- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
باب
المختار من الخطب والأوامر ابن ابي الحديد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الجزء
الأول
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الرضي رحمه الله: باب المختار من خطب أمير
المؤمنين صلوات الله عليه وأوامره ويدخل
في ذلك المختار من كلامه الجاري مجرى الخطب، في المقامات المحضورة والمواقف المذكورة، والخطوب الواردة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فمن خطبة له خلق السماء والأرض وخلق آدم
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه
المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن. الذي ليس لصفته حد
محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود. ولا أجل ممدود، فطر الخلائق بقدرته، ونشر
الرياح برحمته، ووتد بالصخور ميدان أرضه. وبقي
البحث عن اشتراطهم مطابقة القلب للسان، فإن الاستعمال لا يساعدهم، لأن أهل
الإصطلاح يقولون لمن مدح غيره، أو شكره رياء وسمعة: إنه قد مدحه وشكره وإن كان
منافقاً عندهم. ونظير هذا الموضع الإيمان، فإن أكثر
المتكلمين لا يطلقونه على مجرد النطق اللساني، بل يشترطون فيه الاعتقاد
القلبي، فأما أن يقصروا به عليه كما هو مذهب الأشعرية
والإمامية ، أو تؤخذ معه أمور أخرى وهي فعل الواجب وتجنب القبيح كما هو مذهب المعتزلة ، ولا يخالف جمهور المتكلمين في
هذه المسألة إلا الكرامية فإن المنافق عندهم
يسمى مؤمناً، ونظروا إلى مجرد الظاهر، فجعلوا النطق اللساني وحده إيماناً. وقالت الخنساء بنت عمرو بن الشريد :
ومن
مستحسن ما وقفت عليه من تعظيم البارئ عز جلاله بلفظ الحمد قول بعض الفضلاء في
خطبة أرجوزة علمية:
وأما قوله:
الذي لا يدركه، فيريد أن همم النظار وأصحاب الفكر وإن علت وبعدت فإنها لا تدركه
تعالى؛ ولا تحيط به. وهذا حق، لأن كل متصور فلا بد أن يكون محسوساً، أو متخيلاً،
أو موجوداً من فطرة النفس، والاستقراء يشهد بذلك. مثال المحسوس السواد والحموضة،
ومثال المتخيل إنسان يطير، أو بحر من دمٍ. مثال الموجود من فطرة النفس تصور
الألم واللذة. ولما كان البارئ سبحانه خارجاً عن هذا أجمع لم يكن متصوراً. وقد شرحت هذا الموضع في كتابي المعروف بزيادات النقيضين، وبينت أن الرؤية
المنزهة عن الكيفية التي يزعمها أصحاب الأشعري لا بد فيها من إثبات الجهة، وأنها
لا تجري مجرى العلم: لأن العلم لا يشخص المعلوم، والرؤية تشخص المرئي، والتشخيص لا يمكن إلا مع كون المتشخص
ذا جهة.
وهذا
مدح يليق بالخالق تعالى، ولا يليق بالمخلوق. ثم قال: والحمد أعم من الشكر؛ والله أخص
من الإله. قال: فأما قوله:
الذي لا يبلغ مدحته القائلون؛ فإنه أظهر العجز عن القيام بواجب مدائحه، فكيف
بمحامده! والمعنى أن الحمد كل الحمد ثابت للمعبود الذي
حقت العبادة له في الأزل، واستحقها حين خلق الخلق، وأنعم بأصول النعم التي يستحق
بها العبادة. ولا أيضاً في
الكلام ما يدل على أنه ثابت على ذلك مدة حياته، وأنه يجب على المكلفين
ثبوتهم عليه ما بقوا. وأما قوله:
الله أخص من الإله، فإن
أراد في أصل اللغة؛ فلا فرق، بل الله هو الإله
وفخم بعد حذف الهمزة، هذا قول كافة البصريين،
وإن أراد أن أهل الجاهلية كانوا يطلقون على
الأصنام لفظة الآلهة، ولا يسمونها الله فحق،
وذلك عائد إلى عرفهم واصطلاحهم، لا إلى أصل اللغة والاشتقاق؛ ألا ترى أن الدابة في العرف لا تطلق
على القملة، وإن كانت في أصل اللغة دابة! فأما قوله:
قد أظهر العجز عن القيام بواجب مدائحه فكيف بمحامده! فكلام
يقتضي أن المدح غير الحمد، ونحن لا نعرف فرقاً بينهما، وأيضاً فإن الكلام
لا يقتضي العجز عن القيام بالواجب، لا من الممادح ولا من المحامد؛ ولا فيه تعرض
لذكر الوجوب، وإنما أن يبلغ القائلون مدحته، لم يقل غير ذلك. والإله: مصدر بمعنى المألوه. وجعل اللام للجنس ينقص عن هذا المعنى إن أراد
بالجنس المعهود، وإن أرادالجنسية العامة، فلا نزاع بيننا وبينه، إلا أن قوله: كما أنها في الحمد كذلك، يمنع من أن يحمل
كلامه على المحمل الصحيح؛ لأنها ليست في الحمد للاستغراق، يبين ذلك أنها لو كانت
للاستغراق لما جاز أن يحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا غيره من الناس،
وهذا باطل. فأما قوله: البلوغ
المشارفة، يقال: بلغت المكان إذا أشرفت عليه. فالأجود أن يقول:
قالوا: بلغت المكان؛ إذا
شارفته؛ وبين قولنا: شارفته، وأشرفت عليه فرق. وأما ثانياً؛
فلأن المألوه صيغة مفعول، وليست صيغة مصدر إلا في ألفاظ نادرة، كقولهم: ليس له
معقول ولا مجلود، ولم يسمع مألوه في اللغة، لأنه قد
جاء: أله الرجل إذا دهش وتحير؛ وهو فعل لازم لا يبنى منه مفعول. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ثم قال الراوندي
وفي قول الله تعالى: " وإن تعدوا نعمة الله لا
تحصوها " ، بلفظ الإفراد، وقول أمير
المؤمنين عليه السلام، لا يحصي نعماءه العادون، بلفظ
الجمع. سر عجيب، لأنه تعالى أراد أن نعمة واحدة من نعمه لا يمكن العباد
عد وجوه كونها نعمة، وأراد أمير المؤمنين عليه السلام
أن أصول نعمه لا تحصى لكثرتها، فكيف تعد وجوه فروع
نعمائه! وكذلك في كون الآية واردة بلفظ إن الشرطية، وكلام أمير المؤمنين عليه السلام على صيغة الخبر، تحته لطيفة عجيبة؛ لأنه سبحانه يريد أنكم إن أردتم أن تعدوا نعمه لم تقدروا على حصرها، وعلي عليه السلام أخبر أنه قد أنعم النظر، فعلم أن أحداً لا يمكنه حصر نعمه
تعالى. قال: وأما
اشتقاق العدد فمن العد، وهو الماء الذي له مادة، والإحصاء: الإطاقة؛ أحصيته، أي
أطقته؛ فتقدير الكلام: لا يطيق عد نعمائه
العادون، ومعنى ذلك أن مدائحه تعالى لا يشرف على
ذكرها الأنبياء والمرسلون، لأنها أكثر من أن تعدها الملائكة المقربون، والكرام
الكاتبون. وأيضاً فإن حسبت بمعنى ظننت يتعدى إلى مفعولين
لا يجوز الاقتصار على أحدهما، وحسبت من العدد يتعدى إلى مفعول واحد. وأيضاً لو كان أحدهما مشتقاً من
الآخر لوجب أن يكون العد مشتقاً من العدد، لأن المصادر
هي الأصول التي يقع الاشتقاق منها، سواء أكان المشتق فعلاً أو اسماً، ألا
تراهم قالوا في كتب الاشتقاق: إن الضرب:
الرجل الخفيف، مشتق من الضرب، أي السير في الأرض للابتغاء، قل الله تعالى: " لا يستطيعون ضرباً في الأرض " ، فجعل
الاسم منقولاً ومشتقاً من المصدر. قال الراوندي:
فأما قوله: لا يدركه بعد الهمم؛ فالإدراك هو الرؤية والنيل والإصابة؛ ومعنى الكلام: الحمد لله الذي ليس بجسم ولا عرض، إذ لو
كان أحدهما لرآه الراؤون إذا أصابوه، وإنما خص بعد الهمم، بإسناد نفي الإدراك
وغوص الفطن، بإسناد نفي النيل لغرض صحيح؛ وذلك أن الثنوية يقولون بقدم النور
والظلمة، ويثبتون النور جهة العلو والظلمة جهة السفل، ويقولون:
إن العالم ممتزج منهما، فرد عليه السلام عليهم بما
معناه: إن النور والظلمة جسمان، والأجسام محدثة، والبارئ تعالى قديم. ويكون المقصد بذلك الرد
على من قال: إن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة
الإسراء؛ وإن يونس عليه السلام رأى ربه ليلة
هبوطه إلى قعر البحر. ولقائل أن يقول:
إن المصدر الذي جاء بمعنى الفاعل ألفاظ معدودة، لا يجوز القياس عليها، ولو جاز لما كان المصدر ههنا بمعنى الفاعل؛ لأنه مصدر مضاف،
والمصدر المضاف لا يكون بمعنى الفاعل. ولو جاز أن يكون المصدر المضاف بمعنى الفاعل لم يجز أن يحمل كلامه عليه السلام على الرد على من أثبت أن
البارئ سبحانه مرئي: لأنه ليس في الكلام نفي الرؤية أصلاً، وإنما غرض الكلام نفي معقوليته سبحانه، وأن الأفكار
والأنظار لا تحيط بكنهه، ولا تتعقل خصوصية ذاته، جلت عظمته! ثم قال الراوندي: فأما قوله: الذي ليس لصفته حد محدود، ولا
نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود، فالوقت: تحرك الفلك ودورانه على وجه،
والأجل: مدة الشيء؛ ومعنى الكلام أن شكري لله
تعالى متجدد عند تجدد كل ساعة، ولهذا أبدل هذه الجملة
من الجملة التي قبلها وهي الثانية، كما أبدل الثانية من الأولى. قال الراوندي:
فأما قوله: الذين ليس لصفته حد، فظاهره إثبات
الصفة له سبحانه، وأصحابنا لا يثبتون لله سبحانه صفة، كما يثبتها الأشعرية،
لكنهم يجعلونه على حال، أو يجعلونه متميزاً بذاته، فأمير المؤمنين عليه السلام
بظاهر كلامه - وإن أثبت له صفة - إلا أن من له أنس بكلام العرب يعلم أنه ليس
بإثبات على الحقيقة. وقد سألني سائل فقال:
ههنا كلمتان؛ إحداهما كفر، والأخرى ليست بكفر؛ وهما: لله تعالى
شريك غير بصير. ليس شريك الله تعالى بصيراً،
فأيهما كلمة الكفر؟ فقلت له: القضية الثانية؛
وهي ليس شريك الله تعالى بصيراً، كفر؛ لأنها تتضمن إثبات الشريك، وأما الكلمة الأخرى، فيكون معناها لله الشريك غير بصير؟
بهمزة الاستفهام المقدرة المحذوفة. وقيل:
لا مانع من تقديم خلق الجماد إذا علم أن علم بعض المكلفين فيما بعد بخلقه قبله
لطف له. وتارة قال:
أنشأ الخلق، ودل كلامه أيضاً على أنه نشر الرياح، وأنه خلق الأرض وهي مضطربة
فأرساها بالجبال؛ كل هذا يدل عليه كلامه، وهو مقدم على فتق الهواء والفضاء وخلق
السماء، فأما تقديم خلق الحيوان أو تأخيره فلم يتعرض كلامه عليه السلام له، فلا معنى لجواب الراوندي وذكره ما يذكره المتكلمون من أنه هل يحسن تقديم
خلق الجماد على الحيوان أم لا! الأصل:
أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال
توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه؛ لشهادة كل صفةٍ أنها غير
الموصوف، وشهادة كل موصوفٍ أنه غير الصفة. فمن وصف الله سبحانه وتعالى فقد قرنه،
ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزاه، ومن جزاه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار
إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال: فيم، فقد ضمنه، ومن
قال: علام، فقد أخلى منه. ويمكن أن يقول
قائل: ألستم تقولون في علم الكلام: أول
الواجبات النظر في طريق معرفة الله تعالى؛ وتارة
تقولون: القصد إلى النظر؟ فهل يمكن الجمع بين
هذا وبين كلامه عليه السلام ؟! وجوابه
أن النظر والقصد إلى النظر إنما وجبا بالعرض لا بالذات؛
لأنهما وصلة إلى المعرفة، والمعرفة هي المقصود بالوجوب، وأمير المؤمنين عليه السلام أراد: أول واجب مقصود بذاته من الدين
معرفة البارئ سبحانه؛ فلا
تناقض بين كلامه وبين آراء المتكلمين. أيضاً فكل عرضٍ
مفتقر، وواجب الوجود غير مفتقر؛ فواجب الوجود ليس بعرض.
وأيضاً فكل
جرم محدث، وواجب الوجود ليس بمحدث، فواجب الوجود
ليس بجرم. وأيضاً فكل حاصل في الجهة، إما جرم أو
عرض، وواجب الوجود ليس بجرم ولا عرض، فلا يكون حاصلاً في جهة؛ فمن عرف وحدانية البارئ ولم
يعرف هذه الأمور كان توحيده ناقصاً، ومن عرف هذه
الأمور بعد العلم بوحدانيته تعالى فهو المخلص في عرفانه جل اسمه، ومعرفته تكون
أتم وأكمل. والأول باطل؛ لأنا
نعقل ذاته قبل أن نعقل أو نتصور له علماً؛ والمتصور مغاير لما ليس بمتصور. والثالث باطل أيضاً، لأن
إثبات شيئين: أحدهما ليس هو الآخر ولا غيره، معلوم فساده ببديهة العقل، فتعين القسم الثاني وهو محال، أما أولاً فبإجماع أهل الملة، و أما ثانياً
فلما سبق من أن وجوب الوجود لا يجوز أن يكون
لشيئين؛ فإذا عرفت هذا فاعرف أن الإخلاص
له تعالى قد يكون ناقصاً وقد لا يكون، فالإخلاص
الناقص هو العلم بوجوب وجوده، وأنه واحد ليس بجسم ولا عرض، ولا يصح عليه
ما يصح على الأجسام والأعراض. والإخلاص التام
هو العلم بأنه لا تقوم به المعاني
القديمة، مضافاً إلى تلك العلوم السابقة؛ وحينئذ تتم
المعرفة وتكمل. قال:
ومن أشار إليه فقد حده، وهذا حق، لأن كل مشارٍ
إليه فهو محدود؛ لأن المشار إليه لا بد أن يكون في جهة مخصوصة، وكل ما هو في جهة
فله حد وحدود؛ أي أقطار وأطراف، قال: ومن
حده فقد عده، أي جعله من الأشياء المحدثة، وهذا حق، لأن
كل محدود معدود في الذوات المحدثة. وأصحاب تلك المقالة يمتنعون من
ذلك، ومراده عليه
السلام إظهار تناقض أقوالهم؛
وإلا فلو قالوا: هب أنا قد خلينا منه غير ذلك
الموضع، أي محذور يلزمنا؟ فإذا قيل لهم: لو خلا
موضع دون موضع لكان جسماً، ولزم حدوثه، قالوا: لزوم
الحدوث والجسمية إنما هو من حصوله في الجهة لا من خلو بعض الجهات عنه؛ وأنتم
إنما احتججتم علينا بمجرد خلو بعض الجهات منه، فظهر أن
توجيه الكلام عليهم إنما هو إلزام لهم، لا استدلال على فساد قولهم. وأيضاً
فإنه عليه السلام قد أثبت لله تعالى صفة أولاً،
حيث قال: الذي ليس لصفته حد محدود، فوجب أن يحمل كلامه على ما يتنزه عن المناقضة. فأما كونه قادراً وعالماً فأصحابها أصحاب
الأحوال، وقد بينا أن مراده عليه السلام بقوله:
ليس لصفته حد محدود، أي لكنهه وحقيقته، وأما كون الملائكة لا تصف البارئ بصفات
المصنوعين فلا يقتضي أن يحمل كل موضوع فيه ذكر الصفات على صفات المصنوعين،
لأجل
تقييد ذلك في ذكر الملائكة، وأين هذا من باب حمل المطلق
على المقيد! لا سيما وقد ثبت أن التعليل والاستدلال يقضي ألا يكون المراد
صفات المخلوقين. وحكايته تغني عن
الرد عليه. الأصل: كائن لا عن حدثٍ، موجود لا عن
عدمٍ، مع كل شيءٍ بمقارنةٍ، وغير كل شيءٍ لا بمزايلةٍ، فاعل لا بمعنى الحركات
والآلة، بصير، إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحد؛ إذ لا سكن يستأنس به، ولا
يستوحش لفقده. أنشأ الخلق إنشاءً، وابتدأه ابتداءً، بلا
رويةٍ أجالها، ولا تجربةٍ استفادها، ولا حركةٍ أحدثها، ولا همامة نفسٍ اضطرب
فيها. أحال الأشياء لأوقاتها، ولاءم بين مختلفاتها،
وغرز غرائزها، وألزمها أشباحها، عالماً بها قبل ابتدائها، محيطاً بحدودها
وانتهائها، عارفاً بقرائنها وأحنائها. وقولنا في الممكن: إنه
موجود من عدم، صحيح عند التأمل، لا بمعنى أن عدمه سابق له زماناً، بل سابق
لوجوده ذاتاً، لأن الممكن يستحق من ذاته أنه لا
يستحق الوجود من ذاته. قوله: ولا تجربةٍ
استفادها، أي لم يكن قد خلق من قبل أجساماً فحصلت له التجربة التي أعانته على
خلق هذه الأجسام. ومن رواها: أحال،
فهو من قولك: حال في متن فرسه، أي وثب، وأحاله غيره، أي أوثبه على متن الفرس؛
عداه بالهمزة وكأنه لما أقر الأشياء في أحيانها وأوقاتها صار كمن أحال غيره على
فرسه. وقوله: ولاءم
بين مختلفاتها، أي جعل المختلفات ملتئمات، كما قرن النفس الروحانية بالجسد
الترابي، جلت عظمته! وقوله:
وغرز غرائزها، المروي بالتشديد، والغريزة: الطبيعة، وجمعها غرائز، وقوله: غرزها،
أي جعلهاغرائز، كما قيل: سبحان من ضوّأ الأضواء! ويجوز أن يكون من غرزت الإبرة
بمعنى غرست. وقد رأيناه في بعض النسخ بالتخفيف. وقال أيضاً:
يقال: ما له في الأمر همة ولا همامة؛ أي لا يهم به، والهمامة: التردد، كالعزم. ولقائل أن يقول: العزم هو إرادة جازمة حصلت بعد
التردد، فبطل قوله: إن الهمامة هي نفس التردد
كالعزم. وأيضاً فقد
بينا مراده عليه السلام بالهمامة؛ حكى زرقان في
كتاب المقالات، وأبو عيسى الوراق ، والحسن بن موسى ،وذكره شيخنا أبو القاسم
البلخي في كتابه في المقالات أيضاً عن الثنوية: أن النور الأعظم اضطربت
عزائمه وإرادته في غزو الظلمة والإغارة عليها، فخرجت من ذاته قطعة - وهي الهمامة المضطربة في نفسه -
فخالطت
الظلمة غازية لها، فاقتطعتها الظلمة عن النور الأعظم، وحالت بينها وبينه، وخرجت
همامة الظلمة غازية للنور الأعظم، فاقتطعها النور الأعظم عن الظلمة، ومزجها
بأجزائه، وامتزجت همامة النور بأجزاء الظلمة أيضاً، ثم ما زالت الهمامتان
تتقاربان وتتدانيان وهما ممتزجتان، بأجزاء هذا وهذا؛ حتى انبنى منهما هذا العالم
المحسوس. ولهم في الهمامة كلام مشهور؛ وهي لفظة اصطلحوا عليها. واللغة العربية
ما عرفنا فيها استعمال الهمامة بمعنى الهمة، والذي عرفناه الهِمة والهَمة
- بالكسر والفتح - والمهمة، وتقول لا همام لي بهذا الأمر، مبني على الكسر كقطام،
ولكنها لفظة اصطلاحية مشهورة عند أهلها. فالجواب أن قوله: ثم هو تعقيب وتراخٍ، لا في
مخلوقات البارئ سبحانه، بل في كلامه عليه السلام؛ كأنه
يقول: ثم أقول الآن بعد قولي المتقدم: إنه
تعالى أنشأ فتق الأجواء. ويمكن أن يقال: إن
لفظة ثم، ههنا تعطي معنى الجمع المطلق كالواو، ومثل ذلك قوله تعالى: " وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى
" . وليس ذلك ببعيد، فقد
ذهب إليه قوم من أهل النظر، وجعلوه جسماً لطيفاً خارجاً عن مشابهة هذه
الأجسام. ومنهم من جعله مجرداً. قيل:
بل هذا هو محض مذهب الحكماء، فإنهم يقولون: إنه
لا يمكن وجود جسم ولا حركة جسم خارج الفلك الأقصى؛ وليس ذلك إلا لاستحالة وجود
الأجسام وحركتها، إلا في الفضاء. وهذا أيضاً قد قاله قوم من
الحكماء؛ ومن جملتهم تاليس الإسكندراني؛ وزعم أن
الماء أصل كل العناصر؛ لأنه إذا انجمد صار أرضاً، وإذا لطف صار هواء، والهواء
يستحيل ناراً؛ لأن النار صفوة الهواء. وهذا قول قد ذهب إليه
قوم، واستدلوا عليه بما نشاهده من حركة الكواكب المتحيرة وارتعادها في
مرأى العين واضطرابها؛ قالوا: لأن المتحيرة
متحركة في أفلاكها؛ ونحن نشاهدها بالحس البصري، وبيننا وبينها أجرام الأفلاك
الشفافة، ونشاهدها مرتعدة حسب ارتعاد الجسم السائر في الماء؛ وما ذاك إلا لأن
السماء الدنيا ماء متموج، فارتعاد الكواكب المشاهدة حساً إنما هو بحسب ارتعاد
أجزاء الفلك الأدنى. قالوا: فأما الكواكب الثابتة فإنا لم نشاهدها كذلك؛ لأنها
ليست بمتحركة، وأما القمر وإن كان في السماء الدنيا، إلا في فلك تدويره من جنس
الأجرام الفوقانية، وليس بماء متموج كالفلك الممثل التحتاني. وكذلك القول في الشمس. فنقول: إن ظاهر هذا
اللفظ أن الكواكب في السماء الدنيا،وأنها جعلت فيها حراسة للشياطين من استراق
السمع ؛ فمن دنا منهم لذلك رجم بشهاب؛ وهذا هو الذي يقتضيه ظاهر اللفظ. ومذهب
الحكماء أن السماء ليس فيها إلا القمر وحده، وعندهم أن الشهب المنقضة هي
آثار تظهر في الفلك الأثيري الناري الذي تحت فلك القمر، والكواكب لا ينقض منها
شيء، والواجب التصديق بما في ظاهر لفظ الكتاب العزيز،
وأن يحمل كلام أمير المؤمنين عليه
السلام على مطابقته، فيكون الضمير في قوله: زينها، راجعاً إلى سفلاهن؛ التي
قال: إنها موج مكفوف، ويكون الضمير في قوله:
وأجرى فيها، راجعاً إلى جملة السموات؛ إذا وافقنا الحكماء في أن الشمس في السماء
الرابعة. وهذا قول قد ذهب
إليه جماعة من أهل الملة، واستدلوا عليه بقوله تعالى: " قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له
أنداداً ذلك رب العالمين " ، ثم قال: " ثم استوى إلى السماء وهي دخان " . ومنها:
أن الهاء في قوله: فرفعه في هواء منفتق، والهاء في قوله: فسوى منه سبع سموات،
إلى ماذا ترجع؟ فإن آخر المذكورات قبلها الزبد. وهل يجوز أن تكون السموات مخلوقة
من زبد الماء؟ الحق أن الضمائر ترجع إلى الماء الذي عب عبابه، لا إلى الزبد؛ فإن
أحداً لم يذهب إلى أن السماء مخلوقة من زبد الماء، وإنما قالوا: إنها مخلوقة من
بخاره. فيقال في جواب
ذلك على طريق أصحابنا: لعل إخباره للمكلفين بذلك على هذا الترتيب يكون
لطفاً بهم، ولا يجوز الإخبار منه تعالى إلا والمخبر عنه مطابق للإخبار، فهذا حظ
المباحث المعنوية من هذا الفصل. والأرجاء:
الجوانب، واحدها رجل مثل عصا. والسكائك: جمع سكاكة: وهي أعلى الفضاء، كما قالوا:
ذؤابة وذوائب. والتيار: الموج. والمتراكم:
الذي بعضه فوق بعض. والزخار:
الذي يزخر، أي يمتد ويرتفع. والريح الزعزع:
الشديدة الهبوب، وكذلك القاصفة، كأنها تهلك الناس بشدة هبوبها. ومعنى قوله:
فأمرها برده، أي بمنعه عن الهبوط؛ لأن الماء ثقيل، ومن شأن الثقيل الهوي. ومعنى قوله:
وسلطها على شده، أي على وثاقه؛ كأنه سبحانه لما سلط الريح على منعه من الهبوط؛
فكأنه قد شده بها وأوثقه ومنعه من الحركة. ومعنى قوله:
وقرنها إلى حده، أي جعلها مكاناً له؛ أي جعل حد الماء المذكور - وهو سطحه الأسفل
- مما ساطح الريح التي تحمله وتقله. والفتيق: المفتوق المنبسط. والدفيق:
المدفوق. واعتقم مهبها، أي جعل هبوبها عقيماً، والريح العقيم: التي لا تلقح
سحاباً ولا شجراً؛ وكذلك كانت تلك الريح المشار إليها؛ لأنه سبحانه إنما خلقها
لتمويج الماء فقط. وأدام مربها، أي ملازمتها، أرب بالمكان مثل ألب به، أي لازمه. وعب عبابه: أي ارتفع أعلاه. وركامه: ثبجه
وهضبه. والجو المنفهق: المفتوح
الواسع. والموج المكفوف: الممنوع من السيلان، وعمدٍ يدعمها: يكون لها دعامة. والدسار: واحد الدسر وهي المسامير. وسراجاً مستطيراً، أي منتشر الضوء؛ يقال: قد استطار الفجر، أي انتشر ضوؤه. ورقيم مائر، أي لوح
متحرك، سمي الفلك رقيماً تشبيهاً باللوح، لأنه مسطح. فإن قلت: فكيف يمكن
التطبيق بين كلامه عليه السلام وبين الآية؟ قلت: إنه تعالى لما سلط الريح على الماء
فعصفت به، حتى جعلته بخاراً وزبداً، وخلق من أحدهما السماء ومن الآخر الأرض، كان
فاتقاً لهما من شيء واحد، وهو الماء. فأما حديث البعد بين السموات وكونه
مسيرة خمسمائة عام بين كل سماء وسماء، فقد ورد وروداً لم يوثق به؛ وأكثر الناس
على خلاف ذلك وكون الأرض سبعاً أيضاً خلاف ما يقوله جمهور العقلاء، وليس في
القرآن العزيز ما يدل على تعدد الأرض إلا قوله تعالى: "
ومن الأرض مثلهن " ، وقد أولوه على الأقاليم السبعة. وحديث الصخرة والحوت والبقرة من
الخرافات في غالب الظن، والصحيح أن الله تعالى يمسك الكل بغير واسطة جسم آخر. ولا يجوز حمل الشد ههنا على العدو؛
لأنه لا معنى له، والصحيح ما ذكرناه. فيقال له: إن الموج
ليس بعالٍ ليشبه به الجسم العالي، وأما صفاؤه فإن كل السموات صافية، فلماذا خص
سفلاهن بذلك! ثم قال: ويمكن
أن تكون السماء السفلى قد كانت أول ما وجدت موجاً ثم عقدها. يقال له: والسموات
الأخر كذلك كانت، فلماذا خص السفلى بذلك! ثم قال:
الريح الأولى غير الريح الثانية، لأن أحداهما معرفة
والأخرى نكرة، وهذا مثل قوله: صم اليوم، صم يوماً، فإنه يقتضي يومين. ومنهم الحفظة
لعباده، والسدنة لأبواب جنانه. ومنهم
الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم، والمارقة من السماء العليا أعناقهم،
والخارجة من الأقطار أركانهم، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم، ناكسة دونه
أبصارهم، متلفعون تحته بأجنحتهم، مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة وأستار
القدرة؛ لا يتوهمون ربهم بالتصوير، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين، ولا يحدونه
بالأماكن، ولا يشيرون إليه بالنظائر. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
رأي المعتزلة بالملائكة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الشرح:
الملك عند المعتزلة حيوان نوري، فمنه شفاف عادم اللون كالهواء، ومنه ملون بلون
الشمس. والملائكة عندهم قادرون عالمون أحياء بعلوم وقدر وحياة؛ كالواحد منا،
ومكلفون كالواحد منا، إلا أنهم معصومون. ولهم في كيفية تكليفهم كلام؛ لأن
التكليف مبني على الشهوة، وفي كيفية خلق الشهوة فيهم نظر، وليس هذا الكتاب موضوعاً للبحث في ذلك. وثانيهما سدنة
الجنان. وأما القطب الراوندي
فجعل الأمناء على الوحي وحفظة العباد وسدنة الجنان قسماً واحداً، فأعاد الأقسام الأربعة إلى ثلاثة. وليس بجيد، لأنه
قال: ومنهم الحفظة، فلفظة ومنهم، تقتضي كون الأقسام أربعة؛ لأنه بها فصل بين
الأقسام. والبارئ جلت عظمته يستحيل على ذاته أن يتغير،
فاستحال عليه النوم استحالةً مطلقة، مع أنه حي، ومن هذا إنشاء التمدح. وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "
إن الله خلق الخلق أربعة أصناف: الملائكة، والشياطين، والجن، والإنس. ثم جعل الأصناف الأربعة عشرة أجزاء. فتسعة منها الملائكة وجزء واحد
الشياطين والجن والإنس، ثم جعل هؤلاء الثلاثة عشرة أجزاء، فتسعة منها الشياطين
وجزء واحد الجن والإنس، ثم جعل الجن والإنس عشرة أجزاء، فتسعة منها الجن وواحد
الإنس ". فقال صلى الله عليه
وسلم: " إن أصابك جرح فكنت تكتمه "؟ فقال: أجل، قال:
" ثم أظهرته "؟ قال: أجل، قال:
" أما لو أقمت على كتمانه لزارتك الملائكة إلى أن تموت "؛ وكان هذا
الجرح أصابه في سبيل الله. والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم
قليلاً، ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الفلوات
تجأرون إلى الله. والله لوددت أني كنت شجرة تعضد " . وقالوا :
إن إسرافيل صاحب الصور وإليه النفخة، وإن ميكائيل صاحب النبات والمطر، وإن
عزرائيل على أرواح الحيوانات، وإن جبرائيل على جنود السموات والأرض كلها، وإليه
تدبير الرياح، وهو ينزل إليهم كلهم بما يؤمرون به. وروى أنس بن مالك أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هؤلاء الذين استثنى بهم في
قوله تعالى: " فصعق من في السموات ومن في
الأرض إلا من شاء الله " ؟ فقال: " جبرائيل، وميكائيل،
وإسرافيل، وعزرائيل؛ فيقول الله عز وجل لعزرائيل:
يا ملك الموت، من بقي ؟ وهو سبحانه أعلم - فيقول:
سبحانك ربي ذا الجلال والإكرام! بقي جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت؛
فيقول: يا ملك الموت، خذ نفس إسرافيل، فيقع في صورته التي خلق عليها كأعظم ما
يكون من الأطواد، ثم يقول: - وهو أعلم - من بقي
يا ملك الموت؟ فيقول: سبحانك ربي يا ذا
الجلال والإكرام! جبرائيل، وميكائيل، وملك الموت؛ فيقول: خذ نفس ميكائيل، فيقع
في صورته التي خلق عليها، وهي أعظم ما يكون من خلق إسرافيل بأضعافٍ مضاعفة. ثم يقول سبحانه: يا ملك الموت،من بقي؟ فيقول:
سبحانك ربي ذا الجلال والإكرام! جبرائيل، وملك الموت؛ فيقول
تعالى: يا ملك الموت، مت فيموت ويبقى جبرائيل - وهو من الله تعالى
بالمكان الذي ذكر لكم - فيقول الله: يا
جبرائيل، إنه لا بد من أن يموت أحدنا، فيقع جبرائيل ساجداً يخفق بجناحيه، يقول: سبحانك ربي وبحمدك! أنت الدائم القائم الذي
لا يموت؛ وجبرائيل الهالك الميت الفاني، فيقبض الله روحه، فيقع على ميكائيل
وإسرافيل، وإن فضل خلقه على خلقهما كفضل الطود العظيم على الظرب من الظراب
". وعند الفلاسفة
أن سادة الملائكة هم الروحانيون -يعنون العقول الفعالة وهي المفارقة للعالم
الجسماني المسلوبة التعلق به، لا بالحول و لابالتدبير. وأما الكروبيون
فدون الروحانيون في المرتبة وهي أنفس الأفلاك المدبرة لها، الجارية منها مجرى
نفوسنا مع أجسامنا. والقسم الثاني
ما كان حالاً في جرم الفلك، ويجري ذلك مجرى القوى التي في أبداننا، كالحس
المشترك والقوة الباصرة. الأصل: ثم جمع سبحانه من حزن الأرض
وسهلها، وعذبها وسبخها، تربة سنها بالماء حتى خلصت، ولاطها بالبلة حتى لزبت،
فجبل منها ذات أحناءٍ، ووصولٍ وأعضاءٍ، وفصولٍ أجمدها حتى استمسكت، وأصلدها حتى
صلصلت، لوقتٍ معدودٍ، وأجلٍ معلومٍ. وسنها بالماء، أي ملسها، قال:
أي مملس. ولاطها، من قولهم:
لطت الحوض بالطين، أي ملطته وطينته به. والبلة بفتح الباء. من البلل ولزبت، بفتح الزاي، أي التصقت وثبتت.
فجبل منها، أي خلق. والأحناء: الجوانب، جمع حنو. وأصلدها:
جعلها صلداً، أي صلباً متيناً. و صلصلت:
يبست، وهو الصلصال. ويختدمها: يجعلها في
مآربه وأوطاره كالخدم الذين تستعملهم وتستخدمهم. واستأدى الملائكة وديعته: طلب
منهم أدائها. والخنوع: الخضوع. والشقوة، بكسر الشين، وفي الكتاب
العزيز: "ربنا غلبت علينا شقوتنا " . واستوهنوا:
عدّوه واهناً ضعيفاً. والنظرة، بفتح
النون وكسر الظاء: الإمهال والتأخير. فأما معاني الفصل
فظاهرة، وفيه مع ذلك مباحث: منها أن يقال: اللام في قوله:
لوقت معدود، بماذا تتعلق؟ والجواب،
أنها تتعلق بمحذوف تقديره: حتى صلصلت كائنة لوقت، فيكون الجار والمجرور في موضع
الحال، ويكون معنى الكلام أنه أصلدها حتى يبست وجفت معدة لوقت معلوم، فنفخ حينئذ
روحه فيها. ويمكن أن تكون اللام متعلقة بقوله: فجبل، أي جبل وخلق من الأرض هذه
الجثة لوقت، أي لأجل وقت معلوم، وهو يوم القيامة. والجواب،
أن المراد من ذلك أن يكون الإنسان مركباً من طباع مختلفة، وفيه استعداد للخير
والشر، والحسن والقبح. والجواب،
يجوز أن يكون في ذلك لطف للملائكة، لأنهم تذهب ظنونهم في ذلك كل مذهب، فصار كإنزال
المتشابهات الذي تحصل به رياضة الأذهان وتخريجها، وفي ضمن ذلك يكون اللطف. ويجوز
أن يكون في أخبار ذرية آدم بذلك فيما بعد لطف بهم، ولا يجوز إخبارهم بذلك إلا إذا كان المخبر عنه
حقاً. الجواب،
أن النفس لما كانت جوهراً مجرداً، لا متحيزة ولا حالة في المتحيز حسن لذلك
نسبتها إلى البارئ، لأنها أقرب إلى الانتساب إليه من الجثمانيات. ويمكن أيضاً أن تكون
لشرفها مضافة إليه، كما يقال: بيت الله، للكعبة وأما النفخ
فعبارة عن إفاضة النفس على الجسد، ولما كان نفخ الريح في الوعاء عبارة عن إدخال
الريح إلى جوفه، وكان الإحياء عبارة عن إفاضة النفس عن الجسد، ويستلزم ذلك حلول
القوى والأرواح في الجثة باطناً وظاهراً، سمي ذلك نفخاً مجازاً. الجواب، أنه عليه السلام قد فسر ذلك بقوله: من الحر
والبرد والبلة والجمود، يعني الرطوبة واليبوسة، ومراده بذلك المزاج الذي هو
كيفية واحدة حاصلة من كيفيات مختلفة، قد انكسر بعضها ببعض. قوله: معجوناً،
صفة إنساناً. الجواب:
أن العهد والوصية هو قوله تعالى: " إني خالق
بشراً من طينٍ، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " . الجواب،
لما كانت النار مشرقة بالذات والأرض مظلمة، وكانت النار أشبه بالنور، والنور
أشبه بالمجردات، جعل إبليس ذلك حجة احتج بها في شرف عنصره على عنصر آدم عليه
السلام، ولأن النار أقرب إلى الفلك من الأرض، وكل شيء كان أقرب إلى الفلك من
غيره كان أشرف، والبارئ تعالى لم يعتبر ذلك، فعل سبحانه ما يعلم أنه المصلحة
والصواب. والجواب، أنه قيل: إن السجود لم يكن إلا لله تعالى،
وإنما كان آدم عليه السلام قبلة. ويمكن أن يقال:
إن السجود لله على وجه العبادة، ولغيره على وجه التكرمة؛ كما سجد أبو يوسف
وإخوته له. ويجوز أن تختلف الأحوال والأوقات
في حسن ذلك وقبحه. والجواب، أما الشيخ أبو علي رحمه الله فيقول: حد المفسدة
ما وقع عند الفساد، ولولا لم يقع مع تمكن المكلف من الفعل في الحالين، ومن فسد
بدعاء إبليس لم يتحقق فيه هذا الحد، لأن الله تعالى علم أن كل من فسد عند دعائه،
فإنه يفسد، ولو لم يدعه. قلت: إنما وعده
الإنظار، ويمكن أن يكون ليوم القيامة وإلى غيره من الأوقات ولم يبين فيه، فهو
تعالى أنجز له وعده في الإنظار المطلق، وما من وقت إلا ويجوز فيه أن يخترم إبليس
فلا يحصل الإغراء بالقبيح. وهذا الكلام عندنا ضعيف. ولنا فيه نظر مذكور
في كتبنا الكلامية. الجواب، أنه يجوز أن
يكون إنما منع من دخول الجنة على وجه التقريب والإكرام، كدخول الملائكة، ولم
يمنع من دخولها على غير ذلك الوجه. وقيل: أنه دخل
في جوف الحية، كما ورد في التفسير. الجواب، أنه قيل له:
لا تقربا هذه الشجرة؛ وأريد بذلك نوع الشجرة، فحمل آدم النهي على الشخص، وأكل من
شجرة أخرى من نوعها. الجواب،
أما أصحابنا فإنهم
لا يمتنعون من إطلاق العصيان عليه، ويقولون: إنها
كانت صغيرة، وعنده أن الصغائر جائزة على الأنبياء عليهم
السلام. وأما الإمامية
فيقولون: إن النهي
كان نهي تنزيه لا نهي تحريم، لأنهم لا يجيزون على الأنبياء الغلط والخطأ،
لا كبيراً ولا صغيراً، وظواهر هذه الألفاظ تشهد بخلاف
قولهم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
كيف ابتدأ خلق البشر
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أن الناس اختلفوا في ابتداء
خلق البشر كيف كان، فذهب أهل الملل من المسلمين واليهود
والنصارى إلى أن مبدأ البشر هو آدم، الأب الأول عليه السلام. وأكثر ما في القرآن
العزيز من قصة آدم مطابق لما في التوراة. وذهب طوائف من الناس إلى غير ذلك: أما الفلاسفة، فإنهم
زعموا أنه لا أول لنوع البشر ولا لغيرهم من الأنواع. ومن لم يكن منهم
على رأي الفلاسفة ويقول بحدوث الأجسام لا يثبت آدم، ويقول:
إن الله تعالى خلق الأفلاك وخلق فيها طباعاً محركة لها بذاتها، فلما تحركت - وحشوها أجسام لاستحالة الخلاء - كانت تلك الأجسام
على طبيعة واحدة، فاختلفت طبائعها بالحركة الفلكية، فكان القريب من الفلك
المتحرك أسخن وألطف، والبعيد أبرد وأكثف. ثم اختلطت العناصر، وتكونت منها
المركبات، ومنها تكون نوع البشر كما يتكون الدود في الفاكهة واللحم، والبق في
البطائح والمواضع العفنة، ثم تكون بعض البشر من بعض التوالد، وصار ذلك قانوناً
مستمراً، ونسي التخليق الأول الذي كان بالتولد. ومن الممكن أن
يكون بعض البشر في بعض الأراضي القاصية مخلوقاً بالتولد، وإنما انقطع التولد،
لأن الطبيعة إذا وجدت للتكون طريقاً استغنت به عن طريق ثان. قالوا: وكان قد رزق
من الحسن ما لا يقع عليه بصر حيوان إلا وبهت وأغمي عليه، ويزعمون أن مبدأ تكونه
وحدوثه أن يزدان - وهو الصانع الأول - عندهم
- أفكر في أمر أهرمن، - وهو الشيطان عندهم -
فكرةً أوجبت أن عرق جبينه، فمسح العرق ورمى به، فصار منه كيومرث. ولهم خبط طويل
في كيفية تكون أهرمن من فكرة يزدان أو من إعجابه بنفسه، أو من توحشه، وبينهم
خلاف في قدم أهرمن، وحدوثه لا يليق شرحه بهذا الموضع. وقال الأقلون:
أربعون سنة، وقال قوم منهم: إن كيومرث مكث في
الجنة التي في السماء ثلاثة آلاف سنة، وهي: ألف الحمل، وألف الثور، وألف
الجوزاء. ثم أهبط إلى الأرض فكان بها آمناً
مطمئناً ثلاثة آلاف سنة أخرى، وهي: ألف السرطان ، وألف الأسد، وألف السنبلة. وذكروا في كيفية ذلك الصراع أن
كيومرث كان هو القاهر لأهرمن في بادئ الحال، وأنه ركبه وجعل يطوف به في العالم
إلى أن سأله أهرمن: أي الأشياء أخوف له وأهولها عنده؟ قال له: باب جهنم،
فلما بلغ به أهرمن إليها جمح به حتى سقط من فوقه، ولم يستمسك، فعلاه وسأله عن أي
الجهات يبتدئ به في الأكل، فقال: من جهة الرجل لأكون ناظراً إلى حسن العالم مدة
ما، فابتدأه اهرمن فأكله من عند رأسه، فبلغ إلى موضع الخصي وأوعية المني من
الصلب، فقطر من كيومرث قطرتا نطفة على الأرض، فنبت منهما ريباستان في جبل بإصطخر
يعرف بجبل دام داذ؛ ثم ظهرت على تينك الريباستين الأعضاء البشرية في أول الشهر
التاسع، وتمت في آخره، فتصور منهما بشران: ذكر وأنثى، وهما ميشى، وميشانه، وهما
بمنزلة آدم وحواء على المليين. ويقال لهما أيضاً:
ملهى وملهيانه، ويسميهما مجوس خوارزم : مرد ومردانه، وزعموا أنهما مكثا خمسين
سنة مستغنيين عن الطعام والشراب، متنعمين غير متأذيين بشيء إلى أن ظهر لهما
أهرمن في صورة شيخ كبير، فحملهما على التناول من فواكه الأشجار وأكل منها، وهما
يبصرانه شيخاً فعاد شاباً، فأكلا منها حينئذٍ، فوقعا في البلايا والشرور، وظهر
فهما الحرص حتى تزاوجا، وولد لهما ولد فأكلاه حرصاً، ثم ألقى الله تعالى في
قلوبهما رأفةً، فولد لهما بعد ذلك ستة أبطن؛ كل بطن ذكر وأنثى، وأسماؤهم في كتاب أبستا - وهو الكتاب الذي جاء به زرادشت -
معروفة، ثم كان في البطن السابع سيامك، وفرواك، فتزاوجا، فولد لهما الملك
المشهورالذي لم يعرف قبله ملك وهو أوشهنج، وهو الذي خلف جده كيومرث، وعقد له
التاج، وجلس على السرير، وبنى مدينتي بابل والسوس . |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الزنادقة من عصبة إبليس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكان
من المسلمين - ممن بالزندقة - من يذهب إلى تصويب
إبليس في الامتناع من السجود، ويفضله على آدم، وهو بشار
بن برد المرعث ، ومن الشعر المنسوب إليه:
وكان أبو الفتوح احمد بن محمد الغزالي الواعظ ، أخو أبي حامد محمد بن
محمد بن محمد الغزالي الفقيه الشافعي، قاصاً لطيفاً وواعظاً مفوهاً، وهو من خراسان من مدينة طوس، وقدم إلى بغداد، ووعظ بها، وسلك في وعظه
مسلكاً منكراً، لأنه كان يتعصب لإبليس، ويقول: إنه سيد
الموحدين، وقال يوماً على المنبر: من لم يتعلم التوحيد من إبليس فهو
زنديق، أمر أن يسجد لغير سيده فأبى:
وقال مرة أخرى:
لما قال له موسى: أرني، فقال: لن قال: هذا شغلك، تصطفي آدم ثم تسود وجهه، و
تخرجه من الجنة، وتدعوني إلى الطور، ثم تشمت بي الأعداء! هذا عملك بالأحباب، فكيف تصنع بالأعداء! وقال
مرة أخرى: وقد ذكر
إبليس على المنبر: لم يدر ذلك المسكين أن أظافير القضاء إذا حكت أدمت،
وأن قسي القدر، إذا رمت أصمت . ثم قال: لسان حال آدم
ينشد في قصته وقصة إبليس:
وقال مرة أخرى:
التقى موسى وإبليس عند عقبة الطور، فقال موسى: يا إبليس، لم لم تسجد لآدم؟ فقال:
كلا، ما كنت لأسجد لبشر، كيف أوحده ثم ألتفت إلى غيره! ولكنك
أنت يا موسى سألت رؤيته ثم نظرت إلى الجبل، فأنا أصدق منك في التوحيد. وحكى عنه أبو الفرج بن الجوزي في التاريخ، أنه قال على
المنبر: معاشر الناس، إني كنت دائماً أدعوكم إلى الله،وأنا اليوم أحذركم
منه، والله ما شدت الزنانير إلا في حبه، ولا أديت الجزية إلا في عشقه. ثم قال: ويحكم أتظنون أن قوله: لا إله إلا
الله، منشور ولايته! ذا منشور عزله. وهذا نوع تعرفه الصوفية بالغلو والشطح. ومما يتعلق بما نحن فيه ما رووه عنه من قوله:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
تضارب الآراء في خلق الجنة والنار
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فإن قيل - فما قول شيوخكم في الجنة
والنار؟ فإن المشهور عنهم أنهما لم يخلقا
وسيخلقان عند قيام الأجسام، وقد دل القرآن العزيز، ونطق
كلام أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الفصل بأن آدم كان في الجنة وأخرج منها. ويحملون الآيات التي دلت على كون
آدم عليه السلام كان في الجنة وأخرج منها، على بستان من بساتين الدنيا. قالوا: والهبوط لا يدل على كونهما في السماء
لجواز أن يكون في الأرض؛ إلا أنهما في موضع مرتفع عن سائر الأرض. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آدم والملائكة أيهما أفضل
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فإن قيل:
فما الذي يقوله شيوخنا في آدم والملائكة: أيهما أفضل؟ قيل: لا خلاف بين شيوخنا رحمهم الله أن الملائكة أفضل
من آدم ومن جميع الأنبياء عليهم السلام، ولو لم يدل على ذلك إلا قوله تعالى في
هذه القصة: " إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من
الخالدين " ، لكفى. فإن هذا يقتضي كون الملك أرفع
منزلة من الوزير وكذلك قوله: " ولا الملائكة
المقربون "، يقتضي كونهم أرفع منزلة من عيسى. فالمديح الأول لجبرائيل والثاني لمحمد عليه
السلام، ولا يخفى تفاوت ما بين المدحين. ومن قال: إنه لم يكن منهم احتج بقوله تعالى: " إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه " . وقالوا:
قد ورد ذلك في القرآن أيضاً في قوله تعالى: "
وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً " ، والجنة
ههنا الملائكة، لأنهم قالوا: إن الملائكة بنات الله، بدليل قوله: " أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثاً
" ، وكتب التفسير تشتمل من هذا على ما لا نرى الإطالة بذكره. وقال:
فجبل منها صورة، أي خلق خلقاً عظيماً. ولفظة جبل، في اللغة تدل على خلق سواء كان
المخلوق عظيماً أو غير عظيم. والفصول: جمع فصل وهو الشيء
المنفصل، وما عرفنا في كتب اللغة أن الوصل هو العضو،
ولا قيل هذا. وقوله بعد ذلك: وكل
شيء اتصل بشيء فما بينهما وصلة لا معنى لذكره بعد ذلك التفسير. والصحيح أن مراده عليه السلام أظهر من أن يتكلف له
هذا التكلف، ومراده عليه
السلام أن تلك الصورة ذات أعضاء متصلة
كعظم الساق أو عظم الساعد، وذات أعضاء منفصلة في الحقيقة، وإن كانت متصلة بروابط
خارجها عن ذواتها كاتصال الساعد بالمرفق واتصال الساق بالفخذ. و الصحيح
أن قبيله نوعه، كما أن البشر قبيل كل بشري، سواء كانوا من ولده أو لم يكونوا. وقد قيل أيضاً:
كل جماعة قبيل وإن اختلفوا، نحو أن يكون بعضهم روماً وبعضهم زنجاً، وبعضهم
عرباً، وقوله تعالى: " إنه يراكم هو وقبيله
" لا يدل على أنهم نسله. وهذا عجيب!
فإنا نرى الحيوانات الميتة إذا دفنت في الأرض تنقص أجسامها، وكذلك الأشجار
المدفونة في الأرض؛ على أن التحقيق
أن المحترق بالنار وبالتالي لم تعدم أجزاؤه ولا بعضها، وإنما استحالت إلى صور
أخرى. ولا يقال: إن
قوله تعالى: " ورفع أبويه على العرش وخروا له
سجداً " ؛ لا يدل على سجود الوالدين؛ فلعل
الضمير يرجع إلى الإخوة خاصة لأنا نقول: هذا الاحتمال مدفوع بقوله: " والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين " ، وهو كناية عن الوالدين. الأصل:
واصطفى سبحانه من ولده أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم، وعلى تبيلغ الرسالة
أمانتهم، لما بدل أكثر خلقه عهد الله إليهم، فجهلوا حقه، واتخذوا الأنداد معه،
واجتالتهم الشياطين عن معرفته، واقتطعتهم عن عبادته، فبعث فيهم رسله، وواتر
إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم
بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول، ويروهم آيات المقدرة؛ من سقفٍ فوقهم
مرفوعٍ، ومهادٍ تحتهم موضوعٍ، ومعايش تحييهم، وآجال تفنيهم، وأوصابٍ تهرمهم،
وأحداثٍ تتابع عليهم. والأوصاب: الأمراض. والغابر: الباقي، ويسأل في هذا الفصل عن أشياء: منها، عن قوله عليه السلام:
أخذ على الوحي ميثاقهم. والجواب،
أن المراد أخذ على أداء الوحي ميثاقهم، وذلك أن كل رسول أرسل فمأخوذ عليه أداء
الرسالة، كقوله تعالى: "
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " . هل هذا إشارة إلى ما يقوله أهل
الحديث في تفسير قوله تعالى: " وإذ أخذ ربك من
بني آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالو بلى " ؟ والجواب، أنه لا حاجة في تفسير هذه اللفظة
إلى تصحيح ذلك الخبر، ومراده عليه السلام بهذا
اللفظ أنه لما كانت المعرفة به تعالى وأدلة التوحيد والعدل مركوزةً في
العقول، أرسل سبحانه الأنبياء أو بعضهم، ليؤكدوا ذلك المركوز في العقول. وهذه هي الفطرة
المشار إليها بقوله عليه السلام: " كل مولود يولد على الفطرة ". هل هو إشارة إلى ما يقوله الإمامية،
من أنه لا بد في كل زمان من وجود إمام معصوم؟ الجواب، أنهم يفسرون
هذه اللفظة بذلك ويمكن أن يكون المراد بها حجة العقل. والصحيح أن المراد به:
من نبي سابق عرف من يأتي بعده من الأنبياء، أي عرفه الله تعالى ذلك، أو نبي
غابرٍ نص عليه من قبله، وبشر به كبشارة الأنبياء بمحمد عليه السلام. قوله عليه السلام: نسلت القرون. والهاء في قوله:
لإنجاز عدته، راجعة إلى البارئ سبحانه. والهاء في قوله:
وإتمام نبوته، راجعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم. وقوله: مأخوذ على النبيين ميثاقه، قيل: لم
يكن نبي قط إلا وبشر بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم، وأخذ عليه تعظيمه؛ وإن كان
بعد لم يوجد. فأما قوله:
وأهل الأرض يومئذ ملل متفرقة، فإن العلماء يذكرون أن
النبي صلى الله عليه وسلم بعث والناس أصناف شتى في أديانهم: يهود، نصارى،
ومجوس، وصابئون ، وعبدة أصنام، وفلاسفة، وزنادقة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أديان العرب وفرقهم في الجاهلية
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما
الأمة التي بعث صلى الله عليه وسلم فيها فهم العرب، وكانوا
أصنافاً شتى، فمنهم معطلة، ومنهم غير معطلة. وبعضهم اعترف بالخالق سبحانه وأنكر البعث، وهم الذين أخبر سبحانه عنهم
بقوله: " قال من يحيي العظام وهي رميم " . ومنهم من أقر
بالخالق ونوعٍ من الإعادة، وأنكروا الرسل وعبدوا الأصنام، وزعموا أنها شفعاء عند الله في
الآخرة، وحجوا لها، ونحروا لها الهدي، وقربوا لها القربان، وحللوا وحرموا، وهم جمهور العرب، وهم الذين قال الله تعالى عنهم: " وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق
" .
وكان
من العرب من يعتقد التناسخ وتنقل الأرواح في الأجساد، ومن هؤلاء أرباب الهامة،
التي قال عليه السلام عنهم: " لا عدوى
ولا هامة ولا صفر " . وقال ذو الأصبع:
وقالوا:
إن ليلى الأخيلية لما سلمت على قبر توبة بن
الحمير خرج إليها هامة من القبر صائحة، أفزعت ناقتها، فوقصت بها فماتت، وكان ذلك
تصديق قوله:
وكان توبة وليلى في أيام بني أمية. ومنهم من
لا يطلق عليها لفظ الشريك، ويجعلها وسائل وذرائع إلى الخالق سبحانه، وهم الذين
قالوا: " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله
زلفى " .
وكان جمهورهم عبدة الأصنام، فكان ود لكلبٍ بدومة الجندل، وسواع لهذيل، ونسر لحمير،
ويغوث لهمدان، واللات لثقيف بالطائف، والعزى لكنانة وقريش وبعض بني سليم، ومناة
لغسان والأوس والخزرج، وكان هبل لقريش خاصة على ظهر الكعبة، وأساف ونائلة على
الصفا والمروة. وكان في العرب من يميل إلى اليهودية، منهم
جماعة من التبابعة وملوك اليمن، ومنهم نصارى
كبني تغلب والعباديين رهط عدي بن زيد، ونصارى نجران، ومنهم
من كان يميل إلى الصابئة ويقول بالنجوم والأنواء. وقال الراوندي: الفضائل ههنا: جمع فضيلة، وهي
الدرجة الرفيعة، وليس
بصحيح، ألا تراه كيف جعل الفرائض في مقابلتها وقسيماً لها، فدل ذلك على
أنه أراد النوافل! ومنها: ناسخه
ومنسوخه، فالناسخ كقوله: " فاقتلوا المشركين
" ، والمنسوخ كقوله: " لا إكراه
في الدين " . ويمكن أن يراد بالخاص
العمومات التي يراد بها الخصوص كقوله: "
وأوتيت من كل شيءٍ " ، وبالعام ما ليس مخصوصاً، بل هو على عمومه
كقوله تعالى: " والله بكل شيءٍ عليم " . ومثال الثاني صوم يوم
عاشوراء، كان واجباً بالسنة ثم نسخه صوم شهر رمضان الواجب بنص الكتاب. ثم فسر ما معنى المباينة بين محارمه، فقال: إن محارمه تنقسم إلى كبيرة وصغيرة، فالكبيرة
أوعد سبحانه عليها بالعقاب، والصغيرة مغفورة، وهذا نص
مذهب المعتزلة في الوعيد. وجعله سبحانه علامة لتواضعهم
لعظمته، وإذعانهم لعزته. واختار من خلقه سماعاً أجابوا إليه دعوته،
وصدقوا كلمته، ووقفوا مواقف أنبيائه، وتشبهوا بملائكته المطيفين بعرشه، يحرزون
الأرباح في متجر عبادته، ويتبادرون عنده موعد مغفرته. جعله سبحانه وتعالى للإسلام علماً، وللعائذين
حرماً، وفرض حقه، وأوجب حجه، وكتب عليكم وفادته، فقال سبحانه: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً
ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " . الشرح: الوله: شدة الوجد؛ حتى يكاد العقل
يذهب، وله الرجل يوله ولهاً. ومن روى: يألهون إليه
ولوه الحمام، فسره بشيء آخر، وهو يعكفون عليه
عكوف الحمام. وأصل أله عبد، ومنه
الإله، أي المعبود. ولما كان العكوف على الشيء
كالعبادة له لملازمته والانقطاع إليه قيل: أله فلان إلى كذا، أي عكف عليه كأنه
يعبده. ولا يجوز أن يقال: يألهون
إليه، في هذا الموضع بمعنى يولهون، وأن أصل الهمزة
الواو كما فسره الراوندي، لأن فعولاً لا
يجوز أن يكون مصدراً من فعلت بالكسر، ولو كان يألهون هو يولهون، كان أصله
أله بالكسر، فلم يجز أن يقول: ولوه الحمام، وأما
على ما فسرناه نحن فلا يمتنع أن يكون الولوه مصدراً، لأن أله مفتوح، فصار كقولك:
دخل دخولاً. وباقي الفصل غني عن التفسير. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الملائكة وآدم والبيت المعمور
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
جاء في الخبر الصحيح أن في السماء بيتاً يطوف به الملائكة طواف البشر بهذا
البيت اسمه الضراح، وأن هذا البيت تحته على خط مستقيم، وأنه المراد بقوله تعالى:
" والبيت المعمور" ، أقسم سبحانه
به لشرفه ومنزلته عنده، وفي الحديث: إن آدم لما
قضى مناسكه، وطاف بالبيت لقيته الملائكة، فقالت: يا آدم؛ لقد حججنا هذا البيت
قبلك بألفي عام. وفيه:
أعظم الناس ذنباً من وقف بعرفة فظن أن الله لا يغفر له. وإن أعظم الرزية أن نرجع وقد اكتنفتنا الخيبة.
اللهم
إن للزائرين حقاً فاجعل حقنا عليك غفران ذنوبنا، فإنك جواد كريم، ماجد لا ينقصك
نائل ، ولا يبخلك سائل.
فحركني
ذلك على ترك اليمن، والخروج إلى مكة، فخرجت فحججت.
فقال أبو حازم:
فأنا أسأل الله ألا يعذب هذا الوجه بالنار، فبلغ
ذلك سعيد بن المسيب، فقال: رحم الله أبا حازم! لو كان من عباد العراق،
لقال لها: اعزبي يا عدوة الله! ولكنه ظرف نساك الحجاز. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول في الكلام على السجع
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أن قوماً من أرباب
علم البيان عابوا السجع، وأدخلوا خطب أمير المؤمنين عليه السلام في جملة ما
عابوه؛ لأنه يقصد فيها السجع، وقالوا: إن الخطب
الخالية من السجع والقرائن والفواصل، هي خطب العرب، وهي المستحسنة الخالية من
التكلف، كخطبة النبي صلى الله عليه وسلم في
حجة الوداع، وهي: " الحمد لله، نحمده
ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا. من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل
الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً
عبده رسوله. أوصيكم عباد الله بتقوى الله،
وأحثكم على العمل بطاعته، واستفتح الله بالذي هو خير. أما بعد، أيها الناس، اسمعوا مني
أبين لكم، فإني لا أدري، لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، في موقفي هذا. وإن ربا الجاهلية موضوع ، وأول رباً أبدأ به
ربا العباس بن عبد المطلب، وإن دماء الجاهلية موضوعة، وأول دم أبدأ به دم آدم بن
ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية
والعمد قود، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر، فيه مائة بعير، فمن ازداد فهو من
الجاهلية. ألا هل بلغت اللهم فاشهد! ألا لا
ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني تركت فيكم ما إن أخذتم به لم
تضلوا؛ كتاب الله ربكم . ألا هل بلغت؟ الله اشهد. من ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه فهو
ملعون، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً. والسلام عليكم ورحمة الله عليكم. فأما خطبة رسول الله
صلى الله عليه وسلم هذه فإنها وإن لم تكن ذات سجع، فإن
أكثر خطبه مسجوع، كقوله: " إن مع العز ذلاً، وإن مع الحياة موتاً، وإن مع
الدنيا آخرة، وإن لكل شيء حساباً، ولكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً، وإن على
كل شيء رقيباً، وإنه لا بد لك من قرين يدفن معك هو حي وأنت ميت؛ فإن كان كريماً
أكرمك، وإن كان لئيماً أسلمك، ثم لا يحشر إلا معك، ولا تبعث إلا معه، ولا تسأل
إلا عنه، فلا تجعله إلا صالحاً فإنه إن صلح أنست به، وإن فسد لم تستوحش إلا منه،
وهو عملك ". واحتج عائبو السجع بقوله
عليه السلام لبعضهم منكراً عليه: " أسجعاً كسجع الكهان " ! ولولا أن السجع
منكر لما أنكر عليه السلام سجع الكهان وأمثاله. فيقال لهم: إنما أنكر
عليه السلام السجع الذي يسجع الكهان أمثاله، لا السجع
على الإطلاق، وصورة الواقعة أنه عليه السلام أمر في الجنين بغرة ، فقال
قائل: أأدي من لا شرب ولا أكل، و لانطق ولا استهل ، ومثل هذا يطل ! فأنكر عليه السلام ذلك، لأن الكهان كانوا يحكمون في
الجاهلية بألفاظ مسجوعة كقولهم: حبة بر، في إحليل
مهر. وقولهم:
عبد المسيح على جمل مشيح ، لرؤيا الموبذان ، وارتجاس الإيوان؛ ونحو ذلك من
كلامهم. وكان عليه السلام قد أبطل الكهانة والتنجيم
والسحر، ونهى عنها، فلما سمع كلام ذلك القائل أعاد الإنكار، ومراده به تأكيد تحريم العمل على أقوال الكهنة. ولو كان عليه
السلام قد أنكر السجع لما قاله، وقد بينا أن كثيراً من كلامه مسجوع، وذكرنا
خطبته. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له بعد انصرافه من صفين
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
صفين:
اسم الأرض التي كانت فيها الحرب، والنون فيها أصلية، ذكر ذلك صاحب الصحاح؛
فوزنها على هذا فعّيل، كفسيق، وخمير، وصريع، وظليم، وضليل، فإن قيل: فاشتقاقه
مماذا يكون؟ قيل: لو كان اسماً لحيوان لأمكن أن يكون
من صفن الفرس - إذا قام على ثلاث وأقام الرابعة على طرف الحافر - يصفن بالكسر، صفوناً. أو من صفن القوم، إذا صفوا أقدامهم لا يخرج
بعضها من بعض. وقيل:
عفريت للداهية، هكذا ذكروه.
