- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
الجزء الثاني باب
المختار من الخطب والأوامر
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الجزء الثاني
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بسربن أرطأة إلى الحجاز واليمن
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما خبر بسر بن أرطأة العامري؛ من بني عامر بن لؤي
بن غالب، وبعث معاوية له ليغير على أعمال أمير المؤمنين عليه السلام، وما عمله
من سفك الدماء وأخذ الأموال فقد ذكر أرباب أن الذي هاج
معاوية على تسيير بسر بن أرطأة - ويقال ابن أبي أرطأة - إلى الحجاز واليمن،
أن قوماً بصنعاء كانوا من شيعة عثمان، يعظمون قتله،
لم يكن لهم نظام ولا رأس، فبايعوا لعلي عليه السلام
على ما في أنفسهم؛ وعامل علي عليه السلام على صنعاء يومئذ عبيد الله بن عباس
وعامله على الجند سعيد بن نمران . من
عبد الله علي أمير المؤمنين، إلى من شاق وغدر من أهل الجند وصنعاء. أما بعد،
فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، الذي لا يعقب له حكم، ولا يرد له قضاء، ولا
يرد بأسه عن القوم المجرمين. وقد بلغني تجرؤكم
وشقاقكم وإعراضكم عن دينكم، بعد الطاعة وإعطاء البيعة، فسألت أهل الدين الخالص،
والورع الصادق، واللب الراجح، عن بدء محرككم، وما نويتم به، وما أحمشكم له؛ فحدثت عن ذلك بما لم أر لكم في شيء منه عذراً مبيناً، ولا
مقالاً جميلاً، ولا حجة ظاهرة، فإذا أتاكم رسولي فتفرقوا وانصرفوا إلى
رحالكم أعف عنكم، وأصفح عن جاهلكم، وأحفظ قاصيكم، وأعمل فيكم بحكم الكتاب، فإن
لم تفعلوا، فاستعدوا لقدوم جيشٍ جم الفرسان، عظيم الأركان، يقصد لمن طغى وعصى،
فتطحنوا كطحن الرحا، فمن أحسن فلنفسه، ومن أساء فعليها،
وما ربك بظلام للعبيد.
فلما
قدم كتابهم، دعا بسر بن أبي أرطأة - وكان قاسي القلب
فظاً سفاكاً للدماء، لا رأفة عنده ولا رحمة - فأمره أن يأخذ طريق الحجاز
والمدينة ومكة حتى ينتهي إلى اليمن، وقال له: لا تنزل على بلد أهله على
طاعة علي، إلا بسطت عليهم لسانك؛ حتى يروا أنهم لا نجاء لهم، وأنك محيط بهم. ثم
أكفف عنهم، وادعهم إلى البيعة لي، فمن أبى فاقتله، واقتل شيعة علي حيث كانوا. فخرجنا من عنده ونحن نعرف الفضل فيما ذكر، فجلسنا
ناحيةً، وبعث معاوية عند خروجنا من عنده إلى بسر بن أبي
أرطأة ، فبعثه في ثلاثة آلاف، وقال: سر حتى تمر بالمدينة، فاطرد الناس،
وأخف من مررت به، وانهب أموال كل من أصبت له مالاً؛ ممن لم يكن دخل في طاعتنا؛
فإذا دخلت المدينة، فأرهم أنك تريد أنفسهم، وأخبرهم أنه لا براءة لهم عندك ولا
عذر، حتى إذا ظنوا أنك موقع بهمم فاكفف عنهم، ثم سر حتى
تدخل مكة، ولا تعرض فيها لأحد، وأرهب الناس عنك فيما بين المدينة ومكة،
واجعلها شرداً، حتى تأتي صنعاء والجند، فإن لنا بهما
شيعة، وقد جاءني كتابهم. فتهددهم حتى خاف الناس أن يوقع بهم، ففزعوا إلى حويطب بن عبد العزى - ويقال إنه زوج أمه - فصعد
إليه المنبر، فناشده، وقال: عترتك وأنصار رسول الله، وليسوا بقتلة عثمان؛ فلم
يزل به حتى سكن، ودعا الناس إلى بيعة معاوية فبايعوه. ونزل فأحرق دوراً
كثيرة، منها دار زرارة بن حرون، أحد بني عمرو بن عوف، ودار رفاعة بن رافع
الزرقي، ودار أبي أيوب الأنصاري. وتفقد جابر بن عبد الله، فقال: ما لي لا أرى جابراً يا بني سلمة! لا أمان لكم
عندي، أو تأتوني بجابر؛ فعاذ جابر بأم سلمة رضي الله
عنها، فأرسلت إلى بسر ابن أرطأة، فقال: لا أؤمنه حتى يبايع، فقالت له أم سلمة:
إذهب فبايع، وقالت لابنها عمر : اذهب فبايع، فذهبا فبايعاه. هؤلاء
قومك، فكف عنهم حتى نأتيك بكتابٍ من بسر بأمانهم، فحبسهم. وخرج منيع الباهلي من
عندهم إلى بسر وهو بالطائف يستشفع إليه فيهم، فتحمل عليه بقوم من الطائف، فكلموه
فيهم، وسألوه الكتاب بإطلاقهم، فوعدهم، ومطلهم بالكتاب حتى ظن أنه قد قتلهم
القرشي المبعوث لقتلهم، وأن كتابه لا يصل إليهم حتى يقتلوا. ثم كتب لهم، فأتى
منيع منزله، وكان قد نزل على امرأة بالطائف ورحله عندها، فلم يجدها في منزلها،
فوطئ على ناقته بردائه، وركب فسار يوم الجمعة وليلة السبت لم ينزل عن راحلته قط،
فأتاهم ضحوة، وقد أخرج القوم ليقتلوا، واستبطئ كتاب بسر فيهم، فقدم رجل منهم فضربه رجل من أهل الشام، فانقطع سيفه، فقال الشاميون بعضهم لبعض، شمسوا سيوفكم حتى تلين فهزوها.
وتبصر منيع الباهلي بريق السيوف، فألمع بثوبه، فقال
القوم: هذا راكب عنده خبر، فكفوا، وقام به بعيره فنزل عنه، وجاء على
رجليه يشتد فدفع الكتاب إليهم فأطلقوا. وكان الرجل
المقدم - الذي ضرب بالسيف فانكسر السيف - أخاه.
وقد
روي أن اسمهما قثم وعبد الرحمن. وروي أنهما ضلا
في أخوالهما بني كنانة. وروي أن بسراً إنما قتلهما باليمن،
وأنهما ذبحا على درج صنعاء.
فضارب بسيفه حتى قتل، ثم قدم الغلامان فقتلا. فخرج نسوة من
بني كنانة، فقالت امرأة منهن: هذه الرجال يقتلها فما بال الولدان! والله ما كانوا يقتلون في
جاهلية ولا إسلام، والله إن سلطاناً لا يشتد إلا بقتل الضرع الضعيف،
والشيخ الكبير، وقطع الرحمة لسلطان السوء، فقال بسر:
والله لهممت أن أضع فيكن السيف، قالت: والله إنه
لأحب إلي إن فعلت! قال إبراهيم: وخرج بسر من الطائف، فأتى نجران، فقتل عبد
الله بن عبد المدان وابنه مالكاً، وكان عبد الله هذا صهراً لعبيد الله بن العباس، ثم جمعهم وقام فيهم، وقال: يا
أهل نجران، يا معشر النصارى وإخوان القرود: أما
والله إن بلغني عنكم ما أكره لأعودن عليكم بالتي تقطع النسل، وتهلك الحرث، وتخرب
الديار! وتهددهم طويلاً، ثم سار حتى بلغ أرحب،
فقتل أبا كرب - وكان يتشيع - ويقال: إنه سيد من كان
بالبادية من همدان، فقدمه فقتله. قال
إبراهيم: وهذه الأبيات المشهورة لعبد الله بن أراكة
الثقفي؛ يرثي بها ابنه عمراً:
قال:
وروى نمير بن وعلة، عن أبي وداك ، قال: كنت عند علي عليه السلام لما قدم عليه
سعيد بن نمران الكوفة، فعتب عليه وعلى عبيد الله ألا يكونا قاتلا بسراً، فقال سعيد: قد والله قاتلت، ولكن
ابن عباس خذلني وأبى أن يقاتل، ولقد خلوت به حين دنا منا بسر، فقلت: إن
ابن عمك لا يرضى مني ومنك بدون الجد في قتالهم، قال: لا والله ما لنا بهم طاقة
ولا يدان، فقمت في الناس، فحمدت الله ثم قلت: يا
أهل اليمن، من كان في طاعتنا وعلى بيعة أمير المؤمنين عليه السلام فإلي إلي
فأجابني منهم عصابة، فاستقدمت بهم، فقاتلت قتالاً
ضعيفاً، وتفرق الناس عني وانصرفت.
وروى
أبو الحسن المدائني قال: اجتمع عبيد الله بن العباس
وبسر بن أرطاة يوماً عند معاوية بعد صلح الحسن
عليه السلام، فقال له ابن عباس: أنت أمرت
اللعين السيء الفدم أن يقتل ابني؟ فقال: ما أمرته بذلك،
ولوددت أنه لم يكن قتلهما، فغضب بسر ونزع سيفه فألقاه
وقال لمعاوية: اقبض سيفك، قلدتنيه وأمرتني أن أخبط به الناس ففعلت، حتى إذا بلغت ما أردت قلت: لم أهو ولم آمر! فقال: خذ
سيفك إليك، فلعمري إنك ضعيف مائق حين تلقي السيف
بين يدي رجلٍ من بني عبد مناف، قد قتلت أمس
ابنيه. فقال له عبيد الله:
أتحسبني يا معاوية قاتلاً بسراً بأحد ابني! هو
أحقر وألأم من ذلك، ولكني والله لا أرى مقنعاً، ولا أدرك ثأراً إلا أن أصيب بهما يزيد وعبد الله.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في ذم من بايعه بشروط
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: إن الله
تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم نذيراً للعالمين، واميناً على
التنزيل، وأنتم معشر العرب على شر دينٍ، وفي شر دار، منيخون بين حجارةٍ وخشنٍ،
وحياتٍ صمٍ، تشربون الكدر، وتأكلون الجشب، وتسفكون دماءكم، وتقطعون أرحامكم.
الأصنام فيكم منصوبة، والآثام بكم معصوبة. الأصل: فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي،
فضننت بهم عن الموت، وأغضيت على القذى، وشربت على الشجى، وصبرت على أخذ الكظم،
وعلى أمر من طعم العلقم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اختلاف الروايات في قصة السقيفة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اختلفت الروايات في قصة السقيفة،
فالذي تقوله الشيعة - وقد قال قوم من المحدثين بعضه ورووا كثيراً منه - أن علياً عليه السلام امتنع من البيعة حتى أخرج كرهاً، وأن
الزبير بن العوام امتنع من البيعة وقال: لا أبايع إلا علياً عليه السلام، وكذلك
أبو سفيان بن حرب، وخالد ابن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، والعباس بن عبد
المطلب وبنوه، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وجميع بني هاشم. وقالوا:
إن الزبير شهر سيفه، فلما جاء عمر ومعه جماعة من الأنصار وغيرهم، قال في جملة ما
قال: خذوا سيف هذا فاضربوا به الحجر. ويقال: إنه أخذ السيف من يد الزبير فضرب به
حجراً فكسره، وساقهم كلهم بين يديه إلى أبي بكر، فحملهم على بيعته ولم يتخلف إلا
علي عليه السلام وحده، فإنه اعتصم ببيت فاطمة عليها السلام، فتحاموا إخراجه منه
قسراً، وقامت فاطمة عليها السلام إلى باب البيت فأسمعت من جاء يطلبه، فتفرقوا
وعلموا أنه بمفرده لا يضر شيئاً، فتركوه. فلما
سكت، وكنت قد زورت في نفسي مقالة أقولها بين يدي أبي بكر، فلما ذهبت أتكلم، قال أبو بكر: على رسلك! فقام فحمد الله وأثنى عليه،
فما ترك شيئاً كنت زورت نفسي إلا جاء به أو بأحسن منه، وقال:
يا معشر الأنصار، إنكم لا تذكرون فضلاً إلا وأنتم له أهل، وإن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لقريشٍ، أواسط العرب داراً
ونسباً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين - وأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن
الجراح - والله ما كرهت من كلامه غيرها؛ إن كنت لأقدم فتضرب عنقي فيما لا يقربني
إلى إثم؛ أحب إلي من أن أؤمر على قوم فيهم أبو بكر.
يعني بغتة. واعلم أن هذه اللفظة من عمر مناسبة للفظات
كثيرة كان يقولها بمقتضى ما جبله الله تعالى
عليه من غلظ الطينة وجفاء الطبيعة، ولا حيلة له فيها؛
لأنه مجبول عليها لا يستطيع تغييرها، ولا ريب
عندنا أنه كان يتعاطى أن يتلطف، وأن يخرج ألفاظه مخارج حسنة لطيفة، فينزع به الطبع الجاسي، والغريزة الغليظة، إلى أمثال
هذه اللفظات، ولا يقصد بها سوءاً، ولا يريد بها ذماً
ولا تخطئة، كما قدمنا من قبل في اللفظة التي قالها في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكاللفظات التي قالها عام الحديبية وغير ذلك، والله تعالى لا يجازي
المكلف إلا بما نواه، ولقد كانت نيته من أطهر النيات وأخلصها لله سبحانه
وللمسلمين. ومن أنصف علم أن هذا الكلام حق، وأنه يغني
عن تأويل شيخنا أبي علي. وروى الهيثم بن عدي، عن مجالد بن سعيد،
قال:
غدوت يوماً إلى الشعبي وأنا أريد أن أسأله عن شيء بلغني عن ابن مسعود أنه كان
يقوله، فأتيته وهو في مسجد حيه وفي المسجد قوم ينتظرونه، فخرج فتعرفت إليه،
وقلت: أصلحك الله! كان ابن مسعود يقول: ما كنت
محدثاً قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة، قال: نعم، كان ابن
مسعود يقول ذلك، وكان ابن عباس يقوله أيضاً - وكان عند
ابن عباس دفائن علم يعطيها أهلها، ويصرفها عن غيرهم- فبينا نحن كذلك إذ
أقبل رجل من الأزد، فجلس إلينا، فأخذنا في ذكر أبي بكر وعمر، فضحك الشعبي وقال: لقد كان في صدر عمر ضب على أبي بكر،
فقال الأزدي: والله ما رأينا ولا سمعنا برجل قط كان أسلس قياداً لرجل، ولا أقول
فيه بالجميل من عمر في أبي بكر، فأقبل علي الشعبي وقال:
هذا مما سألت عنه، ثم أقبل على الرجل وقال: يا أخا الأزد، فكيف تصنع بالفلتة
التي وقى الله شرها! أترى عدواً يقول في عدوٍ
يريد أن يهدم ما بنى لنفسه في الناس أكثر من قول عمر في
أبي بكر! فقال الرجل: سبحان الله! أنت تقول ذلك يا أبا عمرو! فقال
الشعبي: أنا أقوله، قاله عمر بن الخطاب على رؤوس الأشهاد، فلمه أو دع. فنهض
الرجل مغضباً وهو يهمهم في الكلام بشيء لم أفهمه. قال مجالد: فقلت للشعبي: ما
أحسب هذا الرجل إلا سينقل عنك هذا الكلام إلى الناس ويبثه فيهم! قال: إذن والله
لا أحفل به، وشيء لم يحفل به عمر حين قام على رؤوس الأشهاد من المهاجرين
والأنصار أحفل به أنا! أذيعوه أنتم عني أيضاً ما بدا لكم.
فعلمنا
أنه يريد أن نضمن له كتمان حديثه، فقلت أنا له: يا أمير المؤمنين، الزمنا وخصنا
وصلنا، قال: بماذا يا أخا الأشعرين؟ فقلت: بإفشاء سرك وأن تشركنا في همتك فنعم
المستشاران نحن لك! قال: إنكما كذلك، فاسألا عما بدا لكما، ثم قام إلى الباب
ليغلقه، فإذا الآذن الذي أذن لنا عليه في الحجرة، فقال: امض عنا لا أم لك! فخرج
وأغلق الباب خلفه، ثم أقبل علينا، فجلس معنا، وقال:
سلا تخبرا، قلنا: نريد أن يخبرنا أمير المؤمنين بأحسد قريش، الذي لم يأمن ثيابنا
على ذكره لنا، فقال: سألتما عن معضلة؛ وسأخبركما فليكن
عندكما في ذمةٍ منيعةٍ وحرزٍ ما بقيت؛ فإذا مت فشأنكما وما شئتما من إظهار أو
كتمان. قلنا: فإن لك عندنا ذلك. قال أبو موسى:
وأنا أقول في نفسي: ما يريد إلا الذين كرهوا استخلاف أبي بكر له كطلحة وغيره،
فإنهم قالوا لأبي بكر: أتستخلف علينا فظاً غليظاً! وإذا هو يذهب إلى غير
ما في نفسي، فعاد إلى التنفس ثم قال: من تريانه؟ قلنا: والله ما ندري إلا ظناً!
قال: ومن تظنان؟ قلنا: عساك تريد القوم الذين أرادوا أبا بكر على صرف هذا الأمر
عنك؛ قال: كلا والله! بل كان أبو بكر أعق؛ وهو الذي سألتما عنه، كان والله أحسد
قريشٍ كلها. ثم أطرق طويلاً، فنظر المغيرة إلي ونظرت إليه، وأطرقنا ملياً
لإطراقه، وطال السكوت منا ومنه، حتى ظننا أنه قد ندم
على ما بدا منه. ثم قال: والهفاه على ضئيل بني تميم بن مرة! لقد تقدمني
ظالماً، وخرج إلي منها آثماً، فقال المغيرة: أما تقدمه
عليك يا أمير المؤمنين ظالماً فقد عرفناه، كيف خرج إليك منها آثماً؟ قال:
ذاك لأنه لم يخرج إلي منها إلا بعد يأس منها،
أما والله لو كنت أطعت يزيد بن الخطاب وأصحابه لم يتلمظ من حلاوتها بشيء أبداً،
ولكني قدمت وأخرت، وصعدت وصوبت، ونقضت وأبرمت، فلم أجد
إلا الإغضاء على ما نشب به منها، والتلهف على نفسي، وأملت إنابته ورجوعه، فوالله
ما فعل حتى نغر بها بشماً. قال: ثكلتك أمك يا مغيرة!
إني كنت لأعدك من دهاة العرب، كأنك كنت غائباً عما
هناك! إن الرجل ماكرني فماكرته، وألفاني احذر من قطاة ، إنه لما رأى شغف
الناس به، وإقبالهم بوجوههم عليه، أيقن أنهم لا يريدون به بدلاً، فأحب لما رأى
من حرص الناس عليه، وميلهم إليه أن يعلم ما عندي، وهل تنازعني نفسي إليها؟ وأحب
أن يبلوني بإطماعي فيها، والتعريض لي بها، وقد علم
وعلمت لو قبلت ما عرضه علي، لم يجب الناس إلى ذلك، فألفاني قائماً على
إخمصي مستوفزاً حذراً، ولو أجبته إلى قبولها لم يسلم
الناس إلي ذلك، واختبأها ضغناً علي في قلبه، ولم آمن غائله ولو بعد حين مع ما
بدا لي من كراهة الناس لي، أما سمعت نداءهم من كل ناحية من كل ناحية عند عرضها
علي: لا نريد سواك يا أبا بكر، أنت لها! فرددتها إليه عند ذلك؛ فلقد رأيته التمع وجهه لذلك سروراً. ولقد عاتبني مرة على
الكلام بلغه عني، وذلك لما قدم عليه بالأشعث أسيراً، فمن عليه وأطلقه ، وزوجه
أخته أم فروة، فقلت للأشعث وهو قاعد بين يديه: يا
عدو الله، أكفرت بعد إسلامك، وارتددت ناكصاً على عقبيك! فنظر إلي نظراً
علمت أنه يريد يكلمني بكلام في نفسه، ثم لقيني بعد ذلك في سكك المدينة، فقال لي: أنت صاحب الكلام يابن الخطاب؟ فقلت: نعم يا
عدو الله؛ ولك عندي شر من ذلك، فقال: بئس الجزاء هذا لي
منك! قلت: وعلام تريد مني حسن الجزاء؟ قال:
لأنفتي لك من اتباع هذا الرجل، والله ما جرأني على الخلاف عليه إلا تقدمه عليك،
وتخلفك عنها، ولو كنت صاحبها لما رأيت مني خلافاً عليك. قلت: لقد كان
ذلك، فما تأمر الآن؟ قال: إنه ليس بوقت أمر بل وقت صبر، ومضى ومضيت. ولقي الأشعث الزبرقان بن بدر
فذكر له ما جرى بيني وبينه، فنقل ذلك إلى أبي بكر؛
فأرسل إلي بعتاب مؤلم، فأرسلت إليه: أما والله لتكفن أو لأقولن كلمة بالغة بي
وبك في الناس، تحملها الركبان حيث ساروا، وإن شئت استدمنا ما نحن فيه عفواً، فقال: بل نستديمه، وإنها لصائرة إليك بعد أيام، فظننت
أنه لا يأتي عليه جمعة حتى يردها علي، فتغافل، والله ما ذاكرني بعد ذلك حرفاً
حتى هلك. قال: وقد ذكر صاحب كتاب العين أن الفلتة الأمر الذي يقع على غير إحكام، فقد صح أنها
موضوعة في اللغة لهذا، وإن جاز ألا تختص به، بل تكون لفظة مشتركة.
وأنت
تعلم حال الأخبار الغريبة التي لا توجد في الكتب المدونة كيف هي؟ فأما إنكاره ما ذكره شيخنا أبو علي رحمه الله تعالى من أن
الفلتة هي آخر يوم من شوال، وقوله: إنا لا نعرفه؛ فليس الأمر كذلك بل هو
تفسير صحيح، ذكره الجوهري في كتاب الصحاح قال:
الفلتة آخر ليلة من كل شهر، ويقال: هي آخر يوم
من الشهر الذي بعده الشهر الحرام. وهذا يدل على أن آخر يوم من شوال يسمى فلتة،
وكذلك آخر يوم من جمادى الآخرة، وإنما التفسير الذي
ذكره المرتضى غير معروف عند أهل اللغة.
وقال
آخر:
وروى أبو جعفر أيضاً في التاريخ
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قبض اجتمعت
الأنصار في سقيفة بني ساعدة، وأخرجوا سعد بن
عبادة، ليولوه الخلافة، وكان مريضاً، فخطبهم ودعاهم إلى إعطائه الرياسة
والخلافة فأجابوه، ثم ترادوا الكلام فقالوا: فإن
أبى المهاجرون، وقالوا: نحن أوليائه وعترته ؟ فقال قوم
من الأنصار: نقول: منا أمير ومنكم أمير، فقال
سعد: هذا أول الوهن! وسمع عمر الخبر فأتى
منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أبو بكر،
فأرسل إليه أن اخرج إلي، فأرسل: إني مشغول، فأرسل إليه عمر أن اخرج، فقد حدث أمر لا بد أن تحضره، فخرج فأعلمه الخبر، فمضيا مسرعين
نحوهم ومعهما أبو عبيدة، فتكلم أبو بكر، فذكر قرب المهاجرين من رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأنهم أولياؤه وعترته، ثم قال: نحن الأمراء وأنتم الوزراء،
لا نفتات عليكم بمشورة، ولا نقضي دونكم الأمور. ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يموت حتى
يظهر دينه على الدين كله، وليرجعن، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ممن أرجف بموته، لا أسمع رجلاً يقول: مات رسول الله إلا ضربته بسيفي.
فجاء أبو بكر وكشف عن وجه رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وقال: بأبي وأمي! طبت حياً وميتاً، والله لا يذيقك الله الموتتين
أبداً، ثم خرج والناس حول عمر، وهو يقول لهم: إنه لم يمت، ويحلف، فقال له: أيها
الحالف، على رسلك ! ثم قال: من كان يعبد محمداً فإن
محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال الله تعالى:
" إنك ميت وإنهم ميتون " ، وقال: " أفإن مات أو قتل انقلبتم على
أعقابكم " ، قال عمر: فوالله ما ملكت نفسي
حيث سمعتها أن سقطت إلى الأرض، وعلمت أن رسول الله صلى الله عليه قد مات. ونحن نقول:
إن عمر كان أجل قدراً من أن يعتقد ما ظهر عنه في هذه الواقعة، ولكنه لما علم أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، خاف من وقوع فتنة في الإمامة، وتقلب أقوام
عليها، إما من الأنصار أو غيرهم، وخاف أيضاً من حدوث ردة، ورجوع عن الإسلام،
فإنه كان ضعيفاً بعد لم يتمكن، وخاف من تراتٍ تشن، ودماء تراق، فإن أكثر العرب كان موتوراً
في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتل من قتل أصحابه منهم، وفي مثل ذلك الحال
تنتهز الفرصة، وتهتبل الغرة، فاقتضت المصلحة عنده تسكين الناس بأن أظهر ما أظهره من كون رسول الله صلى الله
عليه وسلم لم يمت، وأوقع تلك الشبهة في قلوبهم، فكسر بها شرة كثير منهم،
وظنوها حقاً، فثناهم بذلك عن حادث يحدثونه، تحيلاً منهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات،
وإنما غاب كما غاب موسى عن قومه، وهكذا كان عمر يقول
لهم: إنه قد غاب عنكم كما غاب موسى عن قومه، وليعودن فليقطعن أيدي قوم
أرجفوا بموته. وروى أحمد بن عبد العزيز، قال:
جاء أبو سفيان إلى علي عليه السلام، فقال: وليتم على هذا الأمر أذل بيت في قريش،
أما والله لئن شئت لأملأنها على أبي فصيل خيلاً ورجالاً، فقال علي عليه السلام:
طالما غششت الإسلام وأهله فما ضررتهم شيئاً! لا حاجة لنا إلى خيلك ورجلك، لولا
أنا رأينا أبا بكر لها أهلاً، لما تركناه. وروى
أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن أبي المنذر وهشام بن محمد بن السائب عن
أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: كان بين العباس وعلي مباعدة، فلقي ابن عباس علياً، فقال: إن كان لك في النظر إلى
عمك حاجة فأته، وما أراك تلقاه بعدها. فوجم لها وقال: تقدمني واستأذن، فتقدمته
واستأذنت له، فأذن فدخل، فاعتنق كل واحد منهما صاحبه، وأقبل علي عليه السلام على
يده ورجله يقبلهما، ويقول: يا عم، ارض عني رضي الله عنك، قال: قد رضيت عنك.
ثم
قال: والله لكأن عمي كان ينظر من وراء سترٍ رقيق، والله ما نلت من هذا الأمر
شيئاً إلا بعد شرٍ لا خير معه.
قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز:
وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، عن ابن وهب، عن ابن
لهيعة، عن أبي الأسود، قال: غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة، وغضب علي والزبير، فدخلا بيت فاطمة عليها السلام،
معهما السلاح، فجاء عمر في عصابة، منهم أسيد بن
حضير وسلمة بن سلامة بن وقش - وهما من بني عبد الأشهل - فصاحت فاطمة عليها
السلام، وناشدتهم الله. فأخذوا سيفي علي والزبير،
فضربوا بهما الجدار حتى كسروهما ، ثم أخرجهما عمر
يسوقهما حتى بايعا، ثم قام أبو بكر فخطب الناس، واعتذر
إليهم، وقال: إن بيعتي كانت فلتة وقى الله شرها، وخشيت الفتنة، وايم الله
ما حرصت عليها يوماً قط، ولقد تقلدت أمراً عظيماً ما لي به طاقة ولا يدان،
ولوددت أن أقوى الناس عليه مكاني. وجعل يعتذر إليهم، فقبل المهاجرون عذره. وقال علي والزبير: ما غضبنا إلا في المشورة، وإنا لنرى أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار،
وإنا لنعرف له سنه، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو
حي. فانطلقوا حتى دخلوا على العباس في الليلة
الثانية من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر خطبة أبي بكر وكلام عمر
وما أجابهما العباس به، وقد ذكرناه فيما تقدم من هذا الكتاب في الجزء الأول. وفي الصحيحين أيضاً خرجاه معاً عن ابن
عباس رحمه الله تعالى، قال: لما احتضر رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وفي البيت رجال منهم عمر بن الخطاب؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم:
هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده، فقال عمر: إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله.
فاختلف القوم واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا
إليه يكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول:
القول ما قاله عمر؛ فلما أكثروا اللغو والاختلاف عنده
عليه السلام، قال لهم: قوموا، فقاموا، فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل
الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لكم ذلك الكتاب. قال أبو بكر: وحدثنا أبو زيد، قال: حدثنا محمد بن
حاتم، قال: حدثنا الحرامي، قال: حدثنا الحسين بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه،
عن ابن عباس، قال: مر عمر بعلي وعنده ابن عباس بفناء داره، فسلم فسألاه: أين
تريد؟ فقال: مالي بينبع ، قال علي: أفلا نصل جناحك ونقوم معك؟ فقال: بلى، فقال
لابن عباس: قم معه، قال: فشبك أصابعه في أصابعي، ومضى حتى إذا خلفنا البقيع،
قال: يابن عباس، أما والله إن كان صاحبك هذا أولى الناس بالأمر بعد وفاة رسول
الله إلا أنا خفناه على اثنتين. قال ابن عباس: فجاء بمنطق لم أجد بداً معه من
مسألته عنه، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما هما؟ قال: خشيناه على حداثة سنه وحبه
بني عبد المطلب. فأما امتناع علي عليه السلام من البيعة حتى أخرج
على الوجه الذي أخرج عليه، فقد ذكره المحدثون ورواه أهل السير وقد ذكرنا ما قاله الجوهري في هذا الباب؛ وهو من رجال الحديث ومن الثقات المأمونين، وقد ذكر غيره من
هذا النحو ما لا يحصى كثرة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
كتب إلى معاوية وعمرو بن العاص
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
لما نزل علي عليه السلام الكوفة بعد فراغه من أمر البصرة، كتب إلى
معاوية كتاباً يدعوه إلى البيعة، أرسل فيه جرير بن عبد الله البجلي. فقدم عليه به الشام.
فقرأه واغتم بما فيه، وذهبت به أفكاره كل مذهب، وطاول جريراً بالجواب عن الكتاب،
حتى كلم قوماً من أهل الشام في الطلب بدم عثمان، فأجابوه ووثقوا له، وأحب
الزيادة في الاستظهار، فاستشار أخاه عتبة بن أبي سفيان،
فقال له: استعن بعمرو بن العاص، فإنه من قد علمت
في دهائه ورأيه، وقد اعتزل عثمان في حياته، وهو
لأمرك أشد اعتزالاً؛ إلا أن يثمن له دينه فسيبيعك، فإنه
صاحب دنيا، فكتب إليه معاوية: أما بعد، فإنه كان من أمر علي وطلحة
والزبير ما قد بلغك، وقد سقط إلينا مروان بن الحكم في نفر من أهل البصرة، وقدم
علينا جرير بن عبد الله في بيعة علي، وقد حبست نفسي عليك، فأقبل أذاكرك أموراً
لا تعدم صلاح مغبتها، إن شاء الله.
فقال
عبد الله: رحل الشيخ. ودعا عمرو غلامه وردان - وكان داهياً مارداً - فقال: ارحل
يا وردان، ثم قال: احطط يا وردان، ثم قال: ارحل يا وردان، احطط يا وردان. فقال له وردان: خلطت أبا عبد الله! أما إنك إن شئت أنبأتك بما في قلبك، قال: هات ويحك!
قال: اعتركت الدنيا والاخرة على قلبك، فقلت: علي معه
الآخرة في غير دنيا وفي الآخرة عوض من الدنيا، ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة،
وليس في الدنيا عوض من الاخرة، وأنت واقف بينهما، قال: قاتلك الله! ما أخطأت ما في قلبي، فما ترى يا وردان؟ قال: أرى أن
تقيم في بيتك، فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم ، وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا
عنك. قال: الآن لما أشهرت العرب سيري إلى معاوية! فارتحل
وهو يقول:
فسار
حتى قدم على معاوية، وعرف حاجة معاوية إليه، فباعده من نفسه، وكايد كل واحد
منهما صاحبه. قلت: قال شيخنا أبو القاسم البلخي رحمه الله تعالى: قول عمرو له: دعني عنك، كناية عن
الإلحاد، بل تصريح به، أي دع هذا الكلام لا أصل له، فإن اعتقاد الآخرة، وأنها لا
تباع بعرض الدنيا من الخرافات.
قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ: كانت مصر في نفس عمرو بن العاص، لأنه
هو الذي فتحها في سنة تسع عشرة من الهجرة في خلافة عمر، فكان لعظمها في
نفسه وجلالتها في صدره، وما قد عرفه من أموالها وسعة الدنيا، لا يستعظم أن
يجعلها ثمناً من دينه، وهذا معنى قوله: وإني بذا الممنوع قدماً لمولع.
قال:
فلما سمع معاوية قول عتبة، أرسل إلى عمرو، فأعطاه مصر، فقال عمرو: لي الله عليك
بذلك شاهد؟ قال: نعم، لك الله علي بذلك إن فتح علينا الكوفة، فقال عمرو: "
والله على ما نقول وكيل " . قال
نصر: وكان لعمرو بن العاص عم من بني سهم، أريب، فلما
جاء عمرو بالكتاب مسروراً عجب الفتى، وقال: ألا
تخبرني يا عمرو، بأي رأي تعيش في قريش! أعطيت دينك وتمنيت دنيا غيرك!
أترى أهل مصر - وهم قتلة عثمان - يدفعونها إلى معاوية وعلي حي! وأتراها إن صارت
لمعاوية لا يأخذها بالحرف الذي قدمه بالكتاب؟ فقال
عمرو: يابن أخي، إن الأمر لله دون علي ومعاوية،
فقال الفتى:
فقال عمرو:
يابن أخي، لو كنت عند علي لوسعني، ولكني الآن عند معاوية. قال الفتى: إنك لم لم ترد معاوية لم يردك؛ ولكنك تريد دنياه، وهو
يريد دينك. وبلغ معاوية قول الفتى فطلبه، فهرب
فلحق بعلي عليه السلام، فحدثه أمره فسر به وقربه.
قال
نصر: فلما كتب الكتاب، قال معاوية لعمرو: ما ترى الآن؟
قال: امض الرأي الأول. فبعث مالك بن هبيرة الكندي
في طلب محمد بن أبي حذيفة، فأدركه فقتله، وبعث إلى قيصر
بالهدايا فوادعه، ثم قال: ما ترى في علي؟ قال:
أرى فيه خيراً، إنه قد أتاك في طلب البيعة خير أهل العراق، ومن عند خير الناس في
أنفس الناس، ودعواك أهل الشام في رد هذه البيعة خطر شديد، ورأس أهل الشام شرحبيل بن السمط الكندي، وهو عدو لجرير المرسل إليك، فابعث إليه ووطن له ثقاتك، فليفشوا في الناس أن علياً قتل عثمان، وليكونوا أهل رضا عند
شرحبيل، فإنها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب، وإن تعلقت بقلب شرحبيل لم تخرج منه بشيء أبداً. ودعا معاوية
يزيد بن أسد، وبسر بن أرطأة، وعمرو بن سفيان، ومخارق بن الحارث الزبيدي، وحمزة
بن مالك، وحابس بن سعد الطائي - وهؤلاء رؤوس قحطان
واليمن، وكانوا ثقات معاوية وخاصته وبني عم شرحبيل بن السمط - فأمرهم
أن يلقوه ويخبروه أن علياً قتل عثمان. فلما قدم كتاب معاوية على شرحبيل
وهو بحمص، استشار أهل اليمن فاختلفوا عليه، فقام إليه عبد الرحمن بن غنم الأزدي
- وهو صاحب معاذ بن جبل وختنه ، وكان أفقه أهل الشام - فقال: يا شرحبيل بن
السمط، إن الله لم يزل يزيدك خيراً منذ هاجرت إلى اليوم، وإنه لا ينقطع المزيد
من الله حتى ينقطع الشكر من الناس، وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم. إنه قد ألقي إلى معاوية أن علياً قتل عثمان،
ولهذا يريدك، فإن كان قتله فقد بايعه المهاجرون
والأنصار، وهم الحكام على الناس، وإن لم يكن قتله، فعلام تصدق معاوية عليه! لا تهلكن نفسك وقومك؛ فإن كرهت
أن يذهب بحظها جرير، فسر إلى علي، فبايعه عن شامك وقومك
فأبى شرحبيل إلا أن يسير إلى معاوية، فكتب إليه
عياض الثمالي - وكان ناسكاً:
قال:
فلما قدم شرحبيل على معاوية، أمر الناس أن يتلقوه ويعظموه، فلما دخل على معاوية،
تكلم معاوية فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: شرحبيل: إن
جرير بن عبد الله يدعونا إلى بيعة علي، وعلي خير الناس؛ لولا أنه قتل عثمان بن عفان، وقد حبست نفسي عليك،
وإنما أنا رجل من أهل الشام، أرضى ما رضوا وأكره ما كرهوا. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في الحث على الجهاد
وذم القاعدين
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما بعد، فإن
الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع
الله الحصينة، وجنته الوثيقة. فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل، وشمله
البلاء، وديث بالصغار والقماءة، وضرب على قلبه بالإسهاب، وأديل الحق منه بتضييع
الجهاد، وسيم الخسف، ومنع النصف. فهذا
أخو غامدٍ، قد وردت خيله الأنبار، وقد قتل حسان بن حسان البكري، وأزال خيلكم عن
مسالحها، ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى
المعاهدة، فينتزع حجلها وقلبها، وقلائدها ورعثها، ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع
والاسترحام. ثم انصرفوا وافرين، ما نال رجلاً منهم كلم، ولا أريق لهم دم؛ فلو أن
امرأً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً!
فيا عجبا؛ عجباً والله يميت القلب، ويجلب الهم، من اجتماع هؤلاء القوم على
باطلهم، وتفرقكم عن حقكم! فقبحاً لكم وترحاً، حين صرتم غرضاً يرمى، يغار عليكم
ولا تغيرون، وتُغزون ولا تَغزون، ويعصى الله وترضون! فإذا أمرتكم بالسير إليهم
في أيام الحر قلتم: هذه حمارة القيظ، أمهلنا يسبخ عنا الحر، وإذا أمرتكم بالسير
إليهم في الشتاء قلتم هذه صبارة القر، أمهلنا ينسلخ عنا البرد؛ كل هذا فراراً من
الحر والقر، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون، فأنتم والله من السيف أفر! يا أشباه
الرجال ولا رجال! حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال؛ لوددت أني لم أركم ولم
أعرفكم معرفةً - والله - جرت ندماً وأعقبت سدماً. قاتلكم الله! لقد ملأتم قلبي
قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نغب التهمام أنفاساً، وأفسدتم علي رأيي
بالعصيان والخذلان، حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالبٍ رجل شجاع ولكن لا علم
له بالحرب لله أبوهم! وهل أحد منهم أشد لها مراساً وأقدم فيها مقاماً مني! لقد
نهضت فيها وما بلغت العشرين؛ وهأنذا قد ذرفت على الستين! ولكن لا رأي لمن لا
يطاع! الشرح: هذه الخطبة من مشاهير خطبه عليه
السلام، قد ذكرها كثير من الناس، ورواها أبو العباس
المبرد في أول الكامل، وأسقط من هذه الراوية ألفاظاً وزاد فيها ألفاظاً،
وقال في أولها: إنه انتهى إلى علي عليه السلام أن خيلاً وردت الأنبار لمعاوية،
فقتلوا عاملاً له يقال له: حسان بن حسان، فخرج مغضباً يجر رداءه، حتى أتى
النخيلة ، واتبعه الناس، فرقي رباوة من الأرض، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على
نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فمن
تركه رغبة عنه، ألبسه الله الذل وسيما الخسف.
ونحن نقول:
إن السماع الذي حكاه أبو العباس غير مرضي، والصحيح ما تضمنه نهج البلاغة، وهو
سيم الخسف فعل ما لم يسم فاعله، والخسف منصوب؛ لأنه مفعول، وتأويله: أولي الخسف وكلف إياه، والخسف: الذل والمشقة. قوله:
وأديل الحق منه بتضييع الجهاد، قد يظن ظان أنه يريد عليه السلام: وأديل الحق منه
بأن أضيع جهاده؛ كالباءات المتقدمة، وهي قوله:
وديث بالصغار، وضرب على قلبه بالإسهاب، وليس كما ظن، بل
المراد: وأديل الحق منه لأجل تضييعه الجهاد،
فالباء ههنا للسببية، كقوله تعالى: " ذلك
جزيناهم ببغيهم " .
