عباس على البصرة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وعبد الله عامل أمير المؤمنين عليه السلام يومئذ عليها
وعلى كور الأهواز وفارس وكرمان وغيرها الأصل:
وإني أقسم بالله قسماً صادقاً، لئن بلغني أنك خنت من فيء المسلمين شيئاً صغيراً
أو كبيراً، لأشدن عليك شدة تدعك قليل الوفر، ثقيل الظهر؛ ضئيل الأمر. والسلام. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب له إلى زياد أيضاً
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: فدع الإسراف
مقتصداً، واذكر في اليوم غدا، وأمسك من المال بقدر ضرورتك، وقدم الفضل ليوم
حاجتك، أترجو أن يعطيك الله أجر المتواضعين، وأنت عنده من المتكبرين! وتطمع وأنت
متمرغ في النعيم تمنعه الضعيف والأرملة، وأن يوجب لك ثواب المتصدقين؛ وإنما
المرء مجزي بما أسلف، وقادم على ما قدم. والسلام. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب له إلى عبد الله بن العباس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
رحمه
الله تعالى وكان ابن عباس يقول: ما انتفعت
بكلام بعد كلام رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم كانتفاعي بهذا الكلام الأصل: أما بعد، فإن المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته،. ويسوءه
فوت ما لم يكن ليدركه، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك، وليكن أسفك على ما فاتك
منها، وما نلت من دنياك فلا تكثر به فرحاً، وما فاتك منها فلا تأس عليه جزعاً،
وليكن همك فيما بعد الموت.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال قبل موته على سبيل الوصية لما ضربه ابن ملجم
لعنه الله
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: وصيتي لكم
ألا تشركوا بالله شيئا، ومحمد صلى الله عليه وآله،
فلا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العمودين، وأوقدوا هذين
المصباحين، وخلاكم ذم! أنا بالأمس صاحبكم، واليوم عبرة لكم، وغدا مفارقكم،
إن أبق فأنا ولي دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي، وإن أعف فالعفو لي قربة، وهو لكم
حسنة، فاعفوا: "ألا تحبون أن يغفر الله لكم
" والله ما فجأني من الموت وارد كرهته، ولا طالع أنكرته، وما كنت
إلا كقارب ورد، وطالب وجد؛ "وما عند الله خير للأبرار". الشرح: فإن قلت:
لقائل أن يقول: إذا أوصاهم بالتوحيد واتباع سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم
يبق شيء بعد ذلك يقول فيه: أقيموا هذين العمودين وخلاكم ذم؛ لأن سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعل
كل واجب. وتجنب كل قبيح؛ فخلاهم ذم في ماذا يقال؟ والجواب: أن كثيرا من الصحابة
كلفوا أنفسهم أموراً من النوافل شاقةً جداً، فمنهم
من كان يقوم الليل كله، ومنهم من كان يصوم الدهر كله، ومنهم المرابط في الثغور، ومنهم
المجاهد مع سقوط الجهاد عنه لقيام غيره به، ومنهم
تارك النكاح، ومنهم تارك المطاعم والملابس؛ وكانوا يتفاخرون بذلك، ويتنافسون فيه، فأراد عليه
السلام أن
يبين لأهله وشيعته وقت الوصية أن المهم الأعظم هو التوحيد، والقيام بما يعلم من
دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه واجب، ولا عليكم
بالإخلال بما عدا ذلك، فليت من المائة واحداً نهض بذلك، والمراد ترغيبهم بتخفيف وظائف التكاليف عنهم، فإن الله تعالى
يقول: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد
بكم العسر". وقال صلى الله عليه وآله وسلم:
بعثت بالحنيفية السهله السمحة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن وصية له بما يعمل في أمواله
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
كتبها بعد منصرفه من صفين الأصل: هذا ما أمر به عبد الله علي بن أبي طالب أمير
المؤمنين في ماله ابتغاء وجه الله ليولجه به الجنة، ويعطيه به الأمنة. وفضلهم
أمير المؤمنين عليه السلام بأنه
كان يعمل بيده، ويحرث الأرض ويسقي الماء ويغرس النخل، كل ذلك يباشره بنفسه
الشريفة، ولم يستبق منه لوقته ولا لعقبه قليلاً ولا كثيراً، وإنما كان صدقةً؛ وقد مات رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم وله ضياع كثيرة جليلة جداً بخيبر وفدك وبني النضير، وكان له وادي
نخلة وضياع أخرى كثيرة بالطائف، فصارت بعد موته صدقة بالخبر الذي رواه أبو بكر. فإن كان علي عليه
السلام معيباً بضياعه ونخله فكذلك رسول
صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا كفر
وإلحاد! وإن كان رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم إنما ترك ذلك صدقة فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما روى عنه
الخبر في ذلك إلا واحد من المسلمين، وعلي عليه
السلام في حياته قد أثبت عند جميع
المسلمين بالمدينة أنها صدقة، فالتهمة إليه في هذا الباب أبعد. وروي: ويعطيني به الأمنة، وهي الأمن. ثم ذكر أن
لهذين الولدين حصة من صدقاته أسوة بسائر البنين، وإنما
قال ذلك لأنه قد يتوهم متوهم أنهما لكونهما قد فوض إليهما النظر في هذه الصدقات،
قد منعا أن يسهما فيها بشيء، وأن الصدقات إنما يتناولها غيرهما من بني علي عليه السلام ممن لا ولاية له مع وجودهما، ثم بين لماذا
خصهما بالولاية؟ فقال: إنما فعلت ذلك لشرفهما برسول
الله صلى الله عليه وآله
وسلم، فتقربت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن جعلت لسبطيه هذه الرياسة، وفي هذا رمز وإزراء بمن صرف الأمر عن
أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مع وجود من يصلح للأمر، أي كان
الأليق بالمسلمين والأولى أن يجعلوا الرياسة بعده لأهله قربةً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتكريماً
لحرمته، وطاعةً له، وأنفة لقدره صلى
الله عليه وآله وسلم أن تكون ورثته
سوقةً، يليهم الأجانب، ومن ليس من شجرته وأصله. قوله: أطوف عليهن،
كناية لطيفة عن غشيان النساء، أي من السراري، وكان عليه
السلام
يذهب
إلى حل بيع أمهات الأولاد، فقال: من كان من
إمائي لها ولد مني؛ أو هي حامل مني وقسمتم تركتي فلتكن أم ذلك الولد مبيعة على
ذلك الولد، ويحاسب بالثمن من حصته من التركة، فإذا بيعت عليه عتقت عليه، لأن
الولد إذا اشترى الوالد عتق الوالد عنه، وهذا معنى، قوله فتمسك على ولدها، أي
تقوم عليه بقيمة الوقت الحاضر، وهي من حظه، أي من نصيبه وقسطه من التركة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن وصية له كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات وإنما
ذكرنا هنا جملاً منها ليعلم بها أنه عليه السلام كان يقيم عماد الحق ويشرع أمثلة
العدل في صغير الأمور وكبيرها ودقيقها وجليلها
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: انطلق على
تقوى الله وحده لا شريك له، ولا تروعن مسلماً، ولا تجتازن عليه كارهاً، ولا
تأخذن منه أكثر من حق الله في ماله، فإذا قدمت على الحي فانزل بمائهم من غير أن
تخالط أبياتهم، ثم امض إليهم بالسكينة والوقار؛
حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم. قوله عليه السلام:
على تقوى الله، على ليست متعلقة ب انطلق، بل بمحذوف، تقديره: مواظباً. قوله عليه السلام : ولا تجتازن عليه كارهاً، أي لا تمرن ببيوت أحد من المسلمين
يكره مرورك. وروي:
ولا تختارن عليه، أي لا تقسم ماله وتختر أحد القسمين، والهاء في عليه ترجع إلى
مسلماً وتفسير هذا سيأتي في وصيته له أن يصدع المال ثم يصدعه، فهذا هو النهي عن
أن يختار على المسلم والرواية الأولى هي المشهورة.
وأيضاً:
ومن
شعر الحماسة:
وليس قول من يقول:
إنه عطف بين الثالثة على الضمير المجرور بأولى من قول من يقول: بل عطف بين
الثالثة على بين الثانية، لأن المعنى يتم بكل واحد منها. والرفاهية:
الدعة والراحة. وجواد الطريق:
حيث لا ينبت المرعى، والنطاف: جمع نطفة، وهي الماء الصافي القليل، والبدن
بالتشديد: السمان، واحدها بادن، ومنقيات: ذوات نقي، وهو المخ في العظم، والشحم
في العين من السمن، وأنقت الإبل وغيرها: سمنت وصار فيها نقي، وناقة منقية، وهذه
الناقة لا تنقي. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن عهد له إلى بعض عماله وقد بعثه على الصدقة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: آمره بتقوى
الله في سرائر أمره؛ وخفيات عمله، حيث لا شاهد غيره، ولا وكيل دونه، وآمره ألا
يعمل بشيء من طاعة الله فيما ظهر فيخالف إلى غيره فيما أسر، ومن لم يختلف سره
وعلانيتة، وفعله ومقالته، فقد أدى الأمانة، وأخلص العبادة، وأفره ألا يجبههم،
ولا يعضههم، ولا يرغب عنهم تفضلاً بالإمارة عليهم فإنهم الإخوان في الدين،
والأعوان على استخراج الحقوق. وإن لك في هذه الصدقة نصيباً مفروضاً، وحقاً
معلوماً، وشركاء أهل مسكنة، وضعفاء ذوي فاقة. ثم
ذكر أن لهذا العامل نصيباً مفروضاً من الصدقة، وذلك بنص الكتاب العزيز؛ فكما
نوفيك نحن حقك يجب عليك أن توفي شركاءك حقوقهم، وهم الفقراء والمساكين والغارمون
وسائر الأصناف المذكورة في القرآن، وهذا يدل على أنه عليه السلام قد فوضه في صرف الصدقات إلى الأصناف المعلومة، ولم يأمره بأن
يحمل ما اجتمع إليه ليوزعه هو عليه
السلام على
مستحقيه كما في الوصية الأولى، ويجوز للإمام أن يتولى ذلك بنفسه، وأن يكله إلى
من يثق به من عماله.
والسائلون ههنا هم الرقاب المذكورون في الآية، وهم المكاتبون يتعذر عليهم أداء مال
الكتابة، فيسألون الناس ليتخلصوا من ربقة الرق. وقيل: هم
الأسارى يطلبون فكاك أنفسهم، وقيل: بل
المراد بالرقاب في الآية الرقيق، يسأل أن يبتاعه الأغنياء فيعتقوه. والمدفوعون
ههنا هم الذين عناهم الله تعالى في الآية بقوله: "وفي
سبيل الله"، وهم فقراء الغزاة، سماهم مدفوعين لفقرهم. والمدفوع
والمدفع: الفقير، لأن كل أحد يكرهه ويدفعه عن نفسه. وقيل: هم الحجيج المنقطع
بهم، سماهم مدفوعين لأنهم دفعوا عن إتمام حجهم، أو دفعوا عن العود إلى أهلهم. فأما العاملون عليها فقد ذكرهم عليه السلام في قوله:
وإن لك في هذه الصدقة نصيباً مفروضاً، فبقيت ستة أصناف
أتى عليه السلام بألفاظ القرآن في أربعة أصناف منها، وهي: الفقراء، والمساكين، والغارم، وابن السبيل، وأبدل لفظتين وهما الرقاب وفي سبيل الله بلفظتين وهما السائلون والمدفوعون. وقيل: هم
الذين يحملون الحمالات فدينوا فيها وغرموا، وابن
السبيل: المسافر المنقطع عن ماله، فهو - وإن كان غنياً حيث ماله موجود -
فقير حيث هو بعيد. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن عهد له إلى محمد بن أبي بكر رضي الله عنه حين
قلده مصر
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
فاخفض لهم جناحك، وألن لهم جانبك، وابسط لهم وجهك، وآس بينهم في اللحظة والنظرة،
حتى لا يطمع العظماء في حيفك لهم، ولا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم، فإن الله
تعالى يسائلكم معشر عباده عن الصغيرة من أعمالكم والكبيرة، والظاهرة والمستورة،
فإن يعذب فأنتم أظلم؛ وإن يعف فهو أكرم. وقال النحويون: إن قوله تعالى: "ويجعلكم خلفاء الارض" جاء على خليف لا
على خليفة، وأنشدوا لأوس بن حجر بيتاً، استعملها جميعاً
فيه، وهو:
قوله:
ألزم لكم من ظلكم ، لأن الظل لا تصح مفارقته لذي الظل ما دأم في الشمس، وهذا من
إلا مثال المشهورة.
وتنافح:
تجالد، نافحت بالسيف أي خاصمت به. وقال صلى الله عليه وسلم: "أول ما يحاسب به العبد صلاته،
فإن سهل عليه كان ما بعده أسهل، وإن اشتد عليه وإن اشتد عليه كان ما بعده
أشد". ومثل قوله: ولا تسخط الله برضا أحد من خلقه ، ما رواه المبرد في
الكامل عن عائشة قالت:
من أرضى الله بإسخاط الناس كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن أرضى الناس بإسخاط
الله وكله الله إلى الناس. وأنا أقسم بالله لئن أتيت بك سكران لأضربنك حداً للخمر، وحداً للسكر،
ولأزيدن لموضع حرمتك بي، فليكن
تركك لها لله عز وجل تعن عليه، ولا تدعها للناس فتوكل إليهم، فقال ابن هرمة:
الأصل:
ومن هذا العهد: فإنه لا سواء، إمام الهدى وإمام الردى،
وولي النبي وعدو النبي، ولقد قال لي رسول لله صلى الله عليه وآله: "إني لا أخاف على
أمتي مؤمناً ولا مشركاً، إما المؤمن فيمنعه الله لإيمانه، و أما المشرك فيقمعه
الله بشركه، ولكني أخاف عليكم كل منافق الجنان، عالم اللسان، يقول ما تعرفون،
ويفعل ما تنكرون". قال أبو جعفر:
وفي هذه السنة عزم المعتضد على لعن معاوية بن أبي سفيان
على المنابر، و أمر بإنشاء كتاب يقرأ على الناس، فخوفه عبيد الله بن سليمان اضطراب العامة، وأنه لايأمن أن تكون
فتنة، فلم يلتفت إليه. فكان أول شيء بدأ به
المعتضد من ذلك التقدم إلى العامة بلزوم أعمالهم، وترك الإجتماع والعصبية،
والشهادات عند السلطان إلا أن يسألوا، ومنع القصاص عن القعود على الطرقات، وأنشأ
هذا الكتاب وعملت به نسخ قرئت بالجانبين من مدينة السلام في الأرباع والمحال
والأسواق يوم الأربعاء لست بقين من جمادى الأولى من هذه السنة، ثم منع يوم
الجمعة لأربع بقين منه، ومنع القصاص من القعود في الجانبين، ومنع أهل الحلق من
القعود في المسجدين، ونودي في المسجد الجامع بنهي الناس عن الإجتماع وغيره وبمنع
القصاص وأهل الحلق من القعود، ونودي: إن الذمة
قد برئت ممن اجتمع من الناس في مناظرة أو جدال، وتقدم
إلى الشراب الذين يسقون الماء في الجامعين إلا يترحموا على معاوية، ولا يذكروه
بخير، وكانت عادتهم جارية بالترحم عليه، وتحدث الناس أن الكتاب الذي قد
أمر المعتضد بإنشائه بلعن معاوية يقرأ بعد صلاة الجمعة
على المنبر، فلما صلى الناس بادروا إلى المقصورة ليسمعوا قراءة الكتاب، فلم يقرأ، وقيل: إن عبيد الله بن سليمان صرفه عن
قراءته، وإنه أحضر يوسف بن يعقوب القاضي، و أمره أن يعمل الحيلة في إبطال ما عزم
المعتضد عليه، فمضى يوسف فكلم المعتضد في ذلك، وقال
له: إني أخاف أن تضطرب العامة، ويكون منها عند سماعها هذا الكتاب حركة،
فقال: إن تحركت العامة أو نطقت وضعت السيف فيها. فقال: يا
أمير المؤمنين، فما تصنع بالطالبيين الذين يخرجون في كل ناحية، ويميل إليهم خلق
كثير، لقربتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما في هذا الكتاب من إطرائهم -
أو كما قال - وإذا سمع الناس هذا كانوا إليهم أميل، وكانوا هم أبسط ألسنة، وأثبت
حجة منهم اليوم. فأمسك المعتضد فلم يرد إليه جواباً، ولم يأمر بعد ذلك في
الكتاب بشيء. وكان من جملة الكتاب بعد أن قدم حمد الله
والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أما بعد، فقد انتهى إلى أمير المؤمنين ما عليه جماعة العامة من شبهة قد دخلتهم
في أديانهم، وفساد قد لحقهم في معتمدهم، وعصبية قد غلبت عليها أهواؤهم، ونطقت
بها ألسنتهم، على غير معرفة ولا روية، قد قلدوا فيها قادة الضلالة بلا بينة ولا
بصيرة، وخالفوا السنن المتبعة، إلى إلا هواء المبتدعة، قال الله تعالى: "ومن أضل ممن أتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا
يهدي القوم الظالمين". خروجاً عن الجماعة، ومسارعةً إلى الفتنة،
وإيثاراً للفرقة، وتشتيتاً للكلمة، وإظهاراً لموالاة من قطع الله عنه الموالاة،
وبتر منه العصمة، وأخرجه من الملة، وأوجب عليه اللعنة، وتعظيماً لمن صغر الله
حقه، وأوهن أمره، وأضعف ركنه، من بني أمية، الشجرة الملعونة، ومخالفة لمن
استنقذهم الله به من الهلكة، وأسبغ عليهم به النعمة من أهل بيت البركة والرحمة،
"والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم". فأعظم أمير المؤمنين ما انتهى إليه من ذلك، ورأى
ترك إنكاره حرجاً عليه في الدين، وفساداً لمن قلده الله أمره من المسلمين،
وإهمالاً لما أوجبه الله عليه من تقويم المخالفين، وتبصير الجاهلين، وإقامة
الحجة على الشاكين، وبسط اليد على المعاندين وأمير المؤمنين يخبركم معاشر
المسلمين أن الله جل ثناؤه لما ابتعث محمداً صلى الله عليه وسلم بدينه، وأمره أن
يصدع بأمره، بدأ بأهله وعشيرته فدعاهم إلى ربه، وأنذرهم وبشرهم، ونصح لهم
وأرشدهم، فكان من استجاب له، وصدق قوله، واتبع أمره نفير يسير من بني أبيه، من
بين مؤمن بما أتى به من ربه، وناصر لكلمته وإن لم يتبع دينه إعزازأ له، وإشفاقاً
عليه، فمؤمنهم مجاهد ببصيرته، وكافرهم مجاهد بنصرته وحميته، يدفعون من نابذه،
ويقهرون من عازه وعانده، ويتوثقون له ممن كاتفه وعاضده، ويبايعون من سمح بنصرته،
ويتجسسون أخبار أعدائه، ويكيدون له بظهر الغيب كما يكيدون له برأي العين، حتى
بلغ المدى، وحان وقت الأهتداء، فدخلوا في دين الله وطاعته وتصديق رسوله و إلا
يمان به بأثبت بصيرة، وأحسن هدى ورغبة، فجعلهم الله أهل بيت الرحمة، وأهل بيت
الدين، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. معدن الحكمة، وورثة النبوة، وموضع الخلافة. أوجب
الله لهم الفضيلة، وألزم العباد لهم الطاعة. فلم يزل لعنه الله يحارب مجاهداً، ويدافع مكايداً،
ويجلب منابذاً، حتى قهره السيف، وعلا أمر الله وهم كارهون، فتعوذ بإلاسلام غير
منطو عليه، وأسر الكفر غير مقلع عنه، فقبله وقبل ولده على علم منه بحاله وحالهم.
ثم أنزل الله تعالى كتاباً فيما
أنزله على رسوله يذكر فيه شأنهم، وهو قوله تعالى: "والشجرة الملعونة في القرآن"، ولا خلاف بين أحد في أنه تعالى وتبارك أراد بها بني أمية. ومنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا معاوية ليكتب بين
يديه، فدافع بأمره واعتل بطعامه؟ فقال صلى الله عليه وسلم :"لا أشبع الله بطنه
". فبقي لا يشبع وهو يقول: والله ما أترك الطعام شبعاً، ولكن
إعياء! ومنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يطلع من هذا الفج رجل من أمتي يحشر على
غيرملتي " فطلع معاوية. فلا بد وأن تعلو كلمة الضلال وترتفع دعوة الباطل، وكلمة الله هي
العليا، ودينه المنصور، وحكمه النافذ، و أمره الغالب وكيد من عاداه وحاده
المغلوب الداحض، حتى احتمل أوزار تلك الحروب وما تبعها، وتطوق تلك الدماء وما
سفك بعدها، وسن سنن الفساد التي عليه إثمها وإثم من عمل بها، وأباح المحارم لمن
ارتكبها، ومنع الحقوق أهلها، وغرته الآمال، واستدرجه الإمهال. وقال: "الولد للفراش وللعاهر الحجر"، فخالف حكم الله تعالى
ورسوله جهاراً، وجعل الولد لغير الفراش والحجر لغير العاهر، فأحل بهذه الدعوة من
محارم الله ورسوله في أم حبيبة أم المؤمنين وفي غيرها من النساء من شعور ووجوه
قد حرمها الله وأثبت بها من قربى قد أبعدها الله، ما لم يدخل الدين خلل مثله،
ولم ينل الإسلام تبديل يشبهه.
قول من لا يرجع إلى الله ولا إلى دينه ولا إلى رسوله ولا إلى
كتابه، ولا يؤمن بالله وبما جاء من عنده. ثم أغلظ ما أنتهك، وأعظم ما اجترم، سفكه دم الحسين ابن علي رضي الله عنه،
مع موقعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانه
ومنزلته من الدين والفضل والشهادة له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنة، اجتراءً على
الله، وكفراً بدينه، وعداوة لرسوله، ومجاهرة لعترته، واستهانة لحرمته، كأنما
يقتل منه ومن أهل بيته قوماً من كفرة الترك ولديلم، ولا يخاف من الله نقمة، ولا
يراقب منه سطوة، فتبر الله عمره، وأخبث أصله وفرعه، وسلبه ما تحت يده، وأعد له
من عذابه وعقوبته، ما استحقه من الله بمعصيته. اللهم إنا نبرأ إليك من موالا ة
أعدائك، ومن الإغماض لأهل معصيتك، كما قلت: "لا تجد قوماً يؤمنون بالله
واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله". ولعل هذا الكلام كان قد انشىء ليكون كتاباً، ويكتب به إلى
الأفاق، ويؤمروا بقراءته على الناس، وذلك بعد قراءته على أهل بغداد. والذي يؤكد كونه كتاباً، وينصر ما قاله الطبري، أن في آخره:
كتب عبيد الله بن سليمان في سنة أربع وثمانين ومائتين،
وهذا لا يكون في الخطب، بل في الكتب، ولكن الطبري لم
يذكر أنه أمر بأن يكتب إلى الآفاق ولا قال: وقع العزم على ذلك، ولم يذكر إلا وقوع العزم على أن يقرأ في الجوامع ببغداد. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب إلى معاوية جواباً وهو من محاسن الكتب.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما بعد، فقد
أتاني كتابك تذكر فيه أصطفاء الله محمداً صلى الله
عليه وأله لدينه، وتأييده إياه لمن أيده من أصحابه، فلقد خبأ لنا الدهر
منك عجباً، إذ طفقت تخبرنا ببلاء الله تعالى عندنا، ونعمته علينا في نبينا، فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر، أو داعي مسدده إلى النضال. وزعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلان
وفلان، فذكرت أمراً إن تم أعتزلك كله، وإن نقص لم يلحقك ثلمه. وما أنت والفاضل والمفضول، والسائس
والمسوس! وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين إلا ولين، وترتيب
درجاتهم، وتعريف طبقاتهم! هيهات، لقد حن قدح ليس منها، وطفق
يحكم فيها من عليه الحكم لها! إلاتربع أيها الإنسان على ظلعك، وتعرف قصور ذرعك،
وتتأخر حيث أخرك القدر! فما عليك غلبة المغلوب، ولا ظفر الظافر، فإنك لذهاب في
التيه، رواغ عن القصد. أو لا ترى
أن قوماً قطعت أيديهم في سبيل الله ولكل فضل، حتى إذا
فعل بواحدنا ما فعل بواحدهم، قيل: الطيار في الجنة وذو الجناحين! ولولا
ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه، لذكر ذاكر فضائل
جمة، تعرفها قلوب المؤمنين، ولا تمجها أذان
السامعين. وأنى يكون
ذلك كذلك ومنا النبي ومنكم المكذب، ومنا أسد الله
ومنكم أسد إلا حلاف، ومنا سيدا شباب أهل الجنة ومنكم صبية النار، ومنا خير نساء
العالمين، ومنكم حمالة الحطب، في كثير مما لنا وعليكم! فإسلامنا ما قد
سمع، وجاهليتنا لا تدفع، وكتاب الله يجمع لنا ما شذ عنا، وهو قوله سبحانه وتعالى: "وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب
الله"، وقوله تعالى: "إن أولى
الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين"،
فنحن مرة أولى بالقرابة، وتارة أولى بالطاعة. وقد يستفيد الظنة المتنصح
وما أردت إلا الإصلاح ما أستطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
رسالة معاوية إلى علي رضي الله عنه.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الشرح: سألت
النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد، فقلت: أرى
هذا الجواب منطبقاً على كتاب معاوية الذي بعثه مع أبي مسلم الخولاني إلى علي رضي الله عنه، فإن
كان هذا هو الجواب فالجواب الذي ذكره أرباب
السيرة وأورده نصر بن مزاحم في كتاب صفين إذن غير صحيح، وإن كان ذلك الجواب، فهذا الجواب إذن
غير صحيح ولا ثابت، فقال لي: بل كلاهما ثابت مروي، وكلاهما كلام أمير المؤمنين رضي الله عنه وألفاظه،
ثم أمرني أن أكتب ما عليه علي رضي الله عنه، فكتبته، قال رحمه الله:
كان معاوية يتسقط علياً وينعى عليه ما عساه يذكره من حال أبي بكر وعمر، وأنهما
غصباه حقه، ولا يزال يكيده بالكتاب يكتبه، والرسالة يبعثها يطلب غرته، لينفث بما في صدره من حال أبي بكر وعمر، إما مكاتبة
أومراسلة، فيجعل ذلك حجة عليه عند أهل الشام، ويضيفه
إلى ما قرره في أنفسهم من ذنوبه كما زعم، فقد كان رضي الله عنه عندهم بأنه قتل عثمان ومالأ على قتله، وأنه
قتل طلحة والزبير، وأسر عائشة، وأراق دماء أهل البصرة. وبقيت خصلة واحدة، وهو أن
يثبت عندهم أنه يتبرأ من أبي بكر وعمر، وينسبهما إلى الظلم ومخالفة الرسول في
أمر الخلافة، وأنهما وثبا عليها غلبة، وغصباه إياها، فكانت
هذه الطامة الكبرى ليست مقتصرة على فساد أهل
الشام عليه، بل وأهل العراق الذين هم جنده وبطانته وأنصاره، لأنهم كانوا يعتقدون إمامة
الشيخين، إلا القليل الشاذ من خواص الشيعة، فلما
كتب ذلك الكتاب مع أبي مسلم الخولاني قصد أن يغضب علياً ويخرجه ويحوجه إذا قرأ ذكر أبي بكر، وأنه
أفضل المسلمين، إلى أن يخلط خطه في الجواب بكلمة تقتضي طعناً في أبي بكر،
فكان الجواب مجمجماً غير بين، ليس فيه تصريح بالتظليم
لهما، ولا التصريح ببراءتهما، وتارة يترحم
عليهما، وتارة يقول: أخذا حقي وقد تركته لهما،
فأشار عمرو بن العاص على معاوية أن يكتب كتاباً ثانياً
مناسباً للكتاب إلاول ليستفزا فيه علياً رضي
الله عنه ويسخفاه،
ويحمله الغضب منه أن يكتب كلاما يتعلقان به في تقبيح حاله وتهجين مذهبه. وقال له عمرو: إن علياً رضي
الله عنه رجل نزق تياه، وما استطعمت منه الكلام بمثل تقريظ أبي بكر وعمر، فاكتب.
فكتب كتاباً أنفذه إليه مع أبي أمامة الباهلي، وهو من الصحابة، بعد أن عزم على
بعثته مع أبي الدرداء. ونسخة الكتاب: من عبد الله معاوية بن
أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب. ثم الخليفة الثالث المظلوم الذي نشر الملة،
وطبق الآفاق بالكلمة الحنيفية. فدع
اللجاج والعبث جانباً، وادفع إلينا قتلة عثمان، وأعد الأمر شورى بين المسلمين
ليتفقوا على من هو لله رضاً. فلا بيعة لك في أعناقنا، ولا طاعة لك علينا،
ولا عتبى لك عندنا، وليس لك ولأصحابك عندي إلاالسيف. والذي
لا إله إلا هو لأطلبن قتلة عثمان أين كانوا، وحيث كانوا، حتى أقتلهم أو تلتحق
روحي بالله. فأما
ما لا تزال تمن به من سابقتك وجهادك فإني وجدت الله سبحانه يقول: "يمنون عليك إن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل
الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين". ولو نظرت في حال
نفسك لوجدتها أشد إلا نفس امتناناً على الله بعملها، وإذا كان الإمتنان على
السائل يبطل أجر الصدقة، فالإمتنان على الله يبطل أجر الجهاد، ويجعله "كصفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً لا
يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين". وهجر:
اسم مدينة لا ينصرف للتعريف والتأنيث. وقيل:
هو اسم مذكر مصروف، وأصل المثل كمستبضع تمر إلى هجر،
والنسبة إليه هاجري على غير قياس، وهي بلدة كثيرة النخل
يحمل منها التمر إلى غيرها، قال الشاعر في هذا المعنى:
قوله:
وداعي مسدده إلى النضال، أي معلمه الرمي، وهذا إشارة إلى قول القائل إلا ول:
هكذا الرواية الصحيحة بالسين المهملة، أي استقام ساعده
على الرمي، وسددت فلاناً: علمته النضال،
وسهم سديد: مصيب، ورمح سديد، أي قل أن تخطىء طعنته، وقد ظرف القاضي إلا رجاني في
قوله لسديد الدولة محمد بن عبد الكريم الآنباري
كاتب الآنشاء:
ومن الأمثال في هذا المعنى: سمن كلبك يأكلك، ومنها: أحشك وتروثني!.
ثم خرج إلى خطاب جرير بعد أبيات تركنا ذكرها، فقال:
فقوله: وما أنت من قيس فتنبح دونها. هو معنى قول علي رضي الله عنه لمعاوية: فذكرت
أمراً إن تم اعتزلك كله، وابن حازم المذكور في الشعر هو عبد الله بن حازم، من بني سليم، وسليم من قيس عيلان،
وقتلته تميم أيضاً، وكان والي خراسان. فنقلوا الأسم من الفاعلية فجعلوه منصوباً على التمييز، كقولهم: طبت
به نفسأ.
قوله رضي الله عنه:
وإنك لذهاب في التيه، رواغ عن القصد، يحتمل قوله رضي الله عنه في التيه معنيين: أحدهما بمعنى
الكبر، والآخر التيه من قولك: تاه فلان في البيداء و قوله تعالى: "فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في
الأرض"، وهذا الثاني أحسن يقول: إنك
شديد الإيغال في الضلال. وذهاب فعال، للتكثير،
ويقال: أرض متيهة، مثل معيشة، أي يتاه فيها. ثم قال: ألا ترى غير
نحبر لك، ولكن بنعمة الله أحدث، أي لست عندي أهلاً لأن
أخبرك بذلك أيضاً، فإنك تعلمه، ومن يعلم الشيء لا يجوز أن يخبر به؟ ولكن أذكر ذلك لأنه تحدث بنعمة الله علينا، وقد امرنا بأن نحدث بنعمته سبحانه. يقول: ليس لأحد من
البشر علينا نعمة، بل الله تعالى هو الذي أنعم علينا، فليس بيننا وبينه واسطة،
والناس بأسرهم صنائعنا، فنحن الواسطة بينهم وبين الله تعالى، وهذا مقام جليل
ظاهره ما سمعت، وباطنه أنهم عبيد الله، وأن الناس عبيدهم. مناكحات
بين بني هاشم وبني عبد شمس. وينبغي أن نذكر ههنا مناكحات بني هاشم وبني عبد شمس.
زوج رسول الله صلى
الله عليه وسلم ابنتيه رقية و
أم كلثوم من عثمان بن عفان بن أبي العاص، وزوج ابنته زينب من أبي العاص بن
الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس في الجاهلية، وتزوج أبو لهب بن عبد المطلب أم
جميل بنت حرب بن أمية في الجاهلية، وتزوج رسول الله صلى
الله عليه وسلم أم
حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب، وتزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت الحسين
بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقال إسحاق بن سليمان بن علي: قلت للعباس بن محمد: إذا اتسعنا من البنات، وضقنا من
البنين، وخفنا بوار الأيامى فإلى من نخرجهن من قبائل قريش؟ فأنشدني:
فعرفت
ما أراد وسكت. وهذا كلام طريف جداً،
لأنه لم يلحظ أنه يجب أن يجعل بإزاء النبي صلى الله عليه وسلم مكذب من بني عبد شمس، فقال: المكذب من كذب النبي صلى الله عليه وسلم من قريش عناداً، وليس كل من كذبه
رضي الله عنه من قريش يعيرمعاوية به. ثم قال: أسد الأحلاف أسد بن عبد العزى، وأي عار يلزم معاوية من ذلك، ثم إن بني عبد مناف كانوا
في هذا الحلف وعلي ومعاوية من بني عبد مناف، ولكن
الراوندي يظلم نفسه بتعرضه لما لا يعلمه. ولم يعلم الراوندي ما المراد بهذه الكلمة، فقال: صبية النار أولاد مروان بن
الحكم الذين صاروا من أهل النار عند البلوغ، ولما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم
عنهم بهذه الكلمة كانوا صبية، ثم ترعرعوا واختاروا الكفر، ولا
شبهة أن الراوندي قد كان يفسر من خاطره ما
خطر له. وقال: لو
كانت جاهلية بني هاشم في الشرف كإسلامهم لعد من جاهليتهم حسب ما عد من فضيلتهم
في الإسلام. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فضل بني هاشم علي بني عبد شمس.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وينبغي أن نذكر في هذا الموضع فضل هاشم على عبد شمس في الجاهلية، وقد يمتزج بذلك بعض ما يمتازون به في
الإسلام أيضاً، فإن استقصاءه في الإسلام كثير، لأنه لا يمكن جحد ذلك، وكيف
والإسلام كله عبارة عن محمد صلى الله عليه وسلم، وهو هاشمي! ويدخل في ضمن ذلك ما يحتج به الأموية أيضاً، فنقول: إن شيخنا أبا عثمان قال: إن أشرف خصال قريش
في الجاهلية اللواء، والندوة، والسقآية، والرفادة، وزمزم، والحجابة وهذه الخصال مقسومة في الجاهلية لبني هاشم وعبد الدار
وعبد العزى دون بني عبد شمس. قال:
على أن معظم ذلك صار شرفه في الإسلام إلى بني هاشم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ملك مكة صار مفتاح الكعبة بيده،
فدفعه إلى عثمان بن طلحة، فالشرف راجع إلى
من ملك المفتاح، لا إلى من دفع إليه، وكذلك دفع صلى
الله عليه وسلم اللواء إلى مصعب بن عمير
فالذي دفع اللواء إليه وأخذه مصعب من يديه أحق بشرفه وأولى بمجده وشرفه راجع إلى
رهطه من بني هاشم.
قال:
فانبرى له شاعر من ولد كريز بن حبيب بن عبد شمس، كان مع محمد بن عيسى باليمن
يهجوعنه ابن مدلج في كلمة له طويلة، قال فيها:
قال شيخنا أبو عثمان: فالشهداء علي وحمزة، وجعفر، والحاكي والمخلج
هو الحكم بن أبي العاص، كان يحكي مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتفت يوماً
فرآه، فدعا عليه، فلم يزل مخلج المشية عقوبة من الله تعالى. والطريد اثنان: الحكم بن أبي العاص، ومعاوية بن
المغيرة بن أبي العاص، وهما جدا عبد الملك بن مروان من
قبل أمه وأبيه.
قال
ذلك في شيء كان بينه وبين بعض قريش، فدعاه مطرود إلى المحاكمة إلى هاشم، وقال ابن الزبعرى:
فعم
كما ترى أهل مكة بالأزل والعجف، وجعله الذي هشم لهم
الخبز ثريداً، فغلب هذا اللقب على اسمه حتى صار لا يعرف إلا به، وليس لعبد شمس
لقب كريم، ولا اشتق له من صالح أعماله أسم شريف، ولم
يكن لعبد شمس ابن يأخذ بضبعه، ويرفع من قدره، ويزيد في ذكره، ولهاشم عبد المطلب سيد الوادي غير مدافع، أجمل الناس جمالاً،
وأظهرهم جوداً، وأكملهم كمالاً، وهو صاحب الفيل، والطير الأبابيل، وصاحب زمزم،
وساقي الحجيج. وولد
عبد شمس أمية بن عبد شمس وأمية في نفسه ليس هناك، وإنما ذكر بأولاده ولا لقب له،
ولعبد المطلب لقب شهير واسم شريف: شيبة الحمد، قال
مطرود الخزاعي في مدحه:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقال
حذافة بن غانم العدوي وهويمدح أبا لهب، ويوصي
ابنه خارجة بن حذافة بالآنتماء إلى بني هاشم:
فأبو عتبة هوأبو لهب، عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم، وابناه عتبة
وعتيبة.
وإنما
شرف عبد شمس بأبيه عبد مناف بن قصي وبني ابنه أمية بن عبد شمس، وهاشم شرف بنفسه
وبأبيه عبد مناف، وبابنه عبد المطلب، و الأمر في هذا بين، وهو كما أوضحه الشاعر
في قوله:
قال أبو عثمان:
ولسنا نقول: إن عبد شمس لم يكن شريفاً في نفسه،
ولكن الشرف يتفاضل، وقد أعطى الله عبد المطلب في زمانه،
وأجرى على يديه، وأظهر من كرامته ما لا يعرف مثله إلا لنبي مرسل، وإن في كلامه
لأبرهة صاحب الفيل وتوعده إياه برب الكعبة وتحقيق قوله من الله تعالى ونصرة
وعيده بحبس الفيل، وقتل أصحابه بالطير الأبابيل وحجارة السجيل حتى تركوا كالعصف
المأكول - لأعجب البرهانات، وأسنى الكرامات، وإنما كان ذلك إرهاصاً لنبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وتأسيساً لما يريده الله
به من الكرامة، وليجعل ذلك البهاء متقدماً له، ومردوداً عليه، وليكون أشهر في
الآ فاق، وأجل في صدور الفراعنة والجبابرة والأكاسرة، وأجدر أن يقهر المعاند،
ويكشف غباوة الجاهل. وبعد، فمن يناهض ويناضل
رجالاً ولدوا محمداً صلى الله عليه وسلم، ولو
عزلنا ما أكرمه الله به من النبوة حتى نقتصر على أخلاقه ومذاهبه وشيمه لما وفى
به بشر، ولا عدله شىء، ولو شئنا أن نذكر ما أعطى الله به عبد المطلب من تفجر
العيون وينابيع الماء من تحت كلكل بعيره وأخفافه بالأرض القسي، وبما أعطي من
المساهمة وعند المقارعة من الأمور العجيبة، والخصال البائنة، لقلنا، ولكنا أحببنا ألا نحتج عليكم إلا بالموجود في القرآن الحكيم،
والمشهور في الشعر القديم، الظاهر على ألسنة الخاصة والعامة ورواة الأخبار وخمال
الآ ثار. والإ
يلاف، هو أن هاشماً كان رجلاً كثير السفر والتجارة،
فكان يسافر في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام، وشرك في تجارته رؤساء
القبائل من العرب ومن ملوك اليمن والشام، نحو العباهلة باليمن، واليكسوم من بلاد
الحبشة، ونحو ملوك الروم بالشام، فجعل لهم معه ربحاً فيما يربح، وساق لهم
إبلاً مع إبله، فكفاهم مؤونة الأسفار، على أن يكفوه مؤونة
الأعداء في طريقه ومنصرفه، فكان في ذلك صلاح عام للفريقين، وكان المقيم
رابحاً، والمسافر محفوظاً، فأخصبت قريش بذلك، وحملت معه
أموالها، وأتاها الخير من البلاد السافلة والعالية، وحسنت حالها، وطاب عيشها.
قال: وقد ذكر حديث الإيلاف الحارث بن الحنش السلمي، وهو خال هاشم والمطلب وعبد
شمس، فقال:
قال أبو عثمان:
وقيل: إن تفسير قوله تعالى: "وآمنهم من خوف"
هو خوف من كان هؤلاء الأخوة يمرون به من القبائل والأعداء وهم مغتربون ومعهم
الأموال، وهذا ما فسرنا به الإيلاف آنفا، وقد فسره قوم بغير ذلك، قالوا: إن
هاشماً جعل على رؤساء القبائل ضرائب يؤدونها إليه ليحمي بها أهل مكة، فإن ذؤبان
العرب وصعاليك الأحياء وأصحاب الغارات وطلاب الطوائل كانوا لا يؤمنون على الحرم،
لا سيما وناس من العرب كانوا لا يرون للحرم حرمة، ولا للشهر الحرام قدراً، مثل
طيىء وخثعم وقضاعة وبعض بلحارث بن كعب، وكيفما كان
الإيلاف فإن هاشماً كان القائم به دون غيره من إخوته. قال
النبي صلى الله عليه وسلم - وهويذكر حلف الفضول -: "لقد شهدت في دار عبد
الله بن جدعان حلفاً لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت". ويكفي في جلالته وشرفه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهده وهو غلام، وكان عتبة
بن ربيعة يقول: لو أن رجلاً خرج مما عليه قومه لدخلت في حلف الفضول، لما أرى من
كماله وشرفه، ولما أعلم من قدره وفضيلته. وكانت النباهة في هذا
الحلف للزبير بن عبد المطلب ولعبد الله بن جدعان، أما ابن جدعان فلأن الحلف
عقد في داره، و أما الزبير فلأنه هو الذي نهض فيه، ودعا إليه، وحث عليه، وهو
الذي سماه حلف الفضول، وذلك لأنه لما سمع الزبيدي المظلوم ثمن سلعته قد أوفى على
أبي قبيس قبل طلوع الشمس رافعاً عقيرته وقريش في أنديتها قائلاً:
حمي
وحلف ليعقدن حلفاً بينه وبين بطون من قريش يمنعون القوي من ظلم الضعيف، والقاطن
من عنف الغريب، ثم قال:
فبنو هاشم هم الذين سموا ذلك الحلف حلف الفضول، وهم كانوا سببه،
والقائمين به دون جميع القبائل العاقدة له، والشاهدة لأمره، فما ظنك بمن شهده
ولم يقم بأمره!
قال أبو عثمان: وكان الزبير بن عبد المطلب شجاعاً أبياً، وجميلاً بهياً، وكان
خطيباً شاعراً، وسيداً جواداً، وهو الذي يقول:
قال:
والزبير هو الذي يقول:
قال: وبنو هاشم هم الذين ردوا على الزبيدي ثمن بضاعته، وكانت عند العاص بن وائل، وأخذوا
للبارقي ثمن سلعته من أبي بن خلف الجمحي، وفي ذلك يقول
البارقي:
وهم
الذين انتزعوا من نبيه بن الحجاج قتول الحسناء بنت التاجر الخثعمي، وكان كابره
عليها حين رأى جمالها، وفي ذلك يقول نبيه بن الحجاج:
وفيها
أيضاً يقول:
في
كلمته التي يقول فيها:
في
رجال كثير انتزعوا منهم الظلامات، ولم يكن يظلم بمكة إلا رجال أقوياء، ولهم
العدد والعارضة، منهم من ذكرنا قصته. و أما أمية فلم يكن في نفسه هناك، وإنما رفعه
أبوه، وكان مضعوفاً، وكان صاحب عهار يدل على ذلك قول نفيل
بن عدي جد عمر بن الخطاب حين تنافر إليه حرب بن أمية
وعبد المطلب بن هاشم، فنفر عبد المطلب وتعجب من إقدام حرب عليه وقال له:
وذلك أن أمية كان تعرض لامرأة من بني زهرة، فضربه رجل منهم بالسيف، فأراد بنو
أمية ومن تبعهم إخراج زهرة من مكة، فقام دونهم قيس بن عدي السهمي - وكانوا
أخواله، وكان منيع الجانب، شديد العارضة، حمي الآنف، أبي النفس - فقام دونهم
وصاح: أصبح ليل، فذهبت مثلاً، ونادى: الآن الظاعن مقيم. وفي هذه القصة يقول وهب
بن عبد مناف بن زهرة جد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال أبو عثمان: وصنع أمية في الجاهلية شيئاً لم يصنعه أحد من العرب، زوج ابنه أبا عمرو امرأته في حياته
منه. فأولدها أبا معيط بن أبي عمرو بن أمية. والمقيتون
في الإسلام هم الذين نكحوا نساء آبائهم بعد موتهم، فأما أن يتزوجها في
حياة الأب ويبني عليها وهو يراه، فإنه شيء لم يكن قط. وقال جحش بن رئاب الأسدي حين نزل مكة بعد موت عبد المطلب: والله لأتزوجن ابنة أكرم أهل هذا
الوادي، ولأحالفن أعزهم، فتزوج أميمة بنت عبد المطلب،
وحالف أبا سفيان بن حرب. وقد يمكن أن يكون أعزهم ليس بأكرمهم، ولا يمكن
أن يكون أكرمهم ليس بأعزهم، وقد أقر أبو جهل على نفسه
ورهطه من بني مخزوم حين قال: تحاربنا نحن وهم، حتى إذا صرنا كهاتين
قالوا: منا نبي. فأقر بالتقصير، ثم ادعى المساواة، ألا تراه كيف أقر أنه لم يزل
يطلب شأوهم ثم ادعى أنه لحقهم! فهو مخصوم في إقراره، خصيم في دعواه، وقد حكم لهاشم دغفل بن حنظلة النسابة حين سأله معاوية عن بني هاشم: فقال: هم أطعم للطعام، وأضرب
للهام، وهاتان خصلتان يجمعان أكثر الشرف. ثم
قام أبو سفيان بن حرب مقام أبيه بعد موته، فخالفه أبو الأزيهر الدوسي، وكان عظيم
الشأن في الأزد، وكانت بينه وبين بني الوليد بن المغيرة محاكمة في مصاهرة كانت
بين الوليد وبينه، فجاءه هشام بن الوليد وأبو الأزيهر قاعد في مقعد أبي سفيان
بذي المجاز، فضرب عنقه، فلم يدرك به أبو سفيان عقلاً ولا قوداً في بني المغيرة. وقال
حسان بن ثابت يذكر ذلك:
فهذه جملة صالحة مما ذكره شيخنا أبوعثمان، ونحن نورد من كتاب أنساب
قريش للزبير بن بكار ما يتضمن شرحاً لما أجمله شيخنا أبو عثمان أو لبعضه، فإن
كلام أبي عثمان لمحة وإشارة، وليس بالمشروح. قال:
فكانت قريش تترافد على ذلك، حتى إن كل أهل بيت ليرسلون بالشيء اليسيرعلى قدر
حالهم، وكان هاشم يخرج في كل سنة مالاً كثيراً، وكان قوم من قريش يترافدون،
وكانوا أهل يسار، فكان كل إنسان ربما أرسل بمائة مثقال ذهب هرقلية، وكان هاشم
يأمر بحياض من أدم تجعل في مواضع زمزم من قبل أن تحفر، يستقى فيها من البئار
التي بمكة، فيشرب الحاج، وكان يطعمهم أول ما يطعم قبل يوم التروية بيوم بمكة
وبمنى وبجمع وعرفة، وكان يثرد لهم الخبز واللحم والسمن والسويق والتمر، ويحمل
لهم الماء فيسقون بمنى، والماء يومئذ قليل، إلى أن يصدر الحاج من منى، ثم تنقطع
الضيافة، وتتفرق الناس إلى بلادهم. وكان أول من سن الرحلتين: رحلة إلى الحبشة، ورحلة إلى الشام، ثم خرج
في أربعين من قريش فبلغ غزة، فمرض بها، فمات، فدفنوه بها، ورجعوا بتركته إلى
ولده. ويقال: إن الذي رجع بتركته إلى ولده أبو رهم عبد العزى بن أبي قيس العامري
من بني عامر بن لؤي.
