- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
الجزء الثالث - باب المختار
من الخطب والأوامر - ابن ابي الحديد
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بسم
الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل الكريم |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أن الذي ذكره
المرتضى رحمه الله تعالى، وأورده على قاضي القضاة جيد ولازم، متى ادعى قاضي القضاة أن العدالة إذا
ثبتت ظناً أو قطعاً لم يجز العدول عنها والتبرؤ إلا بما يوجب القطع، ويعلم به
علماً يقينياً زوالها، فأما إذا ادعى أن المعلوم لا يزول إلا بما يوجب العلم، فلا يرد عليه ما ذكره المرتضى رحمه الله تعالى. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
عود
على بدء بقية رد المرتضى
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما كلام المرتضى رحمه الله تعالى
على الفصل الثاني من كلام قاضي القضاة، وهو الفصل المحكي عن شيخنا أبي علي رحمه الله تعالى، فنحن
نورده. قال رحمه الله تعالى: أما قوله: لو كان كل ما ذكر من الأحداث قادحاً
لوجب من الوقت الذي ظهرت الأحداث فيه أن يطلبوا رجلاً ينصبونه في الإمامة، لأن
ظهور الحدث كموته، فلما رأيناهم طلبوا إماماً بعد قتله دل على بطلان ما أضافوه
إليه من الأحداث. فليس بشيء معتمد؛ لأن تلك الأحداث وإن كانت مزيلةً عندهم
لإمامته، وفاسخة لها، ومقتضية لأن يعقدوا لغيره الإمامة، إلا أنهم لم يكونوا
قادرين على أن يتفقوا على نصب غيره، مع تشبثه بالأمر؛ خوفاً من الفتنة والتنازع
والتجاذب، وأرادوا أن يخلع نفسه، حتى تزول الشبهة، وينشط من يصلح للأمر لقبول
العقد والتكفل بالأمر. وليس يجري ذلك مجرى موته؛
لأن موته يحسم الطمع في استمرار ولايته، ولا تبقى شبهة في خلو الزمان من إمام. وليس كذلك حدثه الذي يسوغ فيه
التأويل على بعده، وتبقى معه الشبهة في استمرار أمره. وليس نقول: إنهم لم يتمكنوا من ذلك كما سأل نفسه،
بل الوجه في عدولهم ما ذكرناه من إرادتهم حسم المواد وإزالة الشبهة وقطع أسباب
الفتنة. قال: فأما قوله: إنه
معلوم من حال هذه الأحداث أنها لم تحصل أجمع في الأيام التي حصر فيها وقتل، بل
كانت تقع حالاً فلو كانت توجب الخلع والبراءة، لما تأخر من المسلمين الإنكار
عليه، ولكان المقيمون من الصحابة بالمدينة أولى بذلك من الواردين من البلاد؛ فلا
شك أن الأحداث لم تحصل في وقت واحد؛ إلا أنه غير منكر أن يكون نكيرهم إنما تأخر
لأنهم تأولوا ما ورد عليهم من أفعاله على أجمل الوجوه؛ حتى زاد الأمر وتفاقم،
وبعد التأويل، وتعذر التخريج، ولم يبق للظن الجميل
طريق، فحينئذ أنكروا، وهذا مستمر على ما قدمنا ذكره، من أن العدالة
والطريقة الجميلة يتأول لها في الفعل والأفعال القليلة، بحسب ما تقدم من حسن
الظن به، ثم ينتهي الأمر بعد ذلك إلى بعد التأويل، والعمل على الظاهر القبيح. وهذا إنما كان في آخر الأمر دون أوله، فليس يقتضي
الإمساك عنه إلى الوقت الذي وقع الكلام فيه نسبة الخطأ إلى الجميع؛ على ما ظنه. قال: فأما زيد بن ثابت، فقد روي ميله إلى عثمان، وما يغني ذلك وبإزائه جميع المهاجرين
والأنصار! ولميله إليه سبب معروف، فإن الواقدي
روى في كتاب الدار أن مروان بن الحكم لما حصر عثمان الحصر الأخير أتى زيد بن
ثابت فاستصحبه إلى عائشة ليكلمها في هذا الأمر، فمضيا إليها وهي عازمة على الحج،
فكلماها في أن تقيم وتذب عنه، فأقبلت على زيد ابن ثابت،
فقالت: وما منعك يابن ثابت ولك الأشاريف قد اقتطعكها عثمان، ولك كذا وكذا،
وأعطاك عثمان من بيت المال عشرة آلاف دينار! قال زيد: فلم أرجع عليها حرفاً
واحداً، وأشارت إلى مروان بالقيام، فقام مروان وهو يقول:
فنادته عائشة، وقد خرج من العتبة: يابن الحكم، أعلي تمثل الأشعار! قد
والله سمعت ما قلت أتراني في شك من صاحبك! والذي نفسي بيده لوددت أنه الآن في
غرارة من غرائري مخيط عليه، فألقيه في البحر الأخضر، قال
زيد بن ثابت: فخرجنا من عندها على اليأس منها. فوقف عليه جبلة بن عمرو
بن حبة المازني، فقال له: وما
يمنعك يا زيد أن تذب عنه؟ أعطاك عشرة آلاف دينار وحدائق من نخل لم ترث عن أبيك
مثل حديقة منها. والأمر على هذا أوضح من أن يخفى. وروي أن طلحة كان
عليه يوم الدار درع وهو يرامي الناس، ولم ينزع عن القتال حتى قتل الرجل. فأما قوله:
إنا لا نعدل عن ولايته بأمور محتملة، فقد مضى
الكلام في هذا المعنى، وقلنا إن المحتمل هو ما لا ظاهر له، ويتجاذبه أمور
محتملة، فأما ما له ظاهر فلا يسمى محتملاً وإن سماه بهذه التسمية، فقد
بينا أنه مما يعدل من أجله عن الولاية، وفصلنا ذلك تفصيلاً بيناً. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
متفرقات
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
المطاعن
على عثمان والرد عليها
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما الكلام في المطاعن
المفصلة التي طعن بها فيه، فنحن نذكرها، ونحكي
ما ذكره قاضي القضاة وما
اعترضه به المرتضى رحمه الله تعالى. فوقع منه
ما حذره إياه، وعوتب في ذلك فلم ينفع العتب، وذلك نحو استعماله الوليد بن عقبة ،
وتقليده إياه، حتى ظهر منه شرب الخمر؛ واستعماله سعيد بن العاص حتى ظهرت منه
الأمور التي عندها أخرجه أهل الكوفة، وتوليته عبد
الله بن أبي سرح ، وعبد الله بن عامر بن كريز ؛ حتى روي عنه في أمر ابن
أبي سرح أنه لما تظلم منه أهل مصر وصرفه عنهم بمحمد بن أبي بكر، كاتبه بأن يستمر
على ولايته، فأبطن خلاف ما أظهر، فعل من
غرضه خلاف الدين، ويقال: إنه كاتبه بقتل محمد بن أبي بكر وغيره ممن يرد عليه،
وظفر بذلك الكتاب، ولذلك عظم التظلم من بعد، وكثر الجمع، وكان سبب الحصار
والقتل، حتى كان من أمر مروان وتسلطه عليه وعلى أموره ما قتل بسببه، وذلك ظاهر
لا يمكن دفعه. قيل: كذلك فعل،
لأنه إنما استعمل الوليد بن عقبة قبل ظهور شرب
الخمر عنه فلما شهد عليه جلده الحد وصرفه. وقد روي مثله عن عمر، فإنه
ولى قدامة بن مظعون بعض أعماله، فشهدوا عليه
بشرب الخمر، فأشخصه وجلده الحد، فإذا عد ذلك
في فضائل عمر لم يجز أن يعد ما ذكروه في
الوليد من معايب عثمان. ويقال: إنه لما أشخصه
أقام عليه الحد بمشهد أمير المؤمنين عليه السلام. فأما سعيد بن العاص فإنه عزله عن الكوفة وولى مكانه أبا موسى، وكذلك عبد الله بن أبي سرح عزله وولى مكانه محمد بن أبي بكر، ولم
يظهر له من مروان ما يوجب أن يصرفه عما كان
مستعملاً فيه، ولو كان ذلك طعناً لوجب مثله في كل من ولى، وقد علمنا أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولى الوليد بن عقبة، فحدث
منه ما حدث. وحدث من بعض أمراء أمير المؤمنين عليه السلام الخيانة، كالقعقاع بن شور ،
لأنه ولاه على ميسان فأخذ ما لها ولحق بمعاوية، وكذلك فعل الأشعث بن قيس بمال أذربيجان. وولى أبا
موسى الحكم، فكان منه ما كان، ولا
يجب أن يعاب أحد بفعل غيره، وإذا لم يلحقه عيب في
ابتداء ولايته فقد زال العيب فيما بعده. ولو قيل إن
تقديمهم أولى لم يمتنع، إذا كان المولي لهم أشد تمكناً من عزلهم، والاستبدال
بهم، وقد ولى أمير المؤمنين عليه السلام عبد الله
بن العباس البصرة، وعبيد الله بن العباس
اليمن، وقثم بن العباس مكة؛ حتى قال
مالك الأشتر عند ذلك: على ماذا قتلنا الشيخ
أمس! فيما يروى؛ ولم يكن ذلك بعيب إذا أدى ما وجب عليه في اجتهاده. قيل: ليس يجب بهذا
القدر أن يقطع على أن مروان هو الذي فعل ذلك، لأنه
وإن غلب ذلك في الظن، فلا يجوز أن يحكم به، وقد كان القوم يسومونه تسليم
مروان إليهم، وذلك ظلم، لأن الواجب على الإمام أن
يقيم الحد على من يستحقه أو التأديب، ولا يحل له تسليمه إلى غيره، فقد
كان الواجب أن يثبتوا عنده ما يوجب في مروان الحد والتأديب ليفعله به؛ وكان إذا
لم يفعل والحال هذه يستحق التعنيف. وقد ذكر الفقهاء في كتبهم أن الأمر
بالقتل لا يوجب قوداً ولا دية ولا حداً، فلو ثبت في
مروان ما ذكروه لم يستحق القتل وإن استحق التعزير،
لكنه عدل عن تعزيره؛ لأنه لم يثبت؛ وقد يجوز
أن يكون عثمان ظن أن هذا الفعل فعل بعض من يعادي
مروان تقبيحاً لأمره؛ لأن ذلك يجوز، كما
يجوز أن يكون من فعله، ولا يعلم كيف كان
اجتهاده وظنه! وبعد فإن هذا الحدث من أجل ما نقموا عليه، فإن كل
شيء من ذلك يوجب خلع عثمان وقتله؛ فليس إلا هذا؛ وقد
علمنا أن هذا الأمر لو ثبت ما كان يوجب القتل، لأن الأمر بالقتل لا يوجب القتل؛
سيما قبل وقوع القتل المأمور به؛ فنقول لهم:
لو ثبت ذلك على عثمان أكان يجب قتله! فلا يمكنهم ادعاء ذلك،
لأنه بخلاف الدين؛ ولا بد أن يقولوا: إن
قتله ظلم، وكذلك حبسه في الدار، ومنعه من الماء، فقد كان يجب أن يدفع القوم عن
كل ذلك، وأن يقال: إن من لم يدفعهم وينكر
عليهم يكون مخطئاً. وأيضاً فإن قتله لو
وجب لم يجز أن يتولاه العوام من الناس، ولا
شبهة أن الذين أقدموا على قتله كانوا بهذه الصفة، وإذا صح أن قتله لم يكن لهم،
فمنعهم والنكير عليهم واجب. وليس لأحدٍ أن يقول: إنه
أباح قتل نفسه، من حيث امتنع من دفع الظلم عنهم، لأنه لم يمتنع من ذلك، بل
أنصفهم، ونظر في حالهم، ولأنه لو لم يفعل ذلك لم يحل لهم قتله، لأنه إنما يحل
قتل الظالم إذا كان على وجه الدفع، والمروي أنهم أحرقوا بابه، وهجموا عليه في
منزله، وبعجوه بالسيف والمشاقص ، وضربوا يد زوجته لما وقعت عليه، وانتهبوا متاع
داره؛ ومثل هذه القتلة لا تحل في الكافر والمرتد،
فكيف يظن أن الصحابة لم ينكروا ذلك، ولم يعدوه ظلماً؛ حتى يقال إنه مستحق من حيث
لم يدفع القوم عنه! وقد تظاهر الخبر بما جرى من تجمع القوم عليه، وتوسط أمير المؤمنين عليه السلام لأمرهم،
وأنه بذل لهم ما أرادوه، وأعتبهم وأشهد على نفسه بذلك؛ وإن الكتاب الموجود بعد
ذلك المتضمن لقتل القوم، ووقف عليه - وممن أوقفه
عليه أمير المؤمنين عليه السلام - فحلف أنه ما كتبه، ولا أمر به، فقال له: فمن تتهم؟ قال: ما تهم أحداً، وأن للناس لحيلاً. ولا شبهة في أن القتل على وجه الغيلة لا يحل فيمن يستحق
القتل، فكيف فيمن لا يستحقه! ولولا أنه كان يمنع من محاربة القوم ظناً منه أن
ذلك يؤدي إلى القتل الذريع لكثر أنصاره. ولهذا قال له سعد بن أبي وقاص - في
رواية الواقدي، وقد دخل الكوفة -: يا أبا وهب ، أمير
أم زائر؟ قال: بل أمير، فقال سعد: ما أدري أحمقت بعدك أم كست بعدي! قال: ما حمقت بعدي
ولا كست بعدك، ولكن القوم ملكوا فاستأثروا، فقال سعد: ما أراك
إلا صادقاً. وفي رواية أبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي أن الوليد لما دخل الكوفة
مر على مجلس عمرو ابن زرارة النخعي، فوقف، فقال عمرو: يا معشر بني أسد، بئسما استقبلنا به
أخوكم ابن عفان! أمن عدله أن ينزع عنا ابن أبي
وقاص، الهين اللين السهل القريب، ويبعث بدله أخاه الوليد، الأحمق الماجن الفاجر قديماً وحديثاً! واستعظم الناس مقدمه، وعزل سعد به، وقالوا: أراد عثمان كرامة
أخيه بهوان أمة محمد صلى الله عليه وسلم! وهذا تحقيق ما ذكرناه
من أن حاله كانت مشهورة قبل الولاية، لا ريب فيها عند أحدٍ، فكيف
يقال: إنه كان مستوراً حتى ظهر منه ما ظهر! وفي الوليد نزل قوله تعالى: " أفمن كان مؤمناً كمن كان
فاسقاً لا يستوون " ، فالمؤمن ههنا أمير
المؤمنين عليه السلام،
والفاسق الوليد، على ما ذكره أهل التأويل. وفيه نزل قوله تعالى: "
يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإٍ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالةٍ
فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " ، والسبب في ذلك أنه كذب على بني المصطلق عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وادعى أنهم منعوه الصدقة.
ولو قصصنا مخازيه المتقدمة ومساويه
لطال بها الشرح. وكذلك كلامه في
الصلاة، والتفاته إلى من يقتدي به فيها وهو سكران، وقوله لهم: أأزيدكم؟ فقالوا: لا، قد قضينا صلاتنا، حتى قال الحطيئة
في ذلك:
وقال فيه أيضاً:
وأما قوله: إنه
جلده الحد وعزله، فبعد أي شيء كان ذلك، ولم يعزله إلا بعد أن دافع ومانع، واحتج
عنه وناضل! ولو لم يقهره أمير المؤمنين عليه السلام على رأيه لما عزله، ولا أمكن
من جلده. وقد روى الواقدي
أن عثمان لما جاءه الشهود يشهدون على الوليد بشرب الخمر أوعدهم وتهددهم. قال: فما ترى؟ قال: أرى أن تعزله ولا توليه شيئاً
من أمور المسلمين، وأن تسأل عن الشهود؛ فإن لم يكونوا أهل ظنة ولا عداوة، أقمت
على صاحبك الحد. وتكلم في مثل ذلك طلحة والزبير
وعائشة، وقالوا أقوالاً شديدة، وأخذته الألسن من كل جانب، فحينئذ عزله،
ومكن من إقامة الحد عليه. وقد روى الواقدي
أن الشهود لما شهدوا عليه في وجهه، وأراد عثمان أن يحده ألبسه جبة خز، وأدخله
بيتاً، فجعل إذا بعث إليه رجلاً من قريش ليضربه، قال
له الوليد: أنشدك الله أن تقطع رحمي وتغضب أمير المؤمنين! فلما رأى علي عليه
السلام ذلك، أخذ السوط ودخل عليه، فجلده به. فأي عذر لعثمان في عزله وجلده بعد هذه الممانعة الطويلة،
والمدافعة الشديدة!.
عزله،
وأما عزل أمير المؤمنين عليه السلام بعض أمرائه لما
ظهر من الحدث كالقعقاع بن شور وغيره، وكذلك عزل
عمر قدامة بن مظعون لما شهد عليه بشرب الخمر، وجلده له؛ فإنه لا يشبه ما تقدم؛
لأن كل واحد ممن ذكرناه لم يول إلا من هو حسن
الظاهر عنده وعند الناس، غير معروف باللعب ولا مشهور بالفساد. ثم لما ظهر منه ما ظهر لم يحام عنه ولا كذب الشهود عليه وكابره، بل عزله غير
مضطر، وكل هذا لم يجر في أمراء عثمان، وقد
بينا كيف كان عزل الوليد وإقامة الحد عليه. وأمير المؤمنين عليه السلام لم يول من أقاربه متهماً ولا ظنيناً، وحين أحس من ابن العباس
ببعض الريبة لم يمهله ولا احتمله، وكاتبه بما هو شائع وظاهر؛ ولو لم يجب على عثمان أن يعدل على
ولاية أقاربه إلا من حيث جعل عمر ذلك سبب عدوله عن النص عليه، وشرط عليه يوم الشورى ألا يحمل أقاربه على رقاب الناس، ولا
يؤثرهم لمكان القرابة بما لا يؤثر به غيرهم- لكان صارفاً قوياً، فضلاً عن
أن ينضاف إلى ذلك ما انضاف من خصالهم الذميمة وطرائقهم القبيحة. ونابذوه،
وأفضى الأمر إلى تسييره من سير عن الكوفة، والقصة مشهورة،
ثم انتهى الأمر إلى منع أهل الكوفة سعيداً من دخولها، وتكلموا فيه وفي عثمان
كلاماً ظاهراً، حتى كادوا يخلعون عثمان؛ فاضطر حينئذ
إلى إجابتهم إلى ولاية أبي موسى، فلم يصرف سعيداً مختاراً، بل ما صرفه جملة، وإنما صرفه أهل الكوفة عنهم. ولقد قال له المصريون لما جحد أن يكون الكتاب كتابه
شيئاً لا زيادة عليه في باب الحجة، لأنهم قالوا: إذا كنت ما كتبت ولا أمرت به، فأنت ضعيف؛ من حيث تم عليك أن يكتب كاتبك بما تحتمه بخاتمك
وينفذه بيد غلامك وعلى بعيرك بغير أمرك؛ ومن
تم عليه ذلك لا يصلح أن يكون والياً على أمور
المسلمين. فاختلع عن الخلافة على كل حال. وما قاله أمير المؤمنين عليه السلام بعد سماع
هذا القول منه معروف. أو ما كان
يجب مع وقوع التهمة عليه، وقوة الأمارات في أنه جالب الفتنة وسبب الفرقة أن يبعده عنه، ويطرده من داره ويسلبه ما كان يخصه به من
إكرامه! وما في هذه الأمور أظهر من أن ينبه له. وقوله: لم يثبت ذلك، قد
مضى ما فيه، وبين أنه لم يستعمل فيه ما يجب استعماله من البحث والكشف،
وتهديد المتهم وطرده وإبعاده والتبرؤ من التهمة بما يتبرأ به من مثلها. وأما منع الماء والطعام فما فعل ذلك
إلا تضييقاً عليه؛ ليخرج ويحوج إلى الخلع الواجب عليه. وقد يستعمل في الشريعة مثل ذلك فيمن لجأ إلى الحرم من ذوي
الجنايات، وتعذر إقامة الحد عليه لمكان الحرم. على أن
أمير المؤمنين عليه السلام قد أنكر منع الماء والطعام، وأنفذ من مكن من حمل ذلك،
لأنه قد كان في الدار من الحرم والنسوان والصبيان من لا
يحل منعه من الطعام والشراب. ولو كان
حكم المطالبة بالخلع والتجمع عليه والتضافر فيه حكم منع الطعام والشراب في القبح
والمنكر، لأنكره أمير المؤمنين عليه السلام، ومنع منه
كما منع من غيره، فقد روي عنه عليه السلام أنه لما بلغه أن القوم قد
منعوا الدار من الماء، قال: لا أرى ذلك، إن في الدار
صبياناً وعيالاً، لا أرى أن يقتل هؤلاء عطشاً بجرم عثمان. فصرح بالمعنى
الذي ذكرناه، ومعلوم أن أمير المؤمنين عليه السلام ما
أنكر المطالبة بالخلع، بل كان مساعداً على ذلك ومشاوراً فيه. والذي يدل على أنه لم يمنع في الإبتداء من محاربتهم
إلا للوجه الذي ذكرناه دون غيره، أنه لا خلاف بين أهل
الرواية في أن كتبه تفرقت في الآفاق يستنصر ويستدعي الجيوش، فكيف يرغب عن نصرة
الحاضر من يستدعي نصرة الغائب! فأما قوله: إن أمير المؤمنين عليه السلام أراد أن يأتيه،
حتى منعه ابنه محمد، فقول بعيد مما جاءت به
الرواية جداً، لأنه
لا إشكال في أن أمير المؤمنين عليه السلام لما
واجهه عثمان بأنه يتهمه ويستغشه، انصرف مغضباً عامداً
على أنه لا يأتيه أبداً، قائلاً فيه ما يستحقه من الأقوال. وقد روى الواقدي عن ابن أبي الزناد، عن أبي
جعفر القاري مولى بني مخزوم، قال:
كان المصريون الذين حصروا عثمان
ستمائة، عليهم عبد الرحمن بن عديس البلوي، وكنانة بن بشر الكندي، وعمرو بن الحمق
الخزاعي. والذين قدموا المدينة من الكوفة مائتين، عليهم مالك الأشتر النخعي. والذين قدموا من البصرة مائة رجل، رئيسهم حكيم بن جبلة العبدي،
وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين
خذلوه لا يرون أن الأمر يبلغ به القتل، ولعمري لو قام بعضهم فحثا التراب في وجوه
أولئك لانصرفوا، وهذه الرواية تضمنت من عدد القوم
الوافدين في هذا الباب أكثر مما تضمنه غيرها. فقال: نعم، شهده ثمانمائة. قيل: الواجب على غيره ألا يتهمه؛ إذا كان
لفعله وجه يصح عليه؛ لأنه قد نصب منصباً يقتضي زوال التهمة عنه، وحمل أفعاله على
الصحة، ومتى طرقنا عليه التهمة أدى إلى بطلان كثير من الأحكام. وقد قال الشيخ أبو الحسين الخياط
رحمه الله تعالى: إنه
لو لم يكن في رده من رسول الله صلى
الله عليه وسلم لجاز أن يكون طريقه الاجتهاد، لأن النفي
إذا كان صلاحاً في الحال لا يمتنع أن يتغير حكمه
باختلاف الأوقات وتغير حال المنفي، وإذا كان لأبي بكر أن يسترد عمر من
جيش أسامة للحاجة إليه - وإن كان قد أمر رسول الله صلى
الله عليه وسلم بنفوذه - من حيث تغيرت الحال؛ فغير
ممتنع مثله في الحكم. اعترض المرتضى رحمه الله تعالى على هذا،
فقال: أما دعواه أن عثمان ادعى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن
في رد الحكم فشيء لم يسمع إلا من قاضي القضاة،
ولا يدرى من أين نقله، ولا في أي كتاب وجده! والذي رواه الناس كلهم خلاف ذلك؛ روى الواقدي من طرق مختلفة وغيره أن
الحكم بن أبي العاص لما قدم المدينة بعد الفتح، أخرجه
النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف،
وقال: لا تساكني في بلد أبداً، فجاءه عثمان فكلمه فأبى، ثم كان من أبي بكر مثل ذلك، ثم كان من
عمر مثل ذلك، فلما قام عثمان أدخله ووصله وأكرمه، فمشى
في ذلك علي والزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن بن عوف وعمار بن ياسر؛ حتى دخلوا على
عثمان فقالوا له: إنك قد أدخلت هؤلاء القوم
- يعنون الحكم ومن معه - وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم
أخرجهم، وإنا نذكرك الله والإسلام ومعادك؛ فإن لك
معاداً ومنقلباً، وقد أبت ذلك الولاة قبلك، ولم يطمع أحد أن يكلمها فيهم،
وهذا شيء نخاف الله فيه عليك. فقال عثمان: إن
قرابتهم مني ما تعلمون؛ وقد كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم حيث
كلمته أطمعني في أن يأذن لهم، وإنما أخرجهم لكلمةٍ بلغته عن الحكم، ولم يضركم مكانهم شيئاً، وفي الناس من هو شر منهم. فقال علي عليه السلام:
لا أجد شراً منه ولا منهم، ثم قال: هل تعلم عمر يقول: والله ليحملن بني أبي معيط على رقاب الناس!
والله إن فعل ليقتلنه، فقال عثمان: ما كان
منكم أحد ليكون بينه وبينه من القرابة ما بيني وبينه، وينال من المقدرة ما نلت
إلا قد كان سيدخله، وفي الناس من هو شر منه. قال:
فغضب علي عليه السلام، وقال: والله لتأتينا بشر من هذا إن سلمت، وسترى يا عثمان غب ما تفعل! ثم خرجوا من عنده. وقد روي من طرق مختلفة أن عثمان لما
كلم أبا بكر وعمر في رد الحكم أغلظا له وزبراه ، وقال له عمر:
يخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتامرني
أن أدخله! والله لو أدخلته لم آمن أن يقول قائل:
غير عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم،
والله لأن أشق بائنتين كما تشق الأبلمة أحب إلي من أن أخالف لرسول الله أمراً،
وإياك يابن عفان أن تعاودني فيه بعد اليوم؛ وما
رأينا عثمان قال في جواب هذا التعنيف والتوبيخ من أبي بكر وعمر: إن عندي
عهداً من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه،
لا أستحق معه عتاباً ولا تهجيناً، وكيف تطيب نفس
مسلم موقر لرسول الله صلى الله عليه
وسلم معظم له، أن يأتي إلى عدو رسول الله صلى الله عليه وسلم، مصرح
بعداوته والوقيعة فيه؛ حتى بلغ به الأمر إلى أن كان يحكي مشيته، طرده رسول الله،
وأبعده ولعنه، حتى صار مشهوراً بأنه طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكرمه
ويرده إلى حيث أخرج منه، ويصله بالمال العظيم: إما من مال
المسلمين أو من ماله! إن هذا لعظيم كبير قبل التصفح والتأمل والتعلل
بالتأويل الباطل! فأما قول صاحب المغني: إن أبا بكر وعمر لم يقبلا قوله لأنه شاهد واحد، وجعلا ذلك بمنزلة الحقوق التي
تخص، فأول ما فيه أنه لم يشهد عندهما
بشيء واحد في باب الحكم على ما رواه جميع الناس؛ ثم ليس
هذا من باب الذي يحتاج فيه إلى الشاهدين، بل هو بمنزلة كل ما يقبل فيه أخبار
الآحاد. وكيف يجوز أن يجري أبو
بكر وعمر مجرى الحقوق ما ليس منها! وقوله: لا
بد من تجويز كونه صادقاً في روايته؛ لأن القطع على كذب روايته لا سبيل إليه ليس
بشيء، لأنا قد بينا أنه لم يرو عن الرسول صلى الله عليه
وسلم إذناً،
إنما ادعى أنه أطمعه في ذلك. وإذا جوزنا كونه صادقاً في هذه الرواية؛ بل
قطعنا على صدقه لم يكن معذوراً. فأما قوله:
الواجب على غيره ألا يتهمه إذا كان لفعله وجه يصح عليه؛ لانتصابه منصباً يزيل
التهمة، فأول ما فيه أن الحاكم لا يجوز أن يحكم بعلمه مع التهمة، والتهمة قد تكون لها أمارات
وعلامات؛ فما وقع منها عن أمارات وأسباب تتهم في العادة كان مؤثراً؛ وما
لم يكن كذلك فلا تأثير له، والحكم هو عم عثمان، وقريبه
ونسيبه، ومن قد تكلم في رده مرة بعد أخرى، ولوالٍ بعد والٍ، وهذه كلها
أسباب التهمة، فقد كان يجب أن يتجنب الحكم بعلمه في هذا
الباب خاصة، لتطرق التهمة إليه. ولو سوغنا الاجتهاد في مخالفة ما
تناوله النص لم يؤمن أن يؤدي اجتهاد مجتهد إلى تحليل الخمر
وإسقاط الصلاة، بأن تتغير الحال، وهذا هدم للشريعة. فأما الاستشهاد باسترداد عمر من جيش أسامة
فالكلام في الأمرين واحد. وقد قال الشيخ أبو الحسين الخياط:
إن
ابن أبي سرح لما غزا البحر، ومعه مروان في الجيش، ففتح الله عليهم، وغنموا غنيمة
عظيمة، اشترى مروان من ابن أبي سرح الخمس بمائة ألف، وأعطاه أكثرها، ثم قدم على
عثمان بشيراً بالفتح، وقد كانت قلوب المسلمين تعلقت بأمر ذلك الجيش، فرأى عثمان أن يهب له ما بقي عليه من المال، وللإمام فعل
مثل ذلك، ترغيباً في مثل هذه الأمور. وذكر في إقطاعه القطائع لبني أمية،
أن الأئمة قد تحصل في أيديهم الضياع لا مالك لها، ويلمون أنها لا بد فيها ممن
يقوم بإصلاحها وعمارتها، ويؤدي عنها ما يجب من الحق، فله أن يصرف من ذلك إلى من
يقوم به، وله أيضاً أن يهد بعضها على بعض بحسب ما يعلم من الصلاح والتآلف، وطريق
ذلك الاجتهاد. روى الواقدي بإسناده عن المسور بن عتبة، قال: سمعت
عثمان يقول: إن أبا بكرٍ وعمر كانا يتأولان
في هذا المال ظلف أنفسهما وذوي أرحامهما، وإني
تأولت فيه صلة رحمي. وروي عنه أيضاً
أنه كان بحضرته زياد بن عبيد، مولى الحارث بن كلدة الثقفي، وقد بعث إليه أبو
موسى بمال عظيم من البصرة، فجعل عثمان يقسمه بين ولده وأهله بالصحاف ، فبكى زياد فقال: لا تبك، فإن عمر كان يمنع أهله
وذوي قرابته ابتغاء وجه الله، وأنا أعطي
أهلي وولدي وقرابتي ابتغاء وجه الله، وقد
روي هذا المعنى عنه في عدة طرق بألفاظ مختلفة. ويقال: إنه
سأل عثمان أن يكتب عليه بذلك كتاباً، فأبى وامتنع ابن الأرقم أن يدفع المال إلى
القوم، فقال له عثمان: إنما أنت خازن لنا، فما حملك
على ما فعلت؟ فقال ابن الأرقم: كنت أراني
خازن المسلمين، وإنما خازنك غلامك، والله لا
ألي لك بيت المال أبداً، وجاء بالمفاتيح فعلقها على المنبر، ويقال: بل ألقاها إلى عثمان، فرفعها إلى نائل مولاه. وما في هذه الأمور أوضح من أن يشار
إليه وينبه عليه. لقد غزوت معنا إفريقية، وإنك لأقلنا مالاً ورقيقاً
وأعواناً، وأخفنا ثقلاً، فأعطاك ابن عمك خمس إفريقية، وعملت على الصدقات، فأخذت
أموال المسلمين. وروى الكلبي عن أبيه، عن أبي مخنف أن
مروان ابتاع إفريقية بمائتي ألأف درهم أو مائتي ألف دينار، وكلم عثمان، فوهبها
له، فأنكر الناس ذلك على عثمان. وهذا بعينه هو الذي اعترف به أبو
الحسين الخياط واعتذر عنه بأن قلوب المسلمين تعلقت بأمر ذلك
الجيش، فرأى عثمان أن يهب لمروان ثمن ما ابتاعه من الخمس لما جاءه بشيراً بالفتح
على سبيل الترغيب. وهذا الاعتذار ليس بشيء؛ لأن الذي رويناه من الأخبار في هذا
الباب خالٍ من البشارة، وإنما يقتضي أنه سأله ترك ذلك عليه، فتركه وابتدأ هو
بصلته، ولو أتى بشيراً بالفتح كما ادعوا لما جاز أن يترك عليه خمس الغنيمة
العائد نفعه على المسلمين، لأن تلك البشارة لا تبلغ
إلى أن يستحق البشير بها مائتي ألف درهم، ولا اجتهاد في مثل هذا، ولا فرق
بين من جوز أن يؤدي الاجتهاد إلى مثله ومن جوز أن يؤدي الاجتهادإلى دفع أصل
الغنيمة إلى البشير بها، ومن ارتكب ذلك ألزم جواز أن يؤدي الاجتهاد إلى إعطاء
هذا البشير جميع أموال المسلمين في الشرق والغرب. ثم الصلاح الذي زعم أنه رآه، لا يخلو إما أن يكون
عائداً على المسلمين، أو على أقاربه؛ فإن كان على المسلمين فمعلوم ضرورةً أنه لا صلاح لأحد من المسلمين في إعطاء مروان مائتي ألف دينار،
والحكم بن أبي العاص ثلاثمائة ألف درهم، وابن أسيد ثلاثمائة ألف درهم، إلى غير
ما ذكرنا، بل على المسلمين في ذلك غاية الضرر. وإن أراد الصلاح الراجع إلى الأقارب
فليس له أن يصلح أمر أقاربه بفساد أمر المسلمين. وينفعهم بما يضر به المسلمين. ثم كان يجب
لو فعلوا ذلك أن يكون جوابه بخلاف ما روي من جوابه، لأنه
كان يجب أن يقول لهم: وأي منفعة في هذه القطائع عائدة على قرابتي حتى
تعدوا ذلك من جملة صلاتي لهم؛ وإيصالي المنافع إليهم! وإنما جعلتهم فيها بمنزلة
الأكرة الذين ينتفع بهم أكثر من انتفاعهم أنفسهم، وما كان يجب أن يقول ما تقدمت
روايته، من أني محتسب في إعطاء قرابتي، وأن ذلك على سبيل الصلة لرحمي، إلى غير
ذلك مما هو خالٍ من المعنى الذي ذكره. قال قاضي القضاة: وجوابنا عن ذلك أنه إنما جاز له ذلك لعلمه بحاجة المقاتلة،
واستغناء أهل الصدقة، ففعل ذلك على سبيل الإقراض، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله، وللإمام في مثل هذه الأمور أن
يفعل ما جرى هذا المجرى؛ لأن عند الحاجة ربما يجوز له أن يقترض من الناس؛ فأن يجوز له أن يتناول من مالٍ في يده، ليرد عوضه من
المال الآخر أولى. وأما ما ذكره من
الاقتراض، فأين كان عثمان عن هذا العذر لما ووقف عليه!. وقد ذكر الشيخ
أبو الحسين الخياط أن ابن مسعود إنما عابه لعزله إياه؛ وقد روي أن عثمان اعتذر إليه فلم يقبل عذره، ولما أحضر إليه عطاءه في مرضه، قال ابن مسعود: منعتني إياه إذ كان ينفعني، وجئتني به عند الموت! لا أقبله.
وأنه وسط أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليزيل
ما في نفسه فلم يجب؛ وهذا يوجب ذم ابن مسعود إذ لم
يقبل الندم، ويوجب براءة عثمان من هذا العيب، لو صح ما رووه من ضربه. ورووا أنه كان
يطعن عليه، فيقال له: ألا خرجت عليه، ليخرج معك! فيقول: لأن أزاول جبلاً راسياً أحب إلي من
أن ازاول ملكاً مؤجلاً. وإنما كان يقول
ذلك معرضاً بعثمان حتى غضب الوليد بن عقبة من استمرار تعريضه، ونهاه عن خطبته
هذه، فأبى أن ينتهي، فكتب إلى عثمان فيه، فكتب عثمان يستقدمه عليه.
ولما مرض ابن مسعود مرضه الذي مات فيه، أتاه عثمان
عائداً، فقال: ما تشتكي؟ فقال: ذنوبي، قال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي، قال: ألا
أدعو لك طبيباً؟ قال: الطبيب أمرضني، قال: أفلا آمر لك بعطائك؟ قال: منعتنيه وأنا محتاج إليه، وتعطينيه وأنا مستغنٍ عنه!
قال: يكون لولدك، قال: رزقهم على الله تعالى، قال:
استغفر لي يا أبا عبد الرحمن، قال: أسأل الله أن يأخذ لي منك حقي. وإذا جاز
ما ذكرناه لم يكن على ابن مسعود لوم في
الامتناع من قبول عذره. فقال عثمان: اسكتي؛ ثم
قال لعبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن عبد
العزى بن قصي: أخرجه إخراجاً عنيفاً، فأخذه ابن زمعة، فاحتمله حتى جاء به
باب المسجد، فضرب به الأرض، فكسر ضلعاً من أضلاعه، فقال
ابن مسعود: قتلني ابن زمعة الكافر بأمر عثمان،
وفي رواية أخرى إن ابن زمعة الذي فعل به ما فعل كان مولى لعثمان أسود
مسدماً طوالاً. وفي رواية أخرى: إن فاعل ذلك يحموم مولى عثمان. وفي رواية أخرى: إنه لما احتمله ليخرجه من المسجد
ناداه عبد الله: أنشدك الله، ألا تخرجني من مسجد خليلي صلى الله عليه وسلم. وهذه قصة أخرى، وذلك أن أبا ذر رحمه الله تعالى لما حضرته الوفاة بالربذة، وليس معه إلا امرأته
وغلامه عهد إليهما أن غسلاني ثم كفناني، ثم ضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمر بكم قولوا لهم: هذا أبو ذر صاحب رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فأعينونا على دفنه، فلما مات فعلوا ذلك، وأقبل ابن
مسعود في ركب من العراق معتمرين، فلم يرعهم إلا الجنازة على قارعة الطريق، قد
كادت الإبل تطؤها، فقام إليهم العبد فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعينونا
على دفنه، فانهل ابن مسعود باكياً، وقال: صدق رسول
الله صلى الله عليه وسلم، قال له: " تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك "، ثم
نزل هو وأصحابه، فواروه. فأما قوله: إن
ابن مسعود كره جمع عثمان الناس على قراءة
زيد، وإحراقه المصاحف، فلا شك أن عبد الله كره ذلك، كما كرهه جماعة من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وتكلموا فيه، وقد ذكر الرواة كلام كل واحد منهم في ذلك مفصلاً، وما كره عبد الله
من ذلك إلا مكروهاً، وهو الذي يقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم في حقه:
" من سره أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد
". وروي عن ابن عباس رحمه الله تعالى
أنه قال: قراءة ابن أم عبد هي القراءة الأخيرة، إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض عليه القرآن في كل سنة من شهر رمضان، فلما كان
العام الذي توفي فيه عرض عليه دفعتين، فشهد عبد الله ما نسخ منه، وما صح فهي
القراءة الأخيرة. وليس له أن يقول: حدث
من الاختلاف في أيام عثمان ما لم يكن في أيام الرسول صلى
الله عليه وسلم، ولا ما أباحه، وذلك لأن الأمر لو كان
على هذا لوجب أن ينهى عن القراءة الحادثة، والأمر المبتدع، ولا يحمله ما أحدث من
القراءة على تحريم المتقدم بلا شبهة. الطعن الثامن: أنه أقدم على عمار بن ياسر بالضرب، حتى حدث به فتق، ولهذا صار أحد من ظاهر المتظلمين من أهل
الأمصار على قتله، وكان يقول: قتلناه كافراً. فقال له علي عليه السلام: إذن
تمنع من ذلك، ويحال بينك وبينه، فقال عمار: أشهد
الله أن أنفي أول راغم من ذلك، فقال عثمان: أعلي
يابن ياسر تجترئ! خذوه، فأخذ ودخل عثمان، فدعا به فضربه حتى غشي عليه، ثم أخرج
فحمل حتى أتي به منزل أم سلمة رضي الله عنها، فلم يصل الظهر والعصر والمغرب،
فلما أفاق توضا وصلى، وقال: الحمد لله، ليس هذا أول
يوم أوذينا في الله تعالى! فقال هشام بن الوليد ابن المغيرة
المخزومي - وكان عمار حليفاً لبني مخزوم -: يا عثمان، أما
علي فاتقيته، وأما نحن فاجترأت علينا، وضربت أخانا حتى اشفيت به على التلف؛ أما والله لئن مات لأقتلن به رجلاً من بني أمية عظيم
الشأن! فقال عثمان: وإنك لههنا يابن
القسرية ، قال: فإنهما قسريتان - وكانت أم هشام
وجدته قسريتين من بجيلة - فشتمه عثمان، وأمر به فأخرج، فأتي به أم سلمة
رضي الله عنها، فإذا هي قد غضبت لعمار، وبلغ عائشة
رضي الله عنها ما صنع بعمار، فغضبت أيضاً، وأخرجت شعراً من شعر رسول الله صلى
الله عليه وسلم، ونعلاً من نعاله، وثوباً من ثيابه، وقالت: ما أسرع ما تركتم سنة
نبيكم، وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد! وروى آخرون أن السبب في ذلك أن عثمان مر بقبر جديد، فسأل عنه، فقيل:
عبد الله بن مسعود، فغضب على عمارلكتمانه إياه موته، إذ كان المتولي للصلاة
عليه، والقيام بشأنه، فعندها وطئ عثمان عماراً حتى
أصابه الفتق. وروى آخرون أن المقداد وعماراً وطلحة والزبير وعدة من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم كتبوا كتاباً عددوا فيه أحداث عثمان، وخوفوه به، وأعلموه أنهم
مواثبوه إن لم يقلع، فأخذ عمار الكتاب، فأتاه به،
فقرأ منه صدراً، ثم قال: أعلي تقدم من بينهم! فقال:
لأني أنصحهم لك، قال: كذبت يابن سمية! فقال: أنا والله ابن سمية، وابن
ياسر! فأمر عثمان غلماناً له، فمدوا يديه ورجليه،
ثم ضربه عثمان برجليه - وهي في الخفين - على مذاكيره، فأصابه الفتق، وكان
ضعيفاً كبيراً فغشي عليه. فأما ما رواه من منازعة الحسن عليه
السلام عماراً في ذلك، وترافعهما إلى أمير المؤمنين عليه
السلام، فهو أولاً
غير دافع لكون عمار مكفراً له، بل شاهد بذلك من قوله عليه السلام. ثم إن كان الخبر صحيحاً فالوجه فيه أن عماراً كان
يعلم من لحن كلام أمير المؤمنين عليه السلام، وعدوله عن أن يقضي بينهما بصريح من
القول إنه متمسك بالتقية، فأمسك عمار متابعة لغرضه. وروي أنه قال عليه السلام: ما لهم ولعمار! يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار. وروى
العوام بن حوشب عن سلمة بن كهيل عن علقمة عن خالد بن الوليد أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم
قال: " من عادى عماراً عاداه الله، ومن أبغض عماراً
أبغضه الله "؛ وأي كلام غليظٍ سمعه عثمان من عمار يستحق به ذلك
المكروه العظيم الذي يجاوز مقدار ما فرضه الله تعالى في الحدود! وإنما كان عمار وغيره أثبتوا عليه أحداثه ومعايبه على ما
يظهر من سيئ أفعاله. وقد كان يجب عليه أحد
أمرين: إما أن ينزع عما يواقف عليه من تلك الأفعال، أو يبين من عذره عنها وبراءته منها ما يظهر
ويشتهر؛ فإن أقام مقيم بعد ذلك على توبيخه وتفسيقه زجره عن ذلك بوعظٍ أو غيره،
ولا يقدم على ما يفعله الجبابرة والأكاسرة من شفاء الغيظ بغير ما أنزل الله
تعالى وحكم به. الطعن التاسع: إقدامه على أبي ذر مع تقدمه في الإسلام، حتى سيره إلى
الربذة ونفاه، وقيل: إنه ضربه. وروي أنه قيل لأبي ذر:
عثمان أنزلك الربذة؟ فقال: لا، بل اخترت لنفسي ذلك. وقد روى جميع أهل السير
على اختلاف طرقهم وأسانيدهم أن عثمان لما أعطى مروان بن الحكم ما أعطاه،
وأعطى الحارث بن الحكم بن أبي العاص ثلاثمائة ألف درهم، وأعطى زيد بن ثابت مائة
ألف درهم، جعل أبو ذر يقول: بشر الكانزين بعذاب
أليم، ويتلو قول الله تعالى: "والذين يكنزون
الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذابٍ أليم " فرفع
ذلك مروان إلى عثمان، فأرسل إلى أبي ذر نائلاً مولاه: أن انته عما يبلغني عنك، فقال: أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله، وعيب من
ترك أمر الله! فوالله لأن أرضي الله بسخط عثمان أحب إلي وخير لي من أن أسخط الله
برضاه. فأغضب عثمان ذلك، وأحفظه فتصابر. وكان أبو ذر رحمه الله تعالى يقول: والله
لقد حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هي في كتاب الله
ولا سنة نبيه، والله إني لأرى حقاً يطفأ وباطلاً يحيا، وصادقاً مكذباً،
وأثرة بغير تقى، وصالحاً مستاثراً عليه، فقال حبيب بن
مسلمة الفهري لمعاوية: أما بعد؛ فاحمل جندباً إلي على أغلظ مركب وأوعره،
فوجه به مع من سار به الليل والنهار، وحمله على شارف
ليس عليها إلا قتب . حتى قدم به المدينة، وقد سقط لحم فخذيه من الجهد، فلما
قدم أبو ذر المدينة، بعث إليه عثمان أن الحق بأي أرضٍ شئت، فقال: بمكة؟ قال: لا،
قال: فبيت المقدس؟ قال: لا، قال: فأحد المصرين ؟ قال: لا، ولكني مسيرك إلى الربذة، فسيره إليها، فلم يزل بها حتى مات. فتكلم علي عليه السلام - وكان حاضراً
- وقال: أشير عليك بما قاله مؤمن آل فرعون: " وإن يك كاذباً فعليه وكذبه وإن يك صادقاً يصبكم
بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب " ، قال: فأجابه عثمان بجوابٍ غليظ، لا أحب ذكره،
وأجابه عليه السلام بمثله، قال: ثم إن عثمان
حظر على الناس أن يقاعدوا أبا ذر، أو يكلموه، فمكث كذلك أياماً، ثم أمر أن يؤتى
به، فلما أتي به بين يديه، قال: ويحك يا عثمان! أما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت
أبا بكر وعمر! هل رأيت هذا هديهم! إنك لتبطش بي بطش جبار؛ فقال: اخرج عنا من
بلادنا، فقال أبو ذر: ما أبغض إلي جوابك!
فإلى أين أخرج؟ قال: حيث شئت، قال: فأخرج إلى الشام أرض الجهاد؟ قال: إنما جلبتك
من الشام لما قد أفسدتها أفأردك إليها! قال: أفأخرج إلى العراق؟ قال: لا، قال :
ولم؟ قال: تقدم على قومٍ أهل شبهٍ وطعنٍ في الأئمة، قال: أفأخرج إلى مصر؟ قال:
لا، قال: فإلى أين أخرج؟ قال: حيث شئت، قال أبو ذر: فهو إذن التعرب بعد الهجرة؛
أأخرج إلى نجد؟ فقال عثمان: الشرف الأبعد أقصى فأقصى،
امض على وجهك هذا، ولا تعدون الربذة. فخرج إليها. وروى الواقدي عن مالك بن أبي الرجال،
عن موسى بن ميسرة أن أبا الأسود الدؤلي، قال: كنت أحب لقاء
أبي ذر لأسأله عن سبب خروجه، فنزلت الربذة، فقلت له: ألا تخبرني؟ أخرجت من المدينة طائعاً أم خرجت مكرهاً؟ فقال:
كنت في ثغر من ثغور المسلمين، أغني عنهم، فأخرجت إلى مدينة الرسول صلى الله عليه
وسلم، فقلت: أصحابي ودار هجرتي، فأخرجت منها إلى ما ترى، ثم قال: بينا أنا ذات ليلة نائم في المسجد إذ مر بي رسول الله صلى
الله عليه وسلم،
فضربني برجله وقال: " لا أراك نائماً في المسجد "، فقلت: بأبي أنت وأمي! غلبتني عيني، فنمت فيه، فقال: " كيف تصنع إذا أخرجوك منه؟ " فقلت: إذن ألحق بالشام فإنها أرض
مقدسة، وأرض بقية الإسلام، وأرض الجهاد، فقال: " فكيف تصنع إذا أخرجت منها؟ " فقلت: أرجع إلى المسجد،
قال: " فكيف تصنع إذا أخرجوك منه؟ "
قلت: آخذ سيفي فأضرب به، فقال صلى الله عليه
وسلم: " ألا أدلك على خيرٍ من ذلك، انسق معهم حيث ساقوك، وتسمع
وتطيع "، فسمعت وأطعت وأنا أسمع وأطيع، والله
ليلقين الله عثمان وهو آثم في جنبي. وما يحمل نفسه على ادعاء أن أبا ذر
خرج مختاراً إلى الربذة إلا مكابر. ولسنا ننكر ما أورده صاحب كتاب
المغني من أنه خرج مختاراً قد روي، إلا أنه من الشاذ النادر. وإنما أشخص من الشام على الوجه الذي أشخص عليه: من
خشونة المركب، وقبح السير به للموجدة عليه. ثم لما قدم منع الناس من كلامه، وأغلظ له في القول؛
وكل هذا لا يشبه أن يكون خروجه إلى الربذة باختياره. وكيف
يظن عاقل أن أبا ذر يختار الربذة منزلاً مع جدبها وقحطها وبعدها عن الخيرات؛ ولم
تكن بمنزل مثله! فأما قوله:إنه أشفق عليه من أن يناله بعض أهل المدينة
بمكروه من حيث كان يغلظ لهم القول، فليس بشيء؛ لأنه
لم يكن في أهل المدينة إلا من كان راضياً بقوله، عاتباً بمثل عتبه، إلا
أنهم كانوا بين مجاهرٍ بما في نفسه، ومخفٍ ما عنده؛
وما في أهل المدينة إلا من رثى لأبي ذر مما حدث عليه، ومن استفظعه، ومن رجع إلى كتب السيرة عرف ما ذكرناه. فأما قوله: إن
الله تعالى والرسول قد ندبا إلى خفض الجناح، ولين القول للمؤمن والكافر، فهو كما قال؛ إلا أن هذا أدب كان ينبغي أن يتأدب به عثمان
في أبي ذر، ولا يقابله بالتكذيب، وقد
قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقه؛
ولا يسمعه مكروه الكلام، فإنما نصح له، وأهدى إليه عيوبه، وعاتبه على ما لو نزع
عنه لكان خيراً له في الدنيا والآخرة. قال: ولم يثبت أن أمير المؤمنين عليه
السلام كان يطلبه ليقتله بالهرمزان، لأنه لا يجوز
قتل من عفا عنه ولي المقتول، وإنما كان يطلبه
ليضع من قدره، ويصغر من شأنه. ثم لو لم يكن له ولي لم
يكن عثمان ولي دمه، لأنه قتل في أيام عمر، فصار
عمر ولي دمه، وقد أوصى عمر على ما جاءت به الروايات الظاهرة بقتل ابنه عبيد الله إن لم تقم البينة العادلة على الهرمزان
وجفينة ، أنهما أمرا أبا لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة بقتله، وكانت وصيته بذلك إلى أهل الشورى، فقال: أيكم ولي هذا
الأمر فليفعل كذا وكذا مما ذكرناه، فلما مات عمر، طلب المسلمون
إلى عثمان إمضاء الوصية في عبيد الله بن عمر، فدافع عن ذلك وعللهم، ولو
كان هو ولي الدم على ما ذكروا لم يكن له أن يعفو وأن
يبطل حداً من حدود الله تعالى، وأي شماتة للعدو في
إقامة حد من حدود الله تعالى! وإنما
الشماتة كلها من أعداء الإسلام في تعطيل الحدود. وأي
حرج في الجمع بين قتل الإمام وابنه، حتى يقال:
كره أن ينتشر الخبر بأن الإمام وابنه قتلا، وإنما
قتل أحدهما ظلماً، والآخر عدلاً، أو أحدهما بغير أمر الله، والآخر بأمره سبحانه! وقد روى زياد بن عبد الله البكائي عن
محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح أن أمير المؤمنين عليه السلام أتى
عثمان، بعد ما استخلف، فكلمه في عبيد الله ولم يكلمه
أحد غيره، فقال: اقتل هذا الفاسق الخبيث الذي قتل أميراً مسلماً، فقال عثمان: قتلوا أباه بالأمس، وأقتله اليوم!
وإنما هو رجل من أهل الأرض؛ فلما أبى عليه مر عبيد
الله على علي عليه السلام، فقال له: إيه يا فاسق! أما والله لئن ظفرت بك
يوماً من الدهر لأضربن عنقك، فلذلك خرج مع معاوية عليه. الطعن الحادي عشر: وهو إجمالي؛ قالوا: وجدنا أحوال
الصحابة دالة على تصديقهم المطاعن فيه، وبراءتهم منه؛
والدليل على ذلك أنهم تركوه بعد قتله ثلاثة أيام لم يدفنوه، ولا أنكروا
على من أجلب عليه من أهل الأمصار؛ بل أسلموه ولم يدفعوا عنه؛ ولكنهم أعانوا عليه،
ولم يمنعوا من حصره ولا من منع الماء عنه؛ ولا من قتله، مع تمكنهم من خلاف ذلك، وهذا من أقوى الدلائل على ما قلناه؛ ولو لم يدل
على أمره عندهم إلا ما روي عن علي عليه السلام أنه قال:
الله قتله وأنا معه، وأنه كان في أصحابه عليه السلام من يصرح بأنه قتل عثمان؛
ومع ذلك لا يقيدهم بل ولا ينكر عليهم؛ وكان أهل الشام يصرحون بأن مع أمير
المؤمنين قتلة عثمان، ويجعلون ذلك من أوكد الشبه، ولا ينكر ذلك عليهم، مع أنا نعلم أن أمير المؤمنين عليه السلام لو أراد أن يتعاضد هو وأصحابه
على المنع عنه لما وقع في حقه ما وقع، فصار كفه وكف غيره عن ذلك من أدل الدلائل
على أنهم صدقوا عليه ما نسب إليه من الأحداث، وأنهم لم يقبلوا منه ما جعله
عذراً. فأما قوله:
إن ذلك إن صح كان طعناً على من لزمه القيام بأمره، فليس الأمر على ما ظنه، بل
يكون طعناً على عثمان من حيث لا يجوز أن يمنع أهل المدينة - وفيها وجوه الصحابة - من دفنه والصلاة عليه إلا
لاعتقادٍ قبيح، أو لأن اكثرهم وجمهورهم يعتقد ذلك، وهذا
طعن لا شبهة فيه؛ واستبعاد صاحب المغني
لذلك، مع ظهور الرواية به لا يلتفت إليه، فأما أمير المؤمنين عليه
السلام
فقد
بينا أنه تقدم بذلك بعد مماكسة ومراوضة. وأعجب من كل شيء قول صاحب المغني: إنهم أخروا دفنه تشاغلاً بالبيعة لأمير
المؤمنين عليه السلام؛ وأي شغل في البيعة يمنع من دفنه، والدفن فرض على
الكفاية، لو قام به البعض وتشاغل الباقون بالبيعة لجاز! وليس الدفن ولا البيعة أيضاً مفتقرة
إلى تشاغل جميع أهل المدينة بها. فأما
قوله: الله قتله وأنا معه، فيجوز أن يكون المراد
به: الله حكم بقتله وأوجبه وأنا كذلك، لأن من
المعلوم أن الله تعالى لم يقتله على الحقيقة، فإضافة القتل إليه لا تكون إلا بمعنى
الحكم والرضا؛ وليس يمتنع أن يكون مما حكم الله تعالى به، ما لم يتوله بنفسه،
ولا آزر عليه، ولا شايع فيه. قلنا: يجوز أن يريد بقوله: ما أحببت قتله
ولا كرهته، أن ذلك لم يكن مني على سبيل التفصيل، ولا خطر لي ببال؛ وإن كان على
سبيل الجملة يحب قتل من غلب المسلمين على أمورهم، وطالبوه بأن يعتزل، لأنه
مستولٍ عليهم بغير حق فامتنع من ذلك، ويكون فائدة هذا الكلام التبرؤ من مباشرة قتله، والأمر به على سبيل التفصيل أو
النهي عنه. ويجوز أن يريد أنني ما أحببت قتله، إن كانوا تعمدوا القتل، ولم يقع على
سبيل الممانعة وهو غير مقصود، ويريد بقوله: ما كرهته، أني لم أكرهه على كل حال، ومن كل وجه. فأما لعنه قتلته فقد بينا أنه ليس
بظاهرٍ ظهور ما ذكرناه، وإن صح فهو مشروط بوقوع القتل على الوجه المحظور من
تعمدٍ له، وقصدٍ إليه وغير ذلك، على أن
المتولي للقتل على ما صحت به الرواية كنانة بن بشر التجيبي، وسودان بن حمران
المرادي؛ وما منهما من كان غرضه صحيحاً في القتل، ولا له أن يقدم عليه، فهو
ملعون به. فأما محمد بن أبي بكر؛ فما
تولى قتله، وإنما روي أنه لما جثا بين يديه قابضاً على لحيته، قال له: يابن أخي دع لحيتي؛ فإن أباك لو كان حياً
لم يقعد مني هذا المقعد، فقال محمد: إن أبي
لو كان حياً ثم يراك تفعل ما تفعل لأنكره عليك، ثم وجأه بجماعة قداح كانت في يده
فحزت في جلده ولم تقطع، وبادره من ذكرناه في قتله بما كان فيه قتله. وإذا كانت الوجوه الثلاثة دالةً على
أنه مغفور له، وأن الله تعالى قد رضي عنه، وهو من أهل الجنة، بطل أن يكون فاسقاً، لأن
الفاسق يخرج عندنا من الإيمان، ويحبط ثوابه، ويحكم له بالنار ولا يغفر له، ولا
يرضى عنه، ولا يرى الجنة ولا يدخلها، فاقتضت هذه الوجوه الصحيحة الثابتة أن يحكم
بأن كل ما وقع منه فهو من باب الصغائر المكفرة، توفيقاً بين هذه الوجوه، وبين
روايات الأحداث المذكورة. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أخبار
جرير بن عبد الله البجلي وبيعته لعلي عليه السلام:
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما خبر جرير بن عبد الله البجلي، وبعث أمير المؤمنين عليه
السلام إياه إلى معاوية، فنحن
نذكره نقلاً من كتاب صفين، لنصر بن مزاحم بن بشار
المنقري؛ ونذكر حال أمير المؤمنين عليه السلام، منذ قدم الكوفة بعد وقعة
الجمل، ومراسلته معاوية وغيره، ومراسلة معاوية له ولغيره، وما كان من ذلك في
مبدأ حالتهما إلى أن سار علي عليه السلام إلى صفين. ألا
وإن البقاء في الجماعة، والفناء في الفرقة، وإن علياً حاملكم على الحق ما
استقمتم، فإن ملتم أقام ميلكم. فقال الناس:
سمعاً وطاعة، رضينا رضينا.
قال نصر: ثم إن جريراً قام في أهل همذان خطيباً، فقال: الحمد لله الذي اختار لنفسه الحمد،
وتولاه دون خلقه، لا شريك له في الحمد، ولا نظير له في المجد، ولا إله إلا الله
وحده، الدائم القائم، إله السماء والأرض، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله
بالنور الواضح؛ والحق الناطق؛ داعياً إلى الخير، وقائداً إلى الهدى، ثم قال:
أيها الناس، إن علياً قد كتب إليكم كتاباً لا يقال بعده إلا رجيع من القول، لكن
لا بد من رد الكلام. إن الناس بايعوا علياً بالمدينة عن غير محاباة له ببيعتهم،
لعلمه بكتاب الله وسنن الحق، وإن طلحة والزبير نقضا بيعته على غير محاباة حدثت،
وألبا عليه الناس، ثم لم يرضيا حتى نصبا له الحرب، وأخرجا أم المؤمنين، فلقيهما
فأعذر في الدعاء، وأحسن في البقية، وحمل الناس على ما يعرفون، فهذا عيان ما غاب
عنكم؛ وإن سألتم الزيادة زدناكم، ولا قوة إلا بالله، ثم قال:
قال
نصر: فسر الناس بخطبة جرير وشعره، وقال ابن الأزور القسري في جرير يمدحه بذلك:
بيعة الأشعث لـعـلـي: قال نصر: وكتب علي عليه السلام إلى الأشعث - وكان عامل عثمان على أذربيجان
- يدعوه إلى البيعة والطاعة، وكتب جرير بن عبد الله البجلي إلى الأشعث، يحضه على
طاعة أمير المؤمنين عليه السلام، وقبول كتابه: أما بعد، فإني أتتني بيعة علي، فقبلتها ولم أجد إلى دفعها
سبيلاً؛ لأني نظرت فيما غاب عني من أمر عثمان، فلم أجده يلزمني، وقد شهد
المهاجرون والأنصار؛ فكان أوفق أمرهم فيه الوقوف، فاقبل بيعته؛ فإنك لا تنقلب
إلى خير منه، واعلم أن بيعة علي خير من مصارع أهل البصرة. والسلام. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بين
علي عليه السلام ومعاوية
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال نصر: فلما
أراد علي عليه السلام أن
يبعث إلى معاوية رسولاً، قال له جرير: ابعثني يا أمير المؤمنين إليه؛ فإنه لم
يزل لي مستخصاً ووداً ، آتيه فأدعوه؛ على أن يسلم لك هذا الأمر، ويجامعك على
الحق، على أن يكون أميراً من أمرائك، وعاملاً من عمالك، ما عمل بطاعة الله،
واتبع ما في كتاب الله، وأدعو أهل الشام إلى طاعتك وولايتك، فجلهم قومي وأهل
بلادي، وقد رجوت ألا يعصوني. فبعثه علي عليه السلام، وقال
له عليه السلام حين أراد أن يبعثه: إن حولي من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم من أهل الرأي والدين من قد رأيت، وقد اخترتك عليهم لقول رسول الله
فيك: " إنك من خير ذي يمن " ، ائت
معاوية بكتابي، فإن دخل فيما دخل فيه المسلمون، وإلا فانبذ إليه وأعلمه أني لا
أرضى به أميراً، وأن العامة لا ترضى به خليفة. فانطلق جرير حتى أتى الشام، ونزل معاوية،
فلما
دخل عليه حمد الله وأثنى عليه، وقال: أما بعد يا معاوية، فإنه قد اجتمع لابن عمك
أهل الحرمين، وأهل المصرين ، وأهل الحجاز، وأهل اليمن، وأهل مصر، وأهل العروض -
والعروض عمان - وأهل البحرين واليمامة؛ فلم يبق إلا هذه الحصون التي أنت فيها،
لو سال عليها سيل من أوديته غرقها، وقد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك ويهديك إلى
مبايعة هذا الرجل. ودفع إليه كتاب علي عليه السلام،
وفيه:
أما بعد، فإن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام، لأنه بايعني القوم الذين بايعوا
أبا بكر وعمر وعثمان، على ما بويعوا عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب
أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، إذا اجتمعوا على رجل فسموه إماماً،
كان ذلك لله رضاً؛ فإن خرج من أمرهم خارج بطعنٍ أو رغبة ردوه إلى ما خرج منه،
فإن أبى قاتلوه على اتباع سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى، ويصليه جهنم وساءت
مصيراً. وإن طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا
بيعتي، فكان نقضهما كردتهما، فجاهدتهما على ذلك، حتى جاء
الحق، وظهر أمر الله وهم كارهون، فادخل فيما دخل فيه المسلمون، فإن أحب الأمور
إلي فيك العافية، إلا أن تتعرض للبلاء، فإن تعرضت له قاتلتك، واستعنت بالله
عليك. وأشهد أن
محمداً عبده ورسوله، أرسله بعد فترة من الرسل الماضية، والقرون الخالية،
والأبدان البالية، والجبلة الطاغية، فبلغ الرسالة، ونصح للأمة، وأدى الحق الذي
استودعه الله، وأمره بأدائه إلى أمته صلى الله عليه وسلم، من رسول ومبتعث
ومنتجب. الحمد
لله الذي جعل الدعائم للإسلام أركاناً، والشرائع للإيمان برهاناً، يتوقد قبسه في
الأرض المقدسة، جعلها الله محل الأنبياء الصالحين من عباده، فأحلهم أرض الشام،
ورضيهم لها، ورضيها لهم، لما سبق في مكنون علمه من طاعتهم ومناصحتهم خلفاءه،
والقوام بأمره، والذابين عن دينه وحرماته، ثم جعلهم لهذه الأمة نظاماً، وفي سبيل
الخيرات أعلاماً، يردع الله بهم الناكثين، ويجمع بهم ألفة المؤمنين، والله
نستعين على ما تشعب من أمر المسلمين بعد الالتئام، وتباعد بعد القرب. اللهم
انصرنا على أقوامٍ يوقظون نائمنا، ويخيفون آمننا، ويريدون إراقة دمائنا، وإخافة
سبلنا. وقد
علم الله أنا لا نريد بهم عقاباً، ولا نهتك لهم حجاباً، ولا نوطئهم زلقاً ، غير
أن الله الحميد كسانا من الكرامة ثوباً لن ننزعه طوعاً، ما جاوب الصدى، وسقط
الندى، وعرف الهدى؛ حملهم على ذلك البغي والحسد، فنستعين الله عليهم. أيها الناس،
قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وخليفة أمير المؤمنين عثمان بن
عفان عليكم، وأني لم أقم رجلاً منكم على خزاية قط، وأني ولي عثمان، وقد قتل
مظلوماً، والله تعالى يقول: " ومن قتل مظلوماً
فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً" ، وأنا
أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان.