والكلم: الجراح
وفي رواية المبرد أيضاً: مات من دون هذا أسفاً، والأسف: التحسر. وفي رواية
المبرد أيضاً: من تضافر هؤلاء القوم على باطلهم، أي تعاونهم وتظاهرهم. وفي رواية المبرد أيضاً: وفشلكم عن حقكم، الفشل: الجبن
والنكول عن الشيء. فقبحاً لكم وترحا، دعاء بأن ينجيهم الله عن الخير، وأن يخزيهم
ويسوءهم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
كلام لابن نباتة نسج فيه على منوال
كلامه عليه السلام في الجهاد:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أن التحريض على الجهاد والحض عليه قد قال فيه
الناس فأكثروا، وكلهم أخذوا من كلام أمير
المؤمنين عليه السلام، فمن جيد ذلك ما قاله ابن نباتة
الخطيب: أيها الناس، إلى كم تسمعون الذكر فلا تعون، وإلى كم
تقرعون بالزجر فلا تقلعون! كأن أسماعكم تمج ودائع الوعظ، وكأن قلوبكم بها
استكبار عن الحفظ، وعدوكم يعمل في دياركم عمله، ويبلغ بتخلفكم عن جهاده أمله،
وصرخ بهم الشيطان إلى باطله فأجابوه، وندبكم الرحمن إلى حقه فخالفتموه، وهذه
البهائم تناضل عن ذمارها، وهذه الطير تموت حمية دون أوكارها، بلا كتاب أنزل
عليها، ولا رسولٍ أرسل إليها. وأنتم أهل العقول والأفهام، وأهل الشرائع والحكام،
تندون من عدوكم نديد الإبل، وتدرعون له مدارع العجز والفشل، وأنتم والله أولى
بالغزو إليهم، وأحرى بالمغار عليهم، لأنكم أمناء الله على كتابه، والمصدقون
بعقابه وثوابه، خصكم الله بالنجدة والباس، وجعلكم خير أمة أخرجت للناس؛ فأين
حمية الإيمان؟ وأين بصيرة الإيقان؟ واين الإشفاق من لهب النيران؟ وأين الثقة
بضمان الرحمن؟ فقد قال الله عز وجل في القرآن: " بلى إن تصبروا وتتقوا
" ؛ فاشترط عليكم التقوى والصبر، وضمن لكم المعونة والنصر؛ أفتتهمونه في
ضمانه! أم تشكون في عدله وإحسانه! فسابقوا رحمكم الله إلى الجهاد بقلوب نقية،
ونفوس أبية وأعمال رضية، ووجوه مضية، وخذوا بعزائم التشمير واكشفوا عن رؤوسكم
عار التقصير، وهبوا نفوسكم لمن هو أملك بها منكم، ولا تركنوا إلى الجزع فإنه لا
يدفع الموت عنكم، " ولا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا أو
كانوا غزًى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا " . واعلم أني أضرب لك مثلاً تتخذه دستوراً في كلام
أمير المؤمنين عليه السلام، وكلام الكتاب والخطباء بعده كابن نباتة والصابي
وغيرهما؛ انظر نسبة شعر أبي تمام والبحتري وأبي نواس
ومسلم، إلى شعر امرئ القيس والنابغة وزهير والأعشى، هل إذا تأملت أشعار
هؤلاء وأشعار هؤلاء، تجد نفسك حاكمةً بتساوي القبيلتين أو بتفضيل أبي نواس
وأصحابه عليهم؟ ما أظن أن ذلك ما تقوله أنت ولا قاله غيرك، ولا يقوله إلا من لا
يعرف علم البيان، وماهية الفصاحة، وكنه البلاغة، وفضيلة المطبوع على المصنوع،
ومزية المتقدم على المتأخر، فإذا أقررت من نفسك بالفرق والفضل، وعرفت فضل الفاضل
ونقص الناقص، فاعلم أن نسبة أمير المؤمنين عليه السلام
إلى هؤلاء هذه النسبة، بل أظهر، لأنك تجد
في شعر امرئ القيس وأصحابه من التعجرف والكلام الحوشي، واللفظ الغريب المستكره
شيئاً كثيراً؛ ولا تجد من ذلك في كلام أمير
المؤمنين عليه السلام شيئاً، وأكثر فساد الكلام ونزوله إنما هو باستعمال ذلك. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة ابن نباتة التي يحرض فيها
على الجهاد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ألا وإن الجهاد كنز وفر الله منه أقسامكم، وحرز طهر
الله به أجسامكم، وعز أظهر الله به إسلامكم، فإن تنصروا الله ينصركم ويثبت
أقدامكم، فانفروا رحمكم الله جميعاً وثباتٍ ، وشنوا على أعدائكم الغارات،
وتمسكوا بعصم الإقدام ومعاقل الثبات، وأخلصوا في جهاد عدوكم حقائق النيات، فإنه
والله ما غزي قوم في عقر دراهم إلا ذلوا، ولا قعدوا عن صون ديارهم إلا اضمحلوا.
واعلموا أنه لا يصلح الجهاد بغير اجتهاد، كما لا يصلح السفر بغير زاد، فقدموا
مجاهدة القلوب، قبل مشاهدة الحروب، ومغالبة الهواء قبل محاربة الأعداء، وبادروا
بإصلاح السرائر، فإنها من أنفس العدد والذخائر، واعتاضوا من حياة لا بد من
فنائها، بالحياة التي لا ريب في بقائها، وكونوا ممن أطاع الله وشمر في مرضاته،
وسابقوا بالجهاد إلى تملك جناته، فإن للجنة باباً حدوده تطهير الأعمال، وتشييده
إنفاق الأموال، وساحته زحف الرجال، وطريقه غمغمة الأبطال، ومفتاحه الثبات في
معترك القتال، ومدخله من مشرعة الصوارم والنبال. وإذا أردت تحقيق ذلك فانظر إلى السجعة الثانية التي
تكلفها ليوازنها بها، وهي قوله: ولا قعدوا عن صون ديارهم إلا اضمحلوا، فإنك إذا
نظرت إليها وجدت عليها من التكلف والغثاثة ما يقوي عندك صدق ما قلته لك. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
كتائب سفيان الغامدي في الأنبار
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما أخو غامد الذي وردت خيله الأنبار، فهو سفيان
بن عوف بن المغفل الغامدي، وغامد قبيلة من اليمن، وهي من الأزد، أزد شنوءة. واسم
غامد بن عبد الله بن كعب بن الحارث بن كعب ابن عبد الله بن مالك بن نصر بن
الأزد. وسمي غامداً لأنه كان بين قومه شر فأصلحه وتغمدهم بذلك. ورى إبراهيم عن عبد الله بن قيس، عن حبيب بن عفيف،
قال: كنت مع أشرس بن حسان البكري بالأنبار على مسلحتها، إذ صبحنا سفيان بن عوف
في كتائب تلمع الأبصار منها، فهالونا والله، وعلمنا إذ رأيناهم أنه ليس لنا طاقة
بهم ولا يد، فخرج إليهم صاحبنا وقد تفرقنا فلم يلقهم نصفنا، وايم الله لقد
قاتلناهم فأحسنا قتالهم، حتى كرهونا، ثم نزل صاحبنا، وهو يتلو قوله تعالى:
" فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً " . ثم قال
لنا: من كان لا يريد لقاء الله، ولا يطيب نفساً بالموت، فليخرج عن القرية ما
دمنا نقاتلهم، فإن قتالنا إياهم شاغل لهم عن طلب هارب، ومن أراد ما عند الله فما
عند الله خير للأبرار. ثم نزل في ثلاثين رجلاً، فهممت بالنزول معه، ثم أبت نفسي،
واستقدم هو وأصحابه، فقاتلوا حتى قتلوا رحمهم الله، وانصرفنا نحن منهزمين. ثم قام رجل آخر، فقال:
ما أحوج أمير المؤمنين اليوم وأصحابه إلى أصحاب النهروان. ثم تكلم الناس من كل
ناحية ولغطوا، وقام رجل منهم فقال بأعلى صوته: استبان فقد الأشتر على العراق!
أشهد لو كان حياً لقل اللغط، ولعلم كل امرئ ما يقول. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في الحث على التزود
للآخرة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
أما بعد، فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع، وإن الآخرة قد أقبلت وأشرقت باطلاع،
ألا وإن اليوم بمضمار، وغداً السباق، والسبقة الجنة والغاية النار. قوله: ألا فاعملوا في الرغبة، يقول: لا ريب أن
أحدكم إذا مسه الضر من مرض شديد، أو خوف مقلق، من عدو قاهر، فإنه يكون شديد
الإخلاص والعبادة، وهذه حال من يخاف الغرق في سفينة تتلاعب بها الأمواج، فهو عليه السلام أمر بأن يكون المكلف عاملاً أيام عدم الخوف، مثل عمله
وإخلاصه وانقطاعه إلى الله أيام هذه العوارض. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من مواعظ الصالحين
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ونحن نورد في هذا الفصل نكتاً من مواعظ
الصالحين يرحمهم الله، تناسب هذا المأخذ. فمما يؤثر عن أبي حازم الأعرج - كان في أيام بني أمية
- قوله لعمر بن عبد العزيز، وقد قال له: يا أبا
حازم، إني أخاف الله مما قد دخلت فيه، فقال: لست أخاف عليك أن تخاف؛ وإنما أخاف
عليك ألا تخاف. كان يقال: الدنيا جاهلة، ومن جهلها، أنها لاتعطي
أحداً ما يستحقه؛ إما أن تزيده، وإما أن تنقصه. قيل لمحمد بن واسع:
فلان زاهد، قال: وما قدر الدنيا حتى يحمد من يزهد فيها؟ رئي عبد الله بن المبارك
واقفاً بين مقبرة ومزبلة، فقيل له: ما أوقفك؟ قال: أنا بين كنزين من كنوز الدنيا
فيهما عبرة: هذا كنز الأموال، وهذا كنز الرجال. دخل الإسكندر مدينة فتحها، فسأل عمن
بقي من أولاد الملوك بها، فقيل: رجل يسكن
المقابر، فدعا به، فقال: ما دعاك إلى لزوم هذه المقابر؟ فقال: أحببت أن أميز بين
عظام الملوك وعظام عبيدهم، فوجدتها سواء. فقال: هل لك أن تتبعني فأحيي شرفك وشرف
آبائك، إن كانت لك همة! قال: همتي عظيمة، قال: وما همتك؟ قال: حياة لا موت معها،
وشباب لا هرم معه، وغنىً لا فقر معه، وسرور لا مكروه معه، فقال: ليس هذا عندي،
قال: فدعني ألتمسه ممن هو عنده. وقال مالك بن دينار:
غدوت إلى الجمعة، فجلست قريباً من المنبر، فصعد الحجاج، فسمعته يقول: امرؤ زور
عمله، امرؤ حاسب نفسه، امرؤ فكر فيما يقرؤه في صحيفته، ويراه في ميزانه، امرؤ
كان عند قلبه زاجر، وعند همه آمر، امرؤ أخذ بعنان قلبه، كما يأخذ الرجال بخطام
جمله، فإن قاده إلى الطاعة الله تبعه، وإن قاده إلى معصية الله كفه، إننا والله
ما خلقنا للفناء، وإنما خلقنا للبقاء، وإنما ننتقل من دار إلى دار. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في الكلام على المقابلة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وأما ما ذكره الرضي رحمه الله تعالى من
المقابلة بين السبقة والغاية، فنكتة جيدة من علم
البيان؛ ونحن نذكر فيها أبحاثاً نافعة، فنقول: إما أن يقابل الشيء ضده أو ما ليس بضده. فالأول
كالسواد والبياض؛ وهو قسمان: أحدهما مقابله في اللفظ
والمعنى، والثاني: مقابله في المعنى لا في اللفظ. قلت: أي حاجة به إلى هذا التكلف! وهل هذه الدعوى من الأمور التي يجوز أن يعتري الشك والشبهة
فيها، ليأتي بحكاية مواضع من غير كلام العرب يحتج بها! أليس كل قبيلة وكل أمة
لها لغة تختص بها! أليس الألفاظ دلالاتٍ على ما في الأنفس في المعاني! فإذا خطر
في النفس كلام يتضمن أمرين ضدين فلا بد لصاحب ذلك خاطر - سواء أكان عربياً أم
فارسياً أم زنجياً أم حبشياً - أن ينطق بلفظ يدل على تلك المعاني المتضادة، وهذا أمر يعم العقلاء كلهم، على أن تلك اللفظة التي
قالها، ما قيلت في موت قباذ، وإنما قيلت في موت
الإسكندر، لما تكلمت الحكماء وهم حول تابوته بما تكلموا به من الحكم .
وقال
آخر:
وقال
أبو تمام:
وكذلك
قال من هذه القصيدة أيضاً:
وأما
القسم الثاني من القسم الأول؛
وهو مقابلة الشيء بضده بالمعنى لا باللفظ، فكقول
المقنع الكندي:
فقوله:
إن تتابع لي غنىً، في قوة قوله: إن كثر مالي، والكثرة ضد القلة، فهو إذن مقابل بالمعنى لا باللفظ بعينه، ومن هذا الباب قول البحتري:
فقوله: لا أعلم ليس ضداً لقوله: أعلم، لكنه نقيض له؛ وفي قوة قوله: أجهل، والجهل ضد العلم،
ومن لطيف ما وقعت المقابلة به من هذا النوع قول أبي تمام:
فقابل
بين هاتا وبين تلك،
وهي مقابلةً معنوية لا لفظية، لأن هاتا للحاضرة، وتلك للغائبة،
والحضور ضد الغيبة،
وأما مقابلة الشيء لما ليس بضده، فإما أن يكون مثلاً أو مخالفاً.
فقال:
الآمال عوض الرجاء، قال أبو الطيب:
فقال:
خبير ولم يقل: عليم، قال: وإنما حسن ذلك، لأنه
ليس بجواب، وإنما هو كلام مبتدأ. قلت: الصحيح أن هذه الآيات، وهي قوله تعالى: " نسوا
الله فأنساهم أنفسهم " وما شابهها ليست من
باب المقابلة التي نحن في ذكرها، وأنها نوع آخر،
ولو سميت: المماثلة أو المكافأة لكان أولى، والدليل على ذلك أن هذا الرجل حد المقابلة في أول الباب الذي ذكر هذا البحث
فيه، فقال: إنها ضد التجنيس؛ لأن التجنيس أن يكون اللفظ واحداً مختلف
المعنى؛ وهذه لا بد أن تتضمن معنيين ضدين، وإن كان التضاد مأخوذاً من حدها، فقد
خرجت هذه الآيات من باب المقابلة، وكانت نوعاً آخر.
فقابل
الظلم بالمغفرة، وهي مخالفة له، ليست مثله ولا
ضده، وإنما الظلم ضد العدل؛ إلا أنه لما كانت
المغفرة قريبة من العدل حسنت المقابلة بينها
وبين الظلم، ونحو هذا قوله تعالى: "أشداء على
الكفار رحماء بينهم " ، فإن الرحمة ليست ضداً للشدة، وإنما ضد الشدة
اللين، إلا أنه لما كانت الرحمة سبباً للين حسنت
المقابلة بينها وبين الشدة.
فمذمومة
ليست في مقابلة واسعة، ولو كانت قالت: بضيقة
الأخلاق، كانت المقابلة صحيحة، والشعر مستقيماً.
وكذلك قول المتنبي:
فالمقابلة الصحيحة
بين المحب والمبغض؛ لا بين المحب والمجرم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في ذم المتخاذلين
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
أيها الناس، المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصم الصلاب؛
وفعلكم يطمع فيكم الأعداء. الشرح: حيدي حياد، كلمة يقولها الفار، وهي
نظيرة قولهم: فيحي فياح ، أي اتسعي ، وصمي صمام ، للداهية. وأصلها من حاد عن
الشيء، أي انحرف، وحياد مبنية على الكسر، وكذلك ما كان من بابها، نحو قولهم:
بدار، أي ليأخذ كل واحدٍ قرنه. وقولهم: خراج في لعبة للصبيان، أي اخرجوا.
وهذه الخطبة
خطب بها أمير المؤمنين عليه السلام في غارة الضحاك بن
قيس ، ونحن نقصها ههنا: |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من أخبار الضحاك بن قيس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
روى إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال
الثقفي في كتاب الغارات قال: كانت غارة الضحاك ابن قيس بعد
الحكمين، وقبل قتال النهروان، وذلك أن معاوية لما بلغه أن علياً عليه السلام بعد
واقعة الحكمين تحمل إليه مقبلاً، هاله ذلك، فخرج من دمشق معسكراً، وبعث إلى كور
الشام ، فصاح بها: إن علياً قد سار إليكم وكتب إليهم نسخة واحدة، فقرئت على الناس: أما بعد،
فإنا كنا كتبنا كتاباً بيننا وبين علي، وشرطنا فيه شروطاً، وحكمنا رجلين يحكمان
علينا وعليه بحكم الكتاب لا يعدوانه، وجعلنا عهد الله وميثاقه على من نكث العهد
ولم يمض الحكم، وإن حكمي الذي كنت حكمته أثبتني، وإن حكمه خلعه، وقد أقبل إليكم ظالماً، " فمن نكث فإنما ينكث على
نفسه " ، تجهزوا للحرب بأحسن الجهاز، واعدوا آلة القتال، وأقبلوا خفافاً
وثقالاً يسرنا الله وإياكم لصالح الأعمال!
فاجتمع إليه الناس من كل كورة وأرادوا المسير إلى صفين، فاستشارهم، وقال: إن
علياً قد خرج من الكوفة، وعهد العاهد به أنه فارق النخيلة . فمكثوا
يجيلون الرأي يومين أو ثلاثة، حتى قدمت عليهم عيونهم أن علياً اختلف عليه أصحابه
ففارقته منهم فرقة أنكرت أمر الحكومة، وأنه قد رجع عنكم إليهم. فكبر الناس
سروراً لانصرافه عنهم، وما ألقى الله عز وجل من الخلاف بينهم. فلم يزل معاوية
معسكراً في مكانه، منتظراً لما يكون من علي وأصحابه؛ وهل يقبل بالناس أم لا ؟ فما برح حتى جاء الخبر أن علياً قد قتل أؤلئك الخوارج، وأنه
أراد بعد قتلهم أن يقبل بالناس، وأنهم استنظروه ودافعوه. فسربذلك هو ومن قبله من الناس.
قال:
فأجابه الفضل بن العباس بن عتبة:
أما معنى قوله:
وما لابن ذكوان الصفوري، فإن الوليد، هو ابن
عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو، واسمه ذكوان بن أمية بن عبد شمس. وقد ذكر جماعة من النسابين أن ذكوان كان مولًى لأمية بن عبد
شمس، فتبناه وكناه أبا عمرو، فبنوه موالٍ وليسوا من بني أمية لصلبه.
والصفوري: منسوب إلى صفورية؛ قرية من قرى الروم. فردوا عليه رداً ضعيفاً ،
ورأى منهم عجزاً وفشلاً فقال: والله لوددت أن لي بكل
ثمانية منكم رجلاً منهم! ويحكم أخرجوا معي، ثم فروا عني ما بدا لكم.
فوالله ما أكره لقاء ربي على نيتي وبصيرتي، وفي ذلك روح لي عظيم، وفرج من
مناجاتكم ومقاساتكم. ثم نزل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما
ما ذكرته من غارة الضحاك على أهل الحيرة، فهو أقل وأزل من أن يلم بها أو يدنو
منها؛ ولكنه قد كان أقبل في جريدة خيل ، فأخذ على السماوة، حتى مر بواقصة وشراف
والقطقطانة مما والى ذلك الصقع، فوجهت إليه جنداً كثيفاً من المسلمين، فلما بلغه ذلك هارباً، فاتبعوه فلحقوه ببعض الطريق وقد أمعن،
وكان ذلك حين طفلت الشمس للإياب، فتناوشوا القتال قليلاً كلا ولا ، فلم يصبر
لوقع المشرفية وولى هارباً، وقتل من أصحابه بضعة عشر رجلاً، ونجا جريضاً بعد ما
أخذ منه بالمخنق، فلأيا بلأيٍ ما نجا. فأما ما سألتني أن أكتب لك برأيي
فيما أنا فيه، فإن رأيي جهاد المحلين حتى ألقى الله، لا يزيدني كثرة الناس معي
عزة، ولا تفرقهم عني وحشة، لأنني محق والله مع المحق، ووالله
ما أكره الموت على الحق وما الخير كله إلا بعد الموت لمن كان محقاً.
قال إبراهيم بن هلال الثقفي: وذكر محمد بن مخنف أنه سمع الضحاك بن قيس بعد ذلك بزمان
يخطب على منبر الكوفة، وقد كان بلغه أن قوماً من أهلها يشتمون عثمان ويبرأون
منه، قال: فسمعته يقول: بلغني أن رجالاً منكم
ضلالاً يشتمون أئمة الهدى، ويعيبون أسلافنا الصالحين، أما والذي ليس له ند ولا
شريك؛ لئن لم تنتهوا عما يبلغني عنكم، لأضعن فيكم سيف زياد، ثم لا تجدونني ضعيف
السورة ، ولا كليل الشفرة. أما إني لصاحبكم الذي أغرت على بلادكم، فكنت أول من
غزاها في الإسلام، وشرب من ماء الثعلبية ومن شاطئ الفرات، أعاقب من شئت، وأعفو
عمن شئت؛ لقد ذعرت المخدرات في خدورهن، وإن كانت المرأة ليبكي ابنها فلا ترهبه
ولا تسكته إلا بذكر اسمي. فاتقوا الله يا أهل العراق؛
أنا الضحاك بن قيس، أنا أبو أنيس، أنا قاتل عمرو بن عميس. قال إبراهيم الثقفي: وأصاب الضحاك في هربه من حجر عطش شديد، وذلك لأن الجمل الذي كان عليه ماؤه ضل فعطش، وخفق
برأسه خفقتين لنعاسٍ أصابه، فترك الطريق وانتبه، وليس معه إلا نفر يسير من
أصحابي، وليس منهم أحد معه ماء، فبعث رجالاً منهم في جانب يلتمسون الماء ولا
أنيس، فكان الضحاك بعد ذلك يحكي، قال: فرأيت
جادة فلزمتها، فسمعت قائلاً يقول:
قال:
واشرف علي رجل، فقلت: يا عبد الله، اسقني ماء، فقال: لا والله، حتى تعطيني ثمنه،
قلت: وما ثمنه! قال: ديتك، قلت: أما ترى عليك من الحق أن تقري الضيف ، فتطعمه
وتسقيه! قال: ربما فعلنا وربما بخلنا، قال: فقلت: والله ما أراك فعلت خيراً قط،
اسقني، قال: ما أطيق، قلت: فإني أحسن إليك وأكسوك، قال: لا والله لا أنقص شربة
من مائة دينار، فقلت له: ويحك! اسقني! فقال: ويحك! أعطني، قلت: لا والله ما هي
معي، ولكنك تسقيني، ثم تنطلق معي أعطيكها، قال: لا والله، قلت: اسقني وأرهنك
فرسي حتى أوفيكها، قال: نعم، ثم خرج بين يدي واتبعته، فأشرفنا على أخبية وناس
على ماء فقال لي: مكانك حتى آتيك. فقلت: بل أجيء معك، قال: وساءه حيث رأيت الناس
والماء، فذهب يشتد حتى دخل بيتاً، ثم جاء بماء في إناء، فقال: اشرب، فقلت: لا
حاجة لي فيه. ثم دنوت من القوم، فقلت: اسقوني ماء، فقال شيخ لابنته اسقيه، فقامت
ابنته فجاءت بماء ولبن، فقال ذلك الرجل: نجيتك من العطش، وتذهب بحقي! والله لا
أفارقك حتى أستوفي منك حقي، فقلت: اجلس حتى أوفيك. فجلس، فنزلت فأخذت الماء
واللبن من يد الفتاة، فشربت واجتمع إلي أهل الماء، فقلت
لهم: هذا ألأم الناس! فعل بي كذا وكذا! وهذا الشيخ خير منه وأسدى،
استسقيته فلم يكلمني وأمر ابنته فسقتني، وهو الآن يلزمني بمائة دينار. فشتمه أهل
الحي، ووقعوا به، ولم يكن بأسرع من أن لحقني قوم من
أصحابي، فسلموا علي بالإمرة، فارتاب الرجل وجزع، وذهب يريد أن يقوم،
فقلت: والله لا تبرح حتى أوفيك المائة، فجلس ما يدري ما الذي أريد به! فلما كثر
جندي عندي سرحت إلى ثقلي ، فأتيت به، ثم أمرت بالرجل
فجلد مائة جلدة، ودعوت الشيخ وابنته فأمرت لهما بمائة دينار وكسوتهما، وكسوت أهل
الماء ثوباً ثوباً، وحرمته. فقال أهل الماء: كان أيها الأمير أهلاً لذلك.
وكنت لما أتيت من خير أهلاً. فلما رجعت إلى معاوية، وحدثته عجب، وقال: لقد رأيت
في سفرك هذا عجباً. فلما ارتحل عن أمير
المؤمنين عليه السلام أتى معاوية فنصب له
كراسيه، وأجلس جلساءه حوله، فلما ورد عليه أمر له بمائة ألف فقبضها، ثم
غدا عليه يوماً بعد ذلك، وبعد وفاة أمير المؤمنين عليه
السلام، وبيعة الحسن لمعاوية، وجلساء معاوية حوله، فقال: يا أبا يزيد، أخبرني عن عسكري وعسكر أخيك، فقد وردت عليهما، قال: أخبرك، مررت بعسكر أخي، فإذا ليل كليل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونهار كنهار
رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس
في القوم؛ ما رأيت إلا مصلياً، ولا سمعت إلا قارئاً.
ومررت بعسكرك، فاستقبلني قوم من المنافقين ممن نفر برسول الله ليلة
العقبة، ثم قال: من هذا عن يمينك يا معاوية؟ قال:
هذا عمرو بن العاص، قال: هذا الذي اختصم فيه ستة نفر، فغلب
عليه جزار قريش! فمن الآخر؟ قال: الضحاك بن قيس الفهري قال: أما والله لقد كان أبوه جيد الأخذ لعسب التيوس؟ فمن هذا الآخر؟ قال: أبو موسى الأشعري، قال:
هذا ابن السراقة، فلما رأى معاوية أنه قد أغضب جلساءه، علم أنه إن استخبره عن نفسه، قال فيه سوءاً، فأحب أن يسأله ليقول
فيه ما يعلمه من السوء، فيذهب بذلك غضب جلسائه، قال: يا أبا يزيد، فما تقول فيّ؟ قال: دعني من هذا! قال: لتقولن، قال: أتعرف حمامة؟ قال: ومن
حمامة يا أبا يزيد؟ قال: قد أخبرتك، ثم قام فمضى، فأرسل معاوية إلى
النسابة، فدعاه، فقال: من حمامة؟ قال: ولي الأمان؟ قال: نعم، قال: حمامة جدتك أم أبي
سفيان، كانت بغياً في الجاهلية صاحبة راية ، فقال معاوية لجلسائه: قد ساويتكم وزدت عليكم فلا تغضبوا. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في معنى قتل عثمان
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
لو أمرت به لكنت قاتلاً، أو نهيت عنه لكنت ناصراً؛ غير أن من نصره لا يستطيع أن
يقول: خذله من أنا خير منه، ومن خذله لا يستطيع أن يقول: نصره من هو خير مني،
وأنا جامع لكم أمره؛ استأثر فأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع، ولله حكم واقع
في المستأثر والجازع.
وهذا شعر خبيث منكر، ومقصد عميق، وما قال هذا الشعر إلا بعد أن نقل إلى أهل الشام كلام كثير
لأمير المؤمنين عليه السلام في عثمان يجري هذا المجرى، نحو قوله: ما سرني ولا
ساءني. وقيل له: أرضيت بقتله؟ فقال: لم أرض، فقيل له:
أسخطت قتله؟ فقال: لم أسخط. وقوله تارة: الله قتله وأنا معه، وقوله تارة أخرى: ما قتلت عثمان ولا مالأت في قتله. وقوله تارة أخرى: كنت رجلاً من المسلمين أوردت إذ
أوردوا، وأصدرت إذ أصدروا. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
المؤرخون يروون أخبار مقتل عثمان
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ويجب أن نذكر في هذا الموضع ابتداء اضطراب الأمر
على عثمان إلى أن قتل. وأصح ما ذكر في ذلك ما أورده أبو
جعفر محمد بن جرير الطبري في التاريخ. أعظم عليكم أمر الإسلام فتذكرني الجاهلية! أخزى
الله قوماً عظموا أمركم! افقهوا عني ولا أظنكم تفقهون؛ إن قريشاً لم تعز في
جاهلية ولا إسلام إلا بالله وحده؛ لم تكن بأكثر العرب ولا أشدها، ولكنهم كانوا
أكرمهم أحساباً، وأمحضهم أنساباً، وأكملهم مروءة، ولم يمتنعوا في الجاهلية -
والناس يأكل بعضهم بعضاً - إلا بالله، فبوأهم حرماً آمناً يتخطف الناس من حوله. هل تعرفون عرباً أو عجماً، أو سوداً أو حمراً إلا وقد أصابهم
الدهر وحرمهم، إلا ما كان من قريش، فإنه لم يردهم أحد من الناس بكيد إلا جعل
الله خده الأسفل، حتى أراد الله تعالى أن يستنقذ من أكرمه باتباع دينه من
هوان الدنيا، وسوء مرد الآخرة، فارتضى لذلك خير خلقه، ثم ارتضى له أصحابنا، وكان
خيارهم قريشاً. ثم بنى هذا الملك عليهم، وجعل هذه الخلافة فيهم، فلا يصلح الأمر
إلا بهم؛ وقد كان الله يحوطهم في الجاهلية وهم على
كفرهم، أفتراه لا يحوطهم وهم على دينه! أفٍ لك ولأصحابك! أما أنت يا صعصعة، فإن قريتك شر القرى، أنتنها نبتاً
وأعمقها وادياً، وألأمها جيراناً، وأعرفها بالشر، لم يسكنها شريف قط ولا وضيع
إلا سب بها، نزاع الأمم وعبيد فارس، وأنت شر قومك. أحين أبرزك الإسلام، وخلطك
بالناس، أقبلت تبغي دين الله عوجاً، وتنزع الغواية! إنه لن يضر ذلك قريشاً ولا
يضعهم، ولا يمنعهم من تأدية ما عليهم، إن الشيطان عنكم لغير غافل، قد عرفكم
بالشر، فأغراكم بالناس، وهو صارعكم، وإنكم لا تدركون بالشر أمراً إلا فتح عليكم
شر منه وأخزى. لقد أذنت لكم فاذهبوا حيث شئتم، لا ينفع الله بكم أحداً أبداً،
ولا يضره، ولستم برجال منفعة ولا مضرة، فإن أردتم النجاة فالزموا جماعتكم ولا
تبطرنكم النعمة، فإن البطر لا يجر خيراً. اذهبوا حيث شئتم، فسأكتب إلى أمير
المؤمنين فيكم. فوثبوا على معاوية فأخذوا برأسه
ولحيته فقال: مه! إن هذه ليست بأرض الكوفة، والله لو رأى
أهل الشام ما صنعتم بي وأنا إمامهم ما ملكت أن أنهاهم عنكم حتى يقتلوكم؛ فلعمري
إن صنيعكم يشبه بعضه بعضاً. فرد عثمان عماله إلى أعمالهم، وأمرهم
بتجهيز الناس في البعوث، وعزم على أن يحرمهم أعطياتهم ليطيعوه،
ورد سعيد بن العاص إلى الكوفة،
فتلقاه أهلها بالجرعة - وكانوا قد كرهوا إمارته، وذموا سيرته - فقالوا له: ارجع
إلى صاحبك، فلا حاجة لنا فيك. فهم بأن يمضي لوجهه ولا يرجع، فكثر الناس عليه، فقال له قائل: ما هذا! أترد السيل عن أدراجه! والله لا
يسكن الغوغاء إلا المشرفية ، ويوشك أن تنتضى بعد اليوم، ثم يتمنون ما هم اليوم
فيه فلا يرد عليهم. فارجع إلى المدينة، فإن الكوفة ليست لك بدار. قال أبو جعفر:
وقال معاوية لعثمان: اخرج معي إلى الشام، فإنهم على الطاعة قبل أن يهجم عليك ما
لا قبل لك به، فقال: لا أبيع جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء، وإن كان
فيه قطع خيط عنقي. قال: فأبعث إليك جنداً من الشام يقيم معك لنائبة إن نابت
المدينة أو إياك. فقال: لا أضيق على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
والله لتغتالن، فقل: حسبي الله ونعم الوكيل. وقام بالكوفة نفر يحرضون الناس على نصر عثمان
وإعانة أهل المدينة، منهم عقبة بن عمر، وعبد الله بن أبي أوفى، وحنظلة الكاتب،
وكل هؤلاء من الصحابة، ومن التابعين مسروق، والأسود، وشريح، وغيرهم. وروى أبو جعفر قال:
لما نزل القوم ذا خشب يريدون قتل عثمان إن لم
ينزع عما يكرهون، وعلم عثمان ذلك، جاء إلى منزل علي
عليه السلام، فدخل وقال: يابن عم، إن قرابتي قريبة، ولي عليك حق، وقد جاء
ما ترى من هؤلاء القوم وهم مصبحي، ولك عند الناس قدر، وهم يسمعون منك، وأحب أن تركب إليهم فتردهم عني، فإن في دخولهم علي
وهناً لأمري ، وجرأةً علي. فقال عليه السلام: على
أي شيء أردهم؟ قال: على أن أصير إلى ما أشرت به، ورأيته لي. فقال علي عليه السلام: إني قد كلمتك مرة بعد أخرى، فكل ذلك تخرج وتقول، وتعد ثم ترجع! وهذا من فعل مروان ومعاوية وابن عامر وعبد الله بن سعد، فإنك
أطعتهم وعصيتني! قال عثمان: فإني أعصيهم وأطيعك. فرجع الناس خائبين
يشتمون عثمان ومروان، وأتى بعضهم علياً عليه السلام فأخبره
الخبر، فأقبل علي عليه السلام على عبد الرحمن بن الأسود
بن عبد يغوث الزهري، فقال: أحضرت خطبة عثمان؟ فقال: نعم، قال: أحضرت مقالة مروان للناس؟ قال: نعم، فقال: أي
عباد الله، يا لله للمسلمين! إني إن قعدت في بيتي، قال
لي: تركتني وخذلتني! وإن تكلمت فبلغت له ما
يريد، جاء مروان فتلعب به حتى قد صار سيقةً له، يسوقه
حيث يشاء، بعد كبر السن وصحبته الرسول صلى الله عليه وسلم. وقام مغضباً
من فوره حتى دخل على عثمان، فقال له: أما يرضى مروان منك إلا أن يحرفك عن دينك
وعقلك! فأنت معه كجمل الظعينة ، يقاد حيث يسار به؛ والله
ما مروان بذي رأيٍ في دينه ولا عقله، وإني لأراه يوردك ثم لا يصدرك، وما أنا عائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك؛ أفسدت شرفك، وغلبت على
رأيك. ثم نهض. قال أبو جعفر: كان عثمان
مستضعفاً، طمع فيه الناس بأفعاله وباستيلاء بني أمية عليه، وكان ابتداء
الجرأة عليه أن إبلاً من إبل الصدقة قدم بها عليه، فوهبها
لبعض ولد الحكم بن أبي العاص، فبلغ ذلك عبد
الرحمن بن عوف، فأخذها وقسمها بين الناس وعثمان في داره، فكان ذلك أول وهن دخل على خلافة عثمان. وقيل: إنه خطب
يوماً وبيده عصا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يخطبون عليها، فأخذها جهجاه الغفاري من يده، وكسرها على ركبته، فلما
تكاثرت أحداثه، وتكاثر طمع الناس فيه، كتب جمع من أهل المدينة من الصحابة وغيرهم
إلى من بالآفاق: إن كنتم تريدون الجهاد، فهلموا إلينا
فإن دين محمد قد أفسده خليفتكم فاخلعوه، فاختلفت عليه القلوب، وجاء
المصريون وغيرهم إلى المدينة حتى حدث ما حدث. فخرج علي عليه السلام إلى الناس، فقال:
إنكم إنما تطلبون الحق وقد أعطيتموه، وإنه منصفكم من نفسه، فسأله الناس أن
يستوثق لهم، وقالوا: إنا لا نرضى بقول دون فعل، فدخل عليه فأعلمه، فقال: اضرب
بيني وبين الناس أجلاً، فإني لا أقدر على تبديل ما كرهوا في يوم واحد، فقال علي عليه السلام: أما ما كان بالمدينة فلا أجل
فيه، وأما ما غاب فأجله وصول أمرك، قال: نعم، فأجلني فيما بالمدينة ثلاثة أيام.
فأجابه إلى ذلك، وكتب بينه وبين الناس كتاباً على رد كل مظلمة، وعزل كل عامل
كرهوه. فكف الناس عنه، وجعل يتأهب سراً للقتال، ويستعد بالسلاح، واتخذ جنداً، فلما مضت الأيام الثلاثة ولم يغير شيئاً ثار به الناس،
وخرج قوم إلى من بذي خشب من المصريين، فأعلموهم الحال، فقدموا المدينة، وتكاثر
الناس عليه، وطلبوا منه عزل عماله ورد مظالمهم، فكان جوابه لهم: إني إن كنت
أستعمل من تريدون لا من أريد، فلست إذن في شيء من الخلافة، والأمر أمركم. فقالوا: والله لتفعلن أو
لتخلعن أو لنقتلنك. فأبى عليهم وقال: لا أنزع سربالاً سربلنيه الله. فحصروه
وضيقوا الحصار عليه. وروى أبو جعفر قال:
أشرف عثمان عليهم يوماً، فقال: أنشدكم الله، هل تعلمون أني اشتريت بئر رومة
بمالي، أستعذب بها وجعلت رشائي فيها كرجل من المسلمين! قالوا: نعم، قال: فلم
تمنعونني أن أشرب منها حتى أفطر على ماء البحر! ثم قال: أنشدكم الله، هل تعلمون
أني اشتريت أرض كذا، فزدتها في المسجد؟ قالوا: نعم، قال: فهل علمتم أن أحداً منع
أن يصلي فيه قبلي!. وقيل: بل طعن جبينه بمشقص كان في يده، فثار سودان بن حمران، وأبو حرب الغافقي وقتيرة بن وهب
السكسكي، فضربه الغافقي بعمود كان في يده، وضرب المصحف برجله ، وكان في
حجره، فنزل من بين يديه وسال عليه الدم. وكان
ممن خرج إليه وسار إليه، وحبس ضابئ بن الحارث البرجمي، لأنه هجا قوماً فنسبهم
إلى أن كلبهم ياتي أمهم، فقال لهم:
فاستعدوا
عليه عثمان، فحبسه فمات في السجن، فلذلك حقد ابنه عمير عليه وكسر أضلاعه بعد قتله. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
لما أنفذ عبد الله بن عباس إلى
الزبير قبل وقوع الحرب يوم الجمل ليستفيئه إلى طاعته :
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
لا تلقين طلحة، فإنك إن لقيته تجده كالثور عاقصاً قرنه، يركب الصعب ويقول: هو
الذلول؛ ولكن الق الزبير، فإنه ألين عريكة، فقل له: يقول لك ابن خالك: عرفتني
بالحجاز؛ وأنكرتني بالعراق؛ فما عدا مما بدا! قال الرضي رحمه الله: وهو عليه
السلام أول من سمعت منه هذه الكلمة - أعني: فما عدا مما بدا.
و من ههنا بمعنى عن؛ وقد جاءت في كثير من كلامهم كذلك، قال
ابن قتيبة في أدب الكاتب: قالوا: حدثني فلان بن فلان، أي عن فلان، ولهيت
عن كذا، أي عنه، ويصير ترتيب الكلام وتقديره: فما صرفك عما بدا منك! أي ظهر،
والمعنى: ما الذي صدك عن طاعتي بعد إظهارك لها! وحذف الضمير المفعول المنصوب
كثير جداً، كقوله تعالى: " واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا " ، أي
أرسلناه، ولا بد من تقديره، كي لا يبقى الموصول بلا عائد. وقوله: مما كان بدا
منك، فسره في الأول والثاني بتفسير واحد، فلم
يبق بين الوجهين تفاوت. وأما الزيادة الفاسدة فظنه أن عدا يتعدى إلى مفعولين، وأنه
قد حذف الثاني، وهذا غير صحيح، لأن عدا ليس من
الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين بإجماع النحاة، ومن العجب تفسيره المفعول الثاني
المحذوف على زعمه بقوله: أي ما عداك، وهذا المفعول المحذوف ههنا هو مفعول عدا
الذي لا مفعول لها غيره، فلا يجوز أن يقال إنه أول ولا ثان. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من أخبار عبد الله بن الزبير وأبيه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
كان عبد الله بن الزبير هو
الذي يصلي بالناس في أيام الجمل، لأن طلحة
والزبير تدافعا الصلاة، فأمرت عائشة عبد
الله أن يصلي قطعاً لمنازعتهما، فإن ظهروا كان
الأمر إلى عائشة، تستخلف من شاءت. برز علي عليه السلام بين الصفين حاسراً ،وقال: ليبرز إلي الزبير، فبرز إليه مدججاً؛ فقيل لعائشة: قد برز الزبير إلى علي عليه السلام، فصاحت: وازبيراه! فقيل لها: لا بأس عليه منه، إنه حاسر
والزبير دارع - فقال له: ما حملك يا أبا عبد الله على ما صنعت؟ قال: أطلب بدم
عثمان، قال: أنت وطلحة وليتماه، وإنما نوبتك من ذلك أن تقيد به نفسك وتسلمها إلى
ورثته، ثم قال: نشدتك الله! أتذكر يوم مررت بي ورسول
الله صلى الله عليه وسلم متكئ على يدك، وهو جاءٍ من بني عمرو بن عوف، فسلم علي
وضحك في وجهي، فضحكت إليه، لم أزده على ذلك، فقلت: لا يترك ابن أبي طالب
يا رسول الله زهوه! فقال لك: " مه إنه ليس بذي
زهو، أما إنك ستقاتله وأنت ظالم له "! فاسترجع الزبير وقال: لقد كان ذلك، ولكن الدهر أنسانيه، ولأنصرفن عنك، فرجع، فأعتق
عبده سرجس تحللاً من يمين لزمته في القتال، ثم أتى عائشة، فقال لها: إني
ما وقفت موقفاً قط، ولا شهدت حرباً إلا ولي رأي وبصيرة إلا
هذه الحرب، وإني لعلى شك من أمري، وما أكاد أبصر موضع قدمي. فقالت له: يا أبا عبد الله، أظنك فرقت سيوف ابن أبي طالب؛ إنها
والله سيوف حداد، معدة للجلاد، تحملها فئة أنجاد ولئن
فرقتها لقد فرقها الرجال قبلك، قال: كلا، ولكنه ما قلت لك، ثم انصرف.
لن
أدعهم حتى أؤلف بينهم! قال: فأردت منه جواباً غير ذلك،
فقال لي ابنه عبد الله: قل له: بيننا وبينك دم
خليفة ووصية خليفة، واجتماع اثنين، وانفراد واحد، وأم مبرورة، ومشاورة العشيرة،
قال: فعلمت أنه ليس وراء هذا الكلام إلا الحرب؛ فرجعت
إلى علي عليه السلام فأخبرته.
لن
أدعهم حتى أؤلف بينهم! فقال: لم أقله. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في الكلام على الاستدراج
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أن في علم البيان باباً يسمى باب
الخداع والاستدراج، يناسب ما يذكره فيه علماء البيان قول أمير المؤمنين عليه السلام: يقول لك ابن خالك:
عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق! قالوا: ومن ذلك قول الله تعالى حكايةً عن مؤمن
آل فرعون: " وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم
إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك
كاذباً فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو
مسرف كذاب " ، فإنه أخذ معهم في الاحتجاج بطريق التقسيم، فقال: هذا
الرجل إما أن يكون كاذباً فكذبه يعود عليه ولا
يتعداه، وإما أن يكون صادقاً فيصيبكم بعض ما
يعدكم به، ولم يقل: كل ما يعدكم به، مخادعةً لهم
وتلطفاً؛ واستمالة لقلوبهم كي لا ينفروا منه لو أغلظ في القول، وأظهر لهم أنه
يهضمه بعض حقه. وقوله لأهل الشام:
إن أبا لهب المذموم في القرآن باسمه عم علي بن أبي طالب.
