- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
نهج البلاغة جمعه،
مصادره مناقشة التشكيك في نسبته الى الامام علي(ع)
|
|
السيد عبد الهادي الشريفي المصدر: مجلة المنهاج / الرقم 36 |
|
جامع النهج الشريف هذا النتاج الجليل
|
|
تصدى لجمعه وتبويبه السيد الشريف، النقيبابو الحسن محمد بن الحسين الرضي الموسوي (359 -406 ق)، واطلق عليه اسم «نهج البلاغة»، ليشير بذلك الى ان هذا النتاج هو المثال لبلاغة التعبير بعد كتاب اللّه العزيز، وقد ظهر فيعصر ازدهرت فيه الحضارة الاسلامية والعربية،
وظهر فيه اشهرالنوابغ في مختلف العلوم الانسانية والداب. والسيد الشريفالرضي هو مفخرة العترة، وقد جمع الى شرف النسب النبويشرف العلم والحلم والادب، وهو ما تتباهى به العصور. يقول عنهالثعالبي (429 ق): «وهو اليوم ابدع ابنا الزمان، وانجب سادةالعراق، يتحلى - مع محتده الشريف، ومفخره
المنيف - بادب ظاهر، وفضل باهر، وحظ من جميع المحاسنوافر» (يتيمة الدهر في محاسن العصر، الثعالبي:
ج. 3، ص. 155، تحقيق د. مفيد محمد قميحة، الطبعة الاولى 1403ه / 1983م، دار
الكتب العلمية بيروت.). والسيد الرضي كان محدثا ومحققا واديبا، وشاعرا، وهو صاحبالمؤلفات التي بلغت ثمانية عشر
مؤلفا، وقد بلغ بعضها العشرةاجزا، ومن اهمها: مجاز القرآن
ومجاز الحديث ونهجالبلاغة، هذا الثلاثي الرائع الذي الفه من كلام اللّه تعالى،
وكلامالنبي، وكلام الامام(ع)، كان مثار اعجاب العلما والادبا، ولكننهج البلاغة كان
الاشهر والافضل والاكثر تداولا، ولذلك نالمن
الشروح والتعليق، قديما، وحديثا، ما لم ينله
غيره من بقية الكتب البشرية، حتى قاربت المئتي شرحا الى يوم الناس
هذا، ولعل شهرة الرضي جات بسبب جمعه لهذا الكتاب،
الذي كان موضع اهتمام المسلمين وغيرهم من العلما والادبا والمحدثين. وقد صرح السيد الرضي عن سبب تسمية ما جمعه ب «نهجالبلاغة» فقال:
«ورايت من بعد تسمية هذا الكتاب ب (نهجالبلاغة)، اذ كان يفتح للناظر فيه ابوابا،
ويقرب عليه طلابها. فيه حاجة العالم والمتعلم، وبغية البليغ والزاهد، ويمضي في
اثنائه من عجيب الكلام في التوحيد والعدل، وتنزيه اللّه سبحانه وتعالىعن شبه
الخلق، ما هو بلال كل غلة، وشفا كل علة، وجلا كلشبهة...» .( نهج البلاغة، تنظيم صبحي الصالح: مقدمة
الشريف الرضي ص. 36، منشورات دار الهجرة
قم.) |
|
طريقته في الجمع
|
|
كان للسيد الرضي (رحمه اللّه) اسلوبه الخاص في جمع «نهجالبلاغة» وتدوينه، وقد تحدث عن هذا الاسلوب في مقدمة
الكتاب، ونعرض لذلك
باختصار، وفي نقاط هي: 1 - قام (رحمه اللّه) بجمع ما تفرق من كلام الامام(ع) من مصادره
الموثوقة، ودونه في اوراق متفرقة ليستدرك ما يشذ عنه مستقبلا، ثم عمد
الى اختيار محاسن كلامه،
فحذف ما شاء
مما اجتمع عنده، وانتقى ما شاء وفق ذوقه وسليقته، ومبناه البلاغي، ومنهجه في
النظم. فابتدا باختيار محاسن الخطب، ثم
محاسنالكتب، ثم محاسن الحكم، وكان يعترف بعجزه وقصوره عنالاحاطة باقطار كلامه(ع) مع بذل الجهد وبلاغة
الوسع، لغزارته وسعة موارده، يقول الرضي: «... فاجمعت
بتوفيق اللّه تعالى علىالابتدا باختيار محاسن الخطب، ثم محاسن الكتب، ثم
محاسنالحكم والادب، مفردا لكل صنف من ذلك بابا، ومفضلا فيه اوراقا، لتكون
مقدمة لاستدراك ما عساه يشذ عني عاجلا، ويقعالى آجلا...» (المصدر نفسه، ص. 35.). 2 - ان جميع ما ضمه النهج، اخذه الرضي من المصادر التيسبقته زمانا، او التي عاصرته، ولما لم تكن غايته في ما يختاره من كلام الامام (ع) تحقيق سنده، ولا
تصحيح روايته، بقدر اهتمامه بما ينسجم مع الجانب البلاغي والبياني الذي امتاز به،ادرج في النهج ما وجده امامه من
كلمات الامام وخطبه، وكتبه، في مؤلفات المؤرخين والمحدثين، مما نقلوه ورووه عن
الامام(ع)، وعزوه اليه من دون ان يسنده اليهم، وعذره في ذلك انه لم
يكن بعمله هذا راويا، بمعنى الرواة، ولا محدثا على طريقة المحدثين، الذين
يدونون الروايات والاحاديث باسانيد متصلة الى
من صدرت عنه، وانما كان اديبا له حس ادبي فريد، تغريه روائع البلاغة والبيان، ولا يلوي
على شي آخرسواها(مصادر نهج البلاغة، الشيخ عبد اللّه نعمة: ص. 56، مطابع دار
الهدى 1392ه/1972م.). ولذا فان الباحث لا
يجد كثير صعوبة في العثور على جل ما في النهج في غير مصدر مما قد صنف قبل عصر
الرضي باللّه 3 - لما كانت مهمة الرضي محصورة بالجمع مع التمحيصوالتحقيق والانتقاءلضبط مادة النهج، لابراز بلاغة الامام(ع) وفصاحته، فانه لم يراع في ما اختاره التنسيق والتتالي، ولذاجرت هذه الطريقة مشاكل على حساب
التنسيق الفني، ودقة التصنيف والنظم، يقول الرضي: «وربما جاء في ما اختاره منذلك فصول غير متسقة، ومحاسن كلم غير منتظمة، لاني اورد النكت واللمع، ولا اقصد
التتالي والنسق» (نهج البلاغة: ص. 35 و36، مصدر سابق.). 4 - صنف
السيد الرضي النهج بحسب الفنون النثرية، لا
بحسبالموضوعات، فابتدا بالخطب، ثم الرسائل،
ثم الحكم، وكان منالممكن ان تضاف اليه اشكال آخر من فنون النثر، مثل الدعاء، الخاطرة، الزيارة والمحاورة،
والمقالة... الخ، الا انه ادرجها ضمن الابواب
اللائقة بها بحسب مقياسه الجمالي والبلاغي،
واشدها ملامة لغرضه: «ورايت كلامه(ع) يدور على اقطاب ثلاثة،
اولها: الخطب والاوامر، وثانيها: الكتب والرسائل،
وثالثها: الحكم
والمواعظ» (المصدر
نفسه.). 5 - بناءعلى خطته في الجمع، نراه
قد يختار من الخطبة الطويلة مقطعا منها فيقتطعه، وربما
يجمع خطبة واحدة من خطب شتى، ويوزع الخطبة الواحدة الى عدة فصول،
ويدرج كل فصل منها في موضع مستقل، كما انه قد يكرر، في كتابه، الكلام الواحد اوالخطبة الواحدة لوجود
رواية اخرى تختلف عن الاولى، يقول(رحمه اللّه): «وربما جا، في اثنا هذا الاختيار، اللفظ المردد،والمعنى
المكرر، والعذر في ذلك ان روايات كلامه(ع) تختلفاختلافا شديدا. فربما اتفق
الكلام المختار في رواية فنقل علىوجهه، ثم وجد بعد ذلك في رواية اخرى، موضوعا
في غيرموضعه الاول، اما بزيادة مختارة، او لفظ احسن عبارة، فتقتضيالحال ان
يعاد، استظهارا للاختيار، وغيرة على عقائل الكلام...» . (المصدر نفسه.) وربما
يختار من خطب متعددة فصولا ويوردهابنسق خطبة واحدة
(انظر مصادر نهج البلاغة: ص. 56 مصدر سابق، ومدارك نهج البلاغة، الشيخ هادي كاشف
الغطا: ص. 206 ، منشورات مكتبة الاندلس
بيروت.). وقد اشار الى ذلك ابن ابيالحديد في شرح الخطبة (121)، فقال:
«هذا الكلام يتلو بعضهبعضا، ولكنه ثلاثة فصول لا يلتصق احدها بالآخر، وهذه
عادةالرضى، تراه ينتخب من جملة الخطبة الطويلة كلمات فصيحة، يوردها على سبيل
التتالي، وليست متتالية حين تكلم بهاصاحبها» (شرح
نهج البلاغة، ابن ابي الحديد: ج. 7، ص. 298 الاصل (121)، تحقيق محمد ابو الفضل
ابراهيم، طبعة دار الكتب العلمية (اسماعيليان)
قم، افست عن طبعة دار احيا الكتب العربية (عيسى
البابي الحلبي وشركاه) القاهرة 1960م.). وفي موضع آخر من شرحه قال: «هذا كلام منقطع عما قبله، لانالشريف الرضي (رحمه اللّه) كان يلتقط الفصول التي في الطبقة
العليا من الفصاحة من كلام امير المؤمنين(ع) فيذكرها، ويتخطى ما قبلها وما
بعدها» (المصدر نفسه: ج. 7،
ص. 188، الاصل (107)، وهي من خطب الملاحم. وفي شرح الخطبة التي تليها (108): ص.
218. ، قال ايضا: ان الرضي (رحمه اللّه) يقتضب فصولا من خطبة طويلة، فيوردها
ايرادا واحدا، وبعضها منقطع عن البعض.). ف «نهج البلاغة» اذن، وان خلا من وحدة النظم والتنسيق والانسجام بين فصوله، بهذا
المعنى الذي ذكرناه، الا انه تنتظمتهوحدة الروح والمثل والاسلوب على اختلاف
موضوعاتهومقاصده وفنونه، فحينما نطل على «النهج» تغمرنا انواره المشرقة، وعبقاته العطرة،
ويستولي على مشاعرنا جو روحانيايماني اخاذ، وكان المكانة السامية والمقام
الروحي لاميرالمؤمنين وسيد الاوصياء(ع) لا تبعد آنا ما، عما هو مسطور فيه فتحس
بادب الوحي والنبوة، وروحانية الايمان الصادق، واخلاق الامام المعصوم، ذلك كله
في صور فنية رائعة في اعلى طبقات البلاغة والفصاحة.وكاننا نقرا شخصية الامام وسيرته بين
سطور النهج كما وصفها رسول اللّه (ض): «لا يعرفك الا اللّه وانا». وقد قدم السيد الشريف (رحمه اللّه) بعمله هذا خدمة كبيرة على مر العصور للادب واللغة والاخلاق،
وللانسانية عموما، وسوف يوفى اجر المصلحين والمحسنين . فالنهج نسخة فريدة بين آثار بني الانسان تشتمل على معارفالهية عالية، ومنهاج للاخلاق، وقوانين في الاجتماع،
والسياسة،والحرب، والاقتصاد.. ودروس في الحكمة، والادب، والعرفان...الخ. ينهل منه العارف، والفيلسوف، والمتكلم، وعالم
الاجتماعوالسياسة والحرب، والفقيه، والحكيم، والاديب.. |
|
مصادر
الرضي في جمع نهج البلاغة
|
|
ان الامام الرضي محمد بن الحسين الموسوي (قدس سره)، العالم البصير،
والثبت الخبير والمامون، قد تصدى لجمع كلامامير المؤمنين على(ع)، وروايته
وتنظيمه في كتاب اسماه «نهجالبلاغة»، ومنذ اول يوم ظهر فيه هذا الكتاب للوجود، وعرفه الناس، تناقله العلماء،
والادباء، وتلقوه بالقبول والاستحسان،وتصدوا لشرحه وترجمته، والتعليق عليه وعبر
القرون، دونما نكيراو تشكيك الا من بعض الشذاذ دونما سبب مهم يوجب التشكيك من
مناقضة للكتاب الكريم او السنة الثابتة او العقل، ولا لضرورة من ضروريات الدين. وكتاب النهج هذا جدير بان يكون من اجل المصادر واعلاها واوثقها، ولا
يحتاج بعد الى مصدر او مرجع يوثقه، شانه في ذلكشان سائر ما يرويه المحدثون الثقات، فيؤخذ بمروياتهم
من دونتشكيك، ولا مطالبة بمصدر، على انه جا جله مرويا بالاسانيد في مصادر آخر
سابقة او معاصرة لجامع النهج. وقد صرح جامعهالشريف الرضي (رحمه اللّه) - خلاله - في ابواب متفرقة،
بانهنقل بعض نصوص نهج البلاغة من مصادر مدونة، ذكر اسماهاواسما مؤلفيها، ومن
مصادر مروية بالاسانيد المتصلة الىالامام على(ع)، والظاهر ان تخصيص ذلك البعض
بذكرالمصدر دون غيره من مندرجات الكتاب، هو ان ذلك البعض ممالم تتحقق عند المؤلف
نسبته الى امير المؤمنين(ع)، بخلافغيره فانه على ثقة منه ويقين، فلا يحتاج الى
ذكر مصدر له تكونالعهدة عليه في النقل والنسبة، وهذه عادة القدماء من اهلالتاليف (مدارك نهج البلاغة ودفع الشبهات، الشيخ هادي كاشف الغطا:
ص235 مصدر سابق.)، ونحن نذكر مصادره المدونة،
ثم مصادره المروية بالسند كما ذكرها في ثنايا النهج الشريف. (نقلنا هذا الثبت للمصادر من كتاب مدارك نهج البلاغة، للشيخ الهادي كاشف الغطا: ص234، وكتاب مصادر نهج
البلاغة، للشيخ عبد اللّه نعمة: ص. 38 وما بعدها، وكتاب
العذيق النضيد بمصادر ابن ابي الحديد، لاستاذنا الدكتور
احمد الربيعي: ص. 105.) |
|
اولا: المصادر المدونة
|
|
1
- حلف ربيعة واليمن، لابي منذر هشام بن محمد الكلبي(204 ق)، وهو الحلف الذي عقده
الامام على(ع) بين ربيعةواليمن. (شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد: 18/66، 18/68، 1/204، 19/108،
17/131، 18/74، 2/175، 2/186، 19/305، 18/224، 10/64، تحقيق محمد ابو الفضل،
افست عن الطبعة اللولى 1378ه./1959م.، عيسى البابي الحلبي وشركاه القاهرة.) 2 - الجمل، لابي عبد اللّه محمد بن عمرالواقدي (207 ق) . (. 15.. 16. نفسه. 17. نفسه. 18. نفسه.