قلت:
الجبهة ههنا: الخيل، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس في الجبهة
صدقة "، أي زكاة. قال نصر: وكتب
إلى شرحبيل كتاب لا يعرف كاتبه فيه:
قال نصر: فلما
قرأ شرحبيل الكتاب ذعر وفكر، وقال: هذه نصيحة لي في ديني، ولا والله لا أعجل في
هذا الأمر بشيء وفي نفسي منه حاجة، وكاد يحول عن نصر معاوية ويتوقف، فلفق له
معاوية الرجال يدخلون إليه ويخرجون، ويعظمون عنده قتل عثمان، ويرمون به علياً،
ويقيمون الشهادة الباطلة، والكتب المختلفة، حتى أعادوا رأيه، وشحذوا عزمه .
قال نصر: وحدثنا
عمر بن سعد عن نمير بن وعلة، عن الشعبي، أن شرحبيل بن السمط بن الأسود بن جبلة
الكندي دخل على معاوية، فقال له: أنت عامل أمير المؤمنين وابن عمه، ونحن
المؤمنون، فإن كنت رجلاً تجاهد علياً وقتلة عثمان حتى ندرك ثأرنا أو تذهب
أرواحنا استعملناك علينا، وإلا عزلناك واستعملنا غيرك ممن نريد، ثم جاهدنا معه
حتى ندرك بدم عثمان أو نهلك. ثم
قام فتكلم به، فقال الناس: صدق صدق! القول
ما قال، والرأي ما رأى. فأيس جرير عند ذلك من معاوية ومن عوام أهل الشام. قال نصر: وحدثني محمد بن عبيد الله، عن الجرجاني، قال: كان معاوية قد أتى جريراً قبل ذلك في
منزله، فقال له: يا جرير؛ إني قد رأيت رأياً، قال: هاته، قال: اكتب إلى صاحبك
يجعل لي الشام ومصر جباية، فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده في عنقي بيعة،
وأسلم له هذا الأمر؛ واكتب إليه بالخلافة. فقال جرير: اكتب ما أردت أكتب معك.
قال:
وكتب الوليد بن عقبة إلى معاوية أيضاً يوقظه ويشير عليه بالحرب، وألا يكتب جواب
جرير:
قال نصر:
وخرج جرير يوماً يتجسس الأخبار، فإذا هو بغلام يتغنى على قعود له، وهو يقول:
فقال جرير: يابن أخي، من أنت؟ فقال:
غلام من قريش، وأصلي من ثقيف، أنا ابن المغيرة بن الخنس بن شريق، قتل أبي مع
عثمان يوم الدار. فعجب جرير من
شعره وقوله، وكتب بذلك إلى علي عليه السلام، فقال
علي: والله ما أخطأ الغلام شيئاً.
وقد ذكرنا هذا الشعر فيما تقدم. فقال علي عليه
السلام: إنما قصدي حجة أقيمها عليه. فلما أتى جرير معاوية دافعه بالبيعة،
فقال له جرير: إن المنافق لا يصلي حتى لا يجد من
الصلاة بداً. فقال معاوية: إنها ليست بخدعة الصبي عن اللبن،
فأبلعني ريقي ، إنه أمر له ما بعده. فأما
شرفك في الإسلام، وقرابتك من النبي صلى الله عليه وسلم وموضعك من قريش، فلست
أدفعه.
قال أبو العباس المبرد رحمه الله تعالى: فكتب إليه علي عليه
السلام جواباً عن كتابه هذا: من
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى معاوية
بن صخر بن حرب: أما بعد: فإنه أتاني منك
كتاب امرئ ليس له بصر يهديه، ولا قائد يرشده، دعاه الهوى فأجابه، وقاده الضلال
فاتبعه، زعمت أنك إنما أفسد عليك بيعتي خطيئتي في عثمان، ولعمري ما كنت إلا
رجلاً من المهاجرين، أوردت كما أوردوا، وأصدرت كما أصدروا؛ وما كان الله ليجمعهم
على الضلال، ولا ليضربهم بالعمى. وبعد، فما أنت
وعثمان! إنما أنت رجل من بني أمية، وبنو
عثمان أولى بمطالبة دمه، فإن زعمت أنك أقوى على
ذلك، فادخل فيما دخل فيه المسلمون، ثم حاكم القوم إلي. وأما
تمييزك بينك وبين طلحة والزبير، وبين أهل الشام وأهل البصرة، فلعمري ما الأمر
فيما هناك إلا سواء؛ لأنها بيعة شاملة لا يستثنى فيها الخيار، ولا يستانف فيها
النظر. وأما شرفي في الإسلام وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموضعي من قريش، فلعمري لو استطعت
دفعه لدفعته.
قلت: أبيات
كعب بن جعيل خير من هذه الأبيات، وأخبث مقصداً وأدهى وأحسن. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
متفرقات
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وروى نصر بن مزاحم، قال: لما قتل عثمان ضربت الركبان إلى الشام بقتله، فبينا معاوية
يوماً إذ أقبل رجل متلفف، فكشف عن وجهه، وقال لمعاوية: يا أمير المؤمنين،
أتعرفني؟ قال: نعم، أنت الحجاج بن خزيمة بن الصمة، فأين تريد؟ قال: إليك
القربان، أنعى ابن عفان، ثم قال:
قال:
يعني علياً عليه السلام. ويقال: مكان شأس، أي غليظ صلب. والشغب:
الهائج للشر، ومن رواه: للشاسي بالياء فأصله الشاصي بالصاد، وهو المرتفع، يقال:
شصا السحاب إذا ارتفع، فأبدل الصاد سيناً، ومراده هنا نسبة علي عليه السلام إلى
التيه والترفع عن الناس. واعلم
أنه لا يرضى علي إلا بالرضا، وأن رضاه سخطك، ولست وعلي سواء؛ علي لا يرضى
بالعراق دون الشام، وأنت ترضى بالشام دون العراق.
قال نصر: وافتخر
الحجاج على أهل الشام بما كان من تسليمه على معاوية بإمرة المؤمنين.
قال:
فكتب معاوية إليه الجواب بيتاً من شعر أوس بن حجر:
وروى ابن ديزيل قال: لما عزم علي عليه السلام على المسير إلى
الشام، دعا رجلاً، فأمره أن يتجهز ويسير إلى دمشق، فإذا دخل أناخ راحلته بباب
المسجد، ولا يلقي من ثياب سفره شيئاً؛ فإن الناس إذا رأوه عليه آثار الغربة
سألوه، فليقل لهم: تركت علياً قد نهد إليكم بأهل العراق. فانظر ما يكون من
أمرهم. وروى ابن ديزيل عن عقبة بن مكرم، عن
يونس بن بكير، عن الأعمش، قال: كان أبو مريم
صديقاً لعلي عليه السلام، فسمع بما كان فيه علي عليه السلام من اختلاف أصحابه
عليه، فجاءه، فلم يرع علياً عليه السلام إلا وهو قائم على رأسه بالعراق، فقال له: أبا مريم، ما جاء بك نحوي؟ قال: ما جاء
بي غيرك؛ عهدي بك لو وليت أمر الأمة كفيتهم، ثم سمعت بما أنت فيه من الاختلاف! فقال: يا
أبا مريم؛ إني منيت بشرار خلق الله، أريدهم على الأمر الذي هو الرأي، فلا
يتبعونني. وروى ابن ديزيل، قال:
حدثنا الحسن بن الربيع البجلي، عن أبي إسحاق الفزاري عن حميد الطويل، عن أنس بن
مالك، في قوله تعالى: " فإما نذهبن بك فإنا
منهم منتقمون، أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون " . قال: أكرم
الله تعالى نبيه عليه السلام أن يريه في أمته ما يكره رفعه إليه، وبقيت النقمة. وأيضاً فإنا قد شرحنا من قول شيوخنا
البغداديين ما محصله: إن الإمامة كانت لعلي عليه السلام إن
رغب فيها ونازع عليها، وإن أقرها في غيره وسكت عنها تولينا ذلك الغير، وقلنا بصحة خلافته، وأمير المؤمنين عليه السلام لم ينازع الأئمة
الثلاثة، ولا جرد السيف، ولا استنجد بالناس عليهم، فدل ذلك
على إقراره لهم على ما كانوا فيه؛ فلذلك توليناهم، وقلنا فيهم بالطهارة والخير
والصلاح، ولو حاربهم وجرد السيف عليهم، واستصرخ العرب على حربهم لقلنا فيهم ما
قلناه فيمن عامله هذه المعاملة، من التفسيق والتضليل. قال ابن ديزيل:
وحدثنا عمرو بن الربيع، قال: حدثنا السري بن
شيبان، عن عبد الكريم، أن عمر بن الخطاب قال لما
طعن: يا أصحاب محمد تناصحوا؛ فإنكم إن لم تفعلوا غلبكم عليها عمرو بن
العاص ومعاوية بن أبي سفيان.
وروى ابن ديزيل، عن عفان بن مسلم، عن وهب بن خالد، عن أيوب، عن
أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن مرة بن كعب، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقربها، فمر رجل قد
تقنع بثوبه، فقال عليه السلام: " هذا
وأصحابه يومئذ على الحق "، فقمت إليه فأخذت بمنكبه، فقلت: هو هذا؟ فقال:
نعم، فإذا هو عثمان بن عفان. لأنا نذهب إلى أن عثمان قتل مظلوماً، وأنه
وناصريه يوم الدار على الحق، وأن القوم الذين قتلوه لم يكونوا على الحق، فأما
معاوية وأهل الشام الذين حاربوا علياً عليه السلام بصفين فليسوا بداخلين في
الخبر؛ ولا في ألفاظ الخبر لفظ عموم يتعلق به، ألا ترى أنه ليس فيه كل من أظهر
الانتصار لعثمان في حياته بعد وفاته فهو على الحق، وإنما
خلاصته أنه ستقوم فتنة، يكون عثمان فيها وأصحابه على الحق، ونحن لا نأبى ذلك، بل
هو مذهبنا. وأما
بأسه فهو الشجاع المطرق، وأما أيامه فما قد عرفت، ولكني ملزمه دم عثمان، فقال عمرو بن العاص: قد وأبيك إذن نكأت القرحة. فقال عمرو:
يا معاوية، إن لم تغلب فاخلب، قال: وخرج حديثهما إلى عبيد الله، فلما قام خطيباً
تكلم بحاجته، فلما انتهى إلى أمر علي أمسك ولم يقل شيئاً، فلما نزل بعث إليه معاوية: يابن أخي؛ إنك بين عي
وخيانة، فبعث إليه: إني كرهت أن أقطع
الشهادة على رجل لم يقتل عثمان، وعرفت أن الناس محتملوها عني فتركتها، قال:
فهجره معاوية واستخف به وفسقه، فقال عبيد الله:
قال:
فلما بلغ معاوية شعره بعث إليه فأرضاه، وقال: حسبي هذا منك. قال علي عليه السلام: سبحان الله يا مال! جزت المدى، وعدوت
الحد، فأغرقت في النزع. فقال: يا أمير المؤمنين، لبعض الغشم أبلغ في
أمرٍ ينوبك من مهادنة الأعادي، فقال علي عليه السلام: ليس هكذا قضى الله، يامال،
قال سبحانه: " النفس بالنفس " فما بال ذكر الغشم! وقال تعالى: " ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا
يسرف في القتل "، والإسراف في القتل أن تقتل غير قاتلك، فقد نهى
الله عنه، وذاك هو الغشم. فقال:
قد كنت في شك، فأما الآن فقد عرفت، واستبان لي خطأ القوم، وإنك المهتدي المصيب. قال نصر: لما قدم علي عليه السلام إلى الكوفة نزل على باب
المسجد، فدخل فصلى، ثم تحول فجلس إليه الناس، فسأل عن رجل من الصحابة كان نزل
الكوفة، فقال قائل:
استأثر الله به، فقال علي عليه السلام: إن
الله تبارك وتعالى لا يستأثر بأحد من خلقه، إنما أراد الله جل ذكره بالموت إعزاز
نفسه؛ وإذلال خلقه، وقرأ: " كنتم أمواتاً
فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم " ؛ قال نصر: فلما
لحقه عليه السلام ثقله قالوا: أننزل القصر؟ فقال: قصر الخبال، لا تنزلوا
فيه. فقال لعل الله فعل ذلك.
قال نصر: وأتم علي عليه السلام صلاته يوم دخل الكوفة، فلما كانت
الجمعة خطب الناس، فقال: الحمد
لله الذي أحمده وأستعينه وأستهديه، وأعوذ بالله من الضلالة؛ من يهد الله فلا مضل
له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن
محمداً عبده ورسوله، انتجبه لأمره، واختصه بنبوته. أكرم خلقه عليه، وأحبهم إليه،
فبلغ رسالة ربه، ونصح لأمته، وأدى الذي عليه. أوصيكم
بتقوى الله، فإن تقوى الله خير ما تواصى به عباد الله، وأقربه إلى رضوان الله،
وخيره في عواقب الأمور عند الله، وبتقوى الله أمرتم، وللإحسان والطاعة خلقتم،
فاحذروا من الله ما حذركم من نفسه، فإنه حذر بأساً شديداً، واخشوا خشية ليست
بتعذير واعملوا في غير رياء ولا سمعة، فإنه من عمل لغير الله وكله الله إلى ما
عمل له، ومن عمل لله مخلصاً تولى الله أجره. أشفقوا
من عذاب الله؛ فإنه لم يخلقكم عبثاً، ولم يترك شيئاً من أمركم سدىً، قد سمى
آثاركم، وعلم أعمالكم، وكتب آجالكم، فلا تغتروا بالدنيا فإنها غرّارة لأهلها،
مغرور من اغتر بها، وإلى فناءٍ ما هي، وإن الآخرة هي دار الحيوان لو كانوا
يعلمون. أسأل الله منازل الشهداء، ومرافقة الأنبياء،
ومعيشة السعداء، فإنما نحن به وله. فأما الخلافة فلسنا نطلبها، فأعينونا على
أمرنا هذا، وانهضوا من ناحيتكم؛ فإن أيدينا وأيديكم إذا اجتمعت على أمر واحد هاب علي ما هو فيه، والسلام.
-
يعني طلحة والزبير رحمهما الله -.
قال نصر:
وقام عدي بن حاتم الطائي إلى علي عليه السلام،
فقال: يا أمير المؤمنين، إن عندي
رجلاً لا يوازى به رجل، وهو يريد أن يزور ابن عمه حابس بن سعد الطائي بالشام،
فلو أمرناه أن يلقى معاوية لعله أن يكسره ويكسر أهل الشام، فقال علي عليه السلام: نعم، فأمره عدي بذلك - وكان اسم الرجل خفاف بن عبد الله. فقدم على ابن عمه حابس بن سعد بالشام - وحابس سيد طيئ بها - فحدث خفاف حابساً أنه شهد
عثمان بالمدينة، وسار مع علي إلى الكوفة، وكان لخفاف لسان وهيئة وشعر، فغدا حابس بخفاف إلى معاوية، فقال: إن هذا ابن عم
لي، قدم الكوفة مع علي، وشهد عثمان بالمدينة، وهو ثقة. فقال له معاوية: هات، حدثنا عن عثمان، فقال: نعم حصره المكشوح وحكم فيه
حكيم، ووليه عمار، وتجرد في أمره ثلاثة نفر: عدي بن
حاتم والأشتر النخعي، وعمرو بن الحمق، وجد في أمره رجلان طلحة والزبير، وأبرأ الناس منه علي. قال: ثم مه ،
قال: ثم تهافت الناس على علي بالبيعة تهافت الفراش، حتى ضاعت النعل وسقط الرداء،
ووطئ الشيخ. ولم يذكر عثمان ولم يذكر له، ثم تهيأ للمسير،
وخف معه المهاجرون والأنصار، وكره القتال معه ثلاثة
نفر: سعد بن مالك، وعبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، فلم يستكره أحداً، واستغنى
بمن خف معه عمن ثقل. ثم
سار حتى أتى جبل طيئ، فأتته منا جماعة كان ضارباً بهم الناس؛ حتى إذا كان ببعض الطريق أتاه مسير طلحة والزبير وعائشة إلى
البصرة، فسرح رجالاً إلى الكوفة يدعونهم؛ فأجابوا دعوته، فسار إلى
البصرة، فإذا هي في كفه، ثم قدم الكوفة فحمل إليه الصبي، ودبت إليه العجوز،
وخرجت إليه العروس فرحاً به وشوقاً إليه، وتركته وليس
له همة إلا الشام.
-
يذكر فيه حال عثمان وقتله، وفيه إطالة عدلنا عن ذكره... ومن جملته:
قال: فانكسر معاوية، وقال: يا حابس، إني لأظن هذا عيناً لعلي، أخرجه
عنك لئلا يفسد علينا أهل الشام. أترك علياً في المهاجرين
والأنصار، وطلحة بن الزبير وعائشة أم المؤمنين، وأتبعك! وأما زعمك أني طعنت على علي، فلعمري ما أنا كعلي في الإيمان والهجرة، ومكانه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونكايته في المشركين، ولكني عهد إلي في هذا الأمر
عهد، ففزعت فيه إلى الوقوف وقلت: إن كان هذا
هدىً ففضل تركته، وإن كان ضلالاً فشر نجوت منه، فأغن عنا نفسك، والسلام. فاجابه سعد:
أما بعد، فإن عمر لم يدخل في الشورى إلا من تحل له
الخلافة من قريش، فلم يكن أحد منا أحق بها من صاحبه إلا بإجماعنا عليه، إلا
إن علياً كان فيه ما فينا، ولم يكن فينا ما فيه؛ وهذا أمر قد كرهت أوله،
وكرهت آخره، فأما طلحة والزبير فلو لزما
بيوتهما لكان خيراً لهما، والله يغفر لأم المؤمنين ما أتت. والسلام. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
جرير
البجلي يفارق علياً عليه السلام
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قد أتينا على ما أردنا ذكره من حال أمير المؤمنين عليه السلام،
مذ قدم من حرب البصرة إلى الكوفة، وما جرى بينه وبين معاوية من المراسلات، وما
جرى بين معاوية وبين غيره من الصحابة من الاستنجاد والاستصراخ؛ وما أجابوه به؛
ونحن نذكر الآن ما جرى لجرير بن عبد الله عند عوده إلى أمير المؤمنين من تهمة
الشيعة له بممالأة معاوية عليهم، ومفارقته جنة أمير المؤمنين. وروى نصر، عن نمير بن
وعلة، عن الشعبي قال:
اجتمع جرير والأشتر عند علي عليه السلام، فقال
الأشتر: أليس قد نهيتك يا أمير المؤمنين أن تبعث جريراً، وأخبرتك بعداوته
وغشه! وأقبل الأشتر يشتمه، ويقول: يا أخا
بجيلة، إن عثمان اشترى منك دينك بهمدان، والله ما أنت بأهلٍ أن تترك تمشي فوق
الأرض، إنما أتيتهم لتتخذ عندهم يداً بمسيرك إليهم، ثم رجعت إلينا من عندهم،
تهددنا بهم، وأنت والله منهم، ولا أرى سعيك إلا لهم؛ لئن أطاعني فيك أمير
المؤمنين ليحبسنك وأشباههك في حبس لا تخرجون منه حتى تستتم هذه الأمور، ويهلك
الله الظالمين.
وذكر ابن قتيبة في المعارف، أن جريراً قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشرٍ من الهجرة في
شهر رمضان، فبايعه وأسلم، وكان
جرير صبيح الوجه جميلاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
كأن على وجهه مسحة ملك ". وكان عمر يقول:
جرير يوسف هذه الأمة. وكان طوالاً يفتل في ذروة البعير طوله، وكانت
نعله ذراعاً، وكان يخضب لحيته بالزعفران من الليل ويغسلها إذا أصبح، فتخرج مثل
لون التبر. واعتزل علياً عليه السلام ومعاوية، وأقام
بالجزيرة ونواحيها حتى توفي بالشراة سنة أربعٍ وخمسين في ولاية الضحاك ابن قيس
على الكوفة. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
لما
هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكان قد ابتاع سبي بني ناجية من عامل أمير المؤمنين عليه السلام
وأعتقه، فلما طالبه بالمال خاس به وهرب إلى الشام فقال : الأصل: قبح الله مصقلة! فعل فعل السادة، وفر
فرار العبيد، فما أنطق مادحه حتى أسكته، ولا صدق واصفه حتى بكته، ولو أقام لأخذنا
ميسوره، وانتظرنا بماله وفوره. والوفور. مصدر وفر المال: أي تم، ويجيء
متعدياً. ويروى موفوره، والموفور: التام،
وقد أخذ هذا المعنى بعض الشعراء فقال:
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من
هم بنو ناجية
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما القول في نسب بني ناجية، فإنهم ينسبون أنفسهم إلى سامة بن لؤي بن غالب بن فهر بن
مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن
عدنان. وقريش تدفعهم عن هذا النسب، ويسمونهم بني
ناجية - وهي أمهم -وهي امرأة سامة ابن لؤي بن غالب، ويقولون: إن سامة خرج
إلى ناحية البحرين مغاضباً لأخيه كعب بن لؤي في مماظة كانت بينهما، فطأطأت ناقته
رأسها لتأخذ العشب، فعلق بمشفرها أفعى، ثم عطفت على قتبها فحكته به، فدب الأفعى
على القتب حتى نهش ساق سامة فقتله، فقال أخوه كعب بن لؤي يرثيه:
قالوا:
وكانت معه امرأته ناجية، فما مات تزوجت رجلاً في البحرين، فولدت منه الحارث،
ومات أبوه وهو صغير، فلما ترعرع طمعت أمه أن تلحقه بقريش، فأخبرته أنه ابن سامة
بن لؤي بن غالب، فرحل من البحرين إلى مكة ومعه أمه،
فأخبر كعب بن لؤي أنه ابن أخيه سامة، فعرف كعب أمه ناجية، فظن أنه صادق في دعواه، فقبله ومكث عنده مدة؛ حتى
قدم مكة ركب من البحرين، فرأوا الحارث، فسلموا
عليه، وحادثوه، فسألهم كعب بن لؤي: من أين يعرفونه؟ فقالوا: هذا ابن رجلٍ
من بلدنا يعرف بفلان، وشرحوا له خبره، فنفاه كعب عن
مكة ونفى أمه، فرجعا إلى البحرين، فكانا هناك، وتزوج الحارث، فأعقب هذا العقب. وزعم الكلبي أن سامة بن لؤي ولد غالب بن سامة،
والحارث بن سامة - وأم غالب بن سامة ناجية - ثم هلك سامة، فخلف عليها ابنه
الحارث بن سامة، نكاح مقت ، ثم هلك ابنا سامة ولم يعقبا، وإن قوماً من بني ناجية بن جرم بن زبان بن علاف، ادعوا
أنهم بنو سامة بن لؤي، وأن أمهم ناجية هذه، ونسبوها هذا النسب، وانتموا
إلى الحارث بن سامة، وهم الذين باعهم علي عليه السلام على مصقلة بن هبيرة ، وهذا
هو قول الهيثم بن عدي. كل هذا ذكره أبو الفرج الأصفهاني في
كتاب الأغاني الكبير. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أخبار
علي بن الجهم
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن المنتسبين إلى سامة بن لؤي علي بن الجهم الشاعر، وهو علي بن
الجهم بن بدر بن جهم ابن مسعود بن أسيد بن
أذينة بن كراز بن كعب بن جابر بن مالك بن عتبة بن الحارث بن عبد البيت بن سامة
بن لؤي بن غالب.
وقد
هجاه أبو عبادة البحتري، فقال فيه:
وسمع أبو العيناء علي بن الجهم يوماً يطعن على أمير المؤمنين،
فقال له: أنا
أدري لم طعن على أمير المؤمنين! فقال: أتعني قصة بيعة أهلي من مصقلة بن هبيرة؟ قال: لا، أنت أوضع من ذلك، ولكنه عليه السلام قتل الفاعل من قوم لوط،
والمفعول به، وأنت أسفلهما.
ومن
شعر علي بن الجهم لما حبسه المتوكل:
يعني بالروافض:
نجاح بن مسلمة ، والنصار بختيشوع ، وأهل الاعتزال علي
بن يحيى بن المنجم.
-
أبو الوليد بن أحمد بن أبي دواد، وكان رتبه قاضياً -
وقال
يهجوه لما فلج:
وروى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني في ترجمة مروان بن أبي
حفصة الأصغر أن علي بن الجهم خطب امرأة من قريش، فلم يزوجوه، وبلغ المتوكل ذلك، فسأل عن السبب،
فحدث بقصة بني سامة بن لؤي، وأن أبا بكر وعمر لم يدخلاهم في قريش، وأن عثمان
أدخلهم فيها، وأن علياً عليه السلام أخرجهم
منها، فارتدوا، وأنه قتل من ارتد منهم، وسبى بقيتهم، فباعهم من مصقلة بن هبيرة،
فضحك المتوكل، وبعث إلى علي بن الجهم فأحضره، وأخبره بما قال القوم، وكان فيهم
مروان بن أبي الحفصة المكنى أبا السمط وهو مروان الأصغر، وكان المتوكل يغريه
بعلي بن الجهم، ويضعه على هجائه وثلبه ، فيضحك منهما، فقال مروان:
فغضب
علي بن الجهم، ولم يجبه، لأنه كان يستحقره، فأومأ إليه المتوكل أن يزيده، فقال:
فلم
يجبه ابن الجهم، فقال فيه أيضاً:
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نسب
مصقلة وخبر بني ناجية مع علي عليه السلام
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما نسب مصقلة بن هبيرة،
فإن ابن الكلبي، قد ذكره في جمهرة النسب فقال:
هو مصقلة بن هبيرة بن شبل بن يثربي بن امرئ القيس بن ربيعة بن مالك بن ثعلبة بن
شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى
بن دعمي، بن جديلة ابن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. حدثني محمد بن عبد الله بن عثمان، عن نصر بن مزاحم،
قال: حدثني عمر بن سعد، عمن حدثه ممن أدرك أمر بني ناجية، قال: لما بايع أهل البصرة
علياً بعد الهزيمة، دخلوا في الطاعة غير بني ناجية، فإنهم عسكروا، فبعث إليهم
علي عليه السلام رجلاً
من أصحابه في خيل ليقاتلهم، فأتاهم، فقال: ما بالكم عسكرتم، وقد دخل الناس في
الطاعة غيركم! فافترقوا ثلاث فرق: فرقة
قالوا: كنا نصارى فأسلمنا، ودخلنا فيما دخل الناس فيه من
الفتنة، ونحن نبايع كما بايع الناس، فأمرهم فاعتزلوا. وفرقة قالوا: كنا
نصارى فلم نسلم، وخرجنا مع القوم الذين كانوا خرجوا، قهرونا فأخرجونا كرهاً،
فخرجنا معهم فهزموا، فنحن ندخل فيما دخل الناس فيه، ونعطيكم الجزية كما
اعطيناهم؛ فقال: اعتزلوا فاعتزلوا. وفرقة قالوا: كنا
نصارى فأسلمنا فلم يعجبنا الإسلام، فرجعنا إلى النصرانية، فنحن نعطيكم الجزية
كما أعطاكم النصارى. فقال لهم: توبوا وارجعوا إلى
الإسلام، فأبوا، فقتل مقاتلهم وسبى ذراريهم، وقدم بهم على علي عليه السلام. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أخبار
الخريت بن راشد الناجي
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال ابن هلال الثقفي: وروى
محمد بن عبد الله بن عثمان، عن أبي سيف، عن الحارث بن كعب الأزدي، عن عمه عبد
الله بن قعين الأزدي، قال: كان الخريت بن راشد الناجي،
أحد بني ناجية، قد شهد مع علي عليه
السلام صفين، فجاء إلى علي عليه السلام بعد انقضاء صفين، وبعد تحكيم الحكمين في ثلاثين من أصحابه، يمشي
بينهم حتى قام بين يديه، فقال: لا والله لا أطيع أمرك، ولا
أصلي خلفك، وإني غداً لمفارق لك، فقال له: ثكلتك
أمك! إذاً تنقض عهدك، وتعصي ربك، ولا تضر إلا نفسك، أخبرني لم تفعل ذلك! قال: لأنك حكمت في
الكتاب وضعفت عن الحق إذ جد الجد، وركنت إلى القوم الذين ظلموا أنفسهم، فأنا عليك راد، وعليهم ناقم، ولكم جميعاً مباين. فقال علي عليه السلام:
اغد ولا يستهوينك الشيطان، ولا يتقحمن بك رأي السوء، ولا يستخفنك الجهلاء الذين
لا يعلمون؛ فوالله إن استرشدتني واستنصحتني وقبلت مني لأهدينك سبيل الرشاد. إن ابن عمك كان فيه ما قد ذكر لك، فاخل به فاردد
عليه رأيه وعظم عليه ما أتى؛ واعلم أني خائف إن فارق أمير المؤمنين أن يقتلك
ونفسه وعشيرته فقال: جزاك الله خيراً من أخٍ! إن
أراد فراق أمير المؤمنين عليه السلام ففي ذلك هلاكه، وإن اختار مناصحته والإقامة معه ففي ذلك حظه
ورشده. قال: فأردت الرجوع
إلى علي عليه السلام، لأعلمه الذي كان، ثم اطمأننت إلى قول صاحبي، فرجعت إلى
منزلي، فبت ثم أصبحت، فلما ارتفع النهار أتيت أمير
المؤمنين عليه السلام، فجلست عنده ساعة؛ وأنا أريد أن أحدثه بالذي كان على خلوة،
فأطلت الجلوس، ولا يزداد الناس إلا كثرة، فدنوت منه، فجلست وراءه، فأصغى إلي
برأسه، فأخبرته بما سمعته من الخريت، وما قلت لابن
عمه وما رد علي، فقال عليه
السلام: دعه؛ فإن قبل الحق ورجع عرفنا له
ذلك وقبلناه منه، فقلت: يا أمير المؤمنين، فلم لا تأخذه
الآن فتستوثق منه؟ فقال: إنا لو فعلنا هذا بكل من
يتهم الناس ملأنا السجون منهم، ولا أراني يسعني الوثوب بالناس والحبس لهم
وعقوبتهم حتى يظهروا لي الخلاف. أما والله
لو قد أشرعت لهم الأسنة، وصبت على هامهم السيوف، لقد ندموا؛ إن الشيطان قد
استهواهم وأضلهم وهو غداً متبرئ منهم، ومخل عنهم، فقام
إليه زياد بن خصفة، فقال: يا أمير المؤمنين؛ إنه لو لم يكن من مضرة هؤلاء إلا
فراقهم إيانا لم يعظم فقدهم علينا، فإنهم قلما يزيدون في عددنا لو أقاموا معنا،
وقلما ينقصون من عددنا بخروجهم منا، ولكنا نخاف أن يفسدوا علينا جماعة
كثيرة ممن يقدمون عليهم من أهل طاعتك، فائذن لي في أتباعهم حتى أردهم عليك إن
شاء الله. فوالله ما
كان إلا ساعة حتى اجتمع إليه مائة وثلاثون رجلاً، فقال: اكتفينا لا نريد أكثر من
هؤلاء، فخرج حتى قطع الجسر، ثم أتى دير أبي موسى فنزله، فأقام به بقية يومه ذلك،
ينتظر أمر أمير المؤمنين عليه السلام. لعبد الله علي أمير المؤمنين من قرظة بن كعب، سلام
عليك؛ فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما
بعد: فإني أخبر أمير المؤمنين، أن
خيلاً مرت من قبل الكوفة متوجهة نحو نفر وإن رجلاً من دهاقين أسفل الفرات قد
أسلم وصلى؛ يقال له: زاذان فروخ، أقبل من عند أخوال له فلقوه، فقالوا له: أمسلم
أنت أم كافر؟ قال: بل مسلم، قالوا: فما تقول في علي؟ قال: أقول فيه خيراً، أقول: إنه أمير
المؤمنين عليه السلام وسيد البشر ووصي رسول الله صلى
الله عليه وسلم. فقالوا: كفرت يا عدو الله! ثم حملت
عليه عصابة منهم، فقطعوه بأسيافهم، وأخذوا معه رجلاً من أهل الذمة يهودياً،
فقالوا له: ما دينك؟ قال: يهودي، فقالوا: خلوا سبيل هذا، لا سبيل لكم عليه،
فأقبل إلينا ذلك الذمي، فأخبرنا الخبر، وقد سألت عنهم، فلم يخبرني أحد عنهم
بشيء، فليكتب إلي أمير المؤمنين فيهم برأيٍ أنته إليه، إن شاء الله. فالزم عملك وأقبل على خراجك، فإنك كما ذكرت في
طاعتك ونصيحتك، والسلام. قال: فوالله ما أحب أن لي بمقالته تلك حمر النعم، فقلت
له: يا أمير المؤمنين، أنا والله كذلك من أولئك؛ أنا والله حيث تحب. فقال له زياد ابن خصفة: بل مع الله وكتابه وسنة
رسوله، ومع من الله ورسوله وكتابه آثر عنده من الدنيا ثواباً ولو أنها منذ يوم
خلقت إلى يوم تفنى لآثر الله عليها. أيها العمي الأبصار، الصم الأسماع! فقال الخريت: فأخبرونا ما تريدون؟ فقال له زياد - وكان مجرباً رفيقاً: قد ترى ما بنا
من النصب واللغوب ، والذي جئنا له لا يصلح فيه الكلام علانية على رؤوس أصحابك؛
ولكن تنزلون وننزل، ثم نخلو جميعاً، فنتذاكر أمرنا وننظر فيه؛ فإن رأيت فيما
جئنا له حظاً لنفسك قبلته؛ وإن رأيت فيما أسمع منك أمراً أرجو فيه العافية لنا
ولك لم أرده عليك. وقال لنا زياد:
علقوا على خيولكم، فعلقنا عليها مخاليها، ووقف زياد في خمسة فوارس، أحدهم عبد
الله بن وألٍ بيننا وبين القوم، وانطلق القوم فتنحوا، فنزلوا وأقبل إلينا زياد،
فلما رأى تفرقنا وتحلقنا، قال: سبحان الله! أنتم
أصحاب حرب! والله لو أن هؤلاء جاؤوكم الساعة على هذه الحالة ما
أرادوا من غرتكم أفضل من أعمالكم التي أنتم عليها؛ عجلوا، قوموا إلى خيولكم.
فأسرعنا فمنا من يتوضأ، ومنا من يشرب، ومنا من يسقي فرسه، حتى إذا فرغنا من ذلك
أتينا زياداً، وإن في يده لعرقاً ينهسه، فنهس منه نهستين أو ثلاثة، ثم أتى
بإداوة فيها ماء، فشرب ثم ألقى العرق من يده، وقال: يا هؤلاء، إنا قد لقينا
العدو، وإن القوم لفي عدتكم، ولقد حزرتهم فما أظن أحد الفريقين يزيد على الآخر
خمسة أنفر، فإني أرى أمركم وأمرهم سيصير إلى
القتال؛ فإن كان ذلك فلا تكونوا أعجز الفريقين. ثم استقدم أمامنا وأنا معه، فسمعت رجلاً من القوم يقول: جاءكم القوم وهم كالون معيون،
وأنتم جامون مريحون، فتركتموهم حتى نزلوا فأكلوا وشربوا، وأراحوا دوابهم؛ هذا
والله سوء الرأي. فدعوت له
ثلاثة، فكنا خمسة وهم خمسة. فقال: لم أرض صاحبكم إماماً، ولم أرض بسيرتكم
سيرة، فرأيت أن أعتزل، وأكون مع من يدعو إلى الشورى بين الناس؛
فإذا اجتمع الناس على رجل هو لجميع الأمة رضاً كنت مع الناس. فقال زياد: ويحك!
وهل يجتمع الناس على رجل يداني علياً عالماً بالله وبكتابه وسنة رسوله، مع
قرابته وسابقته في الإسلام! فقال الخريت: هو
ما أقول لك، فقال: ففيم قتلتم الرجل المسلم؟ فقال الخريت:
ما أنا قتلته، قتلته طائفة من أصحابي، قال: فادفعهم إلينا قال: ما إلى ذلك من سبيل، قال: أو هكذا أنت فاعل! قال: هو ما تسمع. ثم إنا
بتنا في جانب وتنحوا، فمكثوا ساعة من الليل ثم
مضوا، فذهبوا وأصبحنا، فوجدناهم قد ذهبوا؛ فوالله ما كرهنا ذلك؛ فمضينا حتى أتينا البصرة، وبلغنا أنهم أتوا الأهواز ، فنزلوا في جانب منها، وتلاحق
بهم ناس من أصحابهم نحو مائتين كانوا معهم بالكوفة، لم يكن لهم من القوة ما
ينهضون به معهم حين نهضوا؛ فاتبعوهم من بعد لحوقهم بالأهواز، فأقاموا معهم. قال: فقال عليه السلام له: تجهز يا معقل
إليهم، وندب معه ألفين من أهل الكوفة، فيهم يزيد بن معقل، وكتب إلى عبد الله بن
العباس بالبصرة رحمه الله تعالى: أما بعد،
فابعث رجلاً من قبلك صليباً شجاعاً، معروفاً بالصلاح في ألفي رجل من أهل البصرة،
فليتبع معقل بن قيس؛ فإذا خرج من أرض البصرة، فهو
أمير أصحابه حتى يلقى معقلاً، فإذا لقيه فمعقل أمير الفريقين، فليسمع منه
وليطعه ولا يخالفه؛ ومر زياد بن خصفة فليقبل إلينا،
فنعم المرء زياد، ونعم القبيل قبيله! والسلام. وأيسر ثواب
الله للمؤمن خير له من الدنيا التي يقبل الجاهلون بأنفسهم عليها، ف " ما عندكم ينفد وما عند الله باقٍ ولنجزين الذي
صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " : وأما عدوكم الذين لقيتم
فحسبهم خروجهم من الهدى، وارتكاسهم في الضلالة، وردهم الحق، وجماحهم في التيه،
فذرهم وما يفترون، ودعهم في طغيانهم يعمهون، فأسمع بهم وأبصر، فكأنك بهم عن قليل
بين أسير وقتيل، فأقبل إلينا أنت وأصحابك مأجورين،
فقد أطعتم وسمعتم، وأحسنتم البلاء. والسلام. فقال معقل: الله المستعان، فقال: خير مستعان. فقام إليه أخي كعب بن قعين فقال: أصبت إن شاء الله
رأينا رأيك، وإني لأرجو أن ينصرنا الله عليهم، وإن كانت الأخرى؛ فإن في الموت
على الحق لتعزية عن الدنيا. فقال: سيروا على بركة الله. فسرنا، فوالله ما زال
معقل بن قيس لي ولأخي مكرماً واداً، ما يعدل بنا أحداً من الجند، ولا يزال يقول
لأخي: كيف قلت: إن في الموت على الحق لتعزية عن الدنيا! صدقت والله وأحسنت، ووقفت وفقك الله! قال: فوالله ما سرنا يوماً؛ وإذا بقبيح يشتد بصحيفة في يده: من عبد الله بن عباس إلى معقل بن قيس، أما بعد فإن
أدركك رسولي بالمكان الذي كنت مقيماً به، أو أدركك وقد شخصت منه، فلا تبرحن من
المكان الذي ينتهي إليك رسولي وأنت فيه، حتى يقدم عليك بعثنا الذي وجهناه إليك، فقد وجهت إليك خالد بن معدان الطائي، وهو من أهل
الدين والصلاح والنجدة، فاسمع منه واعرف ذلك له إن شاء الله والسلام. وأقمنا حتى قدم علينا
خالد بن معدان الطائي، وجاءنا حتى دخل على صاحبنا، فسلم عليه بالإمرة، واجتمعنا جميعاً في عسكر واحد،
ثم خرجنا إلى الناجي وأصحابه، فأخذوا يرتفعون نحو
جبال رامهرمز ، يريدون قلعة حصينة، وجاءنا أهل البلد. فأخبرونا بذلك، فخرجنا في آثارهم فلحقناهم، وقد
دنوا من الجبل، فصفقنا لهم، ثم أقبلنا نحوهم، فجعل
معقل على ميمنته يزيد بن المعقل الأزدي، وعلى
ميسرته منجاب بن راشد الضبي، ووقف الخريت بن
راشد الناجي بمن معه من العرب، فكانوا ميمنة، وجعل أهل البلد والعلوج ومن
أراد كسر الخراج وجماعة من الأكراد ميسرة. قال: وسار فينا معقل يحرضنا، ويقول:
يا عباد الله، لا تبدؤوا القوم، وغضوا الأبصار، وأقلوا الكلام، ووطنوا أنفسكم
على الطعن والضرب، وأبشروا في قتالهم بالأجر العظيم، إنما تقاتلون مارقةً مرقت
وعلوجاً منعوا الخراج، ولصوصاً وأكراداً، فما تنتظرون! فإذا حملت فشدوا شدة رجل
واحد. أما بعد،
فإنا لقينا المارقين؛ وقد استظهروا علينا بالمشركين؛ فقتلنا منهم ناساً كثيراً ولم نعد فيهم سيرتك فلن نقتل منهم مدبراً ولا أسيراً؛ ولم
نذفف منهم على جريح، وقد نصرك الله والمسلمين، والحمد
لله رب العالمين. قالوا: نرى أن تكتب إلى معقل بن قيس، يتبع آثارهم، ولا
يزال في طلبهم حتى يقتلهم أو ينفيهم من أرض الإسلام؛ فإنا لا نأمن أن يفسدوا
عليك الناس. من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من قرئ عليه
كتابي هذا؛ من المسلمين والمؤمنين والمارقين والنصارى والمرتدين. سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله
ورسوله وكتابه، والبعث بعد الموت وافياً بعهد الله، ولم يكن من الخائنين، أما
بعد
فإني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، وأن أعمل فيكم بالحق وبما أمر الله تعالى
في كتابه، فمن رجع منكم إلى رحله وكف يده، واعتزل هذا المارق الهالك المحارب؛
الذي حارب الله ورسوله والمسلمين، وسعى في
الأرض فساداً، فله الأمان على ماله ودمه. ومن تابعه
على حربنا والخروج من طاعتنا، استعنا بالله عليه،
وجعلناه بيننا وبينه، وكفى بالله ولياً. والسلام. فخلى
سبيلهم، وسبيل عيالاتهم، إلا شيخاً نصرانياً يقال
له: الرماحس بن منصور؛ فإنه قال: والله ما زلت مصيباً مذ عقلت، إلا في
خروجي من ديني؛ دين الصدق، إلى دينكم، دين السوء؛ لا
والله لا أدع ديني ولا أقرب دينكم ما حييت. قال: فلقد رحمتهم رحمة ما رحمتها
أحداً قبلهم ولا بعدهم. وكتب معقل إلى علي عليه السلام: أما
بعد، فإني أخبر أمير المؤمنين عن جنده وعن عدوه أنا دفعنا إلى عدونا بأسياف
البحر، فوجدنا بها قبائل ذات حد وعدد، وقد جمعوا لنا، فدعوناهم إلى الجماعة
والطاعة، وإلى حكم الكتاب والسنة؛ وقرأنا عليهم
كتاب أمير المؤمنين عليه السلام، ورفعنا لهم راية أمان، فمالت إلينا طائفة منهم،
وثبتت طائفة أخرى، فقبلنا أمر التي أقبلت، وصمدنا إلى التي أدبرت، فضرب
الله وجوههم، نصرنا عليهم، فأما من كان مسلماً، فإنا
مننا عليه، وأخذنا بيعته لأمير المؤمنين، وأخذنا منهم الصدقة التي كانت عليهم، وأما من ارتد فعرضنا عليهم الرجوع إلى الإسلام،
وإلا قتلناهم؛ فرجعوا إلى الإسلام، غير رجل واحد
فقتلناه، وأما النصارى؛ فإنا سبيناهم وأقبلنا بهم؛ ليكونوا نكالاً لمن بعدهم من أهل الذمة، كي لا يمنعوا
الجزية، ولا يجترئوا على قتال أهل القبلة، وهم للصغار والذلة أهل. رحمك الله يا أمير المؤمنين، وعليك
الصلاة والسلام، وأوجب لك جنات النعيم. والسلام. فبلغ قوله معقل بن قيس، فقال: والله لو أعلمه
قالها توجعاً لهم وإزراء علي لضربت عنقه،
وإن كان في ذلك فناء بني تميم وبكر بن وائل. وبلغ علياً عليه السلام أن مصقلة خلى
الأسارى ولم يسألهم أن يعينوه في فكاك أنفسهم بشيء، فقال: ما
أرى مصقلة إلا قد حمل حمالة، ولا أراكم إلا
سترونه عن قريب مبلدحاً ، ثم كتب إليه: أما
بعد، فإن أعظم الخيانة خيانة الأمة، وأعظم
الغش على أهل المصر غش الإمام، وعندك من حق المسلمين خمسمائة ألف درهم، فابعث بها
إلي حين يأتيك رسولي، وإلا فأقبل إلي حين تنظر في كتابي، فإني قد تقدمت إلى رسولي ألا يدعك ساعة واحدة تقيم بعد
قدومه عليك، إلا أن تبعث بالمال. والسلام. فسكت ساعة،
وسكت عنه؛ فمكث ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتى لحق
بمعاوية. وكان أخوه نعيم بن هبيرة الشيباني شيعةً لعلي عليه السلام، مناصحاً، فكتب إليه
مصقلة من الشام مع رجل من نصارى تغلب، يقال له حلوان: أما بعد،
فإني كلمت معاوية فيك، فوعدك الكرامة، ومناك الإمارة، فأقبل ساعة تلقى رسولي. والسلام.
فلما
بلغ الكتاب إليه علم أن النصراني قد هلك، ولم
يلبث التغلبيون إلا قليلاً حتى بلغهم هلاك صاحبهم،
فأتوا مصقلة، فقالوا: أنت أهلكت صاحبنا، فإما أن
تجيئنا به، وإما أن تديه، فقال: أما أن أجيء به، فلست أستطيع ذلك، وأما أن أديه
فنعم، فوداه.
وقال
ظبيان أيضاً:
قال إبراهيم بن هلال: وروى عبد الرحمن بن
حبيب، عن أبيه، أنه لما بلغ علياً عليه السلام مصاب بني ناجية، وقتل صاحبهم،
قال: هوت أمه! ما كان أنقص عقله وأجرأه! إنه جاءني مرة فقال: إن في أصحابك رجالاً قد خشيت أن
يفارقوك، فما ترى فيهم؟ فقلت: إني لا آخذ
على التهمة، ولا أعاقب على الظن، ولا أقاتل إلا من خالفني وناصبني، وأظهر
العداوة لي؛ ثم لست مقاتله حتى أدعوه وأعذر إليه؛ فإن تاب ورجع قبلنا منه، وإن
أبى إلا الاعتزام على حربنا استعنا بالله عليه، وناجزناه. كف عني ما شاء الله، ثم
جاءني مرة أخرى، فقال لي: إني قد خشيت أن يفسد عليك عبد الله بن وهب وزيد
بن حصين الطائي، إني سمعتهما يذكرانك بأشياء لو سمعتهما لم تفارقهما حتى تقتلهما
أو توثقهما، فلا يزالان بمحبسك أبداً. فقلت له: إني مستشيرك
فيهما، فماذا تأمرني به؟ قال: إني آمرك أن تدعو بهما فتضرب رقابهما، فعلمت أنه لا ورع له ولا عقل. فقلت له: والله ما أظن
لك ورعاً ولا عقلاً، لقد كان ينبغي لك أن تعلم أني لا أقتل من لم يقاتلني، ولم
يظهر لي عداوته للذي كنت أعلمتكه من رأيي، حيث جئتني في
المرة الأولى؛ ولقد كان ينبغي لك - لو أردت قتلهم - أن تقول لي: اتق الله! بم تستحل قتلهم ولم يقتلوا أحداً، ولم ينابذوك ولم
يخرجوا من طاعتك! فأما ما
يقوله الفقهاء في مثل هذا السبي، فقبل أن نذكر ذلك نقول: إن الرواية
قد اختلف في المرتدين من بني ناجية، فالرواية الأولى التي
رواها محمد بن عبد الله بن عثمان، عن نصر ابن مزاحم، تتضمن أن الأمير
الذي من قبل علي عليه السلام قتل مقاتلة المرتدين منهم بعد امتناعهم من العود
إلى الإسلام، وسبى ذراريهم، فقدم بها على علي عليه
السلام؛ فعلى هذه الرواية يكون الذين اشتراهم مصقلة ذراري أهل الردة. قيل: إذا ارتد
الزوجان فحملت منه في حال الردة وأتت بولد كان محكوماً بكفره؛ لأنه ولد بين
الكافرين. وأما الرواية الثانية، فإن كانت هي الصحيحة - وهو الأولى - فالفقه في المسألة أن الذمي إذا حارب المسلمين فقد نقض عهده، فصار كالمشركين الذين في دار الحرب، فإذا ظفر به الإمام جاز استرقاقه وبيعه، وكذلك إذا امتنع من أداء الجزية أو امتنع من التزام أحكام الإسلام. وإن لم
يشترط ذلك في عقد الذمة، لم ينتقض عهدهم بذلك. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
خطبة له في الزهد وتعظيم الله
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: الحمد لله
غير مقنوطٍ من رحمته، ولا مخلو من نعمته، ولا مأيوسٍ من مغفرته، ولا مستنكفٍ عن
عبادته؛ الذي لا تبرح منه رحمة، ولا تفقد له نعمة. أحدهما حمد
الله والثناء عليه إلى قوله: ولا تفقد له نعمة، والفصل
الثاني ذكر الدنيا إلى آخر الكلام. وأحدهما غير مختلط بالآخر ولا منسوقٍ عليه، ولكن الرضي رحمه الله تعالى يلتقط كلام أمير المؤمنين عليه السلام التقاطاً، ولا يقف مع الكلام المتوالي؛ لأن
غرضه ذكر فصاحته عليه السلام لا غير، ولو أتى بخطبه كلها
على وجهها لكانت أضعاف كتابه الذي جمعه. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الموازنة
والسجع
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكذلك لو قال: لا
تزول منه رحمة، فإن تزول ليست في المماثلة والموازنة لتفقد كتبرح، ألا ترى أنها معتلة، وتلك صحيحة! وكذلك لو قال: لا تبرح رحمة ولا يفقد إنعام، فإن
إنعاماً ليس في وزن رحمة، والموازنة مطلوبة في الكلام الذي يقصد فيه الفصاحة،
لأجل الإعتدال الذي هو مطلوب الطبع في جميع الأشياء، والموازنة
أعم من السجع، لأن السجع تماثل أجزاء الفواصل لو أوردها على حرف واحد،
نحو القريب، والغريب، والنسيب، وما أشبه ذلك. وأما
الموازنة فنحو القريب والشديد، والجليل، وما كان على هذا الوزن وإن لم يكن الحرف
الآخر بعينه واحداً، وكل سجع موازنة، وليس كل
موازنة سجعاً، ومثال ذلك في الكتاب العزيز: "وآتيناهما الكتاب المستبين وهديناهما الصراط
المستقيم " ؛ وقوله تعالى: "
ليكونوا لهم عزاً "، ثم قال: "
ويكونون عليهم ضداً "، ثم قال: "
تؤزهم أزاً " ثم قال: " نعد لهم
عداً " فهذه الموازنة.
فقوله:
وأعزهم بإزاء أشدهم، وقوله: فقداً بإزاء
بأساً. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
التحذير
من مفاتن الدنيا
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما الفصل فيشتمل على التحذير من
الدنيا، وعلى الأمر بالقناعة، والرضا بالكفاف، فأما التحذير من الدنيا فقد ذكرنا ونذكر منه ما
يحضرنا؛ وأما القناعة فقد ورد فيها شيء كثير. وفي بعض الكتب الإلهية القديمة: يقول الله تعالى:
" يابن آدم، أتخاف أن أقتلك بطاعتي هزلاً، وأنت تتفتق بمعصيتي سمناً!
". عباد
بن منصور: لقد كان بالبصرة من هو أفقه من عمرو بن عبيد
وأفصح؛ ولكنه كان أصبرهم عن الدينار والدرهم، فساد أهل البصرة. عبد الواحد بن زيد:
ما أحسب شيئاً من الأعمال يتقدم الصبر إلا الرضا والقناعة، ولا أعلم درجةً أرفع
من الرضا، وهو رأس المحبة. قال ابن شبرمة في محمد بن واسع: لو أن إنساناً اكتفى بالتراب لاكتفى به. فترك الدنيا
وانقطع إلى العبادة، وقعد يبيع البقل، فدخل عليه الفضيل وابن عيينة، فإذا
تحت رأسه لبنة، وليس تحت جنبه حصير، فقالا له: إنا روينا أنه لم يدع أحد شيئاً
لله إلا عوضه خيراً منه، فما عوضك؟ قال: القناعة والرضا بما أنا فيه.
في الحديث الصحيح المرفوع: " إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى
تستكمل رزقها، فأجملوا في الطلب "، من كلام
الحكماء: من ظفر بالقناعة فقد ظفر بالكيمياء الأعظم. ابن مسعود، رفعه: " إنه ليس أحد بأكيس من أحد، قد
كتب النصيب والأجل، وقسمت المعيشة والعمل، والناس يجرون منهما إلى منتهىً معلوم
".
فكيف
خرجت من الحجاز إلى الشام تطلب الرزق! ثم اشتغل عنه، فخرج وقعد على ناقته ونصها
راجعاً إلى الحجاز، فذكره هشام في الليل، فسأل عنه فقيل: إنه رجع إلى الحجاز،
فتذمر وندم، وقال: رجل قال حكمة، ووفد علي
مستجدياً، فجبهته، ورددته! ثم وجه إليه بألفي درهم، فجاء الرسول وهو بالمدينة،
فدفعها إليه، فقال له: قل لأمير المؤمنين،
كيف رأيت! سعيت فأكديت، وقعدت في منزلي فأتاني رزقي.
عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أردت اللحوق بي فيكفيك من
الدنيا زاد الراكب، ولا تخلقي ثوباً حتى ترقعيه؛ وإياك ومجالسة الأغنياء ".
أوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه: " أتدري لم رزقت الأحمق؟ " قال: لا، قال: "
ليعلم العاقل أن طلب الرزق ليس بالاحتيال ".
وقف بعض الملوك على سقراط وهو في المشرقة ، فقال له: سل حاجتك، قال: حاجتي أن تزيل عني
ظلك، فقد منعتني الرفق بالشمس، فأحضر له ذهباً وكسوة ديباج، فقال: إنه لا حاجة
بسقراط إلى حجارة الأرض ولعاب الدود؛ إنما حاجته إلى أمر يصحبه حيثما توجه.
قال عمر بن الخطاب لعلي بن أبي طالب عليه السلام: قد مللت الناس، وأحببت أن ألحق بصاحبي، فقال: إن سرك اللحوق
بهما فقصر أملك، وكل دون الشبع، واخصف النعل وكن كميش الإزار، مرقوع القميص،
تلحق بهما.
قيل لعلي عليه السلام:
لو سد على رجلٍ باب بيت وترك فيه، من أين كان يأتيه رزقه؟ قال: من حيث كان يأتيه
أجله، قال بعض الشعراء:
جاء فتح بن شخرف إلى منزله بعد العشاء، فلم يجد عندهم ما يتعشى
به، ولا وجد دهناً للسراج وهم في الظلمة، فجلس ليلةً يبكي من الفرح، ويقول: بأي يد قد كانت مني، بأي طاعة تنعم
علي بأن أترك على مثل بأن أترك على مثل هذه الحال! لقي هرم بن حيان أويساً القرني، فقال: السلام عليك يا أويس بن عامر! فقال:
وعليك السلام يا هرم بن حيان، فقال هرم: أما إني
عرفتك بالصفة، فكيف عرفتني؟ قال: إن أرواح المؤمنين لتشام كما تشام
الخيل، فيعرف بعضها بعضاً. منصور الفقيه:
أعرابي:
قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: " إياك والطمع؛ فإنه فقر حاضر،
وعليك باليأس مما في أيدي الناس ".
خالد بن صفوان: كن أحسن ما تكون في الظاهر حالاً، أقل ما تكون في الباطن
مآلاً، فإن الكريم من كرمت عند الحاجة خلته ، واللئيم من لؤمت عند الفاقة طعمته.
بعض الحكماء:
ينبغي للعاقل أن يكون في دنياه كالمدعو إلى الوليمة، إن أتته صحفة تناولها، وإن
جازته لم يرصدها ولم يطلبها. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
عند
عزمه على المسير إلى الشام
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: اللهم إني
أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر، في الأهل والمال والولد. اللهم أنت الصاحب في السفر، وأنت الخليفة في الأهل،
ولا يجمعهما غيرك، لأن المستخلف لا يكون مستصبحاً،
والمستصحب لا يكون مستخلفاً. والكآبة: الحزن، والمنقلب، مصدر من انقلب منقلباً،
أي رجع، وسوء المنظر: قبح المرأى. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ما
قاله عليه السلام يوم خروجه من الكوفة
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال نصر: لما
وضع علي عليه السلام رجله في ركاب دابته يوم خرج من الكوفة إلى صفين، قال: بسم
الله؛ فلما جلس على ظهرها، قال: " سبحان الذي
سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون " ، اللهم
إني أعوذ بك من وعثاء السفر... إلى آخر الفصل. وزاد فيه نصر: ومن
الحيرة بعد اليقين. قال:
ثم خرج أمامه الحر بن سهم بن طريف، وهو يرتجز ويقول:
قال: وقال حبيب بن مالك، وهو على شرطة علي عليه السلام، وهو آخذ
بعنان دابته:
يا أمير المؤمنين، أتخرج بالمسلمين فيصيبوا أجر الجهاد بالقتال، وتخلفني بالكوفة
لحشر الرجال! فقال عليه السلام: إنهم لن يصيبوا من الأجر شيئاً إلا كنت شريكهم فيه؛ وأنت
ها هنا أعظم غناء عنهم منك لو كنت معهم. فخرج علي عليه
السلام، حتى إذا حاذى الكوفة صلى ركعتين. ثم أقحم دابته النهر، فعبر إلى تلك البيعة
فنزلها، ومكث قدر الغداء. فحرك
دابته، وحرك الناس دوابهم في أثره، فلما جاز جسر الفرات، نزل فصلى بالناس العصر. قال: فنزل علي عليه السلام، فنزلت معه، قال: فدعا الله، فرجعت
الشمس كمقدارها من صلاة العصر. قال:
فصليت العصر، ثم غابت الشمس، ثم خرج حتى أتى دير كعب، ثم خرج منه فبات بساباط،
فأتاه دهاقينها يعرضون عليه النزل والطعام، فقال: لا، ليس ذلك عليكم. فلما أصبح
وهو بمظلم ساباط ، قرأ: " أتبنون بكل ريعٍ آية
تعبثون " .
قال:
فبلغ ذلك علياً عليه السلام، فقال:
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
علي
عليه السلام في كربلاء واهاً لك يا تربة
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال نصر: وحدثنا منصور بن سلام التميمي، قال: حدثنا حيان التيمي، عن أبي عبيدة، عن هرثمة بن سليم،
قال: غزونا مع علي عليه السلام صفين، فلما نزل بكربلاء صلى بنا، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها، ثم قال:
واهاً لك يا تربة! ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب. قال: لما نزلنا كربلاء، وقد أخذ حفنة من تربتها
فشمها، وقال: واهاً لك أيتها التربة! ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير
حساب، وما علمه بالغيب؟ فقالت المرأة له:
دعنا منك أيها الرجل، فإن أمير المؤمنين عليه
السلام لم يقل إلا حقاً. قال: فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين عليه
السلام، كنت في الخيل
التي بعث إليهم؛ فلما انتهيت إلى الحسين عليه السلام وأصحابه،
عرفت المنزل الذي نزلنا فيه مع علي عليه السلام، والبقعة التي
رفع إليه من تربتها والقول الذي قاله، فكرهت مسيري، فأقبلت على فرسي حتى
وقفت على الحسين عليه السلام فسلمت
عليه، وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل؛ فقال
الحسين: أمعنا أم علينا؟ فقلت: يابن رسول الله، لا معك، ولا عليك؛ تركت ولدي
وعيالي أخاف عليهم من ابن زياد، فقال الحسين عليه السلام:
فول هرباً حتى لا ترى مقتلنا، فوالذي نفس حسين بيده لا يرى اليوم مقتلنا أحد ثم لا يعيننا
إلا دخل النار. فقال له رجل: وما ذاك
يا أمير المؤمنين؟ فقال: ثقل لآل محمد ينزل ههنا، فويل لهم منكم، وويل لكم منهم! فقال له الرجل: ما معنى هذا الكلام يا أمير
المؤمنين؟ قال: ويل لهم منكم تقتلونهم، وويل
لكم منهم يدخلكم الله بقتلهم النار. فقال: ترونهم يقتلون لا تستطيعون
نصرتهم. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مفارقة
علي والمسير إلى الشام
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وينبغي أن نذكر ههنا ابتداء عزمه على مفارقة الكوفة، والمسير إلى الشام وما خاطب به
أصحابه، وما خاطبوه به، وما كاتب به العمال وكاتبوه جواباً عن كتبه، وجميع ذلك منقول من كتاب نصر بن مزاحم. فقال أشياخ الأنصار، منهم خزيمة بن ثابت وأبو أيوب؛ وغيرهما: لم تقدمت أشياخ قومك وبدأتهم بالكلام
يا قيس؟ فقال: أما إني عارف بفضلكم، معظم لشأنكم؛ ولكني وجدت في نفسي الضغن الذي
في صدوركم جاش حين ذكرت الأحزاب. فقام رجل من بني فزارة، فقال له: أتريد أن تسير بنا إلى أخواننا من أهل الشام فنقتلهم لك، كما سرت بنا إلى أخواننا من أهل البصرة فقتلتهم! كلا،
ها الله إذاً لا نفعل ذلك فقام الأشتر، فقال:
من هذا المارق! فهرب الفزاري،
واشتد الناس على أثره، فلحق في مكانٍ من السوق تباع فيه البراذين ، فوطئوه
بأرجلهم، وضربوه بأيديهم ونعال سيوفهم حتى قتل؛ فأتى
علي عليه السلام، فقيل له: يا
أمير المؤمنين، قتل الرجل، قال: ومن قتله؟ قالوا:
قتلته همدان ومعهم شوب من الناس، فقال: قتيل
عمية ، لا يدرى من قتله! ديته من بيت مال
المسلمين، فقال بعض بني تيم اللات ابن ثعلبة:
فقام الأشتر، فقال: يا أمير المؤمنين، لا يهدنك ما رأيت، ولا يؤيسنك من نصرنا ما
سمعت من مقالة هذا الشقي الخائن؛ إن جميع من ترى من الناس شيعتك، لا يرغبون
بأنفسهم عن نفسك، ولا يحبون البقاء بعدك، فإن شئت فسر بنا إلى عدوك، فوالله ما
ينجو من الموت من خافه، ولا يعطى البقاء من أحبه، وإنا
لعلى بينة من ربنا، وإن أنفسنا لن تموت حتى يأتي أجلها. وكيف لا نقاتل قوماً هم كما وصف أمير
المؤمنين، وقد وثبت عصابة منهم على طائفة من المسلمين بالأمس، وباعوا خلاقهم
بعرضٍ من الدنيا يسير! فقال علي عليه السلام: الطريق مشترك، والناس في الحق سواء، ومن اجتهد رأيه في
نصيحة العامة، فقد قضى ما عليه. ثم نزل فدخل منزله. وقال ابن المعتم مثل
قوله، وتكلم
القوم الذين دخلوا معهما بمثل كلامهما، فحمد الله
وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإن الله وارث العباد والبلاد، ورب السموات
السبع، والأرضين السبع، وإليه ترجعون، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن
يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، أما الدبرة، فإنها على الضالين العاصين ظفروا أو ظفر بهم، وايم الله إني لأسمع كلام قوم
ما أراهم يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً. وقام من بني عبس قائد بن بكير وعياش بن ربيعة العبسيان، فقالا: يا أمير المؤمنين إن صاحبنا عبد الله بن المعتم قد بلغنا أنه يكاتب معاوية،
فاحبسه أو مكنا من حبسه، حتى تنقضي غزاتك ثم تنصرف.
