- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
الجزء السابع - باب المختار من الخطب والأوامر
- ابن ابي الحديد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بسم الله
الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل بقية
الخطبة التسعين الأصل: فلما مهد أرضه، وأنفذ أمره، اختار أدم عليه السلام خيرة
من خلقه، وجعله أول جبلته، وأسكنه جنتة، وأرغد فيها أكله، وأوعز إليه فيما نهاه
عنه، وأعلمة أن في الإقدام عليه التعرض لمعصيته، والمخاطرة بمنزلته فأقدم على ما
نهاه عنه موافاة لسابق علمه. فأهبطه بعد التوبة، ليعمر أرضه بنسله، وليقيم الحجة
به على عباده، ولم يخلهم بعد أن قبضه مما يؤكد عليهم حجة ربوبيته، ويصل بينهم
وبين معرفته، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه، ومتحملي ودائع
رسالاته قرناً فقرناً حتى تمت بنبينا محمد صلى
الله عليه وآله حجته، وبلغ
المقطع عذرة ونذرة. ومنه المهاد وهو الفراش، ومهدت الفراش بالتخفيف
مهداً، أي بسطته ووطأته. وقوله: خيرة من خلقه
على فعلة، مثل عنبة، الاسم من قولك: اختاره الله يقال: محمد خيرة الله من خلقه ويجوز: خيرة الله بالتسكين، والاختيار: الاصطفاء. قوله: "فأهبطه بعد التوبة"، قد اختلف الناس في ذلك، فقال قوم: بل أهبطه قبل التوبة ثم تاب عليه وهو في
الأرض. وقال قوم:
تاب قبل الهبوط، وهو قول أمير المؤمنين رضي الله عنه، ويدل عليه قوله تعالى: "فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب
الرحيم، قلنا اهبطوا منها جميعاً"، فأخبر عن أنه أهبطهم بعد تلقي
الكلمات والتوبة. وقال
تعالى في موضع آخر: "وطفقا يخصفان عليهما من
ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما
عدو مبين، قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين". فبين
أن اعترافهما بالمعصية واستغفارهما كانا قبل أمرهما بالهبوط. وقال في موضع
آخر: "وعصى آدم ربه فغوى، ثم اجتباه
ربه فتاب عليه وهدى، قال اهبطا منها جميعا"، فجعل الإهباط بعد
الاجتباء والتوبة، واحتج الأولون بقوله تعالى:
"ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين، فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما
مما كانا فيه، وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين،
فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه"، قالوا: فأخبرسبحانه عن أمره لهم
بالهبوط عقيب إزلال الشيطان لهما، ثم عقب الهبوط
بفاء التعقيب في قوله: "فتلقى آدم من
ربه كلمات"، فدل على أن التوبة بعد
الهبوط.
وتعاهدهم
بالحجج، أي جدد العهد عندهم بها ويروى بل تعهدهم بالتشديد، والتعهد: التحفظ
بالشيء تعهدت فلاناً وتعهدت ضيعتي وهوأفصح من تعاهدت لأن التفاعل إنما يكون من
شيئين وتقول: فلان يتعهده صرع. قوله: "وبلغ
المقطع عذرة ونذره"، مقطع الشيء حيث ينقطع، ولا يبقى خلفه شيء منه،
أي لم يزل يبعث الأنبياء واحداً بعد واحد حتى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم فتمت له حجته على الخلق أجمعين. وبلغ الأمر مقطعه، أي لم يبق بعده رسول الله
ينتظر وانتهت عذر الله تعالى ونذره، فعذره ما بين للمكلفين من الإعذار في عقوبته
لهم إن عصوه، ونذره ما أنذرهم به من الحوادث، ومن أنذرهم على لسانه من الرسل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اختلاف المتكلمين في عصمة
الأنبياء
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أن المتكلمين اختلفوا في عصمة
الأنبياء، ونحن نذكر ههنا طرفاً من حكاية المذاهب في هذه المسألة على سبيل
الاقتصاص ونقل الاراء لا على سبيل الحجاج ونخص
قصة آدم عليه السلام والشجرة بنوع من النظر إذ كانت هذه القصة مذكورة في كلام أمير
المؤمنين رضي الله عنه في هذا الفصل،
فنقول: اختلف الناس في المعصوم ما هو؟ فقال قوم:
المعصوم هو الذي لا يمكنه الإتيان بالمعاصي وهؤلاء هم
الأقلون من العلماء أهل النظر واختلفوا في عدم التمكن كيف هو فقال قوم منهم: المعصوم هو المختص في نفسه أو بدنه أو
فيهما، بخاصية تقتضي امتناع إقدامه على المعاصي. وإنما
العصمة هي القدرة على الطاعة أو عدم القدرة على المعصية، وهذا قول الأشعري نفسه وإن كان كثيرمن أصحابه قد خالفه فيه. وفسروا العصمة بتفسيرين: أحدهما: أنها أمور يفعلها الله تعالى بالمكلف
فتقتضي ألا يفعل المعصية اقتضاء غيربالغ إلى حد الإيجاب، وفسروا هذه الأمور فقالوا: إنها
أربعة أشياء: أولها أن يكون لنفس
الإنسان ملكة مانعة من الفجور، داعية إلى العفة، وثانيها
العلم بمثالب المعصية ومناقب الطاعة. وثالثها تأكيد
ذلك العلم بالوحي والبيان من الله تعالى. ورابعها أنه متى صدر عنه خطأ من باب النسيان
والسهو لم يترك مهملاً بل يعاقب وينبه ويضيق عليه العذر قالوا: فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة كان
الشخص معصوماً عن المعاصي لا محالة، لأن العفة إذا انضاف إليها العلم بما
في الطاعة من السعادة وما في المعصية من الشقاوة ثم أكد ذلك تتابع الوحي إليه
وترادفه، وتظاهر البيان عنده، وتمم ذلك خوفه من العتاب على القدر القليل، حصل من
اجتماع هذه الأمور حقيقة العصمة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفصل الأول في حال
الأنبياء قبل البعثة ومن الذي يجوز أن يرسله الله تعالى إلى العباد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فالذي عليه أصحابنا المعتزلة رحمهم
الله، أنه يجب أن ينزه النبي قبل البعثة عما كان فيه
تنفيرعن الحق الذي يدعو إليه، وعما فيه غضاضة وعيب. وقال قوم من الأشعرية ومن أهل الظاهر
وأرباب الحديث: إن ذلك جائز واقع، واستدلوا بأحوال
إخوة يوسف. ومنع
المانعون من ذلك من ثبوت نبوة إخوة يوسف، ثم هؤلاء المجوزون، منهم من جوز عليهم
فعل الكبائر مطلقاً، ومنهم من جوز ذلك على سبيل
الندرة ثم يتوبون عنه، ويشتهر حالهم بين الخلق بالصلاح، فأما لو فرضنا إصرارهم
على الكبائر بحيث يصيرون مشهورين بالفسق والمعاصي، فإن ذلك لا يجوز لأنه يفوت
الغرض من إرسالهم ونبوتهم على هذا التقدير. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفصل الثاني عصمة
الأنبياء في زمن النبوة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
عن الذنوب في أفعالهم وتروكهم عدا ما يتعلق بتبليغ الوحي والفتوى في الأحكام جوز قوم من الحشوية عليهم هذه الكبائر وهم أنبياء
كالزنا واللواط وغيرهما، وفيهم من جوز ذلك بشرط
الاستسرار دون الإعلان، وفيهم من جوز ذلك على
الأحوال كلها. ثم اختلفوا فمنهم من جوز
على النبي الإقدام على المعصية الصغيرة غير المسمخفة عمداً وهو قول شيخنا أبي هاشم رحمه تعالى فإنه أجاز
ذلك وقال: إنه لا يقدم رضي الله عنه
على ذلك إلا على خوف ووجل، ولا يتجرأ على الله سبحانه. وأصحاب شيخنا أبي هاشم لا يرضون هذا المذهب، ويقولون إن الإشكال باق بحاله، لأن آدم أخل بالنظر على هذا القول في أن المنهي عنه: هل هو عين الشجرة
أو نوعها مع أنه قد كان مدلولاً على ذلك، لأنه لو
لم يكن مدلولاً على ذلك لكان تكليف الامتناع عن
التناول تكليف ما لا يطاق، وإذا دل على ذلك وجب عليه النظر ولا وجه يجب
النظر لأجله إلا الخوف من تركه وإذا لم يكن بد من كونه خائفاً فهو عالم إذا بوجوب
هذا التأمل والنظر فإذا أخل به فقد وقعت منه
المعصية مع علمه. وكما لا يرضى أصحاب شيخنا أبي هاشم
هذا المذهب فكذلك لا يرتضون مذهب
النظام وجعفر بن مبشر وذلك لأن القول بأن الأنبياء يؤاخذون على ما
يفعلونه سهواً متناقض لأن السهو يزيل التكليف،
ويخرج الفعل من كونه ذنباً مؤاخذاً به ولهذا لا يصح مؤاخذة المجنون والنائم،
والسهو في كونه مؤثراً في رفع التكليف جار مجرى فقد القدر والألات والأدلة فلو جاز أن يخالف حال الأنبياء حال غيرهم في صحة تكليفهم
مع السهو، جاز أن يخالف حالهم حال غيرهم في صحة التكليف مع فقد القدر
وإلالات وذلك باطل. ثم إنا نذكر كلام السيد الشريف المرتضى رحمه
تعالى، قال رحمه تعالى: أما قوله تعالى: "وعصى آدم ربه" فإن المعصية مخالفة
للأمر والأمر من الحكيم تعالى قد يكون بالواجب وبالندب
معاً فلا يمتنع على هذا أن يكون آدم مندوباً إلى ترك التناول من الشجرة،
فيكون بمواقعتها تاركاً فرضاً ونفلاً، وغير فاعل قبيحاً، وليس يمتنع أن يسمى
تارك النفل عاصياً، كما يسمى بذلك تارك الواجب، فإن تسمية من خالف ما أمر به
سواء كان واجباً أو نفلاً بأنه عاص ظاهر، ولهذا
يقولون: أمرت فلاناً بكذا وكذا من الخيرفعصاني
وخالفني، وإن لم يكن ما أمر به وا جباً يقال له: الكلام على هذا التأويل من وجوه: أولها
أن ألفاظ الشرع يجب أن تحمل على حقائقها اللغوية ما لم يكن لها حقائق شرعية،
فإذا كان لها حقائق شرعية وجب أن تحمل على عرف الشرع واصطلاحه، كالصلاة والحج
والنفاق والكفر، ونحو ذلك من الألفاظ الشرعية، وهكذا
قال السيد المرتضى رحمه تعالى في كتابه في أصول الفقه المعروف بالذريعة في باب كون الأمر للوجوب وهو الحق الذي لا مندوحة عنه. وإذا كان لفظ العصيان في الاصطلاح الشرعي موضوعاً
لمخالفة الأمر الإيجابي لم يجز العدول عنه وحمله على مخالفة الندب. وقد أجاب رحمه تعالى عن هذا، فقال: وصف تارك الندب
بأنه عاص توسع وتجوز، والمجاز لا يقاس عليه، ولا
يعدى عن موضعه. ولو قيل إنه حقيقة في فاعل
القبيح، وتارك الأولى والأفضل لم يجز إطلاقه في
الأنبياء إلا مع التقييد، لأن استعماله قد كثرفي فاعل القبائح، فإطلاقه
عن التقييد موهم. كذلك يقال له:
ليس هذا من باب القياس على المجاز الذي اختلف فيه أرباب
أصول الفقه لأن من قال: إذا ترك زيد الندب فإنه يسمى عاصياً يلزمه أن
يقول: إن عمراً إذا ترك الندب يسمى عاصياً وليس هذا قياساً، كما أن من قال لزيد
البليد: هذا حمار، قال لعمرو البليد: هذا حمار، والقياس
على المجاز الذي اختلف الأصوليون في جوازه خارج عن هذا الموضع، ومثال المسألة الأصولية المختلف فيها: "واخفض لهما جناح الذل"، هل يجوز أن
يقال: طأطىء لهما عنق الذل! وأما قوله: لو
سلمنا أنه حقيقة في تارك الندب لم يجز إطلاقه في حق الأنبياء لأنه يوهم العصيان
بل يجب أن يقيد، فيقال له: لكن البارىء
سبحانه أطلقه ولم يقيده في قوله: "وعصى
آدم"، فيلزمك أن يكون تعالى
موهماً وفاعلا للقبيح لأن إيهام القبيح قبيح. وثانيها
أنه تعالى قال: "فغوى"! والغي
الضلال.
يقال
له: ألست القائل في مصنفاتك الكلامية: إن
المندوبات إنما ندب إليها، لأنها كالمسهلات والميسرات لفعل الواجبات العقلية،
وإنها ليست ألطافاً في واجب عقلي وإن ثوابها يسير جداً بالإضافة إلى ثواب
الواجب! فإذا كان آدم عليه السلام ما أخل بشيء من الواجبات، ولا فعل شيئاً من
المقبحات فقد استحق من الثواب العظيم ما يستحق ثواب المندوب بالإضافة إليه. ومثل هذا لا يقال فيه لمن ترك المندوب إنه قد خاب. ألا ترى أن من اكتسب مائة ألف قنطار من المال، وترك بعد ذلك درهماً واحداً كان يمكنه اكتسابه فلم
يكتسبه، لا يقال: إنه خاب! وثالثها أن
ظاهر القرآن يخالف ما ذكره، لأنه تعالى أخبر أن آدم منهي عن أكل الشجرة بقوله: "ولا تقربا هذه
الشجرة فتكونا من الظالمين"، وقوله:
"ألم أنهكما عن تلكما الشجرة"، وهذا يوجب أنه قد عمى بأن فعل
منهياً عنه، والشريف المرتضى رحمه الله تعالى يقول:
إنه عمى بأن ترك مأموراً به. وقد يتداخل هذان
الوضعان في الشاهد، فيقول أحدنا: قد أمرت
فلاناً بألا يلقى الأمير وإنما يريد أنه نهاه عن لقائه ويقول: نهيتك عن هجر زيد
وإنما معناه أمرتك بمواصلته. فثبت أن هذه الواقعة
وقعت له عليه السلام قبل نبوته وإرساله. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفصل الثالث خطئهم في
التبليغ والفتاوى
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال أصحابنا:
إن الأنبياء معصومون من كل خطأ يتعلق بالأداء والتبليغ،
فلا يجوز عليهم الكذب ولا التغييرولا التبديل ولا الكتمان ولا تأخر البيان عن
وقت الحاجة، ولا الغلط فيما يؤدونه عن تعالى، ولا السهو فيه ولا الإلغاز ولا
التعمية، لأن كل ذلك إما أن ينقض دلالة المعجز على
صدقه، أو يؤدي إلى تكليف ما لا يطاق. فأما في أقواله الخارجة عن التبليغ، فيجوز أن يخطىء
كما روي عنه صلى الله عليه وسلم في نهيه لأهل
المدينة عن تأبير النخل، فأما أصحابنا
المعتزلة، فإنهم اختلفوا في الخبر
المروي عنه عليه الصلاة والسلام في سورة النجم، فمنهم
من دفع الخبر أصلاً ولم يقبله، وطعن في رواته، ومنهم من اعترف بكونه قرآناً
منزلاً، وهم فريقان: أحدهما القائلون بأنه
كان وصفاً للملائكة، فلما ظن المشركون أنه وصف آلهتهم، رفع ونهي عن تلاوته. وثانيهما القائلون
إنه خارج على وجه الاستفهام بمعنى الإنكار، فتوهم
سامعوه أنه بمعنى التحقيق، فنسخه الله تعالى
ونهى عن تلاوته. قالوا: فإلقاء الشيطان ههنا هو إلقاء الشبهة في قلوب
المشركين، وإنما أضافه إلى أمنيته، وهي تلاوته القرآن، لأن بغرور الشيطان
ووسوسته أضاف المشركون إلى تلاوته رضي الله عنه
ما لم يرده بها. وخلق الآجال فأطالها وقصرها، وقدمها وأخرها، ووصل
بالموت أسبابها، وجعله خالجاً لأشطانها، وقاطعاً لمرائر أقرانها. وعدل
فيها: من التعديل وهو التقويم، وروي: فعدل،
بالتخفيف، من العدل نقيض الظلم، والميسور
والمعسور: مصدران. وقال سيبويه: هما صفتان، ولا يجيء عنده المصدر على
وزن مفعول البتة، ويتأول قولهم: دعه إلى ميسوره، ويقول كأنه قال: دعه إلى أمر
يوسر فيه، وكذلك يتأول المعقول أيضاً، فيقول كأنه عقل له شيء، أي حبس وأيد وسدد. ومعنى قوله رضي الله عنه: "ليبتلي من أراد بميسورها
ومعسورها"، هو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن
إعطاء هذا المال فتنة، وإمساكه فتنة". والعقابيل في الأصل:
الحلأ، وهو قروح صغار تخرج بالشفة من بقايا المرض.
والفاقة: الفقر، وطوارق الآفات: متجددات المصائب، وأصل الطروق ما يأتي ليلاً، والأتراح: الغموم، الواحد ترح، وترحه تتريحاً، أي
أحزنه، وخالجاً: جاذباً، والخلج الجذب، خلجه يخلجه بالكسر، واختلجه، ومنه
الخليج: الحبل لأنه يجتذب به، وسمي خليج البحرخليجاً لأنه يجذب من معظم البحر.
ومرائر القرائن:
جمع مرير، وهو ما لطف وطال منها واشتد فتله، وهذا
الكلام من باب الاستعارة.
إذ كان يفخر به على عدنان وقحطان، بل كان يقر به عين أبيه إبراهيم خليل الرحمن، ويقول له: إنه
لم يعف ما شيدت من معالم التوحيد، بل أخرج الله تعالى لك من ظهري ولداً ابتدع من
علوم التوحيد في جاهلية العرب ما لم تبتدعه أنت في جاهلية النبط بل لو سمع هذا الكلام أرسطوطاليس، القائل بأنه تعالى
لا يعلم الجزئيات لخشع قلبه، وقف شعره، واضطرب فكره ألا ترى ما عليه من الرواء
والمهابة، والعظمة والفخامة، والمتانة والجزالة! مع ما قد أشرب من الحلاوة
والطلاوة واللطف والسلاسة لا أرى كلاماً يشبه هذا إلا
أن يكون كلام الخالق سبحانه، فإن هذا الكلام نبعة من تلك الشجرة، وجدول
من ذلك البحر، وجذوة من تلك النار وكأنه شرح قوله تعالى:
"وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما
في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا
يابس إلا في كتاب مبين". ثم نعود إلى التفسير فنقول: النجوى: المسارة، تقول: انتجى القوم وتناجوا، أي تساروا،
وانتجيت زيداً إذا خصصته بمناجاتك ومنه الحديث أنه صلى
الله عليه وسلم أطال النجوى مع علي رضي الله عنه فقال قوم: لقد أطال
اليوم نجوى ابن عمه، فبلغه ذلك فقال: "إني ما انتجيته ولكن الله انتجاه
". ويقال
للسر نفسه النجو يقال: نجوته نجواً أي ساررته وكذلك ناجيته مناجاة، وسمي ذلك
الأمر المخصوص نجوى لأنه يستسر به فأما قوله تعالى: "وإذ هم نجوى" فجعلهم هم النجوى، وإنما
النجوى فعلهم فإنما هو كقولك: "قوم رضاً"
وإنما الرضا، فعلهم ويقال للذي تساره: النجي على فعيل وجمعه أنجية، قال الشاعر:
وقد يكون النجي جماعة مثل الصديق قال الله تعالى: "خلصوا نجياً، وقال الفراء: قد يكون النجي والنجوى اسماً ومصدراً.
ورجم الظنون:
القول بالظن، قال سبحانه: "رجماً
بالغيب"، ومنه الحديث المرجم بالتشديد، وهو الذي لا يدرى أحق هو أم
باطل، ويقال صار رجماً، أي لا يوقف على حقيقة أمره. وأكنان قلوب: غلفها، والكن: الستر، والجمع
أكنان، قال تعالى:
"وجعل لكم من الجبال أكناناً"، ويروى: أكنة القلوب وهي الأغطية
أيضاً، قال تعالى: "وجعلنا
على قلوبهم أكنة"، والواحد كنان، قال
عمربن أبي ربيعة:
ويعني
بالذي ضمنته أكنان القلوب الضمائر.
والأسد
الهموس: الخفي الوطء، ومنفسح الثمرة، أي موضع
سعتها من الأكمام، وقد روي: متفسخ بالخاء المعجمة وتشديد السين وبتاء بعد الميم،
مصدراً من تفسخت الثمرة، إذا انقطعت. والأفنان: جمع
فنن، وهو الغصن والأمشاج: ماء الرجل يختلط بماء المرأة ودمها، جمع مشيج، كيتيم
وأيتام. ومحطها: إما مصدر أو مكان. ومتلاحمها، ما يلتصق منها بعضها ببعض ويلتحم. ودرور قطر السحائب: مصدر، من در يدر، أي سال، وناقة درور: أي كثيرة اللبن،
وسحاب درور: أي كثير المطر، ويقال: إن لهذا
السحاب لدرة، أي. صبا، والجمع درور. ومتراكمها:
المجتمع المتكاثف منها، ركمت الشيء أركمه بالضم: جمعته وألقيت بعضه على بعض،
ورمل ركام، وسحاب ركام، أي مجتمع. وقال
تعالى: "فأصابها
إعصار فيه نار"، وتسفي، من سفت الريح التراب سفياً، إذا أذرته فهو
سفي. وذيولها ههنا، يريد به أطرافها وما لاحف الأرض
منها، وما تعفو الأمطار: أي ما تدرس عفت الريح المنزل أي درسته، وعفا المنزل نفسه يعفو: درس، يتعدى، ولا يتعدى،
وبنات الأرض: الهوام والحشرات التي تكون في الرمال، وعومها فيها: سباحتها ويقال
لسير السفينة وسير الإبل أيضاً: عوم، عمت في الماء، بضم أوله أعوم. وذراها:
أعاليها جمع ذروة وذروة، بالكسر والضم،
والتغريد: التطريب بالغناء، والتغرد مثله وكذلك
الغرد بفتحهما، ويقال: غرد الطائر فهو غرد، إذا طرب
بصوته، وذوات المنطق ههنا: الأطيار وسمى
صوتها منطقاً وإن كان لا يطلق إلا على ألفاظ البشر مجازاً، ودياجير: جمع ديجور وهو
الظلام. والأوكار: جمع وكر وهو عش الطائر ويجمع أيضاً على وكور، ووكر الطائر يكر وكراً، أي دخل وكره. وحضنت عليه أمواج البحار: أي ما ضمته كما تحضن الأنثى من ا!طير بيضها، وهو ما يكون في لجة، إما
من سمك أو خشب أو ما يحمله البحر من العنبركالجماجم بين الأمواج وغيرذلك. وقيل:
السدفة اختلاط الضوء والظلمة معا كوقت ما بين طلوع الفجر إلى ا لإسفار. وأطباقها: جمع طبقة، أي أغطيتها، أطبقت الشيء أي غطيته، وجعلته مطبقاً، وقد تطبق هو، ومنه قولهم: لوتطبقت السماء على الأرض لما فعلت كذا. وسبحات النور: عطف على أطباق الدياجير، أي يعلم
سبحانه ما تعاقب عليه الظلام والضياء. وسبحات ههنا،
ليس يعني به ما يعني بقوله: "سبحان وجه
ربنا"، لأنه هناك بمعنى ما يسبح عليه النور، أي يجري، من سبح الفرس
وهو جريه، ويقال: فرس سابح. والخطوة:
ما بين القدمين، بالضم، وخطوت خطوة بالفتح، لأنه المصدر. والنفس الهامة: ذات الهمة
التي تعزم على الأمر.
والنطفة:
الماء نفسه، ومنه قوله رضي الله عنه في الخوارج: إن مصارعهم لدون النطفة، أي لا يعبرون
النهر، ويجوز أن يريد بالنطفة المني ويقويه ما ذكره بعده من المضغة. والكلفة:
المشقة، واعتورته مثل عرته. ونفذهم
علمه، تشبيه بنفوذ السهم، وعدى الفعل بنفسه وإن كان معدى في الأصل بحرف الجر، كقولك: اخترت الرجال زيداً أي من الرجال، كأنه جعل
علمه تعالى خارقاً لهم ونافذاً فيهم. ويروى: وأحصاهم عده،
بالتضعيف. اللهم فقد
بسطت لي فيما لا أمدح به غيرك، ولا أثني به على أحد سواك، ولا أوجهه إلى معادن
الخيبة ومواضع الريبة، وعدلت بلساني عن مدائح الآدميين والثناء على المربوبين
المخلوقين. اللهم ولكل مثن على من أثنى عليه مثوبة من جزاء، أو
عارفة من عطاء وقد رجوتك دليلاً على ذخائر الرحمة وكنوز المغفرة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
لما أراوده الناس على
البيعة بعد قتل عثمان رضي الله عنه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: دعوني
والتمسوا غيري فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب، ولا تثبت
عليه العقول. وإن ألافاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت. الشرح: في أكثر
النسخ: لما أراده الناس على البيعة، ووجدت في
بعضها: أداره الناس على البيعة، فمن روى
الأول جعل على متعلقة بمحذوف، وتقديره موافقاً، ومن
روى الثاني جعلها متعلقة بالفعل الظاهر نفسه، وهو أداره، تقول: أدرت
فلاناً على كذا، وداورت فلاناً على كذا، أي عالجته. وأغامت الافاق: غطاها الغيم، أغامت وغامت، وأغيمت
وتغيمت، كله بمعنى، والمحجة: الطريق. وتنكرت: جهلت فلم تعرف. ووزيرأ
وأميراً: منصوبان على الحال. ومعنى قوله:
"له وجوه وألوان أنه موضع شبهة وتأويل، فمن قائل
يقول: أصاب علي، ومن قائل يقول: أخطأ، وكذلك القول في تصويب محاربيه من أهل الجمل وصفين والنهروان
وتخطئتهم، فإن المذاهب فيه وفيهم تشعبت وتفرقت جداً. ومعنى
قوله: "الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت أن الشبهة قد استولت على العقول
والقلوب، وجهل أكثر الناس محجة الحق أين هي، فأنا لكم وزيراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتي فيكم
بشريعته وأحكامه خيرلكم مني أميراً محجوراً عليه مدبراً بتديركم، فإني أعلم أنه
لا قدرة لي أن أسير فيكم سيرة رسول الله صلى الله عليه
وسلم
في أصحابه مستقلاً بالتدبير، لفساد أحوالكم، وتعذر صلاحكم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
طلحة والزبير وقسم المال
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ونحن نذكر ههنا
في هذه القصة ما ذكره شيخنا
أبو جعفر الإسكافي في كتابه الذي نقض فيه كتاب العثمانية لشيخنا أبي عثمان،
فإن الذي ذكره لم نورده نحن فيما تقدم. ثم بويع وصعد المنبرفي اليوم الثاني من يوم البيعة، وهويوم السبت، لإحدى عشرة ليلة بقين من ذي الحجة، فحمد
الله وأثنى عليه، وذكر محمداً فصلى عليه، ثم ذكر نعمة الله على أهل الإسلام، ثم
ذكر الدنيا، فزهدهم فيها، وذكر الآخرة فرغبهم إليها، ثم
قال: "أما بعد: فإنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف
الناس أبا بكر، ثم استخلف أبوبكر عمر، فعمل بطريقه، ثم جعلها شورى بين ستة،
فأفضى الأمر منهم إلى عثمان، فعمل ما أنكرتم وعرفتم، ثم حصر وقتل، ثم جئتموني
طائعين فطلبتم إلي وإنما أنا رجل منكم، لي ما لكم، وعلي ما عليكم، وقد فتح الله
الباب بينكم وبين أهل القبلة، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، ولا يحمل هذا
الأمر إلا أهل الصبر والبصر والعلم بمواقع الأمر، وإني حاملكم على منهج نبيكم
صلى الله عليه وسلم، ومنفذ فيكم ماأمرت به إن استقمتم لي. وبالله المستعان. ألا
إن موضعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كموضعي منه أيام حياته،
فامضوا لما تؤمرون به، وقفوا عند ما تنهون عنه، ولا تعجلوا في أمر حتى نبينه لكم
فإن لنا عن كل أمر تنكرونه عذراً. ألاوإن الله عالم من فوق سمائه وعرشه أني كنت
كارهاً للولاية على أمة محمد حتى اجتمع رأيكم على ذلك، لأني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أيما وال ولي الأمر من بعدي، أقيم على
حد الصراط ونشرت الملائكة صحيفته فإن كان عادلاً أنجاه الله بعدله، وإن كان
جائراً انتفض به الصراط حتى تتزايل مفاصله، ثم يهوي إلى النار فيكون أول ما
يتقيها به أنفه وحر وجهه، ولكني لما اجتمع رأيكم لم
يسعني ترككم. ثم التفت رضي الله عنه يميناً وشمالاً،
فقال:
ألا لا يقولن رجال منكم غداً قد غمرتهم الدنيا فاتخذوا العقار، وفجروا الأنهار،
وركبوا الخيول الفارهة ، واتخذوا الوصائف الروقة فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً
إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه، وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون، فينقمون ذلك، ويستنكرون ويقولون: حرمنا ابن أبي
طالب حقوقنا ألا وأيما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى أن الفضل
له على من سواه لصحبته، فإن الفضل النيرغداً عند الله،
وثوابه وأجره على الله، وأيما رجل استجاب لله
وللرسول، فصدق ملتنا، ودخل في ديننا، واستقبل قبلتنا فقد استوجب حقوق الإسلام
وحدوده فأنتم عباد الله، والمال مال الله، يقسم بينكم بالسوية، لا فضل فيه لأحد
على أحد، وللمتقين عند الله غداً أحسن الجزاء، وأفضل الثواب لم يجعل الله الدنيا
للمتقين أجراً ولا ثواباً، وما عند الله خير للأبرار. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. ثم نزل. قال: فبينا الناس في المسجد بعد الصبح إذ طلع
الزبيروطلحة، فجلسا ناحية عن علي رضي الله عنه، ثم طلع مروان وسعيد وعبد الله بن
الزبير فجلسوا إليهما، ثم جاء قوم من قريش فانضموا إليهم، فتحدثوا نجياً ساعة ثم قام الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فجاء إلى علي رضي
الله عنه فقال: يا أبا الحسن إنك قد وترتنا جميعاً
أما أنا فقتلت أبي يوم بدر صبراً، وخذلت أخي يوم الدار بالأمس وأما سعيد فقتلت
أباه يوم بدر في الحرب وكان ثور قريش وأما مروان فسخفت أباه عند عثمان إذ ضمه
إليه ونحن إخوتك ونظراؤك من بني عبد مناف، ونحن نبايعك
اليوم على أن تضع عنا ما أصبناه من المال في أيام عثمان، وأن تقتل قتلته
وإنا إن خفناك تركناك فالتحقنا بالشام. فقام أبو الهيثم وعمار وأبو أيوب وسهل بن حنيف
وجماعة معهم، فدخلوا على علي رضي الله عنه،
فقالوا: يا أمير المؤمنين، انظر في أمرك، وعاتب قومك،
هذا الحي من قريش فإنهم قد نقضوا عهدك، وأخلفوا وعدك، وقد دعونا في السر
إلى رفضك، هداك الله لرشدك! وذاك لأنهم كرهوا الأسوة، وفقدوا الأثرة، ولما آسيت
بينهم وبين الأعاجم أنكروا واستشاروا عدوك عظموه، وأظهروا الطلب بدم عثمان فرقة
للجماعة، وتألفاً لأهل الضلالة. فرأيك! فخرج علي
رضي الله عنه، فدخل المسجد، وصعد
المنبرمرتدياً بطاق، مؤتزراً ببرد قطري، متقلداً سيفاً، متوكئاً على قوس، فقال: أما بعد، فإنا نحمد الله ربنا وإلهنا وولينا،
وولي النعم علينا، الذي أصبحت نعمه علينا ظاهرة وباطنة، امتناناً منه بغيرحول
منا ولا قوة، ليبلونا أنشكر أم نكفر فمن شكر زاده ومن كفر عذبه فأفضل الناس عند
الله منزلة، وأقربهم من الله وسيلة، أطوعهم لأمره، وأعلمهم بطاعته وأتبعهم لسنة
رسوله، وأحياهم لكتابه ليس لأحد عندنا فضل إلا بطاعة الله وطاعة الرسول. هذا كتاب الله بين أظهرنا، وعهد رسول الله وسيرته
فينا، لا يجهل ذلك إلا جاهل عاند عن الحق منكر، قال تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم
شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم". فقال: لقد نقمتما
يسيراً وأرجأتما كثيراً فاستغفرا الله يغفر لكما. ألا تخبرانني، أدفعتكما عن حق وجب لكما فظلمتكما
إياه؟ قالا: معاذ الله! قال: فهل استأثرت من هذا
المال لنفسي بشيء؟ قالا: معاذ الله! قال: أفوقع حكم أو حق لأحد من المسلمين
فجهلته أو ضعفت عنه قالا: معاذ الله! قال: فما
الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي؟ قالا:
خلافك عمر بن الحطاب في القسم أنك جعلت حقنا في القسم كحق غيرنا، وسويت بيننا
وبين من لا يماثلنا فيما أفاء الله تعالى علينا بأسيافنا ورماحنا، وأوجفنا عليه
بخيلنا ورجلنا، وظهرت عليه دعوتنا، وأخذناه قسراً قهراً، ممن لا يرى الإسلام إلا
كرهاً. فقال: فأنا ما ذكرتماه من الاستشارة بكما فوالله
ما كانت لي في الولاية رغبة ولكنكم دعوتموني إليها، وجعلتموني عليها فخفت أن
أردكم فتختلف الأمة، فلما أفضت إلي نظرت في كتاب الله وسنة رسوله فأمضيت ما
دلاني عليه واتبعته، ولم أحتج إلى آرائكما فيه ولا رأي غيركما، ولو وقع حكم ليس
في كتاب الله بيانه ولا في السنة برهانه، واحتيج إلى المشاورة فيه لشاورتكما فيه
وأما القسم والأسوة فإن ذلك أمر لم أحكم فيه بادىء بدء! قد وجدت أنا وأنتما رسول
الله صلى الله عليه وسلم يحكم بذلك، وكتاب الله ناطق به، وهو الكتاب الذي لا
يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وأما قولكما:
جعلت فيئنا وما أفاءته سيوفنا ورماحنا، سواء بيننا وبين غيرنا، فقديماً سبق إلى
الإسلام قوم ونصروه بسيوفهم ورماحهم، فلم يفضلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في
القسم، ولا آثرهم بالسبق، والله سبحانه موف السابق والمجاهد يوم القيامة
أعمالهم، وليس لكما والله عندي ولا لغيركما إلا هذا. أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق، وألهمنا وإياكم
الصبر. ثم قال: رحم الله امرأ رأى حقاً فأعان عليه، ورأى
جوراً فرده، وكان عوناً للحق على من خالفه. وأما الذين اهتضموا فقنعوا ومرنوا على القناعة، ولم
يخطر لأحد من الفريقين له أن هذه الحال تنتقض أو تتغير بوجه ما، فلما ولي عثمان أجرى الأمر على ما كان عمر يجريه، فازداد وثوق القوم بذلك، ومن
ألف أمراً أشق عليه فراقه، وتغيير العادة فيه،
فلما ولي أمير المؤمنين رضي الله عنه أراد أن يرد الأمر إلى ما كان في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وقد نسي ذلك ورفض وتخلل بين الزمانين اثنتان وعشرون سنة، فشق ذلك عليهم، وأنكروه وأكبروه، حتى حدث ما حدث من
نقض البيعة، ومفارقة الطاعة، ولله أمر هو بالغه! |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
يذكر ما كان من تغلبه على
الخوارج
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما بعد حمد
الله، والثناء عليه أيها الناس، فإني فقأت عين الفتنة،
ولم يكن ليجترىء عليها أحد غيري بعد أن ماج
غيهبها، وأشتد كلبها. فاسألوني قبل أن تفقدوني، فوالذي نفسي بيده لا تسألونني عن شيء
فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة إلا أنبأتكم بناعقها
وقائدها وسائقها، ومناخ ركابها، ومحط رحالها، ومن يقتل من أهلها قتلاً، ومن يموت
منهم موتاً. ألا وإن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية، فإنها فتنة عمياء مظلمة عمت خطتها،
وخصت بليتها، وأصاب البلاء من أبصر فيها، وأخطأ البلاء من عمي عنها. وقد روى ابن هلال
صاحب كتاب الغارات أنه كلم أباه في قتال أهل البصرة بكلام أغضبه، فرماه ببيضة
حديد عقرت ساقه، فعولج منها شهرين. وإنما قال:
"بعد ما ماج غيهبها"، لأنه أراد: بعد
ما عم ضلالها فشمل، فكنى عن الضلال بالغيهب، وكنى عن العموم والشمول بالتموج،
لأن الظلمة إذا تموجت شملت أماكن كثيرة غير الأماكن التي نشملها لو كانت ساكنة. واشتد كلبها، أي شرها وأذاها، ويقال للقحط الشديد: كلب، وكذلك للقر الشديد. وروى شيخنا أبو جعفر الإسكافي في كتاب نقض العثمانية عن علي بن
الجعد، عن ابن شبرمة،
قال: ليس لأحد من الناس أن يقول على المنبر: سلوني إلا
علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فأما الغراب، فيقال: نغق،
بالغين المعجمة ينغق بالكسر أيضاً، وحكى ابن
كيسان نعق الغراب أيضاً بعين غير معجمة والركاب: الإبل، واحدتها راحلة، ولا واحد
لها من لفظها، وجمعها ركب، مثل كتاب وكتب. ويقال: زيت ركابي، لأنه يحمل من الشام عليها. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الإمام علي وإخباره بأ مور
غيبية
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أنه رضي الله عنه
قد أقسم في هذا الفصل بالله الذي نفسه بيده، أنهم لا يسألونه عن أمر يحدث بينهم
وبين القيامة إلا أخبرهم به، وأنه ما صح من طائفة من الناس يهتدي بها مائة وتضل
بها مائة، إلا وهو مخبر لهم- إن سألوه- برعاتها وقائدها وسائقها ومواضع نزول
ركابها وخيولها، ومن يقتل منها قتلاً، ومن يموت منها موتاً، وهذه الدعوى ليست منه رضي الله عنه ادعاء الربوبية، ولا ادعاء
النبوة، ولكنه كان يقول: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بذلك، ولقد امتحنا إخباره فوجدناه موافقاً، فاستدللنا بذلك على
صدق الدعوى المذكورة، كإخباره عن
الضربة يضرب بها في رأسه فتخضب لحيته، وإخباره عن
قتل الحسين ابنه، وما قاله في كربلاء حيث مر بها، وإخباره بملك معاوية الأمر من بعده، وإخباره عن الحجاج، وعن يوسف بن عمر، وما أخبر به من أمر الخوارج بالنهروان، وما قدمه إلى أصحابه من
إخباره بقتل من يقتل منهم، وصلب من يصلب،
واخباره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين،
وإخباره بعدة الجيش الوارد إليه من الكوفة لما
شخص رضي الله عنه إلى
البصرة لحرب أهلها، وإخباره عن عبد الله بن الزبير، وقوله
فيه: "خب ضب، يروم أمراً ولا يدركه، ينصب
حبالة الدين لاصطياد الدنيا، وهو بعد مصلوب قريش" وكإخباره عن هلاك البصرة بالغرق، وهلاكها تارة أخرى بالزنج، وهو الذي صحفه قوم فقالوا: بالريح، وكإخباره عن ظهور الرايات السود من خراسان، وتنصيصه على قوم من أهلها يعرفون
ببني رزيق- بتقديم المهملة- وهم آل مصعب الذين منهم طاهر بن الحسين وولده وإسحاق
بن إبراهيم، وكانوا هم وسلفهم دعاة الدولة العباسية، وكإخباره عن الأئمة الذين ظهروا من ولده بطبرستان، كالناصر
والداعي وغيرهما، في قوله رضي الله عنه: "وإن لآل محمد بالطالقان لكنزاً سيظهره الله إذا شاء
دعاؤه حق يقوم بإذن الله فيدعو إلى دين الله"، وكإخباره عن مقتل النفس الزكية بالمدينة، وقوله: !إنه يقتل عند أحجار الزيت" وكقوله عن أخيه
إبراهيم المقتول بباب حمزة: "يقتل بعد أن يظهر
ويقهر بعد أن يقهر"، وقوله فيه أيضاً: "يأتيه
سهم غرب يكون فيه منيته فيا بؤساً للرامي! شلت يده، ووهن عضده"، وكإخباره
عن قتلى فخ، وقوله فيهم: هم خير أهل الأرض" وكإخباره عن المملكة العلوية
بالغرب، وتصريحه بذكر كتامة، وهم الذين نصروا
أبا عبد الله الداعي المعلم. وكقوله وهو يشير إلى أبي عبد
الله المهدي: وهو أولهم ثم يظهر صاحب القيروان
الغض البض. ذو النسب المحض، المنتجب من سلالة ذي البداء، المسجى بالرداء، وكان
عبيد الله المهدي أبيض مترفاً مشرباً بحمرة، رخص البدن،
تار الأطراف. وذو البداء إسماعيل بن جعفر بن محمد رضي
الله عنهم، وهو المسجى بالرداء، لأن أباه أبا عبد الله جعفراً
سجاه بردائه لما مات، وأدخل إليه وجوه الشيعة يشاهدونه،
ليعلموا موته، وتزول عنهم الشبهة في أمره. وكإخباره عن بني بويه وقوله فيهم:
"ويخرج من ديلمان بنو الصياد"، إشارة إليهم.
وكان أبوهم صياد السمك يصيد منه بيده ما يتقوت هو وعياله
بثمنه، فأخرج الله تعالى من ولده لصلبه ملوكاً ثلاثة،
ونشر ذريتهم حتى ضربت الأمثال بملكهم. وكقوله رضي الله
عنه فيهم: "ثم يستشري أمرهم حتى يملكوا الزوراء، ويخلعوا
الخلفاء" فقال له قائل: فكم مدتهم يا أمير
المؤمنين فقال: "مائة أو تزيد قليلا". وكقوله فيهم:
"والمترف ابن الأجذم ، يقتله ابن عمه على دجلة، وهو إشارة إلى عز الدولة
بختيار بن معز الدولة أبي الحسين، وكان معز الدولة أقطع اليد، قطعت يده للنكوص
في الحرب، وكان ابنه عز الدولة بختيار مترفاً،
صاحب لهو وشرب، وقتله عضد الدولة فناخسرو، ابن عمه بقصر الجص على دجلة في الحرب،
وسلبه ملكه. فأما خلعهم للخلفاء فإن معز الدولة خلع المستكفي،
ورتب عوضه المطيع، وبهاء الدولة أبا نصر بن عضد الدولة خلع الطائع ورتب عوضه
القادر، وكانت مدة ملكهم كما أخبربه رضي الله عنه. هكذا الرواية الصحيحة، وهي
التي ذكرها أبو العباس المبرد في كتاب الكامل،
وليست الرواية التي يذكر فيها العدد بصحيحة
ولا منقولة من كتاب معتمد عليه. ويجوز
أن يكون أصل هذه المقالة من قوم ملحدين أرادوا إدخال
الإلحاد في دين الإسلام، فذهبوا إلى ذلك، ولو كانوا في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم لقالوا فيه مثل هذه المقالة، إضلالاً لأهل
الإسلام، وقصداً لإيقاع الشبهة في قلوبهم، ولم يكن في
الصحابة مثل هؤلاء، ولكن قد كان فيهم منافقون
وزنادقة، ولم يهتدوا إلى هذه الفتنة، ولا
خطر لهم مثل هذه المكيدة. فإن قلت: لماذا
قال عن فئة تهدي مائة وما فائدة التقييد بهذا العدد قلت:
لأن ما دون المائة حقيرتافه لا يعتد به ليذكر ويخبر عنه، فكأنه قال: مائة
فصاعداً. وحوازب
الخطوب: جمع حازب، وحزبه الأمر، أي دهمه. وفشل: جبن
فإن قلت: أما فشل المسؤول فمعلوم، فما الوجه
في إطراق السائل قلت: لشدة الأمر وصعوبته،
حتى إن السائل ليبهت ويدهش فيطرق، ولا يستطيع السؤال. ومن رواها
بالتخفيف أراد كثرت وتزايدت، من قولهم: قلصت البئر، أي ارتفع ماؤها إلى رأسها أو
دونه، وهو ماء قالص وقليص، ومن روى: إذا
قلصت عن حربكم أراد إذا قلصت كرائه الأمور وحوازب الخطوب عن حربكم، أي انكشفت عنها، والمضارع من قلص يقلص، بالكسر.
وقال
أبوتمام:
قوله رضي الله عنه: "إن الفتن إذا أقبلت شبهت"، معناه أن الفتن عند إقبالها وابتداء
حدوثها، يلتبس أمرها ولا يعلم الحق منها من الباطل، إلى أن تنقضي وتدبر، فحينئذ
ينكشف حالها، ويعلم ما كان مشتبهاً منها. ثم أكد رضي الله عنه هذا المعنى بقوله: "ينكرن مقبلات، ويعرفن مدبرات"، ومثال ذلك فتنة
الجمل، وفتنة الخوارج،
كان كثير من الناس فيها في مبدأ الأمر متوقفين،
واشتبه عليهم الحال، ولم يعلموا موضع الحق إلى أن انقضت الفتنة. ووضعت الحرب أوزارها، وبان لهم صاحب الضلالة من صاحب الهداية.
وهذا الاسم مرفوع بالابتداء وخبره محذوف، والتقدير ليمن الله
قسمي فإذا خاطبت قلت ليمنك وفي حديث عروة بن الزبير: "ليمنك
لئن كنت ابتليت، لقد عافيت، ولئن كنت أخذت لقد أبقيت". وتحذف نونه
فيصير"ايم الله " بألف وصل مفتوحة، وقد تكسر، وربما حذفوا الياء،
فقالوا: ام الله وربما أبقوا الميم وحدها مضمومة، فقالوا: م الله، وقد يكسرونها لما صارت حرفاً شبهوها بالباء وربما قالوا من الله بضم الميم والنون: ومن الله بكسرهما: ومن الله بفتحهما،
وذهب أبو عبيد وابن كيسان وابن درستويه إلى
أن أيمن جمع يمين، والألف همزة قطع، وإنما خففت وطرحت في الوصل لكزة الاستعمال، قالوا: وكانت العرب تحلف باليمين فتقول: يمين الله لا أفعل،
قال امرؤ القيس:
قالوا:
واليمين تجمع على أيمن، قال زهير:
ثم
حلفوا به، فقالوا: أيمن الله ثم كثر في كلامهم وخف على
ألسنتهم حتى حذفوا منه النون كما حذفوا في قوله لم يكن فقالوا: لم يك فأقسم رضي الله عنه لأصحابه أنهم
سيجدون بني أمية بعده لهم أرباب سوء، وصدق صلوات الله عليه فيما قال، فإنهم
ساموهم سوء العذاب قتلاً وصلباً، وحبساً وتشريداً في البلاد.
قال رضي الله عنه:
والصاحب من مستصحبه، أي والتابع من متبوعه. ومخشية:
مخوفة. ولسنا فيها بدعاة، أي لسنا من أنصار تلك
الدعوة. و
أهل البيت منصوب على الاختصاص، كقولهم: نحن
معشر العرب نفعل كذا، ونحن آل فلان كرماء. وكأس مصبرة ممزوجة بالصبر لهذا المر، ويجوز أن
يكون مصبرة مملوءة إلى أصبارها وهي جوانبها، وفي
المثل: أخذها بأصبارها أي تامة، الواحد صبر، بالضم. وهذا الكلام إخبار عن ظهور المسودة،
وانقراض ملك بني أمية. ووقع الأمر بموجب إخبارهه رضي الله عنه صدق
قوله: "لقد تود قريش" الكلام إلى
آخره، فإن أرباب السيركلهم نقلوا أن مروان بن محمد قال
يوم الزاب لما شاهد عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس بإزائه في صف
خراسان: لوددت أن علي بن أبي طالب تحت هذه الراية بدلاً من هذا الفتى والقصة
طويلة وهي مشهورة. وايم الله لولا أن تتكلوا فتدعوا العمل لحدثتكم
بما قضى الله عز وجل على لسان نبيكم صلى
الله عليه وسلم لمن قاتلهم
مبصراً لضلالتهم، عارفاً للهدى الذي نحن عليه، سلوني
قبل أن تفقدوني، فإني ميت عن قريب أو مقتول، بل قتلاً ما ينتظر أشقاها أن يخضب
هذه بدم. وضرب بيده إلى لحيته. سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن
تجد لسنة الله تبديلا". وأما أصحابنا فيزعمون أنه سيخلق تعالى في آخر الزمان رجلاً
من ولد فاطمة رضي الله عنها ليس
موجوداً الآن، وأنه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وينتقم من الظالمين
وينكل بهم أشد النكال، وأنه لأم ولد، كما قد ورد في
هذا الأمر وفي غيره من الآثار، وأن اسمه محمد، كاسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه
إنما يظهر بعد أن يستولي على كثيرمن الإسلام ملك من أعقاب بني امية، وهو السفياني الموعود به في الخبر الصحيح، من ولد أبي
سفيان بن حرب بن امية، وأن الإمام الفاطمي يقتله ويقتل أشياعه من بني
أمية وغيرهم، وحينئذ ينزل المسيح عليه السلام من
السماء، وتبدو أشراط الساعة، وتظهر دابة الأرض، ويبطل التكليف، ويتحقق
قيام الأجساد عند نفخ الصور، كما نطق به الكتاب
العزيز. وقوله: لو
كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا، فلا مناقضة بين التفسرين. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
يصف فيها حال الأنبياء
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: فتبارك الله
الذي لا يبلغه بعد الهمم، ولا يناله حدس الفطن الأول الذي لا غاية له فينتهي،
ولا أخر له فينقضي. ويقال:
بارك الله لزيد وفي زيد وعلى زيد وبارك الله زيداً، يتعدى بنفسه، ومنه قوله
تعالى: "أن بورك من في النار". ويحتمل تبارك الله معنيين: أحدهما أن
يراد:
تبارك خيره وزادت نعمته وإحسانه، وهذا دعاء. وثانيهما أن يراد به:
تزايد وتعالى في ذاته وصفاته عن أن يقاس به غيره، وهذا تمجيد. وحدس الفطن: ظنها
وتخمينها، حدست أحدس، بالكسر. والسلف:
المتقدمون، والخلف: الباقون، ويقال: خلف صدق
بالتحريك، وخلف سوء بالتسكين، وأفضت كرامة الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم، أي
انتهت. والأرومات: جمع أرومة وهي الأصل، ويقال أروم بغير
هاء وصدع: شق، وانتجب: اصطفى. والأسرة:
رهط الرجل. ومعنى قوله: "وثمر لا ينال" ليس على أن
يريد به أن ثمرها لا ينتفع به، لأن ذلك ليس بمدح بل يريد به أن ثمرها لا ينال
قهراً، ولا يجنى غصباً. ويجوز أن يريد بثمرها نفسه
رضي الله عنه، ومن يجري مجراه من أهل البيت رضي الله عنهم، لأنهم ثمرة تلك الشجرة. ولا
ينال، أي لا ينال مساعيهم ومآثرهم ولا يباريهم أحد، وقد روي في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل قريش وبني هاشم الكثير المستفيض، نحو قوله رضي الله عنه:
قدموا قريشاً ولا تقدموها، وقوله:
الأئمة من قريش، وقوله: إن الله اصطفى من العرب معدا واصطفى من معد بني النضر بن
كنانة، واصطفى هاشماً من بني النضر، واصطفاني من بني هاشم!، وقوله: "إن جبرائيل عليه السلام قال لي: يا محمد
قد طفت الأرض شرقاً وغرباً فلم أجد فيها أكرم منك، ولا بيتاً أكرم من بني هاشم
"، وقوله: "نقلنا من الأصلاب الطاهرة إلى
الأرحام الزكية"، وقوله رضي الله عنه: "إن
الله تعالى لم يمسسني بسفاح في أرومتي منذ إسماعيل بن إبراهيم إلى عبد الله بن
عبد المطلب"، وقوله صلى الله عليه وسلم:
"سادة أهل محشر، سادة أهل
الدنيا: أنا وعلي وحسن وحسين وحمزة وجعفر"، وقوله وقد سمع رجلاً ينشد:
أهكذا
قال يا أبا بكر؟ منكراً لما سمع، فقال أبو بكر: لا يا رسول الله، إنه لم يقل
هكذا ولكنه قال:
فسر
صلى الله عليه وسلم بذلك، وقوله: "أذل الله من أذل قريشاً"، قالها ثلاثاً،
وكقوله "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد
المطلب"، وكقوله: "الناس تبع لقريش،
برهم لبرهم، وفاجرهم لفاجرهم"، وكقوله: "أنا
ابن الأكرمين"، وقوله لبني هاشم:
"والله لا يبغضكم أحد إلا أكبه الله على منخريه في
النار"، وقوله: "ما بال رجال
يزعمون أن قرابتي غيرنافعة ! بلى
إنها لنافعة، وإنه لا يبغض أحد أهلي إلا حرمه الله
الجنة". والقصد: الاعتدال. وكلامه الفصل،
أي الفاصل، والفارق بين الحق والباطل وهو مصدر بمعنى الفاعل، كقولك: رجل عدل، أي عادل. والغباوة:
الجهل وقلة الفطنة، يقال: غبيت عن الشيء وغبيت الشيء أيضاً، أغبى غباوة إذا لم
يفطن له، وغبى علي الشيء، إذا لم تعرفه، وفلان غبي على فعيل، أي قليل الفطنة. ونهج،
أي واضح، ود ار السلام: الجنة، ويروى: "والطريق نهج " بالواو، واو
الحال. وأنتم في دار مستعتب، أي في دار يمكنكم فيها
استرضاء الخالق سبحانه، واستعتابه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
يذكر فيها حال الناس عند
البعثة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: بعثه والناس
ضلال في حيرة، وحاطبون في فتنة، قد استهوتهم الأهواء واستزلتهم لكبرياء،
واستخفتهم الجاهلية الجهلاء حيارى في زلزال من الأمر، وبلاء من الجهل، فبالغ صلى
الله عليه في النصيحة، ومضى على الطريقة، ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة. ويروى:
خابطون واستهوتهم الأهواء: دعتهم إلى نفسها، واستزلتهم الكبرياء: جعلتهم ذوي زلل
وخطأ. واستخفتهم الجاهلية: جعلتهم ذوي خفة وطيش وخرق،
والزلزال، بالفتح، الاسم، وبالكسر: المصدر، والزلازل: الشدائد، ومثله في الكسر
عند الإسمية والفتح عند المصدر القلقال. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في تمجيد الله
وتعظيمه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: الحمد لله
الأول فلا شيء قبله، والآخر فلا شيء بعده، والظاهر فلا شيء فوقه، والباطن فلا
شيء دونة. ودفنها:
أكمنها وأخفاها. وألف به إخواناً، لأن الإسلام قد ألف بين المتباعدين، وفرق بين
المتقاربين، وقال تعالى: "فأصبحتم بنعمته
إخواناً"، قطع ما بين حمزة وأبي لهب مع تقاربهما، وألف بين علي رضي الله عنه وعمار
مع تباعدهما. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له في توبيخ
أصحابه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: ولئن أمهل
الله الظالم فلن يفوت أخذه، وهو له بالمرصاد، على مجاز طريقه، وبموضع الشجا من
مساغ ريقه. أما والذي نفسي بيده ليظهرن هؤلاء القوم عليكم ليس لأنهم أولى بالحق
منكم ولكن لإسراعهم إلى باطلهم، وإبطائكم عن حقي، ولقد أصبحت الأمم تخاف ظلم
رعاتها، وأ صبحت أخاف ظلم رعيتي. أستنفرتكم للجهاد فلم تنفروا، وأسمعتكم فلم تسمعوا،
ودعوتكم سراً وجهراً فلم تستجيبوا، ونصحت لكم فلم تقبلوا. ترجعون إلى
مجالسكم، وتتخادعون عن مواعظكم. أقومكم غدوة وترجعون إلي عشية، كظهر الحنية عجز
المقوم وأعضل المقوم. وإني لعلى
بينة من ربي ومنهاج من نبي، وإني لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطاً. والمرصاد:
الطريق، وهي من ألفاظ الكتاب العزيز. والشجا:
ما ينشب في الحلق من عظم أو غيره، وموضع الشجا: هو الحلق نفسه. ومساغ ريقه:
موضع الإساغة، أسغت الشراب: أوصلته إلى المعدة. ويجوز:
سغت الشراب أسوغه وأسيغه، وساغ الشراب نفسه يسوغ سوغاً، أي سهل مدخله في الحلق،
يتعدى ولا يتعدى. وهذا
الكلام من باب التوسع والمجاز، لأن الله تعالى لا يجوز
عليه الحصول في الجهات، ولكنه كقوله تعالى: "وهو
معكم أينما كنتم". وقوله: "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد". ثم قال:
"أو أموت كما مات أصحابي"، فمن قائل يقول:
عنى بأصحابه الخلفاء المتقدمين ومن قائل يقول:
عنى بأصحابه شيعته كسلمان، وأبي ذر، وعمار، ونحوهم، ألا ترى إلى قوله على المنبر
في أمهات الأولاد: "كان رأي ورأي عمر ألا يبعن، وأنا أرى الآن بيعهن"
فقام عليه عبيدة السلماني فقال له: رأيك مع الجماعة أحب
إلينا من رأيك وحدك، فما أعاد عليه حرفاً، فهل
يدل هذا على القوة والقهر، أم على الضعف في السلطان والرخاوة! وهل كانت المصلحة والحكمة تقتضي فى ذلك
الوقت غير السكوت والإمساك ألا ترى أنه كان يقراً في صلاة الصبح وخلفه
جماعة من أصحابه، فقراً واحد منهم رافعاً صوته، معارضاً قراءة أمير المؤمنين رضي
الله عنه: "إن الحكم إلا لله يقضي بالحق وهو
خير الفاصلين". فلم يضطرب رضي الله عنه، و يقطع صلاته
ولم يلتفت وراءه، ولكنه قراً معارضاً له على البديهة:
"فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لايوقنون" وهذا صبرعظيم وأناة عجيبة وتوفيق بين. وبهذا ونحوه استدل أصحابنا المتكلمون على حسن سياسته وصحة
تدبيره، لأن من مني بهذه الرعية المختلفة الأهواء، وهذا الجيش العاصي له،
المتمرد عليه، ثم كسر بهم الأعداء، وقتل بهم الرؤساء، فليس
يبلغ أحد في حسن السياسة وصحة التدبيرمبلغه، ولا يقدر أحد قدره، وقد قال بعض المتكلمين من أصحابنا: إن سياسة علي رضي الله
عنه إذا تأملها المنصف متدبراً لها بالإضافة إلى
أحواله التي دفع إليها مع أصحابه، جرت مجرى المعجزات، لصعوبة الأمر وتعذره فإن
أصحابه كانوا فرقتين: إحداهما تذهب إلى
أن عثمان قتل مظلوماً وتتولاه وتبراً من أعدائه، وأخرى
وهم جمهور أصحاب الحرب وأهل العناء والبأس يعتقدون أن عثمان قتل لأحداث أوجبت
عليه القتل، وقد كان منهم من يصرح بتكفيره، وكل
من هاتين الفرقتين يزعم أن علياً رضي الله عنه موافق لها على رأيها، وتطالبه في
كل وقت بأن يبدي مذهبه في عثمان، وتسأله أن يجيب بجواب واضح في أمره، وكان رضي
الله عنه، يعلم أنه متى وافق إحدى الطائفتين
باينته الأخرى، وأسلمته وتولت عنه وخذلته، فأخذ رضي الله عنه يعتمد
في جوابه ويستعمل في كلامه ما تظن به كل واحدة من الفرقتين أنه يوافق رأيها
ويماثل اعتقادها، فتارة يقول: الله قتله وأنا
معه، وتذهب الطائفة الموالية لعثمان إلى أنه
أراد أن الله أماته وسيميتني كما أماته وتذهب الطائفة
الأخرى إلى أنه أراد أنه قتل عثمان مع قتل الله له أيضاً، وكذلك قوله تارة أخرى: ما أمرت به ولا نهيت عنه،
وقوله: "لوأمرت به لكنت قاتلاً، ولو نهيت عنه لكنت
ناصرا"، وأشياء من هذا الجنس مذكورة مروية عنه، فلم يزل على هذه الوتيرة حتى قبض رضي الله عنه، وكل من
الطائفتين موالية معتقدة أن رأيه في عثمان كرأيها، فلو
لم يكن له من السياسة إلا هذا القدر مع كثرة خوض الناس حينئذ في أمر عثمان
والحاجة إلى ذكره في كل مقام لكفاه في الدلالة على أنه أعرف الناس بها، وأحذقهم
فيها، وأعلمهم بوجوه مخارج الكلام، وتدبير أحوال الرجال. والحنية:
القوس. وقوله: "كظهر الحنية"، يريد اعوجاجهم كما أن ظهر القوس معوج. وأعضل
المقوم، أي أعضل داؤه، أي أعيا. ويروى: "أيها
الشاهدة أبداًنهم". بحذف الموصوف.
