- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
دعوات وشبهات أثارها
البعض حول نهج البلاغة
|
|
الشيخ عبـد الرسول الغفاري
|
|
مقدّمة بسم الله الرحمن الرحيم |
|
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام
على رسوله المؤيّد ، ونبيّه المسدّد ، أبي القاسم محمّـد ، وعلى أهل بيته
الهُداة الأكرمين ، وأصحابه الأمناء المنتجبين . وبعد ، لقد خلّف لنا أمير البيان وسيّد البلغاء بعد النبيّ (صلى الله
عليه وآله وسلم) أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) تراثاً جمّاً
خالداً يزخر بالأفكار والنظرات والدروس والعبر ، وإنّ الوارث لهذا التراث هم
الناس جميعاً ، لأنّ كلامه (عليه السلام) ـ بما فيه من خطب ورسائل وكتب وحكم ـ
لم يكن موجّها لفريق دون آخر ، أو لأمّة دون أمّة ، بل كان موجّها لكلّ الأفراد
والطوائف ، وإنْ كان المعني الأوّل هو الإنسان المؤمن بخالقه ، الموحّد لـه في
ذاته وصفاته وأفعاله ، إنّه الإنسان الرسالي أنّى وجد وأنّى حلّ . فخطابه (عليه السلام) بلسم ، وبيانه ضماد ـ لكلّ جرح ـ
ولسانه نبع للعدل والصدق ، وإنّ كلامه (عليه السلام) بكل فصوله وشعبه يمسّ
القلوب فيبعث فيها الأمل والحياة والطمأنينة . فليس عجيباً أن تتطاول الأعناق إلى
صاحب هذا النبع الزلال ، وتشرئبُّ إليه النفوس طالما خطابه يعمّ الجميع ، إذ هو
خالد عند الجميع . إنّ المتأمّل في كلام أمير المؤمنين
(عليه السلام) يجد فيه التأكيد على صفات الخير والمعروف والنظام ، بل التأكيد
على كلّ صفات الكمال وما أكثرها ، لذا جاءت خطبه ورسائله لصنع الرجال الأحرار ،
إنّها جاءت ليسمو الإنسان في عالم الفضيلة والمُثل ويتحرّر من أسر المادّة
والشهوة المبتذلة . إنّ مضامين كلامه (عليه السلام) تمثّل جوهر الحياة لذا ينبغي
على النفوس ومن يهوى الكمال والسير إلى الله سبحانه أن يقتبس من ذلك الجوهر ،
فالنّاس بفطرتهم وعلى اختلاف مشاربهم وتنوّع طبقاتهم وتعدّد أجناسهم تعلّقت
بكلماته (عليه السلام) أيّما تعلّق . فما جمعه الشريف الرضي من مختارات كلام
أمير المؤمنين (عليه السلام)على كون ذلك المختار قليلاً إلا أنّه لم يزل يُثير
في النفوس الدوافع النبيلة والصفات الخيّرة والأُمنيات الطيّبة . إنّ نهج البلاغة هو نهج الإنسانية ; بشكله ومضمونه
وفصوله . فيه تظافرت الأفكار والرؤى ، وفيه تجلّت روح العدالة والمحبّة والإخلاص
، فلا مناص من الأخذ به ، وتطبيق فقراته ، بل لابدّ من الإذعان الكامل بأنّه
المنهاج الصالح للحياة والإنسانية .إنّه نهج الفكر والعقل ، نهج العدالة
والسعادة ، نهج الرحمة والكمال ; نهج لم نر مثله في تراثنا الإنساني . ولا عجب
لو قيل عنه وعن صاحبه إنّه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق ، وهذا هو سرّ
إعجازه ، وسرّ خلوده . |
|
إنّ
المتدبّر في كلام الإمام (عليه السلام) سيرى فيه جانبين :
|
|
الجانب الأوّل : الجانب العبادي وما فيه من الروابط بين العبد وخالقه ، وفي مقدّمة تلك الروابط
عبودية الإنسان الخالصة لله سبحانه ، وهذه العبودية لن تتحقَّق ما لم يفهم المرء
معنى التوحيد ، وقد أبان أمير المؤمنين (ع) هذا الجانب بشكل دقيق ، وخطبه في ذلك تُعدّ من الأسس أو القواعد
الثابتة لعلم الكلام ، ومن الأصول المهمّة في درك المباني العقائدية الصحيحة . أمّا الجانب الثاني في كلامه (عليه السلام) هو الكشف عن الأبعاد العلمية للحياة
الصالحة التي ينشدها كلّ فرد [لم نقل الحياة المثالية لأنّها هي أنشودة النخبة من الناس أو
علّية المجتمع ..] ، والأُسس التي تقود المجتمع إلى السعادة والخير . ممّا دعى الإمام (عليه السلام) أن
يتطّرق إلى البعد التربوي والأخلاقي بشكل مكثّف ومتواصل وهكذا تطرّق للبعد
التعليمي والسياسي والاقتصادي ، وغيرها من الأبعاد التي تخلق مجتمعاً متماسكاً يعي قدراته ويحترم
مسؤولياته ، فالفرد أساس المجتمع ، والشريعة الغرّاء جاءت لتهذيب هذا الفرد ،
وإرشاده إلى الطريق السوي كي ينتج من ورائه مجتمعاً سويّاً . وكلام أمير المؤمنين
(عليه السلام) لا ينأى عن هذا التهذيب والإرشاد . ولمّا كان هدف الإمام (عليه السلام) هو
سلوك الإنسان فقد انصبّ كلامه على هذا المخلوق في سيره التكاملي ابتداءً من
مرحلة طفولته وحتى أواخر مراحله الدنيويّة ، بل الاستمرار في توجيهه بشكل يحرز
فيه الإنسان حياته الأخروية وفق مرضاة الله سبحانه ، لأنّ الحياة الأبدية هي
الآخرة وهي الغاية المنشودة . إذن هدف أمير المؤمنين (عليه السلام)
وطموحاته النبيلة أغنته عن ذكر الملوك والسّلاطين ما خلا بعض كلامه في صدد حقّه
المغتصب ، فهو لم يمدح ولم يستعطف أحداً منهم ، ولم يكن قريناً ولا عضداً لذوي
النفوذ وأهل الكبرياء والمردة ، بل حذّر الناس منهم ; لكونهم طغاة مفسدين ،
ولكونهم دعاة الكفر والتمرّد على نواميس الحياة ثمّ دعا الناس إلى الله ، فكانت
دعوته هي دعوة الشريعة الغرّاء إلى التوحيد وتقوية روح العبودية لله سبحانه . وعليه لم يكن ما نطق به أمير المؤمنين (عليه السلام) تعبيراً عن عاطفة
ذاتية مجرّدة عن المثل والقيم الإنسانية ، ولم يمجّد أحداً من الملوك والأكاسرة
والفراعنة ، بل كرّس قوله (عليه السلام) في صنع الإنسان وتقوية عزيمته وصبره
ليفز بحياة رغيدة ، لذا مدح الفقراء وأثنى على صبرهم وعفّتهم في السرّاء
والضرّاء ، وأكّد على حقوقهم التي هي في رقاب الأغنياء ، ثمّ أشاد (عليه
السلام)بجهاد الضعفاء والمساكين والوقوف إلى جانبهم لنصرتهم ، ومواساته لهم
قولاً وعملاً . ومن الضروري أن أشير في هذه المقدّمة
إلى عدّة أمور : منها ما يخصّ فصاحة الإمام (عليه السلام) . ومنها ما يرتبط بعمل الشريف الرضي . وثالثها ما يخصّ الموضوعات التي تطرّق إليها
أمير المؤمنين (عليه السلام) ، والأمر الرابع دواعي الكتابة في هذا الموضوع . |
|
أمّا الأمر الأوّل :
فصَاحته (عليه السلام) :
|
|
لا يخفى أنّ شهرة الإمام في الفصاحة
والبلاغة هي من المسلّمات بحيث لا يختلف فيه اثنان ، بل حتّى أعداؤه يقرّون له
هذه الفضيلة ; فهذا « محقن الضبّي قدم على معاوية فقال : جئتك من عند أعيى
النّاس . فقال له معاوية : يا ابن اللّخناء لعليٍّ تقول هذا ؟ !
وهل سنّ الفصاحة لقريش غيره ؟ » [شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ١ /
٢٤ ، شجرة طوبى ١ / ٦١ .] . وفي بلاغة أمير المؤمنين (عليه
السلام) وفصاحته نقل ابن أبي الحديد كلام أبي عثمان عن جعفر بن يحيى وكان من أبلغ الناس وأفصحهم للقول
والكتابة ، أنّه كان يتعجّب بقول عليّ (عليه السلام) : « أين من جدّ واجتهد ، وجمع واحتشد ،
وبنى فشيّد ، فمهّد وزخرف فنجّد . قال : أَلاَ ترى أنّ كلّ لفظة منها
آخذة بعنق قرينتها ، جاذبة إلى نفسها ، دالّة عليها بذاتها ، قال أبو عثمان :
فكان جعفر يسمّيه فصيح قريش » [شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ٦ / ٢٧٨ .] . وقال ابن أبي الحديد : « واعلم أنّنا لا يخالجنا الشكّ في
أنّه (عليه السلام) أفصح من كلّ ناطق بلغة العرب من الأوّلين والآخرين إلاّ ما
كان من كلام الله سبحانه وكلام رسول الله (عليه السلام) وذلك لأنّ فصيلة الخطيب أو الكاتب في خطابته وكتابته يعتمد على أمرين هما مفردات الألفاظ ،
ومركّباتها ، أمّا المفردات فأنّ تكون سهلة سلسلة غير وحشيّة ولا
معقّدة ، وألفاظه (عليه السلام)كلّها كذلك ، وأمّا المركّبات فحسن المعنى وسرعة وصوله إلى الأفهام واشتماله على الصفات التي
باعتبارها فضّل بعض الكلام على بعض ، وتلك الصفات هي الصناعة التي سمّاها
المتأخرون البديع ; من المقابلة والمطابقة وحسن التقديم
وردّ آخر الكلام على صدره والترصيع والتكافؤ والتسميط والمشاكلة ، ولا شُبهة أنّ
هذه الصفات كلّها موجودة في خطبه وكتبه ، مبثوثة متفرّقة في فرش . كلامه (عليه السلام) ، وليس يوجد هذان الأمران في كلام لأحد
غيره ، فإن كان قد تعمّلها وأفكر فيها
وأعمل رويّته في وضعها وسرّها فلقد أتى بالعجب العجاب ووجب أن يكون إمام النّاس
كلّهم في ذلك لأنّه ابتكره ولم يعرف من قبله ، وإن كان اقتضبها ابتداءً وفاضت
عليها لسانه مُرتجلة وجاش بها طبعه بديهة من غير روية ولا اعتمال فأعجب وأعجب على
كلا الأمرين فلقد جاء مجليا والفصحاء ينقطع أنفاسهم على أثره » [بحار الأنوار ٤١ / ٣٥٩ .] . |
|
وأمّا الأمر الثاني :ما
يخصّ عمل السيّد الشريف الرضي (رحمه الله)
|
|
فقد صرّح في مقدّمة كتاب نهج البلاغة إنّ ما أودعه في هذا الكتاب هو
المختار من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) وهذا يعني أنّه لم يورد كلّ ما صدر
عنه (عليه السلام) من خطب وكتب ورسائل وحكم . . . وإنّ تأليفه هذا كان لاحقاً لما ألّفه
من كتاب في خصائص الأئمّة (عليهم السلام) الذي يشتمل على محاسن أخبارهم وجواهر كلامهم ، إلاّ أنّه لم يتمّ ،
ولمّا استحسن جماعة من الأصدقاء عمله ذاك طلبوا منه أن يختار لهم من كلام أمير
المؤمنين (عليه السلام) ما يشمل جميع الفنون من خطب وكتب ومواعظ وأدب . . ، قال
رضوان الله تعالى عليه : « وسألوني ـ عند ذلك ـ أن أبتدئ
بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في جميع
الفنون ، ومتشعّبات غصونه من خطب وكتب ومواعظ وأدب . علماً أنّ ذلك يتضمّن من
عجائب البلاغة ، وغرائب الفصاحة ، وجواهر العربية ، وثواقب الكلم الدينية
والدنيوية مالا يوجد مجتمعاً في كلام ، ولا مجموع الأطراف في كتاب . . . إلى أن
يقول : . . . فأجبتهم إلى الابتداء بذلك عالماً بما فيه من عظيم النفع ومأثور
الذكر ، ومذخور الأجر . . . ورأيت كلامَهُ (عليه السلام) يدور على أقطاب ثلاثة : أوّلها : الخطب والأوامر ، وثانيها :
الكتب والرسائل ، ثالثها : الحكم والمواعظ . فأجمعت بتوفيق الله تعالى على
الابتداء باختيار محاسن الخطب ، ثمّ محاسن الكتب ، ثمّ محاسن الحكم والأدب » [شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ١ / ٤٨ .] . ثمّ قال : « ولا أدّعي ـ مع ذلك ـ أنّي أحيط
بأقطار جميع كلامه (عليه السلام) حتّى لا يشذّ عنّي منه شاذّ ، ولا يندّ نادّ ،
بل لا أبعد أن يكون القاصر عنّي فوق الواقع إليّ ، والحاصل في ربقتي دون الخارج
من يدي ، وما عليّ إلاّ بذلّ الجهد ، وبلاغ الوسع ، وعلى الله سبحانه وتعالى نهج
السبيل ، وإرشاد الدليل إن شاء الله » [شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ١ /
١٣ .] . |
|
وأمّا الأمر الثالث :
موضوعات نهج البلاغة :
|
|
أبرز الموضوعات فيه ، تلك التي تصدّرت كلامه (عليه السلام)
، إذْ خصّ جملة من خطبه في التوحيد وهو يشمل توحيد الله سبحانه في صفات
ذاته من السمع والقدرة والحياة والعظمة والجبروت وغيرها من الصفات ، ثمّ توحيده
في صفات الأفعال ; كالإحياء والإماتة والرازقيّة ، وفي هذا الباب نجد في كلامه
الكثير من المفاهيم العقائدية تندرج هنا . ثمّ من الموضوعات المهمة في كلامه (عليه
السلام) ما يخصّ النبوة
والأنبياء والشرائع السابقة ثمّ نبوّة خاتم الرسول محمّـد (صلى الله عليه وآله
وسلم) مع بيان ما في القرآن الكريم من الأوامر والإرشادات والنظم التي رسمها
الله سبحانه للبشر فهو الثقل الأكبر وإلى جنب هذا جاءت خطب تؤكّد على موضوع
الإمامة والخلافة ، حيث إنّ أهل البيت هم الثقل الأصغر وهم عدل القرآن الكريم
وإنّ الخلافة والإمامة فيهم . ثمّ لا يخلو كلامه (عليه السلام) من التعرّض لمواقف بعض الصحابة وما في ذلك من الإشارة أو التصريح بالأحداث السياسية التي عصفت
بالأمّة الإسلامية حيث تكلّم فيها الإمام (عليه السلام) بشكل صريح يفهمه الجميع . ثمّ موضوعات أخرى شملت مساحة كبيرة من المفاهيم الأخلاقية والتربوية
والاجتماعية كلّها تؤكّد على
السير والسلوك . |
|
وأمّا الأمر الرابع : هو
الكلام عن الدواعي التي دفعتنا إلى الكتابة في هذا الموضوع .
|
|
فمنذ سنين وأنا أدرّس مادّة ( تاريخ
الأدب العربي ) لعصور مختلفة منها العصر الإسلامي والعبّاسي في جامعات عديدة
ولسنوات مكرّرة وكانت مادّة ( نهج البلاغة ) هي إحدى المواد المقرّرة في
الدراسات الأكاديمية لمرحلتي البكالوريوس والماجستير ، والكلّ يعلم أنّ نصوص هذا
الكتاب هي من إنشاء أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وما كان عمل الشريف الرضي إلا الجمع
والتبويب ( فجزاه الله جزاء المحسنين ) وبالتالي فإنّ كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)يمثّل أوج البلاغة
والفصاحة ، بل هو يمثّل العصر الذهبي للنثر في جميع عصوره ومراحله . غير أنّ البعض لم يتحمّل هذه الفضيلة
لأمير المؤمنين (عليه السلام) شأنه كشأن بعض
السلف الذي استصغر سنّ الإمام أو غمط حقّه في الخلافة لأنّ المسلمين ـ على زعم
أحد الصحابة ـ أبوا أن تجتمع النبوّة والخلافة في بني هاشم ، لذا أثار هذا البعض شبهات حول جمع الشريف الرضي وما أودعه من خطب ورسائل للإمام (عليه السلام) ممّا كان هذا الداعي الأوّل للكتابة
، فوضعت بين يدي القارئ الأدلّة الكافية في توثيق هذه النصوص الشريفة من خلال المصادر التي سبقت
عمل الشريف الرضي ، ثمّ الوقوف عند مصادر الخطبة
( الشقشقيّة ) ابتداءً من عصر التدوين وحتّى عصر الرضي .