الأصل:
أحمده استتماماً لنعمته، واستسلاماً لعزته، واستعصاماً من معصيته. وأستيعنه
فاقةً إلى كفايته؛ إنه لا يضل من هداه، ولا يئل من عاداه، ولا يفتقر من كفاه،
فإنه أرجح ما وزن، وأفضل ما خزن. وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة ممتحناً إخلاصها، معتقداً مصاصها،
نتمسك بها أبداً ما أبقانا، وندخرها لأهاويل ما يلقانا؛ فإنها عزيمة الإيمان،
وفاتحة الإحسان، ومرضاة الرحمن ومدحرة الشيطان. الشرح:
وأل، أي نجا، يئل. والمصاص: خالص الشيء. والفاقة: الحاجة والفقر. والأهاويل: جمع أهوال، والأهوال: جمع هول، فهو
جمع الجمع، كما قالوا: أنعام وأناعيم، وقيل:
أهاويل أصله تهاويل، وهي ما يهولك من شيء، أي يروعك، وإن جاز هذا فهو بعيد، لأن
التاء قل أن تبدل همزة. والعزيمة: النية المقطوع عليها،
ومدحرة الشيطان، أي تدحره، أي تبعده وتطرده. وقوله:
فإنه أرجح، الهاء عائدة إلى ما دل عليه قوله: أحمده، يعني الحمد، والفعل يدل على
المصدر ، وترجع الضمائر إليه كقوله تعالى: "
بل هو شر " وهو ضمير البخل الذي دل عليه قوله: " يبخلون ". |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
لزوم ما لا يلزم أحد أنواع البديع
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقوله عليه السلام:
وزن وخزن، بلزوم الزاي، من الباب المسمى لزوم ما لا يلزم، وهو أحد أنواع البديع،
وذلك أن تكون الحروف التي قبل الفاصلة حرفاً واحداً؛ هذا في المنثور، وأما في
المنظوم فأن تتساوى الحروف التي قبل الروي مع كونها ليست بواجبة التساوي، مثال ذلك قول بعض شعراء الحماسة :
ألا
تراه كيف قد لزم اللام الأولى من اللامين
اللذين صارا حرفاً مشدداً! فالثاني منهما هو
الروي، واللام الأول الذي قبله التزام ما لا يلزم؛
فلو قال في القصيدة: وصلها، وقبلها، وفعلها، لجاز.
فإن لزوم الياء قبل حرف الروي ليس من هذا الباب، لأنه لزوم واجب، ألا ترى أنه لو قال في هذا الرجز: البطش والفرش
والعرش لم يجز، لأن الردف لا يجوز أن يكون حرفاً خارجاً عن حروف العلة. وقد جاء من اللزوم في الكتاب العزيز مواضع
ليست بكثيرة، فمنها قوله سبحانه: " فتكون
للشيطان ولياً، قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني
ملياً " ، وقوله تعالى: " ولكن
كان في ضلال بعيدٍ، قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد " ،
وقوله: " اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان
من علق " ، وقوله: "والطور، وكتاب
مسطور " ، وقوله: " بكاهنٍ ولا
مجنونٍ، أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون " ؛ وقوله: " في سدر مخضودٍ، وطلحٍ منضودٍ " ،
وقوله: " فإن انتهوا فإن الله بما يعملون
بصير، وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير " ،
والظاهر أن ذلك غير مقصود قصده.
الأصل: وأشهد
أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالدين المشهور، والعلم المأثو، والكتاب المسطور،
والنور الساطع، والضياء اللامع، والأمر الصادع، إزاحة للشبهات، واحتجاجاً
بالبينات، وتحذيراً بالآيات، وتخويفاً بالمثلات، والناس في فتنٍ انجذم فيها حبل
الدين، وتزعزعت سواري اليقين، واختلف النجر، وتشتت الأمر، وضاق المخرج، وعمي
المصدر، فالهدى خامل، والعمى شامل. عصي الرحمن، ونصر الشيطان، وخذل الإيمان،
فانهارت دعائمه، وتنكرت معالمه، ودرست سبله، وعفت شركه. أطاعو الشيطان فسلكوا مسالكه،
ووردوا مناهله، بهم سارت أعلامه، وقام لواؤه. في فتنٍ داستهم بأخفافها، ووطئتهم
بأظلافها، وقامت على سنابكها، فهم فيها تائهون حائرون، جاهلون مفتونون، في خير
دارٍ وشر جيرانٍ، نومهم سهود، وكحلهم دموع، بأرضٍ عالمها ملجم، وجاهلها مكرم. ويجوز أن يريد به أحد معجزاته غير القرآن،
فإنها كثيرة ومأثورة، ويؤكد هذا قوله بعد:
والكتاب المسطور، فدل على تغايرهما، ومن يذهب إلى الأول
يقول: المراد بهما واحد، والثانية توكيد
الأولى على قاعدة الخطابة والكتابة. والنجر: الأصل، ومثله النجار. وانهارت: تساقطت. والشرك: الطرائق، جمع شراك. والأخفاف للإبل، والأظلاف للبقر والمعز. وقيل الشام، لأنها الأرض المقدسة، وأهلها شر
جيران، يعني أصحاب معاوية. وعلى التفسير الأول
يعني أصحابه عليه السلام. وإن كان وصفاً لأصحابه عليه السلام
بالكوفة - وهو الأقرب - فالمعنى أنهم خائفون يسهرون ويبكون لقلة موافقتهم إياه؛
وهذا شكاية منه عليه السلام لهم، وكحلهم دموع، أي نفاقاً، فإنه إذا تم نفاق
المرء ملك عينيه. ثم حكى عليه السلام ما جرى له مع
عقبة بن أبي معيط ، والحديث مشهور. وجاهلها مكرم، أي من جحد نبوته
وكذبه في عز ومنعة. وهذا ظاهر. بهم أقام انحناء ظهره، وأذهب ارتعاد فرائصه. الشرح: جعل
ما فعلوه من القبيح بمنزلة زرع زرعوه، ثم سقوه؛ فالذي زرعوه الفجور، ثم سقوه
بالغرور؛ والاستعارة واقعة موقعها، لأن تماديهم وما سكنت إليه نفوسهم من
الإمهال، هو الذي أوجب استمرارهم على القبائح التي واقعوها، فكان ذلك كما يسقى
الزرع ويربى بالماء ويستحفظ. ولعل الرضي رحمه الله
تعالى عرف ذلك وكنى عنه. وجائز لمن كان أولى بشيء
فتركه ثم استرجعه أن يقول: قد رجع الأمر إلى أهله.
وتقول
ما معتقدك؟ أي ما اعتقادك. قد رجع الأمر إلى نصابه. وإلى الموضع الذي هو على
الحقيقة الموضع الذي يجب أن يكون انتقاله إليه. قيل: لا شبهة أن
المنعم أعلى وأشرف من المنعم عليه، ولا
ريب أن محمداً صلى الله عليه وسلم وأهله
الأدنين من بني هاشم - لا سيما علياً عليه السلام - أنعموا على الخلق كافة بنعمة لا يقدر قدرها، وهي الدعاء إلى الإسلام والهداية إليه،
فمحمد صلى الله عليه وسلم
وإن كان هدى الخلق بالدعوة التي
قام بها بلسانه ويده، ونصرة الله تعالى له بملائكته وتأييده، وهو السيد المتبوع،
والمصطفى المنتجب الواجب الطاعة، إلا أن لعلي عليه
السلام من الهداية أيضاً -وإن كان ثانياً لأول،
ومصلياً على إثر سابق - ما لا يجحد، ولو لم يكن إلا جهاده بالسيف أولاً وثانياً، وما كان بين الجهادين من نشر العلوم
وتفسير القرآن وإرشاد العرب إلى ما لم تكن له فاهمة ولا متصورة، لكفى في وجوب حقه، وسبوغ نعمته عليه السلام. قيل: نعمتان: الأولى منهما الجهاد عنهم وهم قاعدون، فإن من أنصف علم أنه لولا
سيف علي عليه السلام لاصطلم المشركون من أشار إليه وغيرهم من المسلمين،
وقد علمت آثاره في بدر، وأحد، والخندق، وحنين، وأن الشرك فيها فغر فاه، فلو لا
أن سده بسيفه لالتهم المسلمين كافة - والثانية
علومه التي لولاها لحكم بغير الصواب في كثير من الأحكام، وقد اعترف عمر له بذلك، والخبر مشهور: لولا علي لهلك عمر. ويمكن أن يخرج كلامه على
وجه آخر، وذلك أن العرب تفضل القبيلة التي
منها الرئيس الأعظم على سائر القبائل، وتفضل الأدنى منه نسباً، فالأدنى على سائر
آحاد تلك القبيلة؛ فإن بني دارم يفتخرون بحاجب وإخوته، وبزرارة أبيهم على سائر
بني تميم، ويسوغ للواحد من أناء دارم أن يقول: لا يقاس ببني دارم أحد من بني
تميم، ولا يستوي بهم من جرت رئاستهم عليه أبداً، ويعني بذلك أن واحداً من بني
دارم قد رأس على بني تميم؛ فكذلك لما كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم رئيس الكل، والمنعم على الكل، جاز لواحد من بني هاشم، لا
سيما مثل علي عليه السلام أن يقول هذه الكلمات. وإنه لولاه لما عبد الله تعالى في
الأرض، وألا يمدح أبو بكر، ولا يقال: إن له أثراً في الإسلام، وإن عبد الرحمن
وسعداً وطلحة وعثمان وغيرهم من الأولين في الدين اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لاتباعه
له، وإن له يداً غير مجحودة في الإنفاق واشتراء المعذبين وإعتاقهم، وإنه لولاه
لاستمرت الردة بعد الوفاة، وظهرت دعوة مسيلمة وطليحة ؛ وإنه لولا عمر لما كانت
الفتوح، ولا جهزت الجيوش، ولا قوي أمر الدين بعد ضعفه، ولا انتشرت الدعوة بعد
خمولها. وهذه الكلمات لا تقال في مثل هذه الحال،
وأخلق بها أن تكون قيلت في ابتداء بيعته، قبل أن يخرج من المدينة إلى البصرة،
وأن الرضي رحمه الله تعالى نقل ما وجد، وحكى ما
سمع، والغلط من غيره والوهم سابق له. وما ذكرناه واضح. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أشعار وأراجيز في الوصاية
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومما
رويناه من الشعر المقول في صدر الإسلام المتضمن كونه عليه السلام وصي رسول الله قول عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن
عبد المطلب:
وقال
عبد الرحمن بن جعيل:
وقال
أبو الهيثم بن التيهان- وكان بدرياً:
وقال
عمر بن حارثة الأنصاري، وكان محمد بن حنيفة يوم الجمل، وقد لامه أبوه عليه
السلام لما أمره بالحملة فتقاعس:
وقال
رجل من الأزد يوم الجمل:
وخرج
يوم الجمل غلام من بني ضبة شاب معلم من عسكر عائشة، وهو يقول:
وقال
سعيد بن قيس الهمداني يوم الجمل - وكان في عسكر علي عليه السلام:
وقال
زياد بن لبيد الأنصاري يوم الجمل - وكان من أصحاب علي عليه السلام:
وقال
حجر بن عدي الكندي في ذلك اليوم أيضاً:
وقال
خزيمة بن ثابت الأنصاري، ذو الشهادتين - وكان بدرياً - في يوم الجمل أيضاً:
وقال
خزيمة أيضاً في يوم الجمل:
وقال
ابن بديل بن ورقاء الخزاعي يوم الجمل أيضاً:
وفقال
عمرو بن أحيحة يوم الجمل في خطبة الحسن بن علي
عليه السلام بعد خطبة عبد الله ابن الزبير:
وقال
زخر بن قيس الجعفي يوم الجمل أيضاً:
ذكر هذه الأشعار والأراجيز بأجمعها أبو مخنف لوط بن يحيى في كتاب
وقعة الجمل. وأبو مخنف من المحدثين،
وممن يرى صحة الإمامة بالاختيار، وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجالها.
قال
نصر: ومن الشعر المنسوب إلى الأشعث بن قيس:
ومن
الشعر المنسوب إلى الأشعث أيضاً:
قال نصر بن مزاحم: من شعر أمير المؤمنين عليه السلام في صفين:
وقال جرير بن عبد الله البجلي: كتب بهذا الشعر إلى شرحبيل بن السمط الكندي، رئيس
اليمانية من أصحاب معاوية:
وقال
النعمان بن عجلان الأنصاري:
وقال
عبد الرحمن بن ذؤيب الأسلمي:
وقال
المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب:
وقال
عبد الله بن العباس بن عبد المطلب :
والأشعار
التي تتضمن هذه اللفظة كثيرة جداً، ولكنا ذكرنا منها ههنا بعض ما قيل في هذين
الحزبين، فأما ما عداهما فإنه يجل عن الحصر، ويعظم عن الإحصاء والعد، ولولا خوف
الملالة والإضجار، لذكرنا من ذلك ما يملأ أوراقاً كثيرة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له وهي المعروفة بالشقشقية
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من
الرحا؛ ينحدرعني السيل، ولا يرقى إلي الطير، فسدلت دونها ثوباً وطويت عنها
كشحاً، وطفقت أرتئي بين أصول بيدٍ جذاء، أو أصبر على طخيةٍ عمياء، يهرم فيها
الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرأيت أن الصبر على
هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذىً، وفي الحلق شجاً. أرى تراثي نهباً. وعندي
أنهم أرادوا غير ذلك. وهو أن من أجاع نفسه فقد طوى كشحه، كما أن من أكل وشبع فقد
ملأ كشحه، فكأنه أراد أني أجعت نفسي عنها، ولم ألقمها. واليد الجذاء بالدال
المهملة، وبالذال المعجمة، والحاء المهملة مع الذال المعجمة، كلها بمعنى
المقطوعة. والطخية: قطعة
من الغيم والسحاب. وقوله: عمياء،
تأكيد لظلام الحال واسودادها؛ يقولون: مفازة عمياء، أي يعمى فيها الدليل. ويكدح:
يسعى ويكد مع مشقة، قال تعالى: " إنك كادح إلى
ربك كدحاً" وهاتا؛ بمعنى هذه، ها للتنبيه، وتا للإشارة، ومعنى تا
ذي، وهذا أحجى من كذا أي أليق بالحجا، وهو العقل، وفي
هذا الفصل من باب البديع في علم البيان عشرة ألفاظ: أولها: قوله: لقد تقمصها، أي جعلها كالقميص مشتملة
عليه؛ والضمير للخلافة، ولم يذكرها للعلم بها، كقوله سبحانه:
" حتى توارت بالحجاب " ، وكقوله: "
كل من عليها فانٍ " ، وكقول حاتم:
وهذه
اللفظة مأخوذة من كتاب الله تعالى في قوله سبحانه: " ولباس التقوى " وقول النابغة:
الثانية:
قوله: ينحدر عني السيل، يعني رفعة منزلته عليه السلام، كأنه في ذروة جبل أو
يفاعٍ مشرف، ينحدر السيل عنه إلى الوهاد والغيطان، قال الهذلي:
الثالثة:
قوله عليه السلام: ولا يرقى إلي الطير، هذه
أعظم في الرفعة والعلو من التي قبلها، لأن السيل ينحدر عن الرابية والهضبة، وأما
تعذر رقي الطير فربما يكون للقلال الشاهقة جداً، بل ما هو أعلى من قلال الجبال،
كأنه يقول: إني لعلو منزلتي كمن في السماء التي يستحيل أن يرقى الطير إليها، قال أبو الطيب:
وقال
حبيب:
الرابعة:
قوله: سدلت دونها ثوباً، قد ذكرناه. وعندي أنه أراد أمراً
آخر، وهو أني من الخلافة في الصميم،
وفي وسطها وبحبوحتها، كما أن القطب وسط دائرة الرحا، قال الراجز :
وقال
أمية بن أبي الصلت لعبد الله بن جدعان:
وأما قوله:
يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير، فيمكن أن يكون من باب الحقائق، ويمكن أن
يكون من باب المجازات والاستعارات، أما الأول
فإنه يعني به طول مدة ولاية المتقدمين عليه، فإنها مدة يهرم فيها الكبير، ويشيب
فيها الصغير. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
التعريف بأبي بكر
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ابن أبي قحافة المشار
إليه، هو أبو بكر، واسمه القديم عبد الكعبة، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد
الله. واختلفوا في عتيق،
فقيل: كان اسمه في الجاهلية، وقيل: بل سماه به
رسول الله صلى الله عليه وسلم. واسم أبي قحافة
عثمان، وهو عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن
غالب. وأمه ابنة عم أبيه، وهي أم الخير بنت صخر بن عمرو بن كعب بن سعد. أسلم أبو قحافة يوم
الفتح، جاء به ابنه أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو شيخ كبير رأسه
كالثغامة البيضاء، فأسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: غيروا شيبته. وكان المنصور يسمي عبد الله بن الحسن بن الحسن
أبا قحافة تهكماً به، لأن ابنه محمداً ادعى الخلافة وأبوه حي. وإن لم تحكموا عليهم بذلك فقد
طعنتم في المتظلم المتكلم عليهم! قيل: أما الإمامية من الشيعة
فتجري هذه الألفاظ على ظواهرها، وتذهب إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أمير المؤمنين عليه السلام، وأنه غصب حقه. وأما أصحابنا رحمهم
الله، فلهم أن يقولوا: إنه لما كان أمير المؤمنين عليه
السلام هو الأفضل والأحق، وعدل عنه إلى من لا يساويه
في فضل، ولا يوازيه في جهاد وعلم، ولا يماثله في سؤدد وشرف - ساغ إطلاق
هذه الألفاظ، وإن كان من وسم بالخلافة قبله عدلاً تقياً، وكانت بيعته بيعةً
صحيحة، ألا ترى أن البلد قد يكون فيه فقيهان؛ أحدهما
أعلم من الآخر بطبقاتٍ كثيرة، فيجعل السلطان الأنقص علماً منهما قاضياً، فيتوجد الأعلم ويتألم، وينفث أحياناً بالشكوى، ولا
يكون ذلك طعناً في القاضي ولا تفسيقاً له، ولا
حكماً منه بأنه غير صالح، بل للعدول عن الأحق والأولى!
وهذا أمر مركوز في طباع البشر، ومجبول في أصل الغريزة والفطرة، فأصحابنا رحمهم الله، لما أحسنوا الظن بالصحابة -
وحملوا ما وقع منهم على وجه الصواب، وأنهم نظروا إلى مصلحة الإسلام، وخافوا
فتنةً لا تقتصر على ذهاب الخلافة فقط، بل وتفضي إلى ذهاب النبوة والملة، فعدلوا عن الأفضل الأشرف الأحق، إلى فاضل آخر دونه، فعقدوا له - احتاجوا إلى تأويل هذه الألفاظ الصادرة
عمن يعتقدونه في الجلالة والرفعة قريباً من منزلة النبوة، فتأولوها بهذا
التأويل، وحملوها على التألم للعدول عن الأولى. ومعلوم
أن تأويل كلام أمير المؤمنين عليه السلام وحمله على
أنه شكا من تركهم
الأولى أحسن من حمل قوله تعالى: " وعصى آدم " على أنه ترك الأولى. وأيضاً،
فما معنى قوله: فطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء، على ما تأولتم به
كلامه، فإن تارك الأولى لا يصال عليه بالحرب! قيل: يجوز أن
يكون أمير المؤمنين عليه السلام لم يغلب على ظنه ما غلب على ظنون الصحابة من
الشغب وثوران الفتنة، والظنون تختلف باختلاف الأمارات،
فرب إنسان يغلب على ظنه أمر يغلب على ظنٍ
غيره خلافه. وأما قوله: أرتئي بين أن
أصول، فيجوز أن يكون لم يعن به صيال الحرب، بل صيال الجدل والمناظرة، يبين ذلك
أنه لو كان جادلهم وأظهر ما في نفسه لهم، فربما خصموه بأن يقولوا له: قد غلب على
ظنوننا أن الفساد يعظم ويتفاقم إن وليت الأمر، ولا يجوز مع غلبة ظنوننا لذلك أن
نسلم الأمر إليك، فهو عليه السلام قال:
طفقت أرتئي بين أن أذكر لهم فضائلي عليهم وأحاجهم بها فيجيبوني بهذا الضرب من
الجواب -الذي تصير حجتي به جذاء مقطوعة، ولا قدرة لي على تشييدها ونصرتها - وبين
أن أصبر على ما منيت به. ودفعت إليه. وكيف هربتم من نسبته لهم
إلى الظلم لدفع النص، ووقعتم في نسبته لهم إلى الظلم لخلاف الأولى من غير علة في
الأولى، ومعلوم
أن مخالفة الأولى من غير علة كتارك النص،
لأن العقد في كلا الموضعين يكون فاسداً! قيل: الفرق
بين الأمرين ظاهر، لأنه عليه السلام لو نسبهم إلى مخالفة النص لوجب وجود النص، ولو كان النص موجوداً لكانوا فساقاً أو كفاراً لمخالفته، وأما إذا نسبهم إلى ترك
الأولى من غير علة في الأولى، فقد نسبهم إلى أمر يدعون
فيه خلاف ما يدعي عليه السلام، وأحد الأمرين لازم؛ وهو إما أن يكون ظنهم صحيحاً أو غير صحيح، فإن كان ظنهم هو الصحيح فلا كلام في
المسألة، وإن لم يكن ظنهم صحيحاً كانوا كالمجتهد
إذا ظن وأخطأ فإنه معذور، ومخالفة النص أمر خارج عن هذا
الباب؛ لأن مخالفه غير معذور بحال، فافترق المحملان. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
تأمير أسامة بن زيد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
لما
مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض الموت، دعا أسامة
بن زيد بن حارثة، فقال: سر إلى مقتل أبيك ، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك على
هذا الجيش، وإن أظفرك الله بالعدو، فأقلل اللبث، وبث العيون، وقدم الطلائع. فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا كان في
ذلك الجيش، منهم أبو بكر وعمر، فتكلم قوم
وقالوا: يستعمل هذا الغلام على جلة المهاجرين والأنصار!! فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع ذلك، وخرج عاصباً رأسه، فصعد المنبر وعليه قطيفة فقال: " أيها الناس، ما
مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير أسامة! لئن طعنتم في تأميري أسامة، فقد طعنتم في
تأميري أباه من قبله، وايم الله إن كان لخليقاً بالإمارة، وابنه من بعده لخليق
بها، وإنهما لمن أحب الناس إلي؛ فاستوصوا به خيراً، فإنه من خياركم ". ثم نزل ودخل بيته،
وجاء المسلمون يودعون رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ويمضون إلى عسكر أسامة بالجرف . ثم أرسل نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أسامة يأمرنه بالدخول، ويقلن
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد أصبح بارئاً، فدخل أسامة من معسكره يوم الاثنين، الثاني عشر من شهر ربيع
الأول فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقاً، فأمره بالخروج وتعجيل
النفوذ،
وقال: "اغد على بركة الله "، وجعل
يقول: " أنفذوا بعث أسامة "، ويكرر
ذلك، فودع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وخرج ومعه أبو بكر وعمر،
فلما ركب جاءه رسول أم أيمن، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت، فأقبل ومعه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
زالت الشمس من هذا اليوم، وهو يوم الاثنين، وقد مات
واللواء مع بريدة بن الحصيب ، فدخل باللواء فركزه عند باب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغلق، وعلي عليه السلام وبعض بني هاشم مشتغلون بإعداد
جهازه وغسله، فقال العباس لعلي - وهما في الدار: امدد
يدك أبايعك فيقول الناس: عم رسول الله بايع ابن عم رسول
الله، فلا يختلف عليك اثنان، فقال له: أو يطمع
يا عم فيها طامع غيري! قال: ستعلم؛ فلم
يلبثا أن جاءتهما الأخبار بأن الأنصار أقعدت سعداً
لتبايعه، وأن عمراً جاء بأبي بكر فبايعه،
وسبق الأنصار بالبيعة، فندم علي عليه السلام على تفريطه في أمر البيعة وتقاعده
عنها، وأنشده العباس قول دريد:
وتزعم الشيعة
أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان
يعلم موته، وأنه سير أبا بكر وعمر في بعث أسامة لتخلو
دار الهجرة منهما، فيصفو الأمر لعلي عليه السلام، ويبايعه من تخلف من المسلمين
بالمدينة على سكونٍ وطمأنينة، فإذا جاءهما الخبر بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيعة الناس لعلي عليه السلام بعده
كانا عن المنازعة والخلاف أبعد، لأن العرب كانت
تلتزم بإتمام تلك البيعة، ويحتاج في نقضها إلى حروب شديدة، فلم يتم له ما قدر، وتثاقل أسامة بالجيش أياماً، مع شدة حث رسول الله صلى
الله عليه وسلم على نفوذه وخروجه بالجيش، حتى مات صلى
الله عليه وسلم وهما بالمدينة، فسبقا علياً إلى
البيعة وجرى ما جرى. وهذا عندي غير منقدح، لأنه إن كان صلى الله عليه وسلم يعلم موته، فهو أيضاً
يعلم أن أبا بكر سيلي الخلافة، وما يعلمه لا يحترس منه؛ وإنما يتم هذا ويصح إذا
فرضنا أنه عليه السلام كان يظن موته ولا يعلمه حقيقة، ويظن أن أبا بكر وعمر
يتمالآن على ابن عمه، ويخاف وقوع ذلك منهما ولا يعلمه حقيقة، فيجوز إن كانت
الحال هكذا أن ينقدح هذا التوهم، ويتطرق هذا الظن، كالواحد منا له ولدان، يخاف
من أحدهما أن يتغلب بعد موته على جميع ماله، ولا يوصل أخاه إلى شيء من حقه، فإنه
قد يخطر له عند مرضه الذي يتخوف أن يموت فيه أن يأمر الولد المخوف جانبه بالسفر
إلى بلد بعيد في تجارة يسلمها إليه، يجعل ذلك طريقاً إلى دفع تغلبه على الولد
الآخر.
فيا عجبا!
بينا هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته! لشد ما تشطرا ضرعيها!
فصيرها في حوزةٍ خشناء يغلظ كلمها، ويخشن العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها
كراكب الصعبة، إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحم، فمني الناس لعمر الله بخبطٍ
وشماسٍ، وتلونٍ واعتراضٍ، فصبرت على طول المدة، وشدة المحنة.
وقوله: فأدلى
بها، من قوله تعالى: " ولا تأكلوا أموالكم
بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام " . أي تدفعوها إليهم رشوة، وأصله من أدليت الدلو
في البئر، أرسلتها. قلت: لما
كان عليه السلام يرى أن العدول بها عنه إلى غيره إخراج لها إلى غير جهة
الاستحقاق شبه ذلك بإدلاء الإنسان بماله إلى الحاكم، فإنه إخراج للمال إلى غير
وجهه، فكان ذلك من باب الاستعارة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أبو بكر يعهد بالخلافة إلى عمر
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وابن الخطاب هو أبو حفص عمر الفاروق، وأبوه الخطاب بن نفيل بن عبد
العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي
بن كعب بن لؤي بن غالب. وأم عمر حنتمة بنت هاشم ابن
المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. قال:
اكتب: وذلك حيث أجال رأيه وأعمل فكره فرأى أن هذا الأمر لا يصلح آخره إلا بما
يصلح به أوله، ولا يحتمله إلا أفضل العرب مقدرة، وأملكهم لنفسه، وأشدهم في حال
الشدة، وأسلسهم في حال اللين، وأعلمهم برأي ذوي الرأي، لا يتشاغل بما لا يعنيه،
ولا يحزن لما لم ينزل به، ولا يستحي من التعلم، ولا يتحير عند البديهة. قوي على الأمور، لا يجوز بشيء منها حده
عدواناً ولا تقصيراً، يرصد لما هو آت عتاده من الحذر. فلما فرغ من الكتاب،
دخل عليه قوم من الصحابة، منهم طلحة؛ فقال له: ما
أنت قائل لربك غداً، وقد وليت علينا فظاً غليظاً، تفرق
منه النفوس؛ وتنفض عنه القلوب! فقال أبو بكر: أسندوني
- وكان مستلقياً - فأسندوه، فقال لطلحة: أبالله تخوفني! إذا
قال لي ذلك غداً قلت له: وليت عليهم خير
أهلك. وروى
كثير من الناس أن أبا بكر لما نزل به الموت دعا عبد الرحمن بن عوف، فقال: أخبرني عن عمر، فقال: إنه أفضل من رأيت إلا أن فيه غلظة، فقال أبو بكر: ذاك لأنه يراني رقيقاً، ولو قد أفضى الأمر إليه لترك
كثيراً مما هو عليه، وقد رمقته إذ أنا غضبت على رجل أراني الرضا عنه، وإذا لنت
له أراني الشدة عليه، ثم دعا عثمان بن عفان،
فقال: أخبرني عن عمر، فقال: سريرته خير من
علانيته، وليس فينا مثله. فقال لهما:
لا تذكرا مما قلت لكما شيئاً، ولو تركت عمر لما عدوتك
يا عثمان، والخيرة لك ألا تلي من أمورهم شيئاً، ولوددت أني كنت من أموركم
خلواً، وكنت فيمن مضى من سلفكم. ودخل طلحة بن عبيد الله على أبي بكر، فقال: إنه بلغني يا خليفة رسول الله استخلفت على الناس عمر،
وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معهن فكيف به إذا خلا بهم، وأنت غداً لاقٍ ربك، فيسألك عن رعيتك! فقال أبو بكر:
أجلسوني، ثم قال: أبالله تخوفني! إذا لقيت
ربي فسألني، قلت: استخلفت
عليهم خير أهلك. فقال طلحة:
أعمر خير الناس يا خليفة رسول الله! فاشتد غضبه وقال: إي والله، هو خيرهم وأنت شرهم. أما
والله لو وليتك لجعلت أنفك في قفاك، ولرفعت نفسك فوق قدرها حتى يكون الله هو
الذي يضعها! أتيتني وقد دلكت عينك، تريد أن تفتنني عن
ديني، وتزيليني عن رأيي! قم لا أقام الله رجليك! أما والله
لئن عشت فواق ناقة، وبلغني أنك غمصته فيها، أو ذكرته بسوء، لألحقنك بمحمضات قنة
، حيث كنتم تسقون ولا تروون، وترعون ولا تشبعون، وأنتم بذلك بجحون راضون! فقام طلحة فخرج. هذا
ما عهد عبد الله بن
عثمان إلى المسلمين. أما بعد ثم أغمي عليه؛ وكتب عثمان: قد
استخلفت عليكم عمر بن الخطاب. وأفاق أبو بكر، فقال: اقرأ فقرأه، فكبر أبو بكر، وسر، وقال: أراك خفت أن يختلف الناس إن مت في غشيتي! قال: نعم، قال: جزاك الله خيراً عن الإسلام وأهله. ثم
أتم العهد، وأمر أن يقرأ على الناس فقرئ عليهم، ثم أوصى عمر، فقال له: إن لله حقاً بالليل لا يقبله بالنهار،
وحقاً في النهار لا يقبله بالليل، وإنه لا يقبل نافلة ما لم تؤد الفريضة، وإنما
ثقلت موازين من اتبع الحق مع ثقله عليه، وإنما خفت موازين من اتبع الباطل لخفته
عليه، إنما أنزلت آية الرخاء مع آية الشدة، لئلا يرغب المؤمن رغبة يتمنى فيها
على الله ما ليس له، ولئلا يرهب رهبة يلقى فيها بيده، فإن
حفظت وصيتي، فلا يكن غائب أحب إليك من الموت ولست معجزه. ثم توفي أبو بكر. إني
لأرجو أن أموت في يومي هذا فلا تمسين حتى تندب الناس مع المثنى بن حارثة، وإن
تأخرت إلى الليل لا تصبحن حتى تندب الناس معه، ولا تشغلنكم مصيبة عن دينكم، وقد
رأيتني متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف صنعت.
يقول
فيها:
- شرخا الرحل: مقدمه ومؤخره، والميس: شجر يتخذ منه الرحال، ورحل
قاتر: جيد الوقوع على ظهر البعير -:
تقول: شتان
ما هما، وشتان هما، ولا يجوز: شتان ما بينهما، إلا على قول ضعيف. وشتان: أصله شتت،
كوشكان ذا خروجاً، من وشك. وحيان
وجابر ابنا السمين الحنفيان، وكان حيان صاحب شراب ومعاقرة خمر، وكان نديم
الأعشى، وكان أخوه جابر أصغر سناً منه، فيقال: إن
حيان قال للأعشى: نسبتني إلى أخي، وهو أصغر سناً مني! فقال:
إن الروي اضطرني إلى ذلك، فقال: والله لا نازعتك
كأساً أبداً ما عشت. يقول: شتان
يومي وأنا في الهاجرة والرمضاء، أسير على كور هذه الناقة ويوم حيان وهو في سكرة
الشراب، ناعم البال، مرفه من الأكدار والمشاق. والقرو: شبه
حوض، يتخذ من جذع أو من شجر ينبذ فيه، والعاصر: الذي
يعتصر العنب. والمجدل:
الحصن المنيع. فهم
يمنونه الظفر، ويعدونه عقب الأيام، والهلاك أسرع إليه من السيل إلى قيعان الرمل،
ينام نوم الظربان ، وينتبه انتباه الذئب، همه بطنه وفرجه، لا يفكر في زوال
النعمة، ولا يروي في إمضاء رأي ولا مكيدة، قد شمر له عبد الله عن ساقه، وفوق
إليه أسد سهامه، يرميه على بعد الدار بالحتف النافذ، والموت القاصد، قد عبأ له
المنايا على متون الخيل، وناط له البلايا بأسنة الرماح وشفار السيوف، فهو كما قال الشاعر :
وأمية المذكور في هذا الشعر، هو أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن
أمية ابن عبد شمس، كان والي خراسان، وحارب الترك.
والشعر للبعيث. وقال شاعر من شعراء الشيعة:
وقد اختلف الرواة في هذه اللفظة، فكثير من الناس رواها: أقيلوني
فلست بخيركم، ومن الناس من أنكر هذه اللفظة ولم يروها، وإنما روى قوله: وليتكم ولست بخيركم. واحتج بذلك من لم يشترط الأفضلية في الإمامة. ومن رواها اعتذر لأبي
بكر فقال:
أقيلوني، ليثور ما في نفوس الناس من بيعته، ويخبر ما عندهم من ولايته، فيعلم
مريدهم وكارههم، ومحبهم ومبغضهم؛ فلما رأى النفوس إليه ساكنة، والقلوب لبيعته
مذعنة، استمر على إمارته، وحكم حكم الخلفاء في رعيته، ولم يكن منكراً منه أن
يعهد إلى من استصلحه لخلافته. وقال لهم:
فأنا كأحدكم، بل أنا أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم. فأبوا عليه وبايعوه، فكرهها أولاً، ثم عهد بها إلى الحسن عليه السلام عند موته. واعلم
أن الكلام في هذا الموضع مبني على أن الأفضلية
هل هي شرط في الإمامة أم لا؟ وقد تكلمنا في شرح الغرر
لشيخنا أبي الحسين رحمه الله تعالى في هذا البحث بما لا يحتمله هذا الكتاب.
وللناقة
أربعة أخلاف؛ خلفان قادمان وخلفان آخران، وكل
اثنين منهما شطر. وتشطرا ضرعيها اقتسما
فائدتهما ونفعهما. والضمير
للخلافة، وسمى القادمين معاً ضرعاً، وسمى الآخرين معاً ضرعاً لما كانا -
لتجاورهما، ولكونهما لا يحلبان إلا معاً - كشيء واحد. قيل:
الاعتبار مختلف؛ لأن مراده بقوله: في حوزة
خشناء، أي لا ينال ما عندها ولا يرام، قال:
إن فلاناً لخشن الجانب ووعر الجانب، ومراده بقوله: يخشن مسها، أي تؤذي وتضر
وتنكئ من يمسها؛ يصف جفاء أخلاق الوالي المذكور ونفور
طبعه وشدة بادرته. ويمكن
أن تكون من ههنا للتعليل والسببية، أي ويكثر اعتذار الناس عن أفعالهم وحركاتهم
لأجلها، قال:
أي
لأجل رسم المربع والمصيف هذه الدار وكف دمع عينيك! والصعبة
من النوق: ما لم تركب ولم ترض، إن أشنق لها راكبها بالزمام خرم أنفها،
وإن أسلس زمامها تقحم في المهالك فألقته في مهواة أو ماء أو نار، أو ندت فلن تقف
حتى ترديه عنها فهلك. وفي الحديث:
إن طلحة أنشد قصيدة فما زال شانقاً راحلته، حتى كتبت له. وأشنق
البعير نفسه، إذا رفع رأسه، يتعدى ولا تعدى، وأصله من الشناق، وهو خيط يشد به فم
القربة. فإنهم
إذا قصدوا الازدواج في الخطابة فعلوا مثل هذا، قالوا: الغدايا والعشايا، والأصل
الغدوات جمع غدوة. وقال
صلى الله عليه وسلم: " ارجعن مأزورات غير
مأجورات "، وأصله موزورات بالواو، لأنه من الوزر.
قلت:
تبين في هذا البيت فعل ماض، تبين يتبين تبيناً، واللام في لها تتعلق بتبين.
يقول: ظهر لها ما في أيدينا فساءها، وهذا البيت من قصيدة أولها:
وقد
كان زارته بنية له صغيرة اسمها هند، وهو في الحبس - حبس النعمان - ويداه
مغلولتان إلى عنقه، فأنكرت ذلك، وقالت: ما
هذا الذي في يدك وعنقك يا أبت! وبكت، فقال هذا الشعر. وقبل هذا البيت:
أي
ساءها ما ظهر لها من ذلك. ويروى: ساءها ما بنا تبين، أي ما بان وظهر، ويروى ما
بنا تبين بالرفع على أنه مضارع. وتقصع
بها: تدفع، وقد كان للرضي رحمه الله تعالى
إذا كانت الرواية قد وردت هكذا أن يحتج بها على جواز أشنق لها، فإن الفعل في
الخبر قد عدي باللام لا بنفسه.
والخبط:
السير على غير جادة، والشماس: النفار. والتلون: التبدل. والاعتراض: السير لا على خط
مستقيم، كأنه يسير عرضاً في غضون سيره طولاً، وإنما يفعل ذلك البعير الجامح
الخابط. وبعير عرضي: يعترض في مسيره؛ لأنه لم يتم
رياضته، وفي فلان عرضية، أي عجرفة وصعوبة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نبذة من أخبار عمر بن الخطاب
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكان عمر بن الخطاب
صعباً، عظيم الهيبة شديد السياسة، لا يحابي أحداً، ولا يراقب شريفاً ولا
مشروفاً. وكان أكابر الصحابة
يتحامون ويتفادون من لقائه، كان أبو سفيان بن حرب في مجلس عمر، وهناك زياد بن سمية وكثير من الصحابة ، فتكلم زياد
فأحسن - وهو يومئذ غلام - فقال علي عليه السلام - وكان
حاضراً - لأبي سفيان وهو إلى جانبه: لله هذا الغلام، لو كان قرشياً لساق العرب
بعصاه! فقال له أبو سفيان:
أما والله لو عرفت أباه لعرفت أنه من خير أهلك،
قال: ومن أبوه؟ قال: أنا وضعته والله في رحم أمه، فقال علي عليه السلام: فما يمنعك من استلحاقه؟ قال:
أخاف هذا العير الجالس علي إهابي! وقيل لابن عباس لما أظهر
قوله في العول بعد موت عمر - ولم يكن يظهره: هلا قلت هذا
وعمر حي؟ قال: هبته، وكان امرأً مهاباً. وتوعد من لجأ إلى دار
فاطمة عليها السلام من الهاشميين، وأخرجهم منها. ولولاه لم يثبت لأبي بكر أمر، ولا قامت له قائمة، وهو الذي
ساس العمال وأخذ أموالهم في خلافته، وذلك من أحسن السياسات. وذكرت أن عندك من المهاجرين
الأولين من هو خير مني، فإذا كان ذاك فوالله ما دققت لك يا أمير المؤمنين باباً،
ولا فتحت لك قفلاً. فلما قدم محمد صنع له عمرو طعاماً
ودعاه فلم يأكل، وقال: هذه تقدمة الشر، ولو جئتني بطعام الضيف لأكلت، فنح عني
طعامك، وأحضر لي مالك، فأحضره، فأخذ شطره. فلما رأى عمرو كثرة ما أخذ منه، قال: لعن الله
زماناً صرت فيه عاملاً لعمر، والله لقد رأيت عمر وأباه على كل واحد منهما عباءة
قطوانية لا تجاوز مأبض ركبتيه، وعلى عنقه حزمة حطب، والعاص بن وائل في مزررات
الديباج. فقال محمد: إيهاً
عنك يا عمرو! فعمر والله خير منك، وأما أبوك وأبوه فإنهما في النار، ولولا
الإسلام لألفيت معتلقاً شاة، يسرك غزرها، ويسوءك بكوؤها . قال: صدقت فاكتم علي. قال: أفعل. فلما قدمنا المدينة أتيت يرفأ حاجب
عمر، فقلت: يا يرفأ، مسترشد وابن سبيل! أي الهيئات أحب إلى أمير المؤمنين أن يرى
فيها عماله؟ فأومأ إلي بالخشونة، فاتخذت خفين مطارقين ، ولبست جبة صوف، ولثت
عمامتي على رأسي، ثم دخلنا على عمر فصفنا بين يديه، فصعد بصره فينا وصوب، فلم
تأخذ عينه أحداً غيري، فدعاني، فقال: من أنت؟ قلت:
الربيع بن زياد الحارثي، قال: وما تتولى من أعمالنا؟
قلت: البحرين، قال: كم ترزق؟ قلت: ألفاً،
قال : كثير، فما تصنع به؟ قلت: أتقوت منه شيئاً،
وأعود بباقيه على أقارب لي، فما فضل منهم فعلى فقراء المسلمين، قال: لا بأس،
ارجع إلى موضعك. فرجعت إلى موضعي من الصف، فصعد
فينا وصوب، فلم تقع عينه إلا علي فدعاني، فقال: كم سنك؟ قلت: خمس وأربعون، فقال:
الآن حيث استحكمت! ثم دعا بالطعام، وأصحابي حديث عهدهم بلين العيش، وقد تجوعت
له، فأتى بخبز يابس وأكسار بعير، فجعل أصحابي يعافون ذلك، وجعلت آكل فأجيد، وأنا أنظر إليه، وهو يلحظني من بينهم، ثم سبقت مني
كلمة تمنيت أني سخت في الأرض، فقلت: يا أمير
المؤمنين، إن الناس يحتاجون إلى صلاحك، فلو عمدت إلى طعامٍ ألين من هذا! فزجرني، ثم قال:
كيف قلت؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، أن تنظر إلى قوتك من الطحين فيخبز قبل إرادتك
إياه بيوم، ويطبخ لك اللحم كذلك، فتؤتى بالخبز ليناً، وباللحم غريضاً. فسكن من غربه ، وقال:
أههنا غرت !قلت: نعم، فقال: يا ربيع، إنا لو
نشاء لملأنا هذه الرحاب من صلائق وسبائك وصناب ، ولكني رأيت الله نعى على قومٍ
شهواتهم، فقال: " أذهبتم طيباتكم في حياتكم
الدنيا " ، ثم أمر أبا موسى بإقراري، وأن يستبدل بأصحابي. قال: أراكما قد
صبوتما ! قال ختنه : أرأيت إن كان هو الحق!
فوثب عليه عمر فوطئه وطئاً شديداً، فجاءت أخته فدفعته عنه، فنفحها بيده، فدمى
وجهها، ثم ندم ورق، وجلس واجماً، فخرج إليه خباب
فقال: أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله لك الليلة، فإنه لم
يزل يدعو منذ الليلة: " اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام
". اللهم هذا عمر، اللهم أعز الإسلام
بعمر"، فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. مر يوماً عمر في بعض
شوارع المدينة فناداه إنسان: ما أراك إلا تستعمل عمالك، وتعهد
إليهم العهود، وترى أن ذلك قد أجزأك. كلا والله إنك المأخوذ بهم إن لم
تتعهدهم، قال: ما ذاك؟ قال: عياض بن غنم يلبس اللين، ويأكل الطيب، ويفعل كذا
وكذا. قال: أساعٍ ؟ قال: بل مؤدٍ ما
عليه، فقال لمحمد بن مسلمة: الحق بعياض بن غنم فأتني به كما تجده، فمضى محمد بن
مسلمة حتى أتى باب عياض - وهو أمير على حمص - وإذا عليه بواب، فقال له: قل لعياض: على بابك رجل يريد أن يلقاك،
قال: ما تقول؟ قال: قل له ما أقول لك؛ فقام كالمعجب فأخبره، فعرف عياض أنه أمر
حدث، فخرج فإذا محمد بن مسلمة، فأدخله، فرأى على عياض قميصاً رقيقاً، ورداءً
ليناً، فقال: إن أمير المؤمنين أمرني ألا
أفارقك حتى آتيه بك كما أجدك. فأقدمه على عمر وأخبره أنه وجده في عيش ناعم.
فأمر له بعصا وكساء، وقال: اذهب بهذه الغنم، فأحسن رعيها، فقال: الموت أهون من
ذلك، فقال: كذبت، ولقد كان ترك ما كنت عليه أهون عليك من ذلك. فساق الغنم بعصاه،
والكساء في عنقه، فلما بعد رده، وقال: أرأيت إن رددتك إلى عملك أتصنع خيراً؟
قال: نعم والله يا أمير المؤمنين لا يبلغك مني بعدها ما تكره. فرده إلى عمله،
فلم يبلغه عنه بعدها ما ينقمه عليه. فجعل لا يمر بأحد
يقول إنه مات إلا ويخبطه ويتوعده، حتى جاء أبو بكر، فقال: أيها الناس، من كان يعبد
محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد رب محمد فإنه حي لم يمت، ثم تلا قوله تعالى: " أفإن مات
أو قتل انقلبتم على أعقابكم " ، قالوا: فوالله لكأن الناس ما سمعوا
هذه الآية حتى تلاها أبو بكر. وقال عمر: لما سمعته
يتلوها هويت إلى الأرض، وعلمت أن رسول الله قد مات. فكان عمر يحرض أبا
بكر على خالد ويشير عليه أن يقتص منه بدم مالك، فقال
أبو بكر: إيهاً يا عمر! ما هو بأول من أخطأ، فارفع لسانك عنه. ثم ودى مالكاً
من بيت مال المسلمين. لما أسر الهرمزان حمل إلى عمر من تُستر إلى المدينة، ومعه رجال المسلمين،
منهم الأحنف ابن قيس، وأنس بن مالك، فأدخلوه المدينة في هيئته وتاجه وكسوته،
فوجدوا عمر نائماً في جانب المسجد، فجلسوا عنده ينتظرون انتباهه، فقال
الهرمزان: وأين عمر؟ قالوا: ها هو ذا؛ قال: أين حرسه؟ قالوا : لا حاجب له ولا
حارس قال: فينبغي أن يكون هذا نبياً، قالوا: إنه يعمل بعمل الأنبياء. واستيقظ
عمر، فقال: الهرمزان؟ فقالوا: نعم؛ قال: لا أكلمه أو لا يبقى عليه من حليته شيء،
فرموا ما عليه، وألبسوه ثوباً صفيقاً، فلما كلمه عمر أمر أبا طلحة أن ينتضي سيفه
ويقوم على رأسه، ففعل. ثم قال له:
ما عذرك في نقض الصلح ونكث العهد؟ وقد كان الهرمزان صالح أولاً، ثم نقض وغدر،
فقال: أخبرك، قال: قل، قال: وأنا شديد العطش! فاسقني ثم أخبرك. فأحضر له ماء، فلما تناوله جعلت يده ترعد،
قال: ما شأنك؟ قال: أخاف أن أمد عنقي وأنا أشرب فيقتلني سيفك. قال: لا بأس عليك
حتى تشرب، فألقى الإناء عن يده، فقال: ما بالك؟ أعيدوا عليه الماء، ولا تجمعوا
عليه بين القتل والعطش، قال: إنك قد أمنتني، قال: كذبت! قال أنس: صدق يا أمير
المؤمنين، قال: ويحك يا أنس! أنا أؤمن قاتل مجزأة بن ثور والبراء بن مالك !
والله لتأتيني بالمخرج أو لأعاقبنك، قال: أنت يا أمير المؤمنين قلت: لا بأس عليك
حتى تشرب. وقال له ناس من المسلمين مثل قول أنس، فقال للهرمزان: ويحك! أتخدعني! والله لأقتلنك إلا أن
تسلم، ثم أومأ إلى أبي طلحة، فقال الهرمزان: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمداً رسول الله، فأمنه وأنزله المدينة. وفي الصحيح:
إن نسوةً كن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كثر لغطهن، فجاء عمر فهربن
هيبة له، فقال لهن: يا عديات أنفسهن، أتهبنني ولا تهبن
رسول الله! قلن: نعم، أنت أغلظ وأفظ. ومر يوماً بشاب من فتيان الأنصار
وهو ظمآن، فاستسقاه، فجدح له ماء بعسل فلم يشربه، وقال: إن الله تعالى يقول: " أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا "
فقال له الفتى: يا أمير المؤمنين، إنها ليست لك ولا لأحد من هذه القبيلة، اقرأ
ما قبلها: " ويوم يعرض الذين كفروا على النار
أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا " ، فقال عمر: كل الناس أفقه من
عمر! وقيل: إن عمر
كان يعس بالليل، فسمع صوت رجل وامرأة في بيت، فارتاب فتسور الحائط، فوجد امراة ورجلاً، وعندهما زق خمر، فقال: يا عدو
الله، أكنت ترى أن الله يسترك وأنت على معصيته! قال: يا
أمير المؤمنين، إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث، قال الله
تعالى: " ولا
تجسسوا " ، وقد تجسست. وقال: " وأتوا البيوت من أبوابها " وقد تسورت، وقال: "
فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا " ، وما سلمت! وقال: متعتان
كانتا على عهد رسول الله وأنا محرمهما، ومعاقب عليهما:
متعة النساء ومتعة الحج. وهذا الكلام وإن كان
ظاهره منكراً فله عندنا مخرج وتأويل، وقد ذكره أصحابنا الفقهاء في كتبهم. وكان
في أخلاق عمر وألفاظه جفاء وعنجهية ظاهرة،
يحسبه السامع لها أنه أراد بها ما لم يكن قد أراد، ويتوهم من تحكى له أنه قصد
بها ظاهراً ما لم يقصده، فمنها الكلمة التي قالها
في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومعاذ
الله أن يقصد بها ظاهرها! ولكنه أرسلها على مقتضى خشونة غريزته، ولم يتحفظ منها. وكان الأحسن أن يقول: مغمور أو مغلوب بالمرض، وحاشاه
أن يعني بها غير ذلك! ولجفاة
الأعراب من هذا الفن كثير، سمع سليمان بن عبد الملك أعرابياً يقول في سنة قحط:
فقال سليمان:
أشهد أنه لا أب له ولا صاحبة ولا ولد، فأخرجه أحسن مخرج.
الأصل:
حتى إذا مضى لسبيله، جعلها في ستةٍ زعم أني أحدهم، فيا لله وللشورى! متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه
النظائر! لكني أسففت إذ أسفوا، وطرت إذ طاروا، فصغا رجل منهم لضغنه، ومال
الآخر لصهره، مع هنٍ وهنٍ. الشرح:
اللام في يا لله مفتوحة، واللام في وللشورى مكسورة؛ لأن الأولى للمدعو، والثانية
للمدعو إليه، قال :
اللام
في للرجال مفتوحة، وفي ليوم مكسورة. وأسف
الرجل، إذا دخل في الأمر الدنيء، أصله من أسف الطائر إذا دنا من الأرض في
طيرانه. والضغن: الحقد. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ما هي قصة الشورى
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وصورة هذه الواقعة أن عمر لما طعنه
أبو لؤلؤة، وعلم أنه ميت، استشار فيمن يوليه الأمر بعده، فأشير عليه بابنه عبد الله، فقال: لا ها الله إذاً! لا يليها
رجلان من ولد الخطاب! حسب عمر ما حمل! حسب عمر ما احتقب، لا ها الله! لا أتحملها
حياً وميتاً! ثم قال:
إن رسول الله مات وهو راض عن هذه الستة من قريش:
علي، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وقد رأيت أن أجعلها شورى بينهم فليختاروا لأنفسهم. ثم قال:
إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني - يعني أبا بكر - وإن أترك فقد ترك من هو
خير مني - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثم قال: ادعوهم لي، فدعوهم،
فدخلوا عليه، وهو ملقىً على فراشه يجود بنفسه. فقال عمر: أفلا
أخبركم عن أنفسكم! قال: قل، فإنا لو استعفيناك لم تعفنا، فقال: أما أنت يا زبير
فوعق لقس ، مؤمن الرضا كافر الغضب، يوماً
إنسان ويوماً شيطان، ولعلها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مد من
شعير! أفرأيت إن أفضت إليك! فليت شعري، من
يكون للناس يوم تكون شيطاناً، ومن يكون يوم تغضب! وما كان الله ليجمع لك أمر هذه
الأمة، وأنت على هذه الصفة. قال أبو عثمان
أيضاً: لو قال لعمر قائل: أنت قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو
راض عن الستة، فكيف تقول الآن لطلحة إنه مات عليه السلام ساخطاً عليك للكلمة
التي قلتها! لكان قد رماه بمشاقصه ، ولكن من الذي يجسر على عمر أن يقول له ما
دون هذا، فكيف هذا! قال: ثم أقبل على سعد بن أبي وقاص فقال: إنما أنت صاحب مقنب من هذه
المقانب، تقاتل به، وصاحب قنص وقوس وأسهم، ومازهرة
والخلافة وأمور الناس! ثم أقبل على عبد الرحمن
بن عوف، فقال: وأما أنت يا عبد الرحمن،
فلو وزن نصف إيمان المسلمين بإيمانك لرجح إيمانك به، ولكن ليس يصلح هذا الأمر
لمن فيه ضعف كضعفك، وما زهرة وهذا الأمر! ثم
أقبل على علي عليه السلام، فقال: لله أنت لولا دعابة فيك! أما
والله لئن وليتهم لتحملنهم على الحق الواضح، والمحجة البيضاء. والله لئن فعلوا لتفعلن،
ولئن فعلت ليفعلن. ثم أخذ بناصيته، فقال: فإذا كان ذلك فاذكر قولي، فإنه كائن. وذكر أبو عثمان في هذا الكتاب عقيب رواية هذا
الخبر قال: وروى معمر بن سليمان التيمي عن
أبيه عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس، قال: سمعت عمر
بن الخطاب يقول لأهل الشورى: إنكم إن تعاونتم وتوازرتم وتناصحتم أكلتموها
وأولادكم، وإن تحاسدتم وتقاعدتم وتدابرتم وتباغضتم، غلبكم على هذا الأمر معاوية
بن أبي سفيان، وكان معاوية حينئذ أمير الشام. ثم قال: ادعوا إلي أبا طلحة الأنصاري، فدعوه له فقال: انظر يا أبا طلحة،
إذا عدتم من حفرتي، فكن في خمسين رجلاً من الأنصار
حاملي سيوفكم، فخذ هؤلاء النفر بإمضاء المر وتعجيله، واجمعهم في بيت، وقف بأصحابك على باب البيت ليتشاوروا
ويختاروا واحداً منهم، فإن اتفق خمسة وأبى واحد فاضرب
عنقه، وإن اتفق أربعة وأبى اثنان فاضرب
أعناقهما، وإن اتفق ثلاثة وخالف ثلاثة، فانظر
الثلاثة التي فيها عبد الرحمن، فارجع إلى ما قد اتفقت عليه، فإن أصرت
الثلاثة الأخرى على خلافها فاضرب أعناقها، وإن مضت
ثلاثة أيام ولم يتفقوا على أمرٍ، فاضرب أعناق الستة، ودع المسلمين
يختاروا لأنفسهم. فقال الزبير في معارضته:
وأنا أشهدكم على نفسي أني قد وهبت حقي من الشورى لعلي، وإنما
فعل ذلك لأنه لما رأى علياً قد ضعف وانخزل بهبة طلحة حقه لعثمان، ودخلت حمية
النسب، لأنه ابن عمة أمير المؤمنين عليه السلام، وهي صفية بنت عبد
المطلب، وأبو طالب خاله. وإنما مال طلحة إلى
عثمان لانحرافه عن علي عليه السلام، باعتبار أنه
تيمي، وابن عم أبي بكر الصديق، وقد كان حصل في نفوس بني هاشم من تيم حنق
شديد لأجل الخلافة، وكذلك صار في صدور تيم على بني
هاشم، وهذا أمر مركوز في طبيعة البشر، وخصوصاً طينة العرب وطباعها، والتجربة إلى
الآن تحقق ذلك، فبقي من الستة أربعة. قال عبد الرحمن لعلي وعثمان:
أيكما يخرج نفسه عن الخلافة، ويكون إليه الاختيار في الاثنين الباقيين؟ فلم
يتكلم منهما أحد، فقال عبد الرحمن: أشهدكم أنني
قد أخرجت نفسي من الخلافة على أن أختار أحدهما، فأمسكا. فبدأ بعلي عليه
السلام، وقال له: أبايعك على كتاب الله، وسنة رسول الله، وسيرة الشيخين: أبي بكر
وعمر. فقال: بل على كتاب الله وسنة رسوله
واجتهاد رأيي. فعدل عنه إلى عثمان، فعرض ذلك عليه، فقال: نعم، فعاد إلى علي
عليه السلام، فأعاد قوله؛ فعل ذلك عبد الرحمن ثلاثاً، فلما رأى أن علياً غير
راجع عما قاله، وأن عثمان ينعم له بالإجابة، صفق على يد عثمان، وقال: السلام
عليك يا أمير المؤمنين، فيقال: إن علياً عليه
السلام قال له: والله ما فعلتها إلا لأنك رجوت
منه ما رجا صاحبكما من صاحبه، دق الله بينكما عطر منشم . أما قوله عليه السلام:
فصغا منهم رجل لضغنه، فإنه يعني طلحة، وقال القطب الراوندي: يعني سعد بن أبي وقاص؛ لأن علياً
عليه السلام قتل أباه يوم بدر. وهذا خطأ فإن أباه أبو وقاص، واسمه مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن
كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب؛ مات في الجاهلية
حتف أنفه . فقال علي عليه السلام:
وأنا أعلم ذلك، ولكني أدخل معهم في الشورى، لأن عمر قد أهلني الآن للخلافة، وكان قبل ذلك يقول: إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: إن
النبوة والإمامة لا يجتمعان في في بيت واحد، فأنا أدخل في ذلك لأظهر للناس
مناقضة فعله لروايته. وهذه الرواية التي اختارها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب
التاريخ قال:
لما طعن عمر قيل له: لو استخلفت يا أمير
المؤمنين! فقال: من أستخلف؟ لو كان أبو
عبيدة حياً لاستخلفته وقلت لربي لو سألني: سمعت نبيك يقول: " أبو عبيدة
أمين هذه الأمة " ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً استخلفته، وقلت لربي إن سألني: سمعت بنيك عليه السلام يقول:
"سالماً شديد الحب لله "، فقال له رجل: ول
عبد الله بن عمر، فقال: قاتلك الله! والله
ما الله أردت بهذا الأمر! ويحك! كيف أستخلف
رجلاً عجز عن طلاق امرأته! لا أرب لعمر في خلافتكم، ما حمدتها فأرغب فيها لأحد
من أهل بيتي؛ إن تك خيراً فقد أصبنا منه، وإن تك شراً يصرف عنا. حسب
آل عمر أن يحاسب منهم رجل واحد، ويسأل عن أمر أمة محمد. قال: وما علمك؟ قال: قرن بي عثمان. وقال عمر:
كونوا مع الأكثر، فإن رضي رجلان رجلاً ورجلان رجلاً، فكونوا مع الذين فيهم عبد
الرحمن، فسعد لا يخالف ابن عمه، وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفان، فيوليها
أحدهما الآخر، فلو كان الآخران معي لم يغنيا شيئاً. فقال العباس: لم
أدفعك إلى شيء إلا رجعت إلي مستأخراً بما أكره، أشرت عليك عند مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسأله عن هذا الأمر فيمن هو
فأبيت، وأشرت عليك عند وفاته أن تعاجل البيعة فأبيت، وقد أشرت عليك حين سماك عمر
في الشورى اليوم أن ترفع نفسك عنها، ولا تدخل معهم فيها فأبيت، فاحفظ عني واحدة؛
كلما عرض عليك القوم الأمر فقل: لا، إلا أن
يولوك. واعلم أن هؤلاء لا يبرحون يدفعونك عن هذا الأمر حتى يقوم لك به غيرك،
وايم الله لا تناله إلا بشر لا ينفع معه خير. فقال عليه السلام: أما إني أعلم أنهم سيولون عثمان
وليحدثن البدع والأحداث، ولئن بقي لأذكرنك، وإن قتل ليتداولنها بنو أمية بينهم،
وإن كنت حياً لتجدني حيث تكرهون، ثم تمثل:
قال:
ثم التفت فرأى أبا طلحة الأنصاري، فكره مكانه، فقال
أبو طلحة: لا ترع أبا حسن. فلما مات عمر ودفن وخلوا
بأنفسهم للمشاورة في الأمر، وقام أبو طلحة يحجبهم بباب البيت، جاء عمرو بن العاص
والمغيرة بن شعبة، فجلسا بالباب، فحصبهما سعد وأقامهما، وقال: إنما تريدان أن
تقولا حضرنا وكنا في أصحاب الشورى. فتنافس القوم وكثر في الأمر وكثر
بينهم الكلام، فقال أبو طلحة: أنا كنت لأن
تدافعوها أخوف مني عليكم أن تنافسوها! أما والذي ذهب بنفس عمر لا أزيدكم على
الأيام الثلاثة التي وقفت لكم، فاصنعوا ما بدا لكم! قال: ثم
إن عبد الرحمن قال لابن عمه سعد بن أبي وقاص: إني قد كرهتها، وسأخلع نفسي
منها، لأني رأيت الليلة روضة خضراء كثيرة العشب، فدخل فحل ما رأيت أكرم منه، فمر
كأنه سهم لم يلتفت إلى شيء منها حتى قطعها، لم يعرج، ودخل بعير يتلوه تابع أثره،
حتى خرج منها. ثم دخل فحل عبقري يجر خطامه، ومضى
قصد الأولين، ثم دخل بعير رابع، فوقع في الروضة يرتع ويخصم. ولا والله لا أكون
الرابع: وإن أحداً لا يقوم مقام أبي بكر وعمر فيرضى الناس عنه. قال
علي عليه السلام لسعد ابن أبي وقاص: يا سعد، " اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام "،
أسألك برحم ابني هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبرحم عمي حمزة منك، ألا
تكون مع عبد الرحمن لعثمان ظهيراً. فقال عمار بن ياسر: إن
أردت ألا يختلف الناس، فبايع علياً عليه السلام،
فقال المقداد: صدق عمار، وإن بايعت علياً سمعنا وأطعنا. فقال عبد الله بن أبي
سرح:
إن أردت ألا تختلف قريش، فبايع عثمان. وقال عبد الله ابن
أبي ربيعة المخزومي: صدق، إن بايعت عثمان سمعنا
وأطعنا. فشتم عمار ابن
أبي سرح، وقال له: متى كنت تنصح الإسلام! فتكلم
بنو هاشم وبنو أمية، وقام عمار فقال: أيها الناس، إن اله أكرمكم بنبيه،
وأعزكم بدينه، فإلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بين نبيكم! فقال رجل من بني مخزوم: لقد
عدوت طورك يابن سمية، وما أنت وتأمير قريش لأنفسها! فقال
سعد: يا عبد الرحمن، افرغ من أمرك قبل أن يفتتن الناس. فحينئذ عرض عبد الرحمن على علي عليه السلام
العمل بسيرة الشيخين، فقال: بل أجتهد برأيي. فبايع عثمان بعد أن عرض
عليه فقال: نعم. فقال علي عليه السلام: ليس هذا بأول يوم تظاهرتم فيه
علينا، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون؛ والله ما وليته الأمر إلا ليرده
إليك، والله كل يوم في شأن. فقال المقداد: تالله
ما رأيت مثل ما أتى إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم، واعجباً
لقريش! لقد تركت رجلاً ما أقول ولا أعلم أن أحداً أقضى بالعدل ولا أعلم ولا
أتقى منه! أما والله لو أجدنا أعواناً! فقال عبد الرحمن: اتق
الله يا مقداد، فإني خائف عليك الفتنة. الحمد
لله الذي اختار محمداً منا نبياً، وابتعثه إلينا رسولاً، فنحن أهل بيت النبوة
ومعدن الحكمة؛ أمان لأهل الأرض، ونجاة لمن طلب؛ إن لنا حقاً إن نعطه نأخذه، وإن
نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السرى، لو عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عهداً لأنفذنا عهده، ولو قال لنا
قولاً لجالدنا عليه حتى نموت. لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حقٍ وصلة رحم، ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اسمعوا كلامي، وعوا منطقي، عسى أن تروا هذا
الأمر بعد هذا الجمع تنتضى فيه السيوف، وتخان فيه العهود؛ حتى لا يكون لكم
جماعة، وحتى يكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة وشيعة لأهل الجهالة. أرسل عبد الرحمن إلى عثمان يعاتبه وقال لرسوله: قل له: لقد وليتك ما وليتك من أمر
الناس، وإن لي لأموراً ما هي لك: شهدت بدراً وما شهدتها، وشهدت بيعة الرضوان وما
شهدتها، وفررت يوم أحد وصبرت، فقال عثمان لرسوله:
قل له: أما بدر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردني إلى ابنته لما بها من المرض، وقد كنت خرجت للذي خرجت
له، ولقيته عند منصرفه، فبشرني بأجرٍ مثل أجوركم، وأعطاني سهماً مثل سهامكم.