قال الزبير:
وحدثني محمد بن حسن، عن محمد بن طلحة، عن عثمان بن عبد الرحمن، قال: قال عبد
الله بن عباس: والله لقد علمت قريش أن أول من أخذ الإيلاف وأجاز لها العيرات
لهاشم، والله ما شدت قريش رحالاً ولا حبلاً بسفر، ولا أناخت بعيراً لحضر إلا
بهاشم، والله إنه أول من سقى بمكة ماءً عذباً، وجعل باب الكعبة ذهباً لعبد
المطلب. قال الزبير: وكانت قريش تجاراً لا تعدو تجارتهم مكة إنما تقدم عليهم
الأعاجم بالسلع فيشترونها منهم، يتبايعون بها بينهم، ويبيعون من حولهم من العرب،
حتى رحل هاشم بن عبد مناف إلى الشام، فنزل بقيصر، فكان يذبح كل يوم شاة، ويصنع
جفنة من ثريد، ويدعو الناس فيأكلون، وكان هاشم من أحسن الناس خلقاً وتماماً،
فذكر لقيصر، وقيل له: ههنا شاب من قريش يهشم
الخبز، ثم يصب عليه المرق، ويفرغ عليه اللحم، ويدعو الناس. قال:
وإنما كانت الأعاجم والروم تصنع المرق في الصحاف، ثم تأتدم عليه بالخبز، فدعا به
قيصر، فلما رآه وكلمه أعجب به، وجعل يرسل إليه فيدخل عليه، فلما رأى مكانه سأله
أن يأذن لقريش في القدوم عليه بالمتاجر، وأن يكتب لهم كتب الأمان فيما بينهم
وبينه، ففعل. فبذلك أرتفع هاشم من قريش. قال الزبير:
وكان هاشم يقوم أول نهار اليوم الأول من ذي الحجة فيسند ظهره إلى الكعبة من
تلقاء بابها فيخطب قريشاً فيقول: يا معشر قريش، أنتم سادة العرب، أحسنها وجوها،
وأعظمها أحلاماً، وأوسطها أنساباً، وأقربها أرحاماً. يا معشر قريش، أنتم جيران
بيت الله، أكرمكم بولايته، وخصكم بجواره دون بني إسماعيل، وحفظ منكم أحسن ما حفظ
منكم جار من جاره، فأكرموا ضيفه وزوار بيته، فإنهم يأتونكم شعثاً غبراً من كل
بلد. فورب هذه البنية، لوكان لي مال يحمل ذلك لكفيتموه، ألا وإني مخرج من طيب
مالي وحلاله ما لم تقطع فيه رحم، ولم يؤخذ بظلم، ولم يدخل فيه حرام، فواضعه، فمن
شاء منكم أن يفعل مثل ذلك فعل، وأسألكم بحرمة هذا البيت ألا يخرج منكم رجل من
ماله لكرامة زوار بيت الله ومعونتهم إلا طيباً لم يؤخذ ظلماً، ولم تقطع فيه رحم
ولم يغتصب. قال:
فكانت قريش تخرج من صفو أموالها ما تحتمله أحوالها، وتأتي بها إلى هاشم فيضعه في
دار الندوة لضيافة الحاج.
ومن
مراثيه له:
قال الزبير:
وحدثني إبراهيم بن المنذر، عن الواقدي، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن عكرمة، عن
أبن عباس، قال: أول من سن دية النفس مائة من الأبل عبد المطلب، فجرت في قريش
والعرب سنته، وأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وأم عبد المطلب سلمى
بنت عمرو بن زيد بن لبيد، من بني النجارمن الأنصار، وكان
سبب تزوج هاشم بها أنه قدم في تجارة له المدينة، فنزل على عمرو بن زيد، فجاءته
سلمى بطعام فأعجبت هاشماً، فخطبها إلى أبيها، فأنكحه إياها، وشرط عليه أن تلد
عند أهلها، فبنى عليها بالمدينة، وأقام معها سنتين، ثم ارتحل بها إلى مكة، فحملت
وأثقلت، فخرج بها إلى المدينة، فوضعها عند أهلها، ومضى إلى الشام، فمات بغزة من
وجهه ذلك، وولدت عبد المطلب، فسمته شيبة الحمد لشعرة بيضاء كانت في ذوائبه حين
ولد، فمكث بالمدينة ست سنين أو ثمانياً. ثم إن رجلاً من تهامة مر
بالمدينة، فإذا غلمان ينتضلون، وغلام منهم يقول كلما أصاب: أنا ابن هاشم بن عبد
مناف، سيد البطحاء، فقال له الرجل: من أنت يا غلام؟ قال: أنا ابن هاشم بن عبد
مناف. قال: ما اسمك؟ قال: شيبة الحمد، فانصرف الرجل حتى قدم مكة، فيجد المطلب بن
عبد مناف جالساً في الحجر، فقال: قم إلي يا أبا الحارث، فقام إليه، فقال: تعلم أني جئت الآن من يثرب فوجدت بها
غلماناً ينتضلون. وقص عليه ما رأى من عبد
المطلب، وقال:
إنه أضرث غلام رأيته قط، فقال له المطلب: أغفلته والله! أما إني لا أرجع إلى
أهلي ومالي حتى آتيه، فخرج المطلب حتى أتى المدينة، فأتاها عشاء، ثم خرج براحلته
حتى أتى بني عدي بن النجار فإذا الغلمان بين ظهراني المجلس، فلما نظر إلى ابن أخيه قال للقوم: هذا ابن هاشم،
قالوا: نعم، وعرفه القوم فقالوا: هذا ابن أخيك، فإن كنت تريد أخذه فالساعة، لا
نعلم أمه، فإنها إن علمت حلنا بينك وبينه. فأناخ راحلته، ثم دعاه فقال: يا بن
أخي، أنا عمك، وقد أردت الذهاب بك إلى قومك، فاركب، قال: فو الله ما كذب أن جلس
على عجز الراحلة، وجلس المطلب على الراحلة ثم بعثها فانطلقت، فلما علمت أمه قامت
تدعو حزنها على ابنها، فاخبرت أنه عمه، وأنه ذهب به إلى قومه. قال: فانطلق به
المطلب فدخل به مكة ضحوة، مردفه خلفه، والناس في أسواقهم ومجالسهم، فقاموا
يرحبون به ويقولون: من هذا الغلام معك؟ فيقول: عبد لي ابتعته بيثرب، ثم خرج به
حتى جاء إلى الحزورة فابتاع له حلة، ثم أدخله على امرأته خديجة بنت سعد بن سهم،
فرجلت شعره، ثم ألبسه الحلة عشية، فجاء به فأجلسه في مجلس
بني عبد مناف، وأخبرهم خبره، فكان الناس بعد ذلك إذا رأوه يطوف في سكك مكة وهو
أحسن الناس يقولون: هذا عبد المطلب - لقول المطلب: هذا عبدي - فلج به الأسم،
وترك به شيبة.
فأما الشعر الذي لحذافة العذري والذي ذكره شيخنا أبو عثمان فقد ذكره
الزبير بن بكار في كتاب النسب، وزاد فيه:
قال الزبير:
وحدثني عن سبب هذا الشعر محمد بن حسن، عن محمد بن طلحة، عن أبيه، قال: إن ركباً
من جذام خرجوا صادرين عن الحج من مكة، ففقدوا رجلاً منهم عالية بيوت مكة، فيلقون
حذافة العذري، فربطوه وانطلقوا به، فتلقاهم عبد المطلب مقبلاً من الطائف ومعه
ابنه أبو لهب يقود به، وعبد المطلب حينئذ قد ذهب بصره، فلما نظر إليه حذافة بن
غانم هتف به، فقال عبد المطلب لابنه: ويلك! من هذا؟ قال: هذا حذافة بن غانم
مربوطاً مع ركب. قال: فالحقهم فسلهم ما شأنهم وشأنه، فلحقهم أبو لهب فأخبروه
الخبر، فرجع إلى أبيه، فأخبره، فقال: ويحك! ما معك؟ قال: لا والله ما معي شيء،
قال: فالحقهم لا أم لك! فأعطهم بيدك، وأطلق الرجل، فلحقهم أبو لهب، فقال: قد
عرفتم تجارتي ومالي، وأنا أحلف لكم لأعطينكم عشرين أوقية ذهباً، وعشراً من الأبل
وفرساً، وهذا ردائي رهن. فقبلوا ذلك منه، وأطلقوا حذافة، فلما أقبل به وقربا من
عبد المطلب، سمع عبد المطلب صوت أبي لهب، ولم يسمع صوت حذافة، فصاح به: وأبي إنك
لعاص، ارجع لا أم لك! قال: يا أبتا هذا الرجل معي، فناداه عبد المطلب: يا حذافة،
أسمعني صوتك. قال: هأنذا بأبي أنت وأمي يا ساقي الحجيج أردفني، فأردفه حتى دخل
مكة، فقال حذافة هذا الشعر.
فلم
يزل ثابتاً في الحرم حتى أهلك الله الفيل وأصحابه، فرجعت قريش وقد عظم فيهم
بصبره وتعظيمه محارم الله عز وجل، فبينا هو على ذلك - وكان أكبر ولده وهو الحارث
بن عبد المطلب قد بلغ الحلم - أري عبد المطلب في المنام، فقيل له: أحفر زمزم،
خبيئة الشيخ الأعظم. فاستيقظ فقال: اللهم بين لي الشيخ، فأري في المنام مرة
أخرى: أحفر تكتم بين الفرث والدم، في مبحث الغراب، في قرية النمل، مستقبلة
الآنصاب الحمر. فقام عبد المطلب فمشى حتى جلس في المسجد
الحرام ينتظر ما سمي له من الآيات، فنحر بقرة في الحزورة، فأفلتت من جازرها
بحشاشة نفسها حتى غلب عليها الموت في المسجد في موضع زمزم، فاحتمل لحمها من
مكانها، وأقبل غراب يهوي حتى وقع في الفرث فبحث عن قرية النمل، فقام عبد المطلب
يحفرها، فجاءته قريش فقالت له: ما هذا الصنع، إنا لم نكن نراك بالجهل، لم تحفر
في مسجدنا؟ فقال عبد المطلب: إني لحافر هذا البئر، ومجاهد من صدني عنها، فطفق
يحفر هو وابنه الحارث، وليس له يومئذ ولد غيره، فيسفه عليهما الناس من قريش
فينازعونهما ويقاتلونهما. وتناهى
عنه ناس من قريش لما يعلمون من زعيق نسبه وصدقه، واجتهاده في دينهم يومئذ، حتى
إذا أتعبه الحفر، واشتد عليه الأذى نذر إن وفى له عشرة من الولدان ينحر أحدهم،
ثم حفر فأدرك سيوفاً دفنت في زمزم حين دفنت، فلما رأت قريش أنه قد أدرك السيوف
قالت: يا عبد المطلب، أحذنا مما وجدت. فقال عبد المطلب: بل هذه السيوف لبيت الله، ثم
حفر حتى أنبط الماء، فحفرها في القرار، ثم بحرها حتى لا تنزف، ثم بنى عليها
حوضاً وطفق هو وابنه ينزعان فيملأن ذلك الحوض، فيشرب منه الحاج، ويكسره قوم حسدة
له من قريش بالليل، فيصلحه عبد المطلب حين يصبح، فلما أكثروا فساده دعا عبد
المطلب ربه، فأري، فقيل له: قل: اللهم إني لا أحلها لمغتسل، وهي لشارب حل وبل،
ثم كفيتهم، فقام عبد المطلب حين اختلف قريش في المسجد، فنادى بالذي أري، ثم
انصرف فلم يكن يفسد حوضه عليه أحد من قريش إلا رمي في جسده بداء، حتى تركوا حوضه
ذلك وسقايته. ثم تزوج عبد المطلب
النساء،
فولد له عشرة رهط، فقال: اللهم إني كنت نذرت لك نحر أحدهم، وإني أقرع بينهم، فاصيب بذلك من شئت، فأقرع بينهم، فطارت القرعة على عبد الله بن عبد المطلب أبي رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وكان أحب ولده إليه، فقال عبد المطلب: اللهم هوأحب
إليك أم مائة من الأبل! فنحرها عبد المطلب مكان عبد الله، وكان عبد الله أحسن
رجل رئي في قريش قط. وروى الزبير أيضاً قال: حدثني إبراهيم بن المنذر، عن عبد العزيز بن عمران، عن عبد
الله بن عثمان بن سليمان قال: سمعت أبي يقول: لما حفرت زمزم، وأدرك منها عبد
المطلب ما أدرك، وجدت قريش في أنفسها مما أعطي عبد المطلب، فلقيه خويلد بن أشد
بن عبد العزى فقال: يا بن سلمى، لقد سقيت ماء رغداً، ونثلت عادية حسداً، فقال:
يابن أسد، أما إنك تشرك في فضلها، والله لا يساعدني أحد عليها ببر، ولا يقوم معي
بارزاً إلا بذلت له خير الصهر، فقال خويلد بن أسد:
فقال عبد المطلب: ما وجدت أحداً ورث العلم إلا قدم غير خويلد بن أسد. فأصبح
يحفرحيث أري. فطفقت قريش يستهزئون به، حتى إذا بدا عن الطي وجد فيها غزالأ من
ذهب، وحلية سيف، فضرب عليها بالسهام، فخرج سهم البيت، فكان أول في حلي حلى به
الكعبة.
قال الزبير: حدثني عمي مصعب بن عبد الله، قال: بينا عبد المطلب يطوف بالبيت بعد ما
أسن وذهب بصره، إذ زحمه رجل، فقال: من هذا؟ فقيل: رجل من بني بكر. قال: فما منعه
أن ينكب عني وقد رآني لا أستطيع لأن انكب عنه! فلما رأى بنيه قد توالوا عشرة
قال: لا بد لي من العصا، فإن اتخذتها طويلة شقت علي، وإن اتخذتها قصيرة قويت
عليها، ولكن ينحدب لها ظهري، والحدبة ذل، فقال بنوه: أوغير ذلك، يوافيك كل يوم
منا رجل تتوكأ عليه فتطوف في حوائجك. قال: ولذلك قال الزبير: ومكارم عبد المطلب أكثر من أن يحاط بها، كان سيد قريش غير
مدافع نفساً وأباً وبيتاً وجمالاً وبهاءً وكمالاً وفعالاً، قال أحد بني كنانة
يمدحه:
قال الزبير:
فأما أبو طالب بن عبد المطلب - واسمه عبد مناف، وهو كافل رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وحاميه من قريش وناصره، والرفيق به، الشفيق عليه، ووصي عبد المطلب
فيه - فكان سيد بني هاشم في زمانه، ولم يكن أحد من قريش يسود في الجاهلية بمال
إلا أبو طالب وعتبة بن ربيعة.
قال الزبير:
فلما هلك مسافر نادم أبو طالب بعده عمرو بن عبد بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن
مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، ولذلك قال عمرو لعلي رضي الله عنه يوم الخندق حين
بارزه: إن أباك كان لي صديقاً. قال: فأسلموه إليهم، فقال بعض بني سهم: إن
شئتم فعلنا، على أن من هجانا منكم دفعتموه إلينا. فقال عتبة: ما يمنعني أن أقول
ما تقول إلا أن الزبير بن عبد المطلب غائب بالطائف، وقد عرفت أنه سيفرغ لهذا
الأمر فيقول: ولم أكن أجعل الزبير خطراً لابن الربعرى، فقال قائل منهم: أيها
القوم، ادفعوه إليهم، فلعمري إن لكم مثل الذي عليكم، فكثر في ذلك الكلام واللغط،
فلما رأى العاص بن وائل ذلك دعا برمة، فأوثق بها عبد الله بن الزبعرى، ودفعه إلى
عتبة بن ربيعة، فأقبل به مربوطاً حتى أتى به قومه، فأطلقه حمزة بن عبد المطلب
وكساه، فأغرى ابن الزبعرى أناس من قريش بقومه بني سهم، وقالوا له: أهجهم كما
أسلموك، فقال:
قال:
فقدم الزبيربن عبد المطلب من الطائف، فقال قصيدته التي يقول فيها:
وقد
ذكرنا قطعة منها فيما تقدم.
قال
الزبير: ومن شعر الزبير بن عبد المطلب:
قال
الزبير: وكان الزبيربن عبد المطلب ذا نظر وفكر، أتى فقيل له: مات فلان - لرجل من
قريش كان ظلوماً - فقال: بأي عقوبة مات، قالوا: مات حتف أنفه ! فقال: لئن كان ما
قلتموه حقاً إن للناس معاداً يؤخذ فيه للمظلوم من الظالم.
وقال
ضرار بن الخطاب يبكيه
فأما القتول الخثعمية التي اغتصبها نبيه بن الحجاج السهمي من أبيها،
فقد ذكر الزبير بن بكار قصتها في كتاب أنساب قريش.
في
أبيات طويلة.
وأما قصة حلف الفضول وشرفه فقد ذكرها الزبير في كتابه أيضاً،
قال: كان بنو سهم وبنو جمح أهل بغي
وعدوان، فأكثروا من ذلك، فأجمع بنو هاشم وبنو المطلب وبنو أسد وبنو زهرة وبنو
تيم على أن تحالفوا وتعاقدوا على رد الظلم بمكة، وألا يظلم أحد إلا منعوه،
وأخذوا له بحقه، وكان حلفهم في دار عبد الله بن جدعان، قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر
النعم، ولودعيت به اليوم لأجبت، لا يزيده الإسلام إلا شدة".
فأعظمت ذلك قريش، وتكلموا فيه، فقال المطيبون: والله إن قمنا في هذا ليغضبن
الأحلاف، وقالت الأحلاف: والله إن قمنا في هذا ليغضبن المطيبون، فقالت قبائل من
قريش: هلموا فلنحتلف حلفاً جديداً، لننصرن المظلوم على الظالم ما بل بحر صوفة.
فاجتمعت هاشم والمطلب وأسد وتيم وزهرة في دار عبد الله بن جدعان ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ معهم وهو شاب ابن
خمس وعشرين سنة لم يوح إليه بعد، فتحالفوا ألا يظلم بمكة غريب ولا قريب
ولا حر ولا عبد إلا كانوا معه حتى يأخذوا له بحقه، ويردوا إليه مظلمته من أنفسهم
ومن غيرهم، ثم عمدوا إلى ماء زمزم فجعلوه في جفنة، ثم بعثوا به إلى البيت،
فغسلوا به أركانه ثم جمعوه وأتوهم به فشربوه، ثم انطلقوا إلى العاص بن وائل
فقالوا له: أد إلى هذا حقه، فأدى إليه حقه، فمكثوا كذلك دهراً لا يظلم أحد بمكة
إلا أخذوا له حقه، فكان عتبة بن ربيعة بن عبد شمس يقول: لو أن رجلاً وحده خرج من
قومه لخرجت من عبد شمس، حتى أدخل في حلف الفضول. قال الزبير: وحدثني بهذه
القصة علي بن صالح عن جدي عبد الله بن مصعب، عن أبيه، قال: خرج الحسين رضي الله
عنه من عند معاوية وهو مغضب، فلقي عبد الله بن
الزبير، فحدثه بما دار بينهما، وقال:لأخيرنه في خصال، فقال له ابن الزبير
ما قال، ثم ذهب إلى معاوية، فقال: لقد لقيني الحسين فخيرك في ثلاث خصال،
والرابعة الصيلم، قال معاوية: فلا حاجة لنا بالصيلم، أظنك لقيته غضباً! فهات
الثلاث، قال: أن تجعلني أو ابن عمر بينك وبينه. قال: قد جعلتك بيني وبينه، أو
جعلت ابن عمر أو جعلتكما جميعاً. قال أو تقر له بحقه ثم تسأله إياه. قال: قد
أقررت له بحقه وأنا أسأله إياه، قال: أو تشريه منه، قال: قد اشتريته منه، فما
الصيلم، قال: يهتف، بحلف الفضول، وأنا أول من يجبه. قال: فلا حاجة لنا في ذلك. ثم إن عبد المطلب قال
لأصحابه: والله إن إلقاءنا بأيدينا كذا للموت، لا نضرب في الأرض فنطلب
الماء لعجز، قوموا فعسى، الله أن يرزقنا ماءً ببعض الأرض، ارتحلوا. فارتحلوا ومن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم
ما هم صانعون، فتقدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها، فلما انبعثت به انفجرمن تحت
خفها عين من ماء عذب، فكبرعبد المطلب وكبر أصحابه، ثم نزل فشرب وشرب أصحابه،
واستقوا حتى ملأوا أسقيتهم، ثم دعا القبائل من قريش فقال
لهم: هلموا إلى الماء، فقد أسقانا الله، فاشربوا واستقوا، فجاؤوا فشربوا
واستقوا، ثم قالوا: قد والله قضى الله لك علينا، والله لا نخاصمك في زمزم أبدأ
إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة هو الذي سقاك زمزم، فارجع إلى صقايتك
راشداً. فرجع ورجعوا معه، لم يصلوا إلى الكاهنة
وخلوا بينه وبين زمزم. وروى صاحب كتاب الواقدي أن عبد الله بن جعفر
فاخر يزيد بن معاوية بين يدي معاوية، فقال له: بأي آبائك تفاخرني، أبحرب الذي أجرناه، أم بأمية الذي
ملكناه، أم بعبد شمس الذي كفلناه! فقال معاوية:
لحرب بن أمية يقال هذا! ما كنت أحسب أن أحداً في عصر حرب يزعم أنه أشرف من حرب!
فقال عبد الله: بلى أشرف منه من كفأ عليه إناءه وجلله بردائه! فقال معاوية ليزيد: رويداً يا بني، إن عبد الله
يفخر عليك بك لأنك منه وهو منك. فاستحيا عبد الله وقال: يا أمير المؤمنين يدان
انتشطتا وأخوان اصطرعا. فلما قام عبد الله، قال معاوية ليزيد: يا بني إياك
ومنازعة بني هاشم فإنهم لا يجهلون ما علموا، ولا يجد مبغضهم لهم سباً . قال:
أما قوله: أبحرب
الذي أجرناه، فإن قريشاً كانت إذا سافرت فصارت على العقبة لم يتجاوزها أحد حتى
تجوز قريش، فخرج حرب ليلة فلما صار على العقبة لقيه رجل من بني حاجب بن زرارة
تميمي فتنحنح حرث بن أمية وقال: أنا حب بن أمية، فتنحنح التميمي وقال: أنا ابن
حاجب بن زرارة، ثم بدر فجاز العقبة، فقال حرب: لاها الله لا تدخل بعدها مكة وأنا
حي! فمكث التميمي حيناً لا يدخل، وكان متجره بمكة، فاستشار بها بمن يستجيرمن
حرب، فاشيرعليه بعبد المطلب أو بإبنه الزبير بن عبد المطلب. فركب ناقته وصار إلى مكة ليلاً، فدخلها وأناخ ناقته بباب
الزبير بن عبد المطلب، فرغت الناقة، فخرج إليه الزبير فقال: أمستجير فتجار، أم
طالب قرى فتقرى! فقال:
فقال الزبير: اذهب
إلى المنزل فقد أجرتك. فلما أصبح نادى الزبير أخاه الغيدق، فخرجا متقلدين
سيفيهما، وخرج التميمي معهما، فقالا له: إنا إذا أجرنا رجلاً لم نمش أمامه، فامش
أمامنا ترمقك أبصارنا كي لا تختلس من خلفنا. فجعل
التميمي يشق مكة حتى دخل المسجد، فلما بصر به حرب قال: وإنك لههنا! وسبق إليه
فلطمه، وصاح الزبير: ثكلتك أمك! أتلطمه وقد أجرته! فثنى عليه حرب فلطمه ثانية،
فانتفى الزبير سيفه، فحمل على حرب، ففر حرب بين يديه وسعى الزبير خلفه فلم يرجع
عنه حتى هجم حرب على عبد المطلب داره، فقال: ما شأنك، قال: الزبير، قال: اجلس،
وكفأ عليه إناء كان هاشم يهشم فيه الثريد، واجتمع الناس، وانضم بنو عبد المطلب
إلى الزبير، ووقفوا على باب أبيهم بأيديهم سيوفهم، فازر عبد المطلب حرباً بإزار
كان له، ورداه برداء له طرفان، وأخرجه إليهم، فعلموا أن أباهم قد أجاره. لدغفل
النسابة: أرأيت عبد المطلب، قال: نعم، قال: كيف رأيته، قال: رأيته رجلاً نبيلاً
جميلاً وضيئاً، كأن على وجهه نور النبوة. قال:
أفرأيت أمية بن عبد شمس، قال: نعم، قال: كيف رأيته، قال: رأيته رجلاً ضئيلاً
منحنياً أعمى يقوده عبده ذكوان، فقال معاوية: ذلك ابنه أبو عمرو، قال:
أنتم تقولون ذلك، فأما قريش فلم تكن تعرف إلا أنه عبده. قال: روى هشام بن الكلبي عن أبيه، أن نوفل بن عبد مناف ظلم عبد المطلب
بن هاشم اركاحاً لى بمكة - وهي الساحات - وكان بنو نوفل يداً مع عبد شمس، وعبد
المطلب يداً مع هاشم، فاستنصر عبد المطلب قوماً من قومه فقصروا عن ذلك، فاستنجد
أخواله من بني النجار بيثرب، فأقبل معه سبعون راكباً، فقالوا
لنوفل: لا والله يا أبا عدي، ما رأينا بهذا الغائط ناشئاً أحسن وجهاً،
ولا أمد جسماً، ولا أعف نفساً، ولا أبعد من كلى سوء من هذا الفتى - يعنون عبد
المطلب - وقد عرفت قرابته منا، وقد منعته ساحات له، ونحن نحب أن ترد عليه حقه،
فرده عليه، فقال عبد المطلب:
قال: ويقال إن ذلك كان سبب مخالفة خزاعة عبد المطلب.
ثم نرجع إلى حكآية لشيخنا أبي عثمان، وقد نمزجه بكلام آخر لنا أو
لغيرنا ممن تعاطى الموازنة بين هذين البيتين. قال
أبو عثمان: فإن قالت أمية: لنا الوليد بن يزيد بن عبد الملك
بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، أربعة
خلفاء في نسق، قلنا لهم: ولبني هاشم: هارون
الواثق بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد بن محمد المهدفي بن عبد الله المنصور بن
محمد الكامل بن علي السجاد، كان يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة، فكان يقال له
السجاد لعبادته وفضله، وكان أجمل قريش على وجه الأرض وأوسمها، ولد ليلة قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فسمي باسمه، وكني
بكنيته، فقال عبد الملك: لا والله لا
أحتمل لك الأسم ولا الكنية، فغير أحدهما، فغير الكنية فصيرها أبا محمد بن عبد
الله، وهو البحر، وهو حبر قريش، وهو المفقه في الدين المعلم التأويل، ابن العباس
ذي الرأي، وحليم قريش، ابن شيبة الحمد، وهو عبد المطلب سيد الوادي ابن عمرو، وهو
هاشم، هشم الزيد، وهو القمر سمي بذلك لجماله، ولأنهم كانوا يقتدون ويهتدون
برأيه، ابن المغيرة وهو عبد مناف بن زيد، وهو قصي وهو مجمع، فهؤلاء ثلاثة عشر
سيداً لم يحرم منهم واحد، ولا قصر عن الغآية، وليس منهم واحد إلا وهو ملقب بلقب
اشتق له من فعله الكريم، ومن خلقه الجميل، وليس منهم إلا خليفة، أو موضع للخلافة
أو سيد في قديم الدهر منيع، أو ناسك مقدم، أو فقيه بارع، أو حليم ظاهر الركانة،
وليس هذا لأحد سواهم، ومنهم خمسة خلفاء في نسق، وهم أكثر مما عدته الأموية، ولم
يكن مروان كالمنصور لأن المنصور ملك البلاد ودوخ الأقطار، وضبط الأطراف اثنتين
وعشرين سنة، وكانت خلافة مروان على خلاف ذلك كله، وإنما بقي في الخلافة تسعة
أشهر حتى قتلته امرأته عاتكة بنت يزيد بن معاوية حين قال لابنها خالد من بعلها
الأول: يا بن الرطبة . ولئن كان مروان مستوجباً لاسم الخلافة مع قلة الأيام
وكثرة الأختلاف واضطراب البلدان فضلاً عن الأطراف، فابن الزبير أولى بذلك منه،
فقد كان ملك الأرض إلا بعض الأردن، ولكن سلطان عبد الملك وأولاده لما اتصل
بسلطان مروان اتصل عند القوم ما انقطع منه وأخفى موضع الوهن عند من لا علم له،
وسنو المهدي كانت سني سلامة، وما زال عبد الملك في انتقاض وانتكاث، ولم يكن ملك
يزيد كملك هارون، ولا ملك الوليد كملك المعتصم. والطالبيون
بمصر يعدون عشرة في نسق: الأمر بن المستعلي بن المستنصر بن
الطاهر بن الحاكم بن العزيز بن المعتز بن المنصور بن القائم بن المهدي. قال أبو عثمان: وتفخر عليهم بنو هاشم
بأن سني ملكهم أكثر، ومدته أطول، فإنه قد بلغت مدة ملكهم إلى اليوم أربعاً
وتسعين سنة ويفخرون أيضاً عليهم بأنهم ملكوا بالميراث وبحق العصبة والعمومة، وأن
ملكهم في مغرس نبوة، وأن أسبابهم غير أسباب بني مروان، بل ليس لبني مروان فيها
سبب، ولا بينهم وبينها نسب، إلا أن يقولوا: إنا من قريش فيساووا في هذا الأسم
قريش الظواهر، لأن روآية الراوي: الأئمة من
قريش واقعة على كل قرشي، وأسباب الخلافة معروفة، وما يدعيه كل جيل معلوم، وإلى
كل ذلك قد ذهب الناس، فمنهم من ادعاه لعلي رضي الله عنه لاجتماع القرابة
والسابقة والوصية، فان كان الأمر كذلك فليس لآل أبي
سفيان وآل مروان فيها دعوى، وإن كانت إنما تنال بالوراثة، وتستحق بالعمومة،
وتستوجب بحق العصبة، فليس لهم أيضاً فيها دعوى. وإن كانت لا تنال إلا
بالسوابق والأعمال والجهاد، فليس لهم في ذلك قدم مذكور،
ولا يوم مشهور، بل كانوا إذ لم تكن لهم سابقة، ولم يكن فيهم ما يستحقون به
الخلافة، ولم يكن فيهم ما يمنعهم منها أشد المنع، لكان أهون، ولكان الأمر عليهم
أيسر، قد عرفنا كيف كان أبو سفيان في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وفي
محاربته له، وجلابه عليه وغزوه إياه، وعرفنا إسلامه حيث أسلم، وإخلاصه كيف أخلص،
ومعنى كلمته يوم الفتح حين رأى الجنود وكلامه يوم حنين، وقوله يوم صعد بلال على
الكعبة، فأذن. على أنه إنما أسلم على يدي العباس رحمه الله، والعباس هو الذي منع
الناس من قتله، وجاء به رديفاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسأله فيه أن
يشرفه وأن يكرمه وينوه به، وتلك يد بيضاء، ونعمة غراء، ومقام مشهود، ويوم حنين
غير مجحود، فكان جزاء بني هاشم من بنيه أن حاربوا
علياً، وسموا الحسن، وقتلوا الحسين، وحملوا النساء على الأقتاب حواسر، وكشفوا عن
عورة علي بن الحسين حين أشكل عليهم بلوغه كما يصنع بذراري المشركين إذا دخلت
دورهم عنوة، وبعث معاوية بسر بن أرطاة إلى اليمن، فقتل ابني عبيد الله بن
العباس، وهما غلامان لم يبلغا الحلم، وقتل عبيد الله بن زياد يوم الطف تسعة من
صلب علي رضي الله عنه ، وسبعة من صلب عقيل، ولذلك قال ناعيهم:
ثم إن أمية تزعم أن عقيلاً أعان معاوية على علي رضي الله عنه ، فإن
كانوا كاذبين فما أولاهم بالكذب! وإن كانوا صادقين فما جازوا عقيلاً بما صنع!
وضرب عنق مسلم بن عقيل صبراً وغدراً بعد الأمان، وقتلوا معه هانىء بن عروة لأنه
آواه ونصره،
ولذلك قال الشاعر:
وأكلت هند كبد حمزة، فمنهم آكلة الأكباد، ومنهم كهف النفاق،
ومنهم من نقر بين ثنيتي الحسين رضي الله عنه بالقضيب، ومنهم القاتل يوم الحرة
عون بن عبد الله بن جعفر، ويوم الطف أبا بكر بن عبد الله بن جعفر. وقتل يو الحرة أيضاً من
بني هاشم الفضل بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، والعباس بن عتبة بن
أبي لهب بن عبد المطلب، وعبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد
المطلب. وأيضاً فإن كان الفخر بطول مدة الملك فبنو هاشم قد كان لهم أيضاً
ملك بمصر نحو مائتين وسبعين سنة، مع ما ملكوه بالمغرب قبل أن ينتقلوا إلى مصر.
وقال
شاعركم أيضاً:
فروي أن بعض الصالحين من أهل البيت رضي الله عنهم قال: اللهم إن كان كاذباً فسلط عليه
كلباً من كلابك، فخرج يوماً بسفر له، فعرض له الأسد فافترسه. وقتلتم الإمام
جعفراً الصادق رضي الله عنه، وقتلتم يحيى بن زيد، وسميتم قاتله: ثائر مروان،
وناصر الدين، هذا إلى ما صنع سليمان بن حبيب بن المهلب عن أمركم وقولكم بعبد
الله أبي جعفر المنصور قبل الخلافة، وما صنع مروان بإبراهيم الإمام، أدخل رأسه
في جراب نورة حتى مات، فإن أنشدتم:
أنشدنا
نحن:
وقد
علمتم حال مروان أبيكم وضعفه، وأنه كان رجلاً لا فقه له، ولا يعرف بالزهد ولا
الصلاح، ولا بروآية الآثار، ولا بصحبة ولا ببعد همة، وإنما ولي رستاقاً من
رساتيق دار بجرد لابن عامر، ثم ولي البحرين لمعاوية، وقد كان جمع أصحابه ومن
تابعه ليبايع ابن الزبير حتى رده عبيد الله بن زياد، وقال يوم مرج راهط، والرؤوس
تندر عن كواهلها في طاعته:
هذا قول من لا يستحق أن يلي ربعاً من الأرباع، ولا خمساً من
الأخماس، وهو أحد من قتلته النساء لكلمة كان حتفه فيها.
والعرب
تسمي الطواعين رماح الجن، وفي ذلك يقول الشاعر:
يقول بعض بني أسد للحارث الغساني الملك. قلت: نقلت من كتاب افتراق هاشم وعبد
شمس لأبي الحسين محمد بن علي بن نصر المعروف بابن أبي رؤبة الدباس قال: كان
بنو أمية في ملكهم يؤذنون ويقيمون في العيد ويخطبون بعد الصلاة، وكانوا في سائر
صلاتهم لا يجهرون بالتكبير في الركوع والسجود، وكان
لهشام بن عبد الملك خصي إذا سجد هشام وهو يصلي في المقصورة قال: لا إله
إلا الله، فيسمع الناس فيسجدون، وكانوا يقعدون في إحدى خطبتي العيد والجمعة
ويقومون في الأخرى، قال: ورأى كعب مروان بن الحكم
يخطب قاعداً، فقال: انظروا إلى هذا يخطب قاعداً، والله تعالى يقول
لرسوله: "وتركوك قائماً". وسبيت بنت لعبيدة بن هلال اليشكري، وبنت
لقطري بن الفجاءة المازني، فصارت هذه إلى العباس بن الوليد بن
عبد الملك، واسمها أم سلمة، فوطئها بملك اليمين على رأيهم، فولدت له المؤمل،
ومحمداً، وإبراهيم، وأحمد، وحصيناً، بني عباس بن الوليد بن عبد الملك. وسبي واصل بن
عمرو القنا واسترق، وسبي سعيد الصغير الحروري واسترق، وأم يزيد بن عمر بن هبيرة،
وكانت من سبي عمان الذين سباهم مجاعة، وكانت بنو أمية تبيع الرجل في الدين يلزمه
وترى أنه يصير بذلك رقيقاً. قال أبو عثمان:
ويفخر بنو العباس على بني مروان، وهاشم على عبد شمس،
بأن الملك كان في أيديهم فانتزعوه منهم، وغلبوهم عليه
بالبطش الشديد، وبالحيلة اللطيفة، ثم لم ينزعوها إلا من يد أشجعهم شجاعة،
وأشدهم تدبيراً، وأبعدهم غوراً، ومن نشأ في الحروب وربي في الثغور، ومن لا يعرف
إلا الفتوح وسياسة الجنود، ثم أعطى الوفاء من أصحابه والصبر من قواده، فلم يغدر
منهم غادر، ولا قصر منهم مقصر، كما قد بلغك عن حنظلة بن نباتة، وعامر بن ضبارة،
ويزيد بن عمر بن هبيرة، ولا أحد من سائر قواده حتى من أحبابه وكتابه كعبد الحميد
الكاتب، ثم لم يلقه، ولا لقي تلك الحروب في عامة تلك الأيام إلا رجال ولد العباس
بأنفسهم، ولا قام بأكثر الدولة إلا مشايخهم كعبد الله بن علي، وصالح بن علي،
وداود بن علي، وعبد الصمد بن علي، وقد لقيهم المنصور نفسه. قالوا: ذهب إلى طلب الولد، وكانت العرب تفخر
بكثرة الولد، وتمدح الفحل القبيس، وتذم العاقر والعقيم.
وقال علقمة بن علاثة يفخر على عامر: آمنت وكفر، ووفيت وغدر، وولدت وعقر،
وقال الزبرقان:
وقال طرفة بن العبد:
ومدح النابغة الذبياني ناساً فقال:
وقال نهشل بن حري:
ومكث الفرزدق زماناً لا يولد له فعيرته امرأته، فقال:
وقال الآخر، وقد مات إخوته، وملأ حوضه ليسقي، فجاء رجل صاحب عشيرة وعترة، فأخذ بضبعه
فنحاه، ثم قال لراعيه: اسق إبلك:
وقال الأعشى وهو يذكر الكثرة:
قال:
وقد ولد رجال من العرب كل منهم يلد لصلبه أكثرمن مائة، فصاروا بذلك مفخراً، منهم
عبد الله بن عمير الليثي، وأنس بن مالك الأنصاري، وخليفة بن بر السعدي، أتى على
عامتهم الموت الجارف. ومات جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن
العباس عن ثلاثة وأربعين ذكراً وخمس وثلاثين امرأة كلهم لصلبه، فما ظنك بمن مات
من ولده في حياته! وليس طبقة من طبقات الأسنان الموت إليها أسرع، وفيها أعم
وأفشى من سن الطفولية، وأمر جعفر بن سليمان قد عاينه عالم من الناس، وعامتهم
أحياء، وليس خبر جعفر كخبر غيره من الناس. وممن
قرب ميلاده وكثر نسله حتى صار كبعض القبائل والعمائر أبو بكر صاحب رسول الله صلى
الله عليه وسلم، والمهلب بن أبي صفرة، ومسلم بن عمرو الباهلي، وزياد بن عبيد
أمير العراق، ومالك بن مسمع. وولد
جعفر بن سليمان اليوم أكثر عدداً من أهل هذه القبائل. وأربعة من قريش ترك كل
واحد منهم عشرة بنين مذكورين معروفين وهم: عبد المطلب بن هاشم، والمطلب بن عبد
مناف، وأمية بن عبد شمس، والمغيرة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن نحزوم، وليس
على ظهر الأرض هاشمي إلا من ولد عبد المطلب، ولا يشك أحد أن عدد الهاشممين شبيه
بعدد الجميع، فهذا ما في الكثرة والقلة.
وهو البحر، وهو الحبر، وكان عمر يقول له في
حداثته عند إجالة الرأي:
غص يا غواص ، وكان يقامه على جلة السلف. وكان الأحنف إذا ذكر حمزة قال: أكيس، وكان لا يرضى أن يقول:
شجاع، لأن العرب كانت تجعل ذلك أربع طبقات، فتقول: شجاع، فإذا كان فوق ذلك قالت:
بطل، فإذا كان فوق ذلك قالت: بهمة، فإذا كان فوق ذلك قالت: أكيس. وقال العجاج:
أكيس عن حوبائه سخي وهل أكثر ما يعد الناس من جرحاهما وصرعاهما إلا سادتكم
وأعلامكم! قتل حمزة وعلي رضي الله عنه عتبة والوليد، وقتلا شيبة أيضاً، شركا
عبيدة بن الحارث فيه، وقتل علي رضي الله عنه حنظلة
بن أبي سفيان. فأما آباء ملوككم من بني مروان فإنهم كما قال عبد الله بن
الزبير لما أتاه خبر المصعب: إنا والله ما نموت حبجاً كما يموت آل أبي العاص،
والله ما قتل منهم قتيل في جاهلية ولا إسلام، وما نموت إلا قتلاً، قعصاً
بالرماح، وموتاً تحت ظلال السيوف. قال أبو عثمان: كأنه لم يعد قتل معاوية بن المغيرة
بن أبي العاص قتلاً، اذ كان إنما قتل في غير معركة، وكذلك قتل عثمان بن عفان، إذ
كان إنما قتل محاصراً، ولا قتل مروان بن الحكم، لأنه قتل خنقاً، خنقته النساء. قال:
وإنما فخر عبد الله بن الزبير
بما في بني أسد بن عبد العزى من القتلى، لأن من شأن العرب أن يفخروا بذلك، كيف
كانوا قاتلين أو مقتولين، ألا ترى أنك لا تصيب كثرة القتلى إلا في القوم
المعروفين بالبأس والنجدة وبكثرة اللقاء والمحاربة، كآل أبي طالب، وآل الزبير،
وآل المهلب! قال: وفي آل الزبير خاصة سبعة
مقتولون في نسق ولم يوجد ذلك في غيرهم، قتل عمارة
وحمزة أبنا عبد الله بن الزبير يوم قديد في المعركة، قتلهما الأباضية، وقتل عبد
الله بن الزبير في محاربة الحجاج، وقتل مصعب بن الزبير بدير الجاثليق في المعركة
أكرم قتل، وبإزائه عبد الملك بن مروان، وقتل الزبير بوادي السباع منصرفه عن وقعة
الجمل، وقتل العوام بن خويلد في حرب الفجار، وقتل خويلد بن أسد بن عبد العزى في
حرب خزاعة، فهؤلاء سبعة في نسق. وإياه يعني يزيد بن مفرغ الحميري وهو يهجو صاحبكم عبيد الله بن زياد ويعيره بفراره يوم البصرة:
قتل عمرو بن الزبير، قتله أخوه عبد الله بن الزبير، وكان في جوار
أخيه عبيدة بن الزبير فلم يغن عنه، فقال الشاعر يحرض عبيدة على قتل
أخيه عبد الله بن الزبير، ويعيره بإخفاره جوار عمرو أخيهما:
وقتل بجير بن العوام أخو الزبير بن العوام، قتله سعد بن صفح الدوسي جد
أبي هريرة من قبل أمه،
قتله بناحية اليمامة، وقتل معه أصرم وبعلك أخويه ابني
العوام بن خويلد، وقد قتل منهم في محاربة النبي صلى الله عليه وسلم قوم مشهورون، منهم زمعة بن الأسود بن المطلب بن
أسد بن عبد العزى، كان شريفاً، قتل يوم بدر، وأبوه الأسود، كان المثل يضرب بعزته
بمكة، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يذكر عاقر الناقة: "كان عزيزاً منيعاً
كأبي زمعة"، ويكنى زمعة بن الأسود أبا حكيمة، وقتل الحارث بن الأسود بن
المطلب يوم بدر أيضاً، وقتل عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن الأسود بن
المطلب بن أسد يوم بدر أيضاً، وقتل نوفل بن خويلد يوم بدر أيضاً، قتله علي بن
أبي طالب رضي الله عنه ، وقتل يوم الحرة يزيد بن عبد الله بن زمعة بن الأسود، ضرب عنقه مسرف
بن عقبة صبراً قال له: بايع لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية على أنك عبد قن له،
قال: بل أبايعه على أني أخوه وابن عمه، فضرب عنقه. وقتل إسماعيل بن هبار بن الأسود ليلاً، وكان ادعى حيلة فخرج مصرخاً
لمن استصرخه، فقتل، فاتهم به مصعب بن عبد الله بن عبد الرحمن، فأحلفه معاوية
خمسين يميناً، وخلى سبيله،
فقال الشاعر:
وقتل عبد الرحمن بن العوام بن خويلد في خلافة عمر بن الخطاب في بعض
المغازي، وقتل ابنه عبد الرحمن يوم الدار مع عثمان،
فعبد الله بن عبد الرحمن بن العوام بن خويلد
قتيل ابن قتيل ابن قتيل ابن قتيل أربعة. ومن
قتلاهم عيسى بن مصعب بن الزبير، قتل بين يدي أبيه بمسكن في حرب عبد الملك، وكان
مصعب يكنى أبا عيسى وأبا عبد الله وفيه يقول
الشاعر:
ومنهم مصعب بن عكاشة بن مصعب بن الزبير، قتل يوم قديد في حرب الخوارج، وقد
ذكره الشاعر فقال:
ومنهم
خالد بن عثمان بن خالد بن الزبير، خرج مع محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن، فقتله
أبوجعفر وصلبه. قال
أبو عثمان: وإن كان الفخر والفضل في الجود والسماح فمن
مثل عبد الله بن جعفر بن أبي طالب! ومن مثل عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب!
وقد اعترضت الأموية هذا الموضع فقالت: إنما كان عبد الله بن جعفر يهب ما كان
معاوية ويزيد يهبان له، فمن فضل جودنا جاد. وهذا الأعتراض ساقط، لأن ذلك إن صح لم يعد جوداً ولا جائزة ولا صلة
رحم، هؤلاء قوم كان يخافهم على ملكه، ويعرف حقهم فيه، وموقعهم من قلوب الأمة،
فكان يدبر في ذلك تدبيراً، ويريع أموراً، ويصانع عن دولته وملكه، ونحن لم نعد قط
ما أعطى خلفاء بني هاشم قوادهم وكتابهم وبني عمهم جوداً، فقد وهب المأمون للحسن
بن سهل غلة عشرة آلاف ألف فما عد ذلك منه مكرمة، وكذلك كل ما يكون داخلاً في باب
التجارة واستمالة القلوب، وتدبير الدولة، وإنما يكون الجود ما يدفعه الملوك في
الوفود والخطباء والشعراء والأشراف والأدباء والسمار ونحوهم، ولولا ذلك لكان الخليفة إذا وفى
الجند أعطياتهم احتسب ذلك في جوده، فالعمالات شيء والإعطاء على دفع المكروه شيء،
والتفضل والجود شيء. ثم إن الذين أعطاهم معاوية ويزيد هو بعض حقهم، والذي فضل
عليهما أكثرمما خرج منهما. ولقد كان هشام مع ما استثناه به يقول: هو الأحول السراق، ما زال يدخل إعطاء
الجند شهراً في شهر وشهراً في شهر، حتى أخذ لنفسه مقدار رزق سنة، وأنشده أبو
النجم العجلي أرجوزته التي أولها:
فما
زال يصفق بيديه أستحساناً لها حتى صار إلى ذكر الشمس، فقال:
فأمر
بوجء عنقه وإخراجه، وهذا ضعف شديد، وجهل عظيم.