وما عملي هذا إلا كخطوة لنصرة الحقّ والدفاع عن التراث الإسلامي الأصيل وردع أهل
الباطل والمغرضين ومن أراد السوء والتوهين بشخصية أمير المؤمنين (عليه السلام) . أمّا الدّاعي الثاني : هو ردّ تلك الشبهات التي جاءت مكرّرة
على ألسنة عدّة من الكتّاب ، وللأسف الشديد أخذ بعض المتأخّرين يجترّون كلام من
سبقهم ، وقد خيّل لهم إنّما جاءوا بفتح عظيم ليس لـه مثيل . . إنّها تخرّصات
سطّرتها أقلام حاقدة من رجال عرفوا ببغضهم وعدائهم لوصي الرسول وأخيه عليّ بن
أبي طالب (عليه السلام) . أمّا الدّاعي الثالث : هو كشف اللثام عن الحقائق التي انطوت
عليها الخطبة ( الشقشقيّة )
والأدوار السياسية التي مرّ بها
المسلمون بعد رحيل النبيّ الأكرم (ص) ، وسيرة بعض رجال السلطة في تلك الحقبة
السابقة على خلافة أمير المؤمنين (ع ). |
|
تاريخ
نهج البلاغة
|
|
من الآثار التي يفتخر بها كلّ أديب
غيور هو كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)الذي يشمل كلّ من : خطبه ورسائله وكتبه والأمثال والحكم الصادرة منه . وقد أجهد الأوائل أنفسهم في أن يجمعوا بعض كلامه (عليه السلام) في صحائفهم ، بينما حفظ
البعض الآخر من كلامه (عليه السلام) الشيء الكثير عن ظهر قلب ثم تناقلته الأجيال
عبر مئات السنين حتّى انتهى الأمر إلى الشريف الرضي الموسوي الذي حرص كلّ الحرص على أن يجمع هذا التراث
النفيس من مصادر الكتب وأفواه الرجال التي اهتمّت غاية الاهتمام بكلام أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فطلع علينا الشريف الرضي في عام ٤٠٠ ، للهجرة بكتاب نهج البلاغة وهو يضمّ ١٢١ خطبة للإمام (عليه السلام) وجملة من رسائله وكتبه للأمراء والولاة
والقضاة الذين أوكل إليهم
الإمام (عليه السلام) تلك المناصب السياسيـة . . هذا الجهد الذي قدّمه لنا الشريف الرضي لايمكن أن يتغافله أيّ مسلم عربي أو
غير عربي ، بل يستوجب على الجميع الشكر والثناء لما صنعه جامعه ، غير أنّ الذي
لا يطيق رؤية ضوء الشمس ينكر هذا النور الشاخص بنفسه . ففي سنة ٦٨١ هـ ، نرى شمس الدين أحمد بن خلّكان الأربلي البرمكي أوّل من شكّ في نهج البلاغة ، ثمّ تبعه الصفدي في الوافي بالوفيات [الوافي بالوفيات ٢ / ٣٧٥ .] واليافعي في مرآة الجنان [مرآة الجنان ٣ / ٥٥ .] ثمّ تبعهم ابن تيمية في منهاج السنة [منهاج السنة] المتوفّى سنة ٧٢٨ هـ ،والذهبي صاحب ميزان الاعتدال المتوفّى سنة
٧٤٨ هـ [مرآة الجنان ١ / ١٠١ .] ثمّ جاء المعاصرون ليقتفوا آثار مَن سبقهم حيث شكّكوا في نسبة نهج
البلاغة إلى الإمام (عليه السلام) وكان في طليعتهم جرجي زيدان الذي أثار الشكّ
في كتابه آداب اللّغة العربية [تاريخ آداب اللّغة العربية ١ / ٢١٨ .] ، ومحمّـد كرد علي في كتابه الإسلام والحضارة العربية [الاسلام والحضارة العربية ٢ / ٦١ .] وطه حسين الذي عرف بمنهجه المتميّز وهو الشكّ في كلّ شيء ابتداءً من التراث الأدبي العربي إلى
القرآن ، ولولا مواقف الأزهر
لأدّى بنا طه حسين إلى كارثة كبيرة لا يحمد عقباها . غير أنّ طه حسين أسّس مدرسةً
اتّبعها تلامذته ومريدوه فذابت شخصيّتهم الأدبية والعلمية بشخصية أستاذهم وفي مقدّمتهم أحمد أمين في فجر الإسلام [فجر الإسلام : ١٤٨ .] ، فهو أوّل من رفع صرخاته بالشكّ في نهج البلاغة . ثمّ تبعه الدكتور شوقي ضيف فراح يدوّي بكتاباته الأدبية متّبعاً خطى أستاذه هو الشكّ في نهج البلاغة ، خاصّة في كتابه : الفنّ ومذاهبه في النثر العربي [انظر : الفن ومذاهبه في النثر العربي .] . وممّن شكّ في النهج : الأستاذ أحمد حسن الزيّات في كتابه
تأريخ الأدب العربي [تاريخ الأدب العربي : ١٨٧ .] ، ومحمّـد سيّد كيلاني في كتابه أثر التشيّع في الأدب العربي [أثر التشيّع في الأدب العربي : ٥٧ .] ، ولا ندري إلى أين سينتهي إليه منهج الشكّاكين في تراثنا العربي
والإسلامي ، فقد تمادى هذا الفريق حتّى تطاول إلى القرآن والسنّة النبويّة بل أراد البعض هدم صرح الإسلام وتراث
المسلمين الذي شيّده رجال الدعوة إلى الله وعلى رأسهم النبيّ محمّـد (صلى الله عليه
وآله وسلم) ، فلا عجب أنْ يثور فريق من المسلمين لينتصر إلى تراثه ومبادئه ، ويصدّ الفريق الأوّل ومنهجه السقيم القائم على الشكّ ،
وهذا الفريق المنتصر قد أشار إلى بلاغة الإمام (عليه السلام)إشارة سريعة تتناول
كلّ ما عرف عنه (عليه السلام) من نثر بليغ ، نذكر من هذا الفريق المدافع : سبط
ابن الجوزي ، ومحمّـد بن طلحة الشافعي ، وعبـد الحميد الكاتب وهذا الأخير هو
القائل : « ما تعلّمت البلاغة إلاّ بحفظ كلام الأصلع » [نظرات في الكتب الخالدة : ١٧٧ .] . والبعض الآخر : اختار قطعاً ونصوصاً كثيرة وبليغة من
كلام الإمام (عليه السلام) فحفظها أو دوّنها كالجاحظ ، والخطيب الخوارزمي ، وأبو
الفتح الآمدي ، وابن نبات المصري وهذا الأخير هو القائل :«حفظت مئة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب (عليه السلام) » انظر : شرح نهج
البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ١ / ٢٤ ، والفوائد الرجالية ٢ / ١١٩ ، والكنى
والألقاب ١ / ٢١٧ .. وفريق ثالث : اعتنى بكلام أمير المؤمنين ؟ عناية
فائقة واهتمّ بشرح خطبه ورسائله ،منهم ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي ،إذ فاق
جميع مَن سبقه حين شرح النهج ، واعتبر كلام الإمام علي (عليه السلام) في المرتبة الثانية لكلام الله وكلام رسوله (صلى الله
عليه وآله وسلم) . وهناك فريق رابع : وهم طائفة من جهابذة الأدب والشعر من
المعاصرين قد أُعجبوا أيّما
إعجاب بنهج البلاغة ، منهم : العلاّمة الأديب الشيخ محمود شكري الآلوسي ، والشيخ ناصيف
اليازجي ، ومحمّـد حسن نائل المرصفي ، والدكتور زكي مبارك ، وأمين نخلة ، وعبّاس
محمود العقّاد ، ومحي الدين عبـد الحميد وآخرون يطول الكلام على ذكرهم . |
|
دعوات وشبهات أثارها البعض حول
نهج البلاغة
|
|
المؤلّفون في تاريخ نهج البلاغة
|
|
ممّن ألّف في تاريخ نهج البلاغة جملة من
الأعلام والأُدباء ، في طليعتهم كلّ من : ١ ـ الشيخ هادي آل كاشف الغطاء له كتاب : مدارك نهج البلاغة . ٢ ـ الإمام السيّد هبة الدين الشهرستاني له كتاب ما هو نهج البلاغة ؟ إذْ بحث فيه تاريخ نهج البلاغة
وقيمته العلمية والأدبية . ٣ ـ الأستاذ حسين بستانة له بحث رائع تعرّض فيه إلى الشبهات الحائمة
حول النهج نشرته مجلّة الاعتدال
النجفية في عددها الرابع من سنّتها الخامسة . ٤ ـ الأستاذ امتياز علي عرشي له كتاب في سند خطب أمير المؤمنين ؟
سمّاه استناد نهج البلاغة باللغة الأردوية ونقله إلى العربية الأستاذ عامر الأنصاري ونشرته مجلّة (
ثقافة الهند ) التي يصدّرها مجلس الهند للروابط الثقافية بعددها الرابع من المجلّد الثامن في
ديسمبر سنة ١٩٠٧ ٥ ـ العلاّمة السيّد عبـد الزهراء الحسيني الخطيب له كتاب مفصّل في
أربع مجلّدات سمّاه مصادر نهج البلاغة وأسانيده . ٦ ـ عبـد الله نعمة له كتاب مصادر نهج البلاغة وقد سبق الجميع ـ من ذكرناهم آنفاً ـ كلّ من ابن النديم ،
والنجاشي ، والطوسي ، وياقوت الحموي وحاجي خليفة وابن الأثير وسبط ابن الجوزي
وأبي القاسم النجفي ،وأغا بزرك الطهراني والعلاّمة السيّد محسن الأمين العاملي . |
|
المشتغلون في جمع كلام أمير المؤمنين (عليه
السلام)
|
|
لم يكن الشريف الرضي أوّل من جمع كلام
الإمام علي (عليه السلام) وخطبه ، فقد سبقه إلى ذلك من كان هو أقرب زمانا وأكثر التصاقاً بالإمام نذكر
منهم : ١ ـ نوف بن فضالة البكالي ، نسبة إلى بني بكال ، حاجب أمير المؤمنين (عليه السلام) . ٢ ـ ضرار بن ضمرة الضبائي ، مولى أمّ هاني بنت أبي طالب . ٣ ـ الحارث الأعور الهمداني ، المتوفّى سنة ٦٥ هـ . ٤ ـ كميل بن زياد النخعي ، الشهيد ، قتله الحجّاج بن يوسف الثقفي سنة ٨٣ هـ . . ٥ ـ شريح القاضي المتوفّى سنة ٨٧ هـ . ٦ ـ زيد بن وهب الجهني المتوفّى سنة ٩٦ هـ . جمع خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) في الجمُعات والأعياد . ٧ ـ الأصبغ بن نباتة المجاشعي المتوفّى بعد المئة الأولى . قال ابن واضح اليعقوبي المؤرّخ المتوفّى سنة ٢٩٢ هـ : « كان علي بن أبي طالب (ع) مشتغلاً
أيّامه كلّها في الحرب . . . وحفظ النّاس عنه الخطب ، فإنّه خطب بأربعمائة خطبة حفظت عنه ، وهي التي تدور بين النّاس » مشاكلة الناس لزمانهم : ١٥ وأحصى العلاّمة المسعودي المتوفّى سنة ٣٤٦ هـ ما كان محفوظاً من خطبه (عليه
السلام) فقال : « والذي حفظ الناس من خطبه في سائر مقاماته أربعمائة ونيف
وثمانون خطبة » [مروج الذهب ٢ / ٤٣١ ، شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ١ / ٥ ،
ونهج السعادة ١ / ١٢ .] . وقال سبط ابن الجوزي الحنفي : «
أخبرنا الشريف أبو الحسن علي بن محمّـد الحسيني بإسناده إلى الشريف المرتضى قال : وقع إليّ من خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) أربعمائة خطبة » [تذكرة الخواص : ١٢٨ .] . وقال القطب الراوندي : « سمعت بعض
العلماء بالحجاز ، يقول : إنّي وجدت في مصر مجموعاً من كلام عليٍّ (عليه السلام)
في نيف وعشرين مجلّداً » [شرح نهج البلاغة ـ ابن ميثم البحراني ـ ١ / ١٠١ .] . هذه النصوص تقودك إلى كون
نهج البلاغة ـ بجمع الشريف الرضي ـ لا يشكّل اِلاّ عشر أو دون العُشر من
كلام الإمام علي (عليه السلام) حيث المذكور من كلامه (عليه السلام) في نهج البلاغة هو ١٢١ خطبة ،
وهي أقلّ بكثير ممّا ذكره القطب الراوندي ، وسبط
ابن الجوزي . وممّا يستدلّ على أنّ كلام أمير
المؤمنين (عليه السلام) كان
بعضه مدوّناً عند أناس سبقوا الشريف الرضي ما أشارت
إليه كتب الفهارس من مصنّفات منها : ١ ـ خطب أمير المؤمنين (عليه السلام)
المروية عن الصادق (عليه السلام) برواية فرج بن فروة عن مسعدة بن صدقة انتقلت هذه النسخة المدوّنة إلى السيِّد علي بن طاووس . ٢ ـ خطب أمير المؤمنين (عليه السلام)
لمسعدة بن صدقة العبدي من علماء الجمهور كان هذا الكتاب موجوداً عند السيّد هاشم
البحراني المتوفّى سنة ١١٠٧ هـ . ٣ ـ الخطبة الزهراء لأمير المؤمنين
(عليه السلام) وهذا النصّ المدوّن من جملة الكتب التي رواها أبو مخنف ، لوط بن
يحيى المتوفّى سنة ١٥٧ هـ ، وقد اعتمد الطبري على مرويّات أبي
مخنف . ٤ ـ خطب أمير المؤمنين (عليه السلام)
وهذه الخطبة أوردها ابن عبـد ربّة في العقد الفريد ـ م ٢ ص١٣٦ لإسماعيل بن مهران
السكوني الكوفي . ٥ ـ كتاب خطب عليٍّ (عليه السلام) لهشام بن محمّـد بن السائب الكلبي المتوفّى سنة ٢٠٦ هـ . ٦ ـ خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) برواية محمّـد بن عمر الواقدي الأسلمي المتوفّى سنة ٢٠٧ هـ رواه الشيخ أبو غالب الزراري عنه . ٧ ـ كتاب الملاحم للإمام (عليه
السلام) تصنيف أبي يعقوب
إسماعيل بن مهران السكوني من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) . ٨ ـ خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) لأبي الخير صالح بن أبي حمّاد سلمة
الرازي . ممّن لقي ألأئمة
الجواد والهادي والعسكري (عليهم السلام) . ٩ ـ مئة كلمة من كلام أمير المؤمنين
(عليه السلام) مع شرحها لقاضي القضاة لدى الفاطميّين أبي حنيفة النعمان المصري المتوفّى سنة ٣٦٣ هـ . ١٠ ـ كتاب الخطب لمحمّـد بن عيسى بن عبـد الله بن سعد
الأشعري القمّي عاصر الإمام الرضا (عليه السلام) وروى عن الإمام الجواد (عليه
السلام) . ١١ ـ كتاب خطب عليٍّ (عليه السلام)
وكتبه إلى عمّاله لأبي الحسن علي بن محمّـد بن عبـد الله المدائني ، المتوفّى سنة ٢٢٥
هـ أو سنة ٢١٥ هـ ذكره ابن النديم . ١٢ ـ خطب أمير المؤمنين (عليه السلام)
للسيّد عبـد العظيم الحسني ، من أصحاب الإمام الرضا والجواد
والهادي (عليهم السلام) . ١٣ ـ كتاب خطب علي لنصر بن مزاحم
المنقري صاحب كتاب وقعة الجمل
، المتوفّى سنة ٢١٢ هـ . ١٤ ـ كتاب خطب الإمام علي (عليه
السلام) لأبي أحمد عبـد
العزيز بن يحيى بن عيسى الجلودي الأزدي البصري المتوفّى سنة ٣٣٢هـ وللجلودي هذا عدّة مصنّفات تناهز على الثلاثمائة منها تخصّ ما نحن فيه . ١٥ ـ كتب المغازي والحروب والأخبار والسير
حيث اشتملت على كلمات أمير المؤمنين (عليه
السلام) وخطبه ، وهي أكثر من خمسمائة مصنّف وتوفّي أصحابها قبل أن يولد الشريف الرضي بعشرات السنين . ١٦ ـ كتاب رسائل أمير المؤمنين (عليه
السلام) لإبراهيم بن محمّـد
بن سعيد بن هلال الثقفي المتوفّى سنة ٢٨٣ هـ . ١٧ ـ كتاب رسائل عليٍّ (عليه السلام)
. ١٨ ـ كتاب ذكر كلام عليٍّ (عليه
السلام) في الملاحم . ١٩ ـ كتاب مواعظ الإمام عليٍّ (عليه
السلام) . ٢٠ ـ كتاب قوله (عليه السلام) في
الشورى . ٢١ ـ كتاب الدعاء عن الإمام (عليه
السلام) . ٢٢ ـ كتاب بقية رسائله وخطبه وأوّل
مناظراته (عليه السلام) . ٢٣ ـ كتاب بقية مناظراته . ٢٤ ـ كتاب ما كان بين عليٍّ (عليه
السلام) وعثمان من الكلام . ٢٥ ـ كتاب الخطب لأمير المؤمنين (عليه
السلام) لأبي إسحاق النهمي
إبراهيم بن سليمان الكوفي الخرّاز يرويه عنه النجاشي بثلاث وسائط ، آخرها حميد
بن زياد الكوفي المتوفّى سنة ٣١٠ هـ ٢٦ ـ كتاب خطب أمير المؤمنين (عليه
السلام) لإبراهيم بن الحكم بن
ظهير الفزاري . ٢٧ ـ كتاب أبي العبّاس يعقوب بن أبي أحمد الصيمري الذي جمعه من كلام عليٍّ(عليه السلام) إلى معاوية . ٢٨ ـ خطب أمير المؤمنين (ع) مع شرحها لقاضي القضاة لدى الفاطميّين أبي حنيفة
النعمان المصري المتوفّى سنة
٣٦٣ هـ [هذه جملة من أسماء العلماء والأُدباء الذين افردوا مصنّفات خاصّة في
خطب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ع وكتبه ورسائله وللمزيد راجع الذريعة ٧ / ١٨٧ ومنتهى المقال :
٥٩ وفهرست الشيخ الطوسي : ٣٤ وفهرست ابن النديم : ١٤٧ .] . |
|
دعوات وشبهات أثارها البعض حول نهج البلاغة
|
|
يُعدّ نهج البلاغة من عيون الأدب
العربي الخالدة ، إذ امتاز بإعجاز وبلاغة لا نظير لها فهو عظيم في مادّته ،
ورفيع في إسلوبه ، وشامل في مواضيعه وصادق في رؤيته ، إنّه نصّ متماسك يهدف إلى
بناء حضارة إنسانية مُثلى ، وهو بهذا السبك لا يبلغ أحد شأوه ولا يرقى إليه أديب
مهما أوتي من بلاغة وفطنة . . مع كلّ هذا وكما ذكرنا سابقاً فإنّ زمرة من المؤرّخين ; من قدامى
ومحدّثين قد شكّكوا في نسبة ما في نهج البلاغة إلى الإمام عليّ بن أبي طالب
(عليه السلام) ، بل تجاوز بعضهم إلى القول
بأنّ جميع أو بعض نهج البلاغة منحول موضوع على أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنكروا الصلة بين النهج
وبين الإمام عليٍّ (عليه السلام) متشدّقين بأسباب عديدة ـ واهية ـ يزعمون أنّها مدعاة للشكِّ أو القول بأنّه منحول . فمن القدامى ابن خلّكان ثمّ تبعه اليافعي في مرآة
الجنان [مرآة الجنان ٣ / ٥٥ .] ، والصفدي في الوافي بالوفيات [الوافي بالوفيات ، ترجمة الرضي ٢ / ٣٧٥
.] والذهبي في ميزان الاعتدال [ميزان الاعتدال ١ / ١٠١ .] ، وابن حجر في لسان الميزان [لسان الميزان ٤ / ٢٢٣ .] . ومن المتأخّرين جرجي زيدان في آداب اللغة العربية [تاريخ آداب اللغة العربية ١ / ٢١٨ .] ، وأحمد أمين في فجر الإسلام [فجر الإسلام : ١٤٩ .] ومحمّـد كرد علي في الإسلام والحضارة العربية [الإسلام والحضارة العربية ٢ / ٦١ .] ، وأحمد حسن الزيّات في تاريخ الأدب
العربي [تاريخ الأدب العربي : ١٨٧ .] ، ومحمّـد سيّد گيلاني في كتابه أثر
التشيّع في الأدب العربي [أثر التشيع في الأدب العربي : ٥٧ .] ، وآخرون كطه حسين وشوقي ضيف . . وأخيراً الدكتور نايف معروف في كتابه الأدب
الإسلامي في عهد النبوّة وخلافة الراشدين [الأدب الإسلامي في عهد النبوّة وخلافة
الراشدين : ٥٥ .] . |
|
أما دواعي الشكّ عند هؤلاء فيمكن حصرها بما
يلي: العدد ستة عشرشكا هي شبهات القوم التي أثاروها حول نهج
البلاغة
|
|
١ ـ تشبّث البعض
بالكمِّ الذي هو عليه نهج البلاغة فهو يشمل قدراً كبيراً من الخطب والرسائل وهذا
ممّا يتعذّر حفظه . ٢ ـ وآخرون تذرّعوا بالخطب الطويلة ،
فقالوا إنّ التطويل غير مألوف عند البلغاء ، كخطبة القاصعة ، والأشباح ، والعهد
الذي كتبه لمالك الأشتر عندما أرسله الإمام والياً إلى مصر . ٣ ـ اشتمال بعض كلامه على التعريض
بالصحابة والطعن عليهم كما في خطبة الشقشقية ، لذا قال بعضهم إنّ نهج البلاغة
منحول على أمير المؤمنين (عليه السلام) . ٤ ـ في بعض خطبه إنباء بالغيب ، إذ
أخبر عن إمور وقعت بعد عصره (عليه السلام) . ٥ ـ في بعض الخطب جاء فيها ذكر الوصي
والوصاية ، وهذا المصطلح ـ على حدّ زعمهم ـ لم يظهر إلاّ بعد استشهاده . ٦ ـ في خطب عديدة من النهج تعرّض فيها
الإمام (عليه السلام) إلى الزهد والموت وهذا ناتج من تأثير المسلمين بالنصارى
وأهل التصوّف . ٧ ـ في بعض خطب النهج تقسيم المعاني
والمسائل إلى أصناف كتقسيم الاستغفار إلى ستّ معان ، والصبر إلى أربعة أقسام . ٨ ـ بعض ما في النهج جاء الكلام في
وصف الحيوانات إذ اشتمل هذا الوصف على معان دقيقة بإسلوب لم يعرف إلاّ في العصر
العبّاسي ، كوصف الطاووس ، فمتى رأى الإمام (عليه السلام) الطاووس حتّى يصفه ؟
ثمّ هناك وصف للجراد والقمّل والخفّاش والنمل . ٩ ـ إنّ النهج قد اشتمل على سجع
منمّـق وصناعة لفظية لم تبرز إلاّ في العصر العبّاسي . ١٠ ـ في جملة من خطب نهج البلاغة صيغ
فلسفية ومفاهيم كلامية لم تعرف إلاّ في العصر العبّاسي أي في أوائل القرن الثالث
الهجري وذلك حينما ترجمت الكتب اليونانية والفارسية والهندية إلى اللغة العربية ١١ ـ الكثير من أهل اللغة والأدب لم
يستشهدوا بـ : نهج البلاغة . ١٢ ـ اتسمت بعض رسائل الإمام (عليه
السلام) وكتبه بالإسهاب والتفصيل ، ولمّا كان الورق غير متوفّر في عصر الإمام