فارتاع أهل الشام لذلك، وشتموا علياً ولعنوه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له عليه السلام في جور
الزمان
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أيها الناس،
إنا قد أصبحنا في دهرٍ عنود، وزمنٍ شديدٍ، يعد فيه المحسن مسيئاً، ويزداد الظالم
فيه عتواً، لا ننتفع بما علمنا، ولا نسأل عما جهلنا، ولا نتخوف قارعةً حتى تحل
بنا. والناس على أربعة أصناف: منهم من لا يمنعه الفساد في الأرض إلا مهانة نفسه
وكلالة حده، ونضيض وفره. الشرح: دهر عنود: جائر، عَنَد عن الطريق، يعنُد بالضم، أي عدل وجار. ويمكن أن يكون من عند يعنِد بالكسر، أي خالف ورد الحق وهو يعرفه، إلا أن اسم الفاعل
المشهور في ذلك عاند وعنيد، وأما عنود فهو اسم فاعل، من عند يعنُد بالضم. والمقنب:
خيل ما بين الثلاثين والأربعين.
والقرظ:
ورق السلم، يدبغ به، وحثالته: ما يسقط منه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في ذم
الرياء والشهرة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أن هذه الخطبة
تتضمن الذم لكثير ممن يدعي الآخرة من أهل زماننا، وهم أهل الرياء والنفاق،
ولابسوا الصوف والثياب المرقوعة لغير وجه الله. وقال علي عليه السلام: للمرائي أربع علامات: يكسل إذا
كان وحده، وينشط إذا كان في الناس، ويزيد في العمل إذا أثني عليه، وينقص منه إذا
لم يثن عليه. وقال الحسن:
لقد صبحت أقواماً، إن كان أحدهم لتعرض له الكلمة لو نطق بها لنفعته ونفعت
أصحابه، ما يمنعه منها إلا مخافة الشهرة، وإن كان أحدهم ليمر فيرى الأذى على
الطريق فما يمنعه أن ينحيه إلا مخافة الشهرة. وروي أن عمر دخل على المسجد،
فإذا بمعاذ بن جبل يبكي عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما يبكيك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "
إن اليسير من الرياء لشرك، وإن الله يحب الأتقياء الأخفياء، الذين إذا غابوا لم
يفتقدوا، وإذا حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، ينجون من كل غبراء مظلمة
". |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
عند خروجه لقتال أهل البصرة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
قال عبد الله بن العباس: دخلت على أمير المؤمنين بذي
قار وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذا النعل؟
فقلت: لا قيمة لها، فقال: والله لهي أحب إلي من إمرتكم؛ إلا أن أقيم حقاً، أو
أدفع باطلاً، ثم خرج فخطب الناس فقال: إن الله سبحانه وتعالى بعث محمداً
صلى الله عليه وآله، وليس أحد من العرب يقرأ كتاباً ولا يدعي نبوةً، فساق الناس
حتى بوأهم محلتهم، وبلغهم منجاتهم، فاستقامت قناتهم، واطمأنت صفاتهم.
الشرح:
ذو قار: موضع قريب من البصرة، وهو المكان الذي كانت فيه
الحرب بين العرب والفرس، ونصرت العرب على الفرس قبل الإسلام، ويخصف نعله،
أي يخرزها. وشبه عليه السلام أمر الجاهلية؛
أما بعجاجة ثائرة، أو بكتيبة مقبلة للحرب، فقال:
إني طردتها فولت بين يدي، ولم أزل في ساقتها أنا أطردها وهي تنطرد أمامي؛ حتى
تولت بأسرها ولم يبق منها شيء ما عجزت عنها، ولا جبنت منها. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
حذيفة بن اليمان
وخبر يوم ذي قار
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وروى أبو مخنف عن الكلبي، عن أبي صالح، عن زيد بن علي، عن ابن عباس، قال: لما نزلنا مع علي عليه السلام
ذا قار، قلت: يا أمير المؤمنين، ما أقل من يأتيك
من أهل الكوفة فيما أظن! فقال: والله ليأتيني منهم ستة
آلاف وخمسمائةٍ وستون رجلاً؛ لا يزيدون ولا ينقصون.
قال أبو مخنف: فلما قدم أهل الكوفة على علي عليه
السلام، سلموا عليه، وقالوا: الحمد لله يا أمير المؤمنين اختصنا بموازرتك،
وأكرمنا بنصرتك، قد أجبناك طائعين غير مكرهين، فمرنا بأمرك. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في
استنفار إلى أهل الشام
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أفٍ لكم! لقد سئمت عتابكم. أرضيتم
بالحياة الدنيا من الآخرة عوضاً، وبالذل من العز خلفاً! إذا دعوتكم إلى جهاد
عدوكم دارت أعينكم؛ كأنكم من الموت في غمرةٍ، ومن الذهول في سكرةٍ. يرتج عليكم
حواري فتعمهون؛ فكأن قلوبكم مألوسة، فأنتم لا تعقلون. ما أنتم بثقةٍ سجيس
الليالي، وما أنتم بركنٍ يمال بكم، ولا زوافر عز يفتقر إليكم. ما أنتم إلا كإبلٍ
ضل رعاتها، فكلما جمعت من جانبٍ انتشرت من آخر. لبئس
لعمر الله سعر نار الحرب أنتم! تكادون ولا تكيدون، وتنتقص أطرافكم فلا تمتعضون؛
لا ينام عنكم وأنتم في غفلةٍ ساهون. غلب والله المتخاذلون! وايم الله؛ إني لأظن
بكم أن لو حمس الوغى، واستحر الموت؛ قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج الرأس.
والله إن امرأً يمكن عدوه من نفسه، يعرق لحمه، ويهشم عظمه، ويفري جلده، لعظيم
عجزه، ضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره. أنت فكن ذاك إن شئت؛ فأما أنا والله دون أن
أعطي ذلك ضرب بالمشرفية تطير منه فراش الهام، وتطيح السواعد والأقدام، ويفعل
الله بعد ذلك ما يشاء.
خطب أمير المؤمنين عليه السلام بهذه الخطبة، بعد
فراغه من أمر الخوارج، وقد كان قام بالنهروان، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أما بعد، فإن
الله قد أحسن نصركم، فتوجهوا من فوركم هذا إلى عدوكم من أهل الشام. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أول
خطبة لعلي بالكوفة بعد قدومه من حرب الخوارج:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وروى نصر بن مزاحم، عن عمرو بن سعد، عن نمير بن وعلة، عن أبي وداك،
قال:
لما كره القوم المسير إلى الشام عقيب واقعة النهروان، أقبل به أمير المؤمنين، فأنزلهم النخيلة، وأمر الناس أن يلزموا معسكرهم، ويوطنوا على
الجهاد أنفسهم، وأن يقلوا زيارة النساء وأبناؤهم، حتى يسير بهم إلى عدوهم،
وكان ذلك هو الرأي لو فعلوه، لكنهم لم يفعلوا، وأقبلوا يتسللون ويدخلون الكوفة.
فتركوه عليه السلام وما معه من الناس إلا رجال من وجوههم قليل، وبقي المعسكر
خالياً، فلا من دخل الكوفة خرج إليه، ولا من أقام معه
صبر. فلما رأى ذلك دخل الكوفة. وروى أبو نعيم الحافظ، قال: حدثنا أبو عاصم الثقفي، قال:
جاءت امرأة من بني عبس إلى علي عليه السلام، وهو يخطب بهذه الخطبة على
منبر الكوفة، فقالت: يا أمير المؤمنين، ثلاث بلبلن
القلوب عليك، قال: وما هن ويحك! قالت: رضاك بالقضية، وأخذك بالدنية،
وجزعك عند البلية. فقال: إنما أنت امرأة، فاذهبي فاجلسي
على ذيلك، فقالت: لا والله ما من جلوس إلا تحت ظلال السيوف. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نبذ
من فضائل الإمام علي
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
روى علي بن محمد بن أبي سيف المدائني عن فضيل بن الجعد، قال:
آكد الأسباب في تقاعد العرب عن أمير المؤمنين أمر المال، فإنه لم يكن يفضل
شريفاً على مشروف، ولا عربياً على عجمي، ولا يصانع الرؤساء وأمراء القبائل كما
يصنع الملوك، ولا يستميل أحداً إلى نفسه، وكان معاوية
بخلاف ذلك، فترك الناس علياً والتحقوا؛ فشكا علي عليه السلام إلى الأشتر
تخاذل أصحابه، وفرار بعضهم إلى معاوية، فقال الأشتر:
يا أمير المؤمنين، إنا قاتلنا أهل البصرة بأهل البصرة
وأهل الكوفة، ورأي الناس واحد، وقد اختلفوا بعد، وتعادوا وضعفت النية، وقل
العدد، وأنت تأخذهم بالعدل، وتعمل فيهم بالحق، وتنصف الوضيع من الشريف؛
فليس للشريف عندك فضل منزلةٍ على الوضيع، فضجت طائفة ممن معك من الحق إذ عموا
به، واغتموا من العدل إذ صاروا فيه، ورأوا صنائع معاوية عند أهل الغناء والشرف،
فتاقت أنفس الناس إلى الدنيا، وقل من ليس للدنيا بصحب، وأكثرهم يجتوي الحق
ويشتري الباطل، ويؤثر الدنيا، فإن تبذل المال يا أمير
المؤمنين تمل إليك أعناق الرجال، وتصف نصيحتهم لك، وتستخلص ودهم، صنع لك يا أمير
المؤمنين! وكبت أعداءك، وفض جمعهم، وأوهن كيدهم، وشتت أمورهم، إنه بما يعملون
خبير. وأما
ما ذكرت من أن الحق ثقل عليهم ففارقونا لذلك، فقد علم الله أنهم لم يفارقونا من
جور، ولا لجأوا إذ فارقونا إلى عدل، ولم يلتمسوا إلا دنيا زائلة عنهم كان قد
فارقوها، وليسألن يوم القيامة: أللدنيا أرادوا أم لله عملوا؟ وأما ما ذكرت من
بذل الأموال واصطناع الرجال، فإنه لا يسعنا أن نؤتي امرأً من الفيء أكثر من حقه،
وقد قال الله سبحانه وتعالى وقوله الحق: "
كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن الله والله مع الصابرين " وقد بعث
الله محمداً صلى الله عليه وسلم وحده، فكثره بعد قلة، وأعز فئته بعد الذلة، وإن
يرد الله أن يولينا هذا الأمر يذلل لنا صعبه، ويسهل لنا حزنه، وأنا قابل من رأيك
ما كان لله عز وجل رضاً، وأنت من آمن الناس عندي، وأنصحهم لي، وأوثقهم في نفسي
إن شاء الله.
ثم أقرع عليها ودفعها إلى رؤوس
الأسباع، فجعل كل منهم يدعو قومه فيحملون الجواليق. وروى أبو إسحاق الهمداني أن امرأتين أتتا علياً عليه السلام: إحداهما
من العرب والأخرى من الموالي، فسألتاه، فدفع إليهما دراهم وطعاماً بالسواء،
فقالت إحداهما: إني امرأة من العرب، وهذه من العجم، فقال: إني والله لا أجد لبني
إسماعيل في هذا الفيء فضلاً على بني إسحاق. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
خطبة له بعد التحكيم
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح، والحدث الجليل؛ وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، ليس معه إله غيره، وأن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه
وآله.
الشرح:
الخطب الفادح: الثقيل، ونخلت لكم، أي أخلصته، من نخلت الدقيق بالمنخل.
وهذه الألفاظ من خطبة خطب بها عليه السلام بعد خديعة
ابن العاص لأبي موسى وافتراقهما، وقبل وقعة النهروان.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
التحكيم
وظهور الخوارج
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ويجب
أن نذكر في هذا الفصل أمر التحكيم، كيف كان، وما
الذي دعا إليه! فنقول: إن الذي دعا إليه طلب أهل الشام
له، واعتصامهم به من سيوف أهل العراق؛ فقد كانت إمارات القهر والغلبة لاحت،
ودلائل النصر والظفر وضحت، فعدل أهل الشام عن القراع إلى الخداع، وكان ذلك برأي
عمرو بن العاص، وهذه الحال وقعت عقيب ليلة الهرير ، وهي الليلة العظيمة
التي يضرب بها المثل. قال: وخرج رجل من أهل الشام فنادى بين الصفين:
يا أبا الحسن، يا علي، ابرز إلي. فخرج إليه علي عليه السلام، حتى اختلفت أعناق
دابتيهما بين الصفين، فقال: إن لك يا علي لقدماً في الإسلام والهجرة، فهل لك في
أمر أعرضه عليك، يكون فيه حقن هذه الدماء، وتأخر هذه الحروب، حتى ترى رأيك؟ قال:
وما هو؟ قال: ترجع إلى عراقك، فنخلي بينك وبين العراق، ونرجع نحن إلى شامنا
فتخلي بيننا وبين الشام. قال نصر: وحدثنا عمرو بن شمر عن جابر بن عمير الأنصاري، قال: والله لكأني أسمع علياً يوم الهرير،
وذلك بعد ما طحنت رحا مذحج، فيما بينها وبين عك لخم وجذام والأشعريين بأمر عظيم
تشيب منه النواصي، حتى استقلت الشمس، وقام قائم الظهر،
وعلي عليه السلام يقول لأصحابه: حتى متى نخلي بين هذين الحيين! قد فنيا
وأنتم وقوف تنظرون! أما تخافون مقت الله! ثم انفتل إلى القبلة، ورفع يديه إلى
الله عز وجل، ونادى: يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا
واحد، يا أحد، يا صمد! يا الله، يا إله محمد؛ اللهم إليك نقلت الأقدام، وأفضت
القلوب، ورفعت الأيدي، ومدت الأعناق، وشخصت الأبصار، وطلبت الحوائج! اللهم إنا
نشكو إليك غيبة نبينا، وكثرة عدونا، وتشتت أهوائنا، " ربنا افتح بيننا وبين
قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين " سيروا على بركة الله، ثم نادى: لا إله إلا
الله والله أكبر، كلمة التقوى.
قال: يقول واحد لصاحبه في تلك الحال: أي رجل هذا
لو كانت له نية! فيقول صاحبه: وأي نية أعظم من هذه ثكلتك أمك وهبلتك! إن رجلاً
كما ترى قد سبح في الدم، وما أضجرته الحرب، وقد غلت هام الكماة من الحر، وبلغت
القلوب الحناجر، وهو كما تراه جزعاً يقول هذه المقالة! اللهم لا تبقنا بعد هذا!
قلت: لله أم قامت عن الأشتر! لو أن إنساناً يقسم أن الله تعالى ما خلق في العرب
ولا في العجم أشجع منه إلا أستاذه عليه السلام لما خشيت عليه الإثم! ولله در القائل، وقد سئل عن الأشتر: ما أقول في رجل هزمت حياته أهل الشام، وهزم موته أهل العراق. فقال
علي عليه السلام: أيها الناس، إني أحق من أجاب إلى كتاب
الله ولكن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وابن أبي سرح وابن مسلمة ليسوا
بأصحاب دين ولا قرآن، أني أعرف بهم منكم، صحبتهم صغاراً ورجالاً، فكانوا شر
صغار، وشر رجال. ويحكم إنها كلمة حق يراد بها باطل! إنهم ما رفعوها أنهم
يعرفونها ويعملون بها، ولكنها الخديعة والوهن والمكيدة! أعيروني سواعدكم
وجماجمكم ساعة واحدة، فقد بلغ الحق مقطعه، ولم يبق إلا أن يقطع دابر الذين
ظلموا. فسبوه
وسبهم، وضربوا بسياطهم وجه دابته، وضرب بسوطه وجوه دوابهم، وصاح بهم علي عليه
السلام، فكفوا. وقال الأشتر: يا أمير المؤمنين،
أحمل الصف على الصف تصرع القوم. فتصايحوا: إن أمير المؤمنين قد قبل الحكومة،
ورضي بحكم القرآن. فقال الأشتر: إن كان أمير
المؤمنين قد قبل ورضي، فقد رضيت بما رضي به أمير المؤمنين، فأقبل الناس يقولون:
قد رضي أمير المؤمنين، قد أقبل أمير المؤمنين، وهو ساكت لا يبض بكلمة، مطرق إلى
الأرض.
قال: فأما
المسود من كندة، وهو الأشعث، فإنه لم يرض
بالسكوت، بل كان من أعظم الناس قولاً في إطفاء الحرب والركون إلى الموادعة. وأما كبش العراق، وهو
الأشتر، فلم يكن يرى إلا الحرب، ولكنه ساكت على مضضٍ. أما سعيد بن قيس، فكان تارة هكذا وتارة هكذا.
فضارب
القوم حتى ردهم، فانتدب له همام بن قبيصة الطائي - وكان مع معاوية - فشد عليه في
مذحج، فانتصر عدي بن حاتم الطائي للأشتر، فحمل عليه في طيئ، فاشتد القتال جداً،
فدعا علي ببغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فركبها، ثم تعصب بعمامة رسول الله،
ونادى: أيها الناس، من يشري نفسه لله! إن هذا يوم له ما بعده، فانتدب معه ما بين
عشرة آلاف إلى اثني عشرة ألفاً، فتقدمهم علي عليه السلام، وقال:
وحمل
وحمل الناس حملةً واحدة، فلم يبق لأهل الشام صف إلا أزالوه، حتى أفضوا إلى
معاوية، فدعا معاوية بفرسه ليفر عليه، وكان معاوية بعد ذلك يحدث فيقول: لما وضعت
رجلي في الركاب، ذكرت قول عمرو بن الإطنابة :
فأخرجت رجلي من الركاب وأقمت، ونظرت
إلى عمرو فقلت له: اليوم صبر وغداً فخر، فقال: صدقت. أما
بعد، فإن هذا الأمر قد طال بيننا وبينك ، وكل واحدٍ منا يرى أنه على الحق فيما
يطلب من صاحبه، ولن يعطي واحد منا الطاعة للآخر، وقد قتل فيما بيننا بشر كثير ،
وأنا أتخوف أن يكون ما بقي أشد مما مضى، وإنا سوف نسأل عن ذلك الموطن، ولا يحاسب
به غيري وغيرك، وقد دعوتك إلى أمرٍ لنا ولك فيه حياة وعذر، وبراءة وصلاح للأمة،
وحقن للدماء، وألفة للدين، وذهاب للضغائن والفتن، وأن نحكم بيني وبينكم حكمين
مرضيين، أحدهما من أصحابي، والآخر من أصحابك، فيحكمان بيننا بما أنزل الله، فهو
خير لي ولك، وأقطع لهذه الفتن، فاتق الله فيما دعيت إليه، وارض بحكم القرآن إن
كنت من أهله، والسلام. وانصرف
إلى علي عليه السلام، فأخبره، فبعث علي عليه السلام
قراءً من أهل العراق، وبعث معاوية قراءً من أهل الشام، فاجتمعوا بين الصفين،
ومعهم المصحف فنظروا فيه وتدارسوا واجتمعوا على أن يحيوا ما أحيا القرآن،
ويميتوا ما أمات القرآن، ورجع كل فريق إلى صاحبه، فقال
أهل الشام: إنا قد رضينا واخترنا عمرو بن العاص، وقال الأشعث والقراء الذين
صاروا خوارج فيما بعد: قد رضينا واخترنا أبا موسى الأشعري، قال لهم علي عليه السلام: فإني لا أرضى بأبي موسى
ولا أرى أن أوليه، فقال الأشعث وزيد بن حصين ومسعر بن فدكي في عصابة القراء: إنا
لا نرضى إلا به، فإنه قد كان حذرنا ما وقعنا فيه. فقال
علي عليه السلام: فإنه ليس لي برضاً، وقد فارقني وخذل الناس عني، وهرب مني حتى
أمنته بعد أشهر، ولكن هذا ابن عباس أوليه ذلك. قالوا: والله ما نبالي، أكنت أنت أو ابن عباس! ولا نريد رجلاً هو منك ومن
معاوية سواء، ليس إلى واحد منكما بأدنى من الآخر. قال
علي عليه السلام: فإني أجعل الأشتر، فقال
الأشعث: وهل سعر الأرض علينا إلا الأشتر! وهل
نحن إلا في حكم الأشتر! قال علي عليه السلام:
وما حكمه؟ قال: حكمه أن يضرب بعضنا بعضاً بالسيف حتى يكون ما أردت وما أراد. قال نصر:
وروي أن ابن الكواء، قام إلى علي عليه السلام، فقال:
هذا عبد الله بن قيس وافد أهل اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب
مقاسم أبي بكر وعامل عمر، وقد رضي به القوم، وعرضنا عليهم ابن عباس، فزعموا أنه
قريب القرابة منك، ظنون في أمرك. فبلغ ذلك أهل الشام،
فبعث أيمن بن خزيم الأسدي، وكان معتزلاً لمعاوية بهذه الأبيات، وكان هواه أن
يكون الأمر لأهل العراق:
فلما
بلغ الناس هذا الشعر، طارت أهواء قومٍ من أولياء علي عليه السلام وشيعته إلى ابن
عباس، وأبت القراء إلا أبا موسى.
قال نصر: فلما رضي أهل الشام بعمرو،
وأهل العراق بأبي موسى، أخذوا في سطر كتاب الموادعة، وكانت صورته: هذا ما تقاضى
عليه علي أمير المؤمنين ومعاوية بن أبي سفيان. فقال
معاوية: بئس الرجل أنا إن أقررت أنه أمير المؤمنين ثم قاتلته! وقال عمرو: بل
نكتب اسمه واسم أبيه؟ إنما هو أميركم، فأما أميرنا فلا، فلما أعيد إليه الكتاب
أمر بمحوه، فقال الأحنف: لا تمح اسم أمير المؤمنين عنك؛ فإني أتخوف إن محوتها
ألا ترجع إليك أبداً، فلا تمحها. فقال علي عليه السلام: إن هذا اليوم
كيوم الحديبية حين كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا ما صالح عليه محمد
رسول الله سهيل بن عمرو، فقال سهيل: لو أعلم أنك رسول الله لم أقاتلك، ولم
أخالفك، إني إذاً لظالم لك إن منعتك أن تطوف ببيت الله الحرام وأنت رسوله، ولكن
اكتب: من محمد بن عبد الله، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا
علي، إني لرسول الله، وأنا محمد بن عبد الله، ولن يمحو عني الرسالة كتابي لهم من
محمد بن عبد الله، فاكتبها وامح ما أراد محوه، أما إن لك مثلها ستعطيها وأنت
مضطهد ". قال نصر: وقد روى أبو إسحاق الشيباني، قال: قرأت كتاب الصلح عند سعيد بن أبي بردة في صحيفة صفراء،
عليها خاتمان: خاتم من أسفلها وخاتم من أعلاها، على خاتم علي عليه السلام: محمد
رسول الله، وعلى خاتم معاوية: محمد رسول الله. وقيل لعلي عليه السلام، حين أراد أن يكتب الكتاب بينه وبين معاوية وأهل الشام:
أتقر أنهم مؤمنون مسلمون! فقال علي عليه السلام:
ما أقر لمعاوية ولا لأصحابه أنهم مؤمنون ولا مسلمون، ولكن
يكتب معاوية ما شاء بما شاء، ويقر بما شاء لنفسه ولأصحابه، ويسمي نفسه
بما شاء وأصحابه، فكتبوا: هذا ما تقاضى عليه علي
بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان قاضى علي بن أبي طالب على أهل العراق ومن كان
معه من شيعته من المؤمنين والمسلمين، وقاضى معاوية بن أبي سفيان على أهل الشام
ومن كان معه من شيعته من المؤمنين والمسلمين، إننا ننزل
عند حكم الله تعالى وكتابه، ولا يجمع بيننا إلا إياه، وإن كتاب الله سبحانه
وتعالى بيننا من فاتحته إلى خاتمته، نحيي ما أحيا القرآن، ونميت ما أمات القرآن،
فإن وجد الحكمان ذلك في كتاب الله اتبعاه، وإن لم يجداه أخذا بالسنة
العادلة غير المفرقة. والحكمان: عبد الله بن قيس
وعمرو بن العاص، وقد أخذ الحكمان من علي ومعاوية ومن الجندين أنهما آمنان على
أنفسهما وأموالهما وأهلهما، والأمة لهما أنصار، وعلى الذي يقضيان عليه وعلى
المؤمنين والمسلمين من الطائفتين عهد الله أن يعملوا بما يقضيان عليه؛ مما وافق
الكتاب والسنة، وإن الأمن والموادعة ووضع السلاح متفق عليه بين الطائفتين؛ إلى
أن يقع الحكم، وعلى كل واحد من الحكمين عهد الله، ليحكمن بين الأمة بالحق، لا
بالهوى. وأجل الموادعة سنة كاملة، فإن أحب
الحكمان أن يعجلا الحكم عجلاه، وإن توفي أحدهما فلأمير شيعته أن يختار مكانه
رجلاً، لا يألو الحق والعدل، وإن توفي أحد الأميرين كان نصب غيره إلى أصحابه ممن
يرضون أمره، ويحمدون طريقته. اللهم إنا نستنصرك على من
ترك ما في هذه الصحيفة، وأراد فيها إلحاداً وظلماً. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
هذا ما تقاضى عليه ابن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وشيعتهما
فيما تراضيا به من الحكم بكتاب الله وسنة رسوله؛ قضية
علي على أهل العراق ومن كان شيعته من شاهد أو غائب، وقضية معاوية على أهل الشام
ومن كان من شيعته من شاهد أوغائب؛ إننا رضينا أن ننزل عند حكم القرآن فيما حكم،
وأن نقف عند أمره فيما أمر، فإنه لا يجمع بيننا إلا ذلك، وإنا جعلنا كتاب الله
سبحانه حكماً بيننا فيما اختلفنا فيه، من فاتحته إلى خاتمته، نحيي ما أحيا
القرآن، ونميت ما أماته، على ذلك تقاضينا، وبه تراضينا. وإن علياً وشيعته رضوا
أن يبعثوا عبد الله ابن قيس ناظراً ومحاكماً، ورضي معاوية وشيعته أن يبعثوا عمرو
بن العاص ناظراً ومحاكماً، على أنهم أخذوا عليهما عهد الله وميثاقه، وأعظم ما أخذ
الله على أحد من خلقه ليتخذان الكتاب إماماً فيما بعثا إليه، لا يعدوانه إلى
غيره ما وجداه فيه مسطوراً، وما لم يجداه مسمى في الكتاب رداه إلى سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم الجامعة، لا يعتمدان لها خلافاً، ولا يتبعان هوى، ولا يدخلان
في شبهة؛ وقد أخذ عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص على علي ومعاوية عهد الله
وميثاقه بالرضا بما حكما به من كتاب الله وسنة نبيه، وليس لهما أن ينقضا ذلك ولا
يخالفاه إلى غيره؛ وأنهما آمنان في حكمهما على دمائهما وأموالهما وأهلهما، ما لم
يعدوا الحق؛ رضي بذلك راضٍ أو أنكره منكر. وإن الأمة أنصار لهما على ما قضيا به
من العدل، فإن توفي أحد الحكمين قبل انقضاء الحكومة فأمير شيعته وأصحابه يختارون
مكانه رجلاً، لا يألون عن أهل المعدلة والإقساط على ما كان عليه صاحبه من العهد
والميثاق والحكم بكتاب الله وسنة رسوله، وله مثل شرط صاحبه، وإن مات أحد الأميرين
قبل القضاء، فلشيعته أن يولوا مكانه رجلاً يرضون عدله. وقد وقعت هذه القضية،
ومعها الأمن والتفاوض، ووضع السلاح والسلام والموادعة، وعلى الحكمين عهد الله
وميثاقه ألا يألوا اجتهاداً، ولا يتعمدا جوراً، ولا يدخلا في شبهة، ولا يعدوا
حكم الكتاب، فإن لم يقبلا برئت الأمة من حكمهما، ولا عهد لهما ولا ذمة، وقد وجبت
القضية على ما قد سمي في هذا الكتاب من مواقع الشروط على الحكمين والأميرين
والفريقين، والله أقرب شهيداً، وأدنى حفيظاً. والناس آمنون على أنفسهم وأهلهم
وأموالهم إلى انقضاء مدة الأجل، والسلاح موضوع، والسبل مخلاة، والشاهد والغائب
من الفريقين سواء في الأمن، وللحكمين أن ينزلا منزلاً عدلاً بين أهل العراق
والشام، لا يحضرهما فيه إلا من أحبا عن ملإٍ منهما وتراضٍ، وإن المسلمين قد
أجلوا هذين القاضيين إلى انسلاخ شهر رمضان، فإن رأيا تعجيل الحكومة فيما وجها له
عجلاها، وإن أرادا تأخيرها بعد شهر رمضان إلى انقضاء الموسم فذلك إليهما، وإن
هما لم يحكما بكتاب الله وسنة نبيه إلى انقضاء الموسم فالمسلمون على أمرهم الأول
في الحرب، ولا شرط بين الفريقين، وعلى الأمة عهد الله وميثاقه على التمام
والوفاء بما في هذا الكتاب، وهم يد على من أراد فيه إلحاداً وظلماً، أو حاول له
نقضاً. وشهد فيه من أصحاب علي عشرة، ومن أصحاب
معاوية عشرة؛ وتاريخ كتابته لليلة بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين. قال نصر:
فحدثنا عمر بن سعد عن أبي جناب الكلبي عن إسماعيل بن شفيع عن سفيان بن سلمة،
قال: فلما تم الكتاب وشهدت فيه الشهود، وتراضى الناس خرج الأشعث، ومعه ناس بنسخة
الكتاب يقرؤها على الناس، ويعرضها عليهم، فمر به على صفوف من أهل الشام، وهم على
راياتهم، فأسمعهم إياه، فرضوا به، ثم مر به على صفوف من أهل العراق، وهم على
راياتهم، فأسمعهم إياه، فرضوا به، حتى مر برايات عنزة، وكان
مع علي عليه السلام من عنزة بصفين أربعة آلاف مجفف ، فلما مر بهم الأشعث يقرؤه
عليهم، قال فتيان منهم: لا حكم إلا لله، ثم حملا على أهل الشام بسيوفهما،
فقاتلا حتى قتلا على باب رواق معاوية - فهما أول من حكم. واسماهما جعد ومعدان -
ثم مر بهما على مراد، فقال صالح بن شقيق، وكان من رؤوسهم:
لا حكم إلا لله، وكره المشركون. ثم مر
على رايات بني راسب، فقرأها عليهم، فقال رجل منهم: لا حكم إلا لله، لا نرضى ولا
نحكم الرجال في دين الله. ثم مر على رايات تميم، فقرأها عليهم، فقال رجل منهم:
لا حكم إلا لله، يقضي بالحق وهو خير الفاصلين. فقال رجل منهم لآخر: أما هذا فقد
طعن طعنةً نافذة. وخرج عروة بن أدية، أخو مرداس بن أدية التميمي، فقال: أتحكمون
الرجال في أمر الله لا حكم إلا لله! فأين قتلانا يا أشعث! ثم شد بسيفه ليضرب به
الأشعث، فأخطأه، وضرب عجز دابته ضربة خفيفة، فصاح
به الناس: أن املك يدك، فكف ورجع الأشعث إلى قومه، فمشى الأحنف إليه
ومعقل بن قيس ومسعر بن فدكي، ورجال من بني تميم، فتنصلوا واعتذروا، فقبل منهم
ذلك وانطلق إلى علي عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين، إني عرضت الحكومة على
صفوف أهل الشام، وأهل العراق، فقالوا جميعاً: رضينا، حتى مررت برايات بني راسب،
ونبذٍ من الناس سواهم، فقالوا: لا نرضى، لا حكم إلا لله فمِل بأهل العراق وأهل
الشام عليهم حتى نقتلهم. فقال علي عليه السلام: هل هي غير رايةٍ أو رايتين ونبذٍ
من الناس؟ قال: لا، قل: فدعهم. قال نصر: وروى الشعبي أن علياً عليه السلام، قال يوم صفين حين أقر
الناس بالصلح:
إن هؤلاء القوم لينيبوا إلى الحق، ولا ليجيبوا إلى كلمة سواءٍ حتى يرموا
بالمناسر تتبعها العساكر، وحتى يرجموا بالكتائب تقفوها الجلائب، وحتى يجر
ببلادهم الخميس يتلوه الخميس ؛ وحتى يدعوا الخيول في نواحي أرضهم، وبأحناء
مساربهم، ومسارحهم، وحتى تشن عليهم الغارات من كل فجٍ؛ وحتى يلقاهم قوم صدق صبر،
ولا يزيدهم هلاك من هلك من قتلاهم وموتاهم في سبيل الله إلا جداً في طاعة الله،
وحرصاً على لقاء الله؛ ولقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقتل آباءنا
وأبناءنا وإخواننا وأخوالنا وأعمامنا، لا يزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليماً،
ومضياً على أمض الألم، وجداً على جهاد العدو، والاستقلال بمبارزة الأقران، ولقد
كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهما أيهما
يسقي صاحبه كأس المنون، فمرة لنا من عدونا، ومرة لعدونا منا، فلمكا رآنا الله
صدقاً صبراً أنزل بعدونا الكبت، وأنزل علينا النصر، ولعمري لو كنا نأتي مثل الذي
أتيتم ما قام الدين ولا عز الإسلام، وايم الله لتحلبنها دماً، فاحفظوا ما أقول
لكم.
فلما
بلغ معاوية شعره، غضب من ذلك وقال: لولا مسيره لكان لي
فيه رأي! فقال عبد الرحمن ابن أم الحكم: أما
والله إن أمثاله في قريش لكثير؛ ولكنك
ألزمت نفسك الحاجة إليه، فألزمها الغناء عنه،
فقال له معاوية: فأجبه عن شعره، فقال عبد الرحمن
يعيره بفراره من علي يوم صفين:
قال نصر:
ثم إن الناس أقبلوا على قتلاهم فدفنوهم، قال:
وقد كان عمر بن الخطاب دعا في خلافته حابس بن سعد الطائي، فقال له: إني أريد أن أوليك قضاء حمص، فكيف أنت صانع؟ قال: أجتهد رأيي وأستشير
جلسائي، قال: فانطلق إليها. فلم يمش إلا يسيراً حتى رجع، فقال: يا أمير
المؤمنين، إني رأيت رؤيا أحببت أن أقصها عليك، قال:
هاتها، قال: رأيت كأن الشمس أقبلت من المشرق، ومعها
جمع عظيم، وكأن القمر قد أقبل من المغرب ومعه
جمع عظيم، فقال له عمر: مع أيهما كنت؟ قال: كنت
مع القمر، قال: كنت مع الآية الممحوة، اذهب فلا والله لا تلي لي عملاً، ورده. فشهد مع
معاوية صفين، وكانت راية طيئ معه، فقتل يومئذ، فمر به عدي بن
حاتم، ومعه ابنه زيد، فرآه قتيلاً، فقال
له: يا أبت هذا والله خالي، قال: نعم، لعن الله خالك! فبئس والله المصرع لمصرعه! فوقف زيد وقال: من قتل هذا الرجل؟ مراراً، فخرج إليه
رجل من بكر بن وائل، طوال يخضب، فقال: أنا قتلته، فقال له: كيف صنعت به؟ فجعل يخبره، فطعنه زيد بالرمح فقتله، وذلك بعد أن وضعت الحرب
أوزراها؛ فحمل عليه عدي أبوه يسبه ويشتم أمه، ويقول: يابن المائقة، لست على دين محمد إن لم أدفعك إليهم،
فضرب زيد فرسه فلحق بمعاوية، فأكرمه وحمله وأدنى مجلسه، فرفع عدي يديه فدعا عليه، وقال: اللهم إن زيداً قد
فارق المسلمين، ولحق بالملحدين، اللهم فارمه بسهم من سهامك لا يشوي - أو قال لا
يخطئ - فإن رميتك لا تنمي، والله لا أكلمه من رأسي كلمة أبداً، ولا يظلني وإياه
سقف أبداً. وقال زيد في قتل البكري:
قال نصر: وروى الشعبي، عن
زياد بن النضر أن علياً عليه السلام بعث أربعمائة، عليهم شريح بن هانئ الحارثي، ومعه عبد الله بن عباس يصلي بهم،
ويلي أمورهم، ومعهم أبو موسى الأشعري، وبعث معاوية
عمرو بن العاص في أربعمائة، ثم إنهم خلوا بين الحكمين، فكان رأي عبد الله بن قيس
في عبد الله بن عمر بن الخطاب، وكان يقول: والله إن
استطعت لأحيين سنة عمر. قال نصر: وفي حديث محمد بن عبيد الله، عن الجرجاني قال: لما أراد أبو موسى المسير قام إليه
شريح بن هانئ، فأخذ بيده، وقال: يا أبا موسى، إنك قد نصبت لأمرٍ عظيمٍ لا يجبر
صدعه ، ولا تستقال فتنته، ومهما تقل من شيء عليك أو لك، يثبت حقه وتر صحته وإن
كان باطلاً، وإنه لا بقاء لأهل العراق إن ملكهم معاوية، ولا بأس على أهل الشام
إن ملكهم علي، وقد كانت منك تثبيطة أيام الكوفة والجمل، فإن تشفعها بمثلها يكن
الظن بك يقيناً، والرجاء منك يأساً، ثم قال له شريح في ذلك:
فقال أبو موسى: ما ينبغي لقومٍ
اتهموني أن يرسلوني لأدفع عنهم باطلاً، أو أجر إليهم حقاً. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فكتب
إليه أبو موسى: إني لأرجو أن ينجلي هذا الأمر، وأنا فيه على رضا الله سبحانه.
فقال شريح:
والله لقد تعجلت رجال مساءتنا في أبي موسى، وطعنوا عليه بأسوأ الطعن، وظنوا فيه ما
الله عصمه منه، إن شاء الله.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال:
فلما سمع الناس قول الصلتان شحذهم ذلك على أبي موسى، واستبطأه القوم وظنوا به
الظنون، ومكث الرجلان بدومة الجندل لا يقولان شيئاً. وكان سعد بن أبي وقاص قد
اعتزل علياً ومعاوية، ونزل على ماء لبني سليم بأرض البادية، يتشوف الأخبار -
وكان رجلاً له بأس ورأي ومكان في قريش، ولم يكن له هوى في علي ولا في معاوية -
فأقبل راكب يوضع من بعيد، فإذا هو ابنه عمر، فقال له أبوه: مهيم ؟ فقال: التقى
الناس بصفين، فكان بينهم ما قد بلغك حتى تفانوا. ثم حكموا عبد الله بن قيس وعمرو
بن العاص؛ وقد حضر ناس من قريش عندهما، وأنت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم ومن أهل الشورى، ومن قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " اتقوا دعوته
"، ولم تدخل في شيءٍ مما تكره الأمة، فاحضر دومة الجندل، فإنك صاحبها غداً.
فقال: مهلاً يا عمر، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تكون
بعدي فتنة، خير الناس فيها التقي الخفي "، وهذا أمر لم أشهد أوله، فلا أشهد
آخره، ولو كنت غامساً يدي في هذا الأمر لغمستها مع علي بن أبي طالب؛ وقد رأيت
أباك كيف وهب حقه من الشورى، وكره الدخول في الأمر. فارتحل عمر، وقد استبان له
أمر أبيه. قال نصر: في حديث عمرو بن شمر، قال: أقبل أبو
موسى على عمر، فقال: يا عمرو، هل لك في أمرٍ هو للأمة صلاح، ولصلحاء الناس رضاً؟
نولي هذا الأمر عبد الله بن عمر بن الخطاب، الذي لم يدخل في شيء من هذه الفتنة،
ولا هذه الفرقة. قال: وكان عبد الله بن عمرو ابن العاص وعبد الله بن الزبير
قريبين يسمعان هذا الكلام، فقال عمرو: فأين أنت يا أبا موسى عن معاوية! فأبى
عليه أبو موسى، قال: وشهدهم عبد الله بن هشام، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد
يغوث وأبو الجهم بن حذيفة العدوي والمغيرة بن شعبة، فقال عمرو: ألست تعلم أن
عثمان قتل مظلوماً؟ قال: بلى، قال: اشهدوا، ثم قال: فما يمنعك من معاوية وهو ولي
عثمان، وقد قال الله تعالى: " ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً
" ؟ ثم إن بيت معاوية من قريش ما قد علمت، فإن خشيت أن يقول الناس: ولي
معاوية وليست له سابقة؛ فإن لك حجة، أن تقول: وجدته ولي عثمان الخليفة المظلوم،
والطالب بدمه، الحسن السياسة، الحسن التدبير؛ وهو أخو أم حبيبة أم المؤمنين،
وزوج النبي صلى الله عليه وسلم، وقد صحبه، وهو أحد الصحابة. ثم عرض له بالسلطان،
فقال له: إن هو ولي الأمر أكرمك كرامة لم يكرمك أحد قط مثلها؛ فقال أبو موسى:
اتق الله يا عمر! أما ما ذكرت من شرف معاوية، فإن هذا الأمر ليس على الشرف يولاه
أهله، لو كان على الشرف كان أحق الناس بهذا الأمر أبرهة بن الصباح؛ إنما هو لأهل
الدين والفضل، مع أني لو كنت أعطيه أفضل قريش شرفاً لأعطيته علي بن أبي طالب. وأما
قولك: إن معاوية ولي عثمان فوله هذا الأمر؛ فإني لم أكن أوليه إياه لنسبته من
عثمان، وأدع المهاجرين الأولين، وأما تعرضك لي بالإمرة والسلطان؛ فوالله لو خرج
لي من سلطانه ما وليته، وما كنت أرتشي في الله، ولكنك إن شئت أحيينا سنة عمر بن
الخطاب. قال نصر: وروى
أبو جناب الكلبي أن عمراً وأبا موسى لما التقيا بدومة الجندل، أخذ عمرو يقدم أبا
موسى في الكلام، ويقول: إنك صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلي، وأنت أكبر
مني سناً، فتكلم أنت، ثم أتكلم أنا، فجعل ذلك سنة وعادة بينهما وإنما كان مكراً
وخديعة واغتراراً له أن يقدمه، فيبدأ بخلع علي ثم يرى رأيه.
قال نصر:
فقام سعد بن قيس الهمداني، وقال: والله لو
اجتمعنا على الهدى ما زدتما على ما نحن فيه الآن عليه، وما ضلالكما بلازم لنا،
وما رجعتما إلا بما بدأتما به، وإنا اليوم لعلى ما كنا عليه أمس.
وتكلم
يزيد بن أسدٍ القسري - وهو من قواد معاوية - فقال: يا أهل العراق، اتقوا الله؛
فإن أهون ما تردنا وإياكم إليه الحرب ما كنا عليه بالأمس، وهو الفناء، وقد شخصت
الأبصار إلى الصلح، وأشرفت النفس على الفناء، واصبح كل امرئ يبكي على قتيل؛ وما
لكم بأول أمر صاحبكم وكرهتم آخره! إنه ليس لكم وحدكم الرضا.