فقال:
صدقت.
وقال
مرة:
والله لأشكون سليمان يوم القيامة إلى أمير المؤمنين عبد الملك. وهذا ضعف شديد،
وجهل مفرط. قال له أخوه مسلمة:
أتطمع أن تلي الخلافة وأنت بخيل جبان! فقال: ولكني حليم عفيف، فاعترف بالجبن
والبخل، وهل تقوم الخلافة مع واحد منهما! وإن قامت فلا تقوم إلا مع الخطر
العظيم، والتغرير الشديد. ولو سلمت من الفساد لم تسلم من العيب. وقال
له شوذب الخارجي: لم لا تلعن رهطك وتذكر أباك إن كانوا
عندك ظلمة فجرة، فقال عمر: متى عهدك بلعن
فرعون! قال: ما لي به عهد. قال: أفيسعك
أن تمسك عن لعن فرعون، ولا يسعني أن أمسك عن لعن آبائي! فرأى أنه قد خصمه وقطع
حجته، وكذلك يظنه كل من قصر عن مقدار العالم، وجاوز مقدار الجاهل، وأي شبه
لفرعون بآل مروان وآل أبي سفيان! هؤلاء قوم لهم حزب وشيعة، وناس كثير يدينون
بتفضيلهم وقد اعتورتهم الشبه في أمرهم، وفرعون على خلاف ذلك، وضده لا شيعة له
ولا حزب ولا نسل ولا موالي ولا صنائع ولا في أمره شبهة. ثم إن عمر ظنين في أمر
أهله فيحتاج إلى غسل ذلك عنه بالبراءة منهم، وشوذب ليس بظنين في أمر فرعون، وليس
الإمساك عن لعن فرعون والبراءة منه مما يعرفه الخوارج، فكيف إذا استويا عنده!
وشكا إليه رجل من رهطه ديناً فادحاً، وعيالاً كثيراً، فاعتل عليه، فقال له: فهلا
اعتللت على عبد الله بن الحسن! قال: ومتى شاورتك في أمري! قال: أو مشيراً تراني!
قال: أو هل أعطيته إلا بعض حقه! قال: ولم قصرت عن كله، فأمر بإخراجه وما زال إلى
أن مات محروماً منه. وكان
عمال أهله على البلاد عماله وأصحابه. والذي حسن أمره، وشبه على الأغنياء حاله، أنه قام بعقب قوم
قد بدلوا عامة شرائع الدين وسنن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان الناس قبله من الظلم والجور والتهاون بالإسلام في أمر
صغر في جنبه ما عاينوا منه، وألفوه عليه، فجعلوه بما نقص من تلك الأمور الفظيعة
في عداد الأئمة الراشدين، وحسبك من ذلك أنهم كانوا يلعنون علياً رضي الله عنه على منابرهم، فلما نهى عمر عن ذلك عد محسناً، ويشهد لذلك قول
كثير فيه:
وهذا الشعر يدل على أن شتم علي رضي الله عنه قد كان لهم عادة،
حتى مدح من كف عنه،
ولما ولي خالد بن عبد الله القسر في مكة - وكان إذا خطب بها لعن علياً والحسن والحسين
رضي الله عنهم - قال عبيد الله بن كثير السهمي:
وقام
عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان - وكان ممن
يناله بزعمهم إلى هشام بن عبد الملك، وهويخطب على
المنبر بعرفة - فقال: يا أمير المؤمنين، هذا يوم كانت الخلفاء تستحب فيه لعن أبي
تراب، فقال هشام: ليس لهذا جئنا، ألا ترى أن ذلك يدل على أنه قد كان لعنه فيهم
فاشياً ظاهراً، وكان عبد الله بن الوليد هذا يلعن علياً رضي الله عنه ويقول: قتل
جدي جميعاً، الزبير وعثمان. وهؤلاء سلفه وأئمته، وبشفعتهم قام ذلك المقام،
وبتقدمهم وتأسيسهم نال تلك الرياسة، ولولا العادة المتقدمة، والأجناد المجندة،
والصنائع القائمة، لكان أبعد خلق الله من ذلك المقام، وأقربهم إلى المهلكة إن
رام ذلك الشرف. وعنى بالمستضعف عثمان، وبالمداهن معاوية، وبالمأفون يزيد بن
معاوية، وهذا الكلام نقض لسلطانه، وعداوة لأهله، وإفساد لقلوب شيعته، ولو لم يكن
من عجز رأيه إلا أنه لم يقدر على إظهار قوته، إلا بأن يظهر عجز أئمته لكفاك ذلك
منه. فهذا ما ذكرته هاشم لأنفسها.
و أما نوادر الرجال في الرأي والتدبير فأبو سفيان بن حرب، وعبد الملك بن
مروان، ومسلمة بن عبد الملك، وعلى أنهم يعدون في الحلماء والرؤساء، فأهل الحجاز
يضربون المثل في الحلم بمعاوية، كما يضرب أهل العراق المثل فيه بالأحنف. وكان
يزيد بن معاوية خطيباً شاعراً، وكان الوليد بن يزيد خطيباً شاعراً، وكان مروان
بن الحكم وعبد الرحمن بن الحكم شاعرين، وكان بشر بن مروان شاعراً ناسباً،
وأديباً عالماً، وكان خالد بن يزيد بن معاوية خطيباً شاعراً، جيد الرأي، أديباً
كثيرالأدب، حكيماً، وكان أول من أعطى التراجمة والفلاسفة، وقرب أهل الحكمة
ورؤساء أهل كل صناعة، وترجم كتب النجوم والطب والكيمياء والحروب والأداب والألات
والصناعات. ويقال:
إن البصرة كانت صنائع ثلاثة رجال: عبد الله بن عامر، وزياد، والحجاج، فرجلان من
أنفسنا والثالث صنيعنا قالوا: ولنا في الأجواد وأهل الأقدار بنو عبد الله بن
خالد بن أسيد بن أمية، وأخوه خالد، وفي خالد يقول الشاعر:
ولنا
سعيد بن خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وهوعقيد الندى، كان يسبت ستة أشهر
ويفيق ستة أشهر، ويرى كحيلاً من غير اكتحال، ودهيناً من غير تدهين، وله يقول
موسى شهوات:
قالوا:
وإنما تمكن فينا الشعر وجاد، ليس من قبل أن الذين مدحونا ما كانوا غير من مدح
الناس، ولكن لما وجدوا فينا مما يتسع لأجله القول، ويصدق فيه القائل. قد مدح عبد
الله بن قيس الرقيات من الناس: آل الزبيرعبد الله ومصعباً وغيرهما، فكان يقول
كما يقول غيره، فلما صار إلينا قال:
وقال
نصيب:
قالوا:
وفينا يقول شاعركم والمتشيع لكم، الكميت بن زيد:
وفي
معاوية يقول أبو الجهم العدوي:
وفيه
يقول:
قالوا: وإذا نظرتم في امتداح الشعراء عبد العزيز بن مروان عرفتم صدق
ما نقوله. وقال الشعبي:
لو ولد لي مائة ابن لسميتهم كلهم عبد الرحمن، للذي رأيت في قريش من أصحاب هذا
الأسم، ثم عد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد
الرحمن بن الحكم بن أبي العاص، فأما عبد الرحمن بن عتاب فإنه صاحب الخيل يوم
الجمل، وهو صاحب الكف والخاتم، وهو الذي مر به علي وهو قتيل فقال: لهفي عليك
يعسوب قريش، هذا اللباب المحض من بني عبد مناف! فقال
له قائل: لشد ما أتيته اليوم يا أمير المؤمنين! قال:
إنه قام عني وعنه نسوة لم يقمن عنك. وقال عمر بن الخطاب:
ما يتصعدني شيء من الكلام كما يتصعدني خطبة النكاح، وقد يكون خطيباً من ليس عنده
في حديثه ووصفه للشيء وأحتجاجه في الأمر لسان بارع. وكان معاوية يجري مع ذلك
كله. قال معاوية، وخطب عنده خطيب فأجاد: لأرمينه بالخطيب
الأشدق يريد يزيد بن معاوية. قال عبد الملك:
فتكلم وأنا والله أحب عثرته وإسكاته، فأحسن حتى استنطقته واستزدته، وكان عبد
الملك خطيباً، خطب الناس مرة فقال: ما أنصفتمونا معشر رعيتنا، طلبتم منا أن نسير
فيكم وفي أنفسنا سيرة أبي بكر وعمر في أنفسهما ورعيتهما، ولم تسيروا فينا ولا في
أنفسكم سيرة رعية أبي بكر وعمر فيهما ولا أنفسهما، ولكل من النصفة نصيب. قالوا:
فكانت خطبته نافعة. قال عيسى بن حاضر:
قلت لعمرو بن عبيد: ما قولك في عمر بن عبد العزيز؟ فكلح، ثم صرف وجهه عني. قلت:
فما قولك في يزيد الناقص؟ فقال: أو الكامل، قال بالعدل، وعمل بالعدل، وبذل نفسه
وقتل ابن عمه في طاعة ربه، وكان نكالاً لأهله، ونقص من أعطياتهم ما زادته
الجبابرة، وأظهر البراءة من آبائه، وجعل في عهده شرطاً ولم يجعله جزماً، لا
والله لكأنه ينطق عن لسان أبي سعيد - يريد الحسن البصري - قال: وكان الحسن من
أنطق الناس. قالوا:
ومنا سليمان بن عبد الملك الذي هدم الديماس ورد المسيرين، وأخرج المسجونين، وترك
القريب. واختار عمر بن عبد العزيز، وكان سليمان جواداً خطيباً جميلاً صاحب سلامة
ودعة وحب للعافية وقرب من الناس، حتى سمي المهدي، وقيلت الأشعار في ذلك. فانطلق حاجاً، ثم تصبح بالنوم فذهبوا ينبهونه
للرحيل، فوجدوه ميتاً، فأقاموا عليه المأتم بالمدينة، وجاء أشعب فدخل إلى المأتم
وعلى رأسه كبة من طين، فالتدم مع النساء، وكان إليه محسناً. ومن نساكنا عبد
الرحمن بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. قالوا:
فنحن نعد من الصلاح والفضل ما سمعتموه، وما لم نذكره أكثر، وأنتم تقولون: أمية هي الشجرة الملعونة في القرآن،
وزعمتم أن الشجرة الخبيثة لا تثمر الطيب، كما أن الطيب لا يثمر الخبيث، فان كان الأمر كما تقولون، فعثمان بن عفان ثمرة خبيثة.
وينبغي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم دفع
ابنتيه إلى خبيث، وكذلك يزيد بن أبي سفيان صاحب مقدمة أبي بكر الصديق على جيوش
الشام، وينبغي لأبي العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يكون كذلك، وينبغي لمحمد بن عبد الله المدبج أن يكون كذلك، وإن ولدته فاطمة رضي الله عنها ، لأنه من بني أمية، وكذلك عبد
الله بن عثمان بن عفان سبط رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، الذي مات
بعد أن شدن ونقر الديك عينه فمات، لأنه من بني أمية، وكذلك ينبغي أن يكون عتاب
بن أسيد بن أبي العيص بن أمية وإن كان النبي صلى
الله عليه وسلم ولاه مكة أم
القرى وقبلة الإسلام، مع قوله صلى الله عليه
وسلم "فتيان
أضن بهما عن النار: عتاب بن أسيد، وجبير بن مطعم ". وكذلك ينبغي أن يكون عمر بن عبد العزيز شبيه عمر بن الخطاب
كذلك، وكذلك معاوية بن يزيد بن معاوية، وكذلك يزيد الناقص، وينبغي ألا
يكون النبي صلى الله عليه وسلم عد عثمان في العشرة الذين بشرهم بالجنة، وينبغي
أن يكون خالد بن سعيد بن العاص شهيد يوم مرج الصفر والحبيس في سبيل الله، ووالي
النبي صلى الله عليه وسلم على
اليمن، ووالي أبي بكر على جميع أجناد الشام، ورابع أربعة في الإسلام، والمهاجر
إلى أرض الحبشة كذلك. وكذلك أبان بن سعيد بن العاص المهاجر إلى المدينة،
والقديم في الإسلام، والحبيس على الجهاد، ويجب أن يكون ملعوناً خبيثاً، وكذلك
أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وهو بدري من المهاجرين الأولين، وكذلك - أمامة بنت
أبي العاص بن الربيع، وأمها زينب بنت رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، وكذلك أم
كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وكان النبي صلى
الله عليه وسلم يخرجها من
المغازي، ويضرب لها بسهم، ويصافحها، وكذلك فاطمة بنت أبي معيط، وهي من مهاجرة
الحبشة قالوا: ومما نفخر به وليس لبني هاشم مثله، أن منا رجلاً ولي أربعين سنة
منها عشرون سنة خليفة، وهومعاوية بن أبي سفيان. ولنا أربعة أخوة خلفاء:
الوليد، وسليمان، ويزيد، وهشام، بنو عبد الملك، وليس
لكم إلا ثلاثة إخوة: كمحمد، وعبد الله، وأبي إسحاق أولاد هارون. قالوا: ولنا في الجمال والحسن ما ليس لكم، منا المدبج، والديباج، قيل ذلك
لجماله. ومنا
المطرف، ومنا الأرجوان، فالمطرف وهو عبد الله بن عمرو بن عثمان، سمي المطرف
لجماله، وفيه يقول الفرزدق:
والمدبج
هو الديباج، كان أطول الناس قياماً في الصلاة، وهلك في سجن المنصور.
فبعث عمر بن عبد العزيز إلى العباس بن الوليد إما أن تردها إلى
أهلها، وإما أن تزوجها، فقال قائل ذات يوم للمؤمل: يا بن الخلائف الأربعة، قال: ويلك من
الرابع! قال: قطري، فأما الثلاثة فالوليد وعبد الملك ومروان، وأما قطري فبويع
بالخلافة، وفيه يقول الشاعر: وأبو نعامة سيد
الكفار. وهو
الذي لما تحاكمت بجيلة وكلب في منافرة جرير والفرافصة، وتراهنوا بسوق عكاظ،
وصنعوا الرهن على يده دون جميع من شهد على ذلك المشهد، وقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، ونظر إلى قريش مقبلة يوم بدر: "إن
يكن منهم عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر"، وما ظنك بشيخ طلبوا
له من جميع العسكر عند المبارزة بيضة فلم يقدروا على بيضة يدخل رأسه فيها، وقد
قال الشاعر:
قالوا:
وأمية الأكبر صنفان:الأعياص والعنابس، قال الشاعر:
سموا
بذلك في حرب الفجار حين حفروا لأرجلهم الحفائر وثبتوا فيها، وقالوا: نموت جميعاً
أو نظفر. وإنما سموا بالعنابس لأنها أسماء الأسود، وإنما سموا الأعياص لأنها
أسماء الأصول فالعنابس: حرب وسفيان وأبو سفيان وعمرو، والأعياص: العيص، وأبو
العيص، والعاص، وأبو العاص وأبو عمرو، ولم يعقب من العنابس إلا حرب، وما عقب
الأعياص إلا العيص، ولذلك كان معاوية يشكو القلة. ونحن نذكر ما أجاب به أبو عثمان عن
كلامهم، ونضيف إليه من قبلنا أموراً لم يذكرها، فنقول: قالت هاشم: أما ما ذكرتم من الدهاء والمكر فإن
ذلك من أسماء فجار العقلاء، وليس من أسماء أهل الصواب في الرأي من العقلاء
والأبرار، وقد بلغ أبو بكر وعمر من التدبير وصواب
الرأي، والخبرة بالأمور العامة، وليس من أوصافهما ولا من أسمائهما أن يقال:
كانا داهيين، ولا كانا مكيرين. وما عامل معاوية وعمرو بن العاص علياً رضي الله عنه قط
بمعاملة إلا وكان علي رضي الله عنه أعلم
بها منهما، ولكن الرجل الذي يحارب ولا يستعمل إلا ما يحل له أقل مذاهب فى وجوه
الحيل والتدبيرمن الرجل الذي يستعمل ما يحل وما لا يحل، وكذلك من حدث وأخبر، ألا ترى أن الكذاب ليس لكذبه غآية، ولا لما يولد ويصنع
نهآية، والصدوق إنما يحدث عن شيء معروف، ومعنى محدود، ويدل على ما قلنا
أنكم عددتم أربعة في الدهاء، وليس واحد منهم عند المسلمين في طريق المتقين،
ولوكان الدهاء مرتبة والمكر منزلة لكان تقدم هؤلاء الجميع السابقين الأولين
عيباً شديداً في السابقين الأولين، ولو أن إنساناً
أراد أن يمدح أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً ثم قال: الدهاة أربعة، وعدهم،
لكان قد قال قولاً مرغوباً عنه، لأن الدهاء والمكر ليس من صفات الصالحين، إن
علموا من غامض الأمور ما يجهله جميع العقلاء، ألا
ترى أنه قد يحسن أن يقال: كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم أكرم الناس، وأحلم الناس، وأجود الناس،
وأشجع الناس، ولا يجوز أن يقال: كان أمكر الناس، وأدهى الناس، وإن علمنا أن علمه
قد أحاط بكل مكر وخديعة، وبكل أدب ومكيدة، وأما ما ذكرتم من جود سعيد بن العاص
وعبد الله بن عامر، فأين أنتم من عبد الله
بن جعفر، وعبيد الله بن العباس، والحسن بن علي! وأين أنتم من جود خلفاء بني
العباس، كمحمد المهدي، وهارون، ومحمد بن زبيدة، وعبد الله المأمون، وجعفر
المقتدر! بل لعل جود بعض صنائع هؤلاء كبني برمك وبني الفرات، أعظم من جود
الرجلين اللذين ذكرتموهما، بل من جميع ماجاء به خلفاء بني أمية. وأما ما ذكرتم من الخطابة والفصاحة
والسؤدد والعلم بالأدب والنسب، فقد علم الناس أن بني هاشم في الجملة أرق ألسنة
من بني أمية، كان أبو طالب والزبير شاعرين، وكان أبو
سفيان بن الحارث بن عبد المطلب شاعراً، ولم يكن من أولاد أمية بن عبد شمس لصلبه
شاعر، ولم يكن في أولاد أمية إلا أن تعدوا في الإسلام العرجي من ولد عثمان بن
عفان، وعبد الرحمن بن الحكم، فنعد نحن الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، وعبد
الله بن معاوية بن جعفر، ولنا من المتأخرين محمد بن الحسين بن موسى المعروف بالرضي،
وأخوه أبو القاسم، ولنا الحماني، وعلي بن محمد صاحب الزنج، وكان إبراهيم بن
الحسن صاحب باخمرى أديباً شاعراً فاضلاً، ولنا محمد بن علي بن صالح الذي خرج في
أيام المتوكل. قال: فأرض
كذا، قال: هضبات حمر، وربوات عفر، حتى أتى على جميع ما سأله عنه، فقال عيسى
لسليمان: والله ما ينبغي لنا أن نرضى لأنفسنا بالدون من الكلام. قالوا: وأما ما
ذكرتم من نساك الملوك، فلنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،
وبزهده وبدينه يضرب المثل، ولنا محمد بن الواثق من خلفاء بني العباس، وهو الملقب
بالمهتدي، كان يقول: إني لآنف لبني العباس
ألا يكون منهم مثل عمر بن عبد العزيز، فكان مثله وفوقه. ولنا القادر أبو العباس بن إسحاق بن المقتدر، ولنا
القائم عبد الله بن القادر، كانا على قدم عظيمة من الزهد والدين والنسك، وإن
عددتم النساك من غير الملوك فأين أنتم عن علي بن
الحسين زين العابدين! وأين أنتم عن علي بن عبد الله بن العباس! وأين أنتم عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الذي كان يقال له: علي الخير،
وعلي الأغر، وعلي العابد، وما أقسم على الله بشيء إلا وأبرقسمه، وأين أنتم عن موسى
بن جعفر بن محمد! وأين أنتم عن علي بن محمد الرضا، لابس الصوف طول عمره، مع سعة
أمواله، وكثرة ضياعه وغلاته! و أما ما ذكرتم من الفتوح، فلنا الفتوح المعتصمية
التي سارت بها الركبان، وضربت بها الأمثال، ولنا فتوح الرشيد، ولنا الآثار
الشريفة في قتل بابك الخرمي بعد أن دامت فتنته في دار الإسلام نحو ثلاثين سنة.
وإن شئت أن تعد فتوح الطالبيين بإفريقية ومصر وما ملكوه من مدن الروم والفرنج
والجلالقة في سني ملكهم، عددت الكثير الجم الذي يخرج عن الحصر، ويحتاج إلى تأريخ
مفرد يشتمل على جلود كثيرة. وقال الشافعي في الرسالة في إثبات
خبر الواحد: وجدت علي بن الحسين وهو
أفقه أهل المدينة يعول على أخبار الآحاد. وقالت المعتزلة:
غلبنا الناس كلهم بأبي هاشم الأول، وأبي هاشم الثاني! وإن ذكرتم النجدة والبسالة والشجاعة فمن مثل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد وقع إتفاق أوليائه وأعدائه على
أنه أشجع البشر! ومن مثل حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله! ومن مثل
الحسين بن علي رضي الله عنهما! قالوا يوم الطف: مارأينا مكثوراً قد أفرد من إخوته
وأهله وأنصاره أشجع منه، كان كالليث المحرب، يحطم الفرسان حطماً. وما
ظنك برجل أبت نفسه الدنية وأن يعطي بيده، فقاتل حتى قتل هو وبنوه وإخوته وبنو
عمه بعد بذل الأمان لهم، والتوثقة بالأيمان المغلظة، وهو الذي سن للعرب الإباء.
واقتدى بعده أبناء الزبير وبنو المهلب وغيرهم. وبلغتكم
شجاعة عبد الله بن علي، وهو الذي أزال ملك بني مروان، وشهد الحروب بنفسه، وكذلك
صالح بن علي، وهو الذي اتبع مروان بن محمد إلى مصر حتى قتله.
ومن كلامهم: من لم يكن من بني أمية تياهاً فهو دعي.
فجعله ثالث القمرين. وكان الحسن بن علي رضي الله عنه أصبح
الناس وجهاً، كان يشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك عبد الله بن الحسن المحض. وكانت
لبابة بنت عبد الله بن العباس عند علي بن عبد الله بن جعفر، قالت: ما رأيته ضاحكاً قط ولا قاطباً، ولا قال
شيئاً احتاج إلى أن يعتذر منه، ولا ضرب عبداً قط، ولا ملكه أكثرمن سنة. قالوا:
وبعد هؤلاء ثلاثة بنو عم، وهم بنو هؤلاء الثلاثة، وكلهم يسمى محمداً، كما أن كل
واحد من أولئك يسمى علياً، وكلهم يصلح للخلافة، بكرم النسب وشرف الخصال: محمد بن
علي بن الحسين بن علي، ومحمد بن علي بن عبد الله بن العباس، ومحمد بن علي بن عبد
الله بن جعفر. ومن يطيق أن يفاخر بني أبي طالب، وأمهم
فاطمة بنت أسد بن هاشم، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وهي التي ربي رسول الله في
حجرها، وكان يدعوها أمي، ونزل في قبرها، وكان يوجب حقها كما يوجب حق الأم! من
يستطيع أن يسامي رجالاً ولدهم هاشم مرتين من قبل أبيهم ومن قبل أمهم. قالوا: ومن
العجائب أنها ولدت أربعة كل منهم أسن من الآخر بعشر سنين: طالب، وعقيل، وجعفر،
وعلي. قالوا: ونحن إذا ذكرنا إنساناً فقبل أن نعد من
ولده نأتي به شريفاً في نفسه، مذكوراً بما فيه دون ما في غيره، قلتم لنا: عاتكة بنت يزيد، وعاتكة في نفسها كامرأة
من عرض قريش، ليس فيها في نفسها خاصة أمر تستوجب به المفاخرة. ونحن نقول: منا فاطمة، وفاطمة سيدة نساء
العالمين، وكذلك أمها خديجة الكبرى، وإنما تذكران مع مريم
بنت عمران وآسية بنت مزاحم اللتين ذكرهما النبي صلى الله عليه وسلم وذكر إحداهما
القرآن، وهن المذكورات من جميع نساء العالم من العرب والعجم. وقلتم:
منا عبد الله بن يزيد، وقلنا: منا الحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة، وأولى
الناس بكل مكرمة، وأطهرهم طهارة، مع النجدة والبصيرة والفقه والصبر والحلم
والآنف، وأخوه الحسن سيد شباب أهل الجنة، وأرفع الناس درجة، وأشبههم برسول الله
خلقاً وخلقأ، وأبوهما علي بن أبي طالب. قالت هاشم: قلتم: لولا أنا كنا أكفاءكم لما أنكحتمونا نساءكم، فقد نجد القوم
يستوون في حسب الأب، ويفترقون في حسب الآنفس، وربما استووا في حسب أبي القبيلة،
كاستواء قريش في النضر بن كنانة، ويختلفون كاختلاف كعب بن لؤي.، وعامر بن لؤي،
وكاختلاف ابن قمي وعبد مناف وعبد الدار وعبد العزى، والقوم قد يساوي بعضهم بعضاً
في وجوه، ويفارقونهم في وجوه، ويستجيزون بذلك القدر مناكحتهم، وإن كانت معاني
الشرف لم تتكامل فيهم كما تكاملت فيمن زوجهم، وقد يزوج السيد ابن أخيه وهو حارض
ابن حارض على وجه صلة الرحم، فيكون ذلك جائزاً عندهم، ولوجوه في هذا الباب
كثيرة، فليس لكم أن تزعموا أنكم أكفاؤنا من كل وجه، لأن كنا قد زوجناكم
وساويناكم في بعض الأباء والأجداد. وبعد،
فأنتم في الجاهلية والإسلام قد أخرجتم بناتكم إلى
سائر قريش وإلى سائر العرب، أفتزعمون أنهم أكفاؤكم عيناً بعين! وأما
قولكم: إن الحيين كان يقال لهما عبد مناف فقد كان
يقال لهما أيضاً مع غيرهما من قريش وبنيها: بنو النضر. وقال الله تعالى: "وأنذر عشيرتك الأقريين"، فلم يدع النبي
صلى الله عليه وسلم أحداً من بني عبد شمس، وكانت
عشيرته الأقربون بني هاشم وبني المطلب، وعشيرته فوق ذاك عبد مناف وفوق ذلك قصي،
ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما
أتي بعبد الله بن عامر بن كريز بن حبيب بن عبد شمس - وأم عامر بن كريز أم حكيم
البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم - قال صلى الله عليه وسلم : "هذا أشبه بنا منه بكم"، ثم تفل في فيه فازدرده،
فقال: أرجو أن تكون مشفياً، فكان كما قال. ففي قوله: "هو أشبه بنا منه بكم" خصلتان: إحداهما أن عبد شمس وهاشماً لو كانا
شيئاً واحداً كما أن عبد المطلب شيء واحد لما قال: "هو بنا أشبه به
منكم"، والأخرى أن في هذا القول تفضيلاً لبني
هاشم على بني عبد شمس، ألا ترون أنه خرج خطيباً جواداً نبيلاً وسيداً
مشفياً، له مصانع وآثار كريمة، لأنه قال: "وهو
بنا أشبه به منكم ". وأتي عبد المطلب بعامر بن كريز وهو ابن ابنته
أم حكيم البيضاء فتأمله، وقال: وعظام هاشم ما ولدنا ولداً أحرض منه، فكان كما
قال عبد الله يحمق، ولم يقل وعظام عبد مناف لأن شرف جده عبد مناف له فيه شركاء،
وشرف هاشم أبيه خالص له. أن يسب آباءكم ويشتم أعراضكم كلب بني كليب!
إنما نسبهم إلى دارمالأ بالأكبر المشتمل على آباء قبائلهم ليستووا في الحمية
ويتفقوا علىالآنف، وهذا في مثل هذا الموضع تدبير صحيح.
لم
يقل: "نيط في آل عبد مناف ".
ولم يقل:
ما أنت من آل عبد مناف، وكيف يقول هذا، وقد علم
الناس أن عبد مناف ولد أربعة: هاشماً والمطلب وعبد شمس ونوفلاً، وأن
هاشماً والمطلب كانا يداً واحدة، وأن عبد شمس ونوفلاً كانا يداً واحدة، وكان مما
بطأ ببني نوفل عن الإسلام إبطاء إخوتهم من بني عبد شمس، وكان مما حث بني المطلب
على لإسلام فضل محبتهم لبني هاشم، لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم كان بيناً، وإنما كانوا يمتنعون منه من طريق الحسد والبغضة،
فمن لم يكن فيه هذه العلة لم يكن له دون الإسلام مانع، ولذلك لم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم من بني نوفل أحد فضلاً أن يشهدوا معه المشاهد الكريمة، وإنما
صحبه حلفاؤهم كيعلى بن منبه وعتبة بن غزوان وغيرهما، وبنو الحارث بن المطلب كلهم
بدري: عبيد، وطفيل، وحصين، ومن بني المطلب مسطح بن أثاثة بدري. وكيف يكون الأمر كما قلتم وأبو طالب يقول لمطعم بن عدي بن نوفل في
أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، لما تمالأت قريش عليه:
ولقد قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسمة
فجعلها في بني هاشم وبني المطلب، فأتاه عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن
عبد مناف، وجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، فقالا له: يا رسول الله،
إن قرابتنا منك وقرابة بني المطلب واحدة، فكيف أعطيتهم دوننا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إنا لم نزل وبني المطلب كهاتين "، وشبك بين
أصابعه، فكيف تقولون: كنا شيئاً واحداً، وكان الأسم الذي يجمعنا واحداً! ثم نرجع إلى أفتخار بني هاشم، قالوا: وإن كان
الفخر بالأيد والقوة، واهتصار الأقران ومباطشة الرجال، فمن أين لكم كمحمد بن
الحنفية، وقد سمعتم أخباره وأنه قبض على درع فاضلة، فجذبها فقطع ذيلها ما استدار
منه كله. وسمعتم أيضاً حديثاً
لأيد القوي الذي أرسله ملك الروم إلى معاوية يفخر به على العرب، وأن محمداً قعد
له ليقيمه فلم يستطع، فكأنما يحرك جبلاً، وأن الرومي قعد ليقيمه محمد فرفعه إلى
فوق رأسه، ثم جلد به الأرض، هذا مع الشجاعة المشهورة، والفقه في الدين والحلم
والصبر والفصاحة والعلم بالملاحم والأخبار عن الغيوب، حتى أدعي له أنه المهدي، وقد سمعتم أحاديث أبي إسحاق المعتصم، وأن أحمد بن
أبي دوواد عض ساعده بأسنانه أشد العض فلم يؤثر فيه، وأنه قال: ما أظن الأسنة ولا
السهام تؤثر في جسده، وسمعتم ما قيل في عبد الكريم المطيع، وأنه جذب ذنب ثور
فاستلة من بين وركيه. ومن الذي يسوي بين عبد شمس وبين هاشم في ذلك! كان الوليد جباراً، وكان هشام شرس
الأخلاق، وكان مروان بن محمد لا يزال قاطباً عابساً، وكذلك كان يزيد بن الوليد
الناقص، وكان المهدي المنصور أسرى خلق الله وألطفهم خلقاً، وكذلك محمد الأمين
وأخوه المأمون، وكان السفاح يضرب به المثل في السرور وسجاحة الخلق. وملك قرطبة دار ملك بني أمية، ويلقب بالناصر. ثم قام بعده أخوه
القاسم بن حمود، ويلقب بالمعتلي، فنحن قتلناكم وأزلنا ملككم في المشرق والمغرب،
ونحن لكم على الرصد حيث كنتم، اتبعناكم فقتلناكم وشردناكم كل مشرد، والفخر
للغالب على المغلوب، بهذا قضت الأمم قاطبة. قالوا: ولنا من أفراد الرجال من ليس
لكم مثله، منا يحيى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، كان شجاعاً جريئاً
وهو الذي ولي الموصل لأخيه السفاح فاستعرض أهلها، حتى ساخت الأقدام في الدم. وأهدى محمد بن سليمان من البصرة إلى الخيزران مائة وصيفة في
يد كل واحدة منهن جام من ذهب وزنه ألف مثقال، مملوء مسكاً، وكان لجعفر بن سليمان
ألفا عبد من السودان خاصة، فكم يكون ليت شعري غيرهم من البيض ومن الإماء! وما
رئي جعفر بن سليمان راكباً قط إلا ظن أنه الخليفة. وعبد الله بن أحمد
بن عبد الله بن موسى الهادي، وكان أديباً ظريفاً.
ومن رجالنا النقيب أبو أحمد الحسين بن موسى شيخ بني هاشم
الطالبيين والعباسيين في عصره، ومن أطاعه الخلفاء والملوك في أقطارالأرض ورجعوا
إلى قوله، وابناه علي ومحمد وهما المرتضى والرضي، وهما فريدا العصر في الأدب
والشعر والفقه والكلام، وكان الرضي شجاعاً أديبا شديدالآنف. ومن رجالنا
محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين صاحب أبي السرايا، ساد حدثاً، وكان شاعراً
أديباً فقيهاً، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولما أسر وحمل إلى المأمون أكرمه
وأفضل عليه، ورعى له فضله ونسبه. وأما يحيى
صاحب الديلم فكان حسن المذهب والهدي، مقدماً في أهل بيته، بعيداً مما يعاب على
مثله، وقد روى الحديث وأكثر الروآية عن جعفر بن محمد، وروى عن أكابر المحدثين،
وأوصى جعفر بن محمد إليه لما حضرته الوفاة وإلى ولده موسى بن جعفر. و أما موسى
بن عبد الله بن الحسن، فكان شاباً نجيباً صبوراً شجاعاً سخياً شاعراً. وإبراهيم
بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كان مقدماً في أهله، يقال: إنه أشبه أهل زمانه برسول الله صلى الله
عليه وسلم . كان من فتيان آل أبي طالب وفتاكهم وشجعانهم
وظرفائهم وشعرائهم، وله شعر لطيف محفوظ. وابنه علي
بن موسى المرشح للخلافة، والمخطوب له بالعهد، كان أعلم الناس، وأسخى الناس،
وأكرم الناس أخلاقاً. قالوا:
وأما ما ذكرتم من أمر الشجرة الملعونة، فإن المفسرين كلهم قالوا ذلك ورووا فيه
أخباراً كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
ولستم قادرين على جحد ذلك، وقد عرفتم تأخركم عن الإسلام وشدة عداوتكم للرسول
الداعي إليه، ومحاربتكم في بدر وأحد والخندق، وصدكم الهدي عن البيت، وليس ذلك
مما يوجب أن يعمكم اللعن حتى لا يغادر واحداً، فإن زعم ذلك زاعم فقد تعدى. وأما اختصاص محمد بن علي بالوصية والخلافة دون
إخوته، فقد علمتم أن وراثة السيادة والمرتبة ليس من جنس
وراثة الأموال، ألا ترى أن المرأة والصبي والمجنون يرثون الأموال ولا يرثون
المراتب! وسواء في الأموال، كان الأبن حارضاً بائراً، أو بارعاً جامعاً. وكان بعض ولد محمد أسن من عامة ولد علي، وولد محمد
المهدي بن عبد الله المنصور والعباس بن محمد بن علي في عام واحد، وكذلك محمد بن
سليمان بن علي، ولم يكن لأحد من ولد علي بن عبد الله بن العباس - وإن كانوا
فضلاء نجباء كرماء نبلاء - مثل عقله ولا كجماله، كان إذا دخل المدينة ومكة جلس
الناس على أبواب دورهم والنساء على سطوحهن للنظر إليه، والتعجب من كماله وبهائه،
وقد قاتل إخوته أعداءه في دفع الملك إلى ولده غير مكرهين ولا مجبرين، على أن
محمداً إنما أخذ الأمر عن أساس مؤسس، وقاعدة مقررة، ووصية انتقلت إليه من أبي
هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، وأخذها أبو هاشم عن أبيه محمد، وأخذها محمد
عن علي بن أبي طالب أبيه. وقال بعضهم: بالجزيرة. وقال بعضهم بالشام. وقال بعضهم: بمكة وقال بعضهم: بالمدينة. واحتج كل إنسان لرأيه، واعتل لقوله - فقال محمد:
أما الكوفة وسوادها فشيعة علي وولده، وأما البصرة
فعثمانية تدين بالكف، وقبيل عبد الله المقتول يدينون بجميع الفرق، ولا يعينون
أحداً، وأما الجزيرة فحرورية مارقة،
والخارجية فيهم فاشية، وأعراب كأعلاج، ومسلمون في أخلاق النصارى، وأما الشام فلا يعرفون إلا آل أبي سفيان، وطاعة
بني مروان، وعداوة راسخة، وجهلاً متراكماً، وأما
مكة والمدينة فقد غلب عليهما أبو بكر وعمر، وليس يتحرك معنا في أمرنا هذا
منهم أحد، ولا يقوم بنصرنا إلا شيعتنا أهل البيت، ولكن عليكم بخراسان، فإن هناك
العدد الكثير، والجلد الظاهر، وصدوراً سليمة، وقلوباً مجتمعة، لم تتقسمها
الأهواء، ولم تتوزعها النحل، ولم تشغلها ديانة، ولا هدم فيها فساد، وليس لهم
اليوم همم العرب، ولا فيهم تجارب كتجارب الأتباع مع السادات، ولا تحالف كتحالف
القبائل، ولا عصبية كعصبية العشائر، وما زالوا ينالون ويمتهنون، ويظلمون
فيكظمون، وينتظرون الفرج، ويؤملون دولة، وهم جند لهم أبدان وأجسام، ومناكب
وكواهل، وهامات ولحى، وشوارب وأصوات هائلة، ولغات فخمة، تخرج من أجواف منكرة.
وبعد، فكأني أتفاءل جانب المشرق فإن مطلع الشمس سراج الدنيا، ومصباح هذا الخلق.
فجاء الأمر كما دبر، وكما قدر، فإن كان الرأي الذي رأى صواباً فقد وافق الرشاد،
وطبق المفصل، وإن كان ذلك عن روآية متقدمة، فلم يتلق تلك الروآية إلا عن نبوة. ويقول الطالبيون:
منا رجل مكث ستين سنة خليفة، وهو معد بن الطاهر صاحب مصر، وهذه مدة لم يبلغها
خليفة ولا ملك من ملوك العرب في قديم الدهر ولا في حديثه. وأما
العنابس، فإنما سموا بذلك لأن حرب بن أمية كان أسمه عنبسة، وأما حرب فلقبه، ذكر ذلك النسابون، ولما كان حرب أمثلهم سموا جماعتهم
بأسمه، فقيل: العنابس، كما يقال: المهالبة والمناذرة،
ولهذا المعنى سمي أبو سفيان بن حرب بن عنبسة، وسمي سعيد بن العاص بن عنبسة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفهرس الجزء الخامس عشرباب المختار من الخطب والأوامر - ابن ابي الحديد. بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي الحمد لله الواحد العدل.
القول في أسماء الذين تعاقدوا
من قريش على قتل رسول الله
(ص) وما أصابوه به في
المعركة يوم الحرب..
القول في الملائكة هل نزلت
بأحد وقاتلت أم لا..
القول في مقتل حمزة بن عبد
المطلب رضي الله عنه.
القول فيمن ثبت مع رسول الله
صلى الله عليه وآله يوم أحد. القول فيما جرى للمسلمين بعد
إصعادهم في الجبل..
القول فيما جرى للمشركين بعد
انصرافهم إلى مكة.
القول في مقتل أبي عزة الجمحي
ومعاوية بن المغيرة بن أبي العاص ابن أمية. القول في مقتل المجذر بن زياد
البلوي والحارث بن يزيد بن الصامت... القول فيمن مات من المسلمين
بأحد جملة.
القول فيمن قتل من المشركين
بأحد.
القول في خروجه ص بعد انصرافه
من أحد إلى المشركين ليوقع بهم الوهن.. في شرح غزاة مؤتة نذكرها من
كتاب الواقدي..
ومن وصية له وصى بها جيشاً
بعثه إلى العدو.
ومن وصية له وصى بها معقل بن
قيس الرياحي حين أنفذه إلى الشام له.. ومن كتاب له إلى أميرين من
أمراء جيشه.
ومن وصية له لعسكره بصفين قبل
لقاء العدو.
قصة فيروز بن يزد جرد بن
بهرام.
وكان يقول إذا لقي العدو
محارباً
ومن كتاب له إلى معاوية
جواباً عن كتاب منه إليه. ما حدث بين علي ومعاوية يوم
صفين...
ومن كتاب له إلى عبد الله بن
عباس وهو عامله على البصرة ومن كتاب له عليه السلام إلى
بعض عماله..
ومن كتاب له إلى زياد بن أبيه
وهو خليفة عامله عبد الله بن عباس على البصرة ومن كتاب له إلى عبد الله بن
العباس...
قال قبل موته على سبيل الوصية
لما ضربه ابن ملجم لعنه الله... ومن وصية له بما يعمل في
أمواله..
ومن وصية له كان يكتبها لمن
يستعمله على الصدقات وإنما ذكرنا هنا جملاً منها ...........
ومن عهد له إلى بعض عماله وقد
بعثه على الصدقة.
ومن عهد له إلى محمد بن أبي
بكر رضي الله عنه حين قلده مصر.... ومن كتاب إلى معاوية جواباً
وهو من محاسن الكتب.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الجزء
الخامس عشرباب
المختار من الخطب والأوامر - ابن ابي الحديد |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول في أسماء الذين تعاقدوا من قريش على قتل رسول
الله صلى الله عليه وآله وما أصابوه به في المعركة يوم الحرب
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي:
تعاقد من قريش على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد
الله بن شهاب الزهر في وابن قميئة أحد بني الحارث بن فهر، وعتبة بن أبي وقاص
الزهري، وأبي بن خلف الجمحي. فلما أتى خالد بن الوليد من وراء المسلمين، واختلطت
الصفوف، ووضع المشركون السيف في المسلمين، رمى عتبة بن
أبي وقاص رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة
أحجار، فكسر رباعيته، وشجه في وجهه حتى غاب حلق
المغفر في وجنتيه، وأدمى شفتيه. قال: فأنظر إلى طلحة بن عبيد الله آخذاً
بحضنه حتى قام. قال سعد:
فلقد شفاني من عتبة أخي دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولقد حرصت على
قتله حرصاً ما حرصت على شيء قط، وإن كان ما علمت لعاقاً بالوالد، سيىء الخلق،
ولقد تخرقت صفوف المشركين مرتين أطلب أخي لأقتله، ولكنه
راغ مني روغان الثعلب، فلما كان الثالثة قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: يا عبد الله ما تريد؟ أتريد أن تقتل نفسك؟ فكففت. فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم:
اللهم لا تحولن الحول على أحد منهم. قال سعد: فوالله ما حال الحول على أحد ممن
رماه أو جرحه. مات عتبة، وأما ابن قميئة فاختلف
فيه، فقائل يقول: قتل في المعرك وقائل يقول: إنه رمى بسهم في ذلك اليوم فأصاب مصعب بن عمير فقتله، فقال: خذها وأنا ابن قميئة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: أقمأه الله، فعمد
إلى شاة يحتلبها فتنطحه لقرنها وهو معتلقها فقتلته. فوجد ميتاً
بين الجبال لدعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان عدو الله رجع إلى
أصحابه فأخبرهم أنه قتل محمداً. قال: وحدثني بعض قريش أن أفعى نهشت عبد
الله بن شهاب في طريقه إلى مكة فمات. قال: وسألت
بعض بني زهرة عن خبره، فأنكروا أن يكون رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم دعا عليه، أو يكون شج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقالوا: إن الذي شجه في وجهه
عبد الله بن حميد الأسدي. قال: فتطايرنا عنه تطائر الشعارير، ولم
يكن أحد يشبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا جد الجد، ثم طعنه بالحربة
في عنقه وهو على فرسه لم يسقط، إلا أنه خار كما يخور الثور، فقال
له أصحابه: أبا عامر، والله ما بك بأس، ولو كان هذا الذي بك بعين أحدنا ما ضره. قال:
واللات والعزى، لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا كلهم أجمعون، أليس قال:
لأقتلنه! فاحتملوه، وشغلهم ذلك عن طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله حتى
التحق بعظم أصحابه في الشعب. قال: فإني
لأسير ببطن رابغ بعد ذلك، وقد مضى هوي من الليل إذا نار تأجج، فهبتها، وإذا رجل
يخرج منها في سلسلة يجتذبها يصيح: العطش، وإذا رجل يقول: لا تسقه، فإن هذا قتيل
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
هذا أبي بن خلف، فقلت: ألا سحقاً! ويقال: إنه مات بسرف |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول في الملائكة هل نزلت بأحد وقاتلت أم لا
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي:
حدثني الزبير بن سعيد، عن عبد الله بن الفضل، قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم مصعب بن عمير اللواء فقتل، فأخذه ملك
في صورة مصعب فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم يقول له في آخر النهار: تقدم يا مصعب، فالتفت
إليه الملك، فقال: لست بمصعب، فعرف رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم أنه ملك أيد به. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول في مقتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي:
كان وحشي عبداً لابنة الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، ويقال: كان لجبير بن
مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، فقالت له ابنة
الحارث: إن أبي قتل يوم بدر، فإن أنت قتلت أحد
الثلاثة فأنت حر: محمد، وعلي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، فإني لا أرى في القوم كفؤاً لأبي غيرهم. فقال وحشي:
أما محمد فقد علمت أني لا أقدر عليه، وإن أصحابه لن يسلموه، وأما حمزة فوالله لو
وجدته نائما ما أيقظته من هيبته، وأما علي فألتمسه. قال وحشي:
فكنت يوم أحد ألتمسه، فبينا أنا في طلبه طلع علي، فطلع رجل حذر مرس كثير
الالتفات، فقلت: ما هذا بصاحبي الذي ألتمس، إذ رأيت حمزة يفري الناس فرياً،
فكمنت له إلى صخرة وهو مكبس له كتيت، فاعترض له سباع بن أم نيار، وكانت أمه ختانة بمكة، مولاة لشريف بن علاج بن عمرو بن
وهب الثقفي، وكان سباع يكنى أبا نيار، فقال له حمزة:
وأنت أيضاً يا بن مقطعة البظور ممن يكثر علينا! هلم إلي، فاحتمله، حتى
إذا برقت قدماه رمى به فبرك عليه، فشحطه شحط الشاة، ثم أقبل علي مكباً حين رآني،
فلما بلغ المسيل، وطىء على جرف فزلت قدمه، فهززت حربتي
حتى رضيت منها، فأضرب بها في خاصرته حتى خرجت من مثانته؛ وكر عليه طائفة
من أصحابه فأسمعهم يقولون: أبا عمارة، فلا يجيب، فقلت:
قد والله مات الرجل، وذكرت هنداً وما لقيت على أبيها وعمها وأخيها، وانكشف عنه
أصحابه حين أيقنوا بموته، ولا يروني، فأكر عليه فشققت بطنه، فاستخرجت كبده، فجئت
بها إلى هند بنت عتبة، فقلت: ماذا لي إن قتلت قاتل أبيك؟ قالت: سلني؛ فقلت: هذه كبد حمزة، فمضغتها ثم لفظتها، فلا أدري:
لم تسغها أو قذرتها؛ فنزعت ثيابها وحليها فأعطتنيه، ثم قالت: إذا جئت مكة فلك
عشرة دنانير، ثم قالت: أرني مصرعه، فأريتها مصرعه،
فقطعت مذاكيره، وجدعت أنفه، وقطعت أذنيه، ثم جعلت ذلك مسكتين ومعضدين
وخدمتين؛ حتى قدمت بذلك مكة وقدمت بكبده أيضاً معها. فقال: إني كنت
عبداً لجبير بن مطعم بن عدي، فلما خرج الناس إلى أحد
دعاني فقال: قد رأيت مقتل طعيمة بن عدي، قتله حمزة بن عبد المطلب يوم
بدر، فلم تزل نساؤنا في حزن شديد إلى يومي هذا، فإن قتلت حمزة فأنت حر؛ فخرجت مع
الناس ولي مزاريق كنت أمر بهند بنت عتبة فتقول: إيه أبا دسمة! اشف واشتف. فلما
وردنا أحداً نظرت إلى حمزة يقدم الناس يهدهم هداً، فرآني وقد كمنت له تحت شجرة،
فأقبل نحوي، وتعرض له سباع الخزاعي، فأقبل إليه وقال: وأنت أيضاً يا بن مقطعة
البظور ممن يكثر علينا هلم إلي، وأقبل نحوه حتى رأيت برقان رجليه، ثم ضرب به
الأرض وقتله، وأقبل نحوي سريعاً، فيعترض له جرف فيقع فيه، وأزرقه بمزراق فيقع في
لبته حتى خرج من بين رجليه. فقتله، ومررت بهند بنت عتبة فآذنتها، فأعطتني ثيابها
وحليها، وكان في ساقيها خدمتان من جزع ظفار ومسكتان من ورق، وخواتيم من ورق كن
في أصابع رجليها، فأعطتني بكل ذلك؛ وأما مسيلمة فإنا
دخلنا حديقة الموت يوم اليمامة فلما رأيته زرقته بالمزراق، وضربه رجل من
الأنصار بالسيف؛ فربك أعلم أينا قتله! إلا أني
سمعت امرأة تصيح فوق جدار: قتله العبد الحبشي. قال عبيد الله: فقلت: أتعرفني؟ فأكر بصره علي وقال: ابن عدي لعاتكة بنت العيص؟ قلت: نعم، قال: أما
والله ما لي بك عهد بعد أن دفعتك إلى أمك في محفتك التي كانت ترضعك فيها، ونظرت
إلى برقان قدميك حتى كأنه الآن.