وقال
أيضاً يحرض معاوية بن أبي سفيان:
قال نصر: حدثنا
عمر بن سعد، عن سعد بن طريف، عن أبي المجاهد، عن المحل بن خليفة، قال: قام عدي بن حاتم الطائي بين يدي علي عليه السلام، فحمد الله
وأثنى عليه، وقال: يا أمير المؤمنين، ما قلت إلا بعلم، ولا دعوت إلا إلى
حق، ولا أمرت إلا برشد، ولكن إذا رأيت أن تستأني هؤلاء القوم وتستديمهم - حتى تأتيهم كتبك، ويقدم عليهم رسلك - فعلت. وقد
قدمنا إليهم بالعذر، ودعوناهم إلى ما في أيدينا من الحق، فوالله لهم من الحق
أبعد، وعلى الله أهون، من قوم قاتلناهم أمس بناحية البصرة لما دعوناهم إلى الحق
فتركوه، ناوجناهم براكاء القتال، حتى بلغنا منهم ما نحب، وبلغ الله منهم رضاه. فقال زيد:
ما أنتم بأعرف بحق عدي مني، ولكني لا أدع القول بالحق وإن سخط الناس. قال نصر: وحدثنا عمر بن سعد، عن الحارث بن حصين قال: دخل أبو زينب بن
عوف، على علي عليه السلام، فقال: يا
أمير المؤمنين؛ لئن كنا على الحق لأنت أهدانا سبيلاً، وأعظمنا في الخير نصيباً،
ولئن كنا على ضلال، إنك لأثقلنا ظهراً وأعظمنا وزراً، قد أمرتنا بالمسير إلى هذا
العدو، وقد قطعنا ما بيننا وبينهم من الولاية، وأظهرنا لهم العداوة؛ نريد بذلك
ما يعلمه الله تعالى من طاعتك؛ أليس الذي نحن عليه هو الحق المبين، والذي عليه
عدونا هو الحوب الكبير! فقال عليه السلام: بلى،
شهدت أنك إن أمضيت معنا ناصراً لدعوتنا، صحيح النية في نصرنا، قد قطعت منهم
الولاية، وأظهرت لهم العداوة كما زعمت، فإنك ولي الله، تسبح في رضوانه، وتركض في
طاعته، فأبشر أبا زينب.
قال نصر: وحدثنا عمر بن سعد، عن أبي روق، قال: دخل يزيد بن قيس
الأرحبي على علي عليه السلام، فقال: يا
أمير المؤمنين؛ نحن أولو جهازٍ وعدة، وأكثر الناس أهل قوة، ومن ليس به ضعف ولا
علة، فمر مناديك، فليناد الناس ويخرجوا إلى معسكرهم بالنخيلة، فإن أخا الحرب ليس
بالسؤوم ولا النؤوم، ولا من إذا أمكنته الفرص أجلها، واستشار فيها؛ ولا من يؤخر
عمل الحرب في اليوم لغدٍ وبعد غدٍ. قال: قال: كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين تشتمون وتتبرأون؛
ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم: من سيرتهم كذا وكذا، ومن أعمالهم كذا وكذا،
كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر؛ وقلتم مكان لعنكم إياهم، وبراءتكم منهم:
اللهم احقن دماءهم ودماءنا، وأصلح ذات بينهم وبيننا، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف
الحق منهم من جهله، ويرعوي عن الغي منهم من لهج به - لكان أحب إلي وخيراً لكم. فقالا: يا أمير
المؤمنين، نقبل عظتك، ونتأدب بأدبك. قال نصر: وقال له عمرو بن الحمق يومئذ:
والله يا أمير المؤمنين إني ما أحببتك ولا بايعتك على قرابةٍ بيني وبينك، ولا
إرادة ما تؤتينيه، ولا التماس سلطان ترفع ذكري به؛ ولكنني
أحببتك بخصال خمس: أنك ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصيه، وأبو الذرية التي بقيت فينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسبق الناس
إلى الإسلام، وأعظم المهاجرين سهماً في الجهاد، فلو أني كلفت نقل الجبال
الرواسي، ونزح البحور الطوامي، حتى يأتي علي يومي في أمرٍ أقوي به وليك، وأهين
عدوك، ما رأيت أني قد أديت فيه كل الذي يحق علي من حقك. فقال علي عليه
السلام: أكل قومك يرى
مثل رأيك؟ قال: ما رأيت منهم إلا حسناً، وهذه يدي عنهم بالسمع والطاعة وحسن
الإجابة. فقال له علي عليه السلام خيراً. إن الله
يرضى عمن أرضاه، ويسخط على من عصاه، وإنا قد هممنا بالسير إلى هؤلاء القوم الذين
عملوا في عباد الله بغير ما أنزل الله، واستأثروا بالفيء، وعطلوا الحدود،
وأماتوا الحق، وأظهروا في الأرض الفساد، واتخذوا الفاسقين وليجةً من دون
المؤمنين، فإذا ولي لله أعظم أحداثهم أبغضوه وأقصوه وحرموه، وإذا ظالم ساعدهم
على ظلمهم أحبوه، وأدنوه وبروه، فقد أصروا على الظلم، وأجمعوا على الخلاف،
وقديماً ما صدوا عن الحق، وتعاونوا على الإثم، وكانوا ظالمين. فإذا أتيت
بكتابي هذا، فاستخلف على عملك أوثق أصحابك في نفسك، وأقبل إلينا، لعلك تلقى معنا
هذا العدو المحل، فتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتجامع الحق، وتباين الباطل،
فإنه لا غناء بنا ولا بك عن أجر الجهاد، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وكتبه عبيد الله بن رافع في سنة سبع وثلاثين. قال نصر: فلما سمع هاشم بن عتبة ما
قالاه، أتى علياً عليه السلام، فقال: سر بنا يا
أمير المؤمنين إلى هؤلاء القوم، القاسية قلوبهم، الذين نبذوا كتاب الله وراء
ظهورهم، وعملوا في عباد الله بغير رضا الله، فأحلوا حرامه، وحرموا حلاله، واستوى
بهم الشيطان، ووعدهم الأباطيل، ومناهم الأماني، حتى أزاغهم عن الهدى، وقصد بهم
قصد الردى، وحبب إليهم الدنيا فهم يقاتلون على دنياهم رغبة فيها؛ كرغبتنا في
الآخرة وانتجاز موعد ربنا. وأنت يا أمير المؤمنين
أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم رحماً، وأفضل الناس سابقةً وقدماً،
وهم يا أمير المؤمنين يعملون منك مثل الذي نعلم، ولكن كتب عليهم الشقاء، ومالت
بهم الأهواء، وكانوا ظالمين، فأيدينا مبسوطة لك بالسمع والطاعة، وقلوبنا منشرحة
لك ببذل النصيحة، وأنفسنا تنصرك على من خالفك، وتولى الأمر دونك جذلةً، والله ما
أحب أن لي ما على الأرض ما أقلت، ولا ما تحت السماء مما أظلت، وأني واليت عدواً
لك؛ أو عاديت ولياً لك! فقال عليه السلام: اللهم
ارزقه الشهادة في سبيلك، والمرافقة لنبيك. ثم
إني آمركم بالشدة في الأمر، والجهاد في سبيل الله، وألا تغتابوا مسلماً،
وانتظروا النصر العاجل من الله إن شاء الله. فاحتشدوا في قتال عدوكم معاوية وجنوده، ولا
تخاذلوا، فإن الخذلان يقطع نياط القلوب؛ وإن الإقدام على الأسنة نخوة وعصمة، لم
يتمنع قوم قط إلا رفع الله عنهم العلة، وكفاهم جوائح الذلة، وهداهم إلى معالم
الملة، ثم أنشد:
ثم قام الحسين بن علي عليه السلام، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: يا أهل الكوفة، أنتم الأحبة الكرماء، والشعار دون الدثار ،
جدوا في إطفاء ما دثر بينكم، وتسهيل ما توعر عليكم. ألا
إن الحرب شرها ذريع وطعمها فظيع: فمن أخذ لها أهبتها، واستعد لها عدتها، ولم
يألم كلومها قبل حلولها، فذاك صاحبها، ومن
عاجلها قبل أوان فرصتها، واستبصار سعيه فيها، فذاك قمن ألا ينفع قومه، وأن يهلك
نفسه، نسأل الله بقوته أن يدعمكم بالفيئة ثم نزل. فقال لهم علي عليه السلام: مرحباً وأهلاً، هذا هو الفقه في الدين، والعلم بالسنة، من
لم يرض بهذا فهو خائن جبار. وأتاه آخرون من أصحاب عبد الله بن
مسعود، منهم الربيع بن خيثم، وهم يومئذ أربعمائة رجل، فقالوا:
يا أمير المؤمنين؛ إنا قد شككنا في هذا القتال؛ على معرفتنا بفضلك، ولا غناء بنا
ولا بك ولا بالمسلمين عمن يقاتل العدو؛ فولنا بعض هذه الثغور نكمن ثم نقاتل عن
أهله؛ فوجه علي عليه السلام بالربيع
بن خيثم على ثغر الري، فكان أول لواء عقده عليه السلام بالكوفة لواء
الربيع بن خيثم. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بين
محمد بن أبي بكر ومعاوية
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال نصر: وكتب محمد ابن أبي بكر إلى
معاوية: من محمد بن أبي بكر إلى الغاوي معاوية بن
صخر، سلام على أهل طاعة الله ممن هو سلم لأهل ولاية الله. أما بعد فإن الله
بجلاله وعظمته وسلطانه وقدرته، خلق خلقاً بلا عبث ولا ضعف في قوته، لا حاجة به
إلى خلقهم، ولكنه خلقهم عبيداً، وجعل منهم شقياً وسعيداً، وغوياً ورشيداً، ثم
اختارهم على علمه، فاصطفى وانتخب منهم محمداً صلى الله عليه
وسلم،
فاختصه برسالته، واختاره لوحيه، وائتمنه على أمره، وبعثه رسولاً مصدقاً لما بين
يديه من الكتب، ودليلاً على الشرائع - فدعا إلى سبيل أمره بالحكمة والموعظة
الحسنة، فكان أول من أجاب وأناب، وصدق ووافق فأسلم وسلم أخوه وابن عمه - علي بن
أبي طالب عليه السلام، فصدقه
بالغيب المكتوم، وآثره على كل حميم، ووقاه كل هول، وواساه بنفسه في كل خوف،
فحارب حربه، وسالم سلمه، فلم يبرح مبتذلاً لنفسه في ساعات الأزل ، ومقامات
الروع، حتى برز سابقاً لا نظير له في جهاده، ولا مقارب له في فعله؛ وقد رأيتك تساميه
وأنت أنت، وهو هو السابق المبرز في كل خير؛ أول الناس إسلاماً، وأصدق الناس نية،
وأطيب الناس ذرية، وأفضل الناس زوجة، وخير الناس ابن عم. وأنت اللعين ابن اللعين، لم تزل أنت
وأبوك تبغيان لدين الله الغوائل، وتجتهدان على إطفاء نور الله؛ وتجمعان على ذلك
الجموع، وتبذلان فيه المال، وتحالفان في ذلك القبائل؛
على هذا مات أبوك، وعلى ذلك خلفته، والشاهد عليك بذلك من يأوي ويلجأ إليك؛ من
بقية الأحزاب ورؤوس النفاق والشقاق لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والشاهد لعلي
مع فضله وسابقته القديمة أنصاره الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن، ففضلهم وأثنى
عليهم من المهاجرين والأنصار، فهم معه كتائب وعصائب؛ يجالدون حوله بأسيافهم،
ويهريقون دماءهم دونه؛ يرون الفضل في اتباعه، والشقاق والعصيان في خلافه، فكيف -
يا لك الويل - تعدل نفسك بعلي، وهو وارث رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصيه
وأبو ولده، وأول الناس له اتباعاً، وآخرهم به عهداً، يخبره بسره، ويشركه في
أمره، وأنت عدوه وابن عدوه؛ فتمتع ما استطعت بباطلك، وليمددك ابن العاص في
غوايتك، فكأن أجلك قد انقضى، وكيدك قد وهى ، وسوف تستبين لمن تكون العاقبة
العليا. واعلم أنك إنما تكايد ربك الذي قد أمنت كيده، وأيست من روحه، وهو لك
بالمرصاد؛ وأنت منه في غرور. وبالله وبأهل بيت رسوله عنك الغناء! والسلام على من اتبع الهدى. سلام على
أهل طاعة الله، أما بعد، فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في قدرته
وسلطانه، وما أصفى به نبيه، مع كلام ألفته ووضعته، لرأيك فيه تضعيف؛ ولأبيك فيه
تعنيف؛ ذكرت حق ابن أبي طالب وقديم سابقته، وقرابته من نبي الله ونصرته له،
ومواساته إياه، في كل خوف وهول، واحتجاجك علي، وفخرك بفضل غيرك لا بفضلك. فاحمد
إلهاً صرف ذلك الفضل عنك، وجعله لغيرك؛ فقد كنا وأبوك معنا في حياة نبينا، نرى
حق ابن أبي طالب لازماً لنا، وفضله مبرزاً علينا، فلما اختار الله لنبيه ما
عنده، وأتم له ما وعده، وأفلج حجته، قبضه الله إليه، فكان
أبوك وفاروقه، أول من ابتزه وخالفه،
على ذلك اتفقا واتسقا، ثم دعواه إلى أنفسهما فأبطأ عنهما، وتلكأ عليهما، فهما به
الهموم، وأراد به العظيم؛ فبايعهما وسلم لهما، لا يشركانه في أمرهما، ولا
يطلعانهما على سرهما، حتى قبضا وانقضى أمرهما: ثم
أقاما بعدهما ثالثهما عثمان بن عفان، يهتدي بهديهما، ويسير بسيرتهما فعبته أنت
وصاحبك، حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي، وبطنتما وظهرتما، وكشفتما له
عداوتكما وغلكما، حتى بلغتما منه مناكما، فخذ حذرك
يابن أبي بكر، فسترى وبال أمرك، وقس شبرك بفترك ، تقصر عن أن تساوي أو
توازي من يزن الجبال حلمه، ولا تلين على قسرٍ قناته ولا يدرك ذو مدىً أناتة، أبوك مهد له مهاده، وبنى ملكه وشاده، فإن ما نحن فيه
صواباً فأبوك أوله، وإن لم يكن جوراً فأبوك أسه ونحن شركاؤه، فبهديه أخذنا،
وبفعله اقتدينا، رأينا أباك فعل ما فعل، فاحتذينا مثاله، واقتدينا بفعاله، فعب
أباك بما بدا لك، أودع. والسلام على من أناب، ورجع من غوايته وناب. من محمد بن أبي بكر إلى الغاوي
معاوية بن صخر، سلام على أهل طاعة الله ممن هو سلم لأهل ولاية الله. أما بعد
فإن الله بجلاله وعظمته وسلطانه وقدرته، خلق خلقاً بلا عبث ولا ضعف في قوته، لا
حاجة به إلى خلقهم، ولكنه خلقهم عبيداً، وجعل منهم شقياً وسعيداً، وغوياً
ورشيداً، ثم اختارهم على علمه، فاصطفى وانتخب منهم محمداً صلى الله عليه وسلم، فاختصه
برسالته، واختاره لوحيه، وائتمنه على أمره، وبعثه رسولاً مصدقاً لما بين يديه من
الكتب، ودليلاً علىالشرائع - فدعا إلى سبيل أمره بالحكمة والموعظة الحسنة، فكان
أول من أجاب وأناب، وصدق ووافق فأسلم وسلم أخوه وابن عمه - علي بن أبي طالب عليه السلام، فصدقه
بالغيب المكتوم، وآثره على كل حميم، ووقاه كل هول، وواساه بنفسه في كل خوف،
فحارب حربه، وسالم سلمه، فلم يبرح مبتذلاً لنفسه في ساعات الأزل ، ومقامات
الروع، حتى برز سابقاً لا نظير له في جهاده، ولا مقارب له في فعله؛ وقد رأيتك
تساميه وأنت أنت، وهو هو السابق المبرز في كل خير؛ أول الناس إسلاماً، وأصدق
الناس نية، وأطيب الناس ذرية، وأفضل الناس زوجة، وخير الناس ابن عم. وأنت اللعين
ابن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لدين الله الغوائل، وتجتهدان على إطفاء نور
الله؛ وتجمعان على ذلك الجموع، وتبذلان فيه المال، وتحالفان في ذلك القبائل؛ على
هذا مات أبوك، وعلى ذلك خلفته، والشاهد عليك بذلك من يأوي ويلجأ إليك؛ من بقية
الأحزاب ورؤوس النفاق والشقاق لرسول الله صلى
الله عليه وسلم؛ والشاهد لعلي
مع فضله وسابقته القديمة أنصاره الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن، ففضلهم وأثنى
عليهم من المهاجرين والأنصار، فهم معه كتائب وعصائب؛ يجالدون حوله بأسيافهم،
ويهريقون دماءهم دونه؛ يرون الفضل في اتباعه، والشقاق والعصيان في خلافه، فكيف -
يا لك الويل - تعدل نفسك بعلي، وهو وارث رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصيه
وأبو ولده، وأول الناس له اتباعاً، وآخرهم به عهداً، يخبره بسره، ويشركه في
أمره، وأنت عدوه وابن عدوه؛ فتمتع ما استطعت بباطلك، وليمددك ابن العاص في
غوايتك، فكأن أجلك قد انقضى، وكيدك قد وهى ، وسوف تستبين لمن تكون العاقبة
العليا. واعلم أنك
إنما تكايد ربك الذي قد أمنت كيده، وأيست من روحه، وهو لك بالمرصاد؛ وأنت منه في
غرور. وبالله وبأهل بيت رسوله عنك الغناء! والسلام على من اتبع الهدى. سلام على أهل طاعة الله، أما بعد، فقد أتاني كتابك
تذكر فيه ما الله أهله في قدرته وسلطانه، وما أصفى به نبيه، مع كلام ألفته
ووضعته، لرأيك فيه تضعيف؛ ولأبيك فيه تعنيف؛ ذكرت حق ابن أبي طالب وقديم سابقته،
وقرابته من نبي الله ونصرته له، ومواساته إياه، في كل خوف وهول، واحتجاجك علي،
وفخرك بفضل غيرك لا بفضلك. فاحمد
إلهاً صرف ذلك الفضل عنك، وجعله لغيرك؛ فقد كنا وأبوك معنا في حياة نبينا، نرى
حق ابن أبي طالب لازماً لنا، وفضله مبرزاً علينا، فلما اختار الله لنبيه ما
عنده، وأتم له ما وعده، وأفلج حجته، قبضه الله إليه، فكان
أبوك وفاروقه، أول من ابتزه وخالفه، على ذلك اتفقا واتسقا، ثم دعواه إلى أنفسهما
فأبطأ عنهما، وتلكأ عليهما، فهما به الهموم، وأراد به العظيم؛ فبايعهما
وسلم لهما، لا يشركانه في أمرهما، ولا يطلعانهما على سرهما، حتى قبضا وانقضى
أمرهما: ثم أقاما بعدهما ثالثهما عثمان بن عفان،
يهتدي بهديهما، ويسير بسيرتهما فعبته أنت وصاحبك، حتى طمع فيه الأقاصي من
أهل المعاصي، وبطنتما وظهرتما، وكشفتما له عداوتكما وغلكما، حتى بلغتما منه
مناكما، فخذ حذرك يابن أبي بكر، فسترى وبال
أمرك، وقس شبرك بفترك ، تقصر عن أن تساوي أو
توازي من يزن الجبال حلمه، ولا تلين على قسرٍ قناته ولا يدرك ذو مدىً أناتة، أبوك مهد له مهاده، وبنى ملكه وشاده، فإن ما نحن فيه
صواباً فأبوك أوله، وإن لم يكن جوراً فأبوك أسه ونحن شركاؤه، فبهديه أخذنا،
وبفعله اقتدينا، رأينا أباك فعل ما فعل، فاحتذينا مثاله، واقتدينا بفعاله، فعب
أباك بما بدا لك، أودع. والسلام على من أناب، ورجع من غوايته
وناب. قال: وأمر علي عليه السلام الحارث بن
الأعور أن ينادي في الناس: اخرجوا
إلى معسكركم بالنخيلة، فنادى الحارث في الناس بذلك، وبعث إلى مالك بن حبيب اليربوعي صاحب
شرطته، يأمره أن يحشر الناس إلى المعسكر، ودعا عقبة
بن عمرو الأنصاري، فاستخلفه على الكوفة -
وكان أصغر أصحاب العقبة السبعين - ثم خرج عليه السلام، وخرج الناس معه. أما بعد؛ فإني
قد وليت مقدمتي زياد بن النضر، وأمرته عليها، وشريح بن هانئ
على طائفة منها أمير، فإن انتهى جمعكما إلى بأس،
فزياد بن النضر على الناس كلهم، وإن افترقتما فكل
واحدٍ منكما أمير الطائفة التي وليناه أمرها. واعلما أن مقدمة القوم عيونهم، وعيون المقدمة
طلائعهم، فإذا أنتما خرجتما من بلادكما فلا تسأما من توجيه الطلائع، ومن نقض
الشعاب والشجر والخمر في كل جانب، كي لا يغتركما عدو،
أو يكون لهم كمين. ولا
تسيرن الكتائب والقبائل من لدن الصباح إلى المساء إلا على تعبئة، فإن دهمكم عدو أو غشيكم مكروه، كنتم قد تقدمتم في التعبئة،
فإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم فليكن معسكركم في قبل الأشراف أو سفاح الجبال وأثناء
النهار، كيما يكون ذلك لكم ردءاً، وتكون مقاتلتكم من وجهٍ واحد أو اثنين،
واجعلوا رقباءكما في صياصي الجبال، وبأعالي
الأشراف، ومناكب الأنهار يرون لكم، كي لا يأتيكم عدو من
مكان مخافةٍ أو أمن. وإياكم
والتفرق، فإذا نزلتم فانزلوا جميعاً، وإذا رحلتم فارحلوا جميعا، فإذا غشيكم الليل فنزلتم فخفوا عسكركم
بالرماح والترسة ، ولتكن رماتكم من وراء ترسكم ورماحكم يلونهم. وما أقمتم
فكذلك فافعلوا كي لا تصاب لكم غفلة، ولا تلفى لكم غرة، فما قوم يحفون عسكرهم
برماحهم وترستهم من ليل أو نهار إلا كانوا كأنهم في حصون. واحرسا عسكركما بأنفسكما، وإياكما أن تذوقا نوماً حتى تصبحا إلا غراراً أو مضمضمة.
ثم ليكن ذلك شأنكما ودأبكما حتى تنتهيا إلى عدوكما؛
وليكن كل يوم عندي خبركما ورسول من قبلكما. فإني - ولا شيء إلا ما شاء الله - حثيث
السير في أثركما. عليكما في جريكما بالتؤدة ، وإياكما
والعجلة؛ إلا أن تمكنكما فرصة بعد الإعذار
والحجة، وإياكما أن تقاتلا حتى أقدم عليكما، إلا
أن تبدآ، أو يأتيكما أمري، إن شاء الله. قال نصر: وكتب علي عليه السلام إلى أمراء الأجناد - وكان قد
قسم عسكره أسباعاً، فجعل على كل سبعٍ أميراً؛ فجعل سعد بن
مسعود الثقفي على قيس وعبد القيس، ومعقل بن قيس اليربوعي على تميم وضبة والرباب
وقريش وكنانة وأسد، ومخنف بن سليم على الأزد وبجيلة وخثعم والأنصار وخزاعة، وحجر
بن عدي الكندي على كندة وحضرموت وقضاعة، وزياد ابن النضر على مذحج والأشعريين، وسعيد بن مرة الهمداني على
همدان ومن معهم من حمير، وعدي بن حاتم الطائي على طيئ؛ تجمعهم الدعوة مع مذحج، وتختلف الرايتان: راية مذحج مع زياد بن النضر،
وراية طيئ مع عدي بن حاتم؛ هذه عساكر الكوفة. وأما عساكر البصرة فخالد بن معمر السدوسي على بكر
بن وائل، وعمرو بن مرجوم العبدي على عبد القيس، وابن شيمان الزدي على الأزد،
والأحنف على تميم وضبة والرباب، وشريك بن الأعور الحارثي على أهل العالية: أما
بعد، فإني أبرأ إليكم من معرة الجنود إلا من جوعة إلى شبعة، ومن فقر إلى غنىً،
أو عمىً إلى هدىً؛ فإن ذلك عليهم. فأغربوا الناس عن الظلم والعدوان، وخذوا على
أيدي سفهائكم، واحترسوا أن تعملوا أعمالاً لا يرضى الله بها عنا فيرد بها علينا
وعليكم دعاءنا؛ فإنه تعالى يقول: " ما يعبأ
بكم ربي لولا دعاؤكم " . فحقكم عليه إنصافكم والتعديل بينكم، والكف عن
فيئكم؛ فإذا فعل معكم ذلك، وجبت عليكم طاعته فيما وافق الحق، ونصرته والدفع عن
سلطان الله، فإنكم وزعة الله في الأرض، فكونوا له أعواناً، ولدينه أنصاراً، ولا
تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، إن الله لا يحب المفسدين. ثم قال عليه السلام:
يحشر من ظهر الكوفة سبعون ألفاً على غرة الشمس، يدخلون الجنة بغير حساب. يا أهل الشام،
الله الله في دم عثمان، فأنا وليه وأحق من طلب بدمه؛ وقد جعل الله لولي المقتول
ظلماً سلطاناً، فانصروا خليفتكم المظلوم، فقد
صنع القوم به ما تعلمون، قتلوه ظلماً وبغياً؛ وقد أمر الله بقتال الفئة الباغية
حتى تفيء إلى أمر الله، ثم نزل. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
كلام له عليه السلام في ذكر الكوفة
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: كأني بك يا
كوفة تمدين مد الأديم العكاظي؛ تعركين بالنوازل، وتركبين بالزلازل، وإني لأعلم
أنه ما أراد بك جبار سوءاً إلا ابتلاه الله بشاغلٍ أو رماه بقاتلٍ. الشرح:
عكاظ: اسم سوق للعرب بناحية مكة، كانوا يجتمعون بها في كل سنة، يقيمون شهراً ويتبايعون ويتناشدون شعراً ويتفاخرون،
قال أبو ذؤيب:
فلما
جاء الإسلام هدم ذلك، وأكثر ما كان يباع الأديم بها، فنسب إليها. والأديم
واحد والجمع أدم، كما قالوا: أفيق للجلد الذي لم تتم دباغته، وجمعه أفق. وقد
يجمع أديم على آدمة، كما قالوا: رغيف وأرغفة. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الكوفة
في نظر علي عليه السلام وجعفر بن محمد عليه السلام:
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقد جاء في فضل الكوفة عن أهل البيت عليهم السلام شيء كثير، نحو قول
أمير المؤمنين عليه السلام:
نعمت المدرة . فقال: يا أمير المؤمنين؛ إن المرء ليقتدي بسلفه،
ولك أسلاف ثلاثة:
سليمان أعطي فشكر، وأيوب ابتلي فصبر، ويوسف قدر فغفر، فاقتد
بأيهم شئت. فصمت قليلاً، ثم قال: قد غفرت.
قلت:
قد يظن ظان أن قوله: صاحب الرحبة، يمكن أن يحتج به من قال: إن قبر أمير المؤمنين
عليه السلام في
رحبة المسجد بالكوفة؛ ولا حجة في ذلك، لأن أمير المؤمنين كان
يجلس معظم زمانه في رحبة المسجد، يحكم بين الناس، فجاز أن ينسب إليه بهذا
الإعتبار. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
خطبة له عليه السلام عند المسير إلى الشام
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: الحمد
لله كلما وقب ليل وغسق، والحمد لله كلما لاح نجم وخفق، والحمد لله غير مفقود
الإنعام، ولا مكافأ الإفضال. أما
بعد، فقد بعثت مقدمتي، وأمرتهم بلزوم هذا الملطاط حتى يأتيهم أمري، وقد رأيت أن
أقطع هذه النطفة إلى شرذمةٍ منكم، موطنين أكناف دجلة، فأنهضهم معكم إلى عدوكم،
وأجعلهم من أمداد القوة لكم.
قال الأصمعي:
يعني به ساحل البحر، وقول ابن مسعود: هذا
الملطاط طريق بقية المؤمنين، هراباً من الدجال
-
يعني
به شاطئ الفرات. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في
الطريق إلى صفين
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال نصر بن مزاحم:
ثم سار عليه السلام حتى
انتهى إلى مدينة بهرسير ؛ وإذا رجل من أصحابه يقال له حر بن سهم بن طريف، من بني
ربيعة بن مالك، ينظر إلى آثار كسرى؛ ويتمثل بقول الأسود بن يعفر:
فقال له عليه السلام: ألا قلت: " كم تركوا من
جناتٍ وعيونٍ وزروعٍ ومقامٍ كريمٍ ونعمةٍ كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها
أقواماً آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين" ؛ إن
هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا مورثين، ولم يشكروا النعمة، فسلبوا دنياهم بالمعصية.
إياكم وكفر النعم، لا تحل بكم النقم، انزلوا بهذه الفجوة . فوافوه في تلك الساعة، فحمد الله، وأثنى عليه،
ثم قال: أما بعد، فإني قد تعجبت من تخلفكم
عن دعوتكم، وانقطاعكم عن أهل مصركم في هذه المساكن الظالم أهلها، الهالك أكثر
ساكنيها، لا معروف يأمرون به، ولا منكر ينهون عنه. فسار وخلف عليهم
عدي بن حاتم، فأقام عليهم ثلاثاً ثم خرج في ثمانمائة رجل منهم، وخلف ابنه
زيداً بعده، فلحقه في أربعمائة رجل منهم. قالوا: يا أمير المؤمنين، نحن نقومه ثم
نقبل ثمنه، قال: إذاً لا تقومونه قيمته، نحن نكتفي بما هو دونه. قالوا:
يا أمير المؤمنين؛ فإن لنا من العرب موالي ومعارف، أتمنعنا أن نهدي لهم أو
تمنعهم أن يقبلوا منا؟ فقال:
كل العرب لكم موالٍ، وليس ينبغي لأحد من المسلمين أن يقبل هديتكم، وإن غصبكم أحد
فأعلمونا. قالوا: يا أمير
المؤمنين، إنا نحب أن تقبل هديتنا وكرامتنا. قال: ويحكم! فنحن أغنى
منكم. وتركهم وسار. قال نصر: وحدثنا عبد العزيز بن سياه،
قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت، قال: حدثنا أبو سعيد التيمي المعروف بعقيصى، قال:
كنا مع علي عليه السلام في مسيره إلى الشام، حتى إذا
كنا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد، عطش الناس واحتاجوا إلى الماء، فانطلق بنا
علي عليه السلام حتى أتى بنا إلى صخرة ضرس في
الأرض، كأنها ربضة عنز ، فأمرنا فاقتلعناها فخرج لنا من تحتها ماء، فشرب الناس
منه، وارتووا. ثم أمرنا
فأكفأناها عليه. وسار الناس
حتى إذا مضى قليلاً، قال عليه السلام: أمنكم
أحد يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه؟ قالوا: نعم يا أمير المؤمنين، قال: فانطلقوا إليه،
فانطلق منا رجال ركباناً ومشاة، فاقتصصنا الطريق إليه، حتى انتهينا إلى المكان
الذي نرى أنه فيه، فطلبناه، فلم نقدر على شيء، حتى إذا عيل علينا انطلقنا إلى
ديرٍ قريب منا، فسألناهم: أين هذا الماء
الذي عندكم؟ قالوا: ليس قربنا ماء، فقلنا:
بلى إنا شربنا منه، قالوا: أنتم شربتم منه! قلنا نعم: فقال صاحب الدير: والله ما بني هذا الدير إلا بذلك الماء، وما استخرجه إلا
نبي أو وصي نبي. قال: نعم، فقرأ الراهب الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم. الذي قضى
فيما قضى، وسطر فيما كتب: أنه باعث في الأميين رسولاً منهم؛ يعلمهم الكتاب
والحكمة، ويدلهم على سبيل الله، لا فظ ولا غليظ،
ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، بل يعفو ويصفح، أمته الحمادون
الذين يحمدون الله على كل نشز ، وفي كل صعود وهبوط، تذل ألسنتهم بالتكبير
والتهليل، والتسبيح؛ وينصره الله على من ناوأه؛ فإذا توفاه الله، اختلفت أمته من
بعده، ثم اجتمعت، فلبثت ما شاء الله، ثم اختلفت، فيمر رجل من أمته بشاطئ هذا
الفرات، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويقضي بالحق ولا يركس الحكم،
الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح، والموت أهون عليه من شرب
الماء على الظمآن. يخاف الله
في السر، وينصح له في العلانية، لا يخاف في الله لومة لائم، فمن أدرك ذلك النبي
من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضواني والجنة، ومن أدرك ذلك العبد الصالح
فلينصره؛ فإن القتل معه شهادة. فبكى عليه السلام، ثم قال: الحمد لله الذي لم أكن
عنده منسياً، الحمد لله الذي ذكرني عنده في كتب الأبرار. وروى ابن ديزيل في هذا الكتاب، قال: حدثني
يحيى بن سليمان. قال حدثني يحيى بن عبد الملك بن حميد بن عتيبة، عن أبيه، عن
إسماعيل بن رجاء، عن أبيه ومحمد بن فضيل، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبي سعيد الخدري، رحمه الله قال: كنا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فانقطع شسع نعله، فألقاها إلى علي عليه
السلام يصلحها؛ ثم قال: " إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على
تنزيله "، فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: " لا،
ولكنه ذاكم خاصف النعل " - ويد علي عليه
السلام على نعل النبي صلى الله عليه وسلم يصلحها. وسكن الناس وأمنهم، ولا تقاتل إلا من قاتلك، وسر
البردين ، وغور بالناس . أقم الليل،
ورفه في السير، ولا تسر أول الليل، فإن الله جعله سكناً، أرح فيه بدنك وجندك
وظهرك، فإذا كان السحر، أو حين يتبلج الفجر، فسر. فقال معقل:
ما تقول؟ فجاء رجلان نحو الكبشين، فأخذ كل واحد منهما كبشاً وانصرفا، فقال الخثعمي لمعقل: لا تغلبون ولا تغلبون: فقال
معقل: من أين علمت؟ قال: أما أبصرت الكبشين، أحدهما مشرق والآخر مغرب، التقيا
فاقتتلا وانتطحا، فلم يزل كل واحد من مصاحبه منتصفاً، حتى أتى كل واحد منهما
صاحبه فانطلق به! فقال معقل: أو يكون خيراً مما تقول يا أخا خثعم! ثم مضى
حتى وافى علياً عليه السلام بالرقة. قال نصر: وقالت طائفة من أصحاب علي عليه السلام له: يا أمير المؤمنين، اكتب إلى معاوية
ومن قبله من قومك، فإن الحجة لا تزداد عليهم بذلك إلا عظماً. فكتب إليهم عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله
علي أمير المؤمنين إلى معاوية ومن قبله من قريش: سلام
عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإن لله
عباداً آمنوا بالتنزيل، وعرفوا التأويل، وفقهوا في الدين، وبين الله فضلهم في
القرآن الحكيم، وأنتم في ذلك الزمان أعداء للرسول، تكذبون بالكتاب، مجمعون على
حرب المسلمين، من ثقفتم منهم حبستموه أو عذبتموه أو قتلتموه، حتى أراد الله
تعالى إعزاز دينه، وإظهار أمره، فدخلت العرب في الدين أفواجاً، وأسلمت له هذه
الأمة طوعاً وكرهاً، فكنتم فيمن دخل في هذا الدين، إما رغبة وإما رهبة، على حين
فاز أهل السبق بسبقهم، وفاز المهاجرون الأولون بفضلهم. ولا ينبغي لمن ليست له
مثل سوابقهم في الدين، ولا فضائلهم في الإسلام؛ أن ينازعهم الأمر الذي هم أهله
وأولى به، فيجور ويظلم، ولا ينبغي لمن كان له عقل أن يجهل قدره، ويعدو طوره،
ويشقي نفسه بالتماس ما ليس بأهله، فإن أولى الناس بأمر هذه الأمة قديماً وحديثاً
أقربها من الرسول، وأعلمها بالكتاب، وأفقهها في الدين، أولها إسلاماً، وأفضلها
جهاداً، وأشدها بما تحمله الأئمة من أمر الأمة اضطلاعاً؛ فاتقوا الله الذي إليه
ترجعون، ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون. ألا
وإني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، وحقن دماء هذه الأمة؛ فإن قبلتم أصبتم
رشدكم، واهتديتم لحظكم، وإن أبيتم إلا الفرقة وشق عصا هذه الأمة؛ لم تزدادوا من
الله إلا بعداً، ولا يزداد الرب عليكم إلا سخطاً والسلام.
فقال علي عليه السلام لما أتاه هذا الجواب: " إنك لا تهدي من
أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين " . فأرسل الأشتر إلى علي عليه السلام، فجاء، ونصبوا له الجسر، فعبر الأثقال
والرجال، وأمر الأشتر فوقف في ثلاثة آلاف فارس، حتى
لم يبق من الناس أحد إلا عبر، ثم عبر آخر الناس رجلاً.
فقال عبد الله بن أبي الحصين: ما شيء أحب إلي مما ذكرت، فقتلا
معاً يوم صفين. قال نصر: فلما
قطع علي عليه السلام الفرات، دعا زياد بن النضر وشريح بن هانئ فسرحهما أمامه نحو
معاوية، على حالهما الذي كانا عليه حين خرجا من الكوفة، في اثني عشر ألفاً، وقد
كانا حيث سرحهما من الكوفة مقدمة له أخذا على شاطئ الفرات من قبل البر، مما يلي
الكوفة حتى بلغا عانات ، فبلغهم أخذ علي عليه السلام طريق الجزيرة، وعلما أن
معاوية قد أقبل في جنود الشام من دمشق لاستقباله، فقالا: والله ما هذا برأي، أن
نسير وبيننا وبين أمير المؤمنين هذا البحر، وما لنا خير في أن نلقى جموع الشام
في قلة من العدد، منقطعين عن المدد. فذهبوا ليعبروا من عانات، فمنعهم أهلها،
وحبسوا عنهم السفن، فأقبلوا راجعين حتى عبروا من هيت ، ولحقوا علياً عليه السلام
بقرية دون قرقيسيا ، فلما لحقوا علياً عليه السلام عجب، وقال: مقدمتي تأتي من
ورائي! فقام له زياد وشريح، وأخبراه بالرأي الذي رأيا. فقال: قد
أصبتما رشدكما. فلما عبروا
الفرات قدمهما أمامه نحو معاوية، فلما انتهيا إلى معاوية، لقيهما أبو الأعور السلمي في جنود من أهل الشام، وهو على مقدمة معاوية، فدعواه إلى الدخول في طاعة
أمير المؤمنين عليه السلام فأبى، فبعثوا إلى علي عليه السلام: إنا
قد لقينا أبا الأعور السلمي بسور الروم في جند من أهل الشام، فدعوناه وأصحابه
إلى الدخول في طاعتك، فأبى علينا، فمرنا بأمرك. ثم إن أهل الشام انصرفوا، ثم خرج هاشم بن عتبة في
خيل ورجالٍ حسنٍ عدتها وعددها، فخرج إليهم أبو
الأعور السلمي، فاقتتلوا يومهم ذلك، تحمل الخيل على الخيل، والرجال على
الرجال، وصبر بعضهم لبعض، ثم انصرفوا. وبكر عليهم الأشتر، فقتل من أهل الشام عبد
الله بن المنذر التنوخي، قتله ظبيان بن عمارة التميمي، وما هو يومئذ إلا فتى
حديث السن. وإن كان الشامي لفارس أهل الشام، وأخذ الأشتر يقول:
ويحكم أروني أبا الأعور! ثم إن أبا الأعور دعا الناس، فرجعوا نحوه فوقف على تل
من وراء المكان الذي كان فيه أول مرة، وجاء الأشتر حتى صف أصحابه في المكان الذي
كان فيه أبو الأعور أول مرة، فقال الأشتر لسنان بن
مالك النخعي: انطلق إلى أبي الأعور، فادعه إلى المبارزة، فقال: إلى
مبارزتي أم إلى مبارزتك؟ فقال: أولو أمرتك بمبارزته فعلت؟ قال: نعم، والذي لا
إله إلا هو، لو أمرتني أن أعترض صفهم بسيفي لفعلت حتى أضربه بالسيف. فقال: يابن أخي، أطال الله بقاءك! قد والله ازددت
فيك رغبة، لا ما أمرتك بمبارزته، إنما أمرتك أن تدعوه لمبارزتي، فإنه لا يبارز -
إن كان ذلك من شأنه - إلا ذوي الأسنان والكفاءة والشرف، وأنت بحمد الله من أهل
الكفاءة والشرف؛ ولكنك حديث السن، وليس يبارز الأحداث؛ فاذهب فادعه إلى مبارزتي. قال نصر: فحدثني عمر بن سعيد، عن أبي
زهير العبسي، عن صالح بن سنان، عن أبيه، قال: فقلت له: إن
الأشتر يدعوك إلى المبارزة، قال: فسكت عني طويلاً، ثم قال: إن خفة الأشتر وسوء
رأيه وهوانه؛ دعاه إلى إجلاء عمال عثمان، وافترائه عليه، يقبح محاسنه، ويجهل
حقه، ويظهر عداوته. ومن خفة
الأشتر وسوء رأيه أنه سار إلى عثمان في داره وقراره، فقتله فيمن قتله، وأصبح
متبعاً بدمه، لا حاجة لي في مبارزته. فرجعت إلى الأشتر، فأخبرته أنه قد
أبى المبارزة، فقال: لنفسه نظر. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في
تمجيده الله تعالى وتحميده
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: الحمد
لله الذي بطن خفيات الأمور، ودلت عليه أعلام الظهور، وامتنع على عين البصير؛ فلا
عين من لم يره تنكره؛ ولا قلب من أثبته يبصره. وقوله عليه السلام:
أعلام الظهور، أي الأدلة الظاهرة الواضحة. الأصل:
الحمد لله الذي بطن خفيات الأمور، ودلت عليه أعلام الظهور، وامتنع على عين
البصير؛ فلا عين من لم يره تنكره؛ ولا قلب من أثبته يبصره. وقوله عليه السلام:
أعلام الظهور، أي الأدلة الظاهرة الواضحة. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مباحث
من العلم الإلهي وهذا الفصل يشتمل على عدة مباحث من العلم الإلهي:
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أولها: كونه تعالى
عالماً بالأمور الخفية، والثاني: كونه تعالى
مدلولاً عليه بالأمور الظاهرة، يعني أفعاله، والثالث:
أن هويته تعالى غير معلومة للبشر، الرابع: نفي
تشبيهه بشيء من مخلوقاته، الخامس: بيان أن
الجاحد لإثباته مكابر بلسانه، وعارف به بقلبه. ونحن نذكر القول في جميع ذلك على
سبيل اقتصاص المذاهب والأقوال، ونحيل في البرهان على الحق من ذلك وبطلان شبه
المخالفين فيه على ما هو مذكور في كتبنا الكلامية، إذ ليس هذا الكتاب موضوعاً
لذلك،
وإن كنا قد لا نخلي بعض فصوله من إشارة إلى الدليل
موجزة، وتلويح إلى الشبهة لطيف؛ فنقول: الفصل الأول
الكلام في كونه تعالى عالماً بالأمور الخفية اعلم أن أمير المؤمنين عليه السلام، إنما قال: بطن
خفيات الأمور، وهذا القدر من الكلام يقتضي كونه تعالى عالماً، يعلم الأمور
الخفية الباطنة؛ وهذا منقسم قسمين: أحدهما: أن يعلم الأمور الخفية الحاضرة، والثاني: أن يعلم الأمور الخفية المستقبلة. القول الأول: قول جمهور المتكلمين،
وهو أن البارئ سبحانه يعلم كل معلوم: الماضي والحاضر والمستقبل، ظاهرها وباطنها،
ومحسوسها وغير محسوسها، فهو تعالى العالم بما كان وما هو حاضر، وما سيكون وما لم
يكن، أن لو كان كيف كان يكون، كقوله تعالى: "
ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه " ، فهذا علم بأمرٍ مقدر على تقدير
وقوع أصله الذي قد علم أنه لا يكون. واعلم أن حجة المتكلمين على كونه
عالماً بكل شيء؛ إنما تتضح بعد إثبات حدوث العالم، وأنه فعله
بالاختيار؛ فحينئذ لا بد من كونه عالماً؛ لأنه لو لم يكن عالماً بشيء أصلاً لما
صح أن يحدث العالم على طريق الاختيار، إنما يكون بالغرض والداعي، وذلك يقتضي
كونه عالماً، فإذا ثبت أنه عالم بشيء أفسدوا حينئذ أن يكون عالماً بمعنى اقتضى
له العالمية، أو بأمر خارج عن ذاته، مختاراً كان أو غير مختار. وقالوا تارة أخرى: العالم ممكن، فله مؤثر. وقد حكي عن أبي حنيفة وأصحابه أيضاً؛
وهو الظاهر من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في
هذا الفصل. وكذلك قوله عليه السلام:
فلا استعلاؤه باعده، ولا قربه ساواهم في المكان به، فنقول:
إن مذهب جمهور المتكلمين نفي التشبيه، وهذا
القول يتنوع أنواعاً. وهو قول المعتزلة، وأكثر محققي المتكلمين من
سائر الفرق، وإليه ذهبت الفلاسفة أيضاً. وقال قوم من مستضعفي المتكلمين خلاف ذلك، فذهب هشام بن الحكم إلى أنه تعالى جسم مركب كهذه
الجسام، واختلفت الحكاية عنه، فروي عنه أن قال:
إنه يشبر نفسه سبعة أشبار. وروي عنه أنه قال:
إنه على هيئة السبيكة. وروي عنه أنه قال:
إنه على هيئة البلورة الصافية المستوية الاستدارة من حيث أتيتها على هيئة واحدة،
وروي عنه أيضاً قال: إنه ذو صورة. وأصحابه من الشيعة يدفعون اليوم هذه الحكايات عنه،
ويزعمون أنه لم يزد على قوله: إنه جسم لا كالأجسام، وإنه أراد بإطلاق هذا اللفظ
عليه إثباته. وحكي عنه أنه قال:
هو أجوف من فيه إلى صدره، وما سوى ذلك مصمت. وكان بطبرستان قاص من المشبهة، يقص
على الناس، فقال يوماً في قصصه: إن يوم القيامة تجيء فاطمة بنت محمد، معها قميص الحسين ابنها
تلتمس القصاص من يزيد بن معاوية، فإذا رآها الله تعالى من بعيد، دعا يزيد وهو
بين يديه، فقال له: ادخل تحت قوائم العرش، لا تظفر بك فاطمة، فيدخل ويختبئ،
وتحضر فاطمة، فتتظلم وتبكي، فيقول سبحانه: انظري يا فاطمة إلى قدمي، ويخرجها
إليها، وبه جرح من سهم نمرود، فيقول: هذا جرح نمرود في قدمي، وقد عفوت عنه، أفلا
تعفين أنت عن يزيد! فتقول أفلا تعفين عن يزيد! فتقول هي: اشهد يا رب قد عفوت عنه. وقد قال بهذا القول ابن كرام وأصحابه؛ قالوا: معنى
قولنا فيه سبحانه أنه جسم، إنه قائم بذاته لا بغيره. النوع الثالث: نفي الجهة عنه سبحانه؛
فالذي يذهب إليه المعتزلة وجمهور المحققين من المتكلمين
أنه سبحانه ليس في جهةٍ ولا مكان، وأن ذلك من توابع الجسمية أو العرضية اللاحقة
بالجسمية، فإذا انتفى عنه كونه جسماً وكونه عرضاً لم يكن في جهة أصلاً، وإلى هذا القول يذهب الفلاسفة. وأحالوا ذلك؛ لأن ما لا يتناهى لا يكون محصوراً بين
حاصرين، وأنا أستبعد عنه هذه الحكاية، لأنه كان
أذكى من أن يذهب عليه فساد هذا القول. وحقيقة مذهب مثبتي المكان
أنه سبحانه متمكن على العرش، كما يتمكن الملك على سريره، فقيل لبعض هؤلاء: أهو أكبر من العرش، أم أصغر، أم
مساوٍ له؟ فقال: بل أكبر من العرش، فقيل له:
فكيف يحمله؟ فقال: كما تحمل رجلا الكركي جسم
الكركي وجسمه أكبر من رجليه. ومنهم من يجعله مساوياً للعرش في المقدار، ولا
يمتنع كثير منهم من إطلاق القول بأن أطرافه تفضل عن العرش؛ وقد سمعت أنا من قال منهم: إنه مستوٍ على عرشه كما أنا
مستوٍ على هذه الدكة ورجلاه على الكرسي الذي وسع السموات والأرض، والكرسي تحت
العرش، كما يجعل اليوم الناس تحت أسرتهم كراسي يستريحون بوضع أرجلهم عليها. فقال: لا يجوز عليه
الطفر، لأن الطفر إنما يكون فراراً من ضد، أو اتصالاً بشكل. فقال له: فالحركة
أيضاً كذلك! فلم يأت بفرق. وذهبت الحلولية من أهل الملة وغيرها،
إلى أنه تعالى يحل في بعض الأجسام دون بعض كما يشاء سبحانه، وإلى هذا القول ذهب أكثر
الغلاة في أمير المؤمنين عليه السلام. ومنهم من قال بانتقاله من أمير المؤمنين عليه
السلام إلى أولاده، ومنهم من قال بانتقاله من أولاده إلى قوم شيعته وأوليائه، واتبعهم على هذه المقالة قوم من المتصوفة كالحلاجية
والبسطامية وغيرهم. النوع الثامن:
في أنه تعالى ليس بمتلون. لم يصرح أحد من العقلاء قاطبة بأن الله تعالى متلون؛
وإنما ذهب قوم من أهل التشبيه والتجسيم إلى أنه نور، فإذا أبصرته العيون وأدركته
أبصرت شخصاً نورانياً مضيئاً، لم يزيدوا على ذلك، ولم يصرحوا بإثبات اللون بهذه
العبارة؛ وإن كان كل مضيء ملوناً. وقالت السالمية وبعض الحشوية:
إن الكفار يرونه يوم القيامة، وهو قول محمد بن
إسحاق بن خزيمة؛ ذكر ذلك عنه محمد بن الهيصم. فأما الأشعري وأصحابه؛
فإنهم لم يقولوا كما قال هؤلاء: إنه يرى كما يرى
الواحد منا، بل قالوا: يرى، وليس فوقاً ولا تحتاً ولا يميناً ولا شمالاً ولا
أماماً ولا وراء، ولا يرى كله ولا بعضه؛ ولا هو في مقابلة الرائي ولا منحرفاً
عنه؛ ولا تصح الإشارة إليه إذا رئي، وهو مع ذلك يرى ويبصر. وأجازوا أيضاً أن
تسمع ذاته، وأن تشم وتذاق وتحس، لا على طريق الاتصال، بل تتعلق هذه الإدراكات
كلها بذاته تعلقاً عارياً عن الاتصال. قال: والقول بنفي الصانع قريب من القول بالسفسطة؛
بل هو هو بعينه؛ لأن من شك في المحسوس أعذر ممن قال: إن المتحركات تتحرك من غير
محرك حركها. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
خطبة له في وقوع الفتن
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: إنما بدء
وقوع الفتن أهواء تتبع، وأحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله، ويتولى عليها رجال
رجالاً؛ على غير دين الله، فلو أن الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف على
المرتادين؛ ولو أن الحق خلص من لبس الباطل، انقطعت عنه السن المعاندين، ولكن
يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث، فيمزجان، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه،
وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى. والضغث من الحشيش: القبضة منه، قال الله تعالى: " وخذ بيدك ضغثاً " . يقول عليه السلام:
إن المذاهب الباطلة والآراء الفاسدة التي يفتتن الناس بها، أصلها اتباع الأهواء،
وابتداع الأحكام التي لم تعرف يخالف فيها الكتاب، وتحمل العصبية والهوى على تولي
أقوام قالوا بها، على غير وثيقة من الدين. ومستند وقوع هذه الشبهات امتزاج الحق بالباطل في
النظر الذي هو الطريق إلى استعلام المجهولات، فلو أن النظر تخلص مقدماته وترتب
قضاياه من قضايا باطلة، لكان الواقع عنه هو العلم المحض، وانقطع عنه ألسن
المخالفين، وكذلك لو كان النظر تخلص مقدماته من قضايا صحيحة، بأن كان كله مبنياً
على الفساد، لظهر فساده لطلبة الحق، وإنما يقع الاشتباه لامتزاج قضاياه الصادقة
بالقضايا الكاذبة. لا جرم أن هذه المقالة مرغوب عنها عند العقلاء!
ومثال ما تكون مقدماته حقاً كلها: العالم متغير، وكل متغير ممكن؛ فالعالم ممكن؛
فهذا مما لا خلاف فيه بين العقلاء. قيل: لا إشعار في
ذلك بالجبر، ومراده عليه السلام أنه
إذا امتزج في النظر الحق بالباطل، وتركبت المقدمات من قضايا صحيحة وفاسدة، تمكن
الشيطان من الإضلال والإغواء، ووسوس إلى المكلف، وخيل له النتيجة الباطلة،
وأماله إليها، وزينها عنده، بخلاف ما إذا كانت المقدمات حقاً كلها، فإنه لا يقدر
الشيطان على أن يخيل له ما يخالف العقل الصريح؛ ولا يكون له مجال في تزيين
الباطل عنده، ألا ترى الأوليات لا سبيل للإنسان إلى جحدها وإنكارها، لا بتخييل
الشيطان ولا بغير ذلك! ومعنى قوله:
على أوليائه، أي على من عنده استعداده للجهل، وتمرن على اتباع الهوى، وزهد في
تحقيق الأمور العقلية على وجهها، تقليداً للأسلاف، ومحبة لاتباع المذهب المألوف،
فذاك هو الذي يستولي عليه الشيطان ويضله، وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى،
وهم الذين يتبعون محض العقل، ولا يركنون إلى التقليد، ويسلكون مسلك التحقيق،
وينظرون النظر الدقيق، يجتهدون في البحث عن مقدمات أنظارهم، وليس في هذا الكلام
تصريح بالجبر، ولا إشعار به على وجه من الوجوه، وهذا واضح. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
لما
غلب أصحاب معاوية أصحابه على شريعة الفرات بصفين ومنعوهم من الماء :
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
قد استطعموكم القتال، فأقروا على مذلةٍ، وتأخير محلةٍ، أو رووا السيوف من الدماء
ترووا من الماء؛ فالموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين. ألا
وإن معاوية قاد لمة من الغواة، وعمس عليهم الخبر، حتى جعلوا نحورهم أغراض
المنية. والأغراض:
جمع غرض وهو الهدف.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أشعار
في الإباء والتحريض على الحرب
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
والأشعار
في الإباء والأنف من احتمال الضيم والذل والتحريض على الحرب كثيرة، ونحن نذكر
منها ها هنا طرفاً؛ فمن ذلك قول عمرو بن براقة الهمداني:
ومثله:
وقال
حرب بن مسعر:
وقال
الحارث بن الأرقم:
وقال
العباس بن مرداس السلمي:
وقال
وهب بن الحارث:
وقال
المسيب بن غلس:
وقال
آخر:
وقال
بعض بني أسد:
دخل
مويلك السدوسي إلى البصرة يبيع إبلاً، فأخذ عامل الصدقة بعضها، فخرج إلى البادية
وقال:
وقال
يزيد بن مفرغ الحميري:
وقال
آخر:
مثله
قول عنترة:
وقال
آخر:
وقال
آخر:
مثله
للشداخ:
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من
هم أباة الضيم
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
سيد أهل الإباء، الذي علم الناس الحمية والموت تحت ظلال السيوف،
اختياراً له على الدنية، أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، عرض عليه الأمان وأصحابه، فأنف من
الذل، وخاف من ابن زياد أن يناله بنوعٍ من الهوان؛ إن لم يقتله؛ فاختار الموت على ذلك.
لما
فر أصحاب مصعب عنه، وتخلف في نفر يسير من أصحابه، كسر جفن سيفه، وأنشد:
فعلم
أصحابه أنه قد استقتل.
وله
أيضاً:
وقال
مالك بن خريم الهمداني:
وقال
رشيد بن رميص العنزي:
وقال
آخر:
ومن أباة الضيم يزيد بن المهلب، كان يزيد بن عبد الملك يشنؤه قبل خلافته؛ لأسباب ليس هذا
موضع ذكرها، فلما أفضت إليه الخلافة، خلعه يزيد بن
المهلب، ونزع يده من طاعته، وعلم أنه إن ظفر به قتله وناله من الهوان ما القتل
دونه، فدخل البصرة وملكها عنوةً، وحبس عدي ابن أرطأة عامل عامل يزيد بن
عبد الملك عليها، فسرح إليه يزيد بن عبد الملك جيشاً كثيفاً، ويشتمل على ثمانين
ألفاً من أهل الشام والجزيرة، وبعث مع الجيش مسلمة بن عبد الملك، وكان أعرف
الناس بقيادة الجيوش وتدبيرها، وأيمن الناس نقيبةً في الحرب، وضم إليه ابن أخيه
العباس بن الوليد بن عبد الملك، فسار يزيد بن المهلب من البصرة، فقدم واسط،
فأقام بها أياماً، ثم سار عنها فنزل العقر ، واشتملت جريدة جيشه على مائة وعشرين
ألفاً، وقدم مسلمة بجيوش الشام، فلما تراءى
العسكران، وشبت الحرب، أمر مسلمة قائداً من قواده أن يحرق الجسور التي
كان عقدها يزيد بن المهلب فأحرقها، فلما رأى أهل العراق الدخان قد علا انهزموا، فقيل ليزيد بن المهلب: قد انهزم الناس، قال: ومم
انهزموا؟ هل كان قتال ينهزم الناس من مثله؟ فقيل له: إن مسلمة أحرق الجسور فلم
يثبتوا، فقال قبحهم الله! بق دخن عليه فطار! ثم وقف ومعه أصحابه، فقال: اضربوا
وجوه المنهزمين، ففعلوا ذلك حتى كثروا عليه، واستقبله منهم أمثال الجبال، فقال:
دعوهم قبحهم الله! غنم عدا في نواحيها الذئب. وكان
يزيد لا يحدث نفسه بالفرار، وقد كان أتاه يزيد بن
الحكم بن أبي العاص الثقفي بواسط، فقال له:
فقال:
ما شعرت، فقال:
فقال: أما
هذا فعسى. فلما رأى يزيد انهزام أصحابه، نزل عن فرسه، وكسر جفن سيفه واستقتل، فأتاه آت فقال: إن أخاك حبيباً قد قتل، فزاده ذلك
بصيرة في توطينه نفسه على القتل، وقال: لا خير في العيش بعد حبيب! والله لقد كنت
أبغض الحياة بعد الهزيمة؛ وقد ازددت لها بغضاً؛ امضوا قدماً. فعلم
أصحابه أنه مستميت، فتسلل عنه من يكره القتال، وبقي معه جماعة خشية، فهو يتقدم
كلما مر بخيل كشفها، وهو يقصد مسلمة بن عبد الملك لا يريد غيره، فلما دنا منه،
أدنى مسلمة فرسه ليركب، وحالت خيول أهل الشام بينهما، وعطفت على يزيد بن المهلب،
فجالدهم بالسف مصلتا ؛ حتى قتل وحمل رأسه إلى
مسلمة، وقتل معه أخوه محمد بن المهلب؛
وكان أخوهما المفضل بن المهلب؛ يقاتل أهل الشام في
جهة أخرى، ولا يعلم بقتل أخويه يزيد ومحمد؛
فأتاه أخوه عبد الملك بن المهلب، وقال له: ما تصنع وقد قتل يزيد ومحمد، وقبلهما قتل حبيب، وقد انهزم
الناس! وقد روي أنه لم يأته
بالخبر على وجهه، وخاف أن يخبره بذلك فيستقتل ويقتل، فقال له: إن الأمير قد انحدر إلى واسط، فاقتص
أثره، فانحدر المفضل حينئذ، فلما علم بقتل إخوته،
حلف ألا يكلم أخاه عبد الملك أبداً؛ وكانت عين المفضل قد أصيبت من قبل في
حرب الخوارج، فقال: فضحني عبد الملك فضحه الله!
ما عذري إذا رآني الناس فقالوا: شيخ أعور مهزوم،
ألا صدقني فقتلت! ثم قال:
فلما اجتمع من بقي من آل المهلب بالبصرة بعد الكسرة، أخرجوا عدي
بن أرطأة أمير البصرة من الحبس، فقتلوه وحملواعيالهم في السفن البحرية، ولججوا
في البحر؛ فبعث
إليهم مسلمة بن عبد الملك بعثاً عليه قائد من قواده، فأدركهم في قندابيل ؛
فحاربهم وحاربوه، وتقدم بنو المهلب بأسيافهم، فقاتلوا
حتى قتلوا عن آخرهم، وهم المفضل بن المهلب، وزياد بن المهلب، ومروان ابن
المهلب، وعبد الملك بن المهلب، ومعاوية بن المهلب، والمنهال بن المهلب بن أبي
عيينة ابن المهلب، وعمرو والمغيرة ابنا قبيصة بن المهلب، وحملت رؤوسهم إلى مسلمة بن عبد الملك، وفي أذن كل واحد
منهم رقعة فيها اسمه، واستؤسر الباقون في الوقعة، فحملوا إلى يزيد ابن عبد الملك
بالشام، وهم احد عشر رجلاً، فلما دخلوا عليه قام
كثير بن أبي جمعة، فأنشد:
فقال يزيد:
أطت بك الرجم يا أبا صخر! لولا أنهم قدحوا في الملك لعفوت عنهم؛ ثم أمر بقتلهم
فقتلوا، وبقي منهم صبي صغير، فقال: اقتلوني فلست بصغير، فقال يزيد بن عبد الملك: انظروا هل أنبت! فقال: أنا أعلم بنفسي، قد احتلمت ووطأت النساء فاقتلوني؛ فلا خير في
العيش بعد أهلي! فأمر به فقتل. قال: ولم يبق بعد
هذه الوقعة الثانية لأهل المهلب باقية إلا أبو عيينة بن المهلب. وعمرو بن يزيد ابن المهلب، وعثمان بن المفضل
بن المهلب، فإنهم لحقوا برتبيل ، ثم أومنوا بعد
ذلك.
وقال
أيضاً:
وقال
أيضاً رحمه الله تعالى:
وقال
حارثة بن الغداني:
وقال
بعض الخوارج:
وقال
الأعشى:
وقال
آخر:
ومثله:
وقال
آخر:
وقال
بشامة بن الغدير:
قال يزيد بن المهلب في حرب جرجان لأخيه أبي عيينة: ما أحسن منظرٍ رأيت في هذه الحرب؟ قال: سيف بن أبي سبرة وبيضته؛ وكان عبد الله
بن أبي سبرة حمل على غلام تركي قد أفرج الناس له، وصدوا عنه لبأسه وشجاعته،
فتضاربا ضربتين، فقتله ابن أبي سبرة بعد أن ضربه التركي في رأسه، فنشب سيفه في
بيضة ابن أبي سبرة، فعاد إلى الصف وسيفه مصبوغ بدم التركي وسيف التركي في بيضته
كجزء منها يلمع، فقال الناس: هذا كوكب الذنب، وعجبوا من منظره.