وأما بيعة الرضوان فإنه صلى الله عليه وسلم بعثني
أستأذن قريشاً في دخوله إلى مكة، فلما قيل له:
إني قتلت، بايع المسلمين على الموت لما سمعه عني، وقال:
إن كان حياً فأنا أبايع عنه، وصفق بإحدى يديه على الأخرى، وقال: يساري خير من يمين عثمان، فيدك أفضل أم يد
رسول الله صلى الله عليه وسلم! وأما
صبرك يوم أحد وفراري، فلقد كان ذلك، فأنزل الله تعالى العفو عني في كتابه،
فعيرتني بذنب غفره الله لي، ونسيت من ذنوبك ما لا تدري أغفر أم لم يغفر! لما بنى
عثمان قصره طمار بالزوراء ، وصنع طعاماً كثيراً، ودعا الناس إليه، كان فيهم عبد الرحمن فلما نظر للبناءوالطعام قال:
يابن عفان، لقد صدقنا عليك ما كنا نكذب فيك، وإني أستعيذ بالله من بيعتك، فغضب
عثمان، وقال: أخرجه عني يا غلام، فأخرجوه، وأمر الناس ألا يجالسوه، فلم يكن
يأتيه أحد إلا ابن عباس، كان يأتيه فيتعلم منه القرآن والفرائض. ومرض عبد الرحمن
فعاده عثمان وكلمه فلم يكلمه حتى مات. والنثيل:
الروث. والمعتلف: موضع العلف، يريد أن همه الأكل والرجيع، وهذا من ممض الذم،
وأشد من قول الحطيئة الذي قيل: أنه أهجى بيت للعرب:
والخضم:
أكل بكل الفم، وضده القضم، وهو الأكل بأطراف الأسنان، وقيل:
الخضم أكل الشيء الرطب، والقضم أكل الشيء اليابس، والمراد على التفسيرين لا
يختلف، وهو أنهم على قدم عظيمة من النهم وشدة الأكل وامتلاء الأفواه. وقال أبو ذر رحمه
الله تعالى عن بني أمية: يخضمون ونقضم، والموعد الله. والماضي خضمت
بالكسر، ومثله قضمت. يقال: أجهزت على الجريح، مثل ذففت، إذا أتممت
قتله وكبت به بطنته، كبا الجواد، إذا سقط والبطنة: الإسراف في الشبع. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نبذة من أخبار عثمان بن عفان
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وثالث القوم هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس
بن مناف، كنيته أبو عمرو، وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس.
الأمينان: أبو بكر وعمر. والله لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيراً، فقال:
ألق بالمفاتيح يابن أرقم، فإنا سنجد غيرك. وأنكح الحارث بن الحكم ابنته عائشة، فأعطاه
مائة ألف من بيت المال أيضاً بعد صرفه زيد بن أرقم
عن خزنه. والذي نقول نحن: إنها وإن كانت أحداثاً، إلا أنها
لم تبلغ المبلغ الذي يستباح به دمه، وقد كان الواجب عليهم أن يخلعوه من الخلافة
حيث لم يستصلحوه لها، ولا يعجلوا بقتله، وأمير المؤمنين عليه السلام أبرأ الناس من دمه،
وقد صرح بذلك في كثير من كلامه؛ من ذلك قوله عليه
السلام: والله ما قتلت عثمان ولا مالأت على
قتله. فلما
نهضت بالأمر نكثت طائفة، ومرقت أخرى، وفسق آخرون، كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث
يقول: " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا
يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين " ؛ بلى والله
لقد سمعوها ووعوها، ولكنهم حليت الدنيا في أعيينهم، وراقهم زبرجها. والحسنان: الحسن
والحسين عليه السلام. والعطفان:
الجانبان من المنكب إلى الورك؛ ويروى عطافي، والعكاف: الرداء وهو أشبه بالحال؛
إلا أن الرواية الأولى أشهر، والمعنى خدش جانباي لشدة الإصطكاك منهم والزحام. وقال القطب
الرواندي: الحسنان:
إبهاما الرجل؛ وهذا لا أعرفه. وهذا التفسير بعيد
وغير مناسب للحال. وسماهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم القاسطين. وأما الطائفة
المارقة فأصحاب النهروان ؛ وأشرنا نحن بقولنا: سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القاسطين
إلى قوله عليه السلام: "
ستقاتل بعدي الناكثين، والقاسطين والمارقين ". وهذا الخبر من دلائل
نبوته صلوات الله عليه،
لأنه
إخبار صريح بالغيب، لا يحتمل التمويه والتدليس كما تحتمله الخبار المجملة، وصدق قوله عليه
السلام:
" والمارقين "، قوله أولاً في الخوارج:
" يمرقون من الدين كما يمرق السهم من
الرمية"، وصدق قوله عليه السلام: " الناكثين " كونهم نكثوا البيعة بادئ بدء، وقد كان عليه السلام يتلو
وقت مبايعتهم له: " فمن نكث فإنما ينكث على نفسه
" . والزبرج: الزينة من وشيٍ أو غيره،
ويقال: الزبرج: الذهب. ويقال:
إن عمر بن عبد العزيز كان يرددها حتى قبض. والكظة بكسر الكاف: ما
يعتري الإنسان من الثقل والكرب عند الإمتلاء من الطعام. والسغب: الجوع. وقولهم: قد ألقى فلان حبل فلان على
غاربه، أي تركه هملاً يسرح حيث يشاء من غير وازع ولا مانع؛ والفقهاء يذكرون هذه
اللفظة في كنايات الطلاق. وعفطة عنز: ما تنثره من انفها،
عفطت تعفط بالكسر؛ وأكثر ما يستعمل ذلك في النعجة. فأما العنز فالمستعمل الأشهر فيها
النفطة بالنون، ويقولون: ما له عافط ولا
نافط، أي نعجة ولا عنز، فإن قيل: أيجوز أن يقال
العفطة ههنا الحبقة؟ فإن ذلك يقال في العنز خاصة، عفطت تعفط. قيل:
ذلك جائز، إلا أن الأحسن والأليق بكلام أمير
المؤمنين عليه السلام التفسير الأول؛ فإن جلالته وسؤدده تقتضي أن يكون ذاك أراد لا الثاني. فإن صح
أنه لا يقال في العطسة عفطة إلا للنعجة. قلنا:
إنه استعمله في العنز مجازاً. قال ابن عباس: فوالله
ما أسفت على كلامٍ قط كأسفي على هذا الكلام ألا يكون أمير المؤمنين بلغ منه حيث
أراد. وإنما قال عليه السلام: أشنق لها، ولم يقل أشنقها لأنه جعله في مقابلة قوله: أسلس لها، فكأنه قال:
إن رفع لها رأسها بالزمام يعني أمسكه عليها. وفي
الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب على ناقة وقد شنق عليها فهي تقصع
بجرتها.
الشرح: سمي
السواد سواداً لخضرته بالزروع والأشجار والنخل، والعرب تسمي الأخضر أسود، قال
سبحانه: " مدهامتان " يريد
الخضرة. وقوله : لو اطردت مقالتك، أي اتبعت الأول
قولاً ثانياً! من قولهم اطرد النهر، إذا تتابع جريه. والشقشقة، بالكسر
فيهما: شيء يخرجه البعير من فيه إذا هاج، وإذا قالوا للخطيب: ذو شقشقة فإنما
شبهوه بالفحل. والهدير: صوتها. قال: فقلت له: أتقول له: أتقول إنها منحولة! فقال: لا
والله، وإني لأعلم أنها كلامه، كما أعلم أنك مصدق. قال: إن كثيراً من الناس يقولون إنها من كلام الرضي رحمه الله
تعالى. ثم قال:
والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صنفت قبل أن
يخلق الرضي بمائتي سنة، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها، وأعرف خطوط من
هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضي. ووجدت أيضاً كثيراً منها في كتاب أبي جعفر بن قبة أحد متكلمي
الإمامية وهو الكتاب المشهور المعروف بكتاب الإنصاف. وكان أبو جعفر هذا من
تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي رحمه الله تعالى، ومات في ذلك العصر قبل أن يكون
الرضي رحمه الله تعالى موجوداً. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في هداية الناس وكمال يقينه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
بنا اهتديتم في الظلماء، وتسنمتم العلياء. وبنا انفجرتم عن السرار. من وثق بماءٍ لم
يظمأ. الشرح:
هذه الكلمات والأمثال ملتقطة من خطبة طويلة منسوبة عليه
السلام، قد زاد فيها قوم أشياء حملتهم عليها أهواؤهم، لا توافق ألفاظها
طريقته عليه السلام في الخطب، ولا تناسب فصاحتها فصاحته، ولا حاجة إلى ذكرها فهي
شهيرة. ونحن نشرح هذه
الألفاظ، لأنها كلامه عليه السلام، لا يشك في ذلك من له ذوق ونقد ومعرفة بمذاهب
الخطباء والفصحاء في خطبهم ورسائلهم، ولأن
الرواية لها كثيرة، ولأن الرضي رحمة الله تعالى
عليه قد التقطها ونسبها عليه السلام، وصححها وحذف ما عداها. وروي أفجرتم، وهو
أفصح وأصح، لأن انفعل لا يكون إلا مطاوع فعل،
نحو كسرته فانكسر، وحطمته فانحطم، إلا ما شذ من قولهم: أغلقت الباب فانغلق
وأزعجته فانزعج. وأيضاً فلا يقع إلا حيث يكون علاج وتأثير، نحو انكسر وانحطم، ولهذا قالوا: إن قولهم: انعدم خطأ، وأما أفعل
فيجيء لصيرورة الشيء على حال وأمر، نحو أغد البعير، أي صار ذا غدة، وأجرب الرجل،
إذا صار ذا إبلٍ جربى. وغير ذلك. فأفجرتم؛ أي صرتم ذوي فجر. والواعية: الصارخة، من الوعاء ،
وهو الجلبة والأصوات، والمراد العبر والمواعظ. والنبأة: هي الصوت الخفي. وقالوا: أحييت الأرض، إذا وجدتها
حية النبات، فقوله: أصمته الصيحة، ليس معناه أن الصيحة كانت علة لصممه، بل معناه
صادفته أصم، وبهذا تأول أصحابنا قوله تعالى: "
وأضله الله على علمٍ" . كما يقال:
المؤمن يبصر بنور الله. ويحتمل أن يريد: سترني
عنكم جلباب ديني، ومنعني أن أعرفكم نفسي وما أقدر عليه من عسفكم، كما تقول لمن
استهان بحقك: أنت لا تعرفني ولو شئت لعرفتك نفسي. وأيضاً فإنه حكم بأن صدق النية هو
علة التبصير، وأعداؤه لم يكن فيهم صادق النية، وظاهر الكلام الحكم والقطع، لا
التعليق بالشرط. قوله:
أقمت عليكم على سنن الحق، يقال: تنح عن سنن الطريق وسنن الطريق بفتح السين
وضمها، فالأول مفرد والثاني جمع سنة، وهي
جادة الطريق والواضح منها. وأرض مضلة ومضلة، بفتح الضاد وكسرها: يضل
سالكها. وأماه المحتفر يميه، أنبط الماء. يقول:
فعلت من إرشادكم وأمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر ما يجب على مثلي، فوقفت لكم
على جادة الحق ومنهجه، حيث طرق الضلال كثيرة مختلفة من سائر جهاتي، وأنتم تائهون
فيها تلتقون، ولا دليل لكم، وتحتفرون لتجدوا ماء تنقعون به غلتكم فلا تظفرون
بالماء، وهذه كلها استعارات. والعجماء:
التي لا نطق لها، وهذا إشارة إلى الرموز التي تتضمنها هذه الخطبة، يقول: هي خفية غامضة، وهي مع غموضها جلية لأولي
الألباب، فكأنها تنطق كما ينطق ذوو الألسنة، كما قيل: ما الأمورالصامتة الناطقة؟
فقيل: الدلائل المخبرة والعبر الواعظة. وفي
الأثر: سل الأرض: من شق أنهارك، وأخرج ثمارك؟ فإن لم تجبك حواراً، أجابتك
اعتباراً. ويحتمل أن يكون هذا الكلام إخباراً وأن يكون
دعاء، كما أن قوله تعالى: " حصرت صدورهم
" يحتمل الأمرين.
والصائم
في شهر رمضان يصبح جائعاً تنازعه نفسه إلى الغذاء، وفي أيام الفطر لا يجد تلك
المنازعة في مثل ذلك الوقت، لأن الصائم ممنوع، والنفس تحرص على طلب ما منعت منه؛
يقول: إن وثقتم بي وسكنتم إلى قولي كنتم
أبعد عن الضلال وأقرب إلى اليقين وثلج النفس، كمن وثق بأن الماء في إداوته، يكون
عن الظمأ وخوف الهلاك من العطش أبعد ممن لم يثق بذلك. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلامه لما قبض رسول الله ص وخاطبه
العباس وأبو سفيان بن حرب في أن يبايعا له بالخلافة : |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
أيها الناس؛ شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وعرجوا عن طريق النافرة، وضعوا تيجان
المفاخرة. أفلح من نهض بجناحٍ، أو استسلم فأراح. ماء آجن، ولقمة يغص بها آكلها.
ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزراع بغير أرضه، فإن أقل يقولوا: حرص على
الملك، وإن أسكت يقولوا: جزع من الموت. والماء الآجن:
المتغير الفاسد، أجن الماء، بفتح الجيم، يأجِن ويأجُن، بالكسر والضم. والإيناع:
إدراك الثمرة، واللتيا: تصغير التي، كما أن اللذيا تصغير الذي. واندمجت: انطويت. والطوي:
البئر المطوية بالحجارة. يقول: تخلصوا عن الفتنة وانجوا منها بالمتاركة
والمسالمة والعدول عن المنافرة والمفاخرة. أفلح
من نهض بجناح، أي مات؛ شبه الميت المفارق
للدنيا بطائر نهض عن الأرض بجناحه. ويحتمل أن يريد بذلك: أفلح من اعتزل هذا العالم، وساح في الأرض منقطعاً عن
تكاليف الدنيا. ويحتمل أيضاً أن يريد: أفلح من نهض في طلب الرئاسة بناصر ينصره، وأعوان يجاهدون
بين يديه؛ وعلى التقادير كلها تنطبق اللفظة الثانية، وهي
قوله: أو استسلم فأراح، أي أراح نفسه باستسلامه. ويجوز ألا يكون عن الإمرة المطلقة؛ بل هي
الإمرة المخصوصة، يعني بيعة السقيفة . ثم قال: اللتيا
والتي، أي: أبعد اللتيا والتي أجزع! أبعد أن قاسيت الأهوال الكبار
والصغار، ومنيت بكل داهية عظيمة وصغيرة! فاللتيا للصغيرة و التي للكبيرة. إنه قد كان من جملتها الأمر بترك النزاع في مبدأ الاختلاف عليه. وكذلك قوله: وضعوا تيجان المفاخرة، لأن التاج
لما كان مما يعظم به قدر الإنسان من الافتخار وذكر القديم و كذلك استعارة النهوض بالجناح لمن اعتزل الناس،
كأنه لما نفض يديه عنهم صار كالطائر الذي ينهض من الأرض بجناحيه.
وكذلك
قوله:
وقول
أبي تمام:
وكقوله:
فإنه
لا مناسبة بين الرجل والمال، ولا بين الصوت والمال، ولا معنى لتصييره للنوى
قداً، ولا للعرض كعباً، ولا للمال خداً، وقريب منه أيضاً قوله:
ويقال: إن
مخلداً الموصلي بعث إليه بقارورة يسأله أن يبعث له فيها قليلاً من ماء الملام، فقال لصاحبه: قل له يبعث إلي بريشة من جناح الذل
لأستخرج بها من القارورة ما أبعثه إليه. ومن الاستعارة المستحسنة في الكلام المنثور، ما اختاره قدامة بن جعفر في كتاب
الخراج نحو قول أبي الحسين جعفر بن محمد ثوابة في جوابه لأبي الجيش خمارويه بن
أحمد بن طولون عن المعتضد بالله، لما كتب بإنفاذ ابنته قطر الندى التي تزوجها
المعتضد، وذلك قول ابن ثوابة هذا: وأما
الوديعة فهي بمنزلة ما انتقل من شمالك إلى يمينك، عنايةً بها وحياطة لها،
ورعايةً لمودتك فيها. وقال ابن ثوابة لما
كتب هذا الكتاب لأبي القاسم عبيد الله بن سليمان بن وهب وزير المعتضد:
والله إن تسميتي إياها بالوديعة نصف البلاغة. قال: وعرجوا عن طريق المنافرة. أيها الناس شقوا أمواج الفتن...
الخطبة. ثم نهض إلى منزله وافترق القوم. وقال البراء بن عازب
:
لم أزل لبني هاشم محباً، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم خفت أن تتمالأ
قريش على إخراج هذا الأمر عنهم، فأخذني ما يأخذ الوالهة العجول، مع ما في نفسي
من الحزن لوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت أتردد إلى بني هاشم وهم عند
النبي صلى الله عليه وسلم في الحجرة، وأتفقد وجوه قريش، فإني كذلك إذ فقدت أبا
بكر وعمر، وإذا قائل يقول: القوم في سقيفة بني ساعدة، وإذا
قائل آخر يقول: قد بويع أبو بكر، فلم ألبث؛ وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل
ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة، وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا
يمرون بأحد إلا خبطوه، وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه، شاء ذلك
أو أبى؛ فأنكرت عقلي، وخرجت أشتد حتى انتهيت إلى بني هاشم، والباب مغلق، فضربت
عليهم الباب ضرباً عنيفاً وقلت: قد بايع الناس لأبي بكر بن أبي قحافة. فقال العباس:
تربت أيديكم إلى آخر الدهر، أما إني قد أمرتكم
فعصيتموني. فمكثت أكابد ما في نفسي،
ورأيت في الليل المقداد وسلمان وأبا ذر وعبادة بن الصامت وأبا الهيثم بن التيهان
وحذيفة وعماراً، وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين. وما أنفك يبلغني عن طاعن يقول بخلاف قول عامة
المسلمين، يتخذكم لجأ فتكونون حصنه المنيع، وخطبه البديع، فإما دخلتم فيما دخل
فيه الناس، أو صرفتموهم عما مالوا إليه. فقد جئناك، ونحن نريد أن نجعل لك
في هذا المر نصيباً ولمن بعدك من عقبك، إذ كنت عم رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان المسلمون قد رأوا مكانك من رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ومكان أهلك، ثم عدلوا بهذا الأمر عنكم. وعلى رسلكم بني هاشم؛ فإن رسول الله صلى الله
عليه وسلم منا ومنكم. وأخرى:
إنا لم نأتكم حاجةً إليكم، ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون
منكم، فيتفاقم الخطب بكم وبهم. فانظروا لأنفسكم ولعامتهم. ثم سكت. وما أبعد قولك: إنهم
طعنوا من قولك إنهم مالوا إليك! وأما ما بذلت لنا،
فإن يكن حقك أعطيتناه فأمسكه عليك، وإن يكن
حق المؤمنين فليس لك أن تحكم فيه، وإن يكن
حقنا لم نرض لك ببعضه دون بعض. وما أقول هذا أروم صرفك عما دخلت فيه، ولكن
للحجة نصيبها من البيان. وأما قولك:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ومنكم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم من
شجرة نحن أغصانها، وأنتم جيرانها. وأما قولك يا عمر:
إنك
تخاف الناس علينا، فهذا الذي قدمتوه أول ذلك، وبالله المستعان. لما اجتمع المهاجرون على بيعة أبي بكر، أقبل أبو سفيان وهو يقول: أما والله إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا
الدم، يا لعبد مناف، فيم أبو بكر من أمركم! أين المستضعفان؟ أين الأذلان؟ يعني
علياً والعباس. ما
بال هذا الأمر في أقل حي من قريش. ثم قال لعلي:
ابسط يدك أبايعك، فوالله لأملأنها على أبي فصيل -
يعني أبا بكر - خيلاً ورجلاً. فامتنع عليه علي عليه السلام؛ فلما يئس منه
قام عنه وهو ينشد شعر المتلمس :
قيل لأبي قحافة يوم ولي الأمر ابنه: قد ولي ابنك الخلافة، فقرأ:
" قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء " ،
ثم قال: لم ولوه؟ قالوا: لسنه؟ قال: أنا أسن منه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له لما أشير عليه بألا يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال :
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: والله
لا أكون كالضبع تنام على طول اللدم؛ حتى يصل إليها طالبها، ويختلها راصدها،
ولكني أضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه، وبالسامع المطيع العاصي المريب أبداً،
حتى يأتي علي يومي، فوالله ما زلت مدفوعاً عن حقي، مستاثراً علي منذ قبض الله
نبيه صلى الله عليه وسلم حتى يوم الناس هذا. واللدم: صوت الحجر أو العصا أو غيرهما،
تضرب به الأرض ضرباً ليس بشديد. ورصدته:
ترقبته. ومستأثراً علي، أي مستبداً دوني بالأمر، والاسم الأثرة ، وفي الحديث: أنه صلى الله
عليه وسلم قال للأنصار: " ستلقون بعدي أثرة، فإذا كان ذلك فاصبروا
حتى تردوا علي الحوض ". معنى أطرقي أم طريق طأطئي رأسك، وكناها أم
طريق لكثرة إطراقها، على فعيل كالقبيط للناطف، والعليق لنبت. ومعنى خامري الزمي
وجارك واستتري فيه، خامر الرجل منزله إذا لزمه.
وقال الشنفرى:
أوصاهم ألا يدفنوه إذا قتل، وقال: اجعلوني أكلاً للسباع، كالشيء الذي يرغب به الضبع
في الخروج، وتقدير الكلام؛ تقبروني ولكن
اجعلوني كالتي يقال لها: خامري أم عامر، وهي الضبع، فإنها لا تقبر. ويمكن أن يقال أيضاً: أراد لا تقبروني واجعلوني فريسة للتي يقال لها: خامري أم
عامر؛ لأنها تأكل الجيف وأشلاء القتلى والموتى. وقال أبو عبيدة:
يأتي الصائد فيضرب بعقبه الأرض عند باب مغارها ضرباً خفيفاً؛ وذلك هو اللدم، ويقول: خامري أم عامر؛ مراراً، بصوت ليس بشديد،
فتنام على ذلك، فيدخل إليها، فيجعل الحبل في عرقوبها ويجرها فيخرجها. يقول: لا
أقعد عن الحرب والانتصار لنفسي وسلطاني، فيكون حالي مع القوم المشار إليهم حال
الضبع مع صائدها، فأكون قد أسلمت نفسي، فعل العاجز الأحمق، ولكني أحارب من عصاني
بمن أطاعني حتى أموت، ثم عقب ذلك بقوله: إن
الاستئثار علي والتغلب أمر لم يتجدد الآن، ولكنه كان منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
التعريف بطلحة والزبير
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وطلحة هو
أبو محمد بن عبيد الله بن عثمان بن سعد بن تيم بن مرة. أبوه ابن عم أبي بكر،
وأمه الصعبة بنت الحضرمي، وكانت قبل أن تكون عند عبيد الله تحت أبي سفيان صخر بن
حرب، فطلقها ثم تبعتها نفسه، فقال فيها شعراً أوله:
في
أبيات مشهورة. وطلحة أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأحد أصحاب الشورى،
وكان له في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أثر عظيم، وشلت بعض أصابعه يومئذ وقى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده من سيوف المشركين، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: " اليوم أوجب طلحة
الجنة " . والحواري:
الخالصة، تقول فلان خالصة فلان، وخلصانه وحواريه، أي
شديد الاختصاص به والاستخلاص له. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
طارق بن شهاب يستقبل علياً
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
خرج طارق بن شهاب الأحمسي يستقبل
علياً عليه السلام، وقد صار بالربذة طالباً عائشة وأصحابها، وكان طارق من صحابة
علي عليه السلام وشيعته، قال: فسألت عنه قبل
أن ألقاه؛ ما أقدمه؟ فقيل: خالفه طلحة
والزبير وعائشة فأتوا البصرة، فقلت في نفسي: إنها الحرب! أفأقاتل أم المؤمنين، وحواري رسول الله صلى الله عليه
وسلم! إن هذا لعظيم، ثم قلت: أأدع علياً،
وهو أول المؤمنين إيماناً بالله وابن عم رسول الله صلى
الله عليه وسلم ووصيه! هذا أعظم. ثم أتيته فسلمت عليه، ثم جلست
إليه، فقص علي قصة القوم وقصته، ثم صلى بنا الظهر، فلما انفتل جاءه الحسن ابنه عليه
السلام، فبكى بين يديه، قال: ما بالك؟
قال: أبكي لقتلك غداً بمضيعة ولا ناصر لك. أما إني أمرتك فعصيتني، ثم أمرتك فعصيتني، فقال عليه السلام: لا تزال تخن خنين الأمة! ما
الذي أمرتني به فعصيتك! قال: أمرتك حين أحاط الناس بعثمان أن تعتزل، فإن الناس
إذا قتلوه طلبوك أينما كنت حتى يبايعوك، فلم تفعل ثم أمرتك لما قتل عثمان ألا
توافقهم على البيعة حتى يجتمع الناس إليك ويأتيك وفود العرب فلم تفعل. ثم خالفك هؤلاء القوم، فأمرتك ألا
تخرج من المدينة، وأن تدعهم وشأنهم، فإن اجتمعت عليك الأمة فذاك، وإلا رضيت
بقضاء الله. فقال عليه السلام: والله لا أكون كالضبع تنام على
اللدم حتى يدخل إليها طالبها فيعلق الحبل برجلها، ويقول لها: دباب دباب، حتى
يقطع عرقوبها... وذكر تمام الفصل. فكان طارق بن شهاب يبكي إذا ذكر هذا الحديث. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في ذم أتباع الشيطان
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكاً، واتخذهم له أشراكاً، فباض وفرخ في صدورهم، ودب
ودرج في حجورهم؛ فنظر بأعينهم، ونطق بألسنتهم، فركب بهم الزلل، وزين لهم الخطل،
فعل من قد شركه الشيطان في سلطانه، ونطق بالباطل على لسانه. وباض
وفرخ في صدورهم، استعارة للوسوسة والإغواء،
ومراده طول مكثه، وإقامته عليهم، لأن الطائر لا يبيض ويفرخ إلا في الأعشاش التي
هي وطنه ومسكنه، ودب ودرج في حجورهم، أي ربوا الباطل كما يربي الوالدان الولد في
حجورهما. ثم
ذكر أنه لشدة اتحاده بهم وامتزاجه صار كمن ينظر بأعينهم، وينطق بألسنتهم، أي صار
الاثنان كالواحد، قال أبو الطيب:
وقال
آخر:
وقال
آخر:
والخطل:
القول الفاسد. ويجوز
أشركه الشيطان في سلطانه، بالهمزة، وشركه أيضاً؛ وبغير الهمزة أفصح. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له يعني به الزبير في حال اقتضت ذلك
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
يزعم أنه قد بايع بيده ولم يبايع بقلبه، فقد أقر بالبيعة، وادعى الوليجة. فليأت عليها بأمرٍ يعرف، وإلا
فليدخل فيما خرج منه. كان الزبير يقول:
بايعت بيدي لا بقلبي، وكان يدعي تارة أنه
أكره، ويدعي تارة أنه ورى في البيعة تورية،
ونوى دخيلة، وأتى بمعاريض على ظاهرها، فقال عليه
السلام: هذا الكلام إقرار منه بالبيعة وادعاء أمر آخر لم يقم عليه
دليلاً، ولم ينصب له برهاناً، فإما أن يقيم دليلاً على فساد البيعة الظاهرة،
وأنها غير لازمة له، وإما أن يعاود طاعته. قال: نعم، الله لك علي بذلك راعٍ وكفيل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
طلحة والزبير ينكثان البيعة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
لما بويع علي عليه
السلام كتب إلى معاوية:
أما بعد، فإن الناس
قتلوا عثمان عن غير مشورة مني، وبايعوني عن
مشورة منهم واجتماع، فإذا أتاك كتابي فبايع لي، وأوفد إلي أشراف أهل الشام قبلك. فلما وصل هذا الكتاب إلى الزبير سر به، وأعلم به طلحة وأقرأه إياه، فلم يشكا في النصح لهما من قبل معاوية،
وأجمعا عند ذلك على خلاف علي عليه السلام. ثم استشار المغيرة بن
شعبة، فقال له:
أرى أن توليهما إلى أن يستقيم لك أمر الناس. فخلا بابن عباس،
وقال: ما ترى؟ قال: يا أمير المؤمنين، إن الكوفة والبصرة عين الخلافة، وبهما
كنوز الرجال، ومكان طلحة والزبير من الإسلام ما قد علمت، ولست آمنهما إن وليتهما
أن يحدثا أمراً. فأخذ علي عليه السلام برأي ابن عباس.
وقد كان استشار المغيرة أيضاً في أمر معاوية، فقال له:
أرى إقراره على الشام، وأن تبعث إليه بعهده إلى أن يسكن شغب الناس. ولك
بعد رأيك. فلم يأخذ برأيه. دخل
الزبير وطلحة على علي عليه السلام، فاستأذناه
في العمرة، فقال: ما العمرة تريدان؛ فحلفا له
بالله أنهما ما يريدان غير العمرة، فقال
لهما: ما العمرة تريدان، وإنما تريدان الغدرة
ونكث البيعة؛ فحلفا بالله ما الخلاف عليه ولا نكث بيعةٍ يريدان، وما رأيهما غير
العمرة. قال لهما: فأعيدا البيعة لي ثانية، فأعاداها
بأشد ما يكون من الإيمان والمواثيق، فأذن لهما، فلما خرجا من عنده، قال لمن كان
حاضراً: والله لا ترونهما إلا في فتنة يقتتلان فيها. قالوا: يا أمير المؤمنين، فمر بردهما عليك،
قال: ليقضي الله أمراً كان مفعولاً. وذكر أبو مخنف في كتاب
الجمل، أن
علياً عليه السلام خطب لما سار الزبير وطلحة من مكة ومعهما عائشة يريدون البصرة،
فقال: أيها الناس، إن عائشة سارت إلى البصرة،
ومعها طلحة والزبير، وكل منهما يرى الأمر له دون صاحبه،
أما طلحة فابن عمها، وأما الزبير فختنها ، والله
لو ظفروا بما أرادوا - ولن ينالوا ذلك أبداً - ليضربن
أحدهما عنق صاحبه بعد تنازع منهما شديد. والله إن راكبة
الجمل الأحمر ما تقطع عقبة ولا تحل عقدة إلا في معصية الله وسخطه، حتى
تورد نفسها ومن معها موارد الهلكة، أي والله ليقتلن ثلثهم، وليهربن ثلثهم، وإنها التي تنبحها كلاب الحوأب ، وإنهما ليعلمان أنهما
مخطئان. ورب عالمٍ قتله جهله،
ومعه علمه لا ينفعه، وحسبنا الله ونعم الوكيل! فقد
قامت الفتنة فيها الفئة الباغية، أين المحتسبون؟ أين المؤمنون؟ مالي
ولقريش! أما والله لقد قتلتهم كافرين، ولأقتلهم مفتونين! وما لنا إلى عائشة من ذنب إلا أنا أدخلناها في حيزنا. والله
لأبقرن الباطل، حتى يظهر الحق من خاصرته، فقل لقريش فلتضج ضجيجها. ثم
نزل. قلت: وما لي لا أحبه وهو اخي وابن خالي! فقال: " أما إنك ستحاربه وأنت ظالم له ". فاسترجع الزبير، وقال: أذكرتني ما أنسانيه الدهر،
ورجع إلى صفوفه. فقال له عبد الله ابنه، لقد رجعت إلينا بغير الوجه الذي فارقتنا به! فقال: أذكرني علي حديثاً أنسانيه الدهر فلا
أحاربه أبداً، وإني لراجع وتارككم منذ اليوم. فقال له عبد الله: ما أراك إلا جبنت عن سيوف بني عبد المطلب، إنها لسيوف
حداد، تحملها فتية أنجاد؛ فقال الزبير: ويلك!
أتهيجني على حربه! أما إني قد حلفت ألا أحاربه، قال: كفر عن يمينك؛ لا تتحدث
نساء قريش أنك جبنت، وما كنت جباناً، فقال الزبير: غلامي مكحول حر كفارة عن يميني، ثم أنصل سنان رمحه، وحمل على
عسكر علي عليه السلام برمح لا سنان له، فقال علي عليه السلام: أفرجوا له، فإنه محرج، ثم عاد إلى أصحابه، ثم حمل
ثانية، ثم ثالثة، ثم قال لابنه: أجبناً ويلك ترى! فقال: لقد أعذرت.
لما خرج علي عليه السلام لطلب الزبر خرج حاسراً، وخرج إليه الزبير دارعاً مدججاً، فقال علي عليه السلام : يا أبا عبد الله، قد لعمري
أعددت سلاحاً، وحبذا فهل أعددت عند الله عذراً؟ فقال الزبير: إن مردنا إلى الله، قال علي عليه السلام:
" يومئذٍ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين "
، ثم أذكره الخبر، فلما كر الزبير راجعاً إلى أصحابه نادماً واجماً، رجع علي
عليه السلام إلى أصحابه جذلاً مسروراً، فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين، تبرز إلى الزبير حاسراً، وهو شاكٍ في السلاح، وأن تعرف
شجاعته! قال: إنه ليس بقاتلي، إنما يقتلني رجل خامل الذكر، ضئيل النسب، غيلةً
في غير مأقط حرب، ولا معركة رجال، ويلمه أشقى البشر! ليودن أن أمه هبلت به! أما
إنه وأحمر ثمود لمقرونان في قرن. أما إنه لخليق بالقتل، قتله الله! فاتبعه عمرو بن
جرموزٍ - وكان فاتكاً - فلما قرب منه وقف الزبير، وقال: ما شأنك؟ قال:
جئت لأسألك عن أمر الناس، قال الزبير: إني تركتهم قياماً في الركب، يضرب بعضهم
وجه بعض بالسيف. فسار
ابن جرموز معه، وكل واحد منهما يتقي الآخر. فلما
حضرت الصلاة، قال الزبير: يا هذا، إنا نريد
أن نصلي. فلما قام إلى الصلاة شد ابن جرموز عليه فقتله، وأخذ رأسه وخاتمه
وسيفه، وحثا عليه التراب يسيراً، ورجع إلى الأحنف، فأخبره، فقال: والله ما أدري أسات أم
أحسنت؟ اذهب إلى علي عليه السلام فأخبره، فجاء إلى
علي عليه السلام، فقال للآذن: قل له: عمرو بن
جرموز بالباب ومعه رأس الزبير وسيفه، فأدخله. وفي كثير من الروايات أنه لم يأت بالرأس بالسيف، فقال له: وأنت قتلته؟ قال:
نعم، قال: والله ما كان ابن صفية جباناً ولا
لئيماً، ولكن الحين ومصارع السوء، ثم قال: ناولني
سيفه، فناوله فهزه، وقال: سيف طالما جلى به
الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال ابن جرموز: الجائزة يا أمير المؤمنين، فقال: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بشر قاتل
ابن صفية بالنار "، فخرج ابن جرموز خائباً، وقال :
ثم
خرج ابن الجرموز على علي عليه السلام، مع أهل النهر،
فقتله معهم فيمن قتل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام في صفة قوم أرعدوا وفشلهم في ذلك
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
وقد أرعدوا وأبرقوا، ومع هذين الأمرين الفشل، ولسنا نرعد حتى نوقع، ولا نسيل حتى
نمطر.
قال: الكميت قروي
لا يحتج بقوله. والفشل: الجبن والخور. وسمع أبو طاهر
الجنابي ضوضاء عسكر المقتدر بالله
ودبادبهم وبوقاتهم، وهو في ألف وخمسمائة، وعسكر المقتدر في عشرين ألفاً، مقدمهم
يوسف بن أبي الساج ، فقال لبعض أصحابه: ما
هذا الزجل ؟ قال: فشل، قال: أجل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له يوعد قوماً
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
ألا وإن الشيطان قد جمع حزبه، واستجلب خيله ورجله، وإن معي لبصيرتي؛ ما لبست على
نفسي، ولا لبس علي. وايم الله لأفرطن لهم حوضاً أنا ماتحه، لا
يصدرون عنه، ولا يعودون إليه. ومن رواها لأفرطن بضم الهمزة، فهو أفرط
المزادة، أي ملأها. يعني
قتلهم وإزهاق أنفسهم، ومن فر منهم لا يعود إليها ومن هذا اللفظ قول الشاعر:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له لابنه محمد بن الحنيفة لما أعطاه الراية يوم الجمل : |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
تزول الجبال ولا تزل، عض على ناجذك، أعر الله جمجمتك، تد في الأرض قدمك، ارم
ببصرك أقصى القوم، وغض بصرك، واعلم أن النصر من عند الله سبحانه. والناجذ:
أقصى الأضراس. وتد، أمر من وتد قدمه في الأرض، أي أثبتها فيها كالوتد. ولا تناقض بين
قوله: ارم ببصرك، وقوله غض بصرك، وذلك لأنه
في الأولى أمره أن يفتح عينه ويرفع طرفه، ويحدق إلى أقاصي القوم ببصره،
فعل الشجاع المقدام غير المكترث ولا المبالي، لأن الجبان تضعف نفسه ويخفق قلبه
فيقصر بصره، ولا يرتفع طرفه، ولا يمتد عنقه، ويكون ناكس الرأس، غضيض الطرف، وفي الثانية أمره أن يغض بصره عن بريق سيوفهم ولمعان
دروعهم، لئلا يبرق بصره، ويدهش ويستشعر خوفاً. وتقدير الكلام واحمل، وحذف
ذلك للعلم، فكأنه قال: إذا عزمت على الحملة
وصممت، فغض حينئذ بصرك واحمل، وكن كالعشواء التي تخبط ما أمامها ولا تبالي. ويمكن أن يقال: إن
ذلك إشعار له أنه لا يقتل في تلك الحرب، لأن العارية مردودة، ولو قال له: بع الله جمجمتك، لكان ذلك إشعاراً له بالشهادة فيها. والله ما لقوا قط كحديدكم وعديدكم،
أعيروني سواعدكم ساعة تصفقون بها خراطيمهم، فإنما هي غدوة أو روحة، حتى يحكم
الله بيننا وبين القوم الظالمين. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وحشي يقتل حمزة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكان حمزة بن عبد
المطلب مغامراً غشمشماً لا يبصر أمامه، قال جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف لعبده وحشي يوم أحد:
ويلك! إن علياً قتل عمي طعيمة سيد البطحاء يوم
بدر، فإن قتلته
اليوم فأنت حر، وإن قتلت محمداً فأنت حر، وإن
قتلت حمزة
فأنت حر، فلا أحد يعدل عمي إلا هؤلاء. فقال: أما محمد فإن أصحابه دونه، ولن يسلموه، ولا أراني
أصل إليه، وأما علي فرجل مرس ، كثير
الالتفات في الحرب لا أستطيع قتله، ولكن سأقتل لك حمزة، فإنه
رجل لا يبصر أمامه في الحرب، فوقف لحمزة حتى إذا
حاذاه زرقه بالحربة كما تزرق الحبشة بحرابها، فقتله. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من أخبار محمد بن الحنفية
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
دفع أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل رايته إلى محمد ابنه
عليهما السلام، وقد استوت الصفوف، وقال له: احمل، فتوقف قليلاً، فقال
له: احمل، فقال يا أمير المؤمنين، أما
ترى السهام كأنها شآبيب المطر! فدفع في صدره، فقال:
أدركك عرق من أمك، ثم أخذ الراية فهزها، ثم قال:
ثم
حمل وحمل الناس خلفه، فطحن عسكر البصرة. فقال: إنهما عيناه وأنا
يمينه، فهو يدفع عن عينيه بيمينه، كان علي عليه السلام يقذف بمحمد في مهالك
الحرب، ويكف حسناً وحسيناً عنها. وإن
أبا بكر دفعها إلى علي عليه السلام من سهمه في المغنم. وقال قوم، منهم أبو الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني: هي سبية في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً إلى اليمن، فأصاب خولة في
بني زبيد ، وقد ارتدوا مع عمرو بن معدي كرب، وكانت زبيد سبتها من بني حنيفة في
غارة لهم عليهم، فصارت في سهم علي عليه السلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ولدت منك غلاماً فسمه باسمي،
وكنه بكنيتي، فولدت له بعد موت فاطمة عليها السلام محمداً، فكناه أبا القاسم. وضم إليه خزيمة بن ثابت
ذا الشهادتين، في
جمع من الأنصار، كثير منهم من أهل بدر، فحمل حملات كثيرة، أزال بها القوم عن
مواقفهم وأبلى بلاءً حسناً. فقال خزيمة بن ثابت لعلي
عليه السلام:
أما إنه لو كان غير محمد اليوم لافتضح، ولئن كنت خفت عليه الحين وهو بينك وبين
حمزة وجعفر لما خفناه عليه، وإن كنت أردت أن تعلمه الطعان فطالما علمته الرجال. فقال علي عليه السلام: أين النجم من الشمس والقمر! أما إنه قد أغنى وأبلى، وله
فضله، ولا ينقص فضل صاحبيه عليه، وحسب صاحبكم ما انتهت به نعمة الله تعالى إليه،
فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنا والله لا نجعله كالحسن والحسين، ولا نظلمهما له،
ولا نظلمه - لفضلهما عليه - حقه،
فقال علي عليه السلام:
أين يقع ابني من ابني رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال خزيمة بن ثابت فيه:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له لما أظفره الله بأصحاب الجمل
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقد قال له بعض أصحابه: وددت أن أخي فلاناً كان شاهدنا ليرى ما نصرك الله به على
أعدائك، فقال علي عليه السلام : الأصل: أهوى أخيك معنا. فقال: نعم، قال: فقد شهدنا في عسكرنا
هذا قوم في أصلاب الرجال، وأرحام النساء، سيرعف بهم الزمان، ويقوى بهم الإيمان.
والمعنى مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان ولم يكن
شهد بدراً،
تخلف على رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مرضت مرض موتها - : "
لقد كنت شاهداً وإن كنت غائباً، لك أجرك وسهمك ". حرب بن جيهان
الجعفي: لقد رأيت الرماح يوم الجمل قد
أشرعها الرجال بعضهم في صدر بعض، كأنها آجام القصب، لو شاءت الرجال أن تمشي
عليها لمشت، ولقد صدقونا القتال حتى ما ظننت أن ينهزموا، وما رأيت يوماً قط أشبه
بيوم الجمل من يوم جلولاء الوقيعة . ثم مر بطلحة بن عبيد
الله قتيلاً؛ فقال: أجلسوه، فأجلس - قال أبو مخنف في كتابه: فقال: ويلمك طلحة! لقد كان لك قدم لو نفعك! ولكن الشيطان أضلك فأزلك فعجلك إلى النار. فقال علي عليه
السلام: أبى الله أن يدخل طلحة الجنة إلا
وبيعتي في عنقه. ثم قال: شفيت نفسي، وقتلت معشري، وإلى الله
أشكو عجري وبجري ! قتلت الصناديد من بني عبد مناف، وأفلتني الأعيار من بني جمح،
فقال له القائل: لشد ما أطريت هذا الفتى منذ اليوم يا أمير المؤمنين! قال: إنه
قام عني وعنه نسوة لم يقمن عنك. ثم نظر إلى المال، وصعد فيه بصره
وصوب، وقال: أقسموه بين أصحابي خمسمائة خمسمائة، فقسم بينهم، فلا والذي بعث
محمداً بالحق ما نقص درهماً ولا زاد درهماً، كأنه كان يعرف مبلغه ومقداره، وكان
ستة آلاف ألف درهم، والناس اثنا عشر ألفاً. فدفع إليه الذي أخذه لنفسه وهو
خمسمائة درهم، ولم يصب من الفيء شيئاً. فقال: كيف يحل لكم
ذرية ضعيفة في دار هجرة وإسلام! أما ما أجلب به القوم في معسكرهم عليكم فهو لكم
مغنم، وأما ما وارت الدور وأغلقت عليه الأبواب فهو
لأهله، ولا نصيب لكم في شيء منه، فلما أكثروا عليه قال: فأقرعوا على عائشة، لأدفعها إلى من تصيبه القرعة!
فقالوا: نستغفر الله يا أمير المؤمنين! ثم
انصرفوا. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له في ذم أهل البصرة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
كنتم جند المرأة، وأتباع البهيمة. رغا فأجبتم، وعقر فهربتم. أخلاقكم دقاق،
وعهدكم شقاق، ودينكم نفاق، وماؤكم زعاق، والمقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه،
والشاخص عنكم متدارك برحمةٍ من ربه، كأني بمسجدكم كجؤجؤ سفينةٍ، قد بعث الله
عليها العذاب من فوقها ومن تحتها، وغرق من في ضمنها. وفي رواية أخرى: بلادكم أنتن بلاد الله تربةً، أقربها من الماء، وأبعدها
من السماء، وبها تسعة أعشار الشر. المحتبس فيها بذنبه، والخرج بعفو الله، كأني
أنظر إلى قريتكم هذه قد طبقها الماء، حتى ما يرى منها إلا شرف المسجد؛ كأنه جؤجؤ
طيرٍ في لجة بحرٍ.
ولا
ذنب لأهلها في أنها بلاد الحمى والسباع. ولا
يزال السيف قائماً وراكعاً حتى يهوي هذا البعير إلى الأرض، فصمدوا له حتى عقروه
وله رغاء شديد، فلما برك كانت الهزيمة.
فأجابه
رجل من عسكر الكوفة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام:
ومن
أراجيز أهل البصرة:
فأجابه
رجل من عسكر الكوفة:
ومن
الرجز المشهور المقول يوم الجمل، قال أهل البصرة:
ومنه
قول بعضهم:
قالوا:
وخرج من أهل البصرة شيخ صبيح الوجه، نبيل، عليه جبة وشيٍ، يحض الناس على الحرب،
ويقول:
قال المدائني والواقدي: وهذا الرجز يصدق الرواية أن الزبير وطلحة قاما في الناس،
فقالا: إن علياً إن يظفر فهو فناؤكم يا أهل البصرة، فاحموا حقيقتكم، فإنه لا
يبقي حرمة إلا انتهكها، ولا حريماً إلا هتكه، ولا ذرية إلا قتلها، ولا ذوات خدرٍ
إلا سباهن، فقاتلوا مقاتلة من يحمي عن حريمه، ويختار الموت على الفضيحة يراها في
أهله.
ثم
تقدم، فضرب بسيفه حتى قتل.
فشد عليه علي أمير المؤمنين عليه السلام بالرمح فطعنه فقتله،
وقال: قد رأيت أبا الحسن، فكيف رأيته!
وترك الرمح فيه. وأخذت عائشة كفاً من حصىً، فحصبت به أصحاب علي عليه السلام، وصاحت بأعلى صوتها: شاهت الوجوه! كما صنع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فقال لها قائل:
وما رميت إذ رميت ولكن الشيطان رمى. وزحف علي عليه السلام نحو الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من
المهاجرين والأنصار، وحوله بنوه: حسن وحسين ومحمد عليهم السلام، ودفع الراية إلى محمد،
وقال: أقدم بها حتى تركزها في عين الجمل، ولا تقفن دونه. فتقدم محمد؛ ورشقته
السهام، فقال لأصحابه؛ رويداً حتى تنفذ سهامهم، فلم يبق لهم إلا رشقة أو رشقتان.
فأنفذ علي عليه السلام إليه يستحثه، ويأمره بالمناجزة، فلما أبطأ عليه جاء بنفسه من
خلفه، فوضع يده اليسرى على منكبه الأيمن، وقال له: أقدم لا أم لك! فكان محمد رضي
الله عنه إذا ذكر ذلك بعد يبكي، ويقول: لكأني أجد ريح نفسه في قفاي، والله لا
أنسى أبداً. ثم أدركت علياً عليه السلام رقة على ولده، فتناول الراية منه بيده اليسرى،
وذو الفقار مشهور في يمنى يديه، ثم حمل فغاص في عسكر الجمل، ثم رجع وقد انحنى
سيفه، فأقامه بركبته. فقال له أصحابه وبنوه والأشتر وعمار: نحن نكفيك يا أمير المؤمنين. فلم
يجب أحداً منهم ولا رد إليهم بصره؛ وظل ينحط ويزأر زئير الأسد، حتى فرق من حوله.
وتبادروه؛
وإنه لطامح ببصره نحو عسكر البصرة، لا يبصر من حوله، ولا يرد حواراً، ثم دفع
الراية إلى ابنه محمد، ثم حمل حملة ثانية وحده، فدخل في وسطهم فضربهم بالسيف
قدماً قدماً، والرجال تفر من بين يديه، وتنحاز عنه يمنةً ويسرةً، حتى خضب الأرض
بدماء القتلى، ثم رجع وقد انحنى سيفه فأقامه بركبته، فاعصوصب به أصحابه، وناشدوه
الله في نفسه وفي الإسلام، وقالوا: إنك إن تصب يذهب الدين، فأمسك ونحن نكفيك. فقال: والله ما أريد بما ترون إلا وجه الله
والدار الاخرة. ثم قال لمحمد ابنه: هكذا تصنع يابن الحنفية، فقال الناس: من الذي يستطيع ما
تستطيعه يا أمير المؤمنين! ومن كلماته الفصيحة عليه السلام في يوم الجمل، ما رواه الكلبي عن
رجل من الأنصار قال:
بينا أنا واقف في أول الصفوف يوم الجمل؛ إذ جاء علي عليه السلام فانحرت إليه فقال:
أين مثرى القوم؟ فقلت: ههنا - نحو عائشة. ثم خرج فقتله عمرو، ثم رجع إلى خطام الجمل مرتجزاً يقول:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال:
قوله: والوتر منا في عدي، يعني عدي بن حاتم الطائي، وكان من أشد الناس على
عثمان، ومن أشدهم جهاداً مع علي عليه
السلام. ثم
ترك ابن يثربي الخطام، وخرج يطلب المبارزة، فاختلف في قاتله، فقال قوم: إن عمار بن ياسر خرج إليه والناس يسترجعون له،
لأنه كان أضعف من برز إليه يومئذ. أقصرهم سيفاً، وأقصفهم رمحاً، وأحمشهم
ساقاً، حمالة سيفه من نسعة الرحل، وذباب سيفه قريب من إبطه. فاختلفا ضربتين،
فنشب سيف ابن يثربي في حجفة عمار، فضربه عمار على رأسه فصرعه، ثم أخذ برجله يسحبه حتى انتهى به إلى علي عليه السلام، فقال:
يا أمير المؤمنين، استبقني أجاهد بين يديك، وأقتل منهم مثل ما قتلت منكم. فقال له علي عليه
السلام: أبعد زيد وهند وعلابء أستبقيك! لا ها الله إذاً! قال: فأدنني منك
أسارك، قال له: أنت متمرد، وقد أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتمردين،
وذكرك فيهم. فقال: أما والله لو وصلت إليك لعضضت
أنفك عضة ابنته منك، فأمر به علي عليه السلام فضربت عنقه.
ثم
حمل عليه فطعنه فصرعه، وحامت عنه الزد فاستنقذوه، فوثب وهو وقيذ ثقيل ، فلم
يستطع أن يدفع عن نفسه، واستعرضه عبد الرحمن بن طود البكري، فطعنه فصرعه ثانية،
ووثب عليه رجل من سدوس، فأخذه مسحوباً برجله حتى أتى به علياً عليه السلام،
فناشده الله وقال: يا أمير المؤمنين، اعف عني، فإن العرب لم تزل قائلةً عنك: إنك
لم تجهز على جريح قط. فأطلقه، وقال: اذهب حيث شئت، فجاء إلى أصحابه وهو لما به،
حضره الموت، فقالوا له: دمك عند أي الناس؟ فقال: أما الأشتر فلقيني وأنا كالمهر
الأرن ، فعلا حده حدي، ولقيت رجلاً يبتغي له عشرة أمثالي، وأما البكري فلقيني،
وأنا لما بي، وكان يبتغي لي عشرة أمثاله، وتولى أسري أضعف القوم، وصاحبي الأشتر.
قال أبو مخنف:
وبلغنا أن عبد الرحمن بن طود البكري قال لقومه: أنا والله قتلت عمراً، وإن
الأشتر كان بعدي وأنا أمامه في الصعاليك، فطعنت عمراً طعنة لم أحسب أنها تجعل
للأشتر دوني، وإنما الأشتر ذو حظ في الحرب، وإنه ليعلم أنه كان خلفي، ولكن أبى
الناس إلا أنه صاحبه، ولا أرى أن أكون خصم العامة، وإن الأشتر لأهل ألا ينازع. فلما بلغ الأشتر
قوله قال: أما والله لولا أني أطفأت جمرته عنه ما دنا منه، وما صاحبه
غيري، وإن الصيد لمن وقذه . فقال عبد الرحمن:
لا أنازع فيه، ما القول إلا ما قاله، وأنى لي أن أخالف الناس! قال: وخرج عبد الله بن خلف الخزاعي، وهو رئيس البصرة،
وأكثر أهلها مالاً وضياعاً، فطلب البراز، وسأل ألا يخرج إليه إلا علي عليه السلام، وارتجز فقال:
فخرج إليه علي عليه السلام، فلم يمهله أن ضربه، ففلق هامته. وهذا في اليوم الثاني من أيام الجمل، فلما دعا بها تزلزلت أقدام القوم،
وذلك وقت العصر، بعد أن كانت الحرب من وقت الفجر. وكان
الأشتر طاوياً ثلاثة أيام لم يطعم - وهذه عادته في
الحرب - وكان أيضاً شيخاً عالي السن، فجعل
عبد الله ينادي: اقتلوني ومالكا فلو قال: اقتلوني والأشتر، لقتلوهما، إلا
أن أكثر من كان يمر بهما لا يعرفهما؛ لكثرة من وقع في المعركة صرعى بعضهم فوق
بعض، وأفلت ابن الزبير من تحته ولم يكد، فذلك قول
الأشتر:
وروى أبو مخنف عن الأصبغ بن نباتة، قال: دخل عمار بن ياسر ومالك بن الحارث
الأشتر على عائشة بعد انقضاء أمر الجمل، فقالت عائشة:
يا عمار، من معك؟ قال: الأشتر. فقالت: يا مالك، أنت الذي صنعت بابن أختي ما صنعت؟ قال: نعم، ولولا أني كنت طاوياً
ثلاثة أيام لأرحت أمة محمد منه، فقالت: أما علمت أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل دم مسلم إلا بأحد أمور
ثلاثة: كفر بعد إيمان، أو زناً بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق "! فقال الأشتر: على بعض هذه الثلاثة قاتلناه يا أم
المؤمنين، وايم الله ما خانني سيفي قبلها، ولقد أقسمت ألا يصحبني بعدها، قال أبو مخنف: ففي ذلك يقول
الأشتر من جملة هذا الشعر الذي ذكرناه:
قال أبو مخنف:
وانتهى الحارث بن زهير الأزدي من أصحاب علي عليه السلام إلى الجمل، ورجل آخذ
بخطامه، لا يدنو منه أحد إلا قتله، فلما رآه الحارث بن زهير مشى إليه بالسيف
وارتجز، فقال لعائشة:
فاختلف
هو والرجل ضربتين، فكلاهما أثخن صاحبه. قال: فأتيت عائشة بعد ذلك أسلم عليها
بالمدينة، فقالت: من أنت؟ قلت: رجل من أهل الكوفة، قالت: هل شهدتنا يوم البصرة؟
قلت: نعم، قالت: مع أي الفريقين؟ قلت: مع علي، قالت: هل سمعت مقالة الذي قال:
قلت:
نعم، وأعرفه، قالت: ومن هو؟ قلت: ابن عم لي، قالت: وما فعل؟ قلت: قتل عند الجمل،
وقتل قاتله، قال: فبكت حتى ظننت والله أنها لا تسكت، ثم قالت: لوددت والله أنني
كنت مت قبل ذلك اليوم بعشرين سنة.
فصمد عليه الأشتر فقتله.
فحمل عليه الأشتر فقتله. ثم خرج عبد الله بن حكيم بن حزام
من بني أسد بن عبد العزى بن قصي، من أشراف قريش أيضاً، فارتجز وطلب المبارزة،
فخرج إليه الأشتر فضربه على رأسه فصرعه، ثم قام فنجا بنفسه. وجاءت بنو ناجية فأخذوا بخطام الجمل، ولم يكن يأخذ الخطام أحد
إلا سألت عائشة:
من هذا؟ فسألت عنهم، فقيل: بنو ناجية، فقالت عائشة: صبراً بني ناجية، فإني أعرف فيكم
شمائل قريش. قالوا:
وبنو ناجية مطعون في نسبهم إلى قريش، فقتلوا حولها جميعاً. وقال عليه السلام: لعنه الله من دابة! فما أشبهه
بعجل بني إسرائيل، ثم قرأ " وانظر إلى
إلهك الذي ظلت عليه عاكفاً لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفاً " . |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له في ذم أهل البصرة أيضاً
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
أرضكم قريبة من الماء، بعيد من السماء. خفت عقولكم، وسفهت حلومكم، فأنتم غرض
لنابلٍ، وأكلة لآكلٍ، وفريسة لصائلٍ. وفريسة الأسد: ما يفترسه. وقولهم: سفه فلان نفسه، وغبن رأيه،
وبطر عيشه، وألم بطنه، ورفق حاله، ورشد أمره، كان في الأصل فيه كله: سفهت نفس
زيد فلما حول الفعل إلى الرجل انتصب ما بعده بالمفعولية. هذا مذهب البصريين والكسائي من الكوفيين. فأما قوله: أرضكم
قريبة من الماء، بعيدة من السماء، فقد قدمنا معنى قوله: قريبة من الماء، وذكرنا
غرقها من بحر فارس دفعتين، ومراده عليه السلام بقوله: قريبة من الماء، أي قريبة
من الغرق بالماء. وأما بعيدة من السماء؛ فإن أرباب
علم الهيئة وصناعة التنجيم يذكرون أن أبعد موضع في الأرض عن السماء الأبلة ،
وذلك موافق لقوله عليه السلام. وقد دلت الأرصاد والآلات النجومية على أن أبعد
موضع في المعمورة عن دائرة معدل النهار هو الأبلة، والأبلة هي قصبة البصرة. وهذا من أسراره
وغرائبه البديعة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له فيما رده على المسلمين
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من قطائع عثمان رضي الله عنه : الأصل:
والله لو وجدته قد تزوج به النساء، وملك به الإماء؛ لرددته؛ فإن في العدل سعة. ومن
ضاق عليه العدل، فالجورعليه أضيق. وقد
كان عثمان أقطع كثيراً من بني أمية وغيرهم من أوليائه وأصحابه قطائع من أرض
الخراج على هذه الصورة، وقد كان عمر أقطع قطائع؛ ولكن لأرباب الغناء في الحرب
والآثار المشهورة في الجهاد؛ فعل ذلك ثمناً عما بذلوه من مهجهم في طاعة الله
سبحانه، وعثمان أقطع القطائع صلةً لرحمه، وميلاً إلى أصحابه، عن غير غناء في
الحرب ولا أثر.