قال:
فأجابتها هند بنت أثاثة بن المطلب بن عبد مناف:
قال محمد بن إسحاق: ومن الشعر الذي ارتجزت به هند بنت عتبة يوم أحد:
قال محمد بن إسحاق: حدثني صالح بن كيسان، قال: حدثت أن عمر بن الخطاب قال
لحسان: يا أبا الفريعة، لو سمعت ما تقول هند! ولو رأيت شرها قائمة على صخرة
ترتجز بنا، وتذكر ما صنعت بحمزة! فقال حسان:
والله إني لأنظر إلى الحربة تهوي وأنا على فارع - يعني أطمة- فقلت: والله إن هذه
لسلاح ليس بسلاح العرب، وإذا بها تهوي إلى حمزة ولا أدري، ولكن أسمعني بعض قولها
أكفيكموها، فأنشده عمر بعض ما قالت؟ فقال حسان يهجوها:
وقال
أيضاً يهجوها:
في أبيات كرهت ذكرها لفحشها. قال:
فلما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي نسوة من الأنصار لقيته وأصحابه أوزاع، فأول من لقيت
علي بن أخي فقال: ارجعي يا عمة، فإن في الناس تكشفاً، فقلت:
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: صالح، قلت: ادللني عليه حتى
أراه، فأشار إليه إشارة خفيةً، فانتهيت إليه وبه الجراحة.
حتى انتهى إلى الحارث، ووجد حمزة مقتولاً، فجاء فأخبر النبي صلى الله
عليه وآله وسلم، فأقبل يمشي حتى وقف عليه فقال: ما وقفت موقفاً قط أغيظ إلي من هذا الموقف. فطلعت صفية، فقال: يا زبير، اغن عني أمك، وحمزة يحفر
له، فقال الزبير يا أمه، إن في الناس تكشفاً، فارجعي، فقالت: ما أنا بفاعلة حتى
أرى رسول الله صلى الله وآله عليه وسلم، فلما رأته قالت: يا رسول الله، أين ابن
أمي حمزة؟ فقال: هو في الناس؛ قالت: لا أرجع حتى أنظر إليه، قال الزبير: فجعلت أطدها إلى الأرض حتى دفن وقال رسول الله صلى الله وآله عليه وسلم: لولا أن تحزن نساؤنا لذلك لتركناه للعافية، يعني السباع
والطير حتى يحشر يوم القيامة من بطونها وحواصلها. بئس القوم كانوا لنبيهم. قال: وأنا أسألك يا رسول الله أخرى، أن تلي
تركتي من بعدي. فقال له: نعم، فخرج عبد الله فقتل ومثل له كل
المثل، ودفن هو وحمزة في قبر واحد، وولي تركته رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، فاشترى لأمه مالاً بخيبر. قالت: من
يا رسول الله، قال: أخوك عبد الله، قالت: "إنا لله وإنا إليه راجعون "
غفر الله له ورحمه وهنيئاً له الشهادة، ثم قال: احتسبي، قالت: من يا رسول الله؟ قال: بعلك مصعب بن عمير، فقالت: واحزناه! ويقال: إنها قالت:
واعقراه. فدعا رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم لولده أن
يحسن الله عليهم الخلف، فتزوجت طلحة بن عبيد الله،
فولدت منه محمد بن طلحة، فكان أوصل الناس لولد مصعب بن عمير. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول فيمن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وآله
يوم أحد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي:
حدثني موسى بن يعقوب، عن عمته، عن أمها، عن المقداد، قال: لما تصاف القوم للقتال
يوم أحد، جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحت راية مصعب بن عمير، فلما
قتل أصحاب اللواء وهزم المشركون الهزيمة الأولى، وأغار المسلمون على معسكرهم
ينهبونه، ثم كر المشركون على المسلمين، فأتوهم من خلفهم، فتفرق الناس، ونادى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أصحاب الألوية، فقتل مصعب بن عمير حامل
لوائه صلى الله عليه وآله وسلم، وأخذ راية الخزرج سعد
بن عبادة، فقام رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم تحتها، وأصحابه محدقون به،
ودفع لواء المهاجرين إلى أبي الردم أحد بني عبد الدار آخر نهار ذلك اليوم، ونظرت
إلى لواء الأوس مع أسيد بن حضير، فناوشوا
المشركين ساعة، واقتتلوا على اختلاط من الصفوف، ونادى المشركون بشعارهم: يا
للعزى! يا لهبل! فأوجعوا والله فينا قتلاً ذريعاً، ونالوا من رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ما نالوا؛ لا والذي بعثه بالحق ما زال شبراً واحداً، إنه لفي وجه
العدو وتثوب إليه طائفة من أصحابه مرة، وتتفرق عنه مرة، فربما رأيته قائماً يرمي
عن قوسه أو يرمي بالحجر حتى تحاجزوا، وكانت العصابة
التي ثبتت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعة عشر رجلاً، سبعة من
المهاجرين، وسبعة من الأنصار، أما المهاجرون فعلي
عليه السلام وأبو بكر وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله
وأبو عبيدة بن الجراح والزبير بن العوام، وأما الأنصار
فالحباب بن المنذر وأبو دجانة وعاصم بن ثابت بن أبي
الأقلح والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير. ومن روى ذلك
جعلهما مكان سعد بن معاذ وأسيد بن حضير. روى الواقدي قال:
كان بين عثمان أيام خلافته وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فأرسل عبد الرحمن إلى الوليد بن عقبة فدعاه، فقال: اذهب إلى
أخيك فأبلغه عني ما أقول لك، فإني لا أعلم أحداً يبلغه غيرك. قال الوليد: أفعل. قال قل له: يقول لك عبد الرحمن: شهدت
بدراً ولم تشهدها. وثبت يوم أحد ووليت، وشهدت بيعة الرضوان ولم تشهدها، فلما
أخبره قال عثمان: صدق أخي، تخلفت عن بدر على ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وهي مريضة، فضرب لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسهمي وأجري، فكنت
بمنزلة من حفر بدراً، ووليت يوم أحد، فعفا الله عني في محكم كتابه. وأما بيعة الرضوان فإني خرجت إلى أهل مكة،
بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وقال: إن عثمان في طاعة الله وطاعة رسوله، وبايع عني بإحدى يديه على الأخرى،
فكان شمال النبي خيراً من يميني فلما جاء الوليد إلى عبد الرحمن بما قال قال:
صدق أخي. قال: وسأل رجل عبد الله بن عمر عن عثمان فقال: أذنب
يوم أحد ذنباً عظيماً، فعفا الله عنه، وأذنب فيكم ذنباً صغيرا فقتلتموه؛ واحتج
من روى أن عمر فر يوم أحد بما روي أنه جاءته في أيام خلافته امرأة تطلب برداً من
برود كانت بين يديه، وجاءت معها بنت لعمر تطلب برداً أيضاً، فأعطى المرأة ورد
ابنته، فقيل له في ذلك، فقال: إن أبا هذه ثبت يوم أحد، وأبا هذه فر يوم أحد ولم
يثبت. فانكشفوا، وهذا يدل على أن رقيه في الجبل قد كان
بعد إصعاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فيه، وهذا بأن يكون منقبةً له أشبه. قال: ليس في الصحابة من يحتشم ويستحيا من
ذكره بالفرار وما شابهه من العيب، فيضطر القائل
إلى الكناية إلا هما قلت له: هذا وهم، فقال: دعنا من جدلك ومنعك، ثم حلف أنه ما عنى الواقدي
غيرهما، وأنه لو كان غيرهما لذكره صريحاً،وبان في وجهه التنكر من مخالفتي له. وكان ممن ولى عمر وعثمان والحارث بن حاطب وثعلبة بن
حاطب وسواد بن غزية وسعد بن عثمان وعقبة بن عثمان وخارجة بن عمر بلغ ملل، وأوس
بن قيظي في نفر من بني حارثة بلغوا الشقرة ولقيتهم أم أيمن تحثي في وجوههم
التراب وتقول لبعضهم: هاك المغزل فاغزل به، وهلم. واحتج من قال بفرار عمر بما رواه الواقدي
في كتاب المغازي في قصة الحديبية، قال: قال عمر
يومئذ: يا رسول الله، ألم تكن حدثتنا أنك ستدخل المسجد الحرام وتأخذ مفتاح
الكعبة وتعرف مع المعرفين، وهدينا لم يصل إلى البيت ولا نحر! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
أقلت لكم في سفركم هذا؟ قال عمر: لا، قال: أما
إنكم ستدخلونه وآخذ مفتاح الكعبة وأحلق رأسي ورؤوسكم ببطن مكة وأعرف مع
المعرفين؛ ثم أقبل على عمر وقال: أنسيتم يوم أحد،
"إذ تصعدون ولا تلوون على أحد" وأنا
أدعوكم في أخراكم! أنسيتم يوم الأحزاب "إذ
جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر"!
أنسيتم يوم كذا! وجعل يذكرهم أموراً، أنسيتم يوم كذا! فقال المسلمون: صدق الله وصدق رسوله،
أنت يا رسول الله أعلم بالله منا، فلما دخل عام القضية
وحلق رأسه قال: هذا الذي كنت وعدتكم به، فلما
كان يوم الفتح وأخذ مفتاح الكعبة قال: ادعوا إلي عمر بن الخطاب، فجاء فقال: هذا الذي كنت قلت لكم. قالوا: فلو لم يكن
فر يوم أحد لما قال له: أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول فيما جرى للمسلمين بعد إصعادهم في الجبل
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي:
حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم، عن أبيه قال: لما صاح الشيطان لعنه الله: إن
محمداً قد قتل يحزنهم بذلك، تفرقوا في كل وجه، وجعل الناس يمرون على النبي صلى
الله عليه وآله وسلم لا يلوي عليه أحد منهم، ورسول الله يدعوهم في أخراهم، حتى
انتهت هزيمة قوم منهم إلى المهراس، فتوجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يريد أصحابه في الشعب فانتهى إلى الشعب وأصحابه في الجبل أوزاع، يذكرون مقتل من
قتل منهم، ويذكرون ما جاءهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال كعب بن
مالك: فكنت أول من عرفه وعليه المغفر، فجعلت أصيح وأنا في الشعب: هذا رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم حي، فجعل يومىء إلي بيده على فيه أي اسكت، ثم دعا
بلأمتي فلبسها ونزع لأمته. قال الواقدي: وروي أنه لما طلع عليهم في النفر الذين ثبتوا معه - وهم أربعة
عشر، سبعة من المهاجرين، وسبعة من
الأنصار - جعلوا يولون في الجبل خائفين منهم يظنونهم
المشركين، جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتبسم إلى أبى بكر وهو
على جنبه ويقول له: ألح إليهم، فجعل أبو بكر يليح إليهم وهم لا يعرجون حتى نزع أبو دجانة عصابة حمراء على رأسه فأوفى على
الجبل، فجعل يصيح ويليح، فوقفوا حتى عرفوهم ولقد وضع أبو بردة بن نيار سهماً على
كبد قوسه، فأراد أن يرمي به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، فلما
تكلموا وناداهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمسك، وفرح المسلمون برؤيته حتى كأنهم لم تصبهم في أنفسهم مصيبة،
وسروا لسلامته وسلامتهم من المشركين. قال: وقال
الزبير بن العوام: غشينا النعاس فما منا رجل إلا وذقنه في صدره من النوم، فأسمع
معتب بن قشير - وكان من المنافقين -
يقول وإني لكالحالم: "لو كان لنا من الأمر شيء
ما قتلنا ههنا"، فأنزل الله تعالى فيه ذلك. قلت له: فإذا كان هذا قد خطر لهم، فلماذا صعدوا في
الجبل. قال الواقدي:
حدثني الضحاك بن عثمان، عن حمزة بن سعيد، قال: لما تحاجزوا وأراد أبو سفيان الإنصراف، أقبل يسير على فرس له
حوراء، فوقف على أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وهم في عرض الجبل، فنادى بأعلى صوته: اعل هبل،
ثم صاح: أين ابن أبي كبشة؟ يوم بيوم بدر، ألا إن الأيام دول. فيقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: نهاهم
صفوان. فلما رآهم
سعد على تلك الحال منطلقين وقد دخلوا في المكمن رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو كالمنكسر
فقال: وجه القوم يا رسول الله إلى مكة، امتطوا الإبل
وجنبوا الخيل. فقال: ما تقول؟
قلت: ما قلت يا رسول الله، فخلا بي فقال: أحقاً ما تقول؟ قلت: نعم يا رسول الله،
قال: فما بالي رأيتك منكسراً؟ فقلت: كرهت أن آتي المسلمين فرحاً بقفولهم إلى
بلادهم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إن سعداً لمجرب. قال
الواقدي: وقيل لعمرو بن العاص: كيف كان افتراق المسلمين والمشركين يوم أحد؟
فقال: ما تريدون إلى ذلك! قد جاء الله بالإسلام، ونفى
الكفر وأهله، ثم قال: لما كررنا عليهم أصبنا من أصبنا منهم وتفرقوا في كل وجه،
وفاءت لهم فئة بعد؛ فتشاورت قريش، فقالوا: لنا الغلبة، فلو انصرفنا، فإنه بلغنا
أن ابن أبي انصرف بثلث الناس، وقد تخلف الناس من الأوس والخزرج، ولا نأمن أن
يكروا علينا، وفينا جراح، وخيلنا عامتها قد عقرت من النبل، فمضينا، فما بلغنا
الروحاء حتى قام علينا عدة منها؛ وانصرفنا إلى مكة. وقال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: عليكم
صاحبكم، يعني طلحة، فأخذ أبو عبيدة بثنيته حلقة المغفر، فنزعها وسقط على ظهره،
وسقطت ثنية أبي عبيدة، ثم أخذ الحلقة بثنيته الأخرى، فكان أبو عبيدة في الناس
أثرم. ويقال: إن الذي نزع الحلقتين من وجه رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم عقبة بن وهب بن كلدة؛
ويقال: أبو اليسر. فقيل لمالك: تشرب الدم! فقال: نعم؛ أشرب دم
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: من مس دمه دمي لم تصبه النار. قال الواقدي: وخرجت فاطمة عليها السلام في نساء، وقد رأت الذي
بوجه أبيها صلى الله عليه وآله وسلم، فاعتنقته، وجعلت تمسح الدم عن وجهه، ورسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسوله. وذهب
علي عليه السلام فأتى بماء من المهراس، وقال لفاطمة: امسكي هذا السيف غير ذميم،
فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مختضباً بالدم، فقال: لئن كنت
أحسنت القتال اليوم، فلقد أحسن عاصم بن ثابت والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف،
وسيف أبي دجانة غير مذموم؛ هكذا
روى الواقدي.
فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لئن كنت صدقت
القتال اليوم لقد صدق معك سماك بن خرشة، وسهل ابن حنيف. قال: فأنا وسط القتلى لتعرفهم، إذ مررت به
صريعاً في الوادي، فناديته فلم يجب، ثم قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم أرسلني إليك. قال: فتنفس كما يتنفس الطير؛ ثم قال: وإن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم لحي! قلت: نعم، وقد أخبرنا أنه شرع لك اثنا عشر
سناناً، فقال: طعنت اثنتي عشرة طعنة كلها أجافتني، أبلغ قومك الأنصار السلام وقل
لهم: الله الله وما عاهدتم عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة العقبة!
والله ما لكم عذر عند الله إن خلص إلى نبيكم ومنكم عين تطرف؛ فلم أرم من عنده
حتى مات؛ فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته، فرأيته استقبل القبلة رافعاً يديه يقول: اللهم
الق سعد بن الربيع وأنت عنه راض" قال الواقدي:
وخرجت السمداء بنت قيس؛ إحدى نساء بني دينار،
وقد أصيب ابناها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأحد: النعمان بن عبد عمر، وسليم بن الحارث، فلما نعيا لها قالت: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قالوا: بخير، هو بحمد الله صالح على
ما تحبين، فقالت: أرونيه أنظر إليه، فأشاروا لها إليه، فقالت:
كل مصيبة بعدك يا رسول الله جلل! وخرجت تسوق بابنيها بعيراً، تردهما إلى
المدينة؛ فلقيتها عائشة؛ فقالت: ما وراءك؟ فأخبرتها،
قالت: فمن هؤلاء معك؟ قالت ابناي؛ حل حل تحملهما إلى القبر. قال الواقدي: وكان حمزة بن عبد المطلب أول من جيء به إلى النبي صلى الله عليه وآله
وسلم
بعد انصراف قريش - أو كان من أولهم - فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، ثم قال: رأيت الملائكة تغسله - قالوا: لأن حمزة
كان جنباً ذلك اليوم - ولم يغسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الشهداء
يومئذ، وقال: لفوهم لدمائهم وجراحهم، فإنه ليس أحد يجرح في سبيل الله إلا
جاء يوم القيامة لون جرحه لون الدم، وريحه ريح المسك، ثم
قال: ضعوهم فأنا الشهيد على هؤلاء يوم القيامة، وكان حمزة أول من كبر عليه
أربعاً، ثم جمع إليه الشهداء فكان كلما أتي بشهيد وضع إلى جنب حمزة فصلى عليه
وعلى الشهيد، حتى صلى عليه سبعين مرة، لأن الشهداء سبعون. قال الواقدي: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزور قتلى أحد في كل حول، وإذا لقوه بالشعب رفع صوته يقول: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار! وكان أبو بكر يفعل مثل ذلك، وكذلك عمر بن الخطاب؛ ثم عثمان،
ثم معاوية، حين يمر حاجاً ومعتمراً. قال: ومر رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم على قبر مصعب بن عمير، فوقف
عليه، ودعا وقرأ: "من المؤمنين رجال
صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا
تبديلاً"، ثم قال: إن هؤلاء شهداء عند
الله يوم القيامة، فائتوهم فزوروهم وسلموا عليهم، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم
أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه. وكان أبو سعيد الخدري يقف على قبر حمزة فيدعو
ويقرأ ويقول مثل ذلك. اللهم إني أسألك من بركتك ورحمتك وفضلك
وعافيتك، اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إني أسألك
الأمن يوم الخوف، والغناء يوم الفاقة، عائذاً بك اللهم من شر ما أعطيت، ومن شر
ما منعمت، اللهم توفنا مسلمين، اللهم حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكره
إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم عذب كفرة أهل الكتاب
الذين يكذبون رسلك، ويصدون عن سبيلك، اللهم أنزل عليهم رجسك وعذابك إله الحق،
آمين! قال
الواقدي: وأقبل حتى نزل ببني حارثة يميناً حتى طلع على
بني عبد وهم يبكون على قتلاهم، فقال: لكن حمزة لا بواكى له! فخرج النساء
ينظرن إلى سلامة رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم، فخرجت إليه أم عامر الأشهلية، وتركت
النوح، فنظرت إليه وعليه الدرع كما هي، فقالت: كل مصيبة
بعدك جلل. وخرجت كبشة بنت عتبة بن معاوية بن بلحارث بن الخزرج تعدو نحو رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو
واقف على فرسه، وسعد بن معاذ آخذ بعنان فرسه، فقال سعد:
يا رسول الله، أمي، فقال: مرحباً بها! فدنت حتى تأملته، وقالت: إذ رأيتك سالماً
فقد شفت المصيبة. فعزاها بعمرو بن معاذ، ثم قال: يا أم سعد! أبشري وبشري أهليهم أن قتلاهم قد ترافقوا في الجنة
جميعاً وهم اثنا عشر رجلاً، وقد شفعوا في أهليهم،
فقالت: رضينا يا رسول الله، ومن يبكي عليهم بعد هذا! ثم
قالت: يا رسول الله، ادع لمن خلفوا، فقال: اللهم أذهب حزن قلوبهم، وآجر
مصيبتهم، وأحسن الخلف على من خلفوا. ثم قال لسعد بن معاذ:
حل أبا عمرو الدابة، فحل الفرس، وتبعه الناس، فقال: يا أبا عمرو، إن الجراح في
أهل دارك فاشية، وليس منهم مجروح إلا يأتي يوم القيامة جرحه كأغزر ما كان؛ اللون
لون دم، والريح ريح مسك، فمن كان مجروحاً فليقر في داره وليداو جرحه، ولا تبلغ
معي بيتي، عزمة مني. فنادى فيهم سعد: عزمة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألا
يتبعه جريح من بني عبد الأشهل، فتخلف كل مجروح، وباتوا يوقدون النيران ويداوون
الجراح، وإن فيهم لثلاثين جريحاً، ومضى سعد بن معاذ مع
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيته، ثم رجع إلى نسائه فساقهن، فلم تبق امرأة إلا جاء بها إلى
بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فبكين بين المغرب والعشاء، وقام رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم حين
فرغ من النوم لثلث الليل، فسمع البكاء فقال: ما هذا؟
قيل: نساء الأنصار يبكين على حمزة، فقال: رضي الله
تعالى عنكن وعن أولادكن؛ وأمر النساء أن يرجعن إلى منازلهن، قالت أم سعد بن معاذ: فرجعنا إلى بيوتنا بعد ليل ومعنا
رجالنا، فما بكت منا امرأة قط إلا بدأت بحمزة إلى يومنا
هذا. ويقال: إن معاذ بن جبل جاء بنساء بني سلمة، وجاء عبد
الله بن رواحة بنساء بلحارث بن الخزرج، فقال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم:
ما
أردت هذا؛ ونهاهن الغد عن النوح أشد النهي. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول فيما جرى للمشركين بعد انصرافهم إلى مكة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي:
حدثني موسى بن شيبة، عن قطر بن وهب الليثي، قال: لما
تحاجز الفريقان، ووجه قريش إلى مكة، وامتطوا الإبل، وجنبوا الخيل، سار وحشي، عبد
جبير بن مطعم على راحلته أربعاً، فقدم مكة يبشر قريشاً بمصاب المسلمين، فانتهى
إلى الثنية التي تطلع على الحجون فنادى بأعلى صوته: يا معشر قريش،
مراراً، حتى ثاب الناس إليه وهم خائفون أن يأتيهم بما يكرهون، فلما رضي منهم
قال: أبشروا فقد قتلنا من أصحاب محمد مقتلة لم نقتل مثلها في زحف قط، وجرحنا محمداً فأثبتناه بالجراح، وقتلنا رأس الكتيبة حمزة بن
عبد المطلب، فتفرق الناس عنه في كل وجه بالشماتة بقتل أصحاب النبي صلى الله عليه
وآله وسلم وإظهار السرور، وخلا جبير بن مطعم بوحشي، فقال: انظر ما تقول! قال وحشي: قد والله صدقت. قال: قتلت حمزة؟ قال: إي
والله ولقد زرقته بالمزراق في بطنه، فخرج من بين فخذيه، ثم نودي فلم يجب، فأخذت
كبده وحملتها إليك لتراها. فقال: أذهبت حزن نسائنا، وبردت حر قلوبنا؛ فأمر يومئذ نساءه
بمراجعة الطيب والدهن. قال الواقدي:
وقد كان عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي لما انكشف المشركون بأحد في
أول الأمر، خرج هارباً على وجهه، وكره أن يقدم مكة،
فقدم الطائف، فأخبر ثقيفاً أن أصحاب محمد قد ظفروا وانهزمنا، وكنت أول من
قدم عليكم، ثم جاءهم الخبر بعد أن قريشاً ظفرت
وعادت الدولة لها. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول في مقتل أبي عزة الجمحي ومعاوية بن المغيرة بن
أبي العاص ابن أمية بن عبد شمس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي:
أما أبو عزة - واسمه عمرو بن عبد الله بن عمير بن وهب
بن حذافة بن جمح - فإن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم أخذه أسيراً يوم أحد - ولم يؤخذ يوم أحد أسير غيره
فقال: يا محمد، من علي؛ فقال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: إن
المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، لا ترجع إلى مكة تمسح عارضيك،
فتقول: سخرت بمحمد مرتين. ثم أمر عاصم بن ثابت فضرب عنقه. فقال بعضهم: ما كان ليعدو
منزل عثمان، فاطلبوه به، فدخلوا منزل عثمان، فأشارت أم كلثوم إلى الموضع الذي
صيره فيه، فاستخرجوه من تحت حمارة لهم، فانطلقوا به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال عثمان حين رآه: والذي بعثك
بالحق ما جئت إلا لأطلب له الأمان، فهبه لي، فوهبه له،
وأجله ثلاثاً، وأقسم: لئن وجده بعدها يمشي في أرض المدينة وما حولها
ليقتلته. وخرج عثمان فجهزه واشترى له بعيراً، ثم قال: ارتحل. وسار رسول الله عليه صلى الله عليه وآله وسلم إلى حمراء الأسد وأقام
معاوية إلى اليوم الثالث ليعرف أخبار النبي صلى
الله عليه وآله وسلم، ويأتي بها قريشاً،
فلما كان في اليوم الرابع قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: إن معاوية أصبح قريباً لم ينفذ،
فاطلبوه. فأصابوه وقد أخطأ الطريق، فأدركوه، وكان
اللذان أسرعا في طلبه زيد بن حارثة وعمار بن ياسر، فوجداه بالجماء فضربه
زيد بالسيف، وقال عمار: إن لي فيه حقاً، فرمياه بسهم فقتلاه، ثم انصرفا إلى
المدينة بخبره، ويقال: إنه أدرك على ثمانية أميال من
المدينة، فلم يزل زيد وعمار يرميانه بالنبل حتى مات. قال: ويقال: إن علياً عليه السلام هو الذي قتل معاوية بن المغيرة. والصحيح ما ذكره ابن الكلبي من أنه شهد الحرب
كلها، وجدع أنف حمزة، ثم حصل في أيدي
المسلمين بعد انصراف قريش، لأنه تأخر عنهم لعارض عرض له فأدركه حينه،
فقتل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول في مقتل المجذر بن زياد البلوي والحارث بن
يزيد بن الصامت
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي:
كان المجذر بن زياد البلوي حليف بنى عوف بن الخزرج ممن شهد بدراً مع رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت له قصة في الجاهلية قبل
قدوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم
المدينة، وذلك أن حضير الكتائب، والد أسيد بن حضير، جاء إلى بني عمرو بن عوف، فكلم سويد بن
الصامت وخوات بن جبير وأبا لبابة بن عبد المنذر - ويقال سهل بن حنيف - فقال:
هل لكم أن تزوروني فأسقيكم شراباً، وأنحر لكم، وتقيمون عندي أياماً! قالوا: نعم، نحن نأتيك يوم كذا، فلما كان ذلك اليوم
جاؤوه فنحر لهم جزوراً، وسقاهم خمراً، وأقاموا عنده ثلاثة أيام حتى تغير اللحم - وكان سويد بن الصامت يومئذ شيخاً كبيراً- فلما
مضت الأيام الثلاثة قالوا: ما نرانا إلا راجعين إلى
أهلنا! فقال حضير: ما أحببتم! إن أحببتم فأقيموا، وإن أحببتم فانصرفوا،
فخرج الفتيان بسويد بن الصامت يحملانه على جمل من الثمل؛ فمروا لاصقين بالحرة
حتى كانوا قريباً من بني عيينة، فجلس سويد يبول وهو ثمل سكراً، فبصر به إنسان من الخزرج، فخرج حتى أتى المجذر بن زياد،
فقال: هل لك في الغنيمة الباردة! قال: ما هي؟
قال: سويد بن الصامت، أعزل لا سلاح معه، ثمل، فخرج المجذر
بن زياد بالسيف مصلتاً فلما رآه الفتيان وهما أعزلان لا سلاح معهما وليا،
والعداوة بين الأوس والخزرج شديدة. فانصرفا
مسرعين، وثبت الشيخ ولا حراك به، فوقف المجذر بن زياد، فقال: قد أمكن الله منك!
قال: ما تريد بي؟ قال: قتلك. قال: فارفع عن
الطعام، واخفض عن الدماغ، فإذا رجعت إلى أمك، فقل: إني
قتلت سويد بن الصامت. فقتله، فكان
قتله هو الذي هيج وقعة بعاث. وركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقدمه عويم بن ساعدة على باب المسجد، فضرب
عنقه.
فأما البلاذري فإنه ذكر هذا، وقال: ويقال إن الجلاس بن سويد بن الصامت
هو الذي قتل المجذر يوم أحد غيلةً؛ إلا أن شعر حسان يدل على أنه الحارث.
قال البلادري:
جذرة وجذارة أخوان، وهما ابنا عوف بن الحارث بن الخزرج. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول فيمن مات من المسلمين بأحد جملة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي:
ذكر سعيد بن المسيّب وأبو سعيد الخدري أنه قتل من
الأنصار خاصة أحد وسبعون، وبمثله قال مجاهد. وقال قوم
أيضاً: إن أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي جرح يوم
أحد، ومات من تلك الجراحة بعد أيام. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول فيمن قتل من المشركين بأحد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي:
قتل من بني عبد الدار طلحة بن أبي طلحة صاحب لواء قريش؛ قتله علي بن أبي طالب عليه السلام مبارزة، وعثمان بن أبي طلحة؛ قتله
حمزة بن عبد المطلب وأبو سعيد بن أبي طلحة؛ قتله سعد بن أبي وقاص، ومسافع بن
طلحة بن أبي طلحة، قتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، وكلاب بن طلحة بن أبي طلحة؛
قتله الزبير بن العوام والحارث بن طلحة بن أبي طلحة، قتله عاصم بن ثابت، والجلاس
بن طلحة بن أبي طلحة؛ قتله طلحة بن عبيد الله، وأرطاة
بن عبد شرحبيل؛ قتله علي بن أبي طالب عليه السلام وقارظ بن شريح بن عثمان بن عبد الدار -
ويروى قاسط بالسين والطاء المهملتين - قال الواقدي: لا يدرى من قتله، وقال البلاذري: قتله علي بن
أبي طالب عليه السلام، وصواب مولاهم: قتله علي بن أبي طالب عليه السلام
وقيل: قتله قزمان - وأبو عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير، قتله قزمان، فهؤلاء أحد
عشر. ومن بني أسد بن عبد العزى عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد؛ قتله
أبو دجانة في رواية الواقدي، وفي رواية محمد بن إسحاق،
قتله علي بن أبي طالب عليه السلام. قلت: فأما البلاذري فلم يذكر لهم قاتلاً، ولكنه عدهم في جملة من قتل من المشركين بأحد؛ وكذلك ابن إسحاق لم
يذكر من قتلهم، فإن صحت رواية الواقدي فعلي عليه السلام لم يكن قد قتل منهم إلا
واحداً، وإن كانت رواية ابن حبيب صحيحة فالأربعة من قتلاه عليه
السلام. وقد رأيت في بعض كتب أبي الحسن
المدائني أيضاً أن علياً عليه السلام هو الذي قتل بني سفيان
بن عويف يوم أحد، وروى له شعراً في ذلك. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول في خروجه صلى الله عليه وآله بعد انصرافه من
أحد إلى المشركين ليوقع بهم علي ما هو به من الوهن
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الواقدي:
بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن المشركين قد
عزموا أن يردوا إلى المدينة فينهبوها، فأحب أن يريهم قوة، فصلى الصبح يوم
الأحد لثمان خلون من شوال ومعه وجوه الأوس والخزرج،
وكانوا باتوا تلك الليلة في بابه يحرسونه من البيات، فيهم
سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ، والحباب بن المنذر، وأوس بن خولي، وقتادة بن
النعمان في عدة منهم. فلما انصرف من صلاة الصبح أمر
بلالاً أن ينادي في الناس، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمركم
بطلب عدوكم، ولا يخرج معنا إلا من شهد القتال بالأمس، فخرج
سعد بن معاذ راجعاً إلى قومه يأمرهم بالمسير، والجراح
في الناس فاشية، عامة بني عبد الأشهل جريح، بل كلها، فجاء سعد بن معاذ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم يأمركم أن تطلبوا عدوكم. قال: يقول أسيد بن
حضير وبه سبع جراحات، وهو يريد أن يداويها: سمعاً وطاعةً لله ولرسوله! فأخذ سلاحه ولم يعرج على دواء جراحه، ولحق برسول صلى الله
عليه وآله وسلم. فلما نظر إليهم والجراح فيهم فاشية، قال: اللهم ارحم بني سلمة. قال الواقدي: وحدثني عتبة بن جبيرة
عن رجال من قومه؛ أن عبد الله بن سهل ورافع بن سهل من بني عبد الأشهل رجعا من
أحد وبهما جراح كثيرة وعبد الله أثقلهما جرحاً، فلما أصبحا
وجاء سعد بن معاذ قومه يخبرهم أن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يأمرهم بطلب
العدو، قال أحدهما لصاحبه: والله إن تركنا غزاة
مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لغبن،
والله ما عندنا دابة نركبها، ولا ندري كيف نصنع! قال عبد الله انطلق بنا. قال جابر: فلم يخرج معه أحد لم يشهد القتال بالأمس
غيري، واستأذنه رجال لم يحضروا القتال. فأبى ذلك عليهم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلوائه
وهو معقود لم يحل من أمس، فدفعه إلى علي عليه السلام، ويقال: دفعه إلى أبي بكر، فخرج رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مجروح، في وجهه أثر الحلقتين، ومشجوج في جبهته في أصول الشعر،
ورباعيته قد شظيت، وشفته قد كلمت من باطنها، ومنكبه الأيمن موهن بضربة ابن
قميئة، وركبتاه مجحوشتان؛ فدخل المسجد فصلى ركعتين، والناس قد
حشدوا، ونزل أهل العوالي حيث جاءهم الصريخ. ودعا
بفرسه على باب المسجد، وتلقاه طلحة بن عبيد الله، وقد سمع المنادي، فخرج ينظر
متى يسير رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم!
فإذا هو وعليه الدرع والمغفر لا يرى منه إلا عيناه، فقال:
يا طلحة، سلاحك، قال: قريباً، قال طلحة: فأخرج،
وأعدو فألبس درعي وآخذ سيفي، وأطرح درقتي في صدري، وإن بي لتسع جراحات، ولأنا
أهم بجراح رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم مني
بجراحي، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على طلحة، فقال: أين ترى القوم الآن؟ قال: هم بالسيالة فقال رسول
الله صلى الله عليه
وآله وسلم: ذلك
الذي ظننت، أما إنهم يا طلحة لن ينالوا منا مثل أمس حتى يفتح
الله مكة علينا، قال: وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة نفر من أسلم طليعة في آثار القوم،
فانقطع أحدهم، وانقطع قبال نعل الآخر، ولحق الثالث
بقريش وهم بحمراء الأسد، ولهم زجل يأتمرون في الرجوع إلى المدينة، وصفوان بن أمية ينهاهم عن ذلك، ولحق الذي انقطع قبال
نعله بصاحبه، فبصرت قريش بالرجلين، فعطفت عليهما،
فأصابوهما، وانتهى المسلمون إلى مصرعهما بحمراء
الأسد، فقبرهما رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم في قبر واحد، فهما القرينان. قال الواقدي:
وجاء معبد بن أبي معبد الخزاعي - وهو يومئذ مشرك - إلى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت خزاعة سلماً للنبي صلى الله عليه وآله
وسلم، فقال: يا محمد عز علينا ما أصابك في
نفسك، وما أصابك في أصحابك، ولوددنا أن الله تعالى أعلى كعبك، وأن المصيبة كانت
بغيرك، ثم مضى معبد حتى يجد أبا سفيان وقريشاً بالروحاء
وهم يقولون: لا محمداً أصبتم، ولا الكواعب أردفتم، فبئسما صنعتم! وهم مجمعون على الرجوع إلى المدينة، ويقول قائلهم فيما بينهم: ما صنعنا شيئاً، أصبنا
أشرافهم، ثم رجعنا قبل أن نستأصلهم، وقبل أن يكون لهم وفر، وكان المتكلم بهذا عكرمة بن أبي جهل، فلما جاء معبد
إلى أبي سفيان قال: هذا معبد، وعنده الخبر، ما وراءك يا
معبد؟ قال: تركت محمداً وأصحابه خلفي يتحرقون عليكم بمثل النيران، وقد اجتمع معه من تخلف عنه بالأمس من الأوس والخزرج، وتعاهدوا
ألا يرجعوا حتى يلحقوكم فيثأروا منكم، وقد غضبوا
لقومهم غضباً شديداً ولمن أصبتم من إشرافهم. قالوا: ويحك، ما تقول؟ قال:
والله ما أرى أن ترتحلوا حتى تروا نواصي الخيل، ولقد حملني ما رأيت منهم أن قلت
أبياتاً، قالوا: وما هي؟ فأنشدهم هذا الشعر:
وقد كان صفوان بن أمية رد القوم بكلامه قبل أن يطلع معبد، وقال لهم صفوان: يا قوم، لا تفعلوا؛ فإن القوم قد حربوا، وأخشى أن
يجمعوا عليكم من تخلف من الخزرج، فارجعوا والدولة لكم، فإني لا آمن إن رجعتم
إليهم أن تكون الدولة عليكم. قال: فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: أرشدهم صفوان وما كان
برشيد،
ثم قال: والذي نفسي بيده لقد سومت لهم الحجارة، ولو رجعوا لكانوا كأمس الذاهب،
قال: فانصرف القوم سراعاً خائفين من الطلب لهم، ومر
بأبي سفيان قوم من عبد القيس يريدون المدينة، فقال لهم: هل أنتم مبلغو
محمد وأصحابه ما أرسلكم به؛ على أن أوقر لكم أباعركم زبيباً غداً بعكاظ؛ إن أنتم
جئتموني! قالوا: نعم، قال: حيثما لقيتم محمداً وأصحابه
فأخبروهم أنا قد أجمعنا الرجعة إليهم، وأنا آثاركم. وانطلق أبو سفيان إلى
مكة، وقدم الركب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بالحمراء
فأخبروهم بالذي أمرهم أبو سفيان، فقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانزل ذلك في
القران، وأرسل معبد رجلاً من خزاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمه أنه قد انصرف أبو سفيان وأصحابه خائفين
وجلين،
فانصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بعد ثلاث إلى المدينة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في شرح غزاة مؤتة نذكرها من كتاب الواقدي
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ونزيد على ذلك ما رواه محمد بن إسحاق في كتابه
على عادتنا فيما تقدم قال الواقدي: حدثني ربيعة بن عثمان عن عمر بن الحكم،
قال:
بعث رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم الحارث بن عمير الأزدي في سنة ثمان
إلى ملك بصرى بكتاب، فلما نزل مؤتة عرض له
شرحبيل بن عمرو الغساني، فقال: أين تريد؟ قال: الشام، قال:
لعلك من رسل محمد. قال: نعم، فأمر به فأوثق رباطاً ثم قدمه فضرب عنقه، ولم يقتل
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رسول غيره، وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فاشتد عليه،
وندب الناس وأخبرهم بمقتل الحارث، فأسرعوا وخرجوا، فعسكروا بالجرف، فلما صلى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر
جلس وجلس أصحابه حوله، وجاء النعمان بن مهض اليهودي
فوقف مع الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: زيد بن حارثة أمير الناس، فإن قتل
زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن
رواحة، فإن أصيب ابن رواحة فليرتض
المسلمون من بينهم رجلاً فليجعلوه عليهم. ثم جعل اليهودي يقول لزيد بن حارثة: اعهد فلا ترجع إلى محمد أبداً إن كان نبياً. قال زيد: أشهد أنه نبي صادق فلما أجمعوا
المسير وعقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم
اللواء بيده دفعه إلى زيد بن حارثة، وهو لواء أبيض، ومشى الناس إلى أمراء رسول
الله صلى الله عليه وآله
وسلم يودعونهم ويدعون لهم وكانوا ثلاثة آلاف، فلما ساروا في
معسكرهم ناداهم المسلمون: دفع الله عنكم، وردكم صالحين سالمين غانمين، فقال عبد الله بن رواحة:
قلت:
اتفق المحدثون على أن زيد بن حارثة كان هو الأمير الأول، وأنكرت الشيعة ذلك، وقالوا: كان جعفر بن أبي طالب هو
الأمير الأول، فإن قتل فزيد بن حارثة،
فإن قتل فعبد الله بن رواحة، ورووا في ذلك
روايات، وقد وجدت في الأشعار التي ذكرها محمد بن
إسحاق في كتاب المغازي ما يشهد لقولهم، فمن ذلك ما رواه عن حسان بن ثابت وهو:
ومنها
قول كعب بن مالك الأنصاري من قصيدة أولها:
قال الواقدي:
فحدثني ابن أبي سبرة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن رافع بن إسحاق، عن
زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطبهم
فأوصاهم فقال: أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيراً، اغزوا باسم الله
وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً،
وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث:
فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم، واكفف عنهم، ادعهم إلى الدخول في الإسلام، فإن
فعلوا فاقبل واكفف. ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى المهاجرين، فإن فعلوا فأخبرهم أن
لهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين. وإن دخلوا في الإسلام واختاروا دارهم فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب
المسلمين، يجري عليهم حكم الله، ولا يكون لهم في الفيء ولا في الغنيمة شيء، إلا
أن يجاهدوا مع المسلمين،
فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإن أنت حاصرت أهل
حصن أو مدينة فأرادوا أن تستنزلهم على حكم الله فلا تستنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم
أم لا! وإن حاصرت أهل حصن أو مدينة وأرادوا أن تجعل لهم ذمة الله وذمة
رسول الله فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة رسول الله، ولكن
اجعل لهم ذمتك وذمة أبيك وأصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم آبائكم خير
لكم من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله. فقال ابن رواحة: لا أسألك عن شيئ بعدها.
قال محمد بن إسحاق: فلما ودع المسلمين بكى، فقالوا له: ما يبكيك يا عبد الله؟
قال: والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة إليها، ولكني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ: "وإن منكم إلا واردها"، فلست أدري كيف لي بالصدر
بعد الورود! قال الواقدي:
وكان زيد بن أرقم يحدث، قال: كنت يتيماً في حجر عبد الله بن رواحة، فلم أر والي يتيم كان خيراً لي
منه، خرجت معه في وجهة إلى مؤتة وصب بي وصببت به، فكان يردفني خلف رحله، فقال
ذات ليلة وهو على راحلته بين شعبتي رحله:
فلما
سمعت منه هذا الشعر بكيت، فخفقني بالدرة وقال: وما عليك يا
لكع أن يرزقني الله الشهادة فأستريح من الدنيا ونصبها، وهمومها وأحزانها
وأحداثها، وترجع أنت بين شعبتي الرحل! قال
الواقدي: ومضى المسلمون فنزلوا وادي القرى فأقاموا به
أياماً، وساروا حتى نزلوا بمؤتة، وبلغهم أن هرقل ملك
الروم قد نزل ماء من مياه البلقاء في بكر وبهراء ولخم وجذام وغيرهم مائة ألف
مقاتل، وعليهم رجل من بلي، فأقام المسلمون
ليلتين ينظرون في أمرهم، وقالوا: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنخبره
الخبر؛ فإما أن يردنا أو يزيدنا رجالاً؛ فبينا الناس
على ذلك من أمرهم جاءهم عبد الله بن رواحة فشجعهم، وقال: والله ما كنا
نقاتل الناس بكثرة عدة ولا كثرة سلاح ولا كثرة خيل، إلا بهذا الدين الذي أكرمنا
الله به، انطلقوا فقاتلوا؛ فقد والله رأينا يوم
بدر، وما معنا إلا فرسان، إنما هي إحدى الحسنيين:
إما الظهور عليهم فذاك ما وعدنا الله ورسوله، وليس لوعده خلف، وإما الشهادة فنلحق بالإخوان، نرافقهم في الجنان. فشجع الناس
على قول ابن رواحة. وروى محمد بن إسحاق قال: لما ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيداً وجعفراً سكت عن عبد الله بن رواحة حتى تغيرت وجوة الأنصار، وظنوا أنه قد كان من عبد الله بعض
ما يكرهون، ثم قال: أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل حتى
قتل شهيداً، ثم قال: لقد رفعوا لي في الجنة فيما يرى النائم على سرر من
ذهب، فرأيت في سرير ابن رواحة ازوراراً عن سريري صاحبيه، فقلت: لم هذا؟ فقيل: لأنهما مضيا؛ وتردد هذا بعض التردد، ثم مضى.
ثم
ارتجز أيضاً فقال:
ثم
نزل عن فرسه فقاتل، فأتاه ابن عم له ببضعة من لحم، فقال: اشدد بهذا صلبك. فأخذها
من يده، فانتهش منها نهشة ثم سمع الحطمة في ناحية من الناس، فقال: وأنت يا بن
رواحة في الدنيا! ثم ألقاها من يده وأخذ سيفه، فتقدم فقاتل حتى قتل. قال: فإن الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في
الجنة، قالت: بأبي وأمي، فأعلم
الناس ذلك! فقام رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم
بيدي
يمسح بيده رأسي حتى رقي على المنبر وأجلسني أمامه على الدرجة السفلى، وإن الحزن
ليعرف عليه، فتكلم فقال: إن المرء كثير بأخيه
وابن عمه، ألا إن جعفراً قد استشهد، وقد جعل الله
له جناحين يطير بهما في الجنة. ثم نزل، فدخل بيته وأدخلني، وأمر بطعام فصنع لنا،
وأرسل إلى أخي فتغدينا عنده غداء طيباً، عمدت سلمى خادمته إلى شعير فطحنته، ثم
نشفته، ثم أنضجته وآدمته بزيت، وجعلت عليه فلفلاً، فتغذيت أنا وأخي معه، وأقمنا
عنده ثلاثة أيام ندور معه في بيوت نسائه، ثم أرجعنا إلى
بيتنا، وأتاني رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم بعد ذلك وأنا أساوم في شاة، فقال: اللهم بارك له في صفقته، فوالله ما بعت شيئاً ولا اشتريت
إلا بورك فيه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في مناقب جعفر الطيار
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
روى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب مقاتل
الطالبيين أن كنية جعفر بن أبي
طالب أبو المساكين ،قال: وكان ثالث الإخوة من ولد أبي طالب، أكبرهم طالب،
وبعده عقيل، وبعده جعفر، وبعده علي، وكل واحد منهم أكبر من الآخر بعشر سنين،
وعلي أصغرهم سنا، وأمهم جميعاً فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. وقد ورد فيه حديث كثير؛ من ذلك أن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم لما فتح خيبر
قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة، فالتزمه رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم وجعل
يقبل بين عشيه ويقول: ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا!