(عليه السلام) بل كانوا يكتبون على الجلود والعظام واللخاف والبردي وعسب النخيل
، إذاً من البعيد أن يكتب الإمام (عليه السلام) عهده للأشتر بهذا الإسهاب . ١٣ ـ ادّعى البعض أنّ ما في نهج
البلاغة قد يعزى بعضه إلى أدباء سبقوا الإمام علي (عليه السلام) . ١٤ ـ في بعض خطب النهج وصف دقيق
للحياة الاجتماعية من جهة ، وطعن على الولاة والقضاة من جهة أخرى ، وكلا الأمرين
لم يعرف بعد وإنّما هو من سمات العصر العبّاسي . ١٥ ـ في النهج خطب طال في صدرها الحمد
والثناء ، وهذا لم يُعرف بعدُ إلاّ في العصر العبّاسي ، وبالخصوص في خطب الجُمع
والأعياد . ١٦ ـ ادّعى البعض أنّ خطب نهج البلاغة
لو كانت صادرة من الإمام (عليه السلام) لكانت موجودة قبل تصنيف السيّد الرضي
(رحمه الله) . هذه هي شبهات القوم التي أثاروها حول
نهج البلاغة ، ونحن آلينا على أنفسنا أن نختصر البحث ونجعله موجزاً آملين أن
نبحثه بشكل مفصّل في مناسبة أخرى ، ولكن هذا لا يعني أنْ نترك المقام بدون أجوبة تصلح ردّاً على تلك
الشبهات والشكوك . |
|
جواب
الشّـك الأوّل :
|
|
إنّ العرب منذ عصرهم الجاهلي وإلى
عدّة قرون من عصرهم الإسلامي كانوا يعتمدون الحفظ بدلاً من الكتابة ، بل وكانوا يأنسون بحافظتهم القوية
التي استودعت قلوبهم دواوين العرب وأيّامهم ومآثرهم ، وهو شأن كلّ أُمّة تسيطر
عليها البداوة والأمّية . فقد امتاز العرب قبل الإسلام وبعده
بقوّة حافظتهم وسرعة خاطرهم ، وقد اعتمد المؤرّخون في عصر التدوين على أولئك ورووا عنهم أيّام
العرب ووقائعها ، فهي رواية الخلف عن السلف ،ولولا الحفظ والحفّاظ لضاع الكثير من
تاريخ العرب ; إنّه تاريخ لحقبة طويلة من الزمان . ثم إنّ النهج قد ضمّ ( ٢٤٢ ) خطبة لأمير
المؤمنين (عليه السلام) و( ٧٨ ) كتابا ورسالة و( ٤٩٨ ) حكمة ومثلا وهذا المقدار
لا يساوي إلا العُشر من كلام الإمام عليٍّ (عليه السلام) وأنّ حفظه ما أيسره
لأبناء ذلك العصر . في الوقت الذي نجد اليوم صغار السنِّ يحفظون القرآن وهم دون السنِّ العاشرة والسابعة
. . فما بالك بأبناء القرن الأوّل
الذين حفظوا القصائد الطوال والتاريخ المفصّل عن العرب ووقائعها وأيّامها ؟ ! أضف إلى ذلك أنّ الذي حفظ النهج لم يكن واحداً ولا اثنين ولا ثلاث بل هم
بالعشرات ، وأنّ لكلّ واحد
كان له نصيب من الحفظ فالبعض حفظ خطبة أو خطبتين أو رسالة أو عهداً أو كتاباً والآخر حفظ هذه الخطبة أو تلك وهلمّ جرّاً ، وبمعنى آخر لم يدّع أحد أنّه حفظ جميع ما ضمّه النهج بين دفّتيه فأيّ إشكال في تظافر مجموعة من
النّاس في كلّ زمان أن يحفظوا ما تيسّر لهم أو الذي طمحت إليه أنفسهم فحفظوها ،
فيتمّ بمجموع ما حُفظ مجموع النهج . ومثال واحد يميط اللثام عن تلك الشكوك ، ذلك أنّ عبـد الحميد الكاتب كان يحفظ سبعين خطبة من خطب الإمام عليٍّ (عليه السلام)
وأنّ ابن نباتة كان يحفظ مئة فصل من مواعظ أمير المؤمنين (عليه السلام) . ثمّ لا يخفى عليك أنّ رسائل الإمام
(عليه السلام) وكتبه وبعض خطبه كانت مكتوبة مدوّنه وهذا ممّا يسهِّل بقاءها والاحتفاظ بها ، وما كان كذلك لا يصعب
حفظه . هذا وقد ذكر أكثر من مؤرّخ أنّ خطبة الإمام (عليه السلام) في الجهاد ، ـ أنّه باب من أبواب
الجنّة ـ كانت مكتوبة بخطّه (عليه السلام) ، وأمر غيره بإلقائها على النّاس [الأخبار الطوال : ١٩٥ ، شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ١ / ١٤٥
نقلاً عن كتاب الغارات للثقفي ، وسفينة البحار ١ / ٣٩٦ برواية الاصبغ بن نباتة ٢
/ ٤٦٦ .] . ونقل ابن قتيبه الدينوري في صفحات عديدة
من كتابه : الإمامة
والسياسة المكاتبات بين الإمام عليٍّ (عليه السلام) ومعاوية ، وبين عليّ (عليه
السلام) وعمّاله ، وبين معـاوية وأصحابه [الإمامة والسياسة ١ / ١٥٤ ما كتبه (عليه
السلام) لأهل العراق .] فماذا تعني تلك الكتب ؟ ألم يكن هناك وفرة من الورق والقرطاس ،
وإلاّ ماذا تفسّر هذه الكتب الصادرة من الإمام عليٍّ (عليه السلام)أومن عمّاله
أو من خصُومه من هنا وهناك سواء كان مبدأُها العراق أو الشّام أو مصر أو بلاد فارس
. . ؟ ! وعليه فإنّ جميع تلك الخطب والرسائل
والكتب قد حفظها الناس تباعاً ، يقول المسعودي : « والذي حفظ الناس عنه من خطبه (عليه
السلام) في سائر مقاماته أربعمائة خطبة ونيف وثمانون خطبة يوردها على البديهة
وتداول الناس ذلك عنه قولا وعملاً » [مروج الذهب ٢ / ٤٣١ .] . وفي الإطناب يقول الدكتور زكي مبارك : « وسحبان وائل الذي عرف بالتطويل
وأنّه كان يخطب أحياناً نصف يوم ، أثرت عنه الخطب القصيرة الموجزة ، وذلك يدلّ
على أنّ الفطرة كانت غالبة على ذلك العصر ، وأنّ القاعدة المطّردة لم تكن شيئاً
آخر غير مراعاة الظروف ، ورسائل عليّ بن أبي طالب ، وخطبه ، ووصاياه ، وعهوده
إلى ولاته تجري على هذا النّمط ، فهو يطيل حين يكتب عهداً ليبيّن فيه ما يجب على
الحاكم في سياسة القطر الذي يرعاه،ويوجز حين يكتب إلى بعض خواصّه في شيء معيّن
لا يقتضي التطويل» [النثر الفنّي ـ زكي مبارك ١ / ٩٥ .] . |
|
أمّا
الشكّ الثاني :
|
|
وهو ما يتعلّق بالخطب الطويلة فإنّ حفظها ووعيها
متعذّر وهكذا قل عن العهد
الذي بعثه (عليه السلام) إلى الأشتر هذا الشكّ أورده الگيلاني في كتابه : أثر
التشيّع في الأدب العربي [أثر التشيّع في الأدب العربي : ٥٦ .] . وردّنا عليه من وجوه : أوّلاً : إنّ العهد الذي بعثه الإمام (عليه
السلام) للأشتر كان مكتوباً فمن السهل حفظه ووعيه . ثانياً : إنّ الكثير من الناس يحفظون اليوم
القرآن الكريم عن ظهر قلب والذي يناهز على ٦٠٠ صفحة . ثالثاً : إنّ هناك خطباً طويلة لملوك وأمراء
قد حفظها الناس كخطبة ( هرمز ) ملك الفرس قبل بعثة النبيّ (صلى الله عليه وآله
وسلم) وقد رواها الدينوري في الأخبار الطوال [الأخبار الطوال : ٧٧ .] ، وكتاب طاهر بن الحسين إلى ولده محمّـد قد بلغ مئة وتسعة وثلاثين
سطراً قد ذكره ابن خلدون في مقدّمته . رابعاً : إنّ العهد الذي كتبه الإمام (عليه
السلام) إلى الأشتر واليه على مصر تضمّن مجموعة قوانين قد سنّها أمير المؤمنين
(عليه السلام) ، وأمر واليه أن يجعلها نصب عينيه لأنّها عبارة عن بنود تشريعية
تنظّم علاقة الحاكم بالمحكوم ، أو قل علاقة الحاكم بالمسؤولين من القضاة
والقوّاد وجباة الأموال والجند وغيرهم ممّن له عمل إداري أو رسمي . وهكذا تنظيم علاقة الحاكم بالرعية
والذي منهم العامل والتاجر والفلاح . وعليه فلابدّ من أن تنظّم جميع هذه العلاقات على ضوء الشريعة الغرّاء ، ولأنّ الظرف السياسي في ذلك العصر يتطلّب ذلك . |
|
وأمّا
الشكّ الثالث :
|
|
إنّ في بعض خطبه (عليه السلام) تعريض
بالصحابة والنيل منهم كأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير ومعاوية وعمر بن العاص وأضرابهم
. كأنّما القائل به نسي الأحداث التي
كانت على عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والحروب والغزوات التي وقعت ،
وكأنّما حجب عينيه وأصمّ أذنيه عن عشرات الآيات التي نزلت في حقّ البعض من الصدر
الأوّل ، فمن المخاطب بتلك الآيات ؟ ! أليس هم ممّن يدّعون الصُحبة ؟ ! وهل غابت
عن ذلك المشكّك تلك الآيات . إذن هل جميع الصحابة في منزلة واحدة من
التقديس والتقدير ؟ وقد ورد قوله سبحانه : ( إنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) [سورة الحجرات ٤٩ : ١٣ .] ،إنّما التفاضل هو بالتقوى ، وبالأعمال الصالحة . فهل غاب عن أولئك جريمة خالد بن
الوليد الذي قتل مالك بن نويرة وتَزوّج بامرأته في ليلتها ؟ ! وإلاّ فلماذا عزله عمر بن الخطّاب ؟ ! وهل غاب عنهم الدماء التي جرت في حرب
البصرة وكان سببها طلحة والزبير و . . . أو أنّه غاب عنهم الدماء التي جرت في
صفّين وكان سببها معاوية وعمرو بن العاص و . . . عجباً لهؤلاء الذين يقرأون ـ في بطون
الكتب وصفحات التاريخ ـ الأخبار المفصّلة عمّا جرى في صدر الإسلام من أحداث
السقيفة والحروب والغزوات التي حدثت في الصدر الأوّل من تاريخ الحكومة الإسلامية
وبالخصوص الأحداث التي جرت في زمن حكومة عثمان بن عفّان ، أنّهم يقرأُون كلّ هذا
ومع ذلك يستثقلون كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) . . ! كأن لم يكن هناك انحراف ، واعتداء ،
وغصب ، وسلب الأموال وقتل الأبرياء ؟ ! فهناك ظلم الحكّام والأمراء ، وارتشاء
القضاة وسوء سريرتهم ، وهناك الفسق والفجور ، وشيوع الخمرة في وسط الأمراء الذين
نصّبهم عثمان ، وحادثة والي الكوفة لا تغيب عن الأنظار إذ شرب الخمر وصلّى
بالمسلمين صلاة الصبح أربع ركعات ، وألقى ما في رأسه في المحراب ، ثمّ هناك
الغصب ، وسرقة أموال المسلمين ، والتمادي في الظلم ، واللعب بمقدّرات المسلمين ،
كلّ ذلك تجده في كتب التاريخ والسيرة ، مضافاً إلى ذلك الفقر المتفشّي بين
النّاس ، والتذمّر من الوضع السياسي الخانق ، حتّى أدّى ذلك إلى إراقة الدماء ،
وهتك الأعراض ، وسلب الأموال . . . ألا تكون هذه الحالة مدعاة للإمام
(عليه السلام) أن يقف أمام كلّ هذا الإضطراب فينصح الوالي والحاكم وقائد الجند
والعاملين على الخراج وجباية الزكواة . . ؟ ! أليس من شأن الإمام (عليه السلام) أنْ
يصلح ما فسد من أمور الناس ؟ فكيف والحال هذه لا يتكلّم الإمام
(عليه السلام) بما يرضي الله ؟ أليس من وظائفه الشرعية الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر ؟ أليس من وظائفه الجهاد في سبيل الله ؟ والجهاد على أقسام منه بالسيف
ومنه بالكلمة وهذا قطعاً يستوجب على الإمام أن يُعرّض بالصحابة الذين تصدّوا
للحكومة . لهذا تجده (عليه السلام) ناصر الفقير
والمظلوم ، وناهض الجائر الغشوم ورفع صوته بوجه الطغاة والخونة من الولاة ، فلا
عجب أن يتطرّق (عليه السلام) لسير الأحداث وما قامَ به مَن سبقوه من إعمال
وتصرّفات لا تمتّ إلى روح الإسلام بصلة ، والجميع يعلم أنّ أمير المؤمنين (عليه
السلام) لا تأخذه في الله لومة لائم ، فليدّعِ البعض أنّ كلامه ذاك فيه طعن على
الصحابة . . إنّ الشكّ الذي تقدّم به الذهبي وابن
تيميّة إنّما هو نهج من سبقه القائم على تنزيه الصحابة كافّة
دون أيّ استثناء ، في الوقت الذي ينقل لنا التاريخ أنّ الخصومات فيما بينهم كانت قائمة
بمرأىً ومسمع من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأنّ بعضهم كان يسبّ البعض الآخر ويشتمه ، بل وصل بهم أن يتراشقوا النعال
بدلاً من الحجارة [الفصول المهمة : ١٤٦ .] وعليه فإنّ النهج الذي اتّبعه الذهبي وابن تيميّة يمتّ صلة بفكرة الإرجاء والمرجئة ، ومن هذا المذهب ظهرت فكرة تنزيه الصحابة وعدم الخوض في أفعالهم
وتصرّفاتهم ، بل أدّى بهم أن
يفتوا بصواب أعمالهم وأنّ لهم الأجر الجزيل ، لأنّه اجتهاد ، فإذا أصاب الصحابي باجتهاده فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر واحد ، فهذا خالد يقتل نفساً بريئة يشهد الشهادتين وأنّ المسلم دمه وعرضه
وماله حرام إلاّ أنّ ابن الوليد على حسب رأي ابن تيمية والذهبي أنّه اجتهد فأخطأ فله أجر ! فأين اذاً قوله تعالى : ( مَن قَتَلَ
نَفْساً بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ
جَمِيعاً ) [سورة المائدة ٥ : ٣٢ .] ؟ ثمّ ماذا يقول هؤلاء في نهب الأموال في زمن عثمان على يد مروان بن الحكم والمغيرة بن
شعبة وزعماء بني أميّة ؟ ألم تقل أُمّ المؤمنين في حقّ عثمان لمّا ضرب ابن مسعود حتّى كسر أضلاعه : اقتلوا نعثلاً فإنّه كفر ؟ ! وفي ذلك يقول عبد بن أمّ كلاب ، عبد بن أبي سلمة قال مخاطباً عائشة بعد مقتل عثمان [الفتنة وواقعة الجمل : ١١٥ .] : فمنك البداء ومنك الغير ***** ومنك
الرياح ومنك المطر وأنت أمرتِ بقتل الإمام ***** وقلت لنا
إنّه قد كفر فهبنا أطعناك في قتله ***** وقاتله
عندنا مَن أمَر ولم يسقط السقف من فوقنا ***** ولم
تنكسف شمسنا والقمر وماذا يقول هؤلاء لمّا أقدم عثمان بن عفّان على نفي الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) إلى الربذة حتّى مات
هناك وحيداً فريداً في غربة عن الوطن والأهل [يكفي القاريء النبه أن يستعرض فصول السقيفة وما دار فيها من شجار وطعن ولعن وتفسيق حتّى
شهر بعضهم السلاح ، وكان التهديد بالحرب والاجلاء عن المدينة ، أنّه النزاع بين القرشيين والخزرج . أيّ منطق هذا أن يساوى بين الفاسق
الفاجر والمؤمن التقي ؟ هذا طريد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مروان بن الحكم هل من المنطق السّليم أن يجعله
المسلمون قدوة لهم ؟ ! أم ذاك أبو سفيان الذي ما خرجت كتيبة ولا رفعت راية
لحرب الرسول (عليه السلام) إلاّ وهو قائدها . . ؟ ! علينا أن نحكّم العقل والمنطق ، اليوم أصبحت الشعوب واعية تبحث عن
كلّ ما جرى في التاريخ وما مبتغاها في ذلك إلاّ أنْ تتبّع الهدى والصراط الواضح والنهج السوي . إذن ما تناوله أمير المؤمنين (عليه
السلام) في خطبته الشقشقية أو خطبته التي تعرّض فيها ( للمنافقين ) وما فيهما من
نقد وطعن إنّما كان نتيجة للمواقف العدائية الصارخة التي وقفها هؤلاء وقد انقدحت من تلك المواقف الحاقدة
حروب ذهب ضحيّتها مئات الآلاف من المسلمين ، ترى يسكت أمير المؤمنين (عليه
السلام) حيال هذه الجرائم التاريخية ؟ ! وعليه : فإنّ هذه الخطبة وغيرها من الخطب بل كلّ ما في النهج هو للإمام أمير
المؤمنين (عليه السلام) بلا منازع وفي ذلك يقول ابن أبي الحديد المعتزلي : « لا يخلو إمّا أن يكون كلّ نهج البلاغة مصنوعاً منحولاً ، أو بعضه
، والأوّل باطل لأنّنا نعلم بالتواتر صحّة إسناد
بعضه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ،وقد نقل المحدّثون كلّهم أو جلّهم
،والمؤرّخون كثيراً منه ـ أي من النهج ـ وليسوا من الشيعة لينسبوا إلى غرض في
ذلك . والثاني يدلّ على ما قلناه لأنّ من قد أنس بالكلام والخطابة
وشدا طرفاً من علم البيان ، وصار له ذوق في هذا الباب لابدّ أن يفرّق بين الكلام
الركيك والفصيح ، وبين الفصيح والأفصح ، وبين الأصل والمولّد ، إذا وقف على
كرّاس واحد يتضمّن كلاماً لجماعة من الخطباء ، أو لإثنين منهم فقط ، فلا بدّ أن يفرق بين الكلامين ويميّز
بين الطريقتين . « وأنت إذا تأمّلت نهج البلاغة وجدته
كلّه ماءً واحداً ، ونفساً واحداً ، وأسلوباً واحداً ، كالجسم البسيط الذي ليس
بعض من أبعاضه مخالفاً لباقي الأبعاض في الماهية ، وكالقرآن العزيز ، أوّله
كوسطه وأوسطه كآخره ، وكلّ سورة منه وكلّ آية مماثلة في المأخذ والمذهب والفنّ
والطريق والنظم لباقي الآيات والسور ، ولو كان بعض نهج البلاغة منحولاً وبعضه
صحيحاً لم يكن ذلك كذلك ، فقد ظهر لك بالبرهان الواضح خلال من زعم أنّ هذا
الكتاب أو بعضه منحول إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) » [شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ١٠ / ١٢٨ .] . إذن يمكن تقسيم الصحابة إلى ثلاثة أصناف
: الصنف الأوّل : من أبلى بلاءً حسناً وجاهد في سبيل
الله ورحل إلى ربِّه بأحسن وفادة وهو راض مرضي وهذا الصنف قد مدحه القرآن الكريم
وهم ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ
النَّعِيمِ ) [سورة الواقعة ٥٦ : ١٠ ـ ١٢ .] ، وكما مدحهم القرآن فقال سبحانه : (
أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً
يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ الله وَرِضْوَاناً ) [سورة الفتح ٤٨ : ٢٩ .] ولم يحدثوا بعد رسول الله حدثاً . والصنف الثاني : تخاذل عن الحقّ ولم ينصر الباطل ،
وقد ذمّهم القرآن الكريم إلاّ أنّهم لم يحدثوا شيئاً من بعده (صلى الله عليه
وآله وسلم) . فهؤلاء أقلّ شأناً ممّن سبقهم وعلى الله حسابهم . الصنف الثالث : الذين غيّروا وبدّلوا وحرّفوا كلام
الله وأحدثوا من بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، روى البخاري في صحيحه
عن ابن مسعود قال : « قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنا فرطكم على
الحوض ليرفعنّ إليّ رجال منكم حتّى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني . فأقول : ربّي أصحابي . فيقال : لا تدري ما أحدثوا بعدك » [صحيح البخاري ٦ / ١٠٨ و٨ / ١٢٠ ، صحيح
مسلم ٤ / ١٧٩٣ ، الاصابة ٣ / ٨٤ القسم ١ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٥١ ، كنز العمال ٧
/ ٢٢٤ ، الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد : ٢١٢ ، مجمع الفائدة ٢ / ٤٢٩ ، كتاب
الفضائل : حديث ٢٦ .] وروى مثله البخاري عن سهل بن سعد وزاد عليه : « فأقول : سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي » [صحيح مسلم ٤ / ١٧٩٣ .] . ورواه أحمد بن حنبل في مسنده مسند أحمد بن حنبل ١ / ٣٨٤ و٤٠٢ و ٤٠٦
و٤٠٧ و٤٥٣ و٤٥٥ و٢ / ٢٨١ و٥ / ٤٨ و٥٠ و٣٩٣ . ورواه المتّقي الهندي في كنز العمّال [كنز العمّال ٧ / ٢٢٤ و٢٢٥ ، ٦ / ٤٢٤ .] عن ابن مسعود وعن سمرة . ورواه مسلم
في صحيحه في كتاب الطهارة في الوضوء عن أبي هريرة [صحيح مسلم : كتاب الطهارة ، باب الوضوء ، وكذلك ٧ / ٦٥ ـ ٦٧ .] . ورواه في كتاب الفضائل في باب إثبات
حوض نبيّنا (عليه السلام) [كتاب الفضائل : باب إثبات الحوض حديث ٢٦ .] . ورواه ابن ماجه في صحيحه في أبواب
المناسك في باب الخطبة يوم النحر عن ابن مسعود [سنن ابن ماجة : أبواب المناسك ، وهكذا
في الجامع الصحيح للترمذي ٤ / ٦١٥ ، و٢٤٢٣ ، سنن النسائي ٤ / ١١٧ .] . ورواه ابن جرير في تفسيره [تفسير الطبري : ٤ / ٥٥ .] بسنده عن قتادة . ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد [مجمع الزوائد ١٠ / ٣٦٤ و٣٦٥ .] عن سمرة وعن ابن مسعود . فبماذا تفسّر هذا الحديث الشريف ؟ !