قال:
وشمت أهل الشام بأهل العراق. وقال كعب بن جعيل شاعر معاوية:
قال نصر: وكان علي عليه السلام لما خدع عمرو
أبا موسى بالكوفة، كان قد دخلها منتظراً ما يحكم به الحكمان، فلما تم على أبي
موسى ما تم من الحيلة، غم ذلك علياً وسائه، ووجم له ، وخطب الناس، فقال: الحمد
لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح، والحدث الجليل... الخطبة التي ذكرها الرضي
رحمه الله تعالى؛ وهي التي نحن في شرحها، وزاد في آخرها بعد الاستشهاد ببيت
دريد: ألا إن هذين الرجلين اللذين اخترتموهما قد نبذا حكم الكتاب، وأحييا ما
أمات، واتبع كل واحدٍ منهما هواه، وحكم بغير حجة ولا بينة ولا سنة ماضية،
واختلفا فيما حكما، فكلاهما لم يرشد الله. فاستعدوا للجهاد، وتأهبوا للمسير،
وأصبحوا في معسكركم يوم كذا. وروى أيضاً عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا تقوم الساعة حتى تقتل فئتان عظيمتان، دعوتهما واحدة، فبينما هم كذلك
مرقت منهم مارقة؛ يقتلهم أولى الطائفتين بالحق ".
وذكر الزبير أيضاً في
الموفقيات أن
يزيد بن حجية التيمي، شهد الجمل وصفين ونهروان مع
علي عليه السلام، ثم ولاه الري ودستبى ، فسرق
أموالهما، ولحق بمعاوية، وهجا علياً وأصحابه، ومدح معاوية وأصحابه، فدعا عليه
علي عليه السلام، ورفع أصحابه أيديهم فأمنوا، وكتب إليه رجل من بني عمه
كتاباً يقبح إليه ما صنع، وكان الكتاب شعراً، فكتب
يزيد بن حجية إليه: لو كنت أقول شعراً لأجبتك، ولكن قد كان منكم خلال
ثلاث، لا ترون معهن شيئاً، مما تحبون؛ أما الأولى
فإنكم سرتم إلى أهل الشام؛ حتى إذا دخلتم بلادهم، وطعنتموهم بالرماح، وأذقتموهم
ألم الجراح، رفعوا المصاحف فسخروا منكم وردوكم عنهم، فوالله ووالله لا دخلتموها
بمثل تلك الشوكة والشدة أبداً. والثانية أن
القوم بعثوا حكماً، وبعثتم حكماً، فأما حكمهم فأثبتهم، وأما حكمكم فخلعكم، ورجع
صاحبهم يدعى أمير المؤمنين، ورجعتم متضاغنين. والثالثة
أن قراءكم وفقهاءكم وفرسانكم خالفوكم، فعدوتم عليهم فقتلتموهم. ثم كتب في آخر بيتين لعفان بن شرحبيل التميمي:
وذكر أبو أحمد العسكري في
كتاب الأمالي أن سعد بن أبي وقاص دخل على معاوية عام الجماعة ، فلم
يسلم عليه بإمرة المؤمنين، فقال له معاوية: لو
شئت أن تقول في سلامك غير هذا لقلت، فقال سعد: نحن
المؤمنون ولم نؤمرك، كأنك قد بهجت بما ؟أنت
فيه يا معاوية! والله ما يسرني ما أنت فيه وأني
هرقت المحجمة دم. قال: ولكني وابن عمك علياً يا أبا إسحاق قد هرقنا أكثر
من محجمة ومحجمتين، هلم فاجلس معي على السرير، فجلس معه، فذكر له معاوية اعتزاله
الحرب، يعاتبه، فقال سعد: إنما كان مثلي
ومثل الناس كقوم أصابتهم ظلمة، فقال واحد منهم لبعيره إخ، فأناخ حتى أضاء له
الطريق فقال معاوية: والله يا أبا إسحاق، ما في
كتاب الله إخ، وإنما فيه: " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا
بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله
" ؛ فوالله ما قاتلت الباغية ولا المبغي عليها. فأفحمه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في تخويف أهل
النهروان
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: فأنا نذير لكم أن تصبحوا صرعى بأثناء
هذا النهر، وبأهضام هذا الغائط، على غير بينةٍ من ربكم، ولا سلطانٍ مبينٍ معكم،
قد طوحت بكم الدار واحتبلكم المقدار. وفي مسند أحمد بن حنبل، عن مسروق، قال قالت لي عائشة:
إنك من ولدي ومن أحبهم إلي، فهل عندك علم عن المخدج؟ فقلت: نعم، قتله علي بن أبي
طالب على نهر يقال لأعلاه تامراً ولأسفله النهروان، بين لخاقيق وطرفاء ، قالت:
ابغني على ذلك بينة، فأقمت رجالاً شهدوا عندها بذلك، وقال: فقلت لها: سألتك
بصاحب القبر، ما الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم؟ فقالت: نعم
سمعته يقول: " إنهم شر الخلق والخليقة، يقتلهم خير الخلق والخليقة، وأقربهم
عند الله وسيلة ". وروى ابن ديزيل، قال: عزم علي عليه السلام على الخروج من الكوفة
إلى الحرورية ، وكان في أصحابه منجم فقال له: يا أمير
المؤمنين، لا تسر في هذه الساعة، وسر على ثلاث ساعات مضين من النهار، فإنك إن
سرت في هذه الساعة أصابك وأصحابك أذى وضر شديد، وإن سرت في الساعة التي أمرتك
بها ظفرت وظهرت، وأصبت ما طلبت. فقال له علي عليه
السلام: أتدري ما في بطن فرسي هذه؟ أذكر هو أم أنثى؟ قال: إن حسبت علمت، فقال علي عليه السلام: من صدقك بهذا فقد كذب بالقرآن، قال
الله تعالى: " إن الله عنده علم الساعة
وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام... " الآية،
ثم قال عليه السلام: إن محمداً صلى الله
عليه وسلم ما كان يدعي علم ما ادعيت علمه، أتزعم أنك تهدي إلى الساعة التي يصيب
النفع من سار فيها، وتصرف عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار فيها! فمن صدقك
بهذا فقد استغنى عن الاستعانة بالله جل ذكره في صرف المكروه عنه. وينبغي للموقن
بأمرك أن يوليك الحمد دون الله جل جلاله، لأنك بزعمك هديته إلى الساعة التي يصيب
النفع من سار فيها، وصرفته عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار فيها؛ فمن آمن بك
في هذا لم آمن عليه أن يكون كمن اتخذ من دون الله ضداً ونداً. اللهم لا طير إلا طيرك، ولا ضر إلا ضرك، ولا إله غيرك. ثم
قال: نخالف ونسير في الساعة التي نهيتنا عنها، ثم أقبل على الناس، فقال: أيها
الناس، إياكم والتعلم للنجوم إلا ما يهتدى به في ظلمات البر والبحر، إنما المنجم
كالكاهن، والكاهن كالكافر، والكافر في النار. أما والله لئن بلغني أنك تعمل
بالنجوم لأخلدنك السجن أبداً ما بقيت، ولأحرمنك العطاء ما كان لي من سلطان. وذكر المدائني في كتاب الخوارج قال: لما خرج علي عليه السلام إلى أهل
النهر أقبل رجل من أصحابه ممن كان على مقدمتهم يركض؛ حتى انتهى إلى علي عليه
السلام، فقال:
البشرى يا أمير المؤمنين! قال: ما بشراك؟ قال: إن القوم عبروا النهر لما بلغهم
وصولك، فأبشر؛ فقد منحك الله أكتافهم، فقال له: آلله أنت رأيتهم قد عبروا! قال:
نعم، فأحلفه ثلاث مرات، في كلها يقول: نعم، فقال علي
عليه السلام: والله ما عبروه ولن يعبروه؛ وإن مصارعهم لدون النطفة، والذي
فلق الحبة، وبرأ النسمة، لن يبلغوا الأثلاث ولا قصر بوازن، وقد خاب من افترى.
قال: ثم أقبل فارس آخر يركض، فقال كقول الأول، فلم يكترث علي عليه السلام بقوله،
وجاءت الفرسان تركض، كلها تقول مثل ذلك؛ فقام علي عليه السلام فجال في متن فرسه.
قال: فيقول شاب من الناس: والله لأكونن قريباً منه، فإن كانوا عبروا النهر
لأجعلن سنان هذا الرمح في عينه؛ أيدعي علم الغيب! فلما
انتهى عليه السلام إلى النهر وجد القوم قد كسروا جفون سيوفهم، وعرقبوا خيلهم،
وجثوا على ركبهم، وحكموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له زجل فنزل ذلك الشاب،
فقال: يا أمير المؤمنين، إني كنت شككت فيك آنفاً، وإني تائب إلى الله وإليك،
فاغفر لي، فاقل علي عليه السلام: إن الله هو الذي يغفر الذنوب، فاستغفره.
فخرج إليه علي عليه
السلام فضربه، فقتله،
فلما خالطه سيفه، قال: يا حبذا الروحة إلى الجنة! فقال عبد الله بن وهب: والله
ما أدري إلى الجنة أم إلى النار! فقال رجل منهم من بني سعد: إنما حضرت اغتراراً
بهذا الرجل - يعني عبد الله - وأراه قد شك واعتزل عن الحرب بجماعة من الناس،
ومال ألف منهم إلى جهة أبي أيوب الأنصاري؛ وكان على ميمنة علي عليه السلام، فقال علي عليه السلام لأصحابه: احملوا عليهم؛
فوالله لا يقتل منكم عشرة، ولا يسلم منهم عشرة. فحمل عليهم فطحنهم طحناً، قتل من
أصحابه عليه السلام تسعة، وأفلت من الخوارج ثمانية. قال أبو العباس: وعروة
بن حدير هذا من النفر الذين نجوا من حرب النهروان، فلم يزل باقياً مدةً من أيام
معاوية، ثم أتي به زياد ومعه مولى له، فسأله عن أبي بكر وعمر فقال خيراً، فقال
له: فما تقول في أمير المؤمنين عثمان وفي أبي تراب ؟ فتولى عثمان ست سنين من
خلافته ثم شهد عليه بالكفر، وفعل في أمر علي عليه السلام مثل ذلك إلى أن حكم ثم
شهد عليه بالكفر، ثم سأله عن معاوية فسبه سباً قبيحاً، ثم سأله عن نفسه؛ فقال
له: أولك لزنية وآخرك لدعوة، وأنت بعد عاصٍ لربك. فأمر به فضربت عنقه، ثم دعا
مولاه فقال له: صف لي أموره، قال: أأطنب أم أختصر؟ قال: قال: بل اختصر، قال: ما
أتيته بطعام بنهار قط، ولا فرشت له فراشاً بليل قط!. وروى كثير من الناس أنه لما دعا بالبغلة ليركبها، قال: ائتوني بها فإنها هادية،
فوقفت به على المخدج، فأخرجه من تحت قتلى كثيرين.
قال أبو العباس: وقد روى المحدثون أن رجلاً تلا بحضرة علي عليه السلام:
" قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم
يحسبون أنهم يحسنون صنعاً " ، فقال علي عليه
السلام: أهل حروراء منهم.
وذكر أبو العباس أيضاً في
الكامل
أن علياً عليه السلام في أول خروج القوم عليه، دعا
صعصعة بن صوحان العبدي - وقد كان وجهه إليهم - وزياد بن النضر الحارثي،
مع عبد الله بن عباس، فقال لصعصعة: بأي القوم
رأيتهم أشد إطافة ؟ قال: بيزيد بن قيس الأرحبي، فركب علي عليه السلام إلى
حروراء، فجعل يتخللهم حتى صار إلى مضرب يزيد بن قيس، فصلى فيه ركعتين، ثم خرج
فاتكأ على قوسه، وأقبل على الناس، فقال: هذا مقام من فلج فيه فلج يوم القيامة.
ثم كلمهم وناشدهم، فقالوا: إنا أذنبنا ذنباً عظيماً بالتحكيم، وقد تبنا، فتب إلى
الله كما تبنا نعد لك، فقال علي عليه السلام:
أنا أستغفر الله من كل ذنب، فرجعوا معه وهم ستة آلاف،
فلما استقروا بالكوفة أشاعوا أن علياً عليه السلام رجع عن التحكيم، ورآه ضلالاً،
وقالوا: إنما ينتظر أمير المؤمنين أن يسمن الكراع وتجبى
الأموال، ثم ينهض بنا إلى الشام. فأتى الأشعث
علياً عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين، إن الناس قد تحدثوا أنك رأيت
الحكومة ضلالاً والإقامة عليها كفراً، فقام علي عليه السلام يخطب، فقال: من زعم
أني رجعت عن الحكومة فقد كذب، ومن رآها ضلالاً فقد ضل؛ فخرجت الخوارج من المسجد
فحكمت. قلت:
كل فساد كان في خلافة علي عليه السلام، وكل اضطراب حدث فأصله الأشعث، ولولا
محاقته أمير المؤمنين عليه السلام في معنى الحكومة في هذه المرة لم تكن حرب
النهروان، ولكان أمير المؤمنين عليه السلام ينهض بهم إلى معاوية، ويملك الشام،
فإنه صلوات الله عليه حاول أن يسلك معهم مسلك التعريض والمواربة؛ وفي المثل
النبوي صلوات الله على قائله: "الحرب خدعة "، وذاك أنهم قالوا له: تب
إلى الله مما فعلت، كما تبنا ننهض معك إلى حرب أهل الشام، فقال لهم مجملة مرسلة يقولها الأنبياء والمعصومون، وهي
قوله: أستغفر الله من كل ذنب، فرضوا بها وعدوها إجابة لهم على سؤلهم، وصفت له
عليه السلام نياتهم، واستخلص بها ضمائرهم، من غير أن تتضمن تلك الكلمة اعترافاً
بكفر أو ذنب، فلم يتركه الأشعث، وجاء إليه مستفسراً وكاشفاً عن الحال، وهاتكاً
ستر التورية والكناية، ومخرجاً لها من ظلمة الإجمال وستر الحيلة إلى تفسيرها بما
يفسد التدبير، ويوغر الصدور، ويعيد الفتنة، ولم يستفسره
عليه السلام عنها إلا بحضور من لا يمكنه أن يجعلها معه هدنة على دخن ،
ولا ترقيقاً عن صبوح ، وألجأه بتضييق الخناق عليه إلى أن يكشف ما في نفسه، ولا
يترك الكلمة على احتمالها، ولا يطويها على غرها ، فخطب بما صدع به عن صورة ما
عنده مجاهرة، فانتقض ما دبره، وعادت الخوارج إلى شبهتها الأولى، وراجعوا التحكيم
والمروق، وهكذا الدول التي تظهر فيها إمارات الانقضاء والزوال، يتاح لها أمثال
الأشعث من أولي الفساد في الأرض، " سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد
لسنة الله تبديلاً " . وروى أبو عبيدة أيضاً، قال: استنطقهم علي عليه السلام بقتل عبد الله بن خباب، فأقروا
به، فقال: انفردوا كتائب لأسمع قولكم كتيبة كتيبة، فتكتبوا كتائب، وأقرت
كل كتيبة بمثل ما أقرت به الأخرى؛ من قتل ابن خباب، وقالوا: ولنقتلنك كما
قتلناه، فقال علي: والله لو أقر أهل الدنيا كلهم بقتله هكذا وأنا أقدر على قتلهم
به لقتلهم، ثم التفت إلى أصحابه، فقال لهم: شدوا عليهم، فأنا أول من يشد عليهم.
وحمل بذي الفقار حملةً منكرةً ثلاث مرات، كل حملةٍ يضرب به حتى يعوج متنه، ثم
يخرج فيسويه بركبتيه، ثم يحمل به حتى أفناهم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
كلام له يجري مجرى الخطبة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: فقمت بالأمر حين فشلوا، وتطلعت حين
تقبعوا، ونطقت حين تعتعوا، ومضيت بنور الله حين وقفوا. وكنت أخفضهم صوتاً،
وأعلاهم فوتاً، فطرت بعنانها، واستبددت برهانها. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
سلوني قبل أن
تفقدوني الإمام علي عليه السلام وعلم الغيب
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
روى ابن هلال الثقفي في كتاب الغارات عن
زكريا بن يحيى العطار، عن فضيل، عن محمد ابن علي، قال: لما
قال علي عليه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله لا تسألوني عن فئة
تضل مائة، وتهدي مائةً إلا أنبأتكم بناعقتها وسائقتها، قام إليه رجل فقال:
أخبرني بما في رأسي ولحيتي من طاقة الشعر، فقال له علي
عليه السلام: والله لقد حدثني خليلي أن على كل طاقة شعرٍ من رأسك ملكاً
بلعنك، وأن على كل طاقة شعر من لحيتك شيطاناً يغويك؛ وأن في بيتك سخلاً يقتل ابن
رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان ابنه قاتل الحسين عليه السلام يومئذ طفلاً
يحبو - وهو سنان بن أنس النخعي. وروى
عثمان بن سعيد، عن شريك بن عبد الله، قال: لما بلغ علياً عليه السلام أن الناس
يتهمونه فيما يذكره من تقديم النبي صلى الله عليه وسلم وتفضيله إياه على الناس،
قال: أنشد الله من بقي ممن لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع مقاله في يوم
غدير خم إلا قام فشهد بما سمع، فقام ستة ممن عن يمينه، من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وستة ممن عن شماله من الصحابة أيضاً، فشهدوا أنهم سمعوا رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك اليوم، وهو رافع بيدي علي عليه السلام: " من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه،
وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه
". قال:
فكان ناس ممن يشك في أمر علي عليه السلام يقولون: أتراه جعل جويرية وصيه كما يدعي هو من وصية رسول الله صلى
الله عليه وسلم؟ قال: يقولون ذلك لشدة اختصاصه له، حتى دخل على علي عليه
السلام يوماً وهو مضطجع، وعنده قوم من أصحابه، فناداه جويرية: أيها النائم، استيقظ، فلتضربن على رأسك ضربة تخضب منها
لحيتك، قال: فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام، قال: وأحدثك يا جويرية بأمرك؛ أما
والذي نفسي بيده لتعتلن إلى العتل الزنيم ، فليقطعن يدك
ورجلك وليصلبنك تحت جذع كافر، قال: فوالله ما مضت إلا أيام على ذلك حتى أخذ زياد
جويرية، فقطع يده ورجله وصلبه إلى جانب جذع ابن مكعبر، وكان جذعاً طويلاً، فصلبه
على جذع قصير إلى جانبه. فقدم
الكوفة، فأخذ وأدخل على عبيد الله بن زياد. وقيل له:
هذا كان من آثر الناس عند أبي تراب، قال: ويحكم! هذا الأعجمي! قالوا: نعم، فقال
له عبيد الله: أين ربك؟ قال: بالمرصاد، قال: قد بلغني اختصاص أبي تراب لك، قال:
قد كان بعض ذلك، فما تريد؟ قال: وإنه ليقال إنه قد أخبرك بما سيلقاك، قال: نعم،
إنه أخبرني، قال: ما الذي أخبرك أني صانع بك؟ قال: أخبرني أنك تصلبني عاشر عشرة
وأنا أقصرهم خشبة، وأقربهم إلى المطهرة، قال: لأخالفنه، قال: ويحك! كيف تخالفه؛
إنما أخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبر رسول الله عن جبرائيل، وأخبر
جبرائيل عن الله، فكيف تخالف هؤلاء! أما والله لقد عرفت الموضع الذي أصلب فيه
أين هو من الكوفة! وإني لأول خلق الله ألجم في الإسلام بلجامٍ كما يلجم
الخيل. فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيد الثففي،
فقال ميثم للمختار - وهما في حبس ابن زياد:
إنك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين عليه السلام، فتقتل هذا الجبار الذي نحن في
سجنه، وتطؤ بقدمك هذه على جبهته وخديه. فلما دعا عبيد
الله بن زياد المختار ليقتله طلع البريد بكتاب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن
زياد، يأمره بتخلية سبيله، وذاك أن أخته كانت تحت عبد الله بن عمر بن الخطاب،
فسألت بعلها أن يشفع فيه إلى يزيد فشفع، فأمضى شفاعته، وكتب بتخلية سبيل المختار
على البريد، فوافى البريد وقد أخرج ليضرب عنقه، فأطلق. وأما ميثم فأخرج بعده
ليصلب؛ وقال عبيد الله: لأمضين حكم أبي تراب فيه، فلقيه رجل، فقال له: ما كان
أغناك عن هذا يا ميثم؟ فتبسم، وقال: لها خلقت، ولي غذيت، فلما رفع على الخشبة
اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث، فقال عمرو: لقد كان يقول لي: إني
مجاورك، فكان يأمر جاريته كل عشية أن تكنس تحت خشبته وترشه، وتجمر بالمجمر تحته،
فجعل ميثم يحدث بفضائل بني هاشم، ومخازي بني أمية، وهو مصلوب على الخشبة، فقيل
لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد، فقال: ألجموه، فألجم، فكان أول خلق الله ألجم في
الإسلام. فلما كان في اليوم الثاني فاضت منخراه وفمه دماً، فلما كان اليوم
الثالث طعن بحربة فمات. وروى
محمد بن موسى العنزي، قال: كان مالك بن ضمرة الرؤاسي من أصحاب علي عليه السلام،
وممن استبطن من جهته علماً كثيراً، وكان أيضاً قد صحب أبا ذر، فأخذ من علمه،
وكان يقول في أيام بني أمية: اللهم لا تجعلني أشقى الثلاثة، فيقال له: وما
الثلاثة؟ فيقول: رجل يرمى من فوق طمار ، ورجل تقطع يداه ورجلاه ولسانه ويصلب،
ورجل يموت على فراشه. فكان من الناس من يهزأ به، ويقول:
هذا من أكاذيب أبي تراب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في معنى
الشبهة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: وإنما سميت الشبهة شبهةً لأنها تشبه
الحق، فأما أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين، ودليلهم سمت الهدى. وأما أعداء
الله فدعاؤهم فيها الضلال، ودليلهم العمى. قال:
فأما أولياء الله فضياؤهم في حل الشبهة اليقين، ودليلهم سمت الهدى، وهذا حق لأن
من اعتبر مقدمات الشبهة، وراعى الأمور اليقينية، وطلب المقدمات المعلومة قطعاً،
انحلت الشبهة، وظهر له فسادها من أين هو؟ ثم قال: وأما أعداء الله فدعاؤهم
الضلال ودليلهم العمى، وهذا حق؛ لأن المبطل ينظر في الشبهة، لا نظر من راعى
الأمور اليقينية، ويحلل المقدمات إلى القضايا المعلومة، بل يغلب عليه حب المذهب،
وعصبية أسلافه، وإيثار نصره من قد ألزم بنصرته، فذاك هو العمى والضلال، اللذان
أشار أمير المؤمنين إليهما، فلا تنحل الشبهة له، وتزداد عقيدته فساداً، وقد
ذكرنا في كتبنا الكلامية الكلام في توليد النظر للعلم، وأنه لا يولد الجهل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في ذم المتقاعدين عن
القتال
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: منيت بمن لا يطيع إذا أمرت، ولا يجيب
إذا دعوت، لا أبا لكم! ما تنتظرون بنصركم ربكم! أما دين يجمعكم، ولا حمية
تحمشكم! أقوم فيكم مستصرخاً، وأناديكم متغوثاً، فلا تسمعون لي قولاً، ولا تطيعون
لي أمراً، حتى تكشف الأمورعن عواقب المساءة، فما يدرك بكم ثأر، ولا يبلغ بكم
مرام. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
خبر النعمان بن بشير
ومالك الأرحبي مع الإمام علي عليه السلام:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ذكر
صاحب الغارات أن النعمان بن بشير قدم هو وأبو هريرة على
علي عليه السلام من عند معاوية، بعد أبي مسلم الخولاني، يسألانه أن يدفع
قتلة عثمان إلى معاوية ليقيدهم بعثمان؛ لعل الحرب أن تطفأ؛ ويصطلح الناس؛ وإنما
أراد معاوية أن يرجع مثل النعمان وأبي هريرة من عند علي عليه السلام إلة الناس،
وهم لمعاوية عاذرون ولعلي لائمون، وقد علم معاوية أن
علياً لا يدفع قتلة عثمان إليه، فأراد أن يكون هذان يشهدان له عند أهل الشام
بذلك، وأن يظهر عذره، فقال لهما: ائتيا علياً فانشداه الله وسلاه بالله لما دفع
إلينا قتلة عثمان، فإنه قد آواهم ومنعهم، ثم لا حرب بيننا وبينه، فإن أبى فكونوا
شهداء الله عليه. فأما أبو هريرة فلحق بالشام، وأقام النعمان عند علي عليه السلام، فأخبر أبو هريرة معاوية بالخبر، فأمره أن يعلم الناس، ففعل،
وأقام النعمان بعده شهراً، ثم خرج فاراً من علي عليه السلام، حتى إذا مر
بعين التمر أخذه مالك بن كعب الأرحبي - وكان عامل علي عليه السلام عليها - فأراد
حبسه، وقال له: ما مر بك بيننا! قال: إنما أنا رسول بلغت رسالة صاحبي، ثم
انصرفت، فحبسه وقال: كما أنت؛ حتى أكتب إلى علي فيك. فناشده، وعظم عليه أن يكتب
إلى علي فيه، فأرسل النعمان إلى قرظة بن كعب الأنصاري - وهو كاتب عين التمر يجبي
خراجها لعلي عليه السلام - فجاءه مسرعاً، فقال لمالك بن كعب: خل سبيل ابن عمي،
يرحمك الله! فقال: يا قرظة؛ اتق الله ولا تتكلم في هذا،
فإنه لو كان من عباد الأنصار ونساكهم لم يهرب من أمير المؤمنين إلى أمير
المنافقين.
فعلمت أني عند حي من أصحاب معاوية،
وإذا الماء لبني القين، فعلمت أني قد انتهيت إلى الماء. فأما
خبر مالك بن كعب مع النعمان بن بشير، قال عبد الله بن حوزة الآزدي قال: كنت مع
مالك بن كعب حين نزل بنا النعمان بن بشير، وهو في ألفين؛ وما نحن إلا مائة فقال
لنا: قاتلوهم في القرية، واجعلوا الجدر في ظهوركم، ولا تلقوا بأيديكم إلى
التهلكة، واعلموا أن الله تعالى ينصر العشرة على المائة، والمائة على الألف،
والقليل على الكثير. ثم قال: إن أقرب من ههنا إلينا من شيعة أمير المؤمنين
وأنصاره وعماله قرظة بن كعب ومخنف بن سليم، فاركض إليهما، فأعلمهما حالنا، وقل
لهما: فلينصرانا ما استطاعا، فأقبلت أركض، وقد تركته وأصحابه يرمون أصحاب ابن
بشير بالنبل، فمررت بقرظة فاستصرخته، فقال إنما أنا صاحب خراج، وليس عندي من
أعينه به. فمضيت إلى مخنف بن سليم، فأخبرته الخبر، فسرح معي عبد الرحمن بن مخنف
في خمسين رجلاً، وقاتل مالك بن كعب النعمان وأصحابه إلى العصر، فأتيناه وقد كسر
هو وأصحابه جفون سيوفهم، واستقبلوا الموت، فلو أبطأنا
عنهم هلكوا، فما هو إلا أن رآنا أهل الشام، وقد أقبلنا عليهم، فأخذوا ينكصون
عنهم ويرتفعون، ورآنا مالك وأصحابه، فشدوا عليهم حتى دفعوهم عن القرية،
فاستعرضناهم، فصرعنا منهم رجالاً ثلاثة، وارتفع القوم عنا، وظنوا أن وراءنا
مدداً، ولو ظنوا أنه ليس غيرنا لأقبلوا علينا ولأهلكونا، وحال الليل
بيننا وبينهم، فانصرفوا إلى أرضهم. وكتب مالك بن كعب
إلى علي عليه السلام: أما بعد، فإنه نزل بنا النعمان بن بشير في جمع من أهل
الشام، كالظاهر علينا، وكان عظم أصحابي متفرقين، وكنا للذي كان منهم آمنين؛
فخرجنا إليهم رجالاً مصلتين ، فقاتلناهم حتى المساء، واستصرخنا مخنف بن سليم،
فبعث إلينا رجالاً من شيعة أمير المؤمنين وولده، فنعم الفتى ونعم الأنصار كانوا،
فحملنا على عدونا وشددنا عليهم فأنزل الله علينا نصره، وهزم عدوه، وأعز جنده.
والحمد لله رب العالمين، والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فأما
خبر مالك بن كعب مع النعمان بن بشير، قال عبد الله بن حوزة الآزدي قال: كنت مع
مالك بن كعب حين نزل بنا النعمان بن بشير، وهو في ألفين؛ وما نحن إلا مائة فقال
لنا: قاتلوهم في القرية، واجعلوا الجدر في ظهوركم، ولا تلقوا بأيديكم إلى
التهلكة، واعلموا أن الله تعالى ينصر العشرة على المائة، والمائة على الألف،
والقليل على الكثير. ثم قال: إن أقرب من ههنا إلينا من شيعة أمير المؤمنين
وأنصاره وعماله قرظة بن كعب ومخنف بن سليم، فاركض إليهما، فأعلمهما حالنا، وقل
لهما: فلينصرانا ما استطاعا، فأقبلت أركض، وقد تركته وأصحابه يرمون أصحاب ابن
بشير بالنبل، فمررت بقرظة فاستصرخته، فقال إنما أنا صاحب خراج، وليس عندي من
أعينه به. فمضيت إلى مخنف بن سليم، فأخبرته الخبر، فسرح معي عبد الرحمن بن مخنف
في خمسين رجلاً، وقاتل مالك بن كعب النعمان وأصحابه إلى العصر، فأتيناه وقد كسر
هو وأصحابه جفون سيوفهم، واستقبلوا الموت، فلو أبطأنا عنهم هلكوا، فما هو إلا أن
رآنا أهل الشام، وقد أقبلنا عليهم، فأخذوا ينكصون عنهم ويرتفعون، ورآنا مالك
وأصحابه، فشدوا عليهم حتى دفعوهم عن القرية، فاستعرضناهم، فصرعنا منهم رجالاً
ثلاثة، وارتفع القوم عنا، وظنوا أن وراءنا مدداً، ولو ظنوا أنه ليس غيرنا
لأقبلوا علينا ولأهلكونا، وحال الليل بيننا وبينهم، فانصرفوا إلى أرضهم. وكتب
مالك بن كعب إلى علي عليه السلام: أما بعد، فإنه نزل بنا النعمان بن بشير في جمع
من أهل الشام، كالظاهر علينا، وكان عظم أصحابي متفرقين، وكنا للذي كان منهم
آمنين؛ فخرجنا إليهم رجالاً مصلتين ، فقاتلناهم حتى المساء، واستصرخنا مخنف بن
سليم، فبعث إلينا رجالاً من شيعة أمير المؤمنين وولده، فنعم الفتى ونعم الأنصار
كانوا، فحملنا على عدونا وشددنا عليهم فأنزل الله علينا نصره، وهزم عدوه، وأعز
جنده. والحمد لله رب العالمين، والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
كلام له عليه السلام للخوارج لما سمع قولهم: لا حكم إلا لله، قال :
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: كلمة حق يراد بها باطل، نعم إنه لا حكم
إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون: لا إمرة. وإنه لا بد للناس من أمير برٍ أو فاجرٍ،
يعمل في إمرته المؤمن، ويتمتع فيه الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به
الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي؛ حتى يستريح
بر، ويستراح من فاجرٍ. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول
بوجوب الإمامة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الشرح: هذا نص صريح منه عليه السلام، بأن
الإمامة واجبة، وقد اختلف الناس في هذه المسألة فقال
المتكلمون كافة: الإمامة واجبة، إلا ما يحكى عن أبي
بكر الأصم من قدماء أصحابنا أنها غير واجبة، إذا تناصفت الأمة؛ ولم
تتظالم. وقال البغداديون وأبو عثمان الجاحظ من البصريين وشيخنا أبو الحسين
رحمه الله تعالى: إن العقل يدل على وجوب الرياسة، وهو قول الإمامية، إلا أن الوجه الذي منه يوجب أصحابنا
الرياسة غير الوجه الذي توجب الإمامية منه الرياسة، وذاك
أن أصحابنا يوجبون الرياسة على المكلفين، من حيث كان في الرياسة مصالح دنيوية، ودفع مضار دنيوية. والإمامية يوجبون الرياسة على الله تعالى، من حيث كان
في الرياسة لطف وبعد للمكلفين عن مواقعة القبائح العقلية. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الخوارج عود على بدء
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وروى إبراهيم بن الحسن بن ديزيل المحدث في كتاب صفين، عن عبد
الرحمن بن زياد، عن خالد بن حميد المصري، عن عمر مولى غفرة، قال: لما
رجع علي عليه السلام من صفين إلى الكوفة، أقام الخوارج حتى جموا ، ثم خرجوا إلى
صحراء بالكوفة تسمى حروراء، فنادوا: لا حكم إلا لله ولو كره المشركون، ألا أن
علياً ومعاوية أشركا في حكم الله. فمكثوا
مكانهم لا يزال الواحد منهم يرجع إلى علي عليه السلام، ولا يزال الآخر من عند
علي عليه السلام، فدخل واحد منهم على علي عليه السلام بالمسجد، والناس حوله،
فصاح: لا حكم إلا لله ولو كره المشركون، فتلفت الناس، فنادى: لا حكم إلا لله ولو
كره المتلفتون، فرفع علي عليه السلام رأسه إليه، فقال:
لا حكم إلا والله ولو كره أبو حسن. فقال علي عليه السلام: إن أبا الحسن لا يكره
أن يكون الحكم لله، ثم قال: حكم الله أنتظر فيكم، فقال له الناس: هلا ملت يا
أمير المؤمنين فأفنيتهم! فقال: إنهم لا يفنون، إنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام
النساء إلى يوم القيامة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
خطبة له في الوفاء والصدق
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: إن الوفاء توأم الصدق، ولا أعلم جنةً
أوقى منه، وما يغدر من علم كيف المرجع. وأرسل
لما ظهر بالبصرة إلى محمد بن قحطبة مولى باهلة وكان قد ولي لأبي جعفر المنصور
بعض أعمالٍ بفارس، فقال له: هل عندك مال! قال: لا، قال: آلله؟ قال: آلله. قال:
خلوا سبيله، فخرج ابن قحطبة، وهو يقول بالفارسية: ليس هذا من رجال أبي جعفر،
وقال لعبد الحميد بن لاحق: بلغني أن عندك مالاً للظلمة، يعني آل أبي أيوب
المورياني كاتب المنصور، فقال: ما لهم عند مال، قال: تقسم بالله! قال: نعم،
فقال: إن ظهر لهم عندك مال لأعدنك كذاباً. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مدح الوفاء وذم
الغدر
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن الأخبار النبوية المرفوعة في ذم الغدر: " ذمة المسلمين واحدة، فإن جارت
عليهم أمة منهم، فلا تخفروا جوارها، فإن لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة
".
أبو هريرة يرفعه: " اللهم إني أعوذ بك من الجوع فبئس الضجيع، وأعوذ بك من
الخيانة فبئست البطانة! ".
فلما ظفر به عبد الله بن علي، قطع يديه ورجليه، ثم ضرب عنقه.
قال أبو بكر الصديق: ثلاثة من كن
فيه كن عليه: البغي والنكث والمكر، قال سبحانه: "
يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم "، وقال: " فمن نكث فإنما ينكث على نفسه " ،
وقال: " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله
" . |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في اتباع الهوى
وطول الأمل
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
أيها الناس، إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان: اتباع الهوى وطول الأمل؛ فأما اتباع
الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة.
فلهذا
استعان الصالحون على معرفة عيوبهم بأقوال غيرهم، علماً منهم أن هوى النفس لذاتها
يعميها عن أن تدرك عيبها، وما زال الهوى مردياً قتالاً، ولهذا قال سبحانه: " ونهى النفس عن الهوى " ، وقال صلى الله عليه وسلم: " ثلاث مهلكات: شح مطاع،
وهوىً متبع، وإعجاب المرء بنفسه ".
وقال
أبو العتاهية:
ومن الحديث المرفوع: " يا أيها الناس إن الأعمال
تطوى، والأعمار تفنى، والآبدان تبلى في الثرى، وإن الليل والنهار يتراكضان تراكض
الفرقدين، يقربان كل بعيد، ويخلقان كل جديد؛ وفي ذلك ما ألهى عن الأمل، وأذكرك
بحلول الأجل ". ثم قال عليه السلام: إلا الدنيا
قد أدبرت حذاء، بالحاء والذال المعجمة، وهي السريعة، وقطاة حذاء: خف ريش ذنبها،
ورجل أحذ، أي خفيف اليد، وقد روي، قد أدبرت جذاء بالجيم؛ أي انقطع خيرها ودرها. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقد أشار عليه
أصحابه بالاستعداد لحرب أهل الشام:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعد إرساله إلى معاوية بجرير بن
عبد الله البجلي الأصل: إن استعدادي لحرب أهل الشام وجرير
عندهم إغلاق للشام، وصرف لأهله عن خير إن أرادوه، ولكن قد وقت لجريرٍ وقتاً لا
يقيم بعده إلا مخدوعاً أو عاصياً، والرأي مع الأناة فأرودوا، ولا أكره لكم
الإعداد. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ماذا قال قاضي القضاة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
يجب
أن نذكر ههنا أحداثه، وما يقوله أصحابنا في تأويلاتها، وما
تكلم به المرتضى في كتاب الشافي في هذا المعنى، فنقول: إن قاضي القضاة
رحمه الله تعالى، قال في المغني قبل الكلام في تفصيل هذه الأحداث كلاماً مجملاً،
معناه أن كل من تثبت عدالته ووجب توليه إما على القطع وإما على الظاهر فغير جائز
أن يعدل فيه عن هذه الطريقة إلا بأمرٍ متيقنٍ يقتضي العدول عنها، يبين ذلك أن من
شاهدناه على ما يوجب الظاهر توليه وتعظيمه يجب أن يبقى فيه على هذه الطريقة، وإن
غاب عنا. وقد عرفنا أنه مع الغيبة يجوز أن يكون مستمراً على حالته، ويجوز أن
يكون منتقلاً، ولم يقدح هذا التجويز في وجوب ما ذكرناه. أحدهما:
هل علم بذلك أم لا؟ والثاني: أنه مع يقين حصوله: هل هو حدث يؤثر في العدالة أم
لا؟. وذكر أن أصحاب الحديث يروون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال: " ستكون فتنة واختلاف، وإن عثمان وأصحابه يومئذ على
الهدى ". وما روي عن عائشة من قولها: قتل والله مظلوماً. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
رد
المرتضى على قاضي القضاة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعترض المرتضى رحمه الله تعالى في الشافي فقال: أما
قوله من تثبت عدالته ووجب توليه إما قطعاً أو على الظاهر، فغير جائز أن يعدل فيه
عن هذه الطريقة إلا بأمر متيقن، فغير مسلم لأن من نتولاه على الظاهر، وثبتت
عدالته عندنا من جهة غالب الظن، يجب أن نرجع عن ولايته بما يقتضي غالب الظن دون
اليقين، ولهذا يؤثر في جرح الشهود وسقوط عدالتهم أقوال الجارحين، وإن كانت
مظنونة غير معلومة. قال:
فأما ما استشهد به من أن مثل مالك بن دينار لو شاهدناه في دارٍ فيها منكر لقوي
في الظن حضوره لأجل التغيير والإنكار، أو على وجه الإكراه والغلط وأن غيره
يخالفه في هذا الباب؛ فصحيح لا يخالف ما ذكرناه؛ لأن مثل مالك بن دينار ممن
تناصرت أمارات عدالته وشواهد نزاهته حالاً بعد حال، لا يجوز أن يقدح فيه فعل له
ظاهر قبيح، بل يجب لما تقدم من حاله أن نتاول فعله، ونخرجه عن ظاهره إلى أجمل
وجوهه. وإنما وجب ذلك لأن الظنون المتقدمة أقوى وأولى بالترجيح والغلبة، فنجعلها
قاضية على الفعل والفعلين، ولهذا متى توالت منه الأفعال القبيحة الظاهرة وتكررت،
قدحت في حاله، وأثرت في ولايته، كيف لا يكون كذلك وطريق ولايته في الأصل هو الظن
والظاهر، ولا بد من قدح الظاهر في الظاهر، وتأثير الظن في الظن على بعض الوجوه. قيل له: أرأيت لو تكرر هذا الفعل وتوالى هو
وأمثاله حتى نشاهده حاضراً في دور القمار ومجالس اللهو واللعب ونراه يشرب الخمر
بعينها، وكل هذا مما يجوز أن يكون عليه مكرهاً وفي أنه القبيح بعينه غالطاً،
أكان يجب علينا الاستمرار على ولايته أم العدول عنها؟ فإن قال: نستمر ونتأول،
ارتكب ما لا شبهة في فساده، وألزم ما قدمنا ذكره من أنه لا طريق إلى الرجوع عن
ولاية أحد، ولو شاهدنا منه أعظم المناكير. ووقف أيضاً على أن طريق الولاية
المتقدمة إذا كان الظن دون القطع، فكيف لا نرجع عنها لمثل هذا الطريق، فلا بد
إذن من الرجوع إلى ما بيناه وفصلناه في هذا الباب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفهرس الجزء الثاني المختار من الخطب والأوامر.
بسربن أرطأة إلى الحجاز
واليمن..
ومن خطبة له في ذم من بايعه بشروط..
اختلاف الروايات في قصة
السقيفة.
كتب إلى معاوية وعمرو بن
العاص....
ومن خطبة له في الحث على
الجهاد وذم القاعدين.. كلام لابن نباتة نسج فيه على
منوال كلامه عليه السلام في الجهاد: ومن خطبة ابن نباتة التي
يحرض فيها على الجهاد. كتائب سفيان الغامدي في
الأنبار.
ومن خطبة له في الحث على
التزود للآخرة
ومن خطبة له في ذم
المتخاذلين... ومن خطبة له في معنى قتل
عثمان..
المؤرخون يروون أخبار مقتل
عثمان..
لما أنفذ عبد الله بن عباس
إلى الزبير قبل وقوع الحرب يوم الجمل ليستفيئه من أخبار عبد الله بن الزبير
وأبيه.
ومن خطبة له عليه السلام في
جور الزمان..
حذيفة بن اليمان وخبر يوم ذي
قار.