أحبك
أهل العراق وأحببت أهل الشام وأحب أهل الشام عبد الملك فما تصنع ثم ذكر رضي الله عنه
أنه مني، أي بلي منهم بثلاث واثنتين، إنما لم يقل بخمس،
لأن الثلاث إيجابية، والاثنتين سلبية، فأحب أن يفرق بين
الإثبات والنفي. ولا إخوان ثقة عند البلاء، أي موثوق بهم، تربت أيديكم، كلمة يدعى على الإنسان بها، أي
لا أصبتم خيراً، وأصل ترب أصابه التراب، فكأنه يدعو عليه بأن يفتقر حتى يلتصق
بالتراب. قوله:
فيما إخالكم أي فيما أظنكم، والأفصح كسر الألف وهو السماع وبنو أسد يفتحونها وهو
القياس. والوغى
في الأصل: الأصوات والجلبة، وسميت الحرب نفسها
وغى لما فيها من ذلك، وقوله: انفراج المرأة عن قبلها،
أي وقت الولادة. وماذوا: تحركوا واضطربوا، إما خوفاً من العقاب
كما يتحرك الرجل ويضطرب أو رجاء للثواب كما يتحرك النشوان من الطرب، وكما يتحرك الجذل
المسرور من الفرح. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له رضي الله عنه
في وصف بنى أمية
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: والله لا
يزالون حتى لا يدعوا لله محرماً إلا استحلوه، ولا عقداً إلا حلوه، وحتى لا يبقى
بيت مدر ولا وبر إلا دخله ظلمهم، ونبا به سوء رعتهم، وحتى يقوم الباكيان يبكيان:
باك يبكي لدينه وباك يبكي لدنياه، وحتى تكون نصرة أحدكم من أحدهم كنصرة العبد من
سيده، إذا شهد أطاعه، وإذا غاب اغتابه، وحتى يكون أعظمكم فيها غناء أحسنكم بالله
ظناً، فإن أتاكم الله بعافية، فاقبلوا، وإن أبتليتم فاصبروا، فإن العاقبة
للمتقين. الشرح: تقدير الكلام:
لا يزالون ظالمين فحذف الخبر وهو مراد، وسدت حتى وما بعدها مسد الخبر ولا يصح ما ذهب إليه بعض المفسرين من أن زال
بمعنى تحرك وانتقل فلا تكون محتاجة إلى خبر، بل تكون تامة في نفسها، لأن تلك
مستقبلها يزول بالواو، وههنا بالألف لا يزالون فهي الناقصة التي لم تأت تامة قط
ومثلها في أنها لا تزال ناقصة: ظل وما فتىء وليس. ونبا به منزله:
إذا ضره ولم يوافقه، وكذلك نبا به فراشه، فالفعل لازم، فإذا أردت تعديته بالهمزة
قلت: قد أنبى فلان على منزلي، أي جعله نابياً،
وإن عديته بحرف الجر قلت: قد نبا بمنزلي فلان، أي أنباه علي، وهو في هذا الموضع
معدى بحرف الجر. والورع بكسر الراء: الرجل التقي، ورع يرع بالكسر فيهما
ورعاً ورعة، ويروى: سوء رعيهم، أي سوء سياستهم
وإمرتهم. ونصرة أحدكم من أحدهم أي انتصاره منه وانتقامه، فهو مصدر مضاف إلى
الفاعل وقد تقدم شرح هذا المعنى وقد حمل قوم هذا المصدر على الإضافة إلى المفعول
وكذلك نصرة العبد وتقدير الكلام: حتى يكون نصرة أحد هؤلاء الولاة لأحدكم كنصرة
سيد العبد السيء الطريقة إياه، ومن في الموضعين مضافة إلى محذوف تقديره من جانب
أحدهم ومن جانب سيده وهذا ضعيف لما فيه من الفصل بين العبد وبين قوله: ذا شهد أطاعه
وهو الكلام الذي إذا استمر المعنى جعل حالاً من العبد بقوله: من سيده. والضمير
في قوله: فيها يرجع إلى غيرمذكور لفظاً ولكنه كالمذكور يعني الفتنة، أي حتى يكون
أعظمكم في الفتنة غناء، ويروى برفع أعظمكم ونصب أحسنكم والأول أليق وهذا الكلام
كله إشارة إلى بني أمية. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له رضي الله عنه
في وصف الدنيا
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
نحمده على ما كان، ونستعينه من أمرنا على ما يكون، ونسأله المعافاة في الأديان،
كما نسأله المعافاة في الأبداًن.
وقيل لأعرابي: ما
تشتكي؟ قال: ذنوبي، قيل: فما تشتهي؟ قال: الجنة، قيل: أفلا ندعو لك طبيباً؟ قال:
الطبيب أمرضني. سمعت عفيرة بنت الوليد البصرية العابده رجلاً يقول: ما أشد العمى على من كان بصيراً فقالت: عبد الله! غفلت عن مرض الذنوب، واهتممت
بمرض الأجساد عمى القلوب عن الله أشد من عمى العين عن الدنيا، وددت أن الله وهب
لي كنه محبته، ولم يبق مني جارحة إلا تبلها.
والرفض:
الترك و.إبل رفض: متروكة ترعى حيث شاءت، وقوم سفر، أي مسافرون: وأموا: قصدوا،
والعلم: الجبل أو المنار في الطريق يهتدى به. والمنافسة:
المحاسدة، ونفست عليه بكذا، أي ضننت، والبؤس: الشدة والنفاد: الفناء.
أي
كوثوب العرق الذي فصد أو قطع فلا يكاد ينقطع دمه ويقال:
إن لغضبه لسورة، وهو سوار، أي وثاب معربد. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
يذكر محمداً صلى الله عليه
وسلم وما تركه فى أصحابه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
الحمد لله الناشر في الخلق فضله، والباسط فيهم بالجود يده. نحمده في جميع أموره،
ونستعينه على رعاية حقوقه، ونشهد أن لا إله غيره، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله
بأمره صادعاً، وبذكره ناطقاً، فأدى أميناً، ومضى رشيداً، وخلف فينا راية الحق من
تقدمها مرق، ومن تخلف عنها زهق، ومن لزمها لحق. دليلها
مكيث الكلام، بطيء القيام، سريع إذا قام، فإذا أنتم ألنتم له رقابكم، وأشرتم
إليه بأصابعكم جاءه الموت فذهب به فلبثتم بعده ما شاء الله حتى يطلع الله لكم من
يجمعكم ويضم نشركم، فلا تطمعوا في غير مقبل، ولا تيئسوا من مدبر، فإن المدبر عسى
أن تزل به إحدى قائمتيه، وتثبت الأخرى فترجعا حتى تثبتا جميعاً.
وصادعاً،
أي مظهراً ومجاهراً للمشركين، قال تعالى: "فاصدع بما تؤمر". وراية الحق:
الثقلان المخلفان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهما الكتاب والعترة ، ومرق: خرج، أي
فارق الحق، ومرق السهم عن الرمية. خرج من جانبها الآخر وبه سميت الخوارج مارقة،
وزهقت نفسه، بالفتح زهوقاً، أي خرجت، قال تعالى: "أوتزهق
أنفسهم وهم كافرون". وزهقت
الناقة إذا سبقت وتقدمت أمام الركاب، وزهق الباطل: اضمحل، يقول رضي الله عنه: من
خالفها متقدماً لها أومتأخراً عنها فقد خرج عن الحق، ومن لازمها فقد أصاب الحق. ومكيث
الكلام: بطيئه، ورجل مكيث أي رزين، والمكث: اللبث والانتظار، مكث ومكث بالفتح
والضم، والاسم المكث والمكثة بالضم وكسرها يعني أنه ذو أناة وتؤدة، ثم أكد ذلك
بقوله: "بطيء القيام ".
يعني سيف الدولة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مدح الأناة وذم العجلة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
أمثالهم: "يريك الهوينى والأمور تطير"، يضرب
لمن ظاهره الأناة وباطنه إبرام الأمور وتنفيذها والحاضرون لا يشعرون ويقولون لمن
هو كذلك: "وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر
مر السحاب". ويقال:
إن آدم عليه السلام
أوصى ولده عند موته فقال: "كل
عمل تريدون أن تعملوه فتوقفوا فيه ساعة، فإني لوتوقفت لم يصبني ما أصابني.
وقوله رضي الله عنه: بطيء القيام، سريع إذا قام" فيه شبه من قول الشنفرى:
ومن أمثالهم في مدح الأناة وذم العجلة: أخطأ مستعجل أو كاد، وأصاب متثبت أو
كاد. ومنها:
ومخها:
رب عجلة تهب ريثاً. وقال
البحتري:
قال
الأحنف لرجل سبه فأفرط: يا هذا، إنك منذ اليوم تحدو بجمل ثقال، وقال الشاعر:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مدح المقل من الكلام وذم
المكثر
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما قوله رضي الله عنه: "مكيث
الكلام "، فإن قلة الكلام من صفات المدح وكثرته
من صفات الذم. قالت جارية ابن السماك له:
ما أحسن كلامك لولا أنك تكثر ترداده، فقال: أردده حتى يفهمه من لم يفهمه، قالت:
فإلى أن يفهمه من لم يفهمه قد مله من فهمه. وقال المعتضد لأحمد بن الطيب السرخسي:
طول لسانك دليل على قصر عقلك. قيل له: ما الاستعانة قال: ألا ترى الرجل إذا حدث
قال: يا هناه، واستمع إلي، وافهم، وألست تفهم؟. هذا كله عي وفساد. قال أبو سفيان بن حرب لعبد الله بن الزبعرى: ما لك لا تسهب في شعرك؟ قال: حسبك من
الشعر غرة لائحة، أو وصمة فاضحة.
وقال
الشاعريرثي رجلاً:
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يكره التشادق والاطالة والهذر، وقال: "إياك والتشادق "، وقال صلى الله عليه وسلم: "أبغضكم
إلي الثرثارون المتفيهقون" وروى
عمرو بن عبيد رحمه تعالى، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا
معاشر الأنبياء بكاؤون قليلو الكلام "، رجل بكيء على فعيل، قال: وكانوا يكرهون أن يزيد منطق الرجل على عقله.
وكان يقال: لسان العاقل من وراء قلبه، فإذا أراد الكلام تفكر، فإن كان له
قال، وإن كان عليه سكت، وقلب الجاهل من وراء لسانه،
فإن هم بالكلام تكلم به.
إن
صاحبكم أعطي مقولاً، وحرم معقولاً.
وقال
أبوالعتاهية:
وقال
الشاعر:
وكان يقال:
العجلة قيد الكلام.
وهيب بن الورد:
إن الحكمة عشرة أجزاء، تسعة منها في الصمت، والعاشرة العزلة عن الناس. ثم عاد إلى السكوت حتى مات.
جاء في الحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا
رأيتم المؤمن صموتاً فادنوا منه، فإنه يلقى الحكمة". وعند أصحابنا أنه غير موجود الآن وسيوجد، وعند الإمامية أنه
موجود الآن. قوله رضي الله عنه: "فلا تطمعوا في غيرمقبل، ولا
تيأسوا من مدبر" ظاهر هذا الكلام متناقض وتأويله أنه نهاهم عن أن يطمعوا في
صلاح أمورهم على يد رئيس غير مستأنف الرياسة وهو معنى مقبل، أي قادم تقول: سوف
أفعل كذا في الشهر المقبل، وفي السنة المقبلة، أي القادمة يقول: كل الرياسات
التي تشاهدونها فلا تطمعوا في صلاح أموركم بشيء منها، وإنما تنصلح أموركم على يد
رئيس يقدم عليكم، مستأنف الرياسة خامل الذكر، ليس أبوه بخليفة، ولا كان هو ولا
أبوه مشهورين بينكم برياسة. بل يتبع ويعلو أمره ولم يكن قبل معروفاً هو ولا أهله
الأدنون، وهذه صفة المهدي الموعود به. ويروى: "فلا تطعنوا في عين مقبل "، أي لا
تحاربوا أحداً منا ولا تيأسوا من إقبال من يدبر أمره منا. خوى: مال للمغيب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له عليه السلام
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وهي من الخطب التي تشتمل على ذكر الملاحم الأصل: الحمد لله
الأول قبل كل أول، والآخر بعد كل أخر، وبأوليته وجب أن لا أول له، وبأخرييه وجب
أن لا آخر له. وهكذا القول في آخريته، لأنا إذا فرضناه آخراً
مطلقاً تبع هذا الفرض أن يكون مستحيل العدم، وهو
المعني بقوله: أوجب أن لا آخر له ". وإنما تبعه ذلك لأنه لو لم
يستحل عدمه لصح عدمه لكن كل صحيح وممكن فليفرض وقوعه، لأنه لا يلزم من فرض وقوعه
محال، مع فرضنا إياه صحيحاً وممكناً لكن فرض تحقق عدمه محال، لأنه لو عدم لما
عدم بعد استمرار الوجودية إلا بضد، لكن الضد المعدم يبقى بعد تحقق عدم الضد
المعدوم لاستحالة أن يعدمه، ويعدم معه في وقت واحد لأنه لوكان وقت عدم الطارىء
هو وقت عدم الضد المطروء عليه، لامتنع عدم الضد المطروء عليه لأن حال عدمه الذي
هو الأثر المتجدد تكون العلة الموجبة للأثر معدومة، والمعدوم يستحيل أن يكون
مؤثراً البتة فثبت أن الضد الطارىء لا بد أن يبقى بعد عدم المطروء عليه ولو
وقتاً واحداً، لكن بقاءه بعده ولو وقتاً واحداً يناقض فرضنا كون المطروء عليه
آخراً مطلقاً، لأن الضد الطارىء قد بقي بعده، فيلزم من
الخلف والمحال ما لزم في المسألة الأولى. الأصل: وأشهد أن لا
إله إلا الله شهادة يوافق فيها السر الإعلان، والقلب اللسان. وفحص براياته. من
قولهم: ما له مفحص قطاة، أي مجثمها، كأنهم جعلوا ضواحي الكوفة مفحصاً
ومجثما لراياتهم. وضواحيها: نواحيها القريبة منها البارزة عنها يريد
رستاقها. وكلوح الأيام: عبوسها، والكدوح: الآثار من
الجراحات والقروح، الواحد الكدح، أي الخدش. وأينع الزرع:
أدرك ونضج: وهو الينع والينع، بالفتح والضم مثل النضج والنضج ويجوز ينع الزرع
بغيرهمز، ينع ينوعاً، ولم تسقط الياء في المضارع لأنها تقوت بأختها، وزرع ينيع
ويانع مثل نضيج وناضج. وقد روي أيضاً هذا الموضع بحذف الهمز. والمعضلة:
العسرة العلاج داء معضل، ويخرق الكوفة: يقطعها. والقاصف: الريح القوية تكسر كل ما تمر عليه
وتقصفه. وهذا كناية عن الدولة العباسية التي ظهرت على دولة
بني أمية. والقرون: الأجيال من الناس، واحدها قرن، بالفتح. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له تجري هذا
المجرى
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
وذلك يوم يجمع الله فيه الأولين والآخرين لنقاش الحساب وجزاء الأعمال، خضوعاً
قياماً قد ألجمهم العرق، ورجفت بهم الأرض، فأحسنهم حالاً من وجد لقدميه موضعاً،
ولنفسه متسعاً. يحفزها:
يدفعها. ويجهدها:
يحمل عليها في السير فوق طاقتها؛ جهدت دابتي؛ بالفتح، ويجوز: أجهدت؛ والمراد أن
أرباب تلك الفتن يجتهدون ويجدون في إضرام نارها، رجلاً وفرساناً، فالرجل كنى
عنهم بالقائد، والفرسان كنى عنهم بالراكب.
ثم ذكر عليه السلام أن هؤلاء أرباب الفتن يجاهدهم قوم أذلة، كما قال الله
تعالى: "أذلة على المؤمنين أعزة على
الكافرين"، وذلك من صفات المؤمنين. ثم أخبر بهلاك البصرة بجيش من نقم الله لا رهج له
ولا حس، الرهج: الغبار، وكنى بهذا الجيش عن جدب وطاعون يصيب أهلها حتى يبيدهم. والموت الأحمر، كناية عن الوباء والجوع. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في وصف الناس في بعض
الأزمان
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
أنظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها؛ الصادفين عنها؛ فإنها والله عما قليل تزيل
الثاوي الساكن؛ وتفجع المترف الآمن؛ لا يرجع ما تولى منها فأدبر، ولا يدرى ما هو
أت منها فينتظر.
والمترف:
الذي قد أترفته النعمة، أي أطغته؛ يقول عليه السلام: لا يعود على الناس ما أدبر
وتولى عنهم من أحوالهم الماضية، كالشباب والقوة، ولا يعلم حال المستقبل من صحةأو
مرض،أوحياةأوموت لينتظر، وينظر إلى هذا المعنى قول الشاعر:
ومشوب:
مخلوط، شبته أشوبه فهو مشوب، وجاء مشيب في قول الشاعر:
فبناه
على شيب لم يسم فاعله، وفي المثل: هو يشوب
ويروب، يضرب لمن يخلط في القولأوالعمل.
ثم جعل التفكر علة الاعتبار، وجعل الاعتبار علة الإبصار؛
وهذا حق، لأن الفكر يوجب الاتعاظ، والاتعاظ يوجب الكشف، والمشاهدة بالبصيرة التي
نورها الاتعاظ. ثم ذكر أن ما هو كائن موجود من الدنيا سيصير عن قليل- أي بعد
زمان قصير- معدوما، والزمان القصير ههنا: انقضاء الأجل وحضور الموت. اسمعوا أيها الناس وعوا؛ من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو
آت آت.
ثم عثر عن هذا المعنى بعبارة أخرى، فصارت مثلاً أيضاً، وهي قوله: كفى بالمرء جهلاً ألا يعرف قدره، ومن
الكلام المروي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام مرفوعاً: ما هلك امرؤ عرف
قدره، رواه أبو العباس المبرد عنه في الكامل. وفي
الحديث المرفوع: "ما رفع امرؤ نفسه في الدنيا درجة
إلا حطه الله تعالى في الآخرة درجات". ثم ذكر عليه السلام أن من أبغض البشر إلى الله عبدا وكله الله إلى نفسه، أي لم
يمده بمعونته وألطافه، لعلمه أنه لا ينجع ذلك فيه، وأنه لا ينجذب إلى
الخيروالطاعة، ولا يؤثر شيء ما في تحريك دواعيه إليها، فيكله الله حينئذ إلى
نفسه. وقال ابن
الأعرابي: يجوز أكفأته أيضاً، والبذر: جمع بذور مثل صبور وصبر؛ وهو الذي
يذيع الأسرار، وليس كما قال الرضي رحمه الله تعالى،
فقد يكون الإنسان بذورا وإن لم يكثر سفهه ولم يلغ منطقه؛ بأن يكون علنة
مذياعاً من غير سفه ولا لغو. والضراء:
الشدة، ومثلها البأساء؛ وهما اسمان مؤنثان من غير تذكير، وأجاز الفراء أن يجمع على آضر وأبؤس، كما يجمع النعماء
على أنعم. واعلم
أنه قد جاء في التواضع وهضم النفس شيء كثير؛ ومن ذلك الحديث المرفوع: "من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر على الله
وضعه". فقال عمرو: يا هذا، ما رعيت حق مجالسة الرجل
حين نقلت إلينا حديثه، ولا وفيتني حقي حين أبلغتني عن أخي ما أكرهه، اعلم أن الموت يعمنا، والبعث يحشرنا، والقيامة تجمعنا، والله
يحكم بيننا، وكان يقال، من نم إليك نم عليك،
وقالوا في السعاة: يكفيك أن الصدق محمود إلا منهم، وإن
أصدقهم أخبثهم.
طريح
بن إسماعيل الثقفي:
ومعنى قوله عليه السلام: وإن غاب لم يفتقد، أي لا يقال: ما صنع فلان، ولا أين هو؛ أي
هو خامل لا يعرف. ثم
أخبر عليه السلام أن الله لا يجور على العباد، لأنه تعالى عادل ولا يظلم ولكنه
يبتلي عباده أي يختبرهم، ثم تلا قوله تعالى: "إن
في ذلك لآيات وان كنا لمبتلين"، والمراد أنه تعالى، إذا فسد الناس لا يلجئهم إلى الصلاح، لكن يتركهم واختيارهم
امتحاناً لهم، فمن أحسن أثيب، ومن أساء عوقب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له يصف فيها حال
الناس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما بعد؛ فإن
الله سبحانه وتعالى بعث محمداً صلى
الله عليه وآله، وليس أحد من
العرب يقرأ كتاباً، ولا يدعي نبوة ولا وحيا؛ فقاتل بمن أطاعه من عصاه؛ يسوقهم
إلى منجاتهم؛ ويبادر بهم الساعة أن تنزل بهم؛ يحسر الحسير، ويقف الكسير؛ فيقيم
عليه، حتى يلحقه غايته؛ إلا هالكاً لا خير فيه. حتى أراهم
منجاتهم، وبوأهم محلتهم، فاستدارت رحاهم،وأستقامت قناتهم. الله لقد كنت من ساقتها حتى تولت
بحذافيرها،وأستوسقت في قيادها، ما ضعفت ولا جبنت، ولا خنت ولا وهنت. الله لأبقرن
الباطل حتى اخرج الحق من خاصرته. ومنجاة على مفعلة، ومنه قولهم: الصدق منجاة. وهذا الكلام من باب الاستعارة والمجاز، يقول عليه السلام: "كان النبي صلى
الله عليه وسلم
لحرصه
على الإسلام وإشفاقه على المسلمين، ورأفته بهم، يلاحظ حال من تزلزل
اعتقاده،أوعرضت له شبهة،أوحدث عنده ريب، ولا يزال يوضح له ويرشده حتى يزيل ما
خامر سره من وساوس الشيطان، ويلحقه بالمخلصين من المؤمنين. ولم يكن ليقصر في مراعاة
أحد من المكلفين في هذا المعنى إلا من كان يعلم أنه لا خير فيه أصلاً، لعناده
وإصراره على الباطل، ومكابرته للحق. واستوسقت: اجتمعت، يقول: لما ولت تلك الدعوة
الجاهلية استوسقت هذه في قيادها كما تستوسق الإبل المقودة إلى أعطانها. ويجوز أن
يعود هذا الضمير الثاني إلى المذكور الأول وهو الجاهلية، أي ولت بحذافيرها
واجتمعت كلها تحت ذل المقادة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في شأن أهل
البيت
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وآله شهيداً
وبشيراً ونذيراً، خير البرية طفلًا، وأنجبها كهلًا، وأطهر المطهرين شيمة، وأجود
المستمطرين ديمة، فما أحلولت لكم الدنيا في لذتها، ولا تمكنتم من رضاع أخلافها،
إلا من بعده. صادفتموها جائلاً خطامها، قلقاًوضينها؛ قد؛
صار حرامها عند أقوام بمنزلة السدر المخضود،وحلالها بعيداً غير موجود،
وصادفتموها والله ظلاً ممدوداً إلى أجل معدود. فأقسم بالله يا بني أمية عما قليل لتعرفنها في أيدي غيركم، وفي
دار عدوكم. والمستمطرون:
المستجدون والمستماحون.واحلولت: حلت، وقد عداه حميد بن ثور في قوله:
ولم
يجىء افعوعل متعدياً إلا هذا الحرف وحرف آخر، وهو اعروريت الفرس. والرضاع، بفتح
الراء: رضع الصبي أمه، بكسر الضاد يرضعها رضاعاً، مثل سمع يسمع سماعاً؛ وأهل نجد
يقولون: رضع بالفتح يرضع بالكسر، مثل ضرب يضرب ضرباً. وقال الأصمعي: أخبرني عيسى
بن عمر أنه سمع العرب تنشد هذا البيت:
بكسر الضاد.والأخلاف للناقة بمنزلة الأطباء للكلبة،واحدها
خلف بالكسر، وهو حلمة الضرع. والخطام: زمام الناقة، خطمت البعير زممته، وناقة مخطومة، ونوق مخطمة.
ثم أعاد الشكوى والتألم فقال: أيديكم في الدنيا مبسوطة، وأيدي مستحقي الرياسة ومستوجبي
الأمر مكفوفة، وسيوفكم مسلطة على أهل البيت الذين هم القادة والرؤساء، وسيوفهم
مقبوضة عنكم، وكأنه كان يرمز إلى ما سيقع من قتل الحسين
عليه السلام وأهله، وكأنه يشاهد ذلك عياناً، ويخطب عليه ويتكلم على الخاطر الذي
سنح له، والأمر الذي كان أخبر به، ثم قال: إن لكل دم ثائراً يطلب القود،
والثائر بدمائنا ليس إلا الله وحده، الذي لا يعجزه مطلوب، ولا يفوته هارب. ومعنى قوله عليه السلام: كالحاكم في حق نفسه، أنه تعالى لا يقصر في طلب دمائنا
كالحاكم الذي يحكم لنفسه، فيكون هو القاضي وهو الخصم، فإنه إذا كان كذلك يكون
مبالغاً جداً في استيفاء حقوقه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نهاية مروان بن محمد
الملقب بالحمار
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
سار عبد الله بن علي بن عبد الله بن
العباس في جمع عظيم للقاء مروان بن محمد بن مروان، وهو آخر خلفاء الأمويين،
فالتقيا بالزاب من أرض الموصل،ومروان في جموع عظيمة وأعداد كثيرة، فهزم مروان، واستولى عبد الله بن علي على عسكره، وقتل
من أصحابه خلقاً عظيماً، وفر مروان هارباً حتى أتى
الشام وعبد الله يتبعه، فصار إلى مصر، فاتبعه عبد الله بجنوده، فقتله ببوصير
الأشمونين من صعيد مصر، وقتل خواصه وبطانته كلها، وقد كان عبد الله قتل
من بني أمية على نهر أبي فطرس من بلاد فلسطين قريباً من ثمانين رجلاً، قتلهم
مثله واحتذى أخوه داود بن علي بالحجاز فعله، فقتل منهم قريباً من هذه العدة
بأنواع المثل. لما
انهزم مروان يوم الزاب مضى نحو الموصل، فمنعه أهلها من
الدخول، فأتى حران، وكانت داره ومقامه، وكان أهل
حران حين ازيل لعن أمير المؤمنين عن المنابر في أيام الجمع امتنعوا من إزالته،
وقالوا: لا صلاة إلا بلعن أبي تراب، فاتبعه عبد الله بن علي بجنوده فلما شارفه
خرج مروان عن حران هارباً بين يديه وعبر الفرات، ونزل
عبد الله بن علي على حران، فهدم قصر مروان بها، وكان قد أنفق على بنائه عشرة
آلاف درهم، واحتوى على خزائن مروان وأمواله، فسار مروان بأهله وعترته من
بني أمية، حتى نزل بنهر أبي فطرس، وسار عبد الله بن علي حتى نزل دمشق، فحاصرها
وعليها من قبل مروان الوليد بن معاوية بن عبد الملك بن مروان في خمسين ألف
مقاتل، فألقى الله تعالى بينهم العصبية في فضل نزار على
اليمن، وفضل اليمن على نزار، فقتل الوليد - وقيل بل قتل في حرب عبد الله
بن علي- وملك عبد الله دمشق، فأتى يزيد بن معاوية بن عبد الملك بن مروان وعبد
الجبار بن يزيد بن عبد الملك بن مروان، فحملهما مأسورين
إلى أبي العباس السفاح، فقتلهما وصلبهما بالحيرة، وقتل عبد الله بن علي بدمشق خلقاً كثيراً من أصحاب مروان وموالي
بني أمية وأتباعهم، ونزل عبد الله على نهر أبي فطرس،
فقتل من بني أمية هناك بضعاً وثمانين رجلاً، وذلك في ذي القعدة من سنة
اثنتين وثلاثين ومائة.
وروى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني، قال: نظر عبد الله بن علي في الحرب إلى
فتى عليه أبهة الشرف، وهو يحارب مستقتلاً، فناداه:
يا فتى، لك الأمان، ولو كنت مروان بن محمد! قال:
إلا أكنه فلست بدونه! فقال ولك الأمان، ولو كنت من كنت، فأطرق، ثم أنشد:
ثم قاتل حتى قتل، فإذا هو ابن مسلمة بن عبد الملك.
قال: فتغير لون أبي العباس، وأخذه زمع ورعدة، فالتفت بعض
ولد سليمان بن عبد الملك إلى آخر فيهم كان إلى جانبه، فقال: قتلنا والله العبد! فأقبل
أبو العباس عليهم، فقال: يا بني الزواني؛ لا أرى قتلاكم من أهلي قد سلفوا
وأنتم أحياء تتلذذون في الدنيا، خذوهم؛ فأخذتهم الخراسانية بالكلفر كوبات
فاهمدوا، إلا ما كان من عبد العزيز بن عمر بن عبد
العزيز، فإنه استجار بداود بن علي، وقال: إن أبي
لم يكن كآبائهم، وقد علمت صنيعته إليكم فأجاره واستوهبه من السفاح وقال
له: قد علمت صنيع أبيه إلينا؛ فوهبه له، وقال: لا يريني وجهه، وليكن بحيث نأمنه،
وكتب إلى عماله في الآفاق بقتل بني أمية.
فأمر بهم عبد الله فشدخوا بالعمد، وبسطت البسط عليهم، وجلس عليها،
ودعا بالطعام، وإنه ليسمع أنين بعضهم حتى ماتوا جميعاً. وقال لشبل: لولا أنك خلطت شعرك
بالمسألة لأغنمتك أموالهم، ولعقدت لك على جميع موالي بني هاشم. قال أبو العباس: الرقلة: النخلة الطويلة،والأواسي: جمع
آسية؛ وهي أصل البناء كالأساس. وقتيل المهراس: حمزة
عليه السلام، والمهراس: ماء بأحد. وقتيل
حران: إبراهيم الإمام.
فقال
سليمان: مالي ولك أيها الشيخ! قتلتني قتلك الله!
فقام أبو العباس، فدخل وإذا المنديل قد القي في عنق سليمان، ثم جر فقتل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
انتقال الملك من بني أمية
إلى بني العباس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وذكر صاحب مروج الذهب أنه أرسل عبد الله أخاه صالح بن علي ومعه عامر بن إسماعيل
أحد الشيعة الخراسانية إلى مصر، فلحقوا مروان ببوصير،
فقتلوه وقتلوا كل من كان معه من أهله وبطانته، وهجموا على الكنيسة التي
فيها بناته ونساؤه، فوجدوا خادماً بيده سيف مشهور
يسابقهم على الدخول، فأخذوه وسألوه عن أمره، فقال: إن أمير المؤمنين
أمرني إن هو قتل أن أقتل بناته ونساءه كلهن، قبل أن تصلوا إليهن، فأرادوا قتله، فقال: لا تقتلوني، فإنكم إن قتلتموني فقدتم ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: وما هو؛ فأخرجهم من القرية
إلى كثبان من الرمل، فقال: اكشفوا ههنا، فإذا
الردة والقضيب وقعب مخضب قد دفنها مروان ضناً بها أن
تصير إلى بني هاشم، فوجه به عامر بن إسماعيل إلى صالح بن علي، فوجه به
صالح إلى أخيه عبد الله، فوجه به عبد الله إلى أبي العباس، وتداوله خلفاء بني العباس من بعد. نحن بناتك وبنات أخيك وابن عمك، فليسعنا من عدلكم ما وسعنا من جوركم. قال: إذا لا نستبقي منكم أحداً، لأنكم
قد قتلتم إبراهيم الإمام، وزيد بن علي، ويحيى بن زيد،
ومسلم بن عقيل؛ وقتلتم خير أهل الأرض: حسيناًوإخوته وبنيه وأهل بيته، وسقتم
نساءه سبايا - كما يساق ذراري الروم - على الأقتاب إلى الشام. فقالت: يا
عم أمير المؤمنين، فليسعنا عفوكم إذاً. قال: أما
هذا فنعم؛ وإن أحببت زوجتك من ابني الفضل بن صالح،
قالت: يا عم أمير المؤمنين، وأي ساعة عرس ترى! بل
تلحقنا بحران، فحملهن إلى حران. فانهي هذا الكلام إلى أبي العباس السفاح، فاستهجن ما فعله عامر بن
إسماعيل وكتب إليه:
أما كان لك في أدب الله ما يزجرك أن تقعد في مثل تلك الساعة على مهاد مروان،
وتأكل من طعامه! أما والله لولا أن أمير المؤمنين أنزل ما فعلته على غير اعتقاد
منك لذلك ولا ضم على طعام، لمسك من غضبه وأليم أدبه، ما يكون لك زاجراً، ولغيرك
واعظاً. فإذا أتاك كتاب أمير المؤمنين، فتقرب إلى الله بصدقة تطفىء بها غضبه،
وصلاة تظهر فيها الخشوع والاستكانة له، وصم ثلاثة أيام، وتب إلى الله من جميع ما
يسخطه ويغضبه، ومر جميع أصحابك أن يصوموا مثل صيامك.
ثم
حول وجهه إلى القبلة فسجد ثانية ثم جلس، فتمثل:
ثم
قال: أما مروان فقتلناه بأخي إبراهيم، وقتلنا سائر بني أمية بحسين، ومن قتل
معه وبعده من بني عمنا أبي طالب. وروى المسعودي في كتاب مروج الذهب عن الهيثم بن عدي، قال: حدثني عمرو بن هانىء الطائي، قال:
خرجت مع عبد الله بن علي لنبش قبور بني أمية في أيام أبي العباس السفاح، فانتهينا إلى قبر هشام بن عبد الملك، فاستخرجناه صحيحاً، ما
فقدنا منه إلا عرنين أنفه؛ فضربه عبد الله بن علي ثمانين سوطاً ثم أحرقه،
واستخرجنا سليمان بن عبد الملك من أرض دابق فلم نجد منه
شيئاً إلا صلبه ورأسه وأضلاعه فأحرقناه، وفعلنا مثل ذلك بغيرهما من بني أمية، وكانت قبورهم بقنسرين، ثم انتهينا إلى
دمشق، فاستخرجنا الوليد بن عبد الملك، فما وجدنا
في قبره قليلاً ولا كثيراً،واحتفرنا عن عبد الملك فما
وجدنا إلا شؤون رأسه، ثم احتفرنا عن يزيد بن
معاوية فلم نجد منه إلا عظماً واحداً، ووجدنا من موضع نحره إلى قدمه خطاً
واحداً أسود، كأنما خط بالرماد طول لحده، وتتبعنا قبورهم،
في جميع البلدان، فأحرقنا ما وجدنا فيها منهم. فقال رحمه الله تعالى أظن عبد الله بن علي ذهب في ذلك إلى حد
القذف،
لأنه يقال: إنه قال لزيد: يا بن الزانية، لما سب
أخاه محمداً الباقر
عليه السلام، فسبه زيد، وقال له: سماه
رسول الله صلى الله عليه وسلم الباقر
وتسميه أنت البقرة! لشد ما اختلفتما! ولتخالفنه في الآخرة كما خالفته في الدنيا فيرد الجنة
وترد النار. وهذا استنباط لطيف. فقال عبد الحميد:
إن الذي أشرت به هو أنفع الأمرين لي، وأقبحهما بي،
وما عندي إلا الصبر معك حتى يفتح الله لك أواقتل بين
يديك، ثم أنشد:
فثبت على حاله،
ولم يصر إلى بني هاشم حتى قتل مروان، ثم قتل هو بعده
صبراً. لما
نزل مروان بالزاب، جرد من رجاله ممن اختاره من أهل الشام والجزيرة وغيرها مائة
ألف فارس، على مائة ألف قارح، ثم نظر إليهم، وقال:
إنها لعدة ولا تنفع العدة، إذا انقضت المدة. أما
ترون أعلامهم فوق هذه الإبل كأنها قطع الغمام السود! فبينما هو ينظرها ويعجب، إذ
طارت قطعة عظيمة من الغربان السود، فنزلت على أول عسكر عبد الله بن علي، واتصل
سوادها بسواد تلك الرايات والبنود،ومروان ينظر، فازداد تعجبه، وقال: أما ترون إلى السواد قد اتصل بالسواد؛ حتى
صار الكل كالسحب السود المتكاثفة! ثم أقبل على رجل
إلى جنبه فقال: ألا تعرفني من صاحب جيشهم؟ فقال:
عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. قال: ويحك! أمن ولد العباس
هو؟ قال: نعم، قال: والله لوددت أن علي بن أبي طالب عليه السلام مكانه في هذا الصف، قال: يا أمير المؤمنين، أتقول هذا
لعلي مع شجاعته التي ملأ الدنيا ذكرها! قال: ويحك! إن علياً
مع شجاعته صاحب دين، وإن الدين غير الملك،وإنا نروي عن قديمنا أنه لا شيء
لعلي ولا لولده في هذا. ثم قال:
من هو من ولد العباس، فإني لا أثبت شخصه؟ قال: هو الرجل الذي كان يخاصم بين
يديك؛ عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر. فقال أذكرني صورته وحليته، قال: هو الرجل الأقنى الحديد العضل، المعروق الوجه،
الخفيف اللحية، الفصيح اللسان، الذي قلت لما سمعت كلامه يومئذ: يرزق الله
البيان من يشاء، فقال: وانه لهو! قال: نعم،
فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! أتعلم لم صيرت الأمر
بعدي لولدي عبد الله، وابني محمد أكبر سناً منه؟ قال: لا، قال: إن آباءنا أخبرونا أن الأمر صائر بعدي إلى رجل اسمه عبد الله
فوليته دونه.
فأجاد
ما شاء، وشرب سليمان بن هشام بالرطل، وشربنا معه حتى توسدنا أيدينا، فلم أنتبه
إلا بتحريك سليمان إياي، فقمت مسرعاً، وقلت:
ما شأن الأمير؟ فقال: على رسلك، رأيت كأني في مسجد دمشق، وكأن رجلاً على يده
حجر، وعلى رأسه تاج، أرى بصيص ما فيه من الجوهر، وهو رافع صوته بهذا الشعر:
فقلت: أعيذ الأمير بالله من وساوس الشيطان الرجيم! هذا من أضغاث
الأحلام، ومما يقتضيه ويجلبه الفكر، وسماع الأراجيف. فقال:
الأمر كما قلت لك، ثم وجم ساعة، وقال: يا حميري، بعيد ما يأتي به الزمان قريب! قال العلاء: فو الله ما اجتمعنا على شراب بعد ذلك اليوم. قال سعيد: فحدقت إلي الشيعة، ورمتني بأبصارها، فقال لي أبو العباس: في أي سنة كان مولده؟ قلت: سنة ست
وسبعين، فقام وقد تغير لونه غضباً علي، وتفرق الناس من
المجلس، وتحدثوا به، فقلت: زلة والله لا تستقال ولا ينساها القوم أبدا! فأتيت منزلي، فلم أزل باقي يومي أعهد وأوصي، فلما كان الليل
اغتسلت وتهيأت للصلاة- وكان أبو العباس إذا هم بأمر بعث فيه ليلاً- فلم أزل
ساهراً حتى أصبحت وركبت بغلتي،وأفكرت فيمن أقصد في أمري، فلم أجد أحداً أولى من
سليمان بن مجالد مولى بني زهرة، وكانت له من أبي العباس منزلة عظيمة، وكان من
شيعة القوم، فأتيته، فقلت له: أذكرني أمير
المؤمنين البارحة؟ قال: نعم، جرى ذكرك، فقال: هو ابن أختنا، وفي
لصاحبه، ونحن لو أوليناه خيراً لكان لنا أشكر. فشكرت لسليمان بن مجالد ما أخبرني به، وجزيته خيرا، وانصرفت. فلم أزل من أبي
العباس على ما كنت عليه، لا أرى منه إلا خيراً. ونما ذلك المجلس إلى عبد الله بن علي وإلى أبي
جعفر المنصور، فأما عبد الله بن علي فكتب إلى أبي العباس يغريه بي، ويعاتبه على
الإمساك عني، ويقول له:
إنه ليس مثل هذا مما يحتمل، وكتب إليه أبو جعفر يعذر لي، وضرب الدهر ضربه، فأتى
ذات يوم عند أبي العباس، فنهض ونهضت، فقال لي: على
رسلك يا بن هبيرة! فجلست، فرفع الستر، ودخل وثبت في مجلسه قليلاً، ثم خرج
في ثوبي وشي ورداء وجبة، فما رأيت والله أحسن منه ولا مما عليه قط، فقال لي: يا بن هبيرة، إني ذاكر لك أمراً، فلا
يخرجن من رأسك إلى أحد من الناس. قلت:
نعم، قال: قد علمت ما جعلنا من هذا الأمر
وولاية العهد لمن قتل مروان، وإنما قتله عمي عبد الله بجيشه وأصحابه ونفسه
وتدبيره، وأنا شديد الفكر في أمر أخي أبي جعفر، في فضله وعلمه وسنه وإيثاره لهذا
الأمر، كيف أخرجه عنه! فقلت: أصلح الله أمير المؤمنين! إني أحدثك حديثاً
تعتبر به، وتستغني بسماعه عن مشاورتي، قال: هاته، فقلت: كنا مع مسلمة بن عبد الملك عام الخليج
بالقسطنطينية، إذ ورد علينا كتاب عمر بن عبد العزيز ينعى سليمان، ومصير الأمر
إليه، فدخلت إليه، فرمى الكتاب إلي فقرأته، واسترجعت، واندفع يبكي وأطال، فقلت: أصلح الله الأميروأطال بقاءه! إن البكاء على الأمر الفائت عجز، والموت منهل لا بد من ورده،
فقال: ويحك! إني لست أبكي على أخي، لكني أبكي لخروج الأمر عن ولد أبي إلى ولد
عمي! فقال أبو العباس: حسبك، فقد فهمت عنك، ثم قال: إذا شئت فانهض، فلما نهضت لم أمض بعيداً حتى قال لي: يا بن هبيرة! فالتفت إليه، فقال: أما إنك قد كافأت أحدهما، وأخذت بثأرك من
الآخر، قال سعيد: فو الله ما أدري من أي الأمرين أعجب!
من فطنته أم من ذكره.
أنا
والله أقتل مروان، وأسلبه ملكه؛ لا أنت ولا ولداك! وقد
روى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني رواية أخرى في سبب قتل السفاح لمن كان أمنه من بني أمية، قال: حدث
الزبير بن بكار، عن عمه، أن السفاح انشد يوماً قصيدة مدح بها، وعنده قوم من بني
أمية آمنهم على أنفسهم، فأقبل على بعضهم، فقال: أين هذا مما مدحتم به! فقال:
هيهات! لا يقول والله أحد فيكم مثل قول ابن قيس الرقيات
فينا:
فقال
له: يا ماص كذا من أمه ! وإن الخلافة لفي نفسك بعد!
خذوهم. فأخذوا وقتلوا. فلما فرغ من الأكل
قال: جروهم بأرجلهم،وألقوهم في الطريق؛
ليلعنهم الناس أمواتاً كما لعنوهم أحياء.
قال:
فنبذ داود نحو عبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد بن العاص ضحكة كالكشرة، فلما قاموا قال عبد الله بن الحسن لأخيه الحسن بن الحسن:
أما رأيت ضحك داود إلى ابن عنبسة! الحمد لله الذي
صرفها عن أخي- يعني العثماني- قال: فما هو إلا أن قدم المدينة، حتى قتل
ابن عنبسة.
فلما
بلغ قوله:
وهي
طويلة، فقال أبو العباس: يا سديف، خلق الإنسان من عجل! ثم أنشد أبو العباس
متمثلاً:
ثم أمر بمن عنده فقتلوا. وروى أبو الفرج أيضاً عن طارق بن المبارك، عن أبيه، قال: جاءني رسول عمرو بن معاوية بن عمرو
بن عتبة بن أبي سفيان، قال: يقول لك عمرو:
قد جاءت هذه الدولة، وأنا حديث السن، كثير العيال، منتشر الأموال؛ فما أكون في
قبيلة إلا شهر أمري وعرفت. وقد عزمت على أن أخرج من الاستتار، وأفدي حرمي بنفسي،
وأنا صائر إلى باب الأمير سليمان بن علي، فصر إلي. فوافيته فإذا عليه طيلسان أبيض مطبق، وسراويل
وشي مسدول، فقلت: يا سبحان الله! ما تصنع
الحداثة بأهلها! أبهذا اللباس تلقى هؤلاء القوم لما تريد لقاءهم فيه! فقال: لا
والله، ولكن ليس عندي ثوب إلا أشهر مما ترى. فأعطيته طيلساني وأخذت طيلسانه، ولويت سراويله إلى ركبتيه. فدخل إلى
سليمان، ثم خرج مسروراً فقلت له: حدثني ما جرى بينك وبين الأمير، قال؛ دخلت عليه ولم يرني
قط، فقلت: أصلح الله الأمير! لفظتني البلاد
إليك ودلني فضلك عليك؛ إما قتلتني غانماً وإما أمتني سالماً، فقال: ومن أنت حتى
أعرفك؟ فانتسبت له، فقال: مرحباً بك! اقعد فتكلم سالماً آمناً، ثم أقبل علي
فقال: حاجتك يابن أخي؟ فقلت: إن الحرم اللواتي أنت أقرب الناس إليهن معنا، وأولى
الناس بهن بعدنا، قد خفن لخوفنا، ومن خاف خيف عليه. فو الله ما أجابني إلا بدموعه على خديه، ثم قال: يا بن أخي، يحقن الله دمك، ويحفظك في
حرمك، ويوفر عليك مالك؛ فو الله لو أمكنني ذلك في جميع قومك لفعلت، فكن متوارياً
كظاهر،وامناً كخائف،ولتأتني رقاعك. قال: فو الله لقد كنت أكتب إليه كما يكتب
الرجل إلى أبيه وعمه. قال: فلما فرغ من الحديث، رددت عليه طيلسانه، فقال: مهلاً، فإن ثيابنا إذا فارقتنا لم ترجع إلينا.
قال أبو الفرج: وأخبرني علي بن سليمان الأخفش، قال: أنشدني محمد
بن يزيد المبرد لرجل من شيعة بني العباس،
يحضهم على بني أمية:
قال أبو الفرج:
وروى ابن المعتز في قصة سديف مثل ما ذكرناه من قبل؛ إلا أنه قال فيها: فلما
أنشده ذلك التفت إليه أبو الغمر سليمان بن هشام، فقال: يا ماص بظر أمه؛ أتجبهنا
بمثل هذا ونحن لم سروات الناس! فغضب أبو العباس- وكان سليمان بن هشام صديقه
قديماً وحديثاً، يقفي حوائجه في أيامهم ويبره- فلم يلتفت إلى ذلك، وصاح بالخراسانية: خذوهم! فقتلوهم جميعا إلا
سليمان بن هشام، فأقبل عليه أبو العباس، فقال:
يا أبا الغمر، ما أرى لك في الحياة بعد هؤلاء خيراً. قال:
لا والله، قال: فاقتلوه، وكان إلى جنبه فقتل وصلبوا في بستانه؛ حتى تأذى جلساؤه
بريحهم، فكلموه في ذلك، فقال: والله إن ريحهم عندي لألذ وأطيب من ريح المسك
والعنبر غيظاً عليهم وحنقاً.
ومن
شعره فيهم:
ومن
شعره فيهم:
وقال أبو الفرج:
ركب المأمون بدمشق يتصيد؛ حتى بلغ جبل الثلج،
فوقف في بعض الطريق على بركة عظيمة، في جوانبها أربع سروات، لم ير أحسن منها،
فنزل! هناك؛ وجعل ينظر إلى آثار بني أمية ويعجب منها، ويذكرهم. ثم دعا بطبق عليه طعام، فأكل، وأمر علويه فغنى:
وكان علويه من موالي بني امية، فغضب المأمون. وقال: يا بن الفاعلة، الم يكن لك وقت تبكي
فيه على قومك إلا هذا الوقت! قال: كيف لا أبكي عليهم ومولاكم زرياب، كان في أيام
دولتهم يركب معهم في مائة غلام، وأنا مولاهم معكم أموت جوعا! فقام المأمون فركب وانصرف الناس، وغضب على علويه عشرين
يوماً، وكلم فيه فرضي عنه، ووصله بعشرين ألف درهم. قال أبو العباس المبرد:
وقد جاءت الرواية أن أمير المؤمنين علياً عليه
السلام
لما
ولد لعبد الله بن العباس مولود فقده وقت صلاة الظهر، فقال:
ما بال ابن العباس لم يحضر! قالوا: ولد له ولد ذكر، يا أمير المؤمنين. قال: فامضوا بنا إليه، فأتاه فقال
له: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب! ما سميته؟ فقال: يا أمير المؤمنين،أويجوز
لي أن اسميه حتى تسميه! فقال: أخرجه إلي، فأخرجه، فأخذه فحنكه ودعا له ثم رده
إليه، وقال: خذ إليك أبا الأملاك، قد سميته علياً،
وكنيته أبا الحسن. قال: فلما قدم معاوية خليفة، قال
لعبد الله بن العباس: لا أجمع لك بين الاسم والكنية، قد كنيته أبا محمد، فجرت عليه. فقال: أصل هذا كله محمد بن الحنفية، ثم
ابنه عبد الله المكنى أبا هاشم. قال أبو جعفر رحمه الله تعالى: وصدق محمد بن علي، أنه إليه
أوصى أبو هاشم، وإليه دفع كتاب الدولة، وكذب
معاوية بن عبد الله بن جعفر، لكنه قرأ الكتاب، فوجد لهم
فيه ذكراً يسيراً، فادعى الوصية بذلك، فمات وخرج ابنه عبد الله بن معاوية
يدعي وصاية أبيه، ويدعي لأبيه وصاية أبي هاشم، ويظهر الإنكار على بني أمية، وكان له في ذلك شيعة يقولون بإمامته سراً حتى قتل.
ثم
قال: يا أمة الله. وأول راض سنة من يسيرها ألم
تحاربوا علياً وتدفعوا حقه؟ ألم تسموا حسناً وتنقضوا شرطه؟ ألم تقتلوا حسيناً
وتسيروا رأسه؟ ألم تقتلوا زيداً وتصلبوا جسده؟ ألم تقتلوا يحيى وتمثلوا به؟ ألم
تلعنوا علياً على منابركم؟ ألم تضربوا أبانا علي بن عبد الله بسياطكم؟ ألم
تخنقوا الإمام بجراب النورة في حبسكم؟ ثم قال: ألك
حاجة؟ قالت: قبض عمالك أموالي، فأمر برد أموالها عليها. ثم إن أبا العباس السفاح قال لأهله وهو بالكوفة حينئذ: من يسير إلى مروان من أهل بيتي وله
ولاية العهد إن قتله؟ فقال عبد الله عمه: أنا،
قال: سر على بركة الله، فسار فتقدم على أبي عون، فتحول له أبو عون عن سرادقه
وخلاه له بما فيه. ثم سأل عبد الله عن مخاضة في الزاب، فدل
عليها، فأمر قائداً من قواده فعبرها في خمسة الآف، فانتهى إلى عسكر مروان
فقاتلهم؛ حتى أمسواوتحاجزوا، ورجع القائد بأصحابه، فعبر المخاضة إلى عسكر عبد
الله بن علي، وأصبح مروان، فعقد جسراً، وعبر بالجيش كله إلى عبد الله بن علي. فكان
ابنه عبد الله بن مروان في مقدمته، وعلى الميمنة الوليد بن معاوية بن عبد الملك
بن مروان، وعلى الميسرة عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان، وعبأ عبد
الله بن علي جيشه، وتراءى الجمعان، فقال مروان لعبد العزيز بن عمر، انظر، فإن
زالت الشمس اليوم ولم يقاتلونا كنا نحن الذين ندفعها إلى عيسى بن مريم؛ وإن
قاتلونا قبل الزوال، فإنا لله وإنا إليه راجعون!