ومَن الذين أحدثوا بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ حيث روى ابن حجر في
الإصابة بسنده عن سعيد بن منصور قال : « حدّثنا خلف ابن خليفة عن العلاء بن
المسيّب عن أبيه عن أبي سعيد قلنا لـه هنيئاً لك برؤية النبيّ (صلى الله عليه
وآله وسلم) وصحبته . قال : إنّك لا تدري ما أحدثنا بعده [الإصابة ٣ / القسم ١ ص ٨٤ .] . ومثله في صحيح البخاري في كتاب بدء
الخلق في باب غزوة الحديبية . وفي طبقات ابن سعد ، بسنده عن إسماعيل
بن قيس قال : « قالت عائشة عند وفاتها إنّي قد أحدثت بعد رسول الله فادفنوني مع
أزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) » [الطبقات
الكبرى ٨ / ٧٤ ، ثمّ أنظر كتاب وضوء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ١ / ٢٤٤ .] . وفي تهذيب التهذيب روى ابن حجر بسنده
عن الآجري قال : « قال عمرو بن ثابت لمّا مات النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)
كفر النّاس إلاّ خمسة . . » [تهذيب التهذيب ٨ / ١٥ .] . أقول : وممّا يؤيّد ما سبق الآيات الواردة في
بعضهم ; إذ فيهم الذين (
ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ ) [سورة التوبة ٩ : ٤٨ .] ، ومنهم ( مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي ) [سورة التوبة ٩ : ٤٩ .] ، ومنهم مَن لمز النبيّ ( فِي الصَّدَقَاتِ ) [سورة التوبة ٩ : ٥٨ .] ، ومنهم مَن آذاه وقالوا ( هُوَ أُذُنٌ ) [سورة
التوبة ٩ : ٦١ .] ، ومنهم من كان في قلبه مرض ، ومنهم الذين اعتذروا في غزوة تبوك وكانوا بضعة وثمانين رجلا وحلفوا
للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقبل منهم لكن نزلت فيهم آيات تكذّبهم : قوله
تعالى : ( سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إذَا انقَلَبْتُمْ إلَيْهِمْ
لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ
جَهَنَّمُ جَزَاءَ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا
عَنْهُمْ فَإن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإنَّ اللهَ لاَيَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ
الْفَاسِقِينَ ) سورة التوبة ٩ : ٩٥ ـ ٩٦ . وفي هذه الغزوة أقدم أربعة عشر منافقاً على الفتك برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ظلمات الليل عند عقبة هناك ، ولمّا انصرف النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذه الغزوة إلى
المدينة كان في الطريق ماء يخرج من وشل بوادي المشقّق . فقال رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) : من سبق إلى ذلك الماء فلا يسقينّ منه شيئاً حتّى نأتيه ، فسبقه إليه نفر من المنافقين واستقوا ما فيه فلمّا أتاه رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) وقف عليه فلم ير فيه شيئاً ، ولمّا علم النبيّ (صلى الله عليه وآله
وسلم) بأمر المنافقين ، قال : أولم ننههم أن يستقوا منه شيئاً حتّى نأتيه ، ثمّ
لعنهم ودعا عليهم [أضواء على السنة المحمّـدية : ٣٥٣ .] . روى البخاري عن زيد بن ثابت : « لمّا خرج النبيّ (صلى الله عليه
وآله وسلم) إلى اُحد رجع ناس من أصحابه فقالت فرقة منهم : نقتلهم ، وقالت فرقة :
لا نقتلهم ، فنزلت الآية الكريمة : ( فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ
فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا . . . سورة النساء ٤ : ٨٨ . قال الراغب في مفرداته : أركسهم أي
ردّهم إلى الكفر » [اضواء على السنة المحمّـدية : ٣٢٢ .] . ومن الصحابة من نزلت فيهم قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا
مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ ) سورة التوبة ٩ : ١٠٧ . والتفصيل في هذا الموضوع يطول لأنّ الشواهد القرآنية في الكشف عن هذا الصنف الثالث كثيرة جدّاً وعليه ، فالصحابة قوم من النّاس لهم ما للنّاس وعليهم ما عليهم واعتبارهم
جميعاً عدولاً أنّها مكابرة شديدة ، ومن رفض محاسبتهم أو نقدهمُ أو تجريحهم ، إنّما يرفض قول الله
العزيز ، وما جاء في حقّهم بصريح القرآن وقد أشرنا إلى جملة منها . وفي هذا أمر
النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام عليّ (عليه السلام) أن يقاتل (
الناكثين والقاسطين والمارقين ) لأنّ جميعهم قد خرجوا عن الحقِّ فهم أضلّوا
سبيلاً وكانت خاتمتهم الخسران المبين ، وكما قيل إنّ الأمور بخواتيمها . |
|
أمّا
الشكّ الرابع :
|
|
وهو اعتراض البعض على أنّ في النهج
إنباء بالغيب ، كإخباره بملك الأمويّين وقيام دولتهم ، وبعدها دولة بني العبّاس
، وكإخباره في ظهور الفتن والثورات ، كثورة الزنج وظهور التتار . [انظر : أثر التشيّع في الأدب العربي : ٥٧ .] أقول : ردّ هذا الاعتراض من وجوه : باب فتح القسطنطينية وخروج الدجّال
ونزول عيسى بن مريم [صحيح مسلم ٨ / ١٦٦ .] ، باب تقوم الساعة والروم أكثر الناس [صحيح مسلم ٨ / ١٧٥ .] ، باب إقبال الروم وحربهم للمسلمين عدّة مرّات [صحيح مسلم ٨ / ١٧٦ .] |
|
أمّا
الشكّ الخامس :
|
|
فإنّ المعترض يعجب من كلمة وصيّ
والوصاية التي وردت في بعض كلامهِ (عليه السلام) [المعترض هو الجيلاني في كتابه أثر
التشيع في الأدب العربي : ٦٦ .] . وصيّ رسول الله من دون أهله *****
ووارثه بعد العموم الأكابر وقال حجر بن عدي الكندي الشهيد [وقعة صفّين لابن مزاحم المنقري : ١٣٧ .] : فإنّه كان لنا وليّاً ***** ثمّ ارتضاه
بعده وصيّاً وقال المغيرة بن الحرث بن عبـد
المطّلب [وقعة صفّين لابن مزاحم المنقري : ٣٨١ .] : فيكم وصيّ رسول الله قائدكم ***** وأهله
وكتاب الله قد نشرا وقال عبـد الرحمن بن ذؤيب الأسلمي [وقعة صفّين لابن مزاحم المنقري : ٣٨٥ .] : يقودهم الوصيّ اليك حتّى ***** يردّك عن
غواتك وارتياب وقال بريدة الأسلمي [وقعة صفّين لابن مزاحم المنقري : ٣٨٢ .] : أمر النبيّ معاشراً ***** هم أُسرة ولها
ذم وقال الصحابي الجليل خزيمة بن ثابت (
ذو الشهادتين ) يعاتب عائشة لمّا خرجت إلى حرب أمير المؤمنين(عليه السلام) في
البصرة [الصراط المستقيم ٣ / ١١٠ ، تقريب المعارف : ١٩٤ .] : أعائشُ خلّي عن عليّ وعيبه ***** وصيّ
رسول الله من دون أهله وقال الصحابي الجليل أبو الهيثم بن
التيهان يعرّض بطلحة والزبير وعائشة الذين نكثوا بيعة أمير المؤمنين (ع) [نسمة السحر ٢ / ٢٤٠ ، الأوائل : ٩٩ ،
أخبار شعراء الشيعة : ٥٨ .] : قل للزبير وقل لطلحة إنّنا ***** نحن
الذين شعارنا الأنصارُ وفي المناقب : « مرّ ابن عبّاس بنفر يسبّون عليّاً
(عليه السلام) فقال : أيّكم السابّ الله ؟ فأنكروا ، قال : أيّكم السابّ لرسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) . . ؟ فأنكروا ، قال : فيكم السابّ لعليٍّ (عليه
السلام) ؟ قالوا : فهذا نعم ، قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟
يقول : من سبّ عليّاً فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ الله ، ومن سبّ الله فقد
كفر ثمّ التفت إلى ابنه فقال : قل فيهم ، فقال [شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ١ /
١٤٣ ، الفتوح ٢ / ٣٠٧ ، الدرجات الرفيعة : ٣٢٢ .] : نظروا إليك بأعين محمرّة ***** نظر
التيوس إلى شفار الجازر وقال حسّان بن ثابت يمدح عليّاً (عليه
السلام) بلسان الأنصار [مناقب آل أبي طالب ٣ / ٢٢١ نقلا عن الولاية للطبري والإبانة للعكبري
.] : حفظت رسول الله فينا وعهده ***** إليك
ومن أولى به منك من ومن وقال أبو الأسود الدؤلي [شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ٢ / ١٥ نقلاً عن الموفّقيات
للزبير بن بكّار .] : أُحبّ محمّـداً حبّاً شديداً *****
وعبّاساً وحمزة والوصيّا وفي هذا المقام يجدر بي أن أذكر حديث
أُم سلمة : فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)
: لا تلجي وارجعي مكانك ثمّ تناحيا
طويلا ، حتّى قام عمود الظهر فقلت ذهب يومي وشغله عليّ فأقبلت أمشي حتّى وقفت
على الباب فقلت : السلام عليكم ألج ؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تلجي
، فرجعت وجلست مكاني حتّى إذا أنا قلت قد زالت الشمس ألآن يخرج إلى الصلاة فيذهب
يومي ، ولم أر قط أطول منه : أقبلت أمشي حتّى وقفت على باب الدار فقلت : السلام
عليكم ألج ؟ فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : نعم فلُجي ، فدخلت وعليّ
(عليه السلام) واضع يده على رُكْبتَي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أدنى
فاه في أذن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وفم النبيّ (صلى الله عليه وآله
وسلم) على أذن عليٍّ يتسارّان ، وعليُّ يقول : أفأمضي وأفعل ؟ أنكرت ليلة اِذ سار الوصيّ بها *****
إلى المدائن لمّا أن لها طلبا |
|
أمّا
الشكّ السادس :
|
|
إنّ في النهج إشارة إلى الزهد والموت
وهذا ناتج من تأثير المسلمين بالنصارى . . . هذه وآيات عديدة أُخر تصف ( الدنيا
وما فيها ) بمثابة متعة ليس إلاّ ، فهي زائلة ، وليس من ركن إليها بممدوح ،
إنّها الدنيا التي ذمّتها الآيات وزهّدنا فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) ،
لكن ليس الزهد ـ كما فهمه البعض ـ أن لا تملك فيها شيئاً ، وليس من الزهد أن
تلبس المسوح وتنأى عن المجتمع وتترك العيال كلاًّ على غيرك ، بل يكفيك من الدنيا
ما تصون به ماء وجهك وعرضك . وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ
كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوّاتِ
الشَّيْطانِ ) سورة البقرة ٢ : ١٦٨ وقال تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا
طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ
* وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي
أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ) سورة المائدة ٥ : ٨٧ ـ ٨٨ . وقوله تعالى : ( فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً
وَاتَّقُوا اللهَ إنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) سورة الأنفال ٨ : ٦٩وقال تعالى : ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ
حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ
الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ
وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ) سورة آل عمران ٣ : ١٤ |
|
أمّا
الشكّ السابع :
|
|
قال البعض إنّ في بعض الخطب تقسيم
المعاني والمسائل إلى أصناف كتقسيم الاستغفار إلى ست معان و . . . وقال (صلى الله عليه وآله
وسلم) : « أعطيت خمساً لم
يعطهنّ أحدٌ قبلي ، كان كلّ نبيٍّ يبعث إلى قومه خاصّة وبُعثت إلى كلّ أحمر
وأسود ، وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلي ، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهورا
فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصلاة فليصلِّ حيث كان ، ونُصرت بالـرعب مسيرة شهر
، وأعطيت الشفاعة » [رواه جابر وأخرجه البخاري . وفي تلخيص الحبير ٢ / ٣١٦ ، تنوير
الحوالك : ٧٢٧ ، المبسوط ١٥ / ٣ ، حاشية ردّ المختار ١ / ٢٤٦ .] . |
|
أمّا
الشكّ الثامن :
|
|
إنّ في النهج وصفاً دقيقاً للحيوانات
كالطاووس ، فمتى رأى الإمام هذا الحيوان حتّى يصفه بتلك الدقّة المتناهية ؟ ! |
|
أمّا
الشكّ التاسع :
|
|
أنّهم قالوا : في بعض النهج يوجد سجع منمّق وصناعة
لفظية ، لا تعرف لذلك العصر ، بل إنّما برز هذا اللون من الصناعة في العصر
العبّاسي ، والقائل بذلك أحمد
أمين في كتابه فجر الإسلام [فجر الإسلام ١٤٨ ـ ١٤٩ .] ، والردّ عليه من وجوه : وهو القائل : |
|
أمّا
الشكّ العاشر :
|
|
وهو أنّ النهج اشتمل على صيغ فلسفية وكلامية وعلوم لم تعرف إلاّ بعد زمن الإمام (عليه السلام) . . . والردّ عليه بإمور : وفي نفي الشريك يستدلّ القرآن الكريم بقولـه تعالى :
( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلاَّ
اللهُ لَفَسَدَتَا ) سورة الانبياء ٢١ : ٢٢ ثالثاً : تُعدّ الكوفة حاضرة العالم الإسلامي وقتئذ عندما نزلها أمير المؤمنين (عليه
السلام) ونقل عاصمة خلافته
إليها . والكوفة ليست كالحجاز والشام ومصر ، بل هي قبلة العلماء ، ومرجع الأدباء
والفلاسفة والمتكلّمين ، ومهبط الأفكار والعلوم ، إذ نزلها الفرس ، والسريانيّون
والكلدانيّون ، وفيها راجت الديصانية والزندقة والأفكار الهندية واليونانية . . |
|
أمّا
الشكّ الحادي عشر :
|
|
ادّعى البعض أنّ أهل اللغة والأدب لم يستشهدوا بـ : نهج البلاغة . |
|
أمّا
الشكّ الثاني عشر :
|
|
قول القائل : إنّ بعض رسائل نهج البلاغة اتسمت بالإسهاب والتطويل أو التفصيل ولمّا كان الورق متعذّراً في عهد
الإمام فمن البعيد أن يصدر منه عهده للأشتر . |
|
أمّا
الشكّ الثالث عشر :
|
|
ادّعى البعض أنّ هناك عدّة خطب في النهج تُعزى لأشخاص غير الإمام (عليه السلام) من ذلك الخطبة التي أوّلها : أقول : هذه الدعوى مخدوشة من عدّة جوانب : لم يقل من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) لكونه يتورّع من أن ينسب هذا
الكلام إليه من جهة ، ومن جهة أخرى كان يتصوّر أنّ التوحيدي متأخّر على الشريف الرضي وفي عمله هذا مراده الطعن بعمل الشريف الرضي وتزييفه ، لكن غابت عن ذاكرته أنّ التوحيدي توفّي سنة ٣٨٠ هـ ، أي قبل صدور نهج البلاغة بعشرين عاماً . يقول الأستاذ الشيخ محمّـد علي دبوز أستاذ الأدب العربي في معهد الحياة
في الجزائر ; وهو من معتدلي الأباضية ; في كتابه تاريخ المغرب الكبير : « قال ابن الصغير : كان
الأباضية في الدولة الرستمية [الدولة الرستمية من دول الأباضية في المغرب العربي تأسّست عام ١٤٤ هـ
وتلاشت سنة ٢٩٦ هـ .] لا يمنعون أحداً من الصلاة في مساجدهم ولا يكشفون على حاله ولو
رأوه رافعاً يديه . أقول : لا يخفى أنّ كلمة الجماهير التي
كرّرها المصنّف إنّما تعني أصحابه الأباضية . ثمّ إنّ الخوارج كما هو معروف يبغضون الامام (ع)أشدّ البغض ، وربّما كان المصنّف من معتدلي الاباضية فذكر الإمام (ع)وترضّى عليه . |
|
أمّا
الشكّ الرابع عشر :
|
|