ومن
خطبة له في استنفار إلى أهل الشام. أول
خطبة لعلي بالكوفة بعد قدومه من حرب الخوارج: سلوني
قبل أن تفقدوني الإمام علي عليه السلام وعلم الغيب... خبر
النعمان بن بشير ومالك الأرحبي مع الإمام علي عليه السلام:
ومن
كلام له عليه السلام للخوارج لما سمع قولهم: لا حكم إلا لله، قال :
ومن
خطبة له في الوفاء والصدق.. وقد
أشار عليه أصحابه بالاستعداد لحرب أهل الشام بعد إرساله.. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
الجزء الثاني باب
المختار من الخطب والأوامر
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الجزء الثاني
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بسربن أرطأة إلى الحجاز واليمن
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما خبر بسر بن أرطأة العامري؛ من بني عامر بن لؤي
بن غالب، وبعث معاوية له ليغير على أعمال أمير المؤمنين عليه السلام، وما عمله
من سفك الدماء وأخذ الأموال فقد ذكر أرباب أن الذي هاج
معاوية على تسيير بسر بن أرطأة - ويقال ابن أبي أرطأة - إلى الحجاز واليمن،
أن قوماً بصنعاء كانوا من شيعة عثمان، يعظمون قتله،
لم يكن لهم نظام ولا رأس، فبايعوا لعلي عليه السلام
على ما في أنفسهم؛ وعامل علي عليه السلام على صنعاء يومئذ عبيد الله بن عباس
وعامله على الجند سعيد بن نمران . من
عبد الله علي أمير المؤمنين، إلى من شاق وغدر من أهل الجند وصنعاء. أما بعد،
فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، الذي لا يعقب له حكم، ولا يرد له قضاء، ولا
يرد بأسه عن القوم المجرمين. وقد بلغني تجرؤكم
وشقاقكم وإعراضكم عن دينكم، بعد الطاعة وإعطاء البيعة، فسألت أهل الدين الخالص،
والورع الصادق، واللب الراجح، عن بدء محرككم، وما نويتم به، وما أحمشكم له؛ فحدثت عن ذلك بما لم أر لكم في شيء منه عذراً مبيناً، ولا
مقالاً جميلاً، ولا حجة ظاهرة، فإذا أتاكم رسولي فتفرقوا وانصرفوا إلى
رحالكم أعف عنكم، وأصفح عن جاهلكم، وأحفظ قاصيكم، وأعمل فيكم بحكم الكتاب، فإن
لم تفعلوا، فاستعدوا لقدوم جيشٍ جم الفرسان، عظيم الأركان، يقصد لمن طغى وعصى،
فتطحنوا كطحن الرحا، فمن أحسن فلنفسه، ومن أساء فعليها،
وما ربك بظلام للعبيد.
فلما
قدم كتابهم، دعا بسر بن أبي أرطأة - وكان قاسي القلب
فظاً سفاكاً للدماء، لا رأفة عنده ولا رحمة - فأمره أن يأخذ طريق الحجاز
والمدينة ومكة حتى ينتهي إلى اليمن، وقال له: لا تنزل على بلد أهله على
طاعة علي، إلا بسطت عليهم لسانك؛ حتى يروا أنهم لا نجاء لهم، وأنك محيط بهم. ثم
أكفف عنهم، وادعهم إلى البيعة لي، فمن أبى فاقتله، واقتل شيعة علي حيث كانوا. فخرجنا من عنده ونحن نعرف الفضل فيما ذكر، فجلسنا
ناحيةً، وبعث معاوية عند خروجنا من عنده إلى بسر بن أبي
أرطأة ، فبعثه في ثلاثة آلاف، وقال: سر حتى تمر بالمدينة، فاطرد الناس،
وأخف من مررت به، وانهب أموال كل من أصبت له مالاً؛ ممن لم يكن دخل في طاعتنا؛
فإذا دخلت المدينة، فأرهم أنك تريد أنفسهم، وأخبرهم أنه لا براءة لهم عندك ولا
عذر، حتى إذا ظنوا أنك موقع بهمم فاكفف عنهم، ثم سر حتى
تدخل مكة، ولا تعرض فيها لأحد، وأرهب الناس عنك فيما بين المدينة ومكة،
واجعلها شرداً، حتى تأتي صنعاء والجند، فإن لنا بهما
شيعة، وقد جاءني كتابهم. فتهددهم حتى خاف الناس أن يوقع بهم، ففزعوا إلى حويطب بن عبد العزى - ويقال إنه زوج أمه - فصعد
إليه المنبر، فناشده، وقال: عترتك وأنصار رسول الله، وليسوا بقتلة عثمان؛ فلم
يزل به حتى سكن، ودعا الناس إلى بيعة معاوية فبايعوه. ونزل فأحرق دوراً
كثيرة، منها دار زرارة بن حرون، أحد بني عمرو بن عوف، ودار رفاعة بن رافع
الزرقي، ودار أبي أيوب الأنصاري. وتفقد جابر بن عبد الله، فقال: ما لي لا أرى جابراً يا بني سلمة! لا أمان لكم
عندي، أو تأتوني بجابر؛ فعاذ جابر بأم سلمة رضي الله
عنها، فأرسلت إلى بسر ابن أرطأة، فقال: لا أؤمنه حتى يبايع، فقالت له أم سلمة:
إذهب فبايع، وقالت لابنها عمر : اذهب فبايع، فذهبا فبايعاه. هؤلاء
قومك، فكف عنهم حتى نأتيك بكتابٍ من بسر بأمانهم، فحبسهم. وخرج منيع الباهلي من
عندهم إلى بسر وهو بالطائف يستشفع إليه فيهم، فتحمل عليه بقوم من الطائف، فكلموه
فيهم، وسألوه الكتاب بإطلاقهم، فوعدهم، ومطلهم بالكتاب حتى ظن أنه قد قتلهم
القرشي المبعوث لقتلهم، وأن كتابه لا يصل إليهم حتى يقتلوا. ثم كتب لهم، فأتى
منيع منزله، وكان قد نزل على امرأة بالطائف ورحله عندها، فلم يجدها في منزلها،
فوطئ على ناقته بردائه، وركب فسار يوم الجمعة وليلة السبت لم ينزل عن راحلته قط،
فأتاهم ضحوة، وقد أخرج القوم ليقتلوا، واستبطئ كتاب بسر فيهم، فقدم رجل منهم فضربه رجل من أهل الشام، فانقطع سيفه، فقال الشاميون بعضهم لبعض، شمسوا سيوفكم حتى تلين فهزوها.
وتبصر منيع الباهلي بريق السيوف، فألمع بثوبه، فقال
القوم: هذا راكب عنده خبر، فكفوا، وقام به بعيره فنزل عنه، وجاء على
رجليه يشتد فدفع الكتاب إليهم فأطلقوا. وكان الرجل
المقدم - الذي ضرب بالسيف فانكسر السيف - أخاه.
وقد
روي أن اسمهما قثم وعبد الرحمن. وروي أنهما ضلا
في أخوالهما بني كنانة. وروي أن بسراً إنما قتلهما باليمن،
وأنهما ذبحا على درج صنعاء.
فضارب بسيفه حتى قتل، ثم قدم الغلامان فقتلا. فخرج نسوة من
بني كنانة، فقالت امرأة منهن: هذه الرجال يقتلها فما بال الولدان! والله ما كانوا يقتلون في
جاهلية ولا إسلام، والله إن سلطاناً لا يشتد إلا بقتل الضرع الضعيف،
والشيخ الكبير، وقطع الرحمة لسلطان السوء، فقال بسر:
والله لهممت أن أضع فيكن السيف، قالت: والله إنه
لأحب إلي إن فعلت! قال إبراهيم: وخرج بسر من الطائف، فأتى نجران، فقتل عبد
الله بن عبد المدان وابنه مالكاً، وكان عبد الله هذا صهراً لعبيد الله بن العباس، ثم جمعهم وقام فيهم، وقال: يا
أهل نجران، يا معشر النصارى وإخوان القرود: أما
والله إن بلغني عنكم ما أكره لأعودن عليكم بالتي تقطع النسل، وتهلك الحرث، وتخرب
الديار! وتهددهم طويلاً، ثم سار حتى بلغ أرحب،
فقتل أبا كرب - وكان يتشيع - ويقال: إنه سيد من كان
بالبادية من همدان، فقدمه فقتله. قال
إبراهيم: وهذه الأبيات المشهورة لعبد الله بن أراكة
الثقفي؛ يرثي بها ابنه عمراً:
قال:
وروى نمير بن وعلة، عن أبي وداك ، قال: كنت عند علي عليه السلام لما قدم عليه
سعيد بن نمران الكوفة، فعتب عليه وعلى عبيد الله ألا يكونا قاتلا بسراً، فقال سعيد: قد والله قاتلت، ولكن
ابن عباس خذلني وأبى أن يقاتل، ولقد خلوت به حين دنا منا بسر، فقلت: إن
ابن عمك لا يرضى مني ومنك بدون الجد في قتالهم، قال: لا والله ما لنا بهم طاقة
ولا يدان، فقمت في الناس، فحمدت الله ثم قلت: يا
أهل اليمن، من كان في طاعتنا وعلى بيعة أمير المؤمنين عليه السلام فإلي إلي
فأجابني منهم عصابة، فاستقدمت بهم، فقاتلت قتالاً
ضعيفاً، وتفرق الناس عني وانصرفت.
وروى
أبو الحسن المدائني قال: اجتمع عبيد الله بن العباس
وبسر بن أرطاة يوماً عند معاوية بعد صلح الحسن
عليه السلام، فقال له ابن عباس: أنت أمرت
اللعين السيء الفدم أن يقتل ابني؟ فقال: ما أمرته بذلك،
ولوددت أنه لم يكن قتلهما، فغضب بسر ونزع سيفه فألقاه
وقال لمعاوية: اقبض سيفك، قلدتنيه وأمرتني أن أخبط به الناس ففعلت، حتى إذا بلغت ما أردت قلت: لم أهو ولم آمر! فقال: خذ
سيفك إليك، فلعمري إنك ضعيف مائق حين تلقي السيف
بين يدي رجلٍ من بني عبد مناف، قد قتلت أمس
ابنيه. فقال له عبيد الله:
أتحسبني يا معاوية قاتلاً بسراً بأحد ابني! هو
أحقر وألأم من ذلك، ولكني والله لا أرى مقنعاً، ولا أدرك ثأراً إلا أن أصيب بهما يزيد وعبد الله.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في ذم من بايعه بشروط
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: إن الله
تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم نذيراً للعالمين، واميناً على
التنزيل، وأنتم معشر العرب على شر دينٍ، وفي شر دار، منيخون بين حجارةٍ وخشنٍ،
وحياتٍ صمٍ، تشربون الكدر، وتأكلون الجشب، وتسفكون دماءكم، وتقطعون أرحامكم.
الأصنام فيكم منصوبة، والآثام بكم معصوبة. الأصل: فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي،
فضننت بهم عن الموت، وأغضيت على القذى، وشربت على الشجى، وصبرت على أخذ الكظم،
وعلى أمر من طعم العلقم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اختلاف الروايات في قصة السقيفة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اختلفت الروايات في قصة السقيفة،
فالذي تقوله الشيعة - وقد قال قوم من المحدثين بعضه ورووا كثيراً منه - أن علياً عليه السلام امتنع من البيعة حتى أخرج كرهاً، وأن
الزبير بن العوام امتنع من البيعة وقال: لا أبايع إلا علياً عليه السلام، وكذلك
أبو سفيان بن حرب، وخالد ابن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، والعباس بن عبد
المطلب وبنوه، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وجميع بني هاشم. وقالوا:
إن الزبير شهر سيفه، فلما جاء عمر ومعه جماعة من الأنصار وغيرهم، قال في جملة ما
قال: خذوا سيف هذا فاضربوا به الحجر. ويقال: إنه أخذ السيف من يد الزبير فضرب به
حجراً فكسره، وساقهم كلهم بين يديه إلى أبي بكر، فحملهم على بيعته ولم يتخلف إلا
علي عليه السلام وحده، فإنه اعتصم ببيت فاطمة عليها السلام، فتحاموا إخراجه منه
قسراً، وقامت فاطمة عليها السلام إلى باب البيت فأسمعت من جاء يطلبه، فتفرقوا
وعلموا أنه بمفرده لا يضر شيئاً، فتركوه. فلما
سكت، وكنت قد زورت في نفسي مقالة أقولها بين يدي أبي بكر، فلما ذهبت أتكلم، قال أبو بكر: على رسلك! فقام فحمد الله وأثنى عليه،
فما ترك شيئاً كنت زورت نفسي إلا جاء به أو بأحسن منه، وقال:
يا معشر الأنصار، إنكم لا تذكرون فضلاً إلا وأنتم له أهل، وإن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لقريشٍ، أواسط العرب داراً
ونسباً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين - وأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن
الجراح - والله ما كرهت من كلامه غيرها؛ إن كنت لأقدم فتضرب عنقي فيما لا يقربني
إلى إثم؛ أحب إلي من أن أؤمر على قوم فيهم أبو بكر.
يعني بغتة. واعلم أن هذه اللفظة من عمر مناسبة للفظات
كثيرة كان يقولها بمقتضى ما جبله الله تعالى
عليه من غلظ الطينة وجفاء الطبيعة، ولا حيلة له فيها؛
لأنه مجبول عليها لا يستطيع تغييرها، ولا ريب
عندنا أنه كان يتعاطى أن يتلطف، وأن يخرج ألفاظه مخارج حسنة لطيفة، فينزع به الطبع الجاسي، والغريزة الغليظة، إلى أمثال
هذه اللفظات، ولا يقصد بها سوءاً، ولا يريد بها ذماً
ولا تخطئة، كما قدمنا من قبل في اللفظة التي قالها في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكاللفظات التي قالها عام الحديبية وغير ذلك، والله تعالى لا يجازي
المكلف إلا بما نواه، ولقد كانت نيته من أطهر النيات وأخلصها لله سبحانه
وللمسلمين. ومن أنصف علم أن هذا الكلام حق، وأنه يغني
عن تأويل شيخنا أبي علي. وروى الهيثم بن عدي، عن مجالد بن سعيد،
قال:
غدوت يوماً إلى الشعبي وأنا أريد أن أسأله عن شيء بلغني عن ابن مسعود أنه كان
يقوله، فأتيته وهو في مسجد حيه وفي المسجد قوم ينتظرونه، فخرج فتعرفت إليه،
وقلت: أصلحك الله! كان ابن مسعود يقول: ما كنت
محدثاً قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة، قال: نعم، كان ابن
مسعود يقول ذلك، وكان ابن عباس يقوله أيضاً - وكان عند
ابن عباس دفائن علم يعطيها أهلها، ويصرفها عن غيرهم- فبينا نحن كذلك إذ
أقبل رجل من الأزد، فجلس إلينا، فأخذنا في ذكر أبي بكر وعمر، فضحك الشعبي وقال: لقد كان في صدر عمر ضب على أبي بكر،
فقال الأزدي: والله ما رأينا ولا سمعنا برجل قط كان أسلس قياداً لرجل، ولا أقول
فيه بالجميل من عمر في أبي بكر، فأقبل علي الشعبي وقال:
هذا مما سألت عنه، ثم أقبل على الرجل وقال: يا أخا الأزد، فكيف تصنع بالفلتة
التي وقى الله شرها! أترى عدواً يقول في عدوٍ
يريد أن يهدم ما بنى لنفسه في الناس أكثر من قول عمر في
أبي بكر! فقال الرجل: سبحان الله! أنت تقول ذلك يا أبا عمرو! فقال
الشعبي: أنا أقوله، قاله عمر بن الخطاب على رؤوس الأشهاد، فلمه أو دع. فنهض
الرجل مغضباً وهو يهمهم في الكلام بشيء لم أفهمه. قال مجالد: فقلت للشعبي: ما
أحسب هذا الرجل إلا سينقل عنك هذا الكلام إلى الناس ويبثه فيهم! قال: إذن والله
لا أحفل به، وشيء لم يحفل به عمر حين قام على رؤوس الأشهاد من المهاجرين
والأنصار أحفل به أنا! أذيعوه أنتم عني أيضاً ما بدا لكم.
فعلمنا
أنه يريد أن نضمن له كتمان حديثه، فقلت أنا له: يا أمير المؤمنين، الزمنا وخصنا
وصلنا، قال: بماذا يا أخا الأشعرين؟ فقلت: بإفشاء سرك وأن تشركنا في همتك فنعم
المستشاران نحن لك! قال: إنكما كذلك، فاسألا عما بدا لكما، ثم قام إلى الباب
ليغلقه، فإذا الآذن الذي أذن لنا عليه في الحجرة، فقال: امض عنا لا أم لك! فخرج
وأغلق الباب خلفه، ثم أقبل علينا، فجلس معنا، وقال:
سلا تخبرا، قلنا: نريد أن يخبرنا أمير المؤمنين بأحسد قريش، الذي لم يأمن ثيابنا
على ذكره لنا، فقال: سألتما عن معضلة؛ وسأخبركما فليكن
عندكما في ذمةٍ منيعةٍ وحرزٍ ما بقيت؛ فإذا مت فشأنكما وما شئتما من إظهار أو
كتمان. قلنا: فإن لك عندنا ذلك. قال أبو موسى:
وأنا أقول في نفسي: ما يريد إلا الذين كرهوا استخلاف أبي بكر له كطلحة وغيره،
فإنهم قالوا لأبي بكر: أتستخلف علينا فظاً غليظاً! وإذا هو يذهب إلى غير
ما في نفسي، فعاد إلى التنفس ثم قال: من تريانه؟ قلنا: والله ما ندري إلا ظناً!
قال: ومن تظنان؟ قلنا: عساك تريد القوم الذين أرادوا أبا بكر على صرف هذا الأمر
عنك؛ قال: كلا والله! بل كان أبو بكر أعق؛ وهو الذي سألتما عنه، كان والله أحسد
قريشٍ كلها. ثم أطرق طويلاً، فنظر المغيرة إلي ونظرت إليه، وأطرقنا ملياً
لإطراقه، وطال السكوت منا ومنه، حتى ظننا أنه قد ندم
على ما بدا منه. ثم قال: والهفاه على ضئيل بني تميم بن مرة! لقد تقدمني
ظالماً، وخرج إلي منها آثماً، فقال المغيرة: أما تقدمه
عليك يا أمير المؤمنين ظالماً فقد عرفناه، كيف خرج إليك منها آثماً؟ قال:
ذاك لأنه لم يخرج إلي منها إلا بعد يأس منها،
أما والله لو كنت أطعت يزيد بن الخطاب وأصحابه لم يتلمظ من حلاوتها بشيء أبداً،
ولكني قدمت وأخرت، وصعدت وصوبت، ونقضت وأبرمت، فلم أجد
إلا الإغضاء على ما نشب به منها، والتلهف على نفسي، وأملت إنابته ورجوعه، فوالله
ما فعل حتى نغر بها بشماً. قال: ثكلتك أمك يا مغيرة!
إني كنت لأعدك من دهاة العرب، كأنك كنت غائباً عما
هناك! إن الرجل ماكرني فماكرته، وألفاني احذر من قطاة ، إنه لما رأى شغف
الناس به، وإقبالهم بوجوههم عليه، أيقن أنهم لا يريدون به بدلاً، فأحب لما رأى
من حرص الناس عليه، وميلهم إليه أن يعلم ما عندي، وهل تنازعني نفسي إليها؟ وأحب
أن يبلوني بإطماعي فيها، والتعريض لي بها، وقد علم
وعلمت لو قبلت ما عرضه علي، لم يجب الناس إلى ذلك، فألفاني قائماً على
إخمصي مستوفزاً حذراً، ولو أجبته إلى قبولها لم يسلم
الناس إلي ذلك، واختبأها ضغناً علي في قلبه، ولم آمن غائله ولو بعد حين مع ما
بدا لي من كراهة الناس لي، أما سمعت نداءهم من كل ناحية من كل ناحية عند عرضها
علي: لا نريد سواك يا أبا بكر، أنت لها! فرددتها إليه عند ذلك؛ فلقد رأيته التمع وجهه لذلك سروراً. ولقد عاتبني مرة على
الكلام بلغه عني، وذلك لما قدم عليه بالأشعث أسيراً، فمن عليه وأطلقه ، وزوجه
أخته أم فروة، فقلت للأشعث وهو قاعد بين يديه: يا
عدو الله، أكفرت بعد إسلامك، وارتددت ناكصاً على عقبيك! فنظر إلي نظراً
علمت أنه يريد يكلمني بكلام في نفسه، ثم لقيني بعد ذلك في سكك المدينة، فقال لي: أنت صاحب الكلام يابن الخطاب؟ فقلت: نعم يا
عدو الله؛ ولك عندي شر من ذلك، فقال: بئس الجزاء هذا لي
منك! قلت: وعلام تريد مني حسن الجزاء؟ قال:
لأنفتي لك من اتباع هذا الرجل، والله ما جرأني على الخلاف عليه إلا تقدمه عليك،
وتخلفك عنها، ولو كنت صاحبها لما رأيت مني خلافاً عليك. قلت: لقد كان
ذلك، فما تأمر الآن؟ قال: إنه ليس بوقت أمر بل وقت صبر، ومضى ومضيت. ولقي الأشعث الزبرقان بن بدر
فذكر له ما جرى بيني وبينه، فنقل ذلك إلى أبي بكر؛
فأرسل إلي بعتاب مؤلم، فأرسلت إليه: أما والله لتكفن أو لأقولن كلمة بالغة بي
وبك في الناس، تحملها الركبان حيث ساروا، وإن شئت استدمنا ما نحن فيه عفواً، فقال: بل نستديمه، وإنها لصائرة إليك بعد أيام، فظننت
أنه لا يأتي عليه جمعة حتى يردها علي، فتغافل، والله ما ذاكرني بعد ذلك حرفاً
حتى هلك. قال: وقد ذكر صاحب كتاب العين أن الفلتة الأمر الذي يقع على غير إحكام، فقد صح أنها
موضوعة في اللغة لهذا، وإن جاز ألا تختص به، بل تكون لفظة مشتركة.
وأنت
تعلم حال الأخبار الغريبة التي لا توجد في الكتب المدونة كيف هي؟ فأما إنكاره ما ذكره شيخنا أبو علي رحمه الله تعالى من أن
الفلتة هي آخر يوم من شوال، وقوله: إنا لا نعرفه؛ فليس الأمر كذلك بل هو
تفسير صحيح، ذكره الجوهري في كتاب الصحاح قال:
الفلتة آخر ليلة من كل شهر، ويقال: هي آخر يوم
من الشهر الذي بعده الشهر الحرام. وهذا يدل على أن آخر يوم من شوال يسمى فلتة،
وكذلك آخر يوم من جمادى الآخرة، وإنما التفسير الذي
ذكره المرتضى غير معروف عند أهل اللغة.
وقال
آخر:
وروى أبو جعفر أيضاً في التاريخ
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قبض اجتمعت
الأنصار في سقيفة بني ساعدة، وأخرجوا سعد بن
عبادة، ليولوه الخلافة، وكان مريضاً، فخطبهم ودعاهم إلى إعطائه الرياسة
والخلافة فأجابوه، ثم ترادوا الكلام فقالوا: فإن
أبى المهاجرون، وقالوا: نحن أوليائه وعترته ؟ فقال قوم
من الأنصار: نقول: منا أمير ومنكم أمير، فقال
سعد: هذا أول الوهن! وسمع عمر الخبر فأتى
منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أبو بكر،
فأرسل إليه أن اخرج إلي، فأرسل: إني مشغول، فأرسل إليه عمر أن اخرج، فقد حدث أمر لا بد أن تحضره، فخرج فأعلمه الخبر، فمضيا مسرعين
نحوهم ومعهما أبو عبيدة، فتكلم أبو بكر، فذكر قرب المهاجرين من رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأنهم أولياؤه وعترته، ثم قال: نحن الأمراء وأنتم الوزراء،
لا نفتات عليكم بمشورة، ولا نقضي دونكم الأمور. ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يموت حتى
يظهر دينه على الدين كله، وليرجعن، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ممن أرجف بموته، لا أسمع رجلاً يقول: مات رسول الله إلا ضربته بسيفي.
فجاء أبو بكر وكشف عن وجه رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وقال: بأبي وأمي! طبت حياً وميتاً، والله لا يذيقك الله الموتتين
أبداً، ثم خرج والناس حول عمر، وهو يقول لهم: إنه لم يمت، ويحلف، فقال له: أيها
الحالف، على رسلك ! ثم قال: من كان يعبد محمداً فإن
محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال الله تعالى:
" إنك ميت وإنهم ميتون " ، وقال: " أفإن مات أو قتل انقلبتم على
أعقابكم " ، قال عمر: فوالله ما ملكت نفسي
حيث سمعتها أن سقطت إلى الأرض، وعلمت أن رسول الله صلى الله عليه قد مات. ونحن نقول:
إن عمر كان أجل قدراً من أن يعتقد ما ظهر عنه في هذه الواقعة، ولكنه لما علم أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، خاف من وقوع فتنة في الإمامة، وتقلب أقوام
عليها، إما من الأنصار أو غيرهم، وخاف أيضاً من حدوث ردة، ورجوع عن الإسلام،
فإنه كان ضعيفاً بعد لم يتمكن، وخاف من تراتٍ تشن، ودماء تراق، فإن أكثر العرب كان موتوراً
في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتل من قتل أصحابه منهم، وفي مثل ذلك الحال
تنتهز الفرصة، وتهتبل الغرة، فاقتضت المصلحة عنده تسكين الناس بأن أظهر ما أظهره من كون رسول الله صلى الله
عليه وسلم لم يمت، وأوقع تلك الشبهة في قلوبهم، فكسر بها شرة كثير منهم،
وظنوها حقاً، فثناهم بذلك عن حادث يحدثونه، تحيلاً منهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات،
وإنما غاب كما غاب موسى عن قومه، وهكذا كان عمر يقول
لهم: إنه قد غاب عنكم كما غاب موسى عن قومه، وليعودن فليقطعن أيدي قوم
أرجفوا بموته. وروى أحمد بن عبد العزيز، قال:
جاء أبو سفيان إلى علي عليه السلام، فقال: وليتم على هذا الأمر أذل بيت في قريش،
أما والله لئن شئت لأملأنها على أبي فصيل خيلاً ورجالاً، فقال علي عليه السلام:
طالما غششت الإسلام وأهله فما ضررتهم شيئاً! لا حاجة لنا إلى خيلك ورجلك، لولا
أنا رأينا أبا بكر لها أهلاً، لما تركناه. وروى
أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن أبي المنذر وهشام بن محمد بن السائب عن
أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: كان بين العباس وعلي مباعدة، فلقي ابن عباس علياً، فقال: إن كان لك في النظر إلى
عمك حاجة فأته، وما أراك تلقاه بعدها. فوجم لها وقال: تقدمني واستأذن، فتقدمته
واستأذنت له، فأذن فدخل، فاعتنق كل واحد منهما صاحبه، وأقبل علي عليه السلام على
يده ورجله يقبلهما، ويقول: يا عم، ارض عني رضي الله عنك، قال: قد رضيت عنك.
ثم
قال: والله لكأن عمي كان ينظر من وراء سترٍ رقيق، والله ما نلت من هذا الأمر
شيئاً إلا بعد شرٍ لا خير معه.
قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز:
وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، عن ابن وهب، عن ابن
لهيعة، عن أبي الأسود، قال: غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة، وغضب علي والزبير، فدخلا بيت فاطمة عليها السلام،
معهما السلاح، فجاء عمر في عصابة، منهم أسيد بن
حضير وسلمة بن سلامة بن وقش - وهما من بني عبد الأشهل - فصاحت فاطمة عليها
السلام، وناشدتهم الله. فأخذوا سيفي علي والزبير،
فضربوا بهما الجدار حتى كسروهما ، ثم أخرجهما عمر
يسوقهما حتى بايعا، ثم قام أبو بكر فخطب الناس، واعتذر
إليهم، وقال: إن بيعتي كانت فلتة وقى الله شرها، وخشيت الفتنة، وايم الله
ما حرصت عليها يوماً قط، ولقد تقلدت أمراً عظيماً ما لي به طاقة ولا يدان،
ولوددت أن أقوى الناس عليه مكاني. وجعل يعتذر إليهم، فقبل المهاجرون عذره. وقال علي والزبير: ما غضبنا إلا في المشورة، وإنا لنرى أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار،
وإنا لنعرف له سنه، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو
حي. فانطلقوا حتى دخلوا على العباس في الليلة
الثانية من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر خطبة أبي بكر وكلام عمر
وما أجابهما العباس به، وقد ذكرناه فيما تقدم من هذا الكتاب في الجزء الأول. وفي الصحيحين أيضاً خرجاه معاً عن ابن
عباس رحمه الله تعالى، قال: لما احتضر رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وفي البيت رجال منهم عمر بن الخطاب؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم:
هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده، فقال عمر: إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله.
فاختلف القوم واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا
إليه يكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول:
القول ما قاله عمر؛ فلما أكثروا اللغو والاختلاف عنده
عليه السلام، قال لهم: قوموا، فقاموا، فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل
الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لكم ذلك الكتاب. قال أبو بكر: وحدثنا أبو زيد، قال: حدثنا محمد بن
حاتم، قال: حدثنا الحرامي، قال: حدثنا الحسين بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه،
عن ابن عباس، قال: مر عمر بعلي وعنده ابن عباس بفناء داره، فسلم فسألاه: أين
تريد؟ فقال: مالي بينبع ، قال علي: أفلا نصل جناحك ونقوم معك؟ فقال: بلى، فقال
لابن عباس: قم معه، قال: فشبك أصابعه في أصابعي، ومضى حتى إذا خلفنا البقيع،
قال: يابن عباس، أما والله إن كان صاحبك هذا أولى الناس بالأمر بعد وفاة رسول
الله إلا أنا خفناه على اثنتين. قال ابن عباس: فجاء بمنطق لم أجد بداً معه من
مسألته عنه، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما هما؟ قال: خشيناه على حداثة سنه وحبه
بني عبد المطلب. فأما امتناع علي عليه السلام من البيعة حتى أخرج
على الوجه الذي أخرج عليه، فقد ذكره المحدثون ورواه أهل السير وقد ذكرنا ما قاله الجوهري في هذا الباب؛ وهو من رجال الحديث ومن الثقات المأمونين، وقد ذكر غيره من
هذا النحو ما لا يحصى كثرة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
كتب إلى معاوية وعمرو بن العاص
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
لما نزل علي عليه السلام الكوفة بعد فراغه من أمر البصرة، كتب إلى
معاوية كتاباً يدعوه إلى البيعة، أرسل فيه جرير بن عبد الله البجلي. فقدم عليه به الشام.
فقرأه واغتم بما فيه، وذهبت به أفكاره كل مذهب، وطاول جريراً بالجواب عن الكتاب،
حتى كلم قوماً من أهل الشام في الطلب بدم عثمان، فأجابوه ووثقوا له، وأحب
الزيادة في الاستظهار، فاستشار أخاه عتبة بن أبي سفيان،
فقال له: استعن بعمرو بن العاص، فإنه من قد علمت
في دهائه ورأيه، وقد اعتزل عثمان في حياته، وهو
لأمرك أشد اعتزالاً؛ إلا أن يثمن له دينه فسيبيعك، فإنه
صاحب دنيا، فكتب إليه معاوية: أما بعد، فإنه كان من أمر علي وطلحة
والزبير ما قد بلغك، وقد سقط إلينا مروان بن الحكم في نفر من أهل البصرة، وقدم
علينا جرير بن عبد الله في بيعة علي، وقد حبست نفسي عليك، فأقبل أذاكرك أموراً
لا تعدم صلاح مغبتها، إن شاء الله.
فقال
عبد الله: رحل الشيخ. ودعا عمرو غلامه وردان - وكان داهياً مارداً - فقال: ارحل
يا وردان، ثم قال: احطط يا وردان، ثم قال: ارحل يا وردان، احطط يا وردان. فقال له وردان: خلطت أبا عبد الله! أما إنك إن شئت أنبأتك بما في قلبك، قال: هات ويحك!
قال: اعتركت الدنيا والاخرة على قلبك، فقلت: علي معه
الآخرة في غير دنيا وفي الآخرة عوض من الدنيا، ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة،
وليس في الدنيا عوض من الاخرة، وأنت واقف بينهما، قال: قاتلك الله! ما أخطأت ما في قلبي، فما ترى يا وردان؟ قال: أرى أن
تقيم في بيتك، فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم ، وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا
عنك. قال: الآن لما أشهرت العرب سيري إلى معاوية! فارتحل
وهو يقول:
فسار
حتى قدم على معاوية، وعرف حاجة معاوية إليه، فباعده من نفسه، وكايد كل واحد
منهما صاحبه. قلت: قال شيخنا أبو القاسم البلخي رحمه الله تعالى: قول عمرو له: دعني عنك، كناية عن
الإلحاد، بل تصريح به، أي دع هذا الكلام لا أصل له، فإن اعتقاد الآخرة، وأنها لا
تباع بعرض الدنيا من الخرافات.
قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ: كانت مصر في نفس عمرو بن العاص، لأنه
هو الذي فتحها في سنة تسع عشرة من الهجرة في خلافة عمر، فكان لعظمها في
نفسه وجلالتها في صدره، وما قد عرفه من أموالها وسعة الدنيا، لا يستعظم أن
يجعلها ثمناً من دينه، وهذا معنى قوله: وإني بذا الممنوع قدماً لمولع.
قال:
فلما سمع معاوية قول عتبة، أرسل إلى عمرو، فأعطاه مصر، فقال عمرو: لي الله عليك
بذلك شاهد؟ قال: نعم، لك الله علي بذلك إن فتح علينا الكوفة، فقال عمرو: "
والله على ما نقول وكيل " . قال
نصر: وكان لعمرو بن العاص عم من بني سهم، أريب، فلما
جاء عمرو بالكتاب مسروراً عجب الفتى، وقال: ألا
تخبرني يا عمرو، بأي رأي تعيش في قريش! أعطيت دينك وتمنيت دنيا غيرك!
أترى أهل مصر - وهم قتلة عثمان - يدفعونها إلى معاوية وعلي حي! وأتراها إن صارت
لمعاوية لا يأخذها بالحرف الذي قدمه بالكتاب؟ فقال
عمرو: يابن أخي، إن الأمر لله دون علي ومعاوية،
فقال الفتى:
فقال عمرو:
يابن أخي، لو كنت عند علي لوسعني، ولكني الآن عند معاوية. قال الفتى: إنك لم لم ترد معاوية لم يردك؛ ولكنك تريد دنياه، وهو
يريد دينك. وبلغ معاوية قول الفتى فطلبه، فهرب
فلحق بعلي عليه السلام، فحدثه أمره فسر به وقربه.
قال
نصر: فلما كتب الكتاب، قال معاوية لعمرو: ما ترى الآن؟
قال: امض الرأي الأول. فبعث مالك بن هبيرة الكندي
في طلب محمد بن أبي حذيفة، فأدركه فقتله، وبعث إلى قيصر
بالهدايا فوادعه، ثم قال: ما ترى في علي؟ قال:
أرى فيه خيراً، إنه قد أتاك في طلب البيعة خير أهل العراق، ومن عند خير الناس في
أنفس الناس، ودعواك أهل الشام في رد هذه البيعة خطر شديد، ورأس أهل الشام شرحبيل بن السمط الكندي، وهو عدو لجرير المرسل إليك، فابعث إليه ووطن له ثقاتك، فليفشوا في الناس أن علياً قتل عثمان، وليكونوا أهل رضا عند
شرحبيل، فإنها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب، وإن تعلقت بقلب شرحبيل لم تخرج منه بشيء أبداً. ودعا معاوية
يزيد بن أسد، وبسر بن أرطأة، وعمرو بن سفيان، ومخارق بن الحارث الزبيدي، وحمزة
بن مالك، وحابس بن سعد الطائي - وهؤلاء رؤوس قحطان
واليمن، وكانوا ثقات معاوية وخاصته وبني عم شرحبيل بن السمط - فأمرهم
أن يلقوه ويخبروه أن علياً قتل عثمان. فلما قدم كتاب معاوية على شرحبيل
وهو بحمص، استشار أهل اليمن فاختلفوا عليه، فقام إليه عبد الرحمن بن غنم الأزدي
- وهو صاحب معاذ بن جبل وختنه ، وكان أفقه أهل الشام - فقال: يا شرحبيل بن
السمط، إن الله لم يزل يزيدك خيراً منذ هاجرت إلى اليوم، وإنه لا ينقطع المزيد
من الله حتى ينقطع الشكر من الناس، وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم. إنه قد ألقي إلى معاوية أن علياً قتل عثمان،
ولهذا يريدك، فإن كان قتله فقد بايعه المهاجرون
والأنصار، وهم الحكام على الناس، وإن لم يكن قتله، فعلام تصدق معاوية عليه! لا تهلكن نفسك وقومك؛ فإن كرهت
أن يذهب بحظها جرير، فسر إلى علي، فبايعه عن شامك وقومك
فأبى شرحبيل إلا أن يسير إلى معاوية، فكتب إليه
عياض الثمالي - وكان ناسكاً:
قال:
فلما قدم شرحبيل على معاوية، أمر الناس أن يتلقوه ويعظموه، فلما دخل على معاوية،
تكلم معاوية فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: شرحبيل: إن
جرير بن عبد الله يدعونا إلى بيعة علي، وعلي خير الناس؛ لولا أنه قتل عثمان بن عفان، وقد حبست نفسي عليك،
وإنما أنا رجل من أهل الشام، أرضى ما رضوا وأكره ما كرهوا. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في الحث على الجهاد
وذم القاعدين
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما بعد، فإن
الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع
الله الحصينة، وجنته الوثيقة. فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل، وشمله
البلاء، وديث بالصغار والقماءة، وضرب على قلبه بالإسهاب، وأديل الحق منه بتضييع
الجهاد، وسيم الخسف، ومنع النصف. فهذا
أخو غامدٍ، قد وردت خيله الأنبار، وقد قتل حسان بن حسان البكري، وأزال خيلكم عن
مسالحها، ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى
المعاهدة، فينتزع حجلها وقلبها، وقلائدها ورعثها، ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع
والاسترحام. ثم انصرفوا وافرين، ما نال رجلاً منهم كلم، ولا أريق لهم دم؛ فلو أن
امرأً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً!
فيا عجبا؛ عجباً والله يميت القلب، ويجلب الهم، من اجتماع هؤلاء القوم على
باطلهم، وتفرقكم عن حقكم! فقبحاً لكم وترحاً، حين صرتم غرضاً يرمى، يغار عليكم
ولا تغيرون، وتُغزون ولا تَغزون، ويعصى الله وترضون! فإذا أمرتكم بالسير إليهم
في أيام الحر قلتم: هذه حمارة القيظ، أمهلنا يسبخ عنا الحر، وإذا أمرتكم بالسير
إليهم في الشتاء قلتم هذه صبارة القر، أمهلنا ينسلخ عنا البرد؛ كل هذا فراراً من
الحر والقر، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون، فأنتم والله من السيف أفر! يا أشباه
الرجال ولا رجال! حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال؛ لوددت أني لم أركم ولم
أعرفكم معرفةً - والله - جرت ندماً وأعقبت سدماً. قاتلكم الله! لقد ملأتم قلبي
قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نغب التهمام أنفاساً، وأفسدتم علي رأيي
بالعصيان والخذلان، حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالبٍ رجل شجاع ولكن لا علم
له بالحرب لله أبوهم! وهل أحد منهم أشد لها مراساً وأقدم فيها مقاماً مني! لقد
نهضت فيها وما بلغت العشرين؛ وهأنذا قد ذرفت على الستين! ولكن لا رأي لمن لا
يطاع! الشرح: هذه الخطبة من مشاهير خطبه عليه
السلام، قد ذكرها كثير من الناس، ورواها أبو العباس
المبرد في أول الكامل، وأسقط من هذه الراوية ألفاظاً وزاد فيها ألفاظاً،
وقال في أولها: إنه انتهى إلى علي عليه السلام أن خيلاً وردت الأنبار لمعاوية،
فقتلوا عاملاً له يقال له: حسان بن حسان، فخرج مغضباً يجر رداءه، حتى أتى
النخيلة ، واتبعه الناس، فرقي رباوة من الأرض، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على
نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فمن
تركه رغبة عنه، ألبسه الله الذل وسيما الخسف.
ونحن نقول:
إن السماع الذي حكاه أبو العباس غير مرضي، والصحيح ما تضمنه نهج البلاغة، وهو
سيم الخسف فعل ما لم يسم فاعله، والخسف منصوب؛ لأنه مفعول، وتأويله: أولي الخسف وكلف إياه، والخسف: الذل والمشقة. قوله:
وأديل الحق منه بتضييع الجهاد، قد يظن ظان أنه يريد عليه السلام: وأديل الحق منه
بأن أضيع جهاده؛ كالباءات المتقدمة، وهي قوله:
وديث بالصغار، وضرب على قلبه بالإسهاب، وليس كما ظن، بل
المراد: وأديل الحق منه لأجل تضييعه الجهاد،
فالباء ههنا للسببية، كقوله تعالى: " ذلك
جزيناهم ببغيهم " .