وقال
آخر:
وقال
آخر:
استنصر
سبيع بن الخطيم التيمي من بني تيم اللات بن ثعلبة زيد الفوارس الضبي فنصره، فقال:
وقال
أبو طالب بن عبد المطلب:
لما برز علي وحمزة وعبيدة عليهم السلام يوم بدر إلى عتبة وشيبة
والوليد، قتل علي عليه السلام الوليد، وقتل حمزة شيبة، على اختلاف في رواية ذلك: هل كان شيبة قرنه أم عتبة؟ وتجالد
عبيدة وعتبة بسيفيهما، فجرح عبيدة عبتة في رأسه، وقطع عتبة ساق عبيدة؛ فكر علي
وحمزة عليهما السلام على صاحبهما، فاستنقذاه من عتبة، وخبطاه بسيفهما حتى قتلاه
واحتملا صاحبهما، فوضعاه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش، وهو
يجود بنفسه، وإن مخ ساقه ليسيل، فقال: يا رسول الله، لو كان أبو طالب حياً لعلم
أني أولى منه بقوله:
فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:
" اللهم أنجز لي ما وعدتني! اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض
". لما
قدم جيش الحرة إلى المدينة، وعلى الجيش مسلم بن عقبة المري، أباح المدينة
ثلاثاً، واستعرض أهلها بالسيف جزراً كما يجزر القصاب الغنم؛ حتى ساخت الأقدام في
الدم، وقتل أبناء المهاجرين والأنصار وذرية أهل بدر، وأخذ البيعة ليزيد بن معاوية على كل من استبقاه من الصحابة
والتابعين؛ على أنه عبد قن لأمير المؤمنين يزيد بن
معاوية؛ هكذا كانت صورة المبايعة يوم الحرة، إلا علي بن الحسين بن علي عليهم السلام فإنه أعظمه وأجلسه معه على سريره، وأخذ بيعته على أنه أخو
أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وابن عمه، دفعاً له عما بايع عليه غيره، وكان ذلك
بوصاةٍ من يزيد بن معاوية له، فهرب علي بن عبد الله بن العباس رحمه الله تعالى إلى أخواله من كندة، فحموه من مسلم بن
عقبة، وقالوا: لا نبايع ابن أختنا إلا على ما بايع عليه ابن عمه علي بن الحسين،
فأبى مسلم بن عقبة ذلك، وقال: إني لم أفعل ما فعلت إلا بوصاة أمير المؤمنين،
ولولا ذلك لقتلته، فإن أهل هذا البيت أجدر بالقتل، أو لأخذت بيعته على ما أخذت
عليه بيعة غيره، وسفرالسفراء بينه وبينهم، حتى وقع الاتفاق على أن يبايع ويقول:
أنا أبايع لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية، وألتزم طاعته، ولا يقول غير ذلك، فقال علي بن عبد الله بن العباس:
مسرف
كناية عن مسلم، وأم علي بن عبد الله بن العباس زرعة بنت مشرح بن معدي كرب ابن
وليعة بن شرحبيل بن معاوية بن كندة.
ابن
سلمى يعني نفسه، وسلمى أمه.
وقال
آخر:
وقال
آخر:
وقال
آخر :
وقال
أبو النشناش:
وفد يحيى بن عروة بن الزبير على عبد الملك، فجلس يوماً على بابه ينتظر إذنه، فجرى ذكر عبد الله بن الزبير، فنال منه حاجب عبد الملك، فلطم يحيى وجهه حتى أدمى أنفه،
فدخل على عبد الملك ودمه يجري من أنفه، فقال: من
ضربك؟ قال: يحيى بن عروة، قال: أدخله - وكان عبد الملك متكئاً فجلس -
فلما دخل قال: ما حملك على ما صنعت بحاجبي؟ قال: يا أمير المؤمنين، إن عمي عبد
الله كان أحسن جواراً لعمتك منك لنا، والله إن كان ليوصي أهل ناحيته ألا يسمعوها
قذعاً ، ولا يذكروكم عندها إلا بخير، وإن كان ليقول لها: من سب أهلك فقد سب
أهله، فأنا والله المعم المخول، تفرقت العرب بين عمي وخالي، فكنت كما قال الأول:
فرجع عبد الملك إلى متكئه، ولم يزل يعرف منه الزيادة في إكرام يحيى وبعدها. وأم
يحيى هذه ابنة الحكم بن أبي العاص عمة عبد الملك بن مروان، وقال سعيد بن عمر
الحرشي أمير خارسان:
قال عبد الله بن الزبير لما خطب حين أتاه نعي مصعب: أما بعد، فإنه أتانا من العراق خبر
أفرحنا وأحزننا؛ أتانا خبر قتل المصعب؛ فأما الذي أحزننا فلوعة يجدها الحميم عند
فراق حميمه، ثم يرعوي بعدها ذو اللب إلى حسن الصبر وكرم العزاء.
وقال
الشداخ بن يعمر الكناني:
وقال
يحيى بن منصور الحنفي:
قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد: ويحك! أقتلتم ذرية رسول الله صلى الله
عليه وسلم! فقال: عضضت بالجندل؛ إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا، ثارت علينا
عصابة، أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية تحطم الفرسان يميناً وشمالاً،
وتلقي أنفسها على الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل
بينها وبين الورود على حياض المنية، أو الاستيلاء على الملك؛ فلو كفننا عنها
رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها، فما كنا فاعلين لا أم لك! السخاء من باب
الشجاعة، والشجاعة من باب السخاء؛ لأن الشجاعة إنفاق العمر وبذله فكانت سخاء،
والسخاء إقدام على إتلاف ما هو عديل المهجة، فكان شجاعة.
قيل لشيخنا أبي عبد الله البصري رحمه الله تعالى: أتجد في النصوص ما يدل على تفضيل علي عليه السلام، بمعنى كثرة الثواب لا بمعنى كثرة مناقبه، فإن ذاك أمر مفروغ منه؟ فذكر حديث الطائر المشوي ، وأن المحبة من الله تعالى إرادة الثواب. فقيل
له: قد سبقك الشيخ أبو علي رحمه الله تعالى إلى
هذا؛ فهل تجد غير ذلك؟ قال: نعم قول الله تعالى: " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله
صفاً كأنهم بنيان مرصوص " ، فإذا كان أصل المحبة لمن ثبت كثبوت البنيان المرصوص، فكل من
زاد ثباته؛ زادت المحبة له، ومعلوم أن علياً عليه السلام ما فر في زحفٍ قط، وفر غيره في غير موطن، وقال أبو تمام :
وقال
أبو الطيب المتنبي:
قال
عطاف بن محمد الألوسي:
وقال
عروة بن الورد:
وقال
آخر:
نهار
بن توسعة في يزيد بن المهلب:
كان هدية اليشكري- وهو ابن عم شوذب الخارجي اليشكري - شجاعاً
مقداماً، وكان ابن عمه بسطام الملقب شوذباً الخارج في خلافة عمر بن عبد العزيز
ويزيد بن عبد الملك،
فأرسل إليه يزيد بن عبد الملك جيشاً كثيفاً فحاربه، فانكشفت الخوارج، وثبت هدبة
وأبى الفرار، فقاتل حتى قتل، فقال أيوب بن خولي
يرثيه:
كانت وصايا إبراهيم الإمام وكتبه ترد إلى أبي مسلم بخراسان: إن استطعت ألا تدع بخراسان أحداً
يتكلم بالعربية إلا وقتلته فافعل، وأيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله،
وعليك بمضر، فإنهم العدو القريب الدار، فأبد خضراءهم ، ولا تدع على الأرض منهم
دياراً، قال المتنبي:
وله:
وقال المتنبي أيضاً:
ومن أباة الضيم قتيبة بن مسلم الباهلي أمير الخراسان وما وراء النهر، لم يصنع
أحد صنيعه في فتح بلاد الترك، وكان الوليد بن عبد الملك أراد أن ينزع أخاه
سليمان بن عبد الملك من العهد بعده، ويجعله في ابنه عبد العزيز بن الوليد،
فأجابه إلى ذلك قتيبة بن مسلم الباهلي وجماعة من الأمراء، فلما مات الوليد قبل إتمام ذلك، وقام
سليمان بالأمر بعده - وكان قتيبة أشد الناس في أمر سليمان وخلعه عن العهد - علم
أنه سيعزله عن خراسان ويوليها يزيد بن المهلب، لودٍ كان بينه وبين سليمان، فكتب
قتيبة إليه كتاباً يهنئه بالخلافة، ويذكر بلاءه وطاعته لعبد الملك وللوليد بعده،
وأنه على مثل ذلك إن لم يعزله عن خراسان، وكتب إليه
كتاباً آخر يذكره فيه بفتوحه وآثاره، ونكايته في الترك، وعظم قدره عند ملوكهم،
وهيبة العجم والعرب له وعظم صيته فيهم، ويذم آل المهلب، ويحلف له بالله:
لئن استعمل يزيد بن المهلب على خراسان ليخلعنه، وليملأنها عليه خيلاً ورجلاً، وكتب كتاباً ثالثاً فيه خلع سليمان، وبعث بالكتب الثلاثة
مع رجل من قومه من باهلة يثق به، وقال له: ادفع الكتاب الأول له، فإن كان
يزيد بن المهلب حاضراً عنده، فقرأ الكتاب ثم دفعه
إلى يزيد فادفع إليه هذا الثاني، فإن قرأه وألقاه إليه أيضاً فادفع إليه الثالث،
وإن قرأ الكتاب الأول ولم يدفعه إلى يزيد؛ فاحتبس الكتابين الآخرين معك. فقال قتيبة لصاحب شرطته: انطلق إلى وكيع فأتني به، فإن أبى فاضرب عنقه، وأتني برأسه،
ووجه معه خيلاً. فقال وكيع لصاحب
الشرطة: البث قليلاً تلحق الكتائب، وقام فلبس سلاحه، ونادى في الناس
فأتوه، فخرج فتلقاه رجل، فقال: ممن أنت؟ فقال: من بني أسد، فقال: ما اسمك؟ فقال
ضرغام، فقال: ابن من؟ قال: ابن ليث، فتيمن به وأعطاه رايته، وأتاه الناس أرسالاً
من كل وجه، فتقدم بهم، وهو يقول:
واجتمع
إلى قتيبة أهله وثقاته، وأكثر العرب ألسنتهم له وقلوبهم عليه. فأمر قتيبة رجلاً
فنادى: أين بنو عامر؟ - وقد كان قتيبة جفاهم في أيام سلطانه - فقال له مجفر بن
جزء الكلابي: نادهم حيث وضعتهم، فقال قتيبة: أنشدكم
الله والرحم - وذاك لأن باهلة وعامراً من قيس عيلان - فقال مخفر: أنت قطعتها،
قال: فلكم العتبى، فقال مجفر: لا أقالنا الله إذاً، فقال قتيبة:
ثم
دعا ببرذون له مدرب ليركبه، فجعل يمنعه الركوب حتى أعيا. فلما رأى ذلك عاد إلى سريره فجلس، وقال: دعوه؛ فإن هذا أمر يراد. وجاء حيان
النبطي - وهو يومئذ أمير الموالي، وعدتهم سبعة آلاف، وكان واجداً على قتيبة - فقال له عبد الله بن مسلم أخو قتيبة: احمل يا
حيان، فقال: لم يأن بعد، فقال له: ناولني قوسك، فقال
حيان: ليس هذا بيوم قوس. ثم قال حيان لابنه: إذا رأيتني قد حولت قلنسوتي، ومضيت نحو عسكر وكيع فمل بمن
معك من العجم إلي، فلما حول حيان قلنسوته ومضى نحو عسكر وكيع، مالت الموالي معه
بأسرها، فبعث قتيبة أخاه صالح بن مسلم إلى الناس، فرماه رجل من بني ضبة فأصاب
رأسه، فحمل إلى قتيبة ورأسه مائل، فوضعه على مصلاه، وجلس عند رأسه ساعة، وتهايج
الناس، وأقبل عبد الرحمن بن مسلم أخو قتيبة نحوهم،
فرماه الغوغاء وأهل السوق فقتلوه، وأشير على قتيبة بالانصراف، فقال: الموت أهون
من الفرار. وأحرق وكيع موضعاً كانت فيه إبل قتيبة ودوابه، وزحف بمن معه حتى دنا
منه، فقاتل دونه رجل من أهله قتالاً شديداً، فقال
له قتيبة: انج بنفسك، فإن مثلك يضن به عن القتل، قال: بئسما جزيتك به
أيها الأمير إذاً، وقد أطعمتني الجرذق ، وألبستني النمرق . وتقدم الناس حتى بلغوا فسطاط قتيبة، فأشار عليه نصحاؤه بالهرب، فقال: إذا لست لمسلم بن
عمرو! ثم خرج إليهم بسيفه يجالدهم، فجرح جراحات
كثيرة، حتى ارتث وسقط، فأكبوا عليه، فاحتزوا رأسه، وقتل من معه من إخوته عبد
الرحمن، وعبد الله وصالح، والحصين، وعبد الكريم، ومسلم، وقتل معه جماعة من أهله
وعدة من قتل معه من أهله وإخوته أحد عشر رجلاً.
وصعد وكيع بن أبي سود المنبر وأنشد:
إن
قتيبة أراد قتلي، وأنا قتال الأقران، ثم أنشد:
ثم
قال: أنا أبو مطرف، يكررها مراراً، ثم قال:
ثم أخذ بلحيته، وقال: إني لأقتلن ثم لأقتلن ولأصلبن ثم لأصلبن، إن مرزبانكم هذا
ابن الزانية، قد أغلى أسعاركم، والله لئن لم يصر القفيز بأربعة دراهم لأصلبنه،
صلوا على نبيكم. ثم ذهب إلى الأزد، فأخذ الرأس وأتاه به، فسيره إلى سليمان بن عبد الملك، فأدخل عليه ومعه
رؤوس إخوته وأهله، وعنده الهذيل بن زفر بن الحارث
الكلابي، فقال: أساءك هذا يا هذيل؟ فقال: لو
ساءني لساء ناساً كثيراً. فقال سليمان: ما
أردت هذا كله، وإنما قال سليمان ذاك للهذيل، لأن قيس عيلان تجمع كلاباً وباهلة،
قالوا: ما ولي خراسان أحد كقتيبة بن مسلم؛ ولو
كانت باهلة في الدناءة والضعة واللؤم إلى أقصى غاية،
لكان لها بقتيبة الفخر على قبائل العرب. فقيل له:
أيهما كان أعظم عندكم وأهيب؟ قال: لو كان قتيبة بأقصى حجرةٍ في المغرب، مكبلاً
بالحديد والقيود، ويزيد معنا في بلدنا والٍ علينا، لكان قتيبة أهيب في صدورنا
وأعظم، وقال عبد الرحمن بن جمانة الباهلي يرثي
قتيبة:
عبهر:
أم ولد له.
حض
منصور بن عمار في قصصه على الغزو والجهاد، فطرحت في المجلس صرة فيها شيء، ففتحت
فإذا فيها ضفيرتا امرأة، وقد كتبت: رأيتك
يابن عمار تحض على الجهاد، ووالله إني لا أملك لنفسي مالاً، ولا أملك سوى ضفيرتي
هاتين، وقد ألقيهما إليك، فتالله إلا جعلتهما قيد فرسٍ غازٍ في سبيل الله، فلعل
الله أن يرحمني بذلك، فارتج المجلس بالبكاء
والضجيج.
عبد
الله بن ثعلبة الأزدي:
مجير
الجراد أبو حنبل حارثة بن مر الطائي، أجاز جراداً نزل به ومنع من صيده، حتى طار
من أرضه، فسمي مجير الجراد.
وقال
يحيى بن منصور الحنفي:
وقال
آخر:
حاصرت
الترك مدينة برذعة من أعمال أذربيجان في أيام هشام بن عبد الملك حصاراً شديداً،
واستضعفتها وكادت تملكها، وتوجه إليها لمعاونتها سعيد الحرشي من قبل هشام بن عبد
الملك في جيوش كثيفة، وعلم الترك بقربه منهم فخافوا، وأرسلوا سعيد واحداً من
أصحابه إلى أهل برذعة سراً يعرفهم وصوله، ويأمرهم بالصبر خوفاً ألا يدركهم، فسار
الرجل، ولقيه قوم من الترك، فأخذوه وسألوه عن حاله، فكتمهم
فعذبوه، فأخبرهم وصدقهم فقالوا: إن فعلت ما نأمرك به أطلقناك، وإلا قتلناك،
فقال: ما تريدون؟ قالوا: أنت عارف بأصحابك ببرذعة وهم يعرفونك، فإذا وصلت
تحت السور فنادهم: إنه ليس خلفي مدد، ولا من يكشف ما بكم، وإنما بعثت جاسوساً. فأجابهم
إلى ذلك، فلما صار تحت سورها، وقف حيث يسمع أهلها كلامه، وقال لهم: أتعرفونني؟
قالوا: نعم، أنت فلان ابن فلان. قال:
فإن سعيداً الحرشي قد وصل إلى مكان كذا في مائة ألف سيف، وهو يأمركم بالصبر وحفظ
البلد، وهو مصبحكم أوممسيكم، فرفع أهل برذعة
أصواتهم بالتكبير، وقتلت الترك ذلك الرجل، ورحلوا عنها ووصل سعيد فوجد أبوابها مفتوحة وأهلها سالمين، وقال
الراجز:
أشرف
معاوية يوماً فرأى عسكر علي عليه السلام بصفين فهاله، فقال: من طلب عظيماً خاطر
بعظيمته، وقال الكلحبة:
ومن
شعر الحماسة :
ومنه
أيضاً: وفي الشر نجاة حين لا ينجيك إحسان.
ومنه
أيضاً :
ومنه
أيضاً:
ومنه
أيضاً :
ومنه
أيضاً :
ومنه
أيضاً :
ومنه
أيضاً :
ومنه
أيضاً :
كتب عبد الحميد بن يحيى عن مروان بن محمد إلى أبي مسلم كتاباً،
حمل على جملٍ لعظمه وكثرته. وقيل:
إنه لم يكن في الطول إلى هذه الغاية، وقد حمل على جمل تعظيماً لأمره، وقال لمروان بن محمد: إن قرأه خالياً نخب قلبه،
وإن قرأه في ملأ من أصحابه ثبطهم وخذلهم، فلما وصل
إلى أبي مسلم أحرقه بالنار ولم يقرأه، وكتب على بياض كان على رأسه وأعاده إلى
مروان:
ويقال: إن أول الكتاب كان: لو أراد الله بالنملة صلاحاً، لما أنبت لها جناحاً. وكتب أبو
مسلم إلى نصر بن سيار، وهو أول كتاب صدر عن أبي
مسلم إلى نصر، وذلك حين لبس السواد، وأعلن
بالدعوة في شهر رمضان من سنة سبع وعشرين ومائة: أما بعد، فإن الله جل
ثناؤه ذكر أقواماً فقال: " وأقسموا بالله جهد
أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا
نفوراً، استكباراً في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، فهل
ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً
" . الرضي الموسوي رحمه الله تعالى:
وله:
ومن أهل الإباء الذين كرهوا الدنية واختاروا عليها المنية، عبد
الله بن الزبير، تفرق عنه -لما حاربه الحجاج بمكة، وحصره في الحرم - عامة
أصحابه، وخرج كثير منهم إلى الحجاج في الأمان؛ حتى حمزة
وخبيب ابناه، فدخل عبد الله على أمه أسماء
بنت أبي بكر الصديق، وكانت قد كف بصرها، وهي
عجوز كبيرة، فقال لها: خذلني الناس حتى ولدي
وأهلي، ولم يبق معي إلا من ليس عنده من الدفع أكثر من ساعة، والقوم يعطونني من
الدنيا ما سألت، فما رأيك؟ فقالت: أنت يا
بني أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له، فقد قتل أكثر
أصحابك، فلا تمكن من رقبتك يتلاعب بها غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا
فبئس العبد أنت! أهلكت نفسك، وأهلكت من قتل معك، وإن كنت قاتلت على الحق، فما
وهن أصحابك إلا ضعفت، فليس هذا فعل الأحرار ولا أهل الدين. وكم خلودك في الدنيا!
القتل أحسن. اللهم إني لا أقول هذا
تزكيةً لنفسي، أنت أعلم بي؛ ولكني أقوله تعزيةً لأمي لتسلو عني. فقالت:
إني لأرجو من الله أن يكون عزائي فيك حسناً إن
تقدمتني؛ فاخرج لأنظر إلى ماذا يصير أمرك! فقال:
جزاك الله خيراً يا أمي! فلا تدعي الدعاء لي حياً
وميتاً. قالت: لا أدعه
أبداً، فمن قتل على باطلٍ فقد قتلت على حق، ثم قالت: اللهم ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل، وذلك النحيب
في الظلماء، وذلك الصوم في هواجر مكة والمدينة، وبره بأبيه وبي؛ اللهم إني قد
أسلمت لأمرك، ورضيت بما قضيت فيه، فأثبني عليه ثواب الصابرين.
وأقام أهل الشام على كل باب من أبواب الحرم رجالاً وقائداً؛ فكان لأهل حمص الباب الذي يواجه
الكعبة، ولأهل دمشق باب بني شيبة، ولأهل الأردن باب الصفا، ولأهل فلسطين باب
جمح، ولأهل قنسرين باب بني سهم. وخرج ابن الزبير فمرة يحمل ههنا ومرة يحمل ههنا،
وكأنه أسد لا يقدم عليه الرجال، وأرسلت إليه زوجته: أأخرج فأقاتل معك؟ فقال: لا،
وأنشد:
فلما
كان الليل، قام يصلي إلى قريب السحر ثم أغفى محتبياً بحمائل سيفه، ثم قام فتوضأ
وصلى، وقرأ " ن والقلم وما يسطرون "، ثم قال بعد إنقضاء صلاته: من كان
عني سائلاً فإني في الرعيل الأول، ثم أنشد:
ثم
حمل حتى بلغ الحجون ، فرمي بآجرة، فأصابت وجهه فدمي، فلما وجد سخونة الدم يسيل
على وجهه، أنشد:
ثم
حمل على أهل الشام فغاص فيهم، واعتوروه بأسيافهم حتى سقط، وجاء الحجاج فوقف عليه
وهو ميت، ومعه طارق بن عمرو، فقال: ما ولدت النساء أذكر من هذا! وبعث برأسه إلى
المدينة، فنصب بها، ثم حمل إلى عبد الملك.
وقال
ابن حيوس:
وله
أيضاً:
وممن تقبل مذاهب الأسلاف في إباء الضيم والكراهية الذل، واختار
القتل على ذلك وأن يموت كريماً؛ أبو الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب عليه السلام،
أمه أم ولد، وكان السبب في خروجه وخلعه طاعة بني مروان، أنه كان يخاصم عبد الله
بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام في
صدقات علي عليه السلام،
هذا يخاصم عن بني حسين، وهذا عن بني حسن، فتنازعا يوماً عند خالد بن عبد الملك
بن الحارث بن الحكم أمير المدينة، فأغلظ كل واحد منهما لصاحبه، فسر خالد بن عبد الملك بذلك، وأعجبه سبابهما وقال لهما
حين سكنا: اغدوا علي، فلست بابن عبد الملك إن لم أفصل بينكما غداً، فباتت
المدينة تغلي كالمرجل، فمن قائل يقول: قال
زيد كذا، وقائل يقول: قال عبد الله كذا، فلما كان الغد جلس خالد في المسجد، وجمع الناس؛ فمن بين
شامت، ومغموم، ودعا بهما وهو يحب أن يتشاتما، فذهب عبد الله يتكلم، فقال
زيد: لا تعجل يا أبا محمد، أعتق زيد ما يملك إن خاصمك إلى خالد أبداً، ثم أقبل على خالد، فقال له: أجمعت ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمرٍ ما كان يجمعهم عليه أبو بكر ولا عمر، فقال خالد: أما لهذا السفيه أحد يكلمه! فتكلم رجل من الأنصار من آل عمرو بن حزم، فقال: يابن أبي تراب، ويابن حسين السفيه!
أما ترى عليك لوالٍ حقاً ولا طاعة! فقال زيد: اسكت أيها القحطاني، فإنا لا نجيب
مثلك، فقال الأنصاري: ولم ترغب عني! فوالله
إني لخير منك، وأبي خير من أبيك، وأمي خير من أمك! فتضاحك زيد، وقال: يا معشر قريش؛ هذا الدين قد ذهب؛ أفذهبت الأحساب! فتكلم عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فقال: كذبت أيها القحطاني، والله لهو خير
منك نفساً وأباً وأماً ومحتداً ، وتناوله بكلام كثير، وأخذ كفاً من الحصا، فضرب
به الأرض، وقال: إنه والله ما لنا على هذا من صبر، وقام. فقام زيد أيضاً، وشخص من فوره إلى هشام بن عبد الملك، فجعل هشام لا يأذن له
وزيد يرفع إليه القصص، وكلما رفع إليه قصة كتب هشام في أسفلها: ارجع إلى أرضك، فيقول زيد: والله لا أرجع إلى ابن
الحارث أبداً. ثم أذن له بعد حبسٍ طويل وهشام في علية له،
فرقي زيد إليها، وقد أمر هشام خادماً له أن يتبعه
حيث لا يراه زيد، ويسمع ما يقول. فأخبر الخادم هشاماً بذلك، فلما قعد زيد بين يدي هشام وحدثه حلف له على شيء، فقال هشام: لا أصدقك، فقال
زيد: إن الله لا يرفع أحداً عن أن يرضى بالله، ولم يضع أحداً عن أن يرضى
بذلك منه. قال له هشام:
إنه بلغني أنك تذكر الخلافة وتتمناها، ولست هناك! لأنك ابن أمة، فقال زيد: إن لك جواباً،
قال: تكلم، قال: إنه ليس أحد أولى بالله، ولا أرفع درجة عنده من نبي
ابتعثه؛ وهو إسماعيل بن إبراهيم، وهو ابن أمة،
قد اختاره الله لنبوته، وأخرج منه خير البشر، فقال
هشام: فما يصنع أخوك البقرة! فغضب زيد،
حتى كاد يخرج من إهابه، ثم قال: سماه رسول
الله صلى الله عليه وسلم الباقر وتسميه أنت البقرة! لشد ما اختلفتما! لتخالفنه في الآخرة، كما خالفته في الدنيا،
فيرد الجنة وترد النار. فأخرج زيد وأشخص إلى المدينة، ومعه نفر يسيرونه حتى طردوه عن
حدود الشام،
فلما فارقوه عدل إلى العراق، ودخل الكوفة
وبايع نفسه، فأعطاه البيعة أكثر أهلها، والعامل
عليها وعلى العراق يومئذ يوسف بن عمر الثقفي، فكان بينهما من الحرب ما هو مذكور في كتب التواريخ. وخذل أهل الكوفة زيداً، وتخلف معه ممن تابعه نفر يسير، وأبلى
بنفسه بلاءً حسناً وجهاداً عظيماً، حتى أتاه سهم غرب ، فأصاب جانب جبهته اليسرى،
فثبت في دماغه فحين نزع منه مات عليه السلام.
العلوي
البصري صاحب الزنج يقول:
وقال
أيضاً:
بعض
الطالبيين:
بعض
الخوارج يصف أصحابه:
وفي الحديث المرفوع: " خلقان يحبهما الله: الشجاعة والسخاء ". دخل نصر بن راشد العبدي على امرأته في حرب الترك بخراسان في
ولاية الجنيد بن عبد الرحمن المري في خلافة هشام بن عبد الملك، والناس يقتتلون،
فقال لها:
كيف تكونين إذا أتيت بي في لبدٍ قتيلاً مضرجاً بالدماء؟ فشقت جيبها، ودعت
بالويل،
فقال: حسبك! لو أعولت علي كل أنثى لعصيتها شوقاً إلى الجنة. ثم خرج فقاتل حتى قتل، وحمل إلى امرأته في لبد
ودمه يقطر من خلاله، قال أبو الطيب المتنبي:
وقال:
وقال:
قيل لأبي مسلم في أيام صباه: نراك تنظر إلى السماء كثيراً كأنك تسترق السمع، أو تنتظر
نزول الوحي! قال:
لا، ولكن لي همة عالية، ونفس تتطلع إلى معالي الأمور، مع عيش كعيش الهمج
والرعاع، وحال متناهية في الاتضاع. قيل:
فما الذي يشفي علتك، ويروي غلتك؟ قال:
الملك، قيل: فاطلب الملك، قال: إن الملك لا يطلب هكذا. قيل: فما
تصنع وأنت تذوب حسراً ، وتموت كمداً؟ قال:
سأجعل بعض عقلي جهلاً، وأطلب به ما لا يطلب إلا بالجهل، وأحرس بالباقي ما لا
يحرس إلا بالعقل، فأعيش بين تدبير ضدين، فإن الخمول أخو العدم، والشهرة أخت
الكون.
وقال:
كان
ثابت قطنة في خيل عبد الله بن بسطام في فتح شكند من بلاد الترك في أيام هشام بن
عبد الملك، فاشتدت شوكة الترك، وانحاز كثير من المسلمين واستؤسر منهم خلق، فقال ثابت: والله لا ينظر إلي بنو أمية غداً
مشدوداً في الحديد، أطلب الفداء؛ اللهم إن كنت ضيف ابن بسطام البارحة، فاجعلني
ضيفك الليلة، ثم حمل وحمل معه جماعة،
فكسرتهم الترك، فرجع أصحابه وثبت هو، فرمي برذونه فشب، وضربه فأقدم، فصرع ثابت وارتث، فقال: اللهم إنك استجبت دعوتي
وأنا الآن ضيفك، فاجعل قراي الجنة؛ فنزل تركي فأجهز عليه. لما
حبس مروان بن محمد إبراهيم الإمام خرج أبو العباس السفاح، وأخوه أبو جعفر، وعبد
الوهاب ومحمد ابنا إبراهيم الإمام، وعيسى وصالح وإسماعيل وعبد الله وعبد الصمد
أبناء علي بن عبد الله بن العباس، وعيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن
العباس، ويحيى بن جعفر بن تمام بن العباس، من الحميمة من أرض الشراة، يطلبون
الكوفة، وقد كان داود بن علي بن عبد الله بن العباس وابنه موسى بن داود بالعراق،
فخرجا يطلبان الشام، فتلقاهما أبو العباس وأهل بيته بدومة الجندل ، فسألهم داود عن خروجهم، فأخبروه أنهم يريدون الكوفة
ليظهروا بها، ويدعوا إلى البيعة لأبي العباس.
فقال
داود لابنه موسى: صدق ابن عمك، ارجع بنا معه، فإما أن نهلك أو نموت كراماً.
وله:
وقال
آخر:
خطب الحجاج،
فشكا سوء طاعة أهل العراق، فقام إليه جامع المحاربي،
فقال: أيها الأمير، دع ما يباعدهم منك إلى ما يقربهم إليك، والتمس
العافية ممن دونك تعطها ممن فوقك، فلو أحبوك لأطاعوك، إنهم ما شنأوك ينسبك ولا
لبأوك، ولكن لإيقاعك بعد وعيدك، ووعيدك بعد وعدك.
ومن الشعر الجيد في تحسين الإباء والحمية والتحريض على النهوض
والحرب وطلب الملك والرياسة، قصيدة عمارة اليمني شاعر المصريين في فخر الدين
توران شاه بن أيوب، التي يغريه فيها بالنهوض إلى اليمن، والاستيلاء على ملكها، وصادفت هذه القصيدة محلاً قابلاً، وملك توران شاه اليمن بما هزت هذه القصيدة من عطفه، وحركت
من عزمه، وأولها:
-
كذب، لم يظهر الدين الحنيف المقدس على الأديان بسعي البشر، بل بالتأييد الإلهي،
والسر الرباني، صلوات الله وسلامه على القائم به، والمتحمل له -
ومن أباة الضيم الذين اختاروا القتل على الأسر، والموت على
الدنية، مصعب بن الزبير،
كان أمير العراقين من قبل عبد الله بن الزبير، وكان قد كسر جيوش عبد الملك مراراً، وأعياه أمره، فخرج إليه من الشام بنفسه، فليم في ذلك، وقيل له:
إنك تغرر بنفسك وخلافتك، فقال: إنه لا يقوم لحرب مصعبٍ غيري؛ هذا أمر يحتاج إلى أن يقوم به
شجاع ذو رأي، وربما بعثت شجاعاً ولا رأي له، أو ذا رأيٍ ولا شجاعة عنده، وأنا
بصير بالحرب، شجاع بالسيف، فلما أجمع الخروج إلى
حرب مصعب، جاءته امرأته عاتكة بنت يزيد بن معاوية، فالتزمته، وبكت
لفراقه، وبكى جواريها حولها، فقال عبد الملك:
قاتل الله ابن أبي جمعة ! كأنه شاهد هذه الصورة حيث
يقول:
فسار
عبد الملك حتى إذا كان بمسكن من أرض العراق، وقد
دنا منه عسكر مصعب، تقاعد بمصعب أصحابه وقواده وخذلوه، فقال لابنه عيسى: الحق بمكة فانج بنفسك، وأخبر عمك
عبد الله بما صنع أهل العراق بي، ودعني فإني مقتول، فقال: لا تتحدث نساء قريش
أني فررت عنك، ولكن أقاتل دونك حتى نقتل، فالفرار
عار، ولا عار في القتل، ثم قاتل دونه حتى قتل. وخف من يحامي عن مصعب من أهل العراق، وأيقن بالقتل، فأنفذ عبد
الملك إليه أخاه محمد ابن مروان، فأعطاه الأمان وولاية العراقين أبداً ما دام
حياً، وألفي ألف درهم صلة، فأبى وقال: إن مثلي لا ينصرف عن هذا المكان إلا غالباً أو مقتولاً، فشد عليه أهل الشام ورموه بالنبل فأثخنوه، وطعنه زائدة بن
قيس بن قدامة السعدي، ونادى: يا لثارات المختار! فوقع إلى الأرض، فنزل
إليه عبد الملك بن زياد بن ظبيان، فاحتز رأسه،
وحمله إلى عبد الملك.
ثم
أرسل إليها وأشخصها، فشهدت معه حرب عبد الملك،
فدخل عليها يوم قتل، وقد نزع ثيابه ثم لبس غلالة، وتوشح بثوب واحد، وهو محتضن
سيفه، فعلمت أنه غير راجع، فصاحت: واحزناه عليك يا مصعب! فالتفت إليها، وقال: إن كل هذا في قلبك! قالت: وما أخفي أكثر. قال: لو كنت أعلم هذا لكان لي ولك شأن، ثم خرج فلم يرجع. سئل سالم بن عبد الله بن عمر، أي ابني الزبير أشجع؟ فقال: كلاهما
جاءه الموت، وهو ينظر إليه.
كان ابن ظبيان، يقول: ما ندمت على شيء ندمي على ألا أكون لما حملت
إلى عبد الملك رأس مصعب فسجد قتلته في سجدته، فأكون قد قتلت ملكي العرب في يوم
واحد. كان
مصعب لما خرج إلى حرب عبد الملك سأل الحسين بن علي عليه السلام، وكيف كان قتله؟ فجعل عروة بن
المغيرة يحدث عن ذلك، فقال متمثلاً بقول سليمان بن قتة:
قال عروة:
فعلمت أن مصعباً لا يفر.
وروى أبو الفرج في كتاب الأغاني: خطبة عبد الله بن الزبير في قتل
مصعب برواية هي أتم مما ذكرناه نحن فيما تقدم، قال: لما أتى خبر المصعب إلى مكة، أضرب عبد الله بن الزبير عن ذكره أياماً؛ حتى تحدث به
جميع أهل مكة في الطريق، ثم صعد المنبر فجلس عليه ملياً لا يتكلم، فنظر الناس
إليه؛ وإن الكآبة على وجهه لبادية، وإن جبينه ليرشح عرقاً، فقال واحد لآخر: ما له لا يتكلم؟ أتراه يهاب
النطق! فوالله إنه لخطيب.؟ فما تراه يهاب؟
قال: أراه يريد أن يذكر قتل المصعب سيد العرب،
فهو يقطع بذلك. فابتدأ فقال: الحمد لله الذي له الخلق والأمر، ملك
الدنيا والآخرة، يعز من يشاء، ويذل من يشاء؛ ألا إنه لا يذل من كان الحق معه وإن
كان مفرداً ضعيفاً، ولا يعز من كان الباطل معه، وإن كان ذا عدد وكثرة. ثم قال:
أتانا خبر من العراق، بلد الغدر والشقاق، فساءنا
وسرنا، أتانا أن مصعباً قتل رحمه الله، فأما
الذي أحزننا من ذلك فأن لفراق الحميم لذعة ولوعة، يجدها حميمه عند
المصيبة، ثم يرعوي ذو الرأي والدين إلى جميل الصبر، وأما
الذي سرنا منه؛ فأن قتله كان شهادة؛ وإن الله جاعل لنا وله في ذلك
الخيرة. ألا إن أهل العراق باعوه بأقل الأثمان
وأخسرها، وأسلموه إسلام النعم المخطمة فقتل، وإن قتل لقد قتل أبوه وعمه وأخوه،
وكانوا الخيار الصالحين، وإنا والله ما نموت حتف
آنافنا، ما نموت إلا قتلاً قتلاً، وقعصاً قعصاً، بين قصد الرماح، وتحت ظلال
السيوف؛ ليس كما تموت بنومروان؛ والله ما قتل منهم رجل في جاهلية ولا إسلام؛
وإنما الدنيا عارية من الملك القهار الذي لا يزول سلطانه، ولا يبيد ملكه، فإن
تقبل الدنيا علي لا آخذها أخذ اللئيم البطر، وإن تدبر عني لا أبكي عليها بكاء
الخرف المهتر. ثم نزل. وقال الطرماح بن حكيم ، وكان يرى رأي الخوارج:
قال ابن شبرمة:
مررت يوماً في بعض شوارع الكوفة، فإذا بنعشٍ حوله رجال، وعليه مطرف خز أخضر،
فسألت عنه فقيل: الطرماح، فعلمت أن الله لم يستجب
له، وقال محمد بن هانئ:
الرضي الموسوي رحمه الله تعالى:
وله رحمه الله:
أبو الطيب المتنبي:
ابن الهبارية:
الهمم العلية، والمهج الأبية، تقرب المنية، منك أو الأمنية.
وله أيضاً:
وله أيضاً:
أخذ
هذا اللفظ أبو عبادة البحتري فقال:
وقال
الرضي رحمه الله تعالى:
قعد
سليمان بن عبد الملك يعرض ويفرض، فأقبل فتىً
من بني عبس وسيم، فأعجبه، فقال: ما اسمك؟ قال: سليمان، قال: ابن من؟ قال: ابن عبد الملك، فأعرض عنه، وجعل يفرض لمن
دونه، فعلم الفتى أنه كره موافقة اسمه واسم أبيه، فقال: يا أمير المؤمنين لا
عدمت اسمك، ولا شقي اسم يوافق اسمك! فافرض، فإنما أنا سيف بيدك، إن ضربت به
قطعت، وإن أمرتني أطعت، وسهم في كنانتك ، أشتد إن أرسلت، وأنفذ حيث وجهت. فقال له سليمان، وهو يروزه ويختبره: ما قولك يا فتى، لو لقيت عدواً؟ قال:
أقول: حسبي الله ونعم الوكيل. قال سليمان:
أكنت مكتفياً بهذا لو لقيت عدوك دون ضرب شديد! قال الفتى:
إنما سألتني يا أمير المؤمنين، ما أنت قائل فأخبرتك، ولو
سألتني: ما أنت فاعل لأنبأتك، إنه لوكان ذلك لضربت بالسيف حتى يتعقف،
ولطعنت بالرمح حتى يتقصف، ولعلمت إن ألمت فإنهم يألمون، ولرجوت من الله ما لا
يرجون، فأعجب سليمان به وألحقه في العطاء بالأشراف، وتمثل:
السر
تحت قوله: ثم لم يكن على أهله كلاه، يقال في المثل: لا تكن كلاً على أهلك فتهلك.
الرضي الموسوي رحمه الله تعالى:
ومن أباة الضيم ومؤثري الموت على الحياة الذليلة محمد وإبراهيم، ابنا
عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام. لما أحاطت عساكر عيسى بن موسى بمحمد
وهو بالمدينة، قيل له: انج بنفسك، فإن لك خيلاً
مضمرة ونجائب سابقة ، فاقعد عليها، والتحق بمكة أو باليمن. قال: إني إذاً لعبد! وخرج إلى الحرب يباشرها بنفسه وبمواليه، فلما أمسى تلك الليلة وأيقن بالقتل، أشير عليه بالاستتار،
فقال: إذن يستعرض عيسى أهل المدينة بالسيف، فيكون لهم يوم كيوم الحرة ،
لا والله لا أحفظ نفسي بهلاك أهل المدينة، بل أجعل دمي دون دمائهم. فبذل له عيسى
الأمان على نفسه وأهله وأمواله، فأبى ونهد إلى الناس بسيفه، لا يقاربه أحد إلا قتله،
لا والله ما يبقي شيئاً، وإن أشبه خلق الله به فيما ذكر
هو حمزة بن عبد المطلب. ورمى بالسهام، ودهمته الخيل، فوقف إلى ناحية
جدارٍ، وتحاماه الناس فوجد الموت، فتحامل على سيفه فكسره؛ فالزيدية تزعم أنه كان سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا
الفقار. فمطرت
السماء وقت الزوال؛ وقتل محمد عليه السلام؛
وكان عندهم مشهوراً أن آية قتل النفس الزكية أن يسيل دم بالمدينة حتى يدخل بيت
عاتكة، فكانوا يعجبون كيف يسيل الدم حتى يدخل ذلك البيت! فأمطرت السماء ذلك اليوم، وسال الدم بالمطر
حتى دخل بيت عاتكة، وأخذ جسده، فحفر له حفيرة في الموضع الذي حده لهم، فوقعوا
على صخرة فأخرجوها، فإذا فيها مكتوب: هذا قبر الحسن بن علي بن أبي طالب عليه
السلام، فقالت زينب أخت محمد عليه السلام:
رحم الله أخي، كان أعلم حيث أوصى أن يدفن في هذا الموضع.
فقلت له: ما أجود هذه الأبيات وأفحلها! فلمن هي؟ فقال: هذه يقولها ضرار بن الخطاب الفهري يوم عبر الخندق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمثل بها علي بن أبي
طالب يوم صفين، والحسين يوم الطف، وزيد بن علي يوم السبخة، ويحيى بن زيد يوم
الجوزجان؛
فتطيرت له من تمثله بأبيات لم يتمثل بها أحد إلا
قتل. ثم سرنا إلى باخمرى ،
فلما قرب منها أتاه نعي أخيه محمد، فتغير لونه وجرض بريقه، ثم أجهش
باكياً، وقال: اللهم إن كنت تعلم أن محمداً خرج يطلب مرضاتك، ويؤثر أن تكون
كلمتك العليا، وأمرك المتبع المطاع؛ فاغفرله وارحمه، وارض عنه، واجعل ما نقلته
إليه من الآخرة خيراً مما نقلته عنه من الدنيا؛ ثم
انفجر باكياً ثم تمثل:
قال
المفضل: فجعلت أعزيه وأعاتبه على ما ظهر من جزعه، فقال: إني والله في هذا، كما
قال دريد بن الصمة:
قال
المفضل: ثم ظهرت لنا جيوش أبي جعفر مثل الجراد، فتمثل
إبراهيم عليه السلام قوله:
فقلت
له: من يقول هذا الشعر يابن رسول الله؟ فقال: يقوله خالد بن جعفر بن كلاب يوم
شعب جبلة، وهذا اليوم الذي لقيت فيه قيس تميماً. قال: وأقبلت عساكر أبي جعفر، فطعن
رجلاً وطعنه آخر، فقلت له: أتباشر القتال بنفسك! وإنما العسكر منوط بك، فقال:
إليك يا أخا بني ضبة، فإني لكما قال عويف القوافي :
والتحمت
الحرب واشتدت، فقال: يا مفضل، احكني بشيء؛ فذكرت أبياتاً لعويف القوافي لما كان
ذكره هو من شعره، فأنشدته:
فقال:
أعد، وتبينت من وجهه أنه يستقتل، فانتهيت وقلت: أو غير ذلك؟ فقال: لا، بل أعد
الأبيات، فأعدتها، فتمطى في ركابيه فقطعهما، وحمل فغاب عني، وأتاه سهم عائر
فقتله، وكان آخر عهدي به عليه السلام.
فالغلق:
الضجر وضيق الصدر والحدة، يقال: احتد فلان فنشب في حدته وغلق. والسورة: الوثوب،
يقال: إن لغضبه لسورة، وإنه لسوار، أي وثاب معربد. وسورة الشراب: وثوبه في
الرأس؛ وكذلك سورة السم، وسورة السلطان: سطوته واعتداؤه. وأما قوله:
لمثلكم نحمل السيوف، فمعناه أن غيرهم ليس بكفء لنا لنحمل له السيوف وإنما نحملها
لكم، لأنكم أكفاؤنا، فنحن نحاربكم على الملك والرياسة، وإن كانت أحسابنا واحدة،
وهي شريفة لا مغمز فيها، والرقق: بفتح الراء: الضعف؛ ومنه قول الشاعر:
وقوله:
تكحل يوم الهياج بالعلق فالعلق الدم؛ يريد أن عيونهم حمر لشدة الغيظ والغضب؛
فكأنها كحلت بالدم، وقوله: لكن بنيت على الصبر، أي خلقت وبنيت بنية تقتضي الصبر. والشرف الأعلى:
العالي، وبنو أبي بكر بن كلاب، من قيس عيلان، ثم أحد بني عامر بن صعصعة. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
شريعة
الفرات بين معاوية وعلي
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما
حديث الماء وغلب أصحاب معاوية على شريعة الفرات بصفين، فنحن
نذكره من كتاب صفين لنصر بن مزاحم.
وكتب
بعده:
فأمر
علي عليه السلام أن يوزع الناس عن القتال، حتى أخذ أهل الشام مصافهم ثم قال:
أيها الناس، إن هذا موقف، من نطف فيه نطف يوم القيامة، ومن فلج فيه فلج يوم
القيامة، ثم قال لما رأى نزول معاوية بصفين:
قال
نصر: وكتب علي عليه السلام إلى معاوية جواب كتابه، أما بعد:
وكتب
بعده:
قال:
قد تراجع الناس كل من الفريقين إلى معسكرهم، وذهب شباب من الناس إلى أن يستقوا
فمنعهم أهل الشام. والسوية:
كساء محشو بثمام ونحوه، كالبرذعة. وكرب القيد، إذا ضيقه على المقيد، وقيد مكروب،
أي ضيق، يقول: لا تنزع برذعة حمارك عنه واربطه وقيده، وإلا أعيد إليك وقيده ضيق.
وهذا مثل ضربه لعلي عليه السلام، يأمره فيه بأن يردع جيشه عن التسرع والعجلة في
الحرب.
والشعر لعبد الله بن عنمة الضبي، من بني السيد، ومن جملته:
فأما قوله عليه السلام: هذا موقف من نطف فيه نطف يوم القيامة، أي من تلطخ فيه بعيب
من فرار أو نكول عن العدو. والعرام، بالضم: الشراسة والهوج. والعشنزر:
الشديد القوي. والمزج، بكسر الميم: السريع النفوذ، وأصله
الرمح القصير، كالمزراق. والأبيات البائية لربيعة بن مقروم الطائي. قال نصر: حدثنا عمر بن سعد، عن يوسف بن يزيد، عن عبد الله بن عوف
بن الأحمر، قال:
لما قدمنا على معاوية وأهل الشام بصفين، وجدناهم قد نزلوا منزلاً مستوياً بساطاً
واسعاً، وأخذوا الشريعة فهي في أيديهم؛ وقد صف عليها أبو الأعور الخيل والرجالة،
وقدم الرامية ومعهم أصحاب الرماح والدرق ، وعلى رؤوسهم البيض، وقد أجمعوا أن
يمنعونا الماء، ففزعنا إلى أمير المؤمنين عليه
السلام فأخبرناه بذلك، فدعا صعصعة بن صوحان
فقال: ائت معاوية وقل له: إنا سرنا
إليك مسيرنا هذا وأنا كره لقتالكم قبل الإعذار إليكم، وإنك قدمت خيلك، فقاتلتنا
قبل أن نقاتلك، وبدأتنا بالحرب؛ ونحن ممن رأينا الكف حتى ندعوك ونحتج عليك؛ وهذه
أخرى قد فعلتموها، قد حلتم بين الناس وبين الماء، فخل بينهم وبينه حتى ننظر فيما
بيننا وبينكم، وفيما قدمنا له وقدمتم له؛ وإن كان أحب إليك، أن ندع ما جئنا له،
وندع الناس يقتتلون حتى يكون الغالب هو الشارب، فعلنا. فقال الوليد بن عقبة: امنعهم الماء كما منعوه ابن عفان، حصروه أربعين يوماً يمنعونه
برد الماء ولين الطعام، اقتلهم عطشاً، قتلهم الله! وقال
عمرو بن العاص: خل بين القوم وبين الماء، فإنهم لن يعطشوا وأنت ريان،
ولكن لغير الماء فانظر فيما بينك وبينهم. فأعاد
الوليد مقالته. قال عبد الله بن عوف
بن أحمر: إن صعصعة لما رجع إلينا بما قال معاوية، وما كان منه وما رده
عليه؛ قلنا: وما الذي رده عليك معاوية؟ قال: لما أردت الانصراف
من عنده، قلت:
ما ترد علي؟ قال: سيأتيكم رأيي، قال: فوالله
ما راعنا إلا تسوية الرجال والصفوف والخيل، فأرسل
إلى أبي الأعور: امنعهم الماء؛ فازدلفنا والله إليهم، فارتمينا واطعنا
بالرماح، واضطربنا بالسيوف، فطال ذلك بيننا وبينهم حتى صار الماء في أيدينا؛ فقلنا: لا والله لا نسقيهم. فأرسل
إلينا علي عليه السلام
أن أخذوا من الماء حاجتكم، وارجعوا
إلى معسكركم، وخلوا بينهم وبين الماء، فإن الله قد نصركم عليهم بظلمهم وبغيهم.
فقال معاوية:
أما أنت فندري ما تقول - وهو الرأي - ولكن عمراً لا يدري. فقال عمرو: خل بينهم وبين الماء؛ فإن علياً لم يكن
ليظمأ وأنت ريان، وفي يده أعنة الخيل، وهو ينظر إلى الفرات حتى يشرب أو يموت،
وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق ومعه أهل العراق وأهل الحجاز، وقد سمعته أنا مراراً
وهو يقول: لو استمكنت من أربعين رجلاً يعني في الأمر الأول! وروى نصر، قال:
لما غلب أهل الشام على الفرات، فرحوا بالغلبة، وقال
معاوية: يا أهل الشام؛ هذا والله أول الظفر، لا سقاني الله ولا أبا سفيان
إن شربوا منه أبداً حتى يقتلوا بأجمعه عليه، وتباشر أهل الشام، فقام إلى معاوية رجل من أهل الشام همداني، ناسك يتأله
ويكثر العبادة، يعرف بمعري بن أقبل، وكان صديقاً لعمرو بن العاص وأخاً له، فقال:
يا معاوية، سبحان الله! لأن سبقتم القوم إلى الفرات فغلبتموهم عليه، تمنعونهم
الماء! أما والله لو سبقوكم إليه لسقوكم منه. أليس
أعظم ما تنالون من القوم أن تمنعوهم الفرات فينزلوا على فرضةٍ أخرى ويجازوكم بما
صنعتم! أما تعلمون أن فيهم العبد والأمة والأجير والضعيف، ومن لا ذنب له. هذا والله أول الجور! لقد شجعت الجبان، ونصرت
المرتاب، وحملت من لا يريد قتالك على كتفيك. فأغلظ له معاوية، وقيل لعمرو: اكفني
صديقك. فأتاه عمرو فأغلظ له، فقال الهمداني في ذلك
شعراً:
قال: ثم سار الهمداني في سواد الليل حتى لحق بعلي عليه السلام.
قال:
فحرك ذلك علياً عليه السلام، ثم مضى إلى
رايات كندة، فإذا إنسان ينشد إلى جانب منزل الأشعث، وهو يقول:
قال: فلما سمع الأشعث قول الرجل، قام فأتى علياً عليه السلام،
فقال: يا
أمير المؤمنين، أيمنعنا القوم ماء الفرات، وأنت فينا، والسيوف في أيدينا! خل عني
وعن القوم، فوالله لا نرجع حتى نرده أو نموت، ومر الأشتر فليعل بخيله، ويقف حيث
تأمره. فقال علي عليه
السلام: ذلك إليكم. فرجع الأشعث فنادى في الناس: من كان يريد الماء أو الموت فميعاده موضع كذا، فإني ناهض. فأتاه اثنا عشر ألفاً من كندة وأفناء قحطان، واضعي سيوفهم على
عواتقهم، فشد عليه سلاحه ونهض بهم؛ حتى كاد يخالط أهل الشام، وجعل يلقي رمحه، ويقول لأصحابه: بأبي
وأمي أنتم! تقدموا إليهم قاب رمحي هذا؛ فلم يزل ذلك دأبه، حتىى خالط القوم، وحسر عن رأسه، ونادى: أنا الأشعث بن قيس! خلوا عن الماء. فنادى أبو الأعور: أما والله حتى لا نأخذ وإياكم السيوف. فقال الأشعث:
قد والله أظنها دنت منا ومنكم. وكان الأشتر قد تعالى بخيله حيث أمره علي، فبعث إليه الأشعث: أقحم الخيل؛ فأقحمها حتى وضعت
سنابكها في الفرات، وأخذت أهل الشام السيوف، فولوا مدبرين. فترجل الأشعث
والأشتر، وذوو البصائر من أصحاب علي عليه السلام، وترجل معهما اثنا عشر ألفاً،
فحملوا على عمرو وأبي الأعور ومن معهما من أهل الشام، فأزالوهم
عن الماء، حتى غمست خيل علي عليه السلام
سنابكها في الماء. فقال لي عمرو:
أما والله لتعلمن اليوم أنا سنفي بالعهد، ونحكم العقد، ونلقاكم بصبر وجد. فنادى به الأشتر: يابن العاص؛ أما والله لقد
نزلنا هذه الفرضة، وإنا لنريد القتال على
البصائر والدين؛ وما قتالنا سائر اليوم إلا
حمية. ورجع معاوية بأخرة إلى قوله بعد اختلاط القوم
في الحرب؛ فإن عمراً - فيما روينا - أرسل إلى معاوية: أن خل بين القوم وبين الماء، أترى
القوم يموتون عطشاً وهم ينظرون إلى الماء! فأرسل
معاوية إلى يزيد ابن أسد القسري: أن خل بين القوم وبين الماء يا أبا عبد
الله، فقال يزيد - وكان شديد العثمانية -: كلا
والله لنقتلنهم عطشاً كما قتلوا أمير المؤمنين.
قال نصر:
فحدثني عمرو بن شمر، عن إسماعيل السدي، عن بكر بن تغلب، قال: حدثني من سمع
الأشعث يوم الفرات - وقد كان له غناء عظيم من أهل العراق، وقتل رجالاً من أهل
الشام بيده، وهو يقول: والله إن كنت لكارهاً قتال أهل الصلاة، ولكن معي من هو
أقدم مني في الإسلام، وأعلم بالكتاب والسنة، فهو الذي يسخى بنفسه.
قال:
فضربهم والله حتى خلوا له الماء.
فقال الأشتر:
ادن مني يا حارث، فدنا منه فقبل رأسه، فقال: لا يتبع رأسه اليوم إلا خير، ثم صاح الأشتر في أصحابه: فدتكم نفسي! شدوا شدة
المحرج الراجي للفرج، فإذا نالتكم الرماح فالتووا فيها، فإذا عضتكم السيوف فليعض
الرجل على نواجذه، فإنه أشد لشؤون الرأس، ثم استقبلوا القوم بهامكم .
وقال:
وكان صالح مشهوراً بالشدة والبأس، فارتجز عليه الأشتر، فقال له:
ثم شد عليه فقتله، فخرج إليه مالك بن أدهم السلماني - وهو من مشهوريهم أيضاً،
فحمل على الأشتر بالرمح فلما رهقه التوى الأشتر على فرسه ومار السنان فأخطأه، ثم
استوى على فرسه، وشد على الشامي طعناً بالرمح، ثم قتل بعده رياح بن عقيل
وإبراهيم بن وضاح، ثم برز إليه زامل بن عقيل - وكان فارساً - فطعن الأشتر في
موضع الجوشن فصرعه عن فرسه، ولم يصب مقتلاً، وشد عليه الأشتر بالسيف راجلاً فكشف
قوائم فرسه، وارتجز عليه فقال:
ثم
ضربه بالسيف وهما راجلان فقتله، ثم خرج إليه محمد بن روضة، فقال وهو يضرب في أهل
العراق ضرباً منكراً:
فشد
عليه الأشتر فقتله، وقال:
ثم برز إليه
الأجلح بن منصور الكندي - وكان من شجعان العرب
وفرسانها - وهو على فرس له اسمه لاحق، فلما
استقبله الأشتر، كره لقاءه واستحيا أن يرجع عنه، فتضاربا بسيفيهما، فسبقه الأشتر بالضربة فقتله، فقالت أخته ترثيه:
قال: وبلغ شعرها علياً عليه السلام، فقال: أما إنهن ليس بملكهن ما رأيتم من
الجزع، أما إنهم قد أضروا بنسائهم، فتركوهن أيامى حزانى بائسات. قاتل الله
معاوية! اللهم حمله آثامهم وأوزاراً وأثقالاً مع أثقاله! اللهم لا تعف عنه! قال
نصر: وحدثنا عمرو بن شمر، عن جابر، عن الشعبي، عن الحارث بن أدهم، وعن صعصعة،
قال: أقبل الأشتر يوم الماء، فضرب بسيفه جمهور أهل الشام حتى كشفهم عن الماء،
وهو يقول:
قال: وكان لواء الأشعث بن قيس مع معاوية بن الحارث، فقال له
الأشعث:
لله أبوك! ليست النخع بخير من كندة، قدم لواءك فإن الحظ لمن سبق. وحملت
الرجال بعضها على بعض، وحمل في ذلك اليوم أبو
الأعور السلمي؛ وحمل الأشتر عليه، فلم ينتصف أحدهما من صاحبه، وحمل شرحبيل بن السمط على الأشعث، فكانا كذلك،
وحمل حوشب ذو ظليم على الأشعث أيضاً، وانفصلا ولم
ينل أحدهما من صاحبه أمراً، فما زالوا كذلك حتى انكشف أهل الشام عن
الماء، وملك أهل العراق المشرعة.
قال نصر:
فقال أصحاب علي عليه السلام له: امنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك. فقال:
لا، خلوا بينهم وبينه، لا أفعل ما فعله الجاهلون، سنعرض
عليهم كتاب الله، وندعوهم إلى الهدى، فإن أجابوا، وإلا ففي حد السيف ما يغني إن
شاء الله. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
خطبة له وقد تقدم مختارها برواية ونذكر ما نذكره هنا برواية أخرى لتغاير
الروايتين :
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
ألا وإن الدنيا قد تصرمت وآذنت بانقضاء، وتنكر معروفها وأدبرت حذاء، فهي تحفز
بالفناء سكانها، وتحدو بالموت جيرانها، وقد أمر فيها ما كان حلواً، وكدر منها ما
كان صفواً، فلم يبق منها إلا سملة كسملة الإداوة، أو جرعة كجرعة المقلة، لو
تمززها الصديان لم ينقع. فوالله لو
حننتم حنين الوله العجال، ودعوتهم بهديل الحمام، وجأرتم جؤار متبتلي الرهبان،
وخرجتم إلى الله من الأموال والأولاد؛ التماس القربة إليه في ارتفاع درجة عنده،
او غفران سيئةٍ أحصتها كتبه، وحفظتها رسله لكان قليلاً فيما أرجو لكم من ثوابه،
وأخاف عليكم من عقابه. وتنكر
معروفها: جهل منها ما كان معروفاً. والمصدر من الأول كدراً،
والسمَلة، بفتح الميم: البقية من الماء تبقى في الإناء. والمقلة،
بفتح الميم وتسكين القاف: حصاة القسم التي تلقى في
الماء ليعرف قدر ما يسقى كل واحد منهم،
وذلك عند قلة الماء في المفاوز، قال:
والتمزز:
تمصص الشراب قليلاً قليلاً. والصديان: العطشان.