فأجابه
عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بأبيات طويلة من جملتها:
أي
كان كافراً كما كان كسرى كافراً. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له لما بويع بالمدينة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: ذمتي بما أقول رهينة، وأنا به
زعيم. إن
من صرحت له العبر عما بين يديه من المثلات، حجزته التقوى عن تقحم الشبهات. ألا
وإن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيه. والذي
بعثه بالحق لتبلبلن بلبلةً، ولتغربلن غربلةً، ولتساطن سوط القِدْر؛ حتى يعود
أسفلكم أعلاكم، وأعلاكم أسفلكم وليسبقن سابقون كانوا قصروا، وليقصرن سباقون
كانوا سبقوا. وإن
حظ العجب منه أكثر من حظ العجب به، وفيه مع الحال التي وصفنا زوائد من الفصاحة
لا يقوم بها لسان، ولا يطلع فجها إنسان، ولا يعرف ما أقول إلا من ضرب في هذه
الصناعة بحق، وجرى فيها على عرقٍ، " وما
يعقلها إلا العالمون " . وكفى بالمرء جهلاً ألا يعرف قدره. والزعيم: الكفيل، ومخرج الكلام لهم مخرج
الترغيب في سماع ما يقوله، كما يقول المهتم بإيضاح أمر لقوم لهم: أنا المدرك
المتقلد بصدق ما أقوله لكم. وصرحت:
كشفت. والعبر: جمع عبرة، وهي الموعظة. والمثلات:
العقوبات. وحجزه:
منعه. ولتغربلن،
يجوز أن يكون من الغربال الذي يغربل به الدقيق، ويجوز
أن يكون من غربلت اللحم، أي قطعته. فإن كان الأول كان له
معنيان:
أحدهما الاختلاط، كالتبلبل، لأن غربلة الدقيق تخلط بعضه ببعض. والثاني أن يريد بذلك أنه يستخلص الصالح
منكم من الفاسد، ويتميز كما يتميز الدقيق عند الغربلة من نخالته. وحصان شموس: يمنع
ظهره، شمس الفرس، بالفتح، وبه شماس. وأمر الباطل: كثر. ويجوز
أن يكون فعل بمعنى انفعل كقوله:
إي
فانجبر. والسنخ: الأصل، وقوله: سنخ أصل كقوله:
وفي بعض الروايات: من أبدى صفحته للحق هلك عند جهلة الناس، والتأويل مختلف،
فمراده على الرواية الأولى - وهي الصحيحة - من كاشف الحق مخاصماً له هلك، وهي كلمة جارية مجرى المثل.
ومراده على الرواية: الثانية: من أبدى صفحته لنصرة الحق غلبه أهل الجهل لأنهم العامة
وفيهم الكثرة، فهلك. ألا لا يرعين مرعٍ إلا على نفسه.
شغل من الجنة والنار أمامه. ساعٍ مجتهد ينجو، وطالب يرجو، ومقصر في النار،
ثلاثة واثنان: ملك طار بجناحيه، ونبي أخذ الله بيده؛ لا سادس. هلك من ادعى، وردي من اقتحم. اليمين والشمال مضلة، والوسطى الجادة ، منهج
عليه باقي الكتاب والسنة وآثار النبوة. إن الله داوى هذه
الأمة بدواءين: السوط والسيف؛ لا هوادة عند الإمام
فيهما. استتروا في بيوتكم، وأصلحوا ذات بينكم،
والتوبة من ورائكم. من أبدى صفحته للحق هلك. قد كانت لكم أمور ملتم فيها علي ميلة لم
تكونوا عندي فيها محمودين ولا مصيبين. أما إني لو أشاء لقلت، عفا الله عما سلف. سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب همته بطنه. ويحه لو قص جناحاه، وقطع رأسه لكان
خيراً له! انظروا فإن أنكرتم فأنكروا، وإن
عرفتم فآزروا. حق وباطل، ولكلٍ أهل. ولئن رجعت إليكم أموركم إنكم
لسعداء، وإني لأخشى أن تكونوا في فترةٍ، وما علينا إلا الاجتهاد. ألا وإنا أهل بيت من علم الله
علمنا، وبحكم الله حكمنا، ومن قولٍ صادق سمعنا، فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا
ببصائرنا، وإن لم تفعلوا يهلككم الله بأيدينا. ومعنا راية الحق؛ ومن تبعها لحق،
ومن تأخر عنها غرق. ألا وبنا يدرك ترة كل مؤمن، وبنا
تخلع ربقة الذل عن أعناقكم وبنا فتح لا بكم، وبنا يختم لا بكم. والتهويد: المشي، رويداً، وفي الحديث: أسرعوا
المشي في الجنازة ولا تهودوا كما تهود أهل الكتاب، وآزرت زيداً: أعنته. الترة:
الوتر. والربقة: الحبل يجعل في عنق الشاة. وردي: هلك، من الردى، كقولك: عمي من العمى،
وشجي من الشجى. ثم قال:
ثلاثة، أي فهؤلاء ثلاثة أقسام، وهذا ينظر إلى قوله سبحانه: " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم
ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله " ، ثم ذكر القسمين: الرابع والخامس، فقال: هما ملك طار بجناحيه، ونبي أخذ الله بيده؛
يريد عصمة هذين النوعين من القبيح، ثم قال: لا
سادس، أي لم يبق في المكلفين قسم سادس. وهذا يقتضي أن
العصمة ليست إلا للأنبياء والملائكة، ولو كان
الإمام يجب أن يكون معصوماً لكان قسماً سادساً، فإذن
قد شهد هذا الكلام بصحة ما تقوله المعتزلة في نفي اشتراط العصمة في الإمامة، اللهم
إلا أن يجعل الإمام المعصوم داخلاً في القسم الأول، وهو الساعي المجتهد. وفيه بعد وضعف. من
أعياه داؤه فعلي دواؤه، ومن استبطأ أجله فعلي أن أعجله، ومن استثقل رأسه وضعت
عنه ثقله، ومن استطال ماضي عمره قصرت عليه باقيه. إن للشيطان طيفاً، وإن للسلطان
سيفاً، فمن سقمت سريرته، صحت عقوبته، ومن وضعه ذنبه، رفعه صلبه، ومن لم تسعه
العافية لم تضق عنه الهلكة، ومن سبقته بادرة فمه، سبق بدنه سفك دمه. إني لأنذر ثم لا أنظر، وأحذر ثم لا أعذر،
وأتوعد ثم لا أغفر، إنما أفسدكم ترقيق ولاتكم. ومن استرخي لببه ؛ ساء أدبه. إن الحزم والعزم سلباني سوطي، وجعلا سوطي
سيفي، فقائمه بيدي، ونجاده في عنقي، وذبابه قلادة لمن عصاني. والله
لا آمر أحداً أن يخرج من باب من أبواب المسجد فيخرج من الباب الذي يليه إلا ضربت
عنقه. فلا يكونن لسان أحدكم شفرة تجري على أوداجه ،
وليعلم إذا خلا بنفسه أني قد حملت سيفي بيده؛ فإن شهره لم أغمده، وإن أغمده لم
أشهره. ومن
الناس من يحمل ذلك على خلافة الشيخين أيضاً. ويبعد عندي أن يكون
أراده، لأن
المدة قد كانت طالت، ولم يبق من يعاتبه ليقول: قد كانت أمور لم تكونوا عندي فيها
محمودين، فإن هذا الكلام يشعر بمعاقبة قوم على أمر
كان أنكره منهم. وأما بيعة عثمان، ثم ما جرى بينه وبين عثمان من منازعاتٍ طويلة،
وغضب تارة، وصلحٍ تارة، ومراسلاتٍ خشنة ولطيفة، وكون الناس بالمدينة كانوا
حزبين وفئتين: إحداهما معه عليه السلام، والأخرى مع عثمان؛ فإن صرف الكلام إلى ما قلناه بهذا الاعتبار أليق.
ثم قال:
ولئن رجعت عليكم أموركم، أي إن ساعدني الوقت، وتمكنت من أن أحكم فيها بحكم الله
تعالى ورسوله، وعادت إليكم أيام شبيهة بأيام رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وسيرة مماثلة لسيرته في أصحابه؛ إنكم لسعداء. وأما التتمة المروية
عن جعفر بن محمد عليهما السلام فواضحة الألفاظ، و قوله في آخرها:
وبنا يختم لا بكم، إشارة إلى المهدي الذي يظهر في
آخر الزمان. وأكثر المحدثين على أنه من ولد فاطمة عليه
السلام. وأصحابنا المعتزلة
لا ينكرونه، وقد صرحوا بذكره في كتبهم، واعترف
به شيوخهم، إلا أنه عندنا لم يخلق بعد، وسيخلق. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له في صفة من يتصدى
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
للحكم بين الأمة وليس لذلك بأهل : الأصل: إن
أبغض الخلائق إلى الله تعالى رجلان: رجل وكله الله إلى نفسه، فهو جائر عن قصد
السبيل، مشغوف بكلام بدعةٍ، ودعاء ضلالةٍ، فهو فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدى من
كان قبله، مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته. حمال
خطايا غيره، رهن بخطيئته. فإن نزلت به إحدى المبهمات؛ هيأ لها حشواً
رثاً من رأيه، ثم قطع به. فهو
من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت، لا يدري أصاب أم أخطأ، فإن أصاب خاف أن
يكون قد أخطأ، وإن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب. جاهل خباط جهالاتٍ، عاشٍ ركاب
عشواتٍ، لم يعض على العلم بضرسٍ قاطعٍ. يذري
الروايات إذراء الريح الهشيم، لا ملئ والله بإصدار ما ورد عليه، ولا هو أهل لما
فوض إليه. لا يحسب العلم في شيءٍ مما أنكره، ولا يرى أن من وراء ما بلغ مذهباً
لغيره، وإن أظلم عليه أمر اكتتم به، لما يعلم من جهل نفسه، تصرخ من جور قضائه
الدماء، وتعج منه المواريث إلى الله من معشرٍ جهالاً، ويموتون ضلالاً؛ ليس فيهم
سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، ولا سلعة أنفق بيعاً، ولا أغلى ثمناً من
الكتاب إذا حرف عن موضعه، ولا عندهم أنكر من المعروف، ولا أعرف من المنكر. والجائر:
الضال العادل عن الطريق، وقمش جهلاً: جمعه. وموضع: مسرع، أوضع البعير: أسرع، وأوضعه
راكبه، فهو موضع به، أي أسرع به. وأكثر، كقولك: استكثروا، ويروى: اكتنز، أي
اتخذ العلم كنزاً. وعاشٍ:
خابط في ظلام وقوله: لم يعض، يريد أنه لم
يتقن ولم يحكم الأمور، فيكون بمنزلة من يعض بالناجذ، وهو آخر الأضراس وإنما يطلع
إذا استحكمت شبيبة الإنسان واشتدت مرته - ولذلك يدعوه العوام ضرس الحلم ، كأن
الحلم يأتي مع طلوعه، ويذهب نزق الصبا، ويقولون: رجل منجذ، أي مجرب محكم، كأنه
قد عض على ناجذه وكمل عقله. وقوله:
يذري الروايات، هكذا أكثر النسخ، وأكثر الروايات يذري من أذرى رباعياً، وقد
أوضحه قوله: إذراء الريح، يقال: طعنه
فأذراه، أي ألقاه، وأذريت الحب للزرع، أي ألقيته، فكأنه يقول: يلقي الروايات كما
يلقي الإنسان الشيء على الأرض؛ والأجود والأصح
الرواية الأخرى: يذرو الروايات ذرو الريح الهشيم، وهكذا ذكر ابن قتيبة في
غريب الحديث، لما ذكر هذه الخطبة عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال تعالى: " فأصبح هشيماً تذروه الرياح " ،
والهشيم: ما يبس من النبت وتفتت. وقوله: تصرخ منه وتعج. والعج: رفع الصوت -
وهذا من باب الاستعارة. وأما الرجل الثاني
فهو المتفقه في فروع الشرعيات، وليس بأهل لذلك، كفقهاء السوء ألا تراه كيف يقول:
جلس بين الناس قاضياً. ويروى:
غار في أغباش الفتنة، أي غافل ذو غرة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له في ذم اختلاف العلماء في الفتيا
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
ترد على أحدهم القضية في حكمٍ من الأحكام، فيحكم فيها برأيه، ثم ترد تلك القضية
بعينها على غيره، فيحكم فيها بخلاف قوله، ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي
استقضاهم، فيصوب آراءهم جميعاً وإلههم واحد، ونبيهم واحد، وكتابهم واحد. الشرح: الأنيق:
المعجب، وآنقني الشيء، أي أعجبني؛ يقول: لا ينبغي أن يحمل جميع ما في الكتاب
العزيز على ظاهره، فكم من ظاهرٍ فيه غير مرادٍ، بل المراد به أمر آخر باطن، والمراد
الرد على أهل الاجتهاد في الأحكام الشرعية، وإفساد
قول من قال: كل مجتهد مصيب، وتلخيص الاحتجاج
من خمسة أوجه: الأول: أنه لما كان
الإله سبحانه واحداً، والرسول صلى الله عليه وسلم واحداً
والكتاب واحداً، وجب أن يكون الحكم في الواقعة واحداً، كالملك الذي يرسل إلى
رعيته رسولاً بكتابٍ يأمرهم فيه بأوامر يقتضيها ملكه وإمرته، فإنه لا يجوز أن
تتناقض أوامره، ولو تناقضت لنسب إلى السفه والجهل. والثاني
حق، ويلزم منه تحريم الاختلاف. وإن كان الثاني،
فإما أن يكون الله تعالى أنزل الشرع تاماً فقصر الرسول عن تبليغه، أو يكون
الرسول قد أبلغه على تمامه وكماله؛ فإن كان الأول
فهو كفر أيضاً؛ وإن كان الثاني فقد بطل
الاجتهاد، لأن الاجتهاد إنما يكون فيما لم يتبين؛ فإما ما قد بين للاجتهاد فيه. وقد تكلم عليها
أصحابنا في كتبهم، وقالوا:
إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يجتهد ويقيس، وادعوا إجماع الصحابة على صحة
الاجتهاد والقياس، ودفعوا صحة هذا الكلام المنسوب في هذا الكتاب إلى أمير المؤمنين
عليه
السلام، وقالوا: إنه من رواية الإمامية، وهو معارض بما ترويه الزيدية عنه وعن أبنائه عليه السلام في صحة القياس
والاجتهاد، ومخالطة
الزيدية لأئمة أهل البيت عليه السلام
كمخالطة الإمامية لهم؛ ومعرفتهم بأقوالهم وأحوالهم ومذاهبهم كمعرفة الإمامية، لا فرق بين الفئتين في ذلك. والزيدية قاطبةً
جاروديتها وصالحيتها تقول بالقياس
والاجتهاد، وينقلون في ذلك نصوصاً عن أهل
البيت عليه السلام. وإذا تعارضت تساقطتا، وعدنا إلى
الأدلة المذكورة في هذه المسألة. وقد تكلمت في
اعتبار الذريعة للمرتضى على احتجاجه في إبطال القياس والاجتهاد بما ليس هذا موضع
ذكره. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له قاله للأشعث بن قيس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وهو على منبر الكوفة يخطب، فمضى في بعض كلامه شيء اعترض
الأشعث فيه، فقال: يا أمير المؤمنين، هذه عليك لا لك، فخفض إليه بصره عليه
السلام، ثم قال : الأصل: وما
يدريك ما علي مما لي، عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين، حائك ابن حائٍك، منافق ابن
كافرٍ، والله لقد أسرك الكفر مرة والإسلام أخرى، فما فداك من واحدةٍ منها مالك
ولا حسبك. وإن
امرأً دل على قومه السيف، وساق إليهم الحتف، لحري أن يمقته الأقرب، ولا يأمنه
الأبعد. وقوله:
فما فداك، لا يريد به الفداء الحقيقي، فإن الأشعث فدي في الجاهلية بفداء يضرب به
المثل، فقال: أغلى فداء من الأشعث، وسنذكره، وإنما
يريد: ما دفع عنك الأسر مالك ولا حسبك. ويمقته:
يبغضه، والمقت: البغض. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من أخبار الأشعث بن قيس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اسم الأشعث معدي كرب، وأبوه قيس الأشج - سمي
الأشج، لأنه شج في بعض حروبهم - ابن معدي كرب بن معاوية بن معدي كرب بن
معاوية بن جبلة بن عبد العزى بن ربيعة بن معاوية الأكرمين بن الحارث بن معاوية
بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية ابن كندة بن عفير بن عدي بن الحارث
بن مرة بن أدد.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم قتيلة أخت الأشعث، فتوفي قبل
أن تصل إليه. وعلى
أحدها القشعم أبو جبر بن يزيد الأرقم. وعلى أحدها الأشعث، فأخطأوا مراداً، ولم يقعوا
عليهم، ووقعوا على بني الحارث بن كعب، فقتل كبس والقشعم أبو جبر، وأسر الأشعث، ففدي بثلاثة آلاف بعير، لم يفد بها
عربي بعده ولا قبله، فقال في ذلك عمرو بن معدي كرب الزبيدي:
وأما الأسر الثاني في الإسلام، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدمت كندة حجاجاً
قبل الهجرة، عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه عليهم، كما كان يعرض نفسه
على أحياء العرب، فدفعه بنو وليعة من بني عمرو بن معاوية ولم يقبلوه، فلما هاجر
صلى الله عليه وسلم وتمهدت دعوته، وجاءته وفود العرب، جاءه وفد كندة، فيهم
الأشعث وبنو وليعة، فأسلموا، فأطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم بني وليعة طعمة
من صدقات حضرموت، وكان استعمل على حضرموت زياد بن لبيد البياضي الأنصاري، فدفعها
زياد إليهم، فأبوا أخذها، وقالوا: لا ظهر لنا ، فابعث بها إلى بلادنا على ظهرٍ
من عندك، فأبى زياد، وحدث بينهم وبين زياد شر كاد يكون حرباً، فرجع منهم قوم إلى
رسول الله صلى
الله عليه وسلم،
وكتب زياد إليه عليه السلام يشكوهم. قال عمر بن
الخطاب: فما تمنيت الإمارة إلا يومئذ، وجعلت أنصب له صدري رجاء أن يقول:
هو هذا، فأخذ بيد علي عليه السلام،
وقال: " هو هذا ". ولما حج رسول الله صلى
الله عليه وسلم حجة الوداع، وانتهى إلى فم
الشعب دخل أسامة بن زيد ليبول، فانتظره رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان أسامة أسود أفطس - فقال
بنو وديعة: هذ الحبشي حبسنا! فكانت الردة في أنفسهم. قال أبو جعفر محمد بن جرير: فأمر أبو بكر زياداً على حضرموت، وأمره بأخذ البيعة على
أهلها واستيفاء صدقاتهم، فبايعوه إلا بني وليعة، فلما خرج ليقبض الصدقات من بني
عمرو بن معاوية، أخذ ناقة لغلام منهم يعرف بشيطان بن حجر - وكانت صفية نفيسة، اسمها شذرة- فمنعه الغلام عنها.
وقال:
خذ غيرها، فأبى زياد ذلك ولج، فاستغاث شيطان بأخيه العداء بن حجر، فقال لزياد: دعها وخذ غيرها، فأبى زياد ذلك، ولج
الغلامان في أخذها، ولج زياد وقال لهما: لا
تكونن شذرة عليكما كالبسوس فهتف الغلامان:
يا لعمرو! أنضام ونضطهد! إن الذليل من أكل في داره. وهتفا بمسروق بن معدي كرب، فقال مسروق لزياد: أطلقها، فأبى، فقال مسروق:
ثم
قام فأطلقها، فاجتمع إلى زياد بن لبيد أصحابه، واجتمع بنو وليعة، وأظهروا أمرهم،
فبيتهم زياد وهم غارون ، فقتل منهم جمعاً كثيراً، ونهب وسبى، ولحق فلهم بالأشعث
بن قيس، فاستنصروه فقال: لا أنصركم حتى تملكوني عليكم. فملكوه
وتوجوه كما يتوج الملك من قحطان. فخرج إلى زياد في جمعٍ كثيف، وكتب أبو بكر إلى
المهاجر بن أبي أمية وهو على صنعاء أن يسير بمن معه إلى زياد، فاستخلف على
صنعاء، وسار إلى زياد، فلقوا الأشعث، فهزموه وقتل مسروق، ولجأ الأشعث والباقون
إلى الحصن المعروف بالنجير . فحاصرهم
المسلمون حصاراً شديداً حتى ضعفوا، ونزل الأشعث ليلاً إلى المهاجر وزياد،
فسألهما الأمان على نفسه حتى يقدما به على أبي بكر فيرى فيه رأيه، على أن يفتح
لهم الحصن ويسلم إليهم من فيه. وكان مراده عليه السلام: هذا جزاؤكم إذ تركتم الرأي
والحزم، وأصررتم على إجابة القوم إلى التحكيم؛ فظن
الأشعث أنه أراد: هذا جزائي حيث تركت الرأي والحزم وحكمت، لأن هذه اللفظة
محتملة، ألا ترى أن الرئيس إذا شغب عليه جنده وطلبوا
منه اعتماد أمرٍ ليس بصواب، فوافقهم تسكيناً
لشغبهم لا استصلاحاً لرأيهم، ثم ندموا بعد ذلك، قد
يقول: هذا جزاء من ترك الرأي، وخالف وجه الحزم؛ ويعني بذلك أصحابه؛ وقد يقوله يعني به نفسه حيث وافقهم أمير المؤمنين عليه
السلام، إنما عنى ما ذكرناه دون ما خطر للأشعث، فلما
قال له: هذه عليك لا لك، قال له: وما
يدريك ما علي مما لي، عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين! وكان الأشعث من
المنافقين في خلافة علي عليه
السلام،
وهو في أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام،
كما كان عبد الله بن أبي بن سلول
في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كل
واحد منهما رأس النفاق في زمانه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في تهويل ما بعد الموت وتعظيمه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
فإنكم لو قد عاينتم ما قد عاين من مات منكم، لجزعتم ووهلتم، وسمعتم وأطعتم، ولكن
محجوب عنكم ما قد عاينوا؛ وقريب ما يطرح الحجاب. ويمكن أن يعني به ما يعاينه المحتضر من ملك الموت وهول قدومه. ويمكن أن يعني به ما كان عليه السلام يقوله عن نفسه: إنه لا يموت ميت حتى يشاهده عليه
السلام حاضراً عنده. والشيعة تذهب إلى هذا
القول وتعتقده، وتروي عنه عليه السلام شعراً للحارث الأعور الهمداني:
وليس هذا بمنكر؛ إن صح أنه عليه السلام قاله عن نفسه، ففي الكتاب العزيز ما يدل على أن أهل الكتاب لا يموت
منهم ميت حتى يصدق بعيسى بن مريم عليه السلام، وذلك قوله: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمن به قبل موته ويوم
القيامة يكون عليهم شهيداً " ؛ قال
كثير من المفسرين: معنى ذلك أن كل ميت من اليهود وغيرهم من أهل الكتاب
السالفة إذا احتضر رأى المسيح عيسى عنده، فيصدق به من لم يكن في أوقات التكليف
مصدقاً به. فقيل: إنه بكى حتى سقط. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في موعظة الناس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
فإن الغاية أمامكم، وإن وراءكم الساعة تحدوكم. وقد نبهنا في كتاب الخصائص على عظم قدرها، وشرف
جوهرها. ثم قال:
وإن وراءكم الساعة تحدوكم، أي تسوقكم، وإنما جعلها وراءنا، لأنها إذا وجدت ساقت
الناس إلى موقف الجزاء كما يسوق الراعي الإبل، فلما كانت سائقةً لنا، كانت
كالشيء يحفز الإنسان من خلفه، ويحركه من ورائه، إلى جهة ما بين يديه. ومعنى قوله: وراءكم
الساعة أي قدامكم. والنطفة: ما صفا من الماء، وما
أنقع هذا الماء! أي ما أرواه للعطش! |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له بعدما اتهموه بقتل عثمان
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
ألا وإن الشيطان قد ذمر حزبه، واستجلب جلبه، ليعود الجور إلى أوطانه، ويرجع
الباطل إلى نصابه. هبلتم الهبول! لقد كنت وما أهدد بالحرب؛ ولا
أرهب بالضرب. وإني لعلى يقينٍ من ربي، وغير شبهةٍ من ديني. وروي: ليعود الجور إلى أقطابه. والقطاب:
مزاج الخمر بالماء، أي ليعود الجور ممتزجاً بالعدل كما كان. ويجوز أن يعني بالقطاب قطاب الجيب، وهو مدخل
الرأس فيه، أي ليعود الجور إلى لباسه وثوبه. وقال الراوندي: يا خيبة الداعي؛ تقديره: يا هؤلاء، فحذف المنادى، ثم قال: خيبة الداعي، أي خاب الداعي خيبةً. وهذا ارتكاب ضرورة لا حاجة إليها، وإنما يحذف المنادى في المواضع التي دل الدليل فيها على
الحذف، كقوله:
وأيضاً، فإن
المصدر الذي لا عامل فيه غير جائز حذف عامله، وتقدير حذفه تقدير ما لا دليل
عليه. وهبلته أمه، بكسر الباء: ثكلته. وقوله: لقد
كنت وما أهدد بالحرب، معناه: ما زلت لا أهدد بالحرب، والواو زائدة. وهذه الكلمة فصيحة
كثيراً ما تستعملها العرب. وقد ورد في القرآن العزيز كان بمعنى ما زال في
قوله: "وكان الله عليماً حكيماً "
ونحو ذلك من الآي، معنى ذلك: لو يزل الله
عليماً حكيماً. والذي تأوله الله
تعالى في: تكملة الغرر والدرر،
كلام متكلف، والوجه الصحيح ما
ذكرناه. ألا هبلتهم الهبول، لقد كنت وما
أهدد بالحرب، ولا أرهب بالضرب! ولقد أنصف القارة من راماها ، فليرعدوا وليبرقوا،
فقد رأوني قديماً، وعرفوا نكايتي، فكيف رأوني! أنا
أبو الحسن، الذي فللت حد المشركين، وفرقت جماعتهم. وبذلك القلب ألقى
عدوي اليوم، وإني لعلى ما وعدني ربي من النصر والتأييد، وعلى يقينٍ من أمري، وفي
غير شبهة من ديني. اللهم إن الزبير
قطع رحمي، ونكث بيعتي، وظاهر علي عدوي، فاكفنيه اليوم بما شئت، ثم نزل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
خطبة علي في المدينة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أن كلام أمير
المؤمنين عليه السلام وكلام أصحابه وعماله في واقعة الجمل، كله يدور على هذه المعاني
التي اشتملت عليها ألفاظ هذا الفصل؛ فمن ذلك الخطبة التي رواها أبو الحسن علي بن
محمد المدائني، عن عبد الله بن جنادة، قال: قدمت من
الحجاز أريد العراق، في أول إمارة علي عليه السلام،
فمررت بمكة. فاعتمرت، ثم قدمت المدينة، فدخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ نودي:
الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، وخرج علي عليه السلام متقلداً
سيفه، فشخصت الأبصار نحوه، فحمد الله وصلى على رسوله صلى الله عليه وسلم ثم قال: أما بعد، فإنه لما قبض الله نبيه
صلى الله عليه وسلم، قلنا: نحن أهله وورثته
وعترته، وأولياؤه دون الناس، لا ينازعنا سلطانه أحد، ولا يطمع في حقنا طامع؛ إذ
انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا، فصارت الإمرة لغيرنا. وصرنا سوقة، يطمع فينا الضعيف؛
ويتعزز علينا الذليل؛ فبكت الأعين منا لذلك، وخشنت الصدور، وجزعت النفوس. وايم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن
يعود الكفر، ويبور الدين، لكنا على غير ما كنا لهم عليه، فولي الأمر ولاة لم
يألوا الناس خيراً، ثم استخرجتموني أيها الناس من بيتي، فبايعتموني علي شينٍ مني
لأمركم، وفراسة تصدقني ما في قلوب كثير منكم، وبايعني هذان الرجلان في أول من
بايع، تعلمون ذلك، وقد نكثنا وغدرا، ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا جماعتكم،
ويلقيا بأسكم بينكم. اللهم فخذهما بما عملا أخذةً رابيةً ، لهما ولا تنعش لهما
صرعة، ولا تقل لهما عثرة، ولا تمهلهما فواقا ، فإنهما يطلبان حقاً تركاه، ودماً
سفكاه. اللهم إني اقتضيك وعدك، فإنك قلت
وقولك حق: " ثم بغي عليه لينصرنه الله " اللهم
فأنجز لي موعدك، ولا تكلني إلى نفسي، إنك على كل شيء قدير، ثم نزل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
خطبته عند مسيره
إلى البصرة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وروى الكلبي قال: لما
أراد علي عليه السلام المسير
إلى البصرة، قام فخطب الناس، فقال بعد أن حمد الله و صلى على رسوله صلى الله عليه: إن الله لما قبض نبيه، استأثرت
علينا قريش بالأمر، ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة، فرأيت أن الصبر على
ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين، وسفك دمائهم. والناس حديثو عهد الإسلام، والدين
يمخض مخض الوطب ، يفسده أدنى وهن، ويعكسه أقل خلف. فولي الأمر قوم لم يألوا في أمرهم اجتهاداً،
ثم انتقلوا إلى دار الجزاء، والله وليّ تمحيص سيئاتهم، والعفو عن هفواتهم. فما بال طلحة والزبير، وليسا من
هذا الأمر بسبيل! لم يصبرا علي حولاً ولا شهراً حتى وثبا ومرقا، ونازعاني أمراً
لم يجعل الله لهما إليه سبيلاً، بعد أن بايعا طائعين غير مكرهين، يرتضعان أماً
قد فطمت، ويحييان بدعةً قد أميتت. أدم عثمان زعما! والله ما التبعة إلا عندهم
وفيهم، وإن أعظم حجتهم لعلى أنفسهم، وأنا راضٍ بحجة الله عليهم وعمله، فإن فاءا وانابا فحظهما أحرزا، وأنفسهما غنما،
وأعظم بها غنيمة!وإن أبيا أعطيتهما حد
السيف، وكفى به ناصراً لحق، وشافياً لباطل، ثم نزل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
خطبته بذي قار
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وروى أبو مخنف عن
زيد بن صوحان، قال: شهدت علياً عليه السلام بذي قار،
وهو معتم بعمامة سوداء، ملتفٍ بساجٍ يخطب، فقال في
خطبة: الحمد لله على كل أمر وحال، وفي الغدو والآصال، وأشهد أن لا إله
إلا الله، وان محمداً عبده ورسوله، ابتعثه رحمة للعباد، وحياة للبلاد، حين امتلأت
الأرض فتنة، واضطرب حبلها، وعبد الشيطان في أكنافها، واشتمل عدو الله إبليس على
عقائد أهلها، فكان محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب، الذي أطفأ الله به نيرانها،
وأخمد به شرارها، ونزع به أوتادها، وأقام به ميلها، إمام الهدى، والنبي المصطفى صلى
الله عليه وسلم، فلقد صدع بما أمر به، وبلغ
رسالات ربه، فأصلح الله به ذات البين، وآمن به السبل، وحقن به الدماء، وألف به
بين ذوي الضغائن الواغرة في الصدور، حتى أتاه اليقين، ثم قبضه الله إليه حميداً. ثم استخلف الناس أبا بكر،
فلم يأل جهده، ثم استخلف أبو بكر عمر فلم
يأل جهده، ثم استخلف الناس عثمان، فنال
منكم، ونلتم منه، حتى إذا كان من أمره ما كان، أتيتموني لتبايعوني، لا حاجة لي
في ذلك، ودخلت منزلي، فاستخرجتموني فقبضت يدي فبسطتموها، وتداككتم علي، حتى ظننت
أنكم قاتلي، وأن بعضكم قاتل بعض، فبايعتموني وأنا غير مسرور بذلك ولا جزل. ويا عجبا لاستقامتهما لأبي بكر وعمر وبغيهما
علي!
وهما يعلمان أني لست دون أحدهما، ولو شئت أن أقول لقلت، ولقد كان معاوية كتب
إليهما من الشام كتاباً يخدعهما فيه، فكتماه عني، وخرجا يوهمان الطغام أنهما
يطلبان بدم عثمان؛ والله ما أنكرا علي منكراً، ولا جعلا بيني وبينهم نصفاً، وإن
دم عثمان لمعصوب بهما، ومطلوب منهما. يا خيبة الداعي! إلام دعا! وبماذا أجيب؟
والله إنهما لعلى ضلالةٍ صماء، وجهالة عمياء، وإن الشيطان قد ذمر لهما حزبه،
واستجلب منهما خيله ورجله، ليعيد الجور إلى أوطانه، ويرد الباطل إلى نصابه. قال أبو مخنف:
فقام إليه الأشتر فقال: الحمد لله الذي من علينا فأفضل،
وأحسن إلينا فأجمل، قد سمعنا كلامك يا أمير المؤمنين، ولقد أصبت ووفقت، وأنت ابن
عم نبينا وصهره ووصيه، وأول مصدق به، ومصل معه، شهدت مشاهده كلها، فكان لك الفضل
فيها على جميع الأمة، فمن اتبعك أصاب حظه، واستبشر بفلجه ، ومن عصاك، ورغب عنك،
فإلى أمه الهاوية! لعمري يا أمير المؤمنين ما أمر طلحة والزبير وعائشة علينا
بمخيل، ولقد دخل الرجلان فيما دخلا فيه، وفارقا على غير حدث أحدثت، ولا جور
صنعت؛ فإن زعما أنهما يطلبان بدم عثمان فليقيدا من أنفسهما فإنهما أول من ألب
عليه وأغرى الناس بدمه، وأشهد الله، لئن لم يدخلا فيما خرجا منه لنلحقهما
بعثمان، فإن سيوفنا في عواتقنا ، وقلوبنا في صدورنا، ونحن اليوم كما كنا أمس. ثم
قعد. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في قسمة الأرزاق بين الناس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما
بعد، فإن الأمر ينزل من السماء إلى الأرض كقطر المطر إلى كل نفسٍ بما قسم لها من
زيادةٍ أو نقصانٍ، فإن رأى أحدكم لأخيه غفيرة في أهلٍ أو مالٍ أو نفسٍ، فلا
تكونن له فتنةً، فإن المرء المسلم ما لم يعش دناءةً تظهر فيخشع لها إذا ذكرت
ويغرى بها لئام الناس، كان كالفالج الياسر الذي ينتظر أول فوزةٍ من قداحه توجب
له المغنم، ويرفع عنه بها المغرم. وكذلك المرء المسلم البريء من
الخيانة ينتظر من الله إحدى الحسنيين، إما داعي الله فما عند الله خير له، وإما
رزق الله، فإذا هو ذو أهلٍ ومالٍ، ومعه دينه وحسبه. نسأل الله منازل الشهداء، ومعايشة السعداء،
ومرافقة الأنبياء. ومن يقبض يده عن عشيرته؛ فإنما
تقبض منه عنهم يد واحدة، وتقبض منهم عنه أيدٍ كثيرة، ومن تلن حاشيته يستدم من
قومه المودة. وفي الكلام تقديم
وتأخير، تقديره: كالياسر الفالج، أي كاللاعب بالقداح المحظوظ منها، وهو
من باب تقديم الصفة على الموصوف، كقوله تعالى: "
وغرابيب سود " ، وحسن ذلك ههنا أن اللفظتين صفتان، وإن كانت إحداهما
مرتبةً على الأخرى. والخصاصة: الفقر، يقول: القضاء
والقدر ينزلان من السماء إلى الأرض كقطر المطر، أي مبثوث في جميع أقطار الأرض
إلى كل نفس بما قسم لها من زيادة أو نقصان، في المال والعمر والجاه والولد وغير
ذلك. فإذا رأى أحدكم لأخيه زيادة في رزق
أو عمر أو ولد وغير ذلك، فلا يكونن ذلك له فتنة تفضي به إلى الحسد، فإن الإنسان
المسلم إذا كان غير مواقع لدناءة وقبيح يستحي من ذكره بين الناس، ويخشع إذا قرع
به، ويغرى لئام الناس بهتك ستره به، كاللاعب بالقداح؛ المحظوظ منها، ينتظر أول
فوزة وغلبة من قداحه، تجلب له نفعاً، وتدفع عنه ضراً، كذلك من وصفنا حاله، يصبر
وينتظر إحدى الحسنيين، إما أن يدعوه الله فيقبضه إليه، ويستأثر به، فالذي عند
الله خير له. وإما أن ينسأ في أجله، فيرزقه الله أهلاً ومالاً، فيصبح وقد اجتمع
له ذلك مع حسبه ودينه ومروءته المحفوظة عليه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
النهي عن الحسد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أن مصدر هذا الكلام النهي عن الحسد، وهو من أقبح الأخلاق
المذمومة. وروى ابن مسعود
عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ألا لا تعادوا نعم الله "،
قيل: يا رسول الله، ومن الذي يعادي نعم الله؟ قال: " الذين يحسدون الناس
".
ومن الكلام المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام: لله در الحسد! ما
أعدله! بدأ بصاحبه فقتله.
وتذاكر قوم من ظرفاء البصرة الحسد، فقال رجل منهم: إن الناس ربما حسدوا على الصلب،
فأنكروا ذلك، ثم جاءهم بعد ذلك بأيام، فقال: إن الخليفة قد أمر بصلب الأحنف بن
قيس، ومالك بن مسمع، وحمدان الحجام؛ فقالوا: هذا الخبيث يصلب مع هذين الرئيسين! فقال:
ألم أقل لكم إن الناس يحسدون على الصلب! وروى أنس بن مالك مرفوعاً: إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
وقال
آخر:
ومن كلام الحكماء:
إياك والحسد، فإنه يبين فيك ولا يبين في المحسود. بينا عبد الملك بن صالحٍ يسير مع الرشيد في موكبه، إذ هتف هاتف: يا أمير المؤمنين، طأطئ من
إشرافه، وقصر من عنانه، واشدد من شكاله - وكان عبد الملك متهماً عند الرشيد
بالطمع في الخلافة - فقال الرشيد: ما يقول هذا؟ فقال
عبد الملك: مقال حاسد ودسيس حاقدٍ يا أمير المؤمنين. قال: قد صدقت، نقص القوم وفضلتهم، وتخلفوا
وسبقتهم؛ حتى برز شأوك، وقصر عنك غيرك، ففي صدورهم جمرات التخلف، وحزازات
التبلد. قال عبد الملك: فأضرمها يا أمير المؤمنين عليهم
بالمزيد، وقال شاعر:
ومن كلام عبد الله بن المعتز: إذا زال المحسود عليه، علمت أن الحاسد كان يحسد على غير
شيء.
ومن كلامهم:
ما خلا جسد عن حسد.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأمر بالصبر وانتطار الفرج
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم
أنه عليه السلام بعد أن نهى عن الحسد أمر الصبر وانتظار الفرج من الله، إما بموت
مريح، أو بظفر بالمطلوب.
ومن كلامهم:
الصبر مر، لا يتجرعه إلا حر.
والأمر
يذكر بالأمر، وهذا البيت هو الذي قاله له الحجاج يوم قتله، ذكر ذلك أبو بكر محمد
بن القاسم بن بشار الأنباري في الأمالي قال:
لما أتي الحجاج بأعشى همدان أسيراً؛ وقد كان خرج مع ابن الأشعث، قال له: يابن اللخناء ! أنت القائل لعدو الرحمن - يعني عبد الرحمن ابن محمد بن الأشعث:
ثم قال: عبد
الرحمن خر من زلقٍ فتب، وخسر وانكب، وما لقي ما أحب. ورفع بها صوته، واهتز منكباه، ودر ودجاه ،
واحمرت عيناه، ولم يبق في المجلس إلا من هابه، فقال:
أيها الأمير، وأنا القائل:
فالتفت الحجاج إلى من حضر، فقال: ما تقولون؟ قالوا: لقد أحسن أيها الأمير، ومحا بآخر قوله
أوله، فليسعه حلمك. فقال: لا ها الله لم يرد ما ظننتم، وإنما أراد
تحريض أصحابه، ثم قال له: ويلك! ألست القائل:
أما
والله لتظلمن عليك غيابة لا تنكشف أبداً، ألست
القائل في عبد الرحمن:
والله لا يبخبخ بعدها أبداً: يا حرسي اضرب عنقه. فقال: إني
أعده لشر يوم طويل وإن الصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذاب الله. قال العتابي:
ومن كلام علي عليه السلام:
الصبر مفتاح الظفر، والتوكل على الله رسول الفرج، ومن
كلامه عليه السلام: انتظار الفرج بالصبر عبادة. وأحفظ
في التماسك والتجلد قصائد، ولا أحفظ في التهافت قافية، وقال
الشاعر:
أبو
حية النميري :
ووصف الحسن البصري علياً عليه السلام، فقال: كان لا يجهل، وإن جهل عليه حلم. ولا
يظلم، وإن ظلم غفر. ولا
يبخل، وإن بخلت الدنيا عليه صبر.
ومن كلام بعضهم: من تبصر تصبر. الصبر يفسح الفرج، ويفتح المرتتج. المحنة
إذا تلقيت بالرضا والصبر كانت نعمةً دائمة، والنعمة إذا خلت من الشكر كانت محنةً
لازمة. قيل لأبي مسلم صاحب الدولة. بم أصبت ما أصبت؟ قال: ارتديت بالصبر، واتزرت بالكتمان،
وحالفت الحزم، وخالفت الهوى، ولم أجعل العدو صديقاً، ولا الصديق عدواً.
من كلام أمير المؤمنين عليه السلام: أوصيكم بخمس لو ضربتم إليهن آباط
الإبل كانت لذلك أهلاً: لا يرجون أحدكم إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستحين
إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم، ولا يستحي إذا جهل أمراً أن يتعلمه.
وعليكم بالصبر، فإن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فكما لا خير في
إيمانٍ لا صبر معه، وعنه عليه السلام: لا
يعدم الصبور الظفر، وإن طال به الزمان.
علي عليه السلام: اطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين. وفي كتابه عليه السلام الذي كتبه إلى عقيل أخيه: ولا
تحسبن ابن أمك - ولو أسلمه الناس - متضرعاً متخشعاً، ولا مقراً للضيم واهناً،
ولا سلس الزمام للقائد، ولا وطئ الظاهر للراكب، ولكنه كما قال أخو بني سليم :
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
النهي عن الرياء والكذب
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم
أنه عليه السلام، بعد أن أمرنا بالصبر، نهى عن
الرياء في العمل، والرياء في العمل منهي عنه، بل العمل ذو الرياء ليس بعملٍ على
الحقيقة، لأنه لم يقصد به وجه الله تعالى. وأصحابنا المتكلمون يقولون: ينبغي أن يعمل المكلف الواجب لأنه واجب، ويجتنب القبيح
لأنه قبيح، ولا يفعل الطاعة ويترك المعصية رغبةً في الثواب، وخوفاً من العقاب؛
فإن ذلك يخرج عمله من أن يكون طريقاً إلى الثواب؛ وشبهوه بالاعتذار في الشيء؛
فإن من يعتذر إليك من ذنبٍ خوفاً أن تعاقبه على ذلك الذنب، لا ندماً على القبيح
الذي سبق منه، لا يكون عذره مقبولاً، ولا ذنبه عندك مغفوراّ. وهذا مقام جليل لا يصل إليه إلا الأفراد من ألوف الألوف. فكلمته في ذلك، وذكرت
صلاته وقيامه وصيامه، فقال لها: أما رأيت
البغلات الشهب التي كنا نراها تحت معاوية بالحجر إذا قدم مكة؟ قالت: بلى، قال: فإياها
يطلب ابن الزبير بصومه وصلاته! وفي الخبر المرفوع:
" إن أخوف ما أخاف على أمتي الرياء في العمل، ألا وإن الرياء في العمل هو
الشرك الخفي ":
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أهمية العشيرة والقبيلة والتقوي بهما
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ثم
إنه عليه السلام بعد نهيه عن الرياء وطلب السمعة، أمر بالاعتضاد بالعشيرة
والتكثر بالقبيلة، فإن الإنسان لا يستغني عنهم وإن كان ذا مال، وقد قالت الشعراء
في هذا المعنى كثيراً، فمن ذلك قول بعض شعراء الحماسة :
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
شعر الحماسة أيضاً :
ومن
شعر الحماسة أيضاً :
ومن
شعر الحماسة أيضاً :
ومن
شعر الحماسة أيضاً:
ومن
شعر الحماسة أيضاً :
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في الصدق والأريحية
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ثم
إنه عليه السلام ذكر أن لسان الصدق يجعله الله للمرء في الناس خيراً له من المال
يورثه غيره. ولسان
الصدق هو أن يذكر الإنسان بالخير، ويثنى عليه به، قال سبحانه: " واجعل لي لسان صدقٍ في الآخرين " .
وقال يزيد بن المهلب: المال والحياة أحب شيء إلى الإنسان، والثناء الحسن أحب
إلي منهما، ولو أني أعطيت ما لم يعطه أحد لأحببت أن يكون لي أذن أسمع بها ما
يقال فيّ غداً وقد مت كريماً.
بعض المحدثين:
ومن أمثال الفرس: كل ما يؤكل ينتن، وكل ما يوهب يأرج، وقال أبو الطيب:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في صلة الرحم
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ثم إنه عليه السلام بعد أن قرظ
الثناء والذكر الجميل، وفضله على المال، أمر بمواساة الأهل، وصلة الرحم، وإن قل
ما يواسي به، فقال: ألا لا يعدلن أحدكم عن
القرابة...، إلى آخر الفصل، وقد قال الناس في هذا المعنى فأكثروا، فمن ذلك قول زهير:
وقال عثمان:
إن عمر كان يمنع أقرباءه وجه الله، وأنا أعطيتهم ابتغاء وجه الله، ولن تروا مثل
عمر.
ومن
شعر الحماسة :
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في الحث على قتال الخوارج
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: ولعمري
ما علي من قتال من خالف الحق، وخابط الغي، من إدهانٍ ولا إيهان. فاتقوا
الله عباد الله، وفروا إلى الله من الله، وامضوا في الذي نهجه لكم، وقوموا بما
عصبه بكم، فعلي ضامن لفلجكم آجلاً إن لم تمنحوه عاجلاً. ونهجه:
أوضحه وجعله نهجاً، أي طريقاً بيناً. وعصبه
بكم: ناطه بكم وجعله كالعصابة التي تشد بها الرأس. والفلج:
الفوز والظفر. وقد
نظر الفرزدق إلى هذا فقال:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له وقد تواترت عليه الأخبار
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
باستيلاء أصحاب معاوية على البلاد، وقدم عليه عاملاه على
اليمن، وهما عبيد الله بن عباس وسعيد بن نمران، لما غلب عليهما بسر بن أرطأة،
فقام عليه السلام على المنبر ضجراً بتثاقل أصحابه عن الجهاد، ومخالفتهم له في
الرأي؛ فقال : الأصل:
ما هي إلا الكوفة أقبضها وأبسطها، إن لم يكن إلا أنت تهب أعاصيرك فقبحك الله!
وتمثل بقول الشاعر:
ثم قال عليه السلام: أنبئت بسراً قد اطلع اليمن، وإني والله لأظن أن هؤلاء
القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم، وبمعصيتكم إمامكم في
الحق، وطاعتهم إمامهم في الباطل، وبأدائهم الأمانة إلى صاحبهم وخيانتكم،
وبصلاحهم في بلادهم وفسادكم، فلو ائتمنت أحدكم على قعبٍ لخشيت أن يذهب بعلاقته.
ثم
نزل عليه السلام من المنبر. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من أخبار معاوية بن أبي سفيان
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومعاوية هو
أبو عبد الرحمن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن
أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. وأمه هند
بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. وهي أم أخيه عتبة بن أبي
سفيان. فأما يزيد بن أبي سفيان، ومحمد بن أبي سفيان، وعنبسة بن أبي
سفيان، وحنظلة ابن أبي سفيان، وعمرو بن أبي سفيان، فمن
أمهات شتى. قال خالد:
أفعلى الوليد تعول يا أمير المؤمنين! قال عبد الملك: إن كان الوليد يلحن فإن أخاه
سليمان لا. فقال خالد: وإن كان عبد الله يلحن، فإن أخاه
خالداً لا، فالتفت الوليد إلى خالد وقال له:
اسكت ويحك! فوالله ما تعد في العير ولا في النفير، فقال: اسمع يا أمير المؤمنين،
ثم التفت إلى الوليد، فقال له: ويحك! فمن صاحب العير والنفير غير جدي أبي سفيان
صاحب العير، وجدي عتبة صاحب النفير! ولكن لو قلت: غنيمات وحبيلات والطائف، ورحم
الله عثمان، لقلنا: صدقت. والعنابس: حرب، وأبو حرب، وسفيان. فبنو مروان وعثمان من الأعياص، ومعاوية وابنه من العنابس؛ ولكل واحد من الصنفين
المذكورين وشيعتهم كلام طويل، واختلاف شديد في تفضيل بعضهم على بعض، وكانت هند تذكر في مكة بفجور وعهر. قال: وقد كان أبو سفيان دميماً قصيراً، وكان
الصباح عسيفاً لأبي سفيان، شاباً وسيماً، فدعته هند إلى نفسها فغشيها. وفي
هذا المعنى يقول حسان أيام المهاجاة بين المسلمين والمشركين في حياة رسول الله
صلى الله عليه وسلم قبل عام الفتح:
والذين نزهوا هند عن هذا القذف
رووا غير هذا. فروى أبو عبيدة
معمر بن المثنى أن هنداً كانت تحت الفاكه بن المغيرة المخزومي، وكان له بيت
ضيافة يغشاه الناس، فيدخلونه من غير إذن، فخلا ذلك البيت يوماً، فاضطجع
فيه الفاكه وهند، ثم قام الفاكه وترك هنداً في البيت لأمر عرض له، ثم عاد إلى
البيت، فإذا رجل قد خرج من البيت، فأقبل إلى هند فركلها
برجله، وقال: من الذي كان عندك؟ فقالت: لم يكن عندي أحد، وإنما كنت نائمة.
فقال: الحقي بأهلك، فقامت من فورها إلى أهلها، فتكلم الناس في ذلك، فقال لها عتبة أبوها: يا بنية، إن الناس قد أكثروا
في أمرك، فأخبريني بقصتك على الصحة، فإن كان لك ذنب دسست إلى الفاكه من يقتله،
فتنقطع عنك القالة. فحلفت أنها لا تعرف لنفسها جرماً،
وإنه لكاذب عليها. فقال عتبة
للفاكه: إنك قد رميت ابنتي بأمر عظيم، فهل لك أن تحاكمني إلى بعض الكهنة؟
فخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم، وخرج عتبة في جماعة من بني عبد مناف، وأخرج
معه هنداً ونسوة معها، فلما شارفوا بلاد الكاهن
تغيرت حال هند، وتنكر أمرها، واختطف لونها. فرأى ذلك أبوها،
فقال لها: إني أرى ما بك، وما ذاك إلا لمكروه
عندك! فهلا كان هذا قبل أن يشتهر عند
الناس مسيرنا! قالت: يا أبت، إن
الذي رأيت مني ليس لمكروه عندي، ولكني أعلم أنكم تأتون بشراً يخطئ ويصيب، ولا
آمن أن يسمني ميسماً يكون علي عند نساء مكة. قال لها: فإني
سأمتحنه قبل المسألة بأمر. ثم صفر بفرس له فأدلى ، ثم أخذ حبة بر فأدخلها في
إحليله، وشده بسير وتركه؛ حتى إذا وردوا على الكاهن أكرمهم ونحر لهم، فقال عتبة: إنا قد جئناك لأمر، وقد خبأت لك
خبيئاً أختبرك به، فانظر ما هو؟ فقال: ثمرة في كمرة
، فقال: أبين من هذا، قال: حبة بر، في إحليل
مهر، قال: صدقت، انظر الآن في أمر هؤلاء النسوة. فجعل يدنو من واحدة
واحدة منهن، ويقول: انهضي،
حتى صار إلى هند، فضرب على كتفها، وقال: انهضي غير رقحاء ولا زانية، ولتلدن ملكاً يقال له معاوية، فوثب إليها الفاكه، فأخذها
بيده وقال: قومي إلى بيتك، فجذبت يدها من يده، وقالت:
إليك عني، فوالله لا كان منك، ولا كان إلا من غيرك! فتزوجها أبو
سفيان بن حرب. ومنها عشرون
سنة خليفة إلى أن مات في سنة ستين، ومر به إنسان وهو غلام يلعب مع الغلمان، فقال: إني أظن هذا الغلام سيسود قومه، فقالت هند: ثكلته إن كان لا يسود إلا قومه! ولم يزل معاوية ذا همة عالية، يطلب معالي
الأمور، ويرشح نفسه للرياسة، وكان أحد كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل توبة
الكافر، وإني رددت الحكم عمي لأنه تاب، فقبلت توبته، ولو كان بينه وبين أبي بكر
وعمر من الرحم ما بين وبينه لآوياه. فأما ما نقمتم علي أني أعطيت من
مال الله، فإن الأمر إلي، أحكم في هذا المال بما آراه صلاحاً للأمة، وإلا فلماذا
كنت خليفة! فقطع عليه الكلام معاوية وقال للمسلمين الحاضرين عنده: أيها
المهاجرون، قد علمتم أنه ليس منكم رجل إلا وقد كان قبل الإسلام مغموراً في قومه،
تقطع الأمور من دونه، حتى بعث الله رسوله فسبقتم إليه، وأبطأ عنه أهل الشرف والرياسة،
فسدتم بالسبق لا بغيره؛ حتى إنه ليقال اليوم: رهط فلان، وآل فلان؛ ولم يكونوا
قبل شيئاً مذكوراً، وسيدوم لكم هذا الأمر ما استقمتم، فإن تركتم شيخنا هذا يموت
على فراشه وإلا خرج منكم، ولا ينفعكم سبقكم وهجرتكم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بسر بن أرطأة ونسبه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وأما بسر بن أرطأة، فهو بسر بن أرطاة - وقيل بن أبي أرطاة - بن عويمر بن عمران
بن الحليس بن سيار بن نزار بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن
النضر ابن كنانة.
في أبيات مشهورة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أخبار عبيد الله بن العباس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكان
عبيد الله عامل علي عليه السلام على اليمن،
وهو عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف بن قصي.
ويقال:
ما رثي قبور إخوة أكثر تباعداً من قبور بني العباس رحمه
الله تعالى: قبر عبد الله بالطائف، وقبر عبيد الله بالمدينة، وقبر قثم
بسمرقند، وقبر عبد الرحمن بالشام، وقبر معبد بإفريقية، ثم نعود إلى شرح الخطبة: الأعاصير: جمع
إعصار، وهي الريح المستديرة على نفسها، قال الله تعالى: " فأصابها إعصار فيه نار " . فلم يقدم أحد منهم على الدنو منه، حتى رموا
فرسه بسهم، فشب من تحته، فوقع وهو ميت، وفاتتهم الظعائن، وقال الشاعر :
وقوله عليه السلام: ما هي إلا الكوفة، أي ما ملكتي إلا الكوفة. أقبضها
وأبسطها، أي أتصرف فيها كما يتصرف الإنسان في ثوبه، يقبضه ويبسطه كما يريد. الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين. إياك نعبد وإياك نستعين " ، يقول: إن لم يكن لي من الدنيا ملك
إلا ملك الكوفة ذات الفتن، والاراء المختلفة، فأبعدها الله! وشبه ما كان يحدث من
أهلها من الاختلاف والشقاق
بالأعاصير؛
لإثارتها التراب وإفسادها الأرض. ثم
ذكر علة إدالة أهل الشام من أهل العراق؛ وهي اجتماع كلمتهم وطاعتهم لصاحبهم،
وأداؤهم الأمانة وإصلاحهم بلادهم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
عصيان أهل العراق على الأمراء
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقال أبو عثمان الجاحظ: العلة في عصيان أهل العراق على الإمراء وطاعة أهل الشام
أن أهل العراق أهل نظرٍ وذوو فطن ثاقبة، ومع الفطنة والنظر يكون التنقيب والبحث،
ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال، والتمييز بين
الرؤساء، وإظهار عيوب الأمراء. وأهل الشام ذوو بلادة وتقليدٍ وجمود على رأي
واحد، لا يرون النظر، ولا يسألون عن مغيب الأحوال، وما زال العراق موصوفاً أهله
بقلة الطاعة، وبالشقاق على أولي الرئاسة. أما
والله لألحونكم لحو العصا، ولأعصبنكم عصب السلم، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل؛ إني
أسمع لكم تكبيراً ليس بالتكبير الذي يراد به الترغيب؛ ولكنه تكبير الترهيب.
والله
لا تقرع عصاً عصاً إلا جعلتها كأمس الذاهب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومما خطب به في ذم أهل العراق
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعد وقعة دير الجماجم :
يا أهل العراق، يا أهل
الشقاق والنفاق، إن الشيطان استبطنكم، فخالط اللحم
والدم والعصب، والمسامع والأطراف والأعضاء والشغاف، ثم أفضى إلى الأمخاخ
والأصماخ؛ ثم ارتفع فعشش، ثم باض ففرخ، فحشاكم نفاقاً وشقاقاً، وملأكم غدراً
وخلافاً، اتخذتموه دليلاً تتبعونه، وقائداً تطيعونه، ومؤامراً تستشيرونه؛ فكيف
تنفعكم تجربة، أو تعظكم واقعة، أو يحجزكم إسلام، أو يعصمكم ميثاق! ألستم أصحابي
بالأهواز؛ حيث رمتم المكر، وسعيتم بالغدر، وظننتم أن الله يخذل دينه وخلافته؛
وأنا أرميكم بطرفي، وأنتم تتسللون لواذاً، وتنهزمون سراعاً! ثم يوم الزاوية ،
وما يوم الزاوية! بها كان فشلكم وكسلكم وتخاذلكم
وتنازعكم، وبراءة الله منكم، ونكول وليكم
عنكم، إذ وليتم كالإبل الشوارد إلى أوطانها، النوازع إلى أعطانها ؛ لا يسأل
المرء على أخيه، ولا يلوي الأب على بنيه، لما عضكم السلاح، وقمصتكم الرماح. ثم
يوم دير الجماجم ، وما يوم دير الجماجم! بها كانت المعارك والملاحم، بضربٍ يزيل
الهام عن مقيله ، ويذهل الخليل عن خليله. يا أهل العراق؛ ألم
تزجركم المواعظ! ألم تنبهكم الوقائع! ألم تردعكم الحوادث! ثم التفت إلى أهل الشام وهم حول المنبر، فقال: يا أهل الشام: إنما أنا لكم كالظليم الرامح عن
فراخه، ينفي عنها القذر ويباعد عنها الحجر، ويكنها من المطر، ويحميها من الضباب،
ويحرسها من الذئاب! يا أهل الشام؛ أنت الجنة والرداء، وأنتم العدة والحذاء. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في هذا المعنى وقد أراد الحج
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
يا أهل الكوفة، إني أريد الحج وقد
استخلفت عليكم ابني محمداً، وأوصيته بخلاف وصية رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الأنصار، فإنه أمر أن يقبل من
محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم، وإني قد أوصيته بألا يقبل من محسنكم، ولا يتجاوز عن
مسيئكم. ألا وإنكم ستقولون بعدي: لا أحسن الله له الصحابة! ألا وإني معجل لكم الجواب: لا أحسن الله لكم
الخلافة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في هذا المعنى
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
يا
أهل الكوفة؛ إن الفتنة تلقح بالنجوى ، وتنتج بالشكوى، وتحصد بالسيف؛ أما والله
إن أبغضتموني لا تضروني؛ وإن أحببتموني لا تنفعوني! وما أنا بالمستوحش لعداوتكم،
ولا المستريح إلى مودتكم؛ زعمتم أني ساحر وقد قال الله تعالى: " ولا يفلح الساحر " ، وقد أفلحت. وزعمتم
أني أعلم الاسم الأكبر؛ فلم تقاتلون من يعلم ما لا تعلمون! ثم التفت إلى أهل
الشام فقال: لأزواجكم أطيب من المسك، ولأبناؤكم آنس بالقلب من الولد؛ وما أنتم
إلا كما قال أخو ذبيان:
ثم قال:
بل أنتم يا أهل الشام؛ كما قال الله سبحانه: " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا
المرسلين، إنهم لهم المنصورون، وإن جندنا لهم الغالبون " .
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما قوله عليه السلام:
" اللهم أبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شراً مني "، ولا خير فيهم
ولا شر فيه عليه السلام، فإن أفعل ههنا
بمنزلته في قوله
تعالى: "
أفمن يلقى في النار خير أمن يأتي آمناً يوم القيامة " ، وبمنزلته في
قوله: " قل أذلك خير أم جنة الخلد " . وليس بجيد،
والصحيح ما ذكرناه.
وهذه الخطبة.
خطب بها أمير المؤمنين عليه السلام بعد فراغه من
صفين، وانقضاء أمر الحكمين والخوارج؛ وهي من أواخر خطبه عليه السلام. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفهرس باب المختار من الخطب والأوامر ابن ابي
الحديد. فمن خطبة له خلق السماء والأرض وخلق آدم.
تضارب الآراء في خلق الجنة والنار.
أديان العرب وفرقهم في الجاهلية.
ومن خطبة له بعد انصرافه من صفين...
لزوم ما لا يلزم أحد أنواع البديع.
ومن خطبة له وهي المعروفة بالشقشقية.
أبو بكر يعهد بالخلافة إلى عمر.
ومن خطبة له في هداية الناس وكمال يقينه.
ومن كلامه لما قبض رسول الله ص وخاطبه العباس وأبو سفيان في أن يبايعا له بالخلافة ومن كلام له لما أشير عليه بألا يتبع طلحة والزبير
ولا يرصد لهما القتال : ومن خطبة له في ذم أتباع الشيطان..
ومن كلام له يعني به الزبير في حال اقتضت ذلك...
ومن كلام في صفة قوم أرعدوا وفشلهم في ذلك...
ومن كلام له لابنه محمد بن الحنيفة.
ومن كلام له لما أظفره الله بأصحاب الجمل..
ومن كلام له في ذم أهل البصرة أيضاً
ومن كلام له فيما رده على المسلمين...
ومن خطبة له لما بويع بالمدينة.
ومن كلام له في ذم اختلاف العلماء في الفتيا
ومن كلام له قاله للأشعث بن قيس...
ومن خطبة له في تهويل ما بعد الموت وتعظيمه.
ومن خطبة له بعدما اتهموه بقتل عثمان..
ومن خطبة له في قسمة الأرزاق بين الناس...
أهمية العشيرة والقبيلة والتقوي بهما
ومن خطبة له في الحث على قتال الخوارج..
ومن خطبة له وقد تواترت عليه الأخبار.
من أخبار معاوية بن أبي سفيان..
ومما خطب به في ذم أهل العراق..