19. نفسه.). 3- اصلاح المنطق، لابن السكيت ابي يوسف يعقوب بن اسحاق(224 ق)، اصله من الاهواز،
وهو مؤدب ولدي المتوكل العباسي(237 ق) ونديمه . (نفسه) 4 - غريب الحديث، لابي عبيد الهروي القاسم بن سلام(224 ق). (نفسه) 5 - كتاب المقامات، لابي جعفر محمد بنعبد اللّه الاسكافي (240 ق)، وهو في
مناقبالامام على(ع). (نفسه) 6 - المغازي، لابي عثمان سعيد بن يحيي بن ابان بن سعيد بنالعاص بن امية (249
ق). (نفسه) 7 - كتاب البيان والتبيين، لابي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ(255 ق)( نفسه) 8 - المقتضب، لابي عباس محمد بن يزيد المبر د(285 ق) . (نفسه) 9 - تاريخ الرسل والملوك، لابي جعفر محمد بن جرير الطبري(310 ق) . (نفسه) |
|
ثانيا: المصادر المروية بالسند
|
|
1
- رواية ضرار بن ضمرة (ق1 ق)، وذكر ابن ابي الحديد في موضع آخر انه ضرار بن حمزة الضبائي، كان
من خواص الامامعلى(ع)، ورواية ضمرة عن الامام(ع) قوله: يا دنيا غري غيري . (نفسه). 2 - رواية ذعلب اليماني (ق1 ق)، من اصحاب الامام اميرالمؤمنين (ع)، وقد سال ذعلب الامام(ع): هل
رايت ربك ياامير المؤمنين؟ فقال (ع): افاعبد ما لا ارى !؟ . (نفسه) 3 - رواية ابن صدقة العبدي مسعدة بن صدقة (قرن 2)، كانمعاصرا للامامين الصادقين (، وهو
من اعلام الجمهور. له كتاب خطب امير المؤمنين (ع) . (نفسه). 4 - رواية ذعلب اليمامي ابي محمد ذعلب اليمامي (ق4 ق)،من رجال الشيعة ومحدثيهم - يستعمل
ابن ابي الحديد لفظ المحدث بمعنى المؤرخ .( المصدر نفسه: 6 /398 الاصل (90) الخطبة المعروفة بالاشباح، وهي من
جلائل خطبه×، الفهرست، الشيخ الطوسي، ص248 رقم 744 تحقيق جواد القيومي، الطبعة
الاولى 1417ه، مؤسسة نشر الفقاهة قم،
رجال النجاشي، ص. 415، رقم 1108 تحقيق السيد موسى الشبيري الزنجاني، الطبعة
الرابعة 1413ه، مؤسسة النشر الاسلامي
قم.). 5 - رواية ابي جحيفة السوائي وهب بن عبد اللّه (75 ق)، رئيسشرطة امير المؤمنين (ع)، وصاحب
بيت ماله . (المصدر نفسه، 13/18، 19/312.). 6 - رواية كميل بن زياد النخعي (82ق.)، كان من خواص اميرالمؤمنين(ع) . (المصدر نفسه: 17/149، 18/246، 19/99.). 7 - رواية نوف بن فضالة البكالي الحميري (90 - 100 ق)، كان صاحب الامام (ع)، روى عنه خطبة
وحديثا .( المصدر نفسه: 10/76،
18/265.). 8 - حكاية الامام ابي جعفر محمد الباقر بن علي بن الحسين بنعلى بن
ابي طالب (ع) (ت/114 ق)، خامس ائمة اهل البيت المعصومين (عليهم السلام) .( المصدر نفسه: 18/240،20/پ). 9 - رواية ثعلب الشيباني ابي العباس احمد بن يحيى (ت /291 ق)، عن المامون العباسي، عن الامامعلى(ع)
.( المصدر نفسه: 18/240، 20/8.). |
|
اشكاليات
حول الكتاب
|
|
ما ان ظهر كتاب «نهج البلاغة» الذي جمعه الشريف الرضي (رحمه اللّه) حتى انفتح الباب امام الاقلام التي
حركتها وخزاتالحقد والشنن، فاثارت الشبهات حول مصداقية النهج الشريف،وصحة نسبته الى الامام
امير المؤمنين(ع)، فزعمت ان جميع مافي النهج او بعضه هو من تاليف السيد الرضي، او هو من تاليف اخيه السيد المرتضى (436 ق)، او من تاليفهما معا، او منتاليف قوم من فصحاءالشيعة، وضعوه ليزيدوا الناس يقينا بماعرفوه من بلاغة الامام(ع)، وقوة
بيانه، واقتداره وفصاحته،وساقوا في معرض الشك مزاعم لا تصمد امام سلطان العلم
والمنطق، وشواهد الاحوال. ولعل اول من شكك
في صحة ما اثر في النهج هو ابن خلكان(681 ق)، فقد
تردد في مؤلف النهج، أهو الشريف الرضي أمالمرتضى (رحمهما اللّه)؟ فقال: فقد اختلف الناس في
كتاب نهجالبلاغة المجموع من كلام الامام على بن ابي طالب (ع)، هل هو جمعه، ام
جمعه اخيه الرضي؟ وقد قيل: انه ليس من
كلامعلى(ع)، وانما الذي جمعه ونسبه اليه هو الذي وضعه
(وفيات الاعيان، ابن خلكان: ج.3 ص.313، تحقيق د. احسان عباس، دار الثقافة بيروت، افست عن طبعة دار صادر 1972م.). ثم تبعه جملة من الباحثين من قدما ومحدثين، امثال ابن تيمية (728 ق) في منهاج السنة، والذهبي (748 ق) في ميزان الاعتدال، الذي زعم ان واضع النهج هو السيد المرتضى
اخوالرضي. ثم جاءالصفدي (764 ق) في الوافي بالوفيات، واليافعي(768 ق) في مرآة
الجنان، ثم تبع هؤلاء من المحدثين احمد امين،
واحمد حسن الزيات، واحمد زكي، ومحمد كرد علي،وجرجي زيدان، ومحمد سيد كيلاني،
وغيرهم، وبعض المستشرقين، امثال المسيو ديمومبين، الذي حاول
ان يغض من قيمة ما نسب الى الامام (ع) استنادا الى ما شاع قديما من ان الشريف
الرضي هو واضع كتاب «نهج البلاغة» (النثر الفني،
د. زكي مبارك: ج1 ص81، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر بالقاهرة فرع
التوفيقية، لم تذكر سنة الطبع.). |
|
مجمل حجج هؤلاء المنكرين او المشككين
|
|
ومجمل
حجج هؤلاء المنكرين او المشككين تعود الى اسبابكثيرة، بعضها يتعلق بجهة السند،
وبعضها الآخر بمضمونه ومحتواه، وبعضها باسلوبه،
ولعل اكثر الشبهات شهرة وتداولا هي: 1 - خلو الكتب التاريخية والادبية من اكثر ما في النهج، او ان
اكثره عرض منسوبا في غير النهج لغير الامام (ع). 2 - طول بعض الخطب، وتعسر حفظها على الرواة. وهاتان الشبهتان
تتعلقان بالسند. 3 - التعريض بالخلفا السابقين، وبعض الصحابة، كالخطبةالشقشقية
وغيرها، وهذا امر لا يتناسب وواقع الامام(ع)، او انهيتنافى وعقيدة المشكك، او
المنكر. 4 - كثرة الخطب بما لا يتناسب وحاجة الامام(ع) لمثلها عادة. 5 - اطالة بعض الكتب المملوءة بالرا السياسية، والادارية،
والقضائية بما لم يعهد من غيره من الخلفا، كعهده لمالك الاشتر (رضي اللّه عنه). 6 - ما يظهر في النهج من الاخبار بالمغيبات. 7 - اصطباغ بعض محتويات النهج بما لا يتلام مع عصرالامام(ع)، كذكره
بعض الالفاظ المحدثة، كلفظة الازل والازلية، والكيف والعدم، والوجود واستعمال
بعض الالفاظ بمصطلحاتها المنطقية او الفلسفية ك الحد والعلة و المعلول وغيرها،
والتعرض لدقائق علم التوحيد، وابحاثالرؤية والعدل، وكلام الخالق وصفاته ووجوده،
التي نشات بعدعصر الامام(ع). 8 - عدم ملامة اسلوبه لزمن الامام(ع)، بما استعمل فيه منالفنون
البديعية، كالسجع والازدواج، والطباق، الى امثال ذلك مماانتشر في العصر العباسي،
وكدقة الوصف، كوصفه للطاووس، والخفاش والجراد، والسحاب، والجنة والنار، وغيرها. |
|
هذه جملة الشبهات التي اوردوها، ولاجل الرد
عليها نقول:
|
|
اولا
- ان خلو الكتب التاريخية والادبية من اكثر ما في النهج
|
|
اولا - ان خلو الكتب التاريخية والادبية من اكثر ما في النهج لاينهض
دليلا على ان تلك الخطب غير صادرة عنه(ع)، بعد تواتر نقله عن الرضي (رحمه اللّه)
ونسبته له، وتصريح الرضي في جملةمن مؤلفاته بنسبته له، كما جاء في كتاب «حقائق التاويل» قوله: «... ومن اراد ان يعلم برهان ما
اشرنا اليه من ذلك، فلينعم النظرفي كتابنا الذي الفناه و وسمناه ب نهج البلاغة،
وجعلناه يشتمل على مختار جميع الواقع الينا من كلام اميرالمؤمنين (ع) .( حقائق التاويل، الشريف الرضي: شرح العلامة
محمد الرضا آل كاشف الغطا، المطبوع الجزء الخامس من الكتاب ص167 مسالة 18، طبعة
دار الكتب الاسلامية قم، او ص. 287،
طبعة مؤسسة البعثة طهران 1406ه.) وكتابه «المجازات النبوية» حيث قال فيه: ... وقد ذكرنا ذلك فيكتابنا الموسوم ب نهج البلاغة
الذي اوردنا فيه مختار جميع كلامه ص وعلى الطاهرين مناولاده .( المجازات النبوية، الشريف الرضي: ص.