ثم أرسل إلى عبد الله بن علي يسأله الكف عن القتال نهار ذلك اليوم، فقال عبد الله: كذب ابن زربى إنما يريد المدافعة
إلى الزوال؛ لا والله لا تزول الشمس حتى أوطئه الخيل إن شاء الله. ثم حرك أصحابه
للقتال، فنادى مروان في أهل الشام: لا تبدأوهم بالحرب؛ فلم يسمع الوليد
بن معاوية منه، وحمل على ميسرة عبد الله بن علي. فغضب مروان وشتمه. فلم يسمع له
واضطرمت الحرب، فأمر عبد الله الرماة أن ينزلوا، ونادى: الأرض الأرض! فنزل
الناس، ورمت الرماة،وأشرعت الرماح وجثوا على الركب، فاشتد القتال، فقال مروان لقضاعة: انزلوا، قالوا: حتى تنزل كندة،
فقال لكندة: انزلوا، فقالوا: حتى تنزل السكاسك، فقال لبني سليم: انزلوا، فقالوا:
حتى تنزل عامر، فقال لتميم: احملوا، فقالوا: حتى تحمل بنو أسد، فقال طوازن:
احملوا، قالوا: حتى تحمل غطفان، فقال لصاحب شرطته: احمل ويلك! قال: ما كنت لأجعل
نفسي غرضاً، قال: أما والله لأسوأنك، قال: وددت أن أمير المؤمنين يقدر على ذلك!
فانهزم عسكر مروان وانهزم مروان معهم، وقطع الجسر، فكان من هلك غرقاً أكثر ممن
هلك تحت السيف، واحتوى عبد الله بن علي على عسكر بما فيه، وكتب إلى أبي العباس
يخبره الواقعة. لما قتل مروان ببوصير،
قال الحسن بن قحطبة: أخرجوا إلي إحدى بنات مروان،
فأخرجوها إليه وهي ترعد، قال: لا بأس عليك! قالت: وأي بأس أعظم من إخراجك إياي
حاسرة، ولم أر رجلاً قبلك قط! فأجلسها، ووضع رأس مروان في حجرها، فصرخت واضطربت
فقيل له: ما أردت بهذا؟ قال: فعلت بهم فعلهم بزيد بن علي لما قتلوه، جعلوا رأسه
في حجر زينب بنت علي بن الحسين عليه السلام. واعلموا أن هذا الأمر ليس لخارج عنا
حتى نسلمه إلى عيسى بن مريم. لما أمعن داود بن علي في قتل بني أمية بالحجاز قال له عبد الله
بن الحسن عليه السلام: يا
بن عمي، إذا أفرطت في قتل أكفائك فمن تباهي بسلطانك! وما يكفيك منهم أن يروك
غادياً ورائحاً فيما يسرك ويسوءهم! كان داود بن علي يمثل ببني أمية؛ يسمل
العيون، ويبقر البطون، ويجدع الأنوفويصطلم الآذان. وكان عبد الله بن علي بنهر
أبي فطرس يصلبهم منكسين، ويسقيهم النورة والصبر، والرماد والخل، ويقطع الأيدي
والأرجل. وكان سليمان بن علي بالبصرة يضرب الأعناق.
قال
داود بن علي لإسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص بعد
قتله من قتل من بني أمية: هل علمت ما فعلت بأصحابك؟ قال نعم، كانوا يداً
فقطعتها، وعضداً ففتت فيها، ومرة فنقضتها، وجناحاً فحصصتها؛ قال: إني لخليق أن
الحقك فيهم، قال: إني إذاً لسعيد! لما استوثق الأمر
لأبي العباس السفاح، وفد إليه عشرة من أمراء الشام، فحلفوا له بالله
وبطلاق نسائهم، وبأيمان البيعة بأنهم لا يعلمون- إلى أن قتل مروان- أن لرسول
الله صلى الله عليه وسلم أهلاً ولا قرابة إلا بني أمية. وزعموا أن غير آل محمد أولى بالأمر
منهم، فلم وبم أيها الناس؟ ألكم الفضل بالصحابة دون ذوي
القرابة، الشركاء في النسب، والورثة في السلب مع ضربهم على الدين جاهلكم،
وإطعامهم في الجدب جائعكم! والله ما اخترتم من حيث اختار الله لنفسه ساعة قط؛
وما زلتم بعد نبيه تختارون تيمياً مرة،وعدوياً مرة، وأموياً مرة، وأسدياً
مرة،وسفيانياً مرة،ومروانياً مرة حتى جائكم من لا تعرفون اسمه ولا بيته، يضربكم بسيفه،
فأعطيتموها عنوة وأنتم صاغرون. ألا إن آل
محمد أئمة الهدى، ومنار سبيل التقى، القادة الذادة السادة، بنو عم رسول الله،
ومنزل جبريل بالتنزيل؛ كم قصم الله بهم من جبار طاغ، وفاسق باغ، شيد الله بهم
الهدى، وجلا بهم العمى؛ لم يسمع بمثل العباس! وكيف لا تخضع له الأمم لواجب حق
الحرمة! أبو رسول الله بعد أبيه؛ وإحدى يديه، وجلدة بين عينيه. أمينه يوم العقبة وناصره بمكة، ورسوله إلى أهلها،
وحاميه يوم حنين، عند ملتقى الفئتين؛ لا يخالف له رسماً، ولا يعمي له حكماً؛
الشافع يوم نيق العقاب، إلى رسول الله في الأحزاب ها إن في هذا أيها الناس لعبرة
لأولي الأبصار! قلت: الأسدي عبد الله بن
الزبير. ومن لا يعرفون اسمه ولا بيته، يعني نفسه، لأنه لم يكن معلوم النسب؛ وقد
اختلف فيه هل هو مولى أم عربي. ثم سكت
وسكت، فلبثنا ما شاء الله؛ لا يتكلم ولا أتكلم، وأصحابه قيام بالحراب على رأسه. ثم قال لي: لماذا شربتم الخمر وهي محرمة عليكم في كتابكم؟ فقلت:
اجترأ على ذلك عبيدنا بجهلهم، قال: فلم وطئتم الزروع بدوابكم والفساد محرم عليكم
في كتابكم ودينكم؟ قلت: فعل ذلك أتباعنا
وعمالنا جهلاً منهم، قال: فلم لبستم الحرير
والديباج والذهب، وهو محرم عليكم في كتابكم ودينكم؟ قلت:
استعنا في أعمالنا بقوم من أبناء العجم كتاب، دخلوا في ديننا فلبسوا ذلك إتباعا
لسنة سلفهم، على كره منا. فأطرق
ملياً إلى الأرض يقلب يده، وينكت الأرض. ثم قال: عبيدنا وأتباعنا وعمالنا وكتابنا! ما الأمر كما ذكرت،
ولكنكم قوم استحللتم ما حرم الله عليكم، وركبتم ما عنه
نهيتم، وظلمتم فيما ملكتم، فسلبكم الله العز، وألبسكم الذل؛ وإن له سبحانه فيكم
لنقمة لم تبلغ غايتها بعد، وأنا خائف أن يحل بكم العذاب وأنتم بأرضي فينالني
معكم؛ والضيافة ثلاث، فاطلبوا ما احتجتم إليه، وارتحلوا عن أرضي. فلم ينطقوا بحرف، وخرجت
الخراسانية بالأعمدة فشدخوهم عن آخرهم.
الأصل:
ألا إن أبصر الأبصار ما نفذ في الخير طرفه! ألا إن أسمع الأسماع ما وعى التذكير
وقبله! أيها الناس: أستصبحوا من شعلة مصباح
واعظ فتعظ،وأمتاحوا من صفي عين قد روقت من الكدر. عباد الله، لا تركنوا إلى أهوائكم؛ فإن النازل
بهذا المنزل نازل بشفا جرف هار؛ ينقل الردى على ظهره من موضع إلى موضع، لرأي
يحدثه بعد رأي، يريد أن يلصق ما لا يلتصق، ويقرب ما لا يتقارب! فالله الله أن
تشكوا إلى من لا يشكي شجوكم، ولا ينقض برأيه ما قد أبرم لكم، إنه ليس على الإمام
إلا ما حمل من أمر ربه: الإبلاغ في الموعظة، والاجتهاد في النصيحة، والإحياء للسنة،
وإقامة الحدود على مستحقيها، وإصدار السهمان على أهلها، فبادروا العلم من قبل
تصويح نبته، ومن قبل أن تشغفوا بأنفسكم عن مستثار العلم من عند أهله، وأنهوا عن
المنكروتناهوا عنه، فإنما أمرتم بالنهي بعد التناهي! الشرح: هار
الجرف يهور هوراًوهئوراً فهو هائر؛ وقالوا: هار، خفضوه في موضع الرفع، كقاض،
وأرادوا هائر، وهو مقلوب من الثلاثي إلى الرباعي؛ كما قلبوا شائك السلاح إلى
شاكي السلاح. وهورته،
فتهور وانهار؛ أي انهدم.
يقول عليه السلام: أشد العيون إدراكاً ما نفذ طرفها في الخير، وأشد الأسماع
إدراكاً ما حفظ الموعظة وقبلها. ومن
ينقض برأيه ما قد أبرم لكم؛ وهذه الرواية أليق، أي لا تشكوا إلى من لا يدفع عنكم
ما تشكون منه؛ وإنما ينقض برأيه الفاسد ما قد أبرمه الحق والشرع لكم. ثم ذكر أنه
ليس على الإمام إلا ما قد أوضحه من الأمور الخمسة. وتصويح
النبت، كناية عن ذلك. وفي هذا الموضع إشكال، وذلك أن لقائل
أن يقول: النهي عن المنكر واجب على العدل والفاسق، فكيف قال: إنما أمرتم بالنهي بعد التناهي؛ وقد روي أن الحسن البصري قال للشعبي: هلا نهيت عن
كذا؟ فقال: يا أبا سعيد، إني أكره أن أقول ما لا أفعل. قال الحسن: غفر الله لك!وأينا يقول ما يفعل! ود
الشيطان لو ظفر منكم بهذه فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر! والجواب أنه
عليه السلام لم يرد أن وجود النهي عن المنكر مشروط بانتهاء ذلك الناهي عن
المنكر؛ وإنما أراد: إني لم آمركم بالنهي عن
المنكر إلا بعد أن أمرتكم بالانتهاء عن المنكر؛ فالترتيب إنما هو في أمره عليه
السلام
لهم
بالحالتين المذكورتين؛ لا في نهيهم وتناهيهم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في وصف
الإسلام
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: الحمد لله
الذي شرع الإسلام فسهل شرائعه لمن ورده. وأعز أركانه على من غالبه؛ فجعله أمناً لمن علقه،
وسلماً لمن دخله، وبرهاناً لمن تكلم به، وشاهداً لمن خاصم عنه، ونوراً لمن
أستضاء به، وفهماً لمن عقل، ولباً لمن تدبر، وأيةً لمن توسم،وتبصرةً لمن عزم،
وعبرةً لمن أتعظ، ونجاةً لمن صدق، وثقةً لمن توكل، وراحةً لمن فوض، وجنةً لمن
صبر. وأبلج المناهج: معروف الطريق، والحلبة: الخيل
المجموعة للمسابقة، والمضمار: موضع تضمير
الخيل، وزمان تضميرها،والغاية: الراية المنصوبة، وهو ههنا خرقة تجعل على قصبة
وتنصب في آخر المدى الذي تنتهي إليه المسابقة؛ كأنه عليه السلام جعل الإسلام
كخيل السباق التي مضمارها كريم، وغايتها رفيعة عالية؛ وحلبتها جامعة حاوية،
وسبقتها متنافس فيها، وفرسانها أشراف. الأصل:
حتى أورى قبساً لقابس، وأنار علماً لحابس، فهو أمينك المأمون،وشهيدك يوم الدين،
و بعيثك نعمة، ورسولك بالحق رحمة. قال الرضي رحمه الله تعالى:
وقد مضى هذا الكلام فيما تقدم، إلا أننا كررناه ههنا لما في الروايتين من
الاختلاف. والكلام
مجاز، والمراد الهداية في الدين. وعلماً، منصوب أيضاً بالمفعولية، أي وأنار رسول
الله صلى الله عليه وسلم علماً. ومقسماً:
نصيباً، وإن جعلته مصدراً جاز، والنزل: طعام الضيف. والوسيلة:
ما يتقرب به، وقد فسر قولهم في دعاء الأذان: اللهم آته الوسيلة، بأنها درجة
رفيعة في الجنة. والسناء بالمد: الشرف. وزمرته:
جماعته. ثم قال:
وهلا قلت له: فقد نصرته الأنصار، وبذلت مهجها دونه، وقتلت بين يديه في مواطن
كثيرة، وخصوصاً يوم أحد ثم اهتضموا بعده، واستؤثر عليهم، ولقوا من المشاق
والشدائد ما يطول شرحه؛ ولو لم يكن إلا يوم الحرة، فإنه اليوم الذي لم يكن في
العرب مثله، ولا أصيب قوم قط بمثل ما أصيب به الأنصار ذلك اليوم! ثم قال: إن الله تعالى زوى الدنيا عن صالحي عباده
وأهل الإخلاص له، لأنه لم يرها ثمناً لعبادتهم، ولا كفؤاً لإخلاصهم، وأرجأ
جزاءهم إلى دار اخرى غير هذه الدار؛ في مثلها يتنافس المتنافسون. الأصل: منها في خطاب
أصحابه: وقد بلغتم من كرامة الله تعالى لكم منزلة تكرم بها إماؤكم، وتوصل بها
جيرانكم ويعظمكم من لا فضل لكم عليه، ولا يد لكم عنده، ويهابكم من لا يخاف لكم
سطوة، ولا لكم عليه إمرة. الشرح: هذا
خطاب لأصحابه الذين أسلموا مدنهم ونواحيهم إلى جيوش معاوية؛ التي كان يغير بها
على أطراف أعمال علي عليه السلام كالآنبار
وغيرها؛ مما تقدم ذكرنا له؛ قال لهم: إن
الله أكرمكم بالإسلام بعد أن كنتم مجوساًأوعباد أصنام، وبلغتم من كرامته إياكم
بالإسلام منزلة عظيمة؛ أكرم بها إماؤكم وعبيدكم؛ ومن كان مظنة المهنة والمذلة. قيل: إن
العرب لما عبرت دجلة إلى القصر الأبيض الشرقي بالمدائن عبرتها في أيام مدها، وهي
كالبحر الزاخر على خيولها وبأيديها رماحها، ولا دروع عليها ولا بيض؛ فهربت الفرس
بعد رمي شديد منها للعرب بالسهام؛ وهم يقدمون ويحملون؛ ولا تهولهم السهام؛ فقال
فلاح نبطي، بيده مسحاته وهو يفتح الماء إلى زرعه لاسوار من الأساورة معروف
بالبأس وجودة الرماية: ويلكم! أمثلكم في سلاحكم يهرب من هؤلاء القوم الحاسرين!
ولذعه باللوم والتعنيف. فقال له:
أقم مسحاتك، فأقامها فرماها، فخرق الحديد حتى عبر النصل إلى جانبها الآخر، ثم قال: انظر الآن، ثم رمى بعض العرب المارين عليه
عشرين سهماً لم تصبه ولا فرسه منها بسهم واحد؛ وإنه لقريب منه غير بعيد. ولقد
كان بعض السهام يسقط بين يدي الأسوار، فقال له بالفارسية: أعلمت أن القوم مصنوع
لهم! قال: نعم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له في بعفر أيام
صفين
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: وقد رأيت
جولتكم، وأنحيازكم عن صفوفكم، تحوزكم الجفاة الطغام، وأعراب أهل الشام، وأنتم
لهاميم العرب، ويآفيخ الشرف، والأنف المقدم، والسنام الأعظم. الشرح: جولتكم: هزيمتكم. فأجمل في اللفظ، وكنى عن اللفظ
المنفر، عادلاً عنه إلى لفظ لا تنفير فيه، كما قال تعالى: "كانا يأكلان الطعام"، قالوا: هو كناية عن إتيان الغائط، وإجمال في اللفظ. وكذلك
قوله: وانحيازكم عن صفوفكم كناية عن الهرب أيضا؛ وهو من قوله تعالى: "إلا متحرفاً لقتالأومتحيزاً إلى فئة". وتحوزكم:
تعدل بكم عن مراكزكم. والجفاة: جمع جاف؛ وهو الفدم الغليظ. والطغام:
الأوغاد: واللهاميم: جمع لهموم وهو الجواد
من الناس والخيل، قال الشاعر:
واليآفيخ:
جمع يافوخ وهو معظم الشيء، تقول: قد ذهب يافوخ الليل، أي أكثره، ويجوز أن يريد
به اليافوخ، وهو أعلى الرأس، وجمعه يآفيخ أيضاً. وأفخت الرجل: ضربت يافوخه، وهذا أليق، لأنه
ذكر بعده الأنف والسنام، فحمل اليافوخ على العضو إذاً أشبه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له وهي من خطب
الملاحم
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
الحمد لله المتجلي لخلقه بخلقه، والظاهر لقلوبهم بحجته؛ خلق الخلق من غير روية؛
إذ كانت الرويات لا تليق إلا بذوي الضمائر؛ وليس بذي ضمير في نفسه. خرق علمه باطن
كيب السترات، وأحاط بغموض عقائد السريرات. والمشكاة:
كوة غير نافذة؛ يجعل فيها المصباح. والذؤابة؛
طائفة من شعر الرأس، وسرة البطحاء: وسطها، وبنو كعب بن لؤي يفخرون على بني عامر
بن لؤي بأنهم سكنوا البطاح، وسكنت عامر بالجبال المحيطة بمكة، وسكن معها بنو فهر
بن مالك، رهط أبي عبيدة بن الجراح وغيره، قال
الشاعر:
وقال
طريح بن إسماعيل:
وقال
بعض الطالبيين:
الأصل:
ومنها: طبيب دوار بطبه، قد أحكم مراهمه، وأحمى مواسمه؛ يضع ذلك حيث الحاجة إليه؛
من قلوب عمي؛ وأذان صم، وألسنة بكم؛ متتبع بدوائه مواضع الغفلة، ومواطن الحيرة. والمواسم:
حدائد يوسم بها الخيل وغيرها. ثم
ذكر أنه إنما يعالج بذلك من يحتاج إليه؛ وهم أولو القلوب العمي، والأذان الصم،
والألسنة البكم، أي الخرس. وهذا تقسيم صحيح حاصر، لأن الضلال ومخالفة الحق يكون بثلاثة
أمور: إما بجهل القلب،أوبعدم سماع المواعظ
والحجج،أوبالإمساك عن شهادة التوحيد وتلاوة الذكر، فهذه أصول الضلال؛ وأما أفعال
المعاصي ففروع عليها. وهذه قسمة صحيحة، لأن المكلفين: إما كافر،أومؤمن،أوذو المنزلة بين المنزلتين، هكذا قسم أصحابنا الآية على مذهبهم في الوعيد. فقال الحسن:
لم تترك لأحد عذراً. ومن التقسيمات الفاسدة في الشعر قول البحتري:
فالتقسيم
في البيت الأول صحيح، وفي الثاني غير صحيح، لأن المشوق يكون حزيناً، والمسعد يكون
معينا؛ فكذلك يكون عاذراً، ويكون مشوقاً، ويكون حزيناً، وقد وقع المتنبي في مثل
ذلك، فقال:
فإن
المستعظم يكون حاسداً، والحاسد يكون مستعظماً، ومن الأبيات التي ليس تقسيمها
بصحيح، ما ورد في شعر الحماسة:
وذلك
الأن الخيانة أخص من الإثم، والإثم شامل لها لأنه أعم منها فقد دخل أحد القسمين
في الآخر. ويمكن
أن يعتذر له، فيقال عنى بالإثم الكذب نفسه، وكذلك هو المعنى أيضاً بقوله: قولاً
بلا علم، كأنه قال له: إما أن أكون أفشيت سري إليك فخنتني،أولم أفش فكذبت علي،
فأنت فيما أتيت بين أن تكون خائناً أوكاذباً.
ومن ذلك قول بعض الأعراب: النعم ثلاث: نعمة في حال كونها، ونعمة ترجى مستقبلة، ونعمة تأتي غير
محتسبة، فأبقى الله عليك ما أنت فيه، وحقق ظنك فيما ترتجيه، وتفضل عليك بما لم
تحتسبه. وذلك أنه أغفل النعمة الماضية. وأيضاً فإن النعمة التي تأتي غير محتسبة
داخلة في قسم النعمة المستقبلة، وقد صحح القسمة أبو
تمام، فقال:
فإن قلت: فإن
ما عنيت به فساد التقسيم على البحتري والمتنبي يلزمك مثله فيما شرحته، لأن
الأعمى القلب تد يكون أبكم اللسان، أصم السمع. الأصل: لم يستضيئوا
بأضواء الحكمة؛ لم يقدحوا بزناد العلوم الثاقبة؛ فهم في ذلك كالأنعام السائمة، والصخور
القاسية؛ قد أنجابت السرائر لأهل البصائر؛ ووضحت محجة الحق لخابطها، وأسفرت
الساعة عن وجهها، وظهرت العلامة لمتوشمها. الشرح: انجابت:
انكشفت. والمحجة: الطريق. والخابط: السائر على
غير سبيل واضحة. وأسفرت الساعة:
أضاءت وأشرقت، وعن متعلقة بمحذوف، وتقديره: كاشفة عن وجهها. أشباحاً بلا أرواح، أي أشخاصاً لا أرواح لها ولا
عقول، وأرواحاً بلا أشباح؛ يمكن أن يريد به الخفة والطيش، تشبيهاً بروح بلا جسد.
ويمكن أن يعني به نقصهم، لأن الروح غير ذات الجسد ناقصة عن الاعتمال والتحريك
اللذين كانا من فعلها حيث كانت تدير الجسد، ونساكاً بلا صلاح: نسبهم إلى النفاق.
وتجاراً بلا أرباح: نسبهم إلى الرياء وإيقاع الأعمال على غير وجهها. والشعب: القبيلة
العظيمة، وليس التفرق للراية نفسها، بل لنصارها وأصحابها، فحذف المضاف، ومعنى
تفرقهم، أنهم يدعون إلى تلك الدعوة المخصوصة في بلاد متفرقة، أي تفرق ذلك الجمع
العظيم في الأقطار، داعين إلى أمر واحد ويروى بشعبها جمع شعبة. والنفاضة:
ما سقط من الشيء المنفوض، والعكم: العدل، والعكم أيضاً نمط تجعل فيه المرأة
ذخيرتها، وعركت الشيء: دلكته بقوة. والحصيد:
الزرع المحصود. ومعنى استخلاص الفتنة المؤمن أنها تخصه بنكايتها
وأذاها؛ كما قيل: المؤمن ملقى والكافر موقى، وفي الخبر المرفوع: آفات الدنيا
أسرع إلى المؤمن من النار في يبيس العرفج. وتتيه بكم: تجعلكم تائهين، عدى الفعل اللازم بحرف
الجر، كح تقول في ذهب: ذهبت به. والتائه: المتحير. وقوله
ولكل غيبة إياب قد قاله عبيد بن الأبرص، واستثنى من العموم الموت، فقال:
وهو
رأي زنادقة العرب؛ فأما أمير المؤمنين، وهو ثاني صاحب الشريعة التي جاءت بعود
الموتى، فإنه لا يستثني، ويحمق عبيداً في استثنائه. وهتف بكم:
صاح، والرائد: الذي يتقدم المنتجعين لينظر لهم الماء والكلأ. وفي المثل: الرائد لا يكذب أهله. وقلت الداعية مثله، أي الفرقة الداعية.
والكظوم:
الإمساك والسكوت، كظم البعير يكظم كظوماً، إذا أمسك الجرة؛ وهو كاظم، وإبل كظوم
لا تجتر، وقوم كظم ساكتون. وقد روي أكالاً بضم الهمزة على فعال؛ وقالوا: إنه جمع أكل للمأكول كعرق وعراق، وظئر
وظؤار، إلا أنه شاذ عن القياس، ووزن واحدهما مخالف لوزن واحد أكال لو كان جمعا؛
يقول: صار أوساط الناس طعمة للولاة وأصحاب السلاطين، وكالفريسة للأسد. وغار
الماء: سفل لنقصه، وفاض: سال. وتشاجر الناس: تنازعوا وهي المشاجرة، وشجر بين
القوم؛ إذا اختلف الأمر بينهم، واشتجروا؛ مثل تشاجروا. وصار الفسوق نسباً يصير
الفاسق صديق الفاسق؛ حتى يكون ذلك كالنسب بينهم، وحتى يعجب الناس من العفاف؛
لقلته وعدمه. ولبس
الإسلام لبس الفرو؛ وللعرب عادة بذلك؛ وهي أن تجعل الخمل إلى الجسد؛ وتظهر
الجلد؛ والمراد انعكاس الأحكام الإسلامية في ذلك الزمان. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في تمجيد الله
ووصف ملائكته
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: كل
شيء خاشع له، وكل شيء قائم به؛ غنى كل فقير، وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع
كل ملهوف. بيدك ناصية
كل دابة، وإليك مصير كل نسمة. الشرح: قال:
كل شيء خاضع لعظمة الله سبحانه، وكل شيء قائم به، وهذه هي صفته الخاصة، أعني
كونه غنياً عن كل شيء، ولاشيء من الأشياء يغني عنه أصلاً. جاء في الأثر: من اعتز بغير الله ذل، ومن تكثر
بغير الله قل؛ وكان يقال: ليس فقيراً من
استغنى بالله. وقال الحسن: واعجباً للوط نبي الله! قال: "لو أن لي
بكم قوةأوآوي إلى ركن شديد"، أتراه أراد ركناً أشد وأقوى من الله! واستدل العلماء على ثبوت الصانع سبحانه بما دل عليه
فحوى قوله عليه السلام: ومفزع كل ملهوف،
وذلك أن النفوس ببدائهها تفزع عند الشدائد والخطوب الطارقة إلى الالتجاء إلى
خالقها وبارئها، ألا ترى راكبي السفينة عند تلاطم الأمواج، كيف يجأرون إليه
سبحانه اضطراراً لا اختياراً، فدل ذلك على أن العلم به مركوز في النفس؛ قال
سبحانه: "وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون
إلا إياه". وفائدة
ذلك أنه صرف الكلام من خطاب الحاضرين إلى إخبار قوم آخرين بحالهم، كأنه يعدد على
أولئك ذنوبهم ويشرح لهؤلاء بغيهم وعنادهم الحق، ويقبح عندهم ما فعلوه، ويقول:
ألا تعجبون من حالهم كيف دعونا، فلما رحمناهم، واستجبنا دعاءهم، عادوا إلى
بغيهم! وهذه الفائدة لو كانت الآية كلها على صيغة خطاب الحاضر مفقودة. قلت: بل
ههنا منافاة ظاهرة، وذلك لأنه إذا كان قديماً لم يكن جسماً ولا عرضاً، وما ليس
بجسم ولا عرض تستحيل رؤيته، فيستحيل أن يخبر عنه على سبيل المشاهدة. فإن قلت: أفلت
فعل لازم، فما باله عداه؟ قلت: تقدير الكلام: لا يفلت منك فحذف حرف الجر، كما قالوا: استجبتك أي استجبت لك، قال: فلم يستجبه عند ذاك مجيبو قالوا: استغفرت الله الذنوب، أي من الذنوب، وقال
الشاعر:
قوله عليه السلام: ولا يرد أمرك من سخط قضاءك، ولا يستغني عنك من تولى عن
أمرك، تحته سر عظيم، وهو قول أصحابنا في جواب قول المجبرة: لو وقع منا ما لا
يريده لاقتضى ذلك نقصه: إنه لا نقص في ذلك، لأنه لا يريد الطاعات منا إرادة قهر
وإلجاء، ولو أرادها إرادة قهر لوقعت وغلبت إرادته إرادتنا، ولكنه تعالى أراد منا أن نفعل نحن الطاعة اختياراً،
فلا يدل عدم وقوعها منا على نقصه وضعفه، كما لا يدل بالاتفاق بيننا وبينكم عدم
وقوع ما أمر به على ضعفه ونقصه. ومن هذا الباب قوله:
وقوله:
وهن من الإخلاف قبلك والمطل.
ثم
استعظم واستهول خلقه الذي يراه، وملكوته الذي يشاهده، واستصغر واستحقر ذلك،
بالإضافة إلى قدرته تعالى، وإلى ما غاب عنا من سلطانه. ثم تعجب من سبوغ نعمه
تعالى في الدنيا، واستصغر ذلك بالنسبة إلى نعم الآخرة، وهذا حق لأنه لا نسبة
للمتناهي إلى غير المتناهي. أقبلوا على جيفة قد أفتضحوا بأكلها، وأصطلحوا
على حبها، ومن عشق شيئاً أعشى بصره، وأمرض قلبه؛ فهو ينظر بعين غير صحيحة، ويسمع
بأذن غير سميعة؛ قد خرقت الشهوات عقله، وأماتت الدنيا قلبه، وولهت عليها نفسه،
فهو عبد لها، ولمن في يديه شيء منها، حيثما زالت زال إليها، وحيثما أقبلت أقبل
عليها؛ لا ينزجر من الله بزاجر، ولا يتعظ منه بواعظ؛ وهو يرى المأخوذين على
الغرة، حيث لا إقالة لهم ولا رجعة؛ كيف نزل بهم ما كانوا يجهلون، وجاءهم من فراق
الدنيا ما كانوا يأمنون، وقدموا من الآخرة على ما كانوا يوعدون. فغير موصوف ما نزل بهم، أجتمعت عليهم سكرة
الموت، وحسرة الفوت، ففترت لها أطرافهم، وتغيرت لها ألوانهم، ثم أزداد الموت
فيهم ولوجاً، فحيل بين أحدهم وبين منطقه؛ وإنه لبين أهله ينظر ببصره، ويسمع
بأذنه على صحة من عقله، وبقاء من لبه، يفكر فيم أفنى عمره،وفيم أذهب دهره!
ويتذكر أموالاً جمعها أغمض في مطالبها، وأخذها من مصرحاتها ومشتبهاتها، قد لزمته
تبعات جمعها، وأشرف على فراقها، تبقى لمن وراءه ينعمون فيها، ويتمتعون بها،
فيكون المهنأ لغيره، والعبء على ظهره، والمرء قد غلقت رهونه بها، فهو يعض يده
ندامة على ما أصحر له عند الموت من أمره، ويزهد فيما كان يرغب فيه أيام عمره،
ويتمنى أن الذي كان يغبطه بها ويحسده عليها قد حازها دونه، فلم يزل الموت يبالغ
في جسده؛ حتى خالط سمعه، فصار بين أهله لا ينطق بلسانه؛ ولا يسمع بسمعه، يردد
طرفه بالنظر في وجوههم؛ يرى حركات ألسنتهم، ولا يسمع رجع كلامهم، ثم أزداد الموت
التياطاً به، فقبض بصره كما قبض سمعه، وخرجت الروح من جسده، فصار جيفةً بين
أهله، قد أوحشوا من جانبه، وتباعدوا من قربه، لا يسعد باكياً، ولا يجيب داعياً؛
ثم حملوه إلى مخط في الأرض، فأسلموه فيه إلى عمله،وأنقطعوا عن زورته. فأما
أهل الطاعة فأثابهم بجواره، وخلدهم في داره، حيث لا يظعن النزال، ولا تتغير بهم
الحال، ولا الأفزاع، ولا تنالهم الأسقام ولا تعرض لهم الأخطار، ولا تشخصهم
الأسفار. وأما أهل المعصية، فأنزلهم شر دار، وغل الأيدي إلى الأعناق، وقرن
النواصي بالأقدام، وألبسهم سرابيل القطران، ومقطعات النيران، في عذاب قد أشتد
حره، وباب قد أطبق على أهله، في نار لها كلب ولجب، ولهب ساطع، وقصيف هائل، لا
يظعن مقيمها، ولا يفادى أسيرها، ولا تفصم كبولها، لا مدة للدار فتفنى، ولا أجل
للقوم فيقضى.
من
أراد أن يتعلم الفصاحة والبلاغة، ويعرف فضل الكلام بعضه على بعض؛ فليتأمل هذه
الخطبة؛ فإن نسبتها إلى كل فصيح من الكلام - عدا كلام اللهورسوله- نسبة الكواكب
المنيرة الفلكية إلى الحجارة المظلمة الأرضية؛ ثم لينظر الناظر إلى ما عليها من
البهاء، والجلالة والرواء، والديباجة، وما تحدثه من الروعة والرهبة، والمخافة
والخشية؛ حتى لو تليت على زنديق ملحد مصمم على اعتقاد نفي البعث والنشور لهدت
قواه، وأرعبت قلبه، وأضعفت على نفسه، وزلزلت اعتقاده؛ فجزى الله قائلها عن
الإسلام أفضل ما جزى به ولياً من أوليائه! فما أبلغ نصرته له! تارةً بيده وسيفه،
وتارةً بلسانه ونطقه، وتارةً بقلبه وفكره! إن قيل: جهاد وحرب فهو سيد المجاهدين
والمحاربين، وإن قيل: وعظ وتذكير؛ فهو أبلغ
الواعظين والمذكرين، وإن قيل: فقه وتفسير
فهو رئيس الفقهاء والمفسرين، وإن قيل: عدل
وتوحيد، فهو إمام أهل العدل والموحدين:
ثم نعود إلى الشرح،
فنقول: قوله عليه السلام: أسكنتهم سمواتك،
لا يقتضي أن جميع الملائكة في السموات، فإنه قد ثبت أن الكرام الكاتبين في
الأرض، وإنما لم يقتض ذلك؛ لأن قوله: من
ملائكة ليس من صيغ العموم؛ فإنه نكرة في سياق الإثبات. وقد قيل أيضاً: إن ملائكة الأرض تعرج إلى السماء
ومسكنها بها، ويتناوبون على أهل الأرض. وأيضاً
فإن منهم من يشاهد الجنة والنار عياناً، فيكون أخوف لأنه ليس الخبر كالعيان. واعلم أن مسألة تفضيل الملائكة على الأنبياء لها صورتان:
إحداهما أن أفضل بمعنى كونهم أكثر ثواباً، والأخرى كونهم أفضل بمعنى أشرف؛ كما تقول: إن الفلك
أفضل من الأرض، أي أن الجوهر الذي منه جسمية الفلك أشرف من الجوهر الذي منه
جسمية الأرض. وقال
لببد: عبس كواسب لا يمن طعامها. ويجوز
أن تتعلق بمعبود، أي يعبد لذلك.
وفي هذا الكلام دلالة على أن الجنة الآن مخلوقة، وهو مذهب أكثر
أصحابنا. ولو قال قائل:
إن في الجنة زروعاً من البروالقطنية لم يبعد.
وقيل لحكيم:
ما بال الناس لا يرون عيب أنفسهم، كما يرون عيب غيرهم؟ قال:
إن الإنسان عاشق لنفسه، والعاشق لا يرى عيوب المعشوق.
والى
قوله: حيثما زالت زال إليها، وحيثما أقبلت أقبل عليها نظر الشاعر، فقال:
والغرة:
الاغترار والغفلة؛ والغار: الغافل، وقد اغتررت بالرجل، واغتره زيد، أي أتاه على
غرة منه، ويجوز أن يعني بقوله: المأخوذين على الغرة الحداثة والشبيبة، يقول: كان
ذلك في غرارتيوغرتي، أي في حداثتي وصباي.
والمهنأ:
المصدر من هنىء الطعام وهنؤ بالكسر والضم، مثل فقه وفقه، فإن كسرت قلت: يهنأ،
وإن ضممت قلت: يهنؤ، والمصدر هناءة ومهنأ، أي صار هنيئاً، وهنأني الطعام يهنؤني
ويهنئني - ولا نظير له في المهموز- هنأوهناء، وهنئت الطعام، أي تهنأت به، ومنه
قوله تعالى: "فكلوه هنيئاً مريئاً".
فإن قلت:
فما معنى قوله عليه السلام: قد غلقت رهونه بها في هذا الموضع؟ قلت: لما كان قد شارف الرحيل وأشفى على الفراق،
وصارت تلك الأموال التي جمعها مستحقة لغيره، ولم يبق له فيها تصرف، أشبهت الرهن
الذي غلق على صاحبه، فخرج عن كونه مستحقاً له، وصار مستحقاً لغيره وهو المرتهن. ازداد الموت التياطا به؛ أي التصاقاً. وأرج الأرض: زلزلها، تقول: رجت الأرض، وأرجها
الله، ويجوز رجها، وقد روي رج الأرض بغير همزة؛ وهو الأصح، وعليه ورد القرآن: "كلا إذا رجت الأرض رجاً". وغل الأيدي: جعلها في الأغلال، جمع غل بالضم؛
وهو الميد. والقطران:
الهناء، قطرت البعير أي طليته بالقطران، قال: كما قطر المهنوءة الرجل الطالي
وبعير مقطور؛ وهذا من الألفاظ القرآنية، قال تعالى: "سرابيلهم
من قطران وتغشى وجوههم النار"؛ والمعنى أن النار إلى القطران سريعة
جداً. والقصيف:
الصوت الشديد. ثم
ذكر أن عذابهم سرمدي، وأنه لا نهايه له، نعوذ بالله من عذاب ساعة واحدة، فكيف من
العذاب الأبدي! الفرق بين كلام الإمام علي عليه السلام وخطب ابن نباتة ونحن نذكر
في هذا الموضع فصولاً من خطب الفاضل عبد الرحيم بن نباتة رحمه الله؛ وهو الفائز
بقصبات السبق من الخطباء؛ وللناس غرام عظيم بخطبه وكلامه؛ ليتأمل الناظر كلام
أمير المؤمنين عليه السلام
في خطبه ومواعظه؛ وكلام هذا الخطيب
المتأخر الذي قد وقع الإجماع على خطابته وحسنها، وأن مواعظه هي الغاية التي ليس
بعدها غاية. من ذلك قوله:
أيها الناس؛ تجهزوا فقد ضرب فيكم بوق الرحيل، وابرزوا فقد قربت لكم نوق التحويل،
ودعوا التمسك بخدع الأباطيل، والركون إلى التسويف والتعليل؛ فقد سمعتم ما كرر
الله عليكم من قصص أبناء القرى، وما وعظكم به من مصارع من سلف من الورى، مما لا
يعترض لذوي البصائر فيه شك ولا مرا؛ وأنتم معرضون عنه إعراضكم عما يختلق ويفترى؛
حتى كأن ما تعلمون منه أضغاث أحلام الكرى، وأيدي المنايا قد فصمت من أعماركم
أوثق العرا، وهجمت بكم على هول مطلع كريه القرى؛ فالقهقرى رحمكم الله عن حبائل
العطب القهقرى! واقطعوا مفاوز الهلكات بمواصلة السرى، وقفوا على أحداث المنزلين
من شناخيب الذرا، المنجلين بوازع أم حب وكرى، المشغولين بما عليهم من الموت جرى،
واكشفوا عن الوجوه المنعمة أطباق الثرى، تجدوا ما بقي منها عبرة لمن يرى. فرحم الله امرأً رحم نفسه فبكاها، وجعل منها
إليها مشتكاها! قبل أن تعلق به خطاطيف المنون، وتصدق فيه أراجيف الظنون، وتشرق
عليه بمائها مقل العيون؛ ويلحق بمن دثر من القرون، قبل أن يبدو على المناكب
محمولاً، ويغدو إلى محل المصائب منقولاً، ويكون عن الواجب مسؤولاً، وبالقدوم على
الطالب الغالب مشغولاً. هناك يرفع الحجاب، ويوضع الكتاب، وتقطع
الأسباب، وتذهب الأحساب، ويمنع الإعتاب، ويجمع من حق عليه العقاب، ومن وجب له
الثواب، فيضرب بينهم بسور له باب، باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب. واعلم
أنهم كلهم عابوا على أبي الطيب قوله:
وقالوا:
لا تدخل لفظة بوق في كلام يفلح أبداً. ثم
المح هذه الفقر والسجعات، التي أولها القرى ثم المرا ثم يفترى ثم الكرى الى
قوله: عبرة لمن يرى هل ترى تحت هذا الكلام معنى لطيفا،أومقصداً رشيقاً!أوهل تجد
اللفظ نفسه لفظاً جزلاً فصيحاً،أوعذباً معسولاً! وإنما هي ألفاظ قد ضم بعضها إلى
بعض، والطائل تحتها قليل جداً. وتأمل
لفظة مرا فإنها ممدودة في اللغة، فإن كان قصرها فقد ركب ضرورة مستهجنة، وإن أراد
جمع مرية فقد خرج عن الصناعة، لأنه يكون قد عطف الجمع على المفرد، فيصير مثل قول القائل: ما أخذت منه ديناراً ولا
دراهم، في أنه ليس بالمستحسن في فن البيان. ومن هذه الخطبة: فاهجروا رحمكم الله وثير المراقد، وادخروا طيب المكتسب
تخلصوا من انتقاد الناقد، واغتنموا فسحة المهل قبل انسداد المقاصد، واقتحموا سبل
الآخرة على قلة المرافق والمساعد.
ونحو
إيرادهم كلام مسيلمة، وأحمد بن سليمان المعري، وعبد الله بن المقفع، فصلاً
فصلاً، والموازنة والمقايسة بين ذلك وبين القرآن المجيد، وإيضاح أنه لا يبلغ ذلك
إلى درجة القرآن العزيز، ولا يقاربها، فليس بمستنكر
منا أن نذكر كلام ابن نباتة في معرض إيرادنا كلام أمير المؤمنين عليه السلام لتظهر فضيلة كلامه عليه السلام، بالنسبة إلى
هذا الخطيب الفاضل، الذي قد اتفق الناس على أنه أوحد عصره في فنه. الشرح: فعل:
مشدد، للتكثير، قتلت أكثر من قتلت؛ فيقتضي قوله عليه السلام: قد
حقر الدنيا زيادة تحقير النبي صلى الله عليه وسلم لها، وذلك أبلغ في الثناء عليه
وتقريظه. ومحط الرسالة:
منزلها. ومختلف الملائكة: موضع اختلافها في
صعودها ونزولها، وإلى هذا المعنى نظر بعض الطالبيين فقال: يفتخر على بني عم له
ليسوا بفاطميين:
وقال
آخر يمدح قوما فاطميين:
يعني حسناً عليه السلام وحسيناً عليه السلام. وروى أبو أيوب الأنصاري مرفوعاً: لقد صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين لم تصل على ثالث
لنا؛ وذلك قبل أن يظهر أمر الإسلام ويتسامع الناس به. وجاء
في الحديث أنه سمع يوم أحد صوت من الهواء من جهة السماء، يقول: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي، وأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
هذا صوت جبريل. وجاء
في تفسير قوله تعالى: "ام يحسدون الناس على ما
آتاهم الله من فضله" أنها أنزلت في
علي عليه السلام وما خص به من العلم. وجاء في تفسير قوله تعالى: "أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه": أن
الشاهد علي عليه السلام. وروى
المحدثون أيضاً عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه، وموسى في علمه،
وعيسى في ورعه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب". وبالجملة فحاله في العلم حال رفيعة جداً لم
يلحقه أحد فيها ولا قاربه. وحق له أن يصف نفسه بأنه معادن العلم وينابيع الحكم،
فلا أحد أحق بها منه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن قلت:
كيف قال: عدونا ومبغضنا ينتظر السطوة، ونحن نشاهد أعداءه ومبغضيه، لا ينتظرونه قلت: لما كانت منتظرة لهم ومعلوماً بيقين حلولها
بهم، صاروا كالمنتظرين لها. وأيضاً فإنهم ينتظرون الموت لا محالة الذي كل إنسان
ينتظره؛ ولما كان الموت مقدمة العقاب وطريقاً إليه جعل انتظاره انتظار ما يكون
بعده. الأصل: إن أفضل ما
توسل به المتوسلون إلى الله سبحانه وتعالى، الإيمان به وبرسوله، والجهاد في
سبيله، فإنه ذروة الإسلام، وكلمة الإخلاص، فإنها الفطرة،وإقام الصلاة فإنها
الملة، وإيتاء الزكاة فإنها فريضة واجبة. وصوم شهر رمضان فإنه جنة من العقاب، وحج
البيت واعتماره، فإنهما ينفيان الفقرويرحضان الذنب، وصلة الرحم فإنها مثراة في
المالومنسأة في الأجل، وصدقة السر فإنها تكفر الخطيئة، وصدقة العلانية فإنها
تدفع ميتة السوء، وصنائع المعروف فإنها تقي مصارع الهوان. وإن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي
لا يستفيق من جهله؛ بل الحجة عليه أعظم والحسرة له ألزم؛ وهو عند الله ألوم. وقد ذهب إلى أن ماهية الإيمان هو مجرد التصديق
القلبي جماعة من المتكلمين وهو وإن لم يكن مذهب
أصحابنا، فإن لهم أن يقولوا: إن أمير المؤمنين رضي الله عنه جاء
بهذا اللفظ على أصل الوضع اللغوي لأن الإيمان في أصل اللغة هو التصديق، قال
سبحانه وتعالى: "وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا
صادقين"، أي لست بمصدق لنا، لا إن كنا صادقين، ولا إن كنا كاذبين.
ومجيئه رضي الله عنه على أصل الوضع اللغوي لا يبطل
مذهبنا في مسمى الإيمان لأنا نذهب إلى أن الشرع استجد لهذه اللفظة مسمى
ثانياً، كما نذهب إليه في الصلاة والزكاة وغيرهما،
فلا منافاة إذاً بين مذهبنا وبين ما أطلقه رضي الله عنه. وسادسها: صوم شهر
رمضان وهو أضعف وجوباً من الزكاة، وجعله جنة من العقاب، أي سترة. قال: فإنها تكفر
الخطيئة، والتكفير هو إسقاط عقاب مستحق بثواب أزيد منه أو توبة وأصله في اللغة
الستر والتغطية، ومنه الكافر لأنه يغطي الحق، وسمي البحر كافراً لتغطيته ما
تحته، وسمي الفلاح كافراً لأنه يغطي الحب في الأرض المحروثة. فإن قالوا:
إنما أراد أحسن الكلام، قلنا: لعمري إنه
كذلك، ولكنه لا يطلق على الكلام القديم لفظة حديث لأنه
إنما سمي الكلام والمحاورة والمخاطبة حديثاً لأنه أمر يتجدد حالاً فحالاً،
والقديم ليس كذلك. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في وصف الدنيا
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما بعد،
فإني أحذركم الدنيا فإنها حلوة خضرة، حفت بالشهوات، وتحببت بالعاجلة، وراقت
بالقليل، وتحلت بالآمال، وتزينت بالغرور. لا تدوم حبرتها، ولا تؤمن فجعتها. غرارة ضرارة،
حائلة زائلة، نافدة بائدة، أكالة غوالة، لا تعدو إذا تناهت إلى أمنية أهل الرغبة
فيها والرضاء بها أن تكون كما قال الله تعالى: "كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض
فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدراً" . كم من واثق بها قد فجعته، وذي طمأنينة قد صرعته،
وذي أبهة قد جعلته حقيراً، وذي نخوة قد ردتة ذليلاً. سلطانها دول، وعيشها رنق،
وعذبها أجاج، وحلوها صبر، وغذاؤها سمام، وأسبابها رمام. حيها بعرض موت، وصحيحها
بعرض سقم. ملكها مسلوب، وغزيرها مغلوب، وموفورها منكوب،
وجارها محروب. تعبدوا للدنيا أي تعبد، وآثروها أي إيثار، ثم ظعنوا
عنها بغير زاد مبلغ، ولا ظفر قاطع. فهل بلغكم أن الدنيا سخت لهم نفساً بفدية، أو
أعانتهم بمعونة، أو أحسنت لهم صحبة! بل أرهقتهم بالفوادح، وأوهقتهم بالقوارع،
وضعضعتهم بالنوائب،وعفرتهم للمناخر، ووطئتهم بالمناسم، وأعانت عليهم ريب المنون. فقد رأيتم
تنكرها لمن دان لها، وآثرها، وأخلد إليها، حين ظعنوا عنها لفراق الأبد. واتعظوا فيها بالذين قالوا: "من أشد منا قوة". حملوا إلى قبورهم فلا يدعون ركباناً، وأنزلوا
الأجداث فلا يدعون ضيفاناً، وجيل لهم من الصفيح أجنان، ومن التراب أكفان، ومن
الرفات جيران. فهم جيرة لا يجيبون داعياً، ولا يمنعون ضيماً، ولا يبالون مندبة. إن جيدوا لم يفرحوا، وإن قحطوا لم يقنطوا، جميع وهم
آحاد، وجيرة وهم أبعاد، متدانون لا يتزاورون، وقريبون لا يتقاربون. وحائلة:
متغيرة. ونافدة:
فانية. وبائدة:
منقضية. وأكالة: قتالة، وغوالة:
مهلكة. والغول:
ما غال، أي أهلك ومنه المثل: الغضب غول الحلم. وتذروه الرياح: تطيره.
وكان الله على ما يشاء، من الإنشاء والإفناء، مقتدراً. وقيل:
لأن الترس بطنه إليك وظهره إلى عدوك، وقيل:
لأن المشي في بطون الأودية أسهل من السير على الظراب والآكام. قوله:
وحري، أي جدير وخليق، يقال: بالحرى أن يكون
هذا الأمر كذا، وهذا الأمر محراة لذلك، أي مقمنة، مثل محجاة، ويا أحراه مثل ما
أحجاه، وأحر به، مثل أحج به، وتقول: هو حرى
أن يفعل ذلك بالفتح، أي جدير وقمين، لا يثنى ولا يجمع، قال
الشاعر:
فإذا قلت:
هو حر بكسر الراء وحري بتشديدها على فعيل ثنيت وجمعت، قلت:
هما حريان وحريان، وحرون مثل عمون، وأحراء أيضاً، وفي المشدد حريون وأحرياء، وهي
حرية وحرية وهن حريات وحريات وحرايا.
وارتفع
جانب المذكور بعد إن لأنه فاعل فعل مقدر يفسره الظاهر، أي وإن اعذوذب جانب منها،
لأن إن لا تقتضي الفعل وتطلبه فهي إذا في قوله تعالى: "إذا
السماء أنشقت".
والهاء
في جناحه ترجع إلى الممدوح بهذا الشعر. والرنق،
بفتح النون، مصدر رنق الماء، أي تكدر وبالكسر الكدر، وقد
روي ههنا بالفتح والكسر، فالكسر ظاهر، والفتح على تقدير حذف المضاف، أي
ذو رنق. والصبر، بكسر الباء: هذا النبات المر نفسه، ثم سمي كل مر صبراً. والسمام:
جمع سم لهذا القاتل، يقال سم وسم، بالفتح والضم، والجمع سمام وسموم. وموفورها: ذو الوفر والثروة منها، والمحروب: المسلوب، أي لا تحمي جاراً ولا تمنعه. وأما بعد الآمال فمرتب على طول الأعمار، فكلما
كانت أطول كانت الآمال أبعد، وإن عنى به علو الهمم، فلا ريب أنهم أعلى همماً من
أهل هذا الزمان وقد كان فيهم من ملك معمورة الأرض كلها، وكذلك القول في أعد
عديداً، وأكثف جنوداً، والعديد: العدو
الكثير وأعد منهم، أي أكثر. قوله: ولا ظهر قاطع، أي قاطع لمسافة الطريق.
وضعضعت البناء:
أهدمته. والمناسم:
جمع منسم، بكسر السين وهو خف البعير. ودان لها:
أطاعها، ودان لها أيضاً: ذل. وأخلد إليها:
مال، قال تعالى: "ولكنه أخلد إلى الأرض".
ومعنى قوله: أو
نورت لهم إلا الظلمة أي بالظلمة وهذا كقوله:
هل زودتهم إلا السغب. وهو من باب إقامة الضد مقام الضد، أي لم تسمح
لهم بالنور بل بالظلمة. والضنك:
الضيق. ثم قال:
فبئست الدار، وحذف الضمير العائد إليها وتقديره هي كما قال تعالى: "نعم العبد"، وتقديره: ومن لم يتهمها: من لم يسؤ ظناً بها. والصفيح:
الحجارة. والأجنان:
القبور، الواحد جنن، والمجنون: المقبور، ومنه قول الأعرابية: لله درك من مجنون في
جنن. والأكنان:
جمع كن: وهو الستر، قال تعالى: "وجعل لكم من
الجبال أكناناً". والمندبة:
الندب على الميت. لا يبالون بذلك: لا يكترثون به. وجيدوا:
مطرواً. وقحطوا:
انقطع المطر عنهم فأصابهم القحط، وهو الجدب وإلى معنى قوله رضي الله عنه: فهم جيرة لا يجيبون داعياً، ولا يمنعون ضيماً، جميع وهم
آحاد، وجيرة وهم أبعاد، متدانون لا يتزاورون، وقريبون لا يتقاربون نظر البحتري، فقال:
وقد
قال الشعراء والخطباء في هذا المعنى كثيراً، فمن ذلك
قول الرضي أبي الحسن رحمه الله في مرثيته لأبي
إسحاق الصابي:
فقوله:
بادون في صور الجميع. البيت، هو
قوله صلى الله عليه وسلم: "جميع وهم آحاد" بعينه. وقال الرضي رحمه الله
تعالى أيضاً:
قوله:
قربت ضرائحهم البيت هو معنى قوله رضي الله عنه: وجيرة، وهم أبعاد بعينه. ومن هذا
المعنى قول بعض الأعراب:
ومن كلام ابن نباتة: وحيداً على كثرة الجيران، بعيداً على قرب المكان. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
يذكر فيها ملك الموت
وتوفية الأنفس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: هل يحس به
إذا دخل منزلاً، أم هل تراه إذا توفى أحداً! بل كيف يتوفى الجنين في بطن أمه.
أيلج عليه من بعض جوارحها، أم الروح أجابته بإذن ربها، أم هو ساكن معه في
أحشائها! كيف يصف إلهه من يعجز عن صفة مخلوق مثله! الشرح:
أما مذهب جمهور أصحابنا وهم النافون للنفس الناطقة فعندهم أن الروح جسم لطيف
بخاري، يتكون من ألطف أجزاء الأغذية، ينفذ في العروق الضوارب، والحياة عرض قائم
بالروح وحال فيها، فللدماغ روح دماغية وحياة حالة فيها وكذلك للقلب، وكذلك للكبد
وعندهم أن لملك الموت أعواناً، تقبض الأرواح بحكم النيابة عنه لولا ذلك لتعذر
عليه وهو جسم أن يقبض روحين في وقت واحد في المشرق والمغرب لأن الجسم الواحد لا
يكون في مكانين في وقت واحد. قال أصحابنا: ولا يبعد أن يكون الحفظة الكاتبون هم
القابضين للأرواح عند انقضاء الأجل، قالوا: وكيفية القبض ولوج الملك من الفم إلى
القلب، لأنه جسم لطيف هوائي لا يتعذر عليه النفوذ في المخارق الضيقة، فيخالط
الروح التي هي كالشبيهة به، لأنها جسم لطيف بخاري، ثم يخرج من حيث دخل وهي معه،
وإنما يكون ذلك في الوقت الذي يأذن الله تعالى له فيه وهو حضور الأجل، فألزموا
على ذلك أن يغوص الملك في الماء مع الغريق ليقبض روحه تحت الماء فالتزموا ذلك، وقالوا: ليس بمستحيل أن يتخلل الملك الماء في مسام
الماء فإن فيه مسام ومنافذ، وفي كل جسم على قاعدتهم في إثبات الماء في الأجسام.