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
باب
المختار من الخطب والأوامر ابن ابي الحديد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الجزء
الأول
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال الرضي رحمه الله: باب المختار من خطب أمير
المؤمنين صلوات الله عليه وأوامره ويدخل
في ذلك المختار من كلامه الجاري مجرى الخطب، في المقامات المحضورة والمواقف المذكورة، والخطوب الواردة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فمن خطبة له خلق السماء والأرض وخلق آدم
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه
المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن. الذي ليس لصفته حد
محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود. ولا أجل ممدود، فطر الخلائق بقدرته، ونشر
الرياح برحمته، ووتد بالصخور ميدان أرضه. وبقي
البحث عن اشتراطهم مطابقة القلب للسان، فإن الاستعمال لا يساعدهم، لأن أهل
الإصطلاح يقولون لمن مدح غيره، أو شكره رياء وسمعة: إنه قد مدحه وشكره وإن كان
منافقاً عندهم. ونظير هذا الموضع الإيمان، فإن أكثر
المتكلمين لا يطلقونه على مجرد النطق اللساني، بل يشترطون فيه الاعتقاد
القلبي، فأما أن يقصروا به عليه كما هو مذهب الأشعرية
والإمامية ، أو تؤخذ معه أمور أخرى وهي فعل الواجب وتجنب القبيح كما هو مذهب المعتزلة ، ولا يخالف جمهور المتكلمين في
هذه المسألة إلا الكرامية فإن المنافق عندهم
يسمى مؤمناً، ونظروا إلى مجرد الظاهر، فجعلوا النطق اللساني وحده إيماناً. وقالت الخنساء بنت عمرو بن الشريد :
ومن
مستحسن ما وقفت عليه من تعظيم البارئ عز جلاله بلفظ الحمد قول بعض الفضلاء في
خطبة أرجوزة علمية:
وأما قوله:
الذي لا يدركه، فيريد أن همم النظار وأصحاب الفكر وإن علت وبعدت فإنها لا تدركه
تعالى؛ ولا تحيط به. وهذا حق، لأن كل متصور فلا بد أن يكون محسوساً، أو متخيلاً،
أو موجوداً من فطرة النفس، والاستقراء يشهد بذلك. مثال المحسوس السواد والحموضة،
ومثال المتخيل إنسان يطير، أو بحر من دمٍ. مثال الموجود من فطرة النفس تصور
الألم واللذة. ولما كان البارئ سبحانه خارجاً عن هذا أجمع لم يكن متصوراً. وقد شرحت هذا الموضع في كتابي المعروف بزيادات النقيضين، وبينت أن الرؤية
المنزهة عن الكيفية التي يزعمها أصحاب الأشعري لا بد فيها من إثبات الجهة، وأنها
لا تجري مجرى العلم: لأن العلم لا يشخص المعلوم، والرؤية تشخص المرئي، والتشخيص لا يمكن إلا مع كون المتشخص
ذا جهة.
وهذا
مدح يليق بالخالق تعالى، ولا يليق بالمخلوق. ثم قال: والحمد أعم من الشكر؛ والله أخص
من الإله. قال: فأما قوله:
الذي لا يبلغ مدحته القائلون؛ فإنه أظهر العجز عن القيام بواجب مدائحه، فكيف
بمحامده! والمعنى أن الحمد كل الحمد ثابت للمعبود الذي
حقت العبادة له في الأزل، واستحقها حين خلق الخلق، وأنعم بأصول النعم التي يستحق
بها العبادة. ولا أيضاً في
الكلام ما يدل على أنه ثابت على ذلك مدة حياته، وأنه يجب على المكلفين
ثبوتهم عليه ما بقوا. وأما قوله:
الله أخص من الإله، فإن
أراد في أصل اللغة؛ فلا فرق، بل الله هو الإله
وفخم بعد حذف الهمزة، هذا قول كافة البصريين،
وإن أراد أن أهل الجاهلية كانوا يطلقون على
الأصنام لفظة الآلهة، ولا يسمونها الله فحق،
وذلك عائد إلى عرفهم واصطلاحهم، لا إلى أصل اللغة والاشتقاق؛ ألا ترى أن الدابة في العرف لا تطلق
على القملة، وإن كانت في أصل اللغة دابة! فأما قوله:
قد أظهر العجز عن القيام بواجب مدائحه فكيف بمحامده! فكلام
يقتضي أن المدح غير الحمد، ونحن لا نعرف فرقاً بينهما، وأيضاً فإن الكلام
لا يقتضي العجز عن القيام بالواجب، لا من الممادح ولا من المحامد؛ ولا فيه تعرض
لذكر الوجوب، وإنما أن يبلغ القائلون مدحته، لم يقل غير ذلك. والإله: مصدر بمعنى المألوه. وجعل اللام للجنس ينقص عن هذا المعنى إن أراد
بالجنس المعهود، وإن أرادالجنسية العامة، فلا نزاع بيننا وبينه، إلا أن قوله: كما أنها في الحمد كذلك، يمنع من أن يحمل
كلامه على المحمل الصحيح؛ لأنها ليست في الحمد للاستغراق، يبين ذلك أنها لو كانت
للاستغراق لما جاز أن يحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا غيره من الناس،
وهذا باطل. فأما قوله: البلوغ
المشارفة، يقال: بلغت المكان إذا أشرفت عليه. فالأجود أن يقول:
قالوا: بلغت المكان؛ إذا
شارفته؛ وبين قولنا: شارفته، وأشرفت عليه فرق. وأما ثانياً؛
فلأن المألوه صيغة مفعول، وليست صيغة مصدر إلا في ألفاظ نادرة، كقولهم: ليس له
معقول ولا مجلود، ولم يسمع مألوه في اللغة، لأنه قد
جاء: أله الرجل إذا دهش وتحير؛ وهو فعل لازم لا يبنى منه مفعول. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ثم قال الراوندي
وفي قول الله تعالى: " وإن تعدوا نعمة الله لا
تحصوها " ، بلفظ الإفراد، وقول أمير
المؤمنين عليه السلام، لا يحصي نعماءه العادون، بلفظ
الجمع. سر عجيب، لأنه تعالى أراد أن نعمة واحدة من نعمه لا يمكن العباد
عد وجوه كونها نعمة، وأراد أمير المؤمنين عليه السلام
أن أصول نعمه لا تحصى لكثرتها، فكيف تعد وجوه فروع
نعمائه! وكذلك في كون الآية واردة بلفظ إن الشرطية، وكلام أمير المؤمنين عليه السلام على صيغة الخبر، تحته لطيفة عجيبة؛ لأنه سبحانه يريد أنكم إن أردتم أن تعدوا نعمه لم تقدروا على حصرها، وعلي عليه السلام أخبر أنه قد أنعم النظر، فعلم أن أحداً لا يمكنه حصر نعمه
تعالى. قال: وأما
اشتقاق العدد فمن العد، وهو الماء الذي له مادة، والإحصاء: الإطاقة؛ أحصيته، أي
أطقته؛ فتقدير الكلام: لا يطيق عد نعمائه
العادون، ومعنى ذلك أن مدائحه تعالى لا يشرف على
ذكرها الأنبياء والمرسلون، لأنها أكثر من أن تعدها الملائكة المقربون، والكرام
الكاتبون. وأيضاً فإن حسبت بمعنى ظننت يتعدى إلى مفعولين
لا يجوز الاقتصار على أحدهما، وحسبت من العدد يتعدى إلى مفعول واحد. وأيضاً لو كان أحدهما مشتقاً من
الآخر لوجب أن يكون العد مشتقاً من العدد، لأن المصادر
هي الأصول التي يقع الاشتقاق منها، سواء أكان المشتق فعلاً أو اسماً، ألا
تراهم قالوا في كتب الاشتقاق: إن الضرب:
الرجل الخفيف، مشتق من الضرب، أي السير في الأرض للابتغاء، قل الله تعالى: " لا يستطيعون ضرباً في الأرض " ، فجعل
الاسم منقولاً ومشتقاً من المصدر. قال الراوندي:
فأما قوله: لا يدركه بعد الهمم؛ فالإدراك هو الرؤية والنيل والإصابة؛ ومعنى الكلام: الحمد لله الذي ليس بجسم ولا عرض، إذ لو
كان أحدهما لرآه الراؤون إذا أصابوه، وإنما خص بعد الهمم، بإسناد نفي الإدراك
وغوص الفطن، بإسناد نفي النيل لغرض صحيح؛ وذلك أن الثنوية يقولون بقدم النور
والظلمة، ويثبتون النور جهة العلو والظلمة جهة السفل، ويقولون:
إن العالم ممتزج منهما، فرد عليه السلام عليهم بما
معناه: إن النور والظلمة جسمان، والأجسام محدثة، والبارئ تعالى قديم. ويكون المقصد بذلك الرد
على من قال: إن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة
الإسراء؛ وإن يونس عليه السلام رأى ربه ليلة
هبوطه إلى قعر البحر. ولقائل أن يقول:
إن المصدر الذي جاء بمعنى الفاعل ألفاظ معدودة، لا يجوز القياس عليها، ولو جاز لما كان المصدر ههنا بمعنى الفاعل؛ لأنه مصدر مضاف،
والمصدر المضاف لا يكون بمعنى الفاعل. ولو جاز أن يكون المصدر المضاف بمعنى الفاعل لم يجز أن يحمل كلامه عليه السلام على الرد على من أثبت أن
البارئ سبحانه مرئي: لأنه ليس في الكلام نفي الرؤية أصلاً، وإنما غرض الكلام نفي معقوليته سبحانه، وأن الأفكار
والأنظار لا تحيط بكنهه، ولا تتعقل خصوصية ذاته، جلت عظمته! ثم قال الراوندي: فأما قوله: الذي ليس لصفته حد محدود، ولا
نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود، فالوقت: تحرك الفلك ودورانه على وجه،
والأجل: مدة الشيء؛ ومعنى الكلام أن شكري لله
تعالى متجدد عند تجدد كل ساعة، ولهذا أبدل هذه الجملة
من الجملة التي قبلها وهي الثانية، كما أبدل الثانية من الأولى. قال الراوندي:
فأما قوله: الذين ليس لصفته حد، فظاهره إثبات
الصفة له سبحانه، وأصحابنا لا يثبتون لله سبحانه صفة، كما يثبتها الأشعرية،
لكنهم يجعلونه على حال، أو يجعلونه متميزاً بذاته، فأمير المؤمنين عليه السلام
بظاهر كلامه - وإن أثبت له صفة - إلا أن من له أنس بكلام العرب يعلم أنه ليس
بإثبات على الحقيقة. وقد سألني سائل فقال:
ههنا كلمتان؛ إحداهما كفر، والأخرى ليست بكفر؛ وهما: لله تعالى
شريك غير بصير. ليس شريك الله تعالى بصيراً،
فأيهما كلمة الكفر؟ فقلت له: القضية الثانية؛
وهي ليس شريك الله تعالى بصيراً، كفر؛ لأنها تتضمن إثبات الشريك، وأما الكلمة الأخرى، فيكون معناها لله الشريك غير بصير؟
بهمزة الاستفهام المقدرة المحذوفة. وقيل:
لا مانع من تقديم خلق الجماد إذا علم أن علم بعض المكلفين فيما بعد بخلقه قبله
لطف له. وتارة قال:
أنشأ الخلق، ودل كلامه أيضاً على أنه نشر الرياح، وأنه خلق الأرض وهي مضطربة
فأرساها بالجبال؛ كل هذا يدل عليه كلامه، وهو مقدم على فتق الهواء والفضاء وخلق
السماء، فأما تقديم خلق الحيوان أو تأخيره فلم يتعرض كلامه عليه السلام له، فلا معنى لجواب الراوندي وذكره ما يذكره المتكلمون من أنه هل يحسن تقديم
خلق الجماد على الحيوان أم لا! الأصل:
أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال
توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه؛ لشهادة كل صفةٍ أنها غير
الموصوف، وشهادة كل موصوفٍ أنه غير الصفة. فمن وصف الله سبحانه وتعالى فقد قرنه،
ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزاه، ومن جزاه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار
إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال: فيم، فقد ضمنه، ومن
قال: علام، فقد أخلى منه. ويمكن أن يقول
قائل: ألستم تقولون في علم الكلام: أول
الواجبات النظر في طريق معرفة الله تعالى؛ وتارة
تقولون: القصد إلى النظر؟ فهل يمكن الجمع بين
هذا وبين كلامه عليه السلام ؟! وجوابه
أن النظر والقصد إلى النظر إنما وجبا بالعرض لا بالذات؛
لأنهما وصلة إلى المعرفة، والمعرفة هي المقصود بالوجوب، وأمير المؤمنين عليه السلام أراد: أول واجب مقصود بذاته من الدين
معرفة البارئ سبحانه؛ فلا
تناقض بين كلامه وبين آراء المتكلمين. أيضاً فكل عرضٍ
مفتقر، وواجب الوجود غير مفتقر؛ فواجب الوجود ليس بعرض.
وأيضاً فكل
جرم محدث، وواجب الوجود ليس بمحدث، فواجب الوجود
ليس بجرم. وأيضاً فكل حاصل في الجهة، إما جرم أو
عرض، وواجب الوجود ليس بجرم ولا عرض، فلا يكون حاصلاً في جهة؛ فمن عرف وحدانية البارئ ولم
يعرف هذه الأمور كان توحيده ناقصاً، ومن عرف هذه
الأمور بعد العلم بوحدانيته تعالى فهو المخلص في عرفانه جل اسمه، ومعرفته تكون
أتم وأكمل. والأول باطل؛ لأنا
نعقل ذاته قبل أن نعقل أو نتصور له علماً؛ والمتصور مغاير لما ليس بمتصور. والثالث باطل أيضاً، لأن
إثبات شيئين: أحدهما ليس هو الآخر ولا غيره، معلوم فساده ببديهة العقل، فتعين القسم الثاني وهو محال، أما أولاً فبإجماع أهل الملة، و أما ثانياً
فلما سبق من أن وجوب الوجود لا يجوز أن يكون
لشيئين؛ فإذا عرفت هذا فاعرف أن الإخلاص
له تعالى قد يكون ناقصاً وقد لا يكون، فالإخلاص
الناقص هو العلم بوجوب وجوده، وأنه واحد ليس بجسم ولا عرض، ولا يصح عليه
ما يصح على الأجسام والأعراض. والإخلاص التام
هو العلم بأنه لا تقوم به المعاني
القديمة، مضافاً إلى تلك العلوم السابقة؛ وحينئذ تتم
المعرفة وتكمل. قال:
ومن أشار إليه فقد حده، وهذا حق، لأن كل مشارٍ
إليه فهو محدود؛ لأن المشار إليه لا بد أن يكون في جهة مخصوصة، وكل ما هو في جهة
فله حد وحدود؛ أي أقطار وأطراف، قال: ومن
حده فقد عده، أي جعله من الأشياء المحدثة، وهذا حق، لأن
كل محدود معدود في الذوات المحدثة. وأصحاب تلك المقالة يمتنعون من
ذلك، ومراده عليه
السلام إظهار تناقض أقوالهم؛
وإلا فلو قالوا: هب أنا قد خلينا منه غير ذلك
الموضع، أي محذور يلزمنا؟ فإذا قيل لهم: لو خلا
موضع دون موضع لكان جسماً، ولزم حدوثه، قالوا: لزوم
الحدوث والجسمية إنما هو من حصوله في الجهة لا من خلو بعض الجهات عنه؛ وأنتم
إنما احتججتم علينا بمجرد خلو بعض الجهات منه، فظهر أن
توجيه الكلام عليهم إنما هو إلزام لهم، لا استدلال على فساد قولهم. وأيضاً
فإنه عليه السلام قد أثبت لله تعالى صفة أولاً،
حيث قال: الذي ليس لصفته حد محدود، فوجب أن يحمل كلامه على ما يتنزه عن المناقضة. فأما كونه قادراً وعالماً فأصحابها أصحاب
الأحوال، وقد بينا أن مراده عليه السلام بقوله:
ليس لصفته حد محدود، أي لكنهه وحقيقته، وأما كون الملائكة لا تصف البارئ بصفات
المصنوعين فلا يقتضي أن يحمل كل موضوع فيه ذكر الصفات على صفات المصنوعين،
لأجل
تقييد ذلك في ذكر الملائكة، وأين هذا من باب حمل المطلق
على المقيد! لا سيما وقد ثبت أن التعليل والاستدلال يقضي ألا يكون المراد
صفات المخلوقين. وحكايته تغني عن
الرد عليه. الأصل: كائن لا عن حدثٍ، موجود لا عن
عدمٍ، مع كل شيءٍ بمقارنةٍ، وغير كل شيءٍ لا بمزايلةٍ، فاعل لا بمعنى الحركات
والآلة، بصير، إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحد؛ إذ لا سكن يستأنس به، ولا
يستوحش لفقده. أنشأ الخلق إنشاءً، وابتدأه ابتداءً، بلا
رويةٍ أجالها، ولا تجربةٍ استفادها، ولا حركةٍ أحدثها، ولا همامة نفسٍ اضطرب
فيها. أحال الأشياء لأوقاتها، ولاءم بين مختلفاتها،
وغرز غرائزها، وألزمها أشباحها، عالماً بها قبل ابتدائها، محيطاً بحدودها
وانتهائها، عارفاً بقرائنها وأحنائها. وقولنا في الممكن: إنه
موجود من عدم، صحيح عند التأمل، لا بمعنى أن عدمه سابق له زماناً، بل سابق
لوجوده ذاتاً، لأن الممكن يستحق من ذاته أنه لا
يستحق الوجود من ذاته. قوله: ولا تجربةٍ
استفادها، أي لم يكن قد خلق من قبل أجساماً فحصلت له التجربة التي أعانته على
خلق هذه الأجسام. ومن رواها: أحال،
فهو من قولك: حال في متن فرسه، أي وثب، وأحاله غيره، أي أوثبه على متن الفرس؛
عداه بالهمزة وكأنه لما أقر الأشياء في أحيانها وأوقاتها صار كمن أحال غيره على
فرسه. وقوله: ولاءم
بين مختلفاتها، أي جعل المختلفات ملتئمات، كما قرن النفس الروحانية بالجسد
الترابي، جلت عظمته! وقوله:
وغرز غرائزها، المروي بالتشديد، والغريزة: الطبيعة، وجمعها غرائز، وقوله: غرزها،
أي جعلهاغرائز، كما قيل: سبحان من ضوّأ الأضواء! ويجوز أن يكون من غرزت الإبرة
بمعنى غرست. وقد رأيناه في بعض النسخ بالتخفيف. وقال أيضاً:
يقال: ما له في الأمر همة ولا همامة؛ أي لا يهم به، والهمامة: التردد، كالعزم. ولقائل أن يقول: العزم هو إرادة جازمة حصلت بعد
التردد، فبطل قوله: إن الهمامة هي نفس التردد
كالعزم. وأيضاً فقد
بينا مراده عليه السلام بالهمامة؛ حكى زرقان في
كتاب المقالات، وأبو عيسى الوراق ، والحسن بن موسى ،وذكره شيخنا أبو القاسم
البلخي في كتابه في المقالات أيضاً عن الثنوية: أن النور الأعظم اضطربت
عزائمه وإرادته في غزو الظلمة والإغارة عليها، فخرجت من ذاته قطعة - وهي الهمامة المضطربة في نفسه -
فخالطت
الظلمة غازية لها، فاقتطعتها الظلمة عن النور الأعظم، وحالت بينها وبينه، وخرجت
همامة الظلمة غازية للنور الأعظم، فاقتطعها النور الأعظم عن الظلمة، ومزجها
بأجزائه، وامتزجت همامة النور بأجزاء الظلمة أيضاً، ثم ما زالت الهمامتان
تتقاربان وتتدانيان وهما ممتزجتان، بأجزاء هذا وهذا؛ حتى انبنى منهما هذا العالم
المحسوس. ولهم في الهمامة كلام مشهور؛ وهي لفظة اصطلحوا عليها. واللغة العربية
ما عرفنا فيها استعمال الهمامة بمعنى الهمة، والذي عرفناه الهِمة والهَمة
- بالكسر والفتح - والمهمة، وتقول لا همام لي بهذا الأمر، مبني على الكسر كقطام،
ولكنها لفظة اصطلاحية مشهورة عند أهلها. فالجواب أن قوله: ثم هو تعقيب وتراخٍ، لا في
مخلوقات البارئ سبحانه، بل في كلامه عليه السلام؛ كأنه
يقول: ثم أقول الآن بعد قولي المتقدم: إنه
تعالى أنشأ فتق الأجواء. ويمكن أن يقال: إن
لفظة ثم، ههنا تعطي معنى الجمع المطلق كالواو، ومثل ذلك قوله تعالى: " وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى
" . وليس ذلك ببعيد، فقد
ذهب إليه قوم من أهل النظر، وجعلوه جسماً لطيفاً خارجاً عن مشابهة هذه
الأجسام. ومنهم من جعله مجرداً. قيل:
بل هذا هو محض مذهب الحكماء، فإنهم يقولون: إنه
لا يمكن وجود جسم ولا حركة جسم خارج الفلك الأقصى؛ وليس ذلك إلا لاستحالة وجود
الأجسام وحركتها، إلا في الفضاء. وهذا أيضاً قد قاله قوم من
الحكماء؛ ومن جملتهم تاليس الإسكندراني؛ وزعم أن
الماء أصل كل العناصر؛ لأنه إذا انجمد صار أرضاً، وإذا لطف صار هواء، والهواء
يستحيل ناراً؛ لأن النار صفوة الهواء. وهذا قول قد ذهب إليه
قوم، واستدلوا عليه بما نشاهده من حركة الكواكب المتحيرة وارتعادها في
مرأى العين واضطرابها؛ قالوا: لأن المتحيرة
متحركة في أفلاكها؛ ونحن نشاهدها بالحس البصري، وبيننا وبينها أجرام الأفلاك
الشفافة، ونشاهدها مرتعدة حسب ارتعاد الجسم السائر في الماء؛ وما ذاك إلا لأن
السماء الدنيا ماء متموج، فارتعاد الكواكب المشاهدة حساً إنما هو بحسب ارتعاد
أجزاء الفلك الأدنى. قالوا: فأما الكواكب الثابتة فإنا لم نشاهدها كذلك؛ لأنها
ليست بمتحركة، وأما القمر وإن كان في السماء الدنيا، إلا في فلك تدويره من جنس
الأجرام الفوقانية، وليس بماء متموج كالفلك الممثل التحتاني. وكذلك القول في الشمس. فنقول: إن ظاهر هذا
اللفظ أن الكواكب في السماء الدنيا،وأنها جعلت فيها حراسة للشياطين من استراق
السمع ؛ فمن دنا منهم لذلك رجم بشهاب؛ وهذا هو الذي يقتضيه ظاهر اللفظ. ومذهب
الحكماء أن السماء ليس فيها إلا القمر وحده، وعندهم أن الشهب المنقضة هي
آثار تظهر في الفلك الأثيري الناري الذي تحت فلك القمر، والكواكب لا ينقض منها
شيء، والواجب التصديق بما في ظاهر لفظ الكتاب العزيز،
وأن يحمل كلام أمير المؤمنين عليه
السلام على مطابقته، فيكون الضمير في قوله: زينها، راجعاً إلى سفلاهن؛ التي
قال: إنها موج مكفوف، ويكون الضمير في قوله:
وأجرى فيها، راجعاً إلى جملة السموات؛ إذا وافقنا الحكماء في أن الشمس في السماء
الرابعة. وهذا قول قد ذهب
إليه جماعة من أهل الملة، واستدلوا عليه بقوله تعالى: " قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له
أنداداً ذلك رب العالمين " ، ثم قال: " ثم استوى إلى السماء وهي دخان " . ومنها:
أن الهاء في قوله: فرفعه في هواء منفتق، والهاء في قوله: فسوى منه سبع سموات،
إلى ماذا ترجع؟ فإن آخر المذكورات قبلها الزبد. وهل يجوز أن تكون السموات مخلوقة
من زبد الماء؟ الحق أن الضمائر ترجع إلى الماء الذي عب عبابه، لا إلى الزبد؛ فإن
أحداً لم يذهب إلى أن السماء مخلوقة من زبد الماء، وإنما قالوا: إنها مخلوقة من
بخاره. فيقال في جواب
ذلك على طريق أصحابنا: لعل إخباره للمكلفين بذلك على هذا الترتيب يكون
لطفاً بهم، ولا يجوز الإخبار منه تعالى إلا والمخبر عنه مطابق للإخبار، فهذا حظ
المباحث المعنوية من هذا الفصل. والأرجاء:
الجوانب، واحدها رجل مثل عصا. والسكائك: جمع سكاكة: وهي أعلى الفضاء، كما قالوا:
ذؤابة وذوائب. والتيار: الموج. والمتراكم:
الذي بعضه فوق بعض. والزخار:
الذي يزخر، أي يمتد ويرتفع. والريح الزعزع:
الشديدة الهبوب، وكذلك القاصفة، كأنها تهلك الناس بشدة هبوبها. ومعنى قوله:
فأمرها برده، أي بمنعه عن الهبوط؛ لأن الماء ثقيل، ومن شأن الثقيل الهوي. ومعنى قوله:
وسلطها على شده، أي على وثاقه؛ كأنه سبحانه لما سلط الريح على منعه من الهبوط؛
فكأنه قد شده بها وأوثقه ومنعه من الحركة. ومعنى قوله:
وقرنها إلى حده، أي جعلها مكاناً له؛ أي جعل حد الماء المذكور - وهو سطحه الأسفل
- مما ساطح الريح التي تحمله وتقله. والفتيق: المفتوق المنبسط. والدفيق:
المدفوق. واعتقم مهبها، أي جعل هبوبها عقيماً، والريح العقيم: التي لا تلقح
سحاباً ولا شجراً؛ وكذلك كانت تلك الريح المشار إليها؛ لأنه سبحانه إنما خلقها
لتمويج الماء فقط. وأدام مربها، أي ملازمتها، أرب بالمكان مثل ألب به، أي لازمه. وعب عبابه: أي ارتفع أعلاه. وركامه: ثبجه
وهضبه. والجو المنفهق: المفتوح
الواسع. والموج المكفوف: الممنوع من السيلان، وعمدٍ يدعمها: يكون لها دعامة. والدسار: واحد الدسر وهي المسامير. وسراجاً مستطيراً، أي منتشر الضوء؛ يقال: قد استطار الفجر، أي انتشر ضوؤه. ورقيم مائر، أي لوح
متحرك، سمي الفلك رقيماً تشبيهاً باللوح، لأنه مسطح. فإن قلت: فكيف يمكن
التطبيق بين كلامه عليه السلام وبين الآية؟ قلت: إنه تعالى لما سلط الريح على الماء
فعصفت به، حتى جعلته بخاراً وزبداً، وخلق من أحدهما السماء ومن الآخر الأرض، كان
فاتقاً لهما من شيء واحد، وهو الماء. فأما حديث البعد بين السموات وكونه
مسيرة خمسمائة عام بين كل سماء وسماء، فقد ورد وروداً لم يوثق به؛ وأكثر الناس
على خلاف ذلك وكون الأرض سبعاً أيضاً خلاف ما يقوله جمهور العقلاء، وليس في
القرآن العزيز ما يدل على تعدد الأرض إلا قوله تعالى: "
ومن الأرض مثلهن " ، وقد أولوه على الأقاليم السبعة. وحديث الصخرة والحوت والبقرة من
الخرافات في غالب الظن، والصحيح أن الله تعالى يمسك الكل بغير واسطة جسم آخر. ولا يجوز حمل الشد ههنا على العدو؛
لأنه لا معنى له، والصحيح ما ذكرناه. فيقال له: إن الموج
ليس بعالٍ ليشبه به الجسم العالي، وأما صفاؤه فإن كل السموات صافية، فلماذا خص
سفلاهن بذلك! ثم قال: ويمكن
أن تكون السماء السفلى قد كانت أول ما وجدت موجاً ثم عقدها. يقال له: والسموات
الأخر كذلك كانت، فلماذا خص السفلى بذلك! ثم قال:
الريح الأولى غير الريح الثانية، لأن أحداهما معرفة
والأخرى نكرة، وهذا مثل قوله: صم اليوم، صم يوماً، فإنه يقتضي يومين. ومنهم الحفظة
لعباده، والسدنة لأبواب جنانه. ومنهم
الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم، والمارقة من السماء العليا أعناقهم،
والخارجة من الأقطار أركانهم، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم، ناكسة دونه
أبصارهم، متلفعون تحته بأجنحتهم، مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة وأستار
القدرة؛ لا يتوهمون ربهم بالتصوير، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين، ولا يحدونه
بالأماكن، ولا يشيرون إليه بالنظائر. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
رأي المعتزلة بالملائكة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الشرح:
الملك عند المعتزلة حيوان نوري، فمنه شفاف عادم اللون كالهواء، ومنه ملون بلون
الشمس. والملائكة عندهم قادرون عالمون أحياء بعلوم وقدر وحياة؛ كالواحد منا،
ومكلفون كالواحد منا، إلا أنهم معصومون. ولهم في كيفية تكليفهم كلام؛ لأن
التكليف مبني على الشهوة، وفي كيفية خلق الشهوة فيهم نظر، وليس هذا الكتاب موضوعاً للبحث في ذلك. وثانيهما سدنة
الجنان. وأما القطب الراوندي
فجعل الأمناء على الوحي وحفظة العباد وسدنة الجنان قسماً واحداً، فأعاد الأقسام الأربعة إلى ثلاثة. وليس بجيد، لأنه
قال: ومنهم الحفظة، فلفظة ومنهم، تقتضي كون الأقسام أربعة؛ لأنه بها فصل بين
الأقسام. والبارئ جلت عظمته يستحيل على ذاته أن يتغير،
فاستحال عليه النوم استحالةً مطلقة، مع أنه حي، ومن هذا إنشاء التمدح. وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "
إن الله خلق الخلق أربعة أصناف: الملائكة، والشياطين، والجن، والإنس. ثم جعل الأصناف الأربعة عشرة أجزاء. فتسعة منها الملائكة وجزء واحد
الشياطين والجن والإنس، ثم جعل هؤلاء الثلاثة عشرة أجزاء، فتسعة منها الشياطين
وجزء واحد الجن والإنس، ثم جعل الجن والإنس عشرة أجزاء، فتسعة منها الجن وواحد
الإنس ". فقال صلى الله عليه
وسلم: " إن أصابك جرح فكنت تكتمه "؟ فقال: أجل، قال:
" ثم أظهرته "؟ قال: أجل، قال:
" أما لو أقمت على كتمانه لزارتك الملائكة إلى أن تموت "؛ وكان هذا
الجرح أصابه في سبيل الله. والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم
قليلاً، ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الفلوات
تجأرون إلى الله. والله لوددت أني كنت شجرة تعضد " . وقالوا :
إن إسرافيل صاحب الصور وإليه النفخة، وإن ميكائيل صاحب النبات والمطر، وإن
عزرائيل على أرواح الحيوانات، وإن جبرائيل على جنود السموات والأرض كلها، وإليه
تدبير الرياح، وهو ينزل إليهم كلهم بما يؤمرون به. وروى أنس بن مالك أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هؤلاء الذين استثنى بهم في
قوله تعالى: " فصعق من في السموات ومن في
الأرض إلا من شاء الله " ؟ فقال: " جبرائيل، وميكائيل،
وإسرافيل، وعزرائيل؛ فيقول الله عز وجل لعزرائيل:
يا ملك الموت، من بقي ؟ وهو سبحانه أعلم - فيقول:
سبحانك ربي ذا الجلال والإكرام! بقي جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت؛
فيقول: يا ملك الموت، خذ نفس إسرافيل، فيقع في صورته التي خلق عليها كأعظم ما
يكون من الأطواد، ثم يقول: - وهو أعلم - من بقي
يا ملك الموت؟ فيقول: سبحانك ربي يا ذا
الجلال والإكرام! جبرائيل، وميكائيل، وملك الموت؛ فيقول: خذ نفس ميكائيل، فيقع
في صورته التي خلق عليها، وهي أعظم ما يكون من خلق إسرافيل بأضعافٍ مضاعفة. ثم يقول سبحانه: يا ملك الموت،من بقي؟ فيقول:
سبحانك ربي ذا الجلال والإكرام! جبرائيل، وملك الموت؛ فيقول
تعالى: يا ملك الموت، مت فيموت ويبقى جبرائيل - وهو من الله تعالى
بالمكان الذي ذكر لكم - فيقول الله: يا
جبرائيل، إنه لا بد من أن يموت أحدنا، فيقع جبرائيل ساجداً يخفق بجناحيه، يقول: سبحانك ربي وبحمدك! أنت الدائم القائم الذي
لا يموت؛ وجبرائيل الهالك الميت الفاني، فيقبض الله روحه، فيقع على ميكائيل
وإسرافيل، وإن فضل خلقه على خلقهما كفضل الطود العظيم على الظرب من الظراب
". وعند الفلاسفة
أن سادة الملائكة هم الروحانيون -يعنون العقول الفعالة وهي المفارقة للعالم
الجسماني المسلوبة التعلق به، لا بالحول و لابالتدبير. وأما الكروبيون
فدون الروحانيون في المرتبة وهي أنفس الأفلاك المدبرة لها، الجارية منها مجرى
نفوسنا مع أجسامنا. والقسم الثاني
ما كان حالاً في جرم الفلك، ويجري ذلك مجرى القوى التي في أبداننا، كالحس
المشترك والقوة الباصرة. الأصل: ثم جمع سبحانه من حزن الأرض
وسهلها، وعذبها وسبخها، تربة سنها بالماء حتى خلصت، ولاطها بالبلة حتى لزبت،
فجبل منها ذات أحناءٍ، ووصولٍ وأعضاءٍ، وفصولٍ أجمدها حتى استمسكت، وأصلدها حتى
صلصلت، لوقتٍ معدودٍ، وأجلٍ معلومٍ. وسنها بالماء، أي ملسها، قال:
أي مملس. ولاطها، من قولهم:
لطت الحوض بالطين، أي ملطته وطينته به. والبلة بفتح الباء. من البلل ولزبت، بفتح الزاي، أي التصقت وثبتت.
فجبل منها، أي خلق. والأحناء: الجوانب، جمع حنو. وأصلدها:
جعلها صلداً، أي صلباً متيناً. و صلصلت:
يبست، وهو الصلصال. ويختدمها: يجعلها في
مآربه وأوطاره كالخدم الذين تستعملهم وتستخدمهم. واستأدى الملائكة وديعته: طلب
منهم أدائها. والخنوع: الخضوع. والشقوة، بكسر الشين، وفي الكتاب
العزيز: "ربنا غلبت علينا شقوتنا " . واستوهنوا:
عدّوه واهناً ضعيفاً. والنظرة، بفتح
النون وكسر الظاء: الإمهال والتأخير. فأما معاني الفصل
فظاهرة، وفيه مع ذلك مباحث: منها أن يقال: اللام في قوله:
لوقت معدود، بماذا تتعلق؟ والجواب،
أنها تتعلق بمحذوف تقديره: حتى صلصلت كائنة لوقت، فيكون الجار والمجرور في موضع
الحال، ويكون معنى الكلام أنه أصلدها حتى يبست وجفت معدة لوقت معلوم، فنفخ حينئذ
روحه فيها. ويمكن أن تكون اللام متعلقة بقوله: فجبل، أي جبل وخلق من الأرض هذه
الجثة لوقت، أي لأجل وقت معلوم، وهو يوم القيامة. والجواب،
أن المراد من ذلك أن يكون الإنسان مركباً من طباع مختلفة، وفيه استعداد للخير
والشر، والحسن والقبح. والجواب،
يجوز أن يكون في ذلك لطف للملائكة، لأنهم تذهب ظنونهم في ذلك كل مذهب، فصار كإنزال
المتشابهات الذي تحصل به رياضة الأذهان وتخريجها، وفي ضمن ذلك يكون اللطف. ويجوز
أن يكون في أخبار ذرية آدم بذلك فيما بعد لطف بهم، ولا يجوز إخبارهم بذلك إلا إذا كان المخبر عنه
حقاً. الجواب،
أن النفس لما كانت جوهراً مجرداً، لا متحيزة ولا حالة في المتحيز حسن لذلك
نسبتها إلى البارئ، لأنها أقرب إلى الانتساب إليه من الجثمانيات. ويمكن أيضاً أن تكون
لشرفها مضافة إليه، كما يقال: بيت الله، للكعبة وأما النفخ
فعبارة عن إفاضة النفس على الجسد، ولما كان نفخ الريح في الوعاء عبارة عن إدخال
الريح إلى جوفه، وكان الإحياء عبارة عن إفاضة النفس عن الجسد، ويستلزم ذلك حلول
القوى والأرواح في الجثة باطناً وظاهراً، سمي ذلك نفخاً مجازاً. الجواب، أنه عليه السلام قد فسر ذلك بقوله: من الحر
والبرد والبلة والجمود، يعني الرطوبة واليبوسة، ومراده بذلك المزاج الذي هو
كيفية واحدة حاصلة من كيفيات مختلفة، قد انكسر بعضها ببعض. قوله: معجوناً،
صفة إنساناً. الجواب:
أن العهد والوصية هو قوله تعالى: " إني خالق
بشراً من طينٍ، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " . الجواب،
لما كانت النار مشرقة بالذات والأرض مظلمة، وكانت النار أشبه بالنور، والنور
أشبه بالمجردات، جعل إبليس ذلك حجة احتج بها في شرف عنصره على عنصر آدم عليه
السلام، ولأن النار أقرب إلى الفلك من الأرض، وكل شيء كان أقرب إلى الفلك من
غيره كان أشرف، والبارئ تعالى لم يعتبر ذلك، فعل سبحانه ما يعلم أنه المصلحة
والصواب. والجواب، أنه قيل: إن السجود لم يكن إلا لله تعالى،
وإنما كان آدم عليه السلام قبلة. ويمكن أن يقال:
إن السجود لله على وجه العبادة، ولغيره على وجه التكرمة؛ كما سجد أبو يوسف
وإخوته له. ويجوز أن تختلف الأحوال والأوقات
في حسن ذلك وقبحه. والجواب، أما الشيخ أبو علي رحمه الله فيقول: حد المفسدة
ما وقع عند الفساد، ولولا لم يقع مع تمكن المكلف من الفعل في الحالين، ومن فسد
بدعاء إبليس لم يتحقق فيه هذا الحد، لأن الله تعالى علم أن كل من فسد عند دعائه،
فإنه يفسد، ولو لم يدعه. قلت: إنما وعده
الإنظار، ويمكن أن يكون ليوم القيامة وإلى غيره من الأوقات ولم يبين فيه، فهو
تعالى أنجز له وعده في الإنظار المطلق، وما من وقت إلا ويجوز فيه أن يخترم إبليس
فلا يحصل الإغراء بالقبيح. وهذا الكلام عندنا ضعيف. ولنا فيه نظر مذكور
في كتبنا الكلامية. الجواب، أنه يجوز أن
يكون إنما منع من دخول الجنة على وجه التقريب والإكرام، كدخول الملائكة، ولم
يمنع من دخولها على غير ذلك الوجه. وقيل: أنه دخل
في جوف الحية، كما ورد في التفسير. الجواب، أنه قيل له:
لا تقربا هذه الشجرة؛ وأريد بذلك نوع الشجرة، فحمل آدم النهي على الشخص، وأكل من
شجرة أخرى من نوعها. الجواب،
أما أصحابنا فإنهم
لا يمتنعون من إطلاق العصيان عليه، ويقولون: إنها
كانت صغيرة، وعنده أن الصغائر جائزة على الأنبياء عليهم
السلام. وأما الإمامية
فيقولون: إن النهي
كان نهي تنزيه لا نهي تحريم، لأنهم لا يجيزون على الأنبياء الغلط والخطأ،
لا كبيراً ولا صغيراً، وظواهر هذه الألفاظ تشهد بخلاف
قولهم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
كيف ابتدأ خلق البشر
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أن الناس اختلفوا في ابتداء
خلق البشر كيف كان، فذهب أهل الملل من المسلمين واليهود
والنصارى إلى أن مبدأ البشر هو آدم، الأب الأول عليه السلام. وأكثر ما في القرآن
العزيز من قصة آدم مطابق لما في التوراة. وذهب طوائف من الناس إلى غير ذلك: أما الفلاسفة، فإنهم
زعموا أنه لا أول لنوع البشر ولا لغيرهم من الأنواع. ومن لم يكن منهم
على رأي الفلاسفة ويقول بحدوث الأجسام لا يثبت آدم، ويقول:
إن الله تعالى خلق الأفلاك وخلق فيها طباعاً محركة لها بذاتها، فلما تحركت - وحشوها أجسام لاستحالة الخلاء - كانت تلك الأجسام
على طبيعة واحدة، فاختلفت طبائعها بالحركة الفلكية، فكان القريب من الفلك
المتحرك أسخن وألطف، والبعيد أبرد وأكثف. ثم اختلطت العناصر، وتكونت منها
المركبات، ومنها تكون نوع البشر كما يتكون الدود في الفاكهة واللحم، والبق في
البطائح والمواضع العفنة، ثم تكون بعض البشر من بعض التوالد، وصار ذلك قانوناً
مستمراً، ونسي التخليق الأول الذي كان بالتولد. ومن الممكن أن
يكون بعض البشر في بعض الأراضي القاصية مخلوقاً بالتولد، وإنما انقطع التولد،
لأن الطبيعة إذا وجدت للتكون طريقاً استغنت به عن طريق ثان. قالوا: وكان قد رزق
من الحسن ما لا يقع عليه بصر حيوان إلا وبهت وأغمي عليه، ويزعمون أن مبدأ تكونه
وحدوثه أن يزدان - وهو الصانع الأول - عندهم
- أفكر في أمر أهرمن، - وهو الشيطان عندهم -
فكرةً أوجبت أن عرق جبينه، فمسح العرق ورمى به، فصار منه كيومرث. ولهم خبط طويل
في كيفية تكون أهرمن من فكرة يزدان أو من إعجابه بنفسه، أو من توحشه، وبينهم
خلاف في قدم أهرمن، وحدوثه لا يليق شرحه بهذا الموضع. وقال الأقلون:
أربعون سنة، وقال قوم منهم: إن كيومرث مكث في
الجنة التي في السماء ثلاثة آلاف سنة، وهي: ألف الحمل، وألف الثور، وألف
الجوزاء. ثم أهبط إلى الأرض فكان بها آمناً
مطمئناً ثلاثة آلاف سنة أخرى، وهي: ألف السرطان ، وألف الأسد، وألف السنبلة. وذكروا في كيفية ذلك الصراع أن
كيومرث كان هو القاهر لأهرمن في بادئ الحال، وأنه ركبه وجعل يطوف به في العالم
إلى أن سأله أهرمن: أي الأشياء أخوف له وأهولها عنده؟ قال له: باب جهنم،
فلما بلغ به أهرمن إليها جمح به حتى سقط من فوقه، ولم يستمسك، فعلاه وسأله عن أي
الجهات يبتدئ به في الأكل، فقال: من جهة الرجل لأكون ناظراً إلى حسن العالم مدة
ما، فابتدأه اهرمن فأكله من عند رأسه، فبلغ إلى موضع الخصي وأوعية المني من
الصلب، فقطر من كيومرث قطرتا نطفة على الأرض، فنبت منهما ريباستان في جبل بإصطخر
يعرف بجبل دام داذ؛ ثم ظهرت على تينك الريباستين الأعضاء البشرية في أول الشهر
التاسع، وتمت في آخره، فتصور منهما بشران: ذكر وأنثى، وهما ميشى، وميشانه، وهما
بمنزلة آدم وحواء على المليين. ويقال لهما أيضاً:
ملهى وملهيانه، ويسميهما مجوس خوارزم : مرد ومردانه، وزعموا أنهما مكثا خمسين
سنة مستغنيين عن الطعام والشراب، متنعمين غير متأذيين بشيء إلى أن ظهر لهما
أهرمن في صورة شيخ كبير، فحملهما على التناول من فواكه الأشجار وأكل منها، وهما
يبصرانه شيخاً فعاد شاباً، فأكلا منها حينئذٍ، فوقعا في البلايا والشرور، وظهر
فهما الحرص حتى تزاوجا، وولد لهما ولد فأكلاه حرصاً، ثم ألقى الله تعالى في
قلوبهما رأفةً، فولد لهما بعد ذلك ستة أبطن؛ كل بطن ذكر وأنثى، وأسماؤهم في كتاب أبستا - وهو الكتاب الذي جاء به زرادشت -
معروفة، ثم كان في البطن السابع سيامك، وفرواك، فتزاوجا، فولد لهما الملك
المشهورالذي لم يعرف قبله ملك وهو أوشهنج، وهو الذي خلف جده كيومرث، وعقد له
التاج، وجلس على السرير، وبنى مدينتي بابل والسوس . |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الزنادقة من عصبة إبليس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكان
من المسلمين - ممن بالزندقة - من يذهب إلى تصويب
إبليس في الامتناع من السجود، ويفضله على آدم، وهو بشار
بن برد المرعث ، ومن الشعر المنسوب إليه:
وكان أبو الفتوح احمد بن محمد الغزالي الواعظ ، أخو أبي حامد محمد بن
محمد بن محمد الغزالي الفقيه الشافعي، قاصاً لطيفاً وواعظاً مفوهاً، وهو من خراسان من مدينة طوس، وقدم إلى بغداد، ووعظ بها، وسلك في وعظه
مسلكاً منكراً، لأنه كان يتعصب لإبليس، ويقول: إنه سيد
الموحدين، وقال يوماً على المنبر: من لم يتعلم التوحيد من إبليس فهو
زنديق، أمر أن يسجد لغير سيده فأبى:
وقال مرة أخرى:
لما قال له موسى: أرني، فقال: لن قال: هذا شغلك، تصطفي آدم ثم تسود وجهه، و
تخرجه من الجنة، وتدعوني إلى الطور، ثم تشمت بي الأعداء! هذا عملك بالأحباب، فكيف تصنع بالأعداء! وقال
مرة أخرى: وقد ذكر
إبليس على المنبر: لم يدر ذلك المسكين أن أظافير القضاء إذا حكت أدمت،
وأن قسي القدر، إذا رمت أصمت . ثم قال: لسان حال آدم
ينشد في قصته وقصة إبليس:
وقال مرة أخرى:
التقى موسى وإبليس عند عقبة الطور، فقال موسى: يا إبليس، لم لم تسجد لآدم؟ فقال:
كلا، ما كنت لأسجد لبشر، كيف أوحده ثم ألتفت إلى غيره! ولكنك
أنت يا موسى سألت رؤيته ثم نظرت إلى الجبل، فأنا أصدق منك في التوحيد. وحكى عنه أبو الفرج بن الجوزي في التاريخ، أنه قال على
المنبر: معاشر الناس، إني كنت دائماً أدعوكم إلى الله،وأنا اليوم أحذركم
منه، والله ما شدت الزنانير إلا في حبه، ولا أديت الجزية إلا في عشقه. ثم قال: ويحكم أتظنون أن قوله: لا إله إلا
الله، منشور ولايته! ذا منشور عزله. وهذا نوع تعرفه الصوفية بالغلو والشطح. ومما يتعلق بما نحن فيه ما رووه عنه من قوله:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
تضارب الآراء في خلق الجنة والنار
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فإن قيل - فما قول شيوخكم في الجنة
والنار؟ فإن المشهور عنهم أنهما لم يخلقا
وسيخلقان عند قيام الأجسام، وقد دل القرآن العزيز، ونطق
كلام أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الفصل بأن آدم كان في الجنة وأخرج منها. ويحملون الآيات التي دلت على كون
آدم عليه السلام كان في الجنة وأخرج منها، على بستان من بساتين الدنيا. قالوا: والهبوط لا يدل على كونهما في السماء
لجواز أن يكون في الأرض؛ إلا أنهما في موضع مرتفع عن سائر الأرض. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آدم والملائكة أيهما أفضل
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فإن قيل:
فما الذي يقوله شيوخنا في آدم والملائكة: أيهما أفضل؟ قيل: لا خلاف بين شيوخنا رحمهم الله أن الملائكة أفضل
من آدم ومن جميع الأنبياء عليهم السلام، ولو لم يدل على ذلك إلا قوله تعالى في
هذه القصة: " إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من
الخالدين " ، لكفى. فإن هذا يقتضي كون الملك أرفع
منزلة من الوزير وكذلك قوله: " ولا الملائكة
المقربون "، يقتضي كونهم أرفع منزلة من عيسى. فالمديح الأول لجبرائيل والثاني لمحمد عليه
السلام، ولا يخفى تفاوت ما بين المدحين. ومن قال: إنه لم يكن منهم احتج بقوله تعالى: " إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه " . وقالوا:
قد ورد ذلك في القرآن أيضاً في قوله تعالى: "
وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً " ، والجنة
ههنا الملائكة، لأنهم قالوا: إن الملائكة بنات الله، بدليل قوله: " أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثاً
" ، وكتب التفسير تشتمل من هذا على ما لا نرى الإطالة بذكره. وقال:
فجبل منها صورة، أي خلق خلقاً عظيماً. ولفظة جبل، في اللغة تدل على خلق سواء كان
المخلوق عظيماً أو غير عظيم. والفصول: جمع فصل وهو الشيء
المنفصل، وما عرفنا في كتب اللغة أن الوصل هو العضو،
ولا قيل هذا. وقوله بعد ذلك: وكل
شيء اتصل بشيء فما بينهما وصلة لا معنى لذكره بعد ذلك التفسير. والصحيح أن مراده عليه السلام أظهر من أن يتكلف له
هذا التكلف، ومراده عليه
السلام أن تلك الصورة ذات أعضاء متصلة
كعظم الساق أو عظم الساعد، وذات أعضاء منفصلة في الحقيقة، وإن كانت متصلة بروابط
خارجها عن ذواتها كاتصال الساعد بالمرفق واتصال الساق بالفخذ. و الصحيح
أن قبيله نوعه، كما أن البشر قبيل كل بشري، سواء كانوا من ولده أو لم يكونوا. وقد قيل أيضاً:
كل جماعة قبيل وإن اختلفوا، نحو أن يكون بعضهم روماً وبعضهم زنجاً، وبعضهم
عرباً، وقوله تعالى: " إنه يراكم هو وقبيله
" لا يدل على أنهم نسله. وهذا عجيب!
فإنا نرى الحيوانات الميتة إذا دفنت في الأرض تنقص أجسامها، وكذلك الأشجار
المدفونة في الأرض؛ على أن التحقيق
أن المحترق بالنار وبالتالي لم تعدم أجزاؤه ولا بعضها، وإنما استحالت إلى صور
أخرى. ولا يقال: إن
قوله تعالى: " ورفع أبويه على العرش وخروا له
سجداً " ؛ لا يدل على سجود الوالدين؛ فلعل
الضمير يرجع إلى الإخوة خاصة لأنا نقول: هذا الاحتمال مدفوع بقوله: " والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين " ، وهو كناية عن الوالدين. الأصل:
واصطفى سبحانه من ولده أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم، وعلى تبيلغ الرسالة
أمانتهم، لما بدل أكثر خلقه عهد الله إليهم، فجهلوا حقه، واتخذوا الأنداد معه،
واجتالتهم الشياطين عن معرفته، واقتطعتهم عن عبادته، فبعث فيهم رسله، وواتر
إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم
بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول، ويروهم آيات المقدرة؛ من سقفٍ فوقهم
مرفوعٍ، ومهادٍ تحتهم موضوعٍ، ومعايش تحييهم، وآجال تفنيهم، وأوصابٍ تهرمهم،
وأحداثٍ تتابع عليهم. والأوصاب: الأمراض. والغابر: الباقي، ويسأل في هذا الفصل عن أشياء: منها، عن قوله عليه السلام:
أخذ على الوحي ميثاقهم. والجواب،
أن المراد أخذ على أداء الوحي ميثاقهم، وذلك أن كل رسول أرسل فمأخوذ عليه أداء
الرسالة، كقوله تعالى: "
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " . هل هذا إشارة إلى ما يقوله أهل
الحديث في تفسير قوله تعالى: " وإذ أخذ ربك من
بني آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالو بلى " ؟ والجواب، أنه لا حاجة في تفسير هذه اللفظة
إلى تصحيح ذلك الخبر، ومراده عليه السلام بهذا
اللفظ أنه لما كانت المعرفة به تعالى وأدلة التوحيد والعدل مركوزةً في
العقول، أرسل سبحانه الأنبياء أو بعضهم، ليؤكدوا ذلك المركوز في العقول. وهذه هي الفطرة
المشار إليها بقوله عليه السلام: " كل مولود يولد على الفطرة ". هل هو إشارة إلى ما يقوله الإمامية،
من أنه لا بد في كل زمان من وجود إمام معصوم؟ الجواب، أنهم يفسرون
هذه اللفظة بذلك ويمكن أن يكون المراد بها حجة العقل. والصحيح أن المراد به:
من نبي سابق عرف من يأتي بعده من الأنبياء، أي عرفه الله تعالى ذلك، أو نبي
غابرٍ نص عليه من قبله، وبشر به كبشارة الأنبياء بمحمد عليه السلام. قوله عليه السلام: نسلت القرون. والهاء في قوله:
لإنجاز عدته، راجعة إلى البارئ سبحانه. والهاء في قوله:
وإتمام نبوته، راجعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم. وقوله: مأخوذ على النبيين ميثاقه، قيل: لم
يكن نبي قط إلا وبشر بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم، وأخذ عليه تعظيمه؛ وإن كان
بعد لم يوجد. فأما قوله:
وأهل الأرض يومئذ ملل متفرقة، فإن العلماء يذكرون أن
النبي صلى الله عليه وسلم بعث والناس أصناف شتى في أديانهم: يهود، نصارى،
ومجوس، وصابئون ، وعبدة أصنام، وفلاسفة، وزنادقة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أديان العرب وفرقهم في الجاهلية
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما
الأمة التي بعث صلى الله عليه وسلم فيها فهم العرب، وكانوا
أصنافاً شتى، فمنهم معطلة، ومنهم غير معطلة. وبعضهم اعترف بالخالق سبحانه وأنكر البعث، وهم الذين أخبر سبحانه عنهم
بقوله: " قال من يحيي العظام وهي رميم " . ومنهم من أقر
بالخالق ونوعٍ من الإعادة، وأنكروا الرسل وعبدوا الأصنام، وزعموا أنها شفعاء عند الله في
الآخرة، وحجوا لها، ونحروا لها الهدي، وقربوا لها القربان، وحللوا وحرموا، وهم جمهور العرب، وهم الذين قال الله تعالى عنهم: " وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق
" .
وكان
من العرب من يعتقد التناسخ وتنقل الأرواح في الأجساد، ومن هؤلاء أرباب الهامة،
التي قال عليه السلام عنهم: " لا عدوى
ولا هامة ولا صفر " . وقال ذو الأصبع:
وقالوا:
إن ليلى الأخيلية لما سلمت على قبر توبة بن
الحمير خرج إليها هامة من القبر صائحة، أفزعت ناقتها، فوقصت بها فماتت، وكان ذلك
تصديق قوله:
وكان توبة وليلى في أيام بني أمية. ومنهم من
لا يطلق عليها لفظ الشريك، ويجعلها وسائل وذرائع إلى الخالق سبحانه، وهم الذين
قالوا: " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله
زلفى " .
وكان جمهورهم عبدة الأصنام، فكان ود لكلبٍ بدومة الجندل، وسواع لهذيل، ونسر لحمير،
ويغوث لهمدان، واللات لثقيف بالطائف، والعزى لكنانة وقريش وبعض بني سليم، ومناة
لغسان والأوس والخزرج، وكان هبل لقريش خاصة على ظهر الكعبة، وأساف ونائلة على
الصفا والمروة. وكان في العرب من يميل إلى اليهودية، منهم
جماعة من التبابعة وملوك اليمن، ومنهم نصارى
كبني تغلب والعباديين رهط عدي بن زيد، ونصارى نجران، ومنهم
من كان يميل إلى الصابئة ويقول بالنجوم والأنواء. وقال الراوندي: الفضائل ههنا: جمع فضيلة، وهي
الدرجة الرفيعة، وليس
بصحيح، ألا تراه كيف جعل الفرائض في مقابلتها وقسيماً لها، فدل ذلك على
أنه أراد النوافل! ومنها: ناسخه
ومنسوخه، فالناسخ كقوله: " فاقتلوا المشركين
" ، والمنسوخ كقوله: " لا إكراه
في الدين " . ويمكن أن يراد بالخاص
العمومات التي يراد بها الخصوص كقوله: "
وأوتيت من كل شيءٍ " ، وبالعام ما ليس مخصوصاً، بل هو على عمومه
كقوله تعالى: " والله بكل شيءٍ عليم " . ومثال الثاني صوم يوم
عاشوراء، كان واجباً بالسنة ثم نسخه صوم شهر رمضان الواجب بنص الكتاب. ثم فسر ما معنى المباينة بين محارمه، فقال: إن محارمه تنقسم إلى كبيرة وصغيرة، فالكبيرة
أوعد سبحانه عليها بالعقاب، والصغيرة مغفورة، وهذا نص
مذهب المعتزلة في الوعيد. وجعله سبحانه علامة لتواضعهم
لعظمته، وإذعانهم لعزته. واختار من خلقه سماعاً أجابوا إليه دعوته،
وصدقوا كلمته، ووقفوا مواقف أنبيائه، وتشبهوا بملائكته المطيفين بعرشه، يحرزون
الأرباح في متجر عبادته، ويتبادرون عنده موعد مغفرته. جعله سبحانه وتعالى للإسلام علماً، وللعائذين
حرماً، وفرض حقه، وأوجب حجه، وكتب عليكم وفادته، فقال سبحانه: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً
ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " . الشرح: الوله: شدة الوجد؛ حتى يكاد العقل
يذهب، وله الرجل يوله ولهاً. ومن روى: يألهون إليه
ولوه الحمام، فسره بشيء آخر، وهو يعكفون عليه
عكوف الحمام. وأصل أله عبد، ومنه
الإله، أي المعبود. ولما كان العكوف على الشيء
كالعبادة له لملازمته والانقطاع إليه قيل: أله فلان إلى كذا، أي عكف عليه كأنه
يعبده. ولا يجوز أن يقال: يألهون
إليه، في هذا الموضع بمعنى يولهون، وأن أصل الهمزة
الواو كما فسره الراوندي، لأن فعولاً لا
يجوز أن يكون مصدراً من فعلت بالكسر، ولو كان يألهون هو يولهون، كان أصله
أله بالكسر، فلم يجز أن يقول: ولوه الحمام، وأما
على ما فسرناه نحن فلا يمتنع أن يكون الولوه مصدراً، لأن أله مفتوح، فصار كقولك:
دخل دخولاً. وباقي الفصل غني عن التفسير. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الملائكة وآدم والبيت المعمور
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
جاء في الخبر الصحيح أن في السماء بيتاً يطوف به الملائكة طواف البشر بهذا
البيت اسمه الضراح، وأن هذا البيت تحته على خط مستقيم، وأنه المراد بقوله تعالى:
" والبيت المعمور" ، أقسم سبحانه
به لشرفه ومنزلته عنده، وفي الحديث: إن آدم لما
قضى مناسكه، وطاف بالبيت لقيته الملائكة، فقالت: يا آدم؛ لقد حججنا هذا البيت
قبلك بألفي عام. وفيه:
أعظم الناس ذنباً من وقف بعرفة فظن أن الله لا يغفر له. وإن أعظم الرزية أن نرجع وقد اكتنفتنا الخيبة.
اللهم
إن للزائرين حقاً فاجعل حقنا عليك غفران ذنوبنا، فإنك جواد كريم، ماجد لا ينقصك
نائل ، ولا يبخلك سائل.
فحركني
ذلك على ترك اليمن، والخروج إلى مكة، فخرجت فحججت.
فقال أبو حازم:
فأنا أسأل الله ألا يعذب هذا الوجه بالنار، فبلغ
ذلك سعيد بن المسيب، فقال: رحم الله أبا حازم! لو كان من عباد العراق،
لقال لها: اعزبي يا عدوة الله! ولكنه ظرف نساك الحجاز. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القول في الكلام على السجع
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أن قوماً من أرباب
علم البيان عابوا السجع، وأدخلوا خطب أمير المؤمنين عليه السلام في جملة ما
عابوه؛ لأنه يقصد فيها السجع، وقالوا: إن الخطب
الخالية من السجع والقرائن والفواصل، هي خطب العرب، وهي المستحسنة الخالية من
التكلف، كخطبة النبي صلى الله عليه وسلم في
حجة الوداع، وهي: " الحمد لله، نحمده
ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا. من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل
الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً
عبده رسوله. أوصيكم عباد الله بتقوى الله،
وأحثكم على العمل بطاعته، واستفتح الله بالذي هو خير. أما بعد، أيها الناس، اسمعوا مني
أبين لكم، فإني لا أدري، لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، في موقفي هذا. وإن ربا الجاهلية موضوع ، وأول رباً أبدأ به
ربا العباس بن عبد المطلب، وإن دماء الجاهلية موضوعة، وأول دم أبدأ به دم آدم بن
ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية
والعمد قود، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر، فيه مائة بعير، فمن ازداد فهو من
الجاهلية. ألا هل بلغت اللهم فاشهد! ألا لا
ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني تركت فيكم ما إن أخذتم به لم
تضلوا؛ كتاب الله ربكم . ألا هل بلغت؟ الله اشهد. من ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه فهو
ملعون، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً. والسلام عليكم ورحمة الله عليكم. فأما خطبة رسول الله
صلى الله عليه وسلم هذه فإنها وإن لم تكن ذات سجع، فإن
أكثر خطبه مسجوع، كقوله: " إن مع العز ذلاً، وإن مع الحياة موتاً، وإن مع
الدنيا آخرة، وإن لكل شيء حساباً، ولكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً، وإن على
كل شيء رقيباً، وإنه لا بد لك من قرين يدفن معك هو حي وأنت ميت؛ فإن كان كريماً
أكرمك، وإن كان لئيماً أسلمك، ثم لا يحشر إلا معك، ولا تبعث إلا معه، ولا تسأل
إلا عنه، فلا تجعله إلا صالحاً فإنه إن صلح أنست به، وإن فسد لم تستوحش إلا منه،
وهو عملك ". واحتج عائبو السجع بقوله
عليه السلام لبعضهم منكراً عليه: " أسجعاً كسجع الكهان " ! ولولا أن السجع
منكر لما أنكر عليه السلام سجع الكهان وأمثاله. فيقال لهم: إنما أنكر
عليه السلام السجع الذي يسجع الكهان أمثاله، لا السجع
على الإطلاق، وصورة الواقعة أنه عليه السلام أمر في الجنين بغرة ، فقال
قائل: أأدي من لا شرب ولا أكل، و لانطق ولا استهل ، ومثل هذا يطل ! فأنكر عليه السلام ذلك، لأن الكهان كانوا يحكمون في
الجاهلية بألفاظ مسجوعة كقولهم: حبة بر، في إحليل
مهر. وقولهم:
عبد المسيح على جمل مشيح ، لرؤيا الموبذان ، وارتجاس الإيوان؛ ونحو ذلك من
كلامهم. وكان عليه السلام قد أبطل الكهانة والتنجيم
والسحر، ونهى عنها، فلما سمع كلام ذلك القائل أعاد الإنكار، ومراده به تأكيد تحريم العمل على أقوال الكهنة. ولو كان عليه
السلام قد أنكر السجع لما قاله، وقد بينا أن كثيراً من كلامه مسجوع، وذكرنا
خطبته. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له بعد انصرافه من صفين
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
صفين:
اسم الأرض التي كانت فيها الحرب، والنون فيها أصلية، ذكر ذلك صاحب الصحاح؛
فوزنها على هذا فعّيل، كفسيق، وخمير، وصريع، وظليم، وضليل، فإن قيل: فاشتقاقه
مماذا يكون؟ قيل: لو كان اسماً لحيوان لأمكن أن يكون
من صفن الفرس - إذا قام على ثلاث وأقام الرابعة على طرف الحافر - يصفن بالكسر، صفوناً. أو من صفن القوم، إذا صفوا أقدامهم لا يخرج
بعضها من بعض. وقيل:
عفريت للداهية، هكذا ذكروه.