بقدوم جعفر، أم بفتح خيبر! قال: وقد روى خالد الحذاء، عن عكرمة، عن أبي هريرة
أنه قال: ما ركب المطايا، ولا ركب الكور، ولا انتعل، ولا احتذى النعال أحد بعد
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل
من جعفر من أبي طالب. قال أبو عمر: وقد روى ابن المسيب أن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قال:
مثل لي جعفر وزيد وعبد الله في خيمة من در، كل واحد منهم على سرير، فرأيت زيداً
وابن رواحة في أعناقهما صدوداً، ورأيت جعفراً مستقيماً ليس فيه صدود، فسألت فقيل
لي: إنهما حين غشيهما الموت أعرضا وصدا بوجهيهما، وأما جعفر فلم يفعل. فقال:
إني لا أدعي أن لي في الإسلام مثل صحبته ولا مثل هجرته ولا قرابته؛ ولكن خبروني
عنكم، ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوماً! قالوا: بلى، قال: فليدفع إلينا قتلته
لنقتلهم به، ولا قتال بيننا وبينه، قالا: فاكتب إليه كتاباً يأته به بعضنا، فكتب مع أبي مسلم الخولاني: من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن
أبي طالب. سلام عليك،
فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإن الله اصطفى محمداً بعلمه،
وجعله الأمين على وحيه، والرسول إلى خلقه، واجتبى له من المسلمين أعواناً أيده
الله تعالى بهم، فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام، فكان
أفضلهم في الإسلام وأنصحهم لله ورسوله الخليفة من بعده، ثم خليفة خليفته من بعد
خليفته، ثم الثالث الخليفة المظلوم عثمان، فكلهم حسدت، وعلى كلهم بغيت، عرفنا
ذلك في نظرك الشزر، وقولك الهجر، وتنفسك الصعداء، وإبطائك عن الخلفاء، تقاد إلى
كل منهم كما يقاد الفحل المخشوش حتى تبايع وأنت كاره، ثم لم تكن لأحد منهم بأعظم
حسداً منك لابن عمك عثمان، وكان أحقهم ألا تفعل ذلك في قرابته وصهره، فقطعت
رحمه، وقبحت محاسنه، وألبت الناس عليه، وبطنت وظهرت حتى ضربت إليه آباط الإبل،
وقيدت إليه الإبل العراب، وحمل عليه السلاح في حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقتل معك في
المحلة وأنت تسمع في داره الهائعة، لا تردع الظن، والتهمة عن نفسك بقول ولا عمل.
وأقسم قسماً صادقاً لو قمت فيما كان من أمره مقاماً واحداً تنهنه الناس عنه، ما
عدل بك من قبلنا من الناس أحداً، ولمحا ذلك عندهم ما كانوا يعرفونك به من
المجانبة لعثمان والبغي عليه، وأخرى أنت بها عند أنصار عثمان ظنين؟ إيواؤك قتلة
عثمان، فهم عضدك وأنصارك، ويدك وبطانتك؛ وقد ذكر لي أنك تتنصل من دمه، فإن كنت
صادقاً فأمكنا من قتلته نقتلهم به، ونحن أسرع الناس إليك، وإلا فإنه ليس لك
ولأصحابك إلا السيف؛ والذي لا إله إلا هو لنطلبن قتلة عثمان في الجبال والرمال
والبر والبحر، حتى يقتلهم الله أو لتلحقن أرواحنا بالله، والسلام. إن عثمان قتل مسلماً محرماً مظلوماً، فادفع إلينا
قتلته، وأنت أميرنا، فإن خالفك من الناس أحد كانت أيدينا لك ناصرة، وألسنتنا لك
شاهدة، وكنت ذا عذر وحجة. فقال علي عليه
السلام، والله ما أردت
أن أدفعهم إليكم طرفة عين قط، لقد ضربت هذا الأمر أنفه وعينه، فما رأيته ينبغي
لي أن أدفعهم إليك، ولا إلى غيرك. فخرج أبو مسلم بالكتاب وهو يقول: الآن طاب الضراب!
وكان جواب علي عليه السلام:
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان. وذكرت أن الله تعالى اجتبى له من المسلمين أعواناً
أيده الله بهم، فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام، فكان أفضلهم
- زعمت - في الإسلام، وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة
وخليفة الخليفة، ولعمري إن مكانهما في
الإسلام لعظيم، وإن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد، فرحمهما الله وجزاهما أحسن ما عملا! وذكرت أن عثمان كان في الفضل تالياً، فإن يك عثمان محسناً فسيجزيه الله بإحسانه، وإن يك مسيئاً
فسيلقى رباً غفوراً لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، ولعمري إني لأرجو إذا أعطى
الله الناس على قدر فضائلهم في الإسلام ونصيحتهم لله ولرسوله، أن يكون نصيبنا في
ذلك الأوفر. إن محمداً صلى
الله عليه وآله وسلم
لما
دعا إلى الإيمان بالله والتوحيد له كنا أهل البيت أول من آمن به وصدقه فيما جاء،
فبتنا أحوالاً كاملةً مجرمة تامة، وما يعبد الله في ربع ساكن من العرب غيرنا،
فأراد قومنا قتل نبينا، واجتياح أصلنا، وهموا بنا الهموم، وفعلوا بنا الأفاعيل،
ومنعونا الميرة، وامسكوا عنا العذب، وأحلسونا الخوف. وجعلوا علينا الأرصاد
والعيون، واضطرونا إلى جبل وعر، وأوقدوا لنا نار الحرب، وكتبوا بينهم كتاباً، لا يؤاكلوننا، ولا يشاربوننا، ولا يناكحوننا، ولا
يبايعوننا، ولا نأمن منهم حتى ندفع إليهم محمداً فيقتلوه ويمثلوا به، فلم نكن
نأمن فيهم إلا من موسم إلى موسم، فعزم الله لنا على منعه، والذب عن حوزته،
والرمي من وراء حرمته، والقيام بأسيافنا دونه في ساعات الخوف بالليل والنهار،
فمؤمننا يرجو بذلك الثواب، وكافرنا يحامي عن الأصل، وأما من أسلم من قريش
فإنهم مما نحن فيه خلاء، منهم الحليف الممنوع، ومنهم ذو العشيرة التي تدافع عنه،
فلا يبغيه أحد مثل ما بغانا به قومنا من التلف، فهم من القتل بمكان نجوة وأمن،
فكان ذلك ما شاء الله أن يكون. ثم أمر
الله تعالى رسوله بالهجرة، وأذن له بعد ذلك في قتال المشركين، فكان إذا احمر
البأس، ودعيت نزال أقام أهل بيته، فاستقدموا، فوقى أصحابه بهم حد الأسنة والسيوف، فقتل عبيدة يوم بدر، وحمزة يوم أحد، وجعفر وزيد يوم
مؤتة، وأراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة مع النبي صلى الله
عليه وآله وسلم غير مرة، إلا أن آجالهم عجلت، ومنيته أخرت، والله ولي الإحسان إليهم، والمنة عليهم، بما أسلفوا من
أمر الصالحات، فما سمعت بأحد ولا رأيته هو أنصح في طاعة رسوله ولا لنبيه،
ولا أصبر على اللأواء والسراء والضراء وحين البأس، ومواطن المكروه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من
هؤلاء النفر الذين سميت لك، وفي المهاجرين خير كثير
يعرف، جزاهم الله خيراً بأحسن أعمالهم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب له إلى معاوية أيضاً
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: وكيف أنت
صانع إذا تكشفت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا قد تبهجت بزينتها، وخدعت بلذتها،
دعتك فأجبتها، وقادتك فاتبعتها. وأمرتك فأطعتها، وإنه يوشك أن يقفك واقف على ما
لا ينجيك منه منج. قوله: فاقعس عن هذا
الأمر، أي تأخر عنه، والماضي قعس بالفتح، ومثله تقاعس واقعنسس، وأهبة الحساب:
عدته، وتأهب: استعد وجمع الأهبة أهب، وشمر لما قد نزل بك، أي جد واجتهد وخف،
ومنه رجل شمري بفتح الشين، وتكسر، والغواة: جهع غاو، وهو الضال. ومأخذه مصدر، أي تناولك الشيطان تناوله المعروف،
وحذف مفعول أخذ لدلالة الكلام عليه، ولأن اللفظة تجري مجرى المثل. ولست أقول برياستهم على بني هاشم،
ولكنهم كانوا رؤساء على كثير من بطون قريش، ألا
ترى أن بني نوفل بن عبد مناف ما زالوا أتباعاً لهم، وأن
بني عبد شمس كانوا في يوم بدر قادة الجيش، كان رئيس الجيش عتبة بن ربيعة، وكانوا
في يوم أحد ويوم الخندق قادة الجيش! كان الرئيس في هذين اليومين أبا سفيان بن
حرب؛ وأيضاً فإن في لفظة أمير المؤمنين عليه السلام ما يشعر بما قلناه، وهو قوله: وولاة أمر الأمة فان
الأمة في العرب هم المسلمون، أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم. أما بعد، فإنك المطبوع على قلبك، المغطى على بصرك؛
الشر من شيمتك، والعتو من خليقتك، فشمر للحرب، واصبر للضرب، فوالله ليرجعن الأمر
إلى ما علمت، والعاقبة للمتقين. هيهات
هيهات! أخطأك ما تمنى، وهوى قلبك فيما هوى، فاربع على ظلعك، وقس شبرك بفترك،
تعلم أين حالك من حال من يزن الجبال حلمه، ويفصل بين أهل الشك علمه؛ والسلام. قوله عليه السلام شدخاً؛ الشدخ: كسر الشيء الأجوف، شدخت رأسه
فانشدخ، وهؤلاء الثلاثة: حنظلة بن أبي سفيان، والوليد
بن عتبة، وأبوه عتبة بن ربيعة، فحنظلة أخوه، والوليد خاله، وعتبة جده، وقد
تقدم ذكر قتله إياهم في غزاة بدر. وقوله:
قد علمت حيث وقع دم عثمان فاطلبه من هناك، يريد به إن كنت تطلب ثأرك من عند من
أجلب وحاصر، فالذي فعل ذلك طلحة والزبير؛ فاطلب ثأرك من بني تميم ومن بني أسد بن
عبد العزى، وإن كنت تطلبه ممن خذل، فاطلبه من نفسك فإنك خذلته، وكنت قادراُ على
أن ترفده وتمده بالرجال، فخذلته وقعدت عنه بعد أن استنجدك واستغاث بك. ولعمري لينفذن العلم فيك، وليتمن النور بصغرك
وقماءتك، ولتخسأن طريداً مدحوراً، أو قتيلاً مثبوراً؛ ولتجزين بعملك حيث لا ناصر
لك، ولا مصرخ عندك. وقد أسهبت في ذكر عثمان، ولعمري ما قتله غيرك، ولا
خذله سواك، ولقد تربصت به الدوائر، وتمنيت له الأماني، طمعاً فيما ظهر منك، ودل
عليه فعلك، وإني لأرجو أن ألحقك به على أعظم من ذنبه، وأكبر من خطيئته. وأذكرك ما لست له ناسياً؛ يوم
قتلت أخاك حنظلة، وجررت برجله إلى القليب، وأسرت أخاك عمراً؛ فجعلت عنقه بين
ساقيه رباطاً، وطلبتك ففررت ولك حصاص، فلولا أني لا أتبع فاراً، لجعلتك ثالثهما،
وأنا أولي لك بالله ألية برة غير فاجرة؛ لئن جمعتني
وإياك جوامع الأقدار، لأتركنك مثلا يتمثل به الناس أبداً، ولأجعجعن بك في مناخك
حتى يحكم الله بيني وبينك، وهو خير الحاكمين. ولئن أنسأ الله في أجلي قليلاً لإعزينك سرايا
المسلمين، ولأنهدن إليك في جحفل من المهاجرين والأنصار، ثم لا أقبل لك معذرة ولا
شفاعة، ولا أجيبك إلى طلب وسؤال، ولترجعن إلى تحيرك وترددك وتلددك، فقد شاهدت
وأبصرت ورأيت سحب الموت كيف هطلت عليك بصيبها حتى اعتصمت بكتاب أنت وأبوك أول من
كفر وكذب بنزوله. ولقد كنت
تفرستها، وآذنتك أنك فاعلها، وقد مضى منها ما مضى، وانقضى من كيدك فيها ما
انقضى، وأنا سائر نحوك على أثر هذا الكتاب، فاختر لنفسك، وانظر لها، وتداركها،
فإنك إن فطرت واستمررت على غيك وغلوائك حتى ينهد إليك عباد الله، أرتخت عليك
الأمور، ومنعت أمراً هو اليوم منك مقبول. قال النقيب أبو زيد:
ولا خلاف عند أحد أن علياً عليه السلام قتل
حنظلة وأسر عمراً أخاه. ولقد شهد بدراً، وهرب على رجليه من هو أعظم منهما ومن
أخيهما عمرو بن عبد ود فارس يوم الأحزاب، شهدها ونجا هارباً على قدميه،
وهو شيخ كبير، وارتث جريحاً، فوصل إلى مكة
وهو وقيذ فلم يشهد أحداً، فلما برأ شهد الخندق،
فقتله قاتل الأبطال، والذي فاته يوم بدر استدركه يوم الخندق. واعلم يا معاوية أنك قد ادعيت أمراً لست
من أهله لا في القديم ولا في الحديث، ولست تقول فيه بأمر بين يعرف له أثر، ولا
عليك منه شاهد من كتاب الله؛ ولست متعلقاً بآية من كتاب
الله، ولا عهد من رسول الله صلى الله عليه
وآله سلم، فكيف أنت صانع إذا تقشعت عنك غيابة ما أنت فيه من
دنيا قد فتنت بزينتها، وركنت إلى ذاتها وخلي بينك وبين عدوك فيها، وهو عدو كلب
مضل جاهد مليح، ملح، مع ما قد ثبت في نفسك من جهتها، دعتك فأجبتها، وقادتك
فاتبعتها، وأمرتك فأطعتها، فاقعس عن هذا الأمر، وخذ أهبة الحساب، فإنه يوشك أن
يقفك واقف على ما لا يجنك مجن. واعلم أن هذا الأمر لو كان إلى الناس أو بأيديهم
لحسدوناه، ولامتنوا علينا به، ولكنه قضاء ممن منحناه واختصنا به، على لسان نبيه
الصادق المصدق، لا أفلح من شك بعد العرفان والبينة! رب احكم بيننا وبين عدونا
بالحق وأنت خير الحاكمين. قال نصر: فكتب معاوية إليه الجواب: من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن
أبي طالب، أما بعد، فدع الحسد، فإنك طالما لم تنتفع به، ولا تفسد سابقة جهادك
بشرة نخوتك، فإن الأعمال بخواتيمها، ولا تمحص سابقتك بقتال من لا حق لك في حقه،
فإنك إن تفعل لا تضر بذلك إلا نفسك، ولا تمحق إلا عملك، ولا تبطل إلا حجتك؛
ولعمري إن ما مضى لك من السابقات لشبيه أن يكون ممحوقاً، لما اجترأت عليه من سفك
الدماء، وخلاف أهل الحق، فاقرأ السورة التي يذكر فيها الفلق وتعوذ من نفسك فإنك
الحاسد إذا حسد. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن وصية له وصى بها جيشاً بعثه إلى العدو
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: فإذا نزلتم
بعدو أو نزل بكم، فليكن معسكركم في قبل الأشراف، أو سفاح الجبال، أو أثناء
الأنهار، كيما يكون لكم ردءاً، ودونكم مرداً. ومناكب الهضاب:
أعاليها؛ لئلا يأتيكم العدو إما من حيث تأمنون، أو من حيث تخافون. والطلائع: طائفة من الجيش تبعث ليعلم منها أحوال العدو.
وقال عليه السلام: المقدمة عيون الجيش. والطلائع
عيون المقدمة، فالطلائع إذاً عيون الجيش. ثم نهاهم
عن النوم إلا غراراً أو مضمضة، وكلا اللفظتين ما قل من النوم. فقام قحطبة مذعوراً فلم ير شيئاً يروعه، ولم يعاين
غباراً، فقال لخالد: ما هذا الرأي؟ فقال:
أيها الأمير! لا تتشاغل بي، وناد في الناس، أما ترى أقاطيع الوحوش قد أقبلت
وفارقت مواضعها حتى خالطت الناس! وإن وراءها لجمعاً
كثيفاً. قال: فوالله ما أسرجوا ولا ألجموا حتى رأوا النقع
وساطع الغبار، فسلموا، ولولا ذلك لكان الجيش قد
اصطلم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن وصية له وصى بها معقل بن قيس الرياحي حين أنفذه
إلى الشام في ثلاثة آلاف مقدمة له
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أتق الله
الذي لا بد لك من لقائه، ولا منتهى لك دونه، ولا تقاتلن إلا من قاتلك، وسر
البردين، وغور بالناس، ورفه في السير، ولا تسر أول الليل، فإن الله جعله سكناً،
وقدره مقاماً لا ظعناً، فأرح فيه بدنك، وروح ظهرك، فإذا وقفت حين ينبطح السحر،
أو حين ينفجر الفجر، فسر على بركة الله. فإذا لقيت العدو فقف من أصحابك وسطاً،
ولا تدن من القوم دنو من يريد أن ينشب الحرب. ولا تباعد عنهم تباعد من يهاب البأس، حتى يأتيك
أمري. ويجوز أن يكون قوله: ورفه في السير، من قولك: رفهت عن
الغريم، أي نفست عنه. وقد علل أمير المؤمنين عليه السلام النهي
بقوله: فإن الله تعالى جعله سكناً، وقدره مقاماً لا ظعناً،
يقول: لما امتن الله تعالى على عباده بأن جعل لهم الليل ليسكنوا فيه كره أن
يخالفوا ذلك. ولكن لقائل أن يقول: فكيف
لم يكره السير والحركة في آخره وهو من جملة الليل أيضاً ويمكن أن يكون فهم من
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الليل الذي
جعل سكناً للبشر إنما هو من أوله إلى وقت السحر. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قوال في الحروب
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وفي الحديث المرفوع:
لا تتمنوا العدو فعسى أن تبتلوا بهم، ولكن قولوا اللهم اكفنا شرهم؛ وكف عنا
بأسهم، وإذا جاءوك يعرفون أو يضجون فعليكم الأرض جلوساً، وقولوا: اللهم أنت ربنا
وربهم، وبيدك نواصينا ونواصيهم، فإذا غشوكم فثوروا في وجوههم. وانظر متى تقول ومتى تفعل، وما تقول
وما تفعل، ولا تتوعدن في معصية بأكثر من عقوبتها، فإنك إن فعلت أثمت، وإن تركت
كذبت، واتق الله، وإذا لقيت فاصبر. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب له إلى أميرين من أمراء جيشه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: وقد أمرت
عليكما وعلى من في حيزكما مالك بن الحارث الأشتر،
فاسمعا له وأطيعا، اجعلاه درعاً ومجناً، فإنه ممن لا يخاف وهنه ولا سقطته، ولا
بطؤه عما الإسراع إليه أحزم، ولا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض مناقب مالك الأشتر
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الشرح:
هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلمة بن ربيعة بن خزيمة بن سعد بن مالك بن
النخع بن عمرو بن علة بن خالد بن مالك بن أدد. وكان فارساً
شجاعاً رئيسا من أكابر الشيعة وعظمائها، شديد التحقق بولاء أمير المؤمنين
عليه السلام ونصره، وقال فيه بعد موته: رحم الله مالكاً، فلقد كان لي كما كنت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!
ولما
قنت علي عليه السلام على خمسة ولعنهم وهم:
معاوية، وعمرو بن العاص، وأبو الأعور السلمي، وحبيب بن مسلمة، وبسر بن أرطاة، قنت معاوية على خمسة، وهم: علي، والحسن،
والحسين - عليهم السلام -
وعبد الله بن العباس، والأشتر، ولعنهم. وقد
روي
أنه قال لما ولى علي عليه
السلام
بني العباس على الحجاز واليمن والعراق:
فلماذا قتلنا الشيخ بالأمس! وإن علياً عليه
السلام لما بلغته هذه الكلمة أحضره ولاطفه
واعتذر إليه وقال له: فهل وليت حسناً أو حسيناً أو أحداً من
ولد جعفر أخي، أو عقيلاً أو واحداً من ولده! وإنما
وليت ولد عمي العباس، لأني سمعت العباس يطلب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإمارة
مراراً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
يا عم، إن الإمارة إن طلبتها وكلت إليها، وإن طلبتك أعنت عليها. ورأيت
بنيه في أيام عمر وعثمان يجدون في أنفسهم إذ ولى غيرهم من أبناء الطلقاء ولم يول
أحدا منهم، فأحببت أن أصل رحمهم، وأزيل ما كان في أنفسهم؛ وبعد فإن علمت أحداً من أبناء الطلقاء هو خير منهم فأتني
به. فخرج الأشتر وقد زال ما في نفسه. وسمعت
أيضاً رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن أحدكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين، وليس من
أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة فأنا - لا
أشك - ذلك الرجل، والله ما كذبت ولا كذبت، فانظري الطريق. قالت أم ذر: فقلت: أنى وقد ذهب الحاج وتقطعت
الطرق! فقال: اذهبي فتبصري. قالت: فكنت أشتد إلى الكثيب، فأصعد فأنظر، ثم أرجع إليه فأمرضه، فبينا أنا
وهو على هذه الحال إذ أنا برجال على ركابهم كأنهم الرخم تخب بهم رواحلهم،
فأسرعوا إلي حتى وقفوا علي وقالوا: يا أمة الله، مالك؛ فقلت: امرؤ من المسلمين
يموت، تكفنونه؟ قالوا: ومن هو؟ قلت: أبو ذر، قالوا: صاحب رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم؟ قلت: نعم، ففدوه بآبائهم
وأمهاتهم، وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه، فقال
لهم: أبشروا فإني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من
المؤمنين، وليس من أولئك النفر إلا وقد هلك في قرية وجماعة، والله ما كذبت ولا كذبت، ولو كان عندي ثوب يسعني كفناً لي أو
لامرأتي لم أكفن إلا في ثوب لي أو لها؛ وإني أنشدكم الله ألا يكفنني رجل منكم
كان أميراً أو عريفاً أو بريداً أو نقيباً! قالت:
وليس في أولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال، إلا فتى من الأنصار قال له:
أنا أكفنك يا عم في ردائي هذا، وفي ثوبين معي في عيبتي من غزل أمي؛ فقال أبو ذر: أنت تكفنني، فمات فكفنه الأنصاري وغسله النفر الذين حضروه وقاموا عليه ودفنوه؛ في
نفر كلهم يمان. قلت:
حجر بن الأدبر هو حجر بن عدي الذي قتله معاوية،
وهو من أعلام الشيعة وعظمائها، وأما الأشتر
فهو أشهر في الشيعة من أبي الهذيل في المعتزلة. قرئ كتاب الاستيعاب على شيخنا عبد الوهاب بن
سكينة المحدث
وأنا حاضر، فلما انتهى القارئ إلى هذا الخبر قال أستاذي عمر بن عبد الله الدباس - وكنت أحضر معه سماع
الحديث -: لتقل الشيعة بعد هذا ما شاءت، فما قال المرتضى والمفيد إلا بعض ما كان حجر والأشتر
يعتقدانه في عثمان ومن تقدمه، فأشار الشيخ إليه
بالسكوت، فسكت، وذكرنا آثار الأشتر ومقاماته بصفين فيما سبق.
ويقال: إن عائشة فقدت عبد الله فسألت عنه، فقيل لها: عهدنا به وهو معانق للأشتر، فقالت: واثكل أسماء! ومات الأشتر في سنة تسع وثلاثين متوجهاً
إلى مصر والياً عليها لعلي عليه السلام. قيل:
سقي سماً، وقيل: إنه لم يصح ذلك، وإنما مات
حتف أنفه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أقوال لبعض القادة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام عمر:
إن هذا الأمر لا يصلح إلا لقوي في غير عنف، ولين في غير ضعف. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن وصية له لعسكره بصفين قبل لقاء العدو
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: لا تقاتلوهم حتى يبدءوكم فإنكم بحمد الله على حجة، وترككم
إياهم حتى يبدءوكم حجة أخرى لكم عليهم، فإذا كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبراً؛ ولا تصيبوا معوراً، ولا تجهزوا على
جريح، ولا تهيجوا النساء بأذى وإن شتمن أعراضكم، وسببن أمراءكم، فإنهن ضعيفات
القوى والأنفس والعقول؛ إن كنا لنؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات، وإن كان الرجل
ليتناول المرأة في الجاهلية بالفهر أو الهراوة، فيعير بها وعقبه من بعده. ونهى - إذا وقعت الهزيمة - عن قتل المدبر، والإجهاز
على الجريح، وهو إتمام قتله. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نبذ من الأقوال الحكيمة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومما
ورد في الشعر في هذا المعنى قول الشاعر:
وقالت امرأة عبد الله بن خلف الخزاعي بالبصرة لعلي عليه السلام
بعد ظفره، وقد مر ببابها:
يا علي، يا قاتل الأحبة، لا مرحباً بك! أيتم الله منك ولدك كما أيتمت بني عبد
الله بن خلف! فلم يرد عليها، ولكنه وقف وأشار إلى
ناحية من دارها، ففهمت إشارته، فسكتت وانصرفت. وكانت
قد سترت عندها عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم،
فأشار إلى الموضع الذي كانا فيه، أي لو شئت
أخرجتهما! فلما فهمت انصرفت، وكان عليه
السلام حليماً كريماً. أوصيكم بتقوى الله، ولزوم الحق والصبر، فقاتلوا في سبيل الله من
كفر بالله، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. ولا تجبنوا عند اللقاء، ولا تمثلوا عند
الغارة، ولا تسرفوا عند الظهور، ولا تقتلوا هرماً، ولا امرأة، ولا وليداً،
وتوقوا أن تطأوا هؤلاء عند التقاء الزحفين وعند حمة النهضات وفي شن الغارات، ولا
تغلوا عند الغنائم، ونزهوا الجهاد عن غرض الدنيا، وأبشروا بالأرباح في البيع
الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم. قال أبو بكر يوم حنين: لن نغلب اليوم من قلة - وكانوا اثني عشر ألفاً - فهزموا
يومئذ هزيمةً قبيحة، وأنزل الله تعالى قوله:
"ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً". |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قصة فيروز بن يزد جرد بن بهرام
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن الكلمات المستحسنة في سوء عاقبة
البغي ما ذكره ابن قتيبة في كتاب عيون الأخبار أن فيروز بن يزد جرد بن بهرام لما ملك سار بجنوده نحو
بلاد الهياطلة، فلما انتهى إليهم اشتد رعب ملكهم
أخشنوار منه وحذره، فناظر أصحابه ووزراءه في أمره فقال رجل منهم: أعطني
موثقاً من الله وعهداً تطمئن إليه نفسي أن تكفيني الغم بأمر أهلي وولدي، وأن
تحسن إليهم، وتخلفني فيهم، ثم اقطع يدي ورجلي وألقني في طريق فيروز حتى يمر بي
هو وأصحابه، وأنا أكفيك أمرهم، وأورطهم مورطاً تكون فيه هلكتهم. فقبل
فيروز قوله بعد أن أشار إليه وزراؤه بالاتهام له، والحذر منه، وبغير
ذلك.
فخالفهم وسلك تلك الطريق، فانتهوا بعد يومين إلى
موضع من المفازة لا صدر لهم عنه، ولا ماء معهم، ولا بين أيديهم، وتبين لهم أنهم قد خدعوا، فتفرقوا في تلك المفازة
يميناً وشمالاً يلتمسون الماء، فقتل العطش أكثرهم، ولم يسلم مع فيروز إلا عدة
يسيرة، فانتهى إليهم أخشنوار بجيشه،
فواقعهم في تلك الحال التي هم فيها من القلة والضر والجهد، فاستمكنوا منهم، بعد
أن أعظموا النكاية فيهم. فرضي فيروز بذلك، فخلى سبيله، وجعلا بين المملكتين حجراً لا
يتجاوزه كل واحد منهما. فمكث فيروز برهة من دهره، ثم
حمله الأنف على أن يعود لغزو الهياطلة، ودعا أصحابه إلى ذلك، فنهوه عنه،
وقالوا: إنك قد عاهدته، ونحن نتخوف عليك عاقبة البغي والغدر، مع ما في ذلك من
العار وسوء القالة فقال لهم: إنما اشترطت له
ألا أجوز الحجر الذي جعلناه بيننا، وأنا آمر بالحجر فيحمل أمامنا على عجل. فقالوا: أيها الملك،
إن العهود والمواثيق التي يتعاطاها الناس بينهم لا تحمل على ما يسره المعطي لها،
ولكن على ما يعلن به المعطى إياها، وإنما جعلت عهد
الله وميثاقه على الأمر الذي عرفه، لا على الأمر الذي لم يخطر له ببال. وأنا لم نجبرك على ما شرطت لنا، بل كنت أنت الراغب
إلينا فيه، والمريد لنا عليه، ففكر في ذلك، وميز بين هذين الأمرين فانظر أيهما
أشد عاراً، وأقبح سماعاً، إن طلب رجل أمراً فلم يقدر له ولم ينجح في طلبته وسلك
سبيلاً فلم يظفر فيه ببغيته، واستمكن منه عدوه على حال جهد وضيعة منه وممن هم
معه. واعلم أنه ليس يدعوني إلى ما تسمع من مخاطبتي إياك
ضعف من نفسي، ولا من قلة جنودي، ولكني أحببت أن أزداد بذلك حجةً واستظهاراً،
فأزداد به للنصر والمعونة من الله استيجاباً، ولا أوثر على العافية والسلامة
شيئاً ما وجدت إليهما سبيلاً. فقال فيروز لأصحابه: لقد كان أخشنوار حسن
المحاورة، وما رأيت للفرس الذي كان تحته نظيراً في الدواب، فإنه لم يزل قوائمه،
ولم يرفع حوافره عن مواضعها، ولا صهل، ولا أحدث شيئاً يقطع به المحاورة في طول
ما تواقفنا. وقال أخشنوار لأصحابه: لقد واقفت فيروز كما رأيتم
وعليه السلاح كله، فلم يتحرك، ولم ينزع رجله من ركابه، ولا حنى ظهره، ولا التفت
يميناً ولا شمالاً، ولقد توركت أنا مراراً، وتمطيت على فرسي، والتفت إلى من
خلفي، ومددت بصري فيما أمامي، وهو منتصب ساكن على حاله، ولولا محاورته إياي
لظننت أنه لا يبصرني. وإنما أرادا بما وصفنا من ذلك أن ينشر هذان
الحديثان في أهل عسكرهما فيشتغلوا بالإفاضة فيهما، عن النظر فيما تذاكرا. فلما كان في اليوم الثاني أخرج أخشنوار الصحيفة
التي كتبها لهم فيروز، ونصبها على رمح ليراها أهل عسكر فيروز فيعرفوا غدره
وبغيه، ويخرجوا من متابعته على هواه، فما هو إلا أن
رأوها، حتى انتقض عسكرهم واختلفوا، وما تلبثوا إلا يسيراً حتى انهزموا، وقتل
منهم خلق كثير، وهلك فيروز، فقال أخشنوار: لقد صدق الذي قال: لا مرد لما قدر ولا شيء أشد إحالة
لمنافع الرأي من الهوى واللجاج، ولا أضيع من نصيحة يمنحها من لا يوطن نفسه على
قبولها، والصبر على مكروهها، ولا أسرع عقوبة وأسوأ عاقبة من البغي والغدر، ولا
أجلب لعظيم العار والفضوح من الأنف وإفراط العجب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكان يقول إذا لقي العدو محارباً
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: اللهم إليك
أفضت القلوب، ومدت الأعناق، وشخصت الأبصار، ونقلت الأقدام، وأنضيت الأبدان. اللهم وقد استحصد زرع الباطل وبلغ نهايته، واستحكم
عموده، واستجمع طريده، وحذق وليده، وضرب بجرانه، فأتح له من الحق يداً حاصدة،
تجذ سنامه، وتهشم سوقه، وتصرع قائمه، ليستخفي الباطل بقبح حليته، ويظهر الحق
بحسن صورته. ووجدت هذه الألفاظ في دعاء منسوب إلى علي بن الحسين زين
العابدين عليه السلام، ولعله من
كلامه، وقد كان لسديف يدعو به. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكان يقول لأصحابه عند الحرب
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: لا تشتدن
عليكم فرة بعدها كرة، ولا جولة بعدها حملة، وأعطوا السيوف حقوقها، ووطنوا للجنوب
مصارعها، واذمروا أنفسكم على الطعن الدعسي، والضرب الطلحفي، وأميتوا الأصوات
فإنه أطرد للفشل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أقوال أخر في الحروب
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وأوصى أكثم بن صيفي قوماً نهضوا إلى
الحرب فقال: ابرزوا للحرب، وادرعوا الليل، فإنه أخفى للويل،
ولا جماعة لمن اختلف، واعلموا أن كثرة الصياح من الفشل، والمرء يعجز لا محالة. وأوصى عبد الملك بن صالح أمير سرية بعثها، فقال:
أنت تاجر الله لعباده، فكن كالمضارب الكيس الذي إن وجد ربحاً تجر، وإلا احتفظ
برأس المال، ولا تطلب الغنيمة حتى تحوز السلامة، وكن من احتيالك على عدوك أشد
حذراً من احتيال عدوك عليك. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب له إلى معاوية جواباً عن كتاب منه إليه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: وأما طلبك إلي
الشام، فإني لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس. ولبئس
الخلف خلف يتبع سلفاً هوى في نار جهنم. ولما أدخل
الله العرب في دينه أفواجاً، وأسلمت له هذه الأمة طوعاً وكرهاً، كنتم ممن دخل في
الدين؛ إما رغبةً وإما رهبةً، على حين فاز أهل السبق بسبقهم، وذهب المهاجرون
الأولون بفضلهم، فلا تجعلن للشيطان فيك نصيباً، ولا على نفسك سبيلاً والسلام. وروي: ألا ومن أكله
الحق فإلى النار، وهذه الرواية أليق من الرواية
المذكورة في أكثر الكتب، لأن الحق يأكل أهل الباطل، ومن روى تلك الرواية أضمر مضافاً تقديره أعداء الحق، ومضافاً
آخر تقديره أعداء الباطل. ويجوز أن يكون من أكله
الحق فإلى الجنة، أي من أفضى به الحق ونصرته والقيام دونه إلى القتل؛ فإن
مصيره إلى الجنة، فيسمى الحق لما كانت نصرته كالسبب إلى القتل أكلا لذلك
المقتول، وكذلك القول في الجانب الآخر. قلت:
نعم، إذا تبع آثار سلفه واحتذى حذوهم، وأمير
المؤمنين عليه السلام ما
عاب معاوية بأن سلفه كفار فقط، بل بكونه متبعاً لهم. وقال قوم:
بل منصوب لإضافته إلى الفعل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ما حدث بين علي ومعاوية يوم صفين
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وذكر نصر
بن مزاحم بن بشار العقيلي في كتاب صفين أن هذا الكتاب
كتبه علي عليه السلام إلى معاوية قبل
ليلة الهرير بيومين أو ثلاثة. وكان معاوية بن الضحاك بن سفيان صاحب راية بني سليم مع معاوية مبغضاً لمعاوية وأهل الشام،
وله هوى مع أهل العراق وعلي بن أبي طالب عليه السلام، وكان يكتب بأخبار معاوية إلى عبد الله بن الطفيل العامري،
وهو مع أهل العراق، فيخبر بها عليا عليه السلام، فلما شاعت كلمة علي عليه السلام وجل
لها أهل الشام، وبعث ابن الضحاك إلى عبد الله بن الطفيل: إني قائل شعراً أذعر به
أهل الشام وأرغم به معاوية، وكان معاوية لا يتهمه، وكان له فضل ونجدة ولسان،
فقال ليلاً ليستمع أصحابه:
فلما
سمع أهل الشام شعره أتوا به معاوية، فهم بقتله، ثم راقب فيه قومه، فطرده من
الشام، فلحق بمصر وندم معاوية على تسييره إياه. وقال معاوية: لشعر السلمي أشد
على أهل الشام من لقاء علي، ماله قاتله الله، لو صار خلف جابلق مصعداً لم يأمن
علياً! ألا تعلمون ما جابلق؟ يقول لأهل الشام، قالوا: لا، قال: مدينة في أقصى
المشرق ليس بعدها شيء.
قال: فلما انتهى إلى معاوية شعر الأشتر قال: شعر منكر، من شاعر منكر، رأس أهل
العراق وعظيمهم، ومسعر حربهم، وأول الفتنة وآخرها، قد رأيت أن أعاود علياً
وأسأله إقراري على الشام، فقد كنت كتبت إليه ذلك فلم يجب إليه، ولأكتبن ثانية
فالقي في نفسه الشك والرقة. فقال له عمرو بن
العاص وضحك: أين أنت يا معاوية من خدعة علي! قال: ألسنا بني عبد مناف!
قال: بلى، ولكن لهم النبوة دونك، وإن شئت أن تكتب فاكتب؛ فكتب معاوية إلى علي عليه السلام مع رجل من السكاسك يقال له عبد الله بن عقبة، وكان
من نافلة أهل العراق:
أما بعد فإنك لو علمت أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض،
ولئن كنا قد غلبنا على عقولنا لقد بقي لنا منها ما نندم به على ما مضى، ونصلح ما
بقي، وقد كنت سألتك الشام على أن تلزمني لك بيعة وطاعة، فأبيت ذلك علي، فأعطاني
الله ما منعت، وأنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس، فإني لا أرجو من البقاء
إلا ما ترجو، ولا أخاف من الموت إلا ما تخاف، وقد والله فارقت الأجناد، وذهبت
الرجال، ونحن بنو عبد مناف؛ ليس لبعضنا على بعض فضل
إلا فضل لا يستذل به عزيز، ولا يسترق به حر، والسلام. أما
بعد، فقد جاءني كتابك تذكر أنك لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم
يجنها بعضنا على بعض، فإني لو قتلت في ذات الله، وحييت؛ ثم قتلت ثم حييت سبعين
مرة لم أرجع عن الشدة في ذات الله والجهاد لأعداء الله، وأما قولك: إنه قد بقي من عقولنا ما نندم به على ما مضى، فإني ما نقصت عقلي، ولا ندمت على فعلي. وأما طلبك الشام فإني
لم أكن أعطيك اليوم ما منعتك أمس، وأما استواؤنا في الخوف والرجاء فلست
أمضى على الشك مني على اليقين، وليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق
على الآخرة. وأما قولك:
إنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل على بعض! فلعمري إنا
بنو أب واحد، ولكن ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد
المطلب، ولا المهاجر كالطليق، ولا المحق كالمبطل، وفي أيدينا بعد فضل النبوة
التي أذللنا بها العزيز وأعززنا بها الذليل. والسلام.
فلما بلغ معاوية شعر عمرو دعاه فقال له: العجب لك! تفيل رأي، وتعظم عليا وقد
فضحك! فقال:
أما تفييلي رأيك فقد كان، وأما إعظامي علياً فإنك بإعظامه أشد معرفة مني، ولكنك
تطويه وأنا أنشره. وأما فضيحتي فلم يفتضح امرؤ لقي أبا حسن. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب له إلى عبد الله بن عباس وهو عامله على
البصرة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: وأعلم أن
البصرة مهبط إبليس، ومغرس الفتن، فحادث أهلها بالإحسان إليهم، واحلل عقدة الخوف
عن قلوبهم. ومأزورون،
كان أصله موزورون، ولكنه جاء بالألف ليحاذي به ألف مأجورون وقد قال النبي صلى
الله عليه وآله وسلم مثل ذلك . ويعني بالشر ههنا الضرر فقط، لا الظلم والفعل القبيح. قوله عليه السلام: وكن
عند صالح ظني فيك، أي كن واقفاً عنده كأنك تشاهده فتمنعك مشاهدته عن فعل ما لا
يجوز. فال الرأي يفيل، أي ضعف وأخطأ. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بنو تميم وفضائلهم
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقد
ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب التاج أن لبني تميم مآثر لم يشركهم فيها
غيرهم. أما بنو سعد بن زيد مناة فلها ثلاث خصال يعرفها العرب: إحداها: كثرة
العدد فإنه أضعف عددها على بني تميم حتى ملأت السهل والجبل عدلت مضر كثرة، وعامة
العدد منها في كعب بن سعد بن زيد مناة، ولذلك قال
أوس بن مغراء:
وقال
الفرزدق أيضا فيهم هذه الأبيات:
وقال
أيضا:
ولذلك
كانت تسمى سعد الأكثرين. وفي المثل: في كل
واد بنو سعد.
وقال الفرزدق:
والثالثة:
أن منهم أشرف بيت في العرب الذي شرفته ملوك لخم. قال المنذز بن المنذر بن ماء
السماء ذات يوم وعنده وفود العرب ودعا ببردي أبيه محرق بن المنذر فقال: ليلبس
هذين أعز العرب وأكرمهم حسباً. فأحجم الناس، فقال أحيمر بن خلف بن بهدلة بن عوف
بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم: أنا لهما، قال الملك: بماذا؟ قال: بأن مضر
أكرم العرب وأعزها وأكثرها عديداً، وأن تميماً كاهلها وأكثرها، وأن بيتها وعددها
في بني بهدلة بن عوف، وهو جدي. فقال: هذا أنت في أصلك وعشيرتك، فكيف أنت في
عترتك وأدانيك! قال: أنا أبو عشرة، وأخو عشرة، وعم عشرة. فدفعهما إليه، وإلى هذا
أشار الزبرقان بن بدر في قوله:
قال أبو عبيدة:
ولهم في الإسلام خصلة، قدم قيس بن عاصم المنقري
على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نفر من بني
سعد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
هذا سيد أهل الوبر، فجعله سيد خندف وقيس ممن يسكن
الوبر.
ومن
ذلك في بني مجاشع بن دارم صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع،
وهو أول من أحيا الوئيد، قام الإسلام وقد اشترى ثلاثمائة موؤودة فأعتقهن ورباهن،
وكانت العرب تئد البنات خوف الإملاق. ومن ذلك غالب بن صعصعة، وهو أبو الفرزدق، وغالب هو الذي قرى
مائة ضيف، واحتمل عشر ديات لقوم لا يعرفهم، وكان من حديث ذلك أن بني كلب بن وبرة
افتخرت بينها في أنديتها، فقالت: نحن لباب العرب وقلبها، ونحن الذين لا
ننازع حسباً وكرماً. فقال شيخ منهم: إن العرب
غير مقرة لكم بذلك، إن لها أحساباً، وإن منها لباباً، وإن لها فعالاً، ولكن
ابعثوا مائة منكم في أحسن هيئة وبزة ينفرون من مروا به في العرب ويسألونه عشر
ديات، ولا ينتسبون له، فمن قراهم وبذل لهم الديات فهو الكريم الذي لا ينازع
فضلاً؛ فخرجوا حتى قدموا على أرض بني تميم وأسد، فنفروا الأحياء حياً فحياً،
وماء فماء، لا يجدون أحداً على ما يريدون؛ حتى مروا
على أكثم بن صيفي، فسألوه ذلك، فقال: من هؤلاء القتلى؟ ومن أنتم؟ وما
قصتكم؟ فإن لكم لشأناً باختلافكم في كلامكم! فعدلوا عنه، ثم مروا بقتيبة بن
الحارث بن شهاب اليربوعي فسألوه عن ذلك، فقال: من أنتم؟ قالوا: من كلب بن وبرة. فقال:
إني لأبغي كلباً بدم، فإن انسلخ الأشهر الحرم وأنتم بهذه الأرض وأدرككم الخيل
نكلت بكم وأثكلتكم أمهاتكم. فخرجوا من عنده مرعوبين، فمروا بعطارد بن حاجب بن
زرارة، فسألوه ذلك، فقال: قولوا بياناً
وخذوها، فقالوا: أما هذا فقد سألكم قبل أن يعطيكم فتركوه، ومروا ببني مجاشع بن
دارم فأتوا على واد قد امتلأ إبلا فيها غالب بن صعصعة يهنأ منها إبلاً، فسألوه
القرى والديات، فقال: هاكم البزل قبل النزول
فابتزوها من البرك وحوزوا دياتكم، ثم انزلوا، فتنزلوا وأخبروه بالحال، وقالوا: أرشدك الله من سيد قوم! لقد أرحتنا من طول
النصب، ولو علمنا لقصدنا إليك، فذلك قول الفرزدق:
قال:
فأما بنو يربوع بن حنظلة، فمنهم. ثم
من بني رياح بن يربوع عتاب بن هرمي بن رياح، كانت له ردافة الملوك، ملوك آل
المنذر، وردافة الملك أن يثنى به في الشرب، وإذا غاب الملك خلفه في مجلسه، وورث
ذلك بنوه كابراً عن كابر، حتى قام الإسلام، قال
لبيد بن ربيعة:
ويربوع
أول من قتل قتيلا من المشركين، وهو واقد بن عبد
الله بن ثعلبة بن يربوع، حليف عمر بن الخطاب، قتل عمرو
بن الحضرمي في سرية نخلة، فقال عمر بن الخطاب يفتخر بذلك:
ولها
جواد العرب كلها في الإسلام؛ بدأ العرب كلها جوداً، خالد بن عتاب بن ورقاء
الرياحي. دخل الفرزدق على
سليمان بن عبد الملك، وكان يشنؤه لكثرة بأوه
وفخره، فتجهمه وتنكر له، وأغلظ في خطابه حتى قال: من أنت لا أم لك! قال:
أو ما تعرفني يا أمير المؤمنين؟ أنا من حي هم من أوفى العرب، وأحلم العرب، وأسود
العرب، وأجود العرب وأشجع العرب، وأشعر العرب. فقال سليمان: والله لتحتجن لما ذكرت أو لأوجعن ظهرك، ولابعدن دارك. قال: أما أوفى العرب فحاجب بن زرارة؛ رهن قوسه عن العرب
كلها وأوفى. وأما أحلم العرب
فالأحنف بن قيس يضرب به المثل حلماً، وأما أسود
العرب فقيس بن عاصم، قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا سيد أهل الوبر؛ وأما أشجع العرب فالحريش بن هلال السعدي؛ وأما أجود العرب فخالد بن عتاب بن ورقاء الرياحي، وأما أشعر العرب فهأنذا عندك! قال سليمان: فما جاء بك؟ لا شيء لك عندنا، فارجع على عقبك، وغمه ما سمع من عزه، ولم
يستطع له رداً، فقال الفرزدق في أبيات:
قلت:
ولو ذكر عتيبة بن الحارث بن شهاب اليربوعي وقال: إنه أشجع العرب لكان غير مدافع. قالوا:
كانت العرب تقول: لو وقع القمر إلى الأرض لما التقفه إلا عتيبة بن الحارث لثقافته بالرمح. وكان يقال له:
صياد الفوارس وسم الفوارس، وهو الذي أسر بسطام بن قيس، وهو
فارس ربيعة وشجاعها، ومكث عنده في القيد مدة حتى استوفى فداءه وجز ناصيته، وخلى
سبيله على ألا يغزو بني يربوع. وعتيبة هذا هو المقدم على فرسان العرب كلها في
كتاب طبقات الشجعان ومقاتل الفرسان، ولكن الفرزدق لم
يذكره وإن كان تميمياً، لأن جريراً يفتخر به،
لأنه من بني يربوع، فحملته
عداوة جرير على أن عدل عن ذكره.