39 40، تحقيق طه محمد الزيني.) وبعد هذا، فان تشكيك ابن خلكان واضرابه لا اعتبار له، بخاصة بعد قول المسعودي (346 ق): ... والذي حفظ الناس عنه
منخطبه في سائر مقاماته اربعمئة خطبة، ونيف وثمانون خطبة،يوردها على البديهة،
تداول الناس ذلك عنه قولاوعملا... . (مروج الذهب، المسعودي: ج2 ص417، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد،
مطبعة السعادة، مصر 1948م.) وقول
اليعقوبي احمد بن اسحاق العباسي (بعد 292 ق) فيكتابه:
«مشاكلة الناس لزمانهم وحفظ الناس عنه الخطب، فانه خطب باربعمئة خطبة، حفظت
عنه، وهي التي تدور بين الناس، ويستعملونها في خطبهم...» (مشاكلة الناس لزمانهم: ص. 15.)،
ونحو ذلك قول عبدالحميد الكاتب (132 ق)، وقول ابن نباته (374 ق)، وغيرهما. وواضح ان «نهج البلاغة» لا يشتمل على هذا العدد، بل الذيضمه بين دفتيه حوالى 240
خطبة و79 كتابا، وهو دون ما ذكروه بكثير. وربما كان منشا الشك في نسبته الى اخيه المرتضى، هو تلقيب بعض المؤرخين له بالمرتضى، تعريفا له بلقب جده ابراهيم، ثمتفرد الرضي بلقبه هذا
واشتهر به بعد ان اختير نقيبا للهاشميين. كما ان تشكيك يعقوب صروف صاحب «المقتطف» (مجلة المقتطف: المجلد 42، ج. 3، ص. 248 الصادرة في آذار 1913م.) في مقالة له تحت عنوان: «عهد الامام وكتاب السلطان با يزيد
الثاني»، بان نهج البلاغة كله مظنون، وقد اقحم فيه بعض الخطب في عصور
متاخرة، وضرب على ذلكالمثل بالتفاوت بين ما بايدينا من عهد الامام (ع) لمالك الاشتر، وبين ما وجد منه
في نسخة كتبت للسلطان بايزيد منذخمسمئة عام، فوجد ان نسخة النهج ابسط واطول من نسخةالسلطان با يزيد المخطوطة سنة
858 ق، فاستنتج من ذلك ان هذه الزيادة انما حدثت منذ سنة 858 ق الى زمن طبع
نسخة النهج في مصر او بيروت سنة 1307ق، وبنى على هذا الامرتشكيكه. هذا التشكيك لا اعتبار له بعد وجود نسخ مقروءة على جامعها الشريف الرضي نفسه كتبت سنة 400ق ، وموقع عليها بقلمه، ومتلقاة منه يدا بيد، وعصرا بعد عصر، وهي مطابقة لما بايدينا من
النسخ، ولو كان فيها اقحام او زيادة لنبه على ذلك الشراح على كثرتهم، كشرح ابن ابي الحديد (656ق) الذي
فيه النص كاملا على الصورة الموجودة في النسخة
المطبوعة، وكذا شرح الفيلسوف العارف ابن ميثم البحراني (679 ق). ومن هذا كله يتضح ان نسخة
السلطان بايزيد اما مختصرة من نسخة النهج، أوانها نسخت على رواية اخرى، وما اكثر
المصادر التي تروي كلام الامام(ع). اما دعوى اختلاق السيد الشريف الرضي للنهج ووضعه له فكلام لا يمكن ان يصدر من عارف بتاريخ الشريف وخلقه، وورعهوكماله ووثاقته. وبعده عن
التعصب المذهبي، ورتبته من العلم والادب، ومكانته الاجتماعية وما كتبه عنه المؤرخون والمترجمون اكثر
مما ذكرنا من حميد الخصال وجليل الفعال، هذه الصفات تابى عليه ان يتجاوزها فيختلق وينسب الى الامام (ع) ما ليس له، فهذا
الرجل فوق التهم والظنون. ثم، لماذا كل هذا الايثار من السيد الرضي؟ فهلا نسب النهج لذاته ليسجل نفسه في
لوحة عظماء التاريخ وادبائهم؟! اذن فالنهج نهجالامام (ع)، لكن الاقلام المنكوسة الحاقدة هي التي الصقت بالشريف تهمة الوضع
والخيانة والدس، وبالامام (ع) تهمة العجز والقصور، وحاشاه صلوات اللّه عليه. اضافة الى ما ذكرنا، فان الكثير من الكتب التاريخية، والحديثية المعروفة قبل زمان الرضي، قد تناولت كثيرا من نصوص النهج كاليعقوبي، والطبري، والكليني، والنجاشي، والجاحظ، وغيرهم عشرات من
امثالهم. وهناك من المحدثين والمؤرخين من جمع كلام الامام او خطبه او قسما منها، وقد ذهب بعض هذه المجموعات مع الزمن، وتلف ضمن ما تلف من تراثنا العربي
والاسلامي، بسبب الحروب والفتن، وبقيت الاسماءفقط، يعرفها كل من عني بالتراثالاسلامي، ومن
هذه المجموعات: 1 - كتاب «خطب امير المؤمنين(ع) على الناس في الجمعوالاعياد»،
لزيد بن وهب الجهني الكوفي (96 ق). 2 - كتاب «خطب امير المؤمنين(ع)»، المروية عن امامنا الصادق(ع)
(148 ق). 3 - كتاب «خطب الامام علي»، لهشام بن السائب الكلبي (206 ق). 4 - كتاب «خطب على(ع) وكتبه الى عماله»، لابي الحسن علي بن محمد
المدائني (225 ق). 5 - كتاب «رسائل امير المؤمنين(ع)»، لابراهيم بن محمد بنسعيد بن
هلال الثقفي (283 ق)، وعشرات من نظائرها. وبعد
هذا، فهل يمكن ان ينسب جميع النهج أو بعضه الىالشريف الرضي، او الى غيره؟ والواقع ان اتهام السيد الرضي بوضع «نهج البلاغة» قديم
كما قلنا،كما ان الدفاع عنه قديم ايضا. ونكتفي في هذا المجال بذكر دفاع شارح النهج عز
الدين ابي حامد بن ابي الحديد المعتزلي الشافعي، عن نسبة نهج البلاغة الى الامام امير المؤمنين(ع)، حيث يقول: فان كثيرا من ارباب الهوى يقولون: ان كثيرا من (نهجالبلاغة) كلام محدث، صنعه قوم من فصحاء الشيعة، وربما عزوا بعضه الى الرضي
ابي الحسن وغيره، وهؤلا قوم اعمت العصبية اعينهم، فضلوا عن النهج الواضح، وركبوا بنيات الطريق، ضلالا وقلة معرفة
باساليب الكلام، وانا اوضح لك بكلام مختصرما في هذا الخاطر من الغلط، فاقول: لا يخلو اما ان يكون كل (نهجالبلاغة) مصنوعا منحولا، او بعضه. والاول
باطل بالضرورة، لانا
نعلم بالتواتر صحة اسناد بعضه الى امير المؤمنين(ع)، وقد نقل المحدثون كلهم او جلهم، والمؤرخون كثيرا منه، وليسوا من
الشيعة لينسبوا الى غرض فيذلك. والثاني
يدل على ما قلناه،
لان من قد انس بالكلام والخطابة،وشدا طرفا من علم البيان، وصار له ذوق في هذا
الباب، لابد انيفرق بين الكلام الركيك والفصيح،
وبين الفصيح والافصح، وبينالاصيل والمولد،
واذا وقف على كراس واحد يتضمنكلام الجماعة من الخطباء، او لاثنين منهم فقط، فلابد ان يفرق
بينالكلامين، ويميز بين الطريقتين.... وانت اذا تاملت «نهج البلاغة» وجدته كله ما واحدا،ونفساواحدا ، واسلوبا واحدا، كالجسم بسيط،
الذي ليس بعضمنابعاضه مخالفا لباقي الابعاض في الماهية، وكالقرآن العزيز،
اوله كاوسطه، واوسطه كآخره، وكل سورة منه، وكل آية مماثلة فيالماخذ والمذهب
والفن والطريق والنظم لباقي اليات والسور، ولو كان بعض «نهج البلاغة» منحولا وبعضه صحيحا، لم يكن ذلككذلك، فقط ظهر لك بهذا البرهان الواضح ضلال
من زعم ان هذاالكتاب او بعضه منحول الى امير المؤمنين (ع). واعلم ان قائل هذا القول يطرق على نفسه ما لا قبل له به، لانامتى فتحنا هذا الباب، وسلطنا
الشكوك على انفسنا في هذا النحو، لم نثق بصحة كلام منقول عن رسول اللّه (ص) ابدا، وساغ لطاعن ان يطعن ويقول: هذا الخبر منحول، وهذا الكلام مصنوع، وكذلك مانقل عن ابي بكر وعمر
من الكلام والخطب والمواعظ والادب وغير ذلك، وكل امر جعله هذا الطاعن مستندا له
في ما يرويه عنالنبي (ص)، والائمة الراشدين، والصحابة والتابعين، والشعراء
والمترسلين، والخطباء، فلناصري امير المؤمنين (ع) ان يستندوا الى مثله في ما
يروونه عنه من «نهج البلاغة» وغيره، وهذا واضح . (شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد: ج.
10، ص. 128 129.). واما نسبة بعض خطب النهج
لغير الامام (ع)، فقد كان مناختلاق المؤرخين وفعلهم عن
خطا او عمد ، كالخطبة التينسبت الى معاوية،
الذي القاها في جماعة من قريش قبيل وفاته: «ايها الناس، انا قد اصبحنا في دهر
عنود، وزمن كنود، يعد فيهالمحسن مسيئا، ويزداد الظالم فيه عتوا... الخ» . (نهج البلاغة: ص. 74، الخطبة 32، مصدر سابق.) وقد شكك
الجاحظ في هذه النسبة - بعد ان ذكر هذه الخطبة،وذكر
من نسبها الى معاوية - لاسباب اهمها: «ان هذا الكلام بكلام على(ع) اشبه... ثم قال: ومتى وجدنا معاوية في حال منالاحوال يسلك في
كلامه مسلك الزهاد، ومذاهبالعباد؟!» . (شرح نهج
البلاغة، ابن ابي الحديد: ج. 2 ص. 175، وراجع البيان والتبيين، الجاحظ: ج. 2 ص.
56 58، تحقيق وشرح السندوبي، الطبعة
الاولى 1345ه / 1927م، المطبعةالرحمانية مصر.) اقول: هذا مع العلم ان الجاحظ كان معتزليا عثماني المذهب، لايميل لعلى (ع) ولا يفضله على عثمان او غيره منالخلفاء . (شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد: ج. 1،
ص. 7.). وانى للرضي او غيره من فصحاء الشيعة وغيرهم محاكاة الامام(ع)، او مجاراته في اسلوبه وطريقته، او في معانيه
والفاظه. |
|
ثانيا
- اما التشكيك بنسبة بعض الخطب له(ع)، لطولها، ولتعذر حفظها على الرواة،
|
|
اما التشكيك بنسبة بعض الخطب له(ع)، لطولها، ولتعذر حفظها على
الرواة، فهو كسابقه تشكيك
لا قيمة له، اذاعرفنا انالعرب كانوا في تلك العصور يعتمدون على قوة الحافظة،
وسرعتها، فقد كانوا يحفظون القصائد الطوال لمجرد سماعها. حكى صاحب الاغاني، ان ابن عباس (رحمه
اللّه) حفظ
قصيدة عمر بن ابي ربيعة: «امن آل نعم انت غاد
فمبكر» لمجرد سماعها بقراءة واحدة. وخطب النهج ليست بدعا من خطب النبي (ص) او الخلفاء، ولو كان الحفظ يتعذر، لكان الشك يسري الى كل ما حفظ من خطبالنبيص
والخلفا، والولاة وغيرهم من اهل الجاهلية والاسلام. ومن المحتمل ان خطب الامام(ع) كانت تكتب بعد سماعهامن قبل اصحابه
ومريديه. |
|
ثالثا
- اما وجود خطب تعرض فيها الامام(ع) لبعض الصحابة والخلفاء السابقين، وطعنت
عليهم ونالت منهم،
|
|
-
اما وجود خطب تعرض فيها الامام(ع) لبعض الصحابة والخلفاء السابقين، وطعنت عليهم
ونالت منهم، واكثر هذه
التعريضات جات في الخطبة الشقشقية، وقد ذكر ذلك غير واحد ممن شكك في النهج كابن
تيمية والذهبي، وقد صرح الاخير في ميزان الاعتدال، بقوله: «ومن طالع كتابه نهج
البلاغة جزم بانه مكذوب على امير المؤمنين على(ع)، ففيه السب الصراح والحط من
السيدين ابي بكر وعمر...» .( ميزان الاعتدال، للذهبي: ج. 3، ص. 124، رقم 5827، تحقيق علي محمد
البجاوي، دار الفكر بيروت.) والجواب: ان التعرض لنقد الصحابة - في الواقع - لا ينسجم مع عقيدة المشكك
ومذهبه، باعتباره قائما على بدعة عدالة الصحابة وتنزيههم. والواقع التاريخي والموضوعي يرفضه بشكل
قاطع،حيث ان كثيرا من الاخبار في غير النهج تؤكد وقوع التسابوالتشاجر،
والتخاصم، والاغتياب وشهر السلاح والاغتيال بينالصحابة. وقد ذكر ابن ابي الحديد ذلك فيشرحه.
(شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد ج. 20،
ص. 17 35.). واما الواقع السياسي، فان الامام(ع) بحكم اقصائه وابتزاز حقهودفعه فقد نقم على بعض
الصحابة، وهذا امر يقتضيه على
ايحال، سواء لحظنا الامام
(ع) كبشر... يغضب ويتالم ويرضى، اذا تعرض الى مفارقات كالتي تعرض لها يوم السقيفة، او يومالشورى، او
غيرها وهو صاحب الحق، او جراتهم على بيته، وزوجته. ام لحظناه كحجة للّه وامام هدى
يتوقف ادا رسالته على تاكيد مظلوميته، وانه صاحب الحق المنصوص عليه منالنبي
(ص)، والمقصى عن مقام الامامة والخلافة، فيبين ذلك علىالملاء حتى تتم له الحجة
على الناس، ويتم ايصال تعاليم الاسلام والنبي (ص) ووصاياه اليهم. ثم ان هذه الخطبة - الشقشقية - رويت في مصادر كثيرة قبل الشريف الرضي، وكلها تستمد من مصدر واحد وهو ابن عباس، متفقة في المعنى وان اختلفت الفاظها، فلو كان واضعها الرضي لنقلت عن
النهج بوجه واحد في جميع المصادر. وفي معرض دفاع ابن ابي الحديد عن نسبة هذه الخطبة الىالامام(ع) ينقل هذه القصة الظريفة، ثم يذكر بعض
المصادر قبلعصر السيد الرضي، فيقول: «قال
مصدق (مصدق بن شبيب بن الحسين الصلحي الواسطي، ذكره
القفطي في انباه الرواة: ج. 3، ص. 274، وقال: انه قدم بغداد، وقرا بها على ابن
الخشاب، وحبشي بن محمد الضرير، وعبدالرحمن بن الانباري وغيرهم، وتوفي ببغداد
سنة (605 ه).): وكان ابن الخشاب صاحب دعابة
وهزل، قال: فقلت له: اتقول انها منحولة؟! فقال: لا واللّه، واني لاعلم انها
كلامه، كما اعلم انك مصدق. قال: فقلت له: ان كثيرا من الناس يقولون انها من كلام الرضى. للّه فقال: انى للرضى ولغير الرضي هذا النفس وهذا الاسلوب! قدوقفنا على رسائل
الرضي، وعرفنا طريقته وفنه في الكلام المنثور، وما يقع من هذا الكلام في خل ولا
خمر. ثم قال: واللّه لقد وقفتعلى هذه الخطبة في كتب صنفت قبل ان يخلق الرضيبمئتي سنة، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط اعرفها،
واعرف خطوط من هو من العلماء واهل الادب قبل ان يخلق النقيب ابواحمد والد الرضى. قلت: وقد وجدت انا كثيرا من هذه الخطبة في تصانيف شيخناأبي القاسم البلخي(ابو القاسم البلخي عبد اللّه بن احمد بن محمود الكعبي
البلخي، كان راس طائفة من المعتزلة يقال لهم (الكعبية)، من آرائه: ان اللّه
سبحانه وتعالى ليست له ارادة، وان جميع افعاله واقعة منهبغير ارادة ولا مشيئة
منه لها. (ت/319ه)، وفي وفيات الاعيان وفاته (317ه)، ذكره النديم في الفهرست:
ص. 7، تحقيق رضا تجدد، طهران 1391ه، وقال:كان من اهل بلخ، يطوف البلاد ويجول
الارض، حسنالمعرفة بالفلسفة والعلوم القديمة... ورايت بخطه شيئا كثيرا في علوم
كثيرة مسودات ودساتير لم يخرج منها الى الناس كتاب تامف. وراجع وفيات الاعيان،
ابن خلكان: ج. 3، ص. 45 رقم. 330 مصدر سابق، الجواهر المضية في طبقاتالحنفية،
عبدالقادر بن محمد الحنفي: ج. 2، ص. 296، رقم 693 تحقيق د. عبدالفتاح محمد
الحلو، مكتبة الايمان، افست عن طبعة مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه
1398ه القاهرة.) امام البغداديين من المعتزلة، وكان في دولة المقتدر قبل ان يخلق الرضي بمدة
طويلة. ووجدت
ايضا كثيرا منها في كتاب ابي جعفر ابن قبة (هو ابو جعفر محمد بن عبدالرحمن بن قبة الرازي، من
متكلمي الشيعة وحذاقهم، وله من الكتب كتاب الانصاف في
الامامة. توفي بعد سنة 328ه الفهرست، الطوسي: ص. 207، رقم596، مصدر سابق،
فهرست النديم: ص. 225، الفن الثاني من المقالة الخامسة، مصدر سابق.) احد
متكلمي الامامية، وهو الكتاب المشهور المعروف بكتاب
«الانصاف»، وكان ابو جعفر هذا من تلامذة الشيخ ابي القاسم البلخي، ومات في ذلك العصر قبل ان يكون الرضى (رحمهاللّه) موجودا» . (شرح نهج البلاغة: ج. 1، ص. 205.). |
|
رابعا
- اما قضية كثرة الخطب،
|
|
فانها كانت قياسا
الى كثرة الدواعي والاغراض، وتراكم الاحداث والظروف السياسية،والعسكرية،
والاجتماعية، والاخلاقية، قليلة، لان جميع هذهالامور تحتاج الى كلام كثير هو
اضعاف ما ورد في النهج منالخطب. وقد ذكرنا روايتي المسعودي واليعقوبي وغيرهما، بان المروي اكثر من ذلك المدون في النهج بكثير. (مروج الذهب، المسعودي: ج. 2، ص. 417، مصدر سابق، مشاكلة الناس
لزمانهم، اليعقوبي: ص. 15.) |
|
خامسا
- واما الاطالة في الكتب، وبخاصة عهد مالك،
|
|
واما الاطالة في الكتب، وبخاصة عهد مالك، فهي ضرورة اقتضتها ظروف الحركة التغييرية التي تبناها الامام
(ع)،بعد بروز ظاهرة الفساد الاداري واستهتار الولاة، فاراد الامام(ع)ان يعهد عهدا، يكون
منهاجا يسير عليه الولاة عموما، ويقرا على الامة ليكون شاهدا ورقيبا على
تصرفاتهم، وحتى مالك في حنكته وحزمه وتقواه، يحتاج الى نصح الامام(ع) وتوجيهه. ثم ان هذا العهد الذي يرسم علاقة الحاكم مع القضاة، والقواد،
والتجار، والعمال، والجند، والرعية.. لا يسعه الا الاطالة والاسهاب النافع، والبيان الشافي، كما هي الحال في زماننا حينما يكتب
دستور للامة او تعين وظائف الحاكم. |
|
سادسا
- واما اخباره بالمغيبات،
|
|
واما اخباره بالمغيبات، كاخباره عن قيام دولة بني امية وسقوطها، ومصير الخوارج، ومصرع ذي
الثدية، وحركة الزنج، وحروب التتار وفظائعهم، وغير ذلك مما اجمع المؤرخون علىتحققها وتواتر نقلها. فلا يكفي مجرد التشكيك فيها او
تهويلها لرفع اليد عنها، اللهم الا ان يقال باستحالة الاخبار بالمغيبات فيحق
الامام(ع). على انه (ع) لا يدعي ذلك لنفسه، كما صرح بذلك للرجل الكلبي الذي
بادره قائلا: لقد اعطيت يا اميرالمؤمنين علم الغيب، فاجابه الامام(ع): ليس هو بعلم غيب
وانما هو تعلم من ذي علم ولا يستغرب ذلك من الامام(ع) او يستكثر عليه الا من لايعرف منزلة الامام ومقامه، وان النبي
(ص) قد اختصه بعلمه وسره وعنايته، كما اخبره (ص) بالمغيبات على نحو الاجمال،
ثم هداه الىافضل الطرق التي يعي بسببها تفصيل ما اجمله (ص) له، كاخباره بما
سيقع من حوادث ووقائع تجري من بعده، كقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. ثم، من قال انه لا يجوز له (ع) ان يخبر عن حوادث تقع فيمستقبل
الزمان، اخذ علمها عن النبي ص عن اللّه تعالى؟! وما هو المانع من ان يطلع اللّه
تعالى على غيبه من ارتضى منالرسل، كما جا في قوله تعالى: عالم الغيب فلا يظهر علىغيبه احدا الا من
ارتضى من رسول [الجن/26 و27]، وان يامر باعلانه للناس لمصلحة ما؟! علاوة على ان في القرآن
الكريم اخبارا لكثير من المغيبات والحوادث المستقبلية بين آياته. وهناك اليوم، وفي ضوء العلم الحديث، محاولات تفسيرية علىاسس علمية
للاخبار بالمغيبات، وقد ذهب العلماء الى وجود قوىخارقة، وملكات نفسية عالية،
تستنتج القضايا الاجتماعية منمقدماتها واسبابها. واذا كان الامر كذلك.. فمن اولى بذلك من على(ع)؟ لماعرفت من تقدمه في العلم، وسابقته
في تقواه، وطهارة ملكاتهالنفسية، وصفا روحه وتعلقها بحضيرة القدس الاعلى... |
|
سابعا
- اما موضوع اشتمال النهج على ما لا يتلام مع عصرالامام(ع)،
|
|
اما موضوع اشتمال النهج على ما لا يتلام مع عصرالامام(ع)، لورود
الفاظ محدثة لم تكن مالوفة ومستعملة فيعصره، ولم يذكرها اهل اللغة، كالازل،
والكيف وغيرها، فانه وان ذكر ذلك الزمخشري (اساس البلاغة، الزمخشري: ص. 5، الطبعة الاولى، 1992م، دار بيروت
للطباعة والنشر، على مطابع دار صادر.)، فانه غير قادح فيه بعدورودها في كلام افصح من نطق بالضاد بعد
الرسول (ص)، ولا يقبل اجتهاد اللغوي في قبال النص العربي. ثم، ان لغويين آخرين اسبق من الزمخشري زمانا، واكثر منه اتقانا، كاصحاب القاموس والمصباح والمجمع قد ذكروا بعضهذه الكلمات وشرحوا
معناها، ولم يدعوا انها محدثة. على ان ورودها في «نهج البلاغة» دليل قدمها، اسوة بسائر الكلمات التي يستدل على قدمها بابيات من
الشعر، او فقرات من النثر العربي البليغ. اما استعمال بعض الالفاظ بمصطلحات فلسفية او منطقية،كالحد، والعدم، والمعلول وغيرها، فانها استعملت في النهجبمعانيها
اللغوية، ولا يقدح فيه نقل
المناطقة ذلك في عرفهم، ولايمنع استعمالها في كلام العرب، ومنهم الامام امير
المؤمنين علىبن ابي طالب(ع). واما التنظير والتفريع والقياس فهو من ذهنية العرب وفطرتهم، وهو موجود في القرآن الكريم، واحاديث
الرسول (ص)، فضلا عن كلام العرب. واما ورود بعض الافكار الفلسفية كدقائق علم التوحيد، وابحاثالعدل، والرؤية، وصفات الخالق
وغيرها.. فهذا كلام لا يصح،لانمن يطالع النهج لا يجد فيه نظرية
كاملة يحتاج في معرفتها الى درس واستقراء، حتى يحتج باشتماله على علوم لم
تعرفالابعد زمن طويل. ثم لو اخذنا بهذا الشكل من التشكيك، لزم ان ننكر ان جذور علم الكلام الذي ظهرت بوادره منذ نزول
القرآنالكريم حين يستدل على وجود الخالق، او نفي اللهية، وللزم انننكر كذلك
مواهب الامام وعلمه الذي هو علم النبيغ وتجاربهوعصمته، وانه (ع) هو القرآن
الناطق. |
|
ثامنا
- اما اسلوبه، وما فيه من صناعة لفظية من سجع، وطباق،ومقابلة، وازدواج
|
|
اما اسلوبه، وما فيه من صناعة لفظية من سجع، وطباق،ومقابلة،
وازدواج... فانها وان اشتهرت
في العصور العباسية، لكنهاليست مبتدعة في السبك العربي كي يوجب وجودها في
النهجالشك في نسبته للامام(ع). فهذا القرآن الكريم معجزة البلاغة،جاء حافلا بالمحسنات على اسمى مثال، كسورة الرحمن، والقمر
وغيرهما، وهذه خطب الرسول (ص) والخلفاء وكتبهم،بعضها مسجوعة، وقد عقد الدكتور زكي مبارك فصلا في كتابه «النثر الفني» (النثر الفني، زكي مبارك: ج. 1، ص. 75، مصدر سابق.) لدراسة
اساليب صدر الاسلام، واورد فيه نصوصاكثيرة مسجوعة، يعرف منها حقيقة القول:
انالسجع من خصائص العصور المتاخرة، اي من ايام العباسيين. واما المطابقة والجناس والتقابل من انواع البديع فهو كثير فيالقرآن، وورودها في النهج لا يعني بحال انه منحول البتة. وتاتي اساليب الامام منمقة لا تكلف فيها ولا عقد ولا التواء. وما يقال عن الاسلوب، يقال عن دقة الوصف، كما في وصفهللطاووس،
والخفاش، والجراد وغيرها. ولا يستبعد صدوره ممنتتلمذ للقرآن الكريم، الذي فيه من دقائق
الوصف للحيواناتوغيرها، كما في اليات التي ورد فيها ذكر النحل، والنمل،
والبعوضة، والغراب. كما ان من تتلمذ للقرآن الكريم، الذي فيه من آيات التوحيدالباهرات، وصفات الخالق العظيم، لا
يستكثر عليه ان ياتي بامثالهذه الافكار الدقيقة في التوحيد، والعدل، والرؤية،
كقوله(ع): من حده فقد عده . والصحيح ان يقال: ان اسلوب الامام(ع) بز اساليب البلغاء جميعا ، ولهذا كان كلامه فوق كلام المخلوقين،
ودون كلام الخالق.وما دام ان لخطبه ورسائله وكلماته(ع) نظائر في القرآن الكريم، وفي
احاديث النبي الاقدس (ص)، فلا قيمة للتشكيك في صحة ماورد في النهج الشريف. وما هذه الشبهات الا غارة يشنها اعداالاسلام قديما وحديثا، وهي لا تقوى
على مصادمة الحقوالصدق، وقد تصدى غير واحد من الاعلام على مر العصور لدفعها (انظر في هذا المجال: مدارك نهج البلاغة، الشيخ هادي كاشف
الغطا، مصادر نهج البلاغة، الشيخ عبد اللّه نعمة، مصادر نهج البلاغة، المحقق
السيد عبدالزهرا الخطيب، وغيرها.). ولا شك في ان الدكتور زكي مبارك كان اكثر انصافا حين قال فيمعرض دفاعه مستخفا بمن شكك في نهج البلاغة: «الذين نسبوا نهج البلاغة الى الرضي يحتجون بانه وضعها لاغراض
شيعية. فلم لا نقول من
جانبنا بان تهمة الوضع
جات لتاييد خصوم الحملات الشيعية!؟» . (النثر الفني: ج. 1، ص. 81، مصدر سابق.). |
|
واخيرا،
|
|
واخيرا، فان اعتقادنا في كتاب «نهج البلاغة» وفي جامعه السيدالرضي، هو ان
جميع ما فيه من الخطب والوصايا والحكم والاداب، حاله كحال ما يروى عن النبي (ص)، وعن اهل بيته الاطهار (عليهم السلام) في