الأصل:
أحمده استتماماً لنعمته، واستسلاماً لعزته، واستعصاماً من معصيته. وأستيعنه
فاقةً إلى كفايته؛ إنه لا يضل من هداه، ولا يئل من عاداه، ولا يفتقر من كفاه،
فإنه أرجح ما وزن، وأفضل ما خزن. وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة ممتحناً إخلاصها، معتقداً مصاصها،
نتمسك بها أبداً ما أبقانا، وندخرها لأهاويل ما يلقانا؛ فإنها عزيمة الإيمان،
وفاتحة الإحسان، ومرضاة الرحمن ومدحرة الشيطان. الشرح:
وأل، أي نجا، يئل. والمصاص: خالص الشيء. والفاقة: الحاجة والفقر. والأهاويل: جمع أهوال، والأهوال: جمع هول، فهو
جمع الجمع، كما قالوا: أنعام وأناعيم، وقيل:
أهاويل أصله تهاويل، وهي ما يهولك من شيء، أي يروعك، وإن جاز هذا فهو بعيد، لأن
التاء قل أن تبدل همزة. والعزيمة: النية المقطوع عليها،
ومدحرة الشيطان، أي تدحره، أي تبعده وتطرده. وقوله:
فإنه أرجح، الهاء عائدة إلى ما دل عليه قوله: أحمده، يعني الحمد، والفعل يدل على
المصدر ، وترجع الضمائر إليه كقوله تعالى: "
بل هو شر " وهو ضمير البخل الذي دل عليه قوله: " يبخلون ". |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
لزوم ما لا يلزم أحد أنواع البديع
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقوله عليه السلام:
وزن وخزن، بلزوم الزاي، من الباب المسمى لزوم ما لا يلزم، وهو أحد أنواع البديع،
وذلك أن تكون الحروف التي قبل الفاصلة حرفاً واحداً؛ هذا في المنثور، وأما في
المنظوم فأن تتساوى الحروف التي قبل الروي مع كونها ليست بواجبة التساوي، مثال ذلك قول بعض شعراء الحماسة :
ألا
تراه كيف قد لزم اللام الأولى من اللامين
اللذين صارا حرفاً مشدداً! فالثاني منهما هو
الروي، واللام الأول الذي قبله التزام ما لا يلزم؛
فلو قال في القصيدة: وصلها، وقبلها، وفعلها، لجاز.
فإن لزوم الياء قبل حرف الروي ليس من هذا الباب، لأنه لزوم واجب، ألا ترى أنه لو قال في هذا الرجز: البطش والفرش
والعرش لم يجز، لأن الردف لا يجوز أن يكون حرفاً خارجاً عن حروف العلة. وقد جاء من اللزوم في الكتاب العزيز مواضع
ليست بكثيرة، فمنها قوله سبحانه: " فتكون
للشيطان ولياً، قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني
ملياً " ، وقوله تعالى: " ولكن
كان في ضلال بعيدٍ، قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد " ،
وقوله: " اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان
من علق " ، وقوله: "والطور، وكتاب
مسطور " ، وقوله: " بكاهنٍ ولا
مجنونٍ، أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون " ؛ وقوله: " في سدر مخضودٍ، وطلحٍ منضودٍ " ،
وقوله: " فإن انتهوا فإن الله بما يعملون
بصير، وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير " ،
والظاهر أن ذلك غير مقصود قصده.
الأصل: وأشهد
أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالدين المشهور، والعلم المأثو، والكتاب المسطور،
والنور الساطع، والضياء اللامع، والأمر الصادع، إزاحة للشبهات، واحتجاجاً
بالبينات، وتحذيراً بالآيات، وتخويفاً بالمثلات، والناس في فتنٍ انجذم فيها حبل
الدين، وتزعزعت سواري اليقين، واختلف النجر، وتشتت الأمر، وضاق المخرج، وعمي
المصدر، فالهدى خامل، والعمى شامل. عصي الرحمن، ونصر الشيطان، وخذل الإيمان،
فانهارت دعائمه، وتنكرت معالمه، ودرست سبله، وعفت شركه. أطاعو الشيطان فسلكوا مسالكه،
ووردوا مناهله، بهم سارت أعلامه، وقام لواؤه. في فتنٍ داستهم بأخفافها، ووطئتهم
بأظلافها، وقامت على سنابكها، فهم فيها تائهون حائرون، جاهلون مفتونون، في خير
دارٍ وشر جيرانٍ، نومهم سهود، وكحلهم دموع، بأرضٍ عالمها ملجم، وجاهلها مكرم. ويجوز أن يريد به أحد معجزاته غير القرآن،
فإنها كثيرة ومأثورة، ويؤكد هذا قوله بعد:
والكتاب المسطور، فدل على تغايرهما، ومن يذهب إلى الأول
يقول: المراد بهما واحد، والثانية توكيد
الأولى على قاعدة الخطابة والكتابة. والنجر: الأصل، ومثله النجار. وانهارت: تساقطت. والشرك: الطرائق، جمع شراك. والأخفاف للإبل، والأظلاف للبقر والمعز. وقيل الشام، لأنها الأرض المقدسة، وأهلها شر
جيران، يعني أصحاب معاوية. وعلى التفسير الأول
يعني أصحابه عليه السلام. وإن كان وصفاً لأصحابه عليه السلام
بالكوفة - وهو الأقرب - فالمعنى أنهم خائفون يسهرون ويبكون لقلة موافقتهم إياه؛
وهذا شكاية منه عليه السلام لهم، وكحلهم دموع، أي نفاقاً، فإنه إذا تم نفاق
المرء ملك عينيه. ثم حكى عليه السلام ما جرى له مع
عقبة بن أبي معيط ، والحديث مشهور. وجاهلها مكرم، أي من جحد نبوته
وكذبه في عز ومنعة. وهذا ظاهر. بهم أقام انحناء ظهره، وأذهب ارتعاد فرائصه. الشرح: جعل
ما فعلوه من القبيح بمنزلة زرع زرعوه، ثم سقوه؛ فالذي زرعوه الفجور، ثم سقوه
بالغرور؛ والاستعارة واقعة موقعها، لأن تماديهم وما سكنت إليه نفوسهم من
الإمهال، هو الذي أوجب استمرارهم على القبائح التي واقعوها، فكان ذلك كما يسقى
الزرع ويربى بالماء ويستحفظ. ولعل الرضي رحمه الله
تعالى عرف ذلك وكنى عنه. وجائز لمن كان أولى بشيء
فتركه ثم استرجعه أن يقول: قد رجع الأمر إلى أهله.
وتقول
ما معتقدك؟ أي ما اعتقادك. قد رجع الأمر إلى نصابه. وإلى الموضع الذي هو على
الحقيقة الموضع الذي يجب أن يكون انتقاله إليه. قيل: لا شبهة أن
المنعم أعلى وأشرف من المنعم عليه، ولا
ريب أن محمداً صلى الله عليه وسلم وأهله
الأدنين من بني هاشم - لا سيما علياً عليه السلام - أنعموا على الخلق كافة بنعمة لا يقدر قدرها، وهي الدعاء إلى الإسلام والهداية إليه،
فمحمد صلى الله عليه وسلم
وإن كان هدى الخلق بالدعوة التي
قام بها بلسانه ويده، ونصرة الله تعالى له بملائكته وتأييده، وهو السيد المتبوع،
والمصطفى المنتجب الواجب الطاعة، إلا أن لعلي عليه
السلام من الهداية أيضاً -وإن كان ثانياً لأول،
ومصلياً على إثر سابق - ما لا يجحد، ولو لم يكن إلا جهاده بالسيف أولاً وثانياً، وما كان بين الجهادين من نشر العلوم
وتفسير القرآن وإرشاد العرب إلى ما لم تكن له فاهمة ولا متصورة، لكفى في وجوب حقه، وسبوغ نعمته عليه السلام. قيل: نعمتان: الأولى منهما الجهاد عنهم وهم قاعدون، فإن من أنصف علم أنه لولا
سيف علي عليه السلام لاصطلم المشركون من أشار إليه وغيرهم من المسلمين،
وقد علمت آثاره في بدر، وأحد، والخندق، وحنين، وأن الشرك فيها فغر فاه، فلو لا
أن سده بسيفه لالتهم المسلمين كافة - والثانية
علومه التي لولاها لحكم بغير الصواب في كثير من الأحكام، وقد اعترف عمر له بذلك، والخبر مشهور: لولا علي لهلك عمر. ويمكن أن يخرج كلامه على
وجه آخر، وذلك أن العرب تفضل القبيلة التي
منها الرئيس الأعظم على سائر القبائل، وتفضل الأدنى منه نسباً، فالأدنى على سائر
آحاد تلك القبيلة؛ فإن بني دارم يفتخرون بحاجب وإخوته، وبزرارة أبيهم على سائر
بني تميم، ويسوغ للواحد من أناء دارم أن يقول: لا يقاس ببني دارم أحد من بني
تميم، ولا يستوي بهم من جرت رئاستهم عليه أبداً، ويعني بذلك أن واحداً من بني
دارم قد رأس على بني تميم؛ فكذلك لما كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم رئيس الكل، والمنعم على الكل، جاز لواحد من بني هاشم، لا
سيما مثل علي عليه السلام أن يقول هذه الكلمات. وإنه لولاه لما عبد الله تعالى في
الأرض، وألا يمدح أبو بكر، ولا يقال: إن له أثراً في الإسلام، وإن عبد الرحمن
وسعداً وطلحة وعثمان وغيرهم من الأولين في الدين اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لاتباعه
له، وإن له يداً غير مجحودة في الإنفاق واشتراء المعذبين وإعتاقهم، وإنه لولاه
لاستمرت الردة بعد الوفاة، وظهرت دعوة مسيلمة وطليحة ؛ وإنه لولا عمر لما كانت
الفتوح، ولا جهزت الجيوش، ولا قوي أمر الدين بعد ضعفه، ولا انتشرت الدعوة بعد
خمولها. وهذه الكلمات لا تقال في مثل هذه الحال،
وأخلق بها أن تكون قيلت في ابتداء بيعته، قبل أن يخرج من المدينة إلى البصرة،
وأن الرضي رحمه الله تعالى نقل ما وجد، وحكى ما
سمع، والغلط من غيره والوهم سابق له. وما ذكرناه واضح. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أشعار وأراجيز في الوصاية
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومما
رويناه من الشعر المقول في صدر الإسلام المتضمن كونه عليه السلام وصي رسول الله قول عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن
عبد المطلب:
وقال
عبد الرحمن بن جعيل:
وقال
أبو الهيثم بن التيهان- وكان بدرياً:
وقال
عمر بن حارثة الأنصاري، وكان محمد بن حنيفة يوم الجمل، وقد لامه أبوه عليه
السلام لما أمره بالحملة فتقاعس:
وقال
رجل من الأزد يوم الجمل:
وخرج
يوم الجمل غلام من بني ضبة شاب معلم من عسكر عائشة، وهو يقول:
وقال
سعيد بن قيس الهمداني يوم الجمل - وكان في عسكر علي عليه السلام:
وقال
زياد بن لبيد الأنصاري يوم الجمل - وكان من أصحاب علي عليه السلام:
وقال
حجر بن عدي الكندي في ذلك اليوم أيضاً:
وقال
خزيمة بن ثابت الأنصاري، ذو الشهادتين - وكان بدرياً - في يوم الجمل أيضاً:
وقال
خزيمة أيضاً في يوم الجمل:
وقال
ابن بديل بن ورقاء الخزاعي يوم الجمل أيضاً:
وفقال
عمرو بن أحيحة يوم الجمل في خطبة الحسن بن علي
عليه السلام بعد خطبة عبد الله ابن الزبير:
وقال
زخر بن قيس الجعفي يوم الجمل أيضاً:
ذكر هذه الأشعار والأراجيز بأجمعها أبو مخنف لوط بن يحيى في كتاب
وقعة الجمل. وأبو مخنف من المحدثين،
وممن يرى صحة الإمامة بالاختيار، وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجالها.
قال
نصر: ومن الشعر المنسوب إلى الأشعث بن قيس:
ومن
الشعر المنسوب إلى الأشعث أيضاً:
قال نصر بن مزاحم: من شعر أمير المؤمنين عليه السلام في صفين:
وقال جرير بن عبد الله البجلي: كتب بهذا الشعر إلى شرحبيل بن السمط الكندي، رئيس
اليمانية من أصحاب معاوية:
وقال
النعمان بن عجلان الأنصاري:
وقال
عبد الرحمن بن ذؤيب الأسلمي:
وقال
المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب:
وقال
عبد الله بن العباس بن عبد المطلب :
والأشعار
التي تتضمن هذه اللفظة كثيرة جداً، ولكنا ذكرنا منها ههنا بعض ما قيل في هذين
الحزبين، فأما ما عداهما فإنه يجل عن الحصر، ويعظم عن الإحصاء والعد، ولولا خوف
الملالة والإضجار، لذكرنا من ذلك ما يملأ أوراقاً كثيرة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له وهي المعروفة بالشقشقية
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من
الرحا؛ ينحدرعني السيل، ولا يرقى إلي الطير، فسدلت دونها ثوباً وطويت عنها
كشحاً، وطفقت أرتئي بين أصول بيدٍ جذاء، أو أصبر على طخيةٍ عمياء، يهرم فيها
الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرأيت أن الصبر على
هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذىً، وفي الحلق شجاً. أرى تراثي نهباً. وعندي
أنهم أرادوا غير ذلك. وهو أن من أجاع نفسه فقد طوى كشحه، كما أن من أكل وشبع فقد
ملأ كشحه، فكأنه أراد أني أجعت نفسي عنها، ولم ألقمها. واليد الجذاء بالدال
المهملة، وبالذال المعجمة، والحاء المهملة مع الذال المعجمة، كلها بمعنى
المقطوعة. والطخية: قطعة
من الغيم والسحاب. وقوله: عمياء،
تأكيد لظلام الحال واسودادها؛ يقولون: مفازة عمياء، أي يعمى فيها الدليل. ويكدح:
يسعى ويكد مع مشقة، قال تعالى: " إنك كادح إلى
ربك كدحاً" وهاتا؛ بمعنى هذه، ها للتنبيه، وتا للإشارة، ومعنى تا
ذي، وهذا أحجى من كذا أي أليق بالحجا، وهو العقل، وفي
هذا الفصل من باب البديع في علم البيان عشرة ألفاظ: أولها: قوله: لقد تقمصها، أي جعلها كالقميص مشتملة
عليه؛ والضمير للخلافة، ولم يذكرها للعلم بها، كقوله سبحانه:
" حتى توارت بالحجاب " ، وكقوله: "
كل من عليها فانٍ " ، وكقول حاتم:
وهذه
اللفظة مأخوذة من كتاب الله تعالى في قوله سبحانه: " ولباس التقوى " وقول النابغة:
الثانية:
قوله: ينحدر عني السيل، يعني رفعة منزلته عليه السلام، كأنه في ذروة جبل أو
يفاعٍ مشرف، ينحدر السيل عنه إلى الوهاد والغيطان، قال الهذلي:
الثالثة:
قوله عليه السلام: ولا يرقى إلي الطير، هذه
أعظم في الرفعة والعلو من التي قبلها، لأن السيل ينحدر عن الرابية والهضبة، وأما
تعذر رقي الطير فربما يكون للقلال الشاهقة جداً، بل ما هو أعلى من قلال الجبال،
كأنه يقول: إني لعلو منزلتي كمن في السماء التي يستحيل أن يرقى الطير إليها، قال أبو الطيب:
وقال
حبيب:
الرابعة:
قوله: سدلت دونها ثوباً، قد ذكرناه. وعندي أنه أراد أمراً
آخر، وهو أني من الخلافة في الصميم،
وفي وسطها وبحبوحتها، كما أن القطب وسط دائرة الرحا، قال الراجز :
وقال
أمية بن أبي الصلت لعبد الله بن جدعان:
وأما قوله:
يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير، فيمكن أن يكون من باب الحقائق، ويمكن أن
يكون من باب المجازات والاستعارات، أما الأول
فإنه يعني به طول مدة ولاية المتقدمين عليه، فإنها مدة يهرم فيها الكبير، ويشيب
فيها الصغير. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
التعريف بأبي بكر
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ابن أبي قحافة المشار
إليه، هو أبو بكر، واسمه القديم عبد الكعبة، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد
الله. واختلفوا في عتيق،
فقيل: كان اسمه في الجاهلية، وقيل: بل سماه به
رسول الله صلى الله عليه وسلم. واسم أبي قحافة
عثمان، وهو عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن
غالب. وأمه ابنة عم أبيه، وهي أم الخير بنت صخر بن عمرو بن كعب بن سعد. أسلم أبو قحافة يوم
الفتح، جاء به ابنه أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو شيخ كبير رأسه
كالثغامة البيضاء، فأسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: غيروا شيبته. وكان المنصور يسمي عبد الله بن الحسن بن الحسن
أبا قحافة تهكماً به، لأن ابنه محمداً ادعى الخلافة وأبوه حي. وإن لم تحكموا عليهم بذلك فقد
طعنتم في المتظلم المتكلم عليهم! قيل: أما الإمامية من الشيعة
فتجري هذه الألفاظ على ظواهرها، وتذهب إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أمير المؤمنين عليه السلام، وأنه غصب حقه. وأما أصحابنا رحمهم
الله، فلهم أن يقولوا: إنه لما كان أمير المؤمنين عليه
السلام هو الأفضل والأحق، وعدل عنه إلى من لا يساويه
في فضل، ولا يوازيه في جهاد وعلم، ولا يماثله في سؤدد وشرف - ساغ إطلاق
هذه الألفاظ، وإن كان من وسم بالخلافة قبله عدلاً تقياً، وكانت بيعته بيعةً
صحيحة، ألا ترى أن البلد قد يكون فيه فقيهان؛ أحدهما
أعلم من الآخر بطبقاتٍ كثيرة، فيجعل السلطان الأنقص علماً منهما قاضياً، فيتوجد الأعلم ويتألم، وينفث أحياناً بالشكوى، ولا
يكون ذلك طعناً في القاضي ولا تفسيقاً له، ولا
حكماً منه بأنه غير صالح، بل للعدول عن الأحق والأولى!
وهذا أمر مركوز في طباع البشر، ومجبول في أصل الغريزة والفطرة، فأصحابنا رحمهم الله، لما أحسنوا الظن بالصحابة -
وحملوا ما وقع منهم على وجه الصواب، وأنهم نظروا إلى مصلحة الإسلام، وخافوا
فتنةً لا تقتصر على ذهاب الخلافة فقط، بل وتفضي إلى ذهاب النبوة والملة، فعدلوا عن الأفضل الأشرف الأحق، إلى فاضل آخر دونه، فعقدوا له - احتاجوا إلى تأويل هذه الألفاظ الصادرة
عمن يعتقدونه في الجلالة والرفعة قريباً من منزلة النبوة، فتأولوها بهذا
التأويل، وحملوها على التألم للعدول عن الأولى. ومعلوم
أن تأويل كلام أمير المؤمنين عليه السلام وحمله على
أنه شكا من تركهم
الأولى أحسن من حمل قوله تعالى: " وعصى آدم " على أنه ترك الأولى. وأيضاً،
فما معنى قوله: فطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء، على ما تأولتم به
كلامه، فإن تارك الأولى لا يصال عليه بالحرب! قيل: يجوز أن
يكون أمير المؤمنين عليه السلام لم يغلب على ظنه ما غلب على ظنون الصحابة من
الشغب وثوران الفتنة، والظنون تختلف باختلاف الأمارات،
فرب إنسان يغلب على ظنه أمر يغلب على ظنٍ
غيره خلافه. وأما قوله: أرتئي بين أن
أصول، فيجوز أن يكون لم يعن به صيال الحرب، بل صيال الجدل والمناظرة، يبين ذلك
أنه لو كان جادلهم وأظهر ما في نفسه لهم، فربما خصموه بأن يقولوا له: قد غلب على
ظنوننا أن الفساد يعظم ويتفاقم إن وليت الأمر، ولا يجوز مع غلبة ظنوننا لذلك أن
نسلم الأمر إليك، فهو عليه السلام قال:
طفقت أرتئي بين أن أذكر لهم فضائلي عليهم وأحاجهم بها فيجيبوني بهذا الضرب من
الجواب -الذي تصير حجتي به جذاء مقطوعة، ولا قدرة لي على تشييدها ونصرتها - وبين
أن أصبر على ما منيت به. ودفعت إليه. وكيف هربتم من نسبته لهم
إلى الظلم لدفع النص، ووقعتم في نسبته لهم إلى الظلم لخلاف الأولى من غير علة في
الأولى، ومعلوم
أن مخالفة الأولى من غير علة كتارك النص،
لأن العقد في كلا الموضعين يكون فاسداً! قيل: الفرق
بين الأمرين ظاهر، لأنه عليه السلام لو نسبهم إلى مخالفة النص لوجب وجود النص، ولو كان النص موجوداً لكانوا فساقاً أو كفاراً لمخالفته، وأما إذا نسبهم إلى ترك
الأولى من غير علة في الأولى، فقد نسبهم إلى أمر يدعون
فيه خلاف ما يدعي عليه السلام، وأحد الأمرين لازم؛ وهو إما أن يكون ظنهم صحيحاً أو غير صحيح، فإن كان ظنهم هو الصحيح فلا كلام في
المسألة، وإن لم يكن ظنهم صحيحاً كانوا كالمجتهد
إذا ظن وأخطأ فإنه معذور، ومخالفة النص أمر خارج عن هذا
الباب؛ لأن مخالفه غير معذور بحال، فافترق المحملان. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
تأمير أسامة بن زيد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
لما
مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض الموت، دعا أسامة
بن زيد بن حارثة، فقال: سر إلى مقتل أبيك ، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك على
هذا الجيش، وإن أظفرك الله بالعدو، فأقلل اللبث، وبث العيون، وقدم الطلائع. فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا كان في
ذلك الجيش، منهم أبو بكر وعمر، فتكلم قوم
وقالوا: يستعمل هذا الغلام على جلة المهاجرين والأنصار!! فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع ذلك، وخرج عاصباً رأسه، فصعد المنبر وعليه قطيفة فقال: " أيها الناس، ما
مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير أسامة! لئن طعنتم في تأميري أسامة، فقد طعنتم في
تأميري أباه من قبله، وايم الله إن كان لخليقاً بالإمارة، وابنه من بعده لخليق
بها، وإنهما لمن أحب الناس إلي؛ فاستوصوا به خيراً، فإنه من خياركم ". ثم نزل ودخل بيته،
وجاء المسلمون يودعون رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ويمضون إلى عسكر أسامة بالجرف . ثم أرسل نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أسامة يأمرنه بالدخول، ويقلن
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد أصبح بارئاً، فدخل أسامة من معسكره يوم الاثنين، الثاني عشر من شهر ربيع
الأول فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقاً، فأمره بالخروج وتعجيل
النفوذ،
وقال: "اغد على بركة الله "، وجعل
يقول: " أنفذوا بعث أسامة "، ويكرر
ذلك، فودع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وخرج ومعه أبو بكر وعمر،
فلما ركب جاءه رسول أم أيمن، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت، فأقبل ومعه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
زالت الشمس من هذا اليوم، وهو يوم الاثنين، وقد مات
واللواء مع بريدة بن الحصيب ، فدخل باللواء فركزه عند باب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغلق، وعلي عليه السلام وبعض بني هاشم مشتغلون بإعداد
جهازه وغسله، فقال العباس لعلي - وهما في الدار: امدد
يدك أبايعك فيقول الناس: عم رسول الله بايع ابن عم رسول
الله، فلا يختلف عليك اثنان، فقال له: أو يطمع
يا عم فيها طامع غيري! قال: ستعلم؛ فلم
يلبثا أن جاءتهما الأخبار بأن الأنصار أقعدت سعداً
لتبايعه، وأن عمراً جاء بأبي بكر فبايعه،
وسبق الأنصار بالبيعة، فندم علي عليه السلام على تفريطه في أمر البيعة وتقاعده
عنها، وأنشده العباس قول دريد:
وتزعم الشيعة
أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان
يعلم موته، وأنه سير أبا بكر وعمر في بعث أسامة لتخلو
دار الهجرة منهما، فيصفو الأمر لعلي عليه السلام، ويبايعه من تخلف من المسلمين
بالمدينة على سكونٍ وطمأنينة، فإذا جاءهما الخبر بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيعة الناس لعلي عليه السلام بعده
كانا عن المنازعة والخلاف أبعد، لأن العرب كانت
تلتزم بإتمام تلك البيعة، ويحتاج في نقضها إلى حروب شديدة، فلم يتم له ما قدر، وتثاقل أسامة بالجيش أياماً، مع شدة حث رسول الله صلى
الله عليه وسلم على نفوذه وخروجه بالجيش، حتى مات صلى
الله عليه وسلم وهما بالمدينة، فسبقا علياً إلى
البيعة وجرى ما جرى. وهذا عندي غير منقدح، لأنه إن كان صلى الله عليه وسلم يعلم موته، فهو أيضاً
يعلم أن أبا بكر سيلي الخلافة، وما يعلمه لا يحترس منه؛ وإنما يتم هذا ويصح إذا
فرضنا أنه عليه السلام كان يظن موته ولا يعلمه حقيقة، ويظن أن أبا بكر وعمر
يتمالآن على ابن عمه، ويخاف وقوع ذلك منهما ولا يعلمه حقيقة، فيجوز إن كانت
الحال هكذا أن ينقدح هذا التوهم، ويتطرق هذا الظن، كالواحد منا له ولدان، يخاف
من أحدهما أن يتغلب بعد موته على جميع ماله، ولا يوصل أخاه إلى شيء من حقه، فإنه
قد يخطر له عند مرضه الذي يتخوف أن يموت فيه أن يأمر الولد المخوف جانبه بالسفر
إلى بلد بعيد في تجارة يسلمها إليه، يجعل ذلك طريقاً إلى دفع تغلبه على الولد
الآخر.
فيا عجبا!
بينا هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته! لشد ما تشطرا ضرعيها!
فصيرها في حوزةٍ خشناء يغلظ كلمها، ويخشن العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها
كراكب الصعبة، إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحم، فمني الناس لعمر الله بخبطٍ
وشماسٍ، وتلونٍ واعتراضٍ، فصبرت على طول المدة، وشدة المحنة.
وقوله: فأدلى
بها، من قوله تعالى: " ولا تأكلوا أموالكم
بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام " . أي تدفعوها إليهم رشوة، وأصله من أدليت الدلو
في البئر، أرسلتها. قلت: لما
كان عليه السلام يرى أن العدول بها عنه إلى غيره إخراج لها إلى غير جهة
الاستحقاق شبه ذلك بإدلاء الإنسان بماله إلى الحاكم، فإنه إخراج للمال إلى غير
وجهه، فكان ذلك من باب الاستعارة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أبو بكر يعهد بالخلافة إلى عمر
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وابن الخطاب هو أبو حفص عمر الفاروق، وأبوه الخطاب بن نفيل بن عبد
العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي
بن كعب بن لؤي بن غالب. وأم عمر حنتمة بنت هاشم ابن
المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. قال:
اكتب: وذلك حيث أجال رأيه وأعمل فكره فرأى أن هذا الأمر لا يصلح آخره إلا بما
يصلح به أوله، ولا يحتمله إلا أفضل العرب مقدرة، وأملكهم لنفسه، وأشدهم في حال
الشدة، وأسلسهم في حال اللين، وأعلمهم برأي ذوي الرأي، لا يتشاغل بما لا يعنيه،
ولا يحزن لما لم ينزل به، ولا يستحي من التعلم، ولا يتحير عند البديهة. قوي على الأمور، لا يجوز بشيء منها حده
عدواناً ولا تقصيراً، يرصد لما هو آت عتاده من الحذر. فلما فرغ من الكتاب،
دخل عليه قوم من الصحابة، منهم طلحة؛ فقال له: ما
أنت قائل لربك غداً، وقد وليت علينا فظاً غليظاً، تفرق
منه النفوس؛ وتنفض عنه القلوب! فقال أبو بكر: أسندوني
- وكان مستلقياً - فأسندوه، فقال لطلحة: أبالله تخوفني! إذا
قال لي ذلك غداً قلت له: وليت عليهم خير
أهلك. وروى
كثير من الناس أن أبا بكر لما نزل به الموت دعا عبد الرحمن بن عوف، فقال: أخبرني عن عمر، فقال: إنه أفضل من رأيت إلا أن فيه غلظة، فقال أبو بكر: ذاك لأنه يراني رقيقاً، ولو قد أفضى الأمر إليه لترك
كثيراً مما هو عليه، وقد رمقته إذ أنا غضبت على رجل أراني الرضا عنه، وإذا لنت
له أراني الشدة عليه، ثم دعا عثمان بن عفان،
فقال: أخبرني عن عمر، فقال: سريرته خير من
علانيته، وليس فينا مثله. فقال لهما:
لا تذكرا مما قلت لكما شيئاً، ولو تركت عمر لما عدوتك
يا عثمان، والخيرة لك ألا تلي من أمورهم شيئاً، ولوددت أني كنت من أموركم
خلواً، وكنت فيمن مضى من سلفكم. ودخل طلحة بن عبيد الله على أبي بكر، فقال: إنه بلغني يا خليفة رسول الله استخلفت على الناس عمر،
وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معهن فكيف به إذا خلا بهم، وأنت غداً لاقٍ ربك، فيسألك عن رعيتك! فقال أبو بكر:
أجلسوني، ثم قال: أبالله تخوفني! إذا لقيت
ربي فسألني، قلت: استخلفت
عليهم خير أهلك. فقال طلحة:
أعمر خير الناس يا خليفة رسول الله! فاشتد غضبه وقال: إي والله، هو خيرهم وأنت شرهم. أما
والله لو وليتك لجعلت أنفك في قفاك، ولرفعت نفسك فوق قدرها حتى يكون الله هو
الذي يضعها! أتيتني وقد دلكت عينك، تريد أن تفتنني عن
ديني، وتزيليني عن رأيي! قم لا أقام الله رجليك! أما والله
لئن عشت فواق ناقة، وبلغني أنك غمصته فيها، أو ذكرته بسوء، لألحقنك بمحمضات قنة
، حيث كنتم تسقون ولا تروون، وترعون ولا تشبعون، وأنتم بذلك بجحون راضون! فقام طلحة فخرج. هذا
ما عهد عبد الله بن
عثمان إلى المسلمين. أما بعد ثم أغمي عليه؛ وكتب عثمان: قد
استخلفت عليكم عمر بن الخطاب. وأفاق أبو بكر، فقال: اقرأ فقرأه، فكبر أبو بكر، وسر، وقال: أراك خفت أن يختلف الناس إن مت في غشيتي! قال: نعم، قال: جزاك الله خيراً عن الإسلام وأهله. ثم
أتم العهد، وأمر أن يقرأ على الناس فقرئ عليهم، ثم أوصى عمر، فقال له: إن لله حقاً بالليل لا يقبله بالنهار،
وحقاً في النهار لا يقبله بالليل، وإنه لا يقبل نافلة ما لم تؤد الفريضة، وإنما
ثقلت موازين من اتبع الحق مع ثقله عليه، وإنما خفت موازين من اتبع الباطل لخفته
عليه، إنما أنزلت آية الرخاء مع آية الشدة، لئلا يرغب المؤمن رغبة يتمنى فيها
على الله ما ليس له، ولئلا يرهب رهبة يلقى فيها بيده، فإن
حفظت وصيتي، فلا يكن غائب أحب إليك من الموت ولست معجزه. ثم توفي أبو بكر. إني
لأرجو أن أموت في يومي هذا فلا تمسين حتى تندب الناس مع المثنى بن حارثة، وإن
تأخرت إلى الليل لا تصبحن حتى تندب الناس معه، ولا تشغلنكم مصيبة عن دينكم، وقد
رأيتني متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف صنعت.
يقول
فيها:
- شرخا الرحل: مقدمه ومؤخره، والميس: شجر يتخذ منه الرحال، ورحل
قاتر: جيد الوقوع على ظهر البعير -:
تقول: شتان
ما هما، وشتان هما، ولا يجوز: شتان ما بينهما، إلا على قول ضعيف. وشتان: أصله شتت،
كوشكان ذا خروجاً، من وشك. وحيان
وجابر ابنا السمين الحنفيان، وكان حيان صاحب شراب ومعاقرة خمر، وكان نديم
الأعشى، وكان أخوه جابر أصغر سناً منه، فيقال: إن
حيان قال للأعشى: نسبتني إلى أخي، وهو أصغر سناً مني! فقال:
إن الروي اضطرني إلى ذلك، فقال: والله لا نازعتك
كأساً أبداً ما عشت. يقول: شتان
يومي وأنا في الهاجرة والرمضاء، أسير على كور هذه الناقة ويوم حيان وهو في سكرة
الشراب، ناعم البال، مرفه من الأكدار والمشاق. والقرو: شبه
حوض، يتخذ من جذع أو من شجر ينبذ فيه، والعاصر: الذي
يعتصر العنب. والمجدل:
الحصن المنيع. فهم
يمنونه الظفر، ويعدونه عقب الأيام، والهلاك أسرع إليه من السيل إلى قيعان الرمل،
ينام نوم الظربان ، وينتبه انتباه الذئب، همه بطنه وفرجه، لا يفكر في زوال
النعمة، ولا يروي في إمضاء رأي ولا مكيدة، قد شمر له عبد الله عن ساقه، وفوق
إليه أسد سهامه، يرميه على بعد الدار بالحتف النافذ، والموت القاصد، قد عبأ له
المنايا على متون الخيل، وناط له البلايا بأسنة الرماح وشفار السيوف، فهو كما قال الشاعر :
وأمية المذكور في هذا الشعر، هو أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن
أمية ابن عبد شمس، كان والي خراسان، وحارب الترك.
والشعر للبعيث. وقال شاعر من شعراء الشيعة:
وقد اختلف الرواة في هذه اللفظة، فكثير من الناس رواها: أقيلوني
فلست بخيركم، ومن الناس من أنكر هذه اللفظة ولم يروها، وإنما روى قوله: وليتكم ولست بخيركم. واحتج بذلك من لم يشترط الأفضلية في الإمامة. ومن رواها اعتذر لأبي
بكر فقال:
أقيلوني، ليثور ما في نفوس الناس من بيعته، ويخبر ما عندهم من ولايته، فيعلم
مريدهم وكارههم، ومحبهم ومبغضهم؛ فلما رأى النفوس إليه ساكنة، والقلوب لبيعته
مذعنة، استمر على إمارته، وحكم حكم الخلفاء في رعيته، ولم يكن منكراً منه أن
يعهد إلى من استصلحه لخلافته. وقال لهم:
فأنا كأحدكم، بل أنا أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم. فأبوا عليه وبايعوه، فكرهها أولاً، ثم عهد بها إلى الحسن عليه السلام عند موته. واعلم
أن الكلام في هذا الموضع مبني على أن الأفضلية
هل هي شرط في الإمامة أم لا؟ وقد تكلمنا في شرح الغرر
لشيخنا أبي الحسين رحمه الله تعالى في هذا البحث بما لا يحتمله هذا الكتاب.
وللناقة
أربعة أخلاف؛ خلفان قادمان وخلفان آخران، وكل
اثنين منهما شطر. وتشطرا ضرعيها اقتسما
فائدتهما ونفعهما. والضمير
للخلافة، وسمى القادمين معاً ضرعاً، وسمى الآخرين معاً ضرعاً لما كانا -
لتجاورهما، ولكونهما لا يحلبان إلا معاً - كشيء واحد. قيل:
الاعتبار مختلف؛ لأن مراده بقوله: في حوزة
خشناء، أي لا ينال ما عندها ولا يرام، قال:
إن فلاناً لخشن الجانب ووعر الجانب، ومراده بقوله: يخشن مسها، أي تؤذي وتضر
وتنكئ من يمسها؛ يصف جفاء أخلاق الوالي المذكور ونفور
طبعه وشدة بادرته. ويمكن
أن تكون من ههنا للتعليل والسببية، أي ويكثر اعتذار الناس عن أفعالهم وحركاتهم
لأجلها، قال:
أي
لأجل رسم المربع والمصيف هذه الدار وكف دمع عينيك! والصعبة
من النوق: ما لم تركب ولم ترض، إن أشنق لها راكبها بالزمام خرم أنفها،
وإن أسلس زمامها تقحم في المهالك فألقته في مهواة أو ماء أو نار، أو ندت فلن تقف
حتى ترديه عنها فهلك. وفي الحديث:
إن طلحة أنشد قصيدة فما زال شانقاً راحلته، حتى كتبت له. وأشنق
البعير نفسه، إذا رفع رأسه، يتعدى ولا تعدى، وأصله من الشناق، وهو خيط يشد به فم
القربة. فإنهم
إذا قصدوا الازدواج في الخطابة فعلوا مثل هذا، قالوا: الغدايا والعشايا، والأصل
الغدوات جمع غدوة. وقال
صلى الله عليه وسلم: " ارجعن مأزورات غير
مأجورات "، وأصله موزورات بالواو، لأنه من الوزر.
قلت:
تبين في هذا البيت فعل ماض، تبين يتبين تبيناً، واللام في لها تتعلق بتبين.
يقول: ظهر لها ما في أيدينا فساءها، وهذا البيت من قصيدة أولها:
وقد
كان زارته بنية له صغيرة اسمها هند، وهو في الحبس - حبس النعمان - ويداه
مغلولتان إلى عنقه، فأنكرت ذلك، وقالت: ما
هذا الذي في يدك وعنقك يا أبت! وبكت، فقال هذا الشعر. وقبل هذا البيت:
أي
ساءها ما ظهر لها من ذلك. ويروى: ساءها ما بنا تبين، أي ما بان وظهر، ويروى ما
بنا تبين بالرفع على أنه مضارع. وتقصع
بها: تدفع، وقد كان للرضي رحمه الله تعالى
إذا كانت الرواية قد وردت هكذا أن يحتج بها على جواز أشنق لها، فإن الفعل في
الخبر قد عدي باللام لا بنفسه.
والخبط:
السير على غير جادة، والشماس: النفار. والتلون: التبدل. والاعتراض: السير لا على خط
مستقيم، كأنه يسير عرضاً في غضون سيره طولاً، وإنما يفعل ذلك البعير الجامح
الخابط. وبعير عرضي: يعترض في مسيره؛ لأنه لم يتم
رياضته، وفي فلان عرضية، أي عجرفة وصعوبة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نبذة من أخبار عمر بن الخطاب
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكان عمر بن الخطاب
صعباً، عظيم الهيبة شديد السياسة، لا يحابي أحداً، ولا يراقب شريفاً ولا
مشروفاً. وكان أكابر الصحابة
يتحامون ويتفادون من لقائه، كان أبو سفيان بن حرب في مجلس عمر، وهناك زياد بن سمية وكثير من الصحابة ، فتكلم زياد
فأحسن - وهو يومئذ غلام - فقال علي عليه السلام - وكان
حاضراً - لأبي سفيان وهو إلى جانبه: لله هذا الغلام، لو كان قرشياً لساق العرب
بعصاه! فقال له أبو سفيان:
أما والله لو عرفت أباه لعرفت أنه من خير أهلك،
قال: ومن أبوه؟ قال: أنا وضعته والله في رحم أمه، فقال علي عليه السلام: فما يمنعك من استلحاقه؟ قال:
أخاف هذا العير الجالس علي إهابي! وقيل لابن عباس لما أظهر
قوله في العول بعد موت عمر - ولم يكن يظهره: هلا قلت هذا
وعمر حي؟ قال: هبته، وكان امرأً مهاباً. وتوعد من لجأ إلى دار
فاطمة عليها السلام من الهاشميين، وأخرجهم منها. ولولاه لم يثبت لأبي بكر أمر، ولا قامت له قائمة، وهو الذي
ساس العمال وأخذ أموالهم في خلافته، وذلك من أحسن السياسات. وذكرت أن عندك من المهاجرين
الأولين من هو خير مني، فإذا كان ذاك فوالله ما دققت لك يا أمير المؤمنين باباً،
ولا فتحت لك قفلاً. فلما قدم محمد صنع له عمرو طعاماً
ودعاه فلم يأكل، وقال: هذه تقدمة الشر، ولو جئتني بطعام الضيف لأكلت، فنح عني
طعامك، وأحضر لي مالك، فأحضره، فأخذ شطره. فلما رأى عمرو كثرة ما أخذ منه، قال: لعن الله
زماناً صرت فيه عاملاً لعمر، والله لقد رأيت عمر وأباه على كل واحد منهما عباءة
قطوانية لا تجاوز مأبض ركبتيه، وعلى عنقه حزمة حطب، والعاص بن وائل في مزررات
الديباج. فقال محمد: إيهاً
عنك يا عمرو! فعمر والله خير منك، وأما أبوك وأبوه فإنهما في النار، ولولا
الإسلام لألفيت معتلقاً شاة، يسرك غزرها، ويسوءك بكوؤها . قال: صدقت فاكتم علي. قال: أفعل. فلما قدمنا المدينة أتيت يرفأ حاجب
عمر، فقلت: يا يرفأ، مسترشد وابن سبيل! أي الهيئات أحب إلى أمير المؤمنين أن يرى
فيها عماله؟ فأومأ إلي بالخشونة، فاتخذت خفين مطارقين ، ولبست جبة صوف، ولثت
عمامتي على رأسي، ثم دخلنا على عمر فصفنا بين يديه، فصعد بصره فينا وصوب، فلم
تأخذ عينه أحداً غيري، فدعاني، فقال: من أنت؟ قلت:
الربيع بن زياد الحارثي، قال: وما تتولى من أعمالنا؟
قلت: البحرين، قال: كم ترزق؟ قلت: ألفاً،
قال : كثير، فما تصنع به؟ قلت: أتقوت منه شيئاً،
وأعود بباقيه على أقارب لي، فما فضل منهم فعلى فقراء المسلمين، قال: لا بأس،
ارجع إلى موضعك. فرجعت إلى موضعي من الصف، فصعد
فينا وصوب، فلم تقع عينه إلا علي فدعاني، فقال: كم سنك؟ قلت: خمس وأربعون، فقال:
الآن حيث استحكمت! ثم دعا بالطعام، وأصحابي حديث عهدهم بلين العيش، وقد تجوعت
له، فأتى بخبز يابس وأكسار بعير، فجعل أصحابي يعافون ذلك، وجعلت آكل فأجيد، وأنا أنظر إليه، وهو يلحظني من بينهم، ثم سبقت مني
كلمة تمنيت أني سخت في الأرض، فقلت: يا أمير
المؤمنين، إن الناس يحتاجون إلى صلاحك، فلو عمدت إلى طعامٍ ألين من هذا! فزجرني، ثم قال:
كيف قلت؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، أن تنظر إلى قوتك من الطحين فيخبز قبل إرادتك
إياه بيوم، ويطبخ لك اللحم كذلك، فتؤتى بالخبز ليناً، وباللحم غريضاً. فسكن من غربه ، وقال:
أههنا غرت !قلت: نعم، فقال: يا ربيع، إنا لو
نشاء لملأنا هذه الرحاب من صلائق وسبائك وصناب ، ولكني رأيت الله نعى على قومٍ
شهواتهم، فقال: " أذهبتم طيباتكم في حياتكم
الدنيا " ، ثم أمر أبا موسى بإقراري، وأن يستبدل بأصحابي. قال: أراكما قد
صبوتما ! قال ختنه : أرأيت إن كان هو الحق!
فوثب عليه عمر فوطئه وطئاً شديداً، فجاءت أخته فدفعته عنه، فنفحها بيده، فدمى
وجهها، ثم ندم ورق، وجلس واجماً، فخرج إليه خباب
فقال: أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله لك الليلة، فإنه لم
يزل يدعو منذ الليلة: " اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام
". اللهم هذا عمر، اللهم أعز الإسلام
بعمر"، فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. مر يوماً عمر في بعض
شوارع المدينة فناداه إنسان: ما أراك إلا تستعمل عمالك، وتعهد
إليهم العهود، وترى أن ذلك قد أجزأك. كلا والله إنك المأخوذ بهم إن لم
تتعهدهم، قال: ما ذاك؟ قال: عياض بن غنم يلبس اللين، ويأكل الطيب، ويفعل كذا
وكذا. قال: أساعٍ ؟ قال: بل مؤدٍ ما
عليه، فقال لمحمد بن مسلمة: الحق بعياض بن غنم فأتني به كما تجده، فمضى محمد بن
مسلمة حتى أتى باب عياض - وهو أمير على حمص - وإذا عليه بواب، فقال له: قل لعياض: على بابك رجل يريد أن يلقاك،
قال: ما تقول؟ قال: قل له ما أقول لك؛ فقام كالمعجب فأخبره، فعرف عياض أنه أمر
حدث، فخرج فإذا محمد بن مسلمة، فأدخله، فرأى على عياض قميصاً رقيقاً، ورداءً
ليناً، فقال: إن أمير المؤمنين أمرني ألا
أفارقك حتى آتيه بك كما أجدك. فأقدمه على عمر وأخبره أنه وجده في عيش ناعم.
فأمر له بعصا وكساء، وقال: اذهب بهذه الغنم، فأحسن رعيها، فقال: الموت أهون من
ذلك، فقال: كذبت، ولقد كان ترك ما كنت عليه أهون عليك من ذلك. فساق الغنم بعصاه،
والكساء في عنقه، فلما بعد رده، وقال: أرأيت إن رددتك إلى عملك أتصنع خيراً؟
قال: نعم والله يا أمير المؤمنين لا يبلغك مني بعدها ما تكره. فرده إلى عمله،
فلم يبلغه عنه بعدها ما ينقمه عليه. فجعل لا يمر بأحد
يقول إنه مات إلا ويخبطه ويتوعده، حتى جاء أبو بكر، فقال: أيها الناس، من كان يعبد
محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد رب محمد فإنه حي لم يمت، ثم تلا قوله تعالى: " أفإن مات
أو قتل انقلبتم على أعقابكم " ، قالوا: فوالله لكأن الناس ما سمعوا
هذه الآية حتى تلاها أبو بكر. وقال عمر: لما سمعته
يتلوها هويت إلى الأرض، وعلمت أن رسول الله قد مات. فكان عمر يحرض أبا
بكر على خالد ويشير عليه أن يقتص منه بدم مالك، فقال
أبو بكر: إيهاً يا عمر! ما هو بأول من أخطأ، فارفع لسانك عنه. ثم ودى مالكاً
من بيت مال المسلمين. لما أسر الهرمزان حمل إلى عمر من تُستر إلى المدينة، ومعه رجال المسلمين،
منهم الأحنف ابن قيس، وأنس بن مالك، فأدخلوه المدينة في هيئته وتاجه وكسوته،
فوجدوا عمر نائماً في جانب المسجد، فجلسوا عنده ينتظرون انتباهه، فقال
الهرمزان: وأين عمر؟ قالوا: ها هو ذا؛ قال: أين حرسه؟ قالوا : لا حاجب له ولا
حارس قال: فينبغي أن يكون هذا نبياً، قالوا: إنه يعمل بعمل الأنبياء. واستيقظ
عمر، فقال: الهرمزان؟ فقالوا: نعم؛ قال: لا أكلمه أو لا يبقى عليه من حليته شيء،
فرموا ما عليه، وألبسوه ثوباً صفيقاً، فلما كلمه عمر أمر أبا طلحة أن ينتضي سيفه
ويقوم على رأسه، ففعل. ثم قال له:
ما عذرك في نقض الصلح ونكث العهد؟ وقد كان الهرمزان صالح أولاً، ثم نقض وغدر،
فقال: أخبرك، قال: قل، قال: وأنا شديد العطش! فاسقني ثم أخبرك. فأحضر له ماء، فلما تناوله جعلت يده ترعد،
قال: ما شأنك؟ قال: أخاف أن أمد عنقي وأنا أشرب فيقتلني سيفك. قال: لا بأس عليك
حتى تشرب، فألقى الإناء عن يده، فقال: ما بالك؟ أعيدوا عليه الماء، ولا تجمعوا
عليه بين القتل والعطش، قال: إنك قد أمنتني، قال: كذبت! قال أنس: صدق يا أمير
المؤمنين، قال: ويحك يا أنس! أنا أؤمن قاتل مجزأة بن ثور والبراء بن مالك !
والله لتأتيني بالمخرج أو لأعاقبنك، قال: أنت يا أمير المؤمنين قلت: لا بأس عليك
حتى تشرب. وقال له ناس من المسلمين مثل قول أنس، فقال للهرمزان: ويحك! أتخدعني! والله لأقتلنك إلا أن
تسلم، ثم أومأ إلى أبي طلحة، فقال الهرمزان: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمداً رسول الله، فأمنه وأنزله المدينة. وفي الصحيح:
إن نسوةً كن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كثر لغطهن، فجاء عمر فهربن
هيبة له، فقال لهن: يا عديات أنفسهن، أتهبنني ولا تهبن
رسول الله! قلن: نعم، أنت أغلظ وأفظ. ومر يوماً بشاب من فتيان الأنصار
وهو ظمآن، فاستسقاه، فجدح له ماء بعسل فلم يشربه، وقال: إن الله تعالى يقول: " أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا "
فقال له الفتى: يا أمير المؤمنين، إنها ليست لك ولا لأحد من هذه القبيلة، اقرأ
ما قبلها: " ويوم يعرض الذين كفروا على النار
أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا " ، فقال عمر: كل الناس أفقه من
عمر! وقيل: إن عمر
كان يعس بالليل، فسمع صوت رجل وامرأة في بيت، فارتاب فتسور الحائط، فوجد امراة ورجلاً، وعندهما زق خمر، فقال: يا عدو
الله، أكنت ترى أن الله يسترك وأنت على معصيته! قال: يا
أمير المؤمنين، إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث، قال الله
تعالى: " ولا
تجسسوا " ، وقد تجسست. وقال: " وأتوا البيوت من أبوابها " وقد تسورت، وقال: "
فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا " ، وما سلمت! وقال: متعتان
كانتا على عهد رسول الله وأنا محرمهما، ومعاقب عليهما:
متعة النساء ومتعة الحج. وهذا الكلام وإن كان
ظاهره منكراً فله عندنا مخرج وتأويل، وقد ذكره أصحابنا الفقهاء في كتبهم. وكان
في أخلاق عمر وألفاظه جفاء وعنجهية ظاهرة،
يحسبه السامع لها أنه أراد بها ما لم يكن قد أراد، ويتوهم من تحكى له أنه قصد
بها ظاهراً ما لم يقصده، فمنها الكلمة التي قالها
في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومعاذ
الله أن يقصد بها ظاهرها! ولكنه أرسلها على مقتضى خشونة غريزته، ولم يتحفظ منها. وكان الأحسن أن يقول: مغمور أو مغلوب بالمرض، وحاشاه
أن يعني بها غير ذلك! ولجفاة
الأعراب من هذا الفن كثير، سمع سليمان بن عبد الملك أعرابياً يقول في سنة قحط:
فقال سليمان:
أشهد أنه لا أب له ولا صاحبة ولا ولد، فأخرجه أحسن مخرج.
الأصل:
حتى إذا مضى لسبيله، جعلها في ستةٍ زعم أني أحدهم، فيا لله وللشورى! متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه
النظائر! لكني أسففت إذ أسفوا، وطرت إذ طاروا، فصغا رجل منهم لضغنه، ومال
الآخر لصهره، مع هنٍ وهنٍ. الشرح:
اللام في يا لله مفتوحة، واللام في وللشورى مكسورة؛ لأن الأولى للمدعو، والثانية
للمدعو إليه، قال :
اللام
في للرجال مفتوحة، وفي ليوم مكسورة. وأسف
الرجل، إذا دخل في الأمر الدنيء، أصله من أسف الطائر إذا دنا من الأرض في
طيرانه. والضغن: الحقد. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ما هي قصة الشورى
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وصورة هذه الواقعة أن عمر لما طعنه
أبو لؤلؤة، وعلم أنه ميت، استشار فيمن يوليه الأمر بعده، فأشير عليه بابنه عبد الله، فقال: لا ها الله إذاً! لا يليها
رجلان من ولد الخطاب! حسب عمر ما حمل! حسب عمر ما احتقب، لا ها الله! لا أتحملها
حياً وميتاً! ثم قال:
إن رسول الله مات وهو راض عن هذه الستة من قريش:
علي، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وقد رأيت أن أجعلها شورى بينهم فليختاروا لأنفسهم. ثم قال:
إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني - يعني أبا بكر - وإن أترك فقد ترك من هو
خير مني - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثم قال: ادعوهم لي، فدعوهم،
فدخلوا عليه، وهو ملقىً على فراشه يجود بنفسه. فقال عمر: أفلا
أخبركم عن أنفسكم! قال: قل، فإنا لو استعفيناك لم تعفنا، فقال: أما أنت يا زبير
فوعق لقس ، مؤمن الرضا كافر الغضب، يوماً
إنسان ويوماً شيطان، ولعلها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مد من
شعير! أفرأيت إن أفضت إليك! فليت شعري، من
يكون للناس يوم تكون شيطاناً، ومن يكون يوم تغضب! وما كان الله ليجمع لك أمر هذه
الأمة، وأنت على هذه الصفة. قال أبو عثمان
أيضاً: لو قال لعمر قائل: أنت قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو
راض عن الستة، فكيف تقول الآن لطلحة إنه مات عليه السلام ساخطاً عليك للكلمة
التي قلتها! لكان قد رماه بمشاقصه ، ولكن من الذي يجسر على عمر أن يقول له ما
دون هذا، فكيف هذا! قال: ثم أقبل على سعد بن أبي وقاص فقال: إنما أنت صاحب مقنب من هذه
المقانب، تقاتل به، وصاحب قنص وقوس وأسهم، ومازهرة
والخلافة وأمور الناس! ثم أقبل على عبد الرحمن
بن عوف، فقال: وأما أنت يا عبد الرحمن،
فلو وزن نصف إيمان المسلمين بإيمانك لرجح إيمانك به، ولكن ليس يصلح هذا الأمر
لمن فيه ضعف كضعفك، وما زهرة وهذا الأمر! ثم
أقبل على علي عليه السلام، فقال: لله أنت لولا دعابة فيك! أما
والله لئن وليتهم لتحملنهم على الحق الواضح، والمحجة البيضاء. والله لئن فعلوا لتفعلن،
ولئن فعلت ليفعلن. ثم أخذ بناصيته، فقال: فإذا كان ذلك فاذكر قولي، فإنه كائن. وذكر أبو عثمان في هذا الكتاب عقيب رواية هذا
الخبر قال: وروى معمر بن سليمان التيمي عن
أبيه عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس، قال: سمعت عمر
بن الخطاب يقول لأهل الشورى: إنكم إن تعاونتم وتوازرتم وتناصحتم أكلتموها
وأولادكم، وإن تحاسدتم وتقاعدتم وتدابرتم وتباغضتم، غلبكم على هذا الأمر معاوية
بن أبي سفيان، وكان معاوية حينئذ أمير الشام. ثم قال: ادعوا إلي أبا طلحة الأنصاري، فدعوه له فقال: انظر يا أبا طلحة،
إذا عدتم من حفرتي، فكن في خمسين رجلاً من الأنصار
حاملي سيوفكم، فخذ هؤلاء النفر بإمضاء المر وتعجيله، واجمعهم في بيت، وقف بأصحابك على باب البيت ليتشاوروا
ويختاروا واحداً منهم، فإن اتفق خمسة وأبى واحد فاضرب
عنقه، وإن اتفق أربعة وأبى اثنان فاضرب
أعناقهما، وإن اتفق ثلاثة وخالف ثلاثة، فانظر
الثلاثة التي فيها عبد الرحمن، فارجع إلى ما قد اتفقت عليه، فإن أصرت
الثلاثة الأخرى على خلافها فاضرب أعناقها، وإن مضت
ثلاثة أيام ولم يتفقوا على أمرٍ، فاضرب أعناق الستة، ودع المسلمين
يختاروا لأنفسهم. فقال الزبير في معارضته:
وأنا أشهدكم على نفسي أني قد وهبت حقي من الشورى لعلي، وإنما
فعل ذلك لأنه لما رأى علياً قد ضعف وانخزل بهبة طلحة حقه لعثمان، ودخلت حمية
النسب، لأنه ابن عمة أمير المؤمنين عليه السلام، وهي صفية بنت عبد
المطلب، وأبو طالب خاله. وإنما مال طلحة إلى
عثمان لانحرافه عن علي عليه السلام، باعتبار أنه
تيمي، وابن عم أبي بكر الصديق، وقد كان حصل في نفوس بني هاشم من تيم حنق
شديد لأجل الخلافة، وكذلك صار في صدور تيم على بني
هاشم، وهذا أمر مركوز في طبيعة البشر، وخصوصاً طينة العرب وطباعها، والتجربة إلى
الآن تحقق ذلك، فبقي من الستة أربعة. قال عبد الرحمن لعلي وعثمان:
أيكما يخرج نفسه عن الخلافة، ويكون إليه الاختيار في الاثنين الباقيين؟ فلم
يتكلم منهما أحد، فقال عبد الرحمن: أشهدكم أنني
قد أخرجت نفسي من الخلافة على أن أختار أحدهما، فأمسكا. فبدأ بعلي عليه
السلام، وقال له: أبايعك على كتاب الله، وسنة رسول الله، وسيرة الشيخين: أبي بكر
وعمر. فقال: بل على كتاب الله وسنة رسوله
واجتهاد رأيي. فعدل عنه إلى عثمان، فعرض ذلك عليه، فقال: نعم، فعاد إلى علي
عليه السلام، فأعاد قوله؛ فعل ذلك عبد الرحمن ثلاثاً، فلما رأى أن علياً غير
راجع عما قاله، وأن عثمان ينعم له بالإجابة، صفق على يد عثمان، وقال: السلام
عليك يا أمير المؤمنين، فيقال: إن علياً عليه
السلام قال له: والله ما فعلتها إلا لأنك رجوت
منه ما رجا صاحبكما من صاحبه، دق الله بينكما عطر منشم . أما قوله عليه السلام:
فصغا منهم رجل لضغنه، فإنه يعني طلحة، وقال القطب الراوندي: يعني سعد بن أبي وقاص؛ لأن علياً
عليه السلام قتل أباه يوم بدر. وهذا خطأ فإن أباه أبو وقاص، واسمه مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن
كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب؛ مات في الجاهلية
حتف أنفه . فقال علي عليه السلام:
وأنا أعلم ذلك، ولكني أدخل معهم في الشورى، لأن عمر قد أهلني الآن للخلافة، وكان قبل ذلك يقول: إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: إن
النبوة والإمامة لا يجتمعان في في بيت واحد، فأنا أدخل في ذلك لأظهر للناس
مناقضة فعله لروايته. وهذه الرواية التي اختارها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب
التاريخ قال:
لما طعن عمر قيل له: لو استخلفت يا أمير
المؤمنين! فقال: من أستخلف؟ لو كان أبو
عبيدة حياً لاستخلفته وقلت لربي لو سألني: سمعت نبيك يقول: " أبو عبيدة
أمين هذه الأمة " ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً استخلفته، وقلت لربي إن سألني: سمعت بنيك عليه السلام يقول:
"سالماً شديد الحب لله "، فقال له رجل: ول
عبد الله بن عمر، فقال: قاتلك الله! والله
ما الله أردت بهذا الأمر! ويحك! كيف أستخلف
رجلاً عجز عن طلاق امرأته! لا أرب لعمر في خلافتكم، ما حمدتها فأرغب فيها لأحد
من أهل بيتي؛ إن تك خيراً فقد أصبنا منه، وإن تك شراً يصرف عنا. حسب
آل عمر أن يحاسب منهم رجل واحد، ويسأل عن أمر أمة محمد. قال: وما علمك؟ قال: قرن بي عثمان. وقال عمر:
كونوا مع الأكثر، فإن رضي رجلان رجلاً ورجلان رجلاً، فكونوا مع الذين فيهم عبد
الرحمن، فسعد لا يخالف ابن عمه، وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفان، فيوليها
أحدهما الآخر، فلو كان الآخران معي لم يغنيا شيئاً. فقال العباس: لم
أدفعك إلى شيء إلا رجعت إلي مستأخراً بما أكره، أشرت عليك عند مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسأله عن هذا الأمر فيمن هو
فأبيت، وأشرت عليك عند وفاته أن تعاجل البيعة فأبيت، وقد أشرت عليك حين سماك عمر
في الشورى اليوم أن ترفع نفسك عنها، ولا تدخل معهم فيها فأبيت، فاحفظ عني واحدة؛
كلما عرض عليك القوم الأمر فقل: لا، إلا أن
يولوك. واعلم أن هؤلاء لا يبرحون يدفعونك عن هذا الأمر حتى يقوم لك به غيرك،
وايم الله لا تناله إلا بشر لا ينفع معه خير. فقال عليه السلام: أما إني أعلم أنهم سيولون عثمان
وليحدثن البدع والأحداث، ولئن بقي لأذكرنك، وإن قتل ليتداولنها بنو أمية بينهم،
وإن كنت حياً لتجدني حيث تكرهون، ثم تمثل:
قال:
ثم التفت فرأى أبا طلحة الأنصاري، فكره مكانه، فقال
أبو طلحة: لا ترع أبا حسن. فلما مات عمر ودفن وخلوا
بأنفسهم للمشاورة في الأمر، وقام أبو طلحة يحجبهم بباب البيت، جاء عمرو بن العاص
والمغيرة بن شعبة، فجلسا بالباب، فحصبهما سعد وأقامهما، وقال: إنما تريدان أن
تقولا حضرنا وكنا في أصحاب الشورى. فتنافس القوم وكثر في الأمر وكثر
بينهم الكلام، فقال أبو طلحة: أنا كنت لأن
تدافعوها أخوف مني عليكم أن تنافسوها! أما والذي ذهب بنفس عمر لا أزيدكم على
الأيام الثلاثة التي وقفت لكم، فاصنعوا ما بدا لكم! قال: ثم
إن عبد الرحمن قال لابن عمه سعد بن أبي وقاص: إني قد كرهتها، وسأخلع نفسي
منها، لأني رأيت الليلة روضة خضراء كثيرة العشب، فدخل فحل ما رأيت أكرم منه، فمر
كأنه سهم لم يلتفت إلى شيء منها حتى قطعها، لم يعرج، ودخل بعير يتلوه تابع أثره،
حتى خرج منها. ثم دخل فحل عبقري يجر خطامه، ومضى
قصد الأولين، ثم دخل بعير رابع، فوقع في الروضة يرتع ويخصم. ولا والله لا أكون
الرابع: وإن أحداً لا يقوم مقام أبي بكر وعمر فيرضى الناس عنه. قال
علي عليه السلام لسعد ابن أبي وقاص: يا سعد، " اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام "،
أسألك برحم ابني هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبرحم عمي حمزة منك، ألا
تكون مع عبد الرحمن لعثمان ظهيراً. فقال عمار بن ياسر: إن
أردت ألا يختلف الناس، فبايع علياً عليه السلام،
فقال المقداد: صدق عمار، وإن بايعت علياً سمعنا وأطعنا. فقال عبد الله بن أبي
سرح:
إن أردت ألا تختلف قريش، فبايع عثمان. وقال عبد الله ابن
أبي ربيعة المخزومي: صدق، إن بايعت عثمان سمعنا
وأطعنا. فشتم عمار ابن
أبي سرح، وقال له: متى كنت تنصح الإسلام! فتكلم
بنو هاشم وبنو أمية، وقام عمار فقال: أيها الناس، إن اله أكرمكم بنبيه،
وأعزكم بدينه، فإلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بين نبيكم! فقال رجل من بني مخزوم: لقد
عدوت طورك يابن سمية، وما أنت وتأمير قريش لأنفسها! فقال
سعد: يا عبد الرحمن، افرغ من أمرك قبل أن يفتتن الناس. فحينئذ عرض عبد الرحمن على علي عليه السلام
العمل بسيرة الشيخين، فقال: بل أجتهد برأيي. فبايع عثمان بعد أن عرض
عليه فقال: نعم. فقال علي عليه السلام: ليس هذا بأول يوم تظاهرتم فيه
علينا، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون؛ والله ما وليته الأمر إلا ليرده
إليك، والله كل يوم في شأن. فقال المقداد: تالله
ما رأيت مثل ما أتى إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم، واعجباً
لقريش! لقد تركت رجلاً ما أقول ولا أعلم أن أحداً أقضى بالعدل ولا أعلم ولا
أتقى منه! أما والله لو أجدنا أعواناً! فقال عبد الرحمن: اتق
الله يا مقداد، فإني خائف عليك الفتنة. الحمد
لله الذي اختار محمداً منا نبياً، وابتعثه إلينا رسولاً، فنحن أهل بيت النبوة
ومعدن الحكمة؛ أمان لأهل الأرض، ونجاة لمن طلب؛ إن لنا حقاً إن نعطه نأخذه، وإن
نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السرى، لو عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عهداً لأنفذنا عهده، ولو قال لنا
قولاً لجالدنا عليه حتى نموت. لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حقٍ وصلة رحم، ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اسمعوا كلامي، وعوا منطقي، عسى أن تروا هذا
الأمر بعد هذا الجمع تنتضى فيه السيوف، وتخان فيه العهود؛ حتى لا يكون لكم
جماعة، وحتى يكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة وشيعة لأهل الجهالة. أرسل عبد الرحمن إلى عثمان يعاتبه وقال لرسوله: قل له: لقد وليتك ما وليتك من أمر
الناس، وإن لي لأموراً ما هي لك: شهدت بدراً وما شهدتها، وشهدت بيعة الرضوان وما
شهدتها، وفررت يوم أحد وصبرت، فقال عثمان لرسوله:
قل له: أما بدر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردني إلى ابنته لما بها من المرض، وقد كنت خرجت للذي خرجت
له، ولقيته عند منصرفه، فبشرني بأجرٍ مثل أجوركم، وأعطاني سهماً مثل سهامكم.