ادّعى البعض أنّ في النهج وصف دقيق للحياة
الاجتماعية من جهة ، وطعن على الولاة والقضاة من جهة أخرى . . . |
|
أمّا
الشكّ الخامس عشر :
|
|
ادّعى الكيلاني أنّ في نهج البلاغة خطباً طال في
صدرها الحمد وأنّ هذه عادة لم تعرف إلاّ في العصر العبّاسي ; في خطب الجمع
والأعياد . والعجيب من الگيلاني عندما يذكر مثالاً من خطب أمير
المؤمنين (عليه السلام)ثمّ يُشكل على صحّة نسبتها للإمام ، أنّه لم يتحرّ مصادر المثال الذي أورده . ومثاله قول الإمام (عليه السلام) «
الحمد لله كلّما وقب ليل وغسق . . » [نهج البلاغة ١ / ٩٧ .] قد روى هذه الخطبة نصر بن مزاحم المنقري في كتاب صفّين [وقعة صفّين لابن مزاحم المنقري : ٧٠ .] ، والجميع يعلم أنّ نصر بن مزاحم من أقدم مؤرّخي العرب الذين وصلتنا آثارهم . |
|
أمّا
الشكّ السادس عشر :
|
|
من الشكوك الموجّه إلى جمع الشريف الرضي
: إنّ هذه الخطب المنقولة في النهج لو
كانت صادرة عن الإمام ومن كلماته ، لكانت موجودة قبل تصنيف الشريف الرضي . |
|
|
دعوات وشبهات أثارها
البعض حول نهج البلاغة
|
|
الشيخ عبـد الرسول الغفاري
|
|
مقدّمة بسم الله الرحمن الرحيم |
|
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام
على رسوله المؤيّد ، ونبيّه المسدّد ، أبي القاسم محمّـد ، وعلى أهل بيته
الهُداة الأكرمين ، وأصحابه الأمناء المنتجبين . وبعد ، لقد خلّف لنا أمير البيان وسيّد البلغاء بعد النبيّ (صلى الله
عليه وآله وسلم) أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) تراثاً جمّاً
خالداً يزخر بالأفكار والنظرات والدروس والعبر ، وإنّ الوارث لهذا التراث هم
الناس جميعاً ، لأنّ كلامه (عليه السلام) ـ بما فيه من خطب ورسائل وكتب وحكم ـ
لم يكن موجّها لفريق دون آخر ، أو لأمّة دون أمّة ، بل كان موجّها لكلّ الأفراد
والطوائف ، وإنْ كان المعني الأوّل هو الإنسان المؤمن بخالقه ، الموحّد لـه في
ذاته وصفاته وأفعاله ، إنّه الإنسان الرسالي أنّى وجد وأنّى حلّ . فخطابه (عليه السلام) بلسم ، وبيانه ضماد ـ لكلّ جرح ـ
ولسانه نبع للعدل والصدق ، وإنّ كلامه (عليه السلام) بكل فصوله وشعبه يمسّ
القلوب فيبعث فيها الأمل والحياة والطمأنينة . فليس عجيباً أن تتطاول الأعناق إلى
صاحب هذا النبع الزلال ، وتشرئبُّ إليه النفوس طالما خطابه يعمّ الجميع ، إذ هو
خالد عند الجميع . إنّ المتأمّل في كلام أمير المؤمنين
(عليه السلام) يجد فيه التأكيد على صفات الخير والمعروف والنظام ، بل التأكيد
على كلّ صفات الكمال وما أكثرها ، لذا جاءت خطبه ورسائله لصنع الرجال الأحرار ،
إنّها جاءت ليسمو الإنسان في عالم الفضيلة والمُثل ويتحرّر من أسر المادّة
والشهوة المبتذلة . إنّ مضامين كلامه (عليه السلام) تمثّل جوهر الحياة لذا ينبغي
على النفوس ومن يهوى الكمال والسير إلى الله سبحانه أن يقتبس من ذلك الجوهر ،
فالنّاس بفطرتهم وعلى اختلاف مشاربهم وتنوّع طبقاتهم وتعدّد أجناسهم تعلّقت
بكلماته (عليه السلام) أيّما تعلّق . فما جمعه الشريف الرضي من مختارات كلام
أمير المؤمنين (عليه السلام)على كون ذلك المختار قليلاً إلا أنّه لم يزل يُثير
في النفوس الدوافع النبيلة والصفات الخيّرة والأُمنيات الطيّبة . إنّ نهج البلاغة هو نهج الإنسانية ; بشكله ومضمونه
وفصوله . فيه تظافرت الأفكار والرؤى ، وفيه تجلّت روح العدالة والمحبّة والإخلاص
، فلا مناص من الأخذ به ، وتطبيق فقراته ، بل لابدّ من الإذعان الكامل بأنّه
المنهاج الصالح للحياة والإنسانية .إنّه نهج الفكر والعقل ، نهج العدالة
والسعادة ، نهج الرحمة والكمال ; نهج لم نر مثله في تراثنا الإنساني . ولا عجب
لو قيل عنه وعن صاحبه إنّه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق ، وهذا هو سرّ
إعجازه ، وسرّ خلوده . |
|
إنّ
المتدبّر في كلام الإمام (عليه السلام) سيرى فيه جانبين :
|
|
الجانب الأوّل : الجانب العبادي وما فيه من الروابط بين العبد وخالقه ، وفي مقدّمة تلك الروابط
عبودية الإنسان الخالصة لله سبحانه ، وهذه العبودية لن تتحقَّق ما لم يفهم المرء
معنى التوحيد ، وقد أبان أمير المؤمنين (ع) هذا الجانب بشكل دقيق ، وخطبه في ذلك تُعدّ من الأسس أو القواعد
الثابتة لعلم الكلام ، ومن الأصول المهمّة في درك المباني العقائدية الصحيحة . أمّا الجانب الثاني في كلامه (عليه السلام) هو الكشف عن الأبعاد العلمية للحياة
الصالحة التي ينشدها كلّ فرد [لم نقل الحياة المثالية لأنّها هي أنشودة النخبة من الناس أو
علّية المجتمع ..] ، والأُسس التي تقود المجتمع إلى السعادة والخير . ممّا دعى الإمام (عليه السلام) أن
يتطّرق إلى البعد التربوي والأخلاقي بشكل مكثّف ومتواصل وهكذا تطرّق للبعد
التعليمي والسياسي والاقتصادي ، وغيرها من الأبعاد التي تخلق مجتمعاً متماسكاً يعي قدراته ويحترم
مسؤولياته ، فالفرد أساس المجتمع ، والشريعة الغرّاء جاءت لتهذيب هذا الفرد ،
وإرشاده إلى الطريق السوي كي ينتج من ورائه مجتمعاً سويّاً . وكلام أمير المؤمنين
(عليه السلام) لا ينأى عن هذا التهذيب والإرشاد . ولمّا كان هدف الإمام (عليه السلام) هو
سلوك الإنسان فقد انصبّ كلامه على هذا المخلوق في سيره التكاملي ابتداءً من
مرحلة طفولته وحتى أواخر مراحله الدنيويّة ، بل الاستمرار في توجيهه بشكل يحرز
فيه الإنسان حياته الأخروية وفق مرضاة الله سبحانه ، لأنّ الحياة الأبدية هي
الآخرة وهي الغاية المنشودة . إذن هدف أمير المؤمنين (عليه السلام)
وطموحاته النبيلة أغنته عن ذكر الملوك والسّلاطين ما خلا بعض كلامه في صدد حقّه
المغتصب ، فهو لم يمدح ولم يستعطف أحداً منهم ، ولم يكن قريناً ولا عضداً لذوي
النفوذ وأهل الكبرياء والمردة ، بل حذّر الناس منهم ; لكونهم طغاة مفسدين ،
ولكونهم دعاة الكفر والتمرّد على نواميس الحياة ثمّ دعا الناس إلى الله ، فكانت
دعوته هي دعوة الشريعة الغرّاء إلى التوحيد وتقوية روح العبودية لله سبحانه . وعليه لم يكن ما نطق به أمير المؤمنين (عليه السلام) تعبيراً عن عاطفة
ذاتية مجرّدة عن المثل والقيم الإنسانية ، ولم يمجّد أحداً من الملوك والأكاسرة
والفراعنة ، بل كرّس قوله (عليه السلام) في صنع الإنسان وتقوية عزيمته وصبره
ليفز بحياة رغيدة ، لذا مدح الفقراء وأثنى على صبرهم وعفّتهم في السرّاء
والضرّاء ، وأكّد على حقوقهم التي هي في رقاب الأغنياء ، ثمّ أشاد (عليه
السلام)بجهاد الضعفاء والمساكين والوقوف إلى جانبهم لنصرتهم ، ومواساته لهم
قولاً وعملاً . ومن الضروري أن أشير في هذه المقدّمة
إلى عدّة أمور : منها ما يخصّ فصاحة الإمام (عليه السلام) . ومنها ما يرتبط بعمل الشريف الرضي . وثالثها ما يخصّ الموضوعات التي تطرّق إليها
أمير المؤمنين (عليه السلام) ، والأمر الرابع دواعي الكتابة في هذا الموضوع . |
|
أمّا الأمر الأوّل :
فصَاحته (عليه السلام) :
|
|
لا يخفى أنّ شهرة الإمام في الفصاحة
والبلاغة هي من المسلّمات بحيث لا يختلف فيه اثنان ، بل حتّى أعداؤه يقرّون له
هذه الفضيلة ; فهذا « محقن الضبّي قدم على معاوية فقال : جئتك من عند أعيى
النّاس . فقال له معاوية : يا ابن اللّخناء لعليٍّ تقول هذا ؟ !
وهل سنّ الفصاحة لقريش غيره ؟ » [شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ١ /
٢٤ ، شجرة طوبى ١ / ٦١ .] . وفي بلاغة أمير المؤمنين (عليه
السلام) وفصاحته نقل ابن أبي الحديد كلام أبي عثمان عن جعفر بن يحيى وكان من أبلغ الناس وأفصحهم للقول
والكتابة ، أنّه كان يتعجّب بقول عليّ (عليه السلام) : « أين من جدّ واجتهد ، وجمع واحتشد ،
وبنى فشيّد ، فمهّد وزخرف فنجّد . قال : أَلاَ ترى أنّ كلّ لفظة منها
آخذة بعنق قرينتها ، جاذبة إلى نفسها ، دالّة عليها بذاتها ، قال أبو عثمان :
فكان جعفر يسمّيه فصيح قريش » [شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ٦ / ٢٧٨ .] . وقال ابن أبي الحديد : « واعلم أنّنا لا يخالجنا الشكّ في
أنّه (عليه السلام) أفصح من كلّ ناطق بلغة العرب من الأوّلين والآخرين إلاّ ما
كان من كلام الله سبحانه وكلام رسول الله (عليه السلام) وذلك لأنّ فصيلة الخطيب أو الكاتب في خطابته وكتابته يعتمد على أمرين هما مفردات الألفاظ ،
ومركّباتها ، أمّا المفردات فأنّ تكون سهلة سلسلة غير وحشيّة ولا
معقّدة ، وألفاظه (عليه السلام)كلّها كذلك ، وأمّا المركّبات فحسن المعنى وسرعة وصوله إلى الأفهام واشتماله على الصفات التي
باعتبارها فضّل بعض الكلام على بعض ، وتلك الصفات هي الصناعة التي سمّاها
المتأخرون البديع ; من المقابلة والمطابقة وحسن التقديم
وردّ آخر الكلام على صدره والترصيع والتكافؤ والتسميط والمشاكلة ، ولا شُبهة أنّ
هذه الصفات كلّها موجودة في خطبه وكتبه ، مبثوثة متفرّقة في فرش . كلامه (عليه السلام) ، وليس يوجد هذان الأمران في كلام لأحد
غيره ، فإن كان قد تعمّلها وأفكر فيها
وأعمل رويّته في وضعها وسرّها فلقد أتى بالعجب العجاب ووجب أن يكون إمام النّاس
كلّهم في ذلك لأنّه ابتكره ولم يعرف من قبله ، وإن كان اقتضبها ابتداءً وفاضت
عليها لسانه مُرتجلة وجاش بها طبعه بديهة من غير روية ولا اعتمال فأعجب وأعجب على
كلا الأمرين فلقد جاء مجليا والفصحاء ينقطع أنفاسهم على أثره » [بحار الأنوار ٤١ / ٣٥٩ .] . |
|
وأمّا الأمر الثاني :ما
يخصّ عمل السيّد الشريف الرضي (رحمه الله)
|
|
فقد صرّح في مقدّمة كتاب نهج البلاغة إنّ ما أودعه في هذا الكتاب هو
المختار من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) وهذا يعني أنّه لم يورد كلّ ما صدر
عنه (عليه السلام) من خطب وكتب ورسائل وحكم . . . وإنّ تأليفه هذا كان لاحقاً لما ألّفه
من كتاب في خصائص الأئمّة (عليهم السلام) الذي يشتمل على محاسن أخبارهم وجواهر كلامهم ، إلاّ أنّه لم يتمّ ،
ولمّا استحسن جماعة من الأصدقاء عمله ذاك طلبوا منه أن يختار لهم من كلام أمير
المؤمنين (عليه السلام) ما يشمل جميع الفنون من خطب وكتب ومواعظ وأدب . . ، قال
رضوان الله تعالى عليه : « وسألوني ـ عند ذلك ـ أن أبتدئ
بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في جميع
الفنون ، ومتشعّبات غصونه من خطب وكتب ومواعظ وأدب . علماً أنّ ذلك يتضمّن من
عجائب البلاغة ، وغرائب الفصاحة ، وجواهر العربية ، وثواقب الكلم الدينية
والدنيوية مالا يوجد مجتمعاً في كلام ، ولا مجموع الأطراف في كتاب . . . إلى أن
يقول : . . . فأجبتهم إلى الابتداء بذلك عالماً بما فيه من عظيم النفع ومأثور
الذكر ، ومذخور الأجر . . . ورأيت كلامَهُ (عليه السلام) يدور على أقطاب ثلاثة : أوّلها : الخطب والأوامر ، وثانيها :
الكتب والرسائل ، ثالثها : الحكم والمواعظ . فأجمعت بتوفيق الله تعالى على
الابتداء باختيار محاسن الخطب ، ثمّ محاسن الكتب ، ثمّ محاسن الحكم والأدب » [شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ١ / ٤٨ .] . ثمّ قال : « ولا أدّعي ـ مع ذلك ـ أنّي أحيط
بأقطار جميع كلامه (عليه السلام) حتّى لا يشذّ عنّي منه شاذّ ، ولا يندّ نادّ ،
بل لا أبعد أن يكون القاصر عنّي فوق الواقع إليّ ، والحاصل في ربقتي دون الخارج
من يدي ، وما عليّ إلاّ بذلّ الجهد ، وبلاغ الوسع ، وعلى الله سبحانه وتعالى نهج
السبيل ، وإرشاد الدليل إن شاء الله » [شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ١ /
١٣ .] . |
|
وأمّا الأمر الثالث :
موضوعات نهج البلاغة :
|
|
أبرز الموضوعات فيه ، تلك التي تصدّرت كلامه (عليه السلام)
، إذْ خصّ جملة من خطبه في التوحيد وهو يشمل توحيد الله سبحانه في صفات
ذاته من السمع والقدرة والحياة والعظمة والجبروت وغيرها من الصفات ، ثمّ توحيده
في صفات الأفعال ; كالإحياء والإماتة والرازقيّة ، وفي هذا الباب نجد في كلامه
الكثير من المفاهيم العقائدية تندرج هنا . ثمّ من الموضوعات المهمة في كلامه (عليه
السلام) ما يخصّ النبوة
والأنبياء والشرائع السابقة ثمّ نبوّة خاتم الرسول محمّـد (صلى الله عليه وآله
وسلم) مع بيان ما في القرآن الكريم من الأوامر والإرشادات والنظم التي رسمها
الله سبحانه للبشر فهو الثقل الأكبر وإلى جنب هذا جاءت خطب تؤكّد على موضوع
الإمامة والخلافة ، حيث إنّ أهل البيت هم الثقل الأصغر وهم عدل القرآن الكريم
وإنّ الخلافة والإمامة فيهم . ثمّ لا يخلو كلامه (عليه السلام) من التعرّض لمواقف بعض الصحابة وما في ذلك من الإشارة أو التصريح بالأحداث السياسية التي عصفت
بالأمّة الإسلامية حيث تكلّم فيها الإمام (عليه السلام) بشكل صريح يفهمه الجميع . ثمّ موضوعات أخرى شملت مساحة كبيرة من المفاهيم الأخلاقية والتربوية
والاجتماعية كلّها تؤكّد على
السير والسلوك . |
|
وأمّا الأمر الرابع : هو
الكلام عن الدواعي التي دفعتنا إلى الكتابة في هذا الموضوع .
|
|
فمنذ سنين وأنا أدرّس مادّة ( تاريخ
الأدب العربي ) لعصور مختلفة منها العصر الإسلامي والعبّاسي في جامعات عديدة
ولسنوات مكرّرة وكانت مادّة ( نهج البلاغة ) هي إحدى المواد المقرّرة في
الدراسات الأكاديمية لمرحلتي البكالوريوس والماجستير ، والكلّ يعلم أنّ نصوص هذا
الكتاب هي من إنشاء أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وما كان عمل الشريف الرضي إلا الجمع
والتبويب ( فجزاه الله جزاء المحسنين ) وبالتالي فإنّ كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)يمثّل أوج البلاغة
والفصاحة ، بل هو يمثّل العصر الذهبي للنثر في جميع عصوره ومراحله . غير أنّ البعض لم يتحمّل هذه الفضيلة
لأمير المؤمنين (عليه السلام) شأنه كشأن بعض
السلف الذي استصغر سنّ الإمام أو غمط حقّه في الخلافة لأنّ المسلمين ـ على زعم
أحد الصحابة ـ أبوا أن تجتمع النبوّة والخلافة في بني هاشم ، لذا أثار هذا البعض شبهات حول جمع الشريف الرضي وما أودعه من خطب ورسائل للإمام (عليه السلام) ممّا كان هذا الداعي الأوّل للكتابة
، فوضعت بين يدي القارئ الأدلّة الكافية في توثيق هذه النصوص الشريفة من خلال المصادر التي سبقت
عمل الشريف الرضي ، ثمّ الوقوف عند مصادر الخطبة
( الشقشقيّة ) ابتداءً من عصر التدوين وحتّى عصر الرضي .