أي
كتب. وأوله
العجال: النوق الوالهة الفاقدة أولادها، الواحدة عجول، والوله: ذهاب العقل وفقد
التمييز. والجؤار: صوت مرتفع. والمتبتل: المنقطع عن
الدنيا. وانماث
القلب، أي ذاب، وقوله: ولو لم تبقوا شيئاً من جهدكم، اعتراض في الكلام، وأنعمه،
منصوب لأنه مفعول جزت. قيل: إنه عليه السلام لم يصرح بمذهب البغداديين؛ ولكنه قال: لو عبدتموه بأقصى ما ينتهي الجهد إليه ما
وفيتم بشكر أنعمه، وهذا حق غير مختلف فيه، لأن نعم البارئ تعالى لا تقوم العباد
بشكرها، وإن بالغوا في عبادته والخضوع له والإخلاص في طاعته؛ ولا يقتضي صدق هذه
القضية وصحتها صحة مذهب البغداديين في أن الثواب على الله تعالى غير واجب، لأن
التكليف إنما كان باعتبار أنه شكر النعمة السالفة. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أشعار
في ذم الدنيا
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما
ما قاله الناس في ذم الدنيا وغرورها وحوادثها وخطوبها وتنكرها لأهلها، والشكوى
منها، والعتاب لها والمواعظة بها، وتصرمها وتقلبها، فكثير؛ من ذلك قول بعضهم:
وقال
آخر:
وقال
أبو الطيب:
وقال
آخر:
وقال
ابن المظفر المغربي:
وقال
أبو العتاهية:
وقال
أيضاً:
وقال
أيضاً:
وقال
أيضاً:
وقال الرضي الموسوي:
وقال
آخر:
وقال
أبو الطيب:
وقال
أبو العتاهية في أرجوزته المشهورة في ذم الدنيا وفيها أنواع مختلفة من الحكمة:
وقال
أيضاً:
وقال
أيضاً:
وقال
ابن المعتز:
وله
أيضاً:
وله:
وقال
أبو العلاء المعري:
وقال
آخر:
وقال
أبو الطيب:
وقال
آخر:
وقال
آخر:
الوزير
المهلبي:
وله:
عبيد
الله بن عبد الله بن طاهر:
وله:
البحتري:
أبو
بكر الخوارزمي:
وقال
آخر:
أخر:
آخر:
آخر:
ابن
الرومي:
أبو
الطيب:
وقال
آخر:
آخر:
آخر:
الرضي
الموسوي:
أبو
عثمان الخالدي:
السري
الرفاء:
ابن
الرومي:
السري
الرفاء:
أبو
فراس بن حمدان:
ابن
الرومي:
ابن
نباتة:
أبو
العتاهية:
وله
أيضاً:
وله:
وله:
وله:
حسبنا الله وحده، وصلواته على خيرته من خلقه
سيدنا محمد وآله الطاهرين |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفهرس ج الجزء الثالث - باب المختار
من الخطب والأوامر - ابن ابي الحديد. 2 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد
العدل الكريم. 2 عود
على بدء بقية رد المرتضى... 2 المطاعن
على عثمان والرد عليها 5 أخبار
جرير بن عبد الله البجلي وبيعته لعلي عليه السلام: 31 بين
علي عليه السلام ومعاوية. 32 جرير
البجلي يفارق علياً عليه السلام. 49 لما
هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية. 51 نسب
مصقلة وخبر بني ناجية مع علي عليه السلام. 54 أخبار
الخريت بن راشد الناجي... 54 ومن
خطبة له في الزهد وتعظيم الله.. 65 عند
عزمه على المسير إلى الشام. 70 ما
قاله عليه السلام يوم خروجه من الكوفة. 71 علي
عليه السلام في كربلاء واهاً لك يا تربة. 72 مفارقة
علي والمسير إلى الشام. 73 بين
محمد بن أبي بكر ومعاوية. 80 ومن
كلام له عليه السلام في ذكر الكوفة. 84 الكوفة
في نظر علي عليه السلام وجعفر بن محمد عليه السلام: 84 ومن
خطبة له عليه السلام عند المسير إلى الشام. 85 في
تمجيده الله تعالى وتحميده 91 مباحث
من العلم الإلهي وهذا الفصل يشتمل على عدة مباحث من العلم الإلهي: 92 ومن
خطبة له في وقوع الفتن.. 102 لما
غلب أصحاب معاوية أصحابه على شريعة الفرات بصفين ومنعوهم من الماء : 103 أشعار
في الإباء والتحريض على الحرب.. 103 شريعة
الفرات بين معاوية وعلي... 137 ومن
خطبة له وقد تقدم مختارها برواية ونذكر ما نذكره هنا برواية أخرى لتغاير الروايتين
: 146 |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الجزء الثالث - باب المختار
من الخطب والأوامر - ابن ابي الحديد
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بسم
الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل الكريم |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أن الذي ذكره
المرتضى رحمه الله تعالى، وأورده على قاضي القضاة جيد ولازم، متى ادعى قاضي القضاة أن العدالة إذا
ثبتت ظناً أو قطعاً لم يجز العدول عنها والتبرؤ إلا بما يوجب القطع، ويعلم به
علماً يقينياً زوالها، فأما إذا ادعى أن المعلوم لا يزول إلا بما يوجب العلم، فلا يرد عليه ما ذكره المرتضى رحمه الله تعالى. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
عود
على بدء بقية رد المرتضى
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما كلام المرتضى رحمه الله تعالى
على الفصل الثاني من كلام قاضي القضاة، وهو الفصل المحكي عن شيخنا أبي علي رحمه الله تعالى، فنحن
نورده. قال رحمه الله تعالى: أما قوله: لو كان كل ما ذكر من الأحداث قادحاً
لوجب من الوقت الذي ظهرت الأحداث فيه أن يطلبوا رجلاً ينصبونه في الإمامة، لأن
ظهور الحدث كموته، فلما رأيناهم طلبوا إماماً بعد قتله دل على بطلان ما أضافوه
إليه من الأحداث. فليس بشيء معتمد؛ لأن تلك الأحداث وإن كانت مزيلةً عندهم
لإمامته، وفاسخة لها، ومقتضية لأن يعقدوا لغيره الإمامة، إلا أنهم لم يكونوا
قادرين على أن يتفقوا على نصب غيره، مع تشبثه بالأمر؛ خوفاً من الفتنة والتنازع
والتجاذب، وأرادوا أن يخلع نفسه، حتى تزول الشبهة، وينشط من يصلح للأمر لقبول
العقد والتكفل بالأمر. وليس يجري ذلك مجرى موته؛
لأن موته يحسم الطمع في استمرار ولايته، ولا تبقى شبهة في خلو الزمان من إمام. وليس كذلك حدثه الذي يسوغ فيه
التأويل على بعده، وتبقى معه الشبهة في استمرار أمره. وليس نقول: إنهم لم يتمكنوا من ذلك كما سأل نفسه،
بل الوجه في عدولهم ما ذكرناه من إرادتهم حسم المواد وإزالة الشبهة وقطع أسباب
الفتنة. قال: فأما قوله: إنه
معلوم من حال هذه الأحداث أنها لم تحصل أجمع في الأيام التي حصر فيها وقتل، بل
كانت تقع حالاً فلو كانت توجب الخلع والبراءة، لما تأخر من المسلمين الإنكار
عليه، ولكان المقيمون من الصحابة بالمدينة أولى بذلك من الواردين من البلاد؛ فلا
شك أن الأحداث لم تحصل في وقت واحد؛ إلا أنه غير منكر أن يكون نكيرهم إنما تأخر
لأنهم تأولوا ما ورد عليهم من أفعاله على أجمل الوجوه؛ حتى زاد الأمر وتفاقم،
وبعد التأويل، وتعذر التخريج، ولم يبق للظن الجميل
طريق، فحينئذ أنكروا، وهذا مستمر على ما قدمنا ذكره، من أن العدالة
والطريقة الجميلة يتأول لها في الفعل والأفعال القليلة، بحسب ما تقدم من حسن
الظن به، ثم ينتهي الأمر بعد ذلك إلى بعد التأويل، والعمل على الظاهر القبيح. وهذا إنما كان في آخر الأمر دون أوله، فليس يقتضي
الإمساك عنه إلى الوقت الذي وقع الكلام فيه نسبة الخطأ إلى الجميع؛ على ما ظنه. قال: فأما زيد بن ثابت، فقد روي ميله إلى عثمان، وما يغني ذلك وبإزائه جميع المهاجرين
والأنصار! ولميله إليه سبب معروف، فإن الواقدي
روى في كتاب الدار أن مروان بن الحكم لما حصر عثمان الحصر الأخير أتى زيد بن
ثابت فاستصحبه إلى عائشة ليكلمها في هذا الأمر، فمضيا إليها وهي عازمة على الحج،
فكلماها في أن تقيم وتذب عنه، فأقبلت على زيد ابن ثابت،
فقالت: وما منعك يابن ثابت ولك الأشاريف قد اقتطعكها عثمان، ولك كذا وكذا،
وأعطاك عثمان من بيت المال عشرة آلاف دينار! قال زيد: فلم أرجع عليها حرفاً
واحداً، وأشارت إلى مروان بالقيام، فقام مروان وهو يقول:
فنادته عائشة، وقد خرج من العتبة: يابن الحكم، أعلي تمثل الأشعار! قد
والله سمعت ما قلت أتراني في شك من صاحبك! والذي نفسي بيده لوددت أنه الآن في
غرارة من غرائري مخيط عليه، فألقيه في البحر الأخضر، قال
زيد بن ثابت: فخرجنا من عندها على اليأس منها. فوقف عليه جبلة بن عمرو
بن حبة المازني، فقال له: وما
يمنعك يا زيد أن تذب عنه؟ أعطاك عشرة آلاف دينار وحدائق من نخل لم ترث عن أبيك
مثل حديقة منها. والأمر على هذا أوضح من أن يخفى. وروي أن طلحة كان
عليه يوم الدار درع وهو يرامي الناس، ولم ينزع عن القتال حتى قتل الرجل. فأما قوله:
إنا لا نعدل عن ولايته بأمور محتملة، فقد مضى
الكلام في هذا المعنى، وقلنا إن المحتمل هو ما لا ظاهر له، ويتجاذبه أمور
محتملة، فأما ما له ظاهر فلا يسمى محتملاً وإن سماه بهذه التسمية، فقد
بينا أنه مما يعدل من أجله عن الولاية، وفصلنا ذلك تفصيلاً بيناً. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
متفرقات
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
المطاعن
على عثمان والرد عليها
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما الكلام في المطاعن
المفصلة التي طعن بها فيه، فنحن نذكرها، ونحكي
ما ذكره قاضي القضاة وما
اعترضه به المرتضى رحمه الله تعالى. فوقع منه
ما حذره إياه، وعوتب في ذلك فلم ينفع العتب، وذلك نحو استعماله الوليد بن عقبة ،
وتقليده إياه، حتى ظهر منه شرب الخمر؛ واستعماله سعيد بن العاص حتى ظهرت منه
الأمور التي عندها أخرجه أهل الكوفة، وتوليته عبد
الله بن أبي سرح ، وعبد الله بن عامر بن كريز ؛ حتى روي عنه في أمر ابن
أبي سرح أنه لما تظلم منه أهل مصر وصرفه عنهم بمحمد بن أبي بكر، كاتبه بأن يستمر
على ولايته، فأبطن خلاف ما أظهر، فعل من
غرضه خلاف الدين، ويقال: إنه كاتبه بقتل محمد بن أبي بكر وغيره ممن يرد عليه،
وظفر بذلك الكتاب، ولذلك عظم التظلم من بعد، وكثر الجمع، وكان سبب الحصار
والقتل، حتى كان من أمر مروان وتسلطه عليه وعلى أموره ما قتل بسببه، وذلك ظاهر
لا يمكن دفعه. قيل: كذلك فعل،
لأنه إنما استعمل الوليد بن عقبة قبل ظهور شرب
الخمر عنه فلما شهد عليه جلده الحد وصرفه. وقد روي مثله عن عمر، فإنه
ولى قدامة بن مظعون بعض أعماله، فشهدوا عليه
بشرب الخمر، فأشخصه وجلده الحد، فإذا عد ذلك
في فضائل عمر لم يجز أن يعد ما ذكروه في
الوليد من معايب عثمان. ويقال: إنه لما أشخصه
أقام عليه الحد بمشهد أمير المؤمنين عليه السلام. فأما سعيد بن العاص فإنه عزله عن الكوفة وولى مكانه أبا موسى، وكذلك عبد الله بن أبي سرح عزله وولى مكانه محمد بن أبي بكر، ولم
يظهر له من مروان ما يوجب أن يصرفه عما كان
مستعملاً فيه، ولو كان ذلك طعناً لوجب مثله في كل من ولى، وقد علمنا أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولى الوليد بن عقبة، فحدث
منه ما حدث. وحدث من بعض أمراء أمير المؤمنين عليه السلام الخيانة، كالقعقاع بن شور ،
لأنه ولاه على ميسان فأخذ ما لها ولحق بمعاوية، وكذلك فعل الأشعث بن قيس بمال أذربيجان. وولى أبا
موسى الحكم، فكان منه ما كان، ولا
يجب أن يعاب أحد بفعل غيره، وإذا لم يلحقه عيب في
ابتداء ولايته فقد زال العيب فيما بعده. ولو قيل إن
تقديمهم أولى لم يمتنع، إذا كان المولي لهم أشد تمكناً من عزلهم، والاستبدال
بهم، وقد ولى أمير المؤمنين عليه السلام عبد الله
بن العباس البصرة، وعبيد الله بن العباس
اليمن، وقثم بن العباس مكة؛ حتى قال
مالك الأشتر عند ذلك: على ماذا قتلنا الشيخ
أمس! فيما يروى؛ ولم يكن ذلك بعيب إذا أدى ما وجب عليه في اجتهاده. قيل: ليس يجب بهذا
القدر أن يقطع على أن مروان هو الذي فعل ذلك، لأنه
وإن غلب ذلك في الظن، فلا يجوز أن يحكم به، وقد كان القوم يسومونه تسليم
مروان إليهم، وذلك ظلم، لأن الواجب على الإمام أن
يقيم الحد على من يستحقه أو التأديب، ولا يحل له تسليمه إلى غيره، فقد
كان الواجب أن يثبتوا عنده ما يوجب في مروان الحد والتأديب ليفعله به؛ وكان إذا
لم يفعل والحال هذه يستحق التعنيف. وقد ذكر الفقهاء في كتبهم أن الأمر
بالقتل لا يوجب قوداً ولا دية ولا حداً، فلو ثبت في
مروان ما ذكروه لم يستحق القتل وإن استحق التعزير،
لكنه عدل عن تعزيره؛ لأنه لم يثبت؛ وقد يجوز
أن يكون عثمان ظن أن هذا الفعل فعل بعض من يعادي
مروان تقبيحاً لأمره؛ لأن ذلك يجوز، كما
يجوز أن يكون من فعله، ولا يعلم كيف كان
اجتهاده وظنه! وبعد فإن هذا الحدث من أجل ما نقموا عليه، فإن كل
شيء من ذلك يوجب خلع عثمان وقتله؛ فليس إلا هذا؛ وقد
علمنا أن هذا الأمر لو ثبت ما كان يوجب القتل، لأن الأمر بالقتل لا يوجب القتل؛
سيما قبل وقوع القتل المأمور به؛ فنقول لهم:
لو ثبت ذلك على عثمان أكان يجب قتله! فلا يمكنهم ادعاء ذلك،
لأنه بخلاف الدين؛ ولا بد أن يقولوا: إن
قتله ظلم، وكذلك حبسه في الدار، ومنعه من الماء، فقد كان يجب أن يدفع القوم عن
كل ذلك، وأن يقال: إن من لم يدفعهم وينكر
عليهم يكون مخطئاً. وأيضاً فإن قتله لو
وجب لم يجز أن يتولاه العوام من الناس، ولا
شبهة أن الذين أقدموا على قتله كانوا بهذه الصفة، وإذا صح أن قتله لم يكن لهم،
فمنعهم والنكير عليهم واجب. وليس لأحدٍ أن يقول: إنه
أباح قتل نفسه، من حيث امتنع من دفع الظلم عنهم، لأنه لم يمتنع من ذلك، بل
أنصفهم، ونظر في حالهم، ولأنه لو لم يفعل ذلك لم يحل لهم قتله، لأنه إنما يحل
قتل الظالم إذا كان على وجه الدفع، والمروي أنهم أحرقوا بابه، وهجموا عليه في
منزله، وبعجوه بالسيف والمشاقص ، وضربوا يد زوجته لما وقعت عليه، وانتهبوا متاع
داره؛ ومثل هذه القتلة لا تحل في الكافر والمرتد،
فكيف يظن أن الصحابة لم ينكروا ذلك، ولم يعدوه ظلماً؛ حتى يقال إنه مستحق من حيث
لم يدفع القوم عنه! وقد تظاهر الخبر بما جرى من تجمع القوم عليه، وتوسط أمير المؤمنين عليه السلام لأمرهم،
وأنه بذل لهم ما أرادوه، وأعتبهم وأشهد على نفسه بذلك؛ وإن الكتاب الموجود بعد
ذلك المتضمن لقتل القوم، ووقف عليه - وممن أوقفه
عليه أمير المؤمنين عليه السلام - فحلف أنه ما كتبه، ولا أمر به، فقال له: فمن تتهم؟ قال: ما تهم أحداً، وأن للناس لحيلاً. ولا شبهة في أن القتل على وجه الغيلة لا يحل فيمن يستحق
القتل، فكيف فيمن لا يستحقه! ولولا أنه كان يمنع من محاربة القوم ظناً منه أن
ذلك يؤدي إلى القتل الذريع لكثر أنصاره. ولهذا قال له سعد بن أبي وقاص - في
رواية الواقدي، وقد دخل الكوفة -: يا أبا وهب ، أمير
أم زائر؟ قال: بل أمير، فقال سعد: ما أدري أحمقت بعدك أم كست بعدي! قال: ما حمقت بعدي
ولا كست بعدك، ولكن القوم ملكوا فاستأثروا، فقال سعد: ما أراك
إلا صادقاً. وفي رواية أبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي أن الوليد لما دخل الكوفة
مر على مجلس عمرو ابن زرارة النخعي، فوقف، فقال عمرو: يا معشر بني أسد، بئسما استقبلنا به
أخوكم ابن عفان! أمن عدله أن ينزع عنا ابن أبي
وقاص، الهين اللين السهل القريب، ويبعث بدله أخاه الوليد، الأحمق الماجن الفاجر قديماً وحديثاً! واستعظم الناس مقدمه، وعزل سعد به، وقالوا: أراد عثمان كرامة
أخيه بهوان أمة محمد صلى الله عليه وسلم! وهذا تحقيق ما ذكرناه
من أن حاله كانت مشهورة قبل الولاية، لا ريب فيها عند أحدٍ، فكيف
يقال: إنه كان مستوراً حتى ظهر منه ما ظهر! وفي الوليد نزل قوله تعالى: " أفمن كان مؤمناً كمن كان
فاسقاً لا يستوون " ، فالمؤمن ههنا أمير
المؤمنين عليه السلام،
والفاسق الوليد، على ما ذكره أهل التأويل. وفيه نزل قوله تعالى: "
يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإٍ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالةٍ
فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " ، والسبب في ذلك أنه كذب على بني المصطلق عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وادعى أنهم منعوه الصدقة.
ولو قصصنا مخازيه المتقدمة ومساويه
لطال بها الشرح. وكذلك كلامه في
الصلاة، والتفاته إلى من يقتدي به فيها وهو سكران، وقوله لهم: أأزيدكم؟ فقالوا: لا، قد قضينا صلاتنا، حتى قال الحطيئة
في ذلك:
وقال فيه أيضاً:
وأما قوله: إنه
جلده الحد وعزله، فبعد أي شيء كان ذلك، ولم يعزله إلا بعد أن دافع ومانع، واحتج
عنه وناضل! ولو لم يقهره أمير المؤمنين عليه السلام على رأيه لما عزله، ولا أمكن
من جلده. وقد روى الواقدي
أن عثمان لما جاءه الشهود يشهدون على الوليد بشرب الخمر أوعدهم وتهددهم. قال: فما ترى؟ قال: أرى أن تعزله ولا توليه شيئاً
من أمور المسلمين، وأن تسأل عن الشهود؛ فإن لم يكونوا أهل ظنة ولا عداوة، أقمت
على صاحبك الحد. وتكلم في مثل ذلك طلحة والزبير
وعائشة، وقالوا أقوالاً شديدة، وأخذته الألسن من كل جانب، فحينئذ عزله،
ومكن من إقامة الحد عليه. وقد روى الواقدي
أن الشهود لما شهدوا عليه في وجهه، وأراد عثمان أن يحده ألبسه جبة خز، وأدخله
بيتاً، فجعل إذا بعث إليه رجلاً من قريش ليضربه، قال
له الوليد: أنشدك الله أن تقطع رحمي وتغضب أمير المؤمنين! فلما رأى علي عليه
السلام ذلك، أخذ السوط ودخل عليه، فجلده به. فأي عذر لعثمان في عزله وجلده بعد هذه الممانعة الطويلة،
والمدافعة الشديدة!.
عزله،
وأما عزل أمير المؤمنين عليه السلام بعض أمرائه لما
ظهر من الحدث كالقعقاع بن شور وغيره، وكذلك عزل
عمر قدامة بن مظعون لما شهد عليه بشرب الخمر، وجلده له؛ فإنه لا يشبه ما تقدم؛
لأن كل واحد ممن ذكرناه لم يول إلا من هو حسن
الظاهر عنده وعند الناس، غير معروف باللعب ولا مشهور بالفساد. ثم لما ظهر منه ما ظهر لم يحام عنه ولا كذب الشهود عليه وكابره، بل عزله غير
مضطر، وكل هذا لم يجر في أمراء عثمان، وقد
بينا كيف كان عزل الوليد وإقامة الحد عليه. وأمير المؤمنين عليه السلام لم يول من أقاربه متهماً ولا ظنيناً، وحين أحس من ابن العباس
ببعض الريبة لم يمهله ولا احتمله، وكاتبه بما هو شائع وظاهر؛ ولو لم يجب على عثمان أن يعدل على
ولاية أقاربه إلا من حيث جعل عمر ذلك سبب عدوله عن النص عليه، وشرط عليه يوم الشورى ألا يحمل أقاربه على رقاب الناس، ولا
يؤثرهم لمكان القرابة بما لا يؤثر به غيرهم- لكان صارفاً قوياً، فضلاً عن
أن ينضاف إلى ذلك ما انضاف من خصالهم الذميمة وطرائقهم القبيحة. ونابذوه،
وأفضى الأمر إلى تسييره من سير عن الكوفة، والقصة مشهورة،
ثم انتهى الأمر إلى منع أهل الكوفة سعيداً من دخولها، وتكلموا فيه وفي عثمان
كلاماً ظاهراً، حتى كادوا يخلعون عثمان؛ فاضطر حينئذ
إلى إجابتهم إلى ولاية أبي موسى، فلم يصرف سعيداً مختاراً، بل ما صرفه جملة، وإنما صرفه أهل الكوفة عنهم. ولقد قال له المصريون لما جحد أن يكون الكتاب كتابه
شيئاً لا زيادة عليه في باب الحجة، لأنهم قالوا: إذا كنت ما كتبت ولا أمرت به، فأنت ضعيف؛ من حيث تم عليك أن يكتب كاتبك بما تحتمه بخاتمك
وينفذه بيد غلامك وعلى بعيرك بغير أمرك؛ ومن
تم عليه ذلك لا يصلح أن يكون والياً على أمور
المسلمين. فاختلع عن الخلافة على كل حال. وما قاله أمير المؤمنين عليه السلام بعد سماع
هذا القول منه معروف. أو ما كان
يجب مع وقوع التهمة عليه، وقوة الأمارات في أنه جالب الفتنة وسبب الفرقة أن يبعده عنه، ويطرده من داره ويسلبه ما كان يخصه به من
إكرامه! وما في هذه الأمور أظهر من أن ينبه له. وقوله: لم يثبت ذلك، قد
مضى ما فيه، وبين أنه لم يستعمل فيه ما يجب استعماله من البحث والكشف،
وتهديد المتهم وطرده وإبعاده والتبرؤ من التهمة بما يتبرأ به من مثلها. وأما منع الماء والطعام فما فعل ذلك
إلا تضييقاً عليه؛ ليخرج ويحوج إلى الخلع الواجب عليه. وقد يستعمل في الشريعة مثل ذلك فيمن لجأ إلى الحرم من ذوي
الجنايات، وتعذر إقامة الحد عليه لمكان الحرم. على أن
أمير المؤمنين عليه السلام قد أنكر منع الماء والطعام، وأنفذ من مكن من حمل ذلك،
لأنه قد كان في الدار من الحرم والنسوان والصبيان من لا
يحل منعه من الطعام والشراب. ولو كان
حكم المطالبة بالخلع والتجمع عليه والتضافر فيه حكم منع الطعام والشراب في القبح
والمنكر، لأنكره أمير المؤمنين عليه السلام، ومنع منه
كما منع من غيره، فقد روي عنه عليه السلام أنه لما بلغه أن القوم قد
منعوا الدار من الماء، قال: لا أرى ذلك، إن في الدار
صبياناً وعيالاً، لا أرى أن يقتل هؤلاء عطشاً بجرم عثمان. فصرح بالمعنى
الذي ذكرناه، ومعلوم أن أمير المؤمنين عليه السلام ما
أنكر المطالبة بالخلع، بل كان مساعداً على ذلك ومشاوراً فيه. والذي يدل على أنه لم يمنع في الإبتداء من محاربتهم
إلا للوجه الذي ذكرناه دون غيره، أنه لا خلاف بين أهل
الرواية في أن كتبه تفرقت في الآفاق يستنصر ويستدعي الجيوش، فكيف يرغب عن نصرة
الحاضر من يستدعي نصرة الغائب! فأما قوله: إن أمير المؤمنين عليه السلام أراد أن يأتيه،
حتى منعه ابنه محمد، فقول بعيد مما جاءت به
الرواية جداً، لأنه
لا إشكال في أن أمير المؤمنين عليه السلام لما
واجهه عثمان بأنه يتهمه ويستغشه، انصرف مغضباً عامداً
على أنه لا يأتيه أبداً، قائلاً فيه ما يستحقه من الأقوال. وقد روى الواقدي عن ابن أبي الزناد، عن أبي
جعفر القاري مولى بني مخزوم، قال:
كان المصريون الذين حصروا عثمان
ستمائة، عليهم عبد الرحمن بن عديس البلوي، وكنانة بن بشر الكندي، وعمرو بن الحمق
الخزاعي. والذين قدموا المدينة من الكوفة مائتين، عليهم مالك الأشتر النخعي. والذين قدموا من البصرة مائة رجل، رئيسهم حكيم بن جبلة العبدي،
وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين
خذلوه لا يرون أن الأمر يبلغ به القتل، ولعمري لو قام بعضهم فحثا التراب في وجوه
أولئك لانصرفوا، وهذه الرواية تضمنت من عدد القوم
الوافدين في هذا الباب أكثر مما تضمنه غيرها. فقال: نعم، شهده ثمانمائة. قيل: الواجب على غيره ألا يتهمه؛ إذا كان
لفعله وجه يصح عليه؛ لأنه قد نصب منصباً يقتضي زوال التهمة عنه، وحمل أفعاله على
الصحة، ومتى طرقنا عليه التهمة أدى إلى بطلان كثير من الأحكام. وقد قال الشيخ أبو الحسين الخياط
رحمه الله تعالى: إنه
لو لم يكن في رده من رسول الله صلى
الله عليه وسلم لجاز أن يكون طريقه الاجتهاد، لأن النفي
إذا كان صلاحاً في الحال لا يمتنع أن يتغير حكمه
باختلاف الأوقات وتغير حال المنفي، وإذا كان لأبي بكر أن يسترد عمر من
جيش أسامة للحاجة إليه - وإن كان قد أمر رسول الله صلى
الله عليه وسلم بنفوذه - من حيث تغيرت الحال؛ فغير
ممتنع مثله في الحكم. اعترض المرتضى رحمه الله تعالى على هذا،
فقال: أما دعواه أن عثمان ادعى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن
في رد الحكم فشيء لم يسمع إلا من قاضي القضاة،
ولا يدرى من أين نقله، ولا في أي كتاب وجده! والذي رواه الناس كلهم خلاف ذلك؛ روى الواقدي من طرق مختلفة وغيره أن
الحكم بن أبي العاص لما قدم المدينة بعد الفتح، أخرجه
النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف،
وقال: لا تساكني في بلد أبداً، فجاءه عثمان فكلمه فأبى، ثم كان من أبي بكر مثل ذلك، ثم كان من
عمر مثل ذلك، فلما قام عثمان أدخله ووصله وأكرمه، فمشى
في ذلك علي والزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن بن عوف وعمار بن ياسر؛ حتى دخلوا على
عثمان فقالوا له: إنك قد أدخلت هؤلاء القوم
- يعنون الحكم ومن معه - وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم
أخرجهم، وإنا نذكرك الله والإسلام ومعادك؛ فإن لك
معاداً ومنقلباً، وقد أبت ذلك الولاة قبلك، ولم يطمع أحد أن يكلمها فيهم،
وهذا شيء نخاف الله فيه عليك. فقال عثمان: إن
قرابتهم مني ما تعلمون؛ وقد كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم حيث
كلمته أطمعني في أن يأذن لهم، وإنما أخرجهم لكلمةٍ بلغته عن الحكم، ولم يضركم مكانهم شيئاً، وفي الناس من هو شر منهم. فقال علي عليه السلام:
لا أجد شراً منه ولا منهم، ثم قال: هل تعلم عمر يقول: والله ليحملن بني أبي معيط على رقاب الناس!
والله إن فعل ليقتلنه، فقال عثمان: ما كان
منكم أحد ليكون بينه وبينه من القرابة ما بيني وبينه، وينال من المقدرة ما نلت
إلا قد كان سيدخله، وفي الناس من هو شر منه. قال:
فغضب علي عليه السلام، وقال: والله لتأتينا بشر من هذا إن سلمت، وسترى يا عثمان غب ما تفعل! ثم خرجوا من عنده. وقد روي من طرق مختلفة أن عثمان لما
كلم أبا بكر وعمر في رد الحكم أغلظا له وزبراه ، وقال له عمر:
يخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتامرني
أن أدخله! والله لو أدخلته لم آمن أن يقول قائل:
غير عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم،
والله لأن أشق بائنتين كما تشق الأبلمة أحب إلي من أن أخالف لرسول الله أمراً،
وإياك يابن عفان أن تعاودني فيه بعد اليوم؛ وما
رأينا عثمان قال في جواب هذا التعنيف والتوبيخ من أبي بكر وعمر: إن عندي
عهداً من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه،
لا أستحق معه عتاباً ولا تهجيناً، وكيف تطيب نفس
مسلم موقر لرسول الله صلى الله عليه
وسلم معظم له، أن يأتي إلى عدو رسول الله صلى الله عليه وسلم، مصرح
بعداوته والوقيعة فيه؛ حتى بلغ به الأمر إلى أن كان يحكي مشيته، طرده رسول الله،
وأبعده ولعنه، حتى صار مشهوراً بأنه طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكرمه
ويرده إلى حيث أخرج منه، ويصله بالمال العظيم: إما من مال
المسلمين أو من ماله! إن هذا لعظيم كبير قبل التصفح والتأمل والتعلل
بالتأويل الباطل! فأما قول صاحب المغني: إن أبا بكر وعمر لم يقبلا قوله لأنه شاهد واحد، وجعلا ذلك بمنزلة الحقوق التي
تخص، فأول ما فيه أنه لم يشهد عندهما
بشيء واحد في باب الحكم على ما رواه جميع الناس؛ ثم ليس
هذا من باب الذي يحتاج فيه إلى الشاهدين، بل هو بمنزلة كل ما يقبل فيه أخبار
الآحاد. وكيف يجوز أن يجري أبو
بكر وعمر مجرى الحقوق ما ليس منها! وقوله: لا
بد من تجويز كونه صادقاً في روايته؛ لأن القطع على كذب روايته لا سبيل إليه ليس
بشيء، لأنا قد بينا أنه لم يرو عن الرسول صلى الله عليه
وسلم إذناً،
إنما ادعى أنه أطمعه في ذلك. وإذا جوزنا كونه صادقاً في هذه الرواية؛ بل
قطعنا على صدقه لم يكن معذوراً. فأما قوله:
الواجب على غيره ألا يتهمه إذا كان لفعله وجه يصح عليه؛ لانتصابه منصباً يزيل
التهمة، فأول ما فيه أن الحاكم لا يجوز أن يحكم بعلمه مع التهمة، والتهمة قد تكون لها أمارات
وعلامات؛ فما وقع منها عن أمارات وأسباب تتهم في العادة كان مؤثراً؛ وما
لم يكن كذلك فلا تأثير له، والحكم هو عم عثمان، وقريبه
ونسيبه، ومن قد تكلم في رده مرة بعد أخرى، ولوالٍ بعد والٍ، وهذه كلها
أسباب التهمة، فقد كان يجب أن يتجنب الحكم بعلمه في هذا
الباب خاصة، لتطرق التهمة إليه. ولو سوغنا الاجتهاد في مخالفة ما
تناوله النص لم يؤمن أن يؤدي اجتهاد مجتهد إلى تحليل الخمر
وإسقاط الصلاة، بأن تتغير الحال، وهذا هدم للشريعة. فأما الاستشهاد باسترداد عمر من جيش أسامة
فالكلام في الأمرين واحد. وقد قال الشيخ أبو الحسين الخياط:
إن
ابن أبي سرح لما غزا البحر، ومعه مروان في الجيش، ففتح الله عليهم، وغنموا غنيمة
عظيمة، اشترى مروان من ابن أبي سرح الخمس بمائة ألف، وأعطاه أكثرها، ثم قدم على
عثمان بشيراً بالفتح، وقد كانت قلوب المسلمين تعلقت بأمر ذلك الجيش، فرأى عثمان أن يهب له ما بقي عليه من المال، وللإمام فعل
مثل ذلك، ترغيباً في مثل هذه الأمور. وذكر في إقطاعه القطائع لبني أمية،
أن الأئمة قد تحصل في أيديهم الضياع لا مالك لها، ويلمون أنها لا بد فيها ممن
يقوم بإصلاحها وعمارتها، ويؤدي عنها ما يجب من الحق، فله أن يصرف من ذلك إلى من
يقوم به، وله أيضاً أن يهد بعضها على بعض بحسب ما يعلم من الصلاح والتآلف، وطريق
ذلك الاجتهاد. روى الواقدي بإسناده عن المسور بن عتبة، قال: سمعت
عثمان يقول: إن أبا بكرٍ وعمر كانا يتأولان
في هذا المال ظلف أنفسهما وذوي أرحامهما، وإني
تأولت فيه صلة رحمي. وروي عنه أيضاً
أنه كان بحضرته زياد بن عبيد، مولى الحارث بن كلدة الثقفي، وقد بعث إليه أبو
موسى بمال عظيم من البصرة، فجعل عثمان يقسمه بين ولده وأهله بالصحاف ، فبكى زياد فقال: لا تبك، فإن عمر كان يمنع أهله
وذوي قرابته ابتغاء وجه الله، وأنا أعطي
أهلي وولدي وقرابتي ابتغاء وجه الله، وقد
روي هذا المعنى عنه في عدة طرق بألفاظ مختلفة. ويقال: إنه
سأل عثمان أن يكتب عليه بذلك كتاباً، فأبى وامتنع ابن الأرقم أن يدفع المال إلى
القوم، فقال له عثمان: إنما أنت خازن لنا، فما حملك
على ما فعلت؟ فقال ابن الأرقم: كنت أراني
خازن المسلمين، وإنما خازنك غلامك، والله لا
ألي لك بيت المال أبداً، وجاء بالمفاتيح فعلقها على المنبر، ويقال: بل ألقاها إلى عثمان، فرفعها إلى نائل مولاه. وما في هذه الأمور أوضح من أن يشار
إليه وينبه عليه. لقد غزوت معنا إفريقية، وإنك لأقلنا مالاً ورقيقاً
وأعواناً، وأخفنا ثقلاً، فأعطاك ابن عمك خمس إفريقية، وعملت على الصدقات، فأخذت
أموال المسلمين. وروى الكلبي عن أبيه، عن أبي مخنف أن
مروان ابتاع إفريقية بمائتي ألأف درهم أو مائتي ألف دينار، وكلم عثمان، فوهبها
له، فأنكر الناس ذلك على عثمان. وهذا بعينه هو الذي اعترف به أبو
الحسين الخياط واعتذر عنه بأن قلوب المسلمين تعلقت بأمر ذلك
الجيش، فرأى عثمان أن يهب لمروان ثمن ما ابتاعه من الخمس لما جاءه بشيراً بالفتح
على سبيل الترغيب. وهذا الاعتذار ليس بشيء؛ لأن الذي رويناه من الأخبار في هذا
الباب خالٍ من البشارة، وإنما يقتضي أنه سأله ترك ذلك عليه، فتركه وابتدأ هو
بصلته، ولو أتى بشيراً بالفتح كما ادعوا لما جاز أن يترك عليه خمس الغنيمة
العائد نفعه على المسلمين، لأن تلك البشارة لا تبلغ
إلى أن يستحق البشير بها مائتي ألف درهم، ولا اجتهاد في مثل هذا، ولا فرق
بين من جوز أن يؤدي الاجتهاد إلى مثله ومن جوز أن يؤدي الاجتهادإلى دفع أصل
الغنيمة إلى البشير بها، ومن ارتكب ذلك ألزم جواز أن يؤدي الاجتهاد إلى إعطاء
هذا البشير جميع أموال المسلمين في الشرق والغرب. ثم الصلاح الذي زعم أنه رآه، لا يخلو إما أن يكون
عائداً على المسلمين، أو على أقاربه؛ فإن كان على المسلمين فمعلوم ضرورةً أنه لا صلاح لأحد من المسلمين في إعطاء مروان مائتي ألف دينار،
والحكم بن أبي العاص ثلاثمائة ألف درهم، وابن أسيد ثلاثمائة ألف درهم، إلى غير
ما ذكرنا، بل على المسلمين في ذلك غاية الضرر. وإن أراد الصلاح الراجع إلى الأقارب
فليس له أن يصلح أمر أقاربه بفساد أمر المسلمين. وينفعهم بما يضر به المسلمين. ثم كان يجب
لو فعلوا ذلك أن يكون جوابه بخلاف ما روي من جوابه، لأنه
كان يجب أن يقول لهم: وأي منفعة في هذه القطائع عائدة على قرابتي حتى
تعدوا ذلك من جملة صلاتي لهم؛ وإيصالي المنافع إليهم! وإنما جعلتهم فيها بمنزلة
الأكرة الذين ينتفع بهم أكثر من انتفاعهم أنفسهم، وما كان يجب أن يقول ما تقدمت
روايته، من أني محتسب في إعطاء قرابتي، وأن ذلك على سبيل الصلة لرحمي، إلى غير
ذلك مما هو خالٍ من المعنى الذي ذكره. قال قاضي القضاة: وجوابنا عن ذلك أنه إنما جاز له ذلك لعلمه بحاجة المقاتلة،
واستغناء أهل الصدقة، ففعل ذلك على سبيل الإقراض، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله، وللإمام في مثل هذه الأمور أن
يفعل ما جرى هذا المجرى؛ لأن عند الحاجة ربما يجوز له أن يقترض من الناس؛ فأن يجوز له أن يتناول من مالٍ في يده، ليرد عوضه من
المال الآخر أولى. وأما ما ذكره من
الاقتراض، فأين كان عثمان عن هذا العذر لما ووقف عليه!. وقد ذكر الشيخ
أبو الحسين الخياط أن ابن مسعود إنما عابه لعزله إياه؛ وقد روي أن عثمان اعتذر إليه فلم يقبل عذره، ولما أحضر إليه عطاءه في مرضه، قال ابن مسعود: منعتني إياه إذ كان ينفعني، وجئتني به عند الموت! لا أقبله.
وأنه وسط أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليزيل
ما في نفسه فلم يجب؛ وهذا يوجب ذم ابن مسعود إذ لم
يقبل الندم، ويوجب براءة عثمان من هذا العيب، لو صح ما رووه من ضربه. ورووا أنه كان
يطعن عليه، فيقال له: ألا خرجت عليه، ليخرج معك! فيقول: لأن أزاول جبلاً راسياً أحب إلي من
أن ازاول ملكاً مؤجلاً. وإنما كان يقول
ذلك معرضاً بعثمان حتى غضب الوليد بن عقبة من استمرار تعريضه، ونهاه عن خطبته
هذه، فأبى أن ينتهي، فكتب إلى عثمان فيه، فكتب عثمان يستقدمه عليه.
ولما مرض ابن مسعود مرضه الذي مات فيه، أتاه عثمان
عائداً، فقال: ما تشتكي؟ فقال: ذنوبي، قال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي، قال: ألا
أدعو لك طبيباً؟ قال: الطبيب أمرضني، قال: أفلا آمر لك بعطائك؟ قال: منعتنيه وأنا محتاج إليه، وتعطينيه وأنا مستغنٍ عنه!
قال: يكون لولدك، قال: رزقهم على الله تعالى، قال:
استغفر لي يا أبا عبد الرحمن، قال: أسأل الله أن يأخذ لي منك حقي. وإذا جاز
ما ذكرناه لم يكن على ابن مسعود لوم في
الامتناع من قبول عذره. فقال عثمان: اسكتي؛ ثم
قال لعبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن عبد
العزى بن قصي: أخرجه إخراجاً عنيفاً، فأخذه ابن زمعة، فاحتمله حتى جاء به
باب المسجد، فضرب به الأرض، فكسر ضلعاً من أضلاعه، فقال
ابن مسعود: قتلني ابن زمعة الكافر بأمر عثمان،
وفي رواية أخرى إن ابن زمعة الذي فعل به ما فعل كان مولى لعثمان أسود
مسدماً طوالاً. وفي رواية أخرى: إن فاعل ذلك يحموم مولى عثمان. وفي رواية أخرى: إنه لما احتمله ليخرجه من المسجد
ناداه عبد الله: أنشدك الله، ألا تخرجني من مسجد خليلي صلى الله عليه وسلم. وهذه قصة أخرى، وذلك أن أبا ذر رحمه الله تعالى لما حضرته الوفاة بالربذة، وليس معه إلا امرأته
وغلامه عهد إليهما أن غسلاني ثم كفناني، ثم ضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمر بكم قولوا لهم: هذا أبو ذر صاحب رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فأعينونا على دفنه، فلما مات فعلوا ذلك، وأقبل ابن
مسعود في ركب من العراق معتمرين، فلم يرعهم إلا الجنازة على قارعة الطريق، قد
كادت الإبل تطؤها، فقام إليهم العبد فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعينونا
على دفنه، فانهل ابن مسعود باكياً، وقال: صدق رسول
الله صلى الله عليه وسلم، قال له: " تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك "، ثم
نزل هو وأصحابه، فواروه. فأما قوله: إن
ابن مسعود كره جمع عثمان الناس على قراءة
زيد، وإحراقه المصاحف، فلا شك أن عبد الله كره ذلك، كما كرهه جماعة من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وتكلموا فيه، وقد ذكر الرواة كلام كل واحد منهم في ذلك مفصلاً، وما كره عبد الله
من ذلك إلا مكروهاً، وهو الذي يقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم في حقه:
" من سره أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد
". وروي عن ابن عباس رحمه الله تعالى
أنه قال: قراءة ابن أم عبد هي القراءة الأخيرة، إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض عليه القرآن في كل سنة من شهر رمضان، فلما كان
العام الذي توفي فيه عرض عليه دفعتين، فشهد عبد الله ما نسخ منه، وما صح فهي
القراءة الأخيرة. وليس له أن يقول: حدث
من الاختلاف في أيام عثمان ما لم يكن في أيام الرسول صلى
الله عليه وسلم، ولا ما أباحه، وذلك لأن الأمر لو كان
على هذا لوجب أن ينهى عن القراءة الحادثة، والأمر المبتدع، ولا يحمله ما أحدث من
القراءة على تحريم المتقدم بلا شبهة. الطعن الثامن: أنه أقدم على عمار بن ياسر بالضرب، حتى حدث به فتق، ولهذا صار أحد من ظاهر المتظلمين من أهل
الأمصار على قتله، وكان يقول: قتلناه كافراً. فقال له علي عليه السلام: إذن
تمنع من ذلك، ويحال بينك وبينه، فقال عمار: أشهد
الله أن أنفي أول راغم من ذلك، فقال عثمان: أعلي
يابن ياسر تجترئ! خذوه، فأخذ ودخل عثمان، فدعا به فضربه حتى غشي عليه، ثم أخرج
فحمل حتى أتي به منزل أم سلمة رضي الله عنها، فلم يصل الظهر والعصر والمغرب،
فلما أفاق توضا وصلى، وقال: الحمد لله، ليس هذا أول
يوم أوذينا في الله تعالى! فقال هشام بن الوليد ابن المغيرة
المخزومي - وكان عمار حليفاً لبني مخزوم -: يا عثمان، أما
علي فاتقيته، وأما نحن فاجترأت علينا، وضربت أخانا حتى اشفيت به على التلف؛ أما والله لئن مات لأقتلن به رجلاً من بني أمية عظيم
الشأن! فقال عثمان: وإنك لههنا يابن
القسرية ، قال: فإنهما قسريتان - وكانت أم هشام
وجدته قسريتين من بجيلة - فشتمه عثمان، وأمر به فأخرج، فأتي به أم سلمة
رضي الله عنها، فإذا هي قد غضبت لعمار، وبلغ عائشة
رضي الله عنها ما صنع بعمار، فغضبت أيضاً، وأخرجت شعراً من شعر رسول الله صلى
الله عليه وسلم، ونعلاً من نعاله، وثوباً من ثيابه، وقالت: ما أسرع ما تركتم سنة
نبيكم، وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد! وروى آخرون أن السبب في ذلك أن عثمان مر بقبر جديد، فسأل عنه، فقيل:
عبد الله بن مسعود، فغضب على عمارلكتمانه إياه موته، إذ كان المتولي للصلاة
عليه، والقيام بشأنه، فعندها وطئ عثمان عماراً حتى
أصابه الفتق. وروى آخرون أن المقداد وعماراً وطلحة والزبير وعدة من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم كتبوا كتاباً عددوا فيه أحداث عثمان، وخوفوه به، وأعلموه أنهم
مواثبوه إن لم يقلع، فأخذ عمار الكتاب، فأتاه به،
فقرأ منه صدراً، ثم قال: أعلي تقدم من بينهم! فقال:
لأني أنصحهم لك، قال: كذبت يابن سمية! فقال: أنا والله ابن سمية، وابن
ياسر! فأمر عثمان غلماناً له، فمدوا يديه ورجليه،
ثم ضربه عثمان برجليه - وهي في الخفين - على مذاكيره، فأصابه الفتق، وكان
ضعيفاً كبيراً فغشي عليه. فأما ما رواه من منازعة الحسن عليه
السلام عماراً في ذلك، وترافعهما إلى أمير المؤمنين عليه
السلام، فهو أولاً
غير دافع لكون عمار مكفراً له، بل شاهد بذلك من قوله عليه السلام. ثم إن كان الخبر صحيحاً فالوجه فيه أن عماراً كان
يعلم من لحن كلام أمير المؤمنين عليه السلام، وعدوله عن أن يقضي بينهما بصريح من
القول إنه متمسك بالتقية، فأمسك عمار متابعة لغرضه. وروي أنه قال عليه السلام: ما لهم ولعمار! يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار. وروى
العوام بن حوشب عن سلمة بن كهيل عن علقمة عن خالد بن الوليد أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم
قال: " من عادى عماراً عاداه الله، ومن أبغض عماراً
أبغضه الله "؛ وأي كلام غليظٍ سمعه عثمان من عمار يستحق به ذلك
المكروه العظيم الذي يجاوز مقدار ما فرضه الله تعالى في الحدود! وإنما كان عمار وغيره أثبتوا عليه أحداثه ومعايبه على ما
يظهر من سيئ أفعاله. وقد كان يجب عليه أحد
أمرين: إما أن ينزع عما يواقف عليه من تلك الأفعال، أو يبين من عذره عنها وبراءته منها ما يظهر
ويشتهر؛ فإن أقام مقيم بعد ذلك على توبيخه وتفسيقه زجره عن ذلك بوعظٍ أو غيره،
ولا يقدم على ما يفعله الجبابرة والأكاسرة من شفاء الغيظ بغير ما أنزل الله
تعالى وحكم به. الطعن التاسع: إقدامه على أبي ذر مع تقدمه في الإسلام، حتى سيره إلى
الربذة ونفاه، وقيل: إنه ضربه. وروي أنه قيل لأبي ذر:
عثمان أنزلك الربذة؟ فقال: لا، بل اخترت لنفسي ذلك. وقد روى جميع أهل السير
على اختلاف طرقهم وأسانيدهم أن عثمان لما أعطى مروان بن الحكم ما أعطاه،
وأعطى الحارث بن الحكم بن أبي العاص ثلاثمائة ألف درهم، وأعطى زيد بن ثابت مائة
ألف درهم، جعل أبو ذر يقول: بشر الكانزين بعذاب
أليم، ويتلو قول الله تعالى: "والذين يكنزون
الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذابٍ أليم " فرفع
ذلك مروان إلى عثمان، فأرسل إلى أبي ذر نائلاً مولاه: أن انته عما يبلغني عنك، فقال: أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله، وعيب من
ترك أمر الله! فوالله لأن أرضي الله بسخط عثمان أحب إلي وخير لي من أن أسخط الله
برضاه. فأغضب عثمان ذلك، وأحفظه فتصابر. وكان أبو ذر رحمه الله تعالى يقول: والله
لقد حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هي في كتاب الله
ولا سنة نبيه، والله إني لأرى حقاً يطفأ وباطلاً يحيا، وصادقاً مكذباً،
وأثرة بغير تقى، وصالحاً مستاثراً عليه، فقال حبيب بن
مسلمة الفهري لمعاوية: أما بعد؛ فاحمل جندباً إلي على أغلظ مركب وأوعره،
فوجه به مع من سار به الليل والنهار، وحمله على شارف
ليس عليها إلا قتب . حتى قدم به المدينة، وقد سقط لحم فخذيه من الجهد، فلما
قدم أبو ذر المدينة، بعث إليه عثمان أن الحق بأي أرضٍ شئت، فقال: بمكة؟ قال: لا،
قال: فبيت المقدس؟ قال: لا، قال: فأحد المصرين ؟ قال: لا، ولكني مسيرك إلى الربذة، فسيره إليها، فلم يزل بها حتى مات. فتكلم علي عليه السلام - وكان حاضراً
- وقال: أشير عليك بما قاله مؤمن آل فرعون: " وإن يك كاذباً فعليه وكذبه وإن يك صادقاً يصبكم
بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب " ، قال: فأجابه عثمان بجوابٍ غليظ، لا أحب ذكره،
وأجابه عليه السلام بمثله، قال: ثم إن عثمان
حظر على الناس أن يقاعدوا أبا ذر، أو يكلموه، فمكث كذلك أياماً، ثم أمر أن يؤتى
به، فلما أتي به بين يديه، قال: ويحك يا عثمان! أما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت
أبا بكر وعمر! هل رأيت هذا هديهم! إنك لتبطش بي بطش جبار؛ فقال: اخرج عنا من
بلادنا، فقال أبو ذر: ما أبغض إلي جوابك!
فإلى أين أخرج؟ قال: حيث شئت، قال: فأخرج إلى الشام أرض الجهاد؟ قال: إنما جلبتك
من الشام لما قد أفسدتها أفأردك إليها! قال: أفأخرج إلى العراق؟ قال: لا، قال :
ولم؟ قال: تقدم على قومٍ أهل شبهٍ وطعنٍ في الأئمة، قال: أفأخرج إلى مصر؟ قال:
لا، قال: فإلى أين أخرج؟ قال: حيث شئت، قال أبو ذر: فهو إذن التعرب بعد الهجرة؛
أأخرج إلى نجد؟ فقال عثمان: الشرف الأبعد أقصى فأقصى،
امض على وجهك هذا، ولا تعدون الربذة. فخرج إليها. وروى الواقدي عن مالك بن أبي الرجال،
عن موسى بن ميسرة أن أبا الأسود الدؤلي، قال: كنت أحب لقاء
أبي ذر لأسأله عن سبب خروجه، فنزلت الربذة، فقلت له: ألا تخبرني؟ أخرجت من المدينة طائعاً أم خرجت مكرهاً؟ فقال:
كنت في ثغر من ثغور المسلمين، أغني عنهم، فأخرجت إلى مدينة الرسول صلى الله عليه
وسلم، فقلت: أصحابي ودار هجرتي، فأخرجت منها إلى ما ترى، ثم قال: بينا أنا ذات ليلة نائم في المسجد إذ مر بي رسول الله صلى
الله عليه وسلم،
فضربني برجله وقال: " لا أراك نائماً في المسجد "، فقلت: بأبي أنت وأمي! غلبتني عيني، فنمت فيه، فقال: " كيف تصنع إذا أخرجوك منه؟ " فقلت: إذن ألحق بالشام فإنها أرض
مقدسة، وأرض بقية الإسلام، وأرض الجهاد، فقال: " فكيف تصنع إذا أخرجت منها؟ " فقلت: أرجع إلى المسجد،
قال: " فكيف تصنع إذا أخرجوك منه؟ "
قلت: آخذ سيفي فأضرب به، فقال صلى الله عليه
وسلم: " ألا أدلك على خيرٍ من ذلك، انسق معهم حيث ساقوك، وتسمع
وتطيع "، فسمعت وأطعت وأنا أسمع وأطيع، والله
ليلقين الله عثمان وهو آثم في جنبي. وما يحمل نفسه على ادعاء أن أبا ذر
خرج مختاراً إلى الربذة إلا مكابر. ولسنا ننكر ما أورده صاحب كتاب
المغني من أنه خرج مختاراً قد روي، إلا أنه من الشاذ النادر. وإنما أشخص من الشام على الوجه الذي أشخص عليه: من
خشونة المركب، وقبح السير به للموجدة عليه. ثم لما قدم منع الناس من كلامه، وأغلظ له في القول؛
وكل هذا لا يشبه أن يكون خروجه إلى الربذة باختياره. وكيف
يظن عاقل أن أبا ذر يختار الربذة منزلاً مع جدبها وقحطها وبعدها عن الخيرات؛ ولم
تكن بمنزل مثله! فأما قوله:إنه أشفق عليه من أن يناله بعض أهل المدينة
بمكروه من حيث كان يغلظ لهم القول، فليس بشيء؛ لأنه
لم يكن في أهل المدينة إلا من كان راضياً بقوله، عاتباً بمثل عتبه، إلا
أنهم كانوا بين مجاهرٍ بما في نفسه، ومخفٍ ما عنده؛
وما في أهل المدينة إلا من رثى لأبي ذر مما حدث عليه، ومن استفظعه، ومن رجع إلى كتب السيرة عرف ما ذكرناه. فأما قوله: إن
الله تعالى والرسول قد ندبا إلى خفض الجناح، ولين القول للمؤمن والكافر، فهو كما قال؛ إلا أن هذا أدب كان ينبغي أن يتأدب به عثمان
في أبي ذر، ولا يقابله بالتكذيب، وقد
قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقه؛
ولا يسمعه مكروه الكلام، فإنما نصح له، وأهدى إليه عيوبه، وعاتبه على ما لو نزع
عنه لكان خيراً له في الدنيا والآخرة. قال: ولم يثبت أن أمير المؤمنين عليه
السلام كان يطلبه ليقتله بالهرمزان، لأنه لا يجوز
قتل من عفا عنه ولي المقتول، وإنما كان يطلبه
ليضع من قدره، ويصغر من شأنه. ثم لو لم يكن له ولي لم
يكن عثمان ولي دمه، لأنه قتل في أيام عمر، فصار
عمر ولي دمه، وقد أوصى عمر على ما جاءت به الروايات الظاهرة بقتل ابنه عبيد الله إن لم تقم البينة العادلة على الهرمزان
وجفينة ، أنهما أمرا أبا لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة بقتله، وكانت وصيته بذلك إلى أهل الشورى، فقال: أيكم ولي هذا
الأمر فليفعل كذا وكذا مما ذكرناه، فلما مات عمر، طلب المسلمون
إلى عثمان إمضاء الوصية في عبيد الله بن عمر، فدافع عن ذلك وعللهم، ولو
كان هو ولي الدم على ما ذكروا لم يكن له أن يعفو وأن
يبطل حداً من حدود الله تعالى، وأي شماتة للعدو في
إقامة حد من حدود الله تعالى! وإنما
الشماتة كلها من أعداء الإسلام في تعطيل الحدود. وأي
حرج في الجمع بين قتل الإمام وابنه، حتى يقال:
كره أن ينتشر الخبر بأن الإمام وابنه قتلا، وإنما
قتل أحدهما ظلماً، والآخر عدلاً، أو أحدهما بغير أمر الله، والآخر بأمره سبحانه! وقد روى زياد بن عبد الله البكائي عن
محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح أن أمير المؤمنين عليه السلام أتى
عثمان، بعد ما استخلف، فكلمه في عبيد الله ولم يكلمه
أحد غيره، فقال: اقتل هذا الفاسق الخبيث الذي قتل أميراً مسلماً، فقال عثمان: قتلوا أباه بالأمس، وأقتله اليوم!
وإنما هو رجل من أهل الأرض؛ فلما أبى عليه مر عبيد
الله على علي عليه السلام، فقال له: إيه يا فاسق! أما والله لئن ظفرت بك
يوماً من الدهر لأضربن عنقك، فلذلك خرج مع معاوية عليه. الطعن الحادي عشر: وهو إجمالي؛ قالوا: وجدنا أحوال
الصحابة دالة على تصديقهم المطاعن فيه، وبراءتهم منه؛
والدليل على ذلك أنهم تركوه بعد قتله ثلاثة أيام لم يدفنوه، ولا أنكروا
على من أجلب عليه من أهل الأمصار؛ بل أسلموه ولم يدفعوا عنه؛ ولكنهم أعانوا عليه،
ولم يمنعوا من حصره ولا من منع الماء عنه؛ ولا من قتله، مع تمكنهم من خلاف ذلك، وهذا من أقوى الدلائل على ما قلناه؛ ولو لم يدل
على أمره عندهم إلا ما روي عن علي عليه السلام أنه قال:
الله قتله وأنا معه، وأنه كان في أصحابه عليه السلام من يصرح بأنه قتل عثمان؛
ومع ذلك لا يقيدهم بل ولا ينكر عليهم؛ وكان أهل الشام يصرحون بأن مع أمير
المؤمنين قتلة عثمان، ويجعلون ذلك من أوكد الشبه، ولا ينكر ذلك عليهم، مع أنا نعلم أن أمير المؤمنين عليه السلام لو أراد أن يتعاضد هو وأصحابه
على المنع عنه لما وقع في حقه ما وقع، فصار كفه وكف غيره عن ذلك من أدل الدلائل
على أنهم صدقوا عليه ما نسب إليه من الأحداث، وأنهم لم يقبلوا منه ما جعله
عذراً. فأما قوله:
إن ذلك إن صح كان طعناً على من لزمه القيام بأمره، فليس الأمر على ما ظنه، بل
يكون طعناً على عثمان من حيث لا يجوز أن يمنع أهل المدينة - وفيها وجوه الصحابة - من دفنه والصلاة عليه إلا
لاعتقادٍ قبيح، أو لأن اكثرهم وجمهورهم يعتقد ذلك، وهذا
طعن لا شبهة فيه؛ واستبعاد صاحب المغني
لذلك، مع ظهور الرواية به لا يلتفت إليه، فأما أمير المؤمنين عليه
السلام
فقد
بينا أنه تقدم بذلك بعد مماكسة ومراوضة. وأعجب من كل شيء قول صاحب المغني: إنهم أخروا دفنه تشاغلاً بالبيعة لأمير
المؤمنين عليه السلام؛ وأي شغل في البيعة يمنع من دفنه، والدفن فرض على
الكفاية، لو قام به البعض وتشاغل الباقون بالبيعة لجاز! وليس الدفن ولا البيعة أيضاً مفتقرة
إلى تشاغل جميع أهل المدينة بها. فأما
قوله: الله قتله وأنا معه، فيجوز أن يكون المراد
به: الله حكم بقتله وأوجبه وأنا كذلك، لأن من
المعلوم أن الله تعالى لم يقتله على الحقيقة، فإضافة القتل إليه لا تكون إلا بمعنى
الحكم والرضا؛ وليس يمتنع أن يكون مما حكم الله تعالى به، ما لم يتوله بنفسه،
ولا آزر عليه، ولا شايع فيه. قلنا: يجوز أن يريد بقوله: ما أحببت قتله
ولا كرهته، أن ذلك لم يكن مني على سبيل التفصيل، ولا خطر لي ببال؛ وإن كان على
سبيل الجملة يحب قتل من غلب المسلمين على أمورهم، وطالبوه بأن يعتزل، لأنه
مستولٍ عليهم بغير حق فامتنع من ذلك، ويكون فائدة هذا الكلام التبرؤ من مباشرة قتله، والأمر به على سبيل التفصيل أو
النهي عنه. ويجوز أن يريد أنني ما أحببت قتله، إن كانوا تعمدوا القتل، ولم يقع على
سبيل الممانعة وهو غير مقصود، ويريد بقوله: ما كرهته، أني لم أكرهه على كل حال، ومن كل وجه. فأما لعنه قتلته فقد بينا أنه ليس
بظاهرٍ ظهور ما ذكرناه، وإن صح فهو مشروط بوقوع القتل على الوجه المحظور من
تعمدٍ له، وقصدٍ إليه وغير ذلك، على أن
المتولي للقتل على ما صحت به الرواية كنانة بن بشر التجيبي، وسودان بن حمران
المرادي؛ وما منهما من كان غرضه صحيحاً في القتل، ولا له أن يقدم عليه، فهو
ملعون به. فأما محمد بن أبي بكر؛ فما
تولى قتله، وإنما روي أنه لما جثا بين يديه قابضاً على لحيته، قال له: يابن أخي دع لحيتي؛ فإن أباك لو كان حياً
لم يقعد مني هذا المقعد، فقال محمد: إن أبي
لو كان حياً ثم يراك تفعل ما تفعل لأنكره عليك، ثم وجأه بجماعة قداح كانت في يده
فحزت في جلده ولم تقطع، وبادره من ذكرناه في قتله بما كان فيه قتله. وإذا كانت الوجوه الثلاثة دالةً على
أنه مغفور له، وأن الله تعالى قد رضي عنه، وهو من أهل الجنة، بطل أن يكون فاسقاً، لأن
الفاسق يخرج عندنا من الإيمان، ويحبط ثوابه، ويحكم له بالنار ولا يغفر له، ولا
يرضى عنه، ولا يرى الجنة ولا يدخلها، فاقتضت هذه الوجوه الصحيحة الثابتة أن يحكم
بأن كل ما وقع منه فهو من باب الصغائر المكفرة، توفيقاً بين هذه الوجوه، وبين
روايات الأحداث المذكورة. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أخبار
جرير بن عبد الله البجلي وبيعته لعلي عليه السلام:
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما خبر جرير بن عبد الله البجلي، وبعث أمير المؤمنين عليه
السلام إياه إلى معاوية، فنحن
نذكره نقلاً من كتاب صفين، لنصر بن مزاحم بن بشار
المنقري؛ ونذكر حال أمير المؤمنين عليه السلام، منذ قدم الكوفة بعد وقعة
الجمل، ومراسلته معاوية وغيره، ومراسلة معاوية له ولغيره، وما كان من ذلك في
مبدأ حالتهما إلى أن سار علي عليه السلام إلى صفين. ألا
وإن البقاء في الجماعة، والفناء في الفرقة، وإن علياً حاملكم على الحق ما
استقمتم، فإن ملتم أقام ميلكم. فقال الناس:
سمعاً وطاعة، رضينا رضينا.
قال نصر: ثم إن جريراً قام في أهل همذان خطيباً، فقال: الحمد لله الذي اختار لنفسه الحمد،
وتولاه دون خلقه، لا شريك له في الحمد، ولا نظير له في المجد، ولا إله إلا الله
وحده، الدائم القائم، إله السماء والأرض، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله
بالنور الواضح؛ والحق الناطق؛ داعياً إلى الخير، وقائداً إلى الهدى، ثم قال:
أيها الناس، إن علياً قد كتب إليكم كتاباً لا يقال بعده إلا رجيع من القول، لكن
لا بد من رد الكلام. إن الناس بايعوا علياً بالمدينة عن غير محاباة له ببيعتهم،
لعلمه بكتاب الله وسنن الحق، وإن طلحة والزبير نقضا بيعته على غير محاباة حدثت،
وألبا عليه الناس، ثم لم يرضيا حتى نصبا له الحرب، وأخرجا أم المؤمنين، فلقيهما
فأعذر في الدعاء، وأحسن في البقية، وحمل الناس على ما يعرفون، فهذا عيان ما غاب
عنكم؛ وإن سألتم الزيادة زدناكم، ولا قوة إلا بالله، ثم قال:
قال
نصر: فسر الناس بخطبة جرير وشعره، وقال ابن الأزور القسري في جرير يمدحه بذلك:
بيعة الأشعث لـعـلـي: قال نصر: وكتب علي عليه السلام إلى الأشعث - وكان عامل عثمان على أذربيجان
- يدعوه إلى البيعة والطاعة، وكتب جرير بن عبد الله البجلي إلى الأشعث، يحضه على
طاعة أمير المؤمنين عليه السلام، وقبول كتابه: أما بعد، فإني أتتني بيعة علي، فقبلتها ولم أجد إلى دفعها
سبيلاً؛ لأني نظرت فيما غاب عني من أمر عثمان، فلم أجده يلزمني، وقد شهد
المهاجرون والأنصار؛ فكان أوفق أمرهم فيه الوقوف، فاقبل بيعته؛ فإنك لا تنقلب
إلى خير منه، واعلم أن بيعة علي خير من مصارع أهل البصرة. والسلام. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بين
علي عليه السلام ومعاوية
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال نصر: فلما
أراد علي عليه السلام أن
يبعث إلى معاوية رسولاً، قال له جرير: ابعثني يا أمير المؤمنين إليه؛ فإنه لم
يزل لي مستخصاً ووداً ، آتيه فأدعوه؛ على أن يسلم لك هذا الأمر، ويجامعك على
الحق، على أن يكون أميراً من أمرائك، وعاملاً من عمالك، ما عمل بطاعة الله،
واتبع ما في كتاب الله، وأدعو أهل الشام إلى طاعتك وولايتك، فجلهم قومي وأهل
بلادي، وقد رجوت ألا يعصوني. فبعثه علي عليه السلام، وقال
له عليه السلام حين أراد أن يبعثه: إن حولي من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم من أهل الرأي والدين من قد رأيت، وقد اخترتك عليهم لقول رسول الله
فيك: " إنك من خير ذي يمن " ، ائت
معاوية بكتابي، فإن دخل فيما دخل فيه المسلمون، وإلا فانبذ إليه وأعلمه أني لا
أرضى به أميراً، وأن العامة لا ترضى به خليفة. فانطلق جرير حتى أتى الشام، ونزل معاوية،
فلما
دخل عليه حمد الله وأثنى عليه، وقال: أما بعد يا معاوية، فإنه قد اجتمع لابن عمك
أهل الحرمين، وأهل المصرين ، وأهل الحجاز، وأهل اليمن، وأهل مصر، وأهل العروض -
والعروض عمان - وأهل البحرين واليمامة؛ فلم يبق إلا هذه الحصون التي أنت فيها،
لو سال عليها سيل من أوديته غرقها، وقد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك ويهديك إلى
مبايعة هذا الرجل. ودفع إليه كتاب علي عليه السلام،
وفيه:
أما بعد، فإن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام، لأنه بايعني القوم الذين بايعوا
أبا بكر وعمر وعثمان، على ما بويعوا عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب
أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، إذا اجتمعوا على رجل فسموه إماماً،
كان ذلك لله رضاً؛ فإن خرج من أمرهم خارج بطعنٍ أو رغبة ردوه إلى ما خرج منه،
فإن أبى قاتلوه على اتباع سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى، ويصليه جهنم وساءت
مصيراً. وإن طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا
بيعتي، فكان نقضهما كردتهما، فجاهدتهما على ذلك، حتى جاء
الحق، وظهر أمر الله وهم كارهون، فادخل فيما دخل فيه المسلمون، فإن أحب الأمور
إلي فيك العافية، إلا أن تتعرض للبلاء، فإن تعرضت له قاتلتك، واستعنت بالله
عليك. وأشهد أن
محمداً عبده ورسوله، أرسله بعد فترة من الرسل الماضية، والقرون الخالية،
والأبدان البالية، والجبلة الطاغية، فبلغ الرسالة، ونصح للأمة، وأدى الحق الذي
استودعه الله، وأمره بأدائه إلى أمته صلى الله عليه وسلم، من رسول ومبتعث
ومنتجب. الحمد
لله الذي جعل الدعائم للإسلام أركاناً، والشرائع للإيمان برهاناً، يتوقد قبسه في
الأرض المقدسة، جعلها الله محل الأنبياء الصالحين من عباده، فأحلهم أرض الشام،
ورضيهم لها، ورضيها لهم، لما سبق في مكنون علمه من طاعتهم ومناصحتهم خلفاءه،
والقوام بأمره، والذابين عن دينه وحرماته، ثم جعلهم لهذه الأمة نظاماً، وفي سبيل
الخيرات أعلاماً، يردع الله بهم الناكثين، ويجمع بهم ألفة المؤمنين، والله
نستعين على ما تشعب من أمر المسلمين بعد الالتئام، وتباعد بعد القرب. اللهم
انصرنا على أقوامٍ يوقظون نائمنا، ويخيفون آمننا، ويريدون إراقة دمائنا، وإخافة
سبلنا. وقد
علم الله أنا لا نريد بهم عقاباً، ولا نهتك لهم حجاباً، ولا نوطئهم زلقاً ، غير
أن الله الحميد كسانا من الكرامة ثوباً لن ننزعه طوعاً، ما جاوب الصدى، وسقط
الندى، وعرف الهدى؛ حملهم على ذلك البغي والحسد، فنستعين الله عليهم. أيها الناس،
قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وخليفة أمير المؤمنين عثمان بن
عفان عليكم، وأني لم أقم رجلاً منكم على خزاية قط، وأني ولي عثمان، وقد قتل
مظلوماً، والله تعالى يقول: " ومن قتل مظلوماً
فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً" ، وأنا
أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان.