ثم تركت همزته لكثرة الاستعمال، فقيل: ملك، فلما جمع ردت الهمزة
إليه، فقالوا: ملائكة وملائك، قال أمية بن أبي الصلت:
والتوفي:
الإماتة وقبض الأرواح، قال الله تعالى: "الله
يتوفى الأنفس حين موتها". والقسم الثاني ينقسم
قسمين: أحدهما
أن يلج جوف أمه لقبض روحه فيقبضها، والثاني أن
يقبضها من غير حاجة إلى الولوج إلى جوفها وذلك بأن تطيعه الروح وتكون مسخرة إذا
أراد قبضها امتدت إليه فقبضها. وهذه القسمة لا يمكن
الزيادة عليها، ولو قسمها واضع المنطق لما زاد. ثم
خرج إلى أمر آخر أعظم وأشرف مما ابتدأ به، فقال: كيف يصف إلهه من يعجز عن وصف
مخلوق مثله وإلى هذا الغرض كان يترامى، وإياه كان يقصد وإنما مهد حديث الملك
والجنين توطئة لهذا المعنى الشريف، والسر الدقيق. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض الأشعار في التخلص
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وهذا
الفن يسميه أرباب علم البيان التخلص، وأكثر ما يقع في الشعر، كقول أبي نواس:
ومن
ذلك قول أبي تمام:
ومنه
قول البحتري:
ومنه
قول المتنبي وهو يتغزل بأعرابية، وبصف بخلها وجبنها وقلة مطعمها وهذه كلها من
الصفات الممدوحة في النساء خاصة:
وهذا
من لطيف التخلص ورشيقه، والتخلص مذهب الشعراء، والمتأخرون يستعملونه كثيراً،
ويتفاخرون فيه ويتناضلون، فأما التخلص في الكلام المنثور فلا يكاد يظهر لمتصفح
الرسالة أو الخطبة إلا بعد تأمل شديد وقد وردت منه مراضع في القرآن العزيز فمن
أبينها وأظهرها أنه تعالى ذكر في سورة الأعراف
الأمم الخالية والأنبياء الماضين من لدن آدم عليه الصلاة والسلام، إلى أن انتهى
إلى قصة موسى، فقال في آخرها بعد أن شرحها وأوضحها:
"واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا فلما
أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا
إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي في تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا
وأنت خير الغافرين؛ واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال
عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة
والذين هم بأياتنا يؤمنون؛ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً
عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات
ويحرم عليه الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به
وعزروه. ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون". وهذا من التخلصات اللطيفة المستحسنة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
شواهد في الاستطراد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أن من أنواع علم البيان نوعاً يسمى الاستطراد، وقد يسمى
الالتفات، وهو من جنس التخلص وشبيه به، إلا أن الاستطراد هو أن تخرج بعد أن تمهد ما تريد أن تمهده
إلى الأمر الذي تروم ذكره فتذكره، وكأنك غير قاصد لذكره بالذات، بل قد حصل ووقع
ذكره بالعرض عن غير قصد، ثم تدعه وتتركه، وتعود إلى الأمر الذي كنت في تمهيده،
كالمقبل عليه، وكالملغي عما استطردت بذكره، فمن ذلك
قول البحتري وهو يصف فرساً:
ألا تراه كيف استطرد بذكر حمدويه الأحول الكاتب، وكأنه لم يقصد ذلك ولا أراده وإنما
جرته القافية، ثم ترك ذكره وعاد إلى وصف الفرس ولو أقسم إنسان أنه ما بنى
القصيدة منذ افتتحها إلا على ذكره، ولذلك أتى بها على روي اللام، لكان صادقاً. فهذا هو الاستطراد. ومن الفرق بينه وبين التخلص أنك متى شرعت في ذكر الممدوح أو المهجو تركت ما كنت فيه من
قبل بالكلية وأقبلت على ما تخلصت إليه من المديح والهجاء بيتاً بعد بيت حتى
تنقضي القصيدة، وفي الاستطراد تمر على ذكر
الأمر الذي استطردت به مروراً كالبرق الخاطف ثم تتركه وتنساه، وتعود إلى ما كنت
فيه كأنك لم تقصد قصد ذاك، وإنما عرض عروضاً. وإذا فهمت الفرق فاعلم
أن الآيات التي تلوناها إذا حققت وأمعنت النظر، من باب الاستطراد، لا من باب
التخلص،
وذلك لأنه تعالى قال بعد قوله: "وأتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون قل
يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله
إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته
وأتبغوه لعلكم تهتدون؛ ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون؛ وقطعناهم أثنتي
عشرة أسباطاً أمماً وأوحينا إلى موسى إذ أستسقاه قومه أن أضرب بعصاك الحجر
فانبجست منه أثنتا عشرة عيناً قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام
وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا
أنفسهم يظلمون". فعاد إلى ما كان فيه أولاً، ثم مر في هذه القصة، وفي أحوال موسى وبني إسرائيل حتى قارب
الفراغ من السورة.
فلو
أتم متغزلاً لكان مستطرداً لا محالة، ولكنه نقض الاستطراد، وغمس يده في المدح، فقال بعد هذا البيت:
ومضى على ذلك إلى آخرها.
ولقد ظرف وملح أبو إسحاق في هذه الأبيات، ومتى خلا أو عرى عن الظرف والملاحة،
ولقد كان ظرفاً ولباقة كله. وليس من الاستطراد ما زعم ابن الأثير الموصلي
في كتابه المسمى بالمثل السائر أنه استطراد وهو قول
بعض شعراء الموصل يمدح قرواش بن المقلد، وقد أمره أن يعبث بهجاء وزيره
سليمان بن فهد، وحاجبه أبي جابر ومغنيه المعروف بالبرقعيدي،
في ليلة من ليالي الشتاء وأراد بذلك الدعابة والولع بهم، وهم في مجلس في شراب وأنس، فقال وأحسن فيما قال:
وذلك لأن الشاعر
قصد إلى هجاء كل واحد منهم، ووضع الأبيات لذلك، وأمره قرواش رئيسهم وأميرهم
بذلك، فهجاهم ومدحه ولم يستطرد، وهذه الأبيات
تشبيهات كلها مقصود بها الهجاء، لم يأت بالعرض في الشعر كما يأتي الاستطراد، وهذا غلط من مصنف الكتاب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة في التحذير من
أمر الدنيا.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
وأحذركم الدنيا فإنها منزل قلعة، وليست بدار نجعة، قد تزينت بغرورها، وغرت
بزينتها. دار
هانت على ربها فخلط حلالها بحرامها، وخيرها بشرها، وحياتها بموتها، وحلوها
بمرها. لم يصفها الله تعالى لأوليائه، ولم يضن بها عن
أعدائه. خيرها
زهيد، وشرها عتيد، وجمعها ينفد، وملكها يسلب. وعامرها
يخرب. فما
خير دار تنقض نقض البناء، وعمر يفنى فيها فناء الزاد، ومدة تنقطع أنقطاع السير
اجعلوا ما أفترض الله عليكم من طلبتكم، واسألوه من أداء حقه كما سألكم وأسمعوا
دعوة الموت آذانكم قبل أن يدعى بكم. ويقال: هذا مجلس قلعة، إذا كان صاحبه يحتاج
إلى أن يقوم مرة بعد مرة. ويقال:
هم على قلعة، أي على رحلة، ومن هذا الباب قولهم:
فلان قلعة، إذا كان ينقلع عن سرجه، ولا يثبت في البطش والصراع، والقلعة أيضاً: المال العارية، وفي الحديث: بئس
المال القلعة. الكلام،
مراده تفضيل الدار الآتية على هذه الحاضرة، فإن تلك صفو كلها وخير كلها وهذه
مشوبة والكدر والشر فيها أغلب من الصفو والخير. ومن كلام بعض الصالحين: من هوان الدنيا على الله أنه لا يعصى إلا فيها، ولا ينال ما
عنده إلا بتركها. ويروى:
ولم يضن بها على أعدائه، والرواية المشهورة عن أعدائه، وكلاهما مستعمل. والسير:
سير المسافر.
ثم
أمرهم أن يسمعوا أنفسهم دعوة الموت قبل أن يحضر الموت، فيحل بهم. ومثل قوله:
تبكي قلوبهم وإن ضحكوا قول الشاعر، وإن لم يكن هذا المقصد بعينه قصد:
والمقت:
البغض: واغتبطوا: فرحوا. وقوله:
والعاجلة أذهب لكم من الآجلة أي ذهبت العاجلة بكم واستولت عليكم أكثر مما ذهبت
بكم الآخرة، واستولت عليكم. ثم
ذكر أن الناس كلهم مخلوقون على فطرة واحدة، وهي دين الله وتوحيده وإنما اختلفوا
وتفرقوا باعتبار أمر خارجي عن ذلك وهو خبث سرائرهم وسوء ضمائرهم، فصاروا إلى حال
لا يتوازرون، أي لا يتعاونون، والأصل الهمز، آزرته، ثم تقلب الهمزة واواً، وأصل قوله: فلا توازرون فلا تتوازرون فحذفت إحدى التاءين،
كقوله تعالى: "مالكم لا تناصرون"،
أي لا تتناصرون، والتباذل: أن يجود بعضهم على بعض بماله ويبذله له.
والضمير
في يخاف راجع إلى الأخ لا إلى المستقبل له أي ما يخافه الأخ من مواجهته بعينه. فقال للحسين بن علي رضي الله عنه،
ولقد لقيه قادماً إلى العراق، وسأله عن الناس: أما
قلوبهم فمعك، وأما سيوفهم فعليك، والدين لعقة على ألسنتهم، فإذا امتحصوا قل
الديانون، واللفظة مجاز، وأصل اللعقة شيء قليل يؤخذ بالملعقة من الإناء،
يصف دينهم بالنزارة والقلة كتلك اللعقة، ولم يقنع بأن جعله لعقة حتى جعله على
ألسنتهم فقط، أي ليس في قلوبهم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في الحفر على
التقوى
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: الحمد لله
الواصل الحمد بالنعم، والنعم بالشكر نحمده على آلائه كما نحمده على بلائه،
ونستعينه على هذه النفوس البطاء عما أمرت به، السراع إلى ما نهيت عنه. ونستغفره مما أحاط به علمه، وأحصاه كتابه علم غير
قاصر وكتاب غير مغادر. ونؤمن به إيمان من عاين الغيوب، ووقف على الموعود
إيماناً نفى إخلاصه الشرك، ويقينه الشك. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن
محمداً ولى الله عليه وأله وسلم عبده ورسوله، شهادتين تصعدان القول، وترفعان
العمل لا يخف ميزان توضعان فيه، ولا يثقل ميزان ترفعان منه. ما فات اليوم من الرزق رجي غداً زيادته، وما فات
أمس من العمر لم يرج اليوم رجعته. الرجاء مع الجائي، واليأس مع الماضي، فاتقوا الله
حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون! الشرح: لقائل أن يقول: أما كونه واصل الحمد له من
عباده بالنعم منه عليهم فمعلوم فكيف قال:
إنه يصل النعم المذكورة بالشكر، والشكر من أفعال العباد وليس من أفعاله ليكون
واصلاً للنعم به. وجواب هذا القائل، هو أنه لما وفق العباد للشكر
بعد أن جعل وجوبه في عقولهم مقرراً، وبعد أن أقدرهم عليه، صار كأنه الفاعل له،
فأضافه إلى نفسه توسعاً، كما يقال: أقام
الأمير الحد، وقتل الوالي اللص؛ فأما حمده سبحانه على البلاء كحمده على الآلاء فقد تقدم القول فيه. ومن الكلام المشهور:
سبحان من لا يحمد على المكروه سواه، والسر فيه أنه تعالى إنما يفعل المكروه بنا
لمصالحنا، فإذا حمدناه عليه فإنما حمدناه على نعمة أنعم بها، وإن كانت في الظاهر
بلية وألماً. وهذا ترتيب
صحيح منتظم. دعا
إليها أسمع داع: يعني البارئ سبحانه لأنه أشد الأحياء إسماعاً لما يدعوهم إليه
وبناء أفعل ههنا من الرباعي، كما جاء ما أعطاه للمال وما أولاه للمعروف! وأنت أكرم
لي من زيد، أي أشد إكراماً وهذا المكان أقفر من غيره، أي أشد إقفاراً، وفي المثل
أفلس من ابن المذلق، وروي: دعا إليها أحسن
داع، أي أحسن داع دعا، ولا بد من تقدير هذا المميز لأنه تعالى لا توصف ذاته
بالحسن، وإنما يوصف بالحسن أفعاله. والتقوى:
خشية الله سبحانه ومراقبته في السر والعلن، والخشية أصل الطاعات، وإليها وقعت
الإشارة بقوله تعالى: "إن أكرمكم عند الله
أتقاكم"، وقوله سبحانه: "ومن يتق
الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب".
أي
شهدنا فيه سليماً، وقد اتسعوا فأضافوا الى الظروف فقالوا:
وقال
تعالى: "بل مكر الليل والنهار"
فأخرجوهما بالإضافة عن الظرفية. واستقربوا الأجل رأوه قريباً. وقوله:
فلاحظوا الأجل يعني الموت نفسه. ولا تؤسى جراحه: لا تطب ولا تصلح، أسوت الجرح، أي أصلحته. ولا ينقع:
لا يروى شرب حتى نقع، أي شفى غليله، وماء ناقع وهو كالناجع، وما رأيت شربة أنقع
منها.
وقال
آخر:
قوله:
ومن غيرها أنك ترى المرحوم مغبوطاً والمغبوط مرحوماً، أي يصير الفقير غنياً
والغني فقيراً، وقد فسره قوم فقالوا: أراد
أنك ترى من هو في باطن الأمر مرحوم، مغبوطاً، وترى من هو في باطن الأمر مغبوط،
مرحوماً، أي تحسب ذاك وتتخيله وهذا التأوبل غير صحيح، لأن
قوله بعده: ليس ذلك إلا نعيماً زل، وبؤساً نزل، يكذبه ويصدق التفسير الأول. وأضحى
فيئها، من أضحى الرجل إذا برز للشمس، ثم قال: لا جاء يرد ولا ماض يرتد أي يسترد
ويسترجع، أخذه أبو العتاهية فقال:
وإلى
قوله: ما أقرب الحي من الميت للحاقه به، وما أبعد الميت من الحي لانقطاعه عنه
نظر الشاعر، فقال:
فإن قلت:
ما وجه تقسيمه رضي الله عنه الأمور التي عددها إلى الفناء والعناء، والغير
والعبر قلت: لقد أصاب الثغرة وطبق المفصل
ألا تراه ذكر في الفناء رمي الدهر الإنسان عن قوس الردى، وفي العناء جمع ما لا
يأكل، وبناء ما لا يسكن، وفي الغير الفقر بعد الغنى والغنى بعد الفقر، وفي العبر
اقتطاع الأجل الأمل فقد ناط بكل لفظة ما يناسبها.
إلا أن أمير المؤمنين رضي الله عنه استثنى العقاب والثواب، والشاعر
جعل مكانهما فاعل الخير والشر.
ولهذا
يحرص الواحد منا على الأمر، فإذا بلغه برد وفتر، ولم يجده كما كان يظن في اللذة،
ويوصف لنا البلد البعيد عنا بالخصب والأمن والعدل، وسماح أهله، وحسن نسائه، وظرف
رجاله، فإذا سافرنا إليه لم نجده كما وصف بل ربما وجدنا القليل من ذلك، ويوصف
لنا الإنسان الفاضل بالعلم بفنون من الآداب والحكم، ويبالغ الواصفون في ذلك. فإذا
اختبرناه وجدناه دون ما وصف وكذلك قد يخاف الإنسان حبساً أو ضرباً أو نحوهما
فإذا وقع فيهما هان ما كان يتخوفه، ووجد الأمر دون ذلك، وكذلك القتل والموت فإن
ما يستعظمه الناس منهما دون أمرهما في الحقيقة، وقد
قال أبو الطيب وهو حكيم الشعراء:
ويقال في المثل:
لج الخوف تأمن. وأما أحوال الآخرة فلا ريب أن الأمر فيها
بالضد من ذلك لأن الذي يتصوره الناس من الجنة، أنها أشجار وأنهار ومأكول ومشروب،
وجماع، وأمرها في الحقيقة أعظم من هذا وأشرف، لأن ملاذها الروحانية المقارنة
لهذه الملاذ المضادة لها أعظم من هذه الملاذ بطبقات عظيمة، وكذلك أكثر الناس يتوهمون
أن عذاب النار يكون أياماً وينقضي كما يذهب إليه المرجئة، أو أنه لا عذاب بالنار
لمسلم أصلاً كما هو قول الخلص من المرجئة، وأن أهل النار يألفون عذابها فلا
يستضرون به إذا تطاول الأمد عليهم، وأمر العذاب أصعب مما يظنون خصوصاً على
مذهبنا في الوعيد ولو لم يكن إلا آلام النفوس باستشعارها سخط الله تعالى عليها،
فإن ذلك أعظم من ملاقاة جرم النار لبدن الحي.
ثم قال:
فكم من منقوص في دنياه وهو رابح في آخرته، وكم من مزيد في دنياه وهو خاسر في
آخرته. ثم قال:
إن الذي أمرتم به أوسع من الذي نهيتم عنه، وما أحل لكم أكثر مما حرم عليكم
الجملة الأولى هي الجملة الثانية بعينها، وإنما أتى بالثانية تأكيداً للأولى
وإيضاحاً لها، ولأن فن الخطابة والكتابة هكذا هو، وينتظم كلتا الجملتين معنى
واحد، وهو أن فيما أحل الله غنى عما حرم، بل الحلال أوسع ألا ترى أن المباح من
المآكل والمشارب أكثر عدداً وأجناساً من المحرمات فإن المحرم ليس إلا الكلب
والخنزير وأشياء قليلة غيرهما، والمحرم من المشروب الخمر ونحوها من المسكر وما
عدا ذلك حلال أكله وشربه، وكذلك القول في النكاح والتسري، فإنهما طريقان مهيعان
إلى قضاء الوطر، والسفاح طريق واحد والطريقان أكثر من الطريق الواحد. وأيضاً فإنه لما كان كثير من الأمور التي
عددناها مندوباً أطلق عليه لفظ الأمر، لأن المندوب مأمور به وذلك كالنكاح
والتسري وأكل اللحوم التي هي سبب قوة البدن، وشرب ما يصلح المزاج من الأشربة
التي لا حرج في استعمالها. وقال بعض العقلاء
لبنيه: يا بني إنه ليس كل شيء من اللذة ناله أهل الخسارة بخسارتهم إلا
ناله أهل المروءة والصيانة بمروءتهم وصيانتهم فاستتروا بستر الله، ودخل إنسان
على علي بن موسى الرضا رضي الله عنه، وعليه
ثياب مرتفعة القيمة فقال: يا بن رسول الله، أتلبس مثل هذا، فقال له: من حرم زينة
الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق. ثم
أمر بالعمل والعبادة. ونهى عن الحرص على طلب الرزق، فقال: إنكم أمرتم بالأول وضمن لكم الثاني، فلا تجعلوا
المضمون حصوله لكم هو المخصوص بالحرص والاجتهاد بل ينبغي أن يكون الحرص
والاجتهاد فيما أمرتم بعمله وهو العبادة. وقد
يتوهم قوم أنه ارتفع طلبه بالمضمون، كقولك:
المضروب أخوه وهذا غلط لأنه لم يضمن طلبه، وإنما ضمن حصوله ولكنه ارتفع لأنه
مبتدأ وخبره أولى وهذا المبتدأ والخبر في موضع نصب، لأنه خبر يكونن أو ارتفع
لأنه بدل من المضمون وهذا أحسن وأولى من الوجه الأول وهو بدل الاشتمال. وهذا
الكلام يقتضي أن العمر مقدور، وأن المكاسب والأرزاق إنما هي بالاجتهاد، وليست
محصورة مقدرة، وهذا يناقض في الظاهر ما تقدم من قوله: إن الرزق مضمون فلا تحرصوا
عليه، فاحتاج الكلام إلى تأويل، وهو أن العمر هو الظرف الذي يوقع المكلف فيه
الأعمال الموجبة له السعادة العظمى، المخلصة له من الشقاوة العظمى وليس له ظرف
يوقعها فيه إلا هو خاصة، فكل جزء منه إذا فات من غير عمل لما بعد الموت، فقد فات
على الإنسان بفواته ما لا سبيل له استدراكه بعينه ولا اغترام مثله، لأن المثل
الذي له إنما هو زمان آخر، وليس ذلك في مقدور الإنسان، والزمان المستقبل الذي
يعيش فيه الإنسان لم يكتسبه هو لينسب إليه، فيقال: إنه حصله عوضاً مما انقضى
وذهب من عمره وإنما هو فعل غيره ومع ذلك فهو معد ومهيأ لأفعال من العبادة توقع
فيه، كما كان الجزء الماضي معداً لأفعال توقع فيه، فليس أحدهما عوضاً عن الآخر
ولا قائماً مقامه، وأما المنافع الدنيوية كالمآكل والمشارب والأموال، فإن
الإنسان إذا فاته شيء منها قدر على ارتجاعه بعينه، إن كانت عينه باقية، وما لا
تبقى عينه يقدر على اكتساب مثله، والرزق وإن كان مضموناً من الله إلا أن للحركة
فيه نصيباً، إما أن يكون شرطاً أو أن يكون هو بذاته من أثر قدرة الإنسان، كحركته
واعتماده وسائر أفعاله، ويكون الأمر بالتوكل والنهي عن الاجتهاد في طلب الرزق
على هذا القول، إنما هو نهي عن الحرص والجشع والتهالك في الطلب فإن ذلك قبيح يدل
على دناءة الهمة وسقوطها.
وقوله:
حق تقاته، أي حق تقيته، أي خوفه، اتقى يتقي تقية وتقاة، ووزنها فعلة وأصلها
الياء، ومثلها أتخم تخمة: واتهم تهمة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في الاستسقاء
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: اللهم قد
انصاحت جبالنا، واغبرت أرضنا، وهامت دوابنا، وتحيرت في مرابضها، وعجت عجيج
الثكالى على أولادها، وملت التردد في مراتعها، والحنين إلى مواردها اللهم فارحم
أنين الآنة، وحنين الحانة. اللهم فارحم حيرتها في مذاهبها، وأنينها في موالجها
اللهم خرجنا إليك حين اعتكرت علينا حدابير السنين، واخلفتنا مخايل الجود فكنت
الرجاء للمبتئس، والبلاغ للملتمس، ندعوك حين قنط الأنام، ومنع الغمام، وهلك
السوام ألا تؤاخذنا بأعمالنا ولا تآخذنا بذنوبنا وأنشر علينا رحمتك بالسحاب
المنبعق، والربيع المغدق، والنبات المونق، سحاً وابلاً، تحيي به ما قد مات، وترد
به ما قد فات. اللهم
سقيا منك تعشب بها نجادنا، وتجري بها وهادنا، ويخصب بها جنابنا، وتقبل بها
ثمارنا، وتعيش بها مواشينا، وتندى بها أقاصينا، وتستعين بها ضواحينا من بركاتك
الواسعة، وعطاياك الجزيلة، على بريتك المرملة، ووحشك المهملة. وأنزل
علينا سماء مخضلة، مدراراً هاطلة، يدافع الودق منها الودق، ويحفز القطر منها
القطر، غير خلب برقها، ولا جهام عارضهما، ولا قزع ربابها، ولا شفان ذهابها، حتى
يخصب لإمراعها المجدبون، ويحيا ببركتها المسنتون فإنك تنزل الغيث من بعد ما
قنطوا، وتنشر رحمتك وأنت الولي الحميد.
وقوله:
ولا قزع ربابها، القزع: القطع الصغار المتفرقة من السحاب. وعجت:
صرخت: ويحتمل الضمير في أولادها أن يرجع إلى الثكالى، أي كعجيج الثكالى على
أولادهن، ويحتمل أن يرجع إلى الدواب، أي وعجت على أولادها كعجيج الثكالى، وإنما
وصفها بالتحير في مرابضها، لأنها لشدة المحل تتحير في مباركها، ولا تدري ماذا
تصنع إن نهضت لترعى لم تجد رعياً، وإن أقامت كانت إلى انقطاع المادة أقرب! قوله: وملت التردد في مراتعها، والحنين إلى
مواردها، وذلك لأنها أكثرت من التردد في الأماكن التي كانت تعهد مراتعها فيها
فلم تجد مرتعاً، فملت الترداد إليها، وكذلك ملت الحنين إلى الغدران والموارد
التي كانت تعتادها للشرب، فإنها حنت إليها لما فقدتها، حتى ضجرت وبئست فملت مما
لا فائدة لها فيه. وأصل الأنين صوت المربض وشكواه من الوصب،
يقال: أن يئن أنينا وأناناً وتأناناً. وأما عادة العرب فإنهم كانوا إذا أصابهم المحل
استسقوا بالبهائم، ودعوا الله بها واسترحموه لها ومنهم من كان يجعل في أذناب
البقر السلع والعشر، ويصعد بها في الجبال والتلاع العالية، وكانوا يسقون بذلك
وقال الشاعر:
فاعتكرت:
ردف بعضها بعضاً، وأصل عكر عطف. والعكرة.
الكرة، وفي الحديث: قال له قوم: يا رسول الله، نحن الفرارون. فقال: "بل أنتم العكارون إن شاء
الله". والجود:
المطر الغزير. ويروى: مخايل الجود بالضم. وتقول:
قنط فلان، بالفتح، يقنط ويقنط، بالكسر والضم، فهو قانط. وفيه لغة أخرى قنط
بالكسر، يقنط قنطاً، مثل تعب يتعب تعباً، وقناطة أيضاً، فهو قنط. وقرئ: "ولا تكن من القنطين". وروي منع
الغمام، أي ومنع الغمام القطر، فحذف المفعول. والسوام: المال الراعي. والربيع المغدق: الكثير. والنبات المونق:
المعجب، وانتصب سحا على المصدر. والوابل:
المطر الشديد. والمريعة: الخصيبة، وثامراً فرعها: ذو ثمر، كما قالوا: لابن وتامر، ذو لبن وتمر، وتنعش: ترفع. والنجاد:
جمع نجد، وهو ما ارتفع من الأرض. والوهاد: جمع وهد، وهو
المطمئن منها وروي: نجادنا بالنصب على أنه مفعول. والمرملة: الفقيرة، أرمل افتقر ونفد زاده. ووحشك المهملة:
التي لا راعي لها ولا صاحب ولا مشفق. والودق:
المطر. ويحفز:
يدفع بشدة وإذا دفع القطر القطر، كان أعظم وأغزر له. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
رأي الفقهاء في صلاة
الاستسقاء
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أن صلاة الاستسقاء عند أكثر
الفقهاء سنة. قالوا: والسنة أن يكون في المصلى، وإذا أراد
الإمام الخروج لذلك وعظ الناس، وأمرهم بالخروج من المظالم والتوبة من المعاصي،
لأن ذلك يمنع القطر. قالوا:
وقد روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: إذا بخس المكيال حبس القطر. اللهم
اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين. اللهم إن
بالعباد والبلاد من اللأواء، والضنك والجهد ما لا نشكوه إلا إليك. اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، واسقنا من
بركات السماء. اللهم اكشف عنا الجهد والجوع والعري، واكشف عنا ما
لا يكشفه غيرك. اللهم إنا تستغفرك، إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء
علينا مدراراً. قالوا: ويستحب أن يستقبل القبلة في أثناء
الخطبة الثانية، ويحول رداءه فيجعل ما على الأيمن على
الأيسر، وما على الأيسر على الأيمن تفاؤلاً بتحول الحال. وكذا روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل،
ويستحب للناس أن يحولوا أرديتهم مثله، ويتركوها كما هي، ولا يعيدوها إلى حالها
الأولى إلا إذا رجعوا إلى منازلهم. ويستحب إذا سال الوادي أن يغتسلوا فيه، ويتوضأوا
منه. فأما مذهب الشيعة في هذه المسألة فأن
يستقبل الإمام القبلة بعد صلاة الركعتين، فيكبر الله مائة تكبيرة، ويرفع بها
صوته ويكبر من حضر معه، ثم يلتفت عن يمينه فيسبح الله مائة تسبيحة، يرفع بها
صوته، وفيسبح معه من حضر، ثم يلتفت عن يساره فيهلل الله مائة مرة يرفع بها صوته،
ويقول من حضر مثل ذلك، ثم يستقبل الناس بوجهه، فيحمد الله مائة مرة، يرفع بها
صوته ويقول معه من حضر مثل ذلك ثم يخطب بهذه الخطبة المروية عن أمير المؤمنين رضي الله عنه في الاستسقاء،
فإن لم يتمكن منها اقتصر على الدعاء. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أحاديث في الاستسقاء
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وجاء في الأخبار الصحيحة رؤيا رقيقة في الجاهلية وهي رقيقة بنت أبي
صيفي بن هاشم بن عبد مناف، قالت رقيقة: تتابعت على قريش سنون أقحلت الضرع وأرقت العظم، فبينا أنا
راقدة اللهم أو مهومة ومعي صنوي، إذا أنا بهاتف صيت يصرخ بصوت صحل: يا معشر قريش
إن هذا النبي المبعوث فيكم قد أظلتكم أيامه، وهذا إبان نجومه فحيهلا بالخصب
والحيا. ألا فانظروا رجلاً منكم عظاماً جساماً، أبيض
بضاً، أوطف الأهداب سهل الخدين أشم العرنين، له سنة تهدي إليه. ألا فليخلص هو
وولده، وليدلف إليه من كل بطن رجل. ألا فليشنوا عليهم من الماء وليمسوا من الطيب،
وليطوفوا بالبيت سبعاً وليكن فيهم الطيب الطاهر لداته. فليستق
الرجل، وليؤمن القوم. ألا فغثتم إذا ما شئتم. قالت:
فورب الكعبة ما راموا حتى انفجرت السماء بمائها واكتظ الوادي بثجيجه وانصرف الناس يقولون لعبد المطلب: هنيئاً لك سيد البطحاء. وفي رواية أبي عبيدة معمر بن المثنى قال: فسمعنا شيخان قريش وجلتها:
عبد الله بن جدعان وحرب بن أمية وهشام بن المغيرة، يقولون لعبد المطلب: هنيئاً
لك، أبا البطحاء.
وفي ذلك قال الشاعر من قريش وقد روى هذا الشعر لرقيقة:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وفي الحديث من رواية أنس بن مالك:
أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فقام إليه رجل وهو يخطب يوم جمعة،
فقال: يا رسول الله، هلك الشاء، هلك الزرع، ادع الله لنا أن يسقينا، فمد رضي الله عنه يده،
ودعا واستسقى. ثم رفع صوته فقال: اللهم إنك أنت الغني، ونحن
الفقراء، فأنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين. اللهم اجعل ما تنزله علينا
قوة لنا، وبلاغاً إلى حين برحمتك يا أرحم الراحمين. فأنشأ الله سحاباً، فرعدت وبرقت، ثم أمطرت، فلم يأت
رضي الله عنه منزله، حتى سالت السيول، فلما
رأى سرعتهم إلى الكن ضحك حتى بدت نواجذه ، وقال: أشهد أني عبد الله ورسوله، وأن
الله على كل شيء قدير. ومن دعائه رضي الله عنه في الاستسقاء وقد رواه الفقهاء
وغيرهم: اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، وحياً ربيعاً، وجداً
طبقاً، وغدقاً مغدقاً، مونقاً عاماً، هنيئاً مريئاً، مريعاً مربعاً مرتعاً،
وابلاً سابلاً مسيلاً، مجللاً دراً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير رائث. غيثاً
اللهم تحمي به العباد، وتغيث به البلاد، وتجعله بلاغاً للحاضر منا والباد، اللهم
أنزل علينا في أرضنا زينتها، وأنزل علينا في أرضنا سكنها، اللهم أنزل علينا ماء
طهوراً، فأحي به بلدة ميتاً، واسقه مما خلقت لنا أنعاماً وأناسي كثيراً. ثم أقبل
على الناس، فقال: استغفروا ربكم إنه كان غفارا. اللهم أغثهم بغياثك من قبل أن يقنطوا فيهلكوا، إنه
لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون. الأصل: منها: ولو
تعلمون ما أعلم مما طوي عنكم غيبه إذا لخرجتم إلى الصعدات تبكون على أعمالكم،
وتلتدمون على أنفسكم، ولتركتم أموالكم لا حارس لها، ولا خالف عليها، ولهمت كل
امرئ منكم نفسه، لا يلتفت إلى غيرها ولكنكم نسيتم ما ذكرتم، وأمنتم ما حذرتم،
فتاه عنكم رأيكم، وتشتت عليكم أمركم، ولوددت أن الله فرق بيني وبينكم، وألحقني
بمن هو أحق بي منكم قوم والله ميامين الرأي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحق، متاريك
للبغي، مضوا قدماً على الطريقة، وأوجفوا على المحجة، فظفروا بالعقبى الدائمة،
والكرامة الباردة. قال الرضي رحمه الله تعالى:
الوذحة: الخنفساء، وهذا القول يومئ به إلى الحجاج، وله مع الوذحة حديث ليس هذا
موضع ذكره. والالتدام:
ضرب النساء صدورهن في النياحة. ولا خالف عليها، لا مستخلف. ويروى: ولأهمت كل امرئ وهو أصح من الرواية الأولى،
أهمني الأمر، أي أحزنني، وتاه عن فلان رأيه، أي عزب وضل. ويحمد طريقته من الصحابة. فمضوا قدماً، أي متقدمين غير معرجين ولا معردين. ويقال:
غنيمة باردة وكرامة باردة، أي لم تؤخذ بحرب ولا عسف وذلك لأن المكتسب بالحرب
جاري المعنى لما يلاقي ويعاني في حصوله من المشقة. والذيال:
التائه، وأصله من ذال أي تبختر، وجر ذيله على الأرض. والميال: الظالم. قالوا: ولا يكون صاحب هذا الداء إلا شانئاً مبغضاً
لأهل البيت. قالوا:
ولسنا نقول كل مبغض فيه هذا الداء، وإنما قلنا:
كل من فيه هذا الداء فهو مبغض. فهذا مجموع ما ذكره المفسرون، وما سمعته من أفواه الناس في هذا
الموضع،
ويغلب على ظني أنه أراد معنى آخر وذلك أن عادة العرب أن تكني الإنسان إذا أرادت
تعظيمه بما هو مظنة التعظيم، كقولهم: أبو الهول، وأبو المقدام، وأبو المغوار،
فإذا أرادت تحقيره والغض منه كنته بما يستحقر ويستهان به، كقولهم في كنية يزيد
بن معاوية: أبو زنة، يعنون القرد، وكقولهم في كنية سعيد بن حفص البخاري المحدث:
أبو الفار، وكقولهم للطفيلي: أبو لقمة، وكقولهم
لعبد الملك: أبو الذبان لبخره، وكقول ابن
بسام لبعض الرؤساء:
وقال
أيضاً:
فلما كان أمير المؤمنين رضي الله عنه يعلم من حال الحجاج نجاسته بالمعاصي
والذنوب التي لو شوهدت بالبصر لكانت بمنزلة البعر الملتصق بشعر الشاء، كناه أبو
وذحة ويمكن أيضاً أن يكنيه بذلك لدمامته في نفسه، وحقارة منظره، وتشويه خلقته،
فإنه كان قصيراً دميماً نحيفاً، أخفش العينين معوج الساقين، قصير الساعدين،
مجدور الوجه، أصلع الرأس، فكناه بأحقر الأشياء، وهو البعرة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له في التوبيخ
على البخل
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: فلا أموال
بذلتموها للذي رزقها، ولا أنفس خاطرتم بها للذي خلقها، تكرمون بالله على عباده،
ولا تكرمون الله في عباده. فاعتبروا بنزولكم منازل من كان قبلكم، وانقطاعكم عن
أوصل إخوانكم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في حث أصحابه على مناصحته
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أنتم الأنصار
على الحق، والإخوان في الدين، والجنن يوم البأس، والبطانة دون الناس بكم أضرب
المدبر، وأرجو طاعة المقبل، فأعينوني بمناصحة خلية من الغش، سليمة من الريب
فوالله إني لأولى الناس بالناس. وبطانة الرجل:
خواصه وخالصته الذين لا يطوي عنهم سره. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له وقد جمع
الناس، وحضهم على الجهاد، فسكتوا ملياً، فقال عليه السلام
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ما بالكم أمخرسون أنتم؟ فقال قوم منهم: يا أمير
المؤمنين، إن سرت سرنا معك. الأصل: فقال عليه السلام: ما بالكم! لا سددتم لرشد! ولا
هديتم لقصد، أفي مثل هذا ينبغي لي أن أخرج وإنما يخرج في مثل هذا رجل ممن أرضاه
من شجعانكم، وذوي بأسكم، ولا ينبغي لي أن أدع الجند والمصر وبيت المال وجباية
الأرض، والقضاء بين المسلمين، والنظر في حقوق المطالبين، ثم أخرج في كتيبة أتبع
أخرى أتقلقل تقلقل القدح في الجفير الفارغ. هذا لعمر الله الرأي السوء، والله لولا رجائي
الشهادة عند لقائي العدو ولو قد حم لي لقاؤه لقربت ركابي، ثم شخصت عنكم فلا
أطلبكم، ما أختلف جنوب وشمال، طعانين عيابين، حيادين رواغين. الشرح: سكتوا ملياً، أي ساعة طويلة، ومضى ملي من
النهار كذلك، قال الله تعالى: "وأهجرني
مليا". وأقمت عند فلان ملاوة وملاوة وملاوة من الدهر،
بالحركات الثلاث، أي حيناً وبرهة، وكذلك أقمت ملوة وملوة وملوة، بالحركات
الثلاث. والقدح: السهم. والجفير:
الكنانة، وقيل وعاء للسهام أوسع من الكنانة. والثفال بكسر الثاء: جلد يبسط وتوضع الرحا فوقه،
فتطحن باليد ليسقط عليه الدقيق. وحم: أي قدر، والركاب: الإبل، وشخصت عنكم: خرجت.
ثم وصفهم بعيب الناس والطعن فيهم، وأنهم يحيدون عن
الحق وعن الحرب، أي ينحرفون ويروغون كما يروغ الثعلب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له في الحث على
الإستقامة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: تالله لقد
علمت تبليغ الرسالات، وإتمام العدات، وتمام الكلمات وعندنا أهل البيت أبواب
الحكم، وضياء الأمر. وعلم تمام كلمات الله تعالى، أي تأويلها وبيانها
الذي يتم به لأن في كلامه تعالى المجمل الذي لا يستغني عن متمم ومبين يوضحه. ثم كشف الغطاء وأوضح
المراد فقال: وعندنا أهل البيت أبواب الحكم، يعني الشرعيات والفتاوى. وضياء
الأمر، يعني العقليات والعقائد، وهذا مقام عظيم لا يجسر أحد من المخلوقين أن
يدعيه سواه رضي الله عنه، ولو أقدم أحد على
ادعائه غيره لكذب وكذبه الناس. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقد قام إليه رجل من
أصحابه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فقال: نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها، فما ندري
أي الأمرين أرشد فصفق عليه السلام إحدى
يديه على الأخرى، ثم قال: الأصل: هذا جزاء من
ترك العقدة! أما والله لو أني حين أمرتكم بما أمرتكم به حملتكم على المكروه الذي
يجعل الله فيه خيراً، فإن استقمتم هديتكم، وإن اعوججتم قومتكم، وإن أبيتم
تداركتكم، لكانت الوثقى، ولكن بمن وإلى من أريد أن أداوي بكم وأنتم دائي، كناقش
الشوكة بالشوكة، وهو يعلم أن ضلعها معها! اللهم قد
ملت أطباء هذا الداء الدوي، وكلت النزعة بأشطان الركي! أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرأوا
القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى الجهاد فولهوا وله اللقاح إلى أولادها، وسلبوا
السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفاً وصفاً صفاً، بعض هلك، وبعض
نجا، لا يبشرون بالأحياء ولا يعزون عن الموتى، مره العيون من البكاء، خمص البطون
من الصيام، ذبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة
الخاشعين، أولئك إخواني الذاهبون، فحق لنا أن نظمأ إليهم، ونعض الأيدي على
فراقهم! إن الشيطان يسني لكم طرقه، ويريد أن يحل دينكم عقدة عقدة، ويعطيكم
بالجماعة الفرقة، وبالفرقة الفتنة، فاصدفوا عن نزغاته ونفثاته، وأقبلوا النصيحة
ممن أهداها إليكم، وأعقلوها على أنفسكم. والثاني التأني والامتناع المطلق من الحرب، فإن كان
الأول قومتكم بالتأديب والإرشاد وإرهاق الهمم والعزائم بالتبصير والوعظ والتحريض
والتشجيع، وإن كان الثاني تداركت الأمر معكم:
إما بالاستنجاد بغيركم من قبائل العرب وأهل خراسان والحجاز، فكلهم كانوا شيعته
وقائلين بإمامته، أو بما أراه في ذلك الوقت من المصلحة التي تحكم بها الحال
الحاضرة. قال:
لو فعلت ذلك لكانت هي العقدة الوثقى أي الرأي الأصوب الأحزم.
إشارة
إلى هذا المعنى وقيل فيه غير ذلك مما قدمنا ذكره قبل. فإن
ضلعها لها، والضلع الميل يقول: لا تستخرج الشوكة الناشبة في رجلك بشوكة مثلها،
فإن إحداهما في القوة والضعف كالأخرى، فكما أن الأولى
انكسرت لما وطئتها فدخلت في لحمك، فالثانية إذا حاولت استخراج الأولى بها تنكسر،
وتلج في لحمك. والركي:
الآبار، جمع ركية، وتجمع أيضاً على ركاياً.
وزحفاً
زحفاً، منصوب على المصدر المحذوف الفعل، أي يزحفون زحفاً، والكلمة الثانية تأكيد للأولى.
وكذلك
قوله: وصفاً صفاً. وذكر
أن بطونهما ضامرة من خماص الصوم، وشفاههم ذابلة من الدعاء، ووجوههم مصفرة من
السهر، لأنهم يقومون الليل وعلى وجوههم غبرة الخشوع. قلت: هم قوم كانوا
في نأنأة الإسلام وفي زمان ضعفه وخموله أرباب زهد وعبادة وجهاد شديد في سبيل
الله، كمصعب بن عمير من بني عبد الدار، وكسعد بن معاذ من الأوس، وكجعفر بن أبي
طالب، وعبد الله بن رواحة، وغيرهم ممن استشهد من الصالحين أرباب الدين والعبادة
والشجاعة في يوم أحد، وفي غيره من الأيام في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكعمار،
وأبي ذر، والمقداد، وسلمان، وخباب، وجماعة من أصحاب الصفة وفقراء المسلمين أرباب
العبادة، الذين قد جمعوا بين الزهد والشجاعة. وقد جاء
في الأخبار الصحيحة أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: "إن
الجنة لتشتاق إلى أربعة: علي، وعمار، وأبي ذر، والمقداد"، وجاء في الأخبار الصحيحة أيضاً، أن جماعة من أصحاب
الصفة مر بهم أبو سفيان بن حرب بعد إسلامه فعضوا أيديهم عليه، وقالوا: وا أسفاه
كيف لم تأخذ السيوف مأخذها من عنق عدو الله! وكان
معه أبو بكر، فقال لهم: أتقولون هذا لسيد البطحاء فرفع قوله إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأنكره،
وقال لأبي بكر: انظر لا تكون أغضبتهم، فتكون قد أغضبت ربك فجاء أبو بكر إليهم
وترضاهم وسألهم أن يستغفروا له، فقالوا: غفر الله لك. وصدف عن الأمر، يصدف، أي انصرف عنه. ونزغات الشيطان: ما ينزغ به، بالفتح، أي يفسد
ويغري. ونفثاته: ما ينفث به وينفث، بالضم والكسر أي يخيل
ويسحر، واعقلوها على أنفسكم، أي اربطوها والزموها. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له قاله للخوارج وقد
خرج إلى معسكرهم وهم مقيمون على إنكار الحكومة.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: فقال عليه السلام: أكلكم
شهد معنا صفين فقالوا: منا من شهد، ومنا من لم يشهد. قال: فامتازوا
فرقتين فليكن من شهد صفين فرقة، ومن لم يشهدها فرقة، حتى أكلم كلاً منكم بكلامه.
ونادى الناس، فقال: أمسكوا عن الكلام، وأنصتوا
لقولي، وأقبلوا بأفئدتكم إلي، فمن نشدناه شهادة فليقل بعلمه فيها. ثم كلمهم عليه السلام بكلام طويل، من جملته أن
قال عليه السلام: ألم تقولوا عند رفعهم المصاحف حيلة
وغيلة، ومكراً وخديعة: إخواننا وأهل دعوتنا، استقالونا واستراحوا إلى كتاب الله
سبحانه، فالرأي القبول منهم، والتنفيس عنهم، فقلت
لكم: هذا أمر ظاهره إيمان، وباطنه عدوان، وأوله رحمة، وآخره ندامة،
فأقيموا على شأنكم، وألزموا طريقتكم، وعضوا على الجهاد بنواجذكم، ولا تلتفتوا
إلى ناعق نعق إن أجيب أضل، وإن ترك ذل. فلقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله، وإن
القتل ليدور على الآباء والأبناء والإخوان والقرابات، فما نزداد على كل مصيبة
وشدة إلا إيماناً ومضياً على الحق، وتسليماً للأمر، وصبراً على الجراح. الشرح: هذا الكلام يتلو بعضه بعضاً ولكنه ثلاثة فصول
لا يلتصق أحدها بالآخر وهذه عادة الرضي، تراه ينتخب من
جملة الخطبة الطويلة كلمات فصيحة، يوردها على سبيل التتالي وليست متتالية حين
تكلم بها صاحبها، وسنقطع كل فصل منها عن صاحبه إذا مررنا على متنها. والناعق: المصوت. وقوله:
ضل، أي ازداد ضلالاً، لأنه قد ضل قبل أن يجاب. فأما قوله:
لكنا إنما أصبحنا، فهو كلام ثالث غير منوط بالأولين ولا ملتصق بهما وهو في الظاهر مخالف ومناقض للفصل الأول لأن الفصل الأول
فيه إنكار الإجابة إلى التحكيم وهذا يتضمن تصويبها
وظاهر الحال أنه بعد كلام طويل. وقد قال الرضي رحمه الله في أول
الفصل: إنه من جملة كلام طويل، وإنه لما ذكر التحكيم، قال
ما كان يقوله دائماً، وهو أني إنما حكمت على أن نعمل في هذه الواقعة بحكم
الكتاب، وإن كنت أحارب قوماً أدخلوا في الإسلام زيغاً وأحدثوا به اعوجاجاً، فلما
دعوني إلى تحكيم الكتاب أمسكت عن قتلهم، وأبقيت عليهم لأني طمعت في أمر يلم الله
به شعث المسلمين، ويتقاربون بطريقه إلى البقية، وهي الإبقاء والكف. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له قاله لأصحابه
في ساعة الحرب
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: وأي امرئ
منكم أحس من نفسه رباطة جأش عند اللقاء، ورأى من أحد من إخوانه فشلاً، فليذب عن
أخيه بفضل نجدته التي فضل بها عليه، كما يذب عن نفسه، فلو شاء الله لجعله مثله،
إن الموت طالب حثيث لا يفوته المقيم، ولا يعجزه الهارب، إن أكرم الموت القتل
والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على الفراش في
غير طاعة الله! الشرح: أحس: علم
ووجد. ورباطة جأش، أي شدة قلب: والماضي ربط، كأنه يربط
نفسه عن الفرار. والمروي:
رباطة بالكسر، ولا أعرفه نقلاً وإنما القياس لا يأباه، مثل عمر عمارة، وخلب
خلابة. وذب الرجل عن صاحبه، أي أكثر الذب، وهو الدفع
والمنع والنجدة: الشجاعة. والحثيث: السريع وفي
بعض الروايات: فليذب عن صاحبه بالإدغام، وفي بعضها فليذبب بفك الإدغام. والميتة، بالكسر: هيئة الميت كالجلسة والركبة هيئة
الجالس والراكب، يقال: مات فلان ميتة حسنة، والمروي في نهج البلاغة بالكسر في أكثر الروايات، وقد
روي: من موتة وهو الأليق، يعني المرة الواحدة، ليقع في مقابلة الألف. واعلم أنه رضي الله عنه أقسم أن القتل أهون من الموت حتف الأنف وذلك على مقتضى ما منحه الله
تعالى من الشجاعة الخارقة لعادة البشر وهو رضي الله عنه يحاول أن يحض أصحابه، ويحرضهم ليجعل طباعهم
مناسبة لطباعه، وإقدامهم على الحرب مماثلاً لإقدامه على عادة الأمراء في تحريض
جندهم وعسكرهم وهيهات!
إنما هو كما قال أبو الطيب:
ليست
النفوس كلها من جوهر واحد، ولا الطباع والأمزجة كلها من نوع واحد، وهذه خاصية
توجد لمن يصطفيه الله تعالى من عباده، في الأوقات المتطاولة، والدهور المتباعدة
وما اتصل بنا نحن من بعد الطوفان، فإن التواريخ من قبل الطوفان مجهولة عندنا أن
أحداً أعطى من الشجاعة والإقدام ما أعطيه هذا الرجل من جميع فرق العالم على
اختلافها، من الترك والفرس والعرب والروم وغيرهم، والمعلوم من حاله أنه كان يؤثر
الحرب على السلم، والموت على الحياة، والموت الذي كان يطلبه ويؤثره إنما هو
القتل بالسيف، لا الموت على الفراش، كما قال الشاعر:
وكما
قال الآخر:
فإن قلت:
فما قولك فيما أقسم عليه: هل ألف ضربة بالسيف أهون ألماً على المقتول من موتة
واحدة على الفراش بالحقيقة، أم هذا قول قاله على سبيل المبالغة والتجوز ترغيباً
لأصحابه في الجهاد؟ قلت:
الحالف يحلف على أحد أمرين: أحدهما أن يحلف على
ظنه واعتقاده نحو أن يحلف أن زيداً في الدار، أي أنا حالف ومقسم على أني أظن أن
زيداً في الدار، أو أني أعتقد كون زيد في الدار. والثاني أن يحلف،
لا على ظنه، بل يحلف على نفس الأمر في الخارج فإن حملنا
قسم أمير المؤمنين رضي الله عنه على المحمل الأول
فقد اندفع السؤال لأنه رضي الله عنه قد
كان يعتقد ذلك فحلف أنه يعتقد وأنه يظن ذلك وهذا لا كلام فيه، وإن حملناه على الثاني فالأمر في الحقيقة يختلف، لأن
المقتول بسيف صارم معجل للزهوق لا يجد من الألم وقت الضربة ما يجده الميت دون
النزع من المد والكف، نعم قد يجد المقتول قبل الضربة ألم التوقع لها، وليس
كلامنا في ذلك، بل في ألم الضربة نفسها، وألف سيف صارم مثل سيف واحد، إذا فرضنا
سرعة الزهوق. وأما في غير هذه الصورة، نحو أن يكون السيف كالاً، وتتكرر الضربات
به، والحياة باقية بعد وقايسنا بينه وبين ميت يموت حتف أنفه أنه موتاً سريعاً،
إما بوقوف القوة الغاذية كما يموت الشيوخ، أو بإسهال ذريع تسقط معه القوة، ويبقى
العقل والذهن، إلى وقت الموت، فإن الموت ههنا أهون وأقل ألماً، فالواجب أن يحمل كلام أمير المؤمنين رضي الله عنه إما على جهة التحريض فيكون قد بالغ كعادة العرب والخطباء في
المبالغات المجازية، وإما أن يكون أقسم على أنه يعتقد ذلك، وهو صادق فيما أقسم
لأنه هكذا كان يعتقد بناء على ما هو مركوز في طبعه من محبة القتال، وكراهية
الموت على الفراش. وقد روي أنه قيل لأبي مسلم
الخراساني: إن في بعض الكتب
المنزلة: من قتل بالسيف فبالسيف يقتل، فقال:
القتل أحب إلي من اختلاف الأطباء، والنظر في الماء، ومقاساة الدواء والداء، فذكر ذلك للمنصور بعد قتل أبي مسلم، فقال: قد أبلغناه محبته! |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له في توبيخ
أصحابه ووصفهم بالجبن
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
وكأني أنظر إليكم تكشون كشيش الضباب، لا تأخذون حقاً، ولا تمنعون ضيماً، قد
خليتم والطريق، فالنجاة للمقتحم، والهلكة للمتلوم.
يقرع رضي الله عنه أصحابه بالجبن والفشل، ويقول لهم: لكأني أنظر إليكم وأصواتكم غمغمة بينكم من الهلع الذي قد
اعتراكم فهي أشبه شيء بأصوات الضباب المجتمعة.
وقال
قطري بن الفجاءة:
وكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد: واعلم أن عليك عيوناً من الله ترعاك
وتراك، فإذا لقيت العدو، فاحرص على الموت توهب لك الحياة، ولا تغسل الشهداء من
دمائهم، فإن دم الشهيد نور له يوم القيامة. وقال أبو الطيب:
ولهذا المعنى الذي أشار إليه رضي الله عنه سبب معقول. وهو أن المقدم على خصمه يرتاع له خصمه، وتنخذل
عنه نفسه، فتكون النجاة والظفر للمقدم وأما المتلوم عن خصمه، المحجم المتهيب له
فإن نفس خصمه تقوى عليه، ويزداد طمعه فيه، فيكون الظفر له، ويكون العطب والهلاك
للمتلوم الهائب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفهرس ج الجزء السابع - باب المختار
من الخطب والأوامر - ابن ابي الحديد. 3 اختلاف
المتكلمين في عصمة الأنبياء. 4 الفصل
الأول في حال الأنبياء قبل البعثة ومن الذي يجوز أن يرسله الله تعالى إلى العباد. 5 الفصل
الثاني عصمة الأنبياء في زمن النبوة 6 الفصل
الثالث خطئهم في التبليغ والفتاوى. 9 لما
أراوده الناس على البيعة بعد قتل عثمان رضي الله عنه. 14 يذكر
ما كان من تغلبه على الخوارج. 19 الإمام
علي وإخباره بأ مور غيبية. 21 يذكر
فيها حال الناس عند البعثة. 28 ومن
خطبة له في تمجيد الله وتعظيمه. 29 ومن
كلام له في توبيخ أصحابه. 29 ومن
كلام له رضي الله عنه في وصف بنى أمية. 33 ومن
خطبة له رضي الله عنه في وصف الدنيا 33 يذكر
محمداً صلى الله عليه وسلم وما تركه فى أصحابه. 35 مدح
المقل من الكلام وذم المكثر. 36 ومن
خطبة له تجري هذا المجرى. 42 في
وصف الناس في بعض الأزمان. 44 ومن
خطبة له يصف فيها حال الناس.. 47 ومن
خطبة له في شأن أهل البيت.. 48 نهاية
مروان بن محمد الملقب بالحمار. 50 انتقال
الملك من بني أمية إلى بني العباس.. 54 ومن
خطبة له في وصف الإسلام. 71 ومن
كلام له في بعفر أيام صفين.. 74 ومن
خطبة له وهي من خطب الملاحم. 75 ومن
خطبة له في تمجيد الله ووصف ملائكته. 80 يذكر
فيها ملك الموت وتوفية الأنفس... 97 ومن
خطبة في التحذير من أمر الدنيا. 102 ومن
خطبة له في الحفر على التقوى. 103 رأي
الفقهاء في صلاة الاستسقاء. 111 ومن
كلام له في التوبيخ على البخل. 116 ومن
كلام له وقد جمع الناس، وحضهم على الجهاد، فسكتوا ملياً، فقال عليه السلام. 117 ومن
كلام له في الحث على الإستقامة. 117 وقد
قام إليه رجل من أصحابه. 118 ومن
كلام له قاله للخوارج وقد خرج إلى معسكرهم وهم مقيمون على إنكار الحكومة. 121 |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الجزء السابع - باب المختار من الخطب والأوامر
- ابن ابي الحديد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بسم الله
الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل بقية
الخطبة التسعين الأصل: فلما مهد أرضه، وأنفذ أمره، اختار أدم عليه السلام خيرة
من خلقه، وجعله أول جبلته، وأسكنه جنتة، وأرغد فيها أكله، وأوعز إليه فيما نهاه
عنه، وأعلمة أن في الإقدام عليه التعرض لمعصيته، والمخاطرة بمنزلته فأقدم على ما
نهاه عنه موافاة لسابق علمه. فأهبطه بعد التوبة، ليعمر أرضه بنسله، وليقيم الحجة
به على عباده، ولم يخلهم بعد أن قبضه مما يؤكد عليهم حجة ربوبيته، ويصل بينهم
وبين معرفته، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه، ومتحملي ودائع
رسالاته قرناً فقرناً حتى تمت بنبينا محمد صلى
الله عليه وآله حجته، وبلغ
المقطع عذرة ونذرة. ومنه المهاد وهو الفراش، ومهدت الفراش بالتخفيف
مهداً، أي بسطته ووطأته. وقوله: خيرة من خلقه
على فعلة، مثل عنبة، الاسم من قولك: اختاره الله يقال: محمد خيرة الله من خلقه ويجوز: خيرة الله بالتسكين، والاختيار: الاصطفاء. قوله: "فأهبطه بعد التوبة"، قد اختلف الناس في ذلك، فقال قوم: بل أهبطه قبل التوبة ثم تاب عليه وهو في
الأرض. وقال قوم:
تاب قبل الهبوط، وهو قول أمير المؤمنين رضي الله عنه، ويدل عليه قوله تعالى: "فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب
الرحيم، قلنا اهبطوا منها جميعاً"، فأخبر عن أنه أهبطهم بعد تلقي
الكلمات والتوبة. وقال
تعالى في موضع آخر: "وطفقا يخصفان عليهما من
ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما
عدو مبين، قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين". فبين
أن اعترافهما بالمعصية واستغفارهما كانا قبل أمرهما بالهبوط. وقال في موضع
آخر: "وعصى آدم ربه فغوى، ثم اجتباه
ربه فتاب عليه وهدى، قال اهبطا منها جميعا"، فجعل الإهباط بعد
الاجتباء والتوبة، واحتج الأولون بقوله تعالى:
"ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين، فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما
مما كانا فيه، وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين،
فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه"، قالوا: فأخبرسبحانه عن أمره لهم
بالهبوط عقيب إزلال الشيطان لهما، ثم عقب الهبوط
بفاء التعقيب في قوله: "فتلقى آدم من
ربه كلمات"، فدل على أن التوبة بعد
الهبوط.