جوامع الاخبار الصحيحة، وفي الكتبالدينية المعتبرة. وان منه ما هو قطعي الصدور، ومنه ما يدخلهاقسام الحديث المعروفة. واما مؤلفه وجامعه الشريف الرضي(رحمه اللّه)، فاعتقادنا فيه بانه منزه عن كل ما يشين الرواة ويقدح في عدالتهم، وبانه لم ينشئ شيئا من نفسه وادخله
في النهج، كما انه لم يدخل فيه شيئا يعلم انه لغير اميرالمؤمنين(ع). بل لم يكن كحاطب ليل، فهو لا يروي شيئا الا بعد التثبت،
ولا ينقله الا عمن يعتمد عليه من الرواة، واهل السير والتاريخ. فجميع ما في النهج هو من كلام مولانا اميرالمؤمنين (ع) على رواية الثقة العدل، ولا دخيل فيه ولاوضع . (مدارك نهج البلاغة ودفع الشبهات، الشيخ هادي كاشف الغطا:
ص197.). السيد عبد الهادي الشريفي المصدر: مجلة
المنهاج / الرقم 36 |
|
نهج البلاغة جمعه،
مصادره مناقشة التشكيك في نسبته الى الامام علي(ع)
|
|
السيد عبد الهادي الشريفي المصدر: مجلة المنهاج / الرقم 36 |
|
جامع النهج الشريف هذا النتاج الجليل
|
|
تصدى لجمعه وتبويبه السيد الشريف، النقيبابو الحسن محمد بن الحسين الرضي الموسوي (359 -406 ق)، واطلق عليه اسم «نهج البلاغة»، ليشير بذلك الى ان هذا النتاج هو المثال لبلاغة التعبير بعد كتاب اللّه العزيز، وقد ظهر فيعصر ازدهرت فيه الحضارة الاسلامية والعربية،
وظهر فيه اشهرالنوابغ في مختلف العلوم الانسانية والداب. والسيد الشريفالرضي هو مفخرة العترة، وقد جمع الى شرف النسب النبويشرف العلم والحلم والادب، وهو ما تتباهى به العصور. يقول عنهالثعالبي (429 ق): «وهو اليوم ابدع ابنا الزمان، وانجب سادةالعراق، يتحلى - مع محتده الشريف، ومفخره
المنيف - بادب ظاهر، وفضل باهر، وحظ من جميع المحاسنوافر» (يتيمة الدهر في محاسن العصر، الثعالبي:
ج. 3، ص. 155، تحقيق د. مفيد محمد قميحة، الطبعة الاولى 1403ه / 1983م، دار
الكتب العلمية بيروت.). والسيد الرضي كان محدثا ومحققا واديبا، وشاعرا، وهو صاحبالمؤلفات التي بلغت ثمانية عشر
مؤلفا، وقد بلغ بعضها العشرةاجزا، ومن اهمها: مجاز القرآن
ومجاز الحديث ونهجالبلاغة، هذا الثلاثي الرائع الذي الفه من كلام اللّه تعالى،
وكلامالنبي، وكلام الامام(ع)، كان مثار اعجاب العلما والادبا، ولكننهج البلاغة كان
الاشهر والافضل والاكثر تداولا، ولذلك نالمن
الشروح والتعليق، قديما، وحديثا، ما لم ينله
غيره من بقية الكتب البشرية، حتى قاربت المئتي شرحا الى يوم الناس
هذا، ولعل شهرة الرضي جات بسبب جمعه لهذا الكتاب،
الذي كان موضع اهتمام المسلمين وغيرهم من العلما والادبا والمحدثين. وقد صرح السيد الرضي عن سبب تسمية ما جمعه ب «نهجالبلاغة» فقال:
«ورايت من بعد تسمية هذا الكتاب ب (نهجالبلاغة)، اذ كان يفتح للناظر فيه ابوابا،
ويقرب عليه طلابها. فيه حاجة العالم والمتعلم، وبغية البليغ والزاهد، ويمضي في
اثنائه من عجيب الكلام في التوحيد والعدل، وتنزيه اللّه سبحانه وتعالىعن شبه
الخلق، ما هو بلال كل غلة، وشفا كل علة، وجلا كلشبهة...» .( نهج البلاغة، تنظيم صبحي الصالح: مقدمة
الشريف الرضي ص. 36، منشورات دار الهجرة
قم.) |
|
طريقته في الجمع
|
|
كان للسيد الرضي (رحمه اللّه) اسلوبه الخاص في جمع «نهجالبلاغة» وتدوينه، وقد تحدث عن هذا الاسلوب في مقدمة
الكتاب، ونعرض لذلك
باختصار، وفي نقاط هي: 1 - قام (رحمه اللّه) بجمع ما تفرق من كلام الامام(ع) من مصادره
الموثوقة، ودونه في اوراق متفرقة ليستدرك ما يشذ عنه مستقبلا، ثم عمد
الى اختيار محاسن كلامه،
فحذف ما شاء
مما اجتمع عنده، وانتقى ما شاء وفق ذوقه وسليقته، ومبناه البلاغي، ومنهجه في
النظم. فابتدا باختيار محاسن الخطب، ثم
محاسنالكتب، ثم محاسن الحكم، وكان يعترف بعجزه وقصوره عنالاحاطة باقطار كلامه(ع) مع بذل الجهد وبلاغة
الوسع، لغزارته وسعة موارده، يقول الرضي: «... فاجمعت
بتوفيق اللّه تعالى علىالابتدا باختيار محاسن الخطب، ثم محاسن الكتب، ثم
محاسنالحكم والادب، مفردا لكل صنف من ذلك بابا، ومفضلا فيه اوراقا، لتكون
مقدمة لاستدراك ما عساه يشذ عني عاجلا، ويقعالى آجلا...» (المصدر نفسه، ص. 35.). 2 - ان جميع ما ضمه النهج، اخذه الرضي من المصادر التيسبقته زمانا، او التي عاصرته، ولما لم تكن غايته في ما يختاره من كلام الامام (ع) تحقيق سنده، ولا
تصحيح روايته، بقدر اهتمامه بما ينسجم مع الجانب البلاغي والبياني الذي امتاز به،ادرج في النهج ما وجده امامه من
كلمات الامام وخطبه، وكتبه، في مؤلفات المؤرخين والمحدثين، مما نقلوه ورووه عن
الامام(ع)، وعزوه اليه من دون ان يسنده اليهم، وعذره في ذلك انه لم
يكن بعمله هذا راويا، بمعنى الرواة، ولا محدثا على طريقة المحدثين، الذين
يدونون الروايات والاحاديث باسانيد متصلة الى
من صدرت عنه، وانما كان اديبا له حس ادبي فريد، تغريه روائع البلاغة والبيان، ولا يلوي
على شي آخرسواها(مصادر نهج البلاغة، الشيخ عبد اللّه نعمة: ص. 56، مطابع دار
الهدى 1392ه/1972م.). ولذا فان الباحث لا
يجد كثير صعوبة في العثور على جل ما في النهج في غير مصدر مما قد صنف قبل عصر
الرضي باللّه 3 - لما كانت مهمة الرضي محصورة بالجمع مع التمحيصوالتحقيق والانتقاءلضبط مادة النهج، لابراز بلاغة الامام(ع) وفصاحته، فانه لم يراع في ما اختاره التنسيق والتتالي، ولذاجرت هذه الطريقة مشاكل على حساب
التنسيق الفني، ودقة التصنيف والنظم، يقول الرضي: «وربما جاء في ما اختاره منذلك فصول غير متسقة، ومحاسن كلم غير منتظمة، لاني اورد النكت واللمع، ولا اقصد
التتالي والنسق» (نهج البلاغة: ص. 35 و36، مصدر سابق.). 4 - صنف
السيد الرضي النهج بحسب الفنون النثرية، لا
بحسبالموضوعات، فابتدا بالخطب، ثم الرسائل،
ثم الحكم، وكان منالممكن ان تضاف اليه اشكال آخر من فنون النثر، مثل الدعاء، الخاطرة، الزيارة والمحاورة،
والمقالة... الخ، الا انه ادرجها ضمن الابواب
اللائقة بها بحسب مقياسه الجمالي والبلاغي،
واشدها ملامة لغرضه: «ورايت كلامه(ع) يدور على اقطاب ثلاثة،
اولها: الخطب والاوامر، وثانيها: الكتب والرسائل،
وثالثها: الحكم
والمواعظ» (المصدر
نفسه.). 5 - بناءعلى خطته في الجمع، نراه
قد يختار من الخطبة الطويلة مقطعا منها فيقتطعه، وربما
يجمع خطبة واحدة من خطب شتى، ويوزع الخطبة الواحدة الى عدة فصول،
ويدرج كل فصل منها في موضع مستقل، كما انه قد يكرر، في كتابه، الكلام الواحد اوالخطبة الواحدة لوجود
رواية اخرى تختلف عن الاولى، يقول(رحمه اللّه): «وربما جا، في اثنا هذا الاختيار، اللفظ المردد،والمعنى
المكرر، والعذر في ذلك ان روايات كلامه(ع) تختلفاختلافا شديدا. فربما اتفق
الكلام المختار في رواية فنقل علىوجهه، ثم وجد بعد ذلك في رواية اخرى، موضوعا
في غيرموضعه الاول، اما بزيادة مختارة، او لفظ احسن عبارة، فتقتضيالحال ان
يعاد، استظهارا للاختيار، وغيرة على عقائل الكلام...» . (المصدر نفسه.) وربما
يختار من خطب متعددة فصولا ويوردهابنسق خطبة واحدة
(انظر مصادر نهج البلاغة: ص. 56 مصدر سابق، ومدارك نهج البلاغة، الشيخ هادي كاشف
الغطا: ص. 206 ، منشورات مكتبة الاندلس
بيروت.). وقد اشار الى ذلك ابن ابيالحديد في شرح الخطبة (121)، فقال:
«هذا الكلام يتلو بعضهبعضا، ولكنه ثلاثة فصول لا يلتصق احدها بالآخر، وهذه
عادةالرضى، تراه ينتخب من جملة الخطبة الطويلة كلمات فصيحة، يوردها على سبيل
التتالي، وليست متتالية حين تكلم بهاصاحبها» (شرح
نهج البلاغة، ابن ابي الحديد: ج. 7، ص. 298 الاصل (121)، تحقيق محمد ابو الفضل
ابراهيم، طبعة دار الكتب العلمية (اسماعيليان)
قم، افست عن طبعة دار احيا الكتب العربية (عيسى
البابي الحلبي وشركاه) القاهرة 1960م.). وفي موضع آخر من شرحه قال: «هذا كلام منقطع عما قبله، لانالشريف الرضي (رحمه اللّه) كان يلتقط الفصول التي في الطبقة
العليا من الفصاحة من كلام امير المؤمنين(ع) فيذكرها، ويتخطى ما قبلها وما
بعدها» (المصدر نفسه: ج. 7،
ص. 188، الاصل (107)، وهي من خطب الملاحم. وفي شرح الخطبة التي تليها (108): ص.
218. ، قال ايضا: ان الرضي (رحمه اللّه) يقتضب فصولا من خطبة طويلة، فيوردها
ايرادا واحدا، وبعضها منقطع عن البعض.). ف «نهج البلاغة» اذن، وان خلا من وحدة النظم والتنسيق والانسجام بين فصوله، بهذا
المعنى الذي ذكرناه، الا انه تنتظمتهوحدة الروح والمثل والاسلوب على اختلاف
موضوعاتهومقاصده وفنونه، فحينما نطل على «النهج» تغمرنا انواره المشرقة، وعبقاته العطرة،
ويستولي على مشاعرنا جو روحانيايماني اخاذ، وكان المكانة السامية والمقام
الروحي لاميرالمؤمنين وسيد الاوصياء(ع) لا تبعد آنا ما، عما هو مسطور فيه فتحس
بادب الوحي والنبوة، وروحانية الايمان الصادق، واخلاق الامام المعصوم، ذلك كله
في صور فنية رائعة في اعلى طبقات البلاغة والفصاحة.وكاننا نقرا شخصية الامام وسيرته بين
سطور النهج كما وصفها رسول اللّه (ض): «لا يعرفك الا اللّه وانا». وقد قدم السيد الشريف (رحمه اللّه) بعمله هذا خدمة كبيرة على مر العصور للادب واللغة والاخلاق،
وللانسانية عموما، وسوف يوفى اجر المصلحين والمحسنين . فالنهج نسخة فريدة بين آثار بني الانسان تشتمل على معارفالهية عالية، ومنهاج للاخلاق، وقوانين في الاجتماع،
والسياسة،والحرب، والاقتصاد.. ودروس في الحكمة، والادب، والعرفان...الخ. ينهل منه العارف، والفيلسوف، والمتكلم، وعالم
الاجتماعوالسياسة والحرب، والفقيه، والحكيم، والاديب.. |
|
مصادر
الرضي في جمع نهج البلاغة
|
|
ان الامام الرضي محمد بن الحسين الموسوي (قدس سره)، العالم البصير،
والثبت الخبير والمامون، قد تصدى لجمع كلامامير المؤمنين على(ع)، وروايته
وتنظيمه في كتاب اسماه «نهجالبلاغة»، ومنذ اول يوم ظهر فيه هذا الكتاب للوجود، وعرفه الناس، تناقله العلماء،
والادباء، وتلقوه بالقبول والاستحسان،وتصدوا لشرحه وترجمته، والتعليق عليه وعبر
القرون، دونما نكيراو تشكيك الا من بعض الشذاذ دونما سبب مهم يوجب التشكيك من
مناقضة للكتاب الكريم او السنة الثابتة او العقل، ولا لضرورة من ضروريات الدين. وكتاب النهج هذا جدير بان يكون من اجل المصادر واعلاها واوثقها، ولا
يحتاج بعد الى مصدر او مرجع يوثقه، شانه في ذلكشان سائر ما يرويه المحدثون الثقات، فيؤخذ بمروياتهم
من دونتشكيك، ولا مطالبة بمصدر، على انه جا جله مرويا بالاسانيد في مصادر آخر
سابقة او معاصرة لجامع النهج. وقد صرح جامعهالشريف الرضي (رحمه اللّه) - خلاله - في ابواب متفرقة،
بانهنقل بعض نصوص نهج البلاغة من مصادر مدونة، ذكر اسماهاواسما مؤلفيها، ومن
مصادر مروية بالاسانيد المتصلة الىالامام على(ع)، والظاهر ان تخصيص ذلك البعض
بذكرالمصدر دون غيره من مندرجات الكتاب، هو ان ذلك البعض ممالم تتحقق عند المؤلف
نسبته الى امير المؤمنين(ع)، بخلافغيره فانه على ثقة منه ويقين، فلا يحتاج الى
ذكر مصدر له تكونالعهدة عليه في النقل والنسبة، وهذه عادة القدماء من اهلالتاليف (مدارك نهج البلاغة ودفع الشبهات، الشيخ هادي كاشف الغطا:
ص235 مصدر سابق.)، ونحن نذكر مصادره المدونة،
ثم مصادره المروية بالسند كما ذكرها في ثنايا النهج الشريف. (نقلنا هذا الثبت للمصادر من كتاب مدارك نهج البلاغة، للشيخ الهادي كاشف الغطا: ص234، وكتاب مصادر نهج
البلاغة، للشيخ عبد اللّه نعمة: ص. 38 وما بعدها، وكتاب
العذيق النضيد بمصادر ابن ابي الحديد، لاستاذنا الدكتور
احمد الربيعي: ص. 105.) |
|
اولا: المصادر المدونة
|
|
1
- حلف ربيعة واليمن، لابي منذر هشام بن محمد الكلبي(204 ق)، وهو الحلف الذي عقده
الامام على(ع) بين ربيعةواليمن. (شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد: 18/66، 18/68، 1/204، 19/108،
17/131، 18/74، 2/175، 2/186، 19/305، 18/224، 10/64، تحقيق محمد ابو الفضل،
افست عن الطبعة اللولى 1378ه./1959م.، عيسى البابي الحلبي وشركاه القاهرة.) 2 - الجمل، لابي عبد اللّه محمد بن عمرالواقدي (207 ق) . (. 15.. 16. نفسه. 17. نفسه. 18. نفسه.