قلت:
الجبهة ههنا: الخيل، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس في الجبهة
صدقة "، أي زكاة. قال نصر: وكتب
إلى شرحبيل كتاب لا يعرف كاتبه فيه:
قال نصر: فلما
قرأ شرحبيل الكتاب ذعر وفكر، وقال: هذه نصيحة لي في ديني، ولا والله لا أعجل في
هذا الأمر بشيء وفي نفسي منه حاجة، وكاد يحول عن نصر معاوية ويتوقف، فلفق له
معاوية الرجال يدخلون إليه ويخرجون، ويعظمون عنده قتل عثمان، ويرمون به علياً،
ويقيمون الشهادة الباطلة، والكتب المختلفة، حتى أعادوا رأيه، وشحذوا عزمه .
قال نصر: وحدثنا
عمر بن سعد عن نمير بن وعلة، عن الشعبي، أن شرحبيل بن السمط بن الأسود بن جبلة
الكندي دخل على معاوية، فقال له: أنت عامل أمير المؤمنين وابن عمه، ونحن
المؤمنون، فإن كنت رجلاً تجاهد علياً وقتلة عثمان حتى ندرك ثأرنا أو تذهب
أرواحنا استعملناك علينا، وإلا عزلناك واستعملنا غيرك ممن نريد، ثم جاهدنا معه
حتى ندرك بدم عثمان أو نهلك. ثم
قام فتكلم به، فقال الناس: صدق صدق! القول
ما قال، والرأي ما رأى. فأيس جرير عند ذلك من معاوية ومن عوام أهل الشام. قال نصر: وحدثني محمد بن عبيد الله، عن الجرجاني، قال: كان معاوية قد أتى جريراً قبل ذلك في
منزله، فقال له: يا جرير؛ إني قد رأيت رأياً، قال: هاته، قال: اكتب إلى صاحبك
يجعل لي الشام ومصر جباية، فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده في عنقي بيعة،
وأسلم له هذا الأمر؛ واكتب إليه بالخلافة. فقال جرير: اكتب ما أردت أكتب معك.
قال:
وكتب الوليد بن عقبة إلى معاوية أيضاً يوقظه ويشير عليه بالحرب، وألا يكتب جواب
جرير:
قال نصر:
وخرج جرير يوماً يتجسس الأخبار، فإذا هو بغلام يتغنى على قعود له، وهو يقول:
فقال جرير: يابن أخي، من أنت؟ فقال:
غلام من قريش، وأصلي من ثقيف، أنا ابن المغيرة بن الخنس بن شريق، قتل أبي مع
عثمان يوم الدار. فعجب جرير من
شعره وقوله، وكتب بذلك إلى علي عليه السلام، فقال
علي: والله ما أخطأ الغلام شيئاً.
وقد ذكرنا هذا الشعر فيما تقدم. فقال علي عليه
السلام: إنما قصدي حجة أقيمها عليه. فلما أتى جرير معاوية دافعه بالبيعة،
فقال له جرير: إن المنافق لا يصلي حتى لا يجد من
الصلاة بداً. فقال معاوية: إنها ليست بخدعة الصبي عن اللبن،
فأبلعني ريقي ، إنه أمر له ما بعده. فأما
شرفك في الإسلام، وقرابتك من النبي صلى الله عليه وسلم وموضعك من قريش، فلست
أدفعه.
قال أبو العباس المبرد رحمه الله تعالى: فكتب إليه علي عليه
السلام جواباً عن كتابه هذا: من
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى معاوية
بن صخر بن حرب: أما بعد: فإنه أتاني منك
كتاب امرئ ليس له بصر يهديه، ولا قائد يرشده، دعاه الهوى فأجابه، وقاده الضلال
فاتبعه، زعمت أنك إنما أفسد عليك بيعتي خطيئتي في عثمان، ولعمري ما كنت إلا
رجلاً من المهاجرين، أوردت كما أوردوا، وأصدرت كما أصدروا؛ وما كان الله ليجمعهم
على الضلال، ولا ليضربهم بالعمى. وبعد، فما أنت
وعثمان! إنما أنت رجل من بني أمية، وبنو
عثمان أولى بمطالبة دمه، فإن زعمت أنك أقوى على
ذلك، فادخل فيما دخل فيه المسلمون، ثم حاكم القوم إلي. وأما
تمييزك بينك وبين طلحة والزبير، وبين أهل الشام وأهل البصرة، فلعمري ما الأمر
فيما هناك إلا سواء؛ لأنها بيعة شاملة لا يستثنى فيها الخيار، ولا يستانف فيها
النظر. وأما شرفي في الإسلام وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموضعي من قريش، فلعمري لو استطعت
دفعه لدفعته.
قلت: أبيات
كعب بن جعيل خير من هذه الأبيات، وأخبث مقصداً وأدهى وأحسن. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
متفرقات
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وروى نصر بن مزاحم، قال: لما قتل عثمان ضربت الركبان إلى الشام بقتله، فبينا معاوية
يوماً إذ أقبل رجل متلفف، فكشف عن وجهه، وقال لمعاوية: يا أمير المؤمنين،
أتعرفني؟ قال: نعم، أنت الحجاج بن خزيمة بن الصمة، فأين تريد؟ قال: إليك
القربان، أنعى ابن عفان، ثم قال:
قال:
يعني علياً عليه السلام. ويقال: مكان شأس، أي غليظ صلب. والشغب:
الهائج للشر، ومن رواه: للشاسي بالياء فأصله الشاصي بالصاد، وهو المرتفع، يقال:
شصا السحاب إذا ارتفع، فأبدل الصاد سيناً، ومراده هنا نسبة علي عليه السلام إلى
التيه والترفع عن الناس. واعلم
أنه لا يرضى علي إلا بالرضا، وأن رضاه سخطك، ولست وعلي سواء؛ علي لا يرضى
بالعراق دون الشام، وأنت ترضى بالشام دون العراق.
قال نصر: وافتخر
الحجاج على أهل الشام بما كان من تسليمه على معاوية بإمرة المؤمنين.
قال:
فكتب معاوية إليه الجواب بيتاً من شعر أوس بن حجر:
وروى ابن ديزيل قال: لما عزم علي عليه السلام على المسير إلى
الشام، دعا رجلاً، فأمره أن يتجهز ويسير إلى دمشق، فإذا دخل أناخ راحلته بباب
المسجد، ولا يلقي من ثياب سفره شيئاً؛ فإن الناس إذا رأوه عليه آثار الغربة
سألوه، فليقل لهم: تركت علياً قد نهد إليكم بأهل العراق. فانظر ما يكون من
أمرهم. وروى ابن ديزيل عن عقبة بن مكرم، عن
يونس بن بكير، عن الأعمش، قال: كان أبو مريم
صديقاً لعلي عليه السلام، فسمع بما كان فيه علي عليه السلام من اختلاف أصحابه
عليه، فجاءه، فلم يرع علياً عليه السلام إلا وهو قائم على رأسه بالعراق، فقال له: أبا مريم، ما جاء بك نحوي؟ قال: ما جاء
بي غيرك؛ عهدي بك لو وليت أمر الأمة كفيتهم، ثم سمعت بما أنت فيه من الاختلاف! فقال: يا
أبا مريم؛ إني منيت بشرار خلق الله، أريدهم على الأمر الذي هو الرأي، فلا
يتبعونني. وروى ابن ديزيل، قال:
حدثنا الحسن بن الربيع البجلي، عن أبي إسحاق الفزاري عن حميد الطويل، عن أنس بن
مالك، في قوله تعالى: " فإما نذهبن بك فإنا
منهم منتقمون، أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون " . قال: أكرم
الله تعالى نبيه عليه السلام أن يريه في أمته ما يكره رفعه إليه، وبقيت النقمة. وأيضاً فإنا قد شرحنا من قول شيوخنا
البغداديين ما محصله: إن الإمامة كانت لعلي عليه السلام إن
رغب فيها ونازع عليها، وإن أقرها في غيره وسكت عنها تولينا ذلك الغير، وقلنا بصحة خلافته، وأمير المؤمنين عليه السلام لم ينازع الأئمة
الثلاثة، ولا جرد السيف، ولا استنجد بالناس عليهم، فدل ذلك
على إقراره لهم على ما كانوا فيه؛ فلذلك توليناهم، وقلنا فيهم بالطهارة والخير
والصلاح، ولو حاربهم وجرد السيف عليهم، واستصرخ العرب على حربهم لقلنا فيهم ما
قلناه فيمن عامله هذه المعاملة، من التفسيق والتضليل. قال ابن ديزيل:
وحدثنا عمرو بن الربيع، قال: حدثنا السري بن
شيبان، عن عبد الكريم، أن عمر بن الخطاب قال لما
طعن: يا أصحاب محمد تناصحوا؛ فإنكم إن لم تفعلوا غلبكم عليها عمرو بن
العاص ومعاوية بن أبي سفيان.
وروى ابن ديزيل، عن عفان بن مسلم، عن وهب بن خالد، عن أيوب، عن
أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن مرة بن كعب، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقربها، فمر رجل قد
تقنع بثوبه، فقال عليه السلام: " هذا
وأصحابه يومئذ على الحق "، فقمت إليه فأخذت بمنكبه، فقلت: هو هذا؟ فقال:
نعم، فإذا هو عثمان بن عفان. لأنا نذهب إلى أن عثمان قتل مظلوماً، وأنه
وناصريه يوم الدار على الحق، وأن القوم الذين قتلوه لم يكونوا على الحق، فأما
معاوية وأهل الشام الذين حاربوا علياً عليه السلام بصفين فليسوا بداخلين في
الخبر؛ ولا في ألفاظ الخبر لفظ عموم يتعلق به، ألا ترى أنه ليس فيه كل من أظهر
الانتصار لعثمان في حياته بعد وفاته فهو على الحق، وإنما
خلاصته أنه ستقوم فتنة، يكون عثمان فيها وأصحابه على الحق، ونحن لا نأبى ذلك، بل
هو مذهبنا. وأما
بأسه فهو الشجاع المطرق، وأما أيامه فما قد عرفت، ولكني ملزمه دم عثمان، فقال عمرو بن العاص: قد وأبيك إذن نكأت القرحة. فقال عمرو:
يا معاوية، إن لم تغلب فاخلب، قال: وخرج حديثهما إلى عبيد الله، فلما قام خطيباً
تكلم بحاجته، فلما انتهى إلى أمر علي أمسك ولم يقل شيئاً، فلما نزل بعث إليه معاوية: يابن أخي؛ إنك بين عي
وخيانة، فبعث إليه: إني كرهت أن أقطع
الشهادة على رجل لم يقتل عثمان، وعرفت أن الناس محتملوها عني فتركتها، قال:
فهجره معاوية واستخف به وفسقه، فقال عبيد الله:
قال:
فلما بلغ معاوية شعره بعث إليه فأرضاه، وقال: حسبي هذا منك. قال علي عليه السلام: سبحان الله يا مال! جزت المدى، وعدوت
الحد، فأغرقت في النزع. فقال: يا أمير المؤمنين، لبعض الغشم أبلغ في
أمرٍ ينوبك من مهادنة الأعادي، فقال علي عليه السلام: ليس هكذا قضى الله، يامال،
قال سبحانه: " النفس بالنفس " فما بال ذكر الغشم! وقال تعالى: " ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا
يسرف في القتل "، والإسراف في القتل أن تقتل غير قاتلك، فقد نهى
الله عنه، وذاك هو الغشم. فقال:
قد كنت في شك، فأما الآن فقد عرفت، واستبان لي خطأ القوم، وإنك المهتدي المصيب. قال نصر: لما قدم علي عليه السلام إلى الكوفة نزل على باب
المسجد، فدخل فصلى، ثم تحول فجلس إليه الناس، فسأل عن رجل من الصحابة كان نزل
الكوفة، فقال قائل:
استأثر الله به، فقال علي عليه السلام: إن
الله تبارك وتعالى لا يستأثر بأحد من خلقه، إنما أراد الله جل ذكره بالموت إعزاز
نفسه؛ وإذلال خلقه، وقرأ: " كنتم أمواتاً
فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم " ؛ قال نصر: فلما
لحقه عليه السلام ثقله قالوا: أننزل القصر؟ فقال: قصر الخبال، لا تنزلوا
فيه. فقال لعل الله فعل ذلك.
قال نصر: وأتم علي عليه السلام صلاته يوم دخل الكوفة، فلما كانت
الجمعة خطب الناس، فقال: الحمد
لله الذي أحمده وأستعينه وأستهديه، وأعوذ بالله من الضلالة؛ من يهد الله فلا مضل
له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن
محمداً عبده ورسوله، انتجبه لأمره، واختصه بنبوته. أكرم خلقه عليه، وأحبهم إليه،
فبلغ رسالة ربه، ونصح لأمته، وأدى الذي عليه. أوصيكم
بتقوى الله، فإن تقوى الله خير ما تواصى به عباد الله، وأقربه إلى رضوان الله،
وخيره في عواقب الأمور عند الله، وبتقوى الله أمرتم، وللإحسان والطاعة خلقتم،
فاحذروا من الله ما حذركم من نفسه، فإنه حذر بأساً شديداً، واخشوا خشية ليست
بتعذير واعملوا في غير رياء ولا سمعة، فإنه من عمل لغير الله وكله الله إلى ما
عمل له، ومن عمل لله مخلصاً تولى الله أجره. أشفقوا
من عذاب الله؛ فإنه لم يخلقكم عبثاً، ولم يترك شيئاً من أمركم سدىً، قد سمى
آثاركم، وعلم أعمالكم، وكتب آجالكم، فلا تغتروا بالدنيا فإنها غرّارة لأهلها،
مغرور من اغتر بها، وإلى فناءٍ ما هي، وإن الآخرة هي دار الحيوان لو كانوا
يعلمون. أسأل الله منازل الشهداء، ومرافقة الأنبياء،
ومعيشة السعداء، فإنما نحن به وله. فأما الخلافة فلسنا نطلبها، فأعينونا على
أمرنا هذا، وانهضوا من ناحيتكم؛ فإن أيدينا وأيديكم إذا اجتمعت على أمر واحد هاب علي ما هو فيه، والسلام.
-
يعني طلحة والزبير رحمهما الله -.
قال نصر:
وقام عدي بن حاتم الطائي إلى علي عليه السلام،
فقال: يا أمير المؤمنين، إن عندي
رجلاً لا يوازى به رجل، وهو يريد أن يزور ابن عمه حابس بن سعد الطائي بالشام،
فلو أمرناه أن يلقى معاوية لعله أن يكسره ويكسر أهل الشام، فقال علي عليه السلام: نعم، فأمره عدي بذلك - وكان اسم الرجل خفاف بن عبد الله. فقدم على ابن عمه حابس بن سعد بالشام - وحابس سيد طيئ بها - فحدث خفاف حابساً أنه شهد
عثمان بالمدينة، وسار مع علي إلى الكوفة، وكان لخفاف لسان وهيئة وشعر، فغدا حابس بخفاف إلى معاوية، فقال: إن هذا ابن عم
لي، قدم الكوفة مع علي، وشهد عثمان بالمدينة، وهو ثقة. فقال له معاوية: هات، حدثنا عن عثمان، فقال: نعم حصره المكشوح وحكم فيه
حكيم، ووليه عمار، وتجرد في أمره ثلاثة نفر: عدي بن
حاتم والأشتر النخعي، وعمرو بن الحمق، وجد في أمره رجلان طلحة والزبير، وأبرأ الناس منه علي. قال: ثم مه ،
قال: ثم تهافت الناس على علي بالبيعة تهافت الفراش، حتى ضاعت النعل وسقط الرداء،
ووطئ الشيخ. ولم يذكر عثمان ولم يذكر له، ثم تهيأ للمسير،
وخف معه المهاجرون والأنصار، وكره القتال معه ثلاثة
نفر: سعد بن مالك، وعبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، فلم يستكره أحداً، واستغنى
بمن خف معه عمن ثقل. ثم
سار حتى أتى جبل طيئ، فأتته منا جماعة كان ضارباً بهم الناس؛ حتى إذا كان ببعض الطريق أتاه مسير طلحة والزبير وعائشة إلى
البصرة، فسرح رجالاً إلى الكوفة يدعونهم؛ فأجابوا دعوته، فسار إلى
البصرة، فإذا هي في كفه، ثم قدم الكوفة فحمل إليه الصبي، ودبت إليه العجوز،
وخرجت إليه العروس فرحاً به وشوقاً إليه، وتركته وليس
له همة إلا الشام.
-
يذكر فيه حال عثمان وقتله، وفيه إطالة عدلنا عن ذكره... ومن جملته:
قال: فانكسر معاوية، وقال: يا حابس، إني لأظن هذا عيناً لعلي، أخرجه
عنك لئلا يفسد علينا أهل الشام. أترك علياً في المهاجرين
والأنصار، وطلحة بن الزبير وعائشة أم المؤمنين، وأتبعك! وأما زعمك أني طعنت على علي، فلعمري ما أنا كعلي في الإيمان والهجرة، ومكانه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونكايته في المشركين، ولكني عهد إلي في هذا الأمر
عهد، ففزعت فيه إلى الوقوف وقلت: إن كان هذا
هدىً ففضل تركته، وإن كان ضلالاً فشر نجوت منه، فأغن عنا نفسك، والسلام. فاجابه سعد:
أما بعد، فإن عمر لم يدخل في الشورى إلا من تحل له
الخلافة من قريش، فلم يكن أحد منا أحق بها من صاحبه إلا بإجماعنا عليه، إلا
إن علياً كان فيه ما فينا، ولم يكن فينا ما فيه؛ وهذا أمر قد كرهت أوله،
وكرهت آخره، فأما طلحة والزبير فلو لزما
بيوتهما لكان خيراً لهما، والله يغفر لأم المؤمنين ما أتت. والسلام. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
جرير
البجلي يفارق علياً عليه السلام
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قد أتينا على ما أردنا ذكره من حال أمير المؤمنين عليه السلام،
مذ قدم من حرب البصرة إلى الكوفة، وما جرى بينه وبين معاوية من المراسلات، وما
جرى بين معاوية وبين غيره من الصحابة من الاستنجاد والاستصراخ؛ وما أجابوه به؛
ونحن نذكر الآن ما جرى لجرير بن عبد الله عند عوده إلى أمير المؤمنين من تهمة
الشيعة له بممالأة معاوية عليهم، ومفارقته جنة أمير المؤمنين. وروى نصر، عن نمير بن
وعلة، عن الشعبي قال:
اجتمع جرير والأشتر عند علي عليه السلام، فقال
الأشتر: أليس قد نهيتك يا أمير المؤمنين أن تبعث جريراً، وأخبرتك بعداوته
وغشه! وأقبل الأشتر يشتمه، ويقول: يا أخا
بجيلة، إن عثمان اشترى منك دينك بهمدان، والله ما أنت بأهلٍ أن تترك تمشي فوق
الأرض، إنما أتيتهم لتتخذ عندهم يداً بمسيرك إليهم، ثم رجعت إلينا من عندهم،
تهددنا بهم، وأنت والله منهم، ولا أرى سعيك إلا لهم؛ لئن أطاعني فيك أمير
المؤمنين ليحبسنك وأشباههك في حبس لا تخرجون منه حتى تستتم هذه الأمور، ويهلك
الله الظالمين.
وذكر ابن قتيبة في المعارف، أن جريراً قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشرٍ من الهجرة في
شهر رمضان، فبايعه وأسلم، وكان
جرير صبيح الوجه جميلاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
كأن على وجهه مسحة ملك ". وكان عمر يقول:
جرير يوسف هذه الأمة. وكان طوالاً يفتل في ذروة البعير طوله، وكانت
نعله ذراعاً، وكان يخضب لحيته بالزعفران من الليل ويغسلها إذا أصبح، فتخرج مثل
لون التبر. واعتزل علياً عليه السلام ومعاوية، وأقام
بالجزيرة ونواحيها حتى توفي بالشراة سنة أربعٍ وخمسين في ولاية الضحاك ابن قيس
على الكوفة. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
لما
هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكان قد ابتاع سبي بني ناجية من عامل أمير المؤمنين عليه السلام
وأعتقه، فلما طالبه بالمال خاس به وهرب إلى الشام فقال : الأصل: قبح الله مصقلة! فعل فعل السادة، وفر
فرار العبيد، فما أنطق مادحه حتى أسكته، ولا صدق واصفه حتى بكته، ولو أقام لأخذنا
ميسوره، وانتظرنا بماله وفوره. والوفور. مصدر وفر المال: أي تم، ويجيء
متعدياً. ويروى موفوره، والموفور: التام،
وقد أخذ هذا المعنى بعض الشعراء فقال:
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من
هم بنو ناجية
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما القول في نسب بني ناجية، فإنهم ينسبون أنفسهم إلى سامة بن لؤي بن غالب بن فهر بن
مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن
عدنان. وقريش تدفعهم عن هذا النسب، ويسمونهم بني
ناجية - وهي أمهم -وهي امرأة سامة ابن لؤي بن غالب، ويقولون: إن سامة خرج
إلى ناحية البحرين مغاضباً لأخيه كعب بن لؤي في مماظة كانت بينهما، فطأطأت ناقته
رأسها لتأخذ العشب، فعلق بمشفرها أفعى، ثم عطفت على قتبها فحكته به، فدب الأفعى
على القتب حتى نهش ساق سامة فقتله، فقال أخوه كعب بن لؤي يرثيه:
قالوا:
وكانت معه امرأته ناجية، فما مات تزوجت رجلاً في البحرين، فولدت منه الحارث،
ومات أبوه وهو صغير، فلما ترعرع طمعت أمه أن تلحقه بقريش، فأخبرته أنه ابن سامة
بن لؤي بن غالب، فرحل من البحرين إلى مكة ومعه أمه،
فأخبر كعب بن لؤي أنه ابن أخيه سامة، فعرف كعب أمه ناجية، فظن أنه صادق في دعواه، فقبله ومكث عنده مدة؛ حتى
قدم مكة ركب من البحرين، فرأوا الحارث، فسلموا
عليه، وحادثوه، فسألهم كعب بن لؤي: من أين يعرفونه؟ فقالوا: هذا ابن رجلٍ
من بلدنا يعرف بفلان، وشرحوا له خبره، فنفاه كعب عن
مكة ونفى أمه، فرجعا إلى البحرين، فكانا هناك، وتزوج الحارث، فأعقب هذا العقب. وزعم الكلبي أن سامة بن لؤي ولد غالب بن سامة،
والحارث بن سامة - وأم غالب بن سامة ناجية - ثم هلك سامة، فخلف عليها ابنه
الحارث بن سامة، نكاح مقت ، ثم هلك ابنا سامة ولم يعقبا، وإن قوماً من بني ناجية بن جرم بن زبان بن علاف، ادعوا
أنهم بنو سامة بن لؤي، وأن أمهم ناجية هذه، ونسبوها هذا النسب، وانتموا
إلى الحارث بن سامة، وهم الذين باعهم علي عليه السلام على مصقلة بن هبيرة ، وهذا
هو قول الهيثم بن عدي. كل هذا ذكره أبو الفرج الأصفهاني في
كتاب الأغاني الكبير. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أخبار
علي بن الجهم
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن المنتسبين إلى سامة بن لؤي علي بن الجهم الشاعر، وهو علي بن
الجهم بن بدر بن جهم ابن مسعود بن أسيد بن
أذينة بن كراز بن كعب بن جابر بن مالك بن عتبة بن الحارث بن عبد البيت بن سامة
بن لؤي بن غالب.
وقد
هجاه أبو عبادة البحتري، فقال فيه:
وسمع أبو العيناء علي بن الجهم يوماً يطعن على أمير المؤمنين،
فقال له: أنا
أدري لم طعن على أمير المؤمنين! فقال: أتعني قصة بيعة أهلي من مصقلة بن هبيرة؟ قال: لا، أنت أوضع من ذلك، ولكنه عليه السلام قتل الفاعل من قوم لوط،
والمفعول به، وأنت أسفلهما.
ومن
شعر علي بن الجهم لما حبسه المتوكل:
يعني بالروافض:
نجاح بن مسلمة ، والنصار بختيشوع ، وأهل الاعتزال علي
بن يحيى بن المنجم.
-
أبو الوليد بن أحمد بن أبي دواد، وكان رتبه قاضياً -
وقال
يهجوه لما فلج:
وروى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني في ترجمة مروان بن أبي
حفصة الأصغر أن علي بن الجهم خطب امرأة من قريش، فلم يزوجوه، وبلغ المتوكل ذلك، فسأل عن السبب،
فحدث بقصة بني سامة بن لؤي، وأن أبا بكر وعمر لم يدخلاهم في قريش، وأن عثمان
أدخلهم فيها، وأن علياً عليه السلام أخرجهم
منها، فارتدوا، وأنه قتل من ارتد منهم، وسبى بقيتهم، فباعهم من مصقلة بن هبيرة،
فضحك المتوكل، وبعث إلى علي بن الجهم فأحضره، وأخبره بما قال القوم، وكان فيهم
مروان بن أبي الحفصة المكنى أبا السمط وهو مروان الأصغر، وكان المتوكل يغريه
بعلي بن الجهم، ويضعه على هجائه وثلبه ، فيضحك منهما، فقال مروان:
فغضب
علي بن الجهم، ولم يجبه، لأنه كان يستحقره، فأومأ إليه المتوكل أن يزيده، فقال:
فلم
يجبه ابن الجهم، فقال فيه أيضاً:
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نسب
مصقلة وخبر بني ناجية مع علي عليه السلام
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما نسب مصقلة بن هبيرة،
فإن ابن الكلبي، قد ذكره في جمهرة النسب فقال:
هو مصقلة بن هبيرة بن شبل بن يثربي بن امرئ القيس بن ربيعة بن مالك بن ثعلبة بن
شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى
بن دعمي، بن جديلة ابن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. حدثني محمد بن عبد الله بن عثمان، عن نصر بن مزاحم،
قال: حدثني عمر بن سعد، عمن حدثه ممن أدرك أمر بني ناجية، قال: لما بايع أهل البصرة
علياً بعد الهزيمة، دخلوا في الطاعة غير بني ناجية، فإنهم عسكروا، فبعث إليهم
علي عليه السلام رجلاً
من أصحابه في خيل ليقاتلهم، فأتاهم، فقال: ما بالكم عسكرتم، وقد دخل الناس في
الطاعة غيركم! فافترقوا ثلاث فرق: فرقة
قالوا: كنا نصارى فأسلمنا، ودخلنا فيما دخل الناس فيه من
الفتنة، ونحن نبايع كما بايع الناس، فأمرهم فاعتزلوا. وفرقة قالوا: كنا
نصارى فلم نسلم، وخرجنا مع القوم الذين كانوا خرجوا، قهرونا فأخرجونا كرهاً،
فخرجنا معهم فهزموا، فنحن ندخل فيما دخل الناس فيه، ونعطيكم الجزية كما
اعطيناهم؛ فقال: اعتزلوا فاعتزلوا. وفرقة قالوا: كنا
نصارى فأسلمنا فلم يعجبنا الإسلام، فرجعنا إلى النصرانية، فنحن نعطيكم الجزية
كما أعطاكم النصارى. فقال لهم: توبوا وارجعوا إلى
الإسلام، فأبوا، فقتل مقاتلهم وسبى ذراريهم، وقدم بهم على علي عليه السلام. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أخبار
الخريت بن راشد الناجي
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال ابن هلال الثقفي: وروى
محمد بن عبد الله بن عثمان، عن أبي سيف، عن الحارث بن كعب الأزدي، عن عمه عبد
الله بن قعين الأزدي، قال: كان الخريت بن راشد الناجي،
أحد بني ناجية، قد شهد مع علي عليه
السلام صفين، فجاء إلى علي عليه السلام بعد انقضاء صفين، وبعد تحكيم الحكمين في ثلاثين من أصحابه، يمشي
بينهم حتى قام بين يديه، فقال: لا والله لا أطيع أمرك، ولا
أصلي خلفك، وإني غداً لمفارق لك، فقال له: ثكلتك
أمك! إذاً تنقض عهدك، وتعصي ربك، ولا تضر إلا نفسك، أخبرني لم تفعل ذلك! قال: لأنك حكمت في
الكتاب وضعفت عن الحق إذ جد الجد، وركنت إلى القوم الذين ظلموا أنفسهم، فأنا عليك راد، وعليهم ناقم، ولكم جميعاً مباين. فقال علي عليه السلام:
اغد ولا يستهوينك الشيطان، ولا يتقحمن بك رأي السوء، ولا يستخفنك الجهلاء الذين
لا يعلمون؛ فوالله إن استرشدتني واستنصحتني وقبلت مني لأهدينك سبيل الرشاد. إن ابن عمك كان فيه ما قد ذكر لك، فاخل به فاردد
عليه رأيه وعظم عليه ما أتى؛ واعلم أني خائف إن فارق أمير المؤمنين أن يقتلك
ونفسه وعشيرته فقال: جزاك الله خيراً من أخٍ! إن
أراد فراق أمير المؤمنين عليه السلام ففي ذلك هلاكه، وإن اختار مناصحته والإقامة معه ففي ذلك حظه
ورشده. قال: فأردت الرجوع
إلى علي عليه السلام، لأعلمه الذي كان، ثم اطمأننت إلى قول صاحبي، فرجعت إلى
منزلي، فبت ثم أصبحت، فلما ارتفع النهار أتيت أمير
المؤمنين عليه السلام، فجلست عنده ساعة؛ وأنا أريد أن أحدثه بالذي كان على خلوة،
فأطلت الجلوس، ولا يزداد الناس إلا كثرة، فدنوت منه، فجلست وراءه، فأصغى إلي
برأسه، فأخبرته بما سمعته من الخريت، وما قلت لابن
عمه وما رد علي، فقال عليه
السلام: دعه؛ فإن قبل الحق ورجع عرفنا له
ذلك وقبلناه منه، فقلت: يا أمير المؤمنين، فلم لا تأخذه
الآن فتستوثق منه؟ فقال: إنا لو فعلنا هذا بكل من
يتهم الناس ملأنا السجون منهم، ولا أراني يسعني الوثوب بالناس والحبس لهم
وعقوبتهم حتى يظهروا لي الخلاف. أما والله
لو قد أشرعت لهم الأسنة، وصبت على هامهم السيوف، لقد ندموا؛ إن الشيطان قد
استهواهم وأضلهم وهو غداً متبرئ منهم، ومخل عنهم، فقام
إليه زياد بن خصفة، فقال: يا أمير المؤمنين؛ إنه لو لم يكن من مضرة هؤلاء إلا
فراقهم إيانا لم يعظم فقدهم علينا، فإنهم قلما يزيدون في عددنا لو أقاموا معنا،
وقلما ينقصون من عددنا بخروجهم منا، ولكنا نخاف أن يفسدوا علينا جماعة
كثيرة ممن يقدمون عليهم من أهل طاعتك، فائذن لي في أتباعهم حتى أردهم عليك إن
شاء الله. فوالله ما
كان إلا ساعة حتى اجتمع إليه مائة وثلاثون رجلاً، فقال: اكتفينا لا نريد أكثر من
هؤلاء، فخرج حتى قطع الجسر، ثم أتى دير أبي موسى فنزله، فأقام به بقية يومه ذلك،
ينتظر أمر أمير المؤمنين عليه السلام. لعبد الله علي أمير المؤمنين من قرظة بن كعب، سلام
عليك؛ فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما
بعد: فإني أخبر أمير المؤمنين، أن
خيلاً مرت من قبل الكوفة متوجهة نحو نفر وإن رجلاً من دهاقين أسفل الفرات قد
أسلم وصلى؛ يقال له: زاذان فروخ، أقبل من عند أخوال له فلقوه، فقالوا له: أمسلم
أنت أم كافر؟ قال: بل مسلم، قالوا: فما تقول في علي؟ قال: أقول فيه خيراً، أقول: إنه أمير
المؤمنين عليه السلام وسيد البشر ووصي رسول الله صلى
الله عليه وسلم. فقالوا: كفرت يا عدو الله! ثم حملت
عليه عصابة منهم، فقطعوه بأسيافهم، وأخذوا معه رجلاً من أهل الذمة يهودياً،
فقالوا له: ما دينك؟ قال: يهودي، فقالوا: خلوا سبيل هذا، لا سبيل لكم عليه،
فأقبل إلينا ذلك الذمي، فأخبرنا الخبر، وقد سألت عنهم، فلم يخبرني أحد عنهم
بشيء، فليكتب إلي أمير المؤمنين فيهم برأيٍ أنته إليه، إن شاء الله. فالزم عملك وأقبل على خراجك، فإنك كما ذكرت في
طاعتك ونصيحتك، والسلام. قال: فوالله ما أحب أن لي بمقالته تلك حمر النعم، فقلت
له: يا أمير المؤمنين، أنا والله كذلك من أولئك؛ أنا والله حيث تحب. فقال له زياد ابن خصفة: بل مع الله وكتابه وسنة
رسوله، ومع من الله ورسوله وكتابه آثر عنده من الدنيا ثواباً ولو أنها منذ يوم
خلقت إلى يوم تفنى لآثر الله عليها. أيها العمي الأبصار، الصم الأسماع! فقال الخريت: فأخبرونا ما تريدون؟ فقال له زياد - وكان مجرباً رفيقاً: قد ترى ما بنا
من النصب واللغوب ، والذي جئنا له لا يصلح فيه الكلام علانية على رؤوس أصحابك؛
ولكن تنزلون وننزل، ثم نخلو جميعاً، فنتذاكر أمرنا وننظر فيه؛ فإن رأيت فيما
جئنا له حظاً لنفسك قبلته؛ وإن رأيت فيما أسمع منك أمراً أرجو فيه العافية لنا
ولك لم أرده عليك. وقال لنا زياد:
علقوا على خيولكم، فعلقنا عليها مخاليها، ووقف زياد في خمسة فوارس، أحدهم عبد
الله بن وألٍ بيننا وبين القوم، وانطلق القوم فتنحوا، فنزلوا وأقبل إلينا زياد،
فلما رأى تفرقنا وتحلقنا، قال: سبحان الله! أنتم
أصحاب حرب! والله لو أن هؤلاء جاؤوكم الساعة على هذه الحالة ما
أرادوا من غرتكم أفضل من أعمالكم التي أنتم عليها؛ عجلوا، قوموا إلى خيولكم.
فأسرعنا فمنا من يتوضأ، ومنا من يشرب، ومنا من يسقي فرسه، حتى إذا فرغنا من ذلك
أتينا زياداً، وإن في يده لعرقاً ينهسه، فنهس منه نهستين أو ثلاثة، ثم أتى
بإداوة فيها ماء، فشرب ثم ألقى العرق من يده، وقال: يا هؤلاء، إنا قد لقينا
العدو، وإن القوم لفي عدتكم، ولقد حزرتهم فما أظن أحد الفريقين يزيد على الآخر
خمسة أنفر، فإني أرى أمركم وأمرهم سيصير إلى
القتال؛ فإن كان ذلك فلا تكونوا أعجز الفريقين. ثم استقدم أمامنا وأنا معه، فسمعت رجلاً من القوم يقول: جاءكم القوم وهم كالون معيون،
وأنتم جامون مريحون، فتركتموهم حتى نزلوا فأكلوا وشربوا، وأراحوا دوابهم؛ هذا
والله سوء الرأي. فدعوت له
ثلاثة، فكنا خمسة وهم خمسة. فقال: لم أرض صاحبكم إماماً، ولم أرض بسيرتكم
سيرة، فرأيت أن أعتزل، وأكون مع من يدعو إلى الشورى بين الناس؛
فإذا اجتمع الناس على رجل هو لجميع الأمة رضاً كنت مع الناس. فقال زياد: ويحك!
وهل يجتمع الناس على رجل يداني علياً عالماً بالله وبكتابه وسنة رسوله، مع
قرابته وسابقته في الإسلام! فقال الخريت: هو
ما أقول لك، فقال: ففيم قتلتم الرجل المسلم؟ فقال الخريت:
ما أنا قتلته، قتلته طائفة من أصحابي، قال: فادفعهم إلينا قال: ما إلى ذلك من سبيل، قال: أو هكذا أنت فاعل! قال: هو ما تسمع. ثم إنا
بتنا في جانب وتنحوا، فمكثوا ساعة من الليل ثم
مضوا، فذهبوا وأصبحنا، فوجدناهم قد ذهبوا؛ فوالله ما كرهنا ذلك؛ فمضينا حتى أتينا البصرة، وبلغنا أنهم أتوا الأهواز ، فنزلوا في جانب منها، وتلاحق
بهم ناس من أصحابهم نحو مائتين كانوا معهم بالكوفة، لم يكن لهم من القوة ما
ينهضون به معهم حين نهضوا؛ فاتبعوهم من بعد لحوقهم بالأهواز، فأقاموا معهم. قال: فقال عليه السلام له: تجهز يا معقل
إليهم، وندب معه ألفين من أهل الكوفة، فيهم يزيد بن معقل، وكتب إلى عبد الله بن
العباس بالبصرة رحمه الله تعالى: أما بعد،
فابعث رجلاً من قبلك صليباً شجاعاً، معروفاً بالصلاح في ألفي رجل من أهل البصرة،
فليتبع معقل بن قيس؛ فإذا خرج من أرض البصرة، فهو
أمير أصحابه حتى يلقى معقلاً، فإذا لقيه فمعقل أمير الفريقين، فليسمع منه
وليطعه ولا يخالفه؛ ومر زياد بن خصفة فليقبل إلينا،
فنعم المرء زياد، ونعم القبيل قبيله! والسلام. وأيسر ثواب
الله للمؤمن خير له من الدنيا التي يقبل الجاهلون بأنفسهم عليها، ف " ما عندكم ينفد وما عند الله باقٍ ولنجزين الذي
صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " : وأما عدوكم الذين لقيتم
فحسبهم خروجهم من الهدى، وارتكاسهم في الضلالة، وردهم الحق، وجماحهم في التيه،
فذرهم وما يفترون، ودعهم في طغيانهم يعمهون، فأسمع بهم وأبصر، فكأنك بهم عن قليل
بين أسير وقتيل، فأقبل إلينا أنت وأصحابك مأجورين،
فقد أطعتم وسمعتم، وأحسنتم البلاء. والسلام. فقال معقل: الله المستعان، فقال: خير مستعان. فقام إليه أخي كعب بن قعين فقال: أصبت إن شاء الله
رأينا رأيك، وإني لأرجو أن ينصرنا الله عليهم، وإن كانت الأخرى؛ فإن في الموت
على الحق لتعزية عن الدنيا. فقال: سيروا على بركة الله. فسرنا، فوالله ما زال
معقل بن قيس لي ولأخي مكرماً واداً، ما يعدل بنا أحداً من الجند، ولا يزال يقول
لأخي: كيف قلت: إن في الموت على الحق لتعزية عن الدنيا! صدقت والله وأحسنت، ووقفت وفقك الله! قال: فوالله ما سرنا يوماً؛ وإذا بقبيح يشتد بصحيفة في يده: من عبد الله بن عباس إلى معقل بن قيس، أما بعد فإن
أدركك رسولي بالمكان الذي كنت مقيماً به، أو أدركك وقد شخصت منه، فلا تبرحن من
المكان الذي ينتهي إليك رسولي وأنت فيه، حتى يقدم عليك بعثنا الذي وجهناه إليك، فقد وجهت إليك خالد بن معدان الطائي، وهو من أهل
الدين والصلاح والنجدة، فاسمع منه واعرف ذلك له إن شاء الله والسلام. وأقمنا حتى قدم علينا
خالد بن معدان الطائي، وجاءنا حتى دخل على صاحبنا، فسلم عليه بالإمرة، واجتمعنا جميعاً في عسكر واحد،
ثم خرجنا إلى الناجي وأصحابه، فأخذوا يرتفعون نحو
جبال رامهرمز ، يريدون قلعة حصينة، وجاءنا أهل البلد. فأخبرونا بذلك، فخرجنا في آثارهم فلحقناهم، وقد
دنوا من الجبل، فصفقنا لهم، ثم أقبلنا نحوهم، فجعل
معقل على ميمنته يزيد بن المعقل الأزدي، وعلى
ميسرته منجاب بن راشد الضبي، ووقف الخريت بن
راشد الناجي بمن معه من العرب، فكانوا ميمنة، وجعل أهل البلد والعلوج ومن
أراد كسر الخراج وجماعة من الأكراد ميسرة. قال: وسار فينا معقل يحرضنا، ويقول:
يا عباد الله، لا تبدؤوا القوم، وغضوا الأبصار، وأقلوا الكلام، ووطنوا أنفسكم
على الطعن والضرب، وأبشروا في قتالهم بالأجر العظيم، إنما تقاتلون مارقةً مرقت
وعلوجاً منعوا الخراج، ولصوصاً وأكراداً، فما تنتظرون! فإذا حملت فشدوا شدة رجل
واحد. أما بعد،
فإنا لقينا المارقين؛ وقد استظهروا علينا بالمشركين؛ فقتلنا منهم ناساً كثيراً ولم نعد فيهم سيرتك فلن نقتل منهم مدبراً ولا أسيراً؛ ولم
نذفف منهم على جريح، وقد نصرك الله والمسلمين، والحمد
لله رب العالمين. قالوا: نرى أن تكتب إلى معقل بن قيس، يتبع آثارهم، ولا
يزال في طلبهم حتى يقتلهم أو ينفيهم من أرض الإسلام؛ فإنا لا نأمن أن يفسدوا
عليك الناس. من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من قرئ عليه
كتابي هذا؛ من المسلمين والمؤمنين والمارقين والنصارى والمرتدين. سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله
ورسوله وكتابه، والبعث بعد الموت وافياً بعهد الله، ولم يكن من الخائنين، أما
بعد
فإني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، وأن أعمل فيكم بالحق وبما أمر الله تعالى
في كتابه، فمن رجع منكم إلى رحله وكف يده، واعتزل هذا المارق الهالك المحارب؛
الذي حارب الله ورسوله والمسلمين، وسعى في
الأرض فساداً، فله الأمان على ماله ودمه. ومن تابعه
على حربنا والخروج من طاعتنا، استعنا بالله عليه،
وجعلناه بيننا وبينه، وكفى بالله ولياً. والسلام. فخلى
سبيلهم، وسبيل عيالاتهم، إلا شيخاً نصرانياً يقال
له: الرماحس بن منصور؛ فإنه قال: والله ما زلت مصيباً مذ عقلت، إلا في
خروجي من ديني؛ دين الصدق، إلى دينكم، دين السوء؛ لا
والله لا أدع ديني ولا أقرب دينكم ما حييت. قال: فلقد رحمتهم رحمة ما رحمتها
أحداً قبلهم ولا بعدهم. وكتب معقل إلى علي عليه السلام: أما
بعد، فإني أخبر أمير المؤمنين عن جنده وعن عدوه أنا دفعنا إلى عدونا بأسياف
البحر، فوجدنا بها قبائل ذات حد وعدد، وقد جمعوا لنا، فدعوناهم إلى الجماعة
والطاعة، وإلى حكم الكتاب والسنة؛ وقرأنا عليهم
كتاب أمير المؤمنين عليه السلام، ورفعنا لهم راية أمان، فمالت إلينا طائفة منهم،
وثبتت طائفة أخرى، فقبلنا أمر التي أقبلت، وصمدنا إلى التي أدبرت، فضرب
الله وجوههم، نصرنا عليهم، فأما من كان مسلماً، فإنا
مننا عليه، وأخذنا بيعته لأمير المؤمنين، وأخذنا منهم الصدقة التي كانت عليهم، وأما من ارتد فعرضنا عليهم الرجوع إلى الإسلام،
وإلا قتلناهم؛ فرجعوا إلى الإسلام، غير رجل واحد
فقتلناه، وأما النصارى؛ فإنا سبيناهم وأقبلنا بهم؛ ليكونوا نكالاً لمن بعدهم من أهل الذمة، كي لا يمنعوا
الجزية، ولا يجترئوا على قتال أهل القبلة، وهم للصغار والذلة أهل. رحمك الله يا أمير المؤمنين، وعليك
الصلاة والسلام، وأوجب لك جنات النعيم. والسلام. فبلغ قوله معقل بن قيس، فقال: والله لو أعلمه
قالها توجعاً لهم وإزراء علي لضربت عنقه،
وإن كان في ذلك فناء بني تميم وبكر بن وائل. وبلغ علياً عليه السلام أن مصقلة خلى
الأسارى ولم يسألهم أن يعينوه في فكاك أنفسهم بشيء، فقال: ما
أرى مصقلة إلا قد حمل حمالة، ولا أراكم إلا
سترونه عن قريب مبلدحاً ، ثم كتب إليه: أما
بعد، فإن أعظم الخيانة خيانة الأمة، وأعظم
الغش على أهل المصر غش الإمام، وعندك من حق المسلمين خمسمائة ألف درهم، فابعث بها
إلي حين يأتيك رسولي، وإلا فأقبل إلي حين تنظر في كتابي، فإني قد تقدمت إلى رسولي ألا يدعك ساعة واحدة تقيم بعد
قدومه عليك، إلا أن تبعث بالمال. والسلام. فسكت ساعة،
وسكت عنه؛ فمكث ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتى لحق
بمعاوية. وكان أخوه نعيم بن هبيرة الشيباني شيعةً لعلي عليه السلام، مناصحاً، فكتب إليه
مصقلة من الشام مع رجل من نصارى تغلب، يقال له حلوان: أما بعد،
فإني كلمت معاوية فيك، فوعدك الكرامة، ومناك الإمارة، فأقبل ساعة تلقى رسولي. والسلام.
فلما
بلغ الكتاب إليه علم أن النصراني قد هلك، ولم
يلبث التغلبيون إلا قليلاً حتى بلغهم هلاك صاحبهم،
فأتوا مصقلة، فقالوا: أنت أهلكت صاحبنا، فإما أن
تجيئنا به، وإما أن تديه، فقال: أما أن أجيء به، فلست أستطيع ذلك، وأما أن أديه
فنعم، فوداه.
وقال
ظبيان أيضاً:
قال إبراهيم بن هلال: وروى عبد الرحمن بن
حبيب، عن أبيه، أنه لما بلغ علياً عليه السلام مصاب بني ناجية، وقتل صاحبهم،
قال: هوت أمه! ما كان أنقص عقله وأجرأه! إنه جاءني مرة فقال: إن في أصحابك رجالاً قد خشيت أن
يفارقوك، فما ترى فيهم؟ فقلت: إني لا آخذ
على التهمة، ولا أعاقب على الظن، ولا أقاتل إلا من خالفني وناصبني، وأظهر
العداوة لي؛ ثم لست مقاتله حتى أدعوه وأعذر إليه؛ فإن تاب ورجع قبلنا منه، وإن
أبى إلا الاعتزام على حربنا استعنا بالله عليه، وناجزناه. كف عني ما شاء الله، ثم
جاءني مرة أخرى، فقال لي: إني قد خشيت أن يفسد عليك عبد الله بن وهب وزيد
بن حصين الطائي، إني سمعتهما يذكرانك بأشياء لو سمعتهما لم تفارقهما حتى تقتلهما
أو توثقهما، فلا يزالان بمحبسك أبداً. فقلت له: إني مستشيرك
فيهما، فماذا تأمرني به؟ قال: إني آمرك أن تدعو بهما فتضرب رقابهما، فعلمت أنه لا ورع له ولا عقل. فقلت له: والله ما أظن
لك ورعاً ولا عقلاً، لقد كان ينبغي لك أن تعلم أني لا أقتل من لم يقاتلني، ولم
يظهر لي عداوته للذي كنت أعلمتكه من رأيي، حيث جئتني في
المرة الأولى؛ ولقد كان ينبغي لك - لو أردت قتلهم - أن تقول لي: اتق الله! بم تستحل قتلهم ولم يقتلوا أحداً، ولم ينابذوك ولم
يخرجوا من طاعتك! فأما ما
يقوله الفقهاء في مثل هذا السبي، فقبل أن نذكر ذلك نقول: إن الرواية
قد اختلف في المرتدين من بني ناجية، فالرواية الأولى التي
رواها محمد بن عبد الله بن عثمان، عن نصر ابن مزاحم، تتضمن أن الأمير
الذي من قبل علي عليه السلام قتل مقاتلة المرتدين منهم بعد امتناعهم من العود
إلى الإسلام، وسبى ذراريهم، فقدم بها على علي عليه
السلام؛ فعلى هذه الرواية يكون الذين اشتراهم مصقلة ذراري أهل الردة. قيل: إذا ارتد
الزوجان فحملت منه في حال الردة وأتت بولد كان محكوماً بكفره؛ لأنه ولد بين
الكافرين. وأما الرواية الثانية، فإن كانت هي الصحيحة - وهو الأولى - فالفقه في المسألة أن الذمي إذا حارب المسلمين فقد نقض عهده، فصار كالمشركين الذين في دار الحرب، فإذا ظفر به الإمام جاز استرقاقه وبيعه، وكذلك إذا امتنع من أداء الجزية أو امتنع من التزام أحكام الإسلام. وإن لم
يشترط ذلك في عقد الذمة، لم ينتقض عهدهم بذلك. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
خطبة له في الزهد وتعظيم الله
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: الحمد لله
غير مقنوطٍ من رحمته، ولا مخلو من نعمته، ولا مأيوسٍ من مغفرته، ولا مستنكفٍ عن
عبادته؛ الذي لا تبرح منه رحمة، ولا تفقد له نعمة. أحدهما حمد
الله والثناء عليه إلى قوله: ولا تفقد له نعمة، والفصل
الثاني ذكر الدنيا إلى آخر الكلام. وأحدهما غير مختلط بالآخر ولا منسوقٍ عليه، ولكن الرضي رحمه الله تعالى يلتقط كلام أمير المؤمنين عليه السلام التقاطاً، ولا يقف مع الكلام المتوالي؛ لأن
غرضه ذكر فصاحته عليه السلام لا غير، ولو أتى بخطبه كلها
على وجهها لكانت أضعاف كتابه الذي جمعه. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الموازنة
والسجع
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكذلك لو قال: لا
تزول منه رحمة، فإن تزول ليست في المماثلة والموازنة لتفقد كتبرح، ألا ترى أنها معتلة، وتلك صحيحة! وكذلك لو قال: لا تبرح رحمة ولا يفقد إنعام، فإن
إنعاماً ليس في وزن رحمة، والموازنة مطلوبة في الكلام الذي يقصد فيه الفصاحة،
لأجل الإعتدال الذي هو مطلوب الطبع في جميع الأشياء، والموازنة
أعم من السجع، لأن السجع تماثل أجزاء الفواصل لو أوردها على حرف واحد،
نحو القريب، والغريب، والنسيب، وما أشبه ذلك. وأما
الموازنة فنحو القريب والشديد، والجليل، وما كان على هذا الوزن وإن لم يكن الحرف
الآخر بعينه واحداً، وكل سجع موازنة، وليس كل
موازنة سجعاً، ومثال ذلك في الكتاب العزيز: "وآتيناهما الكتاب المستبين وهديناهما الصراط
المستقيم " ؛ وقوله تعالى: "
ليكونوا لهم عزاً "، ثم قال: "
ويكونون عليهم ضداً "، ثم قال: "
تؤزهم أزاً " ثم قال: " نعد لهم
عداً " فهذه الموازنة.
فقوله:
وأعزهم بإزاء أشدهم، وقوله: فقداً بإزاء
بأساً. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
التحذير
من مفاتن الدنيا
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما الفصل فيشتمل على التحذير من
الدنيا، وعلى الأمر بالقناعة، والرضا بالكفاف، فأما التحذير من الدنيا فقد ذكرنا ونذكر منه ما
يحضرنا؛ وأما القناعة فقد ورد فيها شيء كثير. وفي بعض الكتب الإلهية القديمة: يقول الله تعالى:
" يابن آدم، أتخاف أن أقتلك بطاعتي هزلاً، وأنت تتفتق بمعصيتي سمناً!
". عباد
بن منصور: لقد كان بالبصرة من هو أفقه من عمرو بن عبيد
وأفصح؛ ولكنه كان أصبرهم عن الدينار والدرهم، فساد أهل البصرة. عبد الواحد بن زيد:
ما أحسب شيئاً من الأعمال يتقدم الصبر إلا الرضا والقناعة، ولا أعلم درجةً أرفع
من الرضا، وهو رأس المحبة. قال ابن شبرمة في محمد بن واسع: لو أن إنساناً اكتفى بالتراب لاكتفى به. فترك الدنيا
وانقطع إلى العبادة، وقعد يبيع البقل، فدخل عليه الفضيل وابن عيينة، فإذا
تحت رأسه لبنة، وليس تحت جنبه حصير، فقالا له: إنا روينا أنه لم يدع أحد شيئاً
لله إلا عوضه خيراً منه، فما عوضك؟ قال: القناعة والرضا بما أنا فيه.
في الحديث الصحيح المرفوع: " إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى
تستكمل رزقها، فأجملوا في الطلب "، من كلام
الحكماء: من ظفر بالقناعة فقد ظفر بالكيمياء الأعظم. ابن مسعود، رفعه: " إنه ليس أحد بأكيس من أحد، قد
كتب النصيب والأجل، وقسمت المعيشة والعمل، والناس يجرون منهما إلى منتهىً معلوم
".
فكيف
خرجت من الحجاز إلى الشام تطلب الرزق! ثم اشتغل عنه، فخرج وقعد على ناقته ونصها
راجعاً إلى الحجاز، فذكره هشام في الليل، فسأل عنه فقيل: إنه رجع إلى الحجاز،
فتذمر وندم، وقال: رجل قال حكمة، ووفد علي
مستجدياً، فجبهته، ورددته! ثم وجه إليه بألفي درهم، فجاء الرسول وهو بالمدينة،
فدفعها إليه، فقال له: قل لأمير المؤمنين،
كيف رأيت! سعيت فأكديت، وقعدت في منزلي فأتاني رزقي.
عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أردت اللحوق بي فيكفيك من
الدنيا زاد الراكب، ولا تخلقي ثوباً حتى ترقعيه؛ وإياك ومجالسة الأغنياء ".
أوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه: " أتدري لم رزقت الأحمق؟ " قال: لا، قال: "
ليعلم العاقل أن طلب الرزق ليس بالاحتيال ".
وقف بعض الملوك على سقراط وهو في المشرقة ، فقال له: سل حاجتك، قال: حاجتي أن تزيل عني
ظلك، فقد منعتني الرفق بالشمس، فأحضر له ذهباً وكسوة ديباج، فقال: إنه لا حاجة
بسقراط إلى حجارة الأرض ولعاب الدود؛ إنما حاجته إلى أمر يصحبه حيثما توجه.
قال عمر بن الخطاب لعلي بن أبي طالب عليه السلام: قد مللت الناس، وأحببت أن ألحق بصاحبي، فقال: إن سرك اللحوق
بهما فقصر أملك، وكل دون الشبع، واخصف النعل وكن كميش الإزار، مرقوع القميص،
تلحق بهما.
قيل لعلي عليه السلام:
لو سد على رجلٍ باب بيت وترك فيه، من أين كان يأتيه رزقه؟ قال: من حيث كان يأتيه
أجله، قال بعض الشعراء:
جاء فتح بن شخرف إلى منزله بعد العشاء، فلم يجد عندهم ما يتعشى
به، ولا وجد دهناً للسراج وهم في الظلمة، فجلس ليلةً يبكي من الفرح، ويقول: بأي يد قد كانت مني، بأي طاعة تنعم
علي بأن أترك على مثل بأن أترك على مثل هذه الحال! لقي هرم بن حيان أويساً القرني، فقال: السلام عليك يا أويس بن عامر! فقال:
وعليك السلام يا هرم بن حيان، فقال هرم: أما إني
عرفتك بالصفة، فكيف عرفتني؟ قال: إن أرواح المؤمنين لتشام كما تشام
الخيل، فيعرف بعضها بعضاً. منصور الفقيه:
أعرابي:
قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: " إياك والطمع؛ فإنه فقر حاضر،
وعليك باليأس مما في أيدي الناس ".
خالد بن صفوان: كن أحسن ما تكون في الظاهر حالاً، أقل ما تكون في الباطن
مآلاً، فإن الكريم من كرمت عند الحاجة خلته ، واللئيم من لؤمت عند الفاقة طعمته.
بعض الحكماء:
ينبغي للعاقل أن يكون في دنياه كالمدعو إلى الوليمة، إن أتته صحفة تناولها، وإن
جازته لم يرصدها ولم يطلبها. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
عند
عزمه على المسير إلى الشام
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: اللهم إني
أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر، في الأهل والمال والولد. اللهم أنت الصاحب في السفر، وأنت الخليفة في الأهل،
ولا يجمعهما غيرك، لأن المستخلف لا يكون مستصبحاً،
والمستصحب لا يكون مستخلفاً. والكآبة: الحزن، والمنقلب، مصدر من انقلب منقلباً،
أي رجع، وسوء المنظر: قبح المرأى. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ما
قاله عليه السلام يوم خروجه من الكوفة
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال نصر: لما
وضع علي عليه السلام رجله في ركاب دابته يوم خرج من الكوفة إلى صفين، قال: بسم
الله؛ فلما جلس على ظهرها، قال: " سبحان الذي
سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون " ، اللهم
إني أعوذ بك من وعثاء السفر... إلى آخر الفصل. وزاد فيه نصر: ومن
الحيرة بعد اليقين. قال:
ثم خرج أمامه الحر بن سهم بن طريف، وهو يرتجز ويقول:
قال: وقال حبيب بن مالك، وهو على شرطة علي عليه السلام، وهو آخذ
بعنان دابته:
يا أمير المؤمنين، أتخرج بالمسلمين فيصيبوا أجر الجهاد بالقتال، وتخلفني بالكوفة
لحشر الرجال! فقال عليه السلام: إنهم لن يصيبوا من الأجر شيئاً إلا كنت شريكهم فيه؛ وأنت
ها هنا أعظم غناء عنهم منك لو كنت معهم. فخرج علي عليه
السلام، حتى إذا حاذى الكوفة صلى ركعتين. ثم أقحم دابته النهر، فعبر إلى تلك البيعة
فنزلها، ومكث قدر الغداء. فحرك
دابته، وحرك الناس دوابهم في أثره، فلما جاز جسر الفرات، نزل فصلى بالناس العصر. قال: فنزل علي عليه السلام، فنزلت معه، قال: فدعا الله، فرجعت
الشمس كمقدارها من صلاة العصر. قال:
فصليت العصر، ثم غابت الشمس، ثم خرج حتى أتى دير كعب، ثم خرج منه فبات بساباط،
فأتاه دهاقينها يعرضون عليه النزل والطعام، فقال: لا، ليس ذلك عليكم. فلما أصبح
وهو بمظلم ساباط ، قرأ: " أتبنون بكل ريعٍ آية
تعبثون " .
قال:
فبلغ ذلك علياً عليه السلام، فقال:
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
علي
عليه السلام في كربلاء واهاً لك يا تربة
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال نصر: وحدثنا منصور بن سلام التميمي، قال: حدثنا حيان التيمي، عن أبي عبيدة، عن هرثمة بن سليم،
قال: غزونا مع علي عليه السلام صفين، فلما نزل بكربلاء صلى بنا، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها، ثم قال:
واهاً لك يا تربة! ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب. قال: لما نزلنا كربلاء، وقد أخذ حفنة من تربتها
فشمها، وقال: واهاً لك أيتها التربة! ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير
حساب، وما علمه بالغيب؟ فقالت المرأة له:
دعنا منك أيها الرجل، فإن أمير المؤمنين عليه
السلام لم يقل إلا حقاً. قال: فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين عليه
السلام، كنت في الخيل
التي بعث إليهم؛ فلما انتهيت إلى الحسين عليه السلام وأصحابه،
عرفت المنزل الذي نزلنا فيه مع علي عليه السلام، والبقعة التي
رفع إليه من تربتها والقول الذي قاله، فكرهت مسيري، فأقبلت على فرسي حتى
وقفت على الحسين عليه السلام فسلمت
عليه، وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل؛ فقال
الحسين: أمعنا أم علينا؟ فقلت: يابن رسول الله، لا معك، ولا عليك؛ تركت ولدي
وعيالي أخاف عليهم من ابن زياد، فقال الحسين عليه السلام:
فول هرباً حتى لا ترى مقتلنا، فوالذي نفس حسين بيده لا يرى اليوم مقتلنا أحد ثم لا يعيننا
إلا دخل النار. فقال له رجل: وما ذاك
يا أمير المؤمنين؟ فقال: ثقل لآل محمد ينزل ههنا، فويل لهم منكم، وويل لكم منهم! فقال له الرجل: ما معنى هذا الكلام يا أمير
المؤمنين؟ قال: ويل لهم منكم تقتلونهم، وويل
لكم منهم يدخلكم الله بقتلهم النار. فقال: ترونهم يقتلون لا تستطيعون
نصرتهم. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مفارقة
علي والمسير إلى الشام
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وينبغي أن نذكر ههنا ابتداء عزمه على مفارقة الكوفة، والمسير إلى الشام وما خاطب به
أصحابه، وما خاطبوه به، وما كاتب به العمال وكاتبوه جواباً عن كتبه، وجميع ذلك منقول من كتاب نصر بن مزاحم. فقال أشياخ الأنصار، منهم خزيمة بن ثابت وأبو أيوب؛ وغيرهما: لم تقدمت أشياخ قومك وبدأتهم بالكلام
يا قيس؟ فقال: أما إني عارف بفضلكم، معظم لشأنكم؛ ولكني وجدت في نفسي الضغن الذي
في صدوركم جاش حين ذكرت الأحزاب. فقام رجل من بني فزارة، فقال له: أتريد أن تسير بنا إلى أخواننا من أهل الشام فنقتلهم لك، كما سرت بنا إلى أخواننا من أهل البصرة فقتلتهم! كلا،
ها الله إذاً لا نفعل ذلك فقام الأشتر، فقال:
من هذا المارق! فهرب الفزاري،
واشتد الناس على أثره، فلحق في مكانٍ من السوق تباع فيه البراذين ، فوطئوه
بأرجلهم، وضربوه بأيديهم ونعال سيوفهم حتى قتل؛ فأتى
علي عليه السلام، فقيل له: يا
أمير المؤمنين، قتل الرجل، قال: ومن قتله؟ قالوا:
قتلته همدان ومعهم شوب من الناس، فقال: قتيل
عمية ، لا يدرى من قتله! ديته من بيت مال
المسلمين، فقال بعض بني تيم اللات ابن ثعلبة:
فقام الأشتر، فقال: يا أمير المؤمنين، لا يهدنك ما رأيت، ولا يؤيسنك من نصرنا ما
سمعت من مقالة هذا الشقي الخائن؛ إن جميع من ترى من الناس شيعتك، لا يرغبون
بأنفسهم عن نفسك، ولا يحبون البقاء بعدك، فإن شئت فسر بنا إلى عدوك، فوالله ما
ينجو من الموت من خافه، ولا يعطى البقاء من أحبه، وإنا
لعلى بينة من ربنا، وإن أنفسنا لن تموت حتى يأتي أجلها. وكيف لا نقاتل قوماً هم كما وصف أمير
المؤمنين، وقد وثبت عصابة منهم على طائفة من المسلمين بالأمس، وباعوا خلاقهم
بعرضٍ من الدنيا يسير! فقال علي عليه السلام: الطريق مشترك، والناس في الحق سواء، ومن اجتهد رأيه في
نصيحة العامة، فقد قضى ما عليه. ثم نزل فدخل منزله. وقال ابن المعتم مثل
قوله، وتكلم
القوم الذين دخلوا معهما بمثل كلامهما، فحمد الله
وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإن الله وارث العباد والبلاد، ورب السموات
السبع، والأرضين السبع، وإليه ترجعون، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن
يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، أما الدبرة، فإنها على الضالين العاصين ظفروا أو ظفر بهم، وايم الله إني لأسمع كلام قوم
ما أراهم يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً. وقام من بني عبس قائد بن بكير وعياش بن ربيعة العبسيان، فقالا: يا أمير المؤمنين إن صاحبنا عبد الله بن المعتم قد بلغنا أنه يكاتب معاوية،
فاحبسه أو مكنا من حبسه، حتى تنقضي غزاتك ثم تنصرف.