وما عملي هذا إلا كخطوة لنصرة الحقّ والدفاع عن التراث الإسلامي الأصيل وردع أهل
الباطل والمغرضين ومن أراد السوء والتوهين بشخصية أمير المؤمنين (عليه السلام) . أمّا الدّاعي الثاني : هو ردّ تلك الشبهات التي جاءت مكرّرة
على ألسنة عدّة من الكتّاب ، وللأسف الشديد أخذ بعض المتأخّرين يجترّون كلام من
سبقهم ، وقد خيّل لهم إنّما جاءوا بفتح عظيم ليس لـه مثيل . . إنّها تخرّصات
سطّرتها أقلام حاقدة من رجال عرفوا ببغضهم وعدائهم لوصي الرسول وأخيه عليّ بن
أبي طالب (عليه السلام) . أمّا الدّاعي الثالث : هو كشف اللثام عن الحقائق التي انطوت
عليها الخطبة ( الشقشقيّة )
والأدوار السياسية التي مرّ بها
المسلمون بعد رحيل النبيّ الأكرم (ص) ، وسيرة بعض رجال السلطة في تلك الحقبة
السابقة على خلافة أمير المؤمنين (ع ). |
|
تاريخ
نهج البلاغة
|
|
من الآثار التي يفتخر بها كلّ أديب
غيور هو كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)الذي يشمل كلّ من : خطبه ورسائله وكتبه والأمثال والحكم الصادرة منه . وقد أجهد الأوائل أنفسهم في أن يجمعوا بعض كلامه (عليه السلام) في صحائفهم ، بينما حفظ
البعض الآخر من كلامه (عليه السلام) الشيء الكثير عن ظهر قلب ثم تناقلته الأجيال
عبر مئات السنين حتّى انتهى الأمر إلى الشريف الرضي الموسوي الذي حرص كلّ الحرص على أن يجمع هذا التراث
النفيس من مصادر الكتب وأفواه الرجال التي اهتمّت غاية الاهتمام بكلام أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فطلع علينا الشريف الرضي في عام ٤٠٠ ، للهجرة بكتاب نهج البلاغة وهو يضمّ ١٢١ خطبة للإمام (عليه السلام) وجملة من رسائله وكتبه للأمراء والولاة
والقضاة الذين أوكل إليهم
الإمام (عليه السلام) تلك المناصب السياسيـة . . هذا الجهد الذي قدّمه لنا الشريف الرضي لايمكن أن يتغافله أيّ مسلم عربي أو
غير عربي ، بل يستوجب على الجميع الشكر والثناء لما صنعه جامعه ، غير أنّ الذي
لا يطيق رؤية ضوء الشمس ينكر هذا النور الشاخص بنفسه . ففي سنة ٦٨١ هـ ، نرى شمس الدين أحمد بن خلّكان الأربلي البرمكي أوّل من شكّ في نهج البلاغة ، ثمّ تبعه الصفدي في الوافي بالوفيات [الوافي بالوفيات ٢ / ٣٧٥ .] واليافعي في مرآة الجنان [مرآة الجنان ٣ / ٥٥ .] ثمّ تبعهم ابن تيمية في منهاج السنة [منهاج السنة] المتوفّى سنة ٧٢٨ هـ ،والذهبي صاحب ميزان الاعتدال المتوفّى سنة
٧٤٨ هـ [مرآة الجنان ١ / ١٠١ .] ثمّ جاء المعاصرون ليقتفوا آثار مَن سبقهم حيث شكّكوا في نسبة نهج
البلاغة إلى الإمام (عليه السلام) وكان في طليعتهم جرجي زيدان الذي أثار الشكّ
في كتابه آداب اللّغة العربية [تاريخ آداب اللّغة العربية ١ / ٢١٨ .] ، ومحمّـد كرد علي في كتابه الإسلام والحضارة العربية [الاسلام والحضارة العربية ٢ / ٦١ .] وطه حسين الذي عرف بمنهجه المتميّز وهو الشكّ في كلّ شيء ابتداءً من التراث الأدبي العربي إلى
القرآن ، ولولا مواقف الأزهر
لأدّى بنا طه حسين إلى كارثة كبيرة لا يحمد عقباها . غير أنّ طه حسين أسّس مدرسةً
اتّبعها تلامذته ومريدوه فذابت شخصيّتهم الأدبية والعلمية بشخصية أستاذهم وفي مقدّمتهم أحمد أمين في فجر الإسلام [فجر الإسلام : ١٤٨ .] ، فهو أوّل من رفع صرخاته بالشكّ في نهج البلاغة . ثمّ تبعه الدكتور شوقي ضيف فراح يدوّي بكتاباته الأدبية متّبعاً خطى أستاذه هو الشكّ في نهج البلاغة ، خاصّة في كتابه : الفنّ ومذاهبه في النثر العربي [انظر : الفن ومذاهبه في النثر العربي .] . وممّن شكّ في النهج : الأستاذ أحمد حسن الزيّات في كتابه
تأريخ الأدب العربي [تاريخ الأدب العربي : ١٨٧ .] ، ومحمّـد سيّد كيلاني في كتابه أثر التشيّع في الأدب العربي [أثر التشيّع في الأدب العربي : ٥٧ .] ، ولا ندري إلى أين سينتهي إليه منهج الشكّاكين في تراثنا العربي
والإسلامي ، فقد تمادى هذا الفريق حتّى تطاول إلى القرآن والسنّة النبويّة بل أراد البعض هدم صرح الإسلام وتراث
المسلمين الذي شيّده رجال الدعوة إلى الله وعلى رأسهم النبيّ محمّـد (صلى الله عليه
وآله وسلم) ، فلا عجب أنْ يثور فريق من المسلمين لينتصر إلى تراثه ومبادئه ، ويصدّ الفريق الأوّل ومنهجه السقيم القائم على الشكّ ،
وهذا الفريق المنتصر قد أشار إلى بلاغة الإمام (عليه السلام)إشارة سريعة تتناول
كلّ ما عرف عنه (عليه السلام) من نثر بليغ ، نذكر من هذا الفريق المدافع : سبط
ابن الجوزي ، ومحمّـد بن طلحة الشافعي ، وعبـد الحميد الكاتب وهذا الأخير هو
القائل : « ما تعلّمت البلاغة إلاّ بحفظ كلام الأصلع » [نظرات في الكتب الخالدة : ١٧٧ .] . والبعض الآخر : اختار قطعاً ونصوصاً كثيرة وبليغة من
كلام الإمام (عليه السلام) فحفظها أو دوّنها كالجاحظ ، والخطيب الخوارزمي ، وأبو
الفتح الآمدي ، وابن نبات المصري وهذا الأخير هو القائل :«حفظت مئة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب (عليه السلام) » انظر : شرح نهج
البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ١ / ٢٤ ، والفوائد الرجالية ٢ / ١١٩ ، والكنى
والألقاب ١ / ٢١٧ .. وفريق ثالث : اعتنى بكلام أمير المؤمنين ؟ عناية
فائقة واهتمّ بشرح خطبه ورسائله ،منهم ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي ،إذ فاق
جميع مَن سبقه حين شرح النهج ، واعتبر كلام الإمام علي (عليه السلام) في المرتبة الثانية لكلام الله وكلام رسوله (صلى الله
عليه وآله وسلم) . وهناك فريق رابع : وهم طائفة من جهابذة الأدب والشعر من
المعاصرين قد أُعجبوا أيّما
إعجاب بنهج البلاغة ، منهم : العلاّمة الأديب الشيخ محمود شكري الآلوسي ، والشيخ ناصيف
اليازجي ، ومحمّـد حسن نائل المرصفي ، والدكتور زكي مبارك ، وأمين نخلة ، وعبّاس
محمود العقّاد ، ومحي الدين عبـد الحميد وآخرون يطول الكلام على ذكرهم . |
|
دعوات وشبهات أثارها البعض حول
نهج البلاغة
|
|
المؤلّفون في تاريخ نهج البلاغة
|
|
ممّن ألّف في تاريخ نهج البلاغة جملة من
الأعلام والأُدباء ، في طليعتهم كلّ من : ١ ـ الشيخ هادي آل كاشف الغطاء له كتاب : مدارك نهج البلاغة . ٢ ـ الإمام السيّد هبة الدين الشهرستاني له كتاب ما هو نهج البلاغة ؟ إذْ بحث فيه تاريخ نهج البلاغة
وقيمته العلمية والأدبية . ٣ ـ الأستاذ حسين بستانة له بحث رائع تعرّض فيه إلى الشبهات الحائمة
حول النهج نشرته مجلّة الاعتدال
النجفية في عددها الرابع من سنّتها الخامسة . ٤ ـ الأستاذ امتياز علي عرشي له كتاب في سند خطب أمير المؤمنين ؟
سمّاه استناد نهج البلاغة باللغة الأردوية ونقله إلى العربية الأستاذ عامر الأنصاري ونشرته مجلّة (
ثقافة الهند ) التي يصدّرها مجلس الهند للروابط الثقافية بعددها الرابع من المجلّد الثامن في
ديسمبر سنة ١٩٠٧ ٥ ـ العلاّمة السيّد عبـد الزهراء الحسيني الخطيب له كتاب مفصّل في
أربع مجلّدات سمّاه مصادر نهج البلاغة وأسانيده . ٦ ـ عبـد الله نعمة له كتاب مصادر نهج البلاغة وقد سبق الجميع ـ من ذكرناهم آنفاً ـ كلّ من ابن النديم ،
والنجاشي ، والطوسي ، وياقوت الحموي وحاجي خليفة وابن الأثير وسبط ابن الجوزي
وأبي القاسم النجفي ،وأغا بزرك الطهراني والعلاّمة السيّد محسن الأمين العاملي . |
|
المشتغلون في جمع كلام أمير المؤمنين (عليه
السلام)
|
|
لم يكن الشريف الرضي أوّل من جمع كلام
الإمام علي (عليه السلام) وخطبه ، فقد سبقه إلى ذلك من كان هو أقرب زمانا وأكثر التصاقاً بالإمام نذكر
منهم : ١ ـ نوف بن فضالة البكالي ، نسبة إلى بني بكال ، حاجب أمير المؤمنين (عليه السلام) . ٢ ـ ضرار بن ضمرة الضبائي ، مولى أمّ هاني بنت أبي طالب . ٣ ـ الحارث الأعور الهمداني ، المتوفّى سنة ٦٥ هـ . ٤ ـ كميل بن زياد النخعي ، الشهيد ، قتله الحجّاج بن يوسف الثقفي سنة ٨٣ هـ . . ٥ ـ شريح القاضي المتوفّى سنة ٨٧ هـ . ٦ ـ زيد بن وهب الجهني المتوفّى سنة ٩٦ هـ . جمع خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) في الجمُعات والأعياد . ٧ ـ الأصبغ بن نباتة المجاشعي المتوفّى بعد المئة الأولى . قال ابن واضح اليعقوبي المؤرّخ المتوفّى سنة ٢٩٢ هـ : « كان علي بن أبي طالب (ع) مشتغلاً
أيّامه كلّها في الحرب . . . وحفظ النّاس عنه الخطب ، فإنّه خطب بأربعمائة خطبة حفظت عنه ، وهي التي تدور بين النّاس » مشاكلة الناس لزمانهم : ١٥ وأحصى العلاّمة المسعودي المتوفّى سنة ٣٤٦ هـ ما كان محفوظاً من خطبه (عليه
السلام) فقال : « والذي حفظ الناس من خطبه في سائر مقاماته أربعمائة ونيف
وثمانون خطبة » [مروج الذهب ٢ / ٤٣١ ، شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ١ / ٥ ،
ونهج السعادة ١ / ١٢ .] . وقال سبط ابن الجوزي الحنفي : «
أخبرنا الشريف أبو الحسن علي بن محمّـد الحسيني بإسناده إلى الشريف المرتضى قال : وقع إليّ من خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) أربعمائة خطبة » [تذكرة الخواص : ١٢٨ .] . وقال القطب الراوندي : « سمعت بعض
العلماء بالحجاز ، يقول : إنّي وجدت في مصر مجموعاً من كلام عليٍّ (عليه السلام)
في نيف وعشرين مجلّداً » [شرح نهج البلاغة ـ ابن ميثم البحراني ـ ١ / ١٠١ .] . هذه النصوص تقودك إلى كون
نهج البلاغة ـ بجمع الشريف الرضي ـ لا يشكّل اِلاّ عشر أو دون العُشر من
كلام الإمام علي (عليه السلام) حيث المذكور من كلامه (عليه السلام) في نهج البلاغة هو ١٢١ خطبة ،
وهي أقلّ بكثير ممّا ذكره القطب الراوندي ، وسبط
ابن الجوزي . وممّا يستدلّ على أنّ كلام أمير
المؤمنين (عليه السلام) كان
بعضه مدوّناً عند أناس سبقوا الشريف الرضي ما أشارت
إليه كتب الفهارس من مصنّفات منها : ١ ـ خطب أمير المؤمنين (عليه السلام)
المروية عن الصادق (عليه السلام) برواية فرج بن فروة عن مسعدة بن صدقة انتقلت هذه النسخة المدوّنة إلى السيِّد علي بن طاووس . ٢ ـ خطب أمير المؤمنين (عليه السلام)
لمسعدة بن صدقة العبدي من علماء الجمهور كان هذا الكتاب موجوداً عند السيّد هاشم
البحراني المتوفّى سنة ١١٠٧ هـ . ٣ ـ الخطبة الزهراء لأمير المؤمنين
(عليه السلام) وهذا النصّ المدوّن من جملة الكتب التي رواها أبو مخنف ، لوط بن
يحيى المتوفّى سنة ١٥٧ هـ ، وقد اعتمد الطبري على مرويّات أبي
مخنف . ٤ ـ خطب أمير المؤمنين (عليه السلام)
وهذه الخطبة أوردها ابن عبـد ربّة في العقد الفريد ـ م ٢ ص١٣٦ لإسماعيل بن مهران
السكوني الكوفي . ٥ ـ كتاب خطب عليٍّ (عليه السلام) لهشام بن محمّـد بن السائب الكلبي المتوفّى سنة ٢٠٦ هـ . ٦ ـ خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) برواية محمّـد بن عمر الواقدي الأسلمي المتوفّى سنة ٢٠٧ هـ رواه الشيخ أبو غالب الزراري عنه . ٧ ـ كتاب الملاحم للإمام (عليه
السلام) تصنيف أبي يعقوب
إسماعيل بن مهران السكوني من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) . ٨ ـ خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) لأبي الخير صالح بن أبي حمّاد سلمة
الرازي . ممّن لقي ألأئمة
الجواد والهادي والعسكري (عليهم السلام) . ٩ ـ مئة كلمة من كلام أمير المؤمنين
(عليه السلام) مع شرحها لقاضي القضاة لدى الفاطميّين أبي حنيفة النعمان المصري المتوفّى سنة ٣٦٣ هـ . ١٠ ـ كتاب الخطب لمحمّـد بن عيسى بن عبـد الله بن سعد
الأشعري القمّي عاصر الإمام الرضا (عليه السلام) وروى عن الإمام الجواد (عليه
السلام) . ١١ ـ كتاب خطب عليٍّ (عليه السلام)
وكتبه إلى عمّاله لأبي الحسن علي بن محمّـد بن عبـد الله المدائني ، المتوفّى سنة ٢٢٥
هـ أو سنة ٢١٥ هـ ذكره ابن النديم . ١٢ ـ خطب أمير المؤمنين (عليه السلام)
للسيّد عبـد العظيم الحسني ، من أصحاب الإمام الرضا والجواد
والهادي (عليهم السلام) . ١٣ ـ كتاب خطب علي لنصر بن مزاحم
المنقري صاحب كتاب وقعة الجمل
، المتوفّى سنة ٢١٢ هـ . ١٤ ـ كتاب خطب الإمام علي (عليه
السلام) لأبي أحمد عبـد
العزيز بن يحيى بن عيسى الجلودي الأزدي البصري المتوفّى سنة ٣٣٢هـ وللجلودي هذا عدّة مصنّفات تناهز على الثلاثمائة منها تخصّ ما نحن فيه . ١٥ ـ كتب المغازي والحروب والأخبار والسير
حيث اشتملت على كلمات أمير المؤمنين (عليه
السلام) وخطبه ، وهي أكثر من خمسمائة مصنّف وتوفّي أصحابها قبل أن يولد الشريف الرضي بعشرات السنين . ١٦ ـ كتاب رسائل أمير المؤمنين (عليه
السلام) لإبراهيم بن محمّـد
بن سعيد بن هلال الثقفي المتوفّى سنة ٢٨٣ هـ . ١٧ ـ كتاب رسائل عليٍّ (عليه السلام)
. ١٨ ـ كتاب ذكر كلام عليٍّ (عليه
السلام) في الملاحم . ١٩ ـ كتاب مواعظ الإمام عليٍّ (عليه
السلام) . ٢٠ ـ كتاب قوله (عليه السلام) في
الشورى . ٢١ ـ كتاب الدعاء عن الإمام (عليه
السلام) . ٢٢ ـ كتاب بقية رسائله وخطبه وأوّل
مناظراته (عليه السلام) . ٢٣ ـ كتاب بقية مناظراته . ٢٤ ـ كتاب ما كان بين عليٍّ (عليه
السلام) وعثمان من الكلام . ٢٥ ـ كتاب الخطب لأمير المؤمنين (عليه
السلام) لأبي إسحاق النهمي
إبراهيم بن سليمان الكوفي الخرّاز يرويه عنه النجاشي بثلاث وسائط ، آخرها حميد
بن زياد الكوفي المتوفّى سنة ٣١٠ هـ ٢٦ ـ كتاب خطب أمير المؤمنين (عليه
السلام) لإبراهيم بن الحكم بن
ظهير الفزاري . ٢٧ ـ كتاب أبي العبّاس يعقوب بن أبي أحمد الصيمري الذي جمعه من كلام عليٍّ(عليه السلام) إلى معاوية . ٢٨ ـ خطب أمير المؤمنين (ع) مع شرحها لقاضي القضاة لدى الفاطميّين أبي حنيفة
النعمان المصري المتوفّى سنة
٣٦٣ هـ [هذه جملة من أسماء العلماء والأُدباء الذين افردوا مصنّفات خاصّة في
خطب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ع وكتبه ورسائله وللمزيد راجع الذريعة ٧ / ١٨٧ ومنتهى المقال :
٥٩ وفهرست الشيخ الطوسي : ٣٤ وفهرست ابن النديم : ١٤٧ .] . |
|
دعوات وشبهات أثارها البعض حول نهج البلاغة
|
|
يُعدّ نهج البلاغة من عيون الأدب
العربي الخالدة ، إذ امتاز بإعجاز وبلاغة لا نظير لها فهو عظيم في مادّته ،
ورفيع في إسلوبه ، وشامل في مواضيعه وصادق في رؤيته ، إنّه نصّ متماسك يهدف إلى
بناء حضارة إنسانية مُثلى ، وهو بهذا السبك لا يبلغ أحد شأوه ولا يرقى إليه أديب
مهما أوتي من بلاغة وفطنة . . مع كلّ هذا وكما ذكرنا سابقاً فإنّ زمرة من المؤرّخين ; من قدامى
ومحدّثين قد شكّكوا في نسبة ما في نهج البلاغة إلى الإمام عليّ بن أبي طالب
(عليه السلام) ، بل تجاوز بعضهم إلى القول
بأنّ جميع أو بعض نهج البلاغة منحول موضوع على أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنكروا الصلة بين النهج
وبين الإمام عليٍّ (عليه السلام) متشدّقين بأسباب عديدة ـ واهية ـ يزعمون أنّها مدعاة للشكِّ أو القول بأنّه منحول . فمن القدامى ابن خلّكان ثمّ تبعه اليافعي في مرآة
الجنان [مرآة الجنان ٣ / ٥٥ .] ، والصفدي في الوافي بالوفيات [الوافي بالوفيات ، ترجمة الرضي ٢ / ٣٧٥
.] والذهبي في ميزان الاعتدال [ميزان الاعتدال ١ / ١٠١ .] ، وابن حجر في لسان الميزان [لسان الميزان ٤ / ٢٢٣ .] . ومن المتأخّرين جرجي زيدان في آداب اللغة العربية [تاريخ آداب اللغة العربية ١ / ٢١٨ .] ، وأحمد أمين في فجر الإسلام [فجر الإسلام : ١٤٩ .] ومحمّـد كرد علي في الإسلام والحضارة العربية [الإسلام والحضارة العربية ٢ / ٦١ .] ، وأحمد حسن الزيّات في تاريخ الأدب
العربي [تاريخ الأدب العربي : ١٨٧ .] ، ومحمّـد سيّد گيلاني في كتابه أثر
التشيّع في الأدب العربي [أثر التشيع في الأدب العربي : ٥٧ .] ، وآخرون كطه حسين وشوقي ضيف . . وأخيراً الدكتور نايف معروف في كتابه الأدب
الإسلامي في عهد النبوّة وخلافة الراشدين [الأدب الإسلامي في عهد النبوّة وخلافة
الراشدين : ٥٥ .] . |
|
أما دواعي الشكّ عند هؤلاء فيمكن حصرها بما
يلي: العدد ستة عشرشكا هي شبهات القوم التي أثاروها حول نهج
البلاغة
|
|
١ ـ تشبّث البعض
بالكمِّ الذي هو عليه نهج البلاغة فهو يشمل قدراً كبيراً من الخطب والرسائل وهذا
ممّا يتعذّر حفظه . ٢ ـ وآخرون تذرّعوا بالخطب الطويلة ،
فقالوا إنّ التطويل غير مألوف عند البلغاء ، كخطبة القاصعة ، والأشباح ، والعهد
الذي كتبه لمالك الأشتر عندما أرسله الإمام والياً إلى مصر . ٣ ـ اشتمال بعض كلامه على التعريض
بالصحابة والطعن عليهم كما في خطبة الشقشقية ، لذا قال بعضهم إنّ نهج البلاغة
منحول على أمير المؤمنين (عليه السلام) . ٤ ـ في بعض خطبه إنباء بالغيب ، إذ
أخبر عن إمور وقعت بعد عصره (عليه السلام) . ٥ ـ في بعض الخطب جاء فيها ذكر الوصي
والوصاية ، وهذا المصطلح ـ على حدّ زعمهم ـ لم يظهر إلاّ بعد استشهاده . ٦ ـ في خطب عديدة من النهج تعرّض فيها
الإمام (عليه السلام) إلى الزهد والموت وهذا ناتج من تأثير المسلمين بالنصارى
وأهل التصوّف . ٧ ـ في بعض خطب النهج تقسيم المعاني
والمسائل إلى أصناف كتقسيم الاستغفار إلى ستّ معان ، والصبر إلى أربعة أقسام . ٨ ـ بعض ما في النهج جاء الكلام في
وصف الحيوانات إذ اشتمل هذا الوصف على معان دقيقة بإسلوب لم يعرف إلاّ في العصر
العبّاسي ، كوصف الطاووس ، فمتى رأى الإمام (عليه السلام) الطاووس حتّى يصفه ؟
ثمّ هناك وصف للجراد والقمّل والخفّاش والنمل . ٩ ـ إنّ النهج قد اشتمل على سجع
منمّـق وصناعة لفظية لم تبرز إلاّ في العصر العبّاسي . ١٠ ـ في جملة من خطب نهج البلاغة صيغ
فلسفية ومفاهيم كلامية لم تعرف إلاّ في العصر العبّاسي أي في أوائل القرن الثالث
الهجري وذلك حينما ترجمت الكتب اليونانية والفارسية والهندية إلى اللغة العربية ١١ ـ الكثير من أهل اللغة والأدب لم
يستشهدوا بـ : نهج البلاغة . ١٢ ـ اتسمت بعض رسائل الإمام (عليه
السلام) وكتبه بالإسهاب والتفصيل ، ولمّا كان الورق غير متوفّر في عصر الإمام