19. نفسه.). 3- اصلاح المنطق، لابن السكيت ابي يوسف يعقوب بن اسحاق(224 ق)، اصله من الاهواز،
وهو مؤدب ولدي المتوكل العباسي(237 ق) ونديمه . (نفسه) 4 - غريب الحديث، لابي عبيد الهروي القاسم بن سلام(224 ق). (نفسه) 5 - كتاب المقامات، لابي جعفر محمد بنعبد اللّه الاسكافي (240 ق)، وهو في
مناقبالامام على(ع). (نفسه) 6 - المغازي، لابي عثمان سعيد بن يحيي بن ابان بن سعيد بنالعاص بن امية (249
ق). (نفسه) 7 - كتاب البيان والتبيين، لابي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ(255 ق)( نفسه) 8 - المقتضب، لابي عباس محمد بن يزيد المبر د(285 ق) . (نفسه) 9 - تاريخ الرسل والملوك، لابي جعفر محمد بن جرير الطبري(310 ق) . (نفسه) |
|
ثانيا: المصادر المروية بالسند
|
|
1
- رواية ضرار بن ضمرة (ق1 ق)، وذكر ابن ابي الحديد في موضع آخر انه ضرار بن حمزة الضبائي، كان
من خواص الامامعلى(ع)، ورواية ضمرة عن الامام(ع) قوله: يا دنيا غري غيري . (نفسه). 2 - رواية ذعلب اليماني (ق1 ق)، من اصحاب الامام اميرالمؤمنين (ع)، وقد سال ذعلب الامام(ع): هل
رايت ربك ياامير المؤمنين؟ فقال (ع): افاعبد ما لا ارى !؟ . (نفسه) 3 - رواية ابن صدقة العبدي مسعدة بن صدقة (قرن 2)، كانمعاصرا للامامين الصادقين (، وهو
من اعلام الجمهور. له كتاب خطب امير المؤمنين (ع) . (نفسه). 4 - رواية ذعلب اليمامي ابي محمد ذعلب اليمامي (ق4 ق)،من رجال الشيعة ومحدثيهم - يستعمل
ابن ابي الحديد لفظ المحدث بمعنى المؤرخ .( المصدر نفسه: 6 /398 الاصل (90) الخطبة المعروفة بالاشباح، وهي من
جلائل خطبه×، الفهرست، الشيخ الطوسي، ص248 رقم 744 تحقيق جواد القيومي، الطبعة
الاولى 1417ه، مؤسسة نشر الفقاهة قم،
رجال النجاشي، ص. 415، رقم 1108 تحقيق السيد موسى الشبيري الزنجاني، الطبعة
الرابعة 1413ه، مؤسسة النشر الاسلامي
قم.). 5 - رواية ابي جحيفة السوائي وهب بن عبد اللّه (75 ق)، رئيسشرطة امير المؤمنين (ع)، وصاحب
بيت ماله . (المصدر نفسه، 13/18، 19/312.). 6 - رواية كميل بن زياد النخعي (82ق.)، كان من خواص اميرالمؤمنين(ع) . (المصدر نفسه: 17/149، 18/246، 19/99.). 7 - رواية نوف بن فضالة البكالي الحميري (90 - 100 ق)، كان صاحب الامام (ع)، روى عنه خطبة
وحديثا .( المصدر نفسه: 10/76،
18/265.). 8 - حكاية الامام ابي جعفر محمد الباقر بن علي بن الحسين بنعلى بن
ابي طالب (ع) (ت/114 ق)، خامس ائمة اهل البيت المعصومين (عليهم السلام) .( المصدر نفسه: 18/240،20/پ). 9 - رواية ثعلب الشيباني ابي العباس احمد بن يحيى (ت /291 ق)، عن المامون العباسي، عن الامامعلى(ع)
.( المصدر نفسه: 18/240، 20/8.). |
|
اشكاليات
حول الكتاب
|
|
ما ان ظهر كتاب «نهج البلاغة» الذي جمعه الشريف الرضي (رحمه اللّه) حتى انفتح الباب امام الاقلام التي
حركتها وخزاتالحقد والشنن، فاثارت الشبهات حول مصداقية النهج الشريف،وصحة نسبته الى الامام
امير المؤمنين(ع)، فزعمت ان جميع مافي النهج او بعضه هو من تاليف السيد الرضي، او هو من تاليف اخيه السيد المرتضى (436 ق)، او من تاليفهما معا، او منتاليف قوم من فصحاءالشيعة، وضعوه ليزيدوا الناس يقينا بماعرفوه من بلاغة الامام(ع)، وقوة
بيانه، واقتداره وفصاحته،وساقوا في معرض الشك مزاعم لا تصمد امام سلطان العلم
والمنطق، وشواهد الاحوال. ولعل اول من شكك
في صحة ما اثر في النهج هو ابن خلكان(681 ق)، فقد
تردد في مؤلف النهج، أهو الشريف الرضي أمالمرتضى (رحمهما اللّه)؟ فقال: فقد اختلف الناس في
كتاب نهجالبلاغة المجموع من كلام الامام على بن ابي طالب (ع)، هل هو جمعه، ام
جمعه اخيه الرضي؟ وقد قيل: انه ليس من
كلامعلى(ع)، وانما الذي جمعه ونسبه اليه هو الذي وضعه
(وفيات الاعيان، ابن خلكان: ج.3 ص.313، تحقيق د. احسان عباس، دار الثقافة بيروت، افست عن طبعة دار صادر 1972م.). ثم تبعه جملة من الباحثين من قدما ومحدثين، امثال ابن تيمية (728 ق) في منهاج السنة، والذهبي (748 ق) في ميزان الاعتدال، الذي زعم ان واضع النهج هو السيد المرتضى
اخوالرضي. ثم جاءالصفدي (764 ق) في الوافي بالوفيات، واليافعي(768 ق) في مرآة
الجنان، ثم تبع هؤلاء من المحدثين احمد امين،
واحمد حسن الزيات، واحمد زكي، ومحمد كرد علي،وجرجي زيدان، ومحمد سيد كيلاني،
وغيرهم، وبعض المستشرقين، امثال المسيو ديمومبين، الذي حاول
ان يغض من قيمة ما نسب الى الامام (ع) استنادا الى ما شاع قديما من ان الشريف
الرضي هو واضع كتاب «نهج البلاغة» (النثر الفني،
د. زكي مبارك: ج1 ص81، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر بالقاهرة فرع
التوفيقية، لم تذكر سنة الطبع.). |
|
مجمل حجج هؤلاء المنكرين او المشككين
|
|
ومجمل
حجج هؤلاء المنكرين او المشككين تعود الى اسبابكثيرة، بعضها يتعلق بجهة السند،
وبعضها الآخر بمضمونه ومحتواه، وبعضها باسلوبه،
ولعل اكثر الشبهات شهرة وتداولا هي: 1 - خلو الكتب التاريخية والادبية من اكثر ما في النهج، او ان
اكثره عرض منسوبا في غير النهج لغير الامام (ع). 2 - طول بعض الخطب، وتعسر حفظها على الرواة. وهاتان الشبهتان
تتعلقان بالسند. 3 - التعريض بالخلفا السابقين، وبعض الصحابة، كالخطبةالشقشقية
وغيرها، وهذا امر لا يتناسب وواقع الامام(ع)، او انهيتنافى وعقيدة المشكك، او
المنكر. 4 - كثرة الخطب بما لا يتناسب وحاجة الامام(ع) لمثلها عادة. 5 - اطالة بعض الكتب المملوءة بالرا السياسية، والادارية،
والقضائية بما لم يعهد من غيره من الخلفا، كعهده لمالك الاشتر (رضي اللّه عنه). 6 - ما يظهر في النهج من الاخبار بالمغيبات. 7 - اصطباغ بعض محتويات النهج بما لا يتلام مع عصرالامام(ع)، كذكره
بعض الالفاظ المحدثة، كلفظة الازل والازلية، والكيف والعدم، والوجود واستعمال
بعض الالفاظ بمصطلحاتها المنطقية او الفلسفية ك الحد والعلة و المعلول وغيرها،
والتعرض لدقائق علم التوحيد، وابحاثالرؤية والعدل، وكلام الخالق وصفاته ووجوده،
التي نشات بعدعصر الامام(ع). 8 - عدم ملامة اسلوبه لزمن الامام(ع)، بما استعمل فيه منالفنون
البديعية، كالسجع والازدواج، والطباق، الى امثال ذلك مماانتشر في العصر العباسي،
وكدقة الوصف، كوصفه للطاووس، والخفاش والجراد، والسحاب، والجنة والنار، وغيرها. |
|
هذه جملة الشبهات التي اوردوها، ولاجل الرد
عليها نقول:
|
|
اولا
- ان خلو الكتب التاريخية والادبية من اكثر ما في النهج
|
|
اولا - ان خلو الكتب التاريخية والادبية من اكثر ما في النهج لاينهض
دليلا على ان تلك الخطب غير صادرة عنه(ع)، بعد تواتر نقله عن الرضي (رحمه اللّه)
ونسبته له، وتصريح الرضي في جملةمن مؤلفاته بنسبته له، كما جاء في كتاب «حقائق التاويل» قوله: «... ومن اراد ان يعلم برهان ما
اشرنا اليه من ذلك، فلينعم النظرفي كتابنا الذي الفناه و وسمناه ب نهج البلاغة،
وجعلناه يشتمل على مختار جميع الواقع الينا من كلام اميرالمؤمنين (ع) .( حقائق التاويل، الشريف الرضي: شرح العلامة
محمد الرضا آل كاشف الغطا، المطبوع الجزء الخامس من الكتاب ص167 مسالة 18، طبعة
دار الكتب الاسلامية قم، او ص. 287،
طبعة مؤسسة البعثة طهران 1406ه.) وكتابه «المجازات النبوية» حيث قال فيه: ... وقد ذكرنا ذلك فيكتابنا الموسوم ب نهج البلاغة
الذي اوردنا فيه مختار جميع كلامه ص وعلى الطاهرين مناولاده .( المجازات النبوية، الشريف الرضي: ص.