ومنها هلال بن أحوز المازني الذي ساد تميماً كلها في الإسلام، ولم
يسدها غيره. قال: والله ما أنت من
هاشم المنتخبين، ولا من أمية المستخلفين، ولا من عبد الدار المستحجبين،
فبم تفخر؟ قال: نحن ريحانة قريش، قال أبو
الصقعب: قبحاً لما جئت به! وهل تدري لم سميت
مخزوم ريحانة قريش؟ سميت لحظوة نسائها عند الرجال،
فأفحمه. فقال عبد الملك:
ما تقول هذا وقد مضى منهم لقيط بن زرارة ولم يخلف عقباً، ومضى قعقاع بن معبد بن
زرارة ولم يخلف عقباً، ومضى محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة ولم يخلف
عقباً! والله لا تنسى العرب هذه الثلاثة أبداً. قال أبو العباس:
إن الأصمعي قال: إن حرباً كانت بالبادية ثم
اتصلت بالبصرة، فتفاقم الأمر فيها، ثم مشي بين الناس بالصلح، فاجتمعوا في المسجد
الجامع. قال: فبعثت وأنا غلام
إلى ضرار بن القعقاع من بني دارم، فاستأذنت عليه، فأذن لي، فدخلت، فإذا
به في شملة يخلط بزراً لعنز له حلوب، فخبرته بمجتمع القوم، فأمهل حتى أكلت
العنز، ثم غسل الصحفة وصاح: يا جارية،
غدينا، فأتته بزيت وتمر، فدعاني، فقذرته أن آكل معه حتى إذا قضى من أكله وحاجته
وطراً وثب إلى طين ملقى في الدار، فغسل به يده، ثم صاح: يا جارية، اسقيني ماءً،
فأتته بماء، فشربه ومسح فضله على وجهه، ثم قال: الحمد
لله، ماء الفرات بتمر البصرة بزيت الشام، متى نؤدي شكر هذه النعم! ثم قال: علي بردائي، فأتته برداء عدني فارتدى به
على تلك الشملة. قال الأصمعي: فتجافيت عنه استقباحاً لزيه، فلما دخل المسجد صلى ركعتين، ثم مشى
إلى القوم، فلم تبق حبوة إلا حلت إعظاماً له، ثم جلس
فتحمل جميع ما كان بين الأحياء في ماله ثم انصرف.
ولكيز بن أفصى تعم عبد القيس. قال: فلما تواقفوا بعث إليهم الأحنف: يا معشر الأزد من
اليمن وربيعة من أهل البصرة، أنتم والله أحب إلينا من تميم الكوفة، وأنتم
جيراننا في الدار، ويدنا على العدو، وأنتم بدأتمونا بالأمس، ووطئتم حريمنا،
وحرقتم علينا، فدفعنا عن أنفسنا، ولا حاجة لنا في الشر
ما طلبنا في الخير مسلكاً، فتيمموا بنا طريقة مستقيمة. فوجه إليه زياد بن
عمرو: تخير خلة من ثلاث: إن شئت فانزل أنت وقومك على حكمنا، وإن شئت فخل لنا عن البصرة، وارحل أنت وقومك إلى حيث شئتم،
وإلا فدوا قتلانا، واهدروا دماءكم، وليود مسعود
دية المشعرة. قال
الله عز وجل: "ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا
أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل"، ولكن الثالثة إنما هي حمل على المال، فنحن نبطل دماءنا، وندي قتلاكم، وإنما مسعود رجل من
المسلمين، وقد أذهب الله عز وجل أمر الجاهلية. فاجتمع القوم على أن يقفوا أمر مسعود، ويغمدوا
السيف، وتودى سائر القتلى من الأزد وربيعة، فضمن ذلك
الأحنف، ودفع إليهم إياس بن قتادة المجاشعي رهينة حتى يؤدي هذا المال،
فرضي به القوم، ففخر بذلك الفرزدق، فقال لجرير:
ويقال: إن تميماً في ذلك الوقت مع باديتها وحلفائها من الأساورة والزط والسبابجة وغيرهم كانوا زهاء سبعين ألفاً، وفي ذلك يقول جرير:
قال الأحنف بن قيس:
فكثرت علي الديات فلم أجدها في حاضرة تميم،
فخرجت نحو يبرين إلى بادية تميم، فسألت عن المقصود هناك، فأرشدت إلى قبة، فإذا شيخ جالس بفنائها مؤتزر بشملة،
محتب بحبل، فسلمت عليه، وانتسبت له، فقال لي: ما فعل
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قلت: توفي. قال: فما فعل عمر بن الخطاب الذي
كان يحفظ العرب ويحوطها؟ قلت: توفي. قال: فأي خير في
حاضرتكم بعدهما؟ قال: فذكرت له الديات التي
لزمتنا للأزد وربيعة، قال: قال لي: أقم،
فإذا راع قد أراح عليه ألف بعير، فقال: خذها، تم أراح علينا آخر
مثلها، فقال: خذها، فقلت: لا أحتاج إليها. قال:
فانصرفت بالألف عنه، ووالله ما أدري من هو إلى الساعة! |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب له عليه السلام إلى بعض عماله
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما بعد، فإن
دهاقين أهل بلدك شكوا منك غلظةً وقسوةً، واحتقاراً وجفوةً، ونظرت فلم أرهم أهلاً
لأن يدنوا لشركهم، ولا أن يقصوا ويجفوا لعهدهم، فالبس لهم جلباباً من اللين
تشوبه بطرف من الشدة، وداول لهم بين القسوة والرأفة، وأمزج لهم بين التقريب
والإدناء، والإبعاد والإقصاء. إن شاء الله. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب له إلى زياد بن أبيه وهو خليفة عامله عبد
الله بن عباس على البصرة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وعبد الله عامل أمير المؤمنين عليه السلام يومئذ عليها
وعلى كور الأهواز وفارس وكرمان وغيرها الأصل:
وإني أقسم بالله قسماً صادقاً، لئن بلغني أنك خنت من فيء المسلمين شيئاً صغيراً
أو كبيراً، لأشدن عليك شدة تدعك قليل الوفر، ثقيل الظهر؛ ضئيل الأمر. والسلام. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب له إلى زياد أيضاً
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: فدع الإسراف
مقتصداً، واذكر في اليوم غدا، وأمسك من المال بقدر ضرورتك، وقدم الفضل ليوم
حاجتك، أترجو أن يعطيك الله أجر المتواضعين، وأنت عنده من المتكبرين! وتطمع وأنت
متمرغ في النعيم تمنعه الضعيف والأرملة، وأن يوجب لك ثواب المتصدقين؛ وإنما
المرء مجزي بما أسلف، وقادم على ما قدم. والسلام. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب له إلى عبد الله بن العباس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
رحمه
الله تعالى وكان ابن عباس يقول: ما انتفعت
بكلام بعد كلام رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم كانتفاعي بهذا الكلام الأصل: أما بعد، فإن المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته،. ويسوءه
فوت ما لم يكن ليدركه، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك، وليكن أسفك على ما فاتك
منها، وما نلت من دنياك فلا تكثر به فرحاً، وما فاتك منها فلا تأس عليه جزعاً،
وليكن همك فيما بعد الموت.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال قبل موته على سبيل الوصية لما ضربه ابن ملجم
لعنه الله
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: وصيتي لكم
ألا تشركوا بالله شيئا، ومحمد صلى الله عليه وآله،
فلا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العمودين، وأوقدوا هذين
المصباحين، وخلاكم ذم! أنا بالأمس صاحبكم، واليوم عبرة لكم، وغدا مفارقكم،
إن أبق فأنا ولي دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي، وإن أعف فالعفو لي قربة، وهو لكم
حسنة، فاعفوا: "ألا تحبون أن يغفر الله لكم
" والله ما فجأني من الموت وارد كرهته، ولا طالع أنكرته، وما كنت
إلا كقارب ورد، وطالب وجد؛ "وما عند الله خير للأبرار". الشرح: فإن قلت:
لقائل أن يقول: إذا أوصاهم بالتوحيد واتباع سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم
يبق شيء بعد ذلك يقول فيه: أقيموا هذين العمودين وخلاكم ذم؛ لأن سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعل
كل واجب. وتجنب كل قبيح؛ فخلاهم ذم في ماذا يقال؟ والجواب: أن كثيرا من الصحابة
كلفوا أنفسهم أموراً من النوافل شاقةً جداً، فمنهم
من كان يقوم الليل كله، ومنهم من كان يصوم الدهر كله، ومنهم المرابط في الثغور، ومنهم
المجاهد مع سقوط الجهاد عنه لقيام غيره به، ومنهم
تارك النكاح، ومنهم تارك المطاعم والملابس؛ وكانوا يتفاخرون بذلك، ويتنافسون فيه، فأراد عليه
السلام أن
يبين لأهله وشيعته وقت الوصية أن المهم الأعظم هو التوحيد، والقيام بما يعلم من
دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه واجب، ولا عليكم
بالإخلال بما عدا ذلك، فليت من المائة واحداً نهض بذلك، والمراد ترغيبهم بتخفيف وظائف التكاليف عنهم، فإن الله تعالى
يقول: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد
بكم العسر". وقال صلى الله عليه وآله وسلم:
بعثت بالحنيفية السهله السمحة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن وصية له بما يعمل في أمواله
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
كتبها بعد منصرفه من صفين الأصل: هذا ما أمر به عبد الله علي بن أبي طالب أمير
المؤمنين في ماله ابتغاء وجه الله ليولجه به الجنة، ويعطيه به الأمنة. وفضلهم
أمير المؤمنين عليه السلام بأنه
كان يعمل بيده، ويحرث الأرض ويسقي الماء ويغرس النخل، كل ذلك يباشره بنفسه
الشريفة، ولم يستبق منه لوقته ولا لعقبه قليلاً ولا كثيراً، وإنما كان صدقةً؛ وقد مات رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم وله ضياع كثيرة جليلة جداً بخيبر وفدك وبني النضير، وكان له وادي
نخلة وضياع أخرى كثيرة بالطائف، فصارت بعد موته صدقة بالخبر الذي رواه أبو بكر. فإن كان علي عليه
السلام معيباً بضياعه ونخله فكذلك رسول
صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا كفر
وإلحاد! وإن كان رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم إنما ترك ذلك صدقة فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما روى عنه
الخبر في ذلك إلا واحد من المسلمين، وعلي عليه
السلام في حياته قد أثبت عند جميع
المسلمين بالمدينة أنها صدقة، فالتهمة إليه في هذا الباب أبعد. وروي: ويعطيني به الأمنة، وهي الأمن. ثم ذكر أن
لهذين الولدين حصة من صدقاته أسوة بسائر البنين، وإنما
قال ذلك لأنه قد يتوهم متوهم أنهما لكونهما قد فوض إليهما النظر في هذه الصدقات،
قد منعا أن يسهما فيها بشيء، وأن الصدقات إنما يتناولها غيرهما من بني علي عليه السلام ممن لا ولاية له مع وجودهما، ثم بين لماذا
خصهما بالولاية؟ فقال: إنما فعلت ذلك لشرفهما برسول
الله صلى الله عليه وآله
وسلم، فتقربت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن جعلت لسبطيه هذه الرياسة، وفي هذا رمز وإزراء بمن صرف الأمر عن
أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مع وجود من يصلح للأمر، أي كان
الأليق بالمسلمين والأولى أن يجعلوا الرياسة بعده لأهله قربةً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتكريماً
لحرمته، وطاعةً له، وأنفة لقدره صلى
الله عليه وآله وسلم أن تكون ورثته
سوقةً، يليهم الأجانب، ومن ليس من شجرته وأصله. قوله: أطوف عليهن،
كناية لطيفة عن غشيان النساء، أي من السراري، وكان عليه
السلام
يذهب
إلى حل بيع أمهات الأولاد، فقال: من كان من
إمائي لها ولد مني؛ أو هي حامل مني وقسمتم تركتي فلتكن أم ذلك الولد مبيعة على
ذلك الولد، ويحاسب بالثمن من حصته من التركة، فإذا بيعت عليه عتقت عليه، لأن
الولد إذا اشترى الوالد عتق الوالد عنه، وهذا معنى، قوله فتمسك على ولدها، أي
تقوم عليه بقيمة الوقت الحاضر، وهي من حظه، أي من نصيبه وقسطه من التركة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن وصية له كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات وإنما
ذكرنا هنا جملاً منها ليعلم بها أنه عليه السلام كان يقيم عماد الحق ويشرع أمثلة
العدل في صغير الأمور وكبيرها ودقيقها وجليلها
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: انطلق على
تقوى الله وحده لا شريك له، ولا تروعن مسلماً، ولا تجتازن عليه كارهاً، ولا
تأخذن منه أكثر من حق الله في ماله، فإذا قدمت على الحي فانزل بمائهم من غير أن
تخالط أبياتهم، ثم امض إليهم بالسكينة والوقار؛
حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم. قوله عليه السلام:
على تقوى الله، على ليست متعلقة ب انطلق، بل بمحذوف، تقديره: مواظباً. قوله عليه السلام : ولا تجتازن عليه كارهاً، أي لا تمرن ببيوت أحد من المسلمين
يكره مرورك. وروي:
ولا تختارن عليه، أي لا تقسم ماله وتختر أحد القسمين، والهاء في عليه ترجع إلى
مسلماً وتفسير هذا سيأتي في وصيته له أن يصدع المال ثم يصدعه، فهذا هو النهي عن
أن يختار على المسلم والرواية الأولى هي المشهورة.
وأيضاً:
ومن
شعر الحماسة:
وليس قول من يقول:
إنه عطف بين الثالثة على الضمير المجرور بأولى من قول من يقول: بل عطف بين
الثالثة على بين الثانية، لأن المعنى يتم بكل واحد منها. والرفاهية:
الدعة والراحة. وجواد الطريق:
حيث لا ينبت المرعى، والنطاف: جمع نطفة، وهي الماء الصافي القليل، والبدن
بالتشديد: السمان، واحدها بادن، ومنقيات: ذوات نقي، وهو المخ في العظم، والشحم
في العين من السمن، وأنقت الإبل وغيرها: سمنت وصار فيها نقي، وناقة منقية، وهذه
الناقة لا تنقي. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن عهد له إلى بعض عماله وقد بعثه على الصدقة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: آمره بتقوى
الله في سرائر أمره؛ وخفيات عمله، حيث لا شاهد غيره، ولا وكيل دونه، وآمره ألا
يعمل بشيء من طاعة الله فيما ظهر فيخالف إلى غيره فيما أسر، ومن لم يختلف سره
وعلانيتة، وفعله ومقالته، فقد أدى الأمانة، وأخلص العبادة، وأفره ألا يجبههم،
ولا يعضههم، ولا يرغب عنهم تفضلاً بالإمارة عليهم فإنهم الإخوان في الدين،
والأعوان على استخراج الحقوق. وإن لك في هذه الصدقة نصيباً مفروضاً، وحقاً
معلوماً، وشركاء أهل مسكنة، وضعفاء ذوي فاقة. ثم
ذكر أن لهذا العامل نصيباً مفروضاً من الصدقة، وذلك بنص الكتاب العزيز؛ فكما
نوفيك نحن حقك يجب عليك أن توفي شركاءك حقوقهم، وهم الفقراء والمساكين والغارمون
وسائر الأصناف المذكورة في القرآن، وهذا يدل على أنه عليه السلام قد فوضه في صرف الصدقات إلى الأصناف المعلومة، ولم يأمره بأن
يحمل ما اجتمع إليه ليوزعه هو عليه
السلام على
مستحقيه كما في الوصية الأولى، ويجوز للإمام أن يتولى ذلك بنفسه، وأن يكله إلى
من يثق به من عماله.
والسائلون ههنا هم الرقاب المذكورون في الآية، وهم المكاتبون يتعذر عليهم أداء مال
الكتابة، فيسألون الناس ليتخلصوا من ربقة الرق. وقيل: هم
الأسارى يطلبون فكاك أنفسهم، وقيل: بل
المراد بالرقاب في الآية الرقيق، يسأل أن يبتاعه الأغنياء فيعتقوه. والمدفوعون
ههنا هم الذين عناهم الله تعالى في الآية بقوله: "وفي
سبيل الله"، وهم فقراء الغزاة، سماهم مدفوعين لفقرهم. والمدفوع
والمدفع: الفقير، لأن كل أحد يكرهه ويدفعه عن نفسه. وقيل: هم الحجيج المنقطع
بهم، سماهم مدفوعين لأنهم دفعوا عن إتمام حجهم، أو دفعوا عن العود إلى أهلهم. فأما العاملون عليها فقد ذكرهم عليه السلام في قوله:
وإن لك في هذه الصدقة نصيباً مفروضاً، فبقيت ستة أصناف
أتى عليه السلام بألفاظ القرآن في أربعة أصناف منها، وهي: الفقراء، والمساكين، والغارم، وابن السبيل، وأبدل لفظتين وهما الرقاب وفي سبيل الله بلفظتين وهما السائلون والمدفوعون. وقيل: هم
الذين يحملون الحمالات فدينوا فيها وغرموا، وابن
السبيل: المسافر المنقطع عن ماله، فهو - وإن كان غنياً حيث ماله موجود -
فقير حيث هو بعيد. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن عهد له إلى محمد بن أبي بكر رضي الله عنه حين
قلده مصر
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
فاخفض لهم جناحك، وألن لهم جانبك، وابسط لهم وجهك، وآس بينهم في اللحظة والنظرة،
حتى لا يطمع العظماء في حيفك لهم، ولا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم، فإن الله
تعالى يسائلكم معشر عباده عن الصغيرة من أعمالكم والكبيرة، والظاهرة والمستورة،
فإن يعذب فأنتم أظلم؛ وإن يعف فهو أكرم. وقال النحويون: إن قوله تعالى: "ويجعلكم خلفاء الارض" جاء على خليف لا
على خليفة، وأنشدوا لأوس بن حجر بيتاً، استعملها جميعاً
فيه، وهو:
قوله:
ألزم لكم من ظلكم ، لأن الظل لا تصح مفارقته لذي الظل ما دأم في الشمس، وهذا من
إلا مثال المشهورة.
وتنافح:
تجالد، نافحت بالسيف أي خاصمت به. وقال صلى الله عليه وسلم: "أول ما يحاسب به العبد صلاته،
فإن سهل عليه كان ما بعده أسهل، وإن اشتد عليه وإن اشتد عليه كان ما بعده
أشد". ومثل قوله: ولا تسخط الله برضا أحد من خلقه ، ما رواه المبرد في
الكامل عن عائشة قالت:
من أرضى الله بإسخاط الناس كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن أرضى الناس بإسخاط
الله وكله الله إلى الناس. وأنا أقسم بالله لئن أتيت بك سكران لأضربنك حداً للخمر، وحداً للسكر،
ولأزيدن لموضع حرمتك بي، فليكن
تركك لها لله عز وجل تعن عليه، ولا تدعها للناس فتوكل إليهم، فقال ابن هرمة:
الأصل:
ومن هذا العهد: فإنه لا سواء، إمام الهدى وإمام الردى،
وولي النبي وعدو النبي، ولقد قال لي رسول لله صلى الله عليه وآله: "إني لا أخاف على
أمتي مؤمناً ولا مشركاً، إما المؤمن فيمنعه الله لإيمانه، و أما المشرك فيقمعه
الله بشركه، ولكني أخاف عليكم كل منافق الجنان، عالم اللسان، يقول ما تعرفون،
ويفعل ما تنكرون". قال أبو جعفر:
وفي هذه السنة عزم المعتضد على لعن معاوية بن أبي سفيان
على المنابر، و أمر بإنشاء كتاب يقرأ على الناس، فخوفه عبيد الله بن سليمان اضطراب العامة، وأنه لايأمن أن تكون
فتنة، فلم يلتفت إليه. فكان أول شيء بدأ به
المعتضد من ذلك التقدم إلى العامة بلزوم أعمالهم، وترك الإجتماع والعصبية،
والشهادات عند السلطان إلا أن يسألوا، ومنع القصاص عن القعود على الطرقات، وأنشأ
هذا الكتاب وعملت به نسخ قرئت بالجانبين من مدينة السلام في الأرباع والمحال
والأسواق يوم الأربعاء لست بقين من جمادى الأولى من هذه السنة، ثم منع يوم
الجمعة لأربع بقين منه، ومنع القصاص من القعود في الجانبين، ومنع أهل الحلق من
القعود في المسجدين، ونودي في المسجد الجامع بنهي الناس عن الإجتماع وغيره وبمنع
القصاص وأهل الحلق من القعود، ونودي: إن الذمة
قد برئت ممن اجتمع من الناس في مناظرة أو جدال، وتقدم
إلى الشراب الذين يسقون الماء في الجامعين إلا يترحموا على معاوية، ولا يذكروه
بخير، وكانت عادتهم جارية بالترحم عليه، وتحدث الناس أن الكتاب الذي قد
أمر المعتضد بإنشائه بلعن معاوية يقرأ بعد صلاة الجمعة
على المنبر، فلما صلى الناس بادروا إلى المقصورة ليسمعوا قراءة الكتاب، فلم يقرأ، وقيل: إن عبيد الله بن سليمان صرفه عن
قراءته، وإنه أحضر يوسف بن يعقوب القاضي، و أمره أن يعمل الحيلة في إبطال ما عزم
المعتضد عليه، فمضى يوسف فكلم المعتضد في ذلك، وقال
له: إني أخاف أن تضطرب العامة، ويكون منها عند سماعها هذا الكتاب حركة،
فقال: إن تحركت العامة أو نطقت وضعت السيف فيها. فقال: يا
أمير المؤمنين، فما تصنع بالطالبيين الذين يخرجون في كل ناحية، ويميل إليهم خلق
كثير، لقربتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما في هذا الكتاب من إطرائهم -
أو كما قال - وإذا سمع الناس هذا كانوا إليهم أميل، وكانوا هم أبسط ألسنة، وأثبت
حجة منهم اليوم. فأمسك المعتضد فلم يرد إليه جواباً، ولم يأمر بعد ذلك في
الكتاب بشيء. وكان من جملة الكتاب بعد أن قدم حمد الله
والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أما بعد، فقد انتهى إلى أمير المؤمنين ما عليه جماعة العامة من شبهة قد دخلتهم
في أديانهم، وفساد قد لحقهم في معتمدهم، وعصبية قد غلبت عليها أهواؤهم، ونطقت
بها ألسنتهم، على غير معرفة ولا روية، قد قلدوا فيها قادة الضلالة بلا بينة ولا
بصيرة، وخالفوا السنن المتبعة، إلى إلا هواء المبتدعة، قال الله تعالى: "ومن أضل ممن أتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا
يهدي القوم الظالمين". خروجاً عن الجماعة، ومسارعةً إلى الفتنة،
وإيثاراً للفرقة، وتشتيتاً للكلمة، وإظهاراً لموالاة من قطع الله عنه الموالاة،
وبتر منه العصمة، وأخرجه من الملة، وأوجب عليه اللعنة، وتعظيماً لمن صغر الله
حقه، وأوهن أمره، وأضعف ركنه، من بني أمية، الشجرة الملعونة، ومخالفة لمن
استنقذهم الله به من الهلكة، وأسبغ عليهم به النعمة من أهل بيت البركة والرحمة،
"والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم". فأعظم أمير المؤمنين ما انتهى إليه من ذلك، ورأى
ترك إنكاره حرجاً عليه في الدين، وفساداً لمن قلده الله أمره من المسلمين،
وإهمالاً لما أوجبه الله عليه من تقويم المخالفين، وتبصير الجاهلين، وإقامة
الحجة على الشاكين، وبسط اليد على المعاندين وأمير المؤمنين يخبركم معاشر
المسلمين أن الله جل ثناؤه لما ابتعث محمداً صلى الله عليه وسلم بدينه، وأمره أن
يصدع بأمره، بدأ بأهله وعشيرته فدعاهم إلى ربه، وأنذرهم وبشرهم، ونصح لهم
وأرشدهم، فكان من استجاب له، وصدق قوله، واتبع أمره نفير يسير من بني أبيه، من
بين مؤمن بما أتى به من ربه، وناصر لكلمته وإن لم يتبع دينه إعزازأ له، وإشفاقاً
عليه، فمؤمنهم مجاهد ببصيرته، وكافرهم مجاهد بنصرته وحميته، يدفعون من نابذه،
ويقهرون من عازه وعانده، ويتوثقون له ممن كاتفه وعاضده، ويبايعون من سمح بنصرته،
ويتجسسون أخبار أعدائه، ويكيدون له بظهر الغيب كما يكيدون له برأي العين، حتى
بلغ المدى، وحان وقت الأهتداء، فدخلوا في دين الله وطاعته وتصديق رسوله و إلا
يمان به بأثبت بصيرة، وأحسن هدى ورغبة، فجعلهم الله أهل بيت الرحمة، وأهل بيت
الدين، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. معدن الحكمة، وورثة النبوة، وموضع الخلافة. أوجب
الله لهم الفضيلة، وألزم العباد لهم الطاعة. فلم يزل لعنه الله يحارب مجاهداً، ويدافع مكايداً،
ويجلب منابذاً، حتى قهره السيف، وعلا أمر الله وهم كارهون، فتعوذ بإلاسلام غير
منطو عليه، وأسر الكفر غير مقلع عنه، فقبله وقبل ولده على علم منه بحاله وحالهم.
ثم أنزل الله تعالى كتاباً فيما
أنزله على رسوله يذكر فيه شأنهم، وهو قوله تعالى: "والشجرة الملعونة في القرآن"، ولا خلاف بين أحد في أنه تعالى وتبارك أراد بها بني أمية. ومنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا معاوية ليكتب بين
يديه، فدافع بأمره واعتل بطعامه؟ فقال صلى الله عليه وسلم :"لا أشبع الله بطنه
". فبقي لا يشبع وهو يقول: والله ما أترك الطعام شبعاً، ولكن
إعياء! ومنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يطلع من هذا الفج رجل من أمتي يحشر على
غيرملتي " فطلع معاوية. فلا بد وأن تعلو كلمة الضلال وترتفع دعوة الباطل، وكلمة الله هي
العليا، ودينه المنصور، وحكمه النافذ، و أمره الغالب وكيد من عاداه وحاده
المغلوب الداحض، حتى احتمل أوزار تلك الحروب وما تبعها، وتطوق تلك الدماء وما
سفك بعدها، وسن سنن الفساد التي عليه إثمها وإثم من عمل بها، وأباح المحارم لمن
ارتكبها، ومنع الحقوق أهلها، وغرته الآمال، واستدرجه الإمهال. وقال: "الولد للفراش وللعاهر الحجر"، فخالف حكم الله تعالى
ورسوله جهاراً، وجعل الولد لغير الفراش والحجر لغير العاهر، فأحل بهذه الدعوة من
محارم الله ورسوله في أم حبيبة أم المؤمنين وفي غيرها من النساء من شعور ووجوه
قد حرمها الله وأثبت بها من قربى قد أبعدها الله، ما لم يدخل الدين خلل مثله،
ولم ينل الإسلام تبديل يشبهه.
قول من لا يرجع إلى الله ولا إلى دينه ولا إلى رسوله ولا إلى
كتابه، ولا يؤمن بالله وبما جاء من عنده. ثم أغلظ ما أنتهك، وأعظم ما اجترم، سفكه دم الحسين ابن علي رضي الله عنه،
مع موقعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانه
ومنزلته من الدين والفضل والشهادة له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنة، اجتراءً على
الله، وكفراً بدينه، وعداوة لرسوله، ومجاهرة لعترته، واستهانة لحرمته، كأنما
يقتل منه ومن أهل بيته قوماً من كفرة الترك ولديلم، ولا يخاف من الله نقمة، ولا
يراقب منه سطوة، فتبر الله عمره، وأخبث أصله وفرعه، وسلبه ما تحت يده، وأعد له
من عذابه وعقوبته، ما استحقه من الله بمعصيته. اللهم إنا نبرأ إليك من موالا ة
أعدائك، ومن الإغماض لأهل معصيتك، كما قلت: "لا تجد قوماً يؤمنون بالله
واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله". ولعل هذا الكلام كان قد انشىء ليكون كتاباً، ويكتب به إلى
الأفاق، ويؤمروا بقراءته على الناس، وذلك بعد قراءته على أهل بغداد. والذي يؤكد كونه كتاباً، وينصر ما قاله الطبري، أن في آخره:
كتب عبيد الله بن سليمان في سنة أربع وثمانين ومائتين،
وهذا لا يكون في الخطب، بل في الكتب، ولكن الطبري لم
يذكر أنه أمر بأن يكتب إلى الآفاق ولا قال: وقع العزم على ذلك، ولم يذكر إلا وقوع العزم على أن يقرأ في الجوامع ببغداد. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كتاب إلى معاوية جواباً وهو من محاسن الكتب.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما بعد، فقد
أتاني كتابك تذكر فيه أصطفاء الله محمداً صلى الله
عليه وأله لدينه، وتأييده إياه لمن أيده من أصحابه، فلقد خبأ لنا الدهر
منك عجباً، إذ طفقت تخبرنا ببلاء الله تعالى عندنا، ونعمته علينا في نبينا، فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر، أو داعي مسدده إلى النضال. وزعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلان
وفلان، فذكرت أمراً إن تم أعتزلك كله، وإن نقص لم يلحقك ثلمه. وما أنت والفاضل والمفضول، والسائس
والمسوس! وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين إلا ولين، وترتيب
درجاتهم، وتعريف طبقاتهم! هيهات، لقد حن قدح ليس منها، وطفق
يحكم فيها من عليه الحكم لها! إلاتربع أيها الإنسان على ظلعك، وتعرف قصور ذرعك،
وتتأخر حيث أخرك القدر! فما عليك غلبة المغلوب، ولا ظفر الظافر، فإنك لذهاب في
التيه، رواغ عن القصد. أو لا ترى
أن قوماً قطعت أيديهم في سبيل الله ولكل فضل، حتى إذا
فعل بواحدنا ما فعل بواحدهم، قيل: الطيار في الجنة وذو الجناحين! ولولا
ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه، لذكر ذاكر فضائل
جمة، تعرفها قلوب المؤمنين، ولا تمجها أذان
السامعين. وأنى يكون
ذلك كذلك ومنا النبي ومنكم المكذب، ومنا أسد الله
ومنكم أسد إلا حلاف، ومنا سيدا شباب أهل الجنة ومنكم صبية النار، ومنا خير نساء
العالمين، ومنكم حمالة الحطب، في كثير مما لنا وعليكم! فإسلامنا ما قد
سمع، وجاهليتنا لا تدفع، وكتاب الله يجمع لنا ما شذ عنا، وهو قوله سبحانه وتعالى: "وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب
الله"، وقوله تعالى: "إن أولى
الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين"،
فنحن مرة أولى بالقرابة، وتارة أولى بالطاعة. وقد يستفيد الظنة المتنصح
وما أردت إلا الإصلاح ما أستطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
رسالة معاوية إلى علي رضي الله عنه.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الشرح: سألت
النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد، فقلت: أرى
هذا الجواب منطبقاً على كتاب معاوية الذي بعثه مع أبي مسلم الخولاني إلى علي رضي الله عنه، فإن
كان هذا هو الجواب فالجواب الذي ذكره أرباب
السيرة وأورده نصر بن مزاحم في كتاب صفين إذن غير صحيح، وإن كان ذلك الجواب، فهذا الجواب إذن
غير صحيح ولا ثابت، فقال لي: بل كلاهما ثابت مروي، وكلاهما كلام أمير المؤمنين رضي الله عنه وألفاظه،
ثم أمرني أن أكتب ما عليه علي رضي الله عنه، فكتبته، قال رحمه الله:
كان معاوية يتسقط علياً وينعى عليه ما عساه يذكره من حال أبي بكر وعمر، وأنهما
غصباه حقه، ولا يزال يكيده بالكتاب يكتبه، والرسالة يبعثها يطلب غرته، لينفث بما في صدره من حال أبي بكر وعمر، إما مكاتبة
أومراسلة، فيجعل ذلك حجة عليه عند أهل الشام، ويضيفه
إلى ما قرره في أنفسهم من ذنوبه كما زعم، فقد كان رضي الله عنه عندهم بأنه قتل عثمان ومالأ على قتله، وأنه
قتل طلحة والزبير، وأسر عائشة، وأراق دماء أهل البصرة. وبقيت خصلة واحدة، وهو أن
يثبت عندهم أنه يتبرأ من أبي بكر وعمر، وينسبهما إلى الظلم ومخالفة الرسول في
أمر الخلافة، وأنهما وثبا عليها غلبة، وغصباه إياها، فكانت
هذه الطامة الكبرى ليست مقتصرة على فساد أهل
الشام عليه، بل وأهل العراق الذين هم جنده وبطانته وأنصاره، لأنهم كانوا يعتقدون إمامة
الشيخين، إلا القليل الشاذ من خواص الشيعة، فلما
كتب ذلك الكتاب مع أبي مسلم الخولاني قصد أن يغضب علياً ويخرجه ويحوجه إذا قرأ ذكر أبي بكر، وأنه
أفضل المسلمين، إلى أن يخلط خطه في الجواب بكلمة تقتضي طعناً في أبي بكر،
فكان الجواب مجمجماً غير بين، ليس فيه تصريح بالتظليم
لهما، ولا التصريح ببراءتهما، وتارة يترحم
عليهما، وتارة يقول: أخذا حقي وقد تركته لهما،
فأشار عمرو بن العاص على معاوية أن يكتب كتاباً ثانياً
مناسباً للكتاب إلاول ليستفزا فيه علياً رضي
الله عنه ويسخفاه،
ويحمله الغضب منه أن يكتب كلاما يتعلقان به في تقبيح حاله وتهجين مذهبه. وقال له عمرو: إن علياً رضي
الله عنه رجل نزق تياه، وما استطعمت منه الكلام بمثل تقريظ أبي بكر وعمر، فاكتب.
فكتب كتاباً أنفذه إليه مع أبي أمامة الباهلي، وهو من الصحابة، بعد أن عزم على
بعثته مع أبي الدرداء. ونسخة الكتاب: من عبد الله معاوية بن
أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب. ثم الخليفة الثالث المظلوم الذي نشر الملة،
وطبق الآفاق بالكلمة الحنيفية. فدع
اللجاج والعبث جانباً، وادفع إلينا قتلة عثمان، وأعد الأمر شورى بين المسلمين
ليتفقوا على من هو لله رضاً. فلا بيعة لك في أعناقنا، ولا طاعة لك علينا،
ولا عتبى لك عندنا، وليس لك ولأصحابك عندي إلاالسيف. والذي
لا إله إلا هو لأطلبن قتلة عثمان أين كانوا، وحيث كانوا، حتى أقتلهم أو تلتحق
روحي بالله. فأما
ما لا تزال تمن به من سابقتك وجهادك فإني وجدت الله سبحانه يقول: "يمنون عليك إن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل
الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين". ولو نظرت في حال
نفسك لوجدتها أشد إلا نفس امتناناً على الله بعملها، وإذا كان الإمتنان على
السائل يبطل أجر الصدقة، فالإمتنان على الله يبطل أجر الجهاد، ويجعله "كصفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً لا
يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين". وهجر:
اسم مدينة لا ينصرف للتعريف والتأنيث. وقيل:
هو اسم مذكر مصروف، وأصل المثل كمستبضع تمر إلى هجر،
والنسبة إليه هاجري على غير قياس، وهي بلدة كثيرة النخل
يحمل منها التمر إلى غيرها، قال الشاعر في هذا المعنى:
قوله:
وداعي مسدده إلى النضال، أي معلمه الرمي، وهذا إشارة إلى قول القائل إلا ول:
هكذا الرواية الصحيحة بالسين المهملة، أي استقام ساعده
على الرمي، وسددت فلاناً: علمته النضال،
وسهم سديد: مصيب، ورمح سديد، أي قل أن تخطىء طعنته، وقد ظرف القاضي إلا رجاني في
قوله لسديد الدولة محمد بن عبد الكريم الآنباري
كاتب الآنشاء:
ومن الأمثال في هذا المعنى: سمن كلبك يأكلك، ومنها: أحشك وتروثني!.
ثم خرج إلى خطاب جرير بعد أبيات تركنا ذكرها، فقال:
فقوله: وما أنت من قيس فتنبح دونها. هو معنى قول علي رضي الله عنه لمعاوية: فذكرت
أمراً إن تم اعتزلك كله، وابن حازم المذكور في الشعر هو عبد الله بن حازم، من بني سليم، وسليم من قيس عيلان،
وقتلته تميم أيضاً، وكان والي خراسان. فنقلوا الأسم من الفاعلية فجعلوه منصوباً على التمييز، كقولهم: طبت
به نفسأ.
قوله رضي الله عنه:
وإنك لذهاب في التيه، رواغ عن القصد، يحتمل قوله رضي الله عنه في التيه معنيين: أحدهما بمعنى
الكبر، والآخر التيه من قولك: تاه فلان في البيداء و قوله تعالى: "فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في
الأرض"، وهذا الثاني أحسن يقول: إنك
شديد الإيغال في الضلال. وذهاب فعال، للتكثير،
ويقال: أرض متيهة، مثل معيشة، أي يتاه فيها. ثم قال: ألا ترى غير
نحبر لك، ولكن بنعمة الله أحدث، أي لست عندي أهلاً لأن
أخبرك بذلك أيضاً، فإنك تعلمه، ومن يعلم الشيء لا يجوز أن يخبر به؟ ولكن أذكر ذلك لأنه تحدث بنعمة الله علينا، وقد امرنا بأن نحدث بنعمته سبحانه. يقول: ليس لأحد من
البشر علينا نعمة، بل الله تعالى هو الذي أنعم علينا، فليس بيننا وبينه واسطة،
والناس بأسرهم صنائعنا، فنحن الواسطة بينهم وبين الله تعالى، وهذا مقام جليل
ظاهره ما سمعت، وباطنه أنهم عبيد الله، وأن الناس عبيدهم. مناكحات
بين بني هاشم وبني عبد شمس. وينبغي أن نذكر ههنا مناكحات بني هاشم وبني عبد شمس.
زوج رسول الله صلى
الله عليه وسلم ابنتيه رقية و
أم كلثوم من عثمان بن عفان بن أبي العاص، وزوج ابنته زينب من أبي العاص بن
الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس في الجاهلية، وتزوج أبو لهب بن عبد المطلب أم
جميل بنت حرب بن أمية في الجاهلية، وتزوج رسول الله صلى
الله عليه وسلم أم
حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب، وتزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت الحسين
بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقال إسحاق بن سليمان بن علي: قلت للعباس بن محمد: إذا اتسعنا من البنات، وضقنا من
البنين، وخفنا بوار الأيامى فإلى من نخرجهن من قبائل قريش؟ فأنشدني:
فعرفت
ما أراد وسكت. وهذا كلام طريف جداً،
لأنه لم يلحظ أنه يجب أن يجعل بإزاء النبي صلى الله عليه وسلم مكذب من بني عبد شمس، فقال: المكذب من كذب النبي صلى الله عليه وسلم من قريش عناداً، وليس كل من كذبه
رضي الله عنه من قريش يعيرمعاوية به. ثم قال: أسد الأحلاف أسد بن عبد العزى، وأي عار يلزم معاوية من ذلك، ثم إن بني عبد مناف كانوا
في هذا الحلف وعلي ومعاوية من بني عبد مناف، ولكن
الراوندي يظلم نفسه بتعرضه لما لا يعلمه. ولم يعلم الراوندي ما المراد بهذه الكلمة، فقال: صبية النار أولاد مروان بن
الحكم الذين صاروا من أهل النار عند البلوغ، ولما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم
عنهم بهذه الكلمة كانوا صبية، ثم ترعرعوا واختاروا الكفر، ولا
شبهة أن الراوندي قد كان يفسر من خاطره ما
خطر له. وقال: لو
كانت جاهلية بني هاشم في الشرف كإسلامهم لعد من جاهليتهم حسب ما عد من فضيلتهم
في الإسلام. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فضل بني هاشم علي بني عبد شمس.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وينبغي أن نذكر في هذا الموضع فضل هاشم على عبد شمس في الجاهلية، وقد يمتزج بذلك بعض ما يمتازون به في
الإسلام أيضاً، فإن استقصاءه في الإسلام كثير، لأنه لا يمكن جحد ذلك، وكيف
والإسلام كله عبارة عن محمد صلى الله عليه وسلم، وهو هاشمي! ويدخل في ضمن ذلك ما يحتج به الأموية أيضاً، فنقول: إن شيخنا أبا عثمان قال: إن أشرف خصال قريش
في الجاهلية اللواء، والندوة، والسقآية، والرفادة، وزمزم، والحجابة وهذه الخصال مقسومة في الجاهلية لبني هاشم وعبد الدار
وعبد العزى دون بني عبد شمس. قال:
على أن معظم ذلك صار شرفه في الإسلام إلى بني هاشم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ملك مكة صار مفتاح الكعبة بيده،
فدفعه إلى عثمان بن طلحة، فالشرف راجع إلى
من ملك المفتاح، لا إلى من دفع إليه، وكذلك دفع صلى
الله عليه وسلم اللواء إلى مصعب بن عمير
فالذي دفع اللواء إليه وأخذه مصعب من يديه أحق بشرفه وأولى بمجده وشرفه راجع إلى
رهطه من بني هاشم.
قال:
فانبرى له شاعر من ولد كريز بن حبيب بن عبد شمس، كان مع محمد بن عيسى باليمن
يهجوعنه ابن مدلج في كلمة له طويلة، قال فيها:
قال شيخنا أبو عثمان: فالشهداء علي وحمزة، وجعفر، والحاكي والمخلج
هو الحكم بن أبي العاص، كان يحكي مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتفت يوماً
فرآه، فدعا عليه، فلم يزل مخلج المشية عقوبة من الله تعالى. والطريد اثنان: الحكم بن أبي العاص، ومعاوية بن
المغيرة بن أبي العاص، وهما جدا عبد الملك بن مروان من
قبل أمه وأبيه.
قال
ذلك في شيء كان بينه وبين بعض قريش، فدعاه مطرود إلى المحاكمة إلى هاشم، وقال ابن الزبعرى:
فعم
كما ترى أهل مكة بالأزل والعجف، وجعله الذي هشم لهم
الخبز ثريداً، فغلب هذا اللقب على اسمه حتى صار لا يعرف إلا به، وليس لعبد شمس
لقب كريم، ولا اشتق له من صالح أعماله أسم شريف، ولم
يكن لعبد شمس ابن يأخذ بضبعه، ويرفع من قدره، ويزيد في ذكره، ولهاشم عبد المطلب سيد الوادي غير مدافع، أجمل الناس جمالاً،
وأظهرهم جوداً، وأكملهم كمالاً، وهو صاحب الفيل، والطير الأبابيل، وصاحب زمزم،
وساقي الحجيج. وولد
عبد شمس أمية بن عبد شمس وأمية في نفسه ليس هناك، وإنما ذكر بأولاده ولا لقب له،
ولعبد المطلب لقب شهير واسم شريف: شيبة الحمد، قال
مطرود الخزاعي في مدحه:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقال
حذافة بن غانم العدوي وهويمدح أبا لهب، ويوصي
ابنه خارجة بن حذافة بالآنتماء إلى بني هاشم:
فأبو عتبة هوأبو لهب، عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم، وابناه عتبة
وعتيبة.
وإنما
شرف عبد شمس بأبيه عبد مناف بن قصي وبني ابنه أمية بن عبد شمس، وهاشم شرف بنفسه
وبأبيه عبد مناف، وبابنه عبد المطلب، و الأمر في هذا بين، وهو كما أوضحه الشاعر
في قوله:
قال أبو عثمان:
ولسنا نقول: إن عبد شمس لم يكن شريفاً في نفسه،
ولكن الشرف يتفاضل، وقد أعطى الله عبد المطلب في زمانه،
وأجرى على يديه، وأظهر من كرامته ما لا يعرف مثله إلا لنبي مرسل، وإن في كلامه
لأبرهة صاحب الفيل وتوعده إياه برب الكعبة وتحقيق قوله من الله تعالى ونصرة
وعيده بحبس الفيل، وقتل أصحابه بالطير الأبابيل وحجارة السجيل حتى تركوا كالعصف
المأكول - لأعجب البرهانات، وأسنى الكرامات، وإنما كان ذلك إرهاصاً لنبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وتأسيساً لما يريده الله
به من الكرامة، وليجعل ذلك البهاء متقدماً له، ومردوداً عليه، وليكون أشهر في
الآ فاق، وأجل في صدور الفراعنة والجبابرة والأكاسرة، وأجدر أن يقهر المعاند،
ويكشف غباوة الجاهل. وبعد، فمن يناهض ويناضل
رجالاً ولدوا محمداً صلى الله عليه وسلم، ولو
عزلنا ما أكرمه الله به من النبوة حتى نقتصر على أخلاقه ومذاهبه وشيمه لما وفى
به بشر، ولا عدله شىء، ولو شئنا أن نذكر ما أعطى الله به عبد المطلب من تفجر
العيون وينابيع الماء من تحت كلكل بعيره وأخفافه بالأرض القسي، وبما أعطي من
المساهمة وعند المقارعة من الأمور العجيبة، والخصال البائنة، لقلنا، ولكنا أحببنا ألا نحتج عليكم إلا بالموجود في القرآن الحكيم،
والمشهور في الشعر القديم، الظاهر على ألسنة الخاصة والعامة ورواة الأخبار وخمال
الآ ثار. والإ
يلاف، هو أن هاشماً كان رجلاً كثير السفر والتجارة،
فكان يسافر في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام، وشرك في تجارته رؤساء
القبائل من العرب ومن ملوك اليمن والشام، نحو العباهلة باليمن، واليكسوم من بلاد
الحبشة، ونحو ملوك الروم بالشام، فجعل لهم معه ربحاً فيما يربح، وساق لهم
إبلاً مع إبله، فكفاهم مؤونة الأسفار، على أن يكفوه مؤونة
الأعداء في طريقه ومنصرفه، فكان في ذلك صلاح عام للفريقين، وكان المقيم
رابحاً، والمسافر محفوظاً، فأخصبت قريش بذلك، وحملت معه
أموالها، وأتاها الخير من البلاد السافلة والعالية، وحسنت حالها، وطاب عيشها.