(عليه السلام) بل كانوا يكتبون على الجلود والعظام واللخاف والبردي وعسب النخيل
، إذاً من البعيد أن يكتب الإمام (عليه السلام) عهده للأشتر بهذا الإسهاب . ١٣ ـ ادّعى البعض أنّ ما في نهج
البلاغة قد يعزى بعضه إلى أدباء سبقوا الإمام علي (عليه السلام) . ١٤ ـ في بعض خطب النهج وصف دقيق
للحياة الاجتماعية من جهة ، وطعن على الولاة والقضاة من جهة أخرى ، وكلا الأمرين
لم يعرف بعد وإنّما هو من سمات العصر العبّاسي . ١٥ ـ في النهج خطب طال في صدرها الحمد
والثناء ، وهذا لم يُعرف بعدُ إلاّ في العصر العبّاسي ، وبالخصوص في خطب الجُمع
والأعياد . ١٦ ـ ادّعى البعض أنّ خطب نهج البلاغة
لو كانت صادرة من الإمام (عليه السلام) لكانت موجودة قبل تصنيف السيّد الرضي
(رحمه الله) . هذه هي شبهات القوم التي أثاروها حول
نهج البلاغة ، ونحن آلينا على أنفسنا أن نختصر البحث ونجعله موجزاً آملين أن
نبحثه بشكل مفصّل في مناسبة أخرى ، ولكن هذا لا يعني أنْ نترك المقام بدون أجوبة تصلح ردّاً على تلك
الشبهات والشكوك . |
|
جواب
الشّـك الأوّل :
|
|
إنّ العرب منذ عصرهم الجاهلي وإلى
عدّة قرون من عصرهم الإسلامي كانوا يعتمدون الحفظ بدلاً من الكتابة ، بل وكانوا يأنسون بحافظتهم القوية
التي استودعت قلوبهم دواوين العرب وأيّامهم ومآثرهم ، وهو شأن كلّ أُمّة تسيطر
عليها البداوة والأمّية . فقد امتاز العرب قبل الإسلام وبعده
بقوّة حافظتهم وسرعة خاطرهم ، وقد اعتمد المؤرّخون في عصر التدوين على أولئك ورووا عنهم أيّام
العرب ووقائعها ، فهي رواية الخلف عن السلف ،ولولا الحفظ والحفّاظ لضاع الكثير من
تاريخ العرب ; إنّه تاريخ لحقبة طويلة من الزمان . ثم إنّ النهج قد ضمّ ( ٢٤٢ ) خطبة لأمير
المؤمنين (عليه السلام) و( ٧٨ ) كتابا ورسالة و( ٤٩٨ ) حكمة ومثلا وهذا المقدار
لا يساوي إلا العُشر من كلام الإمام عليٍّ (عليه السلام) وأنّ حفظه ما أيسره
لأبناء ذلك العصر . في الوقت الذي نجد اليوم صغار السنِّ يحفظون القرآن وهم دون السنِّ العاشرة والسابعة
. . فما بالك بأبناء القرن الأوّل
الذين حفظوا القصائد الطوال والتاريخ المفصّل عن العرب ووقائعها وأيّامها ؟ ! أضف إلى ذلك أنّ الذي حفظ النهج لم يكن واحداً ولا اثنين ولا ثلاث بل هم
بالعشرات ، وأنّ لكلّ واحد
كان له نصيب من الحفظ فالبعض حفظ خطبة أو خطبتين أو رسالة أو عهداً أو كتاباً والآخر حفظ هذه الخطبة أو تلك وهلمّ جرّاً ، وبمعنى آخر لم يدّع أحد أنّه حفظ جميع ما ضمّه النهج بين دفّتيه فأيّ إشكال في تظافر مجموعة من
النّاس في كلّ زمان أن يحفظوا ما تيسّر لهم أو الذي طمحت إليه أنفسهم فحفظوها ،
فيتمّ بمجموع ما حُفظ مجموع النهج . ومثال واحد يميط اللثام عن تلك الشكوك ، ذلك أنّ عبـد الحميد الكاتب كان يحفظ سبعين خطبة من خطب الإمام عليٍّ (عليه السلام)
وأنّ ابن نباتة كان يحفظ مئة فصل من مواعظ أمير المؤمنين (عليه السلام) . ثمّ لا يخفى عليك أنّ رسائل الإمام
(عليه السلام) وكتبه وبعض خطبه كانت مكتوبة مدوّنه وهذا ممّا يسهِّل بقاءها والاحتفاظ بها ، وما كان كذلك لا يصعب
حفظه . هذا وقد ذكر أكثر من مؤرّخ أنّ خطبة الإمام (عليه السلام) في الجهاد ، ـ أنّه باب من أبواب
الجنّة ـ كانت مكتوبة بخطّه (عليه السلام) ، وأمر غيره بإلقائها على النّاس [الأخبار الطوال : ١٩٥ ، شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ١ / ١٤٥
نقلاً عن كتاب الغارات للثقفي ، وسفينة البحار ١ / ٣٩٦ برواية الاصبغ بن نباتة ٢
/ ٤٦٦ .] . ونقل ابن قتيبه الدينوري في صفحات عديدة
من كتابه : الإمامة
والسياسة المكاتبات بين الإمام عليٍّ (عليه السلام) ومعاوية ، وبين عليّ (عليه
السلام) وعمّاله ، وبين معـاوية وأصحابه [الإمامة والسياسة ١ / ١٥٤ ما كتبه (عليه
السلام) لأهل العراق .] فماذا تعني تلك الكتب ؟ ألم يكن هناك وفرة من الورق والقرطاس ،
وإلاّ ماذا تفسّر هذه الكتب الصادرة من الإمام عليٍّ (عليه السلام)أومن عمّاله
أو من خصُومه من هنا وهناك سواء كان مبدأُها العراق أو الشّام أو مصر أو بلاد فارس
. . ؟ ! وعليه فإنّ جميع تلك الخطب والرسائل
والكتب قد حفظها الناس تباعاً ، يقول المسعودي : « والذي حفظ الناس عنه من خطبه (عليه
السلام) في سائر مقاماته أربعمائة خطبة ونيف وثمانون خطبة يوردها على البديهة
وتداول الناس ذلك عنه قولا وعملاً » [مروج الذهب ٢ / ٤٣١ .] . وفي الإطناب يقول الدكتور زكي مبارك : « وسحبان وائل الذي عرف بالتطويل
وأنّه كان يخطب أحياناً نصف يوم ، أثرت عنه الخطب القصيرة الموجزة ، وذلك يدلّ
على أنّ الفطرة كانت غالبة على ذلك العصر ، وأنّ القاعدة المطّردة لم تكن شيئاً
آخر غير مراعاة الظروف ، ورسائل عليّ بن أبي طالب ، وخطبه ، ووصاياه ، وعهوده
إلى ولاته تجري على هذا النّمط ، فهو يطيل حين يكتب عهداً ليبيّن فيه ما يجب على
الحاكم في سياسة القطر الذي يرعاه،ويوجز حين يكتب إلى بعض خواصّه في شيء معيّن
لا يقتضي التطويل» [النثر الفنّي ـ زكي مبارك ١ / ٩٥ .] . |
|
أمّا
الشكّ الثاني :
|
|
وهو ما يتعلّق بالخطب الطويلة فإنّ حفظها ووعيها
متعذّر وهكذا قل عن العهد
الذي بعثه (عليه السلام) إلى الأشتر هذا الشكّ أورده الگيلاني في كتابه : أثر
التشيّع في الأدب العربي [أثر التشيّع في الأدب العربي : ٥٦ .] . وردّنا عليه من وجوه : أوّلاً : إنّ العهد الذي بعثه الإمام (عليه
السلام) للأشتر كان مكتوباً فمن السهل حفظه ووعيه . ثانياً : إنّ الكثير من الناس يحفظون اليوم
القرآن الكريم عن ظهر قلب والذي يناهز على ٦٠٠ صفحة . ثالثاً : إنّ هناك خطباً طويلة لملوك وأمراء
قد حفظها الناس كخطبة ( هرمز ) ملك الفرس قبل بعثة النبيّ (صلى الله عليه وآله
وسلم) وقد رواها الدينوري في الأخبار الطوال [الأخبار الطوال : ٧٧ .] ، وكتاب طاهر بن الحسين إلى ولده محمّـد قد بلغ مئة وتسعة وثلاثين
سطراً قد ذكره ابن خلدون في مقدّمته . رابعاً : إنّ العهد الذي كتبه الإمام (عليه
السلام) إلى الأشتر واليه على مصر تضمّن مجموعة قوانين قد سنّها أمير المؤمنين
(عليه السلام) ، وأمر واليه أن يجعلها نصب عينيه لأنّها عبارة عن بنود تشريعية
تنظّم علاقة الحاكم بالمحكوم ، أو قل علاقة الحاكم بالمسؤولين من القضاة
والقوّاد وجباة الأموال والجند وغيرهم ممّن له عمل إداري أو رسمي . وهكذا تنظيم علاقة الحاكم بالرعية
والذي منهم العامل والتاجر والفلاح . وعليه فلابدّ من أن تنظّم جميع هذه العلاقات على ضوء الشريعة الغرّاء ، ولأنّ الظرف السياسي في ذلك العصر يتطلّب ذلك . |
|
وأمّا
الشكّ الثالث :
|
|
إنّ في بعض خطبه (عليه السلام) تعريض
بالصحابة والنيل منهم كأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير ومعاوية وعمر بن العاص وأضرابهم
. كأنّما القائل به نسي الأحداث التي
كانت على عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والحروب والغزوات التي وقعت ،
وكأنّما حجب عينيه وأصمّ أذنيه عن عشرات الآيات التي نزلت في حقّ البعض من الصدر
الأوّل ، فمن المخاطب بتلك الآيات ؟ ! أليس هم ممّن يدّعون الصُحبة ؟ ! وهل غابت
عن ذلك المشكّك تلك الآيات . إذن هل جميع الصحابة في منزلة واحدة من
التقديس والتقدير ؟ وقد ورد قوله سبحانه : ( إنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) [سورة الحجرات ٤٩ : ١٣ .] ،إنّما التفاضل هو بالتقوى ، وبالأعمال الصالحة . فهل غاب عن أولئك جريمة خالد بن
الوليد الذي قتل مالك بن نويرة وتَزوّج بامرأته في ليلتها ؟ ! وإلاّ فلماذا عزله عمر بن الخطّاب ؟ ! وهل غاب عنهم الدماء التي جرت في حرب
البصرة وكان سببها طلحة والزبير و . . . أو أنّه غاب عنهم الدماء التي جرت في
صفّين وكان سببها معاوية وعمرو بن العاص و . . . عجباً لهؤلاء الذين يقرأون ـ في بطون
الكتب وصفحات التاريخ ـ الأخبار المفصّلة عمّا جرى في صدر الإسلام من أحداث
السقيفة والحروب والغزوات التي حدثت في الصدر الأوّل من تاريخ الحكومة الإسلامية
وبالخصوص الأحداث التي جرت في زمن حكومة عثمان بن عفّان ، أنّهم يقرأُون كلّ هذا
ومع ذلك يستثقلون كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) . . ! كأن لم يكن هناك انحراف ، واعتداء ،
وغصب ، وسلب الأموال وقتل الأبرياء ؟ ! فهناك ظلم الحكّام والأمراء ، وارتشاء
القضاة وسوء سريرتهم ، وهناك الفسق والفجور ، وشيوع الخمرة في وسط الأمراء الذين
نصّبهم عثمان ، وحادثة والي الكوفة لا تغيب عن الأنظار إذ شرب الخمر وصلّى
بالمسلمين صلاة الصبح أربع ركعات ، وألقى ما في رأسه في المحراب ، ثمّ هناك
الغصب ، وسرقة أموال المسلمين ، والتمادي في الظلم ، واللعب بمقدّرات المسلمين ،
كلّ ذلك تجده في كتب التاريخ والسيرة ، مضافاً إلى ذلك الفقر المتفشّي بين
النّاس ، والتذمّر من الوضع السياسي الخانق ، حتّى أدّى ذلك إلى إراقة الدماء ،
وهتك الأعراض ، وسلب الأموال . . . ألا تكون هذه الحالة مدعاة للإمام
(عليه السلام) أن يقف أمام كلّ هذا الإضطراب فينصح الوالي والحاكم وقائد الجند
والعاملين على الخراج وجباية الزكواة . . ؟ ! أليس من شأن الإمام (عليه السلام) أنْ
يصلح ما فسد من أمور الناس ؟ فكيف والحال هذه لا يتكلّم الإمام
(عليه السلام) بما يرضي الله ؟ أليس من وظائفه الشرعية الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر ؟ أليس من وظائفه الجهاد في سبيل الله ؟ والجهاد على أقسام منه بالسيف
ومنه بالكلمة وهذا قطعاً يستوجب على الإمام أن يُعرّض بالصحابة الذين تصدّوا
للحكومة . لهذا تجده (عليه السلام) ناصر الفقير
والمظلوم ، وناهض الجائر الغشوم ورفع صوته بوجه الطغاة والخونة من الولاة ، فلا
عجب أن يتطرّق (عليه السلام) لسير الأحداث وما قامَ به مَن سبقوه من إعمال
وتصرّفات لا تمتّ إلى روح الإسلام بصلة ، والجميع يعلم أنّ أمير المؤمنين (عليه
السلام) لا تأخذه في الله لومة لائم ، فليدّعِ البعض أنّ كلامه ذاك فيه طعن على
الصحابة . . إنّ الشكّ الذي تقدّم به الذهبي وابن
تيميّة إنّما هو نهج من سبقه القائم على تنزيه الصحابة كافّة
دون أيّ استثناء ، في الوقت الذي ينقل لنا التاريخ أنّ الخصومات فيما بينهم كانت قائمة
بمرأىً ومسمع من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأنّ بعضهم كان يسبّ البعض الآخر ويشتمه ، بل وصل بهم أن يتراشقوا النعال
بدلاً من الحجارة [الفصول المهمة : ١٤٦ .] وعليه فإنّ النهج الذي اتّبعه الذهبي وابن تيميّة يمتّ صلة بفكرة الإرجاء والمرجئة ، ومن هذا المذهب ظهرت فكرة تنزيه الصحابة وعدم الخوض في أفعالهم
وتصرّفاتهم ، بل أدّى بهم أن
يفتوا بصواب أعمالهم وأنّ لهم الأجر الجزيل ، لأنّه اجتهاد ، فإذا أصاب الصحابي باجتهاده فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر واحد ، فهذا خالد يقتل نفساً بريئة يشهد الشهادتين وأنّ المسلم دمه وعرضه
وماله حرام إلاّ أنّ ابن الوليد على حسب رأي ابن تيمية والذهبي أنّه اجتهد فأخطأ فله أجر ! فأين اذاً قوله تعالى : ( مَن قَتَلَ
نَفْساً بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ
جَمِيعاً ) [سورة المائدة ٥ : ٣٢ .] ؟ ثمّ ماذا يقول هؤلاء في نهب الأموال في زمن عثمان على يد مروان بن الحكم والمغيرة بن
شعبة وزعماء بني أميّة ؟ ألم تقل أُمّ المؤمنين في حقّ عثمان لمّا ضرب ابن مسعود حتّى كسر أضلاعه : اقتلوا نعثلاً فإنّه كفر ؟ ! وفي ذلك يقول عبد بن أمّ كلاب ، عبد بن أبي سلمة قال مخاطباً عائشة بعد مقتل عثمان [الفتنة وواقعة الجمل : ١١٥ .] : فمنك البداء ومنك الغير ***** ومنك
الرياح ومنك المطر وأنت أمرتِ بقتل الإمام ***** وقلت لنا
إنّه قد كفر فهبنا أطعناك في قتله ***** وقاتله
عندنا مَن أمَر ولم يسقط السقف من فوقنا ***** ولم
تنكسف شمسنا والقمر وماذا يقول هؤلاء لمّا أقدم عثمان بن عفّان على نفي الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) إلى الربذة حتّى مات
هناك وحيداً فريداً في غربة عن الوطن والأهل [يكفي القاريء النبه أن يستعرض فصول السقيفة وما دار فيها من شجار وطعن ولعن وتفسيق حتّى
شهر بعضهم السلاح ، وكان التهديد بالحرب والاجلاء عن المدينة ، أنّه النزاع بين القرشيين والخزرج . أيّ منطق هذا أن يساوى بين الفاسق
الفاجر والمؤمن التقي ؟ هذا طريد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مروان بن الحكم هل من المنطق السّليم أن يجعله
المسلمون قدوة لهم ؟ ! أم ذاك أبو سفيان الذي ما خرجت كتيبة ولا رفعت راية
لحرب الرسول (عليه السلام) إلاّ وهو قائدها . . ؟ ! علينا أن نحكّم العقل والمنطق ، اليوم أصبحت الشعوب واعية تبحث عن
كلّ ما جرى في التاريخ وما مبتغاها في ذلك إلاّ أنْ تتبّع الهدى والصراط الواضح والنهج السوي . إذن ما تناوله أمير المؤمنين (عليه
السلام) في خطبته الشقشقية أو خطبته التي تعرّض فيها ( للمنافقين ) وما فيهما من
نقد وطعن إنّما كان نتيجة للمواقف العدائية الصارخة التي وقفها هؤلاء وقد انقدحت من تلك المواقف الحاقدة
حروب ذهب ضحيّتها مئات الآلاف من المسلمين ، ترى يسكت أمير المؤمنين (عليه
السلام) حيال هذه الجرائم التاريخية ؟ ! وعليه : فإنّ هذه الخطبة وغيرها من الخطب بل كلّ ما في النهج هو للإمام أمير
المؤمنين (عليه السلام) بلا منازع وفي ذلك يقول ابن أبي الحديد المعتزلي : « لا يخلو إمّا أن يكون كلّ نهج البلاغة مصنوعاً منحولاً ، أو بعضه
، والأوّل باطل لأنّنا نعلم بالتواتر صحّة إسناد
بعضه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ،وقد نقل المحدّثون كلّهم أو جلّهم
،والمؤرّخون كثيراً منه ـ أي من النهج ـ وليسوا من الشيعة لينسبوا إلى غرض في
ذلك . والثاني يدلّ على ما قلناه لأنّ من قد أنس بالكلام والخطابة
وشدا طرفاً من علم البيان ، وصار له ذوق في هذا الباب لابدّ أن يفرّق بين الكلام
الركيك والفصيح ، وبين الفصيح والأفصح ، وبين الأصل والمولّد ، إذا وقف على
كرّاس واحد يتضمّن كلاماً لجماعة من الخطباء ، أو لإثنين منهم فقط ، فلا بدّ أن يفرق بين الكلامين ويميّز
بين الطريقتين . « وأنت إذا تأمّلت نهج البلاغة وجدته
كلّه ماءً واحداً ، ونفساً واحداً ، وأسلوباً واحداً ، كالجسم البسيط الذي ليس
بعض من أبعاضه مخالفاً لباقي الأبعاض في الماهية ، وكالقرآن العزيز ، أوّله
كوسطه وأوسطه كآخره ، وكلّ سورة منه وكلّ آية مماثلة في المأخذ والمذهب والفنّ
والطريق والنظم لباقي الآيات والسور ، ولو كان بعض نهج البلاغة منحولاً وبعضه
صحيحاً لم يكن ذلك كذلك ، فقد ظهر لك بالبرهان الواضح خلال من زعم أنّ هذا
الكتاب أو بعضه منحول إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) » [شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ١٠ / ١٢٨ .] . إذن يمكن تقسيم الصحابة إلى ثلاثة أصناف
: الصنف الأوّل : من أبلى بلاءً حسناً وجاهد في سبيل
الله ورحل إلى ربِّه بأحسن وفادة وهو راض مرضي وهذا الصنف قد مدحه القرآن الكريم
وهم ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ
النَّعِيمِ ) [سورة الواقعة ٥٦ : ١٠ ـ ١٢ .] ، وكما مدحهم القرآن فقال سبحانه : (
أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً
يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ الله وَرِضْوَاناً ) [سورة الفتح ٤٨ : ٢٩ .] ولم يحدثوا بعد رسول الله حدثاً . والصنف الثاني : تخاذل عن الحقّ ولم ينصر الباطل ،
وقد ذمّهم القرآن الكريم إلاّ أنّهم لم يحدثوا شيئاً من بعده (صلى الله عليه
وآله وسلم) . فهؤلاء أقلّ شأناً ممّن سبقهم وعلى الله حسابهم . الصنف الثالث : الذين غيّروا وبدّلوا وحرّفوا كلام
الله وأحدثوا من بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، روى البخاري في صحيحه
عن ابن مسعود قال : « قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنا فرطكم على
الحوض ليرفعنّ إليّ رجال منكم حتّى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني . فأقول : ربّي أصحابي . فيقال : لا تدري ما أحدثوا بعدك » [صحيح البخاري ٦ / ١٠٨ و٨ / ١٢٠ ، صحيح
مسلم ٤ / ١٧٩٣ ، الاصابة ٣ / ٨٤ القسم ١ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٥١ ، كنز العمال ٧
/ ٢٢٤ ، الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد : ٢١٢ ، مجمع الفائدة ٢ / ٤٢٩ ، كتاب
الفضائل : حديث ٢٦ .] وروى مثله البخاري عن سهل بن سعد وزاد عليه : « فأقول : سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي » [صحيح مسلم ٤ / ١٧٩٣ .] . ورواه أحمد بن حنبل في مسنده مسند أحمد بن حنبل ١ / ٣٨٤ و٤٠٢ و ٤٠٦
و٤٠٧ و٤٥٣ و٤٥٥ و٢ / ٢٨١ و٥ / ٤٨ و٥٠ و٣٩٣ . ورواه المتّقي الهندي في كنز العمّال [كنز العمّال ٧ / ٢٢٤ و٢٢٥ ، ٦ / ٤٢٤ .] عن ابن مسعود وعن سمرة . ورواه مسلم
في صحيحه في كتاب الطهارة في الوضوء عن أبي هريرة [صحيح مسلم : كتاب الطهارة ، باب الوضوء ، وكذلك ٧ / ٦٥ ـ ٦٧ .] . ورواه في كتاب الفضائل في باب إثبات
حوض نبيّنا (عليه السلام) [كتاب الفضائل : باب إثبات الحوض حديث ٢٦ .] . ورواه ابن ماجه في صحيحه في أبواب
المناسك في باب الخطبة يوم النحر عن ابن مسعود [سنن ابن ماجة : أبواب المناسك ، وهكذا
في الجامع الصحيح للترمذي ٤ / ٦١٥ ، و٢٤٢٣ ، سنن النسائي ٤ / ١١٧ .] . ورواه ابن جرير في تفسيره [تفسير الطبري : ٤ / ٥٥ .] بسنده عن قتادة . ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد [مجمع الزوائد ١٠ / ٣٦٤ و٣٦٥ .] عن سمرة وعن ابن مسعود . فبماذا تفسّر هذا الحديث الشريف ؟ !