وأما بيعة الرضوان فإنه صلى الله عليه وسلم بعثني
أستأذن قريشاً في دخوله إلى مكة، فلما قيل له:
إني قتلت، بايع المسلمين على الموت لما سمعه عني، وقال:
إن كان حياً فأنا أبايع عنه، وصفق بإحدى يديه على الأخرى، وقال: يساري خير من يمين عثمان، فيدك أفضل أم يد
رسول الله صلى الله عليه وسلم! وأما
صبرك يوم أحد وفراري، فلقد كان ذلك، فأنزل الله تعالى العفو عني في كتابه،
فعيرتني بذنب غفره الله لي، ونسيت من ذنوبك ما لا تدري أغفر أم لم يغفر! لما بنى
عثمان قصره طمار بالزوراء ، وصنع طعاماً كثيراً، ودعا الناس إليه، كان فيهم عبد الرحمن فلما نظر للبناءوالطعام قال:
يابن عفان، لقد صدقنا عليك ما كنا نكذب فيك، وإني أستعيذ بالله من بيعتك، فغضب
عثمان، وقال: أخرجه عني يا غلام، فأخرجوه، وأمر الناس ألا يجالسوه، فلم يكن
يأتيه أحد إلا ابن عباس، كان يأتيه فيتعلم منه القرآن والفرائض. ومرض عبد الرحمن
فعاده عثمان وكلمه فلم يكلمه حتى مات. والنثيل:
الروث. والمعتلف: موضع العلف، يريد أن همه الأكل والرجيع، وهذا من ممض الذم،
وأشد من قول الحطيئة الذي قيل: أنه أهجى بيت للعرب:
والخضم:
أكل بكل الفم، وضده القضم، وهو الأكل بأطراف الأسنان، وقيل:
الخضم أكل الشيء الرطب، والقضم أكل الشيء اليابس، والمراد على التفسيرين لا
يختلف، وهو أنهم على قدم عظيمة من النهم وشدة الأكل وامتلاء الأفواه. وقال أبو ذر رحمه
الله تعالى عن بني أمية: يخضمون ونقضم، والموعد الله. والماضي خضمت
بالكسر، ومثله قضمت. يقال: أجهزت على الجريح، مثل ذففت، إذا أتممت
قتله وكبت به بطنته، كبا الجواد، إذا سقط والبطنة: الإسراف في الشبع. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نبذة من أخبار عثمان بن عفان
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وثالث القوم هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس
بن مناف، كنيته أبو عمرو، وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس.
الأمينان: أبو بكر وعمر. والله لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيراً، فقال:
ألق بالمفاتيح يابن أرقم، فإنا سنجد غيرك. وأنكح الحارث بن الحكم ابنته عائشة، فأعطاه
مائة ألف من بيت المال أيضاً بعد صرفه زيد بن أرقم
عن خزنه. والذي نقول نحن: إنها وإن كانت أحداثاً، إلا أنها
لم تبلغ المبلغ الذي يستباح به دمه، وقد كان الواجب عليهم أن يخلعوه من الخلافة
حيث لم يستصلحوه لها، ولا يعجلوا بقتله، وأمير المؤمنين عليه السلام أبرأ الناس من دمه،
وقد صرح بذلك في كثير من كلامه؛ من ذلك قوله عليه
السلام: والله ما قتلت عثمان ولا مالأت على
قتله. فلما
نهضت بالأمر نكثت طائفة، ومرقت أخرى، وفسق آخرون، كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث
يقول: " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا
يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين " ؛ بلى والله
لقد سمعوها ووعوها، ولكنهم حليت الدنيا في أعيينهم، وراقهم زبرجها. والحسنان: الحسن
والحسين عليه السلام. والعطفان:
الجانبان من المنكب إلى الورك؛ ويروى عطافي، والعكاف: الرداء وهو أشبه بالحال؛
إلا أن الرواية الأولى أشهر، والمعنى خدش جانباي لشدة الإصطكاك منهم والزحام. وقال القطب
الرواندي: الحسنان:
إبهاما الرجل؛ وهذا لا أعرفه. وهذا التفسير بعيد
وغير مناسب للحال. وسماهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم القاسطين. وأما الطائفة
المارقة فأصحاب النهروان ؛ وأشرنا نحن بقولنا: سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القاسطين
إلى قوله عليه السلام: "
ستقاتل بعدي الناكثين، والقاسطين والمارقين ". وهذا الخبر من دلائل
نبوته صلوات الله عليه،
لأنه
إخبار صريح بالغيب، لا يحتمل التمويه والتدليس كما تحتمله الخبار المجملة، وصدق قوله عليه
السلام:
" والمارقين "، قوله أولاً في الخوارج:
" يمرقون من الدين كما يمرق السهم من
الرمية"، وصدق قوله عليه السلام: " الناكثين " كونهم نكثوا البيعة بادئ بدء، وقد كان عليه السلام يتلو
وقت مبايعتهم له: " فمن نكث فإنما ينكث على نفسه
" . والزبرج: الزينة من وشيٍ أو غيره،
ويقال: الزبرج: الذهب. ويقال:
إن عمر بن عبد العزيز كان يرددها حتى قبض. والكظة بكسر الكاف: ما
يعتري الإنسان من الثقل والكرب عند الإمتلاء من الطعام. والسغب: الجوع. وقولهم: قد ألقى فلان حبل فلان على
غاربه، أي تركه هملاً يسرح حيث يشاء من غير وازع ولا مانع؛ والفقهاء يذكرون هذه
اللفظة في كنايات الطلاق. وعفطة عنز: ما تنثره من انفها،
عفطت تعفط بالكسر؛ وأكثر ما يستعمل ذلك في النعجة. فأما العنز فالمستعمل الأشهر فيها
النفطة بالنون، ويقولون: ما له عافط ولا
نافط، أي نعجة ولا عنز، فإن قيل: أيجوز أن يقال
العفطة ههنا الحبقة؟ فإن ذلك يقال في العنز خاصة، عفطت تعفط. قيل:
ذلك جائز، إلا أن الأحسن والأليق بكلام أمير
المؤمنين عليه السلام التفسير الأول؛ فإن جلالته وسؤدده تقتضي أن يكون ذاك أراد لا الثاني. فإن صح
أنه لا يقال في العطسة عفطة إلا للنعجة. قلنا:
إنه استعمله في العنز مجازاً. قال ابن عباس: فوالله
ما أسفت على كلامٍ قط كأسفي على هذا الكلام ألا يكون أمير المؤمنين بلغ منه حيث
أراد. وإنما قال عليه السلام: أشنق لها، ولم يقل أشنقها لأنه جعله في مقابلة قوله: أسلس لها، فكأنه قال:
إن رفع لها رأسها بالزمام يعني أمسكه عليها. وفي
الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب على ناقة وقد شنق عليها فهي تقصع
بجرتها.
الشرح: سمي
السواد سواداً لخضرته بالزروع والأشجار والنخل، والعرب تسمي الأخضر أسود، قال
سبحانه: " مدهامتان " يريد
الخضرة. وقوله : لو اطردت مقالتك، أي اتبعت الأول
قولاً ثانياً! من قولهم اطرد النهر، إذا تتابع جريه. والشقشقة، بالكسر
فيهما: شيء يخرجه البعير من فيه إذا هاج، وإذا قالوا للخطيب: ذو شقشقة فإنما
شبهوه بالفحل. والهدير: صوتها. قال: فقلت له: أتقول له: أتقول إنها منحولة! فقال: لا
والله، وإني لأعلم أنها كلامه، كما أعلم أنك مصدق. قال: إن كثيراً من الناس يقولون إنها من كلام الرضي رحمه الله
تعالى. ثم قال:
والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صنفت قبل أن
يخلق الرضي بمائتي سنة، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها، وأعرف خطوط من
هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضي. ووجدت أيضاً كثيراً منها في كتاب أبي جعفر بن قبة أحد متكلمي
الإمامية وهو الكتاب المشهور المعروف بكتاب الإنصاف. وكان أبو جعفر هذا من
تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي رحمه الله تعالى، ومات في ذلك العصر قبل أن يكون
الرضي رحمه الله تعالى موجوداً. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في هداية الناس وكمال يقينه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
بنا اهتديتم في الظلماء، وتسنمتم العلياء. وبنا انفجرتم عن السرار. من وثق بماءٍ لم
يظمأ. الشرح:
هذه الكلمات والأمثال ملتقطة من خطبة طويلة منسوبة عليه
السلام، قد زاد فيها قوم أشياء حملتهم عليها أهواؤهم، لا توافق ألفاظها
طريقته عليه السلام في الخطب، ولا تناسب فصاحتها فصاحته، ولا حاجة إلى ذكرها فهي
شهيرة. ونحن نشرح هذه
الألفاظ، لأنها كلامه عليه السلام، لا يشك في ذلك من له ذوق ونقد ومعرفة بمذاهب
الخطباء والفصحاء في خطبهم ورسائلهم، ولأن
الرواية لها كثيرة، ولأن الرضي رحمة الله تعالى
عليه قد التقطها ونسبها عليه السلام، وصححها وحذف ما عداها. وروي أفجرتم، وهو
أفصح وأصح، لأن انفعل لا يكون إلا مطاوع فعل،
نحو كسرته فانكسر، وحطمته فانحطم، إلا ما شذ من قولهم: أغلقت الباب فانغلق
وأزعجته فانزعج. وأيضاً فلا يقع إلا حيث يكون علاج وتأثير، نحو انكسر وانحطم، ولهذا قالوا: إن قولهم: انعدم خطأ، وأما أفعل
فيجيء لصيرورة الشيء على حال وأمر، نحو أغد البعير، أي صار ذا غدة، وأجرب الرجل،
إذا صار ذا إبلٍ جربى. وغير ذلك. فأفجرتم؛ أي صرتم ذوي فجر. والواعية: الصارخة، من الوعاء ،
وهو الجلبة والأصوات، والمراد العبر والمواعظ. والنبأة: هي الصوت الخفي. وقالوا: أحييت الأرض، إذا وجدتها
حية النبات، فقوله: أصمته الصيحة، ليس معناه أن الصيحة كانت علة لصممه، بل معناه
صادفته أصم، وبهذا تأول أصحابنا قوله تعالى: "
وأضله الله على علمٍ" . كما يقال:
المؤمن يبصر بنور الله. ويحتمل أن يريد: سترني
عنكم جلباب ديني، ومنعني أن أعرفكم نفسي وما أقدر عليه من عسفكم، كما تقول لمن
استهان بحقك: أنت لا تعرفني ولو شئت لعرفتك نفسي. وأيضاً فإنه حكم بأن صدق النية هو
علة التبصير، وأعداؤه لم يكن فيهم صادق النية، وظاهر الكلام الحكم والقطع، لا
التعليق بالشرط. قوله:
أقمت عليكم على سنن الحق، يقال: تنح عن سنن الطريق وسنن الطريق بفتح السين
وضمها، فالأول مفرد والثاني جمع سنة، وهي
جادة الطريق والواضح منها. وأرض مضلة ومضلة، بفتح الضاد وكسرها: يضل
سالكها. وأماه المحتفر يميه، أنبط الماء. يقول:
فعلت من إرشادكم وأمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر ما يجب على مثلي، فوقفت لكم
على جادة الحق ومنهجه، حيث طرق الضلال كثيرة مختلفة من سائر جهاتي، وأنتم تائهون
فيها تلتقون، ولا دليل لكم، وتحتفرون لتجدوا ماء تنقعون به غلتكم فلا تظفرون
بالماء، وهذه كلها استعارات. والعجماء:
التي لا نطق لها، وهذا إشارة إلى الرموز التي تتضمنها هذه الخطبة، يقول: هي خفية غامضة، وهي مع غموضها جلية لأولي
الألباب، فكأنها تنطق كما ينطق ذوو الألسنة، كما قيل: ما الأمورالصامتة الناطقة؟
فقيل: الدلائل المخبرة والعبر الواعظة. وفي
الأثر: سل الأرض: من شق أنهارك، وأخرج ثمارك؟ فإن لم تجبك حواراً، أجابتك
اعتباراً. ويحتمل أن يكون هذا الكلام إخباراً وأن يكون
دعاء، كما أن قوله تعالى: " حصرت صدورهم
" يحتمل الأمرين.
والصائم
في شهر رمضان يصبح جائعاً تنازعه نفسه إلى الغذاء، وفي أيام الفطر لا يجد تلك
المنازعة في مثل ذلك الوقت، لأن الصائم ممنوع، والنفس تحرص على طلب ما منعت منه؛
يقول: إن وثقتم بي وسكنتم إلى قولي كنتم
أبعد عن الضلال وأقرب إلى اليقين وثلج النفس، كمن وثق بأن الماء في إداوته، يكون
عن الظمأ وخوف الهلاك من العطش أبعد ممن لم يثق بذلك. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلامه لما قبض رسول الله ص وخاطبه
العباس وأبو سفيان بن حرب في أن يبايعا له بالخلافة : |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
أيها الناس؛ شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وعرجوا عن طريق النافرة، وضعوا تيجان
المفاخرة. أفلح من نهض بجناحٍ، أو استسلم فأراح. ماء آجن، ولقمة يغص بها آكلها.
ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزراع بغير أرضه، فإن أقل يقولوا: حرص على
الملك، وإن أسكت يقولوا: جزع من الموت. والماء الآجن:
المتغير الفاسد، أجن الماء، بفتح الجيم، يأجِن ويأجُن، بالكسر والضم. والإيناع:
إدراك الثمرة، واللتيا: تصغير التي، كما أن اللذيا تصغير الذي. واندمجت: انطويت. والطوي:
البئر المطوية بالحجارة. يقول: تخلصوا عن الفتنة وانجوا منها بالمتاركة
والمسالمة والعدول عن المنافرة والمفاخرة. أفلح
من نهض بجناح، أي مات؛ شبه الميت المفارق
للدنيا بطائر نهض عن الأرض بجناحه. ويحتمل أن يريد بذلك: أفلح من اعتزل هذا العالم، وساح في الأرض منقطعاً عن
تكاليف الدنيا. ويحتمل أيضاً أن يريد: أفلح من نهض في طلب الرئاسة بناصر ينصره، وأعوان يجاهدون
بين يديه؛ وعلى التقادير كلها تنطبق اللفظة الثانية، وهي
قوله: أو استسلم فأراح، أي أراح نفسه باستسلامه. ويجوز ألا يكون عن الإمرة المطلقة؛ بل هي
الإمرة المخصوصة، يعني بيعة السقيفة . ثم قال: اللتيا
والتي، أي: أبعد اللتيا والتي أجزع! أبعد أن قاسيت الأهوال الكبار
والصغار، ومنيت بكل داهية عظيمة وصغيرة! فاللتيا للصغيرة و التي للكبيرة. إنه قد كان من جملتها الأمر بترك النزاع في مبدأ الاختلاف عليه. وكذلك قوله: وضعوا تيجان المفاخرة، لأن التاج
لما كان مما يعظم به قدر الإنسان من الافتخار وذكر القديم و كذلك استعارة النهوض بالجناح لمن اعتزل الناس،
كأنه لما نفض يديه عنهم صار كالطائر الذي ينهض من الأرض بجناحيه.
وكذلك
قوله:
وقول
أبي تمام:
وكقوله:
فإنه
لا مناسبة بين الرجل والمال، ولا بين الصوت والمال، ولا معنى لتصييره للنوى
قداً، ولا للعرض كعباً، ولا للمال خداً، وقريب منه أيضاً قوله:
ويقال: إن
مخلداً الموصلي بعث إليه بقارورة يسأله أن يبعث له فيها قليلاً من ماء الملام، فقال لصاحبه: قل له يبعث إلي بريشة من جناح الذل
لأستخرج بها من القارورة ما أبعثه إليه. ومن الاستعارة المستحسنة في الكلام المنثور، ما اختاره قدامة بن جعفر في كتاب
الخراج نحو قول أبي الحسين جعفر بن محمد ثوابة في جوابه لأبي الجيش خمارويه بن
أحمد بن طولون عن المعتضد بالله، لما كتب بإنفاذ ابنته قطر الندى التي تزوجها
المعتضد، وذلك قول ابن ثوابة هذا: وأما
الوديعة فهي بمنزلة ما انتقل من شمالك إلى يمينك، عنايةً بها وحياطة لها،
ورعايةً لمودتك فيها. وقال ابن ثوابة لما
كتب هذا الكتاب لأبي القاسم عبيد الله بن سليمان بن وهب وزير المعتضد:
والله إن تسميتي إياها بالوديعة نصف البلاغة. قال: وعرجوا عن طريق المنافرة. أيها الناس شقوا أمواج الفتن...
الخطبة. ثم نهض إلى منزله وافترق القوم. وقال البراء بن عازب
:
لم أزل لبني هاشم محباً، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم خفت أن تتمالأ
قريش على إخراج هذا الأمر عنهم، فأخذني ما يأخذ الوالهة العجول، مع ما في نفسي
من الحزن لوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت أتردد إلى بني هاشم وهم عند
النبي صلى الله عليه وسلم في الحجرة، وأتفقد وجوه قريش، فإني كذلك إذ فقدت أبا
بكر وعمر، وإذا قائل يقول: القوم في سقيفة بني ساعدة، وإذا
قائل آخر يقول: قد بويع أبو بكر، فلم ألبث؛ وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل
ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة، وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا
يمرون بأحد إلا خبطوه، وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه، شاء ذلك
أو أبى؛ فأنكرت عقلي، وخرجت أشتد حتى انتهيت إلى بني هاشم، والباب مغلق، فضربت
عليهم الباب ضرباً عنيفاً وقلت: قد بايع الناس لأبي بكر بن أبي قحافة. فقال العباس:
تربت أيديكم إلى آخر الدهر، أما إني قد أمرتكم
فعصيتموني. فمكثت أكابد ما في نفسي،
ورأيت في الليل المقداد وسلمان وأبا ذر وعبادة بن الصامت وأبا الهيثم بن التيهان
وحذيفة وعماراً، وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين. وما أنفك يبلغني عن طاعن يقول بخلاف قول عامة
المسلمين، يتخذكم لجأ فتكونون حصنه المنيع، وخطبه البديع، فإما دخلتم فيما دخل
فيه الناس، أو صرفتموهم عما مالوا إليه. فقد جئناك، ونحن نريد أن نجعل لك
في هذا المر نصيباً ولمن بعدك من عقبك، إذ كنت عم رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان المسلمون قد رأوا مكانك من رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ومكان أهلك، ثم عدلوا بهذا الأمر عنكم. وعلى رسلكم بني هاشم؛ فإن رسول الله صلى الله
عليه وسلم منا ومنكم. وأخرى:
إنا لم نأتكم حاجةً إليكم، ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون
منكم، فيتفاقم الخطب بكم وبهم. فانظروا لأنفسكم ولعامتهم. ثم سكت. وما أبعد قولك: إنهم
طعنوا من قولك إنهم مالوا إليك! وأما ما بذلت لنا،
فإن يكن حقك أعطيتناه فأمسكه عليك، وإن يكن
حق المؤمنين فليس لك أن تحكم فيه، وإن يكن
حقنا لم نرض لك ببعضه دون بعض. وما أقول هذا أروم صرفك عما دخلت فيه، ولكن
للحجة نصيبها من البيان. وأما قولك:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ومنكم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم من
شجرة نحن أغصانها، وأنتم جيرانها. وأما قولك يا عمر:
إنك
تخاف الناس علينا، فهذا الذي قدمتوه أول ذلك، وبالله المستعان. لما اجتمع المهاجرون على بيعة أبي بكر، أقبل أبو سفيان وهو يقول: أما والله إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا
الدم، يا لعبد مناف، فيم أبو بكر من أمركم! أين المستضعفان؟ أين الأذلان؟ يعني
علياً والعباس. ما
بال هذا الأمر في أقل حي من قريش. ثم قال لعلي:
ابسط يدك أبايعك، فوالله لأملأنها على أبي فصيل -
يعني أبا بكر - خيلاً ورجلاً. فامتنع عليه علي عليه السلام؛ فلما يئس منه
قام عنه وهو ينشد شعر المتلمس :
قيل لأبي قحافة يوم ولي الأمر ابنه: قد ولي ابنك الخلافة، فقرأ:
" قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء " ،
ثم قال: لم ولوه؟ قالوا: لسنه؟ قال: أنا أسن منه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له لما أشير عليه بألا يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال :
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: والله
لا أكون كالضبع تنام على طول اللدم؛ حتى يصل إليها طالبها، ويختلها راصدها،
ولكني أضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه، وبالسامع المطيع العاصي المريب أبداً،
حتى يأتي علي يومي، فوالله ما زلت مدفوعاً عن حقي، مستاثراً علي منذ قبض الله
نبيه صلى الله عليه وسلم حتى يوم الناس هذا. واللدم: صوت الحجر أو العصا أو غيرهما،
تضرب به الأرض ضرباً ليس بشديد. ورصدته:
ترقبته. ومستأثراً علي، أي مستبداً دوني بالأمر، والاسم الأثرة ، وفي الحديث: أنه صلى الله
عليه وسلم قال للأنصار: " ستلقون بعدي أثرة، فإذا كان ذلك فاصبروا
حتى تردوا علي الحوض ". معنى أطرقي أم طريق طأطئي رأسك، وكناها أم
طريق لكثرة إطراقها، على فعيل كالقبيط للناطف، والعليق لنبت. ومعنى خامري الزمي
وجارك واستتري فيه، خامر الرجل منزله إذا لزمه.
وقال الشنفرى:
أوصاهم ألا يدفنوه إذا قتل، وقال: اجعلوني أكلاً للسباع، كالشيء الذي يرغب به الضبع
في الخروج، وتقدير الكلام؛ تقبروني ولكن
اجعلوني كالتي يقال لها: خامري أم عامر، وهي الضبع، فإنها لا تقبر. ويمكن أن يقال أيضاً: أراد لا تقبروني واجعلوني فريسة للتي يقال لها: خامري أم
عامر؛ لأنها تأكل الجيف وأشلاء القتلى والموتى. وقال أبو عبيدة:
يأتي الصائد فيضرب بعقبه الأرض عند باب مغارها ضرباً خفيفاً؛ وذلك هو اللدم، ويقول: خامري أم عامر؛ مراراً، بصوت ليس بشديد،
فتنام على ذلك، فيدخل إليها، فيجعل الحبل في عرقوبها ويجرها فيخرجها. يقول: لا
أقعد عن الحرب والانتصار لنفسي وسلطاني، فيكون حالي مع القوم المشار إليهم حال
الضبع مع صائدها، فأكون قد أسلمت نفسي، فعل العاجز الأحمق، ولكني أحارب من عصاني
بمن أطاعني حتى أموت، ثم عقب ذلك بقوله: إن
الاستئثار علي والتغلب أمر لم يتجدد الآن، ولكنه كان منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
التعريف بطلحة والزبير
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وطلحة هو
أبو محمد بن عبيد الله بن عثمان بن سعد بن تيم بن مرة. أبوه ابن عم أبي بكر،
وأمه الصعبة بنت الحضرمي، وكانت قبل أن تكون عند عبيد الله تحت أبي سفيان صخر بن
حرب، فطلقها ثم تبعتها نفسه، فقال فيها شعراً أوله:
في
أبيات مشهورة. وطلحة أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأحد أصحاب الشورى،
وكان له في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أثر عظيم، وشلت بعض أصابعه يومئذ وقى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده من سيوف المشركين، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: " اليوم أوجب طلحة
الجنة " . والحواري:
الخالصة، تقول فلان خالصة فلان، وخلصانه وحواريه، أي
شديد الاختصاص به والاستخلاص له. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
طارق بن شهاب يستقبل علياً
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
خرج طارق بن شهاب الأحمسي يستقبل
علياً عليه السلام، وقد صار بالربذة طالباً عائشة وأصحابها، وكان طارق من صحابة
علي عليه السلام وشيعته، قال: فسألت عنه قبل
أن ألقاه؛ ما أقدمه؟ فقيل: خالفه طلحة
والزبير وعائشة فأتوا البصرة، فقلت في نفسي: إنها الحرب! أفأقاتل أم المؤمنين، وحواري رسول الله صلى الله عليه
وسلم! إن هذا لعظيم، ثم قلت: أأدع علياً،
وهو أول المؤمنين إيماناً بالله وابن عم رسول الله صلى
الله عليه وسلم ووصيه! هذا أعظم. ثم أتيته فسلمت عليه، ثم جلست
إليه، فقص علي قصة القوم وقصته، ثم صلى بنا الظهر، فلما انفتل جاءه الحسن ابنه عليه
السلام، فبكى بين يديه، قال: ما بالك؟
قال: أبكي لقتلك غداً بمضيعة ولا ناصر لك. أما إني أمرتك فعصيتني، ثم أمرتك فعصيتني، فقال عليه السلام: لا تزال تخن خنين الأمة! ما
الذي أمرتني به فعصيتك! قال: أمرتك حين أحاط الناس بعثمان أن تعتزل، فإن الناس
إذا قتلوه طلبوك أينما كنت حتى يبايعوك، فلم تفعل ثم أمرتك لما قتل عثمان ألا
توافقهم على البيعة حتى يجتمع الناس إليك ويأتيك وفود العرب فلم تفعل. ثم خالفك هؤلاء القوم، فأمرتك ألا
تخرج من المدينة، وأن تدعهم وشأنهم، فإن اجتمعت عليك الأمة فذاك، وإلا رضيت
بقضاء الله. فقال عليه السلام: والله لا أكون كالضبع تنام على
اللدم حتى يدخل إليها طالبها فيعلق الحبل برجلها، ويقول لها: دباب دباب، حتى
يقطع عرقوبها... وذكر تمام الفصل. فكان طارق بن شهاب يبكي إذا ذكر هذا الحديث. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في ذم أتباع الشيطان
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكاً، واتخذهم له أشراكاً، فباض وفرخ في صدورهم، ودب
ودرج في حجورهم؛ فنظر بأعينهم، ونطق بألسنتهم، فركب بهم الزلل، وزين لهم الخطل،
فعل من قد شركه الشيطان في سلطانه، ونطق بالباطل على لسانه. وباض
وفرخ في صدورهم، استعارة للوسوسة والإغواء،
ومراده طول مكثه، وإقامته عليهم، لأن الطائر لا يبيض ويفرخ إلا في الأعشاش التي
هي وطنه ومسكنه، ودب ودرج في حجورهم، أي ربوا الباطل كما يربي الوالدان الولد في
حجورهما. ثم
ذكر أنه لشدة اتحاده بهم وامتزاجه صار كمن ينظر بأعينهم، وينطق بألسنتهم، أي صار
الاثنان كالواحد، قال أبو الطيب:
وقال
آخر:
وقال
آخر:
والخطل:
القول الفاسد. ويجوز
أشركه الشيطان في سلطانه، بالهمزة، وشركه أيضاً؛ وبغير الهمزة أفصح. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له يعني به الزبير في حال اقتضت ذلك
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
يزعم أنه قد بايع بيده ولم يبايع بقلبه، فقد أقر بالبيعة، وادعى الوليجة. فليأت عليها بأمرٍ يعرف، وإلا
فليدخل فيما خرج منه. كان الزبير يقول:
بايعت بيدي لا بقلبي، وكان يدعي تارة أنه
أكره، ويدعي تارة أنه ورى في البيعة تورية،
ونوى دخيلة، وأتى بمعاريض على ظاهرها، فقال عليه
السلام: هذا الكلام إقرار منه بالبيعة وادعاء أمر آخر لم يقم عليه
دليلاً، ولم ينصب له برهاناً، فإما أن يقيم دليلاً على فساد البيعة الظاهرة،
وأنها غير لازمة له، وإما أن يعاود طاعته. قال: نعم، الله لك علي بذلك راعٍ وكفيل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
طلحة والزبير ينكثان البيعة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
لما بويع علي عليه
السلام كتب إلى معاوية:
أما بعد، فإن الناس
قتلوا عثمان عن غير مشورة مني، وبايعوني عن
مشورة منهم واجتماع، فإذا أتاك كتابي فبايع لي، وأوفد إلي أشراف أهل الشام قبلك. فلما وصل هذا الكتاب إلى الزبير سر به، وأعلم به طلحة وأقرأه إياه، فلم يشكا في النصح لهما من قبل معاوية،
وأجمعا عند ذلك على خلاف علي عليه السلام. ثم استشار المغيرة بن
شعبة، فقال له:
أرى أن توليهما إلى أن يستقيم لك أمر الناس. فخلا بابن عباس،
وقال: ما ترى؟ قال: يا أمير المؤمنين، إن الكوفة والبصرة عين الخلافة، وبهما
كنوز الرجال، ومكان طلحة والزبير من الإسلام ما قد علمت، ولست آمنهما إن وليتهما
أن يحدثا أمراً. فأخذ علي عليه السلام برأي ابن عباس.
وقد كان استشار المغيرة أيضاً في أمر معاوية، فقال له:
أرى إقراره على الشام، وأن تبعث إليه بعهده إلى أن يسكن شغب الناس. ولك
بعد رأيك. فلم يأخذ برأيه. دخل
الزبير وطلحة على علي عليه السلام، فاستأذناه
في العمرة، فقال: ما العمرة تريدان؛ فحلفا له
بالله أنهما ما يريدان غير العمرة، فقال
لهما: ما العمرة تريدان، وإنما تريدان الغدرة
ونكث البيعة؛ فحلفا بالله ما الخلاف عليه ولا نكث بيعةٍ يريدان، وما رأيهما غير
العمرة. قال لهما: فأعيدا البيعة لي ثانية، فأعاداها
بأشد ما يكون من الإيمان والمواثيق، فأذن لهما، فلما خرجا من عنده، قال لمن كان
حاضراً: والله لا ترونهما إلا في فتنة يقتتلان فيها. قالوا: يا أمير المؤمنين، فمر بردهما عليك،
قال: ليقضي الله أمراً كان مفعولاً. وذكر أبو مخنف في كتاب
الجمل، أن
علياً عليه السلام خطب لما سار الزبير وطلحة من مكة ومعهما عائشة يريدون البصرة،
فقال: أيها الناس، إن عائشة سارت إلى البصرة،
ومعها طلحة والزبير، وكل منهما يرى الأمر له دون صاحبه،
أما طلحة فابن عمها، وأما الزبير فختنها ، والله
لو ظفروا بما أرادوا - ولن ينالوا ذلك أبداً - ليضربن
أحدهما عنق صاحبه بعد تنازع منهما شديد. والله إن راكبة
الجمل الأحمر ما تقطع عقبة ولا تحل عقدة إلا في معصية الله وسخطه، حتى
تورد نفسها ومن معها موارد الهلكة، أي والله ليقتلن ثلثهم، وليهربن ثلثهم، وإنها التي تنبحها كلاب الحوأب ، وإنهما ليعلمان أنهما
مخطئان. ورب عالمٍ قتله جهله،
ومعه علمه لا ينفعه، وحسبنا الله ونعم الوكيل! فقد
قامت الفتنة فيها الفئة الباغية، أين المحتسبون؟ أين المؤمنون؟ مالي
ولقريش! أما والله لقد قتلتهم كافرين، ولأقتلهم مفتونين! وما لنا إلى عائشة من ذنب إلا أنا أدخلناها في حيزنا. والله
لأبقرن الباطل، حتى يظهر الحق من خاصرته، فقل لقريش فلتضج ضجيجها. ثم
نزل. قلت: وما لي لا أحبه وهو اخي وابن خالي! فقال: " أما إنك ستحاربه وأنت ظالم له ". فاسترجع الزبير، وقال: أذكرتني ما أنسانيه الدهر،
ورجع إلى صفوفه. فقال له عبد الله ابنه، لقد رجعت إلينا بغير الوجه الذي فارقتنا به! فقال: أذكرني علي حديثاً أنسانيه الدهر فلا
أحاربه أبداً، وإني لراجع وتارككم منذ اليوم. فقال له عبد الله: ما أراك إلا جبنت عن سيوف بني عبد المطلب، إنها لسيوف
حداد، تحملها فتية أنجاد؛ فقال الزبير: ويلك!
أتهيجني على حربه! أما إني قد حلفت ألا أحاربه، قال: كفر عن يمينك؛ لا تتحدث
نساء قريش أنك جبنت، وما كنت جباناً، فقال الزبير: غلامي مكحول حر كفارة عن يميني، ثم أنصل سنان رمحه، وحمل على
عسكر علي عليه السلام برمح لا سنان له، فقال علي عليه السلام: أفرجوا له، فإنه محرج، ثم عاد إلى أصحابه، ثم حمل
ثانية، ثم ثالثة، ثم قال لابنه: أجبناً ويلك ترى! فقال: لقد أعذرت.
لما خرج علي عليه السلام لطلب الزبر خرج حاسراً، وخرج إليه الزبير دارعاً مدججاً، فقال علي عليه السلام : يا أبا عبد الله، قد لعمري
أعددت سلاحاً، وحبذا فهل أعددت عند الله عذراً؟ فقال الزبير: إن مردنا إلى الله، قال علي عليه السلام:
" يومئذٍ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين "
، ثم أذكره الخبر، فلما كر الزبير راجعاً إلى أصحابه نادماً واجماً، رجع علي
عليه السلام إلى أصحابه جذلاً مسروراً، فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين، تبرز إلى الزبير حاسراً، وهو شاكٍ في السلاح، وأن تعرف
شجاعته! قال: إنه ليس بقاتلي، إنما يقتلني رجل خامل الذكر، ضئيل النسب، غيلةً
في غير مأقط حرب، ولا معركة رجال، ويلمه أشقى البشر! ليودن أن أمه هبلت به! أما
إنه وأحمر ثمود لمقرونان في قرن. أما إنه لخليق بالقتل، قتله الله! فاتبعه عمرو بن
جرموزٍ - وكان فاتكاً - فلما قرب منه وقف الزبير، وقال: ما شأنك؟ قال:
جئت لأسألك عن أمر الناس، قال الزبير: إني تركتهم قياماً في الركب، يضرب بعضهم
وجه بعض بالسيف. فسار
ابن جرموز معه، وكل واحد منهما يتقي الآخر. فلما
حضرت الصلاة، قال الزبير: يا هذا، إنا نريد
أن نصلي. فلما قام إلى الصلاة شد ابن جرموز عليه فقتله، وأخذ رأسه وخاتمه
وسيفه، وحثا عليه التراب يسيراً، ورجع إلى الأحنف، فأخبره، فقال: والله ما أدري أسات أم
أحسنت؟ اذهب إلى علي عليه السلام فأخبره، فجاء إلى
علي عليه السلام، فقال للآذن: قل له: عمرو بن
جرموز بالباب ومعه رأس الزبير وسيفه، فأدخله. وفي كثير من الروايات أنه لم يأت بالرأس بالسيف، فقال له: وأنت قتلته؟ قال:
نعم، قال: والله ما كان ابن صفية جباناً ولا
لئيماً، ولكن الحين ومصارع السوء، ثم قال: ناولني
سيفه، فناوله فهزه، وقال: سيف طالما جلى به
الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال ابن جرموز: الجائزة يا أمير المؤمنين، فقال: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بشر قاتل
ابن صفية بالنار "، فخرج ابن جرموز خائباً، وقال :
ثم
خرج ابن الجرموز على علي عليه السلام، مع أهل النهر،
فقتله معهم فيمن قتل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام في صفة قوم أرعدوا وفشلهم في ذلك
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
وقد أرعدوا وأبرقوا، ومع هذين الأمرين الفشل، ولسنا نرعد حتى نوقع، ولا نسيل حتى
نمطر.
قال: الكميت قروي
لا يحتج بقوله. والفشل: الجبن والخور. وسمع أبو طاهر
الجنابي ضوضاء عسكر المقتدر بالله
ودبادبهم وبوقاتهم، وهو في ألف وخمسمائة، وعسكر المقتدر في عشرين ألفاً، مقدمهم
يوسف بن أبي الساج ، فقال لبعض أصحابه: ما
هذا الزجل ؟ قال: فشل، قال: أجل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له يوعد قوماً
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
ألا وإن الشيطان قد جمع حزبه، واستجلب خيله ورجله، وإن معي لبصيرتي؛ ما لبست على
نفسي، ولا لبس علي. وايم الله لأفرطن لهم حوضاً أنا ماتحه، لا
يصدرون عنه، ولا يعودون إليه. ومن رواها لأفرطن بضم الهمزة، فهو أفرط
المزادة، أي ملأها. يعني
قتلهم وإزهاق أنفسهم، ومن فر منهم لا يعود إليها ومن هذا اللفظ قول الشاعر:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له لابنه محمد بن الحنيفة لما أعطاه الراية يوم الجمل : |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
تزول الجبال ولا تزل، عض على ناجذك، أعر الله جمجمتك، تد في الأرض قدمك، ارم
ببصرك أقصى القوم، وغض بصرك، واعلم أن النصر من عند الله سبحانه. والناجذ:
أقصى الأضراس. وتد، أمر من وتد قدمه في الأرض، أي أثبتها فيها كالوتد. ولا تناقض بين
قوله: ارم ببصرك، وقوله غض بصرك، وذلك لأنه
في الأولى أمره أن يفتح عينه ويرفع طرفه، ويحدق إلى أقاصي القوم ببصره،
فعل الشجاع المقدام غير المكترث ولا المبالي، لأن الجبان تضعف نفسه ويخفق قلبه
فيقصر بصره، ولا يرتفع طرفه، ولا يمتد عنقه، ويكون ناكس الرأس، غضيض الطرف، وفي الثانية أمره أن يغض بصره عن بريق سيوفهم ولمعان
دروعهم، لئلا يبرق بصره، ويدهش ويستشعر خوفاً. وتقدير الكلام واحمل، وحذف
ذلك للعلم، فكأنه قال: إذا عزمت على الحملة
وصممت، فغض حينئذ بصرك واحمل، وكن كالعشواء التي تخبط ما أمامها ولا تبالي. ويمكن أن يقال: إن
ذلك إشعار له أنه لا يقتل في تلك الحرب، لأن العارية مردودة، ولو قال له: بع الله جمجمتك، لكان ذلك إشعاراً له بالشهادة فيها. والله ما لقوا قط كحديدكم وعديدكم،
أعيروني سواعدكم ساعة تصفقون بها خراطيمهم، فإنما هي غدوة أو روحة، حتى يحكم
الله بيننا وبين القوم الظالمين. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وحشي يقتل حمزة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكان حمزة بن عبد
المطلب مغامراً غشمشماً لا يبصر أمامه، قال جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف لعبده وحشي يوم أحد:
ويلك! إن علياً قتل عمي طعيمة سيد البطحاء يوم
بدر، فإن قتلته
اليوم فأنت حر، وإن قتلت محمداً فأنت حر، وإن
قتلت حمزة
فأنت حر، فلا أحد يعدل عمي إلا هؤلاء. فقال: أما محمد فإن أصحابه دونه، ولن يسلموه، ولا أراني
أصل إليه، وأما علي فرجل مرس ، كثير
الالتفات في الحرب لا أستطيع قتله، ولكن سأقتل لك حمزة، فإنه
رجل لا يبصر أمامه في الحرب، فوقف لحمزة حتى إذا
حاذاه زرقه بالحربة كما تزرق الحبشة بحرابها، فقتله. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من أخبار محمد بن الحنفية
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
دفع أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل رايته إلى محمد ابنه
عليهما السلام، وقد استوت الصفوف، وقال له: احمل، فتوقف قليلاً، فقال
له: احمل، فقال يا أمير المؤمنين، أما
ترى السهام كأنها شآبيب المطر! فدفع في صدره، فقال:
أدركك عرق من أمك، ثم أخذ الراية فهزها، ثم قال:
ثم
حمل وحمل الناس خلفه، فطحن عسكر البصرة. فقال: إنهما عيناه وأنا
يمينه، فهو يدفع عن عينيه بيمينه، كان علي عليه السلام يقذف بمحمد في مهالك
الحرب، ويكف حسناً وحسيناً عنها. وإن
أبا بكر دفعها إلى علي عليه السلام من سهمه في المغنم. وقال قوم، منهم أبو الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني: هي سبية في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً إلى اليمن، فأصاب خولة في
بني زبيد ، وقد ارتدوا مع عمرو بن معدي كرب، وكانت زبيد سبتها من بني حنيفة في
غارة لهم عليهم، فصارت في سهم علي عليه السلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ولدت منك غلاماً فسمه باسمي،
وكنه بكنيتي، فولدت له بعد موت فاطمة عليها السلام محمداً، فكناه أبا القاسم. وضم إليه خزيمة بن ثابت
ذا الشهادتين، في
جمع من الأنصار، كثير منهم من أهل بدر، فحمل حملات كثيرة، أزال بها القوم عن
مواقفهم وأبلى بلاءً حسناً. فقال خزيمة بن ثابت لعلي
عليه السلام:
أما إنه لو كان غير محمد اليوم لافتضح، ولئن كنت خفت عليه الحين وهو بينك وبين
حمزة وجعفر لما خفناه عليه، وإن كنت أردت أن تعلمه الطعان فطالما علمته الرجال. فقال علي عليه السلام: أين النجم من الشمس والقمر! أما إنه قد أغنى وأبلى، وله
فضله، ولا ينقص فضل صاحبيه عليه، وحسب صاحبكم ما انتهت به نعمة الله تعالى إليه،
فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنا والله لا نجعله كالحسن والحسين، ولا نظلمهما له،
ولا نظلمه - لفضلهما عليه - حقه،
فقال علي عليه السلام:
أين يقع ابني من ابني رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال خزيمة بن ثابت فيه:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له لما أظفره الله بأصحاب الجمل
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقد قال له بعض أصحابه: وددت أن أخي فلاناً كان شاهدنا ليرى ما نصرك الله به على
أعدائك، فقال علي عليه السلام : الأصل: أهوى أخيك معنا. فقال: نعم، قال: فقد شهدنا في عسكرنا
هذا قوم في أصلاب الرجال، وأرحام النساء، سيرعف بهم الزمان، ويقوى بهم الإيمان.
والمعنى مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان ولم يكن
شهد بدراً،
تخلف على رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مرضت مرض موتها - : "
لقد كنت شاهداً وإن كنت غائباً، لك أجرك وسهمك ". حرب بن جيهان
الجعفي: لقد رأيت الرماح يوم الجمل قد
أشرعها الرجال بعضهم في صدر بعض، كأنها آجام القصب، لو شاءت الرجال أن تمشي
عليها لمشت، ولقد صدقونا القتال حتى ما ظننت أن ينهزموا، وما رأيت يوماً قط أشبه
بيوم الجمل من يوم جلولاء الوقيعة . ثم مر بطلحة بن عبيد
الله قتيلاً؛ فقال: أجلسوه، فأجلس - قال أبو مخنف في كتابه: فقال: ويلمك طلحة! لقد كان لك قدم لو نفعك! ولكن الشيطان أضلك فأزلك فعجلك إلى النار. فقال علي عليه
السلام: أبى الله أن يدخل طلحة الجنة إلا
وبيعتي في عنقه. ثم قال: شفيت نفسي، وقتلت معشري، وإلى الله
أشكو عجري وبجري ! قتلت الصناديد من بني عبد مناف، وأفلتني الأعيار من بني جمح،
فقال له القائل: لشد ما أطريت هذا الفتى منذ اليوم يا أمير المؤمنين! قال: إنه
قام عني وعنه نسوة لم يقمن عنك. ثم نظر إلى المال، وصعد فيه بصره
وصوب، وقال: أقسموه بين أصحابي خمسمائة خمسمائة، فقسم بينهم، فلا والذي بعث
محمداً بالحق ما نقص درهماً ولا زاد درهماً، كأنه كان يعرف مبلغه ومقداره، وكان
ستة آلاف ألف درهم، والناس اثنا عشر ألفاً. فدفع إليه الذي أخذه لنفسه وهو
خمسمائة درهم، ولم يصب من الفيء شيئاً. فقال: كيف يحل لكم
ذرية ضعيفة في دار هجرة وإسلام! أما ما أجلب به القوم في معسكرهم عليكم فهو لكم
مغنم، وأما ما وارت الدور وأغلقت عليه الأبواب فهو
لأهله، ولا نصيب لكم في شيء منه، فلما أكثروا عليه قال: فأقرعوا على عائشة، لأدفعها إلى من تصيبه القرعة!
فقالوا: نستغفر الله يا أمير المؤمنين! ثم
انصرفوا. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له في ذم أهل البصرة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
كنتم جند المرأة، وأتباع البهيمة. رغا فأجبتم، وعقر فهربتم. أخلاقكم دقاق،
وعهدكم شقاق، ودينكم نفاق، وماؤكم زعاق، والمقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه،
والشاخص عنكم متدارك برحمةٍ من ربه، كأني بمسجدكم كجؤجؤ سفينةٍ، قد بعث الله
عليها العذاب من فوقها ومن تحتها، وغرق من في ضمنها. وفي رواية أخرى: بلادكم أنتن بلاد الله تربةً، أقربها من الماء، وأبعدها
من السماء، وبها تسعة أعشار الشر. المحتبس فيها بذنبه، والخرج بعفو الله، كأني
أنظر إلى قريتكم هذه قد طبقها الماء، حتى ما يرى منها إلا شرف المسجد؛ كأنه جؤجؤ
طيرٍ في لجة بحرٍ.
ولا
ذنب لأهلها في أنها بلاد الحمى والسباع. ولا
يزال السيف قائماً وراكعاً حتى يهوي هذا البعير إلى الأرض، فصمدوا له حتى عقروه
وله رغاء شديد، فلما برك كانت الهزيمة.
فأجابه
رجل من عسكر الكوفة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام:
ومن
أراجيز أهل البصرة:
فأجابه
رجل من عسكر الكوفة:
ومن
الرجز المشهور المقول يوم الجمل، قال أهل البصرة:
ومنه
قول بعضهم:
قالوا:
وخرج من أهل البصرة شيخ صبيح الوجه، نبيل، عليه جبة وشيٍ، يحض الناس على الحرب،
ويقول:
قال المدائني والواقدي: وهذا الرجز يصدق الرواية أن الزبير وطلحة قاما في الناس،
فقالا: إن علياً إن يظفر فهو فناؤكم يا أهل البصرة، فاحموا حقيقتكم، فإنه لا
يبقي حرمة إلا انتهكها، ولا حريماً إلا هتكه، ولا ذرية إلا قتلها، ولا ذوات خدرٍ
إلا سباهن، فقاتلوا مقاتلة من يحمي عن حريمه، ويختار الموت على الفضيحة يراها في
أهله.
ثم
تقدم، فضرب بسيفه حتى قتل.
فشد عليه علي أمير المؤمنين عليه السلام بالرمح فطعنه فقتله،
وقال: قد رأيت أبا الحسن، فكيف رأيته!
وترك الرمح فيه. وأخذت عائشة كفاً من حصىً، فحصبت به أصحاب علي عليه السلام، وصاحت بأعلى صوتها: شاهت الوجوه! كما صنع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فقال لها قائل:
وما رميت إذ رميت ولكن الشيطان رمى. وزحف علي عليه السلام نحو الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من
المهاجرين والأنصار، وحوله بنوه: حسن وحسين ومحمد عليهم السلام، ودفع الراية إلى محمد،
وقال: أقدم بها حتى تركزها في عين الجمل، ولا تقفن دونه. فتقدم محمد؛ ورشقته
السهام، فقال لأصحابه؛ رويداً حتى تنفذ سهامهم، فلم يبق لهم إلا رشقة أو رشقتان.
فأنفذ علي عليه السلام إليه يستحثه، ويأمره بالمناجزة، فلما أبطأ عليه جاء بنفسه من
خلفه، فوضع يده اليسرى على منكبه الأيمن، وقال له: أقدم لا أم لك! فكان محمد رضي
الله عنه إذا ذكر ذلك بعد يبكي، ويقول: لكأني أجد ريح نفسه في قفاي، والله لا
أنسى أبداً. ثم أدركت علياً عليه السلام رقة على ولده، فتناول الراية منه بيده اليسرى،
وذو الفقار مشهور في يمنى يديه، ثم حمل فغاص في عسكر الجمل، ثم رجع وقد انحنى
سيفه، فأقامه بركبته. فقال له أصحابه وبنوه والأشتر وعمار: نحن نكفيك يا أمير المؤمنين. فلم
يجب أحداً منهم ولا رد إليهم بصره؛ وظل ينحط ويزأر زئير الأسد، حتى فرق من حوله.
وتبادروه؛
وإنه لطامح ببصره نحو عسكر البصرة، لا يبصر من حوله، ولا يرد حواراً، ثم دفع
الراية إلى ابنه محمد، ثم حمل حملة ثانية وحده، فدخل في وسطهم فضربهم بالسيف
قدماً قدماً، والرجال تفر من بين يديه، وتنحاز عنه يمنةً ويسرةً، حتى خضب الأرض
بدماء القتلى، ثم رجع وقد انحنى سيفه فأقامه بركبته، فاعصوصب به أصحابه، وناشدوه
الله في نفسه وفي الإسلام، وقالوا: إنك إن تصب يذهب الدين، فأمسك ونحن نكفيك. فقال: والله ما أريد بما ترون إلا وجه الله
والدار الاخرة. ثم قال لمحمد ابنه: هكذا تصنع يابن الحنفية، فقال الناس: من الذي يستطيع ما
تستطيعه يا أمير المؤمنين! ومن كلماته الفصيحة عليه السلام في يوم الجمل، ما رواه الكلبي عن
رجل من الأنصار قال:
بينا أنا واقف في أول الصفوف يوم الجمل؛ إذ جاء علي عليه السلام فانحرت إليه فقال:
أين مثرى القوم؟ فقلت: ههنا - نحو عائشة. ثم خرج فقتله عمرو، ثم رجع إلى خطام الجمل مرتجزاً يقول:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قال:
قوله: والوتر منا في عدي، يعني عدي بن حاتم الطائي، وكان من أشد الناس على
عثمان، ومن أشدهم جهاداً مع علي عليه
السلام. ثم
ترك ابن يثربي الخطام، وخرج يطلب المبارزة، فاختلف في قاتله، فقال قوم: إن عمار بن ياسر خرج إليه والناس يسترجعون له،
لأنه كان أضعف من برز إليه يومئذ. أقصرهم سيفاً، وأقصفهم رمحاً، وأحمشهم
ساقاً، حمالة سيفه من نسعة الرحل، وذباب سيفه قريب من إبطه. فاختلفا ضربتين،
فنشب سيف ابن يثربي في حجفة عمار، فضربه عمار على رأسه فصرعه، ثم أخذ برجله يسحبه حتى انتهى به إلى علي عليه السلام، فقال:
يا أمير المؤمنين، استبقني أجاهد بين يديك، وأقتل منهم مثل ما قتلت منكم. فقال له علي عليه
السلام: أبعد زيد وهند وعلابء أستبقيك! لا ها الله إذاً! قال: فأدنني منك
أسارك، قال له: أنت متمرد، وقد أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتمردين،
وذكرك فيهم. فقال: أما والله لو وصلت إليك لعضضت
أنفك عضة ابنته منك، فأمر به علي عليه السلام فضربت عنقه.
ثم
حمل عليه فطعنه فصرعه، وحامت عنه الزد فاستنقذوه، فوثب وهو وقيذ ثقيل ، فلم
يستطع أن يدفع عن نفسه، واستعرضه عبد الرحمن بن طود البكري، فطعنه فصرعه ثانية،
ووثب عليه رجل من سدوس، فأخذه مسحوباً برجله حتى أتى به علياً عليه السلام،
فناشده الله وقال: يا أمير المؤمنين، اعف عني، فإن العرب لم تزل قائلةً عنك: إنك
لم تجهز على جريح قط. فأطلقه، وقال: اذهب حيث شئت، فجاء إلى أصحابه وهو لما به،
حضره الموت، فقالوا له: دمك عند أي الناس؟ فقال: أما الأشتر فلقيني وأنا كالمهر
الأرن ، فعلا حده حدي، ولقيت رجلاً يبتغي له عشرة أمثالي، وأما البكري فلقيني،
وأنا لما بي، وكان يبتغي لي عشرة أمثاله، وتولى أسري أضعف القوم، وصاحبي الأشتر.
قال أبو مخنف:
وبلغنا أن عبد الرحمن بن طود البكري قال لقومه: أنا والله قتلت عمراً، وإن
الأشتر كان بعدي وأنا أمامه في الصعاليك، فطعنت عمراً طعنة لم أحسب أنها تجعل
للأشتر دوني، وإنما الأشتر ذو حظ في الحرب، وإنه ليعلم أنه كان خلفي، ولكن أبى
الناس إلا أنه صاحبه، ولا أرى أن أكون خصم العامة، وإن الأشتر لأهل ألا ينازع. فلما بلغ الأشتر
قوله قال: أما والله لولا أني أطفأت جمرته عنه ما دنا منه، وما صاحبه
غيري، وإن الصيد لمن وقذه . فقال عبد الرحمن:
لا أنازع فيه، ما القول إلا ما قاله، وأنى لي أن أخالف الناس! قال: وخرج عبد الله بن خلف الخزاعي، وهو رئيس البصرة،
وأكثر أهلها مالاً وضياعاً، فطلب البراز، وسأل ألا يخرج إليه إلا علي عليه السلام، وارتجز فقال:
فخرج إليه علي عليه السلام، فلم يمهله أن ضربه، ففلق هامته. وهذا في اليوم الثاني من أيام الجمل، فلما دعا بها تزلزلت أقدام القوم،
وذلك وقت العصر، بعد أن كانت الحرب من وقت الفجر. وكان
الأشتر طاوياً ثلاثة أيام لم يطعم - وهذه عادته في
الحرب - وكان أيضاً شيخاً عالي السن، فجعل
عبد الله ينادي: اقتلوني ومالكا فلو قال: اقتلوني والأشتر، لقتلوهما، إلا
أن أكثر من كان يمر بهما لا يعرفهما؛ لكثرة من وقع في المعركة صرعى بعضهم فوق
بعض، وأفلت ابن الزبير من تحته ولم يكد، فذلك قول
الأشتر:
وروى أبو مخنف عن الأصبغ بن نباتة، قال: دخل عمار بن ياسر ومالك بن الحارث
الأشتر على عائشة بعد انقضاء أمر الجمل، فقالت عائشة:
يا عمار، من معك؟ قال: الأشتر. فقالت: يا مالك، أنت الذي صنعت بابن أختي ما صنعت؟ قال: نعم، ولولا أني كنت طاوياً
ثلاثة أيام لأرحت أمة محمد منه، فقالت: أما علمت أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل دم مسلم إلا بأحد أمور
ثلاثة: كفر بعد إيمان، أو زناً بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق "! فقال الأشتر: على بعض هذه الثلاثة قاتلناه يا أم
المؤمنين، وايم الله ما خانني سيفي قبلها، ولقد أقسمت ألا يصحبني بعدها، قال أبو مخنف: ففي ذلك يقول
الأشتر من جملة هذا الشعر الذي ذكرناه:
قال أبو مخنف:
وانتهى الحارث بن زهير الأزدي من أصحاب علي عليه السلام إلى الجمل، ورجل آخذ
بخطامه، لا يدنو منه أحد إلا قتله، فلما رآه الحارث بن زهير مشى إليه بالسيف
وارتجز، فقال لعائشة:
فاختلف
هو والرجل ضربتين، فكلاهما أثخن صاحبه. قال: فأتيت عائشة بعد ذلك أسلم عليها
بالمدينة، فقالت: من أنت؟ قلت: رجل من أهل الكوفة، قالت: هل شهدتنا يوم البصرة؟
قلت: نعم، قالت: مع أي الفريقين؟ قلت: مع علي، قالت: هل سمعت مقالة الذي قال:
قلت:
نعم، وأعرفه، قالت: ومن هو؟ قلت: ابن عم لي، قالت: وما فعل؟ قلت: قتل عند الجمل،
وقتل قاتله، قال: فبكت حتى ظننت والله أنها لا تسكت، ثم قالت: لوددت والله أنني
كنت مت قبل ذلك اليوم بعشرين سنة.
فصمد عليه الأشتر فقتله.
فحمل عليه الأشتر فقتله. ثم خرج عبد الله بن حكيم بن حزام
من بني أسد بن عبد العزى بن قصي، من أشراف قريش أيضاً، فارتجز وطلب المبارزة،
فخرج إليه الأشتر فضربه على رأسه فصرعه، ثم قام فنجا بنفسه. وجاءت بنو ناجية فأخذوا بخطام الجمل، ولم يكن يأخذ الخطام أحد
إلا سألت عائشة:
من هذا؟ فسألت عنهم، فقيل: بنو ناجية، فقالت عائشة: صبراً بني ناجية، فإني أعرف فيكم
شمائل قريش. قالوا:
وبنو ناجية مطعون في نسبهم إلى قريش، فقتلوا حولها جميعاً. وقال عليه السلام: لعنه الله من دابة! فما أشبهه
بعجل بني إسرائيل، ثم قرأ " وانظر إلى
إلهك الذي ظلت عليه عاكفاً لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفاً " . |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له في ذم أهل البصرة أيضاً
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
أرضكم قريبة من الماء، بعيد من السماء. خفت عقولكم، وسفهت حلومكم، فأنتم غرض
لنابلٍ، وأكلة لآكلٍ، وفريسة لصائلٍ. وفريسة الأسد: ما يفترسه. وقولهم: سفه فلان نفسه، وغبن رأيه،
وبطر عيشه، وألم بطنه، ورفق حاله، ورشد أمره، كان في الأصل فيه كله: سفهت نفس
زيد فلما حول الفعل إلى الرجل انتصب ما بعده بالمفعولية. هذا مذهب البصريين والكسائي من الكوفيين. فأما قوله: أرضكم
قريبة من الماء، بعيدة من السماء، فقد قدمنا معنى قوله: قريبة من الماء، وذكرنا
غرقها من بحر فارس دفعتين، ومراده عليه السلام بقوله: قريبة من الماء، أي قريبة
من الغرق بالماء. وأما بعيدة من السماء؛ فإن أرباب
علم الهيئة وصناعة التنجيم يذكرون أن أبعد موضع في الأرض عن السماء الأبلة ،
وذلك موافق لقوله عليه السلام. وقد دلت الأرصاد والآلات النجومية على أن أبعد
موضع في المعمورة عن دائرة معدل النهار هو الأبلة، والأبلة هي قصبة البصرة. وهذا من أسراره
وغرائبه البديعة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له فيما رده على المسلمين
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من قطائع عثمان رضي الله عنه : الأصل:
والله لو وجدته قد تزوج به النساء، وملك به الإماء؛ لرددته؛ فإن في العدل سعة. ومن
ضاق عليه العدل، فالجورعليه أضيق. وقد
كان عثمان أقطع كثيراً من بني أمية وغيرهم من أوليائه وأصحابه قطائع من أرض
الخراج على هذه الصورة، وقد كان عمر أقطع قطائع؛ ولكن لأرباب الغناء في الحرب
والآثار المشهورة في الجهاد؛ فعل ذلك ثمناً عما بذلوه من مهجهم في طاعة الله
سبحانه، وعثمان أقطع القطائع صلةً لرحمه، وميلاً إلى أصحابه، عن غير غناء في
الحرب ولا أثر.