والكلم: الجراح
وفي رواية المبرد أيضاً: مات من دون هذا أسفاً، والأسف: التحسر. وفي رواية
المبرد أيضاً: من تضافر هؤلاء القوم على باطلهم، أي تعاونهم وتظاهرهم. وفي رواية المبرد أيضاً: وفشلكم عن حقكم، الفشل: الجبن
والنكول عن الشيء. فقبحاً لكم وترحا، دعاء بأن ينجيهم الله عن الخير، وأن يخزيهم
ويسوءهم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
كلام لابن نباتة نسج فيه على منوال
كلامه عليه السلام في الجهاد:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أن التحريض على الجهاد والحض عليه قد قال فيه
الناس فأكثروا، وكلهم أخذوا من كلام أمير
المؤمنين عليه السلام، فمن جيد ذلك ما قاله ابن نباتة
الخطيب: أيها الناس، إلى كم تسمعون الذكر فلا تعون، وإلى كم
تقرعون بالزجر فلا تقلعون! كأن أسماعكم تمج ودائع الوعظ، وكأن قلوبكم بها
استكبار عن الحفظ، وعدوكم يعمل في دياركم عمله، ويبلغ بتخلفكم عن جهاده أمله،
وصرخ بهم الشيطان إلى باطله فأجابوه، وندبكم الرحمن إلى حقه فخالفتموه، وهذه
البهائم تناضل عن ذمارها، وهذه الطير تموت حمية دون أوكارها، بلا كتاب أنزل
عليها، ولا رسولٍ أرسل إليها. وأنتم أهل العقول والأفهام، وأهل الشرائع والحكام،
تندون من عدوكم نديد الإبل، وتدرعون له مدارع العجز والفشل، وأنتم والله أولى
بالغزو إليهم، وأحرى بالمغار عليهم، لأنكم أمناء الله على كتابه، والمصدقون
بعقابه وثوابه، خصكم الله بالنجدة والباس، وجعلكم خير أمة أخرجت للناس؛ فأين
حمية الإيمان؟ وأين بصيرة الإيقان؟ واين الإشفاق من لهب النيران؟ وأين الثقة
بضمان الرحمن؟ فقد قال الله عز وجل في القرآن: " بلى إن تصبروا وتتقوا
" ؛ فاشترط عليكم التقوى والصبر، وضمن لكم المعونة والنصر؛ أفتتهمونه في
ضمانه! أم تشكون في عدله وإحسانه! فسابقوا رحمكم الله إلى الجهاد بقلوب نقية،
ونفوس أبية وأعمال رضية، ووجوه مضية، وخذوا بعزائم التشمير واكشفوا عن رؤوسكم
عار التقصير، وهبوا نفوسكم لمن هو أملك بها منكم، ولا تركنوا إلى الجزع فإنه لا
يدفع الموت عنكم، " ولا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا أو
كانوا غزًى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا " . واعلم أني أضرب لك مثلاً تتخذه دستوراً في كلام
أمير المؤمنين عليه السلام، وكلام الكتاب والخطباء بعده كابن نباتة والصابي
وغيرهما؛ انظر نسبة شعر أبي تمام والبحتري وأبي نواس
ومسلم، إلى شعر امرئ القيس والنابغة وزهير والأعشى، هل إذا تأملت أشعار
هؤلاء وأشعار هؤلاء، تجد نفسك حاكمةً بتساوي القبيلتين أو بتفضيل أبي نواس
وأصحابه عليهم؟ ما أظن أن ذلك ما تقوله أنت ولا قاله غيرك، ولا يقوله إلا من لا
يعرف علم البيان، وماهية الفصاحة، وكنه البلاغة، وفضيلة المطبوع على المصنوع،
ومزية المتقدم على المتأخر، فإذا أقررت من نفسك بالفرق والفضل، وعرفت فضل الفاضل
ونقص الناقص، فاعلم أن نسبة أمير المؤمنين عليه السلام
إلى هؤلاء هذه النسبة، بل أظهر، لأنك تجد
في شعر امرئ القيس وأصحابه من التعجرف والكلام الحوشي، واللفظ الغريب المستكره
شيئاً كثيراً؛ ولا تجد من ذلك في كلام أمير
المؤمنين عليه السلام شيئاً، وأكثر فساد الكلام ونزوله إنما هو باستعمال ذلك. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة ابن نباتة التي يحرض فيها
على الجهاد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ألا وإن الجهاد كنز وفر الله منه أقسامكم، وحرز طهر
الله به أجسامكم، وعز أظهر الله به إسلامكم، فإن تنصروا الله ينصركم ويثبت
أقدامكم، فانفروا رحمكم الله جميعاً وثباتٍ ، وشنوا على أعدائكم الغارات،
وتمسكوا بعصم الإقدام ومعاقل الثبات، وأخلصوا في جهاد عدوكم حقائق النيات، فإنه
والله ما غزي قوم في عقر دراهم إلا ذلوا، ولا قعدوا عن صون ديارهم إلا اضمحلوا.
واعلموا أنه لا يصلح الجهاد بغير اجتهاد، كما لا يصلح السفر بغير زاد، فقدموا
مجاهدة القلوب، قبل مشاهدة الحروب، ومغالبة الهواء قبل محاربة الأعداء، وبادروا
بإصلاح السرائر، فإنها من أنفس العدد والذخائر، واعتاضوا من حياة لا بد من
فنائها، بالحياة التي لا ريب في بقائها، وكونوا ممن أطاع الله وشمر في مرضاته،
وسابقوا بالجهاد إلى تملك جناته، فإن للجنة باباً حدوده تطهير الأعمال، وتشييده
إنفاق الأموال، وساحته زحف الرجال، وطريقه غمغمة الأبطال، ومفتاحه الثبات في
معترك القتال، ومدخله من مشرعة الصوارم والنبال. وإذا أردت تحقيق ذلك فانظر إلى السجعة الثانية التي
تكلفها ليوازنها بها، وهي قوله: ولا قعدوا عن صون ديارهم إلا اضمحلوا، فإنك إذا
نظرت إليها وجدت عليها من التكلف والغثاثة ما يقوي عندك صدق ما قلته لك. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
كتائب سفيان الغامدي في الأنبار
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما أخو غامد الذي وردت خيله الأنبار، فهو سفيان
بن عوف بن المغفل الغامدي، وغامد قبيلة من اليمن، وهي من الأزد، أزد شنوءة. واسم
غامد بن عبد الله بن كعب بن الحارث بن كعب ابن عبد الله بن مالك بن نصر بن
الأزد. وسمي غامداً لأنه كان بين قومه شر فأصلحه وتغمدهم بذلك. ورى إبراهيم عن عبد الله بن قيس، عن حبيب بن عفيف،
قال: كنت مع أشرس بن حسان البكري بالأنبار على مسلحتها، إذ صبحنا سفيان بن عوف
في كتائب تلمع الأبصار منها، فهالونا والله، وعلمنا إذ رأيناهم أنه ليس لنا طاقة
بهم ولا يد، فخرج إليهم صاحبنا وقد تفرقنا فلم يلقهم نصفنا، وايم الله لقد
قاتلناهم فأحسنا قتالهم، حتى كرهونا، ثم نزل صاحبنا، وهو يتلو قوله تعالى:
" فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً " . ثم قال
لنا: من كان لا يريد لقاء الله، ولا يطيب نفساً بالموت، فليخرج عن القرية ما
دمنا نقاتلهم، فإن قتالنا إياهم شاغل لهم عن طلب هارب، ومن أراد ما عند الله فما
عند الله خير للأبرار. ثم نزل في ثلاثين رجلاً، فهممت بالنزول معه، ثم أبت نفسي،
واستقدم هو وأصحابه، فقاتلوا حتى قتلوا رحمهم الله، وانصرفنا نحن منهزمين. ثم قام رجل آخر، فقال:
ما أحوج أمير المؤمنين اليوم وأصحابه إلى أصحاب النهروان. ثم تكلم الناس من كل
ناحية ولغطوا، وقام رجل منهم فقال بأعلى صوته: استبان فقد الأشتر على العراق!
أشهد لو كان حياً لقل اللغط، ولعلم كل امرئ ما يقول. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في الحث على التزود
للآخرة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
أما بعد، فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع، وإن الآخرة قد أقبلت وأشرقت باطلاع،
ألا وإن اليوم بمضمار، وغداً السباق، والسبقة الجنة والغاية النار. قوله: ألا فاعملوا في الرغبة، يقول: لا ريب أن
أحدكم إذا مسه الضر من مرض شديد، أو خوف مقلق، من عدو قاهر، فإنه يكون شديد
الإخلاص والعبادة، وهذه حال من يخاف الغرق في سفينة تتلاعب بها الأمواج، فهو عليه السلام أمر بأن يكون المكلف عاملاً أيام عدم الخوف، مثل عمله
وإخلاصه وانقطاعه إلى الله أيام هذه العوارض. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من مواعظ الصالحين
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ونحن نورد في هذا الفصل نكتاً من مواعظ
الصالحين يرحمهم الله، تناسب هذا المأخذ. فمما يؤثر عن أبي حازم الأعرج - كان في أيام بني أمية
- قوله لعمر بن عبد العزيز، وقد قال له: يا أبا
حازم، إني أخاف الله مما قد دخلت فيه، فقال: لست أخاف عليك أن تخاف؛ وإنما أخاف
عليك ألا تخاف. كان يقال: الدنيا جاهلة، ومن جهلها، أنها لاتعطي
أحداً ما يستحقه؛ إما أن تزيده، وإما أن تنقصه. قيل لمحمد بن واسع:
فلان زاهد، قال: وما قدر الدنيا حتى يحمد من يزهد فيها؟ رئي عبد الله بن المبارك
واقفاً بين مقبرة ومزبلة، فقيل له: ما أوقفك؟ قال: أنا بين كنزين من كنوز الدنيا
فيهما عبرة: هذا كنز الأموال، وهذا كنز الرجال. دخل الإسكندر مدينة فتحها، فسأل عمن
بقي من أولاد الملوك بها، فقيل: رجل يسكن
المقابر، فدعا به، فقال: ما دعاك إلى لزوم هذه المقابر؟ فقال: أحببت أن أميز بين
عظام الملوك وعظام عبيدهم، فوجدتها سواء. فقال: هل لك أن تتبعني فأحيي شرفك وشرف
آبائك، إن كانت لك همة! قال: همتي عظيمة، قال: وما همتك؟ قال: حياة لا موت معها،
وشباب لا هرم معه، وغنىً لا فقر معه، وسرور لا مكروه معه، فقال: ليس هذا عندي،
قال: فدعني ألتمسه ممن هو عنده. وقال مالك بن دينار:
غدوت إلى الجمعة، فجلست قريباً من المنبر، فصعد الحجاج، فسمعته يقول: امرؤ زور
عمله، امرؤ حاسب نفسه، امرؤ فكر فيما يقرؤه في صحيفته، ويراه في ميزانه، امرؤ
كان عند قلبه زاجر، وعند همه آمر، امرؤ أخذ بعنان قلبه، كما يأخذ الرجال بخطام
جمله، فإن قاده إلى الطاعة الله تبعه، وإن قاده إلى معصية الله كفه، إننا والله
ما خلقنا للفناء، وإنما خلقنا للبقاء، وإنما ننتقل من دار إلى دار. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في الكلام على المقابلة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وأما ما ذكره الرضي رحمه الله تعالى من
المقابلة بين السبقة والغاية، فنكتة جيدة من علم
البيان؛ ونحن نذكر فيها أبحاثاً نافعة، فنقول: إما أن يقابل الشيء ضده أو ما ليس بضده. فالأول
كالسواد والبياض؛ وهو قسمان: أحدهما مقابله في اللفظ
والمعنى، والثاني: مقابله في المعنى لا في اللفظ. قلت: أي حاجة به إلى هذا التكلف! وهل هذه الدعوى من الأمور التي يجوز أن يعتري الشك والشبهة
فيها، ليأتي بحكاية مواضع من غير كلام العرب يحتج بها! أليس كل قبيلة وكل أمة
لها لغة تختص بها! أليس الألفاظ دلالاتٍ على ما في الأنفس في المعاني! فإذا خطر
في النفس كلام يتضمن أمرين ضدين فلا بد لصاحب ذلك خاطر - سواء أكان عربياً أم
فارسياً أم زنجياً أم حبشياً - أن ينطق بلفظ يدل على تلك المعاني المتضادة، وهذا أمر يعم العقلاء كلهم، على أن تلك اللفظة التي
قالها، ما قيلت في موت قباذ، وإنما قيلت في موت
الإسكندر، لما تكلمت الحكماء وهم حول تابوته بما تكلموا به من الحكم .
وقال
آخر:
وقال
أبو تمام:
وكذلك
قال من هذه القصيدة أيضاً:
وأما
القسم الثاني من القسم الأول؛
وهو مقابلة الشيء بضده بالمعنى لا باللفظ، فكقول
المقنع الكندي:
فقوله:
إن تتابع لي غنىً، في قوة قوله: إن كثر مالي، والكثرة ضد القلة، فهو إذن مقابل بالمعنى لا باللفظ بعينه، ومن هذا الباب قول البحتري:
فقوله: لا أعلم ليس ضداً لقوله: أعلم، لكنه نقيض له؛ وفي قوة قوله: أجهل، والجهل ضد العلم،
ومن لطيف ما وقعت المقابلة به من هذا النوع قول أبي تمام:
فقابل
بين هاتا وبين تلك،
وهي مقابلةً معنوية لا لفظية، لأن هاتا للحاضرة، وتلك للغائبة،
والحضور ضد الغيبة،
وأما مقابلة الشيء لما ليس بضده، فإما أن يكون مثلاً أو مخالفاً.
فقال:
الآمال عوض الرجاء، قال أبو الطيب:
فقال:
خبير ولم يقل: عليم، قال: وإنما حسن ذلك، لأنه
ليس بجواب، وإنما هو كلام مبتدأ. قلت: الصحيح أن هذه الآيات، وهي قوله تعالى: " نسوا
الله فأنساهم أنفسهم " وما شابهها ليست من
باب المقابلة التي نحن في ذكرها، وأنها نوع آخر،
ولو سميت: المماثلة أو المكافأة لكان أولى، والدليل على ذلك أن هذا الرجل حد المقابلة في أول الباب الذي ذكر هذا البحث
فيه، فقال: إنها ضد التجنيس؛ لأن التجنيس أن يكون اللفظ واحداً مختلف
المعنى؛ وهذه لا بد أن تتضمن معنيين ضدين، وإن كان التضاد مأخوذاً من حدها، فقد
خرجت هذه الآيات من باب المقابلة، وكانت نوعاً آخر.
فقابل
الظلم بالمغفرة، وهي مخالفة له، ليست مثله ولا
ضده، وإنما الظلم ضد العدل؛ إلا أنه لما كانت
المغفرة قريبة من العدل حسنت المقابلة بينها
وبين الظلم، ونحو هذا قوله تعالى: "أشداء على
الكفار رحماء بينهم " ، فإن الرحمة ليست ضداً للشدة، وإنما ضد الشدة
اللين، إلا أنه لما كانت الرحمة سبباً للين حسنت
المقابلة بينها وبين الشدة.
فمذمومة
ليست في مقابلة واسعة، ولو كانت قالت: بضيقة
الأخلاق، كانت المقابلة صحيحة، والشعر مستقيماً.
وكذلك قول المتنبي:
فالمقابلة الصحيحة
بين المحب والمبغض؛ لا بين المحب والمجرم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في ذم المتخاذلين
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
أيها الناس، المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصم الصلاب؛
وفعلكم يطمع فيكم الأعداء. الشرح: حيدي حياد، كلمة يقولها الفار، وهي
نظيرة قولهم: فيحي فياح ، أي اتسعي ، وصمي صمام ، للداهية. وأصلها من حاد عن
الشيء، أي انحرف، وحياد مبنية على الكسر، وكذلك ما كان من بابها، نحو قولهم:
بدار، أي ليأخذ كل واحدٍ قرنه. وقولهم: خراج في لعبة للصبيان، أي اخرجوا.
وهذه الخطبة
خطب بها أمير المؤمنين عليه السلام في غارة الضحاك بن
قيس ، ونحن نقصها ههنا: |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من أخبار الضحاك بن قيس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
روى إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال
الثقفي في كتاب الغارات قال: كانت غارة الضحاك ابن قيس بعد
الحكمين، وقبل قتال النهروان، وذلك أن معاوية لما بلغه أن علياً عليه السلام بعد
واقعة الحكمين تحمل إليه مقبلاً، هاله ذلك، فخرج من دمشق معسكراً، وبعث إلى كور
الشام ، فصاح بها: إن علياً قد سار إليكم وكتب إليهم نسخة واحدة، فقرئت على الناس: أما بعد،
فإنا كنا كتبنا كتاباً بيننا وبين علي، وشرطنا فيه شروطاً، وحكمنا رجلين يحكمان
علينا وعليه بحكم الكتاب لا يعدوانه، وجعلنا عهد الله وميثاقه على من نكث العهد
ولم يمض الحكم، وإن حكمي الذي كنت حكمته أثبتني، وإن حكمه خلعه، وقد أقبل إليكم ظالماً، " فمن نكث فإنما ينكث على
نفسه " ، تجهزوا للحرب بأحسن الجهاز، واعدوا آلة القتال، وأقبلوا خفافاً
وثقالاً يسرنا الله وإياكم لصالح الأعمال!
فاجتمع إليه الناس من كل كورة وأرادوا المسير إلى صفين، فاستشارهم، وقال: إن
علياً قد خرج من الكوفة، وعهد العاهد به أنه فارق النخيلة . فمكثوا
يجيلون الرأي يومين أو ثلاثة، حتى قدمت عليهم عيونهم أن علياً اختلف عليه أصحابه
ففارقته منهم فرقة أنكرت أمر الحكومة، وأنه قد رجع عنكم إليهم. فكبر الناس
سروراً لانصرافه عنهم، وما ألقى الله عز وجل من الخلاف بينهم. فلم يزل معاوية
معسكراً في مكانه، منتظراً لما يكون من علي وأصحابه؛ وهل يقبل بالناس أم لا ؟ فما برح حتى جاء الخبر أن علياً قد قتل أؤلئك الخوارج، وأنه
أراد بعد قتلهم أن يقبل بالناس، وأنهم استنظروه ودافعوه. فسربذلك هو ومن قبله من الناس.
قال:
فأجابه الفضل بن العباس بن عتبة:
أما معنى قوله:
وما لابن ذكوان الصفوري، فإن الوليد، هو ابن
عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو، واسمه ذكوان بن أمية بن عبد شمس. وقد ذكر جماعة من النسابين أن ذكوان كان مولًى لأمية بن عبد
شمس، فتبناه وكناه أبا عمرو، فبنوه موالٍ وليسوا من بني أمية لصلبه.
والصفوري: منسوب إلى صفورية؛ قرية من قرى الروم. فردوا عليه رداً ضعيفاً ،
ورأى منهم عجزاً وفشلاً فقال: والله لوددت أن لي بكل
ثمانية منكم رجلاً منهم! ويحكم أخرجوا معي، ثم فروا عني ما بدا لكم.
فوالله ما أكره لقاء ربي على نيتي وبصيرتي، وفي ذلك روح لي عظيم، وفرج من
مناجاتكم ومقاساتكم. ثم نزل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما
ما ذكرته من غارة الضحاك على أهل الحيرة، فهو أقل وأزل من أن يلم بها أو يدنو
منها؛ ولكنه قد كان أقبل في جريدة خيل ، فأخذ على السماوة، حتى مر بواقصة وشراف
والقطقطانة مما والى ذلك الصقع، فوجهت إليه جنداً كثيفاً من المسلمين، فلما بلغه ذلك هارباً، فاتبعوه فلحقوه ببعض الطريق وقد أمعن،
وكان ذلك حين طفلت الشمس للإياب، فتناوشوا القتال قليلاً كلا ولا ، فلم يصبر
لوقع المشرفية وولى هارباً، وقتل من أصحابه بضعة عشر رجلاً، ونجا جريضاً بعد ما
أخذ منه بالمخنق، فلأيا بلأيٍ ما نجا. فأما ما سألتني أن أكتب لك برأيي
فيما أنا فيه، فإن رأيي جهاد المحلين حتى ألقى الله، لا يزيدني كثرة الناس معي
عزة، ولا تفرقهم عني وحشة، لأنني محق والله مع المحق، ووالله
ما أكره الموت على الحق وما الخير كله إلا بعد الموت لمن كان محقاً.
قال إبراهيم بن هلال الثقفي: وذكر محمد بن مخنف أنه سمع الضحاك بن قيس بعد ذلك بزمان
يخطب على منبر الكوفة، وقد كان بلغه أن قوماً من أهلها يشتمون عثمان ويبرأون
منه، قال: فسمعته يقول: بلغني أن رجالاً منكم
ضلالاً يشتمون أئمة الهدى، ويعيبون أسلافنا الصالحين، أما والذي ليس له ند ولا
شريك؛ لئن لم تنتهوا عما يبلغني عنكم، لأضعن فيكم سيف زياد، ثم لا تجدونني ضعيف
السورة ، ولا كليل الشفرة. أما إني لصاحبكم الذي أغرت على بلادكم، فكنت أول من
غزاها في الإسلام، وشرب من ماء الثعلبية ومن شاطئ الفرات، أعاقب من شئت، وأعفو
عمن شئت؛ لقد ذعرت المخدرات في خدورهن، وإن كانت المرأة ليبكي ابنها فلا ترهبه
ولا تسكته إلا بذكر اسمي. فاتقوا الله يا أهل العراق؛
أنا الضحاك بن قيس، أنا أبو أنيس، أنا قاتل عمرو بن عميس. قال إبراهيم الثقفي: وأصاب الضحاك في هربه من حجر عطش شديد، وذلك لأن الجمل الذي كان عليه ماؤه ضل فعطش، وخفق
برأسه خفقتين لنعاسٍ أصابه، فترك الطريق وانتبه، وليس معه إلا نفر يسير من
أصحابي، وليس منهم أحد معه ماء، فبعث رجالاً منهم في جانب يلتمسون الماء ولا
أنيس، فكان الضحاك بعد ذلك يحكي، قال: فرأيت
جادة فلزمتها، فسمعت قائلاً يقول:
قال:
واشرف علي رجل، فقلت: يا عبد الله، اسقني ماء، فقال: لا والله، حتى تعطيني ثمنه،
قلت: وما ثمنه! قال: ديتك، قلت: أما ترى عليك من الحق أن تقري الضيف ، فتطعمه
وتسقيه! قال: ربما فعلنا وربما بخلنا، قال: فقلت: والله ما أراك فعلت خيراً قط،
اسقني، قال: ما أطيق، قلت: فإني أحسن إليك وأكسوك، قال: لا والله لا أنقص شربة
من مائة دينار، فقلت له: ويحك! اسقني! فقال: ويحك! أعطني، قلت: لا والله ما هي
معي، ولكنك تسقيني، ثم تنطلق معي أعطيكها، قال: لا والله، قلت: اسقني وأرهنك
فرسي حتى أوفيكها، قال: نعم، ثم خرج بين يدي واتبعته، فأشرفنا على أخبية وناس
على ماء فقال لي: مكانك حتى آتيك. فقلت: بل أجيء معك، قال: وساءه حيث رأيت الناس
والماء، فذهب يشتد حتى دخل بيتاً، ثم جاء بماء في إناء، فقال: اشرب، فقلت: لا
حاجة لي فيه. ثم دنوت من القوم، فقلت: اسقوني ماء، فقال شيخ لابنته اسقيه، فقامت
ابنته فجاءت بماء ولبن، فقال ذلك الرجل: نجيتك من العطش، وتذهب بحقي! والله لا
أفارقك حتى أستوفي منك حقي، فقلت: اجلس حتى أوفيك. فجلس، فنزلت فأخذت الماء
واللبن من يد الفتاة، فشربت واجتمع إلي أهل الماء، فقلت
لهم: هذا ألأم الناس! فعل بي كذا وكذا! وهذا الشيخ خير منه وأسدى،
استسقيته فلم يكلمني وأمر ابنته فسقتني، وهو الآن يلزمني بمائة دينار. فشتمه أهل
الحي، ووقعوا به، ولم يكن بأسرع من أن لحقني قوم من
أصحابي، فسلموا علي بالإمرة، فارتاب الرجل وجزع، وذهب يريد أن يقوم،
فقلت: والله لا تبرح حتى أوفيك المائة، فجلس ما يدري ما الذي أريد به! فلما كثر
جندي عندي سرحت إلى ثقلي ، فأتيت به، ثم أمرت بالرجل
فجلد مائة جلدة، ودعوت الشيخ وابنته فأمرت لهما بمائة دينار وكسوتهما، وكسوت أهل
الماء ثوباً ثوباً، وحرمته. فقال أهل الماء: كان أيها الأمير أهلاً لذلك.
وكنت لما أتيت من خير أهلاً. فلما رجعت إلى معاوية، وحدثته عجب، وقال: لقد رأيت
في سفرك هذا عجباً. فلما ارتحل عن أمير
المؤمنين عليه السلام أتى معاوية فنصب له
كراسيه، وأجلس جلساءه حوله، فلما ورد عليه أمر له بمائة ألف فقبضها، ثم
غدا عليه يوماً بعد ذلك، وبعد وفاة أمير المؤمنين عليه
السلام، وبيعة الحسن لمعاوية، وجلساء معاوية حوله، فقال: يا أبا يزيد، أخبرني عن عسكري وعسكر أخيك، فقد وردت عليهما، قال: أخبرك، مررت بعسكر أخي، فإذا ليل كليل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونهار كنهار
رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس
في القوم؛ ما رأيت إلا مصلياً، ولا سمعت إلا قارئاً.
ومررت بعسكرك، فاستقبلني قوم من المنافقين ممن نفر برسول الله ليلة
العقبة، ثم قال: من هذا عن يمينك يا معاوية؟ قال:
هذا عمرو بن العاص، قال: هذا الذي اختصم فيه ستة نفر، فغلب
عليه جزار قريش! فمن الآخر؟ قال: الضحاك بن قيس الفهري قال: أما والله لقد كان أبوه جيد الأخذ لعسب التيوس؟ فمن هذا الآخر؟ قال: أبو موسى الأشعري، قال:
هذا ابن السراقة، فلما رأى معاوية أنه قد أغضب جلساءه، علم أنه إن استخبره عن نفسه، قال فيه سوءاً، فأحب أن يسأله ليقول
فيه ما يعلمه من السوء، فيذهب بذلك غضب جلسائه، قال: يا أبا يزيد، فما تقول فيّ؟ قال: دعني من هذا! قال: لتقولن، قال: أتعرف حمامة؟ قال: ومن
حمامة يا أبا يزيد؟ قال: قد أخبرتك، ثم قام فمضى، فأرسل معاوية إلى
النسابة، فدعاه، فقال: من حمامة؟ قال: ولي الأمان؟ قال: نعم، قال: حمامة جدتك أم أبي
سفيان، كانت بغياً في الجاهلية صاحبة راية ، فقال معاوية لجلسائه: قد ساويتكم وزدت عليكم فلا تغضبوا. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في معنى قتل عثمان
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
لو أمرت به لكنت قاتلاً، أو نهيت عنه لكنت ناصراً؛ غير أن من نصره لا يستطيع أن
يقول: خذله من أنا خير منه، ومن خذله لا يستطيع أن يقول: نصره من هو خير مني،
وأنا جامع لكم أمره؛ استأثر فأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع، ولله حكم واقع
في المستأثر والجازع.
وهذا شعر خبيث منكر، ومقصد عميق، وما قال هذا الشعر إلا بعد أن نقل إلى أهل الشام كلام كثير
لأمير المؤمنين عليه السلام في عثمان يجري هذا المجرى، نحو قوله: ما سرني ولا
ساءني. وقيل له: أرضيت بقتله؟ فقال: لم أرض، فقيل له:
أسخطت قتله؟ فقال: لم أسخط. وقوله تارة: الله قتله وأنا معه، وقوله تارة أخرى: ما قتلت عثمان ولا مالأت في قتله. وقوله تارة أخرى: كنت رجلاً من المسلمين أوردت إذ
أوردوا، وأصدرت إذ أصدروا. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
المؤرخون يروون أخبار مقتل عثمان
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ويجب أن نذكر في هذا الموضع ابتداء اضطراب الأمر
على عثمان إلى أن قتل. وأصح ما ذكر في ذلك ما أورده أبو
جعفر محمد بن جرير الطبري في التاريخ. أعظم عليكم أمر الإسلام فتذكرني الجاهلية! أخزى
الله قوماً عظموا أمركم! افقهوا عني ولا أظنكم تفقهون؛ إن قريشاً لم تعز في
جاهلية ولا إسلام إلا بالله وحده؛ لم تكن بأكثر العرب ولا أشدها، ولكنهم كانوا
أكرمهم أحساباً، وأمحضهم أنساباً، وأكملهم مروءة، ولم يمتنعوا في الجاهلية -
والناس يأكل بعضهم بعضاً - إلا بالله، فبوأهم حرماً آمناً يتخطف الناس من حوله. هل تعرفون عرباً أو عجماً، أو سوداً أو حمراً إلا وقد أصابهم
الدهر وحرمهم، إلا ما كان من قريش، فإنه لم يردهم أحد من الناس بكيد إلا جعل
الله خده الأسفل، حتى أراد الله تعالى أن يستنقذ من أكرمه باتباع دينه من
هوان الدنيا، وسوء مرد الآخرة، فارتضى لذلك خير خلقه، ثم ارتضى له أصحابنا، وكان
خيارهم قريشاً. ثم بنى هذا الملك عليهم، وجعل هذه الخلافة فيهم، فلا يصلح الأمر
إلا بهم؛ وقد كان الله يحوطهم في الجاهلية وهم على
كفرهم، أفتراه لا يحوطهم وهم على دينه! أفٍ لك ولأصحابك! أما أنت يا صعصعة، فإن قريتك شر القرى، أنتنها نبتاً
وأعمقها وادياً، وألأمها جيراناً، وأعرفها بالشر، لم يسكنها شريف قط ولا وضيع
إلا سب بها، نزاع الأمم وعبيد فارس، وأنت شر قومك. أحين أبرزك الإسلام، وخلطك
بالناس، أقبلت تبغي دين الله عوجاً، وتنزع الغواية! إنه لن يضر ذلك قريشاً ولا
يضعهم، ولا يمنعهم من تأدية ما عليهم، إن الشيطان عنكم لغير غافل، قد عرفكم
بالشر، فأغراكم بالناس، وهو صارعكم، وإنكم لا تدركون بالشر أمراً إلا فتح عليكم
شر منه وأخزى. لقد أذنت لكم فاذهبوا حيث شئتم، لا ينفع الله بكم أحداً أبداً،
ولا يضره، ولستم برجال منفعة ولا مضرة، فإن أردتم النجاة فالزموا جماعتكم ولا
تبطرنكم النعمة، فإن البطر لا يجر خيراً. اذهبوا حيث شئتم، فسأكتب إلى أمير
المؤمنين فيكم. فوثبوا على معاوية فأخذوا برأسه
ولحيته فقال: مه! إن هذه ليست بأرض الكوفة، والله لو رأى
أهل الشام ما صنعتم بي وأنا إمامهم ما ملكت أن أنهاهم عنكم حتى يقتلوكم؛ فلعمري
إن صنيعكم يشبه بعضه بعضاً. فرد عثمان عماله إلى أعمالهم، وأمرهم
بتجهيز الناس في البعوث، وعزم على أن يحرمهم أعطياتهم ليطيعوه،
ورد سعيد بن العاص إلى الكوفة،
فتلقاه أهلها بالجرعة - وكانوا قد كرهوا إمارته، وذموا سيرته - فقالوا له: ارجع
إلى صاحبك، فلا حاجة لنا فيك. فهم بأن يمضي لوجهه ولا يرجع، فكثر الناس عليه، فقال له قائل: ما هذا! أترد السيل عن أدراجه! والله لا
يسكن الغوغاء إلا المشرفية ، ويوشك أن تنتضى بعد اليوم، ثم يتمنون ما هم اليوم
فيه فلا يرد عليهم. فارجع إلى المدينة، فإن الكوفة ليست لك بدار. قال أبو جعفر:
وقال معاوية لعثمان: اخرج معي إلى الشام، فإنهم على الطاعة قبل أن يهجم عليك ما
لا قبل لك به، فقال: لا أبيع جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء، وإن كان
فيه قطع خيط عنقي. قال: فأبعث إليك جنداً من الشام يقيم معك لنائبة إن نابت
المدينة أو إياك. فقال: لا أضيق على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
والله لتغتالن، فقل: حسبي الله ونعم الوكيل. وقام بالكوفة نفر يحرضون الناس على نصر عثمان
وإعانة أهل المدينة، منهم عقبة بن عمر، وعبد الله بن أبي أوفى، وحنظلة الكاتب،
وكل هؤلاء من الصحابة، ومن التابعين مسروق، والأسود، وشريح، وغيرهم. وروى أبو جعفر قال:
لما نزل القوم ذا خشب يريدون قتل عثمان إن لم
ينزع عما يكرهون، وعلم عثمان ذلك، جاء إلى منزل علي
عليه السلام، فدخل وقال: يابن عم، إن قرابتي قريبة، ولي عليك حق، وقد جاء
ما ترى من هؤلاء القوم وهم مصبحي، ولك عند الناس قدر، وهم يسمعون منك، وأحب أن تركب إليهم فتردهم عني، فإن في دخولهم علي
وهناً لأمري ، وجرأةً علي. فقال عليه السلام: على
أي شيء أردهم؟ قال: على أن أصير إلى ما أشرت به، ورأيته لي. فقال علي عليه السلام: إني قد كلمتك مرة بعد أخرى، فكل ذلك تخرج وتقول، وتعد ثم ترجع! وهذا من فعل مروان ومعاوية وابن عامر وعبد الله بن سعد، فإنك
أطعتهم وعصيتني! قال عثمان: فإني أعصيهم وأطيعك. فرجع الناس خائبين
يشتمون عثمان ومروان، وأتى بعضهم علياً عليه السلام فأخبره
الخبر، فأقبل علي عليه السلام على عبد الرحمن بن الأسود
بن عبد يغوث الزهري، فقال: أحضرت خطبة عثمان؟ فقال: نعم، قال: أحضرت مقالة مروان للناس؟ قال: نعم، فقال: أي
عباد الله، يا لله للمسلمين! إني إن قعدت في بيتي، قال
لي: تركتني وخذلتني! وإن تكلمت فبلغت له ما
يريد، جاء مروان فتلعب به حتى قد صار سيقةً له، يسوقه
حيث يشاء، بعد كبر السن وصحبته الرسول صلى الله عليه وسلم. وقام مغضباً
من فوره حتى دخل على عثمان، فقال له: أما يرضى مروان منك إلا أن يحرفك عن دينك
وعقلك! فأنت معه كجمل الظعينة ، يقاد حيث يسار به؛ والله
ما مروان بذي رأيٍ في دينه ولا عقله، وإني لأراه يوردك ثم لا يصدرك، وما أنا عائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك؛ أفسدت شرفك، وغلبت على
رأيك. ثم نهض. قال أبو جعفر: كان عثمان
مستضعفاً، طمع فيه الناس بأفعاله وباستيلاء بني أمية عليه، وكان ابتداء
الجرأة عليه أن إبلاً من إبل الصدقة قدم بها عليه، فوهبها
لبعض ولد الحكم بن أبي العاص، فبلغ ذلك عبد
الرحمن بن عوف، فأخذها وقسمها بين الناس وعثمان في داره، فكان ذلك أول وهن دخل على خلافة عثمان. وقيل: إنه خطب
يوماً وبيده عصا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يخطبون عليها، فأخذها جهجاه الغفاري من يده، وكسرها على ركبته، فلما
تكاثرت أحداثه، وتكاثر طمع الناس فيه، كتب جمع من أهل المدينة من الصحابة وغيرهم
إلى من بالآفاق: إن كنتم تريدون الجهاد، فهلموا إلينا
فإن دين محمد قد أفسده خليفتكم فاخلعوه، فاختلفت عليه القلوب، وجاء
المصريون وغيرهم إلى المدينة حتى حدث ما حدث. فخرج علي عليه السلام إلى الناس، فقال:
إنكم إنما تطلبون الحق وقد أعطيتموه، وإنه منصفكم من نفسه، فسأله الناس أن
يستوثق لهم، وقالوا: إنا لا نرضى بقول دون فعل، فدخل عليه فأعلمه، فقال: اضرب
بيني وبين الناس أجلاً، فإني لا أقدر على تبديل ما كرهوا في يوم واحد، فقال علي عليه السلام: أما ما كان بالمدينة فلا أجل
فيه، وأما ما غاب فأجله وصول أمرك، قال: نعم، فأجلني فيما بالمدينة ثلاثة أيام.
فأجابه إلى ذلك، وكتب بينه وبين الناس كتاباً على رد كل مظلمة، وعزل كل عامل
كرهوه. فكف الناس عنه، وجعل يتأهب سراً للقتال، ويستعد بالسلاح، واتخذ جنداً، فلما مضت الأيام الثلاثة ولم يغير شيئاً ثار به الناس،
وخرج قوم إلى من بذي خشب من المصريين، فأعلموهم الحال، فقدموا المدينة، وتكاثر
الناس عليه، وطلبوا منه عزل عماله ورد مظالمهم، فكان جوابه لهم: إني إن كنت
أستعمل من تريدون لا من أريد، فلست إذن في شيء من الخلافة، والأمر أمركم. فقالوا: والله لتفعلن أو
لتخلعن أو لنقتلنك. فأبى عليهم وقال: لا أنزع سربالاً سربلنيه الله. فحصروه
وضيقوا الحصار عليه. وروى أبو جعفر قال:
أشرف عثمان عليهم يوماً، فقال: أنشدكم الله، هل تعلمون أني اشتريت بئر رومة
بمالي، أستعذب بها وجعلت رشائي فيها كرجل من المسلمين! قالوا: نعم، قال: فلم
تمنعونني أن أشرب منها حتى أفطر على ماء البحر! ثم قال: أنشدكم الله، هل تعلمون
أني اشتريت أرض كذا، فزدتها في المسجد؟ قالوا: نعم، قال: فهل علمتم أن أحداً منع
أن يصلي فيه قبلي!. وقيل: بل طعن جبينه بمشقص كان في يده، فثار سودان بن حمران، وأبو حرب الغافقي وقتيرة بن وهب
السكسكي، فضربه الغافقي بعمود كان في يده، وضرب المصحف برجله ، وكان في
حجره، فنزل من بين يديه وسال عليه الدم. وكان
ممن خرج إليه وسار إليه، وحبس ضابئ بن الحارث البرجمي، لأنه هجا قوماً فنسبهم
إلى أن كلبهم ياتي أمهم، فقال لهم:
فاستعدوا
عليه عثمان، فحبسه فمات في السجن، فلذلك حقد ابنه عمير عليه وكسر أضلاعه بعد قتله. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
لما أنفذ عبد الله بن عباس إلى
الزبير قبل وقوع الحرب يوم الجمل ليستفيئه إلى طاعته :
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
لا تلقين طلحة، فإنك إن لقيته تجده كالثور عاقصاً قرنه، يركب الصعب ويقول: هو
الذلول؛ ولكن الق الزبير، فإنه ألين عريكة، فقل له: يقول لك ابن خالك: عرفتني
بالحجاز؛ وأنكرتني بالعراق؛ فما عدا مما بدا! قال الرضي رحمه الله: وهو عليه
السلام أول من سمعت منه هذه الكلمة - أعني: فما عدا مما بدا.
و من ههنا بمعنى عن؛ وقد جاءت في كثير من كلامهم كذلك، قال
ابن قتيبة في أدب الكاتب: قالوا: حدثني فلان بن فلان، أي عن فلان، ولهيت
عن كذا، أي عنه، ويصير ترتيب الكلام وتقديره: فما صرفك عما بدا منك! أي ظهر،
والمعنى: ما الذي صدك عن طاعتي بعد إظهارك لها! وحذف الضمير المفعول المنصوب
كثير جداً، كقوله تعالى: " واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا " ، أي
أرسلناه، ولا بد من تقديره، كي لا يبقى الموصول بلا عائد. وقوله: مما كان بدا
منك، فسره في الأول والثاني بتفسير واحد، فلم
يبق بين الوجهين تفاوت. وأما الزيادة الفاسدة فظنه أن عدا يتعدى إلى مفعولين، وأنه
قد حذف الثاني، وهذا غير صحيح، لأن عدا ليس من
الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين بإجماع النحاة، ومن العجب تفسيره المفعول الثاني
المحذوف على زعمه بقوله: أي ما عداك، وهذا المفعول المحذوف ههنا هو مفعول عدا
الذي لا مفعول لها غيره، فلا يجوز أن يقال إنه أول ولا ثان. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من أخبار عبد الله بن الزبير وأبيه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
كان عبد الله بن الزبير هو
الذي يصلي بالناس في أيام الجمل، لأن طلحة
والزبير تدافعا الصلاة، فأمرت عائشة عبد
الله أن يصلي قطعاً لمنازعتهما، فإن ظهروا كان
الأمر إلى عائشة، تستخلف من شاءت. برز علي عليه السلام بين الصفين حاسراً ،وقال: ليبرز إلي الزبير، فبرز إليه مدججاً؛ فقيل لعائشة: قد برز الزبير إلى علي عليه السلام، فصاحت: وازبيراه! فقيل لها: لا بأس عليه منه، إنه حاسر
والزبير دارع - فقال له: ما حملك يا أبا عبد الله على ما صنعت؟ قال: أطلب بدم
عثمان، قال: أنت وطلحة وليتماه، وإنما نوبتك من ذلك أن تقيد به نفسك وتسلمها إلى
ورثته، ثم قال: نشدتك الله! أتذكر يوم مررت بي ورسول
الله صلى الله عليه وسلم متكئ على يدك، وهو جاءٍ من بني عمرو بن عوف، فسلم علي
وضحك في وجهي، فضحكت إليه، لم أزده على ذلك، فقلت: لا يترك ابن أبي طالب
يا رسول الله زهوه! فقال لك: " مه إنه ليس بذي
زهو، أما إنك ستقاتله وأنت ظالم له "! فاسترجع الزبير وقال: لقد كان ذلك، ولكن الدهر أنسانيه، ولأنصرفن عنك، فرجع، فأعتق
عبده سرجس تحللاً من يمين لزمته في القتال، ثم أتى عائشة، فقال لها: إني
ما وقفت موقفاً قط، ولا شهدت حرباً إلا ولي رأي وبصيرة إلا
هذه الحرب، وإني لعلى شك من أمري، وما أكاد أبصر موضع قدمي. فقالت له: يا أبا عبد الله، أظنك فرقت سيوف ابن أبي طالب؛ إنها
والله سيوف حداد، معدة للجلاد، تحملها فئة أنجاد ولئن
فرقتها لقد فرقها الرجال قبلك، قال: كلا، ولكنه ما قلت لك، ثم انصرف.
لن
أدعهم حتى أؤلف بينهم! قال: فأردت منه جواباً غير ذلك،
فقال لي ابنه عبد الله: قل له: بيننا وبينك دم
خليفة ووصية خليفة، واجتماع اثنين، وانفراد واحد، وأم مبرورة، ومشاورة العشيرة،
قال: فعلمت أنه ليس وراء هذا الكلام إلا الحرب؛ فرجعت
إلى علي عليه السلام فأخبرته.
لن
أدعهم حتى أؤلف بينهم! فقال: لم أقله. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في الكلام على الاستدراج
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أن في علم البيان باباً يسمى باب
الخداع والاستدراج، يناسب ما يذكره فيه علماء البيان قول أمير المؤمنين عليه السلام: يقول لك ابن خالك:
عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق! قالوا: ومن ذلك قول الله تعالى حكايةً عن مؤمن
آل فرعون: " وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم
إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك
كاذباً فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو
مسرف كذاب " ، فإنه أخذ معهم في الاحتجاج بطريق التقسيم، فقال: هذا
الرجل إما أن يكون كاذباً فكذبه يعود عليه ولا
يتعداه، وإما أن يكون صادقاً فيصيبكم بعض ما
يعدكم به، ولم يقل: كل ما يعدكم به، مخادعةً لهم
وتلطفاً؛ واستمالة لقلوبهم كي لا ينفروا منه لو أغلظ في القول، وأظهر لهم أنه
يهضمه بعض حقه. وقوله لأهل الشام:
إن أبا لهب المذموم في القرآن باسمه عم علي بن أبي طالب.