ومَن الذين أحدثوا بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ حيث روى ابن حجر في
الإصابة بسنده عن سعيد بن منصور قال : « حدّثنا خلف ابن خليفة عن العلاء بن
المسيّب عن أبيه عن أبي سعيد قلنا لـه هنيئاً لك برؤية النبيّ (صلى الله عليه
وآله وسلم) وصحبته . قال : إنّك لا تدري ما أحدثنا بعده [الإصابة ٣ / القسم ١ ص ٨٤ .] . ومثله في صحيح البخاري في كتاب بدء
الخلق في باب غزوة الحديبية . وفي طبقات ابن سعد ، بسنده عن إسماعيل
بن قيس قال : « قالت عائشة عند وفاتها إنّي قد أحدثت بعد رسول الله فادفنوني مع
أزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) » [الطبقات
الكبرى ٨ / ٧٤ ، ثمّ أنظر كتاب وضوء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ١ / ٢٤٤ .] . وفي تهذيب التهذيب روى ابن حجر بسنده
عن الآجري قال : « قال عمرو بن ثابت لمّا مات النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)
كفر النّاس إلاّ خمسة . . » [تهذيب التهذيب ٨ / ١٥ .] . أقول : وممّا يؤيّد ما سبق الآيات الواردة في
بعضهم ; إذ فيهم الذين (
ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ ) [سورة التوبة ٩ : ٤٨ .] ، ومنهم ( مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي ) [سورة التوبة ٩ : ٤٩ .] ، ومنهم مَن لمز النبيّ ( فِي الصَّدَقَاتِ ) [سورة التوبة ٩ : ٥٨ .] ، ومنهم مَن آذاه وقالوا ( هُوَ أُذُنٌ ) [سورة
التوبة ٩ : ٦١ .] ، ومنهم من كان في قلبه مرض ، ومنهم الذين اعتذروا في غزوة تبوك وكانوا بضعة وثمانين رجلا وحلفوا
للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقبل منهم لكن نزلت فيهم آيات تكذّبهم : قوله
تعالى : ( سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إذَا انقَلَبْتُمْ إلَيْهِمْ
لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ
جَهَنَّمُ جَزَاءَ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا
عَنْهُمْ فَإن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإنَّ اللهَ لاَيَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ
الْفَاسِقِينَ ) سورة التوبة ٩ : ٩٥ ـ ٩٦ . وفي هذه الغزوة أقدم أربعة عشر منافقاً على الفتك برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ظلمات الليل عند عقبة هناك ، ولمّا انصرف النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذه الغزوة إلى
المدينة كان في الطريق ماء يخرج من وشل بوادي المشقّق . فقال رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) : من سبق إلى ذلك الماء فلا يسقينّ منه شيئاً حتّى نأتيه ، فسبقه إليه نفر من المنافقين واستقوا ما فيه فلمّا أتاه رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) وقف عليه فلم ير فيه شيئاً ، ولمّا علم النبيّ (صلى الله عليه وآله
وسلم) بأمر المنافقين ، قال : أولم ننههم أن يستقوا منه شيئاً حتّى نأتيه ، ثمّ
لعنهم ودعا عليهم [أضواء على السنة المحمّـدية : ٣٥٣ .] . روى البخاري عن زيد بن ثابت : « لمّا خرج النبيّ (صلى الله عليه
وآله وسلم) إلى اُحد رجع ناس من أصحابه فقالت فرقة منهم : نقتلهم ، وقالت فرقة :
لا نقتلهم ، فنزلت الآية الكريمة : ( فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ
فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا . . . سورة النساء ٤ : ٨٨ . قال الراغب في مفرداته : أركسهم أي
ردّهم إلى الكفر » [اضواء على السنة المحمّـدية : ٣٢٢ .] . ومن الصحابة من نزلت فيهم قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا
مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ ) سورة التوبة ٩ : ١٠٧ . والتفصيل في هذا الموضوع يطول لأنّ الشواهد القرآنية في الكشف عن هذا الصنف الثالث كثيرة جدّاً وعليه ، فالصحابة قوم من النّاس لهم ما للنّاس وعليهم ما عليهم واعتبارهم
جميعاً عدولاً أنّها مكابرة شديدة ، ومن رفض محاسبتهم أو نقدهمُ أو تجريحهم ، إنّما يرفض قول الله
العزيز ، وما جاء في حقّهم بصريح القرآن وقد أشرنا إلى جملة منها . وفي هذا أمر
النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام عليّ (عليه السلام) أن يقاتل (
الناكثين والقاسطين والمارقين ) لأنّ جميعهم قد خرجوا عن الحقِّ فهم أضلّوا
سبيلاً وكانت خاتمتهم الخسران المبين ، وكما قيل إنّ الأمور بخواتيمها . |
|
أمّا
الشكّ الرابع :
|
|
وهو اعتراض البعض على أنّ في النهج
إنباء بالغيب ، كإخباره بملك الأمويّين وقيام دولتهم ، وبعدها دولة بني العبّاس
، وكإخباره في ظهور الفتن والثورات ، كثورة الزنج وظهور التتار . [انظر : أثر التشيّع في الأدب العربي : ٥٧ .] أقول : ردّ هذا الاعتراض من وجوه : باب فتح القسطنطينية وخروج الدجّال
ونزول عيسى بن مريم [صحيح مسلم ٨ / ١٦٦ .] ، باب تقوم الساعة والروم أكثر الناس [صحيح مسلم ٨ / ١٧٥ .] ، باب إقبال الروم وحربهم للمسلمين عدّة مرّات [صحيح مسلم ٨ / ١٧٦ .] |
|
أمّا
الشكّ الخامس :
|
|
فإنّ المعترض يعجب من كلمة وصيّ
والوصاية التي وردت في بعض كلامهِ (عليه السلام) [المعترض هو الجيلاني في كتابه أثر
التشيع في الأدب العربي : ٦٦ .] . وصيّ رسول الله من دون أهله *****
ووارثه بعد العموم الأكابر وقال حجر بن عدي الكندي الشهيد [وقعة صفّين لابن مزاحم المنقري : ١٣٧ .] : فإنّه كان لنا وليّاً ***** ثمّ ارتضاه
بعده وصيّاً وقال المغيرة بن الحرث بن عبـد
المطّلب [وقعة صفّين لابن مزاحم المنقري : ٣٨١ .] : فيكم وصيّ رسول الله قائدكم ***** وأهله
وكتاب الله قد نشرا وقال عبـد الرحمن بن ذؤيب الأسلمي [وقعة صفّين لابن مزاحم المنقري : ٣٨٥ .] : يقودهم الوصيّ اليك حتّى ***** يردّك عن
غواتك وارتياب وقال بريدة الأسلمي [وقعة صفّين لابن مزاحم المنقري : ٣٨٢ .] : أمر النبيّ معاشراً ***** هم أُسرة ولها
ذم وقال الصحابي الجليل خزيمة بن ثابت (
ذو الشهادتين ) يعاتب عائشة لمّا خرجت إلى حرب أمير المؤمنين(عليه السلام) في
البصرة [الصراط المستقيم ٣ / ١١٠ ، تقريب المعارف : ١٩٤ .] : أعائشُ خلّي عن عليّ وعيبه ***** وصيّ
رسول الله من دون أهله وقال الصحابي الجليل أبو الهيثم بن
التيهان يعرّض بطلحة والزبير وعائشة الذين نكثوا بيعة أمير المؤمنين (ع) [نسمة السحر ٢ / ٢٤٠ ، الأوائل : ٩٩ ،
أخبار شعراء الشيعة : ٥٨ .] : قل للزبير وقل لطلحة إنّنا ***** نحن
الذين شعارنا الأنصارُ وفي المناقب : « مرّ ابن عبّاس بنفر يسبّون عليّاً
(عليه السلام) فقال : أيّكم السابّ الله ؟ فأنكروا ، قال : أيّكم السابّ لرسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) . . ؟ فأنكروا ، قال : فيكم السابّ لعليٍّ (عليه
السلام) ؟ قالوا : فهذا نعم ، قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟
يقول : من سبّ عليّاً فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ الله ، ومن سبّ الله فقد
كفر ثمّ التفت إلى ابنه فقال : قل فيهم ، فقال [شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ١ /
١٤٣ ، الفتوح ٢ / ٣٠٧ ، الدرجات الرفيعة : ٣٢٢ .] : نظروا إليك بأعين محمرّة ***** نظر
التيوس إلى شفار الجازر وقال حسّان بن ثابت يمدح عليّاً (عليه
السلام) بلسان الأنصار [مناقب آل أبي طالب ٣ / ٢٢١ نقلا عن الولاية للطبري والإبانة للعكبري
.] : حفظت رسول الله فينا وعهده ***** إليك
ومن أولى به منك من ومن وقال أبو الأسود الدؤلي [شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ٢ / ١٥ نقلاً عن الموفّقيات
للزبير بن بكّار .] : أُحبّ محمّـداً حبّاً شديداً *****
وعبّاساً وحمزة والوصيّا وفي هذا المقام يجدر بي أن أذكر حديث
أُم سلمة : فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)
: لا تلجي وارجعي مكانك ثمّ تناحيا
طويلا ، حتّى قام عمود الظهر فقلت ذهب يومي وشغله عليّ فأقبلت أمشي حتّى وقفت
على الباب فقلت : السلام عليكم ألج ؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تلجي
، فرجعت وجلست مكاني حتّى إذا أنا قلت قد زالت الشمس ألآن يخرج إلى الصلاة فيذهب
يومي ، ولم أر قط أطول منه : أقبلت أمشي حتّى وقفت على باب الدار فقلت : السلام
عليكم ألج ؟ فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : نعم فلُجي ، فدخلت وعليّ
(عليه السلام) واضع يده على رُكْبتَي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أدنى
فاه في أذن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وفم النبيّ (صلى الله عليه وآله
وسلم) على أذن عليٍّ يتسارّان ، وعليُّ يقول : أفأمضي وأفعل ؟ أنكرت ليلة اِذ سار الوصيّ بها *****
إلى المدائن لمّا أن لها طلبا |
|
أمّا
الشكّ السادس :
|
|
إنّ في النهج إشارة إلى الزهد والموت
وهذا ناتج من تأثير المسلمين بالنصارى . . . هذه وآيات عديدة أُخر تصف ( الدنيا
وما فيها ) بمثابة متعة ليس إلاّ ، فهي زائلة ، وليس من ركن إليها بممدوح ،
إنّها الدنيا التي ذمّتها الآيات وزهّدنا فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) ،
لكن ليس الزهد ـ كما فهمه البعض ـ أن لا تملك فيها شيئاً ، وليس من الزهد أن
تلبس المسوح وتنأى عن المجتمع وتترك العيال كلاًّ على غيرك ، بل يكفيك من الدنيا
ما تصون به ماء وجهك وعرضك . وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ
كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوّاتِ
الشَّيْطانِ ) سورة البقرة ٢ : ١٦٨ وقال تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا
طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ
* وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي
أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ) سورة المائدة ٥ : ٨٧ ـ ٨٨ . وقوله تعالى : ( فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً
وَاتَّقُوا اللهَ إنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) سورة الأنفال ٨ : ٦٩وقال تعالى : ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ
حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ
الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ
وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ) سورة آل عمران ٣ : ١٤ |
|
أمّا
الشكّ السابع :
|
|
قال البعض إنّ في بعض الخطب تقسيم
المعاني والمسائل إلى أصناف كتقسيم الاستغفار إلى ست معان و . . . وقال (صلى الله عليه وآله
وسلم) : « أعطيت خمساً لم
يعطهنّ أحدٌ قبلي ، كان كلّ نبيٍّ يبعث إلى قومه خاصّة وبُعثت إلى كلّ أحمر
وأسود ، وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلي ، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهورا
فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصلاة فليصلِّ حيث كان ، ونُصرت بالـرعب مسيرة شهر
، وأعطيت الشفاعة » [رواه جابر وأخرجه البخاري . وفي تلخيص الحبير ٢ / ٣١٦ ، تنوير
الحوالك : ٧٢٧ ، المبسوط ١٥ / ٣ ، حاشية ردّ المختار ١ / ٢٤٦ .] . |
|
أمّا
الشكّ الثامن :
|
|
إنّ في النهج وصفاً دقيقاً للحيوانات
كالطاووس ، فمتى رأى الإمام هذا الحيوان حتّى يصفه بتلك الدقّة المتناهية ؟ ! |
|
أمّا
الشكّ التاسع :
|
|
أنّهم قالوا : في بعض النهج يوجد سجع منمّق وصناعة
لفظية ، لا تعرف لذلك العصر ، بل إنّما برز هذا اللون من الصناعة في العصر
العبّاسي ، والقائل بذلك أحمد
أمين في كتابه فجر الإسلام [فجر الإسلام ١٤٨ ـ ١٤٩ .] ، والردّ عليه من وجوه : وهو القائل : |
|
أمّا
الشكّ العاشر :
|
|
وهو أنّ النهج اشتمل على صيغ فلسفية وكلامية وعلوم لم تعرف إلاّ بعد زمن الإمام (عليه السلام) . . . والردّ عليه بإمور : وفي نفي الشريك يستدلّ القرآن الكريم بقولـه تعالى :
( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلاَّ
اللهُ لَفَسَدَتَا ) سورة الانبياء ٢١ : ٢٢ ثالثاً : تُعدّ الكوفة حاضرة العالم الإسلامي وقتئذ عندما نزلها أمير المؤمنين (عليه
السلام) ونقل عاصمة خلافته
إليها . والكوفة ليست كالحجاز والشام ومصر ، بل هي قبلة العلماء ، ومرجع الأدباء
والفلاسفة والمتكلّمين ، ومهبط الأفكار والعلوم ، إذ نزلها الفرس ، والسريانيّون
والكلدانيّون ، وفيها راجت الديصانية والزندقة والأفكار الهندية واليونانية . . |
|
أمّا
الشكّ الحادي عشر :
|
|
ادّعى البعض أنّ أهل اللغة والأدب لم يستشهدوا بـ : نهج البلاغة . |
|
أمّا
الشكّ الثاني عشر :
|
|
قول القائل : إنّ بعض رسائل نهج البلاغة اتسمت بالإسهاب والتطويل أو التفصيل ولمّا كان الورق متعذّراً في عهد
الإمام فمن البعيد أن يصدر منه عهده للأشتر . |
|
أمّا
الشكّ الثالث عشر :
|
|
ادّعى البعض أنّ هناك عدّة خطب في النهج تُعزى لأشخاص غير الإمام (عليه السلام) من ذلك الخطبة التي أوّلها : أقول : هذه الدعوى مخدوشة من عدّة جوانب : لم يقل من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) لكونه يتورّع من أن ينسب هذا
الكلام إليه من جهة ، ومن جهة أخرى كان يتصوّر أنّ التوحيدي متأخّر على الشريف الرضي وفي عمله هذا مراده الطعن بعمل الشريف الرضي وتزييفه ، لكن غابت عن ذاكرته أنّ التوحيدي توفّي سنة ٣٨٠ هـ ، أي قبل صدور نهج البلاغة بعشرين عاماً . يقول الأستاذ الشيخ محمّـد علي دبوز أستاذ الأدب العربي في معهد الحياة
في الجزائر ; وهو من معتدلي الأباضية ; في كتابه تاريخ المغرب الكبير : « قال ابن الصغير : كان
الأباضية في الدولة الرستمية [الدولة الرستمية من دول الأباضية في المغرب العربي تأسّست عام ١٤٤ هـ
وتلاشت سنة ٢٩٦ هـ .] لا يمنعون أحداً من الصلاة في مساجدهم ولا يكشفون على حاله ولو
رأوه رافعاً يديه . أقول : لا يخفى أنّ كلمة الجماهير التي
كرّرها المصنّف إنّما تعني أصحابه الأباضية . ثمّ إنّ الخوارج كما هو معروف يبغضون الامام (ع)أشدّ البغض ، وربّما كان المصنّف من معتدلي الاباضية فذكر الإمام (ع)وترضّى عليه . |
|
أمّا
الشكّ الرابع عشر :
|
|
ادّعى البعض أنّ في النهج وصف دقيق للحياة
الاجتماعية من جهة ، وطعن على الولاة والقضاة من جهة أخرى . . . |
|
أمّا
الشكّ الخامس عشر :
|
|
ادّعى الكيلاني أنّ في نهج البلاغة خطباً طال في
صدرها الحمد وأنّ هذه عادة لم تعرف إلاّ في العصر العبّاسي ; في خطب الجمع
والأعياد . والعجيب من الگيلاني عندما يذكر مثالاً من خطب أمير
المؤمنين (عليه السلام)ثمّ يُشكل على صحّة نسبتها للإمام ، أنّه لم يتحرّ مصادر المثال الذي أورده . ومثاله قول الإمام (عليه السلام) «
الحمد لله كلّما وقب ليل وغسق . . » [نهج البلاغة ١ / ٩٧ .] قد روى هذه الخطبة نصر بن مزاحم المنقري في كتاب صفّين [وقعة صفّين لابن مزاحم المنقري : ٧٠ .] ، والجميع يعلم أنّ نصر بن مزاحم من أقدم مؤرّخي العرب الذين وصلتنا آثارهم . |
|
أمّا
الشكّ السادس عشر :
|
|
من الشكوك الموجّه إلى جمع الشريف الرضي
: إنّ هذه الخطب المنقولة في النهج لو
كانت صادرة عن الإمام ومن كلماته ، لكانت موجودة قبل تصنيف الشريف الرضي . |
|