وقال
أيضاً يحرض معاوية بن أبي سفيان:
قال نصر: حدثنا
عمر بن سعد، عن سعد بن طريف، عن أبي المجاهد، عن المحل بن خليفة، قال: قام عدي بن حاتم الطائي بين يدي علي عليه السلام، فحمد الله
وأثنى عليه، وقال: يا أمير المؤمنين، ما قلت إلا بعلم، ولا دعوت إلا إلى
حق، ولا أمرت إلا برشد، ولكن إذا رأيت أن تستأني هؤلاء القوم وتستديمهم - حتى تأتيهم كتبك، ويقدم عليهم رسلك - فعلت. وقد
قدمنا إليهم بالعذر، ودعوناهم إلى ما في أيدينا من الحق، فوالله لهم من الحق
أبعد، وعلى الله أهون، من قوم قاتلناهم أمس بناحية البصرة لما دعوناهم إلى الحق
فتركوه، ناوجناهم براكاء القتال، حتى بلغنا منهم ما نحب، وبلغ الله منهم رضاه. فقال زيد:
ما أنتم بأعرف بحق عدي مني، ولكني لا أدع القول بالحق وإن سخط الناس. قال نصر: وحدثنا عمر بن سعد، عن الحارث بن حصين قال: دخل أبو زينب بن
عوف، على علي عليه السلام، فقال: يا
أمير المؤمنين؛ لئن كنا على الحق لأنت أهدانا سبيلاً، وأعظمنا في الخير نصيباً،
ولئن كنا على ضلال، إنك لأثقلنا ظهراً وأعظمنا وزراً، قد أمرتنا بالمسير إلى هذا
العدو، وقد قطعنا ما بيننا وبينهم من الولاية، وأظهرنا لهم العداوة؛ نريد بذلك
ما يعلمه الله تعالى من طاعتك؛ أليس الذي نحن عليه هو الحق المبين، والذي عليه
عدونا هو الحوب الكبير! فقال عليه السلام: بلى،
شهدت أنك إن أمضيت معنا ناصراً لدعوتنا، صحيح النية في نصرنا، قد قطعت منهم
الولاية، وأظهرت لهم العداوة كما زعمت، فإنك ولي الله، تسبح في رضوانه، وتركض في
طاعته، فأبشر أبا زينب.
قال نصر: وحدثنا عمر بن سعد، عن أبي روق، قال: دخل يزيد بن قيس
الأرحبي على علي عليه السلام، فقال: يا
أمير المؤمنين؛ نحن أولو جهازٍ وعدة، وأكثر الناس أهل قوة، ومن ليس به ضعف ولا
علة، فمر مناديك، فليناد الناس ويخرجوا إلى معسكرهم بالنخيلة، فإن أخا الحرب ليس
بالسؤوم ولا النؤوم، ولا من إذا أمكنته الفرص أجلها، واستشار فيها؛ ولا من يؤخر
عمل الحرب في اليوم لغدٍ وبعد غدٍ. قال: قال: كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين تشتمون وتتبرأون؛
ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم: من سيرتهم كذا وكذا، ومن أعمالهم كذا وكذا،
كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر؛ وقلتم مكان لعنكم إياهم، وبراءتكم منهم:
اللهم احقن دماءهم ودماءنا، وأصلح ذات بينهم وبيننا، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف
الحق منهم من جهله، ويرعوي عن الغي منهم من لهج به - لكان أحب إلي وخيراً لكم. فقالا: يا أمير
المؤمنين، نقبل عظتك، ونتأدب بأدبك. قال نصر: وقال له عمرو بن الحمق يومئذ:
والله يا أمير المؤمنين إني ما أحببتك ولا بايعتك على قرابةٍ بيني وبينك، ولا
إرادة ما تؤتينيه، ولا التماس سلطان ترفع ذكري به؛ ولكنني
أحببتك بخصال خمس: أنك ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصيه، وأبو الذرية التي بقيت فينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسبق الناس
إلى الإسلام، وأعظم المهاجرين سهماً في الجهاد، فلو أني كلفت نقل الجبال
الرواسي، ونزح البحور الطوامي، حتى يأتي علي يومي في أمرٍ أقوي به وليك، وأهين
عدوك، ما رأيت أني قد أديت فيه كل الذي يحق علي من حقك. فقال علي عليه
السلام: أكل قومك يرى
مثل رأيك؟ قال: ما رأيت منهم إلا حسناً، وهذه يدي عنهم بالسمع والطاعة وحسن
الإجابة. فقال له علي عليه السلام خيراً. إن الله
يرضى عمن أرضاه، ويسخط على من عصاه، وإنا قد هممنا بالسير إلى هؤلاء القوم الذين
عملوا في عباد الله بغير ما أنزل الله، واستأثروا بالفيء، وعطلوا الحدود،
وأماتوا الحق، وأظهروا في الأرض الفساد، واتخذوا الفاسقين وليجةً من دون
المؤمنين، فإذا ولي لله أعظم أحداثهم أبغضوه وأقصوه وحرموه، وإذا ظالم ساعدهم
على ظلمهم أحبوه، وأدنوه وبروه، فقد أصروا على الظلم، وأجمعوا على الخلاف،
وقديماً ما صدوا عن الحق، وتعاونوا على الإثم، وكانوا ظالمين. فإذا أتيت
بكتابي هذا، فاستخلف على عملك أوثق أصحابك في نفسك، وأقبل إلينا، لعلك تلقى معنا
هذا العدو المحل، فتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتجامع الحق، وتباين الباطل،
فإنه لا غناء بنا ولا بك عن أجر الجهاد، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وكتبه عبيد الله بن رافع في سنة سبع وثلاثين. قال نصر: فلما سمع هاشم بن عتبة ما
قالاه، أتى علياً عليه السلام، فقال: سر بنا يا
أمير المؤمنين إلى هؤلاء القوم، القاسية قلوبهم، الذين نبذوا كتاب الله وراء
ظهورهم، وعملوا في عباد الله بغير رضا الله، فأحلوا حرامه، وحرموا حلاله، واستوى
بهم الشيطان، ووعدهم الأباطيل، ومناهم الأماني، حتى أزاغهم عن الهدى، وقصد بهم
قصد الردى، وحبب إليهم الدنيا فهم يقاتلون على دنياهم رغبة فيها؛ كرغبتنا في
الآخرة وانتجاز موعد ربنا. وأنت يا أمير المؤمنين
أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم رحماً، وأفضل الناس سابقةً وقدماً،
وهم يا أمير المؤمنين يعملون منك مثل الذي نعلم، ولكن كتب عليهم الشقاء، ومالت
بهم الأهواء، وكانوا ظالمين، فأيدينا مبسوطة لك بالسمع والطاعة، وقلوبنا منشرحة
لك ببذل النصيحة، وأنفسنا تنصرك على من خالفك، وتولى الأمر دونك جذلةً، والله ما
أحب أن لي ما على الأرض ما أقلت، ولا ما تحت السماء مما أظلت، وأني واليت عدواً
لك؛ أو عاديت ولياً لك! فقال عليه السلام: اللهم
ارزقه الشهادة في سبيلك، والمرافقة لنبيك. ثم
إني آمركم بالشدة في الأمر، والجهاد في سبيل الله، وألا تغتابوا مسلماً،
وانتظروا النصر العاجل من الله إن شاء الله. فاحتشدوا في قتال عدوكم معاوية وجنوده، ولا
تخاذلوا، فإن الخذلان يقطع نياط القلوب؛ وإن الإقدام على الأسنة نخوة وعصمة، لم
يتمنع قوم قط إلا رفع الله عنهم العلة، وكفاهم جوائح الذلة، وهداهم إلى معالم
الملة، ثم أنشد:
ثم قام الحسين بن علي عليه السلام، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: يا أهل الكوفة، أنتم الأحبة الكرماء، والشعار دون الدثار ،
جدوا في إطفاء ما دثر بينكم، وتسهيل ما توعر عليكم. ألا
إن الحرب شرها ذريع وطعمها فظيع: فمن أخذ لها أهبتها، واستعد لها عدتها، ولم
يألم كلومها قبل حلولها، فذاك صاحبها، ومن
عاجلها قبل أوان فرصتها، واستبصار سعيه فيها، فذاك قمن ألا ينفع قومه، وأن يهلك
نفسه، نسأل الله بقوته أن يدعمكم بالفيئة ثم نزل. فقال لهم علي عليه السلام: مرحباً وأهلاً، هذا هو الفقه في الدين، والعلم بالسنة، من
لم يرض بهذا فهو خائن جبار. وأتاه آخرون من أصحاب عبد الله بن
مسعود، منهم الربيع بن خيثم، وهم يومئذ أربعمائة رجل، فقالوا:
يا أمير المؤمنين؛ إنا قد شككنا في هذا القتال؛ على معرفتنا بفضلك، ولا غناء بنا
ولا بك ولا بالمسلمين عمن يقاتل العدو؛ فولنا بعض هذه الثغور نكمن ثم نقاتل عن
أهله؛ فوجه علي عليه السلام بالربيع
بن خيثم على ثغر الري، فكان أول لواء عقده عليه السلام بالكوفة لواء
الربيع بن خيثم. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بين
محمد بن أبي بكر ومعاوية
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال نصر: وكتب محمد ابن أبي بكر إلى
معاوية: من محمد بن أبي بكر إلى الغاوي معاوية بن
صخر، سلام على أهل طاعة الله ممن هو سلم لأهل ولاية الله. أما بعد فإن الله
بجلاله وعظمته وسلطانه وقدرته، خلق خلقاً بلا عبث ولا ضعف في قوته، لا حاجة به
إلى خلقهم، ولكنه خلقهم عبيداً، وجعل منهم شقياً وسعيداً، وغوياً ورشيداً، ثم
اختارهم على علمه، فاصطفى وانتخب منهم محمداً صلى الله عليه
وسلم،
فاختصه برسالته، واختاره لوحيه، وائتمنه على أمره، وبعثه رسولاً مصدقاً لما بين
يديه من الكتب، ودليلاً على الشرائع - فدعا إلى سبيل أمره بالحكمة والموعظة
الحسنة، فكان أول من أجاب وأناب، وصدق ووافق فأسلم وسلم أخوه وابن عمه - علي بن
أبي طالب عليه السلام، فصدقه
بالغيب المكتوم، وآثره على كل حميم، ووقاه كل هول، وواساه بنفسه في كل خوف،
فحارب حربه، وسالم سلمه، فلم يبرح مبتذلاً لنفسه في ساعات الأزل ، ومقامات
الروع، حتى برز سابقاً لا نظير له في جهاده، ولا مقارب له في فعله؛ وقد رأيتك تساميه
وأنت أنت، وهو هو السابق المبرز في كل خير؛ أول الناس إسلاماً، وأصدق الناس نية،
وأطيب الناس ذرية، وأفضل الناس زوجة، وخير الناس ابن عم. وأنت اللعين ابن اللعين، لم تزل أنت
وأبوك تبغيان لدين الله الغوائل، وتجتهدان على إطفاء نور الله؛ وتجمعان على ذلك
الجموع، وتبذلان فيه المال، وتحالفان في ذلك القبائل؛
على هذا مات أبوك، وعلى ذلك خلفته، والشاهد عليك بذلك من يأوي ويلجأ إليك؛ من
بقية الأحزاب ورؤوس النفاق والشقاق لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والشاهد لعلي
مع فضله وسابقته القديمة أنصاره الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن، ففضلهم وأثنى
عليهم من المهاجرين والأنصار، فهم معه كتائب وعصائب؛ يجالدون حوله بأسيافهم،
ويهريقون دماءهم دونه؛ يرون الفضل في اتباعه، والشقاق والعصيان في خلافه، فكيف -
يا لك الويل - تعدل نفسك بعلي، وهو وارث رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصيه
وأبو ولده، وأول الناس له اتباعاً، وآخرهم به عهداً، يخبره بسره، ويشركه في
أمره، وأنت عدوه وابن عدوه؛ فتمتع ما استطعت بباطلك، وليمددك ابن العاص في
غوايتك، فكأن أجلك قد انقضى، وكيدك قد وهى ، وسوف تستبين لمن تكون العاقبة
العليا. واعلم أنك إنما تكايد ربك الذي قد أمنت كيده، وأيست من روحه، وهو لك
بالمرصاد؛ وأنت منه في غرور. وبالله وبأهل بيت رسوله عنك الغناء! والسلام على من اتبع الهدى. سلام على
أهل طاعة الله، أما بعد، فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في قدرته
وسلطانه، وما أصفى به نبيه، مع كلام ألفته ووضعته، لرأيك فيه تضعيف؛ ولأبيك فيه
تعنيف؛ ذكرت حق ابن أبي طالب وقديم سابقته، وقرابته من نبي الله ونصرته له،
ومواساته إياه، في كل خوف وهول، واحتجاجك علي، وفخرك بفضل غيرك لا بفضلك. فاحمد
إلهاً صرف ذلك الفضل عنك، وجعله لغيرك؛ فقد كنا وأبوك معنا في حياة نبينا، نرى
حق ابن أبي طالب لازماً لنا، وفضله مبرزاً علينا، فلما اختار الله لنبيه ما
عنده، وأتم له ما وعده، وأفلج حجته، قبضه الله إليه، فكان
أبوك وفاروقه، أول من ابتزه وخالفه،
على ذلك اتفقا واتسقا، ثم دعواه إلى أنفسهما فأبطأ عنهما، وتلكأ عليهما، فهما به
الهموم، وأراد به العظيم؛ فبايعهما وسلم لهما، لا يشركانه في أمرهما، ولا
يطلعانهما على سرهما، حتى قبضا وانقضى أمرهما: ثم
أقاما بعدهما ثالثهما عثمان بن عفان، يهتدي بهديهما، ويسير بسيرتهما فعبته أنت
وصاحبك، حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي، وبطنتما وظهرتما، وكشفتما له
عداوتكما وغلكما، حتى بلغتما منه مناكما، فخذ حذرك
يابن أبي بكر، فسترى وبال أمرك، وقس شبرك بفترك ، تقصر عن أن تساوي أو
توازي من يزن الجبال حلمه، ولا تلين على قسرٍ قناته ولا يدرك ذو مدىً أناتة، أبوك مهد له مهاده، وبنى ملكه وشاده، فإن ما نحن فيه
صواباً فأبوك أوله، وإن لم يكن جوراً فأبوك أسه ونحن شركاؤه، فبهديه أخذنا،
وبفعله اقتدينا، رأينا أباك فعل ما فعل، فاحتذينا مثاله، واقتدينا بفعاله، فعب
أباك بما بدا لك، أودع. والسلام على من أناب، ورجع من غوايته وناب. من محمد بن أبي بكر إلى الغاوي
معاوية بن صخر، سلام على أهل طاعة الله ممن هو سلم لأهل ولاية الله. أما بعد
فإن الله بجلاله وعظمته وسلطانه وقدرته، خلق خلقاً بلا عبث ولا ضعف في قوته، لا
حاجة به إلى خلقهم، ولكنه خلقهم عبيداً، وجعل منهم شقياً وسعيداً، وغوياً
ورشيداً، ثم اختارهم على علمه، فاصطفى وانتخب منهم محمداً صلى الله عليه وسلم، فاختصه
برسالته، واختاره لوحيه، وائتمنه على أمره، وبعثه رسولاً مصدقاً لما بين يديه من
الكتب، ودليلاً علىالشرائع - فدعا إلى سبيل أمره بالحكمة والموعظة الحسنة، فكان
أول من أجاب وأناب، وصدق ووافق فأسلم وسلم أخوه وابن عمه - علي بن أبي طالب عليه السلام، فصدقه
بالغيب المكتوم، وآثره على كل حميم، ووقاه كل هول، وواساه بنفسه في كل خوف،
فحارب حربه، وسالم سلمه، فلم يبرح مبتذلاً لنفسه في ساعات الأزل ، ومقامات
الروع، حتى برز سابقاً لا نظير له في جهاده، ولا مقارب له في فعله؛ وقد رأيتك
تساميه وأنت أنت، وهو هو السابق المبرز في كل خير؛ أول الناس إسلاماً، وأصدق
الناس نية، وأطيب الناس ذرية، وأفضل الناس زوجة، وخير الناس ابن عم. وأنت اللعين
ابن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لدين الله الغوائل، وتجتهدان على إطفاء نور
الله؛ وتجمعان على ذلك الجموع، وتبذلان فيه المال، وتحالفان في ذلك القبائل؛ على
هذا مات أبوك، وعلى ذلك خلفته، والشاهد عليك بذلك من يأوي ويلجأ إليك؛ من بقية
الأحزاب ورؤوس النفاق والشقاق لرسول الله صلى
الله عليه وسلم؛ والشاهد لعلي
مع فضله وسابقته القديمة أنصاره الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن، ففضلهم وأثنى
عليهم من المهاجرين والأنصار، فهم معه كتائب وعصائب؛ يجالدون حوله بأسيافهم،
ويهريقون دماءهم دونه؛ يرون الفضل في اتباعه، والشقاق والعصيان في خلافه، فكيف -
يا لك الويل - تعدل نفسك بعلي، وهو وارث رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصيه
وأبو ولده، وأول الناس له اتباعاً، وآخرهم به عهداً، يخبره بسره، ويشركه في
أمره، وأنت عدوه وابن عدوه؛ فتمتع ما استطعت بباطلك، وليمددك ابن العاص في
غوايتك، فكأن أجلك قد انقضى، وكيدك قد وهى ، وسوف تستبين لمن تكون العاقبة
العليا. واعلم أنك
إنما تكايد ربك الذي قد أمنت كيده، وأيست من روحه، وهو لك بالمرصاد؛ وأنت منه في
غرور. وبالله وبأهل بيت رسوله عنك الغناء! والسلام على من اتبع الهدى. سلام على أهل طاعة الله، أما بعد، فقد أتاني كتابك
تذكر فيه ما الله أهله في قدرته وسلطانه، وما أصفى به نبيه، مع كلام ألفته
ووضعته، لرأيك فيه تضعيف؛ ولأبيك فيه تعنيف؛ ذكرت حق ابن أبي طالب وقديم سابقته،
وقرابته من نبي الله ونصرته له، ومواساته إياه، في كل خوف وهول، واحتجاجك علي،
وفخرك بفضل غيرك لا بفضلك. فاحمد
إلهاً صرف ذلك الفضل عنك، وجعله لغيرك؛ فقد كنا وأبوك معنا في حياة نبينا، نرى
حق ابن أبي طالب لازماً لنا، وفضله مبرزاً علينا، فلما اختار الله لنبيه ما
عنده، وأتم له ما وعده، وأفلج حجته، قبضه الله إليه، فكان
أبوك وفاروقه، أول من ابتزه وخالفه، على ذلك اتفقا واتسقا، ثم دعواه إلى أنفسهما
فأبطأ عنهما، وتلكأ عليهما، فهما به الهموم، وأراد به العظيم؛ فبايعهما
وسلم لهما، لا يشركانه في أمرهما، ولا يطلعانهما على سرهما، حتى قبضا وانقضى
أمرهما: ثم أقاما بعدهما ثالثهما عثمان بن عفان،
يهتدي بهديهما، ويسير بسيرتهما فعبته أنت وصاحبك، حتى طمع فيه الأقاصي من
أهل المعاصي، وبطنتما وظهرتما، وكشفتما له عداوتكما وغلكما، حتى بلغتما منه
مناكما، فخذ حذرك يابن أبي بكر، فسترى وبال
أمرك، وقس شبرك بفترك ، تقصر عن أن تساوي أو
توازي من يزن الجبال حلمه، ولا تلين على قسرٍ قناته ولا يدرك ذو مدىً أناتة، أبوك مهد له مهاده، وبنى ملكه وشاده، فإن ما نحن فيه
صواباً فأبوك أوله، وإن لم يكن جوراً فأبوك أسه ونحن شركاؤه، فبهديه أخذنا،
وبفعله اقتدينا، رأينا أباك فعل ما فعل، فاحتذينا مثاله، واقتدينا بفعاله، فعب
أباك بما بدا لك، أودع. والسلام على من أناب، ورجع من غوايته
وناب. قال: وأمر علي عليه السلام الحارث بن
الأعور أن ينادي في الناس: اخرجوا
إلى معسكركم بالنخيلة، فنادى الحارث في الناس بذلك، وبعث إلى مالك بن حبيب اليربوعي صاحب
شرطته، يأمره أن يحشر الناس إلى المعسكر، ودعا عقبة
بن عمرو الأنصاري، فاستخلفه على الكوفة -
وكان أصغر أصحاب العقبة السبعين - ثم خرج عليه السلام، وخرج الناس معه. أما بعد؛ فإني
قد وليت مقدمتي زياد بن النضر، وأمرته عليها، وشريح بن هانئ
على طائفة منها أمير، فإن انتهى جمعكما إلى بأس،
فزياد بن النضر على الناس كلهم، وإن افترقتما فكل
واحدٍ منكما أمير الطائفة التي وليناه أمرها. واعلما أن مقدمة القوم عيونهم، وعيون المقدمة
طلائعهم، فإذا أنتما خرجتما من بلادكما فلا تسأما من توجيه الطلائع، ومن نقض
الشعاب والشجر والخمر في كل جانب، كي لا يغتركما عدو،
أو يكون لهم كمين. ولا
تسيرن الكتائب والقبائل من لدن الصباح إلى المساء إلا على تعبئة، فإن دهمكم عدو أو غشيكم مكروه، كنتم قد تقدمتم في التعبئة،
فإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم فليكن معسكركم في قبل الأشراف أو سفاح الجبال وأثناء
النهار، كيما يكون ذلك لكم ردءاً، وتكون مقاتلتكم من وجهٍ واحد أو اثنين،
واجعلوا رقباءكما في صياصي الجبال، وبأعالي
الأشراف، ومناكب الأنهار يرون لكم، كي لا يأتيكم عدو من
مكان مخافةٍ أو أمن. وإياكم
والتفرق، فإذا نزلتم فانزلوا جميعاً، وإذا رحلتم فارحلوا جميعا، فإذا غشيكم الليل فنزلتم فخفوا عسكركم
بالرماح والترسة ، ولتكن رماتكم من وراء ترسكم ورماحكم يلونهم. وما أقمتم
فكذلك فافعلوا كي لا تصاب لكم غفلة، ولا تلفى لكم غرة، فما قوم يحفون عسكرهم
برماحهم وترستهم من ليل أو نهار إلا كانوا كأنهم في حصون. واحرسا عسكركما بأنفسكما، وإياكما أن تذوقا نوماً حتى تصبحا إلا غراراً أو مضمضمة.
ثم ليكن ذلك شأنكما ودأبكما حتى تنتهيا إلى عدوكما؛
وليكن كل يوم عندي خبركما ورسول من قبلكما. فإني - ولا شيء إلا ما شاء الله - حثيث
السير في أثركما. عليكما في جريكما بالتؤدة ، وإياكما
والعجلة؛ إلا أن تمكنكما فرصة بعد الإعذار
والحجة، وإياكما أن تقاتلا حتى أقدم عليكما، إلا
أن تبدآ، أو يأتيكما أمري، إن شاء الله. قال نصر: وكتب علي عليه السلام إلى أمراء الأجناد - وكان قد
قسم عسكره أسباعاً، فجعل على كل سبعٍ أميراً؛ فجعل سعد بن
مسعود الثقفي على قيس وعبد القيس، ومعقل بن قيس اليربوعي على تميم وضبة والرباب
وقريش وكنانة وأسد، ومخنف بن سليم على الأزد وبجيلة وخثعم والأنصار وخزاعة، وحجر
بن عدي الكندي على كندة وحضرموت وقضاعة، وزياد ابن النضر على مذحج والأشعريين، وسعيد بن مرة الهمداني على
همدان ومن معهم من حمير، وعدي بن حاتم الطائي على طيئ؛ تجمعهم الدعوة مع مذحج، وتختلف الرايتان: راية مذحج مع زياد بن النضر،
وراية طيئ مع عدي بن حاتم؛ هذه عساكر الكوفة. وأما عساكر البصرة فخالد بن معمر السدوسي على بكر
بن وائل، وعمرو بن مرجوم العبدي على عبد القيس، وابن شيمان الزدي على الأزد،
والأحنف على تميم وضبة والرباب، وشريك بن الأعور الحارثي على أهل العالية: أما
بعد، فإني أبرأ إليكم من معرة الجنود إلا من جوعة إلى شبعة، ومن فقر إلى غنىً،
أو عمىً إلى هدىً؛ فإن ذلك عليهم. فأغربوا الناس عن الظلم والعدوان، وخذوا على
أيدي سفهائكم، واحترسوا أن تعملوا أعمالاً لا يرضى الله بها عنا فيرد بها علينا
وعليكم دعاءنا؛ فإنه تعالى يقول: " ما يعبأ
بكم ربي لولا دعاؤكم " . فحقكم عليه إنصافكم والتعديل بينكم، والكف عن
فيئكم؛ فإذا فعل معكم ذلك، وجبت عليكم طاعته فيما وافق الحق، ونصرته والدفع عن
سلطان الله، فإنكم وزعة الله في الأرض، فكونوا له أعواناً، ولدينه أنصاراً، ولا
تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، إن الله لا يحب المفسدين. ثم قال عليه السلام:
يحشر من ظهر الكوفة سبعون ألفاً على غرة الشمس، يدخلون الجنة بغير حساب. يا أهل الشام،
الله الله في دم عثمان، فأنا وليه وأحق من طلب بدمه؛ وقد جعل الله لولي المقتول
ظلماً سلطاناً، فانصروا خليفتكم المظلوم، فقد
صنع القوم به ما تعلمون، قتلوه ظلماً وبغياً؛ وقد أمر الله بقتال الفئة الباغية
حتى تفيء إلى أمر الله، ثم نزل. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
كلام له عليه السلام في ذكر الكوفة
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: كأني بك يا
كوفة تمدين مد الأديم العكاظي؛ تعركين بالنوازل، وتركبين بالزلازل، وإني لأعلم
أنه ما أراد بك جبار سوءاً إلا ابتلاه الله بشاغلٍ أو رماه بقاتلٍ. الشرح:
عكاظ: اسم سوق للعرب بناحية مكة، كانوا يجتمعون بها في كل سنة، يقيمون شهراً ويتبايعون ويتناشدون شعراً ويتفاخرون،
قال أبو ذؤيب:
فلما
جاء الإسلام هدم ذلك، وأكثر ما كان يباع الأديم بها، فنسب إليها. والأديم
واحد والجمع أدم، كما قالوا: أفيق للجلد الذي لم تتم دباغته، وجمعه أفق. وقد
يجمع أديم على آدمة، كما قالوا: رغيف وأرغفة. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الكوفة
في نظر علي عليه السلام وجعفر بن محمد عليه السلام:
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقد جاء في فضل الكوفة عن أهل البيت عليهم السلام شيء كثير، نحو قول
أمير المؤمنين عليه السلام:
نعمت المدرة . فقال: يا أمير المؤمنين؛ إن المرء ليقتدي بسلفه،
ولك أسلاف ثلاثة:
سليمان أعطي فشكر، وأيوب ابتلي فصبر، ويوسف قدر فغفر، فاقتد
بأيهم شئت. فصمت قليلاً، ثم قال: قد غفرت.
قلت:
قد يظن ظان أن قوله: صاحب الرحبة، يمكن أن يحتج به من قال: إن قبر أمير المؤمنين
عليه السلام في
رحبة المسجد بالكوفة؛ ولا حجة في ذلك، لأن أمير المؤمنين كان
يجلس معظم زمانه في رحبة المسجد، يحكم بين الناس، فجاز أن ينسب إليه بهذا
الإعتبار. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
خطبة له عليه السلام عند المسير إلى الشام
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: الحمد
لله كلما وقب ليل وغسق، والحمد لله كلما لاح نجم وخفق، والحمد لله غير مفقود
الإنعام، ولا مكافأ الإفضال. أما
بعد، فقد بعثت مقدمتي، وأمرتهم بلزوم هذا الملطاط حتى يأتيهم أمري، وقد رأيت أن
أقطع هذه النطفة إلى شرذمةٍ منكم، موطنين أكناف دجلة، فأنهضهم معكم إلى عدوكم،
وأجعلهم من أمداد القوة لكم.
قال الأصمعي:
يعني به ساحل البحر، وقول ابن مسعود: هذا
الملطاط طريق بقية المؤمنين، هراباً من الدجال
-
يعني
به شاطئ الفرات. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في
الطريق إلى صفين
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال نصر بن مزاحم:
ثم سار عليه السلام حتى
انتهى إلى مدينة بهرسير ؛ وإذا رجل من أصحابه يقال له حر بن سهم بن طريف، من بني
ربيعة بن مالك، ينظر إلى آثار كسرى؛ ويتمثل بقول الأسود بن يعفر:
فقال له عليه السلام: ألا قلت: " كم تركوا من
جناتٍ وعيونٍ وزروعٍ ومقامٍ كريمٍ ونعمةٍ كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها
أقواماً آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين" ؛ إن
هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا مورثين، ولم يشكروا النعمة، فسلبوا دنياهم بالمعصية.
إياكم وكفر النعم، لا تحل بكم النقم، انزلوا بهذه الفجوة . فوافوه في تلك الساعة، فحمد الله، وأثنى عليه،
ثم قال: أما بعد، فإني قد تعجبت من تخلفكم
عن دعوتكم، وانقطاعكم عن أهل مصركم في هذه المساكن الظالم أهلها، الهالك أكثر
ساكنيها، لا معروف يأمرون به، ولا منكر ينهون عنه. فسار وخلف عليهم
عدي بن حاتم، فأقام عليهم ثلاثاً ثم خرج في ثمانمائة رجل منهم، وخلف ابنه
زيداً بعده، فلحقه في أربعمائة رجل منهم. قالوا: يا أمير المؤمنين، نحن نقومه ثم
نقبل ثمنه، قال: إذاً لا تقومونه قيمته، نحن نكتفي بما هو دونه. قالوا:
يا أمير المؤمنين؛ فإن لنا من العرب موالي ومعارف، أتمنعنا أن نهدي لهم أو
تمنعهم أن يقبلوا منا؟ فقال:
كل العرب لكم موالٍ، وليس ينبغي لأحد من المسلمين أن يقبل هديتكم، وإن غصبكم أحد
فأعلمونا. قالوا: يا أمير
المؤمنين، إنا نحب أن تقبل هديتنا وكرامتنا. قال: ويحكم! فنحن أغنى
منكم. وتركهم وسار. قال نصر: وحدثنا عبد العزيز بن سياه،
قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت، قال: حدثنا أبو سعيد التيمي المعروف بعقيصى، قال:
كنا مع علي عليه السلام في مسيره إلى الشام، حتى إذا
كنا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد، عطش الناس واحتاجوا إلى الماء، فانطلق بنا
علي عليه السلام حتى أتى بنا إلى صخرة ضرس في
الأرض، كأنها ربضة عنز ، فأمرنا فاقتلعناها فخرج لنا من تحتها ماء، فشرب الناس
منه، وارتووا. ثم أمرنا
فأكفأناها عليه. وسار الناس
حتى إذا مضى قليلاً، قال عليه السلام: أمنكم
أحد يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه؟ قالوا: نعم يا أمير المؤمنين، قال: فانطلقوا إليه،
فانطلق منا رجال ركباناً ومشاة، فاقتصصنا الطريق إليه، حتى انتهينا إلى المكان
الذي نرى أنه فيه، فطلبناه، فلم نقدر على شيء، حتى إذا عيل علينا انطلقنا إلى
ديرٍ قريب منا، فسألناهم: أين هذا الماء
الذي عندكم؟ قالوا: ليس قربنا ماء، فقلنا:
بلى إنا شربنا منه، قالوا: أنتم شربتم منه! قلنا نعم: فقال صاحب الدير: والله ما بني هذا الدير إلا بذلك الماء، وما استخرجه إلا
نبي أو وصي نبي. قال: نعم، فقرأ الراهب الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم. الذي قضى
فيما قضى، وسطر فيما كتب: أنه باعث في الأميين رسولاً منهم؛ يعلمهم الكتاب
والحكمة، ويدلهم على سبيل الله، لا فظ ولا غليظ،
ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، بل يعفو ويصفح، أمته الحمادون
الذين يحمدون الله على كل نشز ، وفي كل صعود وهبوط، تذل ألسنتهم بالتكبير
والتهليل، والتسبيح؛ وينصره الله على من ناوأه؛ فإذا توفاه الله، اختلفت أمته من
بعده، ثم اجتمعت، فلبثت ما شاء الله، ثم اختلفت، فيمر رجل من أمته بشاطئ هذا
الفرات، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويقضي بالحق ولا يركس الحكم،
الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح، والموت أهون عليه من شرب
الماء على الظمآن. يخاف الله
في السر، وينصح له في العلانية، لا يخاف في الله لومة لائم، فمن أدرك ذلك النبي
من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضواني والجنة، ومن أدرك ذلك العبد الصالح
فلينصره؛ فإن القتل معه شهادة. فبكى عليه السلام، ثم قال: الحمد لله الذي لم أكن
عنده منسياً، الحمد لله الذي ذكرني عنده في كتب الأبرار. وروى ابن ديزيل في هذا الكتاب، قال: حدثني
يحيى بن سليمان. قال حدثني يحيى بن عبد الملك بن حميد بن عتيبة، عن أبيه، عن
إسماعيل بن رجاء، عن أبيه ومحمد بن فضيل، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبي سعيد الخدري، رحمه الله قال: كنا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فانقطع شسع نعله، فألقاها إلى علي عليه
السلام يصلحها؛ ثم قال: " إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على
تنزيله "، فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: " لا،
ولكنه ذاكم خاصف النعل " - ويد علي عليه
السلام على نعل النبي صلى الله عليه وسلم يصلحها. وسكن الناس وأمنهم، ولا تقاتل إلا من قاتلك، وسر
البردين ، وغور بالناس . أقم الليل،
ورفه في السير، ولا تسر أول الليل، فإن الله جعله سكناً، أرح فيه بدنك وجندك
وظهرك، فإذا كان السحر، أو حين يتبلج الفجر، فسر. فقال معقل:
ما تقول؟ فجاء رجلان نحو الكبشين، فأخذ كل واحد منهما كبشاً وانصرفا، فقال الخثعمي لمعقل: لا تغلبون ولا تغلبون: فقال
معقل: من أين علمت؟ قال: أما أبصرت الكبشين، أحدهما مشرق والآخر مغرب، التقيا
فاقتتلا وانتطحا، فلم يزل كل واحد من مصاحبه منتصفاً، حتى أتى كل واحد منهما
صاحبه فانطلق به! فقال معقل: أو يكون خيراً مما تقول يا أخا خثعم! ثم مضى
حتى وافى علياً عليه السلام بالرقة. قال نصر: وقالت طائفة من أصحاب علي عليه السلام له: يا أمير المؤمنين، اكتب إلى معاوية
ومن قبله من قومك، فإن الحجة لا تزداد عليهم بذلك إلا عظماً. فكتب إليهم عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله
علي أمير المؤمنين إلى معاوية ومن قبله من قريش: سلام
عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإن لله
عباداً آمنوا بالتنزيل، وعرفوا التأويل، وفقهوا في الدين، وبين الله فضلهم في
القرآن الحكيم، وأنتم في ذلك الزمان أعداء للرسول، تكذبون بالكتاب، مجمعون على
حرب المسلمين، من ثقفتم منهم حبستموه أو عذبتموه أو قتلتموه، حتى أراد الله
تعالى إعزاز دينه، وإظهار أمره، فدخلت العرب في الدين أفواجاً، وأسلمت له هذه
الأمة طوعاً وكرهاً، فكنتم فيمن دخل في هذا الدين، إما رغبة وإما رهبة، على حين
فاز أهل السبق بسبقهم، وفاز المهاجرون الأولون بفضلهم. ولا ينبغي لمن ليست له
مثل سوابقهم في الدين، ولا فضائلهم في الإسلام؛ أن ينازعهم الأمر الذي هم أهله
وأولى به، فيجور ويظلم، ولا ينبغي لمن كان له عقل أن يجهل قدره، ويعدو طوره،
ويشقي نفسه بالتماس ما ليس بأهله، فإن أولى الناس بأمر هذه الأمة قديماً وحديثاً
أقربها من الرسول، وأعلمها بالكتاب، وأفقهها في الدين، أولها إسلاماً، وأفضلها
جهاداً، وأشدها بما تحمله الأئمة من أمر الأمة اضطلاعاً؛ فاتقوا الله الذي إليه
ترجعون، ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون. ألا
وإني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، وحقن دماء هذه الأمة؛ فإن قبلتم أصبتم
رشدكم، واهتديتم لحظكم، وإن أبيتم إلا الفرقة وشق عصا هذه الأمة؛ لم تزدادوا من
الله إلا بعداً، ولا يزداد الرب عليكم إلا سخطاً والسلام.
فقال علي عليه السلام لما أتاه هذا الجواب: " إنك لا تهدي من
أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين " . فأرسل الأشتر إلى علي عليه السلام، فجاء، ونصبوا له الجسر، فعبر الأثقال
والرجال، وأمر الأشتر فوقف في ثلاثة آلاف فارس، حتى
لم يبق من الناس أحد إلا عبر، ثم عبر آخر الناس رجلاً.
فقال عبد الله بن أبي الحصين: ما شيء أحب إلي مما ذكرت، فقتلا
معاً يوم صفين. قال نصر: فلما
قطع علي عليه السلام الفرات، دعا زياد بن النضر وشريح بن هانئ فسرحهما أمامه نحو
معاوية، على حالهما الذي كانا عليه حين خرجا من الكوفة، في اثني عشر ألفاً، وقد
كانا حيث سرحهما من الكوفة مقدمة له أخذا على شاطئ الفرات من قبل البر، مما يلي
الكوفة حتى بلغا عانات ، فبلغهم أخذ علي عليه السلام طريق الجزيرة، وعلما أن
معاوية قد أقبل في جنود الشام من دمشق لاستقباله، فقالا: والله ما هذا برأي، أن
نسير وبيننا وبين أمير المؤمنين هذا البحر، وما لنا خير في أن نلقى جموع الشام
في قلة من العدد، منقطعين عن المدد. فذهبوا ليعبروا من عانات، فمنعهم أهلها،
وحبسوا عنهم السفن، فأقبلوا راجعين حتى عبروا من هيت ، ولحقوا علياً عليه السلام
بقرية دون قرقيسيا ، فلما لحقوا علياً عليه السلام عجب، وقال: مقدمتي تأتي من
ورائي! فقام له زياد وشريح، وأخبراه بالرأي الذي رأيا. فقال: قد
أصبتما رشدكما. فلما عبروا
الفرات قدمهما أمامه نحو معاوية، فلما انتهيا إلى معاوية، لقيهما أبو الأعور السلمي في جنود من أهل الشام، وهو على مقدمة معاوية، فدعواه إلى الدخول في طاعة
أمير المؤمنين عليه السلام فأبى، فبعثوا إلى علي عليه السلام: إنا
قد لقينا أبا الأعور السلمي بسور الروم في جند من أهل الشام، فدعوناه وأصحابه
إلى الدخول في طاعتك، فأبى علينا، فمرنا بأمرك. ثم إن أهل الشام انصرفوا، ثم خرج هاشم بن عتبة في
خيل ورجالٍ حسنٍ عدتها وعددها، فخرج إليهم أبو
الأعور السلمي، فاقتتلوا يومهم ذلك، تحمل الخيل على الخيل، والرجال على
الرجال، وصبر بعضهم لبعض، ثم انصرفوا. وبكر عليهم الأشتر، فقتل من أهل الشام عبد
الله بن المنذر التنوخي، قتله ظبيان بن عمارة التميمي، وما هو يومئذ إلا فتى
حديث السن. وإن كان الشامي لفارس أهل الشام، وأخذ الأشتر يقول:
ويحكم أروني أبا الأعور! ثم إن أبا الأعور دعا الناس، فرجعوا نحوه فوقف على تل
من وراء المكان الذي كان فيه أول مرة، وجاء الأشتر حتى صف أصحابه في المكان الذي
كان فيه أبو الأعور أول مرة، فقال الأشتر لسنان بن
مالك النخعي: انطلق إلى أبي الأعور، فادعه إلى المبارزة، فقال: إلى
مبارزتي أم إلى مبارزتك؟ فقال: أولو أمرتك بمبارزته فعلت؟ قال: نعم، والذي لا
إله إلا هو، لو أمرتني أن أعترض صفهم بسيفي لفعلت حتى أضربه بالسيف. فقال: يابن أخي، أطال الله بقاءك! قد والله ازددت
فيك رغبة، لا ما أمرتك بمبارزته، إنما أمرتك أن تدعوه لمبارزتي، فإنه لا يبارز -
إن كان ذلك من شأنه - إلا ذوي الأسنان والكفاءة والشرف، وأنت بحمد الله من أهل
الكفاءة والشرف؛ ولكنك حديث السن، وليس يبارز الأحداث؛ فاذهب فادعه إلى مبارزتي. قال نصر: فحدثني عمر بن سعيد، عن أبي
زهير العبسي، عن صالح بن سنان، عن أبيه، قال: فقلت له: إن
الأشتر يدعوك إلى المبارزة، قال: فسكت عني طويلاً، ثم قال: إن خفة الأشتر وسوء
رأيه وهوانه؛ دعاه إلى إجلاء عمال عثمان، وافترائه عليه، يقبح محاسنه، ويجهل
حقه، ويظهر عداوته. ومن خفة
الأشتر وسوء رأيه أنه سار إلى عثمان في داره وقراره، فقتله فيمن قتله، وأصبح
متبعاً بدمه، لا حاجة لي في مبارزته. فرجعت إلى الأشتر، فأخبرته أنه قد
أبى المبارزة، فقال: لنفسه نظر. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في
تمجيده الله تعالى وتحميده
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: الحمد
لله الذي بطن خفيات الأمور، ودلت عليه أعلام الظهور، وامتنع على عين البصير؛ فلا
عين من لم يره تنكره؛ ولا قلب من أثبته يبصره. وقوله عليه السلام:
أعلام الظهور، أي الأدلة الظاهرة الواضحة. الأصل:
الحمد لله الذي بطن خفيات الأمور، ودلت عليه أعلام الظهور، وامتنع على عين
البصير؛ فلا عين من لم يره تنكره؛ ولا قلب من أثبته يبصره. وقوله عليه السلام:
أعلام الظهور، أي الأدلة الظاهرة الواضحة. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مباحث
من العلم الإلهي وهذا الفصل يشتمل على عدة مباحث من العلم الإلهي:
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أولها: كونه تعالى
عالماً بالأمور الخفية، والثاني: كونه تعالى
مدلولاً عليه بالأمور الظاهرة، يعني أفعاله، والثالث:
أن هويته تعالى غير معلومة للبشر، الرابع: نفي
تشبيهه بشيء من مخلوقاته، الخامس: بيان أن
الجاحد لإثباته مكابر بلسانه، وعارف به بقلبه. ونحن نذكر القول في جميع ذلك على
سبيل اقتصاص المذاهب والأقوال، ونحيل في البرهان على الحق من ذلك وبطلان شبه
المخالفين فيه على ما هو مذكور في كتبنا الكلامية، إذ ليس هذا الكتاب موضوعاً
لذلك،
وإن كنا قد لا نخلي بعض فصوله من إشارة إلى الدليل
موجزة، وتلويح إلى الشبهة لطيف؛ فنقول: الفصل الأول
الكلام في كونه تعالى عالماً بالأمور الخفية اعلم أن أمير المؤمنين عليه السلام، إنما قال: بطن
خفيات الأمور، وهذا القدر من الكلام يقتضي كونه تعالى عالماً، يعلم الأمور
الخفية الباطنة؛ وهذا منقسم قسمين: أحدهما: أن يعلم الأمور الخفية الحاضرة، والثاني: أن يعلم الأمور الخفية المستقبلة. القول الأول: قول جمهور المتكلمين،
وهو أن البارئ سبحانه يعلم كل معلوم: الماضي والحاضر والمستقبل، ظاهرها وباطنها،
ومحسوسها وغير محسوسها، فهو تعالى العالم بما كان وما هو حاضر، وما سيكون وما لم
يكن، أن لو كان كيف كان يكون، كقوله تعالى: "
ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه " ، فهذا علم بأمرٍ مقدر على تقدير
وقوع أصله الذي قد علم أنه لا يكون. واعلم أن حجة المتكلمين على كونه
عالماً بكل شيء؛ إنما تتضح بعد إثبات حدوث العالم، وأنه فعله
بالاختيار؛ فحينئذ لا بد من كونه عالماً؛ لأنه لو لم يكن عالماً بشيء أصلاً لما
صح أن يحدث العالم على طريق الاختيار، إنما يكون بالغرض والداعي، وذلك يقتضي
كونه عالماً، فإذا ثبت أنه عالم بشيء أفسدوا حينئذ أن يكون عالماً بمعنى اقتضى
له العالمية، أو بأمر خارج عن ذاته، مختاراً كان أو غير مختار. وقالوا تارة أخرى: العالم ممكن، فله مؤثر. وقد حكي عن أبي حنيفة وأصحابه أيضاً؛
وهو الظاهر من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في
هذا الفصل. وكذلك قوله عليه السلام:
فلا استعلاؤه باعده، ولا قربه ساواهم في المكان به، فنقول:
إن مذهب جمهور المتكلمين نفي التشبيه، وهذا
القول يتنوع أنواعاً. وهو قول المعتزلة، وأكثر محققي المتكلمين من
سائر الفرق، وإليه ذهبت الفلاسفة أيضاً. وقال قوم من مستضعفي المتكلمين خلاف ذلك، فذهب هشام بن الحكم إلى أنه تعالى جسم مركب كهذه
الجسام، واختلفت الحكاية عنه، فروي عنه أن قال:
إنه يشبر نفسه سبعة أشبار. وروي عنه أنه قال:
إنه على هيئة السبيكة. وروي عنه أنه قال:
إنه على هيئة البلورة الصافية المستوية الاستدارة من حيث أتيتها على هيئة واحدة،
وروي عنه أيضاً قال: إنه ذو صورة. وأصحابه من الشيعة يدفعون اليوم هذه الحكايات عنه،
ويزعمون أنه لم يزد على قوله: إنه جسم لا كالأجسام، وإنه أراد بإطلاق هذا اللفظ
عليه إثباته. وحكي عنه أنه قال:
هو أجوف من فيه إلى صدره، وما سوى ذلك مصمت. وكان بطبرستان قاص من المشبهة، يقص
على الناس، فقال يوماً في قصصه: إن يوم القيامة تجيء فاطمة بنت محمد، معها قميص الحسين ابنها
تلتمس القصاص من يزيد بن معاوية، فإذا رآها الله تعالى من بعيد، دعا يزيد وهو
بين يديه، فقال له: ادخل تحت قوائم العرش، لا تظفر بك فاطمة، فيدخل ويختبئ،
وتحضر فاطمة، فتتظلم وتبكي، فيقول سبحانه: انظري يا فاطمة إلى قدمي، ويخرجها
إليها، وبه جرح من سهم نمرود، فيقول: هذا جرح نمرود في قدمي، وقد عفوت عنه، أفلا
تعفين أنت عن يزيد! فتقول أفلا تعفين عن يزيد! فتقول هي: اشهد يا رب قد عفوت عنه. وقد قال بهذا القول ابن كرام وأصحابه؛ قالوا: معنى
قولنا فيه سبحانه أنه جسم، إنه قائم بذاته لا بغيره. النوع الثالث: نفي الجهة عنه سبحانه؛
فالذي يذهب إليه المعتزلة وجمهور المحققين من المتكلمين
أنه سبحانه ليس في جهةٍ ولا مكان، وأن ذلك من توابع الجسمية أو العرضية اللاحقة
بالجسمية، فإذا انتفى عنه كونه جسماً وكونه عرضاً لم يكن في جهة أصلاً، وإلى هذا القول يذهب الفلاسفة. وأحالوا ذلك؛ لأن ما لا يتناهى لا يكون محصوراً بين
حاصرين، وأنا أستبعد عنه هذه الحكاية، لأنه كان
أذكى من أن يذهب عليه فساد هذا القول. وحقيقة مذهب مثبتي المكان
أنه سبحانه متمكن على العرش، كما يتمكن الملك على سريره، فقيل لبعض هؤلاء: أهو أكبر من العرش، أم أصغر، أم
مساوٍ له؟ فقال: بل أكبر من العرش، فقيل له:
فكيف يحمله؟ فقال: كما تحمل رجلا الكركي جسم
الكركي وجسمه أكبر من رجليه. ومنهم من يجعله مساوياً للعرش في المقدار، ولا
يمتنع كثير منهم من إطلاق القول بأن أطرافه تفضل عن العرش؛ وقد سمعت أنا من قال منهم: إنه مستوٍ على عرشه كما أنا
مستوٍ على هذه الدكة ورجلاه على الكرسي الذي وسع السموات والأرض، والكرسي تحت
العرش، كما يجعل اليوم الناس تحت أسرتهم كراسي يستريحون بوضع أرجلهم عليها. فقال: لا يجوز عليه
الطفر، لأن الطفر إنما يكون فراراً من ضد، أو اتصالاً بشكل. فقال له: فالحركة
أيضاً كذلك! فلم يأت بفرق. وذهبت الحلولية من أهل الملة وغيرها،
إلى أنه تعالى يحل في بعض الأجسام دون بعض كما يشاء سبحانه، وإلى هذا القول ذهب أكثر
الغلاة في أمير المؤمنين عليه السلام. ومنهم من قال بانتقاله من أمير المؤمنين عليه
السلام إلى أولاده، ومنهم من قال بانتقاله من أولاده إلى قوم شيعته وأوليائه، واتبعهم على هذه المقالة قوم من المتصوفة كالحلاجية
والبسطامية وغيرهم. النوع الثامن:
في أنه تعالى ليس بمتلون. لم يصرح أحد من العقلاء قاطبة بأن الله تعالى متلون؛
وإنما ذهب قوم من أهل التشبيه والتجسيم إلى أنه نور، فإذا أبصرته العيون وأدركته
أبصرت شخصاً نورانياً مضيئاً، لم يزيدوا على ذلك، ولم يصرحوا بإثبات اللون بهذه
العبارة؛ وإن كان كل مضيء ملوناً. وقالت السالمية وبعض الحشوية:
إن الكفار يرونه يوم القيامة، وهو قول محمد بن
إسحاق بن خزيمة؛ ذكر ذلك عنه محمد بن الهيصم. فأما الأشعري وأصحابه؛
فإنهم لم يقولوا كما قال هؤلاء: إنه يرى كما يرى
الواحد منا، بل قالوا: يرى، وليس فوقاً ولا تحتاً ولا يميناً ولا شمالاً ولا
أماماً ولا وراء، ولا يرى كله ولا بعضه؛ ولا هو في مقابلة الرائي ولا منحرفاً
عنه؛ ولا تصح الإشارة إليه إذا رئي، وهو مع ذلك يرى ويبصر. وأجازوا أيضاً أن
تسمع ذاته، وأن تشم وتذاق وتحس، لا على طريق الاتصال، بل تتعلق هذه الإدراكات
كلها بذاته تعلقاً عارياً عن الاتصال. قال: والقول بنفي الصانع قريب من القول بالسفسطة؛
بل هو هو بعينه؛ لأن من شك في المحسوس أعذر ممن قال: إن المتحركات تتحرك من غير
محرك حركها. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
خطبة له في وقوع الفتن
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: إنما بدء
وقوع الفتن أهواء تتبع، وأحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله، ويتولى عليها رجال
رجالاً؛ على غير دين الله، فلو أن الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف على
المرتادين؛ ولو أن الحق خلص من لبس الباطل، انقطعت عنه السن المعاندين، ولكن
يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث، فيمزجان، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه،
وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى. والضغث من الحشيش: القبضة منه، قال الله تعالى: " وخذ بيدك ضغثاً " . يقول عليه السلام:
إن المذاهب الباطلة والآراء الفاسدة التي يفتتن الناس بها، أصلها اتباع الأهواء،
وابتداع الأحكام التي لم تعرف يخالف فيها الكتاب، وتحمل العصبية والهوى على تولي
أقوام قالوا بها، على غير وثيقة من الدين. ومستند وقوع هذه الشبهات امتزاج الحق بالباطل في
النظر الذي هو الطريق إلى استعلام المجهولات، فلو أن النظر تخلص مقدماته وترتب
قضاياه من قضايا باطلة، لكان الواقع عنه هو العلم المحض، وانقطع عنه ألسن
المخالفين، وكذلك لو كان النظر تخلص مقدماته من قضايا صحيحة، بأن كان كله مبنياً
على الفساد، لظهر فساده لطلبة الحق، وإنما يقع الاشتباه لامتزاج قضاياه الصادقة
بالقضايا الكاذبة. لا جرم أن هذه المقالة مرغوب عنها عند العقلاء!
ومثال ما تكون مقدماته حقاً كلها: العالم متغير، وكل متغير ممكن؛ فالعالم ممكن؛
فهذا مما لا خلاف فيه بين العقلاء. قيل: لا إشعار في
ذلك بالجبر، ومراده عليه السلام أنه
إذا امتزج في النظر الحق بالباطل، وتركبت المقدمات من قضايا صحيحة وفاسدة، تمكن
الشيطان من الإضلال والإغواء، ووسوس إلى المكلف، وخيل له النتيجة الباطلة،
وأماله إليها، وزينها عنده، بخلاف ما إذا كانت المقدمات حقاً كلها، فإنه لا يقدر
الشيطان على أن يخيل له ما يخالف العقل الصريح؛ ولا يكون له مجال في تزيين
الباطل عنده، ألا ترى الأوليات لا سبيل للإنسان إلى جحدها وإنكارها، لا بتخييل
الشيطان ولا بغير ذلك! ومعنى قوله:
على أوليائه، أي على من عنده استعداده للجهل، وتمرن على اتباع الهوى، وزهد في
تحقيق الأمور العقلية على وجهها، تقليداً للأسلاف، ومحبة لاتباع المذهب المألوف،
فذاك هو الذي يستولي عليه الشيطان ويضله، وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى،
وهم الذين يتبعون محض العقل، ولا يركنون إلى التقليد، ويسلكون مسلك التحقيق،
وينظرون النظر الدقيق، يجتهدون في البحث عن مقدمات أنظارهم، وليس في هذا الكلام
تصريح بالجبر، ولا إشعار به على وجه من الوجوه، وهذا واضح. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
لما
غلب أصحاب معاوية أصحابه على شريعة الفرات بصفين ومنعوهم من الماء :
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
قد استطعموكم القتال، فأقروا على مذلةٍ، وتأخير محلةٍ، أو رووا السيوف من الدماء
ترووا من الماء؛ فالموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين. ألا
وإن معاوية قاد لمة من الغواة، وعمس عليهم الخبر، حتى جعلوا نحورهم أغراض
المنية. والأغراض:
جمع غرض وهو الهدف.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أشعار
في الإباء والتحريض على الحرب
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
والأشعار
في الإباء والأنف من احتمال الضيم والذل والتحريض على الحرب كثيرة، ونحن نذكر
منها ها هنا طرفاً؛ فمن ذلك قول عمرو بن براقة الهمداني:
ومثله:
وقال
حرب بن مسعر:
وقال
الحارث بن الأرقم:
وقال
العباس بن مرداس السلمي:
وقال
وهب بن الحارث:
وقال
المسيب بن غلس:
وقال
آخر:
وقال
بعض بني أسد:
دخل
مويلك السدوسي إلى البصرة يبيع إبلاً، فأخذ عامل الصدقة بعضها، فخرج إلى البادية
وقال:
وقال
يزيد بن مفرغ الحميري:
وقال
آخر:
مثله
قول عنترة:
وقال
آخر:
وقال
آخر:
مثله
للشداخ:
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من
هم أباة الضيم
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
سيد أهل الإباء، الذي علم الناس الحمية والموت تحت ظلال السيوف،
اختياراً له على الدنية، أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، عرض عليه الأمان وأصحابه، فأنف من
الذل، وخاف من ابن زياد أن يناله بنوعٍ من الهوان؛ إن لم يقتله؛ فاختار الموت على ذلك.
لما
فر أصحاب مصعب عنه، وتخلف في نفر يسير من أصحابه، كسر جفن سيفه، وأنشد:
فعلم
أصحابه أنه قد استقتل.
وله
أيضاً:
وقال
مالك بن خريم الهمداني:
وقال
رشيد بن رميص العنزي:
وقال
آخر:
ومن أباة الضيم يزيد بن المهلب، كان يزيد بن عبد الملك يشنؤه قبل خلافته؛ لأسباب ليس هذا
موضع ذكرها، فلما أفضت إليه الخلافة، خلعه يزيد بن
المهلب، ونزع يده من طاعته، وعلم أنه إن ظفر به قتله وناله من الهوان ما القتل
دونه، فدخل البصرة وملكها عنوةً، وحبس عدي ابن أرطأة عامل عامل يزيد بن
عبد الملك عليها، فسرح إليه يزيد بن عبد الملك جيشاً كثيفاً، ويشتمل على ثمانين
ألفاً من أهل الشام والجزيرة، وبعث مع الجيش مسلمة بن عبد الملك، وكان أعرف
الناس بقيادة الجيوش وتدبيرها، وأيمن الناس نقيبةً في الحرب، وضم إليه ابن أخيه
العباس بن الوليد بن عبد الملك، فسار يزيد بن المهلب من البصرة، فقدم واسط،
فأقام بها أياماً، ثم سار عنها فنزل العقر ، واشتملت جريدة جيشه على مائة وعشرين
ألفاً، وقدم مسلمة بجيوش الشام، فلما تراءى
العسكران، وشبت الحرب، أمر مسلمة قائداً من قواده أن يحرق الجسور التي
كان عقدها يزيد بن المهلب فأحرقها، فلما رأى أهل العراق الدخان قد علا انهزموا، فقيل ليزيد بن المهلب: قد انهزم الناس، قال: ومم
انهزموا؟ هل كان قتال ينهزم الناس من مثله؟ فقيل له: إن مسلمة أحرق الجسور فلم
يثبتوا، فقال قبحهم الله! بق دخن عليه فطار! ثم وقف ومعه أصحابه، فقال: اضربوا
وجوه المنهزمين، ففعلوا ذلك حتى كثروا عليه، واستقبله منهم أمثال الجبال، فقال:
دعوهم قبحهم الله! غنم عدا في نواحيها الذئب. وكان
يزيد لا يحدث نفسه بالفرار، وقد كان أتاه يزيد بن
الحكم بن أبي العاص الثقفي بواسط، فقال له:
فقال:
ما شعرت، فقال:
فقال: أما
هذا فعسى. فلما رأى يزيد انهزام أصحابه، نزل عن فرسه، وكسر جفن سيفه واستقتل، فأتاه آت فقال: إن أخاك حبيباً قد قتل، فزاده ذلك
بصيرة في توطينه نفسه على القتل، وقال: لا خير في العيش بعد حبيب! والله لقد كنت
أبغض الحياة بعد الهزيمة؛ وقد ازددت لها بغضاً؛ امضوا قدماً. فعلم
أصحابه أنه مستميت، فتسلل عنه من يكره القتال، وبقي معه جماعة خشية، فهو يتقدم
كلما مر بخيل كشفها، وهو يقصد مسلمة بن عبد الملك لا يريد غيره، فلما دنا منه،
أدنى مسلمة فرسه ليركب، وحالت خيول أهل الشام بينهما، وعطفت على يزيد بن المهلب،
فجالدهم بالسف مصلتا ؛ حتى قتل وحمل رأسه إلى
مسلمة، وقتل معه أخوه محمد بن المهلب؛
وكان أخوهما المفضل بن المهلب؛ يقاتل أهل الشام في
جهة أخرى، ولا يعلم بقتل أخويه يزيد ومحمد؛
فأتاه أخوه عبد الملك بن المهلب، وقال له: ما تصنع وقد قتل يزيد ومحمد، وقبلهما قتل حبيب، وقد انهزم
الناس! وقد روي أنه لم يأته
بالخبر على وجهه، وخاف أن يخبره بذلك فيستقتل ويقتل، فقال له: إن الأمير قد انحدر إلى واسط، فاقتص
أثره، فانحدر المفضل حينئذ، فلما علم بقتل إخوته،
حلف ألا يكلم أخاه عبد الملك أبداً؛ وكانت عين المفضل قد أصيبت من قبل في
حرب الخوارج، فقال: فضحني عبد الملك فضحه الله!
ما عذري إذا رآني الناس فقالوا: شيخ أعور مهزوم،
ألا صدقني فقتلت! ثم قال:
فلما اجتمع من بقي من آل المهلب بالبصرة بعد الكسرة، أخرجوا عدي
بن أرطأة أمير البصرة من الحبس، فقتلوه وحملواعيالهم في السفن البحرية، ولججوا
في البحر؛ فبعث
إليهم مسلمة بن عبد الملك بعثاً عليه قائد من قواده، فأدركهم في قندابيل ؛
فحاربهم وحاربوه، وتقدم بنو المهلب بأسيافهم، فقاتلوا
حتى قتلوا عن آخرهم، وهم المفضل بن المهلب، وزياد بن المهلب، ومروان ابن
المهلب، وعبد الملك بن المهلب، ومعاوية بن المهلب، والمنهال بن المهلب بن أبي
عيينة ابن المهلب، وعمرو والمغيرة ابنا قبيصة بن المهلب، وحملت رؤوسهم إلى مسلمة بن عبد الملك، وفي أذن كل واحد
منهم رقعة فيها اسمه، واستؤسر الباقون في الوقعة، فحملوا إلى يزيد ابن عبد الملك
بالشام، وهم احد عشر رجلاً، فلما دخلوا عليه قام
كثير بن أبي جمعة، فأنشد:
فقال يزيد:
أطت بك الرجم يا أبا صخر! لولا أنهم قدحوا في الملك لعفوت عنهم؛ ثم أمر بقتلهم
فقتلوا، وبقي منهم صبي صغير، فقال: اقتلوني فلست بصغير، فقال يزيد بن عبد الملك: انظروا هل أنبت! فقال: أنا أعلم بنفسي، قد احتلمت ووطأت النساء فاقتلوني؛ فلا خير في
العيش بعد أهلي! فأمر به فقتل. قال: ولم يبق بعد
هذه الوقعة الثانية لأهل المهلب باقية إلا أبو عيينة بن المهلب. وعمرو بن يزيد ابن المهلب، وعثمان بن المفضل
بن المهلب، فإنهم لحقوا برتبيل ، ثم أومنوا بعد
ذلك.
وقال
أيضاً:
وقال
أيضاً رحمه الله تعالى:
وقال
حارثة بن الغداني:
وقال
بعض الخوارج:
وقال
الأعشى:
وقال
آخر:
ومثله:
وقال
آخر:
وقال
بشامة بن الغدير:
قال يزيد بن المهلب في حرب جرجان لأخيه أبي عيينة: ما أحسن منظرٍ رأيت في هذه الحرب؟ قال: سيف بن أبي سبرة وبيضته؛ وكان عبد الله
بن أبي سبرة حمل على غلام تركي قد أفرج الناس له، وصدوا عنه لبأسه وشجاعته،
فتضاربا ضربتين، فقتله ابن أبي سبرة بعد أن ضربه التركي في رأسه، فنشب سيفه في
بيضة ابن أبي سبرة، فعاد إلى الصف وسيفه مصبوغ بدم التركي وسيف التركي في بيضته
كجزء منها يلمع، فقال الناس: هذا كوكب الذنب، وعجبوا من منظره.