وتعاهدهم
بالحجج، أي جدد العهد عندهم بها ويروى بل تعهدهم بالتشديد، والتعهد: التحفظ
بالشيء تعهدت فلاناً وتعهدت ضيعتي وهوأفصح من تعاهدت لأن التفاعل إنما يكون من
شيئين وتقول: فلان يتعهده صرع. قوله: "وبلغ
المقطع عذرة ونذره"، مقطع الشيء حيث ينقطع، ولا يبقى خلفه شيء منه،
أي لم يزل يبعث الأنبياء واحداً بعد واحد حتى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم فتمت له حجته على الخلق أجمعين. وبلغ الأمر مقطعه، أي لم يبق بعده رسول الله
ينتظر وانتهت عذر الله تعالى ونذره، فعذره ما بين للمكلفين من الإعذار في عقوبته
لهم إن عصوه، ونذره ما أنذرهم به من الحوادث، ومن أنذرهم على لسانه من الرسل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اختلاف المتكلمين في عصمة
الأنبياء
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أن المتكلمين اختلفوا في عصمة
الأنبياء، ونحن نذكر ههنا طرفاً من حكاية المذاهب في هذه المسألة على سبيل
الاقتصاص ونقل الاراء لا على سبيل الحجاج ونخص
قصة آدم عليه السلام والشجرة بنوع من النظر إذ كانت هذه القصة مذكورة في كلام أمير
المؤمنين رضي الله عنه في هذا الفصل،
فنقول: اختلف الناس في المعصوم ما هو؟ فقال قوم:
المعصوم هو الذي لا يمكنه الإتيان بالمعاصي وهؤلاء هم
الأقلون من العلماء أهل النظر واختلفوا في عدم التمكن كيف هو فقال قوم منهم: المعصوم هو المختص في نفسه أو بدنه أو
فيهما، بخاصية تقتضي امتناع إقدامه على المعاصي. وإنما
العصمة هي القدرة على الطاعة أو عدم القدرة على المعصية، وهذا قول الأشعري نفسه وإن كان كثيرمن أصحابه قد خالفه فيه. وفسروا العصمة بتفسيرين: أحدهما: أنها أمور يفعلها الله تعالى بالمكلف
فتقتضي ألا يفعل المعصية اقتضاء غيربالغ إلى حد الإيجاب، وفسروا هذه الأمور فقالوا: إنها
أربعة أشياء: أولها أن يكون لنفس
الإنسان ملكة مانعة من الفجور، داعية إلى العفة، وثانيها
العلم بمثالب المعصية ومناقب الطاعة. وثالثها تأكيد
ذلك العلم بالوحي والبيان من الله تعالى. ورابعها أنه متى صدر عنه خطأ من باب النسيان
والسهو لم يترك مهملاً بل يعاقب وينبه ويضيق عليه العذر قالوا: فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة كان
الشخص معصوماً عن المعاصي لا محالة، لأن العفة إذا انضاف إليها العلم بما
في الطاعة من السعادة وما في المعصية من الشقاوة ثم أكد ذلك تتابع الوحي إليه
وترادفه، وتظاهر البيان عنده، وتمم ذلك خوفه من العتاب على القدر القليل، حصل من
اجتماع هذه الأمور حقيقة العصمة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفصل الأول في حال
الأنبياء قبل البعثة ومن الذي يجوز أن يرسله الله تعالى إلى العباد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فالذي عليه أصحابنا المعتزلة رحمهم
الله، أنه يجب أن ينزه النبي قبل البعثة عما كان فيه
تنفيرعن الحق الذي يدعو إليه، وعما فيه غضاضة وعيب. وقال قوم من الأشعرية ومن أهل الظاهر
وأرباب الحديث: إن ذلك جائز واقع، واستدلوا بأحوال
إخوة يوسف. ومنع
المانعون من ذلك من ثبوت نبوة إخوة يوسف، ثم هؤلاء المجوزون، منهم من جوز عليهم
فعل الكبائر مطلقاً، ومنهم من جوز ذلك على سبيل
الندرة ثم يتوبون عنه، ويشتهر حالهم بين الخلق بالصلاح، فأما لو فرضنا إصرارهم
على الكبائر بحيث يصيرون مشهورين بالفسق والمعاصي، فإن ذلك لا يجوز لأنه يفوت
الغرض من إرسالهم ونبوتهم على هذا التقدير. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفصل الثاني عصمة
الأنبياء في زمن النبوة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
عن الذنوب في أفعالهم وتروكهم عدا ما يتعلق بتبليغ الوحي والفتوى في الأحكام جوز قوم من الحشوية عليهم هذه الكبائر وهم أنبياء
كالزنا واللواط وغيرهما، وفيهم من جوز ذلك بشرط
الاستسرار دون الإعلان، وفيهم من جوز ذلك على
الأحوال كلها. ثم اختلفوا فمنهم من جوز
على النبي الإقدام على المعصية الصغيرة غير المسمخفة عمداً وهو قول شيخنا أبي هاشم رحمه تعالى فإنه أجاز
ذلك وقال: إنه لا يقدم رضي الله عنه
على ذلك إلا على خوف ووجل، ولا يتجرأ على الله سبحانه. وأصحاب شيخنا أبي هاشم لا يرضون هذا المذهب، ويقولون إن الإشكال باق بحاله، لأن آدم أخل بالنظر على هذا القول في أن المنهي عنه: هل هو عين الشجرة
أو نوعها مع أنه قد كان مدلولاً على ذلك، لأنه لو
لم يكن مدلولاً على ذلك لكان تكليف الامتناع عن
التناول تكليف ما لا يطاق، وإذا دل على ذلك وجب عليه النظر ولا وجه يجب
النظر لأجله إلا الخوف من تركه وإذا لم يكن بد من كونه خائفاً فهو عالم إذا بوجوب
هذا التأمل والنظر فإذا أخل به فقد وقعت منه
المعصية مع علمه. وكما لا يرضى أصحاب شيخنا أبي هاشم
هذا المذهب فكذلك لا يرتضون مذهب
النظام وجعفر بن مبشر وذلك لأن القول بأن الأنبياء يؤاخذون على ما
يفعلونه سهواً متناقض لأن السهو يزيل التكليف،
ويخرج الفعل من كونه ذنباً مؤاخذاً به ولهذا لا يصح مؤاخذة المجنون والنائم،
والسهو في كونه مؤثراً في رفع التكليف جار مجرى فقد القدر والألات والأدلة فلو جاز أن يخالف حال الأنبياء حال غيرهم في صحة تكليفهم
مع السهو، جاز أن يخالف حالهم حال غيرهم في صحة التكليف مع فقد القدر
وإلالات وذلك باطل. ثم إنا نذكر كلام السيد الشريف المرتضى رحمه
تعالى، قال رحمه تعالى: أما قوله تعالى: "وعصى آدم ربه" فإن المعصية مخالفة
للأمر والأمر من الحكيم تعالى قد يكون بالواجب وبالندب
معاً فلا يمتنع على هذا أن يكون آدم مندوباً إلى ترك التناول من الشجرة،
فيكون بمواقعتها تاركاً فرضاً ونفلاً، وغير فاعل قبيحاً، وليس يمتنع أن يسمى
تارك النفل عاصياً، كما يسمى بذلك تارك الواجب، فإن تسمية من خالف ما أمر به
سواء كان واجباً أو نفلاً بأنه عاص ظاهر، ولهذا
يقولون: أمرت فلاناً بكذا وكذا من الخيرفعصاني
وخالفني، وإن لم يكن ما أمر به وا جباً يقال له: الكلام على هذا التأويل من وجوه: أولها
أن ألفاظ الشرع يجب أن تحمل على حقائقها اللغوية ما لم يكن لها حقائق شرعية،
فإذا كان لها حقائق شرعية وجب أن تحمل على عرف الشرع واصطلاحه، كالصلاة والحج
والنفاق والكفر، ونحو ذلك من الألفاظ الشرعية، وهكذا
قال السيد المرتضى رحمه تعالى في كتابه في أصول الفقه المعروف بالذريعة في باب كون الأمر للوجوب وهو الحق الذي لا مندوحة عنه. وإذا كان لفظ العصيان في الاصطلاح الشرعي موضوعاً
لمخالفة الأمر الإيجابي لم يجز العدول عنه وحمله على مخالفة الندب. وقد أجاب رحمه تعالى عن هذا، فقال: وصف تارك الندب
بأنه عاص توسع وتجوز، والمجاز لا يقاس عليه، ولا
يعدى عن موضعه. ولو قيل إنه حقيقة في فاعل
القبيح، وتارك الأولى والأفضل لم يجز إطلاقه في
الأنبياء إلا مع التقييد، لأن استعماله قد كثرفي فاعل القبائح، فإطلاقه
عن التقييد موهم. كذلك يقال له:
ليس هذا من باب القياس على المجاز الذي اختلف فيه أرباب
أصول الفقه لأن من قال: إذا ترك زيد الندب فإنه يسمى عاصياً يلزمه أن
يقول: إن عمراً إذا ترك الندب يسمى عاصياً وليس هذا قياساً، كما أن من قال لزيد
البليد: هذا حمار، قال لعمرو البليد: هذا حمار، والقياس
على المجاز الذي اختلف الأصوليون في جوازه خارج عن هذا الموضع، ومثال المسألة الأصولية المختلف فيها: "واخفض لهما جناح الذل"، هل يجوز أن
يقال: طأطىء لهما عنق الذل! وأما قوله: لو
سلمنا أنه حقيقة في تارك الندب لم يجز إطلاقه في حق الأنبياء لأنه يوهم العصيان
بل يجب أن يقيد، فيقال له: لكن البارىء
سبحانه أطلقه ولم يقيده في قوله: "وعصى
آدم"، فيلزمك أن يكون تعالى
موهماً وفاعلا للقبيح لأن إيهام القبيح قبيح. وثانيها
أنه تعالى قال: "فغوى"! والغي
الضلال.
يقال
له: ألست القائل في مصنفاتك الكلامية: إن
المندوبات إنما ندب إليها، لأنها كالمسهلات والميسرات لفعل الواجبات العقلية،
وإنها ليست ألطافاً في واجب عقلي وإن ثوابها يسير جداً بالإضافة إلى ثواب
الواجب! فإذا كان آدم عليه السلام ما أخل بشيء من الواجبات، ولا فعل شيئاً من
المقبحات فقد استحق من الثواب العظيم ما يستحق ثواب المندوب بالإضافة إليه. ومثل هذا لا يقال فيه لمن ترك المندوب إنه قد خاب. ألا ترى أن من اكتسب مائة ألف قنطار من المال، وترك بعد ذلك درهماً واحداً كان يمكنه اكتسابه فلم
يكتسبه، لا يقال: إنه خاب! وثالثها أن
ظاهر القرآن يخالف ما ذكره، لأنه تعالى أخبر أن آدم منهي عن أكل الشجرة بقوله: "ولا تقربا هذه
الشجرة فتكونا من الظالمين"، وقوله:
"ألم أنهكما عن تلكما الشجرة"، وهذا يوجب أنه قد عمى بأن فعل
منهياً عنه، والشريف المرتضى رحمه الله تعالى يقول:
إنه عمى بأن ترك مأموراً به. وقد يتداخل هذان
الوضعان في الشاهد، فيقول أحدنا: قد أمرت
فلاناً بألا يلقى الأمير وإنما يريد أنه نهاه عن لقائه ويقول: نهيتك عن هجر زيد
وإنما معناه أمرتك بمواصلته. فثبت أن هذه الواقعة
وقعت له عليه السلام قبل نبوته وإرساله. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفصل الثالث خطئهم في
التبليغ والفتاوى
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال أصحابنا:
إن الأنبياء معصومون من كل خطأ يتعلق بالأداء والتبليغ،
فلا يجوز عليهم الكذب ولا التغييرولا التبديل ولا الكتمان ولا تأخر البيان عن
وقت الحاجة، ولا الغلط فيما يؤدونه عن تعالى، ولا السهو فيه ولا الإلغاز ولا
التعمية، لأن كل ذلك إما أن ينقض دلالة المعجز على
صدقه، أو يؤدي إلى تكليف ما لا يطاق. فأما في أقواله الخارجة عن التبليغ، فيجوز أن يخطىء
كما روي عنه صلى الله عليه وسلم في نهيه لأهل
المدينة عن تأبير النخل، فأما أصحابنا
المعتزلة، فإنهم اختلفوا في الخبر
المروي عنه عليه الصلاة والسلام في سورة النجم، فمنهم
من دفع الخبر أصلاً ولم يقبله، وطعن في رواته، ومنهم من اعترف بكونه قرآناً
منزلاً، وهم فريقان: أحدهما القائلون بأنه
كان وصفاً للملائكة، فلما ظن المشركون أنه وصف آلهتهم، رفع ونهي عن تلاوته. وثانيهما القائلون
إنه خارج على وجه الاستفهام بمعنى الإنكار، فتوهم
سامعوه أنه بمعنى التحقيق، فنسخه الله تعالى
ونهى عن تلاوته. قالوا: فإلقاء الشيطان ههنا هو إلقاء الشبهة في قلوب
المشركين، وإنما أضافه إلى أمنيته، وهي تلاوته القرآن، لأن بغرور الشيطان
ووسوسته أضاف المشركون إلى تلاوته رضي الله عنه
ما لم يرده بها. وخلق الآجال فأطالها وقصرها، وقدمها وأخرها، ووصل
بالموت أسبابها، وجعله خالجاً لأشطانها، وقاطعاً لمرائر أقرانها. وعدل
فيها: من التعديل وهو التقويم، وروي: فعدل،
بالتخفيف، من العدل نقيض الظلم، والميسور
والمعسور: مصدران. وقال سيبويه: هما صفتان، ولا يجيء عنده المصدر على
وزن مفعول البتة، ويتأول قولهم: دعه إلى ميسوره، ويقول كأنه قال: دعه إلى أمر
يوسر فيه، وكذلك يتأول المعقول أيضاً، فيقول كأنه عقل له شيء، أي حبس وأيد وسدد. ومعنى قوله رضي الله عنه: "ليبتلي من أراد بميسورها
ومعسورها"، هو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن
إعطاء هذا المال فتنة، وإمساكه فتنة". والعقابيل في الأصل:
الحلأ، وهو قروح صغار تخرج بالشفة من بقايا المرض.
والفاقة: الفقر، وطوارق الآفات: متجددات المصائب، وأصل الطروق ما يأتي ليلاً، والأتراح: الغموم، الواحد ترح، وترحه تتريحاً، أي
أحزنه، وخالجاً: جاذباً، والخلج الجذب، خلجه يخلجه بالكسر، واختلجه، ومنه
الخليج: الحبل لأنه يجتذب به، وسمي خليج البحرخليجاً لأنه يجذب من معظم البحر.
ومرائر القرائن:
جمع مرير، وهو ما لطف وطال منها واشتد فتله، وهذا
الكلام من باب الاستعارة.
إذ كان يفخر به على عدنان وقحطان، بل كان يقر به عين أبيه إبراهيم خليل الرحمن، ويقول له: إنه
لم يعف ما شيدت من معالم التوحيد، بل أخرج الله تعالى لك من ظهري ولداً ابتدع من
علوم التوحيد في جاهلية العرب ما لم تبتدعه أنت في جاهلية النبط بل لو سمع هذا الكلام أرسطوطاليس، القائل بأنه تعالى
لا يعلم الجزئيات لخشع قلبه، وقف شعره، واضطرب فكره ألا ترى ما عليه من الرواء
والمهابة، والعظمة والفخامة، والمتانة والجزالة! مع ما قد أشرب من الحلاوة
والطلاوة واللطف والسلاسة لا أرى كلاماً يشبه هذا إلا
أن يكون كلام الخالق سبحانه، فإن هذا الكلام نبعة من تلك الشجرة، وجدول
من ذلك البحر، وجذوة من تلك النار وكأنه شرح قوله تعالى:
"وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما
في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا
يابس إلا في كتاب مبين". ثم نعود إلى التفسير فنقول: النجوى: المسارة، تقول: انتجى القوم وتناجوا، أي تساروا،
وانتجيت زيداً إذا خصصته بمناجاتك ومنه الحديث أنه صلى
الله عليه وسلم أطال النجوى مع علي رضي الله عنه فقال قوم: لقد أطال
اليوم نجوى ابن عمه، فبلغه ذلك فقال: "إني ما انتجيته ولكن الله انتجاه
". ويقال
للسر نفسه النجو يقال: نجوته نجواً أي ساررته وكذلك ناجيته مناجاة، وسمي ذلك
الأمر المخصوص نجوى لأنه يستسر به فأما قوله تعالى: "وإذ هم نجوى" فجعلهم هم النجوى، وإنما
النجوى فعلهم فإنما هو كقولك: "قوم رضاً"
وإنما الرضا، فعلهم ويقال للذي تساره: النجي على فعيل وجمعه أنجية، قال الشاعر:
وقد يكون النجي جماعة مثل الصديق قال الله تعالى: "خلصوا نجياً، وقال الفراء: قد يكون النجي والنجوى اسماً ومصدراً.
ورجم الظنون:
القول بالظن، قال سبحانه: "رجماً
بالغيب"، ومنه الحديث المرجم بالتشديد، وهو الذي لا يدرى أحق هو أم
باطل، ويقال صار رجماً، أي لا يوقف على حقيقة أمره. وأكنان قلوب: غلفها، والكن: الستر، والجمع
أكنان، قال تعالى:
"وجعل لكم من الجبال أكناناً"، ويروى: أكنة القلوب وهي الأغطية
أيضاً، قال تعالى: "وجعلنا
على قلوبهم أكنة"، والواحد كنان، قال
عمربن أبي ربيعة:
ويعني
بالذي ضمنته أكنان القلوب الضمائر.
والأسد
الهموس: الخفي الوطء، ومنفسح الثمرة، أي موضع
سعتها من الأكمام، وقد روي: متفسخ بالخاء المعجمة وتشديد السين وبتاء بعد الميم،
مصدراً من تفسخت الثمرة، إذا انقطعت. والأفنان: جمع
فنن، وهو الغصن والأمشاج: ماء الرجل يختلط بماء المرأة ودمها، جمع مشيج، كيتيم
وأيتام. ومحطها: إما مصدر أو مكان. ومتلاحمها، ما يلتصق منها بعضها ببعض ويلتحم. ودرور قطر السحائب: مصدر، من در يدر، أي سال، وناقة درور: أي كثيرة اللبن،
وسحاب درور: أي كثير المطر، ويقال: إن لهذا
السحاب لدرة، أي. صبا، والجمع درور. ومتراكمها:
المجتمع المتكاثف منها، ركمت الشيء أركمه بالضم: جمعته وألقيت بعضه على بعض،
ورمل ركام، وسحاب ركام، أي مجتمع. وقال
تعالى: "فأصابها
إعصار فيه نار"، وتسفي، من سفت الريح التراب سفياً، إذا أذرته فهو
سفي. وذيولها ههنا، يريد به أطرافها وما لاحف الأرض
منها، وما تعفو الأمطار: أي ما تدرس عفت الريح المنزل أي درسته، وعفا المنزل نفسه يعفو: درس، يتعدى، ولا يتعدى،
وبنات الأرض: الهوام والحشرات التي تكون في الرمال، وعومها فيها: سباحتها ويقال
لسير السفينة وسير الإبل أيضاً: عوم، عمت في الماء، بضم أوله أعوم. وذراها:
أعاليها جمع ذروة وذروة، بالكسر والضم،
والتغريد: التطريب بالغناء، والتغرد مثله وكذلك
الغرد بفتحهما، ويقال: غرد الطائر فهو غرد، إذا طرب
بصوته، وذوات المنطق ههنا: الأطيار وسمى
صوتها منطقاً وإن كان لا يطلق إلا على ألفاظ البشر مجازاً، ودياجير: جمع ديجور وهو
الظلام. والأوكار: جمع وكر وهو عش الطائر ويجمع أيضاً على وكور، ووكر الطائر يكر وكراً، أي دخل وكره. وحضنت عليه أمواج البحار: أي ما ضمته كما تحضن الأنثى من ا!طير بيضها، وهو ما يكون في لجة، إما
من سمك أو خشب أو ما يحمله البحر من العنبركالجماجم بين الأمواج وغيرذلك. وقيل:
السدفة اختلاط الضوء والظلمة معا كوقت ما بين طلوع الفجر إلى ا لإسفار. وأطباقها: جمع طبقة، أي أغطيتها، أطبقت الشيء أي غطيته، وجعلته مطبقاً، وقد تطبق هو، ومنه قولهم: لوتطبقت السماء على الأرض لما فعلت كذا. وسبحات النور: عطف على أطباق الدياجير، أي يعلم
سبحانه ما تعاقب عليه الظلام والضياء. وسبحات ههنا،
ليس يعني به ما يعني بقوله: "سبحان وجه
ربنا"، لأنه هناك بمعنى ما يسبح عليه النور، أي يجري، من سبح الفرس
وهو جريه، ويقال: فرس سابح. والخطوة:
ما بين القدمين، بالضم، وخطوت خطوة بالفتح، لأنه المصدر. والنفس الهامة: ذات الهمة
التي تعزم على الأمر.
والنطفة:
الماء نفسه، ومنه قوله رضي الله عنه في الخوارج: إن مصارعهم لدون النطفة، أي لا يعبرون
النهر، ويجوز أن يريد بالنطفة المني ويقويه ما ذكره بعده من المضغة. والكلفة:
المشقة، واعتورته مثل عرته. ونفذهم
علمه، تشبيه بنفوذ السهم، وعدى الفعل بنفسه وإن كان معدى في الأصل بحرف الجر، كقولك: اخترت الرجال زيداً أي من الرجال، كأنه جعل
علمه تعالى خارقاً لهم ونافذاً فيهم. ويروى: وأحصاهم عده،
بالتضعيف. اللهم فقد
بسطت لي فيما لا أمدح به غيرك، ولا أثني به على أحد سواك، ولا أوجهه إلى معادن
الخيبة ومواضع الريبة، وعدلت بلساني عن مدائح الآدميين والثناء على المربوبين
المخلوقين. اللهم ولكل مثن على من أثنى عليه مثوبة من جزاء، أو
عارفة من عطاء وقد رجوتك دليلاً على ذخائر الرحمة وكنوز المغفرة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
لما أراوده الناس على
البيعة بعد قتل عثمان رضي الله عنه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: دعوني
والتمسوا غيري فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب، ولا تثبت
عليه العقول. وإن ألافاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت. الشرح: في أكثر
النسخ: لما أراده الناس على البيعة، ووجدت في
بعضها: أداره الناس على البيعة، فمن روى
الأول جعل على متعلقة بمحذوف، وتقديره موافقاً، ومن
روى الثاني جعلها متعلقة بالفعل الظاهر نفسه، وهو أداره، تقول: أدرت
فلاناً على كذا، وداورت فلاناً على كذا، أي عالجته. وأغامت الافاق: غطاها الغيم، أغامت وغامت، وأغيمت
وتغيمت، كله بمعنى، والمحجة: الطريق. وتنكرت: جهلت فلم تعرف. ووزيرأ
وأميراً: منصوبان على الحال. ومعنى قوله:
"له وجوه وألوان أنه موضع شبهة وتأويل، فمن قائل
يقول: أصاب علي، ومن قائل يقول: أخطأ، وكذلك القول في تصويب محاربيه من أهل الجمل وصفين والنهروان
وتخطئتهم، فإن المذاهب فيه وفيهم تشعبت وتفرقت جداً. ومعنى
قوله: "الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت أن الشبهة قد استولت على العقول
والقلوب، وجهل أكثر الناس محجة الحق أين هي، فأنا لكم وزيراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتي فيكم
بشريعته وأحكامه خيرلكم مني أميراً محجوراً عليه مدبراً بتديركم، فإني أعلم أنه
لا قدرة لي أن أسير فيكم سيرة رسول الله صلى الله عليه
وسلم
في أصحابه مستقلاً بالتدبير، لفساد أحوالكم، وتعذر صلاحكم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
طلحة والزبير وقسم المال
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ونحن نذكر ههنا
في هذه القصة ما ذكره شيخنا
أبو جعفر الإسكافي في كتابه الذي نقض فيه كتاب العثمانية لشيخنا أبي عثمان،
فإن الذي ذكره لم نورده نحن فيما تقدم. ثم بويع وصعد المنبرفي اليوم الثاني من يوم البيعة، وهويوم السبت، لإحدى عشرة ليلة بقين من ذي الحجة، فحمد
الله وأثنى عليه، وذكر محمداً فصلى عليه، ثم ذكر نعمة الله على أهل الإسلام، ثم
ذكر الدنيا، فزهدهم فيها، وذكر الآخرة فرغبهم إليها، ثم
قال: "أما بعد: فإنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف
الناس أبا بكر، ثم استخلف أبوبكر عمر، فعمل بطريقه، ثم جعلها شورى بين ستة،
فأفضى الأمر منهم إلى عثمان، فعمل ما أنكرتم وعرفتم، ثم حصر وقتل، ثم جئتموني
طائعين فطلبتم إلي وإنما أنا رجل منكم، لي ما لكم، وعلي ما عليكم، وقد فتح الله
الباب بينكم وبين أهل القبلة، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، ولا يحمل هذا
الأمر إلا أهل الصبر والبصر والعلم بمواقع الأمر، وإني حاملكم على منهج نبيكم
صلى الله عليه وسلم، ومنفذ فيكم ماأمرت به إن استقمتم لي. وبالله المستعان. ألا
إن موضعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كموضعي منه أيام حياته،
فامضوا لما تؤمرون به، وقفوا عند ما تنهون عنه، ولا تعجلوا في أمر حتى نبينه لكم
فإن لنا عن كل أمر تنكرونه عذراً. ألاوإن الله عالم من فوق سمائه وعرشه أني كنت
كارهاً للولاية على أمة محمد حتى اجتمع رأيكم على ذلك، لأني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أيما وال ولي الأمر من بعدي، أقيم على
حد الصراط ونشرت الملائكة صحيفته فإن كان عادلاً أنجاه الله بعدله، وإن كان
جائراً انتفض به الصراط حتى تتزايل مفاصله، ثم يهوي إلى النار فيكون أول ما
يتقيها به أنفه وحر وجهه، ولكني لما اجتمع رأيكم لم
يسعني ترككم. ثم التفت رضي الله عنه يميناً وشمالاً،
فقال:
ألا لا يقولن رجال منكم غداً قد غمرتهم الدنيا فاتخذوا العقار، وفجروا الأنهار،
وركبوا الخيول الفارهة ، واتخذوا الوصائف الروقة فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً
إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه، وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون، فينقمون ذلك، ويستنكرون ويقولون: حرمنا ابن أبي
طالب حقوقنا ألا وأيما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى أن الفضل
له على من سواه لصحبته، فإن الفضل النيرغداً عند الله،
وثوابه وأجره على الله، وأيما رجل استجاب لله
وللرسول، فصدق ملتنا، ودخل في ديننا، واستقبل قبلتنا فقد استوجب حقوق الإسلام
وحدوده فأنتم عباد الله، والمال مال الله، يقسم بينكم بالسوية، لا فضل فيه لأحد
على أحد، وللمتقين عند الله غداً أحسن الجزاء، وأفضل الثواب لم يجعل الله الدنيا
للمتقين أجراً ولا ثواباً، وما عند الله خير للأبرار. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. ثم نزل. قال: فبينا الناس في المسجد بعد الصبح إذ طلع
الزبيروطلحة، فجلسا ناحية عن علي رضي الله عنه، ثم طلع مروان وسعيد وعبد الله بن
الزبير فجلسوا إليهما، ثم جاء قوم من قريش فانضموا إليهم، فتحدثوا نجياً ساعة ثم قام الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فجاء إلى علي رضي
الله عنه فقال: يا أبا الحسن إنك قد وترتنا جميعاً
أما أنا فقتلت أبي يوم بدر صبراً، وخذلت أخي يوم الدار بالأمس وأما سعيد فقتلت
أباه يوم بدر في الحرب وكان ثور قريش وأما مروان فسخفت أباه عند عثمان إذ ضمه
إليه ونحن إخوتك ونظراؤك من بني عبد مناف، ونحن نبايعك
اليوم على أن تضع عنا ما أصبناه من المال في أيام عثمان، وأن تقتل قتلته
وإنا إن خفناك تركناك فالتحقنا بالشام. فقام أبو الهيثم وعمار وأبو أيوب وسهل بن حنيف
وجماعة معهم، فدخلوا على علي رضي الله عنه،
فقالوا: يا أمير المؤمنين، انظر في أمرك، وعاتب قومك،
هذا الحي من قريش فإنهم قد نقضوا عهدك، وأخلفوا وعدك، وقد دعونا في السر
إلى رفضك، هداك الله لرشدك! وذاك لأنهم كرهوا الأسوة، وفقدوا الأثرة، ولما آسيت
بينهم وبين الأعاجم أنكروا واستشاروا عدوك عظموه، وأظهروا الطلب بدم عثمان فرقة
للجماعة، وتألفاً لأهل الضلالة. فرأيك! فخرج علي
رضي الله عنه، فدخل المسجد، وصعد
المنبرمرتدياً بطاق، مؤتزراً ببرد قطري، متقلداً سيفاً، متوكئاً على قوس، فقال: أما بعد، فإنا نحمد الله ربنا وإلهنا وولينا،
وولي النعم علينا، الذي أصبحت نعمه علينا ظاهرة وباطنة، امتناناً منه بغيرحول
منا ولا قوة، ليبلونا أنشكر أم نكفر فمن شكر زاده ومن كفر عذبه فأفضل الناس عند
الله منزلة، وأقربهم من الله وسيلة، أطوعهم لأمره، وأعلمهم بطاعته وأتبعهم لسنة
رسوله، وأحياهم لكتابه ليس لأحد عندنا فضل إلا بطاعة الله وطاعة الرسول. هذا كتاب الله بين أظهرنا، وعهد رسول الله وسيرته
فينا، لا يجهل ذلك إلا جاهل عاند عن الحق منكر، قال تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم
شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم". فقال: لقد نقمتما
يسيراً وأرجأتما كثيراً فاستغفرا الله يغفر لكما. ألا تخبرانني، أدفعتكما عن حق وجب لكما فظلمتكما
إياه؟ قالا: معاذ الله! قال: فهل استأثرت من هذا
المال لنفسي بشيء؟ قالا: معاذ الله! قال: أفوقع حكم أو حق لأحد من المسلمين
فجهلته أو ضعفت عنه قالا: معاذ الله! قال: فما
الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي؟ قالا:
خلافك عمر بن الحطاب في القسم أنك جعلت حقنا في القسم كحق غيرنا، وسويت بيننا
وبين من لا يماثلنا فيما أفاء الله تعالى علينا بأسيافنا ورماحنا، وأوجفنا عليه
بخيلنا ورجلنا، وظهرت عليه دعوتنا، وأخذناه قسراً قهراً، ممن لا يرى الإسلام إلا
كرهاً. فقال: فأنا ما ذكرتماه من الاستشارة بكما فوالله
ما كانت لي في الولاية رغبة ولكنكم دعوتموني إليها، وجعلتموني عليها فخفت أن
أردكم فتختلف الأمة، فلما أفضت إلي نظرت في كتاب الله وسنة رسوله فأمضيت ما
دلاني عليه واتبعته، ولم أحتج إلى آرائكما فيه ولا رأي غيركما، ولو وقع حكم ليس
في كتاب الله بيانه ولا في السنة برهانه، واحتيج إلى المشاورة فيه لشاورتكما فيه
وأما القسم والأسوة فإن ذلك أمر لم أحكم فيه بادىء بدء! قد وجدت أنا وأنتما رسول
الله صلى الله عليه وسلم يحكم بذلك، وكتاب الله ناطق به، وهو الكتاب الذي لا
يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وأما قولكما:
جعلت فيئنا وما أفاءته سيوفنا ورماحنا، سواء بيننا وبين غيرنا، فقديماً سبق إلى
الإسلام قوم ونصروه بسيوفهم ورماحهم، فلم يفضلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في
القسم، ولا آثرهم بالسبق، والله سبحانه موف السابق والمجاهد يوم القيامة
أعمالهم، وليس لكما والله عندي ولا لغيركما إلا هذا. أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق، وألهمنا وإياكم
الصبر. ثم قال: رحم الله امرأ رأى حقاً فأعان عليه، ورأى
جوراً فرده، وكان عوناً للحق على من خالفه. وأما الذين اهتضموا فقنعوا ومرنوا على القناعة، ولم
يخطر لأحد من الفريقين له أن هذه الحال تنتقض أو تتغير بوجه ما، فلما ولي عثمان أجرى الأمر على ما كان عمر يجريه، فازداد وثوق القوم بذلك، ومن
ألف أمراً أشق عليه فراقه، وتغيير العادة فيه،
فلما ولي أمير المؤمنين رضي الله عنه أراد أن يرد الأمر إلى ما كان في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وقد نسي ذلك ورفض وتخلل بين الزمانين اثنتان وعشرون سنة، فشق ذلك عليهم، وأنكروه وأكبروه، حتى حدث ما حدث من
نقض البيعة، ومفارقة الطاعة، ولله أمر هو بالغه! |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
يذكر ما كان من تغلبه على
الخوارج
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما بعد حمد
الله، والثناء عليه أيها الناس، فإني فقأت عين الفتنة،
ولم يكن ليجترىء عليها أحد غيري بعد أن ماج
غيهبها، وأشتد كلبها. فاسألوني قبل أن تفقدوني، فوالذي نفسي بيده لا تسألونني عن شيء
فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة إلا أنبأتكم بناعقها
وقائدها وسائقها، ومناخ ركابها، ومحط رحالها، ومن يقتل من أهلها قتلاً، ومن يموت
منهم موتاً. ألا وإن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية، فإنها فتنة عمياء مظلمة عمت خطتها،
وخصت بليتها، وأصاب البلاء من أبصر فيها، وأخطأ البلاء من عمي عنها. وقد روى ابن هلال
صاحب كتاب الغارات أنه كلم أباه في قتال أهل البصرة بكلام أغضبه، فرماه ببيضة
حديد عقرت ساقه، فعولج منها شهرين. وإنما قال:
"بعد ما ماج غيهبها"، لأنه أراد: بعد
ما عم ضلالها فشمل، فكنى عن الضلال بالغيهب، وكنى عن العموم والشمول بالتموج،
لأن الظلمة إذا تموجت شملت أماكن كثيرة غير الأماكن التي نشملها لو كانت ساكنة. واشتد كلبها، أي شرها وأذاها، ويقال للقحط الشديد: كلب، وكذلك للقر الشديد. وروى شيخنا أبو جعفر الإسكافي في كتاب نقض العثمانية عن علي بن
الجعد، عن ابن شبرمة،
قال: ليس لأحد من الناس أن يقول على المنبر: سلوني إلا
علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فأما الغراب، فيقال: نغق،
بالغين المعجمة ينغق بالكسر أيضاً، وحكى ابن
كيسان نعق الغراب أيضاً بعين غير معجمة والركاب: الإبل، واحدتها راحلة، ولا واحد
لها من لفظها، وجمعها ركب، مثل كتاب وكتب. ويقال: زيت ركابي، لأنه يحمل من الشام عليها. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الإمام علي وإخباره بأ مور
غيبية
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أنه رضي الله عنه
قد أقسم في هذا الفصل بالله الذي نفسه بيده، أنهم لا يسألونه عن أمر يحدث بينهم
وبين القيامة إلا أخبرهم به، وأنه ما صح من طائفة من الناس يهتدي بها مائة وتضل
بها مائة، إلا وهو مخبر لهم- إن سألوه- برعاتها وقائدها وسائقها ومواضع نزول
ركابها وخيولها، ومن يقتل منها قتلاً، ومن يموت منها موتاً، وهذه الدعوى ليست منه رضي الله عنه ادعاء الربوبية، ولا ادعاء
النبوة، ولكنه كان يقول: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بذلك، ولقد امتحنا إخباره فوجدناه موافقاً، فاستدللنا بذلك على
صدق الدعوى المذكورة، كإخباره عن
الضربة يضرب بها في رأسه فتخضب لحيته، وإخباره عن
قتل الحسين ابنه، وما قاله في كربلاء حيث مر بها، وإخباره بملك معاوية الأمر من بعده، وإخباره عن الحجاج، وعن يوسف بن عمر، وما أخبر به من أمر الخوارج بالنهروان، وما قدمه إلى أصحابه من
إخباره بقتل من يقتل منهم، وصلب من يصلب،
واخباره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين،
وإخباره بعدة الجيش الوارد إليه من الكوفة لما
شخص رضي الله عنه إلى
البصرة لحرب أهلها، وإخباره عن عبد الله بن الزبير، وقوله
فيه: "خب ضب، يروم أمراً ولا يدركه، ينصب
حبالة الدين لاصطياد الدنيا، وهو بعد مصلوب قريش" وكإخباره عن هلاك البصرة بالغرق، وهلاكها تارة أخرى بالزنج، وهو الذي صحفه قوم فقالوا: بالريح، وكإخباره عن ظهور الرايات السود من خراسان، وتنصيصه على قوم من أهلها يعرفون
ببني رزيق- بتقديم المهملة- وهم آل مصعب الذين منهم طاهر بن الحسين وولده وإسحاق
بن إبراهيم، وكانوا هم وسلفهم دعاة الدولة العباسية، وكإخباره عن الأئمة الذين ظهروا من ولده بطبرستان، كالناصر
والداعي وغيرهما، في قوله رضي الله عنه: "وإن لآل محمد بالطالقان لكنزاً سيظهره الله إذا شاء
دعاؤه حق يقوم بإذن الله فيدعو إلى دين الله"، وكإخباره عن مقتل النفس الزكية بالمدينة، وقوله: !إنه يقتل عند أحجار الزيت" وكقوله عن أخيه
إبراهيم المقتول بباب حمزة: "يقتل بعد أن يظهر
ويقهر بعد أن يقهر"، وقوله فيه أيضاً: "يأتيه
سهم غرب يكون فيه منيته فيا بؤساً للرامي! شلت يده، ووهن عضده"، وكإخباره
عن قتلى فخ، وقوله فيهم: هم خير أهل الأرض" وكإخباره عن المملكة العلوية
بالغرب، وتصريحه بذكر كتامة، وهم الذين نصروا
أبا عبد الله الداعي المعلم. وكقوله وهو يشير إلى أبي عبد
الله المهدي: وهو أولهم ثم يظهر صاحب القيروان
الغض البض. ذو النسب المحض، المنتجب من سلالة ذي البداء، المسجى بالرداء، وكان
عبيد الله المهدي أبيض مترفاً مشرباً بحمرة، رخص البدن،
تار الأطراف. وذو البداء إسماعيل بن جعفر بن محمد رضي
الله عنهم، وهو المسجى بالرداء، لأن أباه أبا عبد الله جعفراً
سجاه بردائه لما مات، وأدخل إليه وجوه الشيعة يشاهدونه،
ليعلموا موته، وتزول عنهم الشبهة في أمره. وكإخباره عن بني بويه وقوله فيهم:
"ويخرج من ديلمان بنو الصياد"، إشارة إليهم.
وكان أبوهم صياد السمك يصيد منه بيده ما يتقوت هو وعياله
بثمنه، فأخرج الله تعالى من ولده لصلبه ملوكاً ثلاثة،
ونشر ذريتهم حتى ضربت الأمثال بملكهم. وكقوله رضي الله
عنه فيهم: "ثم يستشري أمرهم حتى يملكوا الزوراء، ويخلعوا
الخلفاء" فقال له قائل: فكم مدتهم يا أمير
المؤمنين فقال: "مائة أو تزيد قليلا". وكقوله فيهم:
"والمترف ابن الأجذم ، يقتله ابن عمه على دجلة، وهو إشارة إلى عز الدولة
بختيار بن معز الدولة أبي الحسين، وكان معز الدولة أقطع اليد، قطعت يده للنكوص
في الحرب، وكان ابنه عز الدولة بختيار مترفاً،
صاحب لهو وشرب، وقتله عضد الدولة فناخسرو، ابن عمه بقصر الجص على دجلة في الحرب،
وسلبه ملكه. فأما خلعهم للخلفاء فإن معز الدولة خلع المستكفي،
ورتب عوضه المطيع، وبهاء الدولة أبا نصر بن عضد الدولة خلع الطائع ورتب عوضه
القادر، وكانت مدة ملكهم كما أخبربه رضي الله عنه. هكذا الرواية الصحيحة، وهي
التي ذكرها أبو العباس المبرد في كتاب الكامل،
وليست الرواية التي يذكر فيها العدد بصحيحة
ولا منقولة من كتاب معتمد عليه. ويجوز
أن يكون أصل هذه المقالة من قوم ملحدين أرادوا إدخال
الإلحاد في دين الإسلام، فذهبوا إلى ذلك، ولو كانوا في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم لقالوا فيه مثل هذه المقالة، إضلالاً لأهل
الإسلام، وقصداً لإيقاع الشبهة في قلوبهم، ولم يكن في
الصحابة مثل هؤلاء، ولكن قد كان فيهم منافقون
وزنادقة، ولم يهتدوا إلى هذه الفتنة، ولا
خطر لهم مثل هذه المكيدة. فإن قلت: لماذا
قال عن فئة تهدي مائة وما فائدة التقييد بهذا العدد قلت:
لأن ما دون المائة حقيرتافه لا يعتد به ليذكر ويخبر عنه، فكأنه قال: مائة
فصاعداً. وحوازب
الخطوب: جمع حازب، وحزبه الأمر، أي دهمه. وفشل: جبن
فإن قلت: أما فشل المسؤول فمعلوم، فما الوجه
في إطراق السائل قلت: لشدة الأمر وصعوبته،
حتى إن السائل ليبهت ويدهش فيطرق، ولا يستطيع السؤال. ومن رواها
بالتخفيف أراد كثرت وتزايدت، من قولهم: قلصت البئر، أي ارتفع ماؤها إلى رأسها أو
دونه، وهو ماء قالص وقليص، ومن روى: إذا
قلصت عن حربكم أراد إذا قلصت كرائه الأمور وحوازب الخطوب عن حربكم، أي انكشفت عنها، والمضارع من قلص يقلص، بالكسر.
وقال
أبوتمام:
قوله رضي الله عنه: "إن الفتن إذا أقبلت شبهت"، معناه أن الفتن عند إقبالها وابتداء
حدوثها، يلتبس أمرها ولا يعلم الحق منها من الباطل، إلى أن تنقضي وتدبر، فحينئذ
ينكشف حالها، ويعلم ما كان مشتبهاً منها. ثم أكد رضي الله عنه هذا المعنى بقوله: "ينكرن مقبلات، ويعرفن مدبرات"، ومثال ذلك فتنة
الجمل، وفتنة الخوارج،
كان كثير من الناس فيها في مبدأ الأمر متوقفين،
واشتبه عليهم الحال، ولم يعلموا موضع الحق إلى أن انقضت الفتنة. ووضعت الحرب أوزارها، وبان لهم صاحب الضلالة من صاحب الهداية.
وهذا الاسم مرفوع بالابتداء وخبره محذوف، والتقدير ليمن الله
قسمي فإذا خاطبت قلت ليمنك وفي حديث عروة بن الزبير: "ليمنك
لئن كنت ابتليت، لقد عافيت، ولئن كنت أخذت لقد أبقيت". وتحذف نونه
فيصير"ايم الله " بألف وصل مفتوحة، وقد تكسر، وربما حذفوا الياء،
فقالوا: ام الله وربما أبقوا الميم وحدها مضمومة، فقالوا: م الله، وقد يكسرونها لما صارت حرفاً شبهوها بالباء وربما قالوا من الله بضم الميم والنون: ومن الله بكسرهما: ومن الله بفتحهما،
وذهب أبو عبيد وابن كيسان وابن درستويه إلى
أن أيمن جمع يمين، والألف همزة قطع، وإنما خففت وطرحت في الوصل لكزة الاستعمال، قالوا: وكانت العرب تحلف باليمين فتقول: يمين الله لا أفعل،
قال امرؤ القيس:
قالوا:
واليمين تجمع على أيمن، قال زهير:
ثم
حلفوا به، فقالوا: أيمن الله ثم كثر في كلامهم وخف على
ألسنتهم حتى حذفوا منه النون كما حذفوا في قوله لم يكن فقالوا: لم يك فأقسم رضي الله عنه لأصحابه أنهم
سيجدون بني أمية بعده لهم أرباب سوء، وصدق صلوات الله عليه فيما قال، فإنهم
ساموهم سوء العذاب قتلاً وصلباً، وحبساً وتشريداً في البلاد.
قال رضي الله عنه:
والصاحب من مستصحبه، أي والتابع من متبوعه. ومخشية:
مخوفة. ولسنا فيها بدعاة، أي لسنا من أنصار تلك
الدعوة. و
أهل البيت منصوب على الاختصاص، كقولهم: نحن
معشر العرب نفعل كذا، ونحن آل فلان كرماء. وكأس مصبرة ممزوجة بالصبر لهذا المر، ويجوز أن
يكون مصبرة مملوءة إلى أصبارها وهي جوانبها، وفي
المثل: أخذها بأصبارها أي تامة، الواحد صبر، بالضم. وهذا الكلام إخبار عن ظهور المسودة،
وانقراض ملك بني أمية. ووقع الأمر بموجب إخبارهه رضي الله عنه صدق
قوله: "لقد تود قريش" الكلام إلى
آخره، فإن أرباب السيركلهم نقلوا أن مروان بن محمد قال
يوم الزاب لما شاهد عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس بإزائه في صف
خراسان: لوددت أن علي بن أبي طالب تحت هذه الراية بدلاً من هذا الفتى والقصة
طويلة وهي مشهورة. وايم الله لولا أن تتكلوا فتدعوا العمل لحدثتكم
بما قضى الله عز وجل على لسان نبيكم صلى
الله عليه وسلم لمن قاتلهم
مبصراً لضلالتهم، عارفاً للهدى الذي نحن عليه، سلوني
قبل أن تفقدوني، فإني ميت عن قريب أو مقتول، بل قتلاً ما ينتظر أشقاها أن يخضب
هذه بدم. وضرب بيده إلى لحيته. سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن
تجد لسنة الله تبديلا". وأما أصحابنا فيزعمون أنه سيخلق تعالى في آخر الزمان رجلاً
من ولد فاطمة رضي الله عنها ليس
موجوداً الآن، وأنه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وينتقم من الظالمين
وينكل بهم أشد النكال، وأنه لأم ولد، كما قد ورد في
هذا الأمر وفي غيره من الآثار، وأن اسمه محمد، كاسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه
إنما يظهر بعد أن يستولي على كثيرمن الإسلام ملك من أعقاب بني امية، وهو السفياني الموعود به في الخبر الصحيح، من ولد أبي
سفيان بن حرب بن امية، وأن الإمام الفاطمي يقتله ويقتل أشياعه من بني
أمية وغيرهم، وحينئذ ينزل المسيح عليه السلام من
السماء، وتبدو أشراط الساعة، وتظهر دابة الأرض، ويبطل التكليف، ويتحقق
قيام الأجساد عند نفخ الصور، كما نطق به الكتاب
العزيز. وقوله: لو
كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا، فلا مناقضة بين التفسرين. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
يصف فيها حال الأنبياء
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: فتبارك الله
الذي لا يبلغه بعد الهمم، ولا يناله حدس الفطن الأول الذي لا غاية له فينتهي،
ولا أخر له فينقضي. ويقال:
بارك الله لزيد وفي زيد وعلى زيد وبارك الله زيداً، يتعدى بنفسه، ومنه قوله
تعالى: "أن بورك من في النار". ويحتمل تبارك الله معنيين: أحدهما أن
يراد:
تبارك خيره وزادت نعمته وإحسانه، وهذا دعاء. وثانيهما أن يراد به:
تزايد وتعالى في ذاته وصفاته عن أن يقاس به غيره، وهذا تمجيد. وحدس الفطن: ظنها
وتخمينها، حدست أحدس، بالكسر. والسلف:
المتقدمون، والخلف: الباقون، ويقال: خلف صدق
بالتحريك، وخلف سوء بالتسكين، وأفضت كرامة الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم، أي
انتهت. والأرومات: جمع أرومة وهي الأصل، ويقال أروم بغير
هاء وصدع: شق، وانتجب: اصطفى. والأسرة:
رهط الرجل. ومعنى قوله: "وثمر لا ينال" ليس على أن
يريد به أن ثمرها لا ينتفع به، لأن ذلك ليس بمدح بل يريد به أن ثمرها لا ينال
قهراً، ولا يجنى غصباً. ويجوز أن يريد بثمرها نفسه
رضي الله عنه، ومن يجري مجراه من أهل البيت رضي الله عنهم، لأنهم ثمرة تلك الشجرة. ولا
ينال، أي لا ينال مساعيهم ومآثرهم ولا يباريهم أحد، وقد روي في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل قريش وبني هاشم الكثير المستفيض، نحو قوله رضي الله عنه:
قدموا قريشاً ولا تقدموها، وقوله:
الأئمة من قريش، وقوله: إن الله اصطفى من العرب معدا واصطفى من معد بني النضر بن
كنانة، واصطفى هاشماً من بني النضر، واصطفاني من بني هاشم!، وقوله: "إن جبرائيل عليه السلام قال لي: يا محمد
قد طفت الأرض شرقاً وغرباً فلم أجد فيها أكرم منك، ولا بيتاً أكرم من بني هاشم
"، وقوله: "نقلنا من الأصلاب الطاهرة إلى
الأرحام الزكية"، وقوله رضي الله عنه: "إن
الله تعالى لم يمسسني بسفاح في أرومتي منذ إسماعيل بن إبراهيم إلى عبد الله بن
عبد المطلب"، وقوله صلى الله عليه وسلم:
"سادة أهل محشر، سادة أهل
الدنيا: أنا وعلي وحسن وحسين وحمزة وجعفر"، وقوله وقد سمع رجلاً ينشد:
أهكذا
قال يا أبا بكر؟ منكراً لما سمع، فقال أبو بكر: لا يا رسول الله، إنه لم يقل
هكذا ولكنه قال:
فسر
صلى الله عليه وسلم بذلك، وقوله: "أذل الله من أذل قريشاً"، قالها ثلاثاً،
وكقوله "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد
المطلب"، وكقوله: "الناس تبع لقريش،
برهم لبرهم، وفاجرهم لفاجرهم"، وكقوله: "أنا
ابن الأكرمين"، وقوله لبني هاشم:
"والله لا يبغضكم أحد إلا أكبه الله على منخريه في
النار"، وقوله: "ما بال رجال
يزعمون أن قرابتي غيرنافعة ! بلى
إنها لنافعة، وإنه لا يبغض أحد أهلي إلا حرمه الله
الجنة". والقصد: الاعتدال. وكلامه الفصل،
أي الفاصل، والفارق بين الحق والباطل وهو مصدر بمعنى الفاعل، كقولك: رجل عدل، أي عادل. والغباوة:
الجهل وقلة الفطنة، يقال: غبيت عن الشيء وغبيت الشيء أيضاً، أغبى غباوة إذا لم
يفطن له، وغبى علي الشيء، إذا لم تعرفه، وفلان غبي على فعيل، أي قليل الفطنة. ونهج،
أي واضح، ود ار السلام: الجنة، ويروى: "والطريق نهج " بالواو، واو
الحال. وأنتم في دار مستعتب، أي في دار يمكنكم فيها
استرضاء الخالق سبحانه، واستعتابه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
يذكر فيها حال الناس عند
البعثة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: بعثه والناس
ضلال في حيرة، وحاطبون في فتنة، قد استهوتهم الأهواء واستزلتهم لكبرياء،
واستخفتهم الجاهلية الجهلاء حيارى في زلزال من الأمر، وبلاء من الجهل، فبالغ صلى
الله عليه في النصيحة، ومضى على الطريقة، ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة. ويروى:
خابطون واستهوتهم الأهواء: دعتهم إلى نفسها، واستزلتهم الكبرياء: جعلتهم ذوي زلل
وخطأ. واستخفتهم الجاهلية: جعلتهم ذوي خفة وطيش وخرق،
والزلزال، بالفتح، الاسم، وبالكسر: المصدر، والزلازل: الشدائد، ومثله في الكسر
عند الإسمية والفتح عند المصدر القلقال. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في تمجيد الله
وتعظيمه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: الحمد لله
الأول فلا شيء قبله، والآخر فلا شيء بعده، والظاهر فلا شيء فوقه، والباطن فلا
شيء دونة. ودفنها:
أكمنها وأخفاها. وألف به إخواناً، لأن الإسلام قد ألف بين المتباعدين، وفرق بين
المتقاربين، وقال تعالى: "فأصبحتم بنعمته
إخواناً"، قطع ما بين حمزة وأبي لهب مع تقاربهما، وألف بين علي رضي الله عنه وعمار
مع تباعدهما. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له في توبيخ
أصحابه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: ولئن أمهل
الله الظالم فلن يفوت أخذه، وهو له بالمرصاد، على مجاز طريقه، وبموضع الشجا من
مساغ ريقه. أما والذي نفسي بيده ليظهرن هؤلاء القوم عليكم ليس لأنهم أولى بالحق
منكم ولكن لإسراعهم إلى باطلهم، وإبطائكم عن حقي، ولقد أصبحت الأمم تخاف ظلم
رعاتها، وأ صبحت أخاف ظلم رعيتي. أستنفرتكم للجهاد فلم تنفروا، وأسمعتكم فلم تسمعوا،
ودعوتكم سراً وجهراً فلم تستجيبوا، ونصحت لكم فلم تقبلوا. ترجعون إلى
مجالسكم، وتتخادعون عن مواعظكم. أقومكم غدوة وترجعون إلي عشية، كظهر الحنية عجز
المقوم وأعضل المقوم. وإني لعلى
بينة من ربي ومنهاج من نبي، وإني لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطاً. والمرصاد:
الطريق، وهي من ألفاظ الكتاب العزيز. والشجا:
ما ينشب في الحلق من عظم أو غيره، وموضع الشجا: هو الحلق نفسه. ومساغ ريقه:
موضع الإساغة، أسغت الشراب: أوصلته إلى المعدة. ويجوز:
سغت الشراب أسوغه وأسيغه، وساغ الشراب نفسه يسوغ سوغاً، أي سهل مدخله في الحلق،
يتعدى ولا يتعدى. وهذا
الكلام من باب التوسع والمجاز، لأن الله تعالى لا يجوز
عليه الحصول في الجهات، ولكنه كقوله تعالى: "وهو
معكم أينما كنتم". وقوله: "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد". ثم قال:
"أو أموت كما مات أصحابي"، فمن قائل يقول:
عنى بأصحابه الخلفاء المتقدمين ومن قائل يقول:
عنى بأصحابه شيعته كسلمان، وأبي ذر، وعمار، ونحوهم، ألا ترى إلى قوله على المنبر
في أمهات الأولاد: "كان رأي ورأي عمر ألا يبعن، وأنا أرى الآن بيعهن"
فقام عليه عبيدة السلماني فقال له: رأيك مع الجماعة أحب
إلينا من رأيك وحدك، فما أعاد عليه حرفاً، فهل
يدل هذا على القوة والقهر، أم على الضعف في السلطان والرخاوة! وهل كانت المصلحة والحكمة تقتضي فى ذلك
الوقت غير السكوت والإمساك ألا ترى أنه كان يقراً في صلاة الصبح وخلفه
جماعة من أصحابه، فقراً واحد منهم رافعاً صوته، معارضاً قراءة أمير المؤمنين رضي
الله عنه: "إن الحكم إلا لله يقضي بالحق وهو
خير الفاصلين". فلم يضطرب رضي الله عنه، و يقطع صلاته
ولم يلتفت وراءه، ولكنه قراً معارضاً له على البديهة:
"فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لايوقنون" وهذا صبرعظيم وأناة عجيبة وتوفيق بين. وبهذا ونحوه استدل أصحابنا المتكلمون على حسن سياسته وصحة
تدبيره، لأن من مني بهذه الرعية المختلفة الأهواء، وهذا الجيش العاصي له،
المتمرد عليه، ثم كسر بهم الأعداء، وقتل بهم الرؤساء، فليس
يبلغ أحد في حسن السياسة وصحة التدبيرمبلغه، ولا يقدر أحد قدره، وقد قال بعض المتكلمين من أصحابنا: إن سياسة علي رضي الله
عنه إذا تأملها المنصف متدبراً لها بالإضافة إلى
أحواله التي دفع إليها مع أصحابه، جرت مجرى المعجزات، لصعوبة الأمر وتعذره فإن
أصحابه كانوا فرقتين: إحداهما تذهب إلى
أن عثمان قتل مظلوماً وتتولاه وتبراً من أعدائه، وأخرى
وهم جمهور أصحاب الحرب وأهل العناء والبأس يعتقدون أن عثمان قتل لأحداث أوجبت
عليه القتل، وقد كان منهم من يصرح بتكفيره، وكل
من هاتين الفرقتين يزعم أن علياً رضي الله عنه موافق لها على رأيها، وتطالبه في
كل وقت بأن يبدي مذهبه في عثمان، وتسأله أن يجيب بجواب واضح في أمره، وكان رضي
الله عنه، يعلم أنه متى وافق إحدى الطائفتين
باينته الأخرى، وأسلمته وتولت عنه وخذلته، فأخذ رضي الله عنه يعتمد
في جوابه ويستعمل في كلامه ما تظن به كل واحدة من الفرقتين أنه يوافق رأيها
ويماثل اعتقادها، فتارة يقول: الله قتله وأنا
معه، وتذهب الطائفة الموالية لعثمان إلى أنه
أراد أن الله أماته وسيميتني كما أماته وتذهب الطائفة
الأخرى إلى أنه أراد أنه قتل عثمان مع قتل الله له أيضاً، وكذلك قوله تارة أخرى: ما أمرت به ولا نهيت عنه،
وقوله: "لوأمرت به لكنت قاتلاً، ولو نهيت عنه لكنت
ناصرا"، وأشياء من هذا الجنس مذكورة مروية عنه، فلم يزل على هذه الوتيرة حتى قبض رضي الله عنه، وكل من
الطائفتين موالية معتقدة أن رأيه في عثمان كرأيها، فلو
لم يكن له من السياسة إلا هذا القدر مع كثرة خوض الناس حينئذ في أمر عثمان
والحاجة إلى ذكره في كل مقام لكفاه في الدلالة على أنه أعرف الناس بها، وأحذقهم
فيها، وأعلمهم بوجوه مخارج الكلام، وتدبير أحوال الرجال. والحنية:
القوس. وقوله: "كظهر الحنية"، يريد اعوجاجهم كما أن ظهر القوس معوج. وأعضل
المقوم، أي أعضل داؤه، أي أعيا. ويروى: "أيها
الشاهدة أبداًنهم". بحذف الموصوف.