فارتاع أهل الشام لذلك، وشتموا علياً ولعنوه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له عليه السلام في جور
الزمان
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أيها الناس،
إنا قد أصبحنا في دهرٍ عنود، وزمنٍ شديدٍ، يعد فيه المحسن مسيئاً، ويزداد الظالم
فيه عتواً، لا ننتفع بما علمنا، ولا نسأل عما جهلنا، ولا نتخوف قارعةً حتى تحل
بنا. والناس على أربعة أصناف: منهم من لا يمنعه الفساد في الأرض إلا مهانة نفسه
وكلالة حده، ونضيض وفره. الشرح: دهر عنود: جائر، عَنَد عن الطريق، يعنُد بالضم، أي عدل وجار. ويمكن أن يكون من عند يعنِد بالكسر، أي خالف ورد الحق وهو يعرفه، إلا أن اسم الفاعل
المشهور في ذلك عاند وعنيد، وأما عنود فهو اسم فاعل، من عند يعنُد بالضم. والمقنب:
خيل ما بين الثلاثين والأربعين.
والقرظ:
ورق السلم، يدبغ به، وحثالته: ما يسقط منه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في ذم
الرياء والشهرة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أن هذه الخطبة
تتضمن الذم لكثير ممن يدعي الآخرة من أهل زماننا، وهم أهل الرياء والنفاق،
ولابسوا الصوف والثياب المرقوعة لغير وجه الله. وقال علي عليه السلام: للمرائي أربع علامات: يكسل إذا
كان وحده، وينشط إذا كان في الناس، ويزيد في العمل إذا أثني عليه، وينقص منه إذا
لم يثن عليه. وقال الحسن:
لقد صبحت أقواماً، إن كان أحدهم لتعرض له الكلمة لو نطق بها لنفعته ونفعت
أصحابه، ما يمنعه منها إلا مخافة الشهرة، وإن كان أحدهم ليمر فيرى الأذى على
الطريق فما يمنعه أن ينحيه إلا مخافة الشهرة. وروي أن عمر دخل على المسجد،
فإذا بمعاذ بن جبل يبكي عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما يبكيك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "
إن اليسير من الرياء لشرك، وإن الله يحب الأتقياء الأخفياء، الذين إذا غابوا لم
يفتقدوا، وإذا حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، ينجون من كل غبراء مظلمة
". |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
عند خروجه لقتال أهل البصرة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
قال عبد الله بن العباس: دخلت على أمير المؤمنين بذي
قار وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذا النعل؟
فقلت: لا قيمة لها، فقال: والله لهي أحب إلي من إمرتكم؛ إلا أن أقيم حقاً، أو
أدفع باطلاً، ثم خرج فخطب الناس فقال: إن الله سبحانه وتعالى بعث محمداً
صلى الله عليه وآله، وليس أحد من العرب يقرأ كتاباً ولا يدعي نبوةً، فساق الناس
حتى بوأهم محلتهم، وبلغهم منجاتهم، فاستقامت قناتهم، واطمأنت صفاتهم.
الشرح:
ذو قار: موضع قريب من البصرة، وهو المكان الذي كانت فيه
الحرب بين العرب والفرس، ونصرت العرب على الفرس قبل الإسلام، ويخصف نعله،
أي يخرزها. وشبه عليه السلام أمر الجاهلية؛
أما بعجاجة ثائرة، أو بكتيبة مقبلة للحرب، فقال:
إني طردتها فولت بين يدي، ولم أزل في ساقتها أنا أطردها وهي تنطرد أمامي؛ حتى
تولت بأسرها ولم يبق منها شيء ما عجزت عنها، ولا جبنت منها. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
حذيفة بن اليمان
وخبر يوم ذي قار
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وروى أبو مخنف عن الكلبي، عن أبي صالح، عن زيد بن علي، عن ابن عباس، قال: لما نزلنا مع علي عليه السلام
ذا قار، قلت: يا أمير المؤمنين، ما أقل من يأتيك
من أهل الكوفة فيما أظن! فقال: والله ليأتيني منهم ستة
آلاف وخمسمائةٍ وستون رجلاً؛ لا يزيدون ولا ينقصون.
قال أبو مخنف: فلما قدم أهل الكوفة على علي عليه
السلام، سلموا عليه، وقالوا: الحمد لله يا أمير المؤمنين اختصنا بموازرتك،
وأكرمنا بنصرتك، قد أجبناك طائعين غير مكرهين، فمرنا بأمرك. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في
استنفار إلى أهل الشام
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أفٍ لكم! لقد سئمت عتابكم. أرضيتم
بالحياة الدنيا من الآخرة عوضاً، وبالذل من العز خلفاً! إذا دعوتكم إلى جهاد
عدوكم دارت أعينكم؛ كأنكم من الموت في غمرةٍ، ومن الذهول في سكرةٍ. يرتج عليكم
حواري فتعمهون؛ فكأن قلوبكم مألوسة، فأنتم لا تعقلون. ما أنتم بثقةٍ سجيس
الليالي، وما أنتم بركنٍ يمال بكم، ولا زوافر عز يفتقر إليكم. ما أنتم إلا كإبلٍ
ضل رعاتها، فكلما جمعت من جانبٍ انتشرت من آخر. لبئس
لعمر الله سعر نار الحرب أنتم! تكادون ولا تكيدون، وتنتقص أطرافكم فلا تمتعضون؛
لا ينام عنكم وأنتم في غفلةٍ ساهون. غلب والله المتخاذلون! وايم الله؛ إني لأظن
بكم أن لو حمس الوغى، واستحر الموت؛ قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج الرأس.
والله إن امرأً يمكن عدوه من نفسه، يعرق لحمه، ويهشم عظمه، ويفري جلده، لعظيم
عجزه، ضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره. أنت فكن ذاك إن شئت؛ فأما أنا والله دون أن
أعطي ذلك ضرب بالمشرفية تطير منه فراش الهام، وتطيح السواعد والأقدام، ويفعل
الله بعد ذلك ما يشاء.
خطب أمير المؤمنين عليه السلام بهذه الخطبة، بعد
فراغه من أمر الخوارج، وقد كان قام بالنهروان، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أما بعد، فإن
الله قد أحسن نصركم، فتوجهوا من فوركم هذا إلى عدوكم من أهل الشام. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أول
خطبة لعلي بالكوفة بعد قدومه من حرب الخوارج:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وروى نصر بن مزاحم، عن عمرو بن سعد، عن نمير بن وعلة، عن أبي وداك،
قال:
لما كره القوم المسير إلى الشام عقيب واقعة النهروان، أقبل به أمير المؤمنين، فأنزلهم النخيلة، وأمر الناس أن يلزموا معسكرهم، ويوطنوا على
الجهاد أنفسهم، وأن يقلوا زيارة النساء وأبناؤهم، حتى يسير بهم إلى عدوهم،
وكان ذلك هو الرأي لو فعلوه، لكنهم لم يفعلوا، وأقبلوا يتسللون ويدخلون الكوفة.
فتركوه عليه السلام وما معه من الناس إلا رجال من وجوههم قليل، وبقي المعسكر
خالياً، فلا من دخل الكوفة خرج إليه، ولا من أقام معه
صبر. فلما رأى ذلك دخل الكوفة. وروى أبو نعيم الحافظ، قال: حدثنا أبو عاصم الثقفي، قال:
جاءت امرأة من بني عبس إلى علي عليه السلام، وهو يخطب بهذه الخطبة على
منبر الكوفة، فقالت: يا أمير المؤمنين، ثلاث بلبلن
القلوب عليك، قال: وما هن ويحك! قالت: رضاك بالقضية، وأخذك بالدنية،
وجزعك عند البلية. فقال: إنما أنت امرأة، فاذهبي فاجلسي
على ذيلك، فقالت: لا والله ما من جلوس إلا تحت ظلال السيوف. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نبذ
من فضائل الإمام علي
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
روى علي بن محمد بن أبي سيف المدائني عن فضيل بن الجعد، قال:
آكد الأسباب في تقاعد العرب عن أمير المؤمنين أمر المال، فإنه لم يكن يفضل
شريفاً على مشروف، ولا عربياً على عجمي، ولا يصانع الرؤساء وأمراء القبائل كما
يصنع الملوك، ولا يستميل أحداً إلى نفسه، وكان معاوية
بخلاف ذلك، فترك الناس علياً والتحقوا؛ فشكا علي عليه السلام إلى الأشتر
تخاذل أصحابه، وفرار بعضهم إلى معاوية، فقال الأشتر:
يا أمير المؤمنين، إنا قاتلنا أهل البصرة بأهل البصرة
وأهل الكوفة، ورأي الناس واحد، وقد اختلفوا بعد، وتعادوا وضعفت النية، وقل
العدد، وأنت تأخذهم بالعدل، وتعمل فيهم بالحق، وتنصف الوضيع من الشريف؛
فليس للشريف عندك فضل منزلةٍ على الوضيع، فضجت طائفة ممن معك من الحق إذ عموا
به، واغتموا من العدل إذ صاروا فيه، ورأوا صنائع معاوية عند أهل الغناء والشرف،
فتاقت أنفس الناس إلى الدنيا، وقل من ليس للدنيا بصحب، وأكثرهم يجتوي الحق
ويشتري الباطل، ويؤثر الدنيا، فإن تبذل المال يا أمير
المؤمنين تمل إليك أعناق الرجال، وتصف نصيحتهم لك، وتستخلص ودهم، صنع لك يا أمير
المؤمنين! وكبت أعداءك، وفض جمعهم، وأوهن كيدهم، وشتت أمورهم، إنه بما يعملون
خبير. وأما
ما ذكرت من أن الحق ثقل عليهم ففارقونا لذلك، فقد علم الله أنهم لم يفارقونا من
جور، ولا لجأوا إذ فارقونا إلى عدل، ولم يلتمسوا إلا دنيا زائلة عنهم كان قد
فارقوها، وليسألن يوم القيامة: أللدنيا أرادوا أم لله عملوا؟ وأما ما ذكرت من
بذل الأموال واصطناع الرجال، فإنه لا يسعنا أن نؤتي امرأً من الفيء أكثر من حقه،
وقد قال الله سبحانه وتعالى وقوله الحق: "
كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن الله والله مع الصابرين " وقد بعث
الله محمداً صلى الله عليه وسلم وحده، فكثره بعد قلة، وأعز فئته بعد الذلة، وإن
يرد الله أن يولينا هذا الأمر يذلل لنا صعبه، ويسهل لنا حزنه، وأنا قابل من رأيك
ما كان لله عز وجل رضاً، وأنت من آمن الناس عندي، وأنصحهم لي، وأوثقهم في نفسي
إن شاء الله.
ثم أقرع عليها ودفعها إلى رؤوس
الأسباع، فجعل كل منهم يدعو قومه فيحملون الجواليق. وروى أبو إسحاق الهمداني أن امرأتين أتتا علياً عليه السلام: إحداهما
من العرب والأخرى من الموالي، فسألتاه، فدفع إليهما دراهم وطعاماً بالسواء،
فقالت إحداهما: إني امرأة من العرب، وهذه من العجم، فقال: إني والله لا أجد لبني
إسماعيل في هذا الفيء فضلاً على بني إسحاق. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
خطبة له بعد التحكيم
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح، والحدث الجليل؛ وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، ليس معه إله غيره، وأن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه
وآله.
الشرح:
الخطب الفادح: الثقيل، ونخلت لكم، أي أخلصته، من نخلت الدقيق بالمنخل.
وهذه الألفاظ من خطبة خطب بها عليه السلام بعد خديعة
ابن العاص لأبي موسى وافتراقهما، وقبل وقعة النهروان.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
التحكيم
وظهور الخوارج
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ويجب
أن نذكر في هذا الفصل أمر التحكيم، كيف كان، وما
الذي دعا إليه! فنقول: إن الذي دعا إليه طلب أهل الشام
له، واعتصامهم به من سيوف أهل العراق؛ فقد كانت إمارات القهر والغلبة لاحت،
ودلائل النصر والظفر وضحت، فعدل أهل الشام عن القراع إلى الخداع، وكان ذلك برأي
عمرو بن العاص، وهذه الحال وقعت عقيب ليلة الهرير ، وهي الليلة العظيمة
التي يضرب بها المثل. قال: وخرج رجل من أهل الشام فنادى بين الصفين:
يا أبا الحسن، يا علي، ابرز إلي. فخرج إليه علي عليه السلام، حتى اختلفت أعناق
دابتيهما بين الصفين، فقال: إن لك يا علي لقدماً في الإسلام والهجرة، فهل لك في
أمر أعرضه عليك، يكون فيه حقن هذه الدماء، وتأخر هذه الحروب، حتى ترى رأيك؟ قال:
وما هو؟ قال: ترجع إلى عراقك، فنخلي بينك وبين العراق، ونرجع نحن إلى شامنا
فتخلي بيننا وبين الشام. قال نصر: وحدثنا عمرو بن شمر عن جابر بن عمير الأنصاري، قال: والله لكأني أسمع علياً يوم الهرير،
وذلك بعد ما طحنت رحا مذحج، فيما بينها وبين عك لخم وجذام والأشعريين بأمر عظيم
تشيب منه النواصي، حتى استقلت الشمس، وقام قائم الظهر،
وعلي عليه السلام يقول لأصحابه: حتى متى نخلي بين هذين الحيين! قد فنيا
وأنتم وقوف تنظرون! أما تخافون مقت الله! ثم انفتل إلى القبلة، ورفع يديه إلى
الله عز وجل، ونادى: يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا
واحد، يا أحد، يا صمد! يا الله، يا إله محمد؛ اللهم إليك نقلت الأقدام، وأفضت
القلوب، ورفعت الأيدي، ومدت الأعناق، وشخصت الأبصار، وطلبت الحوائج! اللهم إنا
نشكو إليك غيبة نبينا، وكثرة عدونا، وتشتت أهوائنا، " ربنا افتح بيننا وبين
قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين " سيروا على بركة الله، ثم نادى: لا إله إلا
الله والله أكبر، كلمة التقوى.
قال: يقول واحد لصاحبه في تلك الحال: أي رجل هذا
لو كانت له نية! فيقول صاحبه: وأي نية أعظم من هذه ثكلتك أمك وهبلتك! إن رجلاً
كما ترى قد سبح في الدم، وما أضجرته الحرب، وقد غلت هام الكماة من الحر، وبلغت
القلوب الحناجر، وهو كما تراه جزعاً يقول هذه المقالة! اللهم لا تبقنا بعد هذا!
قلت: لله أم قامت عن الأشتر! لو أن إنساناً يقسم أن الله تعالى ما خلق في العرب
ولا في العجم أشجع منه إلا أستاذه عليه السلام لما خشيت عليه الإثم! ولله در القائل، وقد سئل عن الأشتر: ما أقول في رجل هزمت حياته أهل الشام، وهزم موته أهل العراق. فقال
علي عليه السلام: أيها الناس، إني أحق من أجاب إلى كتاب
الله ولكن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وابن أبي سرح وابن مسلمة ليسوا
بأصحاب دين ولا قرآن، أني أعرف بهم منكم، صحبتهم صغاراً ورجالاً، فكانوا شر
صغار، وشر رجال. ويحكم إنها كلمة حق يراد بها باطل! إنهم ما رفعوها أنهم
يعرفونها ويعملون بها، ولكنها الخديعة والوهن والمكيدة! أعيروني سواعدكم
وجماجمكم ساعة واحدة، فقد بلغ الحق مقطعه، ولم يبق إلا أن يقطع دابر الذين
ظلموا. فسبوه
وسبهم، وضربوا بسياطهم وجه دابته، وضرب بسوطه وجوه دوابهم، وصاح بهم علي عليه
السلام، فكفوا. وقال الأشتر: يا أمير المؤمنين،
أحمل الصف على الصف تصرع القوم. فتصايحوا: إن أمير المؤمنين قد قبل الحكومة،
ورضي بحكم القرآن. فقال الأشتر: إن كان أمير
المؤمنين قد قبل ورضي، فقد رضيت بما رضي به أمير المؤمنين، فأقبل الناس يقولون:
قد رضي أمير المؤمنين، قد أقبل أمير المؤمنين، وهو ساكت لا يبض بكلمة، مطرق إلى
الأرض.
قال: فأما
المسود من كندة، وهو الأشعث، فإنه لم يرض
بالسكوت، بل كان من أعظم الناس قولاً في إطفاء الحرب والركون إلى الموادعة. وأما كبش العراق، وهو
الأشتر، فلم يكن يرى إلا الحرب، ولكنه ساكت على مضضٍ. أما سعيد بن قيس، فكان تارة هكذا وتارة هكذا.
فضارب
القوم حتى ردهم، فانتدب له همام بن قبيصة الطائي - وكان مع معاوية - فشد عليه في
مذحج، فانتصر عدي بن حاتم الطائي للأشتر، فحمل عليه في طيئ، فاشتد القتال جداً،
فدعا علي ببغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فركبها، ثم تعصب بعمامة رسول الله،
ونادى: أيها الناس، من يشري نفسه لله! إن هذا يوم له ما بعده، فانتدب معه ما بين
عشرة آلاف إلى اثني عشرة ألفاً، فتقدمهم علي عليه السلام، وقال:
وحمل
وحمل الناس حملةً واحدة، فلم يبق لأهل الشام صف إلا أزالوه، حتى أفضوا إلى
معاوية، فدعا معاوية بفرسه ليفر عليه، وكان معاوية بعد ذلك يحدث فيقول: لما وضعت
رجلي في الركاب، ذكرت قول عمرو بن الإطنابة :
فأخرجت رجلي من الركاب وأقمت، ونظرت
إلى عمرو فقلت له: اليوم صبر وغداً فخر، فقال: صدقت. أما
بعد، فإن هذا الأمر قد طال بيننا وبينك ، وكل واحدٍ منا يرى أنه على الحق فيما
يطلب من صاحبه، ولن يعطي واحد منا الطاعة للآخر، وقد قتل فيما بيننا بشر كثير ،
وأنا أتخوف أن يكون ما بقي أشد مما مضى، وإنا سوف نسأل عن ذلك الموطن، ولا يحاسب
به غيري وغيرك، وقد دعوتك إلى أمرٍ لنا ولك فيه حياة وعذر، وبراءة وصلاح للأمة،
وحقن للدماء، وألفة للدين، وذهاب للضغائن والفتن، وأن نحكم بيني وبينكم حكمين
مرضيين، أحدهما من أصحابي، والآخر من أصحابك، فيحكمان بيننا بما أنزل الله، فهو
خير لي ولك، وأقطع لهذه الفتن، فاتق الله فيما دعيت إليه، وارض بحكم القرآن إن
كنت من أهله، والسلام. وانصرف
إلى علي عليه السلام، فأخبره، فبعث علي عليه السلام
قراءً من أهل العراق، وبعث معاوية قراءً من أهل الشام، فاجتمعوا بين الصفين،
ومعهم المصحف فنظروا فيه وتدارسوا واجتمعوا على أن يحيوا ما أحيا القرآن،
ويميتوا ما أمات القرآن، ورجع كل فريق إلى صاحبه، فقال
أهل الشام: إنا قد رضينا واخترنا عمرو بن العاص، وقال الأشعث والقراء الذين
صاروا خوارج فيما بعد: قد رضينا واخترنا أبا موسى الأشعري، قال لهم علي عليه السلام: فإني لا أرضى بأبي موسى
ولا أرى أن أوليه، فقال الأشعث وزيد بن حصين ومسعر بن فدكي في عصابة القراء: إنا
لا نرضى إلا به، فإنه قد كان حذرنا ما وقعنا فيه. فقال
علي عليه السلام: فإنه ليس لي برضاً، وقد فارقني وخذل الناس عني، وهرب مني حتى
أمنته بعد أشهر، ولكن هذا ابن عباس أوليه ذلك. قالوا: والله ما نبالي، أكنت أنت أو ابن عباس! ولا نريد رجلاً هو منك ومن
معاوية سواء، ليس إلى واحد منكما بأدنى من الآخر. قال
علي عليه السلام: فإني أجعل الأشتر، فقال
الأشعث: وهل سعر الأرض علينا إلا الأشتر! وهل
نحن إلا في حكم الأشتر! قال علي عليه السلام:
وما حكمه؟ قال: حكمه أن يضرب بعضنا بعضاً بالسيف حتى يكون ما أردت وما أراد. قال نصر:
وروي أن ابن الكواء، قام إلى علي عليه السلام، فقال:
هذا عبد الله بن قيس وافد أهل اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب
مقاسم أبي بكر وعامل عمر، وقد رضي به القوم، وعرضنا عليهم ابن عباس، فزعموا أنه
قريب القرابة منك، ظنون في أمرك. فبلغ ذلك أهل الشام،
فبعث أيمن بن خزيم الأسدي، وكان معتزلاً لمعاوية بهذه الأبيات، وكان هواه أن
يكون الأمر لأهل العراق:
فلما
بلغ الناس هذا الشعر، طارت أهواء قومٍ من أولياء علي عليه السلام وشيعته إلى ابن
عباس، وأبت القراء إلا أبا موسى.
قال نصر: فلما رضي أهل الشام بعمرو،
وأهل العراق بأبي موسى، أخذوا في سطر كتاب الموادعة، وكانت صورته: هذا ما تقاضى
عليه علي أمير المؤمنين ومعاوية بن أبي سفيان. فقال
معاوية: بئس الرجل أنا إن أقررت أنه أمير المؤمنين ثم قاتلته! وقال عمرو: بل
نكتب اسمه واسم أبيه؟ إنما هو أميركم، فأما أميرنا فلا، فلما أعيد إليه الكتاب
أمر بمحوه، فقال الأحنف: لا تمح اسم أمير المؤمنين عنك؛ فإني أتخوف إن محوتها
ألا ترجع إليك أبداً، فلا تمحها. فقال علي عليه السلام: إن هذا اليوم
كيوم الحديبية حين كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا ما صالح عليه محمد
رسول الله سهيل بن عمرو، فقال سهيل: لو أعلم أنك رسول الله لم أقاتلك، ولم
أخالفك، إني إذاً لظالم لك إن منعتك أن تطوف ببيت الله الحرام وأنت رسوله، ولكن
اكتب: من محمد بن عبد الله، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا
علي، إني لرسول الله، وأنا محمد بن عبد الله، ولن يمحو عني الرسالة كتابي لهم من
محمد بن عبد الله، فاكتبها وامح ما أراد محوه، أما إن لك مثلها ستعطيها وأنت
مضطهد ". قال نصر: وقد روى أبو إسحاق الشيباني، قال: قرأت كتاب الصلح عند سعيد بن أبي بردة في صحيفة صفراء،
عليها خاتمان: خاتم من أسفلها وخاتم من أعلاها، على خاتم علي عليه السلام: محمد
رسول الله، وعلى خاتم معاوية: محمد رسول الله. وقيل لعلي عليه السلام، حين أراد أن يكتب الكتاب بينه وبين معاوية وأهل الشام:
أتقر أنهم مؤمنون مسلمون! فقال علي عليه السلام:
ما أقر لمعاوية ولا لأصحابه أنهم مؤمنون ولا مسلمون، ولكن
يكتب معاوية ما شاء بما شاء، ويقر بما شاء لنفسه ولأصحابه، ويسمي نفسه
بما شاء وأصحابه، فكتبوا: هذا ما تقاضى عليه علي
بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان قاضى علي بن أبي طالب على أهل العراق ومن كان
معه من شيعته من المؤمنين والمسلمين، وقاضى معاوية بن أبي سفيان على أهل الشام
ومن كان معه من شيعته من المؤمنين والمسلمين، إننا ننزل
عند حكم الله تعالى وكتابه، ولا يجمع بيننا إلا إياه، وإن كتاب الله سبحانه
وتعالى بيننا من فاتحته إلى خاتمته، نحيي ما أحيا القرآن، ونميت ما أمات القرآن،
فإن وجد الحكمان ذلك في كتاب الله اتبعاه، وإن لم يجداه أخذا بالسنة
العادلة غير المفرقة. والحكمان: عبد الله بن قيس
وعمرو بن العاص، وقد أخذ الحكمان من علي ومعاوية ومن الجندين أنهما آمنان على
أنفسهما وأموالهما وأهلهما، والأمة لهما أنصار، وعلى الذي يقضيان عليه وعلى
المؤمنين والمسلمين من الطائفتين عهد الله أن يعملوا بما يقضيان عليه؛ مما وافق
الكتاب والسنة، وإن الأمن والموادعة ووضع السلاح متفق عليه بين الطائفتين؛ إلى
أن يقع الحكم، وعلى كل واحد من الحكمين عهد الله، ليحكمن بين الأمة بالحق، لا
بالهوى. وأجل الموادعة سنة كاملة، فإن أحب
الحكمان أن يعجلا الحكم عجلاه، وإن توفي أحدهما فلأمير شيعته أن يختار مكانه
رجلاً، لا يألو الحق والعدل، وإن توفي أحد الأميرين كان نصب غيره إلى أصحابه ممن
يرضون أمره، ويحمدون طريقته. اللهم إنا نستنصرك على من
ترك ما في هذه الصحيفة، وأراد فيها إلحاداً وظلماً. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
هذا ما تقاضى عليه ابن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وشيعتهما
فيما تراضيا به من الحكم بكتاب الله وسنة رسوله؛ قضية
علي على أهل العراق ومن كان شيعته من شاهد أو غائب، وقضية معاوية على أهل الشام
ومن كان من شيعته من شاهد أوغائب؛ إننا رضينا أن ننزل عند حكم القرآن فيما حكم،
وأن نقف عند أمره فيما أمر، فإنه لا يجمع بيننا إلا ذلك، وإنا جعلنا كتاب الله
سبحانه حكماً بيننا فيما اختلفنا فيه، من فاتحته إلى خاتمته، نحيي ما أحيا
القرآن، ونميت ما أماته، على ذلك تقاضينا، وبه تراضينا. وإن علياً وشيعته رضوا
أن يبعثوا عبد الله ابن قيس ناظراً ومحاكماً، ورضي معاوية وشيعته أن يبعثوا عمرو
بن العاص ناظراً ومحاكماً، على أنهم أخذوا عليهما عهد الله وميثاقه، وأعظم ما أخذ
الله على أحد من خلقه ليتخذان الكتاب إماماً فيما بعثا إليه، لا يعدوانه إلى
غيره ما وجداه فيه مسطوراً، وما لم يجداه مسمى في الكتاب رداه إلى سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم الجامعة، لا يعتمدان لها خلافاً، ولا يتبعان هوى، ولا يدخلان
في شبهة؛ وقد أخذ عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص على علي ومعاوية عهد الله
وميثاقه بالرضا بما حكما به من كتاب الله وسنة نبيه، وليس لهما أن ينقضا ذلك ولا
يخالفاه إلى غيره؛ وأنهما آمنان في حكمهما على دمائهما وأموالهما وأهلهما، ما لم
يعدوا الحق؛ رضي بذلك راضٍ أو أنكره منكر. وإن الأمة أنصار لهما على ما قضيا به
من العدل، فإن توفي أحد الحكمين قبل انقضاء الحكومة فأمير شيعته وأصحابه يختارون
مكانه رجلاً، لا يألون عن أهل المعدلة والإقساط على ما كان عليه صاحبه من العهد
والميثاق والحكم بكتاب الله وسنة رسوله، وله مثل شرط صاحبه، وإن مات أحد الأميرين
قبل القضاء، فلشيعته أن يولوا مكانه رجلاً يرضون عدله. وقد وقعت هذه القضية،
ومعها الأمن والتفاوض، ووضع السلاح والسلام والموادعة، وعلى الحكمين عهد الله
وميثاقه ألا يألوا اجتهاداً، ولا يتعمدا جوراً، ولا يدخلا في شبهة، ولا يعدوا
حكم الكتاب، فإن لم يقبلا برئت الأمة من حكمهما، ولا عهد لهما ولا ذمة، وقد وجبت
القضية على ما قد سمي في هذا الكتاب من مواقع الشروط على الحكمين والأميرين
والفريقين، والله أقرب شهيداً، وأدنى حفيظاً. والناس آمنون على أنفسهم وأهلهم
وأموالهم إلى انقضاء مدة الأجل، والسلاح موضوع، والسبل مخلاة، والشاهد والغائب
من الفريقين سواء في الأمن، وللحكمين أن ينزلا منزلاً عدلاً بين أهل العراق
والشام، لا يحضرهما فيه إلا من أحبا عن ملإٍ منهما وتراضٍ، وإن المسلمين قد
أجلوا هذين القاضيين إلى انسلاخ شهر رمضان، فإن رأيا تعجيل الحكومة فيما وجها له
عجلاها، وإن أرادا تأخيرها بعد شهر رمضان إلى انقضاء الموسم فذلك إليهما، وإن
هما لم يحكما بكتاب الله وسنة نبيه إلى انقضاء الموسم فالمسلمون على أمرهم الأول
في الحرب، ولا شرط بين الفريقين، وعلى الأمة عهد الله وميثاقه على التمام
والوفاء بما في هذا الكتاب، وهم يد على من أراد فيه إلحاداً وظلماً، أو حاول له
نقضاً. وشهد فيه من أصحاب علي عشرة، ومن أصحاب
معاوية عشرة؛ وتاريخ كتابته لليلة بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين. قال نصر:
فحدثنا عمر بن سعد عن أبي جناب الكلبي عن إسماعيل بن شفيع عن سفيان بن سلمة،
قال: فلما تم الكتاب وشهدت فيه الشهود، وتراضى الناس خرج الأشعث، ومعه ناس بنسخة
الكتاب يقرؤها على الناس، ويعرضها عليهم، فمر به على صفوف من أهل الشام، وهم على
راياتهم، فأسمعهم إياه، فرضوا به، ثم مر به على صفوف من أهل العراق، وهم على
راياتهم، فأسمعهم إياه، فرضوا به، حتى مر برايات عنزة، وكان
مع علي عليه السلام من عنزة بصفين أربعة آلاف مجفف ، فلما مر بهم الأشعث يقرؤه
عليهم، قال فتيان منهم: لا حكم إلا لله، ثم حملا على أهل الشام بسيوفهما،
فقاتلا حتى قتلا على باب رواق معاوية - فهما أول من حكم. واسماهما جعد ومعدان -
ثم مر بهما على مراد، فقال صالح بن شقيق، وكان من رؤوسهم:
لا حكم إلا لله، وكره المشركون. ثم مر
على رايات بني راسب، فقرأها عليهم، فقال رجل منهم: لا حكم إلا لله، لا نرضى ولا
نحكم الرجال في دين الله. ثم مر على رايات تميم، فقرأها عليهم، فقال رجل منهم:
لا حكم إلا لله، يقضي بالحق وهو خير الفاصلين. فقال رجل منهم لآخر: أما هذا فقد
طعن طعنةً نافذة. وخرج عروة بن أدية، أخو مرداس بن أدية التميمي، فقال: أتحكمون
الرجال في أمر الله لا حكم إلا لله! فأين قتلانا يا أشعث! ثم شد بسيفه ليضرب به
الأشعث، فأخطأه، وضرب عجز دابته ضربة خفيفة، فصاح
به الناس: أن املك يدك، فكف ورجع الأشعث إلى قومه، فمشى الأحنف إليه
ومعقل بن قيس ومسعر بن فدكي، ورجال من بني تميم، فتنصلوا واعتذروا، فقبل منهم
ذلك وانطلق إلى علي عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين، إني عرضت الحكومة على
صفوف أهل الشام، وأهل العراق، فقالوا جميعاً: رضينا، حتى مررت برايات بني راسب،
ونبذٍ من الناس سواهم، فقالوا: لا نرضى، لا حكم إلا لله فمِل بأهل العراق وأهل
الشام عليهم حتى نقتلهم. فقال علي عليه السلام: هل هي غير رايةٍ أو رايتين ونبذٍ
من الناس؟ قال: لا، قل: فدعهم. قال نصر: وروى الشعبي أن علياً عليه السلام، قال يوم صفين حين أقر
الناس بالصلح:
إن هؤلاء القوم لينيبوا إلى الحق، ولا ليجيبوا إلى كلمة سواءٍ حتى يرموا
بالمناسر تتبعها العساكر، وحتى يرجموا بالكتائب تقفوها الجلائب، وحتى يجر
ببلادهم الخميس يتلوه الخميس ؛ وحتى يدعوا الخيول في نواحي أرضهم، وبأحناء
مساربهم، ومسارحهم، وحتى تشن عليهم الغارات من كل فجٍ؛ وحتى يلقاهم قوم صدق صبر،
ولا يزيدهم هلاك من هلك من قتلاهم وموتاهم في سبيل الله إلا جداً في طاعة الله،
وحرصاً على لقاء الله؛ ولقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقتل آباءنا
وأبناءنا وإخواننا وأخوالنا وأعمامنا، لا يزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليماً،
ومضياً على أمض الألم، وجداً على جهاد العدو، والاستقلال بمبارزة الأقران، ولقد
كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهما أيهما
يسقي صاحبه كأس المنون، فمرة لنا من عدونا، ومرة لعدونا منا، فلمكا رآنا الله
صدقاً صبراً أنزل بعدونا الكبت، وأنزل علينا النصر، ولعمري لو كنا نأتي مثل الذي
أتيتم ما قام الدين ولا عز الإسلام، وايم الله لتحلبنها دماً، فاحفظوا ما أقول
لكم.
فلما
بلغ معاوية شعره، غضب من ذلك وقال: لولا مسيره لكان لي
فيه رأي! فقال عبد الرحمن ابن أم الحكم: أما
والله إن أمثاله في قريش لكثير؛ ولكنك
ألزمت نفسك الحاجة إليه، فألزمها الغناء عنه،
فقال له معاوية: فأجبه عن شعره، فقال عبد الرحمن
يعيره بفراره من علي يوم صفين:
قال نصر:
ثم إن الناس أقبلوا على قتلاهم فدفنوهم، قال:
وقد كان عمر بن الخطاب دعا في خلافته حابس بن سعد الطائي، فقال له: إني أريد أن أوليك قضاء حمص، فكيف أنت صانع؟ قال: أجتهد رأيي وأستشير
جلسائي، قال: فانطلق إليها. فلم يمش إلا يسيراً حتى رجع، فقال: يا أمير
المؤمنين، إني رأيت رؤيا أحببت أن أقصها عليك، قال:
هاتها، قال: رأيت كأن الشمس أقبلت من المشرق، ومعها
جمع عظيم، وكأن القمر قد أقبل من المغرب ومعه
جمع عظيم، فقال له عمر: مع أيهما كنت؟ قال: كنت
مع القمر، قال: كنت مع الآية الممحوة، اذهب فلا والله لا تلي لي عملاً، ورده. فشهد مع
معاوية صفين، وكانت راية طيئ معه، فقتل يومئذ، فمر به عدي بن
حاتم، ومعه ابنه زيد، فرآه قتيلاً، فقال
له: يا أبت هذا والله خالي، قال: نعم، لعن الله خالك! فبئس والله المصرع لمصرعه! فوقف زيد وقال: من قتل هذا الرجل؟ مراراً، فخرج إليه
رجل من بكر بن وائل، طوال يخضب، فقال: أنا قتلته، فقال له: كيف صنعت به؟ فجعل يخبره، فطعنه زيد بالرمح فقتله، وذلك بعد أن وضعت الحرب
أوزراها؛ فحمل عليه عدي أبوه يسبه ويشتم أمه، ويقول: يابن المائقة، لست على دين محمد إن لم أدفعك إليهم،
فضرب زيد فرسه فلحق بمعاوية، فأكرمه وحمله وأدنى مجلسه، فرفع عدي يديه فدعا عليه، وقال: اللهم إن زيداً قد
فارق المسلمين، ولحق بالملحدين، اللهم فارمه بسهم من سهامك لا يشوي - أو قال لا
يخطئ - فإن رميتك لا تنمي، والله لا أكلمه من رأسي كلمة أبداً، ولا يظلني وإياه
سقف أبداً. وقال زيد في قتل البكري:
قال نصر: وروى الشعبي، عن
زياد بن النضر أن علياً عليه السلام بعث أربعمائة، عليهم شريح بن هانئ الحارثي، ومعه عبد الله بن عباس يصلي بهم،
ويلي أمورهم، ومعهم أبو موسى الأشعري، وبعث معاوية
عمرو بن العاص في أربعمائة، ثم إنهم خلوا بين الحكمين، فكان رأي عبد الله بن قيس
في عبد الله بن عمر بن الخطاب، وكان يقول: والله إن
استطعت لأحيين سنة عمر. قال نصر: وفي حديث محمد بن عبيد الله، عن الجرجاني قال: لما أراد أبو موسى المسير قام إليه
شريح بن هانئ، فأخذ بيده، وقال: يا أبا موسى، إنك قد نصبت لأمرٍ عظيمٍ لا يجبر
صدعه ، ولا تستقال فتنته، ومهما تقل من شيء عليك أو لك، يثبت حقه وتر صحته وإن
كان باطلاً، وإنه لا بقاء لأهل العراق إن ملكهم معاوية، ولا بأس على أهل الشام
إن ملكهم علي، وقد كانت منك تثبيطة أيام الكوفة والجمل، فإن تشفعها بمثلها يكن
الظن بك يقيناً، والرجاء منك يأساً، ثم قال له شريح في ذلك:
فقال أبو موسى: ما ينبغي لقومٍ
اتهموني أن يرسلوني لأدفع عنهم باطلاً، أو أجر إليهم حقاً. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فكتب
إليه أبو موسى: إني لأرجو أن ينجلي هذا الأمر، وأنا فيه على رضا الله سبحانه.
فقال شريح:
والله لقد تعجلت رجال مساءتنا في أبي موسى، وطعنوا عليه بأسوأ الطعن، وظنوا فيه ما
الله عصمه منه، إن شاء الله.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال:
فلما سمع الناس قول الصلتان شحذهم ذلك على أبي موسى، واستبطأه القوم وظنوا به
الظنون، ومكث الرجلان بدومة الجندل لا يقولان شيئاً. وكان سعد بن أبي وقاص قد
اعتزل علياً ومعاوية، ونزل على ماء لبني سليم بأرض البادية، يتشوف الأخبار -
وكان رجلاً له بأس ورأي ومكان في قريش، ولم يكن له هوى في علي ولا في معاوية -
فأقبل راكب يوضع من بعيد، فإذا هو ابنه عمر، فقال له أبوه: مهيم ؟ فقال: التقى
الناس بصفين، فكان بينهم ما قد بلغك حتى تفانوا. ثم حكموا عبد الله بن قيس وعمرو
بن العاص؛ وقد حضر ناس من قريش عندهما، وأنت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم ومن أهل الشورى، ومن قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " اتقوا دعوته
"، ولم تدخل في شيءٍ مما تكره الأمة، فاحضر دومة الجندل، فإنك صاحبها غداً.
فقال: مهلاً يا عمر، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تكون
بعدي فتنة، خير الناس فيها التقي الخفي "، وهذا أمر لم أشهد أوله، فلا أشهد
آخره، ولو كنت غامساً يدي في هذا الأمر لغمستها مع علي بن أبي طالب؛ وقد رأيت
أباك كيف وهب حقه من الشورى، وكره الدخول في الأمر. فارتحل عمر، وقد استبان له
أمر أبيه. قال نصر: في حديث عمرو بن شمر، قال: أقبل أبو
موسى على عمر، فقال: يا عمرو، هل لك في أمرٍ هو للأمة صلاح، ولصلحاء الناس رضاً؟
نولي هذا الأمر عبد الله بن عمر بن الخطاب، الذي لم يدخل في شيء من هذه الفتنة،
ولا هذه الفرقة. قال: وكان عبد الله بن عمرو ابن العاص وعبد الله بن الزبير
قريبين يسمعان هذا الكلام، فقال عمرو: فأين أنت يا أبا موسى عن معاوية! فأبى
عليه أبو موسى، قال: وشهدهم عبد الله بن هشام، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد
يغوث وأبو الجهم بن حذيفة العدوي والمغيرة بن شعبة، فقال عمرو: ألست تعلم أن
عثمان قتل مظلوماً؟ قال: بلى، قال: اشهدوا، ثم قال: فما يمنعك من معاوية وهو ولي
عثمان، وقد قال الله تعالى: " ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً
" ؟ ثم إن بيت معاوية من قريش ما قد علمت، فإن خشيت أن يقول الناس: ولي
معاوية وليست له سابقة؛ فإن لك حجة، أن تقول: وجدته ولي عثمان الخليفة المظلوم،
والطالب بدمه، الحسن السياسة، الحسن التدبير؛ وهو أخو أم حبيبة أم المؤمنين،
وزوج النبي صلى الله عليه وسلم، وقد صحبه، وهو أحد الصحابة. ثم عرض له بالسلطان،
فقال له: إن هو ولي الأمر أكرمك كرامة لم يكرمك أحد قط مثلها؛ فقال أبو موسى:
اتق الله يا عمر! أما ما ذكرت من شرف معاوية، فإن هذا الأمر ليس على الشرف يولاه
أهله، لو كان على الشرف كان أحق الناس بهذا الأمر أبرهة بن الصباح؛ إنما هو لأهل
الدين والفضل، مع أني لو كنت أعطيه أفضل قريش شرفاً لأعطيته علي بن أبي طالب. وأما
قولك: إن معاوية ولي عثمان فوله هذا الأمر؛ فإني لم أكن أوليه إياه لنسبته من
عثمان، وأدع المهاجرين الأولين، وأما تعرضك لي بالإمرة والسلطان؛ فوالله لو خرج
لي من سلطانه ما وليته، وما كنت أرتشي في الله، ولكنك إن شئت أحيينا سنة عمر بن
الخطاب. قال نصر: وروى
أبو جناب الكلبي أن عمراً وأبا موسى لما التقيا بدومة الجندل، أخذ عمرو يقدم أبا
موسى في الكلام، ويقول: إنك صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلي، وأنت أكبر
مني سناً، فتكلم أنت، ثم أتكلم أنا، فجعل ذلك سنة وعادة بينهما وإنما كان مكراً
وخديعة واغتراراً له أن يقدمه، فيبدأ بخلع علي ثم يرى رأيه.
قال نصر:
فقام سعد بن قيس الهمداني، وقال: والله لو
اجتمعنا على الهدى ما زدتما على ما نحن فيه الآن عليه، وما ضلالكما بلازم لنا،
وما رجعتما إلا بما بدأتما به، وإنا اليوم لعلى ما كنا عليه أمس.
وتكلم
يزيد بن أسدٍ القسري - وهو من قواد معاوية - فقال: يا أهل العراق، اتقوا الله؛
فإن أهون ما تردنا وإياكم إليه الحرب ما كنا عليه بالأمس، وهو الفناء، وقد شخصت
الأبصار إلى الصلح، وأشرفت النفس على الفناء، واصبح كل امرئ يبكي على قتيل؛ وما
لكم بأول أمر صاحبكم وكرهتم آخره! إنه ليس لكم وحدكم الرضا.