وقال
آخر:
وقال
آخر:
استنصر
سبيع بن الخطيم التيمي من بني تيم اللات بن ثعلبة زيد الفوارس الضبي فنصره، فقال:
وقال
أبو طالب بن عبد المطلب:
لما برز علي وحمزة وعبيدة عليهم السلام يوم بدر إلى عتبة وشيبة
والوليد، قتل علي عليه السلام الوليد، وقتل حمزة شيبة، على اختلاف في رواية ذلك: هل كان شيبة قرنه أم عتبة؟ وتجالد
عبيدة وعتبة بسيفيهما، فجرح عبيدة عبتة في رأسه، وقطع عتبة ساق عبيدة؛ فكر علي
وحمزة عليهما السلام على صاحبهما، فاستنقذاه من عتبة، وخبطاه بسيفهما حتى قتلاه
واحتملا صاحبهما، فوضعاه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش، وهو
يجود بنفسه، وإن مخ ساقه ليسيل، فقال: يا رسول الله، لو كان أبو طالب حياً لعلم
أني أولى منه بقوله:
فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:
" اللهم أنجز لي ما وعدتني! اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض
". لما
قدم جيش الحرة إلى المدينة، وعلى الجيش مسلم بن عقبة المري، أباح المدينة
ثلاثاً، واستعرض أهلها بالسيف جزراً كما يجزر القصاب الغنم؛ حتى ساخت الأقدام في
الدم، وقتل أبناء المهاجرين والأنصار وذرية أهل بدر، وأخذ البيعة ليزيد بن معاوية على كل من استبقاه من الصحابة
والتابعين؛ على أنه عبد قن لأمير المؤمنين يزيد بن
معاوية؛ هكذا كانت صورة المبايعة يوم الحرة، إلا علي بن الحسين بن علي عليهم السلام فإنه أعظمه وأجلسه معه على سريره، وأخذ بيعته على أنه أخو
أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وابن عمه، دفعاً له عما بايع عليه غيره، وكان ذلك
بوصاةٍ من يزيد بن معاوية له، فهرب علي بن عبد الله بن العباس رحمه الله تعالى إلى أخواله من كندة، فحموه من مسلم بن
عقبة، وقالوا: لا نبايع ابن أختنا إلا على ما بايع عليه ابن عمه علي بن الحسين،
فأبى مسلم بن عقبة ذلك، وقال: إني لم أفعل ما فعلت إلا بوصاة أمير المؤمنين،
ولولا ذلك لقتلته، فإن أهل هذا البيت أجدر بالقتل، أو لأخذت بيعته على ما أخذت
عليه بيعة غيره، وسفرالسفراء بينه وبينهم، حتى وقع الاتفاق على أن يبايع ويقول:
أنا أبايع لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية، وألتزم طاعته، ولا يقول غير ذلك، فقال علي بن عبد الله بن العباس:
مسرف
كناية عن مسلم، وأم علي بن عبد الله بن العباس زرعة بنت مشرح بن معدي كرب ابن
وليعة بن شرحبيل بن معاوية بن كندة.
ابن
سلمى يعني نفسه، وسلمى أمه.
وقال
آخر:
وقال
آخر:
وقال
آخر :
وقال
أبو النشناش:
وفد يحيى بن عروة بن الزبير على عبد الملك، فجلس يوماً على بابه ينتظر إذنه، فجرى ذكر عبد الله بن الزبير، فنال منه حاجب عبد الملك، فلطم يحيى وجهه حتى أدمى أنفه،
فدخل على عبد الملك ودمه يجري من أنفه، فقال: من
ضربك؟ قال: يحيى بن عروة، قال: أدخله - وكان عبد الملك متكئاً فجلس -
فلما دخل قال: ما حملك على ما صنعت بحاجبي؟ قال: يا أمير المؤمنين، إن عمي عبد
الله كان أحسن جواراً لعمتك منك لنا، والله إن كان ليوصي أهل ناحيته ألا يسمعوها
قذعاً ، ولا يذكروكم عندها إلا بخير، وإن كان ليقول لها: من سب أهلك فقد سب
أهله، فأنا والله المعم المخول، تفرقت العرب بين عمي وخالي، فكنت كما قال الأول:
فرجع عبد الملك إلى متكئه، ولم يزل يعرف منه الزيادة في إكرام يحيى وبعدها. وأم
يحيى هذه ابنة الحكم بن أبي العاص عمة عبد الملك بن مروان، وقال سعيد بن عمر
الحرشي أمير خارسان:
قال عبد الله بن الزبير لما خطب حين أتاه نعي مصعب: أما بعد، فإنه أتانا من العراق خبر
أفرحنا وأحزننا؛ أتانا خبر قتل المصعب؛ فأما الذي أحزننا فلوعة يجدها الحميم عند
فراق حميمه، ثم يرعوي بعدها ذو اللب إلى حسن الصبر وكرم العزاء.
وقال
الشداخ بن يعمر الكناني:
وقال
يحيى بن منصور الحنفي:
قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد: ويحك! أقتلتم ذرية رسول الله صلى الله
عليه وسلم! فقال: عضضت بالجندل؛ إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا، ثارت علينا
عصابة، أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية تحطم الفرسان يميناً وشمالاً،
وتلقي أنفسها على الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل
بينها وبين الورود على حياض المنية، أو الاستيلاء على الملك؛ فلو كفننا عنها
رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها، فما كنا فاعلين لا أم لك! السخاء من باب
الشجاعة، والشجاعة من باب السخاء؛ لأن الشجاعة إنفاق العمر وبذله فكانت سخاء،
والسخاء إقدام على إتلاف ما هو عديل المهجة، فكان شجاعة.
قيل لشيخنا أبي عبد الله البصري رحمه الله تعالى: أتجد في النصوص ما يدل على تفضيل علي عليه السلام، بمعنى كثرة الثواب لا بمعنى كثرة مناقبه، فإن ذاك أمر مفروغ منه؟ فذكر حديث الطائر المشوي ، وأن المحبة من الله تعالى إرادة الثواب. فقيل
له: قد سبقك الشيخ أبو علي رحمه الله تعالى إلى
هذا؛ فهل تجد غير ذلك؟ قال: نعم قول الله تعالى: " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله
صفاً كأنهم بنيان مرصوص " ، فإذا كان أصل المحبة لمن ثبت كثبوت البنيان المرصوص، فكل من
زاد ثباته؛ زادت المحبة له، ومعلوم أن علياً عليه السلام ما فر في زحفٍ قط، وفر غيره في غير موطن، وقال أبو تمام :
وقال
أبو الطيب المتنبي:
قال
عطاف بن محمد الألوسي:
وقال
عروة بن الورد:
وقال
آخر:
نهار
بن توسعة في يزيد بن المهلب:
كان هدية اليشكري- وهو ابن عم شوذب الخارجي اليشكري - شجاعاً
مقداماً، وكان ابن عمه بسطام الملقب شوذباً الخارج في خلافة عمر بن عبد العزيز
ويزيد بن عبد الملك،
فأرسل إليه يزيد بن عبد الملك جيشاً كثيفاً فحاربه، فانكشفت الخوارج، وثبت هدبة
وأبى الفرار، فقاتل حتى قتل، فقال أيوب بن خولي
يرثيه:
كانت وصايا إبراهيم الإمام وكتبه ترد إلى أبي مسلم بخراسان: إن استطعت ألا تدع بخراسان أحداً
يتكلم بالعربية إلا وقتلته فافعل، وأيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله،
وعليك بمضر، فإنهم العدو القريب الدار، فأبد خضراءهم ، ولا تدع على الأرض منهم
دياراً، قال المتنبي:
وله:
وقال المتنبي أيضاً:
ومن أباة الضيم قتيبة بن مسلم الباهلي أمير الخراسان وما وراء النهر، لم يصنع
أحد صنيعه في فتح بلاد الترك، وكان الوليد بن عبد الملك أراد أن ينزع أخاه
سليمان بن عبد الملك من العهد بعده، ويجعله في ابنه عبد العزيز بن الوليد،
فأجابه إلى ذلك قتيبة بن مسلم الباهلي وجماعة من الأمراء، فلما مات الوليد قبل إتمام ذلك، وقام
سليمان بالأمر بعده - وكان قتيبة أشد الناس في أمر سليمان وخلعه عن العهد - علم
أنه سيعزله عن خراسان ويوليها يزيد بن المهلب، لودٍ كان بينه وبين سليمان، فكتب
قتيبة إليه كتاباً يهنئه بالخلافة، ويذكر بلاءه وطاعته لعبد الملك وللوليد بعده،
وأنه على مثل ذلك إن لم يعزله عن خراسان، وكتب إليه
كتاباً آخر يذكره فيه بفتوحه وآثاره، ونكايته في الترك، وعظم قدره عند ملوكهم،
وهيبة العجم والعرب له وعظم صيته فيهم، ويذم آل المهلب، ويحلف له بالله:
لئن استعمل يزيد بن المهلب على خراسان ليخلعنه، وليملأنها عليه خيلاً ورجلاً، وكتب كتاباً ثالثاً فيه خلع سليمان، وبعث بالكتب الثلاثة
مع رجل من قومه من باهلة يثق به، وقال له: ادفع الكتاب الأول له، فإن كان
يزيد بن المهلب حاضراً عنده، فقرأ الكتاب ثم دفعه
إلى يزيد فادفع إليه هذا الثاني، فإن قرأه وألقاه إليه أيضاً فادفع إليه الثالث،
وإن قرأ الكتاب الأول ولم يدفعه إلى يزيد؛ فاحتبس الكتابين الآخرين معك. فقال قتيبة لصاحب شرطته: انطلق إلى وكيع فأتني به، فإن أبى فاضرب عنقه، وأتني برأسه،
ووجه معه خيلاً. فقال وكيع لصاحب
الشرطة: البث قليلاً تلحق الكتائب، وقام فلبس سلاحه، ونادى في الناس
فأتوه، فخرج فتلقاه رجل، فقال: ممن أنت؟ فقال: من بني أسد، فقال: ما اسمك؟ فقال
ضرغام، فقال: ابن من؟ قال: ابن ليث، فتيمن به وأعطاه رايته، وأتاه الناس أرسالاً
من كل وجه، فتقدم بهم، وهو يقول:
واجتمع
إلى قتيبة أهله وثقاته، وأكثر العرب ألسنتهم له وقلوبهم عليه. فأمر قتيبة رجلاً
فنادى: أين بنو عامر؟ - وقد كان قتيبة جفاهم في أيام سلطانه - فقال له مجفر بن
جزء الكلابي: نادهم حيث وضعتهم، فقال قتيبة: أنشدكم
الله والرحم - وذاك لأن باهلة وعامراً من قيس عيلان - فقال مخفر: أنت قطعتها،
قال: فلكم العتبى، فقال مجفر: لا أقالنا الله إذاً، فقال قتيبة:
ثم
دعا ببرذون له مدرب ليركبه، فجعل يمنعه الركوب حتى أعيا. فلما رأى ذلك عاد إلى سريره فجلس، وقال: دعوه؛ فإن هذا أمر يراد. وجاء حيان
النبطي - وهو يومئذ أمير الموالي، وعدتهم سبعة آلاف، وكان واجداً على قتيبة - فقال له عبد الله بن مسلم أخو قتيبة: احمل يا
حيان، فقال: لم يأن بعد، فقال له: ناولني قوسك، فقال
حيان: ليس هذا بيوم قوس. ثم قال حيان لابنه: إذا رأيتني قد حولت قلنسوتي، ومضيت نحو عسكر وكيع فمل بمن
معك من العجم إلي، فلما حول حيان قلنسوته ومضى نحو عسكر وكيع، مالت الموالي معه
بأسرها، فبعث قتيبة أخاه صالح بن مسلم إلى الناس، فرماه رجل من بني ضبة فأصاب
رأسه، فحمل إلى قتيبة ورأسه مائل، فوضعه على مصلاه، وجلس عند رأسه ساعة، وتهايج
الناس، وأقبل عبد الرحمن بن مسلم أخو قتيبة نحوهم،
فرماه الغوغاء وأهل السوق فقتلوه، وأشير على قتيبة بالانصراف، فقال: الموت أهون
من الفرار. وأحرق وكيع موضعاً كانت فيه إبل قتيبة ودوابه، وزحف بمن معه حتى دنا
منه، فقاتل دونه رجل من أهله قتالاً شديداً، فقال
له قتيبة: انج بنفسك، فإن مثلك يضن به عن القتل، قال: بئسما جزيتك به
أيها الأمير إذاً، وقد أطعمتني الجرذق ، وألبستني النمرق . وتقدم الناس حتى بلغوا فسطاط قتيبة، فأشار عليه نصحاؤه بالهرب، فقال: إذا لست لمسلم بن
عمرو! ثم خرج إليهم بسيفه يجالدهم، فجرح جراحات
كثيرة، حتى ارتث وسقط، فأكبوا عليه، فاحتزوا رأسه، وقتل من معه من إخوته عبد
الرحمن، وعبد الله وصالح، والحصين، وعبد الكريم، ومسلم، وقتل معه جماعة من أهله
وعدة من قتل معه من أهله وإخوته أحد عشر رجلاً.
وصعد وكيع بن أبي سود المنبر وأنشد:
إن
قتيبة أراد قتلي، وأنا قتال الأقران، ثم أنشد:
ثم
قال: أنا أبو مطرف، يكررها مراراً، ثم قال:
ثم أخذ بلحيته، وقال: إني لأقتلن ثم لأقتلن ولأصلبن ثم لأصلبن، إن مرزبانكم هذا
ابن الزانية، قد أغلى أسعاركم، والله لئن لم يصر القفيز بأربعة دراهم لأصلبنه،
صلوا على نبيكم. ثم ذهب إلى الأزد، فأخذ الرأس وأتاه به، فسيره إلى سليمان بن عبد الملك، فأدخل عليه ومعه
رؤوس إخوته وأهله، وعنده الهذيل بن زفر بن الحارث
الكلابي، فقال: أساءك هذا يا هذيل؟ فقال: لو
ساءني لساء ناساً كثيراً. فقال سليمان: ما
أردت هذا كله، وإنما قال سليمان ذاك للهذيل، لأن قيس عيلان تجمع كلاباً وباهلة،
قالوا: ما ولي خراسان أحد كقتيبة بن مسلم؛ ولو
كانت باهلة في الدناءة والضعة واللؤم إلى أقصى غاية،
لكان لها بقتيبة الفخر على قبائل العرب. فقيل له:
أيهما كان أعظم عندكم وأهيب؟ قال: لو كان قتيبة بأقصى حجرةٍ في المغرب، مكبلاً
بالحديد والقيود، ويزيد معنا في بلدنا والٍ علينا، لكان قتيبة أهيب في صدورنا
وأعظم، وقال عبد الرحمن بن جمانة الباهلي يرثي
قتيبة:
عبهر:
أم ولد له.
حض
منصور بن عمار في قصصه على الغزو والجهاد، فطرحت في المجلس صرة فيها شيء، ففتحت
فإذا فيها ضفيرتا امرأة، وقد كتبت: رأيتك
يابن عمار تحض على الجهاد، ووالله إني لا أملك لنفسي مالاً، ولا أملك سوى ضفيرتي
هاتين، وقد ألقيهما إليك، فتالله إلا جعلتهما قيد فرسٍ غازٍ في سبيل الله، فلعل
الله أن يرحمني بذلك، فارتج المجلس بالبكاء
والضجيج.
عبد
الله بن ثعلبة الأزدي:
مجير
الجراد أبو حنبل حارثة بن مر الطائي، أجاز جراداً نزل به ومنع من صيده، حتى طار
من أرضه، فسمي مجير الجراد.
وقال
يحيى بن منصور الحنفي:
وقال
آخر:
حاصرت
الترك مدينة برذعة من أعمال أذربيجان في أيام هشام بن عبد الملك حصاراً شديداً،
واستضعفتها وكادت تملكها، وتوجه إليها لمعاونتها سعيد الحرشي من قبل هشام بن عبد
الملك في جيوش كثيفة، وعلم الترك بقربه منهم فخافوا، وأرسلوا سعيد واحداً من
أصحابه إلى أهل برذعة سراً يعرفهم وصوله، ويأمرهم بالصبر خوفاً ألا يدركهم، فسار
الرجل، ولقيه قوم من الترك، فأخذوه وسألوه عن حاله، فكتمهم
فعذبوه، فأخبرهم وصدقهم فقالوا: إن فعلت ما نأمرك به أطلقناك، وإلا قتلناك،
فقال: ما تريدون؟ قالوا: أنت عارف بأصحابك ببرذعة وهم يعرفونك، فإذا وصلت
تحت السور فنادهم: إنه ليس خلفي مدد، ولا من يكشف ما بكم، وإنما بعثت جاسوساً. فأجابهم
إلى ذلك، فلما صار تحت سورها، وقف حيث يسمع أهلها كلامه، وقال لهم: أتعرفونني؟
قالوا: نعم، أنت فلان ابن فلان. قال:
فإن سعيداً الحرشي قد وصل إلى مكان كذا في مائة ألف سيف، وهو يأمركم بالصبر وحفظ
البلد، وهو مصبحكم أوممسيكم، فرفع أهل برذعة
أصواتهم بالتكبير، وقتلت الترك ذلك الرجل، ورحلوا عنها ووصل سعيد فوجد أبوابها مفتوحة وأهلها سالمين، وقال
الراجز:
أشرف
معاوية يوماً فرأى عسكر علي عليه السلام بصفين فهاله، فقال: من طلب عظيماً خاطر
بعظيمته، وقال الكلحبة:
ومن
شعر الحماسة :
ومنه
أيضاً: وفي الشر نجاة حين لا ينجيك إحسان.
ومنه
أيضاً :
ومنه
أيضاً:
ومنه
أيضاً :
ومنه
أيضاً :
ومنه
أيضاً :
ومنه
أيضاً :
ومنه
أيضاً :
كتب عبد الحميد بن يحيى عن مروان بن محمد إلى أبي مسلم كتاباً،
حمل على جملٍ لعظمه وكثرته. وقيل:
إنه لم يكن في الطول إلى هذه الغاية، وقد حمل على جمل تعظيماً لأمره، وقال لمروان بن محمد: إن قرأه خالياً نخب قلبه،
وإن قرأه في ملأ من أصحابه ثبطهم وخذلهم، فلما وصل
إلى أبي مسلم أحرقه بالنار ولم يقرأه، وكتب على بياض كان على رأسه وأعاده إلى
مروان:
ويقال: إن أول الكتاب كان: لو أراد الله بالنملة صلاحاً، لما أنبت لها جناحاً. وكتب أبو
مسلم إلى نصر بن سيار، وهو أول كتاب صدر عن أبي
مسلم إلى نصر، وذلك حين لبس السواد، وأعلن
بالدعوة في شهر رمضان من سنة سبع وعشرين ومائة: أما بعد، فإن الله جل
ثناؤه ذكر أقواماً فقال: " وأقسموا بالله جهد
أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا
نفوراً، استكباراً في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، فهل
ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً
" . الرضي الموسوي رحمه الله تعالى:
وله:
ومن أهل الإباء الذين كرهوا الدنية واختاروا عليها المنية، عبد
الله بن الزبير، تفرق عنه -لما حاربه الحجاج بمكة، وحصره في الحرم - عامة
أصحابه، وخرج كثير منهم إلى الحجاج في الأمان؛ حتى حمزة
وخبيب ابناه، فدخل عبد الله على أمه أسماء
بنت أبي بكر الصديق، وكانت قد كف بصرها، وهي
عجوز كبيرة، فقال لها: خذلني الناس حتى ولدي
وأهلي، ولم يبق معي إلا من ليس عنده من الدفع أكثر من ساعة، والقوم يعطونني من
الدنيا ما سألت، فما رأيك؟ فقالت: أنت يا
بني أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له، فقد قتل أكثر
أصحابك، فلا تمكن من رقبتك يتلاعب بها غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا
فبئس العبد أنت! أهلكت نفسك، وأهلكت من قتل معك، وإن كنت قاتلت على الحق، فما
وهن أصحابك إلا ضعفت، فليس هذا فعل الأحرار ولا أهل الدين. وكم خلودك في الدنيا!
القتل أحسن. اللهم إني لا أقول هذا
تزكيةً لنفسي، أنت أعلم بي؛ ولكني أقوله تعزيةً لأمي لتسلو عني. فقالت:
إني لأرجو من الله أن يكون عزائي فيك حسناً إن
تقدمتني؛ فاخرج لأنظر إلى ماذا يصير أمرك! فقال:
جزاك الله خيراً يا أمي! فلا تدعي الدعاء لي حياً
وميتاً. قالت: لا أدعه
أبداً، فمن قتل على باطلٍ فقد قتلت على حق، ثم قالت: اللهم ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل، وذلك النحيب
في الظلماء، وذلك الصوم في هواجر مكة والمدينة، وبره بأبيه وبي؛ اللهم إني قد
أسلمت لأمرك، ورضيت بما قضيت فيه، فأثبني عليه ثواب الصابرين.
وأقام أهل الشام على كل باب من أبواب الحرم رجالاً وقائداً؛ فكان لأهل حمص الباب الذي يواجه
الكعبة، ولأهل دمشق باب بني شيبة، ولأهل الأردن باب الصفا، ولأهل فلسطين باب
جمح، ولأهل قنسرين باب بني سهم. وخرج ابن الزبير فمرة يحمل ههنا ومرة يحمل ههنا،
وكأنه أسد لا يقدم عليه الرجال، وأرسلت إليه زوجته: أأخرج فأقاتل معك؟ فقال: لا،
وأنشد:
فلما
كان الليل، قام يصلي إلى قريب السحر ثم أغفى محتبياً بحمائل سيفه، ثم قام فتوضأ
وصلى، وقرأ " ن والقلم وما يسطرون "، ثم قال بعد إنقضاء صلاته: من كان
عني سائلاً فإني في الرعيل الأول، ثم أنشد:
ثم
حمل حتى بلغ الحجون ، فرمي بآجرة، فأصابت وجهه فدمي، فلما وجد سخونة الدم يسيل
على وجهه، أنشد:
ثم
حمل على أهل الشام فغاص فيهم، واعتوروه بأسيافهم حتى سقط، وجاء الحجاج فوقف عليه
وهو ميت، ومعه طارق بن عمرو، فقال: ما ولدت النساء أذكر من هذا! وبعث برأسه إلى
المدينة، فنصب بها، ثم حمل إلى عبد الملك.
وقال
ابن حيوس:
وله
أيضاً:
وممن تقبل مذاهب الأسلاف في إباء الضيم والكراهية الذل، واختار
القتل على ذلك وأن يموت كريماً؛ أبو الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب عليه السلام،
أمه أم ولد، وكان السبب في خروجه وخلعه طاعة بني مروان، أنه كان يخاصم عبد الله
بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام في
صدقات علي عليه السلام،
هذا يخاصم عن بني حسين، وهذا عن بني حسن، فتنازعا يوماً عند خالد بن عبد الملك
بن الحارث بن الحكم أمير المدينة، فأغلظ كل واحد منهما لصاحبه، فسر خالد بن عبد الملك بذلك، وأعجبه سبابهما وقال لهما
حين سكنا: اغدوا علي، فلست بابن عبد الملك إن لم أفصل بينكما غداً، فباتت
المدينة تغلي كالمرجل، فمن قائل يقول: قال
زيد كذا، وقائل يقول: قال عبد الله كذا، فلما كان الغد جلس خالد في المسجد، وجمع الناس؛ فمن بين
شامت، ومغموم، ودعا بهما وهو يحب أن يتشاتما، فذهب عبد الله يتكلم، فقال
زيد: لا تعجل يا أبا محمد، أعتق زيد ما يملك إن خاصمك إلى خالد أبداً، ثم أقبل على خالد، فقال له: أجمعت ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمرٍ ما كان يجمعهم عليه أبو بكر ولا عمر، فقال خالد: أما لهذا السفيه أحد يكلمه! فتكلم رجل من الأنصار من آل عمرو بن حزم، فقال: يابن أبي تراب، ويابن حسين السفيه!
أما ترى عليك لوالٍ حقاً ولا طاعة! فقال زيد: اسكت أيها القحطاني، فإنا لا نجيب
مثلك، فقال الأنصاري: ولم ترغب عني! فوالله
إني لخير منك، وأبي خير من أبيك، وأمي خير من أمك! فتضاحك زيد، وقال: يا معشر قريش؛ هذا الدين قد ذهب؛ أفذهبت الأحساب! فتكلم عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فقال: كذبت أيها القحطاني، والله لهو خير
منك نفساً وأباً وأماً ومحتداً ، وتناوله بكلام كثير، وأخذ كفاً من الحصا، فضرب
به الأرض، وقال: إنه والله ما لنا على هذا من صبر، وقام. فقام زيد أيضاً، وشخص من فوره إلى هشام بن عبد الملك، فجعل هشام لا يأذن له
وزيد يرفع إليه القصص، وكلما رفع إليه قصة كتب هشام في أسفلها: ارجع إلى أرضك، فيقول زيد: والله لا أرجع إلى ابن
الحارث أبداً. ثم أذن له بعد حبسٍ طويل وهشام في علية له،
فرقي زيد إليها، وقد أمر هشام خادماً له أن يتبعه
حيث لا يراه زيد، ويسمع ما يقول. فأخبر الخادم هشاماً بذلك، فلما قعد زيد بين يدي هشام وحدثه حلف له على شيء، فقال هشام: لا أصدقك، فقال
زيد: إن الله لا يرفع أحداً عن أن يرضى بالله، ولم يضع أحداً عن أن يرضى
بذلك منه. قال له هشام:
إنه بلغني أنك تذكر الخلافة وتتمناها، ولست هناك! لأنك ابن أمة، فقال زيد: إن لك جواباً،
قال: تكلم، قال: إنه ليس أحد أولى بالله، ولا أرفع درجة عنده من نبي
ابتعثه؛ وهو إسماعيل بن إبراهيم، وهو ابن أمة،
قد اختاره الله لنبوته، وأخرج منه خير البشر، فقال
هشام: فما يصنع أخوك البقرة! فغضب زيد،
حتى كاد يخرج من إهابه، ثم قال: سماه رسول
الله صلى الله عليه وسلم الباقر وتسميه أنت البقرة! لشد ما اختلفتما! لتخالفنه في الآخرة، كما خالفته في الدنيا،
فيرد الجنة وترد النار. فأخرج زيد وأشخص إلى المدينة، ومعه نفر يسيرونه حتى طردوه عن
حدود الشام،
فلما فارقوه عدل إلى العراق، ودخل الكوفة
وبايع نفسه، فأعطاه البيعة أكثر أهلها، والعامل
عليها وعلى العراق يومئذ يوسف بن عمر الثقفي، فكان بينهما من الحرب ما هو مذكور في كتب التواريخ. وخذل أهل الكوفة زيداً، وتخلف معه ممن تابعه نفر يسير، وأبلى
بنفسه بلاءً حسناً وجهاداً عظيماً، حتى أتاه سهم غرب ، فأصاب جانب جبهته اليسرى،
فثبت في دماغه فحين نزع منه مات عليه السلام.
العلوي
البصري صاحب الزنج يقول:
وقال
أيضاً:
بعض
الطالبيين:
بعض
الخوارج يصف أصحابه:
وفي الحديث المرفوع: " خلقان يحبهما الله: الشجاعة والسخاء ". دخل نصر بن راشد العبدي على امرأته في حرب الترك بخراسان في
ولاية الجنيد بن عبد الرحمن المري في خلافة هشام بن عبد الملك، والناس يقتتلون،
فقال لها:
كيف تكونين إذا أتيت بي في لبدٍ قتيلاً مضرجاً بالدماء؟ فشقت جيبها، ودعت
بالويل،
فقال: حسبك! لو أعولت علي كل أنثى لعصيتها شوقاً إلى الجنة. ثم خرج فقاتل حتى قتل، وحمل إلى امرأته في لبد
ودمه يقطر من خلاله، قال أبو الطيب المتنبي:
وقال:
وقال:
قيل لأبي مسلم في أيام صباه: نراك تنظر إلى السماء كثيراً كأنك تسترق السمع، أو تنتظر
نزول الوحي! قال:
لا، ولكن لي همة عالية، ونفس تتطلع إلى معالي الأمور، مع عيش كعيش الهمج
والرعاع، وحال متناهية في الاتضاع. قيل:
فما الذي يشفي علتك، ويروي غلتك؟ قال:
الملك، قيل: فاطلب الملك، قال: إن الملك لا يطلب هكذا. قيل: فما
تصنع وأنت تذوب حسراً ، وتموت كمداً؟ قال:
سأجعل بعض عقلي جهلاً، وأطلب به ما لا يطلب إلا بالجهل، وأحرس بالباقي ما لا
يحرس إلا بالعقل، فأعيش بين تدبير ضدين، فإن الخمول أخو العدم، والشهرة أخت
الكون.
وقال:
كان
ثابت قطنة في خيل عبد الله بن بسطام في فتح شكند من بلاد الترك في أيام هشام بن
عبد الملك، فاشتدت شوكة الترك، وانحاز كثير من المسلمين واستؤسر منهم خلق، فقال ثابت: والله لا ينظر إلي بنو أمية غداً
مشدوداً في الحديد، أطلب الفداء؛ اللهم إن كنت ضيف ابن بسطام البارحة، فاجعلني
ضيفك الليلة، ثم حمل وحمل معه جماعة،
فكسرتهم الترك، فرجع أصحابه وثبت هو، فرمي برذونه فشب، وضربه فأقدم، فصرع ثابت وارتث، فقال: اللهم إنك استجبت دعوتي
وأنا الآن ضيفك، فاجعل قراي الجنة؛ فنزل تركي فأجهز عليه. لما
حبس مروان بن محمد إبراهيم الإمام خرج أبو العباس السفاح، وأخوه أبو جعفر، وعبد
الوهاب ومحمد ابنا إبراهيم الإمام، وعيسى وصالح وإسماعيل وعبد الله وعبد الصمد
أبناء علي بن عبد الله بن العباس، وعيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن
العباس، ويحيى بن جعفر بن تمام بن العباس، من الحميمة من أرض الشراة، يطلبون
الكوفة، وقد كان داود بن علي بن عبد الله بن العباس وابنه موسى بن داود بالعراق،
فخرجا يطلبان الشام، فتلقاهما أبو العباس وأهل بيته بدومة الجندل ، فسألهم داود عن خروجهم، فأخبروه أنهم يريدون الكوفة
ليظهروا بها، ويدعوا إلى البيعة لأبي العباس.
فقال
داود لابنه موسى: صدق ابن عمك، ارجع بنا معه، فإما أن نهلك أو نموت كراماً.
وله:
وقال
آخر:
خطب الحجاج،
فشكا سوء طاعة أهل العراق، فقام إليه جامع المحاربي،
فقال: أيها الأمير، دع ما يباعدهم منك إلى ما يقربهم إليك، والتمس
العافية ممن دونك تعطها ممن فوقك، فلو أحبوك لأطاعوك، إنهم ما شنأوك ينسبك ولا
لبأوك، ولكن لإيقاعك بعد وعيدك، ووعيدك بعد وعدك.
ومن الشعر الجيد في تحسين الإباء والحمية والتحريض على النهوض
والحرب وطلب الملك والرياسة، قصيدة عمارة اليمني شاعر المصريين في فخر الدين
توران شاه بن أيوب، التي يغريه فيها بالنهوض إلى اليمن، والاستيلاء على ملكها، وصادفت هذه القصيدة محلاً قابلاً، وملك توران شاه اليمن بما هزت هذه القصيدة من عطفه، وحركت
من عزمه، وأولها:
-
كذب، لم يظهر الدين الحنيف المقدس على الأديان بسعي البشر، بل بالتأييد الإلهي،
والسر الرباني، صلوات الله وسلامه على القائم به، والمتحمل له -
ومن أباة الضيم الذين اختاروا القتل على الأسر، والموت على
الدنية، مصعب بن الزبير،
كان أمير العراقين من قبل عبد الله بن الزبير، وكان قد كسر جيوش عبد الملك مراراً، وأعياه أمره، فخرج إليه من الشام بنفسه، فليم في ذلك، وقيل له:
إنك تغرر بنفسك وخلافتك، فقال: إنه لا يقوم لحرب مصعبٍ غيري؛ هذا أمر يحتاج إلى أن يقوم به
شجاع ذو رأي، وربما بعثت شجاعاً ولا رأي له، أو ذا رأيٍ ولا شجاعة عنده، وأنا
بصير بالحرب، شجاع بالسيف، فلما أجمع الخروج إلى
حرب مصعب، جاءته امرأته عاتكة بنت يزيد بن معاوية، فالتزمته، وبكت
لفراقه، وبكى جواريها حولها، فقال عبد الملك:
قاتل الله ابن أبي جمعة ! كأنه شاهد هذه الصورة حيث
يقول:
فسار
عبد الملك حتى إذا كان بمسكن من أرض العراق، وقد
دنا منه عسكر مصعب، تقاعد بمصعب أصحابه وقواده وخذلوه، فقال لابنه عيسى: الحق بمكة فانج بنفسك، وأخبر عمك
عبد الله بما صنع أهل العراق بي، ودعني فإني مقتول، فقال: لا تتحدث نساء قريش
أني فررت عنك، ولكن أقاتل دونك حتى نقتل، فالفرار
عار، ولا عار في القتل، ثم قاتل دونه حتى قتل. وخف من يحامي عن مصعب من أهل العراق، وأيقن بالقتل، فأنفذ عبد
الملك إليه أخاه محمد ابن مروان، فأعطاه الأمان وولاية العراقين أبداً ما دام
حياً، وألفي ألف درهم صلة، فأبى وقال: إن مثلي لا ينصرف عن هذا المكان إلا غالباً أو مقتولاً، فشد عليه أهل الشام ورموه بالنبل فأثخنوه، وطعنه زائدة بن
قيس بن قدامة السعدي، ونادى: يا لثارات المختار! فوقع إلى الأرض، فنزل
إليه عبد الملك بن زياد بن ظبيان، فاحتز رأسه،
وحمله إلى عبد الملك.
ثم
أرسل إليها وأشخصها، فشهدت معه حرب عبد الملك،
فدخل عليها يوم قتل، وقد نزع ثيابه ثم لبس غلالة، وتوشح بثوب واحد، وهو محتضن
سيفه، فعلمت أنه غير راجع، فصاحت: واحزناه عليك يا مصعب! فالتفت إليها، وقال: إن كل هذا في قلبك! قالت: وما أخفي أكثر. قال: لو كنت أعلم هذا لكان لي ولك شأن، ثم خرج فلم يرجع. سئل سالم بن عبد الله بن عمر، أي ابني الزبير أشجع؟ فقال: كلاهما
جاءه الموت، وهو ينظر إليه.
كان ابن ظبيان، يقول: ما ندمت على شيء ندمي على ألا أكون لما حملت
إلى عبد الملك رأس مصعب فسجد قتلته في سجدته، فأكون قد قتلت ملكي العرب في يوم
واحد. كان
مصعب لما خرج إلى حرب عبد الملك سأل الحسين بن علي عليه السلام، وكيف كان قتله؟ فجعل عروة بن
المغيرة يحدث عن ذلك، فقال متمثلاً بقول سليمان بن قتة:
قال عروة:
فعلمت أن مصعباً لا يفر.
وروى أبو الفرج في كتاب الأغاني: خطبة عبد الله بن الزبير في قتل
مصعب برواية هي أتم مما ذكرناه نحن فيما تقدم، قال: لما أتى خبر المصعب إلى مكة، أضرب عبد الله بن الزبير عن ذكره أياماً؛ حتى تحدث به
جميع أهل مكة في الطريق، ثم صعد المنبر فجلس عليه ملياً لا يتكلم، فنظر الناس
إليه؛ وإن الكآبة على وجهه لبادية، وإن جبينه ليرشح عرقاً، فقال واحد لآخر: ما له لا يتكلم؟ أتراه يهاب
النطق! فوالله إنه لخطيب.؟ فما تراه يهاب؟
قال: أراه يريد أن يذكر قتل المصعب سيد العرب،
فهو يقطع بذلك. فابتدأ فقال: الحمد لله الذي له الخلق والأمر، ملك
الدنيا والآخرة، يعز من يشاء، ويذل من يشاء؛ ألا إنه لا يذل من كان الحق معه وإن
كان مفرداً ضعيفاً، ولا يعز من كان الباطل معه، وإن كان ذا عدد وكثرة. ثم قال:
أتانا خبر من العراق، بلد الغدر والشقاق، فساءنا
وسرنا، أتانا أن مصعباً قتل رحمه الله، فأما
الذي أحزننا من ذلك فأن لفراق الحميم لذعة ولوعة، يجدها حميمه عند
المصيبة، ثم يرعوي ذو الرأي والدين إلى جميل الصبر، وأما
الذي سرنا منه؛ فأن قتله كان شهادة؛ وإن الله جاعل لنا وله في ذلك
الخيرة. ألا إن أهل العراق باعوه بأقل الأثمان
وأخسرها، وأسلموه إسلام النعم المخطمة فقتل، وإن قتل لقد قتل أبوه وعمه وأخوه،
وكانوا الخيار الصالحين، وإنا والله ما نموت حتف
آنافنا، ما نموت إلا قتلاً قتلاً، وقعصاً قعصاً، بين قصد الرماح، وتحت ظلال
السيوف؛ ليس كما تموت بنومروان؛ والله ما قتل منهم رجل في جاهلية ولا إسلام؛
وإنما الدنيا عارية من الملك القهار الذي لا يزول سلطانه، ولا يبيد ملكه، فإن
تقبل الدنيا علي لا آخذها أخذ اللئيم البطر، وإن تدبر عني لا أبكي عليها بكاء
الخرف المهتر. ثم نزل. وقال الطرماح بن حكيم ، وكان يرى رأي الخوارج:
قال ابن شبرمة:
مررت يوماً في بعض شوارع الكوفة، فإذا بنعشٍ حوله رجال، وعليه مطرف خز أخضر،
فسألت عنه فقيل: الطرماح، فعلمت أن الله لم يستجب
له، وقال محمد بن هانئ:
الرضي الموسوي رحمه الله تعالى:
وله رحمه الله:
أبو الطيب المتنبي:
ابن الهبارية:
الهمم العلية، والمهج الأبية، تقرب المنية، منك أو الأمنية.
وله أيضاً:
وله أيضاً:
أخذ
هذا اللفظ أبو عبادة البحتري فقال:
وقال
الرضي رحمه الله تعالى:
قعد
سليمان بن عبد الملك يعرض ويفرض، فأقبل فتىً
من بني عبس وسيم، فأعجبه، فقال: ما اسمك؟ قال: سليمان، قال: ابن من؟ قال: ابن عبد الملك، فأعرض عنه، وجعل يفرض لمن
دونه، فعلم الفتى أنه كره موافقة اسمه واسم أبيه، فقال: يا أمير المؤمنين لا
عدمت اسمك، ولا شقي اسم يوافق اسمك! فافرض، فإنما أنا سيف بيدك، إن ضربت به
قطعت، وإن أمرتني أطعت، وسهم في كنانتك ، أشتد إن أرسلت، وأنفذ حيث وجهت. فقال له سليمان، وهو يروزه ويختبره: ما قولك يا فتى، لو لقيت عدواً؟ قال:
أقول: حسبي الله ونعم الوكيل. قال سليمان:
أكنت مكتفياً بهذا لو لقيت عدوك دون ضرب شديد! قال الفتى:
إنما سألتني يا أمير المؤمنين، ما أنت قائل فأخبرتك، ولو
سألتني: ما أنت فاعل لأنبأتك، إنه لوكان ذلك لضربت بالسيف حتى يتعقف،
ولطعنت بالرمح حتى يتقصف، ولعلمت إن ألمت فإنهم يألمون، ولرجوت من الله ما لا
يرجون، فأعجب سليمان به وألحقه في العطاء بالأشراف، وتمثل:
السر
تحت قوله: ثم لم يكن على أهله كلاه، يقال في المثل: لا تكن كلاً على أهلك فتهلك.
الرضي الموسوي رحمه الله تعالى:
ومن أباة الضيم ومؤثري الموت على الحياة الذليلة محمد وإبراهيم، ابنا
عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام. لما أحاطت عساكر عيسى بن موسى بمحمد
وهو بالمدينة، قيل له: انج بنفسك، فإن لك خيلاً
مضمرة ونجائب سابقة ، فاقعد عليها، والتحق بمكة أو باليمن. قال: إني إذاً لعبد! وخرج إلى الحرب يباشرها بنفسه وبمواليه، فلما أمسى تلك الليلة وأيقن بالقتل، أشير عليه بالاستتار،
فقال: إذن يستعرض عيسى أهل المدينة بالسيف، فيكون لهم يوم كيوم الحرة ،
لا والله لا أحفظ نفسي بهلاك أهل المدينة، بل أجعل دمي دون دمائهم. فبذل له عيسى
الأمان على نفسه وأهله وأمواله، فأبى ونهد إلى الناس بسيفه، لا يقاربه أحد إلا قتله،
لا والله ما يبقي شيئاً، وإن أشبه خلق الله به فيما ذكر
هو حمزة بن عبد المطلب. ورمى بالسهام، ودهمته الخيل، فوقف إلى ناحية
جدارٍ، وتحاماه الناس فوجد الموت، فتحامل على سيفه فكسره؛ فالزيدية تزعم أنه كان سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا
الفقار. فمطرت
السماء وقت الزوال؛ وقتل محمد عليه السلام؛
وكان عندهم مشهوراً أن آية قتل النفس الزكية أن يسيل دم بالمدينة حتى يدخل بيت
عاتكة، فكانوا يعجبون كيف يسيل الدم حتى يدخل ذلك البيت! فأمطرت السماء ذلك اليوم، وسال الدم بالمطر
حتى دخل بيت عاتكة، وأخذ جسده، فحفر له حفيرة في الموضع الذي حده لهم، فوقعوا
على صخرة فأخرجوها، فإذا فيها مكتوب: هذا قبر الحسن بن علي بن أبي طالب عليه
السلام، فقالت زينب أخت محمد عليه السلام:
رحم الله أخي، كان أعلم حيث أوصى أن يدفن في هذا الموضع.
فقلت له: ما أجود هذه الأبيات وأفحلها! فلمن هي؟ فقال: هذه يقولها ضرار بن الخطاب الفهري يوم عبر الخندق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمثل بها علي بن أبي
طالب يوم صفين، والحسين يوم الطف، وزيد بن علي يوم السبخة، ويحيى بن زيد يوم
الجوزجان؛
فتطيرت له من تمثله بأبيات لم يتمثل بها أحد إلا
قتل. ثم سرنا إلى باخمرى ،
فلما قرب منها أتاه نعي أخيه محمد، فتغير لونه وجرض بريقه، ثم أجهش
باكياً، وقال: اللهم إن كنت تعلم أن محمداً خرج يطلب مرضاتك، ويؤثر أن تكون
كلمتك العليا، وأمرك المتبع المطاع؛ فاغفرله وارحمه، وارض عنه، واجعل ما نقلته
إليه من الآخرة خيراً مما نقلته عنه من الدنيا؛ ثم
انفجر باكياً ثم تمثل:
قال
المفضل: فجعلت أعزيه وأعاتبه على ما ظهر من جزعه، فقال: إني والله في هذا، كما
قال دريد بن الصمة:
قال
المفضل: ثم ظهرت لنا جيوش أبي جعفر مثل الجراد، فتمثل
إبراهيم عليه السلام قوله:
فقلت
له: من يقول هذا الشعر يابن رسول الله؟ فقال: يقوله خالد بن جعفر بن كلاب يوم
شعب جبلة، وهذا اليوم الذي لقيت فيه قيس تميماً. قال: وأقبلت عساكر أبي جعفر، فطعن
رجلاً وطعنه آخر، فقلت له: أتباشر القتال بنفسك! وإنما العسكر منوط بك، فقال:
إليك يا أخا بني ضبة، فإني لكما قال عويف القوافي :
والتحمت
الحرب واشتدت، فقال: يا مفضل، احكني بشيء؛ فذكرت أبياتاً لعويف القوافي لما كان
ذكره هو من شعره، فأنشدته:
فقال:
أعد، وتبينت من وجهه أنه يستقتل، فانتهيت وقلت: أو غير ذلك؟ فقال: لا، بل أعد
الأبيات، فأعدتها، فتمطى في ركابيه فقطعهما، وحمل فغاب عني، وأتاه سهم عائر
فقتله، وكان آخر عهدي به عليه السلام.
فالغلق:
الضجر وضيق الصدر والحدة، يقال: احتد فلان فنشب في حدته وغلق. والسورة: الوثوب،
يقال: إن لغضبه لسورة، وإنه لسوار، أي وثاب معربد. وسورة الشراب: وثوبه في
الرأس؛ وكذلك سورة السم، وسورة السلطان: سطوته واعتداؤه. وأما قوله:
لمثلكم نحمل السيوف، فمعناه أن غيرهم ليس بكفء لنا لنحمل له السيوف وإنما نحملها
لكم، لأنكم أكفاؤنا، فنحن نحاربكم على الملك والرياسة، وإن كانت أحسابنا واحدة،
وهي شريفة لا مغمز فيها، والرقق: بفتح الراء: الضعف؛ ومنه قول الشاعر:
وقوله:
تكحل يوم الهياج بالعلق فالعلق الدم؛ يريد أن عيونهم حمر لشدة الغيظ والغضب؛
فكأنها كحلت بالدم، وقوله: لكن بنيت على الصبر، أي خلقت وبنيت بنية تقتضي الصبر. والشرف الأعلى:
العالي، وبنو أبي بكر بن كلاب، من قيس عيلان، ثم أحد بني عامر بن صعصعة. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
شريعة
الفرات بين معاوية وعلي
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما
حديث الماء وغلب أصحاب معاوية على شريعة الفرات بصفين، فنحن
نذكره من كتاب صفين لنصر بن مزاحم.
وكتب
بعده:
فأمر
علي عليه السلام أن يوزع الناس عن القتال، حتى أخذ أهل الشام مصافهم ثم قال:
أيها الناس، إن هذا موقف، من نطف فيه نطف يوم القيامة، ومن فلج فيه فلج يوم
القيامة، ثم قال لما رأى نزول معاوية بصفين:
قال
نصر: وكتب علي عليه السلام إلى معاوية جواب كتابه، أما بعد:
وكتب
بعده:
قال:
قد تراجع الناس كل من الفريقين إلى معسكرهم، وذهب شباب من الناس إلى أن يستقوا
فمنعهم أهل الشام. والسوية:
كساء محشو بثمام ونحوه، كالبرذعة. وكرب القيد، إذا ضيقه على المقيد، وقيد مكروب،
أي ضيق، يقول: لا تنزع برذعة حمارك عنه واربطه وقيده، وإلا أعيد إليك وقيده ضيق.
وهذا مثل ضربه لعلي عليه السلام، يأمره فيه بأن يردع جيشه عن التسرع والعجلة في
الحرب.
والشعر لعبد الله بن عنمة الضبي، من بني السيد، ومن جملته:
فأما قوله عليه السلام: هذا موقف من نطف فيه نطف يوم القيامة، أي من تلطخ فيه بعيب
من فرار أو نكول عن العدو. والعرام، بالضم: الشراسة والهوج. والعشنزر:
الشديد القوي. والمزج، بكسر الميم: السريع النفوذ، وأصله
الرمح القصير، كالمزراق. والأبيات البائية لربيعة بن مقروم الطائي. قال نصر: حدثنا عمر بن سعد، عن يوسف بن يزيد، عن عبد الله بن عوف
بن الأحمر، قال:
لما قدمنا على معاوية وأهل الشام بصفين، وجدناهم قد نزلوا منزلاً مستوياً بساطاً
واسعاً، وأخذوا الشريعة فهي في أيديهم؛ وقد صف عليها أبو الأعور الخيل والرجالة،
وقدم الرامية ومعهم أصحاب الرماح والدرق ، وعلى رؤوسهم البيض، وقد أجمعوا أن
يمنعونا الماء، ففزعنا إلى أمير المؤمنين عليه
السلام فأخبرناه بذلك، فدعا صعصعة بن صوحان
فقال: ائت معاوية وقل له: إنا سرنا
إليك مسيرنا هذا وأنا كره لقتالكم قبل الإعذار إليكم، وإنك قدمت خيلك، فقاتلتنا
قبل أن نقاتلك، وبدأتنا بالحرب؛ ونحن ممن رأينا الكف حتى ندعوك ونحتج عليك؛ وهذه
أخرى قد فعلتموها، قد حلتم بين الناس وبين الماء، فخل بينهم وبينه حتى ننظر فيما
بيننا وبينكم، وفيما قدمنا له وقدمتم له؛ وإن كان أحب إليك، أن ندع ما جئنا له،
وندع الناس يقتتلون حتى يكون الغالب هو الشارب، فعلنا. فقال الوليد بن عقبة: امنعهم الماء كما منعوه ابن عفان، حصروه أربعين يوماً يمنعونه
برد الماء ولين الطعام، اقتلهم عطشاً، قتلهم الله! وقال
عمرو بن العاص: خل بين القوم وبين الماء، فإنهم لن يعطشوا وأنت ريان،
ولكن لغير الماء فانظر فيما بينك وبينهم. فأعاد
الوليد مقالته. قال عبد الله بن عوف
بن أحمر: إن صعصعة لما رجع إلينا بما قال معاوية، وما كان منه وما رده
عليه؛ قلنا: وما الذي رده عليك معاوية؟ قال: لما أردت الانصراف
من عنده، قلت:
ما ترد علي؟ قال: سيأتيكم رأيي، قال: فوالله
ما راعنا إلا تسوية الرجال والصفوف والخيل، فأرسل
إلى أبي الأعور: امنعهم الماء؛ فازدلفنا والله إليهم، فارتمينا واطعنا
بالرماح، واضطربنا بالسيوف، فطال ذلك بيننا وبينهم حتى صار الماء في أيدينا؛ فقلنا: لا والله لا نسقيهم. فأرسل
إلينا علي عليه السلام
أن أخذوا من الماء حاجتكم، وارجعوا
إلى معسكركم، وخلوا بينهم وبين الماء، فإن الله قد نصركم عليهم بظلمهم وبغيهم.
فقال معاوية:
أما أنت فندري ما تقول - وهو الرأي - ولكن عمراً لا يدري. فقال عمرو: خل بينهم وبين الماء؛ فإن علياً لم يكن
ليظمأ وأنت ريان، وفي يده أعنة الخيل، وهو ينظر إلى الفرات حتى يشرب أو يموت،
وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق ومعه أهل العراق وأهل الحجاز، وقد سمعته أنا مراراً
وهو يقول: لو استمكنت من أربعين رجلاً يعني في الأمر الأول! وروى نصر، قال:
لما غلب أهل الشام على الفرات، فرحوا بالغلبة، وقال
معاوية: يا أهل الشام؛ هذا والله أول الظفر، لا سقاني الله ولا أبا سفيان
إن شربوا منه أبداً حتى يقتلوا بأجمعه عليه، وتباشر أهل الشام، فقام إلى معاوية رجل من أهل الشام همداني، ناسك يتأله
ويكثر العبادة، يعرف بمعري بن أقبل، وكان صديقاً لعمرو بن العاص وأخاً له، فقال:
يا معاوية، سبحان الله! لأن سبقتم القوم إلى الفرات فغلبتموهم عليه، تمنعونهم
الماء! أما والله لو سبقوكم إليه لسقوكم منه. أليس
أعظم ما تنالون من القوم أن تمنعوهم الفرات فينزلوا على فرضةٍ أخرى ويجازوكم بما
صنعتم! أما تعلمون أن فيهم العبد والأمة والأجير والضعيف، ومن لا ذنب له. هذا والله أول الجور! لقد شجعت الجبان، ونصرت
المرتاب، وحملت من لا يريد قتالك على كتفيك. فأغلظ له معاوية، وقيل لعمرو: اكفني
صديقك. فأتاه عمرو فأغلظ له، فقال الهمداني في ذلك
شعراً:
قال: ثم سار الهمداني في سواد الليل حتى لحق بعلي عليه السلام.
قال:
فحرك ذلك علياً عليه السلام، ثم مضى إلى
رايات كندة، فإذا إنسان ينشد إلى جانب منزل الأشعث، وهو يقول:
قال: فلما سمع الأشعث قول الرجل، قام فأتى علياً عليه السلام،
فقال: يا
أمير المؤمنين، أيمنعنا القوم ماء الفرات، وأنت فينا، والسيوف في أيدينا! خل عني
وعن القوم، فوالله لا نرجع حتى نرده أو نموت، ومر الأشتر فليعل بخيله، ويقف حيث
تأمره. فقال علي عليه
السلام: ذلك إليكم. فرجع الأشعث فنادى في الناس: من كان يريد الماء أو الموت فميعاده موضع كذا، فإني ناهض. فأتاه اثنا عشر ألفاً من كندة وأفناء قحطان، واضعي سيوفهم على
عواتقهم، فشد عليه سلاحه ونهض بهم؛ حتى كاد يخالط أهل الشام، وجعل يلقي رمحه، ويقول لأصحابه: بأبي
وأمي أنتم! تقدموا إليهم قاب رمحي هذا؛ فلم يزل ذلك دأبه، حتىى خالط القوم، وحسر عن رأسه، ونادى: أنا الأشعث بن قيس! خلوا عن الماء. فنادى أبو الأعور: أما والله حتى لا نأخذ وإياكم السيوف. فقال الأشعث:
قد والله أظنها دنت منا ومنكم. وكان الأشتر قد تعالى بخيله حيث أمره علي، فبعث إليه الأشعث: أقحم الخيل؛ فأقحمها حتى وضعت
سنابكها في الفرات، وأخذت أهل الشام السيوف، فولوا مدبرين. فترجل الأشعث
والأشتر، وذوو البصائر من أصحاب علي عليه السلام، وترجل معهما اثنا عشر ألفاً،
فحملوا على عمرو وأبي الأعور ومن معهما من أهل الشام، فأزالوهم
عن الماء، حتى غمست خيل علي عليه السلام
سنابكها في الماء. فقال لي عمرو:
أما والله لتعلمن اليوم أنا سنفي بالعهد، ونحكم العقد، ونلقاكم بصبر وجد. فنادى به الأشتر: يابن العاص؛ أما والله لقد
نزلنا هذه الفرضة، وإنا لنريد القتال على
البصائر والدين؛ وما قتالنا سائر اليوم إلا
حمية. ورجع معاوية بأخرة إلى قوله بعد اختلاط القوم
في الحرب؛ فإن عمراً - فيما روينا - أرسل إلى معاوية: أن خل بين القوم وبين الماء، أترى
القوم يموتون عطشاً وهم ينظرون إلى الماء! فأرسل
معاوية إلى يزيد ابن أسد القسري: أن خل بين القوم وبين الماء يا أبا عبد
الله، فقال يزيد - وكان شديد العثمانية -: كلا
والله لنقتلنهم عطشاً كما قتلوا أمير المؤمنين.
قال نصر:
فحدثني عمرو بن شمر، عن إسماعيل السدي، عن بكر بن تغلب، قال: حدثني من سمع
الأشعث يوم الفرات - وقد كان له غناء عظيم من أهل العراق، وقتل رجالاً من أهل
الشام بيده، وهو يقول: والله إن كنت لكارهاً قتال أهل الصلاة، ولكن معي من هو
أقدم مني في الإسلام، وأعلم بالكتاب والسنة، فهو الذي يسخى بنفسه.
قال:
فضربهم والله حتى خلوا له الماء.
فقال الأشتر:
ادن مني يا حارث، فدنا منه فقبل رأسه، فقال: لا يتبع رأسه اليوم إلا خير، ثم صاح الأشتر في أصحابه: فدتكم نفسي! شدوا شدة
المحرج الراجي للفرج، فإذا نالتكم الرماح فالتووا فيها، فإذا عضتكم السيوف فليعض
الرجل على نواجذه، فإنه أشد لشؤون الرأس، ثم استقبلوا القوم بهامكم .
وقال:
وكان صالح مشهوراً بالشدة والبأس، فارتجز عليه الأشتر، فقال له:
ثم شد عليه فقتله، فخرج إليه مالك بن أدهم السلماني - وهو من مشهوريهم أيضاً،
فحمل على الأشتر بالرمح فلما رهقه التوى الأشتر على فرسه ومار السنان فأخطأه، ثم
استوى على فرسه، وشد على الشامي طعناً بالرمح، ثم قتل بعده رياح بن عقيل
وإبراهيم بن وضاح، ثم برز إليه زامل بن عقيل - وكان فارساً - فطعن الأشتر في
موضع الجوشن فصرعه عن فرسه، ولم يصب مقتلاً، وشد عليه الأشتر بالسيف راجلاً فكشف
قوائم فرسه، وارتجز عليه فقال:
ثم
ضربه بالسيف وهما راجلان فقتله، ثم خرج إليه محمد بن روضة، فقال وهو يضرب في أهل
العراق ضرباً منكراً:
فشد
عليه الأشتر فقتله، وقال:
ثم برز إليه
الأجلح بن منصور الكندي - وكان من شجعان العرب
وفرسانها - وهو على فرس له اسمه لاحق، فلما
استقبله الأشتر، كره لقاءه واستحيا أن يرجع عنه، فتضاربا بسيفيهما، فسبقه الأشتر بالضربة فقتله، فقالت أخته ترثيه:
قال: وبلغ شعرها علياً عليه السلام، فقال: أما إنهن ليس بملكهن ما رأيتم من
الجزع، أما إنهم قد أضروا بنسائهم، فتركوهن أيامى حزانى بائسات. قاتل الله
معاوية! اللهم حمله آثامهم وأوزاراً وأثقالاً مع أثقاله! اللهم لا تعف عنه! قال
نصر: وحدثنا عمرو بن شمر، عن جابر، عن الشعبي، عن الحارث بن أدهم، وعن صعصعة،
قال: أقبل الأشتر يوم الماء، فضرب بسيفه جمهور أهل الشام حتى كشفهم عن الماء،
وهو يقول:
قال: وكان لواء الأشعث بن قيس مع معاوية بن الحارث، فقال له
الأشعث:
لله أبوك! ليست النخع بخير من كندة، قدم لواءك فإن الحظ لمن سبق. وحملت
الرجال بعضها على بعض، وحمل في ذلك اليوم أبو
الأعور السلمي؛ وحمل الأشتر عليه، فلم ينتصف أحدهما من صاحبه، وحمل شرحبيل بن السمط على الأشعث، فكانا كذلك،
وحمل حوشب ذو ظليم على الأشعث أيضاً، وانفصلا ولم
ينل أحدهما من صاحبه أمراً، فما زالوا كذلك حتى انكشف أهل الشام عن
الماء، وملك أهل العراق المشرعة.
قال نصر:
فقال أصحاب علي عليه السلام له: امنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك. فقال:
لا، خلوا بينهم وبينه، لا أفعل ما فعله الجاهلون، سنعرض
عليهم كتاب الله، وندعوهم إلى الهدى، فإن أجابوا، وإلا ففي حد السيف ما يغني إن
شاء الله. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
خطبة له وقد تقدم مختارها برواية ونذكر ما نذكره هنا برواية أخرى لتغاير
الروايتين :
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
ألا وإن الدنيا قد تصرمت وآذنت بانقضاء، وتنكر معروفها وأدبرت حذاء، فهي تحفز
بالفناء سكانها، وتحدو بالموت جيرانها، وقد أمر فيها ما كان حلواً، وكدر منها ما
كان صفواً، فلم يبق منها إلا سملة كسملة الإداوة، أو جرعة كجرعة المقلة، لو
تمززها الصديان لم ينقع. فوالله لو
حننتم حنين الوله العجال، ودعوتهم بهديل الحمام، وجأرتم جؤار متبتلي الرهبان،
وخرجتم إلى الله من الأموال والأولاد؛ التماس القربة إليه في ارتفاع درجة عنده،
او غفران سيئةٍ أحصتها كتبه، وحفظتها رسله لكان قليلاً فيما أرجو لكم من ثوابه،
وأخاف عليكم من عقابه. وتنكر
معروفها: جهل منها ما كان معروفاً. والمصدر من الأول كدراً،
والسمَلة، بفتح الميم: البقية من الماء تبقى في الإناء. والمقلة،
بفتح الميم وتسكين القاف: حصاة القسم التي تلقى في
الماء ليعرف قدر ما يسقى كل واحد منهم،
وذلك عند قلة الماء في المفاوز، قال:
والتمزز:
تمصص الشراب قليلاً قليلاً. والصديان: العطشان.
أي
كتب. وأوله
العجال: النوق الوالهة الفاقدة أولادها، الواحدة عجول، والوله: ذهاب العقل وفقد
التمييز. والجؤار: صوت مرتفع. والمتبتل: المنقطع عن
الدنيا. وانماث
القلب، أي ذاب، وقوله: ولو لم تبقوا شيئاً من جهدكم، اعتراض في الكلام، وأنعمه،
منصوب لأنه مفعول جزت. قيل: إنه عليه السلام لم يصرح بمذهب البغداديين؛ ولكنه قال: لو عبدتموه بأقصى ما ينتهي الجهد إليه ما
وفيتم بشكر أنعمه، وهذا حق غير مختلف فيه، لأن نعم البارئ تعالى لا تقوم العباد
بشكرها، وإن بالغوا في عبادته والخضوع له والإخلاص في طاعته؛ ولا يقتضي صدق هذه
القضية وصحتها صحة مذهب البغداديين في أن الثواب على الله تعالى غير واجب، لأن
التكليف إنما كان باعتبار أنه شكر النعمة السالفة. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أشعار
في ذم الدنيا
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما
ما قاله الناس في ذم الدنيا وغرورها وحوادثها وخطوبها وتنكرها لأهلها، والشكوى
منها، والعتاب لها والمواعظة بها، وتصرمها وتقلبها، فكثير؛ من ذلك قول بعضهم:
وقال
آخر:
وقال
أبو الطيب:
وقال
آخر:
وقال
ابن المظفر المغربي:
وقال
أبو العتاهية:
وقال
أيضاً:
وقال
أيضاً:
وقال
أيضاً:
وقال الرضي الموسوي:
وقال
آخر:
وقال
أبو الطيب:
وقال
أبو العتاهية في أرجوزته المشهورة في ذم الدنيا وفيها أنواع مختلفة من الحكمة:
وقال
أيضاً:
وقال
أيضاً:
وقال
ابن المعتز:
وله
أيضاً:
وله:
وقال
أبو العلاء المعري:
وقال
آخر:
وقال
أبو الطيب:
وقال
آخر:
وقال
آخر:
الوزير
المهلبي:
وله:
عبيد
الله بن عبد الله بن طاهر:
وله:
البحتري:
أبو
بكر الخوارزمي:
وقال
آخر:
أخر:
آخر:
آخر:
ابن
الرومي:
أبو
الطيب:
وقال
آخر:
آخر:
آخر:
الرضي
الموسوي:
أبو
عثمان الخالدي:
السري
الرفاء:
ابن
الرومي:
السري
الرفاء:
أبو
فراس بن حمدان:
ابن
الرومي:
ابن
نباتة:
أبو
العتاهية:
وله
أيضاً:
وله:
وله:
وله:
حسبنا الله وحده، وصلواته على خيرته من خلقه
سيدنا محمد وآله الطاهرين |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفهرس ج الجزء الثالث - باب المختار
من الخطب والأوامر - ابن ابي الحديد. 2 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد
العدل الكريم. 2 عود
على بدء بقية رد المرتضى... 2 المطاعن
على عثمان والرد عليها 5 أخبار
جرير بن عبد الله البجلي وبيعته لعلي عليه السلام: 31 بين
علي عليه السلام ومعاوية. 32 جرير
البجلي يفارق علياً عليه السلام. 49 لما
هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية. 51 نسب
مصقلة وخبر بني ناجية مع علي عليه السلام. 54 أخبار
الخريت بن راشد الناجي... 54 ومن
خطبة له في الزهد وتعظيم الله.. 65 عند
عزمه على المسير إلى الشام. 70 ما
قاله عليه السلام يوم خروجه من الكوفة. 71 علي
عليه السلام في كربلاء واهاً لك يا تربة. 72 مفارقة
علي والمسير إلى الشام. 73 بين
محمد بن أبي بكر ومعاوية. 80 ومن
كلام له عليه السلام في ذكر الكوفة. 84 الكوفة
في نظر علي عليه السلام وجعفر بن محمد عليه السلام: 84 ومن
خطبة له عليه السلام عند المسير إلى الشام. 85 في
تمجيده الله تعالى وتحميده 91 مباحث
من العلم الإلهي وهذا الفصل يشتمل على عدة مباحث من العلم الإلهي: 92 ومن
خطبة له في وقوع الفتن.. 102 لما
غلب أصحاب معاوية أصحابه على شريعة الفرات بصفين ومنعوهم من الماء : 103 أشعار
في الإباء والتحريض على الحرب.. 103 شريعة
الفرات بين معاوية وعلي... 137 ومن
خطبة له وقد تقدم مختارها برواية ونذكر ما نذكره هنا برواية أخرى لتغاير الروايتين
: 146 |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||