أحبك
أهل العراق وأحببت أهل الشام وأحب أهل الشام عبد الملك فما تصنع ثم ذكر رضي الله عنه
أنه مني، أي بلي منهم بثلاث واثنتين، إنما لم يقل بخمس،
لأن الثلاث إيجابية، والاثنتين سلبية، فأحب أن يفرق بين
الإثبات والنفي. ولا إخوان ثقة عند البلاء، أي موثوق بهم، تربت أيديكم، كلمة يدعى على الإنسان بها، أي
لا أصبتم خيراً، وأصل ترب أصابه التراب، فكأنه يدعو عليه بأن يفتقر حتى يلتصق
بالتراب. قوله:
فيما إخالكم أي فيما أظنكم، والأفصح كسر الألف وهو السماع وبنو أسد يفتحونها وهو
القياس. والوغى
في الأصل: الأصوات والجلبة، وسميت الحرب نفسها
وغى لما فيها من ذلك، وقوله: انفراج المرأة عن قبلها،
أي وقت الولادة. وماذوا: تحركوا واضطربوا، إما خوفاً من العقاب
كما يتحرك الرجل ويضطرب أو رجاء للثواب كما يتحرك النشوان من الطرب، وكما يتحرك الجذل
المسرور من الفرح. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له رضي الله عنه
في وصف بنى أمية
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: والله لا
يزالون حتى لا يدعوا لله محرماً إلا استحلوه، ولا عقداً إلا حلوه، وحتى لا يبقى
بيت مدر ولا وبر إلا دخله ظلمهم، ونبا به سوء رعتهم، وحتى يقوم الباكيان يبكيان:
باك يبكي لدينه وباك يبكي لدنياه، وحتى تكون نصرة أحدكم من أحدهم كنصرة العبد من
سيده، إذا شهد أطاعه، وإذا غاب اغتابه، وحتى يكون أعظمكم فيها غناء أحسنكم بالله
ظناً، فإن أتاكم الله بعافية، فاقبلوا، وإن أبتليتم فاصبروا، فإن العاقبة
للمتقين. الشرح: تقدير الكلام:
لا يزالون ظالمين فحذف الخبر وهو مراد، وسدت حتى وما بعدها مسد الخبر ولا يصح ما ذهب إليه بعض المفسرين من أن زال
بمعنى تحرك وانتقل فلا تكون محتاجة إلى خبر، بل تكون تامة في نفسها، لأن تلك
مستقبلها يزول بالواو، وههنا بالألف لا يزالون فهي الناقصة التي لم تأت تامة قط
ومثلها في أنها لا تزال ناقصة: ظل وما فتىء وليس. ونبا به منزله:
إذا ضره ولم يوافقه، وكذلك نبا به فراشه، فالفعل لازم، فإذا أردت تعديته بالهمزة
قلت: قد أنبى فلان على منزلي، أي جعله نابياً،
وإن عديته بحرف الجر قلت: قد نبا بمنزلي فلان، أي أنباه علي، وهو في هذا الموضع
معدى بحرف الجر. والورع بكسر الراء: الرجل التقي، ورع يرع بالكسر فيهما
ورعاً ورعة، ويروى: سوء رعيهم، أي سوء سياستهم
وإمرتهم. ونصرة أحدكم من أحدهم أي انتصاره منه وانتقامه، فهو مصدر مضاف إلى
الفاعل وقد تقدم شرح هذا المعنى وقد حمل قوم هذا المصدر على الإضافة إلى المفعول
وكذلك نصرة العبد وتقدير الكلام: حتى يكون نصرة أحد هؤلاء الولاة لأحدكم كنصرة
سيد العبد السيء الطريقة إياه، ومن في الموضعين مضافة إلى محذوف تقديره من جانب
أحدهم ومن جانب سيده وهذا ضعيف لما فيه من الفصل بين العبد وبين قوله: ذا شهد أطاعه
وهو الكلام الذي إذا استمر المعنى جعل حالاً من العبد بقوله: من سيده. والضمير
في قوله: فيها يرجع إلى غيرمذكور لفظاً ولكنه كالمذكور يعني الفتنة، أي حتى يكون
أعظمكم في الفتنة غناء، ويروى برفع أعظمكم ونصب أحسنكم والأول أليق وهذا الكلام
كله إشارة إلى بني أمية. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له رضي الله عنه
في وصف الدنيا
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
نحمده على ما كان، ونستعينه من أمرنا على ما يكون، ونسأله المعافاة في الأديان،
كما نسأله المعافاة في الأبداًن.
وقيل لأعرابي: ما
تشتكي؟ قال: ذنوبي، قيل: فما تشتهي؟ قال: الجنة، قيل: أفلا ندعو لك طبيباً؟ قال:
الطبيب أمرضني. سمعت عفيرة بنت الوليد البصرية العابده رجلاً يقول: ما أشد العمى على من كان بصيراً فقالت: عبد الله! غفلت عن مرض الذنوب، واهتممت
بمرض الأجساد عمى القلوب عن الله أشد من عمى العين عن الدنيا، وددت أن الله وهب
لي كنه محبته، ولم يبق مني جارحة إلا تبلها.
والرفض:
الترك و.إبل رفض: متروكة ترعى حيث شاءت، وقوم سفر، أي مسافرون: وأموا: قصدوا،
والعلم: الجبل أو المنار في الطريق يهتدى به. والمنافسة:
المحاسدة، ونفست عليه بكذا، أي ضننت، والبؤس: الشدة والنفاد: الفناء.
أي
كوثوب العرق الذي فصد أو قطع فلا يكاد ينقطع دمه ويقال:
إن لغضبه لسورة، وهو سوار، أي وثاب معربد. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
يذكر محمداً صلى الله عليه
وسلم وما تركه فى أصحابه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
الحمد لله الناشر في الخلق فضله، والباسط فيهم بالجود يده. نحمده في جميع أموره،
ونستعينه على رعاية حقوقه، ونشهد أن لا إله غيره، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله
بأمره صادعاً، وبذكره ناطقاً، فأدى أميناً، ومضى رشيداً، وخلف فينا راية الحق من
تقدمها مرق، ومن تخلف عنها زهق، ومن لزمها لحق. دليلها
مكيث الكلام، بطيء القيام، سريع إذا قام، فإذا أنتم ألنتم له رقابكم، وأشرتم
إليه بأصابعكم جاءه الموت فذهب به فلبثتم بعده ما شاء الله حتى يطلع الله لكم من
يجمعكم ويضم نشركم، فلا تطمعوا في غير مقبل، ولا تيئسوا من مدبر، فإن المدبر عسى
أن تزل به إحدى قائمتيه، وتثبت الأخرى فترجعا حتى تثبتا جميعاً.
وصادعاً،
أي مظهراً ومجاهراً للمشركين، قال تعالى: "فاصدع بما تؤمر". وراية الحق:
الثقلان المخلفان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهما الكتاب والعترة ، ومرق: خرج، أي
فارق الحق، ومرق السهم عن الرمية. خرج من جانبها الآخر وبه سميت الخوارج مارقة،
وزهقت نفسه، بالفتح زهوقاً، أي خرجت، قال تعالى: "أوتزهق
أنفسهم وهم كافرون". وزهقت
الناقة إذا سبقت وتقدمت أمام الركاب، وزهق الباطل: اضمحل، يقول رضي الله عنه: من
خالفها متقدماً لها أومتأخراً عنها فقد خرج عن الحق، ومن لازمها فقد أصاب الحق. ومكيث
الكلام: بطيئه، ورجل مكيث أي رزين، والمكث: اللبث والانتظار، مكث ومكث بالفتح
والضم، والاسم المكث والمكثة بالضم وكسرها يعني أنه ذو أناة وتؤدة، ثم أكد ذلك
بقوله: "بطيء القيام ".
يعني سيف الدولة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مدح الأناة وذم العجلة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
أمثالهم: "يريك الهوينى والأمور تطير"، يضرب
لمن ظاهره الأناة وباطنه إبرام الأمور وتنفيذها والحاضرون لا يشعرون ويقولون لمن
هو كذلك: "وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر
مر السحاب". ويقال:
إن آدم عليه السلام
أوصى ولده عند موته فقال: "كل
عمل تريدون أن تعملوه فتوقفوا فيه ساعة، فإني لوتوقفت لم يصبني ما أصابني.
وقوله رضي الله عنه: بطيء القيام، سريع إذا قام" فيه شبه من قول الشنفرى:
ومن أمثالهم في مدح الأناة وذم العجلة: أخطأ مستعجل أو كاد، وأصاب متثبت أو
كاد. ومنها:
ومخها:
رب عجلة تهب ريثاً. وقال
البحتري:
قال
الأحنف لرجل سبه فأفرط: يا هذا، إنك منذ اليوم تحدو بجمل ثقال، وقال الشاعر:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مدح المقل من الكلام وذم
المكثر
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما قوله رضي الله عنه: "مكيث
الكلام "، فإن قلة الكلام من صفات المدح وكثرته
من صفات الذم. قالت جارية ابن السماك له:
ما أحسن كلامك لولا أنك تكثر ترداده، فقال: أردده حتى يفهمه من لم يفهمه، قالت:
فإلى أن يفهمه من لم يفهمه قد مله من فهمه. وقال المعتضد لأحمد بن الطيب السرخسي:
طول لسانك دليل على قصر عقلك. قيل له: ما الاستعانة قال: ألا ترى الرجل إذا حدث
قال: يا هناه، واستمع إلي، وافهم، وألست تفهم؟. هذا كله عي وفساد. قال أبو سفيان بن حرب لعبد الله بن الزبعرى: ما لك لا تسهب في شعرك؟ قال: حسبك من
الشعر غرة لائحة، أو وصمة فاضحة.
وقال
الشاعريرثي رجلاً:
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يكره التشادق والاطالة والهذر، وقال: "إياك والتشادق "، وقال صلى الله عليه وسلم: "أبغضكم
إلي الثرثارون المتفيهقون" وروى
عمرو بن عبيد رحمه تعالى، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا
معاشر الأنبياء بكاؤون قليلو الكلام "، رجل بكيء على فعيل، قال: وكانوا يكرهون أن يزيد منطق الرجل على عقله.
وكان يقال: لسان العاقل من وراء قلبه، فإذا أراد الكلام تفكر، فإن كان له
قال، وإن كان عليه سكت، وقلب الجاهل من وراء لسانه،
فإن هم بالكلام تكلم به.
إن
صاحبكم أعطي مقولاً، وحرم معقولاً.
وقال
أبوالعتاهية:
وقال
الشاعر:
وكان يقال:
العجلة قيد الكلام.
وهيب بن الورد:
إن الحكمة عشرة أجزاء، تسعة منها في الصمت، والعاشرة العزلة عن الناس. ثم عاد إلى السكوت حتى مات.
جاء في الحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا
رأيتم المؤمن صموتاً فادنوا منه، فإنه يلقى الحكمة". وعند أصحابنا أنه غير موجود الآن وسيوجد، وعند الإمامية أنه
موجود الآن. قوله رضي الله عنه: "فلا تطمعوا في غيرمقبل، ولا
تيأسوا من مدبر" ظاهر هذا الكلام متناقض وتأويله أنه نهاهم عن أن يطمعوا في
صلاح أمورهم على يد رئيس غير مستأنف الرياسة وهو معنى مقبل، أي قادم تقول: سوف
أفعل كذا في الشهر المقبل، وفي السنة المقبلة، أي القادمة يقول: كل الرياسات
التي تشاهدونها فلا تطمعوا في صلاح أموركم بشيء منها، وإنما تنصلح أموركم على يد
رئيس يقدم عليكم، مستأنف الرياسة خامل الذكر، ليس أبوه بخليفة، ولا كان هو ولا
أبوه مشهورين بينكم برياسة. بل يتبع ويعلو أمره ولم يكن قبل معروفاً هو ولا أهله
الأدنون، وهذه صفة المهدي الموعود به. ويروى: "فلا تطعنوا في عين مقبل "، أي لا
تحاربوا أحداً منا ولا تيأسوا من إقبال من يدبر أمره منا. خوى: مال للمغيب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له عليه السلام
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وهي من الخطب التي تشتمل على ذكر الملاحم الأصل: الحمد لله
الأول قبل كل أول، والآخر بعد كل أخر، وبأوليته وجب أن لا أول له، وبأخرييه وجب
أن لا آخر له. وهكذا القول في آخريته، لأنا إذا فرضناه آخراً
مطلقاً تبع هذا الفرض أن يكون مستحيل العدم، وهو
المعني بقوله: أوجب أن لا آخر له ". وإنما تبعه ذلك لأنه لو لم
يستحل عدمه لصح عدمه لكن كل صحيح وممكن فليفرض وقوعه، لأنه لا يلزم من فرض وقوعه
محال، مع فرضنا إياه صحيحاً وممكناً لكن فرض تحقق عدمه محال، لأنه لو عدم لما
عدم بعد استمرار الوجودية إلا بضد، لكن الضد المعدم يبقى بعد تحقق عدم الضد
المعدوم لاستحالة أن يعدمه، ويعدم معه في وقت واحد لأنه لوكان وقت عدم الطارىء
هو وقت عدم الضد المطروء عليه، لامتنع عدم الضد المطروء عليه لأن حال عدمه الذي
هو الأثر المتجدد تكون العلة الموجبة للأثر معدومة، والمعدوم يستحيل أن يكون
مؤثراً البتة فثبت أن الضد الطارىء لا بد أن يبقى بعد عدم المطروء عليه ولو
وقتاً واحداً، لكن بقاءه بعده ولو وقتاً واحداً يناقض فرضنا كون المطروء عليه
آخراً مطلقاً، لأن الضد الطارىء قد بقي بعده، فيلزم من
الخلف والمحال ما لزم في المسألة الأولى. الأصل: وأشهد أن لا
إله إلا الله شهادة يوافق فيها السر الإعلان، والقلب اللسان. وفحص براياته. من
قولهم: ما له مفحص قطاة، أي مجثمها، كأنهم جعلوا ضواحي الكوفة مفحصاً
ومجثما لراياتهم. وضواحيها: نواحيها القريبة منها البارزة عنها يريد
رستاقها. وكلوح الأيام: عبوسها، والكدوح: الآثار من
الجراحات والقروح، الواحد الكدح، أي الخدش. وأينع الزرع:
أدرك ونضج: وهو الينع والينع، بالفتح والضم مثل النضج والنضج ويجوز ينع الزرع
بغيرهمز، ينع ينوعاً، ولم تسقط الياء في المضارع لأنها تقوت بأختها، وزرع ينيع
ويانع مثل نضيج وناضج. وقد روي أيضاً هذا الموضع بحذف الهمز. والمعضلة:
العسرة العلاج داء معضل، ويخرق الكوفة: يقطعها. والقاصف: الريح القوية تكسر كل ما تمر عليه
وتقصفه. وهذا كناية عن الدولة العباسية التي ظهرت على دولة
بني أمية. والقرون: الأجيال من الناس، واحدها قرن، بالفتح. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له تجري هذا
المجرى
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
وذلك يوم يجمع الله فيه الأولين والآخرين لنقاش الحساب وجزاء الأعمال، خضوعاً
قياماً قد ألجمهم العرق، ورجفت بهم الأرض، فأحسنهم حالاً من وجد لقدميه موضعاً،
ولنفسه متسعاً. يحفزها:
يدفعها. ويجهدها:
يحمل عليها في السير فوق طاقتها؛ جهدت دابتي؛ بالفتح، ويجوز: أجهدت؛ والمراد أن
أرباب تلك الفتن يجتهدون ويجدون في إضرام نارها، رجلاً وفرساناً، فالرجل كنى
عنهم بالقائد، والفرسان كنى عنهم بالراكب.
ثم ذكر عليه السلام أن هؤلاء أرباب الفتن يجاهدهم قوم أذلة، كما قال الله
تعالى: "أذلة على المؤمنين أعزة على
الكافرين"، وذلك من صفات المؤمنين. ثم أخبر بهلاك البصرة بجيش من نقم الله لا رهج له
ولا حس، الرهج: الغبار، وكنى بهذا الجيش عن جدب وطاعون يصيب أهلها حتى يبيدهم. والموت الأحمر، كناية عن الوباء والجوع. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في وصف الناس في بعض
الأزمان
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
أنظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها؛ الصادفين عنها؛ فإنها والله عما قليل تزيل
الثاوي الساكن؛ وتفجع المترف الآمن؛ لا يرجع ما تولى منها فأدبر، ولا يدرى ما هو
أت منها فينتظر.
والمترف:
الذي قد أترفته النعمة، أي أطغته؛ يقول عليه السلام: لا يعود على الناس ما أدبر
وتولى عنهم من أحوالهم الماضية، كالشباب والقوة، ولا يعلم حال المستقبل من صحةأو
مرض،أوحياةأوموت لينتظر، وينظر إلى هذا المعنى قول الشاعر:
ومشوب:
مخلوط، شبته أشوبه فهو مشوب، وجاء مشيب في قول الشاعر:
فبناه
على شيب لم يسم فاعله، وفي المثل: هو يشوب
ويروب، يضرب لمن يخلط في القولأوالعمل.
ثم جعل التفكر علة الاعتبار، وجعل الاعتبار علة الإبصار؛
وهذا حق، لأن الفكر يوجب الاتعاظ، والاتعاظ يوجب الكشف، والمشاهدة بالبصيرة التي
نورها الاتعاظ. ثم ذكر أن ما هو كائن موجود من الدنيا سيصير عن قليل- أي بعد
زمان قصير- معدوما، والزمان القصير ههنا: انقضاء الأجل وحضور الموت. اسمعوا أيها الناس وعوا؛ من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو
آت آت.
ثم عثر عن هذا المعنى بعبارة أخرى، فصارت مثلاً أيضاً، وهي قوله: كفى بالمرء جهلاً ألا يعرف قدره، ومن
الكلام المروي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام مرفوعاً: ما هلك امرؤ عرف
قدره، رواه أبو العباس المبرد عنه في الكامل. وفي
الحديث المرفوع: "ما رفع امرؤ نفسه في الدنيا درجة
إلا حطه الله تعالى في الآخرة درجات". ثم ذكر عليه السلام أن من أبغض البشر إلى الله عبدا وكله الله إلى نفسه، أي لم
يمده بمعونته وألطافه، لعلمه أنه لا ينجع ذلك فيه، وأنه لا ينجذب إلى
الخيروالطاعة، ولا يؤثر شيء ما في تحريك دواعيه إليها، فيكله الله حينئذ إلى
نفسه. وقال ابن
الأعرابي: يجوز أكفأته أيضاً، والبذر: جمع بذور مثل صبور وصبر؛ وهو الذي
يذيع الأسرار، وليس كما قال الرضي رحمه الله تعالى،
فقد يكون الإنسان بذورا وإن لم يكثر سفهه ولم يلغ منطقه؛ بأن يكون علنة
مذياعاً من غير سفه ولا لغو. والضراء:
الشدة، ومثلها البأساء؛ وهما اسمان مؤنثان من غير تذكير، وأجاز الفراء أن يجمع على آضر وأبؤس، كما يجمع النعماء
على أنعم. واعلم
أنه قد جاء في التواضع وهضم النفس شيء كثير؛ ومن ذلك الحديث المرفوع: "من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر على الله
وضعه". فقال عمرو: يا هذا، ما رعيت حق مجالسة الرجل
حين نقلت إلينا حديثه، ولا وفيتني حقي حين أبلغتني عن أخي ما أكرهه، اعلم أن الموت يعمنا، والبعث يحشرنا، والقيامة تجمعنا، والله
يحكم بيننا، وكان يقال، من نم إليك نم عليك،
وقالوا في السعاة: يكفيك أن الصدق محمود إلا منهم، وإن
أصدقهم أخبثهم.
طريح
بن إسماعيل الثقفي:
ومعنى قوله عليه السلام: وإن غاب لم يفتقد، أي لا يقال: ما صنع فلان، ولا أين هو؛ أي
هو خامل لا يعرف. ثم
أخبر عليه السلام أن الله لا يجور على العباد، لأنه تعالى عادل ولا يظلم ولكنه
يبتلي عباده أي يختبرهم، ثم تلا قوله تعالى: "إن
في ذلك لآيات وان كنا لمبتلين"، والمراد أنه تعالى، إذا فسد الناس لا يلجئهم إلى الصلاح، لكن يتركهم واختيارهم
امتحاناً لهم، فمن أحسن أثيب، ومن أساء عوقب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له يصف فيها حال
الناس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما بعد؛ فإن
الله سبحانه وتعالى بعث محمداً صلى
الله عليه وآله، وليس أحد من
العرب يقرأ كتاباً، ولا يدعي نبوة ولا وحيا؛ فقاتل بمن أطاعه من عصاه؛ يسوقهم
إلى منجاتهم؛ ويبادر بهم الساعة أن تنزل بهم؛ يحسر الحسير، ويقف الكسير؛ فيقيم
عليه، حتى يلحقه غايته؛ إلا هالكاً لا خير فيه. حتى أراهم
منجاتهم، وبوأهم محلتهم، فاستدارت رحاهم،وأستقامت قناتهم. الله لقد كنت من ساقتها حتى تولت
بحذافيرها،وأستوسقت في قيادها، ما ضعفت ولا جبنت، ولا خنت ولا وهنت. الله لأبقرن
الباطل حتى اخرج الحق من خاصرته. ومنجاة على مفعلة، ومنه قولهم: الصدق منجاة. وهذا الكلام من باب الاستعارة والمجاز، يقول عليه السلام: "كان النبي صلى
الله عليه وسلم
لحرصه
على الإسلام وإشفاقه على المسلمين، ورأفته بهم، يلاحظ حال من تزلزل
اعتقاده،أوعرضت له شبهة،أوحدث عنده ريب، ولا يزال يوضح له ويرشده حتى يزيل ما
خامر سره من وساوس الشيطان، ويلحقه بالمخلصين من المؤمنين. ولم يكن ليقصر في مراعاة
أحد من المكلفين في هذا المعنى إلا من كان يعلم أنه لا خير فيه أصلاً، لعناده
وإصراره على الباطل، ومكابرته للحق. واستوسقت: اجتمعت، يقول: لما ولت تلك الدعوة
الجاهلية استوسقت هذه في قيادها كما تستوسق الإبل المقودة إلى أعطانها. ويجوز أن
يعود هذا الضمير الثاني إلى المذكور الأول وهو الجاهلية، أي ولت بحذافيرها
واجتمعت كلها تحت ذل المقادة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في شأن أهل
البيت
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وآله شهيداً
وبشيراً ونذيراً، خير البرية طفلًا، وأنجبها كهلًا، وأطهر المطهرين شيمة، وأجود
المستمطرين ديمة، فما أحلولت لكم الدنيا في لذتها، ولا تمكنتم من رضاع أخلافها،
إلا من بعده. صادفتموها جائلاً خطامها، قلقاًوضينها؛ قد؛
صار حرامها عند أقوام بمنزلة السدر المخضود،وحلالها بعيداً غير موجود،
وصادفتموها والله ظلاً ممدوداً إلى أجل معدود. فأقسم بالله يا بني أمية عما قليل لتعرفنها في أيدي غيركم، وفي
دار عدوكم. والمستمطرون:
المستجدون والمستماحون.واحلولت: حلت، وقد عداه حميد بن ثور في قوله:
ولم
يجىء افعوعل متعدياً إلا هذا الحرف وحرف آخر، وهو اعروريت الفرس. والرضاع، بفتح
الراء: رضع الصبي أمه، بكسر الضاد يرضعها رضاعاً، مثل سمع يسمع سماعاً؛ وأهل نجد
يقولون: رضع بالفتح يرضع بالكسر، مثل ضرب يضرب ضرباً. وقال الأصمعي: أخبرني عيسى
بن عمر أنه سمع العرب تنشد هذا البيت:
بكسر الضاد.والأخلاف للناقة بمنزلة الأطباء للكلبة،واحدها
خلف بالكسر، وهو حلمة الضرع. والخطام: زمام الناقة، خطمت البعير زممته، وناقة مخطومة، ونوق مخطمة.
ثم أعاد الشكوى والتألم فقال: أيديكم في الدنيا مبسوطة، وأيدي مستحقي الرياسة ومستوجبي
الأمر مكفوفة، وسيوفكم مسلطة على أهل البيت الذين هم القادة والرؤساء، وسيوفهم
مقبوضة عنكم، وكأنه كان يرمز إلى ما سيقع من قتل الحسين
عليه السلام وأهله، وكأنه يشاهد ذلك عياناً، ويخطب عليه ويتكلم على الخاطر الذي
سنح له، والأمر الذي كان أخبر به، ثم قال: إن لكل دم ثائراً يطلب القود،
والثائر بدمائنا ليس إلا الله وحده، الذي لا يعجزه مطلوب، ولا يفوته هارب. ومعنى قوله عليه السلام: كالحاكم في حق نفسه، أنه تعالى لا يقصر في طلب دمائنا
كالحاكم الذي يحكم لنفسه، فيكون هو القاضي وهو الخصم، فإنه إذا كان كذلك يكون
مبالغاً جداً في استيفاء حقوقه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نهاية مروان بن محمد
الملقب بالحمار
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
سار عبد الله بن علي بن عبد الله بن
العباس في جمع عظيم للقاء مروان بن محمد بن مروان، وهو آخر خلفاء الأمويين،
فالتقيا بالزاب من أرض الموصل،ومروان في جموع عظيمة وأعداد كثيرة، فهزم مروان، واستولى عبد الله بن علي على عسكره، وقتل
من أصحابه خلقاً عظيماً، وفر مروان هارباً حتى أتى
الشام وعبد الله يتبعه، فصار إلى مصر، فاتبعه عبد الله بجنوده، فقتله ببوصير
الأشمونين من صعيد مصر، وقتل خواصه وبطانته كلها، وقد كان عبد الله قتل
من بني أمية على نهر أبي فطرس من بلاد فلسطين قريباً من ثمانين رجلاً، قتلهم
مثله واحتذى أخوه داود بن علي بالحجاز فعله، فقتل منهم قريباً من هذه العدة
بأنواع المثل. لما
انهزم مروان يوم الزاب مضى نحو الموصل، فمنعه أهلها من
الدخول، فأتى حران، وكانت داره ومقامه، وكان أهل
حران حين ازيل لعن أمير المؤمنين عن المنابر في أيام الجمع امتنعوا من إزالته،
وقالوا: لا صلاة إلا بلعن أبي تراب، فاتبعه عبد الله بن علي بجنوده فلما شارفه
خرج مروان عن حران هارباً بين يديه وعبر الفرات، ونزل
عبد الله بن علي على حران، فهدم قصر مروان بها، وكان قد أنفق على بنائه عشرة
آلاف درهم، واحتوى على خزائن مروان وأمواله، فسار مروان بأهله وعترته من
بني أمية، حتى نزل بنهر أبي فطرس، وسار عبد الله بن علي حتى نزل دمشق، فحاصرها
وعليها من قبل مروان الوليد بن معاوية بن عبد الملك بن مروان في خمسين ألف
مقاتل، فألقى الله تعالى بينهم العصبية في فضل نزار على
اليمن، وفضل اليمن على نزار، فقتل الوليد - وقيل بل قتل في حرب عبد الله
بن علي- وملك عبد الله دمشق، فأتى يزيد بن معاوية بن عبد الملك بن مروان وعبد
الجبار بن يزيد بن عبد الملك بن مروان، فحملهما مأسورين
إلى أبي العباس السفاح، فقتلهما وصلبهما بالحيرة، وقتل عبد الله بن علي بدمشق خلقاً كثيراً من أصحاب مروان وموالي
بني أمية وأتباعهم، ونزل عبد الله على نهر أبي فطرس،
فقتل من بني أمية هناك بضعاً وثمانين رجلاً، وذلك في ذي القعدة من سنة
اثنتين وثلاثين ومائة.
وروى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني، قال: نظر عبد الله بن علي في الحرب إلى
فتى عليه أبهة الشرف، وهو يحارب مستقتلاً، فناداه:
يا فتى، لك الأمان، ولو كنت مروان بن محمد! قال:
إلا أكنه فلست بدونه! فقال ولك الأمان، ولو كنت من كنت، فأطرق، ثم أنشد:
ثم قاتل حتى قتل، فإذا هو ابن مسلمة بن عبد الملك.
قال: فتغير لون أبي العباس، وأخذه زمع ورعدة، فالتفت بعض
ولد سليمان بن عبد الملك إلى آخر فيهم كان إلى جانبه، فقال: قتلنا والله العبد! فأقبل
أبو العباس عليهم، فقال: يا بني الزواني؛ لا أرى قتلاكم من أهلي قد سلفوا
وأنتم أحياء تتلذذون في الدنيا، خذوهم؛ فأخذتهم الخراسانية بالكلفر كوبات
فاهمدوا، إلا ما كان من عبد العزيز بن عمر بن عبد
العزيز، فإنه استجار بداود بن علي، وقال: إن أبي
لم يكن كآبائهم، وقد علمت صنيعته إليكم فأجاره واستوهبه من السفاح وقال
له: قد علمت صنيع أبيه إلينا؛ فوهبه له، وقال: لا يريني وجهه، وليكن بحيث نأمنه،
وكتب إلى عماله في الآفاق بقتل بني أمية.
فأمر بهم عبد الله فشدخوا بالعمد، وبسطت البسط عليهم، وجلس عليها،
ودعا بالطعام، وإنه ليسمع أنين بعضهم حتى ماتوا جميعاً. وقال لشبل: لولا أنك خلطت شعرك
بالمسألة لأغنمتك أموالهم، ولعقدت لك على جميع موالي بني هاشم. قال أبو العباس: الرقلة: النخلة الطويلة،والأواسي: جمع
آسية؛ وهي أصل البناء كالأساس. وقتيل المهراس: حمزة
عليه السلام، والمهراس: ماء بأحد. وقتيل
حران: إبراهيم الإمام.
فقال
سليمان: مالي ولك أيها الشيخ! قتلتني قتلك الله!
فقام أبو العباس، فدخل وإذا المنديل قد القي في عنق سليمان، ثم جر فقتل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
انتقال الملك من بني أمية
إلى بني العباس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وذكر صاحب مروج الذهب أنه أرسل عبد الله أخاه صالح بن علي ومعه عامر بن إسماعيل
أحد الشيعة الخراسانية إلى مصر، فلحقوا مروان ببوصير،
فقتلوه وقتلوا كل من كان معه من أهله وبطانته، وهجموا على الكنيسة التي
فيها بناته ونساؤه، فوجدوا خادماً بيده سيف مشهور
يسابقهم على الدخول، فأخذوه وسألوه عن أمره، فقال: إن أمير المؤمنين
أمرني إن هو قتل أن أقتل بناته ونساءه كلهن، قبل أن تصلوا إليهن، فأرادوا قتله، فقال: لا تقتلوني، فإنكم إن قتلتموني فقدتم ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: وما هو؛ فأخرجهم من القرية
إلى كثبان من الرمل، فقال: اكشفوا ههنا، فإذا
الردة والقضيب وقعب مخضب قد دفنها مروان ضناً بها أن
تصير إلى بني هاشم، فوجه به عامر بن إسماعيل إلى صالح بن علي، فوجه به
صالح إلى أخيه عبد الله، فوجه به عبد الله إلى أبي العباس، وتداوله خلفاء بني العباس من بعد. نحن بناتك وبنات أخيك وابن عمك، فليسعنا من عدلكم ما وسعنا من جوركم. قال: إذا لا نستبقي منكم أحداً، لأنكم
قد قتلتم إبراهيم الإمام، وزيد بن علي، ويحيى بن زيد،
ومسلم بن عقيل؛ وقتلتم خير أهل الأرض: حسيناًوإخوته وبنيه وأهل بيته، وسقتم
نساءه سبايا - كما يساق ذراري الروم - على الأقتاب إلى الشام. فقالت: يا
عم أمير المؤمنين، فليسعنا عفوكم إذاً. قال: أما
هذا فنعم؛ وإن أحببت زوجتك من ابني الفضل بن صالح،
قالت: يا عم أمير المؤمنين، وأي ساعة عرس ترى! بل
تلحقنا بحران، فحملهن إلى حران. فانهي هذا الكلام إلى أبي العباس السفاح، فاستهجن ما فعله عامر بن
إسماعيل وكتب إليه:
أما كان لك في أدب الله ما يزجرك أن تقعد في مثل تلك الساعة على مهاد مروان،
وتأكل من طعامه! أما والله لولا أن أمير المؤمنين أنزل ما فعلته على غير اعتقاد
منك لذلك ولا ضم على طعام، لمسك من غضبه وأليم أدبه، ما يكون لك زاجراً، ولغيرك
واعظاً. فإذا أتاك كتاب أمير المؤمنين، فتقرب إلى الله بصدقة تطفىء بها غضبه،
وصلاة تظهر فيها الخشوع والاستكانة له، وصم ثلاثة أيام، وتب إلى الله من جميع ما
يسخطه ويغضبه، ومر جميع أصحابك أن يصوموا مثل صيامك.
ثم
حول وجهه إلى القبلة فسجد ثانية ثم جلس، فتمثل:
ثم
قال: أما مروان فقتلناه بأخي إبراهيم، وقتلنا سائر بني أمية بحسين، ومن قتل
معه وبعده من بني عمنا أبي طالب. وروى المسعودي في كتاب مروج الذهب عن الهيثم بن عدي، قال: حدثني عمرو بن هانىء الطائي، قال:
خرجت مع عبد الله بن علي لنبش قبور بني أمية في أيام أبي العباس السفاح، فانتهينا إلى قبر هشام بن عبد الملك، فاستخرجناه صحيحاً، ما
فقدنا منه إلا عرنين أنفه؛ فضربه عبد الله بن علي ثمانين سوطاً ثم أحرقه،
واستخرجنا سليمان بن عبد الملك من أرض دابق فلم نجد منه
شيئاً إلا صلبه ورأسه وأضلاعه فأحرقناه، وفعلنا مثل ذلك بغيرهما من بني أمية، وكانت قبورهم بقنسرين، ثم انتهينا إلى
دمشق، فاستخرجنا الوليد بن عبد الملك، فما وجدنا
في قبره قليلاً ولا كثيراً،واحتفرنا عن عبد الملك فما
وجدنا إلا شؤون رأسه، ثم احتفرنا عن يزيد بن
معاوية فلم نجد منه إلا عظماً واحداً، ووجدنا من موضع نحره إلى قدمه خطاً
واحداً أسود، كأنما خط بالرماد طول لحده، وتتبعنا قبورهم،
في جميع البلدان، فأحرقنا ما وجدنا فيها منهم. فقال رحمه الله تعالى أظن عبد الله بن علي ذهب في ذلك إلى حد
القذف،
لأنه يقال: إنه قال لزيد: يا بن الزانية، لما سب
أخاه محمداً الباقر
عليه السلام، فسبه زيد، وقال له: سماه
رسول الله صلى الله عليه وسلم الباقر
وتسميه أنت البقرة! لشد ما اختلفتما! ولتخالفنه في الآخرة كما خالفته في الدنيا فيرد الجنة
وترد النار. وهذا استنباط لطيف. فقال عبد الحميد:
إن الذي أشرت به هو أنفع الأمرين لي، وأقبحهما بي،
وما عندي إلا الصبر معك حتى يفتح الله لك أواقتل بين
يديك، ثم أنشد:
فثبت على حاله،
ولم يصر إلى بني هاشم حتى قتل مروان، ثم قتل هو بعده
صبراً. لما
نزل مروان بالزاب، جرد من رجاله ممن اختاره من أهل الشام والجزيرة وغيرها مائة
ألف فارس، على مائة ألف قارح، ثم نظر إليهم، وقال:
إنها لعدة ولا تنفع العدة، إذا انقضت المدة. أما
ترون أعلامهم فوق هذه الإبل كأنها قطع الغمام السود! فبينما هو ينظرها ويعجب، إذ
طارت قطعة عظيمة من الغربان السود، فنزلت على أول عسكر عبد الله بن علي، واتصل
سوادها بسواد تلك الرايات والبنود،ومروان ينظر، فازداد تعجبه، وقال: أما ترون إلى السواد قد اتصل بالسواد؛ حتى
صار الكل كالسحب السود المتكاثفة! ثم أقبل على رجل
إلى جنبه فقال: ألا تعرفني من صاحب جيشهم؟ فقال:
عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. قال: ويحك! أمن ولد العباس
هو؟ قال: نعم، قال: والله لوددت أن علي بن أبي طالب عليه السلام مكانه في هذا الصف، قال: يا أمير المؤمنين، أتقول هذا
لعلي مع شجاعته التي ملأ الدنيا ذكرها! قال: ويحك! إن علياً
مع شجاعته صاحب دين، وإن الدين غير الملك،وإنا نروي عن قديمنا أنه لا شيء
لعلي ولا لولده في هذا. ثم قال:
من هو من ولد العباس، فإني لا أثبت شخصه؟ قال: هو الرجل الذي كان يخاصم بين
يديك؛ عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر. فقال أذكرني صورته وحليته، قال: هو الرجل الأقنى الحديد العضل، المعروق الوجه،
الخفيف اللحية، الفصيح اللسان، الذي قلت لما سمعت كلامه يومئذ: يرزق الله
البيان من يشاء، فقال: وانه لهو! قال: نعم،
فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! أتعلم لم صيرت الأمر
بعدي لولدي عبد الله، وابني محمد أكبر سناً منه؟ قال: لا، قال: إن آباءنا أخبرونا أن الأمر صائر بعدي إلى رجل اسمه عبد الله
فوليته دونه.
فأجاد
ما شاء، وشرب سليمان بن هشام بالرطل، وشربنا معه حتى توسدنا أيدينا، فلم أنتبه
إلا بتحريك سليمان إياي، فقمت مسرعاً، وقلت:
ما شأن الأمير؟ فقال: على رسلك، رأيت كأني في مسجد دمشق، وكأن رجلاً على يده
حجر، وعلى رأسه تاج، أرى بصيص ما فيه من الجوهر، وهو رافع صوته بهذا الشعر:
فقلت: أعيذ الأمير بالله من وساوس الشيطان الرجيم! هذا من أضغاث
الأحلام، ومما يقتضيه ويجلبه الفكر، وسماع الأراجيف. فقال:
الأمر كما قلت لك، ثم وجم ساعة، وقال: يا حميري، بعيد ما يأتي به الزمان قريب! قال العلاء: فو الله ما اجتمعنا على شراب بعد ذلك اليوم. قال سعيد: فحدقت إلي الشيعة، ورمتني بأبصارها، فقال لي أبو العباس: في أي سنة كان مولده؟ قلت: سنة ست
وسبعين، فقام وقد تغير لونه غضباً علي، وتفرق الناس من
المجلس، وتحدثوا به، فقلت: زلة والله لا تستقال ولا ينساها القوم أبدا! فأتيت منزلي، فلم أزل باقي يومي أعهد وأوصي، فلما كان الليل
اغتسلت وتهيأت للصلاة- وكان أبو العباس إذا هم بأمر بعث فيه ليلاً- فلم أزل
ساهراً حتى أصبحت وركبت بغلتي،وأفكرت فيمن أقصد في أمري، فلم أجد أحداً أولى من
سليمان بن مجالد مولى بني زهرة، وكانت له من أبي العباس منزلة عظيمة، وكان من
شيعة القوم، فأتيته، فقلت له: أذكرني أمير
المؤمنين البارحة؟ قال: نعم، جرى ذكرك، فقال: هو ابن أختنا، وفي
لصاحبه، ونحن لو أوليناه خيراً لكان لنا أشكر. فشكرت لسليمان بن مجالد ما أخبرني به، وجزيته خيرا، وانصرفت. فلم أزل من أبي
العباس على ما كنت عليه، لا أرى منه إلا خيراً. ونما ذلك المجلس إلى عبد الله بن علي وإلى أبي
جعفر المنصور، فأما عبد الله بن علي فكتب إلى أبي العباس يغريه بي، ويعاتبه على
الإمساك عني، ويقول له:
إنه ليس مثل هذا مما يحتمل، وكتب إليه أبو جعفر يعذر لي، وضرب الدهر ضربه، فأتى
ذات يوم عند أبي العباس، فنهض ونهضت، فقال لي: على
رسلك يا بن هبيرة! فجلست، فرفع الستر، ودخل وثبت في مجلسه قليلاً، ثم خرج
في ثوبي وشي ورداء وجبة، فما رأيت والله أحسن منه ولا مما عليه قط، فقال لي: يا بن هبيرة، إني ذاكر لك أمراً، فلا
يخرجن من رأسك إلى أحد من الناس. قلت:
نعم، قال: قد علمت ما جعلنا من هذا الأمر
وولاية العهد لمن قتل مروان، وإنما قتله عمي عبد الله بجيشه وأصحابه ونفسه
وتدبيره، وأنا شديد الفكر في أمر أخي أبي جعفر، في فضله وعلمه وسنه وإيثاره لهذا
الأمر، كيف أخرجه عنه! فقلت: أصلح الله أمير المؤمنين! إني أحدثك حديثاً
تعتبر به، وتستغني بسماعه عن مشاورتي، قال: هاته، فقلت: كنا مع مسلمة بن عبد الملك عام الخليج
بالقسطنطينية، إذ ورد علينا كتاب عمر بن عبد العزيز ينعى سليمان، ومصير الأمر
إليه، فدخلت إليه، فرمى الكتاب إلي فقرأته، واسترجعت، واندفع يبكي وأطال، فقلت: أصلح الله الأميروأطال بقاءه! إن البكاء على الأمر الفائت عجز، والموت منهل لا بد من ورده،
فقال: ويحك! إني لست أبكي على أخي، لكني أبكي لخروج الأمر عن ولد أبي إلى ولد
عمي! فقال أبو العباس: حسبك، فقد فهمت عنك، ثم قال: إذا شئت فانهض، فلما نهضت لم أمض بعيداً حتى قال لي: يا بن هبيرة! فالتفت إليه، فقال: أما إنك قد كافأت أحدهما، وأخذت بثأرك من
الآخر، قال سعيد: فو الله ما أدري من أي الأمرين أعجب!
من فطنته أم من ذكره.
أنا
والله أقتل مروان، وأسلبه ملكه؛ لا أنت ولا ولداك! وقد
روى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني رواية أخرى في سبب قتل السفاح لمن كان أمنه من بني أمية، قال: حدث
الزبير بن بكار، عن عمه، أن السفاح انشد يوماً قصيدة مدح بها، وعنده قوم من بني
أمية آمنهم على أنفسهم، فأقبل على بعضهم، فقال: أين هذا مما مدحتم به! فقال:
هيهات! لا يقول والله أحد فيكم مثل قول ابن قيس الرقيات
فينا:
فقال
له: يا ماص كذا من أمه ! وإن الخلافة لفي نفسك بعد!
خذوهم. فأخذوا وقتلوا. فلما فرغ من الأكل
قال: جروهم بأرجلهم،وألقوهم في الطريق؛
ليلعنهم الناس أمواتاً كما لعنوهم أحياء.
قال:
فنبذ داود نحو عبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد بن العاص ضحكة كالكشرة، فلما قاموا قال عبد الله بن الحسن لأخيه الحسن بن الحسن:
أما رأيت ضحك داود إلى ابن عنبسة! الحمد لله الذي
صرفها عن أخي- يعني العثماني- قال: فما هو إلا أن قدم المدينة، حتى قتل
ابن عنبسة.
فلما
بلغ قوله:
وهي
طويلة، فقال أبو العباس: يا سديف، خلق الإنسان من عجل! ثم أنشد أبو العباس
متمثلاً:
ثم أمر بمن عنده فقتلوا. وروى أبو الفرج أيضاً عن طارق بن المبارك، عن أبيه، قال: جاءني رسول عمرو بن معاوية بن عمرو
بن عتبة بن أبي سفيان، قال: يقول لك عمرو:
قد جاءت هذه الدولة، وأنا حديث السن، كثير العيال، منتشر الأموال؛ فما أكون في
قبيلة إلا شهر أمري وعرفت. وقد عزمت على أن أخرج من الاستتار، وأفدي حرمي بنفسي،
وأنا صائر إلى باب الأمير سليمان بن علي، فصر إلي. فوافيته فإذا عليه طيلسان أبيض مطبق، وسراويل
وشي مسدول، فقلت: يا سبحان الله! ما تصنع
الحداثة بأهلها! أبهذا اللباس تلقى هؤلاء القوم لما تريد لقاءهم فيه! فقال: لا
والله، ولكن ليس عندي ثوب إلا أشهر مما ترى. فأعطيته طيلساني وأخذت طيلسانه، ولويت سراويله إلى ركبتيه. فدخل إلى
سليمان، ثم خرج مسروراً فقلت له: حدثني ما جرى بينك وبين الأمير، قال؛ دخلت عليه ولم يرني
قط، فقلت: أصلح الله الأمير! لفظتني البلاد
إليك ودلني فضلك عليك؛ إما قتلتني غانماً وإما أمتني سالماً، فقال: ومن أنت حتى
أعرفك؟ فانتسبت له، فقال: مرحباً بك! اقعد فتكلم سالماً آمناً، ثم أقبل علي
فقال: حاجتك يابن أخي؟ فقلت: إن الحرم اللواتي أنت أقرب الناس إليهن معنا، وأولى
الناس بهن بعدنا، قد خفن لخوفنا، ومن خاف خيف عليه. فو الله ما أجابني إلا بدموعه على خديه، ثم قال: يا بن أخي، يحقن الله دمك، ويحفظك في
حرمك، ويوفر عليك مالك؛ فو الله لو أمكنني ذلك في جميع قومك لفعلت، فكن متوارياً
كظاهر،وامناً كخائف،ولتأتني رقاعك. قال: فو الله لقد كنت أكتب إليه كما يكتب
الرجل إلى أبيه وعمه. قال: فلما فرغ من الحديث، رددت عليه طيلسانه، فقال: مهلاً، فإن ثيابنا إذا فارقتنا لم ترجع إلينا.
قال أبو الفرج: وأخبرني علي بن سليمان الأخفش، قال: أنشدني محمد
بن يزيد المبرد لرجل من شيعة بني العباس،
يحضهم على بني أمية:
قال أبو الفرج:
وروى ابن المعتز في قصة سديف مثل ما ذكرناه من قبل؛ إلا أنه قال فيها: فلما
أنشده ذلك التفت إليه أبو الغمر سليمان بن هشام، فقال: يا ماص بظر أمه؛ أتجبهنا
بمثل هذا ونحن لم سروات الناس! فغضب أبو العباس- وكان سليمان بن هشام صديقه
قديماً وحديثاً، يقفي حوائجه في أيامهم ويبره- فلم يلتفت إلى ذلك، وصاح بالخراسانية: خذوهم! فقتلوهم جميعا إلا
سليمان بن هشام، فأقبل عليه أبو العباس، فقال:
يا أبا الغمر، ما أرى لك في الحياة بعد هؤلاء خيراً. قال:
لا والله، قال: فاقتلوه، وكان إلى جنبه فقتل وصلبوا في بستانه؛ حتى تأذى جلساؤه
بريحهم، فكلموه في ذلك، فقال: والله إن ريحهم عندي لألذ وأطيب من ريح المسك
والعنبر غيظاً عليهم وحنقاً.
ومن
شعره فيهم:
ومن
شعره فيهم:
وقال أبو الفرج:
ركب المأمون بدمشق يتصيد؛ حتى بلغ جبل الثلج،
فوقف في بعض الطريق على بركة عظيمة، في جوانبها أربع سروات، لم ير أحسن منها،
فنزل! هناك؛ وجعل ينظر إلى آثار بني أمية ويعجب منها، ويذكرهم. ثم دعا بطبق عليه طعام، فأكل، وأمر علويه فغنى:
وكان علويه من موالي بني امية، فغضب المأمون. وقال: يا بن الفاعلة، الم يكن لك وقت تبكي
فيه على قومك إلا هذا الوقت! قال: كيف لا أبكي عليهم ومولاكم زرياب، كان في أيام
دولتهم يركب معهم في مائة غلام، وأنا مولاهم معكم أموت جوعا! فقام المأمون فركب وانصرف الناس، وغضب على علويه عشرين
يوماً، وكلم فيه فرضي عنه، ووصله بعشرين ألف درهم. قال أبو العباس المبرد:
وقد جاءت الرواية أن أمير المؤمنين علياً عليه
السلام
لما
ولد لعبد الله بن العباس مولود فقده وقت صلاة الظهر، فقال:
ما بال ابن العباس لم يحضر! قالوا: ولد له ولد ذكر، يا أمير المؤمنين. قال: فامضوا بنا إليه، فأتاه فقال
له: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب! ما سميته؟ فقال: يا أمير المؤمنين،أويجوز
لي أن اسميه حتى تسميه! فقال: أخرجه إلي، فأخرجه، فأخذه فحنكه ودعا له ثم رده
إليه، وقال: خذ إليك أبا الأملاك، قد سميته علياً،
وكنيته أبا الحسن. قال: فلما قدم معاوية خليفة، قال
لعبد الله بن العباس: لا أجمع لك بين الاسم والكنية، قد كنيته أبا محمد، فجرت عليه. فقال: أصل هذا كله محمد بن الحنفية، ثم
ابنه عبد الله المكنى أبا هاشم. قال أبو جعفر رحمه الله تعالى: وصدق محمد بن علي، أنه إليه
أوصى أبو هاشم، وإليه دفع كتاب الدولة، وكذب
معاوية بن عبد الله بن جعفر، لكنه قرأ الكتاب، فوجد لهم
فيه ذكراً يسيراً، فادعى الوصية بذلك، فمات وخرج ابنه عبد الله بن معاوية
يدعي وصاية أبيه، ويدعي لأبيه وصاية أبي هاشم، ويظهر الإنكار على بني أمية، وكان له في ذلك شيعة يقولون بإمامته سراً حتى قتل.
ثم
قال: يا أمة الله. وأول راض سنة من يسيرها ألم
تحاربوا علياً وتدفعوا حقه؟ ألم تسموا حسناً وتنقضوا شرطه؟ ألم تقتلوا حسيناً
وتسيروا رأسه؟ ألم تقتلوا زيداً وتصلبوا جسده؟ ألم تقتلوا يحيى وتمثلوا به؟ ألم
تلعنوا علياً على منابركم؟ ألم تضربوا أبانا علي بن عبد الله بسياطكم؟ ألم
تخنقوا الإمام بجراب النورة في حبسكم؟ ثم قال: ألك
حاجة؟ قالت: قبض عمالك أموالي، فأمر برد أموالها عليها. ثم إن أبا العباس السفاح قال لأهله وهو بالكوفة حينئذ: من يسير إلى مروان من أهل بيتي وله
ولاية العهد إن قتله؟ فقال عبد الله عمه: أنا،
قال: سر على بركة الله، فسار فتقدم على أبي عون، فتحول له أبو عون عن سرادقه
وخلاه له بما فيه. ثم سأل عبد الله عن مخاضة في الزاب، فدل
عليها، فأمر قائداً من قواده فعبرها في خمسة الآف، فانتهى إلى عسكر مروان
فقاتلهم؛ حتى أمسواوتحاجزوا، ورجع القائد بأصحابه، فعبر المخاضة إلى عسكر عبد
الله بن علي، وأصبح مروان، فعقد جسراً، وعبر بالجيش كله إلى عبد الله بن علي. فكان
ابنه عبد الله بن مروان في مقدمته، وعلى الميمنة الوليد بن معاوية بن عبد الملك
بن مروان، وعلى الميسرة عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان، وعبأ عبد
الله بن علي جيشه، وتراءى الجمعان، فقال مروان لعبد العزيز بن عمر، انظر، فإن
زالت الشمس اليوم ولم يقاتلونا كنا نحن الذين ندفعها إلى عيسى بن مريم؛ وإن
قاتلونا قبل الزوال، فإنا لله وإنا إليه راجعون!