قال: وقد ذكر حديث الإيلاف الحارث بن الحنش السلمي، وهو خال هاشم والمطلب وعبد
شمس، فقال:
قال أبو عثمان:
وقيل: إن تفسير قوله تعالى: "وآمنهم من خوف"
هو خوف من كان هؤلاء الأخوة يمرون به من القبائل والأعداء وهم مغتربون ومعهم
الأموال، وهذا ما فسرنا به الإيلاف آنفا، وقد فسره قوم بغير ذلك، قالوا: إن
هاشماً جعل على رؤساء القبائل ضرائب يؤدونها إليه ليحمي بها أهل مكة، فإن ذؤبان
العرب وصعاليك الأحياء وأصحاب الغارات وطلاب الطوائل كانوا لا يؤمنون على الحرم،
لا سيما وناس من العرب كانوا لا يرون للحرم حرمة، ولا للشهر الحرام قدراً، مثل
طيىء وخثعم وقضاعة وبعض بلحارث بن كعب، وكيفما كان
الإيلاف فإن هاشماً كان القائم به دون غيره من إخوته. قال
النبي صلى الله عليه وسلم - وهويذكر حلف الفضول -: "لقد شهدت في دار عبد
الله بن جدعان حلفاً لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت". ويكفي في جلالته وشرفه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهده وهو غلام، وكان عتبة
بن ربيعة يقول: لو أن رجلاً خرج مما عليه قومه لدخلت في حلف الفضول، لما أرى من
كماله وشرفه، ولما أعلم من قدره وفضيلته. وكانت النباهة في هذا
الحلف للزبير بن عبد المطلب ولعبد الله بن جدعان، أما ابن جدعان فلأن الحلف
عقد في داره، و أما الزبير فلأنه هو الذي نهض فيه، ودعا إليه، وحث عليه، وهو
الذي سماه حلف الفضول، وذلك لأنه لما سمع الزبيدي المظلوم ثمن سلعته قد أوفى على
أبي قبيس قبل طلوع الشمس رافعاً عقيرته وقريش في أنديتها قائلاً:
حمي
وحلف ليعقدن حلفاً بينه وبين بطون من قريش يمنعون القوي من ظلم الضعيف، والقاطن
من عنف الغريب، ثم قال:
فبنو هاشم هم الذين سموا ذلك الحلف حلف الفضول، وهم كانوا سببه،
والقائمين به دون جميع القبائل العاقدة له، والشاهدة لأمره، فما ظنك بمن شهده
ولم يقم بأمره!
قال أبو عثمان: وكان الزبير بن عبد المطلب شجاعاً أبياً، وجميلاً بهياً، وكان
خطيباً شاعراً، وسيداً جواداً، وهو الذي يقول:
قال:
والزبير هو الذي يقول:
قال: وبنو هاشم هم الذين ردوا على الزبيدي ثمن بضاعته، وكانت عند العاص بن وائل، وأخذوا
للبارقي ثمن سلعته من أبي بن خلف الجمحي، وفي ذلك يقول
البارقي:
وهم
الذين انتزعوا من نبيه بن الحجاج قتول الحسناء بنت التاجر الخثعمي، وكان كابره
عليها حين رأى جمالها، وفي ذلك يقول نبيه بن الحجاج:
وفيها
أيضاً يقول:
في
كلمته التي يقول فيها:
في
رجال كثير انتزعوا منهم الظلامات، ولم يكن يظلم بمكة إلا رجال أقوياء، ولهم
العدد والعارضة، منهم من ذكرنا قصته. و أما أمية فلم يكن في نفسه هناك، وإنما رفعه
أبوه، وكان مضعوفاً، وكان صاحب عهار يدل على ذلك قول نفيل
بن عدي جد عمر بن الخطاب حين تنافر إليه حرب بن أمية
وعبد المطلب بن هاشم، فنفر عبد المطلب وتعجب من إقدام حرب عليه وقال له:
وذلك أن أمية كان تعرض لامرأة من بني زهرة، فضربه رجل منهم بالسيف، فأراد بنو
أمية ومن تبعهم إخراج زهرة من مكة، فقام دونهم قيس بن عدي السهمي - وكانوا
أخواله، وكان منيع الجانب، شديد العارضة، حمي الآنف، أبي النفس - فقام دونهم
وصاح: أصبح ليل، فذهبت مثلاً، ونادى: الآن الظاعن مقيم. وفي هذه القصة يقول وهب
بن عبد مناف بن زهرة جد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال أبو عثمان: وصنع أمية في الجاهلية شيئاً لم يصنعه أحد من العرب، زوج ابنه أبا عمرو امرأته في حياته
منه. فأولدها أبا معيط بن أبي عمرو بن أمية. والمقيتون
في الإسلام هم الذين نكحوا نساء آبائهم بعد موتهم، فأما أن يتزوجها في
حياة الأب ويبني عليها وهو يراه، فإنه شيء لم يكن قط. وقال جحش بن رئاب الأسدي حين نزل مكة بعد موت عبد المطلب: والله لأتزوجن ابنة أكرم أهل هذا
الوادي، ولأحالفن أعزهم، فتزوج أميمة بنت عبد المطلب،
وحالف أبا سفيان بن حرب. وقد يمكن أن يكون أعزهم ليس بأكرمهم، ولا يمكن
أن يكون أكرمهم ليس بأعزهم، وقد أقر أبو جهل على نفسه
ورهطه من بني مخزوم حين قال: تحاربنا نحن وهم، حتى إذا صرنا كهاتين
قالوا: منا نبي. فأقر بالتقصير، ثم ادعى المساواة، ألا تراه كيف أقر أنه لم يزل
يطلب شأوهم ثم ادعى أنه لحقهم! فهو مخصوم في إقراره، خصيم في دعواه، وقد حكم لهاشم دغفل بن حنظلة النسابة حين سأله معاوية عن بني هاشم: فقال: هم أطعم للطعام، وأضرب
للهام، وهاتان خصلتان يجمعان أكثر الشرف. ثم
قام أبو سفيان بن حرب مقام أبيه بعد موته، فخالفه أبو الأزيهر الدوسي، وكان عظيم
الشأن في الأزد، وكانت بينه وبين بني الوليد بن المغيرة محاكمة في مصاهرة كانت
بين الوليد وبينه، فجاءه هشام بن الوليد وأبو الأزيهر قاعد في مقعد أبي سفيان
بذي المجاز، فضرب عنقه، فلم يدرك به أبو سفيان عقلاً ولا قوداً في بني المغيرة. وقال
حسان بن ثابت يذكر ذلك:
فهذه جملة صالحة مما ذكره شيخنا أبوعثمان، ونحن نورد من كتاب أنساب
قريش للزبير بن بكار ما يتضمن شرحاً لما أجمله شيخنا أبو عثمان أو لبعضه، فإن
كلام أبي عثمان لمحة وإشارة، وليس بالمشروح. قال:
فكانت قريش تترافد على ذلك، حتى إن كل أهل بيت ليرسلون بالشيء اليسيرعلى قدر
حالهم، وكان هاشم يخرج في كل سنة مالاً كثيراً، وكان قوم من قريش يترافدون،
وكانوا أهل يسار، فكان كل إنسان ربما أرسل بمائة مثقال ذهب هرقلية، وكان هاشم
يأمر بحياض من أدم تجعل في مواضع زمزم من قبل أن تحفر، يستقى فيها من البئار
التي بمكة، فيشرب الحاج، وكان يطعمهم أول ما يطعم قبل يوم التروية بيوم بمكة
وبمنى وبجمع وعرفة، وكان يثرد لهم الخبز واللحم والسمن والسويق والتمر، ويحمل
لهم الماء فيسقون بمنى، والماء يومئذ قليل، إلى أن يصدر الحاج من منى، ثم تنقطع
الضيافة، وتتفرق الناس إلى بلادهم. وكان أول من سن الرحلتين: رحلة إلى الحبشة، ورحلة إلى الشام، ثم خرج
في أربعين من قريش فبلغ غزة، فمرض بها، فمات، فدفنوه بها، ورجعوا بتركته إلى
ولده. ويقال: إن الذي رجع بتركته إلى ولده أبو رهم عبد العزى بن أبي قيس العامري
من بني عامر بن لؤي.
قال الزبير:
وحدثني محمد بن حسن، عن محمد بن طلحة، عن عثمان بن عبد الرحمن، قال: قال عبد
الله بن عباس: والله لقد علمت قريش أن أول من أخذ الإيلاف وأجاز لها العيرات
لهاشم، والله ما شدت قريش رحالاً ولا حبلاً بسفر، ولا أناخت بعيراً لحضر إلا
بهاشم، والله إنه أول من سقى بمكة ماءً عذباً، وجعل باب الكعبة ذهباً لعبد
المطلب. قال الزبير: وكانت قريش تجاراً لا تعدو تجارتهم مكة إنما تقدم عليهم
الأعاجم بالسلع فيشترونها منهم، يتبايعون بها بينهم، ويبيعون من حولهم من العرب،
حتى رحل هاشم بن عبد مناف إلى الشام، فنزل بقيصر، فكان يذبح كل يوم شاة، ويصنع
جفنة من ثريد، ويدعو الناس فيأكلون، وكان هاشم من أحسن الناس خلقاً وتماماً،
فذكر لقيصر، وقيل له: ههنا شاب من قريش يهشم
الخبز، ثم يصب عليه المرق، ويفرغ عليه اللحم، ويدعو الناس. قال:
وإنما كانت الأعاجم والروم تصنع المرق في الصحاف، ثم تأتدم عليه بالخبز، فدعا به
قيصر، فلما رآه وكلمه أعجب به، وجعل يرسل إليه فيدخل عليه، فلما رأى مكانه سأله
أن يأذن لقريش في القدوم عليه بالمتاجر، وأن يكتب لهم كتب الأمان فيما بينهم
وبينه، ففعل. فبذلك أرتفع هاشم من قريش. قال الزبير:
وكان هاشم يقوم أول نهار اليوم الأول من ذي الحجة فيسند ظهره إلى الكعبة من
تلقاء بابها فيخطب قريشاً فيقول: يا معشر قريش، أنتم سادة العرب، أحسنها وجوها،
وأعظمها أحلاماً، وأوسطها أنساباً، وأقربها أرحاماً. يا معشر قريش، أنتم جيران
بيت الله، أكرمكم بولايته، وخصكم بجواره دون بني إسماعيل، وحفظ منكم أحسن ما حفظ
منكم جار من جاره، فأكرموا ضيفه وزوار بيته، فإنهم يأتونكم شعثاً غبراً من كل
بلد. فورب هذه البنية، لوكان لي مال يحمل ذلك لكفيتموه، ألا وإني مخرج من طيب
مالي وحلاله ما لم تقطع فيه رحم، ولم يؤخذ بظلم، ولم يدخل فيه حرام، فواضعه، فمن
شاء منكم أن يفعل مثل ذلك فعل، وأسألكم بحرمة هذا البيت ألا يخرج منكم رجل من
ماله لكرامة زوار بيت الله ومعونتهم إلا طيباً لم يؤخذ ظلماً، ولم تقطع فيه رحم
ولم يغتصب. قال:
فكانت قريش تخرج من صفو أموالها ما تحتمله أحوالها، وتأتي بها إلى هاشم فيضعه في
دار الندوة لضيافة الحاج.
ومن
مراثيه له:
قال الزبير:
وحدثني إبراهيم بن المنذر، عن الواقدي، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن عكرمة، عن
أبن عباس، قال: أول من سن دية النفس مائة من الأبل عبد المطلب، فجرت في قريش
والعرب سنته، وأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وأم عبد المطلب سلمى
بنت عمرو بن زيد بن لبيد، من بني النجارمن الأنصار، وكان
سبب تزوج هاشم بها أنه قدم في تجارة له المدينة، فنزل على عمرو بن زيد، فجاءته
سلمى بطعام فأعجبت هاشماً، فخطبها إلى أبيها، فأنكحه إياها، وشرط عليه أن تلد
عند أهلها، فبنى عليها بالمدينة، وأقام معها سنتين، ثم ارتحل بها إلى مكة، فحملت
وأثقلت، فخرج بها إلى المدينة، فوضعها عند أهلها، ومضى إلى الشام، فمات بغزة من
وجهه ذلك، وولدت عبد المطلب، فسمته شيبة الحمد لشعرة بيضاء كانت في ذوائبه حين
ولد، فمكث بالمدينة ست سنين أو ثمانياً. ثم إن رجلاً من تهامة مر
بالمدينة، فإذا غلمان ينتضلون، وغلام منهم يقول كلما أصاب: أنا ابن هاشم بن عبد
مناف، سيد البطحاء، فقال له الرجل: من أنت يا غلام؟ قال: أنا ابن هاشم بن عبد
مناف. قال: ما اسمك؟ قال: شيبة الحمد، فانصرف الرجل حتى قدم مكة، فيجد المطلب بن
عبد مناف جالساً في الحجر، فقال: قم إلي يا أبا الحارث، فقام إليه، فقال: تعلم أني جئت الآن من يثرب فوجدت بها
غلماناً ينتضلون. وقص عليه ما رأى من عبد
المطلب، وقال:
إنه أضرث غلام رأيته قط، فقال له المطلب: أغفلته والله! أما إني لا أرجع إلى
أهلي ومالي حتى آتيه، فخرج المطلب حتى أتى المدينة، فأتاها عشاء، ثم خرج براحلته
حتى أتى بني عدي بن النجار فإذا الغلمان بين ظهراني المجلس، فلما نظر إلى ابن أخيه قال للقوم: هذا ابن هاشم،
قالوا: نعم، وعرفه القوم فقالوا: هذا ابن أخيك، فإن كنت تريد أخذه فالساعة، لا
نعلم أمه، فإنها إن علمت حلنا بينك وبينه. فأناخ راحلته، ثم دعاه فقال: يا بن
أخي، أنا عمك، وقد أردت الذهاب بك إلى قومك، فاركب، قال: فو الله ما كذب أن جلس
على عجز الراحلة، وجلس المطلب على الراحلة ثم بعثها فانطلقت، فلما علمت أمه قامت
تدعو حزنها على ابنها، فاخبرت أنه عمه، وأنه ذهب به إلى قومه. قال: فانطلق به
المطلب فدخل به مكة ضحوة، مردفه خلفه، والناس في أسواقهم ومجالسهم، فقاموا
يرحبون به ويقولون: من هذا الغلام معك؟ فيقول: عبد لي ابتعته بيثرب، ثم خرج به
حتى جاء إلى الحزورة فابتاع له حلة، ثم أدخله على امرأته خديجة بنت سعد بن سهم،
فرجلت شعره، ثم ألبسه الحلة عشية، فجاء به فأجلسه في مجلس
بني عبد مناف، وأخبرهم خبره، فكان الناس بعد ذلك إذا رأوه يطوف في سكك مكة وهو
أحسن الناس يقولون: هذا عبد المطلب - لقول المطلب: هذا عبدي - فلج به الأسم،
وترك به شيبة.
فأما الشعر الذي لحذافة العذري والذي ذكره شيخنا أبو عثمان فقد ذكره
الزبير بن بكار في كتاب النسب، وزاد فيه:
قال الزبير:
وحدثني عن سبب هذا الشعر محمد بن حسن، عن محمد بن طلحة، عن أبيه، قال: إن ركباً
من جذام خرجوا صادرين عن الحج من مكة، ففقدوا رجلاً منهم عالية بيوت مكة، فيلقون
حذافة العذري، فربطوه وانطلقوا به، فتلقاهم عبد المطلب مقبلاً من الطائف ومعه
ابنه أبو لهب يقود به، وعبد المطلب حينئذ قد ذهب بصره، فلما نظر إليه حذافة بن
غانم هتف به، فقال عبد المطلب لابنه: ويلك! من هذا؟ قال: هذا حذافة بن غانم
مربوطاً مع ركب. قال: فالحقهم فسلهم ما شأنهم وشأنه، فلحقهم أبو لهب فأخبروه
الخبر، فرجع إلى أبيه، فأخبره، فقال: ويحك! ما معك؟ قال: لا والله ما معي شيء،
قال: فالحقهم لا أم لك! فأعطهم بيدك، وأطلق الرجل، فلحقهم أبو لهب، فقال: قد
عرفتم تجارتي ومالي، وأنا أحلف لكم لأعطينكم عشرين أوقية ذهباً، وعشراً من الأبل
وفرساً، وهذا ردائي رهن. فقبلوا ذلك منه، وأطلقوا حذافة، فلما أقبل به وقربا من
عبد المطلب، سمع عبد المطلب صوت أبي لهب، ولم يسمع صوت حذافة، فصاح به: وأبي إنك
لعاص، ارجع لا أم لك! قال: يا أبتا هذا الرجل معي، فناداه عبد المطلب: يا حذافة،
أسمعني صوتك. قال: هأنذا بأبي أنت وأمي يا ساقي الحجيج أردفني، فأردفه حتى دخل
مكة، فقال حذافة هذا الشعر.
فلم
يزل ثابتاً في الحرم حتى أهلك الله الفيل وأصحابه، فرجعت قريش وقد عظم فيهم
بصبره وتعظيمه محارم الله عز وجل، فبينا هو على ذلك - وكان أكبر ولده وهو الحارث
بن عبد المطلب قد بلغ الحلم - أري عبد المطلب في المنام، فقيل له: أحفر زمزم،
خبيئة الشيخ الأعظم. فاستيقظ فقال: اللهم بين لي الشيخ، فأري في المنام مرة
أخرى: أحفر تكتم بين الفرث والدم، في مبحث الغراب، في قرية النمل، مستقبلة
الآنصاب الحمر. فقام عبد المطلب فمشى حتى جلس في المسجد
الحرام ينتظر ما سمي له من الآيات، فنحر بقرة في الحزورة، فأفلتت من جازرها
بحشاشة نفسها حتى غلب عليها الموت في المسجد في موضع زمزم، فاحتمل لحمها من
مكانها، وأقبل غراب يهوي حتى وقع في الفرث فبحث عن قرية النمل، فقام عبد المطلب
يحفرها، فجاءته قريش فقالت له: ما هذا الصنع، إنا لم نكن نراك بالجهل، لم تحفر
في مسجدنا؟ فقال عبد المطلب: إني لحافر هذا البئر، ومجاهد من صدني عنها، فطفق
يحفر هو وابنه الحارث، وليس له يومئذ ولد غيره، فيسفه عليهما الناس من قريش
فينازعونهما ويقاتلونهما. وتناهى
عنه ناس من قريش لما يعلمون من زعيق نسبه وصدقه، واجتهاده في دينهم يومئذ، حتى
إذا أتعبه الحفر، واشتد عليه الأذى نذر إن وفى له عشرة من الولدان ينحر أحدهم،
ثم حفر فأدرك سيوفاً دفنت في زمزم حين دفنت، فلما رأت قريش أنه قد أدرك السيوف
قالت: يا عبد المطلب، أحذنا مما وجدت. فقال عبد المطلب: بل هذه السيوف لبيت الله، ثم
حفر حتى أنبط الماء، فحفرها في القرار، ثم بحرها حتى لا تنزف، ثم بنى عليها
حوضاً وطفق هو وابنه ينزعان فيملأن ذلك الحوض، فيشرب منه الحاج، ويكسره قوم حسدة
له من قريش بالليل، فيصلحه عبد المطلب حين يصبح، فلما أكثروا فساده دعا عبد
المطلب ربه، فأري، فقيل له: قل: اللهم إني لا أحلها لمغتسل، وهي لشارب حل وبل،
ثم كفيتهم، فقام عبد المطلب حين اختلف قريش في المسجد، فنادى بالذي أري، ثم
انصرف فلم يكن يفسد حوضه عليه أحد من قريش إلا رمي في جسده بداء، حتى تركوا حوضه
ذلك وسقايته. ثم تزوج عبد المطلب
النساء،
فولد له عشرة رهط، فقال: اللهم إني كنت نذرت لك نحر أحدهم، وإني أقرع بينهم، فاصيب بذلك من شئت، فأقرع بينهم، فطارت القرعة على عبد الله بن عبد المطلب أبي رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وكان أحب ولده إليه، فقال عبد المطلب: اللهم هوأحب
إليك أم مائة من الأبل! فنحرها عبد المطلب مكان عبد الله، وكان عبد الله أحسن
رجل رئي في قريش قط. وروى الزبير أيضاً قال: حدثني إبراهيم بن المنذر، عن عبد العزيز بن عمران، عن عبد
الله بن عثمان بن سليمان قال: سمعت أبي يقول: لما حفرت زمزم، وأدرك منها عبد
المطلب ما أدرك، وجدت قريش في أنفسها مما أعطي عبد المطلب، فلقيه خويلد بن أشد
بن عبد العزى فقال: يا بن سلمى، لقد سقيت ماء رغداً، ونثلت عادية حسداً، فقال:
يابن أسد، أما إنك تشرك في فضلها، والله لا يساعدني أحد عليها ببر، ولا يقوم معي
بارزاً إلا بذلت له خير الصهر، فقال خويلد بن أسد:
فقال عبد المطلب: ما وجدت أحداً ورث العلم إلا قدم غير خويلد بن أسد. فأصبح
يحفرحيث أري. فطفقت قريش يستهزئون به، حتى إذا بدا عن الطي وجد فيها غزالأ من
ذهب، وحلية سيف، فضرب عليها بالسهام، فخرج سهم البيت، فكان أول في حلي حلى به
الكعبة.
قال الزبير: حدثني عمي مصعب بن عبد الله، قال: بينا عبد المطلب يطوف بالبيت بعد ما
أسن وذهب بصره، إذ زحمه رجل، فقال: من هذا؟ فقيل: رجل من بني بكر. قال: فما منعه
أن ينكب عني وقد رآني لا أستطيع لأن انكب عنه! فلما رأى بنيه قد توالوا عشرة
قال: لا بد لي من العصا، فإن اتخذتها طويلة شقت علي، وإن اتخذتها قصيرة قويت
عليها، ولكن ينحدب لها ظهري، والحدبة ذل، فقال بنوه: أوغير ذلك، يوافيك كل يوم
منا رجل تتوكأ عليه فتطوف في حوائجك. قال: ولذلك قال الزبير: ومكارم عبد المطلب أكثر من أن يحاط بها، كان سيد قريش غير
مدافع نفساً وأباً وبيتاً وجمالاً وبهاءً وكمالاً وفعالاً، قال أحد بني كنانة
يمدحه:
قال الزبير:
فأما أبو طالب بن عبد المطلب - واسمه عبد مناف، وهو كافل رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وحاميه من قريش وناصره، والرفيق به، الشفيق عليه، ووصي عبد المطلب
فيه - فكان سيد بني هاشم في زمانه، ولم يكن أحد من قريش يسود في الجاهلية بمال
إلا أبو طالب وعتبة بن ربيعة.
قال الزبير:
فلما هلك مسافر نادم أبو طالب بعده عمرو بن عبد بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن
مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، ولذلك قال عمرو لعلي رضي الله عنه يوم الخندق حين
بارزه: إن أباك كان لي صديقاً. قال: فأسلموه إليهم، فقال بعض بني سهم: إن
شئتم فعلنا، على أن من هجانا منكم دفعتموه إلينا. فقال عتبة: ما يمنعني أن أقول
ما تقول إلا أن الزبير بن عبد المطلب غائب بالطائف، وقد عرفت أنه سيفرغ لهذا
الأمر فيقول: ولم أكن أجعل الزبير خطراً لابن الربعرى، فقال قائل منهم: أيها
القوم، ادفعوه إليهم، فلعمري إن لكم مثل الذي عليكم، فكثر في ذلك الكلام واللغط،
فلما رأى العاص بن وائل ذلك دعا برمة، فأوثق بها عبد الله بن الزبعرى، ودفعه إلى
عتبة بن ربيعة، فأقبل به مربوطاً حتى أتى به قومه، فأطلقه حمزة بن عبد المطلب
وكساه، فأغرى ابن الزبعرى أناس من قريش بقومه بني سهم، وقالوا له: أهجهم كما
أسلموك، فقال:
قال:
فقدم الزبيربن عبد المطلب من الطائف، فقال قصيدته التي يقول فيها:
وقد
ذكرنا قطعة منها فيما تقدم.
قال
الزبير: ومن شعر الزبير بن عبد المطلب:
قال
الزبير: وكان الزبيربن عبد المطلب ذا نظر وفكر، أتى فقيل له: مات فلان - لرجل من
قريش كان ظلوماً - فقال: بأي عقوبة مات، قالوا: مات حتف أنفه ! فقال: لئن كان ما
قلتموه حقاً إن للناس معاداً يؤخذ فيه للمظلوم من الظالم.
وقال
ضرار بن الخطاب يبكيه
فأما القتول الخثعمية التي اغتصبها نبيه بن الحجاج السهمي من أبيها،
فقد ذكر الزبير بن بكار قصتها في كتاب أنساب قريش.
في
أبيات طويلة.
وأما قصة حلف الفضول وشرفه فقد ذكرها الزبير في كتابه أيضاً،
قال: كان بنو سهم وبنو جمح أهل بغي
وعدوان، فأكثروا من ذلك، فأجمع بنو هاشم وبنو المطلب وبنو أسد وبنو زهرة وبنو
تيم على أن تحالفوا وتعاقدوا على رد الظلم بمكة، وألا يظلم أحد إلا منعوه،
وأخذوا له بحقه، وكان حلفهم في دار عبد الله بن جدعان، قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر
النعم، ولودعيت به اليوم لأجبت، لا يزيده الإسلام إلا شدة".
فأعظمت ذلك قريش، وتكلموا فيه، فقال المطيبون: والله إن قمنا في هذا ليغضبن
الأحلاف، وقالت الأحلاف: والله إن قمنا في هذا ليغضبن المطيبون، فقالت قبائل من
قريش: هلموا فلنحتلف حلفاً جديداً، لننصرن المظلوم على الظالم ما بل بحر صوفة.
فاجتمعت هاشم والمطلب وأسد وتيم وزهرة في دار عبد الله بن جدعان ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ معهم وهو شاب ابن
خمس وعشرين سنة لم يوح إليه بعد، فتحالفوا ألا يظلم بمكة غريب ولا قريب
ولا حر ولا عبد إلا كانوا معه حتى يأخذوا له بحقه، ويردوا إليه مظلمته من أنفسهم
ومن غيرهم، ثم عمدوا إلى ماء زمزم فجعلوه في جفنة، ثم بعثوا به إلى البيت،
فغسلوا به أركانه ثم جمعوه وأتوهم به فشربوه، ثم انطلقوا إلى العاص بن وائل
فقالوا له: أد إلى هذا حقه، فأدى إليه حقه، فمكثوا كذلك دهراً لا يظلم أحد بمكة
إلا أخذوا له حقه، فكان عتبة بن ربيعة بن عبد شمس يقول: لو أن رجلاً وحده خرج من
قومه لخرجت من عبد شمس، حتى أدخل في حلف الفضول. قال الزبير: وحدثني بهذه
القصة علي بن صالح عن جدي عبد الله بن مصعب، عن أبيه، قال: خرج الحسين رضي الله
عنه من عند معاوية وهو مغضب، فلقي عبد الله بن
الزبير، فحدثه بما دار بينهما، وقال:لأخيرنه في خصال، فقال له ابن الزبير
ما قال، ثم ذهب إلى معاوية، فقال: لقد لقيني الحسين فخيرك في ثلاث خصال،
والرابعة الصيلم، قال معاوية: فلا حاجة لنا بالصيلم، أظنك لقيته غضباً! فهات
الثلاث، قال: أن تجعلني أو ابن عمر بينك وبينه. قال: قد جعلتك بيني وبينه، أو
جعلت ابن عمر أو جعلتكما جميعاً. قال أو تقر له بحقه ثم تسأله إياه. قال: قد
أقررت له بحقه وأنا أسأله إياه، قال: أو تشريه منه، قال: قد اشتريته منه، فما
الصيلم، قال: يهتف، بحلف الفضول، وأنا أول من يجبه. قال: فلا حاجة لنا في ذلك. ثم إن عبد المطلب قال
لأصحابه: والله إن إلقاءنا بأيدينا كذا للموت، لا نضرب في الأرض فنطلب
الماء لعجز، قوموا فعسى، الله أن يرزقنا ماءً ببعض الأرض، ارتحلوا. فارتحلوا ومن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم
ما هم صانعون، فتقدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها، فلما انبعثت به انفجرمن تحت
خفها عين من ماء عذب، فكبرعبد المطلب وكبر أصحابه، ثم نزل فشرب وشرب أصحابه،
واستقوا حتى ملأوا أسقيتهم، ثم دعا القبائل من قريش فقال
لهم: هلموا إلى الماء، فقد أسقانا الله، فاشربوا واستقوا، فجاؤوا فشربوا
واستقوا، ثم قالوا: قد والله قضى الله لك علينا، والله لا نخاصمك في زمزم أبدأ
إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة هو الذي سقاك زمزم، فارجع إلى صقايتك
راشداً. فرجع ورجعوا معه، لم يصلوا إلى الكاهنة
وخلوا بينه وبين زمزم. وروى صاحب كتاب الواقدي أن عبد الله بن جعفر
فاخر يزيد بن معاوية بين يدي معاوية، فقال له: بأي آبائك تفاخرني، أبحرب الذي أجرناه، أم بأمية الذي
ملكناه، أم بعبد شمس الذي كفلناه! فقال معاوية:
لحرب بن أمية يقال هذا! ما كنت أحسب أن أحداً في عصر حرب يزعم أنه أشرف من حرب!
فقال عبد الله: بلى أشرف منه من كفأ عليه إناءه وجلله بردائه! فقال معاوية ليزيد: رويداً يا بني، إن عبد الله
يفخر عليك بك لأنك منه وهو منك. فاستحيا عبد الله وقال: يا أمير المؤمنين يدان
انتشطتا وأخوان اصطرعا. فلما قام عبد الله، قال معاوية ليزيد: يا بني إياك
ومنازعة بني هاشم فإنهم لا يجهلون ما علموا، ولا يجد مبغضهم لهم سباً . قال:
أما قوله: أبحرب
الذي أجرناه، فإن قريشاً كانت إذا سافرت فصارت على العقبة لم يتجاوزها أحد حتى
تجوز قريش، فخرج حرب ليلة فلما صار على العقبة لقيه رجل من بني حاجب بن زرارة
تميمي فتنحنح حرث بن أمية وقال: أنا حب بن أمية، فتنحنح التميمي وقال: أنا ابن
حاجب بن زرارة، ثم بدر فجاز العقبة، فقال حرب: لاها الله لا تدخل بعدها مكة وأنا
حي! فمكث التميمي حيناً لا يدخل، وكان متجره بمكة، فاستشار بها بمن يستجيرمن
حرب، فاشيرعليه بعبد المطلب أو بإبنه الزبير بن عبد المطلب. فركب ناقته وصار إلى مكة ليلاً، فدخلها وأناخ ناقته بباب
الزبير بن عبد المطلب، فرغت الناقة، فخرج إليه الزبير فقال: أمستجير فتجار، أم
طالب قرى فتقرى! فقال:
فقال الزبير: اذهب
إلى المنزل فقد أجرتك. فلما أصبح نادى الزبير أخاه الغيدق، فخرجا متقلدين
سيفيهما، وخرج التميمي معهما، فقالا له: إنا إذا أجرنا رجلاً لم نمش أمامه، فامش
أمامنا ترمقك أبصارنا كي لا تختلس من خلفنا. فجعل
التميمي يشق مكة حتى دخل المسجد، فلما بصر به حرب قال: وإنك لههنا! وسبق إليه
فلطمه، وصاح الزبير: ثكلتك أمك! أتلطمه وقد أجرته! فثنى عليه حرب فلطمه ثانية،
فانتفى الزبير سيفه، فحمل على حرب، ففر حرب بين يديه وسعى الزبير خلفه فلم يرجع
عنه حتى هجم حرب على عبد المطلب داره، فقال: ما شأنك، قال: الزبير، قال: اجلس،
وكفأ عليه إناء كان هاشم يهشم فيه الثريد، واجتمع الناس، وانضم بنو عبد المطلب
إلى الزبير، ووقفوا على باب أبيهم بأيديهم سيوفهم، فازر عبد المطلب حرباً بإزار
كان له، ورداه برداء له طرفان، وأخرجه إليهم، فعلموا أن أباهم قد أجاره. لدغفل
النسابة: أرأيت عبد المطلب، قال: نعم، قال: كيف رأيته، قال: رأيته رجلاً نبيلاً
جميلاً وضيئاً، كأن على وجهه نور النبوة. قال:
أفرأيت أمية بن عبد شمس، قال: نعم، قال: كيف رأيته، قال: رأيته رجلاً ضئيلاً
منحنياً أعمى يقوده عبده ذكوان، فقال معاوية: ذلك ابنه أبو عمرو، قال:
أنتم تقولون ذلك، فأما قريش فلم تكن تعرف إلا أنه عبده. قال: روى هشام بن الكلبي عن أبيه، أن نوفل بن عبد مناف ظلم عبد المطلب
بن هاشم اركاحاً لى بمكة - وهي الساحات - وكان بنو نوفل يداً مع عبد شمس، وعبد
المطلب يداً مع هاشم، فاستنصر عبد المطلب قوماً من قومه فقصروا عن ذلك، فاستنجد
أخواله من بني النجار بيثرب، فأقبل معه سبعون راكباً، فقالوا
لنوفل: لا والله يا أبا عدي، ما رأينا بهذا الغائط ناشئاً أحسن وجهاً،
ولا أمد جسماً، ولا أعف نفساً، ولا أبعد من كلى سوء من هذا الفتى - يعنون عبد
المطلب - وقد عرفت قرابته منا، وقد منعته ساحات له، ونحن نحب أن ترد عليه حقه،
فرده عليه، فقال عبد المطلب:
قال: ويقال إن ذلك كان سبب مخالفة خزاعة عبد المطلب.
ثم نرجع إلى حكآية لشيخنا أبي عثمان، وقد نمزجه بكلام آخر لنا أو
لغيرنا ممن تعاطى الموازنة بين هذين البيتين. قال
أبو عثمان: فإن قالت أمية: لنا الوليد بن يزيد بن عبد الملك
بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، أربعة
خلفاء في نسق، قلنا لهم: ولبني هاشم: هارون
الواثق بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد بن محمد المهدفي بن عبد الله المنصور بن
محمد الكامل بن علي السجاد، كان يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة، فكان يقال له
السجاد لعبادته وفضله، وكان أجمل قريش على وجه الأرض وأوسمها، ولد ليلة قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فسمي باسمه، وكني
بكنيته، فقال عبد الملك: لا والله لا
أحتمل لك الأسم ولا الكنية، فغير أحدهما، فغير الكنية فصيرها أبا محمد بن عبد
الله، وهو البحر، وهو حبر قريش، وهو المفقه في الدين المعلم التأويل، ابن العباس
ذي الرأي، وحليم قريش، ابن شيبة الحمد، وهو عبد المطلب سيد الوادي ابن عمرو، وهو
هاشم، هشم الزيد، وهو القمر سمي بذلك لجماله، ولأنهم كانوا يقتدون ويهتدون
برأيه، ابن المغيرة وهو عبد مناف بن زيد، وهو قصي وهو مجمع، فهؤلاء ثلاثة عشر
سيداً لم يحرم منهم واحد، ولا قصر عن الغآية، وليس منهم واحد إلا وهو ملقب بلقب
اشتق له من فعله الكريم، ومن خلقه الجميل، وليس منهم إلا خليفة، أو موضع للخلافة
أو سيد في قديم الدهر منيع، أو ناسك مقدم، أو فقيه بارع، أو حليم ظاهر الركانة،
وليس هذا لأحد سواهم، ومنهم خمسة خلفاء في نسق، وهم أكثر مما عدته الأموية، ولم
يكن مروان كالمنصور لأن المنصور ملك البلاد ودوخ الأقطار، وضبط الأطراف اثنتين
وعشرين سنة، وكانت خلافة مروان على خلاف ذلك كله، وإنما بقي في الخلافة تسعة
أشهر حتى قتلته امرأته عاتكة بنت يزيد بن معاوية حين قال لابنها خالد من بعلها
الأول: يا بن الرطبة . ولئن كان مروان مستوجباً لاسم الخلافة مع قلة الأيام
وكثرة الأختلاف واضطراب البلدان فضلاً عن الأطراف، فابن الزبير أولى بذلك منه،
فقد كان ملك الأرض إلا بعض الأردن، ولكن سلطان عبد الملك وأولاده لما اتصل
بسلطان مروان اتصل عند القوم ما انقطع منه وأخفى موضع الوهن عند من لا علم له،
وسنو المهدي كانت سني سلامة، وما زال عبد الملك في انتقاض وانتكاث، ولم يكن ملك
يزيد كملك هارون، ولا ملك الوليد كملك المعتصم. والطالبيون
بمصر يعدون عشرة في نسق: الأمر بن المستعلي بن المستنصر بن
الطاهر بن الحاكم بن العزيز بن المعتز بن المنصور بن القائم بن المهدي. قال أبو عثمان: وتفخر عليهم بنو هاشم
بأن سني ملكهم أكثر، ومدته أطول، فإنه قد بلغت مدة ملكهم إلى اليوم أربعاً
وتسعين سنة ويفخرون أيضاً عليهم بأنهم ملكوا بالميراث وبحق العصبة والعمومة، وأن
ملكهم في مغرس نبوة، وأن أسبابهم غير أسباب بني مروان، بل ليس لبني مروان فيها
سبب، ولا بينهم وبينها نسب، إلا أن يقولوا: إنا من قريش فيساووا في هذا الأسم
قريش الظواهر، لأن روآية الراوي: الأئمة من
قريش واقعة على كل قرشي، وأسباب الخلافة معروفة، وما يدعيه كل جيل معلوم، وإلى
كل ذلك قد ذهب الناس، فمنهم من ادعاه لعلي رضي الله عنه لاجتماع القرابة
والسابقة والوصية، فان كان الأمر كذلك فليس لآل أبي
سفيان وآل مروان فيها دعوى، وإن كانت إنما تنال بالوراثة، وتستحق بالعمومة،
وتستوجب بحق العصبة، فليس لهم أيضاً فيها دعوى. وإن كانت لا تنال إلا
بالسوابق والأعمال والجهاد، فليس لهم في ذلك قدم مذكور،
ولا يوم مشهور، بل كانوا إذ لم تكن لهم سابقة، ولم يكن فيهم ما يستحقون به
الخلافة، ولم يكن فيهم ما يمنعهم منها أشد المنع، لكان أهون، ولكان الأمر عليهم
أيسر، قد عرفنا كيف كان أبو سفيان في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وفي
محاربته له، وجلابه عليه وغزوه إياه، وعرفنا إسلامه حيث أسلم، وإخلاصه كيف أخلص،
ومعنى كلمته يوم الفتح حين رأى الجنود وكلامه يوم حنين، وقوله يوم صعد بلال على
الكعبة، فأذن. على أنه إنما أسلم على يدي العباس رحمه الله، والعباس هو الذي منع
الناس من قتله، وجاء به رديفاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسأله فيه أن
يشرفه وأن يكرمه وينوه به، وتلك يد بيضاء، ونعمة غراء، ومقام مشهود، ويوم حنين
غير مجحود، فكان جزاء بني هاشم من بنيه أن حاربوا
علياً، وسموا الحسن، وقتلوا الحسين، وحملوا النساء على الأقتاب حواسر، وكشفوا عن
عورة علي بن الحسين حين أشكل عليهم بلوغه كما يصنع بذراري المشركين إذا دخلت
دورهم عنوة، وبعث معاوية بسر بن أرطاة إلى اليمن، فقتل ابني عبيد الله بن
العباس، وهما غلامان لم يبلغا الحلم، وقتل عبيد الله بن زياد يوم الطف تسعة من
صلب علي رضي الله عنه ، وسبعة من صلب عقيل، ولذلك قال ناعيهم:
ثم إن أمية تزعم أن عقيلاً أعان معاوية على علي رضي الله عنه ، فإن
كانوا كاذبين فما أولاهم بالكذب! وإن كانوا صادقين فما جازوا عقيلاً بما صنع!
وضرب عنق مسلم بن عقيل صبراً وغدراً بعد الأمان، وقتلوا معه هانىء بن عروة لأنه
آواه ونصره،
ولذلك قال الشاعر:
وأكلت هند كبد حمزة، فمنهم آكلة الأكباد، ومنهم كهف النفاق،
ومنهم من نقر بين ثنيتي الحسين رضي الله عنه بالقضيب، ومنهم القاتل يوم الحرة
عون بن عبد الله بن جعفر، ويوم الطف أبا بكر بن عبد الله بن جعفر. وقتل يو الحرة أيضاً من
بني هاشم الفضل بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، والعباس بن عتبة بن
أبي لهب بن عبد المطلب، وعبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد
المطلب. وأيضاً فإن كان الفخر بطول مدة الملك فبنو هاشم قد كان لهم أيضاً
ملك بمصر نحو مائتين وسبعين سنة، مع ما ملكوه بالمغرب قبل أن ينتقلوا إلى مصر.
وقال
شاعركم أيضاً:
فروي أن بعض الصالحين من أهل البيت رضي الله عنهم قال: اللهم إن كان كاذباً فسلط عليه
كلباً من كلابك، فخرج يوماً بسفر له، فعرض له الأسد فافترسه. وقتلتم الإمام
جعفراً الصادق رضي الله عنه، وقتلتم يحيى بن زيد، وسميتم قاتله: ثائر مروان،
وناصر الدين، هذا إلى ما صنع سليمان بن حبيب بن المهلب عن أمركم وقولكم بعبد
الله أبي جعفر المنصور قبل الخلافة، وما صنع مروان بإبراهيم الإمام، أدخل رأسه
في جراب نورة حتى مات، فإن أنشدتم:
أنشدنا
نحن:
وقد
علمتم حال مروان أبيكم وضعفه، وأنه كان رجلاً لا فقه له، ولا يعرف بالزهد ولا
الصلاح، ولا بروآية الآثار، ولا بصحبة ولا ببعد همة، وإنما ولي رستاقاً من
رساتيق دار بجرد لابن عامر، ثم ولي البحرين لمعاوية، وقد كان جمع أصحابه ومن
تابعه ليبايع ابن الزبير حتى رده عبيد الله بن زياد، وقال يوم مرج راهط، والرؤوس
تندر عن كواهلها في طاعته:
هذا قول من لا يستحق أن يلي ربعاً من الأرباع، ولا خمساً من
الأخماس، وهو أحد من قتلته النساء لكلمة كان حتفه فيها.
والعرب
تسمي الطواعين رماح الجن، وفي ذلك يقول الشاعر:
يقول بعض بني أسد للحارث الغساني الملك. قلت: نقلت من كتاب افتراق هاشم وعبد
شمس لأبي الحسين محمد بن علي بن نصر المعروف بابن أبي رؤبة الدباس قال: كان
بنو أمية في ملكهم يؤذنون ويقيمون في العيد ويخطبون بعد الصلاة، وكانوا في سائر
صلاتهم لا يجهرون بالتكبير في الركوع والسجود، وكان
لهشام بن عبد الملك خصي إذا سجد هشام وهو يصلي في المقصورة قال: لا إله
إلا الله، فيسمع الناس فيسجدون، وكانوا يقعدون في إحدى خطبتي العيد والجمعة
ويقومون في الأخرى، قال: ورأى كعب مروان بن الحكم
يخطب قاعداً، فقال: انظروا إلى هذا يخطب قاعداً، والله تعالى يقول
لرسوله: "وتركوك قائماً". وسبيت بنت لعبيدة بن هلال اليشكري، وبنت
لقطري بن الفجاءة المازني، فصارت هذه إلى العباس بن الوليد بن
عبد الملك، واسمها أم سلمة، فوطئها بملك اليمين على رأيهم، فولدت له المؤمل،
ومحمداً، وإبراهيم، وأحمد، وحصيناً، بني عباس بن الوليد بن عبد الملك. وسبي واصل بن
عمرو القنا واسترق، وسبي سعيد الصغير الحروري واسترق، وأم يزيد بن عمر بن هبيرة،
وكانت من سبي عمان الذين سباهم مجاعة، وكانت بنو أمية تبيع الرجل في الدين يلزمه
وترى أنه يصير بذلك رقيقاً. قال أبو عثمان:
ويفخر بنو العباس على بني مروان، وهاشم على عبد شمس،
بأن الملك كان في أيديهم فانتزعوه منهم، وغلبوهم عليه
بالبطش الشديد، وبالحيلة اللطيفة، ثم لم ينزعوها إلا من يد أشجعهم شجاعة،
وأشدهم تدبيراً، وأبعدهم غوراً، ومن نشأ في الحروب وربي في الثغور، ومن لا يعرف
إلا الفتوح وسياسة الجنود، ثم أعطى الوفاء من أصحابه والصبر من قواده، فلم يغدر
منهم غادر، ولا قصر منهم مقصر، كما قد بلغك عن حنظلة بن نباتة، وعامر بن ضبارة،
ويزيد بن عمر بن هبيرة، ولا أحد من سائر قواده حتى من أحبابه وكتابه كعبد الحميد
الكاتب، ثم لم يلقه، ولا لقي تلك الحروب في عامة تلك الأيام إلا رجال ولد العباس
بأنفسهم، ولا قام بأكثر الدولة إلا مشايخهم كعبد الله بن علي، وصالح بن علي،
وداود بن علي، وعبد الصمد بن علي، وقد لقيهم المنصور نفسه. قالوا: ذهب إلى طلب الولد، وكانت العرب تفخر
بكثرة الولد، وتمدح الفحل القبيس، وتذم العاقر والعقيم.
وقال علقمة بن علاثة يفخر على عامر: آمنت وكفر، ووفيت وغدر، وولدت وعقر،
وقال الزبرقان:
وقال طرفة بن العبد:
ومدح النابغة الذبياني ناساً فقال:
وقال نهشل بن حري:
ومكث الفرزدق زماناً لا يولد له فعيرته امرأته، فقال:
وقال الآخر، وقد مات إخوته، وملأ حوضه ليسقي، فجاء رجل صاحب عشيرة وعترة، فأخذ بضبعه
فنحاه، ثم قال لراعيه: اسق إبلك:
وقال الأعشى وهو يذكر الكثرة:
قال:
وقد ولد رجال من العرب كل منهم يلد لصلبه أكثرمن مائة، فصاروا بذلك مفخراً، منهم
عبد الله بن عمير الليثي، وأنس بن مالك الأنصاري، وخليفة بن بر السعدي، أتى على
عامتهم الموت الجارف. ومات جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن
العباس عن ثلاثة وأربعين ذكراً وخمس وثلاثين امرأة كلهم لصلبه، فما ظنك بمن مات
من ولده في حياته! وليس طبقة من طبقات الأسنان الموت إليها أسرع، وفيها أعم
وأفشى من سن الطفولية، وأمر جعفر بن سليمان قد عاينه عالم من الناس، وعامتهم
أحياء، وليس خبر جعفر كخبر غيره من الناس. وممن
قرب ميلاده وكثر نسله حتى صار كبعض القبائل والعمائر أبو بكر صاحب رسول الله صلى
الله عليه وسلم، والمهلب بن أبي صفرة، ومسلم بن عمرو الباهلي، وزياد بن عبيد
أمير العراق، ومالك بن مسمع. وولد
جعفر بن سليمان اليوم أكثر عدداً من أهل هذه القبائل. وأربعة من قريش ترك كل
واحد منهم عشرة بنين مذكورين معروفين وهم: عبد المطلب بن هاشم، والمطلب بن عبد
مناف، وأمية بن عبد شمس، والمغيرة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن نحزوم، وليس
على ظهر الأرض هاشمي إلا من ولد عبد المطلب، ولا يشك أحد أن عدد الهاشممين شبيه
بعدد الجميع، فهذا ما في الكثرة والقلة.