قال:
وشمت أهل الشام بأهل العراق. وقال كعب بن جعيل شاعر معاوية:
قال نصر: وكان علي عليه السلام لما خدع عمرو
أبا موسى بالكوفة، كان قد دخلها منتظراً ما يحكم به الحكمان، فلما تم على أبي
موسى ما تم من الحيلة، غم ذلك علياً وسائه، ووجم له ، وخطب الناس، فقال: الحمد
لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح، والحدث الجليل... الخطبة التي ذكرها الرضي
رحمه الله تعالى؛ وهي التي نحن في شرحها، وزاد في آخرها بعد الاستشهاد ببيت
دريد: ألا إن هذين الرجلين اللذين اخترتموهما قد نبذا حكم الكتاب، وأحييا ما
أمات، واتبع كل واحدٍ منهما هواه، وحكم بغير حجة ولا بينة ولا سنة ماضية،
واختلفا فيما حكما، فكلاهما لم يرشد الله. فاستعدوا للجهاد، وتأهبوا للمسير،
وأصبحوا في معسكركم يوم كذا. وروى أيضاً عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا تقوم الساعة حتى تقتل فئتان عظيمتان، دعوتهما واحدة، فبينما هم كذلك
مرقت منهم مارقة؛ يقتلهم أولى الطائفتين بالحق ".
وذكر الزبير أيضاً في
الموفقيات أن
يزيد بن حجية التيمي، شهد الجمل وصفين ونهروان مع
علي عليه السلام، ثم ولاه الري ودستبى ، فسرق
أموالهما، ولحق بمعاوية، وهجا علياً وأصحابه، ومدح معاوية وأصحابه، فدعا عليه
علي عليه السلام، ورفع أصحابه أيديهم فأمنوا، وكتب إليه رجل من بني عمه
كتاباً يقبح إليه ما صنع، وكان الكتاب شعراً، فكتب
يزيد بن حجية إليه: لو كنت أقول شعراً لأجبتك، ولكن قد كان منكم خلال
ثلاث، لا ترون معهن شيئاً، مما تحبون؛ أما الأولى
فإنكم سرتم إلى أهل الشام؛ حتى إذا دخلتم بلادهم، وطعنتموهم بالرماح، وأذقتموهم
ألم الجراح، رفعوا المصاحف فسخروا منكم وردوكم عنهم، فوالله ووالله لا دخلتموها
بمثل تلك الشوكة والشدة أبداً. والثانية أن
القوم بعثوا حكماً، وبعثتم حكماً، فأما حكمهم فأثبتهم، وأما حكمكم فخلعكم، ورجع
صاحبهم يدعى أمير المؤمنين، ورجعتم متضاغنين. والثالثة
أن قراءكم وفقهاءكم وفرسانكم خالفوكم، فعدوتم عليهم فقتلتموهم. ثم كتب في آخر بيتين لعفان بن شرحبيل التميمي:
وذكر أبو أحمد العسكري في
كتاب الأمالي أن سعد بن أبي وقاص دخل على معاوية عام الجماعة ، فلم
يسلم عليه بإمرة المؤمنين، فقال له معاوية: لو
شئت أن تقول في سلامك غير هذا لقلت، فقال سعد: نحن
المؤمنون ولم نؤمرك، كأنك قد بهجت بما ؟أنت
فيه يا معاوية! والله ما يسرني ما أنت فيه وأني
هرقت المحجمة دم. قال: ولكني وابن عمك علياً يا أبا إسحاق قد هرقنا أكثر
من محجمة ومحجمتين، هلم فاجلس معي على السرير، فجلس معه، فذكر له معاوية اعتزاله
الحرب، يعاتبه، فقال سعد: إنما كان مثلي
ومثل الناس كقوم أصابتهم ظلمة، فقال واحد منهم لبعيره إخ، فأناخ حتى أضاء له
الطريق فقال معاوية: والله يا أبا إسحاق، ما في
كتاب الله إخ، وإنما فيه: " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا
بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله
" ؛ فوالله ما قاتلت الباغية ولا المبغي عليها. فأفحمه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في تخويف أهل
النهروان
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: فأنا نذير لكم أن تصبحوا صرعى بأثناء
هذا النهر، وبأهضام هذا الغائط، على غير بينةٍ من ربكم، ولا سلطانٍ مبينٍ معكم،
قد طوحت بكم الدار واحتبلكم المقدار. وفي مسند أحمد بن حنبل، عن مسروق، قال قالت لي عائشة:
إنك من ولدي ومن أحبهم إلي، فهل عندك علم عن المخدج؟ فقلت: نعم، قتله علي بن أبي
طالب على نهر يقال لأعلاه تامراً ولأسفله النهروان، بين لخاقيق وطرفاء ، قالت:
ابغني على ذلك بينة، فأقمت رجالاً شهدوا عندها بذلك، وقال: فقلت لها: سألتك
بصاحب القبر، ما الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم؟ فقالت: نعم
سمعته يقول: " إنهم شر الخلق والخليقة، يقتلهم خير الخلق والخليقة، وأقربهم
عند الله وسيلة ". وروى ابن ديزيل، قال: عزم علي عليه السلام على الخروج من الكوفة
إلى الحرورية ، وكان في أصحابه منجم فقال له: يا أمير
المؤمنين، لا تسر في هذه الساعة، وسر على ثلاث ساعات مضين من النهار، فإنك إن
سرت في هذه الساعة أصابك وأصحابك أذى وضر شديد، وإن سرت في الساعة التي أمرتك
بها ظفرت وظهرت، وأصبت ما طلبت. فقال له علي عليه
السلام: أتدري ما في بطن فرسي هذه؟ أذكر هو أم أنثى؟ قال: إن حسبت علمت، فقال علي عليه السلام: من صدقك بهذا فقد كذب بالقرآن، قال
الله تعالى: " إن الله عنده علم الساعة
وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام... " الآية،
ثم قال عليه السلام: إن محمداً صلى الله
عليه وسلم ما كان يدعي علم ما ادعيت علمه، أتزعم أنك تهدي إلى الساعة التي يصيب
النفع من سار فيها، وتصرف عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار فيها! فمن صدقك
بهذا فقد استغنى عن الاستعانة بالله جل ذكره في صرف المكروه عنه. وينبغي للموقن
بأمرك أن يوليك الحمد دون الله جل جلاله، لأنك بزعمك هديته إلى الساعة التي يصيب
النفع من سار فيها، وصرفته عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار فيها؛ فمن آمن بك
في هذا لم آمن عليه أن يكون كمن اتخذ من دون الله ضداً ونداً. اللهم لا طير إلا طيرك، ولا ضر إلا ضرك، ولا إله غيرك. ثم
قال: نخالف ونسير في الساعة التي نهيتنا عنها، ثم أقبل على الناس، فقال: أيها
الناس، إياكم والتعلم للنجوم إلا ما يهتدى به في ظلمات البر والبحر، إنما المنجم
كالكاهن، والكاهن كالكافر، والكافر في النار. أما والله لئن بلغني أنك تعمل
بالنجوم لأخلدنك السجن أبداً ما بقيت، ولأحرمنك العطاء ما كان لي من سلطان. وذكر المدائني في كتاب الخوارج قال: لما خرج علي عليه السلام إلى أهل
النهر أقبل رجل من أصحابه ممن كان على مقدمتهم يركض؛ حتى انتهى إلى علي عليه
السلام، فقال:
البشرى يا أمير المؤمنين! قال: ما بشراك؟ قال: إن القوم عبروا النهر لما بلغهم
وصولك، فأبشر؛ فقد منحك الله أكتافهم، فقال له: آلله أنت رأيتهم قد عبروا! قال:
نعم، فأحلفه ثلاث مرات، في كلها يقول: نعم، فقال علي
عليه السلام: والله ما عبروه ولن يعبروه؛ وإن مصارعهم لدون النطفة، والذي
فلق الحبة، وبرأ النسمة، لن يبلغوا الأثلاث ولا قصر بوازن، وقد خاب من افترى.
قال: ثم أقبل فارس آخر يركض، فقال كقول الأول، فلم يكترث علي عليه السلام بقوله،
وجاءت الفرسان تركض، كلها تقول مثل ذلك؛ فقام علي عليه السلام فجال في متن فرسه.
قال: فيقول شاب من الناس: والله لأكونن قريباً منه، فإن كانوا عبروا النهر
لأجعلن سنان هذا الرمح في عينه؛ أيدعي علم الغيب! فلما
انتهى عليه السلام إلى النهر وجد القوم قد كسروا جفون سيوفهم، وعرقبوا خيلهم،
وجثوا على ركبهم، وحكموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له زجل فنزل ذلك الشاب،
فقال: يا أمير المؤمنين، إني كنت شككت فيك آنفاً، وإني تائب إلى الله وإليك،
فاغفر لي، فاقل علي عليه السلام: إن الله هو الذي يغفر الذنوب، فاستغفره.
فخرج إليه علي عليه
السلام فضربه، فقتله،
فلما خالطه سيفه، قال: يا حبذا الروحة إلى الجنة! فقال عبد الله بن وهب: والله
ما أدري إلى الجنة أم إلى النار! فقال رجل منهم من بني سعد: إنما حضرت اغتراراً
بهذا الرجل - يعني عبد الله - وأراه قد شك واعتزل عن الحرب بجماعة من الناس،
ومال ألف منهم إلى جهة أبي أيوب الأنصاري؛ وكان على ميمنة علي عليه السلام، فقال علي عليه السلام لأصحابه: احملوا عليهم؛
فوالله لا يقتل منكم عشرة، ولا يسلم منهم عشرة. فحمل عليهم فطحنهم طحناً، قتل من
أصحابه عليه السلام تسعة، وأفلت من الخوارج ثمانية. قال أبو العباس: وعروة
بن حدير هذا من النفر الذين نجوا من حرب النهروان، فلم يزل باقياً مدةً من أيام
معاوية، ثم أتي به زياد ومعه مولى له، فسأله عن أبي بكر وعمر فقال خيراً، فقال
له: فما تقول في أمير المؤمنين عثمان وفي أبي تراب ؟ فتولى عثمان ست سنين من
خلافته ثم شهد عليه بالكفر، وفعل في أمر علي عليه السلام مثل ذلك إلى أن حكم ثم
شهد عليه بالكفر، ثم سأله عن معاوية فسبه سباً قبيحاً، ثم سأله عن نفسه؛ فقال
له: أولك لزنية وآخرك لدعوة، وأنت بعد عاصٍ لربك. فأمر به فضربت عنقه، ثم دعا
مولاه فقال له: صف لي أموره، قال: أأطنب أم أختصر؟ قال: قال: بل اختصر، قال: ما
أتيته بطعام بنهار قط، ولا فرشت له فراشاً بليل قط!. وروى كثير من الناس أنه لما دعا بالبغلة ليركبها، قال: ائتوني بها فإنها هادية،
فوقفت به على المخدج، فأخرجه من تحت قتلى كثيرين.
قال أبو العباس: وقد روى المحدثون أن رجلاً تلا بحضرة علي عليه السلام:
" قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم
يحسبون أنهم يحسنون صنعاً " ، فقال علي عليه
السلام: أهل حروراء منهم.
وذكر أبو العباس أيضاً في
الكامل
أن علياً عليه السلام في أول خروج القوم عليه، دعا
صعصعة بن صوحان العبدي - وقد كان وجهه إليهم - وزياد بن النضر الحارثي،
مع عبد الله بن عباس، فقال لصعصعة: بأي القوم
رأيتهم أشد إطافة ؟ قال: بيزيد بن قيس الأرحبي، فركب علي عليه السلام إلى
حروراء، فجعل يتخللهم حتى صار إلى مضرب يزيد بن قيس، فصلى فيه ركعتين، ثم خرج
فاتكأ على قوسه، وأقبل على الناس، فقال: هذا مقام من فلج فيه فلج يوم القيامة.
ثم كلمهم وناشدهم، فقالوا: إنا أذنبنا ذنباً عظيماً بالتحكيم، وقد تبنا، فتب إلى
الله كما تبنا نعد لك، فقال علي عليه السلام:
أنا أستغفر الله من كل ذنب، فرجعوا معه وهم ستة آلاف،
فلما استقروا بالكوفة أشاعوا أن علياً عليه السلام رجع عن التحكيم، ورآه ضلالاً،
وقالوا: إنما ينتظر أمير المؤمنين أن يسمن الكراع وتجبى
الأموال، ثم ينهض بنا إلى الشام. فأتى الأشعث
علياً عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين، إن الناس قد تحدثوا أنك رأيت
الحكومة ضلالاً والإقامة عليها كفراً، فقام علي عليه السلام يخطب، فقال: من زعم
أني رجعت عن الحكومة فقد كذب، ومن رآها ضلالاً فقد ضل؛ فخرجت الخوارج من المسجد
فحكمت. قلت:
كل فساد كان في خلافة علي عليه السلام، وكل اضطراب حدث فأصله الأشعث، ولولا
محاقته أمير المؤمنين عليه السلام في معنى الحكومة في هذه المرة لم تكن حرب
النهروان، ولكان أمير المؤمنين عليه السلام ينهض بهم إلى معاوية، ويملك الشام،
فإنه صلوات الله عليه حاول أن يسلك معهم مسلك التعريض والمواربة؛ وفي المثل
النبوي صلوات الله على قائله: "الحرب خدعة "، وذاك أنهم قالوا له: تب
إلى الله مما فعلت، كما تبنا ننهض معك إلى حرب أهل الشام، فقال لهم مجملة مرسلة يقولها الأنبياء والمعصومون، وهي
قوله: أستغفر الله من كل ذنب، فرضوا بها وعدوها إجابة لهم على سؤلهم، وصفت له
عليه السلام نياتهم، واستخلص بها ضمائرهم، من غير أن تتضمن تلك الكلمة اعترافاً
بكفر أو ذنب، فلم يتركه الأشعث، وجاء إليه مستفسراً وكاشفاً عن الحال، وهاتكاً
ستر التورية والكناية، ومخرجاً لها من ظلمة الإجمال وستر الحيلة إلى تفسيرها بما
يفسد التدبير، ويوغر الصدور، ويعيد الفتنة، ولم يستفسره
عليه السلام عنها إلا بحضور من لا يمكنه أن يجعلها معه هدنة على دخن ،
ولا ترقيقاً عن صبوح ، وألجأه بتضييق الخناق عليه إلى أن يكشف ما في نفسه، ولا
يترك الكلمة على احتمالها، ولا يطويها على غرها ، فخطب بما صدع به عن صورة ما
عنده مجاهرة، فانتقض ما دبره، وعادت الخوارج إلى شبهتها الأولى، وراجعوا التحكيم
والمروق، وهكذا الدول التي تظهر فيها إمارات الانقضاء والزوال، يتاح لها أمثال
الأشعث من أولي الفساد في الأرض، " سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد
لسنة الله تبديلاً " . وروى أبو عبيدة أيضاً، قال: استنطقهم علي عليه السلام بقتل عبد الله بن خباب، فأقروا
به، فقال: انفردوا كتائب لأسمع قولكم كتيبة كتيبة، فتكتبوا كتائب، وأقرت
كل كتيبة بمثل ما أقرت به الأخرى؛ من قتل ابن خباب، وقالوا: ولنقتلنك كما
قتلناه، فقال علي: والله لو أقر أهل الدنيا كلهم بقتله هكذا وأنا أقدر على قتلهم
به لقتلهم، ثم التفت إلى أصحابه، فقال لهم: شدوا عليهم، فأنا أول من يشد عليهم.
وحمل بذي الفقار حملةً منكرةً ثلاث مرات، كل حملةٍ يضرب به حتى يعوج متنه، ثم
يخرج فيسويه بركبتيه، ثم يحمل به حتى أفناهم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
كلام له يجري مجرى الخطبة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: فقمت بالأمر حين فشلوا، وتطلعت حين
تقبعوا، ونطقت حين تعتعوا، ومضيت بنور الله حين وقفوا. وكنت أخفضهم صوتاً،
وأعلاهم فوتاً، فطرت بعنانها، واستبددت برهانها. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
سلوني قبل أن
تفقدوني الإمام علي عليه السلام وعلم الغيب
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
روى ابن هلال الثقفي في كتاب الغارات عن
زكريا بن يحيى العطار، عن فضيل، عن محمد ابن علي، قال: لما
قال علي عليه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله لا تسألوني عن فئة
تضل مائة، وتهدي مائةً إلا أنبأتكم بناعقتها وسائقتها، قام إليه رجل فقال:
أخبرني بما في رأسي ولحيتي من طاقة الشعر، فقال له علي
عليه السلام: والله لقد حدثني خليلي أن على كل طاقة شعرٍ من رأسك ملكاً
بلعنك، وأن على كل طاقة شعر من لحيتك شيطاناً يغويك؛ وأن في بيتك سخلاً يقتل ابن
رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان ابنه قاتل الحسين عليه السلام يومئذ طفلاً
يحبو - وهو سنان بن أنس النخعي. وروى
عثمان بن سعيد، عن شريك بن عبد الله، قال: لما بلغ علياً عليه السلام أن الناس
يتهمونه فيما يذكره من تقديم النبي صلى الله عليه وسلم وتفضيله إياه على الناس،
قال: أنشد الله من بقي ممن لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع مقاله في يوم
غدير خم إلا قام فشهد بما سمع، فقام ستة ممن عن يمينه، من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وستة ممن عن شماله من الصحابة أيضاً، فشهدوا أنهم سمعوا رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك اليوم، وهو رافع بيدي علي عليه السلام: " من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه،
وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه
". قال:
فكان ناس ممن يشك في أمر علي عليه السلام يقولون: أتراه جعل جويرية وصيه كما يدعي هو من وصية رسول الله صلى
الله عليه وسلم؟ قال: يقولون ذلك لشدة اختصاصه له، حتى دخل على علي عليه
السلام يوماً وهو مضطجع، وعنده قوم من أصحابه، فناداه جويرية: أيها النائم، استيقظ، فلتضربن على رأسك ضربة تخضب منها
لحيتك، قال: فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام، قال: وأحدثك يا جويرية بأمرك؛ أما
والذي نفسي بيده لتعتلن إلى العتل الزنيم ، فليقطعن يدك
ورجلك وليصلبنك تحت جذع كافر، قال: فوالله ما مضت إلا أيام على ذلك حتى أخذ زياد
جويرية، فقطع يده ورجله وصلبه إلى جانب جذع ابن مكعبر، وكان جذعاً طويلاً، فصلبه
على جذع قصير إلى جانبه. فقدم
الكوفة، فأخذ وأدخل على عبيد الله بن زياد. وقيل له:
هذا كان من آثر الناس عند أبي تراب، قال: ويحكم! هذا الأعجمي! قالوا: نعم، فقال
له عبيد الله: أين ربك؟ قال: بالمرصاد، قال: قد بلغني اختصاص أبي تراب لك، قال:
قد كان بعض ذلك، فما تريد؟ قال: وإنه ليقال إنه قد أخبرك بما سيلقاك، قال: نعم،
إنه أخبرني، قال: ما الذي أخبرك أني صانع بك؟ قال: أخبرني أنك تصلبني عاشر عشرة
وأنا أقصرهم خشبة، وأقربهم إلى المطهرة، قال: لأخالفنه، قال: ويحك! كيف تخالفه؛
إنما أخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبر رسول الله عن جبرائيل، وأخبر
جبرائيل عن الله، فكيف تخالف هؤلاء! أما والله لقد عرفت الموضع الذي أصلب فيه
أين هو من الكوفة! وإني لأول خلق الله ألجم في الإسلام بلجامٍ كما يلجم
الخيل. فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيد الثففي،
فقال ميثم للمختار - وهما في حبس ابن زياد:
إنك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين عليه السلام، فتقتل هذا الجبار الذي نحن في
سجنه، وتطؤ بقدمك هذه على جبهته وخديه. فلما دعا عبيد
الله بن زياد المختار ليقتله طلع البريد بكتاب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن
زياد، يأمره بتخلية سبيله، وذاك أن أخته كانت تحت عبد الله بن عمر بن الخطاب،
فسألت بعلها أن يشفع فيه إلى يزيد فشفع، فأمضى شفاعته، وكتب بتخلية سبيل المختار
على البريد، فوافى البريد وقد أخرج ليضرب عنقه، فأطلق. وأما ميثم فأخرج بعده
ليصلب؛ وقال عبيد الله: لأمضين حكم أبي تراب فيه، فلقيه رجل، فقال له: ما كان
أغناك عن هذا يا ميثم؟ فتبسم، وقال: لها خلقت، ولي غذيت، فلما رفع على الخشبة
اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث، فقال عمرو: لقد كان يقول لي: إني
مجاورك، فكان يأمر جاريته كل عشية أن تكنس تحت خشبته وترشه، وتجمر بالمجمر تحته،
فجعل ميثم يحدث بفضائل بني هاشم، ومخازي بني أمية، وهو مصلوب على الخشبة، فقيل
لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد، فقال: ألجموه، فألجم، فكان أول خلق الله ألجم في
الإسلام. فلما كان في اليوم الثاني فاضت منخراه وفمه دماً، فلما كان اليوم
الثالث طعن بحربة فمات. وروى
محمد بن موسى العنزي، قال: كان مالك بن ضمرة الرؤاسي من أصحاب علي عليه السلام،
وممن استبطن من جهته علماً كثيراً، وكان أيضاً قد صحب أبا ذر، فأخذ من علمه،
وكان يقول في أيام بني أمية: اللهم لا تجعلني أشقى الثلاثة، فيقال له: وما
الثلاثة؟ فيقول: رجل يرمى من فوق طمار ، ورجل تقطع يداه ورجلاه ولسانه ويصلب،
ورجل يموت على فراشه. فكان من الناس من يهزأ به، ويقول:
هذا من أكاذيب أبي تراب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في معنى
الشبهة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: وإنما سميت الشبهة شبهةً لأنها تشبه
الحق، فأما أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين، ودليلهم سمت الهدى. وأما أعداء
الله فدعاؤهم فيها الضلال، ودليلهم العمى. قال:
فأما أولياء الله فضياؤهم في حل الشبهة اليقين، ودليلهم سمت الهدى، وهذا حق لأن
من اعتبر مقدمات الشبهة، وراعى الأمور اليقينية، وطلب المقدمات المعلومة قطعاً،
انحلت الشبهة، وظهر له فسادها من أين هو؟ ثم قال: وأما أعداء الله فدعاؤهم
الضلال ودليلهم العمى، وهذا حق؛ لأن المبطل ينظر في الشبهة، لا نظر من راعى
الأمور اليقينية، ويحلل المقدمات إلى القضايا المعلومة، بل يغلب عليه حب المذهب،
وعصبية أسلافه، وإيثار نصره من قد ألزم بنصرته، فذاك هو العمى والضلال، اللذان
أشار أمير المؤمنين إليهما، فلا تنحل الشبهة له، وتزداد عقيدته فساداً، وقد
ذكرنا في كتبنا الكلامية الكلام في توليد النظر للعلم، وأنه لا يولد الجهل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في ذم المتقاعدين عن
القتال
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: منيت بمن لا يطيع إذا أمرت، ولا يجيب
إذا دعوت، لا أبا لكم! ما تنتظرون بنصركم ربكم! أما دين يجمعكم، ولا حمية
تحمشكم! أقوم فيكم مستصرخاً، وأناديكم متغوثاً، فلا تسمعون لي قولاً، ولا تطيعون
لي أمراً، حتى تكشف الأمورعن عواقب المساءة، فما يدرك بكم ثأر، ولا يبلغ بكم
مرام. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
خبر النعمان بن بشير
ومالك الأرحبي مع الإمام علي عليه السلام:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ذكر
صاحب الغارات أن النعمان بن بشير قدم هو وأبو هريرة على
علي عليه السلام من عند معاوية، بعد أبي مسلم الخولاني، يسألانه أن يدفع
قتلة عثمان إلى معاوية ليقيدهم بعثمان؛ لعل الحرب أن تطفأ؛ ويصطلح الناس؛ وإنما
أراد معاوية أن يرجع مثل النعمان وأبي هريرة من عند علي عليه السلام إلة الناس،
وهم لمعاوية عاذرون ولعلي لائمون، وقد علم معاوية أن
علياً لا يدفع قتلة عثمان إليه، فأراد أن يكون هذان يشهدان له عند أهل الشام
بذلك، وأن يظهر عذره، فقال لهما: ائتيا علياً فانشداه الله وسلاه بالله لما دفع
إلينا قتلة عثمان، فإنه قد آواهم ومنعهم، ثم لا حرب بيننا وبينه، فإن أبى فكونوا
شهداء الله عليه. فأما أبو هريرة فلحق بالشام، وأقام النعمان عند علي عليه السلام، فأخبر أبو هريرة معاوية بالخبر، فأمره أن يعلم الناس، ففعل،
وأقام النعمان بعده شهراً، ثم خرج فاراً من علي عليه السلام، حتى إذا مر
بعين التمر أخذه مالك بن كعب الأرحبي - وكان عامل علي عليه السلام عليها - فأراد
حبسه، وقال له: ما مر بك بيننا! قال: إنما أنا رسول بلغت رسالة صاحبي، ثم
انصرفت، فحبسه وقال: كما أنت؛ حتى أكتب إلى علي فيك. فناشده، وعظم عليه أن يكتب
إلى علي فيه، فأرسل النعمان إلى قرظة بن كعب الأنصاري - وهو كاتب عين التمر يجبي
خراجها لعلي عليه السلام - فجاءه مسرعاً، فقال لمالك بن كعب: خل سبيل ابن عمي،
يرحمك الله! فقال: يا قرظة؛ اتق الله ولا تتكلم في هذا،
فإنه لو كان من عباد الأنصار ونساكهم لم يهرب من أمير المؤمنين إلى أمير
المنافقين.
فعلمت أني عند حي من أصحاب معاوية،
وإذا الماء لبني القين، فعلمت أني قد انتهيت إلى الماء. فأما
خبر مالك بن كعب مع النعمان بن بشير، قال عبد الله بن حوزة الآزدي قال: كنت مع
مالك بن كعب حين نزل بنا النعمان بن بشير، وهو في ألفين؛ وما نحن إلا مائة فقال
لنا: قاتلوهم في القرية، واجعلوا الجدر في ظهوركم، ولا تلقوا بأيديكم إلى
التهلكة، واعلموا أن الله تعالى ينصر العشرة على المائة، والمائة على الألف،
والقليل على الكثير. ثم قال: إن أقرب من ههنا إلينا من شيعة أمير المؤمنين
وأنصاره وعماله قرظة بن كعب ومخنف بن سليم، فاركض إليهما، فأعلمهما حالنا، وقل
لهما: فلينصرانا ما استطاعا، فأقبلت أركض، وقد تركته وأصحابه يرمون أصحاب ابن
بشير بالنبل، فمررت بقرظة فاستصرخته، فقال إنما أنا صاحب خراج، وليس عندي من
أعينه به. فمضيت إلى مخنف بن سليم، فأخبرته الخبر، فسرح معي عبد الرحمن بن مخنف
في خمسين رجلاً، وقاتل مالك بن كعب النعمان وأصحابه إلى العصر، فأتيناه وقد كسر
هو وأصحابه جفون سيوفهم، واستقبلوا الموت، فلو أبطأنا
عنهم هلكوا، فما هو إلا أن رآنا أهل الشام، وقد أقبلنا عليهم، فأخذوا ينكصون
عنهم ويرتفعون، ورآنا مالك وأصحابه، فشدوا عليهم حتى دفعوهم عن القرية،
فاستعرضناهم، فصرعنا منهم رجالاً ثلاثة، وارتفع القوم عنا، وظنوا أن وراءنا
مدداً، ولو ظنوا أنه ليس غيرنا لأقبلوا علينا ولأهلكونا، وحال الليل
بيننا وبينهم، فانصرفوا إلى أرضهم. وكتب مالك بن كعب
إلى علي عليه السلام: أما بعد، فإنه نزل بنا النعمان بن بشير في جمع من أهل
الشام، كالظاهر علينا، وكان عظم أصحابي متفرقين، وكنا للذي كان منهم آمنين؛
فخرجنا إليهم رجالاً مصلتين ، فقاتلناهم حتى المساء، واستصرخنا مخنف بن سليم،
فبعث إلينا رجالاً من شيعة أمير المؤمنين وولده، فنعم الفتى ونعم الأنصار كانوا،
فحملنا على عدونا وشددنا عليهم فأنزل الله علينا نصره، وهزم عدوه، وأعز جنده.
والحمد لله رب العالمين، والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فأما
خبر مالك بن كعب مع النعمان بن بشير، قال عبد الله بن حوزة الآزدي قال: كنت مع
مالك بن كعب حين نزل بنا النعمان بن بشير، وهو في ألفين؛ وما نحن إلا مائة فقال
لنا: قاتلوهم في القرية، واجعلوا الجدر في ظهوركم، ولا تلقوا بأيديكم إلى
التهلكة، واعلموا أن الله تعالى ينصر العشرة على المائة، والمائة على الألف،
والقليل على الكثير. ثم قال: إن أقرب من ههنا إلينا من شيعة أمير المؤمنين
وأنصاره وعماله قرظة بن كعب ومخنف بن سليم، فاركض إليهما، فأعلمهما حالنا، وقل
لهما: فلينصرانا ما استطاعا، فأقبلت أركض، وقد تركته وأصحابه يرمون أصحاب ابن
بشير بالنبل، فمررت بقرظة فاستصرخته، فقال إنما أنا صاحب خراج، وليس عندي من
أعينه به. فمضيت إلى مخنف بن سليم، فأخبرته الخبر، فسرح معي عبد الرحمن بن مخنف
في خمسين رجلاً، وقاتل مالك بن كعب النعمان وأصحابه إلى العصر، فأتيناه وقد كسر
هو وأصحابه جفون سيوفهم، واستقبلوا الموت، فلو أبطأنا عنهم هلكوا، فما هو إلا أن
رآنا أهل الشام، وقد أقبلنا عليهم، فأخذوا ينكصون عنهم ويرتفعون، ورآنا مالك
وأصحابه، فشدوا عليهم حتى دفعوهم عن القرية، فاستعرضناهم، فصرعنا منهم رجالاً
ثلاثة، وارتفع القوم عنا، وظنوا أن وراءنا مدداً، ولو ظنوا أنه ليس غيرنا
لأقبلوا علينا ولأهلكونا، وحال الليل بيننا وبينهم، فانصرفوا إلى أرضهم. وكتب
مالك بن كعب إلى علي عليه السلام: أما بعد، فإنه نزل بنا النعمان بن بشير في جمع
من أهل الشام، كالظاهر علينا، وكان عظم أصحابي متفرقين، وكنا للذي كان منهم
آمنين؛ فخرجنا إليهم رجالاً مصلتين ، فقاتلناهم حتى المساء، واستصرخنا مخنف بن
سليم، فبعث إلينا رجالاً من شيعة أمير المؤمنين وولده، فنعم الفتى ونعم الأنصار
كانوا، فحملنا على عدونا وشددنا عليهم فأنزل الله علينا نصره، وهزم عدوه، وأعز
جنده. والحمد لله رب العالمين، والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
كلام له عليه السلام للخوارج لما سمع قولهم: لا حكم إلا لله، قال :
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: كلمة حق يراد بها باطل، نعم إنه لا حكم
إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون: لا إمرة. وإنه لا بد للناس من أمير برٍ أو فاجرٍ،
يعمل في إمرته المؤمن، ويتمتع فيه الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به
الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي؛ حتى يستريح
بر، ويستراح من فاجرٍ. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول
بوجوب الإمامة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الشرح: هذا نص صريح منه عليه السلام، بأن
الإمامة واجبة، وقد اختلف الناس في هذه المسألة فقال
المتكلمون كافة: الإمامة واجبة، إلا ما يحكى عن أبي
بكر الأصم من قدماء أصحابنا أنها غير واجبة، إذا تناصفت الأمة؛ ولم
تتظالم. وقال البغداديون وأبو عثمان الجاحظ من البصريين وشيخنا أبو الحسين
رحمه الله تعالى: إن العقل يدل على وجوب الرياسة، وهو قول الإمامية، إلا أن الوجه الذي منه يوجب أصحابنا
الرياسة غير الوجه الذي توجب الإمامية منه الرياسة، وذاك
أن أصحابنا يوجبون الرياسة على المكلفين، من حيث كان في الرياسة مصالح دنيوية، ودفع مضار دنيوية. والإمامية يوجبون الرياسة على الله تعالى، من حيث كان
في الرياسة لطف وبعد للمكلفين عن مواقعة القبائح العقلية. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الخوارج عود على بدء
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وروى إبراهيم بن الحسن بن ديزيل المحدث في كتاب صفين، عن عبد
الرحمن بن زياد، عن خالد بن حميد المصري، عن عمر مولى غفرة، قال: لما
رجع علي عليه السلام من صفين إلى الكوفة، أقام الخوارج حتى جموا ، ثم خرجوا إلى
صحراء بالكوفة تسمى حروراء، فنادوا: لا حكم إلا لله ولو كره المشركون، ألا أن
علياً ومعاوية أشركا في حكم الله. فمكثوا
مكانهم لا يزال الواحد منهم يرجع إلى علي عليه السلام، ولا يزال الآخر من عند
علي عليه السلام، فدخل واحد منهم على علي عليه السلام بالمسجد، والناس حوله،
فصاح: لا حكم إلا لله ولو كره المشركون، فتلفت الناس، فنادى: لا حكم إلا لله ولو
كره المتلفتون، فرفع علي عليه السلام رأسه إليه، فقال:
لا حكم إلا والله ولو كره أبو حسن. فقال علي عليه السلام: إن أبا الحسن لا يكره
أن يكون الحكم لله، ثم قال: حكم الله أنتظر فيكم، فقال له الناس: هلا ملت يا
أمير المؤمنين فأفنيتهم! فقال: إنهم لا يفنون، إنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام
النساء إلى يوم القيامة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
خطبة له في الوفاء والصدق
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: إن الوفاء توأم الصدق، ولا أعلم جنةً
أوقى منه، وما يغدر من علم كيف المرجع. وأرسل
لما ظهر بالبصرة إلى محمد بن قحطبة مولى باهلة وكان قد ولي لأبي جعفر المنصور
بعض أعمالٍ بفارس، فقال له: هل عندك مال! قال: لا، قال: آلله؟ قال: آلله. قال:
خلوا سبيله، فخرج ابن قحطبة، وهو يقول بالفارسية: ليس هذا من رجال أبي جعفر،
وقال لعبد الحميد بن لاحق: بلغني أن عندك مالاً للظلمة، يعني آل أبي أيوب
المورياني كاتب المنصور، فقال: ما لهم عند مال، قال: تقسم بالله! قال: نعم،
فقال: إن ظهر لهم عندك مال لأعدنك كذاباً. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مدح الوفاء وذم
الغدر
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن الأخبار النبوية المرفوعة في ذم الغدر: " ذمة المسلمين واحدة، فإن جارت
عليهم أمة منهم، فلا تخفروا جوارها، فإن لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة
".
أبو هريرة يرفعه: " اللهم إني أعوذ بك من الجوع فبئس الضجيع، وأعوذ بك من
الخيانة فبئست البطانة! ".
فلما ظفر به عبد الله بن علي، قطع يديه ورجليه، ثم ضرب عنقه.
قال أبو بكر الصديق: ثلاثة من كن
فيه كن عليه: البغي والنكث والمكر، قال سبحانه: "
يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم "، وقال: " فمن نكث فإنما ينكث على نفسه " ،
وقال: " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله
" . |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في اتباع الهوى
وطول الأمل
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
أيها الناس، إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان: اتباع الهوى وطول الأمل؛ فأما اتباع
الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة.
فلهذا
استعان الصالحون على معرفة عيوبهم بأقوال غيرهم، علماً منهم أن هوى النفس لذاتها
يعميها عن أن تدرك عيبها، وما زال الهوى مردياً قتالاً، ولهذا قال سبحانه: " ونهى النفس عن الهوى " ، وقال صلى الله عليه وسلم: " ثلاث مهلكات: شح مطاع،
وهوىً متبع، وإعجاب المرء بنفسه ".
وقال
أبو العتاهية:
ومن الحديث المرفوع: " يا أيها الناس إن الأعمال
تطوى، والأعمار تفنى، والآبدان تبلى في الثرى، وإن الليل والنهار يتراكضان تراكض
الفرقدين، يقربان كل بعيد، ويخلقان كل جديد؛ وفي ذلك ما ألهى عن الأمل، وأذكرك
بحلول الأجل ". ثم قال عليه السلام: إلا الدنيا
قد أدبرت حذاء، بالحاء والذال المعجمة، وهي السريعة، وقطاة حذاء: خف ريش ذنبها،
ورجل أحذ، أي خفيف اليد، وقد روي، قد أدبرت جذاء بالجيم؛ أي انقطع خيرها ودرها. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقد أشار عليه
أصحابه بالاستعداد لحرب أهل الشام:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعد إرساله إلى معاوية بجرير بن
عبد الله البجلي الأصل: إن استعدادي لحرب أهل الشام وجرير
عندهم إغلاق للشام، وصرف لأهله عن خير إن أرادوه، ولكن قد وقت لجريرٍ وقتاً لا
يقيم بعده إلا مخدوعاً أو عاصياً، والرأي مع الأناة فأرودوا، ولا أكره لكم
الإعداد. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ماذا قال قاضي القضاة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
يجب
أن نذكر ههنا أحداثه، وما يقوله أصحابنا في تأويلاتها، وما
تكلم به المرتضى في كتاب الشافي في هذا المعنى، فنقول: إن قاضي القضاة
رحمه الله تعالى، قال في المغني قبل الكلام في تفصيل هذه الأحداث كلاماً مجملاً،
معناه أن كل من تثبت عدالته ووجب توليه إما على القطع وإما على الظاهر فغير جائز
أن يعدل فيه عن هذه الطريقة إلا بأمرٍ متيقنٍ يقتضي العدول عنها، يبين ذلك أن من
شاهدناه على ما يوجب الظاهر توليه وتعظيمه يجب أن يبقى فيه على هذه الطريقة، وإن
غاب عنا. وقد عرفنا أنه مع الغيبة يجوز أن يكون مستمراً على حالته، ويجوز أن
يكون منتقلاً، ولم يقدح هذا التجويز في وجوب ما ذكرناه. أحدهما:
هل علم بذلك أم لا؟ والثاني: أنه مع يقين حصوله: هل هو حدث يؤثر في العدالة أم
لا؟. وذكر أن أصحاب الحديث يروون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال: " ستكون فتنة واختلاف، وإن عثمان وأصحابه يومئذ على
الهدى ". وما روي عن عائشة من قولها: قتل والله مظلوماً. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
رد
المرتضى على قاضي القضاة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعترض المرتضى رحمه الله تعالى في الشافي فقال: أما
قوله من تثبت عدالته ووجب توليه إما قطعاً أو على الظاهر، فغير جائز أن يعدل فيه
عن هذه الطريقة إلا بأمر متيقن، فغير مسلم لأن من نتولاه على الظاهر، وثبتت
عدالته عندنا من جهة غالب الظن، يجب أن نرجع عن ولايته بما يقتضي غالب الظن دون
اليقين، ولهذا يؤثر في جرح الشهود وسقوط عدالتهم أقوال الجارحين، وإن كانت
مظنونة غير معلومة. قال:
فأما ما استشهد به من أن مثل مالك بن دينار لو شاهدناه في دارٍ فيها منكر لقوي
في الظن حضوره لأجل التغيير والإنكار، أو على وجه الإكراه والغلط وأن غيره
يخالفه في هذا الباب؛ فصحيح لا يخالف ما ذكرناه؛ لأن مثل مالك بن دينار ممن
تناصرت أمارات عدالته وشواهد نزاهته حالاً بعد حال، لا يجوز أن يقدح فيه فعل له
ظاهر قبيح، بل يجب لما تقدم من حاله أن نتاول فعله، ونخرجه عن ظاهره إلى أجمل
وجوهه. وإنما وجب ذلك لأن الظنون المتقدمة أقوى وأولى بالترجيح والغلبة، فنجعلها
قاضية على الفعل والفعلين، ولهذا متى توالت منه الأفعال القبيحة الظاهرة وتكررت،
قدحت في حاله، وأثرت في ولايته، كيف لا يكون كذلك وطريق ولايته في الأصل هو الظن
والظاهر، ولا بد من قدح الظاهر في الظاهر، وتأثير الظن في الظن على بعض الوجوه. قيل له: أرأيت لو تكرر هذا الفعل وتوالى هو
وأمثاله حتى نشاهده حاضراً في دور القمار ومجالس اللهو واللعب ونراه يشرب الخمر
بعينها، وكل هذا مما يجوز أن يكون عليه مكرهاً وفي أنه القبيح بعينه غالطاً،
أكان يجب علينا الاستمرار على ولايته أم العدول عنها؟ فإن قال: نستمر ونتأول،
ارتكب ما لا شبهة في فساده، وألزم ما قدمنا ذكره من أنه لا طريق إلى الرجوع عن
ولاية أحد، ولو شاهدنا منه أعظم المناكير. ووقف أيضاً على أن طريق الولاية
المتقدمة إذا كان الظن دون القطع، فكيف لا نرجع عنها لمثل هذا الطريق، فلا بد
إذن من الرجوع إلى ما بيناه وفصلناه في هذا الباب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفهرس الجزء الثاني المختار من الخطب والأوامر.
بسربن أرطأة إلى الحجاز
واليمن..
ومن خطبة له في ذم من بايعه بشروط..
اختلاف الروايات في قصة
السقيفة.
كتب إلى معاوية وعمرو بن
العاص....
ومن خطبة له في الحث على
الجهاد وذم القاعدين.. كلام لابن نباتة نسج فيه على
منوال كلامه عليه السلام في الجهاد: ومن خطبة ابن نباتة التي
يحرض فيها على الجهاد. كتائب سفيان الغامدي في
الأنبار.
ومن خطبة له في الحث على
التزود للآخرة
ومن خطبة له في ذم
المتخاذلين... ومن خطبة له في معنى قتل
عثمان..
المؤرخون يروون أخبار مقتل
عثمان..
لما أنفذ عبد الله بن عباس
إلى الزبير قبل وقوع الحرب يوم الجمل ليستفيئه من أخبار عبد الله بن الزبير
وأبيه.
ومن خطبة له عليه السلام في
جور الزمان..
حذيفة بن اليمان وخبر يوم ذي
قار.
ومن
خطبة له في استنفار إلى أهل الشام. أول
خطبة لعلي بالكوفة بعد قدومه من حرب الخوارج: سلوني
قبل أن تفقدوني الإمام علي عليه السلام وعلم الغيب... خبر
النعمان بن بشير ومالك الأرحبي مع الإمام علي عليه السلام:
ومن
كلام له عليه السلام للخوارج لما سمع قولهم: لا حكم إلا لله، قال :
ومن
خطبة له في الوفاء والصدق.. وقد
أشار عليه أصحابه بالاستعداد لحرب أهل الشام بعد إرساله.. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|