فأجابه
عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بأبيات طويلة من جملتها:
أي
كان كافراً كما كان كسرى كافراً. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له لما بويع بالمدينة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: ذمتي بما أقول رهينة، وأنا به
زعيم. إن
من صرحت له العبر عما بين يديه من المثلات، حجزته التقوى عن تقحم الشبهات. ألا
وإن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيه. والذي
بعثه بالحق لتبلبلن بلبلةً، ولتغربلن غربلةً، ولتساطن سوط القِدْر؛ حتى يعود
أسفلكم أعلاكم، وأعلاكم أسفلكم وليسبقن سابقون كانوا قصروا، وليقصرن سباقون
كانوا سبقوا. وإن
حظ العجب منه أكثر من حظ العجب به، وفيه مع الحال التي وصفنا زوائد من الفصاحة
لا يقوم بها لسان، ولا يطلع فجها إنسان، ولا يعرف ما أقول إلا من ضرب في هذه
الصناعة بحق، وجرى فيها على عرقٍ، " وما
يعقلها إلا العالمون " . وكفى بالمرء جهلاً ألا يعرف قدره. والزعيم: الكفيل، ومخرج الكلام لهم مخرج
الترغيب في سماع ما يقوله، كما يقول المهتم بإيضاح أمر لقوم لهم: أنا المدرك
المتقلد بصدق ما أقوله لكم. وصرحت:
كشفت. والعبر: جمع عبرة، وهي الموعظة. والمثلات:
العقوبات. وحجزه:
منعه. ولتغربلن،
يجوز أن يكون من الغربال الذي يغربل به الدقيق، ويجوز
أن يكون من غربلت اللحم، أي قطعته. فإن كان الأول كان له
معنيان:
أحدهما الاختلاط، كالتبلبل، لأن غربلة الدقيق تخلط بعضه ببعض. والثاني أن يريد بذلك أنه يستخلص الصالح
منكم من الفاسد، ويتميز كما يتميز الدقيق عند الغربلة من نخالته. وحصان شموس: يمنع
ظهره، شمس الفرس، بالفتح، وبه شماس. وأمر الباطل: كثر. ويجوز
أن يكون فعل بمعنى انفعل كقوله:
إي
فانجبر. والسنخ: الأصل، وقوله: سنخ أصل كقوله:
وفي بعض الروايات: من أبدى صفحته للحق هلك عند جهلة الناس، والتأويل مختلف،
فمراده على الرواية الأولى - وهي الصحيحة - من كاشف الحق مخاصماً له هلك، وهي كلمة جارية مجرى المثل.
ومراده على الرواية: الثانية: من أبدى صفحته لنصرة الحق غلبه أهل الجهل لأنهم العامة
وفيهم الكثرة، فهلك. ألا لا يرعين مرعٍ إلا على نفسه.
شغل من الجنة والنار أمامه. ساعٍ مجتهد ينجو، وطالب يرجو، ومقصر في النار،
ثلاثة واثنان: ملك طار بجناحيه، ونبي أخذ الله بيده؛ لا سادس. هلك من ادعى، وردي من اقتحم. اليمين والشمال مضلة، والوسطى الجادة ، منهج
عليه باقي الكتاب والسنة وآثار النبوة. إن الله داوى هذه
الأمة بدواءين: السوط والسيف؛ لا هوادة عند الإمام
فيهما. استتروا في بيوتكم، وأصلحوا ذات بينكم،
والتوبة من ورائكم. من أبدى صفحته للحق هلك. قد كانت لكم أمور ملتم فيها علي ميلة لم
تكونوا عندي فيها محمودين ولا مصيبين. أما إني لو أشاء لقلت، عفا الله عما سلف. سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب همته بطنه. ويحه لو قص جناحاه، وقطع رأسه لكان
خيراً له! انظروا فإن أنكرتم فأنكروا، وإن
عرفتم فآزروا. حق وباطل، ولكلٍ أهل. ولئن رجعت إليكم أموركم إنكم
لسعداء، وإني لأخشى أن تكونوا في فترةٍ، وما علينا إلا الاجتهاد. ألا وإنا أهل بيت من علم الله
علمنا، وبحكم الله حكمنا، ومن قولٍ صادق سمعنا، فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا
ببصائرنا، وإن لم تفعلوا يهلككم الله بأيدينا. ومعنا راية الحق؛ ومن تبعها لحق،
ومن تأخر عنها غرق. ألا وبنا يدرك ترة كل مؤمن، وبنا
تخلع ربقة الذل عن أعناقكم وبنا فتح لا بكم، وبنا يختم لا بكم. والتهويد: المشي، رويداً، وفي الحديث: أسرعوا
المشي في الجنازة ولا تهودوا كما تهود أهل الكتاب، وآزرت زيداً: أعنته. الترة:
الوتر. والربقة: الحبل يجعل في عنق الشاة. وردي: هلك، من الردى، كقولك: عمي من العمى،
وشجي من الشجى. ثم قال:
ثلاثة، أي فهؤلاء ثلاثة أقسام، وهذا ينظر إلى قوله سبحانه: " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم
ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله " ، ثم ذكر القسمين: الرابع والخامس، فقال: هما ملك طار بجناحيه، ونبي أخذ الله بيده؛
يريد عصمة هذين النوعين من القبيح، ثم قال: لا
سادس، أي لم يبق في المكلفين قسم سادس. وهذا يقتضي أن
العصمة ليست إلا للأنبياء والملائكة، ولو كان
الإمام يجب أن يكون معصوماً لكان قسماً سادساً، فإذن
قد شهد هذا الكلام بصحة ما تقوله المعتزلة في نفي اشتراط العصمة في الإمامة، اللهم
إلا أن يجعل الإمام المعصوم داخلاً في القسم الأول، وهو الساعي المجتهد. وفيه بعد وضعف. من
أعياه داؤه فعلي دواؤه، ومن استبطأ أجله فعلي أن أعجله، ومن استثقل رأسه وضعت
عنه ثقله، ومن استطال ماضي عمره قصرت عليه باقيه. إن للشيطان طيفاً، وإن للسلطان
سيفاً، فمن سقمت سريرته، صحت عقوبته، ومن وضعه ذنبه، رفعه صلبه، ومن لم تسعه
العافية لم تضق عنه الهلكة، ومن سبقته بادرة فمه، سبق بدنه سفك دمه. إني لأنذر ثم لا أنظر، وأحذر ثم لا أعذر،
وأتوعد ثم لا أغفر، إنما أفسدكم ترقيق ولاتكم. ومن استرخي لببه ؛ ساء أدبه. إن الحزم والعزم سلباني سوطي، وجعلا سوطي
سيفي، فقائمه بيدي، ونجاده في عنقي، وذبابه قلادة لمن عصاني. والله
لا آمر أحداً أن يخرج من باب من أبواب المسجد فيخرج من الباب الذي يليه إلا ضربت
عنقه. فلا يكونن لسان أحدكم شفرة تجري على أوداجه ،
وليعلم إذا خلا بنفسه أني قد حملت سيفي بيده؛ فإن شهره لم أغمده، وإن أغمده لم
أشهره. ومن
الناس من يحمل ذلك على خلافة الشيخين أيضاً. ويبعد عندي أن يكون
أراده، لأن
المدة قد كانت طالت، ولم يبق من يعاتبه ليقول: قد كانت أمور لم تكونوا عندي فيها
محمودين، فإن هذا الكلام يشعر بمعاقبة قوم على أمر
كان أنكره منهم. وأما بيعة عثمان، ثم ما جرى بينه وبين عثمان من منازعاتٍ طويلة،
وغضب تارة، وصلحٍ تارة، ومراسلاتٍ خشنة ولطيفة، وكون الناس بالمدينة كانوا
حزبين وفئتين: إحداهما معه عليه السلام، والأخرى مع عثمان؛ فإن صرف الكلام إلى ما قلناه بهذا الاعتبار أليق.
ثم قال:
ولئن رجعت عليكم أموركم، أي إن ساعدني الوقت، وتمكنت من أن أحكم فيها بحكم الله
تعالى ورسوله، وعادت إليكم أيام شبيهة بأيام رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وسيرة مماثلة لسيرته في أصحابه؛ إنكم لسعداء. وأما التتمة المروية
عن جعفر بن محمد عليهما السلام فواضحة الألفاظ، و قوله في آخرها:
وبنا يختم لا بكم، إشارة إلى المهدي الذي يظهر في
آخر الزمان. وأكثر المحدثين على أنه من ولد فاطمة عليه
السلام. وأصحابنا المعتزلة
لا ينكرونه، وقد صرحوا بذكره في كتبهم، واعترف
به شيوخهم، إلا أنه عندنا لم يخلق بعد، وسيخلق. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له في صفة من يتصدى
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
للحكم بين الأمة وليس لذلك بأهل : الأصل: إن
أبغض الخلائق إلى الله تعالى رجلان: رجل وكله الله إلى نفسه، فهو جائر عن قصد
السبيل، مشغوف بكلام بدعةٍ، ودعاء ضلالةٍ، فهو فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدى من
كان قبله، مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته. حمال
خطايا غيره، رهن بخطيئته. فإن نزلت به إحدى المبهمات؛ هيأ لها حشواً
رثاً من رأيه، ثم قطع به. فهو
من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت، لا يدري أصاب أم أخطأ، فإن أصاب خاف أن
يكون قد أخطأ، وإن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب. جاهل خباط جهالاتٍ، عاشٍ ركاب
عشواتٍ، لم يعض على العلم بضرسٍ قاطعٍ. يذري
الروايات إذراء الريح الهشيم، لا ملئ والله بإصدار ما ورد عليه، ولا هو أهل لما
فوض إليه. لا يحسب العلم في شيءٍ مما أنكره، ولا يرى أن من وراء ما بلغ مذهباً
لغيره، وإن أظلم عليه أمر اكتتم به، لما يعلم من جهل نفسه، تصرخ من جور قضائه
الدماء، وتعج منه المواريث إلى الله من معشرٍ جهالاً، ويموتون ضلالاً؛ ليس فيهم
سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، ولا سلعة أنفق بيعاً، ولا أغلى ثمناً من
الكتاب إذا حرف عن موضعه، ولا عندهم أنكر من المعروف، ولا أعرف من المنكر. والجائر:
الضال العادل عن الطريق، وقمش جهلاً: جمعه. وموضع: مسرع، أوضع البعير: أسرع، وأوضعه
راكبه، فهو موضع به، أي أسرع به. وأكثر، كقولك: استكثروا، ويروى: اكتنز، أي
اتخذ العلم كنزاً. وعاشٍ:
خابط في ظلام وقوله: لم يعض، يريد أنه لم
يتقن ولم يحكم الأمور، فيكون بمنزلة من يعض بالناجذ، وهو آخر الأضراس وإنما يطلع
إذا استحكمت شبيبة الإنسان واشتدت مرته - ولذلك يدعوه العوام ضرس الحلم ، كأن
الحلم يأتي مع طلوعه، ويذهب نزق الصبا، ويقولون: رجل منجذ، أي مجرب محكم، كأنه
قد عض على ناجذه وكمل عقله. وقوله:
يذري الروايات، هكذا أكثر النسخ، وأكثر الروايات يذري من أذرى رباعياً، وقد
أوضحه قوله: إذراء الريح، يقال: طعنه
فأذراه، أي ألقاه، وأذريت الحب للزرع، أي ألقيته، فكأنه يقول: يلقي الروايات كما
يلقي الإنسان الشيء على الأرض؛ والأجود والأصح
الرواية الأخرى: يذرو الروايات ذرو الريح الهشيم، وهكذا ذكر ابن قتيبة في
غريب الحديث، لما ذكر هذه الخطبة عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال تعالى: " فأصبح هشيماً تذروه الرياح " ،
والهشيم: ما يبس من النبت وتفتت. وقوله: تصرخ منه وتعج. والعج: رفع الصوت -
وهذا من باب الاستعارة. وأما الرجل الثاني
فهو المتفقه في فروع الشرعيات، وليس بأهل لذلك، كفقهاء السوء ألا تراه كيف يقول:
جلس بين الناس قاضياً. ويروى:
غار في أغباش الفتنة، أي غافل ذو غرة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له في ذم اختلاف العلماء في الفتيا
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
ترد على أحدهم القضية في حكمٍ من الأحكام، فيحكم فيها برأيه، ثم ترد تلك القضية
بعينها على غيره، فيحكم فيها بخلاف قوله، ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي
استقضاهم، فيصوب آراءهم جميعاً وإلههم واحد، ونبيهم واحد، وكتابهم واحد. الشرح: الأنيق:
المعجب، وآنقني الشيء، أي أعجبني؛ يقول: لا ينبغي أن يحمل جميع ما في الكتاب
العزيز على ظاهره، فكم من ظاهرٍ فيه غير مرادٍ، بل المراد به أمر آخر باطن، والمراد
الرد على أهل الاجتهاد في الأحكام الشرعية، وإفساد
قول من قال: كل مجتهد مصيب، وتلخيص الاحتجاج
من خمسة أوجه: الأول: أنه لما كان
الإله سبحانه واحداً، والرسول صلى الله عليه وسلم واحداً
والكتاب واحداً، وجب أن يكون الحكم في الواقعة واحداً، كالملك الذي يرسل إلى
رعيته رسولاً بكتابٍ يأمرهم فيه بأوامر يقتضيها ملكه وإمرته، فإنه لا يجوز أن
تتناقض أوامره، ولو تناقضت لنسب إلى السفه والجهل. والثاني
حق، ويلزم منه تحريم الاختلاف. وإن كان الثاني،
فإما أن يكون الله تعالى أنزل الشرع تاماً فقصر الرسول عن تبليغه، أو يكون
الرسول قد أبلغه على تمامه وكماله؛ فإن كان الأول
فهو كفر أيضاً؛ وإن كان الثاني فقد بطل
الاجتهاد، لأن الاجتهاد إنما يكون فيما لم يتبين؛ فإما ما قد بين للاجتهاد فيه. وقد تكلم عليها
أصحابنا في كتبهم، وقالوا:
إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يجتهد ويقيس، وادعوا إجماع الصحابة على صحة
الاجتهاد والقياس، ودفعوا صحة هذا الكلام المنسوب في هذا الكتاب إلى أمير المؤمنين
عليه
السلام، وقالوا: إنه من رواية الإمامية، وهو معارض بما ترويه الزيدية عنه وعن أبنائه عليه السلام في صحة القياس
والاجتهاد، ومخالطة
الزيدية لأئمة أهل البيت عليه السلام
كمخالطة الإمامية لهم؛ ومعرفتهم بأقوالهم وأحوالهم ومذاهبهم كمعرفة الإمامية، لا فرق بين الفئتين في ذلك. والزيدية قاطبةً
جاروديتها وصالحيتها تقول بالقياس
والاجتهاد، وينقلون في ذلك نصوصاً عن أهل
البيت عليه السلام. وإذا تعارضت تساقطتا، وعدنا إلى
الأدلة المذكورة في هذه المسألة. وقد تكلمت في
اعتبار الذريعة للمرتضى على احتجاجه في إبطال القياس والاجتهاد بما ليس هذا موضع
ذكره. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن كلام له قاله للأشعث بن قيس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وهو على منبر الكوفة يخطب، فمضى في بعض كلامه شيء اعترض
الأشعث فيه، فقال: يا أمير المؤمنين، هذه عليك لا لك، فخفض إليه بصره عليه
السلام، ثم قال : الأصل: وما
يدريك ما علي مما لي، عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين، حائك ابن حائٍك، منافق ابن
كافرٍ، والله لقد أسرك الكفر مرة والإسلام أخرى، فما فداك من واحدةٍ منها مالك
ولا حسبك. وإن
امرأً دل على قومه السيف، وساق إليهم الحتف، لحري أن يمقته الأقرب، ولا يأمنه
الأبعد. وقوله:
فما فداك، لا يريد به الفداء الحقيقي، فإن الأشعث فدي في الجاهلية بفداء يضرب به
المثل، فقال: أغلى فداء من الأشعث، وسنذكره، وإنما
يريد: ما دفع عنك الأسر مالك ولا حسبك. ويمقته:
يبغضه، والمقت: البغض. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من أخبار الأشعث بن قيس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اسم الأشعث معدي كرب، وأبوه قيس الأشج - سمي
الأشج، لأنه شج في بعض حروبهم - ابن معدي كرب بن معاوية بن معدي كرب بن
معاوية بن جبلة بن عبد العزى بن ربيعة بن معاوية الأكرمين بن الحارث بن معاوية
بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية ابن كندة بن عفير بن عدي بن الحارث
بن مرة بن أدد.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم قتيلة أخت الأشعث، فتوفي قبل
أن تصل إليه. وعلى
أحدها القشعم أبو جبر بن يزيد الأرقم. وعلى أحدها الأشعث، فأخطأوا مراداً، ولم يقعوا
عليهم، ووقعوا على بني الحارث بن كعب، فقتل كبس والقشعم أبو جبر، وأسر الأشعث، ففدي بثلاثة آلاف بعير، لم يفد بها
عربي بعده ولا قبله، فقال في ذلك عمرو بن معدي كرب الزبيدي:
وأما الأسر الثاني في الإسلام، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدمت كندة حجاجاً
قبل الهجرة، عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه عليهم، كما كان يعرض نفسه
على أحياء العرب، فدفعه بنو وليعة من بني عمرو بن معاوية ولم يقبلوه، فلما هاجر
صلى الله عليه وسلم وتمهدت دعوته، وجاءته وفود العرب، جاءه وفد كندة، فيهم
الأشعث وبنو وليعة، فأسلموا، فأطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم بني وليعة طعمة
من صدقات حضرموت، وكان استعمل على حضرموت زياد بن لبيد البياضي الأنصاري، فدفعها
زياد إليهم، فأبوا أخذها، وقالوا: لا ظهر لنا ، فابعث بها إلى بلادنا على ظهرٍ
من عندك، فأبى زياد، وحدث بينهم وبين زياد شر كاد يكون حرباً، فرجع منهم قوم إلى
رسول الله صلى
الله عليه وسلم،
وكتب زياد إليه عليه السلام يشكوهم. قال عمر بن
الخطاب: فما تمنيت الإمارة إلا يومئذ، وجعلت أنصب له صدري رجاء أن يقول:
هو هذا، فأخذ بيد علي عليه السلام،
وقال: " هو هذا ". ولما حج رسول الله صلى
الله عليه وسلم حجة الوداع، وانتهى إلى فم
الشعب دخل أسامة بن زيد ليبول، فانتظره رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان أسامة أسود أفطس - فقال
بنو وديعة: هذ الحبشي حبسنا! فكانت الردة في أنفسهم. قال أبو جعفر محمد بن جرير: فأمر أبو بكر زياداً على حضرموت، وأمره بأخذ البيعة على
أهلها واستيفاء صدقاتهم، فبايعوه إلا بني وليعة، فلما خرج ليقبض الصدقات من بني
عمرو بن معاوية، أخذ ناقة لغلام منهم يعرف بشيطان بن حجر - وكانت صفية نفيسة، اسمها شذرة- فمنعه الغلام عنها.
وقال:
خذ غيرها، فأبى زياد ذلك ولج، فاستغاث شيطان بأخيه العداء بن حجر، فقال لزياد: دعها وخذ غيرها، فأبى زياد ذلك، ولج
الغلامان في أخذها، ولج زياد وقال لهما: لا
تكونن شذرة عليكما كالبسوس فهتف الغلامان:
يا لعمرو! أنضام ونضطهد! إن الذليل من أكل في داره. وهتفا بمسروق بن معدي كرب، فقال مسروق لزياد: أطلقها، فأبى، فقال مسروق:
ثم
قام فأطلقها، فاجتمع إلى زياد بن لبيد أصحابه، واجتمع بنو وليعة، وأظهروا أمرهم،
فبيتهم زياد وهم غارون ، فقتل منهم جمعاً كثيراً، ونهب وسبى، ولحق فلهم بالأشعث
بن قيس، فاستنصروه فقال: لا أنصركم حتى تملكوني عليكم. فملكوه
وتوجوه كما يتوج الملك من قحطان. فخرج إلى زياد في جمعٍ كثيف، وكتب أبو بكر إلى
المهاجر بن أبي أمية وهو على صنعاء أن يسير بمن معه إلى زياد، فاستخلف على
صنعاء، وسار إلى زياد، فلقوا الأشعث، فهزموه وقتل مسروق، ولجأ الأشعث والباقون
إلى الحصن المعروف بالنجير . فحاصرهم
المسلمون حصاراً شديداً حتى ضعفوا، ونزل الأشعث ليلاً إلى المهاجر وزياد،
فسألهما الأمان على نفسه حتى يقدما به على أبي بكر فيرى فيه رأيه، على أن يفتح
لهم الحصن ويسلم إليهم من فيه. وكان مراده عليه السلام: هذا جزاؤكم إذ تركتم الرأي
والحزم، وأصررتم على إجابة القوم إلى التحكيم؛ فظن
الأشعث أنه أراد: هذا جزائي حيث تركت الرأي والحزم وحكمت، لأن هذه اللفظة
محتملة، ألا ترى أن الرئيس إذا شغب عليه جنده وطلبوا
منه اعتماد أمرٍ ليس بصواب، فوافقهم تسكيناً
لشغبهم لا استصلاحاً لرأيهم، ثم ندموا بعد ذلك، قد
يقول: هذا جزاء من ترك الرأي، وخالف وجه الحزم؛ ويعني بذلك أصحابه؛ وقد يقوله يعني به نفسه حيث وافقهم أمير المؤمنين عليه
السلام، إنما عنى ما ذكرناه دون ما خطر للأشعث، فلما
قال له: هذه عليك لا لك، قال له: وما
يدريك ما علي مما لي، عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين! وكان الأشعث من
المنافقين في خلافة علي عليه
السلام،
وهو في أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام،
كما كان عبد الله بن أبي بن سلول
في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كل
واحد منهما رأس النفاق في زمانه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في تهويل ما بعد الموت وتعظيمه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
فإنكم لو قد عاينتم ما قد عاين من مات منكم، لجزعتم ووهلتم، وسمعتم وأطعتم، ولكن
محجوب عنكم ما قد عاينوا؛ وقريب ما يطرح الحجاب. ويمكن أن يعني به ما يعاينه المحتضر من ملك الموت وهول قدومه. ويمكن أن يعني به ما كان عليه السلام يقوله عن نفسه: إنه لا يموت ميت حتى يشاهده عليه
السلام حاضراً عنده. والشيعة تذهب إلى هذا
القول وتعتقده، وتروي عنه عليه السلام شعراً للحارث الأعور الهمداني:
وليس هذا بمنكر؛ إن صح أنه عليه السلام قاله عن نفسه، ففي الكتاب العزيز ما يدل على أن أهل الكتاب لا يموت
منهم ميت حتى يصدق بعيسى بن مريم عليه السلام، وذلك قوله: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمن به قبل موته ويوم
القيامة يكون عليهم شهيداً " ؛ قال
كثير من المفسرين: معنى ذلك أن كل ميت من اليهود وغيرهم من أهل الكتاب
السالفة إذا احتضر رأى المسيح عيسى عنده، فيصدق به من لم يكن في أوقات التكليف
مصدقاً به. فقيل: إنه بكى حتى سقط. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في موعظة الناس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
فإن الغاية أمامكم، وإن وراءكم الساعة تحدوكم. وقد نبهنا في كتاب الخصائص على عظم قدرها، وشرف
جوهرها. ثم قال:
وإن وراءكم الساعة تحدوكم، أي تسوقكم، وإنما جعلها وراءنا، لأنها إذا وجدت ساقت
الناس إلى موقف الجزاء كما يسوق الراعي الإبل، فلما كانت سائقةً لنا، كانت
كالشيء يحفز الإنسان من خلفه، ويحركه من ورائه، إلى جهة ما بين يديه. ومعنى قوله: وراءكم
الساعة أي قدامكم. والنطفة: ما صفا من الماء، وما
أنقع هذا الماء! أي ما أرواه للعطش! |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له بعدما اتهموه بقتل عثمان
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل:
ألا وإن الشيطان قد ذمر حزبه، واستجلب جلبه، ليعود الجور إلى أوطانه، ويرجع
الباطل إلى نصابه. هبلتم الهبول! لقد كنت وما أهدد بالحرب؛ ولا
أرهب بالضرب. وإني لعلى يقينٍ من ربي، وغير شبهةٍ من ديني. وروي: ليعود الجور إلى أقطابه. والقطاب:
مزاج الخمر بالماء، أي ليعود الجور ممتزجاً بالعدل كما كان. ويجوز أن يعني بالقطاب قطاب الجيب، وهو مدخل
الرأس فيه، أي ليعود الجور إلى لباسه وثوبه. وقال الراوندي: يا خيبة الداعي؛ تقديره: يا هؤلاء، فحذف المنادى، ثم قال: خيبة الداعي، أي خاب الداعي خيبةً. وهذا ارتكاب ضرورة لا حاجة إليها، وإنما يحذف المنادى في المواضع التي دل الدليل فيها على
الحذف، كقوله:
وأيضاً، فإن
المصدر الذي لا عامل فيه غير جائز حذف عامله، وتقدير حذفه تقدير ما لا دليل
عليه. وهبلته أمه، بكسر الباء: ثكلته. وقوله: لقد
كنت وما أهدد بالحرب، معناه: ما زلت لا أهدد بالحرب، والواو زائدة. وهذه الكلمة فصيحة
كثيراً ما تستعملها العرب. وقد ورد في القرآن العزيز كان بمعنى ما زال في
قوله: "وكان الله عليماً حكيماً "
ونحو ذلك من الآي، معنى ذلك: لو يزل الله
عليماً حكيماً. والذي تأوله الله
تعالى في: تكملة الغرر والدرر،
كلام متكلف، والوجه الصحيح ما
ذكرناه. ألا هبلتهم الهبول، لقد كنت وما
أهدد بالحرب، ولا أرهب بالضرب! ولقد أنصف القارة من راماها ، فليرعدوا وليبرقوا،
فقد رأوني قديماً، وعرفوا نكايتي، فكيف رأوني! أنا
أبو الحسن، الذي فللت حد المشركين، وفرقت جماعتهم. وبذلك القلب ألقى
عدوي اليوم، وإني لعلى ما وعدني ربي من النصر والتأييد، وعلى يقينٍ من أمري، وفي
غير شبهة من ديني. اللهم إن الزبير
قطع رحمي، ونكث بيعتي، وظاهر علي عدوي، فاكفنيه اليوم بما شئت، ثم نزل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
خطبة علي في المدينة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أن كلام أمير
المؤمنين عليه السلام وكلام أصحابه وعماله في واقعة الجمل، كله يدور على هذه المعاني
التي اشتملت عليها ألفاظ هذا الفصل؛ فمن ذلك الخطبة التي رواها أبو الحسن علي بن
محمد المدائني، عن عبد الله بن جنادة، قال: قدمت من
الحجاز أريد العراق، في أول إمارة علي عليه السلام،
فمررت بمكة. فاعتمرت، ثم قدمت المدينة، فدخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ نودي:
الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، وخرج علي عليه السلام متقلداً
سيفه، فشخصت الأبصار نحوه، فحمد الله وصلى على رسوله صلى الله عليه وسلم ثم قال: أما بعد، فإنه لما قبض الله نبيه
صلى الله عليه وسلم، قلنا: نحن أهله وورثته
وعترته، وأولياؤه دون الناس، لا ينازعنا سلطانه أحد، ولا يطمع في حقنا طامع؛ إذ
انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا، فصارت الإمرة لغيرنا. وصرنا سوقة، يطمع فينا الضعيف؛
ويتعزز علينا الذليل؛ فبكت الأعين منا لذلك، وخشنت الصدور، وجزعت النفوس. وايم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن
يعود الكفر، ويبور الدين، لكنا على غير ما كنا لهم عليه، فولي الأمر ولاة لم
يألوا الناس خيراً، ثم استخرجتموني أيها الناس من بيتي، فبايعتموني علي شينٍ مني
لأمركم، وفراسة تصدقني ما في قلوب كثير منكم، وبايعني هذان الرجلان في أول من
بايع، تعلمون ذلك، وقد نكثنا وغدرا، ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا جماعتكم،
ويلقيا بأسكم بينكم. اللهم فخذهما بما عملا أخذةً رابيةً ، لهما ولا تنعش لهما
صرعة، ولا تقل لهما عثرة، ولا تمهلهما فواقا ، فإنهما يطلبان حقاً تركاه، ودماً
سفكاه. اللهم إني اقتضيك وعدك، فإنك قلت
وقولك حق: " ثم بغي عليه لينصرنه الله " اللهم
فأنجز لي موعدك، ولا تكلني إلى نفسي، إنك على كل شيء قدير، ثم نزل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
خطبته عند مسيره
إلى البصرة
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وروى الكلبي قال: لما
أراد علي عليه السلام المسير
إلى البصرة، قام فخطب الناس، فقال بعد أن حمد الله و صلى على رسوله صلى الله عليه: إن الله لما قبض نبيه، استأثرت
علينا قريش بالأمر، ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة، فرأيت أن الصبر على
ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين، وسفك دمائهم. والناس حديثو عهد الإسلام، والدين
يمخض مخض الوطب ، يفسده أدنى وهن، ويعكسه أقل خلف. فولي الأمر قوم لم يألوا في أمرهم اجتهاداً،
ثم انتقلوا إلى دار الجزاء، والله وليّ تمحيص سيئاتهم، والعفو عن هفواتهم. فما بال طلحة والزبير، وليسا من
هذا الأمر بسبيل! لم يصبرا علي حولاً ولا شهراً حتى وثبا ومرقا، ونازعاني أمراً
لم يجعل الله لهما إليه سبيلاً، بعد أن بايعا طائعين غير مكرهين، يرتضعان أماً
قد فطمت، ويحييان بدعةً قد أميتت. أدم عثمان زعما! والله ما التبعة إلا عندهم
وفيهم، وإن أعظم حجتهم لعلى أنفسهم، وأنا راضٍ بحجة الله عليهم وعمله، فإن فاءا وانابا فحظهما أحرزا، وأنفسهما غنما،
وأعظم بها غنيمة!وإن أبيا أعطيتهما حد
السيف، وكفى به ناصراً لحق، وشافياً لباطل، ثم نزل. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
خطبته بذي قار
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وروى أبو مخنف عن
زيد بن صوحان، قال: شهدت علياً عليه السلام بذي قار،
وهو معتم بعمامة سوداء، ملتفٍ بساجٍ يخطب، فقال في
خطبة: الحمد لله على كل أمر وحال، وفي الغدو والآصال، وأشهد أن لا إله
إلا الله، وان محمداً عبده ورسوله، ابتعثه رحمة للعباد، وحياة للبلاد، حين امتلأت
الأرض فتنة، واضطرب حبلها، وعبد الشيطان في أكنافها، واشتمل عدو الله إبليس على
عقائد أهلها، فكان محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب، الذي أطفأ الله به نيرانها،
وأخمد به شرارها، ونزع به أوتادها، وأقام به ميلها، إمام الهدى، والنبي المصطفى صلى
الله عليه وسلم، فلقد صدع بما أمر به، وبلغ
رسالات ربه، فأصلح الله به ذات البين، وآمن به السبل، وحقن به الدماء، وألف به
بين ذوي الضغائن الواغرة في الصدور، حتى أتاه اليقين، ثم قبضه الله إليه حميداً. ثم استخلف الناس أبا بكر،
فلم يأل جهده، ثم استخلف أبو بكر عمر فلم
يأل جهده، ثم استخلف الناس عثمان، فنال
منكم، ونلتم منه، حتى إذا كان من أمره ما كان، أتيتموني لتبايعوني، لا حاجة لي
في ذلك، ودخلت منزلي، فاستخرجتموني فقبضت يدي فبسطتموها، وتداككتم علي، حتى ظننت
أنكم قاتلي، وأن بعضكم قاتل بعض، فبايعتموني وأنا غير مسرور بذلك ولا جزل. ويا عجبا لاستقامتهما لأبي بكر وعمر وبغيهما
علي!
وهما يعلمان أني لست دون أحدهما، ولو شئت أن أقول لقلت، ولقد كان معاوية كتب
إليهما من الشام كتاباً يخدعهما فيه، فكتماه عني، وخرجا يوهمان الطغام أنهما
يطلبان بدم عثمان؛ والله ما أنكرا علي منكراً، ولا جعلا بيني وبينهم نصفاً، وإن
دم عثمان لمعصوب بهما، ومطلوب منهما. يا خيبة الداعي! إلام دعا! وبماذا أجيب؟
والله إنهما لعلى ضلالةٍ صماء، وجهالة عمياء، وإن الشيطان قد ذمر لهما حزبه،
واستجلب منهما خيله ورجله، ليعيد الجور إلى أوطانه، ويرد الباطل إلى نصابه. قال أبو مخنف:
فقام إليه الأشتر فقال: الحمد لله الذي من علينا فأفضل،
وأحسن إلينا فأجمل، قد سمعنا كلامك يا أمير المؤمنين، ولقد أصبت ووفقت، وأنت ابن
عم نبينا وصهره ووصيه، وأول مصدق به، ومصل معه، شهدت مشاهده كلها، فكان لك الفضل
فيها على جميع الأمة، فمن اتبعك أصاب حظه، واستبشر بفلجه ، ومن عصاك، ورغب عنك،
فإلى أمه الهاوية! لعمري يا أمير المؤمنين ما أمر طلحة والزبير وعائشة علينا
بمخيل، ولقد دخل الرجلان فيما دخلا فيه، وفارقا على غير حدث أحدثت، ولا جور
صنعت؛ فإن زعما أنهما يطلبان بدم عثمان فليقيدا من أنفسهما فإنهما أول من ألب
عليه وأغرى الناس بدمه، وأشهد الله، لئن لم يدخلا فيما خرجا منه لنلحقهما
بعثمان، فإن سيوفنا في عواتقنا ، وقلوبنا في صدورنا، ونحن اليوم كما كنا أمس. ثم
قعد. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في قسمة الأرزاق بين الناس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: أما
بعد، فإن الأمر ينزل من السماء إلى الأرض كقطر المطر إلى كل نفسٍ بما قسم لها من
زيادةٍ أو نقصانٍ، فإن رأى أحدكم لأخيه غفيرة في أهلٍ أو مالٍ أو نفسٍ، فلا
تكونن له فتنةً، فإن المرء المسلم ما لم يعش دناءةً تظهر فيخشع لها إذا ذكرت
ويغرى بها لئام الناس، كان كالفالج الياسر الذي ينتظر أول فوزةٍ من قداحه توجب
له المغنم، ويرفع عنه بها المغرم. وكذلك المرء المسلم البريء من
الخيانة ينتظر من الله إحدى الحسنيين، إما داعي الله فما عند الله خير له، وإما
رزق الله، فإذا هو ذو أهلٍ ومالٍ، ومعه دينه وحسبه. نسأل الله منازل الشهداء، ومعايشة السعداء،
ومرافقة الأنبياء. ومن يقبض يده عن عشيرته؛ فإنما
تقبض منه عنهم يد واحدة، وتقبض منهم عنه أيدٍ كثيرة، ومن تلن حاشيته يستدم من
قومه المودة. وفي الكلام تقديم
وتأخير، تقديره: كالياسر الفالج، أي كاللاعب بالقداح المحظوظ منها، وهو
من باب تقديم الصفة على الموصوف، كقوله تعالى: "
وغرابيب سود " ، وحسن ذلك ههنا أن اللفظتين صفتان، وإن كانت إحداهما
مرتبةً على الأخرى. والخصاصة: الفقر، يقول: القضاء
والقدر ينزلان من السماء إلى الأرض كقطر المطر، أي مبثوث في جميع أقطار الأرض
إلى كل نفس بما قسم لها من زيادة أو نقصان، في المال والعمر والجاه والولد وغير
ذلك. فإذا رأى أحدكم لأخيه زيادة في رزق
أو عمر أو ولد وغير ذلك، فلا يكونن ذلك له فتنة تفضي به إلى الحسد، فإن الإنسان
المسلم إذا كان غير مواقع لدناءة وقبيح يستحي من ذكره بين الناس، ويخشع إذا قرع
به، ويغرى لئام الناس بهتك ستره به، كاللاعب بالقداح؛ المحظوظ منها، ينتظر أول
فوزة وغلبة من قداحه، تجلب له نفعاً، وتدفع عنه ضراً، كذلك من وصفنا حاله، يصبر
وينتظر إحدى الحسنيين، إما أن يدعوه الله فيقبضه إليه، ويستأثر به، فالذي عند
الله خير له. وإما أن ينسأ في أجله، فيرزقه الله أهلاً ومالاً، فيصبح وقد اجتمع
له ذلك مع حسبه ودينه ومروءته المحفوظة عليه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
النهي عن الحسد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم أن مصدر هذا الكلام النهي عن الحسد، وهو من أقبح الأخلاق
المذمومة. وروى ابن مسعود
عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ألا لا تعادوا نعم الله "،
قيل: يا رسول الله، ومن الذي يعادي نعم الله؟ قال: " الذين يحسدون الناس
".
ومن الكلام المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام: لله در الحسد! ما
أعدله! بدأ بصاحبه فقتله.
وتذاكر قوم من ظرفاء البصرة الحسد، فقال رجل منهم: إن الناس ربما حسدوا على الصلب،
فأنكروا ذلك، ثم جاءهم بعد ذلك بأيام، فقال: إن الخليفة قد أمر بصلب الأحنف بن
قيس، ومالك بن مسمع، وحمدان الحجام؛ فقالوا: هذا الخبيث يصلب مع هذين الرئيسين! فقال:
ألم أقل لكم إن الناس يحسدون على الصلب! وروى أنس بن مالك مرفوعاً: إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
وقال
آخر:
ومن كلام الحكماء:
إياك والحسد، فإنه يبين فيك ولا يبين في المحسود. بينا عبد الملك بن صالحٍ يسير مع الرشيد في موكبه، إذ هتف هاتف: يا أمير المؤمنين، طأطئ من
إشرافه، وقصر من عنانه، واشدد من شكاله - وكان عبد الملك متهماً عند الرشيد
بالطمع في الخلافة - فقال الرشيد: ما يقول هذا؟ فقال
عبد الملك: مقال حاسد ودسيس حاقدٍ يا أمير المؤمنين. قال: قد صدقت، نقص القوم وفضلتهم، وتخلفوا
وسبقتهم؛ حتى برز شأوك، وقصر عنك غيرك، ففي صدورهم جمرات التخلف، وحزازات
التبلد. قال عبد الملك: فأضرمها يا أمير المؤمنين عليهم
بالمزيد، وقال شاعر:
ومن كلام عبد الله بن المعتز: إذا زال المحسود عليه، علمت أن الحاسد كان يحسد على غير
شيء.
ومن كلامهم:
ما خلا جسد عن حسد.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأمر بالصبر وانتطار الفرج
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم
أنه عليه السلام بعد أن نهى عن الحسد أمر الصبر وانتظار الفرج من الله، إما بموت
مريح، أو بظفر بالمطلوب.
ومن كلامهم:
الصبر مر، لا يتجرعه إلا حر.
والأمر
يذكر بالأمر، وهذا البيت هو الذي قاله له الحجاج يوم قتله، ذكر ذلك أبو بكر محمد
بن القاسم بن بشار الأنباري في الأمالي قال:
لما أتي الحجاج بأعشى همدان أسيراً؛ وقد كان خرج مع ابن الأشعث، قال له: يابن اللخناء ! أنت القائل لعدو الرحمن - يعني عبد الرحمن ابن محمد بن الأشعث:
ثم قال: عبد
الرحمن خر من زلقٍ فتب، وخسر وانكب، وما لقي ما أحب. ورفع بها صوته، واهتز منكباه، ودر ودجاه ،
واحمرت عيناه، ولم يبق في المجلس إلا من هابه، فقال:
أيها الأمير، وأنا القائل:
فالتفت الحجاج إلى من حضر، فقال: ما تقولون؟ قالوا: لقد أحسن أيها الأمير، ومحا بآخر قوله
أوله، فليسعه حلمك. فقال: لا ها الله لم يرد ما ظننتم، وإنما أراد
تحريض أصحابه، ثم قال له: ويلك! ألست القائل:
أما
والله لتظلمن عليك غيابة لا تنكشف أبداً، ألست
القائل في عبد الرحمن:
والله لا يبخبخ بعدها أبداً: يا حرسي اضرب عنقه. فقال: إني
أعده لشر يوم طويل وإن الصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذاب الله. قال العتابي:
ومن كلام علي عليه السلام:
الصبر مفتاح الظفر، والتوكل على الله رسول الفرج، ومن
كلامه عليه السلام: انتظار الفرج بالصبر عبادة. وأحفظ
في التماسك والتجلد قصائد، ولا أحفظ في التهافت قافية، وقال
الشاعر:
أبو
حية النميري :
ووصف الحسن البصري علياً عليه السلام، فقال: كان لا يجهل، وإن جهل عليه حلم. ولا
يظلم، وإن ظلم غفر. ولا
يبخل، وإن بخلت الدنيا عليه صبر.
ومن كلام بعضهم: من تبصر تصبر. الصبر يفسح الفرج، ويفتح المرتتج. المحنة
إذا تلقيت بالرضا والصبر كانت نعمةً دائمة، والنعمة إذا خلت من الشكر كانت محنةً
لازمة. قيل لأبي مسلم صاحب الدولة. بم أصبت ما أصبت؟ قال: ارتديت بالصبر، واتزرت بالكتمان،
وحالفت الحزم، وخالفت الهوى، ولم أجعل العدو صديقاً، ولا الصديق عدواً.
من كلام أمير المؤمنين عليه السلام: أوصيكم بخمس لو ضربتم إليهن آباط
الإبل كانت لذلك أهلاً: لا يرجون أحدكم إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستحين
إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم، ولا يستحي إذا جهل أمراً أن يتعلمه.
وعليكم بالصبر، فإن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فكما لا خير في
إيمانٍ لا صبر معه، وعنه عليه السلام: لا
يعدم الصبور الظفر، وإن طال به الزمان.
علي عليه السلام: اطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين. وفي كتابه عليه السلام الذي كتبه إلى عقيل أخيه: ولا
تحسبن ابن أمك - ولو أسلمه الناس - متضرعاً متخشعاً، ولا مقراً للضيم واهناً،
ولا سلس الزمام للقائد، ولا وطئ الظاهر للراكب، ولكنه كما قال أخو بني سليم :
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
النهي عن الرياء والكذب
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
واعلم
أنه عليه السلام، بعد أن أمرنا بالصبر، نهى عن
الرياء في العمل، والرياء في العمل منهي عنه، بل العمل ذو الرياء ليس بعملٍ على
الحقيقة، لأنه لم يقصد به وجه الله تعالى. وأصحابنا المتكلمون يقولون: ينبغي أن يعمل المكلف الواجب لأنه واجب، ويجتنب القبيح
لأنه قبيح، ولا يفعل الطاعة ويترك المعصية رغبةً في الثواب، وخوفاً من العقاب؛
فإن ذلك يخرج عمله من أن يكون طريقاً إلى الثواب؛ وشبهوه بالاعتذار في الشيء؛
فإن من يعتذر إليك من ذنبٍ خوفاً أن تعاقبه على ذلك الذنب، لا ندماً على القبيح
الذي سبق منه، لا يكون عذره مقبولاً، ولا ذنبه عندك مغفوراّ. وهذا مقام جليل لا يصل إليه إلا الأفراد من ألوف الألوف. فكلمته في ذلك، وذكرت
صلاته وقيامه وصيامه، فقال لها: أما رأيت
البغلات الشهب التي كنا نراها تحت معاوية بالحجر إذا قدم مكة؟ قالت: بلى، قال: فإياها
يطلب ابن الزبير بصومه وصلاته! وفي الخبر المرفوع:
" إن أخوف ما أخاف على أمتي الرياء في العمل، ألا وإن الرياء في العمل هو
الشرك الخفي ":
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أهمية العشيرة والقبيلة والتقوي بهما
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ثم
إنه عليه السلام بعد نهيه عن الرياء وطلب السمعة، أمر بالاعتضاد بالعشيرة
والتكثر بالقبيلة، فإن الإنسان لا يستغني عنهم وإن كان ذا مال، وقد قالت الشعراء
في هذا المعنى كثيراً، فمن ذلك قول بعض شعراء الحماسة :
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
شعر الحماسة أيضاً :
ومن
شعر الحماسة أيضاً :
ومن
شعر الحماسة أيضاً :
ومن
شعر الحماسة أيضاً:
ومن
شعر الحماسة أيضاً :
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في الصدق والأريحية
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ثم
إنه عليه السلام ذكر أن لسان الصدق يجعله الله للمرء في الناس خيراً له من المال
يورثه غيره. ولسان
الصدق هو أن يذكر الإنسان بالخير، ويثنى عليه به، قال سبحانه: " واجعل لي لسان صدقٍ في الآخرين " .
وقال يزيد بن المهلب: المال والحياة أحب شيء إلى الإنسان، والثناء الحسن أحب
إلي منهما، ولو أني أعطيت ما لم يعطه أحد لأحببت أن يكون لي أذن أسمع بها ما
يقال فيّ غداً وقد مت كريماً.
بعض المحدثين:
ومن أمثال الفرس: كل ما يؤكل ينتن، وكل ما يوهب يأرج، وقال أبو الطيب:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
في صلة الرحم
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ثم إنه عليه السلام بعد أن قرظ
الثناء والذكر الجميل، وفضله على المال، أمر بمواساة الأهل، وصلة الرحم، وإن قل
ما يواسي به، فقال: ألا لا يعدلن أحدكم عن
القرابة...، إلى آخر الفصل، وقد قال الناس في هذا المعنى فأكثروا، فمن ذلك قول زهير:
وقال عثمان:
إن عمر كان يمنع أقرباءه وجه الله، وأنا أعطيتهم ابتغاء وجه الله، ولن تروا مثل
عمر.
ومن
شعر الحماسة :
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في الحث على قتال الخوارج
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأصل: ولعمري
ما علي من قتال من خالف الحق، وخابط الغي، من إدهانٍ ولا إيهان. فاتقوا
الله عباد الله، وفروا إلى الله من الله، وامضوا في الذي نهجه لكم، وقوموا بما
عصبه بكم، فعلي ضامن لفلجكم آجلاً إن لم تمنحوه عاجلاً. ونهجه:
أوضحه وجعله نهجاً، أي طريقاً بيناً. وعصبه
بكم: ناطه بكم وجعله كالعصابة التي تشد بها الرأس. والفلج:
الفوز والظفر. وقد
نظر الفرزدق إلى هذا فقال:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له وقد تواترت عليه الأخبار
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
باستيلاء أصحاب معاوية على البلاد، وقدم عليه عاملاه على
اليمن، وهما عبيد الله بن عباس وسعيد بن نمران، لما غلب عليهما بسر بن أرطأة،
فقام عليه السلام على المنبر ضجراً بتثاقل أصحابه عن الجهاد، ومخالفتهم له في
الرأي؛ فقال : الأصل:
ما هي إلا الكوفة أقبضها وأبسطها، إن لم يكن إلا أنت تهب أعاصيرك فقبحك الله!
وتمثل بقول الشاعر:
ثم قال عليه السلام: أنبئت بسراً قد اطلع اليمن، وإني والله لأظن أن هؤلاء
القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم، وبمعصيتكم إمامكم في
الحق، وطاعتهم إمامهم في الباطل، وبأدائهم الأمانة إلى صاحبهم وخيانتكم،
وبصلاحهم في بلادهم وفسادكم، فلو ائتمنت أحدكم على قعبٍ لخشيت أن يذهب بعلاقته.
ثم
نزل عليه السلام من المنبر. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من أخبار معاوية بن أبي سفيان
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومعاوية هو
أبو عبد الرحمن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن
أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. وأمه هند
بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. وهي أم أخيه عتبة بن أبي
سفيان. فأما يزيد بن أبي سفيان، ومحمد بن أبي سفيان، وعنبسة بن أبي
سفيان، وحنظلة ابن أبي سفيان، وعمرو بن أبي سفيان، فمن
أمهات شتى. قال خالد:
أفعلى الوليد تعول يا أمير المؤمنين! قال عبد الملك: إن كان الوليد يلحن فإن أخاه
سليمان لا. فقال خالد: وإن كان عبد الله يلحن، فإن أخاه
خالداً لا، فالتفت الوليد إلى خالد وقال له:
اسكت ويحك! فوالله ما تعد في العير ولا في النفير، فقال: اسمع يا أمير المؤمنين،
ثم التفت إلى الوليد، فقال له: ويحك! فمن صاحب العير والنفير غير جدي أبي سفيان
صاحب العير، وجدي عتبة صاحب النفير! ولكن لو قلت: غنيمات وحبيلات والطائف، ورحم
الله عثمان، لقلنا: صدقت. والعنابس: حرب، وأبو حرب، وسفيان. فبنو مروان وعثمان من الأعياص، ومعاوية وابنه من العنابس؛ ولكل واحد من الصنفين
المذكورين وشيعتهم كلام طويل، واختلاف شديد في تفضيل بعضهم على بعض، وكانت هند تذكر في مكة بفجور وعهر. قال: وقد كان أبو سفيان دميماً قصيراً، وكان
الصباح عسيفاً لأبي سفيان، شاباً وسيماً، فدعته هند إلى نفسها فغشيها. وفي
هذا المعنى يقول حسان أيام المهاجاة بين المسلمين والمشركين في حياة رسول الله
صلى الله عليه وسلم قبل عام الفتح:
والذين نزهوا هند عن هذا القذف
رووا غير هذا. فروى أبو عبيدة
معمر بن المثنى أن هنداً كانت تحت الفاكه بن المغيرة المخزومي، وكان له بيت
ضيافة يغشاه الناس، فيدخلونه من غير إذن، فخلا ذلك البيت يوماً، فاضطجع
فيه الفاكه وهند، ثم قام الفاكه وترك هنداً في البيت لأمر عرض له، ثم عاد إلى
البيت، فإذا رجل قد خرج من البيت، فأقبل إلى هند فركلها
برجله، وقال: من الذي كان عندك؟ فقالت: لم يكن عندي أحد، وإنما كنت نائمة.
فقال: الحقي بأهلك، فقامت من فورها إلى أهلها، فتكلم الناس في ذلك، فقال لها عتبة أبوها: يا بنية، إن الناس قد أكثروا
في أمرك، فأخبريني بقصتك على الصحة، فإن كان لك ذنب دسست إلى الفاكه من يقتله،
فتنقطع عنك القالة. فحلفت أنها لا تعرف لنفسها جرماً،
وإنه لكاذب عليها. فقال عتبة
للفاكه: إنك قد رميت ابنتي بأمر عظيم، فهل لك أن تحاكمني إلى بعض الكهنة؟
فخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم، وخرج عتبة في جماعة من بني عبد مناف، وأخرج
معه هنداً ونسوة معها، فلما شارفوا بلاد الكاهن
تغيرت حال هند، وتنكر أمرها، واختطف لونها. فرأى ذلك أبوها،
فقال لها: إني أرى ما بك، وما ذاك إلا لمكروه
عندك! فهلا كان هذا قبل أن يشتهر عند
الناس مسيرنا! قالت: يا أبت، إن
الذي رأيت مني ليس لمكروه عندي، ولكني أعلم أنكم تأتون بشراً يخطئ ويصيب، ولا
آمن أن يسمني ميسماً يكون علي عند نساء مكة. قال لها: فإني
سأمتحنه قبل المسألة بأمر. ثم صفر بفرس له فأدلى ، ثم أخذ حبة بر فأدخلها في
إحليله، وشده بسير وتركه؛ حتى إذا وردوا على الكاهن أكرمهم ونحر لهم، فقال عتبة: إنا قد جئناك لأمر، وقد خبأت لك
خبيئاً أختبرك به، فانظر ما هو؟ فقال: ثمرة في كمرة
، فقال: أبين من هذا، قال: حبة بر، في إحليل
مهر، قال: صدقت، انظر الآن في أمر هؤلاء النسوة. فجعل يدنو من واحدة
واحدة منهن، ويقول: انهضي،
حتى صار إلى هند، فضرب على كتفها، وقال: انهضي غير رقحاء ولا زانية، ولتلدن ملكاً يقال له معاوية، فوثب إليها الفاكه، فأخذها
بيده وقال: قومي إلى بيتك، فجذبت يدها من يده، وقالت:
إليك عني، فوالله لا كان منك، ولا كان إلا من غيرك! فتزوجها أبو
سفيان بن حرب. ومنها عشرون
سنة خليفة إلى أن مات في سنة ستين، ومر به إنسان وهو غلام يلعب مع الغلمان، فقال: إني أظن هذا الغلام سيسود قومه، فقالت هند: ثكلته إن كان لا يسود إلا قومه! ولم يزل معاوية ذا همة عالية، يطلب معالي
الأمور، ويرشح نفسه للرياسة، وكان أحد كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل توبة
الكافر، وإني رددت الحكم عمي لأنه تاب، فقبلت توبته، ولو كان بينه وبين أبي بكر
وعمر من الرحم ما بين وبينه لآوياه. فأما ما نقمتم علي أني أعطيت من
مال الله، فإن الأمر إلي، أحكم في هذا المال بما آراه صلاحاً للأمة، وإلا فلماذا
كنت خليفة! فقطع عليه الكلام معاوية وقال للمسلمين الحاضرين عنده: أيها
المهاجرون، قد علمتم أنه ليس منكم رجل إلا وقد كان قبل الإسلام مغموراً في قومه،
تقطع الأمور من دونه، حتى بعث الله رسوله فسبقتم إليه، وأبطأ عنه أهل الشرف والرياسة،
فسدتم بالسبق لا بغيره؛ حتى إنه ليقال اليوم: رهط فلان، وآل فلان؛ ولم يكونوا
قبل شيئاً مذكوراً، وسيدوم لكم هذا الأمر ما استقمتم، فإن تركتم شيخنا هذا يموت
على فراشه وإلا خرج منكم، ولا ينفعكم سبقكم وهجرتكم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بسر بن أرطأة ونسبه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وأما بسر بن أرطأة، فهو بسر بن أرطاة - وقيل بن أبي أرطاة - بن عويمر بن عمران
بن الحليس بن سيار بن نزار بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن
النضر ابن كنانة.
في أبيات مشهورة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أخبار عبيد الله بن العباس
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وكان
عبيد الله عامل علي عليه السلام على اليمن،
وهو عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف بن قصي.
ويقال:
ما رثي قبور إخوة أكثر تباعداً من قبور بني العباس رحمه
الله تعالى: قبر عبد الله بالطائف، وقبر عبيد الله بالمدينة، وقبر قثم
بسمرقند، وقبر عبد الرحمن بالشام، وقبر معبد بإفريقية، ثم نعود إلى شرح الخطبة: الأعاصير: جمع
إعصار، وهي الريح المستديرة على نفسها، قال الله تعالى: " فأصابها إعصار فيه نار " . فلم يقدم أحد منهم على الدنو منه، حتى رموا
فرسه بسهم، فشب من تحته، فوقع وهو ميت، وفاتتهم الظعائن، وقال الشاعر :
وقوله عليه السلام: ما هي إلا الكوفة، أي ما ملكتي إلا الكوفة. أقبضها
وأبسطها، أي أتصرف فيها كما يتصرف الإنسان في ثوبه، يقبضه ويبسطه كما يريد. الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين. إياك نعبد وإياك نستعين " ، يقول: إن لم يكن لي من الدنيا ملك
إلا ملك الكوفة ذات الفتن، والاراء المختلفة، فأبعدها الله! وشبه ما كان يحدث من
أهلها من الاختلاف والشقاق
بالأعاصير؛
لإثارتها التراب وإفسادها الأرض. ثم
ذكر علة إدالة أهل الشام من أهل العراق؛ وهي اجتماع كلمتهم وطاعتهم لصاحبهم،
وأداؤهم الأمانة وإصلاحهم بلادهم. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
عصيان أهل العراق على الأمراء
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
وقال أبو عثمان الجاحظ: العلة في عصيان أهل العراق على الإمراء وطاعة أهل الشام
أن أهل العراق أهل نظرٍ وذوو فطن ثاقبة، ومع الفطنة والنظر يكون التنقيب والبحث،
ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال، والتمييز بين
الرؤساء، وإظهار عيوب الأمراء. وأهل الشام ذوو بلادة وتقليدٍ وجمود على رأي
واحد، لا يرون النظر، ولا يسألون عن مغيب الأحوال، وما زال العراق موصوفاً أهله
بقلة الطاعة، وبالشقاق على أولي الرئاسة. أما
والله لألحونكم لحو العصا، ولأعصبنكم عصب السلم، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل؛ إني
أسمع لكم تكبيراً ليس بالتكبير الذي يراد به الترغيب؛ ولكنه تكبير الترهيب.
والله
لا تقرع عصاً عصاً إلا جعلتها كأمس الذاهب. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومما خطب به في ذم أهل العراق
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بعد وقعة دير الجماجم :
يا أهل العراق، يا أهل
الشقاق والنفاق، إن الشيطان استبطنكم، فخالط اللحم
والدم والعصب، والمسامع والأطراف والأعضاء والشغاف، ثم أفضى إلى الأمخاخ
والأصماخ؛ ثم ارتفع فعشش، ثم باض ففرخ، فحشاكم نفاقاً وشقاقاً، وملأكم غدراً
وخلافاً، اتخذتموه دليلاً تتبعونه، وقائداً تطيعونه، ومؤامراً تستشيرونه؛ فكيف
تنفعكم تجربة، أو تعظكم واقعة، أو يحجزكم إسلام، أو يعصمكم ميثاق! ألستم أصحابي
بالأهواز؛ حيث رمتم المكر، وسعيتم بالغدر، وظننتم أن الله يخذل دينه وخلافته؛
وأنا أرميكم بطرفي، وأنتم تتسللون لواذاً، وتنهزمون سراعاً! ثم يوم الزاوية ،
وما يوم الزاوية! بها كان فشلكم وكسلكم وتخاذلكم
وتنازعكم، وبراءة الله منكم، ونكول وليكم
عنكم، إذ وليتم كالإبل الشوارد إلى أوطانها، النوازع إلى أعطانها ؛ لا يسأل
المرء على أخيه، ولا يلوي الأب على بنيه، لما عضكم السلاح، وقمصتكم الرماح. ثم
يوم دير الجماجم ، وما يوم دير الجماجم! بها كانت المعارك والملاحم، بضربٍ يزيل
الهام عن مقيله ، ويذهل الخليل عن خليله. يا أهل العراق؛ ألم
تزجركم المواعظ! ألم تنبهكم الوقائع! ألم تردعكم الحوادث! ثم التفت إلى أهل الشام وهم حول المنبر، فقال: يا أهل الشام: إنما أنا لكم كالظليم الرامح عن
فراخه، ينفي عنها القذر ويباعد عنها الحجر، ويكنها من المطر، ويحميها من الضباب،
ويحرسها من الذئاب! يا أهل الشام؛ أنت الجنة والرداء، وأنتم العدة والحذاء. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في هذا المعنى وقد أراد الحج
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
يا أهل الكوفة، إني أريد الحج وقد
استخلفت عليكم ابني محمداً، وأوصيته بخلاف وصية رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الأنصار، فإنه أمر أن يقبل من
محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم، وإني قد أوصيته بألا يقبل من محسنكم، ولا يتجاوز عن
مسيئكم. ألا وإنكم ستقولون بعدي: لا أحسن الله له الصحابة! ألا وإني معجل لكم الجواب: لا أحسن الله لكم
الخلافة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن خطبة له في هذا المعنى
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
يا
أهل الكوفة؛ إن الفتنة تلقح بالنجوى ، وتنتج بالشكوى، وتحصد بالسيف؛ أما والله
إن أبغضتموني لا تضروني؛ وإن أحببتموني لا تنفعوني! وما أنا بالمستوحش لعداوتكم،
ولا المستريح إلى مودتكم؛ زعمتم أني ساحر وقد قال الله تعالى: " ولا يفلح الساحر " ، وقد أفلحت. وزعمتم
أني أعلم الاسم الأكبر؛ فلم تقاتلون من يعلم ما لا تعلمون! ثم التفت إلى أهل
الشام فقال: لأزواجكم أطيب من المسك، ولأبناؤكم آنس بالقلب من الولد؛ وما أنتم
إلا كما قال أخو ذبيان:
ثم قال:
بل أنتم يا أهل الشام؛ كما قال الله سبحانه: " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا
المرسلين، إنهم لهم المنصورون، وإن جندنا لهم الغالبون " .
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فأما قوله عليه السلام:
" اللهم أبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شراً مني "، ولا خير فيهم
ولا شر فيه عليه السلام، فإن أفعل ههنا
بمنزلته في قوله
تعالى: "
أفمن يلقى في النار خير أمن يأتي آمناً يوم القيامة " ، وبمنزلته في
قوله: " قل أذلك خير أم جنة الخلد " . وليس بجيد،
والصحيح ما ذكرناه.
وهذه الخطبة.
خطب بها أمير المؤمنين عليه السلام بعد فراغه من
صفين، وانقضاء أمر الحكمين والخوارج؛ وهي من أواخر خطبه عليه السلام. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفهرس باب المختار من الخطب والأوامر ابن ابي
الحديد. فمن خطبة له خلق السماء والأرض وخلق آدم.
تضارب الآراء في خلق الجنة والنار.
أديان العرب وفرقهم في الجاهلية.
ومن خطبة له بعد انصرافه من صفين...
لزوم ما لا يلزم أحد أنواع البديع.
ومن خطبة له وهي المعروفة بالشقشقية.
أبو بكر يعهد بالخلافة إلى عمر.
ومن خطبة له في هداية الناس وكمال يقينه.
ومن كلامه لما قبض رسول الله ص وخاطبه العباس وأبو سفيان في أن يبايعا له بالخلافة ومن كلام له لما أشير عليه بألا يتبع طلحة والزبير
ولا يرصد لهما القتال : ومن خطبة له في ذم أتباع الشيطان..
ومن كلام له يعني به الزبير في حال اقتضت ذلك...
ومن كلام في صفة قوم أرعدوا وفشلهم في ذلك...
ومن كلام له لابنه محمد بن الحنيفة.
ومن كلام له لما أظفره الله بأصحاب الجمل..
ومن كلام له في ذم أهل البصرة أيضاً
ومن كلام له فيما رده على المسلمين...
ومن خطبة له لما بويع بالمدينة.
ومن كلام له في ذم اختلاف العلماء في الفتيا
ومن كلام له قاله للأشعث بن قيس...
ومن خطبة له في تهويل ما بعد الموت وتعظيمه.
ومن خطبة له بعدما اتهموه بقتل عثمان..
ومن خطبة له في قسمة الأرزاق بين الناس...
أهمية العشيرة والقبيلة والتقوي بهما
ومن خطبة له في الحث على قتال الخوارج..
ومن خطبة له وقد تواترت عليه الأخبار.
من أخبار معاوية بن أبي سفيان..
ومما خطب به في ذم أهل العراق..
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||