وهو البحر، وهو الحبر، وكان عمر يقول له في
حداثته عند إجالة الرأي:
غص يا غواص ، وكان يقامه على جلة السلف. وكان الأحنف إذا ذكر حمزة قال: أكيس، وكان لا يرضى أن يقول:
شجاع، لأن العرب كانت تجعل ذلك أربع طبقات، فتقول: شجاع، فإذا كان فوق ذلك قالت:
بطل، فإذا كان فوق ذلك قالت: بهمة، فإذا كان فوق ذلك قالت: أكيس. وقال العجاج:
أكيس عن حوبائه سخي وهل أكثر ما يعد الناس من جرحاهما وصرعاهما إلا سادتكم
وأعلامكم! قتل حمزة وعلي رضي الله عنه عتبة والوليد، وقتلا شيبة أيضاً، شركا
عبيدة بن الحارث فيه، وقتل علي رضي الله عنه حنظلة
بن أبي سفيان. فأما آباء ملوككم من بني مروان فإنهم كما قال عبد الله بن
الزبير لما أتاه خبر المصعب: إنا والله ما نموت حبجاً كما يموت آل أبي العاص،
والله ما قتل منهم قتيل في جاهلية ولا إسلام، وما نموت إلا قتلاً، قعصاً
بالرماح، وموتاً تحت ظلال السيوف. قال أبو عثمان: كأنه لم يعد قتل معاوية بن المغيرة
بن أبي العاص قتلاً، اذ كان إنما قتل في غير معركة، وكذلك قتل عثمان بن عفان، إذ
كان إنما قتل محاصراً، ولا قتل مروان بن الحكم، لأنه قتل خنقاً، خنقته النساء. قال:
وإنما فخر عبد الله بن الزبير
بما في بني أسد بن عبد العزى من القتلى، لأن من شأن العرب أن يفخروا بذلك، كيف
كانوا قاتلين أو مقتولين، ألا ترى أنك لا تصيب كثرة القتلى إلا في القوم
المعروفين بالبأس والنجدة وبكثرة اللقاء والمحاربة، كآل أبي طالب، وآل الزبير،
وآل المهلب! قال: وفي آل الزبير خاصة سبعة
مقتولون في نسق ولم يوجد ذلك في غيرهم، قتل عمارة
وحمزة أبنا عبد الله بن الزبير يوم قديد في المعركة، قتلهما الأباضية، وقتل عبد
الله بن الزبير في محاربة الحجاج، وقتل مصعب بن الزبير بدير الجاثليق في المعركة
أكرم قتل، وبإزائه عبد الملك بن مروان، وقتل الزبير بوادي السباع منصرفه عن وقعة
الجمل، وقتل العوام بن خويلد في حرب الفجار، وقتل خويلد بن أسد بن عبد العزى في
حرب خزاعة، فهؤلاء سبعة في نسق. وإياه يعني يزيد بن مفرغ الحميري وهو يهجو صاحبكم عبيد الله بن زياد ويعيره بفراره يوم البصرة:
قتل عمرو بن الزبير، قتله أخوه عبد الله بن الزبير، وكان في جوار
أخيه عبيدة بن الزبير فلم يغن عنه، فقال الشاعر يحرض عبيدة على قتل
أخيه عبد الله بن الزبير، ويعيره بإخفاره جوار عمرو أخيهما:
وقتل بجير بن العوام أخو الزبير بن العوام، قتله سعد بن صفح الدوسي جد
أبي هريرة من قبل أمه،
قتله بناحية اليمامة، وقتل معه أصرم وبعلك أخويه ابني
العوام بن خويلد، وقد قتل منهم في محاربة النبي صلى الله عليه وسلم قوم مشهورون، منهم زمعة بن الأسود بن المطلب بن
أسد بن عبد العزى، كان شريفاً، قتل يوم بدر، وأبوه الأسود، كان المثل يضرب بعزته
بمكة، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يذكر عاقر الناقة: "كان عزيزاً منيعاً
كأبي زمعة"، ويكنى زمعة بن الأسود أبا حكيمة، وقتل الحارث بن الأسود بن
المطلب يوم بدر أيضاً، وقتل عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن الأسود بن
المطلب بن أسد يوم بدر أيضاً، وقتل نوفل بن خويلد يوم بدر أيضاً، قتله علي بن
أبي طالب رضي الله عنه ، وقتل يوم الحرة يزيد بن عبد الله بن زمعة بن الأسود، ضرب عنقه مسرف
بن عقبة صبراً قال له: بايع لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية على أنك عبد قن له،
قال: بل أبايعه على أني أخوه وابن عمه، فضرب عنقه. وقتل إسماعيل بن هبار بن الأسود ليلاً، وكان ادعى حيلة فخرج مصرخاً
لمن استصرخه، فقتل، فاتهم به مصعب بن عبد الله بن عبد الرحمن، فأحلفه معاوية
خمسين يميناً، وخلى سبيله،
فقال الشاعر:
وقتل عبد الرحمن بن العوام بن خويلد في خلافة عمر بن الخطاب في بعض
المغازي، وقتل ابنه عبد الرحمن يوم الدار مع عثمان،
فعبد الله بن عبد الرحمن بن العوام بن خويلد
قتيل ابن قتيل ابن قتيل ابن قتيل أربعة. ومن
قتلاهم عيسى بن مصعب بن الزبير، قتل بين يدي أبيه بمسكن في حرب عبد الملك، وكان
مصعب يكنى أبا عيسى وأبا عبد الله وفيه يقول
الشاعر:
ومنهم مصعب بن عكاشة بن مصعب بن الزبير، قتل يوم قديد في حرب الخوارج، وقد
ذكره الشاعر فقال:
ومنهم
خالد بن عثمان بن خالد بن الزبير، خرج مع محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن، فقتله
أبوجعفر وصلبه. قال
أبو عثمان: وإن كان الفخر والفضل في الجود والسماح فمن
مثل عبد الله بن جعفر بن أبي طالب! ومن مثل عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب!
وقد اعترضت الأموية هذا الموضع فقالت: إنما كان عبد الله بن جعفر يهب ما كان
معاوية ويزيد يهبان له، فمن فضل جودنا جاد. وهذا الأعتراض ساقط، لأن ذلك إن صح لم يعد جوداً ولا جائزة ولا صلة
رحم، هؤلاء قوم كان يخافهم على ملكه، ويعرف حقهم فيه، وموقعهم من قلوب الأمة،
فكان يدبر في ذلك تدبيراً، ويريع أموراً، ويصانع عن دولته وملكه، ونحن لم نعد قط
ما أعطى خلفاء بني هاشم قوادهم وكتابهم وبني عمهم جوداً، فقد وهب المأمون للحسن
بن سهل غلة عشرة آلاف ألف فما عد ذلك منه مكرمة، وكذلك كل ما يكون داخلاً في باب
التجارة واستمالة القلوب، وتدبير الدولة، وإنما يكون الجود ما يدفعه الملوك في
الوفود والخطباء والشعراء والأشراف والأدباء والسمار ونحوهم، ولولا ذلك لكان الخليفة إذا وفى
الجند أعطياتهم احتسب ذلك في جوده، فالعمالات شيء والإعطاء على دفع المكروه شيء،
والتفضل والجود شيء. ثم إن الذين أعطاهم معاوية ويزيد هو بعض حقهم، والذي فضل
عليهما أكثرمما خرج منهما. ولقد كان هشام مع ما استثناه به يقول: هو الأحول السراق، ما زال يدخل إعطاء
الجند شهراً في شهر وشهراً في شهر، حتى أخذ لنفسه مقدار رزق سنة، وأنشده أبو
النجم العجلي أرجوزته التي أولها:
فما
زال يصفق بيديه أستحساناً لها حتى صار إلى ذكر الشمس، فقال:
فأمر
بوجء عنقه وإخراجه، وهذا ضعف شديد، وجهل عظيم.
فقال:
صدقت.
وقال
مرة:
والله لأشكون سليمان يوم القيامة إلى أمير المؤمنين عبد الملك. وهذا ضعف شديد،
وجهل مفرط. قال له أخوه مسلمة:
أتطمع أن تلي الخلافة وأنت بخيل جبان! فقال: ولكني حليم عفيف، فاعترف بالجبن
والبخل، وهل تقوم الخلافة مع واحد منهما! وإن قامت فلا تقوم إلا مع الخطر
العظيم، والتغرير الشديد. ولو سلمت من الفساد لم تسلم من العيب. وقال
له شوذب الخارجي: لم لا تلعن رهطك وتذكر أباك إن كانوا
عندك ظلمة فجرة، فقال عمر: متى عهدك بلعن
فرعون! قال: ما لي به عهد. قال: أفيسعك
أن تمسك عن لعن فرعون، ولا يسعني أن أمسك عن لعن آبائي! فرأى أنه قد خصمه وقطع
حجته، وكذلك يظنه كل من قصر عن مقدار العالم، وجاوز مقدار الجاهل، وأي شبه
لفرعون بآل مروان وآل أبي سفيان! هؤلاء قوم لهم حزب وشيعة، وناس كثير يدينون
بتفضيلهم وقد اعتورتهم الشبه في أمرهم، وفرعون على خلاف ذلك، وضده لا شيعة له
ولا حزب ولا نسل ولا موالي ولا صنائع ولا في أمره شبهة. ثم إن عمر ظنين في أمر
أهله فيحتاج إلى غسل ذلك عنه بالبراءة منهم، وشوذب ليس بظنين في أمر فرعون، وليس
الإمساك عن لعن فرعون والبراءة منه مما يعرفه الخوارج، فكيف إذا استويا عنده!
وشكا إليه رجل من رهطه ديناً فادحاً، وعيالاً كثيراً، فاعتل عليه، فقال له: فهلا
اعتللت على عبد الله بن الحسن! قال: ومتى شاورتك في أمري! قال: أو مشيراً تراني!
قال: أو هل أعطيته إلا بعض حقه! قال: ولم قصرت عن كله، فأمر بإخراجه وما زال إلى
أن مات محروماً منه. وكان
عمال أهله على البلاد عماله وأصحابه. والذي حسن أمره، وشبه على الأغنياء حاله، أنه قام بعقب قوم
قد بدلوا عامة شرائع الدين وسنن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان الناس قبله من الظلم والجور والتهاون بالإسلام في أمر
صغر في جنبه ما عاينوا منه، وألفوه عليه، فجعلوه بما نقص من تلك الأمور الفظيعة
في عداد الأئمة الراشدين، وحسبك من ذلك أنهم كانوا يلعنون علياً رضي الله عنه على منابرهم، فلما نهى عمر عن ذلك عد محسناً، ويشهد لذلك قول
كثير فيه:
وهذا الشعر يدل على أن شتم علي رضي الله عنه قد كان لهم عادة،
حتى مدح من كف عنه،
ولما ولي خالد بن عبد الله القسر في مكة - وكان إذا خطب بها لعن علياً والحسن والحسين
رضي الله عنهم - قال عبيد الله بن كثير السهمي:
وقام
عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان - وكان ممن
يناله بزعمهم إلى هشام بن عبد الملك، وهويخطب على
المنبر بعرفة - فقال: يا أمير المؤمنين، هذا يوم كانت الخلفاء تستحب فيه لعن أبي
تراب، فقال هشام: ليس لهذا جئنا، ألا ترى أن ذلك يدل على أنه قد كان لعنه فيهم
فاشياً ظاهراً، وكان عبد الله بن الوليد هذا يلعن علياً رضي الله عنه ويقول: قتل
جدي جميعاً، الزبير وعثمان. وهؤلاء سلفه وأئمته، وبشفعتهم قام ذلك المقام،
وبتقدمهم وتأسيسهم نال تلك الرياسة، ولولا العادة المتقدمة، والأجناد المجندة،
والصنائع القائمة، لكان أبعد خلق الله من ذلك المقام، وأقربهم إلى المهلكة إن
رام ذلك الشرف. وعنى بالمستضعف عثمان، وبالمداهن معاوية، وبالمأفون يزيد بن
معاوية، وهذا الكلام نقض لسلطانه، وعداوة لأهله، وإفساد لقلوب شيعته، ولو لم يكن
من عجز رأيه إلا أنه لم يقدر على إظهار قوته، إلا بأن يظهر عجز أئمته لكفاك ذلك
منه. فهذا ما ذكرته هاشم لأنفسها.
و أما نوادر الرجال في الرأي والتدبير فأبو سفيان بن حرب، وعبد الملك بن
مروان، ومسلمة بن عبد الملك، وعلى أنهم يعدون في الحلماء والرؤساء، فأهل الحجاز
يضربون المثل في الحلم بمعاوية، كما يضرب أهل العراق المثل فيه بالأحنف. وكان
يزيد بن معاوية خطيباً شاعراً، وكان الوليد بن يزيد خطيباً شاعراً، وكان مروان
بن الحكم وعبد الرحمن بن الحكم شاعرين، وكان بشر بن مروان شاعراً ناسباً،
وأديباً عالماً، وكان خالد بن يزيد بن معاوية خطيباً شاعراً، جيد الرأي، أديباً
كثيرالأدب، حكيماً، وكان أول من أعطى التراجمة والفلاسفة، وقرب أهل الحكمة
ورؤساء أهل كل صناعة، وترجم كتب النجوم والطب والكيمياء والحروب والأداب والألات
والصناعات. ويقال:
إن البصرة كانت صنائع ثلاثة رجال: عبد الله بن عامر، وزياد، والحجاج، فرجلان من
أنفسنا والثالث صنيعنا قالوا: ولنا في الأجواد وأهل الأقدار بنو عبد الله بن
خالد بن أسيد بن أمية، وأخوه خالد، وفي خالد يقول الشاعر:
ولنا
سعيد بن خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وهوعقيد الندى، كان يسبت ستة أشهر
ويفيق ستة أشهر، ويرى كحيلاً من غير اكتحال، ودهيناً من غير تدهين، وله يقول
موسى شهوات:
قالوا:
وإنما تمكن فينا الشعر وجاد، ليس من قبل أن الذين مدحونا ما كانوا غير من مدح
الناس، ولكن لما وجدوا فينا مما يتسع لأجله القول، ويصدق فيه القائل. قد مدح عبد
الله بن قيس الرقيات من الناس: آل الزبيرعبد الله ومصعباً وغيرهما، فكان يقول
كما يقول غيره، فلما صار إلينا قال:
وقال
نصيب:
قالوا:
وفينا يقول شاعركم والمتشيع لكم، الكميت بن زيد:
وفي
معاوية يقول أبو الجهم العدوي:
وفيه
يقول:
قالوا: وإذا نظرتم في امتداح الشعراء عبد العزيز بن مروان عرفتم صدق
ما نقوله. وقال الشعبي:
لو ولد لي مائة ابن لسميتهم كلهم عبد الرحمن، للذي رأيت في قريش من أصحاب هذا
الأسم، ثم عد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد
الرحمن بن الحكم بن أبي العاص، فأما عبد الرحمن بن عتاب فإنه صاحب الخيل يوم
الجمل، وهو صاحب الكف والخاتم، وهو الذي مر به علي وهو قتيل فقال: لهفي عليك
يعسوب قريش، هذا اللباب المحض من بني عبد مناف! فقال
له قائل: لشد ما أتيته اليوم يا أمير المؤمنين! قال:
إنه قام عني وعنه نسوة لم يقمن عنك. وقال عمر بن الخطاب:
ما يتصعدني شيء من الكلام كما يتصعدني خطبة النكاح، وقد يكون خطيباً من ليس عنده
في حديثه ووصفه للشيء وأحتجاجه في الأمر لسان بارع. وكان معاوية يجري مع ذلك
كله. قال معاوية، وخطب عنده خطيب فأجاد: لأرمينه بالخطيب
الأشدق يريد يزيد بن معاوية. قال عبد الملك:
فتكلم وأنا والله أحب عثرته وإسكاته، فأحسن حتى استنطقته واستزدته، وكان عبد
الملك خطيباً، خطب الناس مرة فقال: ما أنصفتمونا معشر رعيتنا، طلبتم منا أن نسير
فيكم وفي أنفسنا سيرة أبي بكر وعمر في أنفسهما ورعيتهما، ولم تسيروا فينا ولا في
أنفسكم سيرة رعية أبي بكر وعمر فيهما ولا أنفسهما، ولكل من النصفة نصيب. قالوا:
فكانت خطبته نافعة. قال عيسى بن حاضر:
قلت لعمرو بن عبيد: ما قولك في عمر بن عبد العزيز؟ فكلح، ثم صرف وجهه عني. قلت:
فما قولك في يزيد الناقص؟ فقال: أو الكامل، قال بالعدل، وعمل بالعدل، وبذل نفسه
وقتل ابن عمه في طاعة ربه، وكان نكالاً لأهله، ونقص من أعطياتهم ما زادته
الجبابرة، وأظهر البراءة من آبائه، وجعل في عهده شرطاً ولم يجعله جزماً، لا
والله لكأنه ينطق عن لسان أبي سعيد - يريد الحسن البصري - قال: وكان الحسن من
أنطق الناس. قالوا:
ومنا سليمان بن عبد الملك الذي هدم الديماس ورد المسيرين، وأخرج المسجونين، وترك
القريب. واختار عمر بن عبد العزيز، وكان سليمان جواداً خطيباً جميلاً صاحب سلامة
ودعة وحب للعافية وقرب من الناس، حتى سمي المهدي، وقيلت الأشعار في ذلك. فانطلق حاجاً، ثم تصبح بالنوم فذهبوا ينبهونه
للرحيل، فوجدوه ميتاً، فأقاموا عليه المأتم بالمدينة، وجاء أشعب فدخل إلى المأتم
وعلى رأسه كبة من طين، فالتدم مع النساء، وكان إليه محسناً. ومن نساكنا عبد
الرحمن بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. قالوا:
فنحن نعد من الصلاح والفضل ما سمعتموه، وما لم نذكره أكثر، وأنتم تقولون: أمية هي الشجرة الملعونة في القرآن،
وزعمتم أن الشجرة الخبيثة لا تثمر الطيب، كما أن الطيب لا يثمر الخبيث، فان كان الأمر كما تقولون، فعثمان بن عفان ثمرة خبيثة.
وينبغي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم دفع
ابنتيه إلى خبيث، وكذلك يزيد بن أبي سفيان صاحب مقدمة أبي بكر الصديق على جيوش
الشام، وينبغي لأبي العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يكون كذلك، وينبغي لمحمد بن عبد الله المدبج أن يكون كذلك، وإن ولدته فاطمة رضي الله عنها ، لأنه من بني أمية، وكذلك عبد
الله بن عثمان بن عفان سبط رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، الذي مات
بعد أن شدن ونقر الديك عينه فمات، لأنه من بني أمية، وكذلك ينبغي أن يكون عتاب
بن أسيد بن أبي العيص بن أمية وإن كان النبي صلى
الله عليه وسلم ولاه مكة أم
القرى وقبلة الإسلام، مع قوله صلى الله عليه
وسلم "فتيان
أضن بهما عن النار: عتاب بن أسيد، وجبير بن مطعم ". وكذلك ينبغي أن يكون عمر بن عبد العزيز شبيه عمر بن الخطاب
كذلك، وكذلك معاوية بن يزيد بن معاوية، وكذلك يزيد الناقص، وينبغي ألا
يكون النبي صلى الله عليه وسلم عد عثمان في العشرة الذين بشرهم بالجنة، وينبغي
أن يكون خالد بن سعيد بن العاص شهيد يوم مرج الصفر والحبيس في سبيل الله، ووالي
النبي صلى الله عليه وسلم على
اليمن، ووالي أبي بكر على جميع أجناد الشام، ورابع أربعة في الإسلام، والمهاجر
إلى أرض الحبشة كذلك. وكذلك أبان بن سعيد بن العاص المهاجر إلى المدينة،
والقديم في الإسلام، والحبيس على الجهاد، ويجب أن يكون ملعوناً خبيثاً، وكذلك
أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وهو بدري من المهاجرين الأولين، وكذلك - أمامة بنت
أبي العاص بن الربيع، وأمها زينب بنت رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، وكذلك أم
كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وكان النبي صلى
الله عليه وسلم يخرجها من
المغازي، ويضرب لها بسهم، ويصافحها، وكذلك فاطمة بنت أبي معيط، وهي من مهاجرة
الحبشة قالوا: ومما نفخر به وليس لبني هاشم مثله، أن منا رجلاً ولي أربعين سنة
منها عشرون سنة خليفة، وهومعاوية بن أبي سفيان. ولنا أربعة أخوة خلفاء:
الوليد، وسليمان، ويزيد، وهشام، بنو عبد الملك، وليس
لكم إلا ثلاثة إخوة: كمحمد، وعبد الله، وأبي إسحاق أولاد هارون. قالوا: ولنا في الجمال والحسن ما ليس لكم، منا المدبج، والديباج، قيل ذلك
لجماله. ومنا
المطرف، ومنا الأرجوان، فالمطرف وهو عبد الله بن عمرو بن عثمان، سمي المطرف
لجماله، وفيه يقول الفرزدق:
والمدبج
هو الديباج، كان أطول الناس قياماً في الصلاة، وهلك في سجن المنصور.
فبعث عمر بن عبد العزيز إلى العباس بن الوليد إما أن تردها إلى
أهلها، وإما أن تزوجها، فقال قائل ذات يوم للمؤمل: يا بن الخلائف الأربعة، قال: ويلك من
الرابع! قال: قطري، فأما الثلاثة فالوليد وعبد الملك ومروان، وأما قطري فبويع
بالخلافة، وفيه يقول الشاعر: وأبو نعامة سيد
الكفار. وهو
الذي لما تحاكمت بجيلة وكلب في منافرة جرير والفرافصة، وتراهنوا بسوق عكاظ،
وصنعوا الرهن على يده دون جميع من شهد على ذلك المشهد، وقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، ونظر إلى قريش مقبلة يوم بدر: "إن
يكن منهم عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر"، وما ظنك بشيخ طلبوا
له من جميع العسكر عند المبارزة بيضة فلم يقدروا على بيضة يدخل رأسه فيها، وقد
قال الشاعر:
قالوا:
وأمية الأكبر صنفان:الأعياص والعنابس، قال الشاعر:
سموا
بذلك في حرب الفجار حين حفروا لأرجلهم الحفائر وثبتوا فيها، وقالوا: نموت جميعاً
أو نظفر. وإنما سموا بالعنابس لأنها أسماء الأسود، وإنما سموا الأعياص لأنها
أسماء الأصول فالعنابس: حرب وسفيان وأبو سفيان وعمرو، والأعياص: العيص، وأبو
العيص، والعاص، وأبو العاص وأبو عمرو، ولم يعقب من العنابس إلا حرب، وما عقب
الأعياص إلا العيص، ولذلك كان معاوية يشكو القلة. ونحن نذكر ما أجاب به أبو عثمان عن
كلامهم، ونضيف إليه من قبلنا أموراً لم يذكرها، فنقول: قالت هاشم: أما ما ذكرتم من الدهاء والمكر فإن
ذلك من أسماء فجار العقلاء، وليس من أسماء أهل الصواب في الرأي من العقلاء
والأبرار، وقد بلغ أبو بكر وعمر من التدبير وصواب
الرأي، والخبرة بالأمور العامة، وليس من أوصافهما ولا من أسمائهما أن يقال:
كانا داهيين، ولا كانا مكيرين. وما عامل معاوية وعمرو بن العاص علياً رضي الله عنه قط
بمعاملة إلا وكان علي رضي الله عنه أعلم
بها منهما، ولكن الرجل الذي يحارب ولا يستعمل إلا ما يحل له أقل مذاهب فى وجوه
الحيل والتدبيرمن الرجل الذي يستعمل ما يحل وما لا يحل، وكذلك من حدث وأخبر، ألا ترى أن الكذاب ليس لكذبه غآية، ولا لما يولد ويصنع
نهآية، والصدوق إنما يحدث عن شيء معروف، ومعنى محدود، ويدل على ما قلنا
أنكم عددتم أربعة في الدهاء، وليس واحد منهم عند المسلمين في طريق المتقين،
ولوكان الدهاء مرتبة والمكر منزلة لكان تقدم هؤلاء الجميع السابقين الأولين
عيباً شديداً في السابقين الأولين، ولو أن إنساناً
أراد أن يمدح أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً ثم قال: الدهاة أربعة، وعدهم،
لكان قد قال قولاً مرغوباً عنه، لأن الدهاء والمكر ليس من صفات الصالحين، إن
علموا من غامض الأمور ما يجهله جميع العقلاء، ألا
ترى أنه قد يحسن أن يقال: كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم أكرم الناس، وأحلم الناس، وأجود الناس،
وأشجع الناس، ولا يجوز أن يقال: كان أمكر الناس، وأدهى الناس، وإن علمنا أن علمه
قد أحاط بكل مكر وخديعة، وبكل أدب ومكيدة، وأما ما ذكرتم من جود سعيد بن العاص
وعبد الله بن عامر، فأين أنتم من عبد الله
بن جعفر، وعبيد الله بن العباس، والحسن بن علي! وأين أنتم من جود خلفاء بني
العباس، كمحمد المهدي، وهارون، ومحمد بن زبيدة، وعبد الله المأمون، وجعفر
المقتدر! بل لعل جود بعض صنائع هؤلاء كبني برمك وبني الفرات، أعظم من جود
الرجلين اللذين ذكرتموهما، بل من جميع ماجاء به خلفاء بني أمية. وأما ما ذكرتم من الخطابة والفصاحة
والسؤدد والعلم بالأدب والنسب، فقد علم الناس أن بني هاشم في الجملة أرق ألسنة
من بني أمية، كان أبو طالب والزبير شاعرين، وكان أبو
سفيان بن الحارث بن عبد المطلب شاعراً، ولم يكن من أولاد أمية بن عبد شمس لصلبه
شاعر، ولم يكن في أولاد أمية إلا أن تعدوا في الإسلام العرجي من ولد عثمان بن
عفان، وعبد الرحمن بن الحكم، فنعد نحن الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، وعبد
الله بن معاوية بن جعفر، ولنا من المتأخرين محمد بن الحسين بن موسى المعروف بالرضي،
وأخوه أبو القاسم، ولنا الحماني، وعلي بن محمد صاحب الزنج، وكان إبراهيم بن
الحسن صاحب باخمرى أديباً شاعراً فاضلاً، ولنا محمد بن علي بن صالح الذي خرج في
أيام المتوكل. قال: فأرض
كذا، قال: هضبات حمر، وربوات عفر، حتى أتى على جميع ما سأله عنه، فقال عيسى
لسليمان: والله ما ينبغي لنا أن نرضى لأنفسنا بالدون من الكلام. قالوا: وأما ما
ذكرتم من نساك الملوك، فلنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،
وبزهده وبدينه يضرب المثل، ولنا محمد بن الواثق من خلفاء بني العباس، وهو الملقب
بالمهتدي، كان يقول: إني لآنف لبني العباس
ألا يكون منهم مثل عمر بن عبد العزيز، فكان مثله وفوقه. ولنا القادر أبو العباس بن إسحاق بن المقتدر، ولنا
القائم عبد الله بن القادر، كانا على قدم عظيمة من الزهد والدين والنسك، وإن
عددتم النساك من غير الملوك فأين أنتم عن علي بن
الحسين زين العابدين! وأين أنتم عن علي بن عبد الله بن العباس! وأين أنتم عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الذي كان يقال له: علي الخير،
وعلي الأغر، وعلي العابد، وما أقسم على الله بشيء إلا وأبرقسمه، وأين أنتم عن موسى
بن جعفر بن محمد! وأين أنتم عن علي بن محمد الرضا، لابس الصوف طول عمره، مع سعة
أمواله، وكثرة ضياعه وغلاته! و أما ما ذكرتم من الفتوح، فلنا الفتوح المعتصمية
التي سارت بها الركبان، وضربت بها الأمثال، ولنا فتوح الرشيد، ولنا الآثار
الشريفة في قتل بابك الخرمي بعد أن دامت فتنته في دار الإسلام نحو ثلاثين سنة.
وإن شئت أن تعد فتوح الطالبيين بإفريقية ومصر وما ملكوه من مدن الروم والفرنج
والجلالقة في سني ملكهم، عددت الكثير الجم الذي يخرج عن الحصر، ويحتاج إلى تأريخ
مفرد يشتمل على جلود كثيرة. وقال الشافعي في الرسالة في إثبات
خبر الواحد: وجدت علي بن الحسين وهو
أفقه أهل المدينة يعول على أخبار الآحاد. وقالت المعتزلة:
غلبنا الناس كلهم بأبي هاشم الأول، وأبي هاشم الثاني! وإن ذكرتم النجدة والبسالة والشجاعة فمن مثل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد وقع إتفاق أوليائه وأعدائه على
أنه أشجع البشر! ومن مثل حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله! ومن مثل
الحسين بن علي رضي الله عنهما! قالوا يوم الطف: مارأينا مكثوراً قد أفرد من إخوته
وأهله وأنصاره أشجع منه، كان كالليث المحرب، يحطم الفرسان حطماً. وما
ظنك برجل أبت نفسه الدنية وأن يعطي بيده، فقاتل حتى قتل هو وبنوه وإخوته وبنو
عمه بعد بذل الأمان لهم، والتوثقة بالأيمان المغلظة، وهو الذي سن للعرب الإباء.
واقتدى بعده أبناء الزبير وبنو المهلب وغيرهم. وبلغتكم
شجاعة عبد الله بن علي، وهو الذي أزال ملك بني مروان، وشهد الحروب بنفسه، وكذلك
صالح بن علي، وهو الذي اتبع مروان بن محمد إلى مصر حتى قتله.
ومن كلامهم: من لم يكن من بني أمية تياهاً فهو دعي.
فجعله ثالث القمرين. وكان الحسن بن علي رضي الله عنه أصبح
الناس وجهاً، كان يشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك عبد الله بن الحسن المحض. وكانت
لبابة بنت عبد الله بن العباس عند علي بن عبد الله بن جعفر، قالت: ما رأيته ضاحكاً قط ولا قاطباً، ولا قال
شيئاً احتاج إلى أن يعتذر منه، ولا ضرب عبداً قط، ولا ملكه أكثرمن سنة. قالوا:
وبعد هؤلاء ثلاثة بنو عم، وهم بنو هؤلاء الثلاثة، وكلهم يسمى محمداً، كما أن كل
واحد من أولئك يسمى علياً، وكلهم يصلح للخلافة، بكرم النسب وشرف الخصال: محمد بن
علي بن الحسين بن علي، ومحمد بن علي بن عبد الله بن العباس، ومحمد بن علي بن عبد
الله بن جعفر. ومن يطيق أن يفاخر بني أبي طالب، وأمهم
فاطمة بنت أسد بن هاشم، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وهي التي ربي رسول الله في
حجرها، وكان يدعوها أمي، ونزل في قبرها، وكان يوجب حقها كما يوجب حق الأم! من
يستطيع أن يسامي رجالاً ولدهم هاشم مرتين من قبل أبيهم ومن قبل أمهم. قالوا: ومن
العجائب أنها ولدت أربعة كل منهم أسن من الآخر بعشر سنين: طالب، وعقيل، وجعفر،
وعلي. قالوا: ونحن إذا ذكرنا إنساناً فقبل أن نعد من
ولده نأتي به شريفاً في نفسه، مذكوراً بما فيه دون ما في غيره، قلتم لنا: عاتكة بنت يزيد، وعاتكة في نفسها كامرأة
من عرض قريش، ليس فيها في نفسها خاصة أمر تستوجب به المفاخرة. ونحن نقول: منا فاطمة، وفاطمة سيدة نساء
العالمين، وكذلك أمها خديجة الكبرى، وإنما تذكران مع مريم
بنت عمران وآسية بنت مزاحم اللتين ذكرهما النبي صلى الله عليه وسلم وذكر إحداهما
القرآن، وهن المذكورات من جميع نساء العالم من العرب والعجم. وقلتم:
منا عبد الله بن يزيد، وقلنا: منا الحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة، وأولى
الناس بكل مكرمة، وأطهرهم طهارة، مع النجدة والبصيرة والفقه والصبر والحلم
والآنف، وأخوه الحسن سيد شباب أهل الجنة، وأرفع الناس درجة، وأشبههم برسول الله
خلقاً وخلقأ، وأبوهما علي بن أبي طالب. قالت هاشم: قلتم: لولا أنا كنا أكفاءكم لما أنكحتمونا نساءكم، فقد نجد القوم
يستوون في حسب الأب، ويفترقون في حسب الآنفس، وربما استووا في حسب أبي القبيلة،
كاستواء قريش في النضر بن كنانة، ويختلفون كاختلاف كعب بن لؤي.، وعامر بن لؤي،
وكاختلاف ابن قمي وعبد مناف وعبد الدار وعبد العزى، والقوم قد يساوي بعضهم بعضاً
في وجوه، ويفارقونهم في وجوه، ويستجيزون بذلك القدر مناكحتهم، وإن كانت معاني
الشرف لم تتكامل فيهم كما تكاملت فيمن زوجهم، وقد يزوج السيد ابن أخيه وهو حارض
ابن حارض على وجه صلة الرحم، فيكون ذلك جائزاً عندهم، ولوجوه في هذا الباب
كثيرة، فليس لكم أن تزعموا أنكم أكفاؤنا من كل وجه، لأن كنا قد زوجناكم
وساويناكم في بعض الأباء والأجداد. وبعد،
فأنتم في الجاهلية والإسلام قد أخرجتم بناتكم إلى
سائر قريش وإلى سائر العرب، أفتزعمون أنهم أكفاؤكم عيناً بعين! وأما
قولكم: إن الحيين كان يقال لهما عبد مناف فقد كان
يقال لهما أيضاً مع غيرهما من قريش وبنيها: بنو النضر. وقال الله تعالى: "وأنذر عشيرتك الأقريين"، فلم يدع النبي
صلى الله عليه وسلم أحداً من بني عبد شمس، وكانت
عشيرته الأقربون بني هاشم وبني المطلب، وعشيرته فوق ذاك عبد مناف وفوق ذلك قصي،
ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما
أتي بعبد الله بن عامر بن كريز بن حبيب بن عبد شمس - وأم عامر بن كريز أم حكيم
البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم - قال صلى الله عليه وسلم : "هذا أشبه بنا منه بكم"، ثم تفل في فيه فازدرده،
فقال: أرجو أن تكون مشفياً، فكان كما قال. ففي قوله: "هو أشبه بنا منه بكم" خصلتان: إحداهما أن عبد شمس وهاشماً لو كانا
شيئاً واحداً كما أن عبد المطلب شيء واحد لما قال: "هو بنا أشبه به
منكم"، والأخرى أن في هذا القول تفضيلاً لبني
هاشم على بني عبد شمس، ألا ترون أنه خرج خطيباً جواداً نبيلاً وسيداً
مشفياً، له مصانع وآثار كريمة، لأنه قال: "وهو
بنا أشبه به منكم ". وأتي عبد المطلب بعامر بن كريز وهو ابن ابنته
أم حكيم البيضاء فتأمله، وقال: وعظام هاشم ما ولدنا ولداً أحرض منه، فكان كما
قال عبد الله يحمق، ولم يقل وعظام عبد مناف لأن شرف جده عبد مناف له فيه شركاء،
وشرف هاشم أبيه خالص له. أن يسب آباءكم ويشتم أعراضكم كلب بني كليب!
إنما نسبهم إلى دارمالأ بالأكبر المشتمل على آباء قبائلهم ليستووا في الحمية
ويتفقوا علىالآنف، وهذا في مثل هذا الموضع تدبير صحيح.
لم
يقل: "نيط في آل عبد مناف ".
ولم يقل:
ما أنت من آل عبد مناف، وكيف يقول هذا، وقد علم
الناس أن عبد مناف ولد أربعة: هاشماً والمطلب وعبد شمس ونوفلاً، وأن
هاشماً والمطلب كانا يداً واحدة، وأن عبد شمس ونوفلاً كانا يداً واحدة، وكان مما
بطأ ببني نوفل عن الإسلام إبطاء إخوتهم من بني عبد شمس، وكان مما حث بني المطلب
على لإسلام فضل محبتهم لبني هاشم، لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم كان بيناً، وإنما كانوا يمتنعون منه من طريق الحسد والبغضة،
فمن لم يكن فيه هذه العلة لم يكن له دون الإسلام مانع، ولذلك لم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم من بني نوفل أحد فضلاً أن يشهدوا معه المشاهد الكريمة، وإنما
صحبه حلفاؤهم كيعلى بن منبه وعتبة بن غزوان وغيرهما، وبنو الحارث بن المطلب كلهم
بدري: عبيد، وطفيل، وحصين، ومن بني المطلب مسطح بن أثاثة بدري. وكيف يكون الأمر كما قلتم وأبو طالب يقول لمطعم بن عدي بن نوفل في
أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، لما تمالأت قريش عليه:
ولقد قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسمة
فجعلها في بني هاشم وبني المطلب، فأتاه عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن
عبد مناف، وجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، فقالا له: يا رسول الله،
إن قرابتنا منك وقرابة بني المطلب واحدة، فكيف أعطيتهم دوننا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إنا لم نزل وبني المطلب كهاتين "، وشبك بين
أصابعه، فكيف تقولون: كنا شيئاً واحداً، وكان الأسم الذي يجمعنا واحداً! ثم نرجع إلى أفتخار بني هاشم، قالوا: وإن كان
الفخر بالأيد والقوة، واهتصار الأقران ومباطشة الرجال، فمن أين لكم كمحمد بن
الحنفية، وقد سمعتم أخباره وأنه قبض على درع فاضلة، فجذبها فقطع ذيلها ما استدار
منه كله. وسمعتم أيضاً حديثاً
لأيد القوي الذي أرسله ملك الروم إلى معاوية يفخر به على العرب، وأن محمداً قعد
له ليقيمه فلم يستطع، فكأنما يحرك جبلاً، وأن الرومي قعد ليقيمه محمد فرفعه إلى
فوق رأسه، ثم جلد به الأرض، هذا مع الشجاعة المشهورة، والفقه في الدين والحلم
والصبر والفصاحة والعلم بالملاحم والأخبار عن الغيوب، حتى أدعي له أنه المهدي، وقد سمعتم أحاديث أبي إسحاق المعتصم، وأن أحمد بن
أبي دوواد عض ساعده بأسنانه أشد العض فلم يؤثر فيه، وأنه قال: ما أظن الأسنة ولا
السهام تؤثر في جسده، وسمعتم ما قيل في عبد الكريم المطيع، وأنه جذب ذنب ثور
فاستلة من بين وركيه. ومن الذي يسوي بين عبد شمس وبين هاشم في ذلك! كان الوليد جباراً، وكان هشام شرس
الأخلاق، وكان مروان بن محمد لا يزال قاطباً عابساً، وكذلك كان يزيد بن الوليد
الناقص، وكان المهدي المنصور أسرى خلق الله وألطفهم خلقاً، وكذلك محمد الأمين
وأخوه المأمون، وكان السفاح يضرب به المثل في السرور وسجاحة الخلق. وملك قرطبة دار ملك بني أمية، ويلقب بالناصر. ثم قام بعده أخوه
القاسم بن حمود، ويلقب بالمعتلي، فنحن قتلناكم وأزلنا ملككم في المشرق والمغرب،
ونحن لكم على الرصد حيث كنتم، اتبعناكم فقتلناكم وشردناكم كل مشرد، والفخر
للغالب على المغلوب، بهذا قضت الأمم قاطبة. قالوا: ولنا من أفراد الرجال من ليس
لكم مثله، منا يحيى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، كان شجاعاً جريئاً
وهو الذي ولي الموصل لأخيه السفاح فاستعرض أهلها، حتى ساخت الأقدام في الدم. وأهدى محمد بن سليمان من البصرة إلى الخيزران مائة وصيفة في
يد كل واحدة منهن جام من ذهب وزنه ألف مثقال، مملوء مسكاً، وكان لجعفر بن سليمان
ألفا عبد من السودان خاصة، فكم يكون ليت شعري غيرهم من البيض ومن الإماء! وما
رئي جعفر بن سليمان راكباً قط إلا ظن أنه الخليفة. وعبد الله بن أحمد
بن عبد الله بن موسى الهادي، وكان أديباً ظريفاً.
ومن رجالنا النقيب أبو أحمد الحسين بن موسى شيخ بني هاشم
الطالبيين والعباسيين في عصره، ومن أطاعه الخلفاء والملوك في أقطارالأرض ورجعوا
إلى قوله، وابناه علي ومحمد وهما المرتضى والرضي، وهما فريدا العصر في الأدب
والشعر والفقه والكلام، وكان الرضي شجاعاً أديبا شديدالآنف. ومن رجالنا
محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين صاحب أبي السرايا، ساد حدثاً، وكان شاعراً
أديباً فقيهاً، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولما أسر وحمل إلى المأمون أكرمه
وأفضل عليه، ورعى له فضله ونسبه. وأما يحيى
صاحب الديلم فكان حسن المذهب والهدي، مقدماً في أهل بيته، بعيداً مما يعاب على
مثله، وقد روى الحديث وأكثر الروآية عن جعفر بن محمد، وروى عن أكابر المحدثين،
وأوصى جعفر بن محمد إليه لما حضرته الوفاة وإلى ولده موسى بن جعفر. و أما موسى
بن عبد الله بن الحسن، فكان شاباً نجيباً صبوراً شجاعاً سخياً شاعراً. وإبراهيم
بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كان مقدماً في أهله، يقال: إنه أشبه أهل زمانه برسول الله صلى الله
عليه وسلم . كان من فتيان آل أبي طالب وفتاكهم وشجعانهم
وظرفائهم وشعرائهم، وله شعر لطيف محفوظ. وابنه علي
بن موسى المرشح للخلافة، والمخطوب له بالعهد، كان أعلم الناس، وأسخى الناس،
وأكرم الناس أخلاقاً. قالوا:
وأما ما ذكرتم من أمر الشجرة الملعونة، فإن المفسرين كلهم قالوا ذلك ورووا فيه
أخباراً كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
ولستم قادرين على جحد ذلك، وقد عرفتم تأخركم عن الإسلام وشدة عداوتكم للرسول
الداعي إليه، ومحاربتكم في بدر وأحد والخندق، وصدكم الهدي عن البيت، وليس ذلك
مما يوجب أن يعمكم اللعن حتى لا يغادر واحداً، فإن زعم ذلك زاعم فقد تعدى. وأما اختصاص محمد بن علي بالوصية والخلافة دون
إخوته، فقد علمتم أن وراثة السيادة والمرتبة ليس من جنس
وراثة الأموال، ألا ترى أن المرأة والصبي والمجنون يرثون الأموال ولا يرثون
المراتب! وسواء في الأموال، كان الأبن حارضاً بائراً، أو بارعاً جامعاً. وكان بعض ولد محمد أسن من عامة ولد علي، وولد محمد
المهدي بن عبد الله المنصور والعباس بن محمد بن علي في عام واحد، وكذلك محمد بن
سليمان بن علي، ولم يكن لأحد من ولد علي بن عبد الله بن العباس - وإن كانوا
فضلاء نجباء كرماء نبلاء - مثل عقله ولا كجماله، كان إذا دخل المدينة ومكة جلس
الناس على أبواب دورهم والنساء على سطوحهن للنظر إليه، والتعجب من كماله وبهائه،
وقد قاتل إخوته أعداءه في دفع الملك إلى ولده غير مكرهين ولا مجبرين، على أن
محمداً إنما أخذ الأمر عن أساس مؤسس، وقاعدة مقررة، ووصية انتقلت إليه من أبي
هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، وأخذها أبو هاشم عن أبيه محمد، وأخذها محمد
عن علي بن أبي طالب أبيه. وقال بعضهم: بالجزيرة. وقال بعضهم بالشام. وقال بعضهم: بمكة وقال بعضهم: بالمدينة. واحتج كل إنسان لرأيه، واعتل لقوله - فقال محمد:
أما الكوفة وسوادها فشيعة علي وولده، وأما البصرة
فعثمانية تدين بالكف، وقبيل عبد الله المقتول يدينون بجميع الفرق، ولا يعينون
أحداً، وأما الجزيرة فحرورية مارقة،
والخارجية فيهم فاشية، وأعراب كأعلاج، ومسلمون في أخلاق النصارى، وأما الشام فلا يعرفون إلا آل أبي سفيان، وطاعة
بني مروان، وعداوة راسخة، وجهلاً متراكماً، وأما
مكة والمدينة فقد غلب عليهما أبو بكر وعمر، وليس يتحرك معنا في أمرنا هذا
منهم أحد، ولا يقوم بنصرنا إلا شيعتنا أهل البيت، ولكن عليكم بخراسان، فإن هناك
العدد الكثير، والجلد الظاهر، وصدوراً سليمة، وقلوباً مجتمعة، لم تتقسمها
الأهواء، ولم تتوزعها النحل، ولم تشغلها ديانة، ولا هدم فيها فساد، وليس لهم
اليوم همم العرب، ولا فيهم تجارب كتجارب الأتباع مع السادات، ولا تحالف كتحالف
القبائل، ولا عصبية كعصبية العشائر، وما زالوا ينالون ويمتهنون، ويظلمون
فيكظمون، وينتظرون الفرج، ويؤملون دولة، وهم جند لهم أبدان وأجسام، ومناكب
وكواهل، وهامات ولحى، وشوارب وأصوات هائلة، ولغات فخمة، تخرج من أجواف منكرة.
وبعد، فكأني أتفاءل جانب المشرق فإن مطلع الشمس سراج الدنيا، ومصباح هذا الخلق.
فجاء الأمر كما دبر، وكما قدر، فإن كان الرأي الذي رأى صواباً فقد وافق الرشاد،
وطبق المفصل، وإن كان ذلك عن روآية متقدمة، فلم يتلق تلك الروآية إلا عن نبوة. ويقول الطالبيون:
منا رجل مكث ستين سنة خليفة، وهو معد بن الطاهر صاحب مصر، وهذه مدة لم يبلغها
خليفة ولا ملك من ملوك العرب في قديم الدهر ولا في حديثه. وأما
العنابس، فإنما سموا بذلك لأن حرب بن أمية كان أسمه عنبسة، وأما حرب فلقبه، ذكر ذلك النسابون، ولما كان حرب أمثلهم سموا جماعتهم
بأسمه، فقيل: العنابس، كما يقال: المهالبة والمناذرة،
ولهذا المعنى سمي أبو سفيان بن حرب بن عنبسة، وسمي سعيد بن العاص بن عنبسة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفهرس الجزء الخامس عشرباب المختار من الخطب والأوامر - ابن ابي الحديد. بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي الحمد لله الواحد العدل.
القول في أسماء الذين تعاقدوا
من قريش على قتل رسول الله
(ص) وما أصابوه به في
المعركة يوم الحرب..
القول في الملائكة هل نزلت
بأحد وقاتلت أم لا..
القول في مقتل حمزة بن عبد
المطلب رضي الله عنه.
القول فيمن ثبت مع رسول الله
صلى الله عليه وآله يوم أحد. القول فيما جرى للمسلمين بعد
إصعادهم في الجبل..
القول فيما جرى للمشركين بعد
انصرافهم إلى مكة.
القول في مقتل أبي عزة الجمحي
ومعاوية بن المغيرة بن أبي العاص ابن أمية. القول في مقتل المجذر بن زياد
البلوي والحارث بن يزيد بن الصامت... القول فيمن مات من المسلمين
بأحد جملة.
القول فيمن قتل من المشركين
بأحد.
القول في خروجه ص بعد انصرافه
من أحد إلى المشركين ليوقع بهم الوهن.. في شرح غزاة مؤتة نذكرها من
كتاب الواقدي..
ومن وصية له وصى بها جيشاً
بعثه إلى العدو.
ومن وصية له وصى بها معقل بن
قيس الرياحي حين أنفذه إلى الشام له.. ومن كتاب له إلى أميرين من
أمراء جيشه.
ومن وصية له لعسكره بصفين قبل
لقاء العدو.
قصة فيروز بن يزد جرد بن
بهرام.
وكان يقول إذا لقي العدو
محارباً
ومن كتاب له إلى معاوية
جواباً عن كتاب منه إليه. ما حدث بين علي ومعاوية يوم
صفين...
ومن كتاب له إلى عبد الله بن
عباس وهو عامله على البصرة ومن كتاب له عليه السلام إلى
بعض عماله..
ومن كتاب له إلى زياد بن أبيه
وهو خليفة عامله عبد الله بن عباس على البصرة ومن كتاب له إلى عبد الله بن
العباس...
قال قبل موته على سبيل الوصية
لما ضربه ابن ملجم لعنه الله... ومن وصية له بما يعمل في
أمواله..
ومن وصية له كان يكتبها لمن
يستعمله على الصدقات وإنما ذكرنا هنا جملاً منها ...........
ومن عهد له إلى بعض عماله وقد
بعثه على الصدقة.
ومن عهد له إلى محمد بن أبي
بكر رضي الله عنه حين قلده مصر.... ومن كتاب إلى معاوية جواباً
وهو من محاسن الكتب.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||