ثم أرسل إلى عبد الله بن علي يسأله الكف عن القتال نهار ذلك اليوم، فقال عبد الله: كذب ابن زربى إنما يريد المدافعة
إلى الزوال؛ لا والله لا تزول الشمس حتى أوطئه الخيل إن شاء الله. ثم حرك أصحابه
للقتال، فنادى مروان في أهل الشام: لا تبدأوهم بالحرب؛ فلم يسمع الوليد
بن معاوية منه، وحمل على ميسرة عبد الله بن علي. فغضب مروان وشتمه. فلم يسمع له
واضطرمت الحرب، فأمر عبد الله الرماة أن ينزلوا، ونادى: الأرض الأرض! فنزل
الناس، ورمت الرماة،وأشرعت الرماح وجثوا على الركب، فاشتد القتال، فقال مروان لقضاعة: انزلوا، قالوا: حتى تنزل كندة،
فقال لكندة: انزلوا، فقالوا: حتى تنزل السكاسك، فقال لبني سليم: انزلوا، فقالوا:
حتى تنزل عامر، فقال لتميم: احملوا، فقالوا: حتى تحمل بنو أسد، فقال طوازن:
احملوا، قالوا: حتى تحمل غطفان، فقال لصاحب شرطته: احمل ويلك! قال: ما كنت لأجعل
نفسي غرضاً، قال: أما والله لأسوأنك، قال: وددت أن أمير المؤمنين يقدر على ذلك!
فانهزم عسكر مروان وانهزم مروان معهم، وقطع الجسر، فكان من هلك غرقاً أكثر ممن
هلك تحت السيف، واحتوى عبد الله بن علي على عسكر بما فيه، وكتب إلى أبي العباس
يخبره الواقعة. لما قتل مروان ببوصير،
قال الحسن بن قحطبة: أخرجوا إلي إحدى بنات مروان،
فأخرجوها إليه وهي ترعد، قال: لا بأس عليك! قالت: وأي بأس أعظم من إخراجك إياي
حاسرة، ولم أر رجلاً قبلك قط! فأجلسها، ووضع رأس مروان في حجرها، فصرخت واضطربت
فقيل له: ما أردت بهذا؟ قال: فعلت بهم فعلهم بزيد بن علي لما قتلوه، جعلوا رأسه
في حجر زينب بنت علي بن الحسين عليه السلام. واعلموا أن هذا الأمر ليس لخارج عنا
حتى نسلمه إلى عيسى بن مريم. لما أمعن داود بن علي في قتل بني أمية بالحجاز قال له عبد الله
بن الحسن عليه السلام: يا
بن عمي، إذا أفرطت في قتل أكفائك فمن تباهي بسلطانك! وما يكفيك منهم أن يروك
غادياً ورائحاً فيما يسرك ويسوءهم! كان داود بن علي يمثل ببني أمية؛ يسمل
العيون، ويبقر البطون، ويجدع الأنوفويصطلم الآذان. وكان عبد الله بن علي بنهر
أبي فطرس يصلبهم منكسين، ويسقيهم النورة والصبر، والرماد والخل، ويقطع الأيدي
والأرجل. وكان سليمان بن علي بالبصرة يضرب الأعناق.
قال
داود بن علي لإسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص بعد
قتله من قتل من بني أمية: هل علمت ما فعلت بأصحابك؟ قال نعم، كانوا يداً
فقطعتها، وعضداً ففتت فيها، ومرة فنقضتها، وجناحاً فحصصتها؛ قال: إني لخليق أن
الحقك فيهم، قال: إني إذاً لسعيد! لما استوثق الأمر
لأبي العباس السفاح، وفد إليه عشرة من أمراء الشام، فحلفوا له بالله
وبطلاق نسائهم، وبأيمان البيعة بأنهم لا يعلمون- إلى أن قتل مروان- أن لرسول
الله صلى الله عليه وسلم أهلاً ولا قرابة إلا بني أمية. وزعموا أن غير آل محمد أولى بالأمر
منهم، فلم وبم أيها الناس؟ ألكم الفضل بالصحابة دون ذوي
القرابة، الشركاء في النسب، والورثة في السلب مع ضربهم على الدين جاهلكم،
وإطعامهم في الجدب جائعكم! والله ما اخترتم من حيث اختار الله لنفسه ساعة قط؛
وما زلتم بعد نبيه تختارون تيمياً مرة،وعدوياً مرة، وأموياً مرة، وأسدياً
مرة،وسفيانياً مرة،ومروانياً مرة حتى جائكم من لا تعرفون اسمه ولا بيته، يضربكم بسيفه،
فأعطيتموها عنوة وأنتم صاغرون. ألا إن آل
محمد أئمة الهدى، ومنار سبيل التقى، القادة الذادة السادة، بنو عم رسول الله،
ومنزل جبريل بالتنزيل؛ كم قصم الله بهم من جبار طاغ، وفاسق باغ، شيد الله بهم
الهدى، وجلا بهم العمى؛ لم يسمع بمثل العباس! وكيف لا تخضع له الأمم لواجب حق
الحرمة! أبو رسول الله بعد أبيه؛ وإحدى يديه، وجلدة بين عينيه. أمينه يوم العقبة وناصره بمكة، ورسوله إلى أهلها،
وحاميه يوم حنين، عند ملتقى الفئتين؛ لا يخالف له رسماً، ولا يعمي له حكماً؛
الشافع يوم نيق العقاب، إلى رسول الله في الأحزاب ها إن في هذا أيها الناس لعبرة
لأولي الأبصار! قلت: الأسدي عبد الله بن
الزبير. ومن لا يعرفون اسمه ولا بيته، يعني نفسه، لأنه لم يكن معلوم النسب؛ وقد
اختلف فيه هل هو مولى أم عربي. ثم سكت
وسكت، فلبثنا ما شاء الله؛ لا يتكلم ولا أتكلم، وأصحابه قيام بالحراب على رأسه. ثم قال لي: لماذا شربتم الخمر وهي محرمة عليكم في كتابكم؟ فقلت:
اجترأ على ذلك عبيدنا بجهلهم، قال: فلم وطئتم الزروع بدوابكم والفساد محرم عليكم
في كتابكم ودينكم؟ قلت: فعل ذلك أتباعنا
وعمالنا جهلاً منهم، قال: فلم لبستم الحرير
والديباج والذهب، وهو محرم عليكم في كتابكم ودينكم؟ قلت:
استعنا في أعمالنا بقوم من أبناء العجم كتاب، دخلوا في ديننا فلبسوا ذلك إتباعا
لسنة سلفهم، على كره منا. فأطرق
ملياً إلى الأرض يقلب يده، وينكت الأرض. ثم قال: عبيدنا وأتباعنا وعمالنا وكتابنا! ما الأمر كما ذكرت،
ولكنكم قوم استحللتم ما حرم الله عليكم، وركبتم ما عنه
نهيتم، وظلمتم فيما ملكتم، فسلبكم الله العز، وألبسكم الذل؛ وإن له سبحانه فيكم
لنقمة لم تبلغ غايتها بعد، وأنا خائف أن يحل بكم العذاب وأنتم بأرضي فينالني
معكم؛ والضيافة ثلاث، فاطلبوا ما احتجتم إليه، وارتحلوا عن أرضي. فلم ينطقوا بحرف، وخرجت
الخراسانية بالأعمدة فشدخوهم عن آخرهم.
الأصل:
ألا إن أبصر الأبصار ما نفذ في الخير طرفه! ألا إن أسمع الأسماع ما وعى التذكير
وقبله! أيها الناس: أستصبحوا من شعلة مصباح
واعظ فتعظ،وأمتاحوا من صفي عين قد روقت من الكدر. عباد الله، لا تركنوا إلى أهوائكم؛ فإن النازل
بهذا المنزل نازل بشفا جرف هار؛ ينقل الردى على ظهره من موضع إلى موضع، لرأي
يحدثه بعد رأي، يريد أن يلصق ما لا يلتصق، ويقرب ما لا يتقارب! فالله الله أن
تشكوا إلى من لا يشكي شجوكم، ولا ينقض برأيه ما قد أبرم لكم، إنه ليس على الإمام
إلا ما حمل من أمر ربه: الإبلاغ في الموعظة، والاجتهاد في النصيحة، والإحياء للسنة،
وإقامة الحدود على مستحقيها، وإصدار السهمان على أهلها، فبادروا العلم من قبل
تصويح نبته، ومن قبل أن تشغفوا بأنفسكم عن مستثار العلم من عند أهله، وأنهوا عن
المنكروتناهوا عنه، فإنما أمرتم بالنهي بعد التناهي! الشرح: هار
الجرف يهور هوراًوهئوراً فهو هائر؛ وقالوا: هار، خفضوه في موضع الرفع، كقاض،
وأرادوا هائر، وهو مقلوب من الثلاثي إلى الرباعي؛ كما قلبوا شائك السلاح إلى
شاكي السلاح. وهورته،
فتهور وانهار؛ أي انهدم.
يقول عليه السلام: أشد العيون إدراكاً ما نفذ طرفها في الخير، وأشد الأسماع
إدراكاً ما حفظ الموعظة وقبلها. ومن
ينقض برأيه ما قد أبرم لكم؛ وهذه الرواية أليق، أي لا تشكوا إلى من لا يدفع عنكم
ما تشكون منه؛ وإنما ينقض برأيه الفاسد ما قد أبرمه الحق والشرع لكم. ثم ذكر أنه
ليس على الإمام إلا ما قد أوضحه من الأمور الخمسة. وتصويح
النبت، كناية عن ذلك. وفي هذا الموضع إشكال، وذلك أن لقائل
أن يقول: النهي عن المنكر واجب على العدل والفاسق، فكيف قال: إنما أمرتم بالنهي بعد التناهي؛ وقد روي أن الحسن البصري قال للشعبي: هلا نهيت عن
كذا؟ فقال: يا أبا سعيد، إني أكره أن أقول ما لا أفعل. قال الحسن: غفر الله لك!وأينا يقول ما يفعل! ود
الشيطان لو ظفر منكم بهذه فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر! والجواب أنه
عليه السلام لم يرد أن وجود النهي عن المنكر مشروط بانتهاء ذلك الناهي عن
المنكر؛ وإنما أراد: إني لم آمركم بالنهي عن
المنكر إلا بعد أن أمرتكم بالانتهاء عن المنكر؛ فالترتيب إنما هو في أمره عليه
السلام
لهم
بالحالتين المذكورتين؛ لا في نهيهم وتناهيهم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في وصف
الإسلام
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: الحمد لله
الذي شرع الإسلام فسهل شرائعه لمن ورده. وأعز أركانه على من غالبه؛ فجعله أمناً لمن علقه،
وسلماً لمن دخله، وبرهاناً لمن تكلم به، وشاهداً لمن خاصم عنه، ونوراً لمن
أستضاء به، وفهماً لمن عقل، ولباً لمن تدبر، وأيةً لمن توسم،وتبصرةً لمن عزم،
وعبرةً لمن أتعظ، ونجاةً لمن صدق، وثقةً لمن توكل، وراحةً لمن فوض، وجنةً لمن
صبر. وأبلج المناهج: معروف الطريق، والحلبة: الخيل
المجموعة للمسابقة، والمضمار: موضع تضمير
الخيل، وزمان تضميرها،والغاية: الراية المنصوبة، وهو ههنا خرقة تجعل على قصبة
وتنصب في آخر المدى الذي تنتهي إليه المسابقة؛ كأنه عليه السلام جعل الإسلام
كخيل السباق التي مضمارها كريم، وغايتها رفيعة عالية؛ وحلبتها جامعة حاوية،
وسبقتها متنافس فيها، وفرسانها أشراف. الأصل:
حتى أورى قبساً لقابس، وأنار علماً لحابس، فهو أمينك المأمون،وشهيدك يوم الدين،
و بعيثك نعمة، ورسولك بالحق رحمة. قال الرضي رحمه الله تعالى:
وقد مضى هذا الكلام فيما تقدم، إلا أننا كررناه ههنا لما في الروايتين من
الاختلاف. والكلام
مجاز، والمراد الهداية في الدين. وعلماً، منصوب أيضاً بالمفعولية، أي وأنار رسول
الله صلى الله عليه وسلم علماً. ومقسماً:
نصيباً، وإن جعلته مصدراً جاز، والنزل: طعام الضيف. والوسيلة:
ما يتقرب به، وقد فسر قولهم في دعاء الأذان: اللهم آته الوسيلة، بأنها درجة
رفيعة في الجنة. والسناء بالمد: الشرف. وزمرته:
جماعته. ثم قال:
وهلا قلت له: فقد نصرته الأنصار، وبذلت مهجها دونه، وقتلت بين يديه في مواطن
كثيرة، وخصوصاً يوم أحد ثم اهتضموا بعده، واستؤثر عليهم، ولقوا من المشاق
والشدائد ما يطول شرحه؛ ولو لم يكن إلا يوم الحرة، فإنه اليوم الذي لم يكن في
العرب مثله، ولا أصيب قوم قط بمثل ما أصيب به الأنصار ذلك اليوم! ثم قال: إن الله تعالى زوى الدنيا عن صالحي عباده
وأهل الإخلاص له، لأنه لم يرها ثمناً لعبادتهم، ولا كفؤاً لإخلاصهم، وأرجأ
جزاءهم إلى دار اخرى غير هذه الدار؛ في مثلها يتنافس المتنافسون. الأصل: منها في خطاب
أصحابه: وقد بلغتم من كرامة الله تعالى لكم منزلة تكرم بها إماؤكم، وتوصل بها
جيرانكم ويعظمكم من لا فضل لكم عليه، ولا يد لكم عنده، ويهابكم من لا يخاف لكم
سطوة، ولا لكم عليه إمرة. الشرح: هذا
خطاب لأصحابه الذين أسلموا مدنهم ونواحيهم إلى جيوش معاوية؛ التي كان يغير بها
على أطراف أعمال علي عليه السلام كالآنبار
وغيرها؛ مما تقدم ذكرنا له؛ قال لهم: إن
الله أكرمكم بالإسلام بعد أن كنتم مجوساًأوعباد أصنام، وبلغتم من كرامته إياكم
بالإسلام منزلة عظيمة؛ أكرم بها إماؤكم وعبيدكم؛ ومن كان مظنة المهنة والمذلة. قيل: إن
العرب لما عبرت دجلة إلى القصر الأبيض الشرقي بالمدائن عبرتها في أيام مدها، وهي
كالبحر الزاخر على خيولها وبأيديها رماحها، ولا دروع عليها ولا بيض؛ فهربت الفرس
بعد رمي شديد منها للعرب بالسهام؛ وهم يقدمون ويحملون؛ ولا تهولهم السهام؛ فقال
فلاح نبطي، بيده مسحاته وهو يفتح الماء إلى زرعه لاسوار من الأساورة معروف
بالبأس وجودة الرماية: ويلكم! أمثلكم في سلاحكم يهرب من هؤلاء القوم الحاسرين!
ولذعه باللوم والتعنيف. فقال له:
أقم مسحاتك، فأقامها فرماها، فخرق الحديد حتى عبر النصل إلى جانبها الآخر، ثم قال: انظر الآن، ثم رمى بعض العرب المارين عليه
عشرين سهماً لم تصبه ولا فرسه منها بسهم واحد؛ وإنه لقريب منه غير بعيد. ولقد
كان بعض السهام يسقط بين يدي الأسوار، فقال له بالفارسية: أعلمت أن القوم مصنوع
لهم! قال: نعم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له في بعفر أيام
صفين
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: وقد رأيت
جولتكم، وأنحيازكم عن صفوفكم، تحوزكم الجفاة الطغام، وأعراب أهل الشام، وأنتم
لهاميم العرب، ويآفيخ الشرف، والأنف المقدم، والسنام الأعظم. الشرح: جولتكم: هزيمتكم. فأجمل في اللفظ، وكنى عن اللفظ
المنفر، عادلاً عنه إلى لفظ لا تنفير فيه، كما قال تعالى: "كانا يأكلان الطعام"، قالوا: هو كناية عن إتيان الغائط، وإجمال في اللفظ. وكذلك
قوله: وانحيازكم عن صفوفكم كناية عن الهرب أيضا؛ وهو من قوله تعالى: "إلا متحرفاً لقتالأومتحيزاً إلى فئة". وتحوزكم:
تعدل بكم عن مراكزكم. والجفاة: جمع جاف؛ وهو الفدم الغليظ. والطغام:
الأوغاد: واللهاميم: جمع لهموم وهو الجواد
من الناس والخيل، قال الشاعر:
واليآفيخ:
جمع يافوخ وهو معظم الشيء، تقول: قد ذهب يافوخ الليل، أي أكثره، ويجوز أن يريد
به اليافوخ، وهو أعلى الرأس، وجمعه يآفيخ أيضاً. وأفخت الرجل: ضربت يافوخه، وهذا أليق، لأنه
ذكر بعده الأنف والسنام، فحمل اليافوخ على العضو إذاً أشبه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له وهي من خطب
الملاحم
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
الحمد لله المتجلي لخلقه بخلقه، والظاهر لقلوبهم بحجته؛ خلق الخلق من غير روية؛
إذ كانت الرويات لا تليق إلا بذوي الضمائر؛ وليس بذي ضمير في نفسه. خرق علمه باطن
كيب السترات، وأحاط بغموض عقائد السريرات. والمشكاة:
كوة غير نافذة؛ يجعل فيها المصباح. والذؤابة؛
طائفة من شعر الرأس، وسرة البطحاء: وسطها، وبنو كعب بن لؤي يفخرون على بني عامر
بن لؤي بأنهم سكنوا البطاح، وسكنت عامر بالجبال المحيطة بمكة، وسكن معها بنو فهر
بن مالك، رهط أبي عبيدة بن الجراح وغيره، قال
الشاعر:
وقال
طريح بن إسماعيل:
وقال
بعض الطالبيين:
الأصل:
ومنها: طبيب دوار بطبه، قد أحكم مراهمه، وأحمى مواسمه؛ يضع ذلك حيث الحاجة إليه؛
من قلوب عمي؛ وأذان صم، وألسنة بكم؛ متتبع بدوائه مواضع الغفلة، ومواطن الحيرة. والمواسم:
حدائد يوسم بها الخيل وغيرها. ثم
ذكر أنه إنما يعالج بذلك من يحتاج إليه؛ وهم أولو القلوب العمي، والأذان الصم،
والألسنة البكم، أي الخرس. وهذا تقسيم صحيح حاصر، لأن الضلال ومخالفة الحق يكون بثلاثة
أمور: إما بجهل القلب،أوبعدم سماع المواعظ
والحجج،أوبالإمساك عن شهادة التوحيد وتلاوة الذكر، فهذه أصول الضلال؛ وأما أفعال
المعاصي ففروع عليها. وهذه قسمة صحيحة، لأن المكلفين: إما كافر،أومؤمن،أوذو المنزلة بين المنزلتين، هكذا قسم أصحابنا الآية على مذهبهم في الوعيد. فقال الحسن:
لم تترك لأحد عذراً. ومن التقسيمات الفاسدة في الشعر قول البحتري:
فالتقسيم
في البيت الأول صحيح، وفي الثاني غير صحيح، لأن المشوق يكون حزيناً، والمسعد يكون
معينا؛ فكذلك يكون عاذراً، ويكون مشوقاً، ويكون حزيناً، وقد وقع المتنبي في مثل
ذلك، فقال:
فإن
المستعظم يكون حاسداً، والحاسد يكون مستعظماً، ومن الأبيات التي ليس تقسيمها
بصحيح، ما ورد في شعر الحماسة:
وذلك
الأن الخيانة أخص من الإثم، والإثم شامل لها لأنه أعم منها فقد دخل أحد القسمين
في الآخر. ويمكن
أن يعتذر له، فيقال عنى بالإثم الكذب نفسه، وكذلك هو المعنى أيضاً بقوله: قولاً
بلا علم، كأنه قال له: إما أن أكون أفشيت سري إليك فخنتني،أولم أفش فكذبت علي،
فأنت فيما أتيت بين أن تكون خائناً أوكاذباً.
ومن ذلك قول بعض الأعراب: النعم ثلاث: نعمة في حال كونها، ونعمة ترجى مستقبلة، ونعمة تأتي غير
محتسبة، فأبقى الله عليك ما أنت فيه، وحقق ظنك فيما ترتجيه، وتفضل عليك بما لم
تحتسبه. وذلك أنه أغفل النعمة الماضية. وأيضاً فإن النعمة التي تأتي غير محتسبة
داخلة في قسم النعمة المستقبلة، وقد صحح القسمة أبو
تمام، فقال:
فإن قلت: فإن
ما عنيت به فساد التقسيم على البحتري والمتنبي يلزمك مثله فيما شرحته، لأن
الأعمى القلب تد يكون أبكم اللسان، أصم السمع. الأصل: لم يستضيئوا
بأضواء الحكمة؛ لم يقدحوا بزناد العلوم الثاقبة؛ فهم في ذلك كالأنعام السائمة، والصخور
القاسية؛ قد أنجابت السرائر لأهل البصائر؛ ووضحت محجة الحق لخابطها، وأسفرت
الساعة عن وجهها، وظهرت العلامة لمتوشمها. الشرح: انجابت:
انكشفت. والمحجة: الطريق. والخابط: السائر على
غير سبيل واضحة. وأسفرت الساعة:
أضاءت وأشرقت، وعن متعلقة بمحذوف، وتقديره: كاشفة عن وجهها. أشباحاً بلا أرواح، أي أشخاصاً لا أرواح لها ولا
عقول، وأرواحاً بلا أشباح؛ يمكن أن يريد به الخفة والطيش، تشبيهاً بروح بلا جسد.
ويمكن أن يعني به نقصهم، لأن الروح غير ذات الجسد ناقصة عن الاعتمال والتحريك
اللذين كانا من فعلها حيث كانت تدير الجسد، ونساكاً بلا صلاح: نسبهم إلى النفاق.
وتجاراً بلا أرباح: نسبهم إلى الرياء وإيقاع الأعمال على غير وجهها. والشعب: القبيلة
العظيمة، وليس التفرق للراية نفسها، بل لنصارها وأصحابها، فحذف المضاف، ومعنى
تفرقهم، أنهم يدعون إلى تلك الدعوة المخصوصة في بلاد متفرقة، أي تفرق ذلك الجمع
العظيم في الأقطار، داعين إلى أمر واحد ويروى بشعبها جمع شعبة. والنفاضة:
ما سقط من الشيء المنفوض، والعكم: العدل، والعكم أيضاً نمط تجعل فيه المرأة
ذخيرتها، وعركت الشيء: دلكته بقوة. والحصيد:
الزرع المحصود. ومعنى استخلاص الفتنة المؤمن أنها تخصه بنكايتها
وأذاها؛ كما قيل: المؤمن ملقى والكافر موقى، وفي الخبر المرفوع: آفات الدنيا
أسرع إلى المؤمن من النار في يبيس العرفج. وتتيه بكم: تجعلكم تائهين، عدى الفعل اللازم بحرف
الجر، كح تقول في ذهب: ذهبت به. والتائه: المتحير. وقوله
ولكل غيبة إياب قد قاله عبيد بن الأبرص، واستثنى من العموم الموت، فقال:
وهو
رأي زنادقة العرب؛ فأما أمير المؤمنين، وهو ثاني صاحب الشريعة التي جاءت بعود
الموتى، فإنه لا يستثني، ويحمق عبيداً في استثنائه. وهتف بكم:
صاح، والرائد: الذي يتقدم المنتجعين لينظر لهم الماء والكلأ. وفي المثل: الرائد لا يكذب أهله. وقلت الداعية مثله، أي الفرقة الداعية.
والكظوم:
الإمساك والسكوت، كظم البعير يكظم كظوماً، إذا أمسك الجرة؛ وهو كاظم، وإبل كظوم
لا تجتر، وقوم كظم ساكتون. وقد روي أكالاً بضم الهمزة على فعال؛ وقالوا: إنه جمع أكل للمأكول كعرق وعراق، وظئر
وظؤار، إلا أنه شاذ عن القياس، ووزن واحدهما مخالف لوزن واحد أكال لو كان جمعا؛
يقول: صار أوساط الناس طعمة للولاة وأصحاب السلاطين، وكالفريسة للأسد. وغار
الماء: سفل لنقصه، وفاض: سال. وتشاجر الناس: تنازعوا وهي المشاجرة، وشجر بين
القوم؛ إذا اختلف الأمر بينهم، واشتجروا؛ مثل تشاجروا. وصار الفسوق نسباً يصير
الفاسق صديق الفاسق؛ حتى يكون ذلك كالنسب بينهم، وحتى يعجب الناس من العفاف؛
لقلته وعدمه. ولبس
الإسلام لبس الفرو؛ وللعرب عادة بذلك؛ وهي أن تجعل الخمل إلى الجسد؛ وتظهر
الجلد؛ والمراد انعكاس الأحكام الإسلامية في ذلك الزمان. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في تمجيد الله
ووصف ملائكته
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: كل
شيء خاشع له، وكل شيء قائم به؛ غنى كل فقير، وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع
كل ملهوف. بيدك ناصية
كل دابة، وإليك مصير كل نسمة. الشرح: قال:
كل شيء خاضع لعظمة الله سبحانه، وكل شيء قائم به، وهذه هي صفته الخاصة، أعني
كونه غنياً عن كل شيء، ولاشيء من الأشياء يغني عنه أصلاً. جاء في الأثر: من اعتز بغير الله ذل، ومن تكثر
بغير الله قل؛ وكان يقال: ليس فقيراً من
استغنى بالله. وقال الحسن: واعجباً للوط نبي الله! قال: "لو أن لي
بكم قوةأوآوي إلى ركن شديد"، أتراه أراد ركناً أشد وأقوى من الله! واستدل العلماء على ثبوت الصانع سبحانه بما دل عليه
فحوى قوله عليه السلام: ومفزع كل ملهوف،
وذلك أن النفوس ببدائهها تفزع عند الشدائد والخطوب الطارقة إلى الالتجاء إلى
خالقها وبارئها، ألا ترى راكبي السفينة عند تلاطم الأمواج، كيف يجأرون إليه
سبحانه اضطراراً لا اختياراً، فدل ذلك على أن العلم به مركوز في النفس؛ قال
سبحانه: "وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون
إلا إياه". وفائدة
ذلك أنه صرف الكلام من خطاب الحاضرين إلى إخبار قوم آخرين بحالهم، كأنه يعدد على
أولئك ذنوبهم ويشرح لهؤلاء بغيهم وعنادهم الحق، ويقبح عندهم ما فعلوه، ويقول:
ألا تعجبون من حالهم كيف دعونا، فلما رحمناهم، واستجبنا دعاءهم، عادوا إلى
بغيهم! وهذه الفائدة لو كانت الآية كلها على صيغة خطاب الحاضر مفقودة. قلت: بل
ههنا منافاة ظاهرة، وذلك لأنه إذا كان قديماً لم يكن جسماً ولا عرضاً، وما ليس
بجسم ولا عرض تستحيل رؤيته، فيستحيل أن يخبر عنه على سبيل المشاهدة. فإن قلت: أفلت
فعل لازم، فما باله عداه؟ قلت: تقدير الكلام: لا يفلت منك فحذف حرف الجر، كما قالوا: استجبتك أي استجبت لك، قال: فلم يستجبه عند ذاك مجيبو قالوا: استغفرت الله الذنوب، أي من الذنوب، وقال
الشاعر:
قوله عليه السلام: ولا يرد أمرك من سخط قضاءك، ولا يستغني عنك من تولى عن
أمرك، تحته سر عظيم، وهو قول أصحابنا في جواب قول المجبرة: لو وقع منا ما لا
يريده لاقتضى ذلك نقصه: إنه لا نقص في ذلك، لأنه لا يريد الطاعات منا إرادة قهر
وإلجاء، ولو أرادها إرادة قهر لوقعت وغلبت إرادته إرادتنا، ولكنه تعالى أراد منا أن نفعل نحن الطاعة اختياراً،
فلا يدل عدم وقوعها منا على نقصه وضعفه، كما لا يدل بالاتفاق بيننا وبينكم عدم
وقوع ما أمر به على ضعفه ونقصه. ومن هذا الباب قوله:
وقوله:
وهن من الإخلاف قبلك والمطل.
ثم
استعظم واستهول خلقه الذي يراه، وملكوته الذي يشاهده، واستصغر واستحقر ذلك،
بالإضافة إلى قدرته تعالى، وإلى ما غاب عنا من سلطانه. ثم تعجب من سبوغ نعمه
تعالى في الدنيا، واستصغر ذلك بالنسبة إلى نعم الآخرة، وهذا حق لأنه لا نسبة
للمتناهي إلى غير المتناهي. أقبلوا على جيفة قد أفتضحوا بأكلها، وأصطلحوا
على حبها، ومن عشق شيئاً أعشى بصره، وأمرض قلبه؛ فهو ينظر بعين غير صحيحة، ويسمع
بأذن غير سميعة؛ قد خرقت الشهوات عقله، وأماتت الدنيا قلبه، وولهت عليها نفسه،
فهو عبد لها، ولمن في يديه شيء منها، حيثما زالت زال إليها، وحيثما أقبلت أقبل
عليها؛ لا ينزجر من الله بزاجر، ولا يتعظ منه بواعظ؛ وهو يرى المأخوذين على
الغرة، حيث لا إقالة لهم ولا رجعة؛ كيف نزل بهم ما كانوا يجهلون، وجاءهم من فراق
الدنيا ما كانوا يأمنون، وقدموا من الآخرة على ما كانوا يوعدون. فغير موصوف ما نزل بهم، أجتمعت عليهم سكرة
الموت، وحسرة الفوت، ففترت لها أطرافهم، وتغيرت لها ألوانهم، ثم أزداد الموت
فيهم ولوجاً، فحيل بين أحدهم وبين منطقه؛ وإنه لبين أهله ينظر ببصره، ويسمع
بأذنه على صحة من عقله، وبقاء من لبه، يفكر فيم أفنى عمره،وفيم أذهب دهره!
ويتذكر أموالاً جمعها أغمض في مطالبها، وأخذها من مصرحاتها ومشتبهاتها، قد لزمته
تبعات جمعها، وأشرف على فراقها، تبقى لمن وراءه ينعمون فيها، ويتمتعون بها،
فيكون المهنأ لغيره، والعبء على ظهره، والمرء قد غلقت رهونه بها، فهو يعض يده
ندامة على ما أصحر له عند الموت من أمره، ويزهد فيما كان يرغب فيه أيام عمره،
ويتمنى أن الذي كان يغبطه بها ويحسده عليها قد حازها دونه، فلم يزل الموت يبالغ
في جسده؛ حتى خالط سمعه، فصار بين أهله لا ينطق بلسانه؛ ولا يسمع بسمعه، يردد
طرفه بالنظر في وجوههم؛ يرى حركات ألسنتهم، ولا يسمع رجع كلامهم، ثم أزداد الموت
التياطاً به، فقبض بصره كما قبض سمعه، وخرجت الروح من جسده، فصار جيفةً بين
أهله، قد أوحشوا من جانبه، وتباعدوا من قربه، لا يسعد باكياً، ولا يجيب داعياً؛
ثم حملوه إلى مخط في الأرض، فأسلموه فيه إلى عمله،وأنقطعوا عن زورته. فأما
أهل الطاعة فأثابهم بجواره، وخلدهم في داره، حيث لا يظعن النزال، ولا تتغير بهم
الحال، ولا الأفزاع، ولا تنالهم الأسقام ولا تعرض لهم الأخطار، ولا تشخصهم
الأسفار. وأما أهل المعصية، فأنزلهم شر دار، وغل الأيدي إلى الأعناق، وقرن
النواصي بالأقدام، وألبسهم سرابيل القطران، ومقطعات النيران، في عذاب قد أشتد
حره، وباب قد أطبق على أهله، في نار لها كلب ولجب، ولهب ساطع، وقصيف هائل، لا
يظعن مقيمها، ولا يفادى أسيرها، ولا تفصم كبولها، لا مدة للدار فتفنى، ولا أجل
للقوم فيقضى.
من
أراد أن يتعلم الفصاحة والبلاغة، ويعرف فضل الكلام بعضه على بعض؛ فليتأمل هذه
الخطبة؛ فإن نسبتها إلى كل فصيح من الكلام - عدا كلام اللهورسوله- نسبة الكواكب
المنيرة الفلكية إلى الحجارة المظلمة الأرضية؛ ثم لينظر الناظر إلى ما عليها من
البهاء، والجلالة والرواء، والديباجة، وما تحدثه من الروعة والرهبة، والمخافة
والخشية؛ حتى لو تليت على زنديق ملحد مصمم على اعتقاد نفي البعث والنشور لهدت
قواه، وأرعبت قلبه، وأضعفت على نفسه، وزلزلت اعتقاده؛ فجزى الله قائلها عن
الإسلام أفضل ما جزى به ولياً من أوليائه! فما أبلغ نصرته له! تارةً بيده وسيفه،
وتارةً بلسانه ونطقه، وتارةً بقلبه وفكره! إن قيل: جهاد وحرب فهو سيد المجاهدين
والمحاربين، وإن قيل: وعظ وتذكير؛ فهو أبلغ
الواعظين والمذكرين، وإن قيل: فقه وتفسير
فهو رئيس الفقهاء والمفسرين، وإن قيل: عدل
وتوحيد، فهو إمام أهل العدل والموحدين:
ثم نعود إلى الشرح،
فنقول: قوله عليه السلام: أسكنتهم سمواتك،
لا يقتضي أن جميع الملائكة في السموات، فإنه قد ثبت أن الكرام الكاتبين في
الأرض، وإنما لم يقتض ذلك؛ لأن قوله: من
ملائكة ليس من صيغ العموم؛ فإنه نكرة في سياق الإثبات. وقد قيل أيضاً: إن ملائكة الأرض تعرج إلى السماء
ومسكنها بها، ويتناوبون على أهل الأرض. وأيضاً
فإن منهم من يشاهد الجنة والنار عياناً، فيكون أخوف لأنه ليس الخبر كالعيان. واعلم أن مسألة تفضيل الملائكة على الأنبياء لها صورتان:
إحداهما أن أفضل بمعنى كونهم أكثر ثواباً، والأخرى كونهم أفضل بمعنى أشرف؛ كما تقول: إن الفلك
أفضل من الأرض، أي أن الجوهر الذي منه جسمية الفلك أشرف من الجوهر الذي منه
جسمية الأرض. وقال
لببد: عبس كواسب لا يمن طعامها. ويجوز
أن تتعلق بمعبود، أي يعبد لذلك.
وفي هذا الكلام دلالة على أن الجنة الآن مخلوقة، وهو مذهب أكثر
أصحابنا. ولو قال قائل:
إن في الجنة زروعاً من البروالقطنية لم يبعد.
وقيل لحكيم:
ما بال الناس لا يرون عيب أنفسهم، كما يرون عيب غيرهم؟ قال:
إن الإنسان عاشق لنفسه، والعاشق لا يرى عيوب المعشوق.
والى
قوله: حيثما زالت زال إليها، وحيثما أقبلت أقبل عليها نظر الشاعر، فقال:
والغرة:
الاغترار والغفلة؛ والغار: الغافل، وقد اغتررت بالرجل، واغتره زيد، أي أتاه على
غرة منه، ويجوز أن يعني بقوله: المأخوذين على الغرة الحداثة والشبيبة، يقول: كان
ذلك في غرارتيوغرتي، أي في حداثتي وصباي.
والمهنأ:
المصدر من هنىء الطعام وهنؤ بالكسر والضم، مثل فقه وفقه، فإن كسرت قلت: يهنأ،
وإن ضممت قلت: يهنؤ، والمصدر هناءة ومهنأ، أي صار هنيئاً، وهنأني الطعام يهنؤني
ويهنئني - ولا نظير له في المهموز- هنأوهناء، وهنئت الطعام، أي تهنأت به، ومنه
قوله تعالى: "فكلوه هنيئاً مريئاً".
فإن قلت:
فما معنى قوله عليه السلام: قد غلقت رهونه بها في هذا الموضع؟ قلت: لما كان قد شارف الرحيل وأشفى على الفراق،
وصارت تلك الأموال التي جمعها مستحقة لغيره، ولم يبق له فيها تصرف، أشبهت الرهن
الذي غلق على صاحبه، فخرج عن كونه مستحقاً له، وصار مستحقاً لغيره وهو المرتهن. ازداد الموت التياطا به؛ أي التصاقاً. وأرج الأرض: زلزلها، تقول: رجت الأرض، وأرجها
الله، ويجوز رجها، وقد روي رج الأرض بغير همزة؛ وهو الأصح، وعليه ورد القرآن: "كلا إذا رجت الأرض رجاً". وغل الأيدي: جعلها في الأغلال، جمع غل بالضم؛
وهو الميد. والقطران:
الهناء، قطرت البعير أي طليته بالقطران، قال: كما قطر المهنوءة الرجل الطالي
وبعير مقطور؛ وهذا من الألفاظ القرآنية، قال تعالى: "سرابيلهم
من قطران وتغشى وجوههم النار"؛ والمعنى أن النار إلى القطران سريعة
جداً. والقصيف:
الصوت الشديد. ثم
ذكر أن عذابهم سرمدي، وأنه لا نهايه له، نعوذ بالله من عذاب ساعة واحدة، فكيف من
العذاب الأبدي! الفرق بين كلام الإمام علي عليه السلام وخطب ابن نباتة ونحن نذكر
في هذا الموضع فصولاً من خطب الفاضل عبد الرحيم بن نباتة رحمه الله؛ وهو الفائز
بقصبات السبق من الخطباء؛ وللناس غرام عظيم بخطبه وكلامه؛ ليتأمل الناظر كلام
أمير المؤمنين عليه السلام
في خطبه ومواعظه؛ وكلام هذا الخطيب
المتأخر الذي قد وقع الإجماع على خطابته وحسنها، وأن مواعظه هي الغاية التي ليس
بعدها غاية. من ذلك قوله:
أيها الناس؛ تجهزوا فقد ضرب فيكم بوق الرحيل، وابرزوا فقد قربت لكم نوق التحويل،
ودعوا التمسك بخدع الأباطيل، والركون إلى التسويف والتعليل؛ فقد سمعتم ما كرر
الله عليكم من قصص أبناء القرى، وما وعظكم به من مصارع من سلف من الورى، مما لا
يعترض لذوي البصائر فيه شك ولا مرا؛ وأنتم معرضون عنه إعراضكم عما يختلق ويفترى؛
حتى كأن ما تعلمون منه أضغاث أحلام الكرى، وأيدي المنايا قد فصمت من أعماركم
أوثق العرا، وهجمت بكم على هول مطلع كريه القرى؛ فالقهقرى رحمكم الله عن حبائل
العطب القهقرى! واقطعوا مفاوز الهلكات بمواصلة السرى، وقفوا على أحداث المنزلين
من شناخيب الذرا، المنجلين بوازع أم حب وكرى، المشغولين بما عليهم من الموت جرى،
واكشفوا عن الوجوه المنعمة أطباق الثرى، تجدوا ما بقي منها عبرة لمن يرى. فرحم الله امرأً رحم نفسه فبكاها، وجعل منها
إليها مشتكاها! قبل أن تعلق به خطاطيف المنون، وتصدق فيه أراجيف الظنون، وتشرق
عليه بمائها مقل العيون؛ ويلحق بمن دثر من القرون، قبل أن يبدو على المناكب
محمولاً، ويغدو إلى محل المصائب منقولاً، ويكون عن الواجب مسؤولاً، وبالقدوم على
الطالب الغالب مشغولاً. هناك يرفع الحجاب، ويوضع الكتاب، وتقطع
الأسباب، وتذهب الأحساب، ويمنع الإعتاب، ويجمع من حق عليه العقاب، ومن وجب له
الثواب، فيضرب بينهم بسور له باب، باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب. واعلم
أنهم كلهم عابوا على أبي الطيب قوله:
وقالوا:
لا تدخل لفظة بوق في كلام يفلح أبداً. ثم
المح هذه الفقر والسجعات، التي أولها القرى ثم المرا ثم يفترى ثم الكرى الى
قوله: عبرة لمن يرى هل ترى تحت هذا الكلام معنى لطيفا،أومقصداً رشيقاً!أوهل تجد
اللفظ نفسه لفظاً جزلاً فصيحاً،أوعذباً معسولاً! وإنما هي ألفاظ قد ضم بعضها إلى
بعض، والطائل تحتها قليل جداً. وتأمل
لفظة مرا فإنها ممدودة في اللغة، فإن كان قصرها فقد ركب ضرورة مستهجنة، وإن أراد
جمع مرية فقد خرج عن الصناعة، لأنه يكون قد عطف الجمع على المفرد، فيصير مثل قول القائل: ما أخذت منه ديناراً ولا
دراهم، في أنه ليس بالمستحسن في فن البيان. ومن هذه الخطبة: فاهجروا رحمكم الله وثير المراقد، وادخروا طيب المكتسب
تخلصوا من انتقاد الناقد، واغتنموا فسحة المهل قبل انسداد المقاصد، واقتحموا سبل
الآخرة على قلة المرافق والمساعد.
ونحو
إيرادهم كلام مسيلمة، وأحمد بن سليمان المعري، وعبد الله بن المقفع، فصلاً
فصلاً، والموازنة والمقايسة بين ذلك وبين القرآن المجيد، وإيضاح أنه لا يبلغ ذلك
إلى درجة القرآن العزيز، ولا يقاربها، فليس بمستنكر
منا أن نذكر كلام ابن نباتة في معرض إيرادنا كلام أمير المؤمنين عليه السلام لتظهر فضيلة كلامه عليه السلام، بالنسبة إلى
هذا الخطيب الفاضل، الذي قد اتفق الناس على أنه أوحد عصره في فنه. الشرح: فعل:
مشدد، للتكثير، قتلت أكثر من قتلت؛ فيقتضي قوله عليه السلام: قد
حقر الدنيا زيادة تحقير النبي صلى الله عليه وسلم لها، وذلك أبلغ في الثناء عليه
وتقريظه. ومحط الرسالة:
منزلها. ومختلف الملائكة: موضع اختلافها في
صعودها ونزولها، وإلى هذا المعنى نظر بعض الطالبيين فقال: يفتخر على بني عم له
ليسوا بفاطميين:
وقال
آخر يمدح قوما فاطميين:
يعني حسناً عليه السلام وحسيناً عليه السلام. وروى أبو أيوب الأنصاري مرفوعاً: لقد صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين لم تصل على ثالث
لنا؛ وذلك قبل أن يظهر أمر الإسلام ويتسامع الناس به. وجاء
في الحديث أنه سمع يوم أحد صوت من الهواء من جهة السماء، يقول: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي، وأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
هذا صوت جبريل. وجاء
في تفسير قوله تعالى: "ام يحسدون الناس على ما
آتاهم الله من فضله" أنها أنزلت في
علي عليه السلام وما خص به من العلم. وجاء في تفسير قوله تعالى: "أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه": أن
الشاهد علي عليه السلام. وروى
المحدثون أيضاً عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه، وموسى في علمه،
وعيسى في ورعه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب". وبالجملة فحاله في العلم حال رفيعة جداً لم
يلحقه أحد فيها ولا قاربه. وحق له أن يصف نفسه بأنه معادن العلم وينابيع الحكم،
فلا أحد أحق بها منه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن قلت:
كيف قال: عدونا ومبغضنا ينتظر السطوة، ونحن نشاهد أعداءه ومبغضيه، لا ينتظرونه قلت: لما كانت منتظرة لهم ومعلوماً بيقين حلولها
بهم، صاروا كالمنتظرين لها. وأيضاً فإنهم ينتظرون الموت لا محالة الذي كل إنسان
ينتظره؛ ولما كان الموت مقدمة العقاب وطريقاً إليه جعل انتظاره انتظار ما يكون
بعده. الأصل: إن أفضل ما
توسل به المتوسلون إلى الله سبحانه وتعالى، الإيمان به وبرسوله، والجهاد في
سبيله، فإنه ذروة الإسلام، وكلمة الإخلاص، فإنها الفطرة،وإقام الصلاة فإنها
الملة، وإيتاء الزكاة فإنها فريضة واجبة. وصوم شهر رمضان فإنه جنة من العقاب، وحج
البيت واعتماره، فإنهما ينفيان الفقرويرحضان الذنب، وصلة الرحم فإنها مثراة في
المالومنسأة في الأجل، وصدقة السر فإنها تكفر الخطيئة، وصدقة العلانية فإنها
تدفع ميتة السوء، وصنائع المعروف فإنها تقي مصارع الهوان. وإن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي
لا يستفيق من جهله؛ بل الحجة عليه أعظم والحسرة له ألزم؛ وهو عند الله ألوم. وقد ذهب إلى أن ماهية الإيمان هو مجرد التصديق
القلبي جماعة من المتكلمين وهو وإن لم يكن مذهب
أصحابنا، فإن لهم أن يقولوا: إن أمير المؤمنين رضي الله عنه جاء
بهذا اللفظ على أصل الوضع اللغوي لأن الإيمان في أصل اللغة هو التصديق، قال
سبحانه وتعالى: "وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا
صادقين"، أي لست بمصدق لنا، لا إن كنا صادقين، ولا إن كنا كاذبين.
ومجيئه رضي الله عنه على أصل الوضع اللغوي لا يبطل
مذهبنا في مسمى الإيمان لأنا نذهب إلى أن الشرع استجد لهذه اللفظة مسمى
ثانياً، كما نذهب إليه في الصلاة والزكاة وغيرهما،
فلا منافاة إذاً بين مذهبنا وبين ما أطلقه رضي الله عنه. وسادسها: صوم شهر
رمضان وهو أضعف وجوباً من الزكاة، وجعله جنة من العقاب، أي سترة. قال: فإنها تكفر
الخطيئة، والتكفير هو إسقاط عقاب مستحق بثواب أزيد منه أو توبة وأصله في اللغة
الستر والتغطية، ومنه الكافر لأنه يغطي الحق، وسمي البحر كافراً لتغطيته ما
تحته، وسمي الفلاح كافراً لأنه يغطي الحب في الأرض المحروثة. فإن قالوا:
إنما أراد أحسن الكلام، قلنا: لعمري إنه
كذلك، ولكنه لا يطلق على الكلام القديم لفظة حديث لأنه
إنما سمي الكلام والمحاورة والمخاطبة حديثاً لأنه أمر يتجدد حالاً فحالاً،
والقديم ليس كذلك. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في وصف الدنيا
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما بعد،
فإني أحذركم الدنيا فإنها حلوة خضرة، حفت بالشهوات، وتحببت بالعاجلة، وراقت
بالقليل، وتحلت بالآمال، وتزينت بالغرور. لا تدوم حبرتها، ولا تؤمن فجعتها. غرارة ضرارة،
حائلة زائلة، نافدة بائدة، أكالة غوالة، لا تعدو إذا تناهت إلى أمنية أهل الرغبة
فيها والرضاء بها أن تكون كما قال الله تعالى: "كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض
فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدراً" . كم من واثق بها قد فجعته، وذي طمأنينة قد صرعته،
وذي أبهة قد جعلته حقيراً، وذي نخوة قد ردتة ذليلاً. سلطانها دول، وعيشها رنق،
وعذبها أجاج، وحلوها صبر، وغذاؤها سمام، وأسبابها رمام. حيها بعرض موت، وصحيحها
بعرض سقم. ملكها مسلوب، وغزيرها مغلوب، وموفورها منكوب،
وجارها محروب. تعبدوا للدنيا أي تعبد، وآثروها أي إيثار، ثم ظعنوا
عنها بغير زاد مبلغ، ولا ظفر قاطع. فهل بلغكم أن الدنيا سخت لهم نفساً بفدية، أو
أعانتهم بمعونة، أو أحسنت لهم صحبة! بل أرهقتهم بالفوادح، وأوهقتهم بالقوارع،
وضعضعتهم بالنوائب،وعفرتهم للمناخر، ووطئتهم بالمناسم، وأعانت عليهم ريب المنون. فقد رأيتم
تنكرها لمن دان لها، وآثرها، وأخلد إليها، حين ظعنوا عنها لفراق الأبد. واتعظوا فيها بالذين قالوا: "من أشد منا قوة". حملوا إلى قبورهم فلا يدعون ركباناً، وأنزلوا
الأجداث فلا يدعون ضيفاناً، وجيل لهم من الصفيح أجنان، ومن التراب أكفان، ومن
الرفات جيران. فهم جيرة لا يجيبون داعياً، ولا يمنعون ضيماً، ولا يبالون مندبة. إن جيدوا لم يفرحوا، وإن قحطوا لم يقنطوا، جميع وهم
آحاد، وجيرة وهم أبعاد، متدانون لا يتزاورون، وقريبون لا يتقاربون. وحائلة:
متغيرة. ونافدة:
فانية. وبائدة:
منقضية. وأكالة: قتالة، وغوالة:
مهلكة. والغول:
ما غال، أي أهلك ومنه المثل: الغضب غول الحلم. وتذروه الرياح: تطيره.
وكان الله على ما يشاء، من الإنشاء والإفناء، مقتدراً. وقيل:
لأن الترس بطنه إليك وظهره إلى عدوك، وقيل:
لأن المشي في بطون الأودية أسهل من السير على الظراب والآكام. قوله:
وحري، أي جدير وخليق، يقال: بالحرى أن يكون
هذا الأمر كذا، وهذا الأمر محراة لذلك، أي مقمنة، مثل محجاة، ويا أحراه مثل ما
أحجاه، وأحر به، مثل أحج به، وتقول: هو حرى
أن يفعل ذلك بالفتح، أي جدير وقمين، لا يثنى ولا يجمع، قال
الشاعر:
فإذا قلت:
هو حر بكسر الراء وحري بتشديدها على فعيل ثنيت وجمعت، قلت:
هما حريان وحريان، وحرون مثل عمون، وأحراء أيضاً، وفي المشدد حريون وأحرياء، وهي
حرية وحرية وهن حريات وحريات وحرايا.
وارتفع
جانب المذكور بعد إن لأنه فاعل فعل مقدر يفسره الظاهر، أي وإن اعذوذب جانب منها،
لأن إن لا تقتضي الفعل وتطلبه فهي إذا في قوله تعالى: "إذا
السماء أنشقت".
والهاء
في جناحه ترجع إلى الممدوح بهذا الشعر. والرنق،
بفتح النون، مصدر رنق الماء، أي تكدر وبالكسر الكدر، وقد
روي ههنا بالفتح والكسر، فالكسر ظاهر، والفتح على تقدير حذف المضاف، أي
ذو رنق. والصبر، بكسر الباء: هذا النبات المر نفسه، ثم سمي كل مر صبراً. والسمام:
جمع سم لهذا القاتل، يقال سم وسم، بالفتح والضم، والجمع سمام وسموم. وموفورها: ذو الوفر والثروة منها، والمحروب: المسلوب، أي لا تحمي جاراً ولا تمنعه. وأما بعد الآمال فمرتب على طول الأعمار، فكلما
كانت أطول كانت الآمال أبعد، وإن عنى به علو الهمم، فلا ريب أنهم أعلى همماً من
أهل هذا الزمان وقد كان فيهم من ملك معمورة الأرض كلها، وكذلك القول في أعد
عديداً، وأكثف جنوداً، والعديد: العدو
الكثير وأعد منهم، أي أكثر. قوله: ولا ظهر قاطع، أي قاطع لمسافة الطريق.
وضعضعت البناء:
أهدمته. والمناسم:
جمع منسم، بكسر السين وهو خف البعير. ودان لها:
أطاعها، ودان لها أيضاً: ذل. وأخلد إليها:
مال، قال تعالى: "ولكنه أخلد إلى الأرض".
ومعنى قوله: أو
نورت لهم إلا الظلمة أي بالظلمة وهذا كقوله:
هل زودتهم إلا السغب. وهو من باب إقامة الضد مقام الضد، أي لم تسمح
لهم بالنور بل بالظلمة. والضنك:
الضيق. ثم قال:
فبئست الدار، وحذف الضمير العائد إليها وتقديره هي كما قال تعالى: "نعم العبد"، وتقديره: ومن لم يتهمها: من لم يسؤ ظناً بها. والصفيح:
الحجارة. والأجنان:
القبور، الواحد جنن، والمجنون: المقبور، ومنه قول الأعرابية: لله درك من مجنون في
جنن. والأكنان:
جمع كن: وهو الستر، قال تعالى: "وجعل لكم من
الجبال أكناناً". والمندبة:
الندب على الميت. لا يبالون بذلك: لا يكترثون به. وجيدوا:
مطرواً. وقحطوا:
انقطع المطر عنهم فأصابهم القحط، وهو الجدب وإلى معنى قوله رضي الله عنه: فهم جيرة لا يجيبون داعياً، ولا يمنعون ضيماً، جميع وهم
آحاد، وجيرة وهم أبعاد، متدانون لا يتزاورون، وقريبون لا يتقاربون نظر البحتري، فقال:
وقد
قال الشعراء والخطباء في هذا المعنى كثيراً، فمن ذلك
قول الرضي أبي الحسن رحمه الله في مرثيته لأبي
إسحاق الصابي:
فقوله:
بادون في صور الجميع. البيت، هو
قوله صلى الله عليه وسلم: "جميع وهم آحاد" بعينه. وقال الرضي رحمه الله
تعالى أيضاً:
قوله:
قربت ضرائحهم البيت هو معنى قوله رضي الله عنه: وجيرة، وهم أبعاد بعينه. ومن هذا
المعنى قول بعض الأعراب:
ومن كلام ابن نباتة: وحيداً على كثرة الجيران، بعيداً على قرب المكان. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
يذكر فيها ملك الموت
وتوفية الأنفس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: هل يحس به
إذا دخل منزلاً، أم هل تراه إذا توفى أحداً! بل كيف يتوفى الجنين في بطن أمه.
أيلج عليه من بعض جوارحها، أم الروح أجابته بإذن ربها، أم هو ساكن معه في
أحشائها! كيف يصف إلهه من يعجز عن صفة مخلوق مثله! الشرح:
أما مذهب جمهور أصحابنا وهم النافون للنفس الناطقة فعندهم أن الروح جسم لطيف
بخاري، يتكون من ألطف أجزاء الأغذية، ينفذ في العروق الضوارب، والحياة عرض قائم
بالروح وحال فيها، فللدماغ روح دماغية وحياة حالة فيها وكذلك للقلب، وكذلك للكبد
وعندهم أن لملك الموت أعواناً، تقبض الأرواح بحكم النيابة عنه لولا ذلك لتعذر
عليه وهو جسم أن يقبض روحين في وقت واحد في المشرق والمغرب لأن الجسم الواحد لا
يكون في مكانين في وقت واحد. قال أصحابنا: ولا يبعد أن يكون الحفظة الكاتبون هم
القابضين للأرواح عند انقضاء الأجل، قالوا: وكيفية القبض ولوج الملك من الفم إلى
القلب، لأنه جسم لطيف هوائي لا يتعذر عليه النفوذ في المخارق الضيقة، فيخالط
الروح التي هي كالشبيهة به، لأنها جسم لطيف بخاري، ثم يخرج من حيث دخل وهي معه،
وإنما يكون ذلك في الوقت الذي يأذن الله تعالى له فيه وهو حضور الأجل، فألزموا
على ذلك أن يغوص الملك في الماء مع الغريق ليقبض روحه تحت الماء فالتزموا ذلك، وقالوا: ليس بمستحيل أن يتخلل الملك الماء في مسام
الماء فإن فيه مسام ومنافذ، وفي كل جسم على قاعدتهم في إثبات الماء في الأجسام.
ثم تركت همزته لكثرة الاستعمال، فقيل: ملك، فلما جمع ردت الهمزة
إليه، فقالوا: ملائكة وملائك، قال أمية بن أبي الصلت:
والتوفي:
الإماتة وقبض الأرواح، قال الله تعالى: "الله
يتوفى الأنفس حين موتها". والقسم الثاني ينقسم
قسمين: أحدهما
أن يلج جوف أمه لقبض روحه فيقبضها، والثاني أن
يقبضها من غير حاجة إلى الولوج إلى جوفها وذلك بأن تطيعه الروح وتكون مسخرة إذا
أراد قبضها امتدت إليه فقبضها. وهذه القسمة لا يمكن
الزيادة عليها، ولو قسمها واضع المنطق لما زاد. ثم
خرج إلى أمر آخر أعظم وأشرف مما ابتدأ به، فقال: كيف يصف إلهه من يعجز عن وصف
مخلوق مثله وإلى هذا الغرض كان يترامى، وإياه كان يقصد وإنما مهد حديث الملك
والجنين توطئة لهذا المعنى الشريف، والسر الدقيق. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعض الأشعار في التخلص
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وهذا
الفن يسميه أرباب علم البيان التخلص، وأكثر ما يقع في الشعر، كقول أبي نواس:
ومن
ذلك قول أبي تمام:
ومنه
قول البحتري:
ومنه
قول المتنبي وهو يتغزل بأعرابية، وبصف بخلها وجبنها وقلة مطعمها وهذه كلها من
الصفات الممدوحة في النساء خاصة:
وهذا
من لطيف التخلص ورشيقه، والتخلص مذهب الشعراء، والمتأخرون يستعملونه كثيراً،
ويتفاخرون فيه ويتناضلون، فأما التخلص في الكلام المنثور فلا يكاد يظهر لمتصفح
الرسالة أو الخطبة إلا بعد تأمل شديد وقد وردت منه مراضع في القرآن العزيز فمن
أبينها وأظهرها أنه تعالى ذكر في سورة الأعراف
الأمم الخالية والأنبياء الماضين من لدن آدم عليه الصلاة والسلام، إلى أن انتهى
إلى قصة موسى، فقال في آخرها بعد أن شرحها وأوضحها:
"واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا فلما
أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا
إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي في تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا
وأنت خير الغافرين؛ واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال
عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة
والذين هم بأياتنا يؤمنون؛ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً
عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات
ويحرم عليه الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به
وعزروه. ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون". وهذا من التخلصات اللطيفة المستحسنة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
شواهد في الاستطراد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أن من أنواع علم البيان نوعاً يسمى الاستطراد، وقد يسمى
الالتفات، وهو من جنس التخلص وشبيه به، إلا أن الاستطراد هو أن تخرج بعد أن تمهد ما تريد أن تمهده
إلى الأمر الذي تروم ذكره فتذكره، وكأنك غير قاصد لذكره بالذات، بل قد حصل ووقع
ذكره بالعرض عن غير قصد، ثم تدعه وتتركه، وتعود إلى الأمر الذي كنت في تمهيده،
كالمقبل عليه، وكالملغي عما استطردت بذكره، فمن ذلك
قول البحتري وهو يصف فرساً:
ألا تراه كيف استطرد بذكر حمدويه الأحول الكاتب، وكأنه لم يقصد ذلك ولا أراده وإنما
جرته القافية، ثم ترك ذكره وعاد إلى وصف الفرس ولو أقسم إنسان أنه ما بنى
القصيدة منذ افتتحها إلا على ذكره، ولذلك أتى بها على روي اللام، لكان صادقاً. فهذا هو الاستطراد. ومن الفرق بينه وبين التخلص أنك متى شرعت في ذكر الممدوح أو المهجو تركت ما كنت فيه من
قبل بالكلية وأقبلت على ما تخلصت إليه من المديح والهجاء بيتاً بعد بيت حتى
تنقضي القصيدة، وفي الاستطراد تمر على ذكر
الأمر الذي استطردت به مروراً كالبرق الخاطف ثم تتركه وتنساه، وتعود إلى ما كنت
فيه كأنك لم تقصد قصد ذاك، وإنما عرض عروضاً. وإذا فهمت الفرق فاعلم
أن الآيات التي تلوناها إذا حققت وأمعنت النظر، من باب الاستطراد، لا من باب
التخلص،
وذلك لأنه تعالى قال بعد قوله: "وأتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون قل
يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله
إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته
وأتبغوه لعلكم تهتدون؛ ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون؛ وقطعناهم أثنتي
عشرة أسباطاً أمماً وأوحينا إلى موسى إذ أستسقاه قومه أن أضرب بعصاك الحجر
فانبجست منه أثنتا عشرة عيناً قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام
وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا
أنفسهم يظلمون". فعاد إلى ما كان فيه أولاً، ثم مر في هذه القصة، وفي أحوال موسى وبني إسرائيل حتى قارب
الفراغ من السورة.
فلو
أتم متغزلاً لكان مستطرداً لا محالة، ولكنه نقض الاستطراد، وغمس يده في المدح، فقال بعد هذا البيت:
ومضى على ذلك إلى آخرها.
ولقد ظرف وملح أبو إسحاق في هذه الأبيات، ومتى خلا أو عرى عن الظرف والملاحة،
ولقد كان ظرفاً ولباقة كله. وليس من الاستطراد ما زعم ابن الأثير الموصلي
في كتابه المسمى بالمثل السائر أنه استطراد وهو قول
بعض شعراء الموصل يمدح قرواش بن المقلد، وقد أمره أن يعبث بهجاء وزيره
سليمان بن فهد، وحاجبه أبي جابر ومغنيه المعروف بالبرقعيدي،
في ليلة من ليالي الشتاء وأراد بذلك الدعابة والولع بهم، وهم في مجلس في شراب وأنس، فقال وأحسن فيما قال:
وذلك لأن الشاعر
قصد إلى هجاء كل واحد منهم، ووضع الأبيات لذلك، وأمره قرواش رئيسهم وأميرهم
بذلك، فهجاهم ومدحه ولم يستطرد، وهذه الأبيات
تشبيهات كلها مقصود بها الهجاء، لم يأت بالعرض في الشعر كما يأتي الاستطراد، وهذا غلط من مصنف الكتاب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة في التحذير من
أمر الدنيا.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
وأحذركم الدنيا فإنها منزل قلعة، وليست بدار نجعة، قد تزينت بغرورها، وغرت
بزينتها. دار
هانت على ربها فخلط حلالها بحرامها، وخيرها بشرها، وحياتها بموتها، وحلوها
بمرها. لم يصفها الله تعالى لأوليائه، ولم يضن بها عن
أعدائه. خيرها
زهيد، وشرها عتيد، وجمعها ينفد، وملكها يسلب. وعامرها
يخرب. فما
خير دار تنقض نقض البناء، وعمر يفنى فيها فناء الزاد، ومدة تنقطع أنقطاع السير
اجعلوا ما أفترض الله عليكم من طلبتكم، واسألوه من أداء حقه كما سألكم وأسمعوا
دعوة الموت آذانكم قبل أن يدعى بكم. ويقال: هذا مجلس قلعة، إذا كان صاحبه يحتاج
إلى أن يقوم مرة بعد مرة. ويقال:
هم على قلعة، أي على رحلة، ومن هذا الباب قولهم:
فلان قلعة، إذا كان ينقلع عن سرجه، ولا يثبت في البطش والصراع، والقلعة أيضاً: المال العارية، وفي الحديث: بئس
المال القلعة. الكلام،
مراده تفضيل الدار الآتية على هذه الحاضرة، فإن تلك صفو كلها وخير كلها وهذه
مشوبة والكدر والشر فيها أغلب من الصفو والخير. ومن كلام بعض الصالحين: من هوان الدنيا على الله أنه لا يعصى إلا فيها، ولا ينال ما
عنده إلا بتركها. ويروى:
ولم يضن بها على أعدائه، والرواية المشهورة عن أعدائه، وكلاهما مستعمل. والسير:
سير المسافر.
ثم
أمرهم أن يسمعوا أنفسهم دعوة الموت قبل أن يحضر الموت، فيحل بهم. ومثل قوله:
تبكي قلوبهم وإن ضحكوا قول الشاعر، وإن لم يكن هذا المقصد بعينه قصد:
والمقت:
البغض: واغتبطوا: فرحوا. وقوله:
والعاجلة أذهب لكم من الآجلة أي ذهبت العاجلة بكم واستولت عليكم أكثر مما ذهبت
بكم الآخرة، واستولت عليكم. ثم
ذكر أن الناس كلهم مخلوقون على فطرة واحدة، وهي دين الله وتوحيده وإنما اختلفوا
وتفرقوا باعتبار أمر خارجي عن ذلك وهو خبث سرائرهم وسوء ضمائرهم، فصاروا إلى حال
لا يتوازرون، أي لا يتعاونون، والأصل الهمز، آزرته، ثم تقلب الهمزة واواً، وأصل قوله: فلا توازرون فلا تتوازرون فحذفت إحدى التاءين،
كقوله تعالى: "مالكم لا تناصرون"،
أي لا تتناصرون، والتباذل: أن يجود بعضهم على بعض بماله ويبذله له.
والضمير
في يخاف راجع إلى الأخ لا إلى المستقبل له أي ما يخافه الأخ من مواجهته بعينه. فقال للحسين بن علي رضي الله عنه،
ولقد لقيه قادماً إلى العراق، وسأله عن الناس: أما
قلوبهم فمعك، وأما سيوفهم فعليك، والدين لعقة على ألسنتهم، فإذا امتحصوا قل
الديانون، واللفظة مجاز، وأصل اللعقة شيء قليل يؤخذ بالملعقة من الإناء،
يصف دينهم بالنزارة والقلة كتلك اللعقة، ولم يقنع بأن جعله لعقة حتى جعله على
ألسنتهم فقط، أي ليس في قلوبهم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في الحفر على
التقوى
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: الحمد لله
الواصل الحمد بالنعم، والنعم بالشكر نحمده على آلائه كما نحمده على بلائه،
ونستعينه على هذه النفوس البطاء عما أمرت به، السراع إلى ما نهيت عنه. ونستغفره مما أحاط به علمه، وأحصاه كتابه علم غير
قاصر وكتاب غير مغادر. ونؤمن به إيمان من عاين الغيوب، ووقف على الموعود
إيماناً نفى إخلاصه الشرك، ويقينه الشك. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن
محمداً ولى الله عليه وأله وسلم عبده ورسوله، شهادتين تصعدان القول، وترفعان
العمل لا يخف ميزان توضعان فيه، ولا يثقل ميزان ترفعان منه. ما فات اليوم من الرزق رجي غداً زيادته، وما فات
أمس من العمر لم يرج اليوم رجعته. الرجاء مع الجائي، واليأس مع الماضي، فاتقوا الله
حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون! الشرح: لقائل أن يقول: أما كونه واصل الحمد له من
عباده بالنعم منه عليهم فمعلوم فكيف قال:
إنه يصل النعم المذكورة بالشكر، والشكر من أفعال العباد وليس من أفعاله ليكون
واصلاً للنعم به. وجواب هذا القائل، هو أنه لما وفق العباد للشكر
بعد أن جعل وجوبه في عقولهم مقرراً، وبعد أن أقدرهم عليه، صار كأنه الفاعل له،
فأضافه إلى نفسه توسعاً، كما يقال: أقام
الأمير الحد، وقتل الوالي اللص؛ فأما حمده سبحانه على البلاء كحمده على الآلاء فقد تقدم القول فيه. ومن الكلام المشهور:
سبحان من لا يحمد على المكروه سواه، والسر فيه أنه تعالى إنما يفعل المكروه بنا
لمصالحنا، فإذا حمدناه عليه فإنما حمدناه على نعمة أنعم بها، وإن كانت في الظاهر
بلية وألماً. وهذا ترتيب
صحيح منتظم. دعا
إليها أسمع داع: يعني البارئ سبحانه لأنه أشد الأحياء إسماعاً لما يدعوهم إليه
وبناء أفعل ههنا من الرباعي، كما جاء ما أعطاه للمال وما أولاه للمعروف! وأنت أكرم
لي من زيد، أي أشد إكراماً وهذا المكان أقفر من غيره، أي أشد إقفاراً، وفي المثل
أفلس من ابن المذلق، وروي: دعا إليها أحسن
داع، أي أحسن داع دعا، ولا بد من تقدير هذا المميز لأنه تعالى لا توصف ذاته
بالحسن، وإنما يوصف بالحسن أفعاله. والتقوى:
خشية الله سبحانه ومراقبته في السر والعلن، والخشية أصل الطاعات، وإليها وقعت
الإشارة بقوله تعالى: "إن أكرمكم عند الله
أتقاكم"، وقوله سبحانه: "ومن يتق
الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب".
أي
شهدنا فيه سليماً، وقد اتسعوا فأضافوا الى الظروف فقالوا:
وقال
تعالى: "بل مكر الليل والنهار"
فأخرجوهما بالإضافة عن الظرفية. واستقربوا الأجل رأوه قريباً. وقوله:
فلاحظوا الأجل يعني الموت نفسه. ولا تؤسى جراحه: لا تطب ولا تصلح، أسوت الجرح، أي أصلحته. ولا ينقع:
لا يروى شرب حتى نقع، أي شفى غليله، وماء ناقع وهو كالناجع، وما رأيت شربة أنقع
منها.
وقال
آخر:
قوله:
ومن غيرها أنك ترى المرحوم مغبوطاً والمغبوط مرحوماً، أي يصير الفقير غنياً
والغني فقيراً، وقد فسره قوم فقالوا: أراد
أنك ترى من هو في باطن الأمر مرحوم، مغبوطاً، وترى من هو في باطن الأمر مغبوط،
مرحوماً، أي تحسب ذاك وتتخيله وهذا التأوبل غير صحيح، لأن
قوله بعده: ليس ذلك إلا نعيماً زل، وبؤساً نزل، يكذبه ويصدق التفسير الأول. وأضحى
فيئها، من أضحى الرجل إذا برز للشمس، ثم قال: لا جاء يرد ولا ماض يرتد أي يسترد
ويسترجع، أخذه أبو العتاهية فقال:
وإلى
قوله: ما أقرب الحي من الميت للحاقه به، وما أبعد الميت من الحي لانقطاعه عنه
نظر الشاعر، فقال:
فإن قلت:
ما وجه تقسيمه رضي الله عنه الأمور التي عددها إلى الفناء والعناء، والغير
والعبر قلت: لقد أصاب الثغرة وطبق المفصل
ألا تراه ذكر في الفناء رمي الدهر الإنسان عن قوس الردى، وفي العناء جمع ما لا
يأكل، وبناء ما لا يسكن، وفي الغير الفقر بعد الغنى والغنى بعد الفقر، وفي العبر
اقتطاع الأجل الأمل فقد ناط بكل لفظة ما يناسبها.
إلا أن أمير المؤمنين رضي الله عنه استثنى العقاب والثواب، والشاعر
جعل مكانهما فاعل الخير والشر.
ولهذا
يحرص الواحد منا على الأمر، فإذا بلغه برد وفتر، ولم يجده كما كان يظن في اللذة،
ويوصف لنا البلد البعيد عنا بالخصب والأمن والعدل، وسماح أهله، وحسن نسائه، وظرف
رجاله، فإذا سافرنا إليه لم نجده كما وصف بل ربما وجدنا القليل من ذلك، ويوصف
لنا الإنسان الفاضل بالعلم بفنون من الآداب والحكم، ويبالغ الواصفون في ذلك. فإذا
اختبرناه وجدناه دون ما وصف وكذلك قد يخاف الإنسان حبساً أو ضرباً أو نحوهما
فإذا وقع فيهما هان ما كان يتخوفه، ووجد الأمر دون ذلك، وكذلك القتل والموت فإن
ما يستعظمه الناس منهما دون أمرهما في الحقيقة، وقد
قال أبو الطيب وهو حكيم الشعراء:
ويقال في المثل:
لج الخوف تأمن. وأما أحوال الآخرة فلا ريب أن الأمر فيها
بالضد من ذلك لأن الذي يتصوره الناس من الجنة، أنها أشجار وأنهار ومأكول ومشروب،
وجماع، وأمرها في الحقيقة أعظم من هذا وأشرف، لأن ملاذها الروحانية المقارنة
لهذه الملاذ المضادة لها أعظم من هذه الملاذ بطبقات عظيمة، وكذلك أكثر الناس يتوهمون
أن عذاب النار يكون أياماً وينقضي كما يذهب إليه المرجئة، أو أنه لا عذاب بالنار
لمسلم أصلاً كما هو قول الخلص من المرجئة، وأن أهل النار يألفون عذابها فلا
يستضرون به إذا تطاول الأمد عليهم، وأمر العذاب أصعب مما يظنون خصوصاً على
مذهبنا في الوعيد ولو لم يكن إلا آلام النفوس باستشعارها سخط الله تعالى عليها،
فإن ذلك أعظم من ملاقاة جرم النار لبدن الحي.
ثم قال:
فكم من منقوص في دنياه وهو رابح في آخرته، وكم من مزيد في دنياه وهو خاسر في
آخرته. ثم قال:
إن الذي أمرتم به أوسع من الذي نهيتم عنه، وما أحل لكم أكثر مما حرم عليكم
الجملة الأولى هي الجملة الثانية بعينها، وإنما أتى بالثانية تأكيداً للأولى
وإيضاحاً لها، ولأن فن الخطابة والكتابة هكذا هو، وينتظم كلتا الجملتين معنى
واحد، وهو أن فيما أحل الله غنى عما حرم، بل الحلال أوسع ألا ترى أن المباح من
المآكل والمشارب أكثر عدداً وأجناساً من المحرمات فإن المحرم ليس إلا الكلب
والخنزير وأشياء قليلة غيرهما، والمحرم من المشروب الخمر ونحوها من المسكر وما
عدا ذلك حلال أكله وشربه، وكذلك القول في النكاح والتسري، فإنهما طريقان مهيعان
إلى قضاء الوطر، والسفاح طريق واحد والطريقان أكثر من الطريق الواحد. وأيضاً فإنه لما كان كثير من الأمور التي
عددناها مندوباً أطلق عليه لفظ الأمر، لأن المندوب مأمور به وذلك كالنكاح
والتسري وأكل اللحوم التي هي سبب قوة البدن، وشرب ما يصلح المزاج من الأشربة
التي لا حرج في استعمالها. وقال بعض العقلاء
لبنيه: يا بني إنه ليس كل شيء من اللذة ناله أهل الخسارة بخسارتهم إلا
ناله أهل المروءة والصيانة بمروءتهم وصيانتهم فاستتروا بستر الله، ودخل إنسان
على علي بن موسى الرضا رضي الله عنه، وعليه
ثياب مرتفعة القيمة فقال: يا بن رسول الله، أتلبس مثل هذا، فقال له: من حرم زينة
الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق. ثم
أمر بالعمل والعبادة. ونهى عن الحرص على طلب الرزق، فقال: إنكم أمرتم بالأول وضمن لكم الثاني، فلا تجعلوا
المضمون حصوله لكم هو المخصوص بالحرص والاجتهاد بل ينبغي أن يكون الحرص
والاجتهاد فيما أمرتم بعمله وهو العبادة. وقد
يتوهم قوم أنه ارتفع طلبه بالمضمون، كقولك:
المضروب أخوه وهذا غلط لأنه لم يضمن طلبه، وإنما ضمن حصوله ولكنه ارتفع لأنه
مبتدأ وخبره أولى وهذا المبتدأ والخبر في موضع نصب، لأنه خبر يكونن أو ارتفع
لأنه بدل من المضمون وهذا أحسن وأولى من الوجه الأول وهو بدل الاشتمال. وهذا
الكلام يقتضي أن العمر مقدور، وأن المكاسب والأرزاق إنما هي بالاجتهاد، وليست
محصورة مقدرة، وهذا يناقض في الظاهر ما تقدم من قوله: إن الرزق مضمون فلا تحرصوا
عليه، فاحتاج الكلام إلى تأويل، وهو أن العمر هو الظرف الذي يوقع المكلف فيه
الأعمال الموجبة له السعادة العظمى، المخلصة له من الشقاوة العظمى وليس له ظرف
يوقعها فيه إلا هو خاصة، فكل جزء منه إذا فات من غير عمل لما بعد الموت، فقد فات
على الإنسان بفواته ما لا سبيل له استدراكه بعينه ولا اغترام مثله، لأن المثل
الذي له إنما هو زمان آخر، وليس ذلك في مقدور الإنسان، والزمان المستقبل الذي
يعيش فيه الإنسان لم يكتسبه هو لينسب إليه، فيقال: إنه حصله عوضاً مما انقضى
وذهب من عمره وإنما هو فعل غيره ومع ذلك فهو معد ومهيأ لأفعال من العبادة توقع
فيه، كما كان الجزء الماضي معداً لأفعال توقع فيه، فليس أحدهما عوضاً عن الآخر
ولا قائماً مقامه، وأما المنافع الدنيوية كالمآكل والمشارب والأموال، فإن
الإنسان إذا فاته شيء منها قدر على ارتجاعه بعينه، إن كانت عينه باقية، وما لا
تبقى عينه يقدر على اكتساب مثله، والرزق وإن كان مضموناً من الله إلا أن للحركة
فيه نصيباً، إما أن يكون شرطاً أو أن يكون هو بذاته من أثر قدرة الإنسان، كحركته
واعتماده وسائر أفعاله، ويكون الأمر بالتوكل والنهي عن الاجتهاد في طلب الرزق
على هذا القول، إنما هو نهي عن الحرص والجشع والتهالك في الطلب فإن ذلك قبيح يدل
على دناءة الهمة وسقوطها.
وقوله:
حق تقاته، أي حق تقيته، أي خوفه، اتقى يتقي تقية وتقاة، ووزنها فعلة وأصلها
الياء، ومثلها أتخم تخمة: واتهم تهمة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في الاستسقاء
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: اللهم قد
انصاحت جبالنا، واغبرت أرضنا، وهامت دوابنا، وتحيرت في مرابضها، وعجت عجيج
الثكالى على أولادها، وملت التردد في مراتعها، والحنين إلى مواردها اللهم فارحم
أنين الآنة، وحنين الحانة. اللهم فارحم حيرتها في مذاهبها، وأنينها في موالجها
اللهم خرجنا إليك حين اعتكرت علينا حدابير السنين، واخلفتنا مخايل الجود فكنت
الرجاء للمبتئس، والبلاغ للملتمس، ندعوك حين قنط الأنام، ومنع الغمام، وهلك
السوام ألا تؤاخذنا بأعمالنا ولا تآخذنا بذنوبنا وأنشر علينا رحمتك بالسحاب
المنبعق، والربيع المغدق، والنبات المونق، سحاً وابلاً، تحيي به ما قد مات، وترد
به ما قد فات. اللهم
سقيا منك تعشب بها نجادنا، وتجري بها وهادنا، ويخصب بها جنابنا، وتقبل بها
ثمارنا، وتعيش بها مواشينا، وتندى بها أقاصينا، وتستعين بها ضواحينا من بركاتك
الواسعة، وعطاياك الجزيلة، على بريتك المرملة، ووحشك المهملة. وأنزل
علينا سماء مخضلة، مدراراً هاطلة، يدافع الودق منها الودق، ويحفز القطر منها
القطر، غير خلب برقها، ولا جهام عارضهما، ولا قزع ربابها، ولا شفان ذهابها، حتى
يخصب لإمراعها المجدبون، ويحيا ببركتها المسنتون فإنك تنزل الغيث من بعد ما
قنطوا، وتنشر رحمتك وأنت الولي الحميد.
وقوله:
ولا قزع ربابها، القزع: القطع الصغار المتفرقة من السحاب. وعجت:
صرخت: ويحتمل الضمير في أولادها أن يرجع إلى الثكالى، أي كعجيج الثكالى على
أولادهن، ويحتمل أن يرجع إلى الدواب، أي وعجت على أولادها كعجيج الثكالى، وإنما
وصفها بالتحير في مرابضها، لأنها لشدة المحل تتحير في مباركها، ولا تدري ماذا
تصنع إن نهضت لترعى لم تجد رعياً، وإن أقامت كانت إلى انقطاع المادة أقرب! قوله: وملت التردد في مراتعها، والحنين إلى
مواردها، وذلك لأنها أكثرت من التردد في الأماكن التي كانت تعهد مراتعها فيها
فلم تجد مرتعاً، فملت الترداد إليها، وكذلك ملت الحنين إلى الغدران والموارد
التي كانت تعتادها للشرب، فإنها حنت إليها لما فقدتها، حتى ضجرت وبئست فملت مما
لا فائدة لها فيه. وأصل الأنين صوت المربض وشكواه من الوصب،
يقال: أن يئن أنينا وأناناً وتأناناً. وأما عادة العرب فإنهم كانوا إذا أصابهم المحل
استسقوا بالبهائم، ودعوا الله بها واسترحموه لها ومنهم من كان يجعل في أذناب
البقر السلع والعشر، ويصعد بها في الجبال والتلاع العالية، وكانوا يسقون بذلك
وقال الشاعر:
فاعتكرت:
ردف بعضها بعضاً، وأصل عكر عطف. والعكرة.
الكرة، وفي الحديث: قال له قوم: يا رسول الله، نحن الفرارون. فقال: "بل أنتم العكارون إن شاء
الله". والجود:
المطر الغزير. ويروى: مخايل الجود بالضم. وتقول:
قنط فلان، بالفتح، يقنط ويقنط، بالكسر والضم، فهو قانط. وفيه لغة أخرى قنط
بالكسر، يقنط قنطاً، مثل تعب يتعب تعباً، وقناطة أيضاً، فهو قنط. وقرئ: "ولا تكن من القنطين". وروي منع
الغمام، أي ومنع الغمام القطر، فحذف المفعول. والسوام: المال الراعي. والربيع المغدق: الكثير. والنبات المونق:
المعجب، وانتصب سحا على المصدر. والوابل:
المطر الشديد. والمريعة: الخصيبة، وثامراً فرعها: ذو ثمر، كما قالوا: لابن وتامر، ذو لبن وتمر، وتنعش: ترفع. والنجاد:
جمع نجد، وهو ما ارتفع من الأرض. والوهاد: جمع وهد، وهو
المطمئن منها وروي: نجادنا بالنصب على أنه مفعول. والمرملة: الفقيرة، أرمل افتقر ونفد زاده. ووحشك المهملة:
التي لا راعي لها ولا صاحب ولا مشفق. والودق:
المطر. ويحفز:
يدفع بشدة وإذا دفع القطر القطر، كان أعظم وأغزر له. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
رأي الفقهاء في صلاة
الاستسقاء
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أن صلاة الاستسقاء عند أكثر
الفقهاء سنة. قالوا: والسنة أن يكون في المصلى، وإذا أراد
الإمام الخروج لذلك وعظ الناس، وأمرهم بالخروج من المظالم والتوبة من المعاصي،
لأن ذلك يمنع القطر. قالوا:
وقد روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: إذا بخس المكيال حبس القطر. اللهم
اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين. اللهم إن
بالعباد والبلاد من اللأواء، والضنك والجهد ما لا نشكوه إلا إليك. اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، واسقنا من
بركات السماء. اللهم اكشف عنا الجهد والجوع والعري، واكشف عنا ما
لا يكشفه غيرك. اللهم إنا تستغفرك، إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء
علينا مدراراً. قالوا: ويستحب أن يستقبل القبلة في أثناء
الخطبة الثانية، ويحول رداءه فيجعل ما على الأيمن على
الأيسر، وما على الأيسر على الأيمن تفاؤلاً بتحول الحال. وكذا روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل،
ويستحب للناس أن يحولوا أرديتهم مثله، ويتركوها كما هي، ولا يعيدوها إلى حالها
الأولى إلا إذا رجعوا إلى منازلهم. ويستحب إذا سال الوادي أن يغتسلوا فيه، ويتوضأوا
منه. فأما مذهب الشيعة في هذه المسألة فأن
يستقبل الإمام القبلة بعد صلاة الركعتين، فيكبر الله مائة تكبيرة، ويرفع بها
صوته ويكبر من حضر معه، ثم يلتفت عن يمينه فيسبح الله مائة تسبيحة، يرفع بها
صوته، وفيسبح معه من حضر، ثم يلتفت عن يساره فيهلل الله مائة مرة يرفع بها صوته،
ويقول من حضر مثل ذلك، ثم يستقبل الناس بوجهه، فيحمد الله مائة مرة، يرفع بها
صوته ويقول معه من حضر مثل ذلك ثم يخطب بهذه الخطبة المروية عن أمير المؤمنين رضي الله عنه في الاستسقاء،
فإن لم يتمكن منها اقتصر على الدعاء. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أحاديث في الاستسقاء
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وجاء في الأخبار الصحيحة رؤيا رقيقة في الجاهلية وهي رقيقة بنت أبي
صيفي بن هاشم بن عبد مناف، قالت رقيقة: تتابعت على قريش سنون أقحلت الضرع وأرقت العظم، فبينا أنا
راقدة اللهم أو مهومة ومعي صنوي، إذا أنا بهاتف صيت يصرخ بصوت صحل: يا معشر قريش
إن هذا النبي المبعوث فيكم قد أظلتكم أيامه، وهذا إبان نجومه فحيهلا بالخصب
والحيا. ألا فانظروا رجلاً منكم عظاماً جساماً، أبيض
بضاً، أوطف الأهداب سهل الخدين أشم العرنين، له سنة تهدي إليه. ألا فليخلص هو
وولده، وليدلف إليه من كل بطن رجل. ألا فليشنوا عليهم من الماء وليمسوا من الطيب،
وليطوفوا بالبيت سبعاً وليكن فيهم الطيب الطاهر لداته. فليستق
الرجل، وليؤمن القوم. ألا فغثتم إذا ما شئتم. قالت:
فورب الكعبة ما راموا حتى انفجرت السماء بمائها واكتظ الوادي بثجيجه وانصرف الناس يقولون لعبد المطلب: هنيئاً لك سيد البطحاء. وفي رواية أبي عبيدة معمر بن المثنى قال: فسمعنا شيخان قريش وجلتها:
عبد الله بن جدعان وحرب بن أمية وهشام بن المغيرة، يقولون لعبد المطلب: هنيئاً
لك، أبا البطحاء.
وفي ذلك قال الشاعر من قريش وقد روى هذا الشعر لرقيقة:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وفي الحديث من رواية أنس بن مالك:
أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فقام إليه رجل وهو يخطب يوم جمعة،
فقال: يا رسول الله، هلك الشاء، هلك الزرع، ادع الله لنا أن يسقينا، فمد رضي الله عنه يده،
ودعا واستسقى. ثم رفع صوته فقال: اللهم إنك أنت الغني، ونحن
الفقراء، فأنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين. اللهم اجعل ما تنزله علينا
قوة لنا، وبلاغاً إلى حين برحمتك يا أرحم الراحمين. فأنشأ الله سحاباً، فرعدت وبرقت، ثم أمطرت، فلم يأت
رضي الله عنه منزله، حتى سالت السيول، فلما
رأى سرعتهم إلى الكن ضحك حتى بدت نواجذه ، وقال: أشهد أني عبد الله ورسوله، وأن
الله على كل شيء قدير. ومن دعائه رضي الله عنه في الاستسقاء وقد رواه الفقهاء
وغيرهم: اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، وحياً ربيعاً، وجداً
طبقاً، وغدقاً مغدقاً، مونقاً عاماً، هنيئاً مريئاً، مريعاً مربعاً مرتعاً،
وابلاً سابلاً مسيلاً، مجللاً دراً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير رائث. غيثاً
اللهم تحمي به العباد، وتغيث به البلاد، وتجعله بلاغاً للحاضر منا والباد، اللهم
أنزل علينا في أرضنا زينتها، وأنزل علينا في أرضنا سكنها، اللهم أنزل علينا ماء
طهوراً، فأحي به بلدة ميتاً، واسقه مما خلقت لنا أنعاماً وأناسي كثيراً. ثم أقبل
على الناس، فقال: استغفروا ربكم إنه كان غفارا. اللهم أغثهم بغياثك من قبل أن يقنطوا فيهلكوا، إنه
لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون. الأصل: منها: ولو
تعلمون ما أعلم مما طوي عنكم غيبه إذا لخرجتم إلى الصعدات تبكون على أعمالكم،
وتلتدمون على أنفسكم، ولتركتم أموالكم لا حارس لها، ولا خالف عليها، ولهمت كل
امرئ منكم نفسه، لا يلتفت إلى غيرها ولكنكم نسيتم ما ذكرتم، وأمنتم ما حذرتم،
فتاه عنكم رأيكم، وتشتت عليكم أمركم، ولوددت أن الله فرق بيني وبينكم، وألحقني
بمن هو أحق بي منكم قوم والله ميامين الرأي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحق، متاريك
للبغي، مضوا قدماً على الطريقة، وأوجفوا على المحجة، فظفروا بالعقبى الدائمة،
والكرامة الباردة. قال الرضي رحمه الله تعالى:
الوذحة: الخنفساء، وهذا القول يومئ به إلى الحجاج، وله مع الوذحة حديث ليس هذا
موضع ذكره. والالتدام:
ضرب النساء صدورهن في النياحة. ولا خالف عليها، لا مستخلف. ويروى: ولأهمت كل امرئ وهو أصح من الرواية الأولى،
أهمني الأمر، أي أحزنني، وتاه عن فلان رأيه، أي عزب وضل. ويحمد طريقته من الصحابة. فمضوا قدماً، أي متقدمين غير معرجين ولا معردين. ويقال:
غنيمة باردة وكرامة باردة، أي لم تؤخذ بحرب ولا عسف وذلك لأن المكتسب بالحرب
جاري المعنى لما يلاقي ويعاني في حصوله من المشقة. والذيال:
التائه، وأصله من ذال أي تبختر، وجر ذيله على الأرض. والميال: الظالم. قالوا: ولا يكون صاحب هذا الداء إلا شانئاً مبغضاً
لأهل البيت. قالوا:
ولسنا نقول كل مبغض فيه هذا الداء، وإنما قلنا:
كل من فيه هذا الداء فهو مبغض. فهذا مجموع ما ذكره المفسرون، وما سمعته من أفواه الناس في هذا
الموضع،
ويغلب على ظني أنه أراد معنى آخر وذلك أن عادة العرب أن تكني الإنسان إذا أرادت
تعظيمه بما هو مظنة التعظيم، كقولهم: أبو الهول، وأبو المقدام، وأبو المغوار،
فإذا أرادت تحقيره والغض منه كنته بما يستحقر ويستهان به، كقولهم في كنية يزيد
بن معاوية: أبو زنة، يعنون القرد، وكقولهم في كنية سعيد بن حفص البخاري المحدث:
أبو الفار، وكقولهم للطفيلي: أبو لقمة، وكقولهم
لعبد الملك: أبو الذبان لبخره، وكقول ابن
بسام لبعض الرؤساء:
وقال
أيضاً:
فلما كان أمير المؤمنين رضي الله عنه يعلم من حال الحجاج نجاسته بالمعاصي
والذنوب التي لو شوهدت بالبصر لكانت بمنزلة البعر الملتصق بشعر الشاء، كناه أبو
وذحة ويمكن أيضاً أن يكنيه بذلك لدمامته في نفسه، وحقارة منظره، وتشويه خلقته،
فإنه كان قصيراً دميماً نحيفاً، أخفش العينين معوج الساقين، قصير الساعدين،
مجدور الوجه، أصلع الرأس، فكناه بأحقر الأشياء، وهو البعرة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له في التوبيخ
على البخل
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: فلا أموال
بذلتموها للذي رزقها، ولا أنفس خاطرتم بها للذي خلقها، تكرمون بالله على عباده،
ولا تكرمون الله في عباده. فاعتبروا بنزولكم منازل من كان قبلكم، وانقطاعكم عن
أوصل إخوانكم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في حث أصحابه على مناصحته
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أنتم الأنصار
على الحق، والإخوان في الدين، والجنن يوم البأس، والبطانة دون الناس بكم أضرب
المدبر، وأرجو طاعة المقبل، فأعينوني بمناصحة خلية من الغش، سليمة من الريب
فوالله إني لأولى الناس بالناس. وبطانة الرجل:
خواصه وخالصته الذين لا يطوي عنهم سره. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له وقد جمع
الناس، وحضهم على الجهاد، فسكتوا ملياً، فقال عليه السلام
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ما بالكم أمخرسون أنتم؟ فقال قوم منهم: يا أمير
المؤمنين، إن سرت سرنا معك. الأصل: فقال عليه السلام: ما بالكم! لا سددتم لرشد! ولا
هديتم لقصد، أفي مثل هذا ينبغي لي أن أخرج وإنما يخرج في مثل هذا رجل ممن أرضاه
من شجعانكم، وذوي بأسكم، ولا ينبغي لي أن أدع الجند والمصر وبيت المال وجباية
الأرض، والقضاء بين المسلمين، والنظر في حقوق المطالبين، ثم أخرج في كتيبة أتبع
أخرى أتقلقل تقلقل القدح في الجفير الفارغ. هذا لعمر الله الرأي السوء، والله لولا رجائي
الشهادة عند لقائي العدو ولو قد حم لي لقاؤه لقربت ركابي، ثم شخصت عنكم فلا
أطلبكم، ما أختلف جنوب وشمال، طعانين عيابين، حيادين رواغين. الشرح: سكتوا ملياً، أي ساعة طويلة، ومضى ملي من
النهار كذلك، قال الله تعالى: "وأهجرني
مليا". وأقمت عند فلان ملاوة وملاوة وملاوة من الدهر،
بالحركات الثلاث، أي حيناً وبرهة، وكذلك أقمت ملوة وملوة وملوة، بالحركات
الثلاث. والقدح: السهم. والجفير:
الكنانة، وقيل وعاء للسهام أوسع من الكنانة. والثفال بكسر الثاء: جلد يبسط وتوضع الرحا فوقه،
فتطحن باليد ليسقط عليه الدقيق. وحم: أي قدر، والركاب: الإبل، وشخصت عنكم: خرجت.
ثم وصفهم بعيب الناس والطعن فيهم، وأنهم يحيدون عن
الحق وعن الحرب، أي ينحرفون ويروغون كما يروغ الثعلب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له في الحث على
الإستقامة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: تالله لقد
علمت تبليغ الرسالات، وإتمام العدات، وتمام الكلمات وعندنا أهل البيت أبواب
الحكم، وضياء الأمر. وعلم تمام كلمات الله تعالى، أي تأويلها وبيانها
الذي يتم به لأن في كلامه تعالى المجمل الذي لا يستغني عن متمم ومبين يوضحه. ثم كشف الغطاء وأوضح
المراد فقال: وعندنا أهل البيت أبواب الحكم، يعني الشرعيات والفتاوى. وضياء
الأمر، يعني العقليات والعقائد، وهذا مقام عظيم لا يجسر أحد من المخلوقين أن
يدعيه سواه رضي الله عنه، ولو أقدم أحد على
ادعائه غيره لكذب وكذبه الناس. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقد قام إليه رجل من
أصحابه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فقال: نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها، فما ندري
أي الأمرين أرشد فصفق عليه السلام إحدى
يديه على الأخرى، ثم قال: الأصل: هذا جزاء من
ترك العقدة! أما والله لو أني حين أمرتكم بما أمرتكم به حملتكم على المكروه الذي
يجعل الله فيه خيراً، فإن استقمتم هديتكم، وإن اعوججتم قومتكم، وإن أبيتم
تداركتكم، لكانت الوثقى، ولكن بمن وإلى من أريد أن أداوي بكم وأنتم دائي، كناقش
الشوكة بالشوكة، وهو يعلم أن ضلعها معها! اللهم قد
ملت أطباء هذا الداء الدوي، وكلت النزعة بأشطان الركي! أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرأوا
القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى الجهاد فولهوا وله اللقاح إلى أولادها، وسلبوا
السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفاً وصفاً صفاً، بعض هلك، وبعض
نجا، لا يبشرون بالأحياء ولا يعزون عن الموتى، مره العيون من البكاء، خمص البطون
من الصيام، ذبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة
الخاشعين، أولئك إخواني الذاهبون، فحق لنا أن نظمأ إليهم، ونعض الأيدي على
فراقهم! إن الشيطان يسني لكم طرقه، ويريد أن يحل دينكم عقدة عقدة، ويعطيكم
بالجماعة الفرقة، وبالفرقة الفتنة، فاصدفوا عن نزغاته ونفثاته، وأقبلوا النصيحة
ممن أهداها إليكم، وأعقلوها على أنفسكم. والثاني التأني والامتناع المطلق من الحرب، فإن كان
الأول قومتكم بالتأديب والإرشاد وإرهاق الهمم والعزائم بالتبصير والوعظ والتحريض
والتشجيع، وإن كان الثاني تداركت الأمر معكم:
إما بالاستنجاد بغيركم من قبائل العرب وأهل خراسان والحجاز، فكلهم كانوا شيعته
وقائلين بإمامته، أو بما أراه في ذلك الوقت من المصلحة التي تحكم بها الحال
الحاضرة. قال:
لو فعلت ذلك لكانت هي العقدة الوثقى أي الرأي الأصوب الأحزم.
إشارة
إلى هذا المعنى وقيل فيه غير ذلك مما قدمنا ذكره قبل. فإن
ضلعها لها، والضلع الميل يقول: لا تستخرج الشوكة الناشبة في رجلك بشوكة مثلها،
فإن إحداهما في القوة والضعف كالأخرى، فكما أن الأولى
انكسرت لما وطئتها فدخلت في لحمك، فالثانية إذا حاولت استخراج الأولى بها تنكسر،
وتلج في لحمك. والركي:
الآبار، جمع ركية، وتجمع أيضاً على ركاياً.
وزحفاً
زحفاً، منصوب على المصدر المحذوف الفعل، أي يزحفون زحفاً، والكلمة الثانية تأكيد للأولى.
وكذلك
قوله: وصفاً صفاً. وذكر
أن بطونهما ضامرة من خماص الصوم، وشفاههم ذابلة من الدعاء، ووجوههم مصفرة من
السهر، لأنهم يقومون الليل وعلى وجوههم غبرة الخشوع. قلت: هم قوم كانوا
في نأنأة الإسلام وفي زمان ضعفه وخموله أرباب زهد وعبادة وجهاد شديد في سبيل
الله، كمصعب بن عمير من بني عبد الدار، وكسعد بن معاذ من الأوس، وكجعفر بن أبي
طالب، وعبد الله بن رواحة، وغيرهم ممن استشهد من الصالحين أرباب الدين والعبادة
والشجاعة في يوم أحد، وفي غيره من الأيام في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكعمار،
وأبي ذر، والمقداد، وسلمان، وخباب، وجماعة من أصحاب الصفة وفقراء المسلمين أرباب
العبادة، الذين قد جمعوا بين الزهد والشجاعة. وقد جاء
في الأخبار الصحيحة أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: "إن
الجنة لتشتاق إلى أربعة: علي، وعمار، وأبي ذر، والمقداد"، وجاء في الأخبار الصحيحة أيضاً، أن جماعة من أصحاب
الصفة مر بهم أبو سفيان بن حرب بعد إسلامه فعضوا أيديهم عليه، وقالوا: وا أسفاه
كيف لم تأخذ السيوف مأخذها من عنق عدو الله! وكان
معه أبو بكر، فقال لهم: أتقولون هذا لسيد البطحاء فرفع قوله إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأنكره،
وقال لأبي بكر: انظر لا تكون أغضبتهم، فتكون قد أغضبت ربك فجاء أبو بكر إليهم
وترضاهم وسألهم أن يستغفروا له، فقالوا: غفر الله لك. وصدف عن الأمر، يصدف، أي انصرف عنه. ونزغات الشيطان: ما ينزغ به، بالفتح، أي يفسد
ويغري. ونفثاته: ما ينفث به وينفث، بالضم والكسر أي يخيل
ويسحر، واعقلوها على أنفسكم، أي اربطوها والزموها. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له قاله للخوارج وقد
خرج إلى معسكرهم وهم مقيمون على إنكار الحكومة.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: فقال عليه السلام: أكلكم
شهد معنا صفين فقالوا: منا من شهد، ومنا من لم يشهد. قال: فامتازوا
فرقتين فليكن من شهد صفين فرقة، ومن لم يشهدها فرقة، حتى أكلم كلاً منكم بكلامه.
ونادى الناس، فقال: أمسكوا عن الكلام، وأنصتوا
لقولي، وأقبلوا بأفئدتكم إلي، فمن نشدناه شهادة فليقل بعلمه فيها. ثم كلمهم عليه السلام بكلام طويل، من جملته أن
قال عليه السلام: ألم تقولوا عند رفعهم المصاحف حيلة
وغيلة، ومكراً وخديعة: إخواننا وأهل دعوتنا، استقالونا واستراحوا إلى كتاب الله
سبحانه، فالرأي القبول منهم، والتنفيس عنهم، فقلت
لكم: هذا أمر ظاهره إيمان، وباطنه عدوان، وأوله رحمة، وآخره ندامة،
فأقيموا على شأنكم، وألزموا طريقتكم، وعضوا على الجهاد بنواجذكم، ولا تلتفتوا
إلى ناعق نعق إن أجيب أضل، وإن ترك ذل. فلقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله، وإن
القتل ليدور على الآباء والأبناء والإخوان والقرابات، فما نزداد على كل مصيبة
وشدة إلا إيماناً ومضياً على الحق، وتسليماً للأمر، وصبراً على الجراح. الشرح: هذا الكلام يتلو بعضه بعضاً ولكنه ثلاثة فصول
لا يلتصق أحدها بالآخر وهذه عادة الرضي، تراه ينتخب من
جملة الخطبة الطويلة كلمات فصيحة، يوردها على سبيل التتالي وليست متتالية حين
تكلم بها صاحبها، وسنقطع كل فصل منها عن صاحبه إذا مررنا على متنها. والناعق: المصوت. وقوله:
ضل، أي ازداد ضلالاً، لأنه قد ضل قبل أن يجاب. فأما قوله:
لكنا إنما أصبحنا، فهو كلام ثالث غير منوط بالأولين ولا ملتصق بهما وهو في الظاهر مخالف ومناقض للفصل الأول لأن الفصل الأول
فيه إنكار الإجابة إلى التحكيم وهذا يتضمن تصويبها
وظاهر الحال أنه بعد كلام طويل. وقد قال الرضي رحمه الله في أول
الفصل: إنه من جملة كلام طويل، وإنه لما ذكر التحكيم، قال
ما كان يقوله دائماً، وهو أني إنما حكمت على أن نعمل في هذه الواقعة بحكم
الكتاب، وإن كنت أحارب قوماً أدخلوا في الإسلام زيغاً وأحدثوا به اعوجاجاً، فلما
دعوني إلى تحكيم الكتاب أمسكت عن قتلهم، وأبقيت عليهم لأني طمعت في أمر يلم الله
به شعث المسلمين، ويتقاربون بطريقه إلى البقية، وهي الإبقاء والكف. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له قاله لأصحابه
في ساعة الحرب
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: وأي امرئ
منكم أحس من نفسه رباطة جأش عند اللقاء، ورأى من أحد من إخوانه فشلاً، فليذب عن
أخيه بفضل نجدته التي فضل بها عليه، كما يذب عن نفسه، فلو شاء الله لجعله مثله،
إن الموت طالب حثيث لا يفوته المقيم، ولا يعجزه الهارب، إن أكرم الموت القتل
والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على الفراش في
غير طاعة الله! الشرح: أحس: علم
ووجد. ورباطة جأش، أي شدة قلب: والماضي ربط، كأنه يربط
نفسه عن الفرار. والمروي:
رباطة بالكسر، ولا أعرفه نقلاً وإنما القياس لا يأباه، مثل عمر عمارة، وخلب
خلابة. وذب الرجل عن صاحبه، أي أكثر الذب، وهو الدفع
والمنع والنجدة: الشجاعة. والحثيث: السريع وفي
بعض الروايات: فليذب عن صاحبه بالإدغام، وفي بعضها فليذبب بفك الإدغام. والميتة، بالكسر: هيئة الميت كالجلسة والركبة هيئة
الجالس والراكب، يقال: مات فلان ميتة حسنة، والمروي في نهج البلاغة بالكسر في أكثر الروايات، وقد
روي: من موتة وهو الأليق، يعني المرة الواحدة، ليقع في مقابلة الألف. واعلم أنه رضي الله عنه أقسم أن القتل أهون من الموت حتف الأنف وذلك على مقتضى ما منحه الله
تعالى من الشجاعة الخارقة لعادة البشر وهو رضي الله عنه يحاول أن يحض أصحابه، ويحرضهم ليجعل طباعهم
مناسبة لطباعه، وإقدامهم على الحرب مماثلاً لإقدامه على عادة الأمراء في تحريض
جندهم وعسكرهم وهيهات!
إنما هو كما قال أبو الطيب:
ليست
النفوس كلها من جوهر واحد، ولا الطباع والأمزجة كلها من نوع واحد، وهذه خاصية
توجد لمن يصطفيه الله تعالى من عباده، في الأوقات المتطاولة، والدهور المتباعدة
وما اتصل بنا نحن من بعد الطوفان، فإن التواريخ من قبل الطوفان مجهولة عندنا أن
أحداً أعطى من الشجاعة والإقدام ما أعطيه هذا الرجل من جميع فرق العالم على
اختلافها، من الترك والفرس والعرب والروم وغيرهم، والمعلوم من حاله أنه كان يؤثر
الحرب على السلم، والموت على الحياة، والموت الذي كان يطلبه ويؤثره إنما هو
القتل بالسيف، لا الموت على الفراش، كما قال الشاعر:
وكما
قال الآخر:
فإن قلت:
فما قولك فيما أقسم عليه: هل ألف ضربة بالسيف أهون ألماً على المقتول من موتة
واحدة على الفراش بالحقيقة، أم هذا قول قاله على سبيل المبالغة والتجوز ترغيباً
لأصحابه في الجهاد؟ قلت:
الحالف يحلف على أحد أمرين: أحدهما أن يحلف على
ظنه واعتقاده نحو أن يحلف أن زيداً في الدار، أي أنا حالف ومقسم على أني أظن أن
زيداً في الدار، أو أني أعتقد كون زيد في الدار. والثاني أن يحلف،
لا على ظنه، بل يحلف على نفس الأمر في الخارج فإن حملنا
قسم أمير المؤمنين رضي الله عنه على المحمل الأول
فقد اندفع السؤال لأنه رضي الله عنه قد
كان يعتقد ذلك فحلف أنه يعتقد وأنه يظن ذلك وهذا لا كلام فيه، وإن حملناه على الثاني فالأمر في الحقيقة يختلف، لأن
المقتول بسيف صارم معجل للزهوق لا يجد من الألم وقت الضربة ما يجده الميت دون
النزع من المد والكف، نعم قد يجد المقتول قبل الضربة ألم التوقع لها، وليس
كلامنا في ذلك، بل في ألم الضربة نفسها، وألف سيف صارم مثل سيف واحد، إذا فرضنا
سرعة الزهوق. وأما في غير هذه الصورة، نحو أن يكون السيف كالاً، وتتكرر الضربات
به، والحياة باقية بعد وقايسنا بينه وبين ميت يموت حتف أنفه أنه موتاً سريعاً،
إما بوقوف القوة الغاذية كما يموت الشيوخ، أو بإسهال ذريع تسقط معه القوة، ويبقى
العقل والذهن، إلى وقت الموت، فإن الموت ههنا أهون وأقل ألماً، فالواجب أن يحمل كلام أمير المؤمنين رضي الله عنه إما على جهة التحريض فيكون قد بالغ كعادة العرب والخطباء في
المبالغات المجازية، وإما أن يكون أقسم على أنه يعتقد ذلك، وهو صادق فيما أقسم
لأنه هكذا كان يعتقد بناء على ما هو مركوز في طبعه من محبة القتال، وكراهية
الموت على الفراش. وقد روي أنه قيل لأبي مسلم
الخراساني: إن في بعض الكتب
المنزلة: من قتل بالسيف فبالسيف يقتل، فقال:
القتل أحب إلي من اختلاف الأطباء، والنظر في الماء، ومقاساة الدواء والداء، فذكر ذلك للمنصور بعد قتل أبي مسلم، فقال: قد أبلغناه محبته! |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له في توبيخ
أصحابه ووصفهم بالجبن
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
وكأني أنظر إليكم تكشون كشيش الضباب، لا تأخذون حقاً، ولا تمنعون ضيماً، قد
خليتم والطريق، فالنجاة للمقتحم، والهلكة للمتلوم.
يقرع رضي الله عنه أصحابه بالجبن والفشل، ويقول لهم: لكأني أنظر إليكم وأصواتكم غمغمة بينكم من الهلع الذي قد
اعتراكم فهي أشبه شيء بأصوات الضباب المجتمعة.
وقال
قطري بن الفجاءة:
وكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد: واعلم أن عليك عيوناً من الله ترعاك
وتراك، فإذا لقيت العدو، فاحرص على الموت توهب لك الحياة، ولا تغسل الشهداء من
دمائهم، فإن دم الشهيد نور له يوم القيامة. وقال أبو الطيب:
ولهذا المعنى الذي أشار إليه رضي الله عنه سبب معقول. وهو أن المقدم على خصمه يرتاع له خصمه، وتنخذل
عنه نفسه، فتكون النجاة والظفر للمقدم وأما المتلوم عن خصمه، المحجم المتهيب له
فإن نفس خصمه تقوى عليه، ويزداد طمعه فيه، فيكون الظفر له، ويكون العطب والهلاك
للمتلوم الهائب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفهرس ج الجزء السابع - باب المختار
من الخطب والأوامر - ابن ابي الحديد. 3 اختلاف
المتكلمين في عصمة الأنبياء. 4 الفصل
الأول في حال الأنبياء قبل البعثة ومن الذي يجوز أن يرسله الله تعالى إلى العباد. 5 الفصل
الثاني عصمة الأنبياء في زمن النبوة 6 الفصل
الثالث خطئهم في التبليغ والفتاوى. 9 لما
أراوده الناس على البيعة بعد قتل عثمان رضي الله عنه. 14 يذكر
ما كان من تغلبه على الخوارج. 19 الإمام
علي وإخباره بأ مور غيبية. 21 يذكر
فيها حال الناس عند البعثة. 28 ومن
خطبة له في تمجيد الله وتعظيمه. 29 ومن
كلام له في توبيخ أصحابه. 29 ومن
كلام له رضي الله عنه في وصف بنى أمية. 33 ومن
خطبة له رضي الله عنه في وصف الدنيا 33 يذكر
محمداً صلى الله عليه وسلم وما تركه فى أصحابه. 35 مدح
المقل من الكلام وذم المكثر. 36 ومن
خطبة له تجري هذا المجرى. 42 في
وصف الناس في بعض الأزمان. 44 ومن
خطبة له يصف فيها حال الناس.. 47 ومن
خطبة له في شأن أهل البيت.. 48 نهاية
مروان بن محمد الملقب بالحمار. 50 انتقال
الملك من بني أمية إلى بني العباس.. 54 ومن
خطبة له في وصف الإسلام. 71 ومن
كلام له في بعفر أيام صفين.. 74 ومن
خطبة له وهي من خطب الملاحم. 75 ومن
خطبة له في تمجيد الله ووصف ملائكته. 80 يذكر
فيها ملك الموت وتوفية الأنفس... 97 ومن
خطبة في التحذير من أمر الدنيا. 102 ومن
خطبة له في الحفر على التقوى. 103 رأي
الفقهاء في صلاة الاستسقاء. 111 ومن
كلام له في التوبيخ على البخل. 116 ومن
كلام له وقد جمع الناس، وحضهم على الجهاد، فسكتوا ملياً، فقال عليه السلام. 117 ومن
كلام له في الحث على الإستقامة. 117 وقد
قام إليه رجل من أصحابه. 118 ومن
كلام له قاله للخوارج وقد خرج إلى معسكرهم وهم مقيمون على إنكار الحكومة. 121 |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||