39 40، تحقيق طه محمد الزيني.) وبعد هذا، فان تشكيك ابن خلكان واضرابه لا اعتبار له، بخاصة بعد قول المسعودي (346 ق): ... والذي حفظ الناس عنه
منخطبه في سائر مقاماته اربعمئة خطبة، ونيف وثمانون خطبة،يوردها على البديهة،
تداول الناس ذلك عنه قولاوعملا... . (مروج الذهب، المسعودي: ج2 ص417، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد،
مطبعة السعادة، مصر 1948م.) وقول
اليعقوبي احمد بن اسحاق العباسي (بعد 292 ق) فيكتابه:
«مشاكلة الناس لزمانهم وحفظ الناس عنه الخطب، فانه خطب باربعمئة خطبة، حفظت
عنه، وهي التي تدور بين الناس، ويستعملونها في خطبهم...» (مشاكلة الناس لزمانهم: ص. 15.)،
ونحو ذلك قول عبدالحميد الكاتب (132 ق)، وقول ابن نباته (374 ق)، وغيرهما. وواضح ان «نهج البلاغة» لا يشتمل على هذا العدد، بل الذيضمه بين دفتيه حوالى 240
خطبة و79 كتابا، وهو دون ما ذكروه بكثير. وربما كان منشا الشك في نسبته الى اخيه المرتضى، هو تلقيب بعض المؤرخين له بالمرتضى، تعريفا له بلقب جده ابراهيم، ثمتفرد الرضي بلقبه هذا
واشتهر به بعد ان اختير نقيبا للهاشميين. كما ان تشكيك يعقوب صروف صاحب «المقتطف» (مجلة المقتطف: المجلد 42، ج. 3، ص. 248 الصادرة في آذار 1913م.) في مقالة له تحت عنوان: «عهد الامام وكتاب السلطان با يزيد
الثاني»، بان نهج البلاغة كله مظنون، وقد اقحم فيه بعض الخطب في عصور
متاخرة، وضرب على ذلكالمثل بالتفاوت بين ما بايدينا من عهد الامام (ع) لمالك الاشتر، وبين ما وجد منه
في نسخة كتبت للسلطان بايزيد منذخمسمئة عام، فوجد ان نسخة النهج ابسط واطول من نسخةالسلطان با يزيد المخطوطة سنة
858 ق، فاستنتج من ذلك ان هذه الزيادة انما حدثت منذ سنة 858 ق الى زمن طبع
نسخة النهج في مصر او بيروت سنة 1307ق، وبنى على هذا الامرتشكيكه. هذا التشكيك لا اعتبار له بعد وجود نسخ مقروءة على جامعها الشريف الرضي نفسه كتبت سنة 400ق ، وموقع عليها بقلمه، ومتلقاة منه يدا بيد، وعصرا بعد عصر، وهي مطابقة لما بايدينا من
النسخ، ولو كان فيها اقحام او زيادة لنبه على ذلك الشراح على كثرتهم، كشرح ابن ابي الحديد (656ق) الذي
فيه النص كاملا على الصورة الموجودة في النسخة
المطبوعة، وكذا شرح الفيلسوف العارف ابن ميثم البحراني (679 ق). ومن هذا كله يتضح ان نسخة
السلطان بايزيد اما مختصرة من نسخة النهج، أوانها نسخت على رواية اخرى، وما اكثر
المصادر التي تروي كلام الامام(ع). اما دعوى اختلاق السيد الشريف الرضي للنهج ووضعه له فكلام لا يمكن ان يصدر من عارف بتاريخ الشريف وخلقه، وورعهوكماله ووثاقته. وبعده عن
التعصب المذهبي، ورتبته من العلم والادب، ومكانته الاجتماعية وما كتبه عنه المؤرخون والمترجمون اكثر
مما ذكرنا من حميد الخصال وجليل الفعال، هذه الصفات تابى عليه ان يتجاوزها فيختلق وينسب الى الامام (ع) ما ليس له، فهذا
الرجل فوق التهم والظنون. ثم، لماذا كل هذا الايثار من السيد الرضي؟ فهلا نسب النهج لذاته ليسجل نفسه في
لوحة عظماء التاريخ وادبائهم؟! اذن فالنهج نهجالامام (ع)، لكن الاقلام المنكوسة الحاقدة هي التي الصقت بالشريف تهمة الوضع
والخيانة والدس، وبالامام (ع) تهمة العجز والقصور، وحاشاه صلوات اللّه عليه. اضافة الى ما ذكرنا، فان الكثير من الكتب التاريخية، والحديثية المعروفة قبل زمان الرضي، قد تناولت كثيرا من نصوص النهج كاليعقوبي، والطبري، والكليني، والنجاشي، والجاحظ، وغيرهم عشرات من
امثالهم. وهناك من المحدثين والمؤرخين من جمع كلام الامام او خطبه او قسما منها، وقد ذهب بعض هذه المجموعات مع الزمن، وتلف ضمن ما تلف من تراثنا العربي
والاسلامي، بسبب الحروب والفتن، وبقيت الاسماءفقط، يعرفها كل من عني بالتراثالاسلامي، ومن
هذه المجموعات: 1 - كتاب «خطب امير المؤمنين(ع) على الناس في الجمعوالاعياد»،
لزيد بن وهب الجهني الكوفي (96 ق). 2 - كتاب «خطب امير المؤمنين(ع)»، المروية عن امامنا الصادق(ع)
(148 ق). 3 - كتاب «خطب الامام علي»، لهشام بن السائب الكلبي (206 ق). 4 - كتاب «خطب على(ع) وكتبه الى عماله»، لابي الحسن علي بن محمد
المدائني (225 ق). 5 - كتاب «رسائل امير المؤمنين(ع)»، لابراهيم بن محمد بنسعيد بن
هلال الثقفي (283 ق)، وعشرات من نظائرها. وبعد
هذا، فهل يمكن ان ينسب جميع النهج أو بعضه الىالشريف الرضي، او الى غيره؟ والواقع ان اتهام السيد الرضي بوضع «نهج البلاغة» قديم
كما قلنا،كما ان الدفاع عنه قديم ايضا. ونكتفي في هذا المجال بذكر دفاع شارح النهج عز
الدين ابي حامد بن ابي الحديد المعتزلي الشافعي، عن نسبة نهج البلاغة الى الامام امير المؤمنين(ع)، حيث يقول: فان كثيرا من ارباب الهوى يقولون: ان كثيرا من (نهجالبلاغة) كلام محدث، صنعه قوم من فصحاء الشيعة، وربما عزوا بعضه الى الرضي
ابي الحسن وغيره، وهؤلا قوم اعمت العصبية اعينهم، فضلوا عن النهج الواضح، وركبوا بنيات الطريق، ضلالا وقلة معرفة
باساليب الكلام، وانا اوضح لك بكلام مختصرما في هذا الخاطر من الغلط، فاقول: لا يخلو اما ان يكون كل (نهجالبلاغة) مصنوعا منحولا، او بعضه. والاول
باطل بالضرورة، لانا
نعلم بالتواتر صحة اسناد بعضه الى امير المؤمنين(ع)، وقد نقل المحدثون كلهم او جلهم، والمؤرخون كثيرا منه، وليسوا من
الشيعة لينسبوا الى غرض فيذلك. والثاني
يدل على ما قلناه،
لان من قد انس بالكلام والخطابة،وشدا طرفا من علم البيان، وصار له ذوق في هذا
الباب، لابد انيفرق بين الكلام الركيك والفصيح،
وبين الفصيح والافصح، وبينالاصيل والمولد،
واذا وقف على كراس واحد يتضمنكلام الجماعة من الخطباء، او لاثنين منهم فقط، فلابد ان يفرق
بينالكلامين، ويميز بين الطريقتين.... وانت اذا تاملت «نهج البلاغة» وجدته كله ما واحدا،ونفساواحدا ، واسلوبا واحدا، كالجسم بسيط،
الذي ليس بعضمنابعاضه مخالفا لباقي الابعاض في الماهية، وكالقرآن العزيز،
اوله كاوسطه، واوسطه كآخره، وكل سورة منه، وكل آية مماثلة فيالماخذ والمذهب
والفن والطريق والنظم لباقي اليات والسور، ولو كان بعض «نهج البلاغة» منحولا وبعضه صحيحا، لم يكن ذلككذلك، فقط ظهر لك بهذا البرهان الواضح ضلال
من زعم ان هذاالكتاب او بعضه منحول الى امير المؤمنين (ع). واعلم ان قائل هذا القول يطرق على نفسه ما لا قبل له به، لانامتى فتحنا هذا الباب، وسلطنا
الشكوك على انفسنا في هذا النحو، لم نثق بصحة كلام منقول عن رسول اللّه (ص) ابدا، وساغ لطاعن ان يطعن ويقول: هذا الخبر منحول، وهذا الكلام مصنوع، وكذلك مانقل عن ابي بكر وعمر
من الكلام والخطب والمواعظ والادب وغير ذلك، وكل امر جعله هذا الطاعن مستندا له
في ما يرويه عنالنبي (ص)، والائمة الراشدين، والصحابة والتابعين، والشعراء
والمترسلين، والخطباء، فلناصري امير المؤمنين (ع) ان يستندوا الى مثله في ما
يروونه عنه من «نهج البلاغة» وغيره، وهذا واضح . (شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد: ج.
10، ص. 128 129.). واما نسبة بعض خطب النهج
لغير الامام (ع)، فقد كان مناختلاق المؤرخين وفعلهم عن
خطا او عمد ، كالخطبة التينسبت الى معاوية،
الذي القاها في جماعة من قريش قبيل وفاته: «ايها الناس، انا قد اصبحنا في دهر
عنود، وزمن كنود، يعد فيهالمحسن مسيئا، ويزداد الظالم فيه عتوا... الخ» . (نهج البلاغة: ص. 74، الخطبة 32، مصدر سابق.) وقد شكك
الجاحظ في هذه النسبة - بعد ان ذكر هذه الخطبة،وذكر
من نسبها الى معاوية - لاسباب اهمها: «ان هذا الكلام بكلام على(ع) اشبه... ثم قال: ومتى وجدنا معاوية في حال منالاحوال يسلك في
كلامه مسلك الزهاد، ومذاهبالعباد؟!» . (شرح نهج
البلاغة، ابن ابي الحديد: ج. 2 ص. 175، وراجع البيان والتبيين، الجاحظ: ج. 2 ص.
56 58، تحقيق وشرح السندوبي، الطبعة
الاولى 1345ه / 1927م، المطبعةالرحمانية مصر.) اقول: هذا مع العلم ان الجاحظ كان معتزليا عثماني المذهب، لايميل لعلى (ع) ولا يفضله على عثمان او غيره منالخلفاء . (شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد: ج. 1،
ص. 7.). وانى للرضي او غيره من فصحاء الشيعة وغيرهم محاكاة الامام(ع)، او مجاراته في اسلوبه وطريقته، او في معانيه
والفاظه. |
|
ثانيا
- اما التشكيك بنسبة بعض الخطب له(ع)، لطولها، ولتعذر حفظها على الرواة،
|
|
اما التشكيك بنسبة بعض الخطب له(ع)، لطولها، ولتعذر حفظها على
الرواة، فهو كسابقه تشكيك
لا قيمة له، اذاعرفنا انالعرب كانوا في تلك العصور يعتمدون على قوة الحافظة،
وسرعتها، فقد كانوا يحفظون القصائد الطوال لمجرد سماعها. حكى صاحب الاغاني، ان ابن عباس (رحمه
اللّه) حفظ
قصيدة عمر بن ابي ربيعة: «امن آل نعم انت غاد
فمبكر» لمجرد سماعها بقراءة واحدة. وخطب النهج ليست بدعا من خطب النبي (ص) او الخلفاء، ولو كان الحفظ يتعذر، لكان الشك يسري الى كل ما حفظ من خطبالنبيص
والخلفا، والولاة وغيرهم من اهل الجاهلية والاسلام. ومن المحتمل ان خطب الامام(ع) كانت تكتب بعد سماعهامن قبل اصحابه
ومريديه. |
|
ثالثا
- اما وجود خطب تعرض فيها الامام(ع) لبعض الصحابة والخلفاء السابقين، وطعنت
عليهم ونالت منهم،
|
|
-
اما وجود خطب تعرض فيها الامام(ع) لبعض الصحابة والخلفاء السابقين، وطعنت عليهم
ونالت منهم، واكثر هذه
التعريضات جات في الخطبة الشقشقية، وقد ذكر ذلك غير واحد ممن شكك في النهج كابن
تيمية والذهبي، وقد صرح الاخير في ميزان الاعتدال، بقوله: «ومن طالع كتابه نهج
البلاغة جزم بانه مكذوب على امير المؤمنين على(ع)، ففيه السب الصراح والحط من
السيدين ابي بكر وعمر...» .( ميزان الاعتدال، للذهبي: ج. 3، ص. 124، رقم 5827، تحقيق علي محمد
البجاوي، دار الفكر بيروت.) والجواب: ان التعرض لنقد الصحابة - في الواقع - لا ينسجم مع عقيدة المشكك
ومذهبه، باعتباره قائما على بدعة عدالة الصحابة وتنزيههم. والواقع التاريخي والموضوعي يرفضه بشكل
قاطع،حيث ان كثيرا من الاخبار في غير النهج تؤكد وقوع التسابوالتشاجر،
والتخاصم، والاغتياب وشهر السلاح والاغتيال بينالصحابة. وقد ذكر ابن ابي الحديد ذلك فيشرحه.
(شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد ج. 20،
ص. 17 35.). واما الواقع السياسي، فان الامام(ع) بحكم اقصائه وابتزاز حقهودفعه فقد نقم على بعض
الصحابة، وهذا امر يقتضيه على
ايحال، سواء لحظنا الامام
(ع) كبشر... يغضب ويتالم ويرضى، اذا تعرض الى مفارقات كالتي تعرض لها يوم السقيفة، او يومالشورى، او
غيرها وهو صاحب الحق، او جراتهم على بيته، وزوجته. ام لحظناه كحجة للّه وامام هدى
يتوقف ادا رسالته على تاكيد مظلوميته، وانه صاحب الحق المنصوص عليه منالنبي
(ص)، والمقصى عن مقام الامامة والخلافة، فيبين ذلك علىالملاء حتى تتم له الحجة
على الناس، ويتم ايصال تعاليم الاسلام والنبي (ص) ووصاياه اليهم. ثم ان هذه الخطبة - الشقشقية - رويت في مصادر كثيرة قبل الشريف الرضي، وكلها تستمد من مصدر واحد وهو ابن عباس، متفقة في المعنى وان اختلفت الفاظها، فلو كان واضعها الرضي لنقلت عن
النهج بوجه واحد في جميع المصادر. وفي معرض دفاع ابن ابي الحديد عن نسبة هذه الخطبة الىالامام(ع) ينقل هذه القصة الظريفة، ثم يذكر بعض
المصادر قبلعصر السيد الرضي، فيقول: «قال
مصدق (مصدق بن شبيب بن الحسين الصلحي الواسطي، ذكره
القفطي في انباه الرواة: ج. 3، ص. 274، وقال: انه قدم بغداد، وقرا بها على ابن
الخشاب، وحبشي بن محمد الضرير، وعبدالرحمن بن الانباري وغيرهم، وتوفي ببغداد
سنة (605 ه).): وكان ابن الخشاب صاحب دعابة
وهزل، قال: فقلت له: اتقول انها منحولة؟! فقال: لا واللّه، واني لاعلم انها
كلامه، كما اعلم انك مصدق. قال: فقلت له: ان كثيرا من الناس يقولون انها من كلام الرضى. للّه فقال: انى للرضى ولغير الرضي هذا النفس وهذا الاسلوب! قدوقفنا على رسائل
الرضي، وعرفنا طريقته وفنه في الكلام المنثور، وما يقع من هذا الكلام في خل ولا
خمر. ثم قال: واللّه لقد وقفتعلى هذه الخطبة في كتب صنفت قبل ان يخلق الرضيبمئتي سنة، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط اعرفها،
واعرف خطوط من هو من العلماء واهل الادب قبل ان يخلق النقيب ابواحمد والد الرضى. قلت: وقد وجدت انا كثيرا من هذه الخطبة في تصانيف شيخناأبي القاسم البلخي(ابو القاسم البلخي عبد اللّه بن احمد بن محمود الكعبي
البلخي، كان راس طائفة من المعتزلة يقال لهم (الكعبية)، من آرائه: ان اللّه
سبحانه وتعالى ليست له ارادة، وان جميع افعاله واقعة منهبغير ارادة ولا مشيئة
منه لها. (ت/319ه)، وفي وفيات الاعيان وفاته (317ه)، ذكره النديم في الفهرست:
ص. 7، تحقيق رضا تجدد، طهران 1391ه، وقال:كان من اهل بلخ، يطوف البلاد ويجول
الارض، حسنالمعرفة بالفلسفة والعلوم القديمة... ورايت بخطه شيئا كثيرا في علوم
كثيرة مسودات ودساتير لم يخرج منها الى الناس كتاب تامف. وراجع وفيات الاعيان،
ابن خلكان: ج. 3، ص. 45 رقم. 330 مصدر سابق، الجواهر المضية في طبقاتالحنفية،
عبدالقادر بن محمد الحنفي: ج. 2، ص. 296، رقم 693 تحقيق د. عبدالفتاح محمد
الحلو، مكتبة الايمان، افست عن طبعة مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه
1398ه القاهرة.) امام البغداديين من المعتزلة، وكان في دولة المقتدر قبل ان يخلق الرضي بمدة
طويلة. ووجدت
ايضا كثيرا منها في كتاب ابي جعفر ابن قبة (هو ابو جعفر محمد بن عبدالرحمن بن قبة الرازي، من
متكلمي الشيعة وحذاقهم، وله من الكتب كتاب الانصاف في
الامامة. توفي بعد سنة 328ه الفهرست، الطوسي: ص. 207، رقم596، مصدر سابق،
فهرست النديم: ص. 225، الفن الثاني من المقالة الخامسة، مصدر سابق.) احد
متكلمي الامامية، وهو الكتاب المشهور المعروف بكتاب
«الانصاف»، وكان ابو جعفر هذا من تلامذة الشيخ ابي القاسم البلخي، ومات في ذلك العصر قبل ان يكون الرضى (رحمهاللّه) موجودا» . (شرح نهج البلاغة: ج. 1، ص. 205.). |
|
رابعا
- اما قضية كثرة الخطب،
|
|
فانها كانت قياسا
الى كثرة الدواعي والاغراض، وتراكم الاحداث والظروف السياسية،والعسكرية،
والاجتماعية، والاخلاقية، قليلة، لان جميع هذهالامور تحتاج الى كلام كثير هو
اضعاف ما ورد في النهج منالخطب. وقد ذكرنا روايتي المسعودي واليعقوبي وغيرهما، بان المروي اكثر من ذلك المدون في النهج بكثير. (مروج الذهب، المسعودي: ج. 2، ص. 417، مصدر سابق، مشاكلة الناس
لزمانهم، اليعقوبي: ص. 15.) |
|
خامسا
- واما الاطالة في الكتب، وبخاصة عهد مالك،
|
|
واما الاطالة في الكتب، وبخاصة عهد مالك، فهي ضرورة اقتضتها ظروف الحركة التغييرية التي تبناها الامام
(ع)،بعد بروز ظاهرة الفساد الاداري واستهتار الولاة، فاراد الامام(ع)ان يعهد عهدا، يكون
منهاجا يسير عليه الولاة عموما، ويقرا على الامة ليكون شاهدا ورقيبا على
تصرفاتهم، وحتى مالك في حنكته وحزمه وتقواه، يحتاج الى نصح الامام(ع) وتوجيهه. ثم ان هذا العهد الذي يرسم علاقة الحاكم مع القضاة، والقواد،
والتجار، والعمال، والجند، والرعية.. لا يسعه الا الاطالة والاسهاب النافع، والبيان الشافي، كما هي الحال في زماننا حينما يكتب
دستور للامة او تعين وظائف الحاكم. |
|
سادسا
- واما اخباره بالمغيبات،
|
|
واما اخباره بالمغيبات، كاخباره عن قيام دولة بني امية وسقوطها، ومصير الخوارج، ومصرع ذي
الثدية، وحركة الزنج، وحروب التتار وفظائعهم، وغير ذلك مما اجمع المؤرخون علىتحققها وتواتر نقلها. فلا يكفي مجرد التشكيك فيها او
تهويلها لرفع اليد عنها، اللهم الا ان يقال باستحالة الاخبار بالمغيبات فيحق
الامام(ع). على انه (ع) لا يدعي ذلك لنفسه، كما صرح بذلك للرجل الكلبي الذي
بادره قائلا: لقد اعطيت يا اميرالمؤمنين علم الغيب، فاجابه الامام(ع): ليس هو بعلم غيب
وانما هو تعلم من ذي علم ولا يستغرب ذلك من الامام(ع) او يستكثر عليه الا من لايعرف منزلة الامام ومقامه، وان النبي
(ص) قد اختصه بعلمه وسره وعنايته، كما اخبره (ص) بالمغيبات على نحو الاجمال،
ثم هداه الىافضل الطرق التي يعي بسببها تفصيل ما اجمله (ص) له، كاخباره بما
سيقع من حوادث ووقائع تجري من بعده، كقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. ثم، من قال انه لا يجوز له (ع) ان يخبر عن حوادث تقع فيمستقبل
الزمان، اخذ علمها عن النبي ص عن اللّه تعالى؟! وما هو المانع من ان يطلع اللّه
تعالى على غيبه من ارتضى منالرسل، كما جا في قوله تعالى: عالم الغيب فلا يظهر علىغيبه احدا الا من
ارتضى من رسول [الجن/26 و27]، وان يامر باعلانه للناس لمصلحة ما؟! علاوة على ان في القرآن
الكريم اخبارا لكثير من المغيبات والحوادث المستقبلية بين آياته. وهناك اليوم، وفي ضوء العلم الحديث، محاولات تفسيرية علىاسس علمية
للاخبار بالمغيبات، وقد ذهب العلماء الى وجود قوىخارقة، وملكات نفسية عالية،
تستنتج القضايا الاجتماعية منمقدماتها واسبابها. واذا كان الامر كذلك.. فمن اولى بذلك من على(ع)؟ لماعرفت من تقدمه في العلم، وسابقته
في تقواه، وطهارة ملكاتهالنفسية، وصفا روحه وتعلقها بحضيرة القدس الاعلى... |
|
سابعا
- اما موضوع اشتمال النهج على ما لا يتلام مع عصرالامام(ع)،
|
|
اما موضوع اشتمال النهج على ما لا يتلام مع عصرالامام(ع)، لورود
الفاظ محدثة لم تكن مالوفة ومستعملة فيعصره، ولم يذكرها اهل اللغة، كالازل،
والكيف وغيرها، فانه وان ذكر ذلك الزمخشري (اساس البلاغة، الزمخشري: ص. 5، الطبعة الاولى، 1992م، دار بيروت
للطباعة والنشر، على مطابع دار صادر.)، فانه غير قادح فيه بعدورودها في كلام افصح من نطق بالضاد بعد
الرسول (ص)، ولا يقبل اجتهاد اللغوي في قبال النص العربي. ثم، ان لغويين آخرين اسبق من الزمخشري زمانا، واكثر منه اتقانا، كاصحاب القاموس والمصباح والمجمع قد ذكروا بعضهذه الكلمات وشرحوا
معناها، ولم يدعوا انها محدثة. على ان ورودها في «نهج البلاغة» دليل قدمها، اسوة بسائر الكلمات التي يستدل على قدمها بابيات من
الشعر، او فقرات من النثر العربي البليغ. اما استعمال بعض الالفاظ بمصطلحات فلسفية او منطقية،كالحد، والعدم، والمعلول وغيرها، فانها استعملت في النهجبمعانيها
اللغوية، ولا يقدح فيه نقل
المناطقة ذلك في عرفهم، ولايمنع استعمالها في كلام العرب، ومنهم الامام امير
المؤمنين علىبن ابي طالب(ع). واما التنظير والتفريع والقياس فهو من ذهنية العرب وفطرتهم، وهو موجود في القرآن الكريم، واحاديث
الرسول (ص)، فضلا عن كلام العرب. واما ورود بعض الافكار الفلسفية كدقائق علم التوحيد، وابحاثالعدل، والرؤية، وصفات الخالق
وغيرها.. فهذا كلام لا يصح،لانمن يطالع النهج لا يجد فيه نظرية
كاملة يحتاج في معرفتها الى درس واستقراء، حتى يحتج باشتماله على علوم لم
تعرفالابعد زمن طويل. ثم لو اخذنا بهذا الشكل من التشكيك، لزم ان ننكر ان جذور علم الكلام الذي ظهرت بوادره منذ نزول
القرآنالكريم حين يستدل على وجود الخالق، او نفي اللهية، وللزم انننكر كذلك
مواهب الامام وعلمه الذي هو علم النبيغ وتجاربهوعصمته، وانه (ع) هو القرآن
الناطق. |
|
ثامنا
- اما اسلوبه، وما فيه من صناعة لفظية من سجع، وطباق،ومقابلة، وازدواج
|
|
اما اسلوبه، وما فيه من صناعة لفظية من سجع، وطباق،ومقابلة،
وازدواج... فانها وان اشتهرت
في العصور العباسية، لكنهاليست مبتدعة في السبك العربي كي يوجب وجودها في
النهجالشك في نسبته للامام(ع). فهذا القرآن الكريم معجزة البلاغة،جاء حافلا بالمحسنات على اسمى مثال، كسورة الرحمن، والقمر
وغيرهما، وهذه خطب الرسول (ص) والخلفاء وكتبهم،بعضها مسجوعة، وقد عقد الدكتور زكي مبارك فصلا في كتابه «النثر الفني» (النثر الفني، زكي مبارك: ج. 1، ص. 75، مصدر سابق.) لدراسة
اساليب صدر الاسلام، واورد فيه نصوصاكثيرة مسجوعة، يعرف منها حقيقة القول:
انالسجع من خصائص العصور المتاخرة، اي من ايام العباسيين. واما المطابقة والجناس والتقابل من انواع البديع فهو كثير فيالقرآن، وورودها في النهج لا يعني بحال انه منحول البتة. وتاتي اساليب الامام منمقة لا تكلف فيها ولا عقد ولا التواء. وما يقال عن الاسلوب، يقال عن دقة الوصف، كما في وصفهللطاووس،
والخفاش، والجراد وغيرها. ولا يستبعد صدوره ممنتتلمذ للقرآن الكريم، الذي فيه من دقائق
الوصف للحيواناتوغيرها، كما في اليات التي ورد فيها ذكر النحل، والنمل،
والبعوضة، والغراب. كما ان من تتلمذ للقرآن الكريم، الذي فيه من آيات التوحيدالباهرات، وصفات الخالق العظيم، لا
يستكثر عليه ان ياتي بامثالهذه الافكار الدقيقة في التوحيد، والعدل، والرؤية،
كقوله(ع): من حده فقد عده . والصحيح ان يقال: ان اسلوب الامام(ع) بز اساليب البلغاء جميعا ، ولهذا كان كلامه فوق كلام المخلوقين،
ودون كلام الخالق.وما دام ان لخطبه ورسائله وكلماته(ع) نظائر في القرآن الكريم، وفي
احاديث النبي الاقدس (ص)، فلا قيمة للتشكيك في صحة ماورد في النهج الشريف. وما هذه الشبهات الا غارة يشنها اعداالاسلام قديما وحديثا، وهي لا تقوى
على مصادمة الحقوالصدق، وقد تصدى غير واحد من الاعلام على مر العصور لدفعها (انظر في هذا المجال: مدارك نهج البلاغة، الشيخ هادي كاشف
الغطا، مصادر نهج البلاغة، الشيخ عبد اللّه نعمة، مصادر نهج البلاغة، المحقق
السيد عبدالزهرا الخطيب، وغيرها.). ولا شك في ان الدكتور زكي مبارك كان اكثر انصافا حين قال فيمعرض دفاعه مستخفا بمن شكك في نهج البلاغة: «الذين نسبوا نهج البلاغة الى الرضي يحتجون بانه وضعها لاغراض
شيعية. فلم لا نقول من
جانبنا بان تهمة الوضع
جات لتاييد خصوم الحملات الشيعية!؟» . (النثر الفني: ج. 1، ص. 81، مصدر سابق.). |
|
واخيرا،
|
|
واخيرا، فان اعتقادنا في كتاب «نهج البلاغة» وفي جامعه السيدالرضي، هو ان
جميع ما فيه من الخطب والوصايا والحكم والاداب، حاله كحال ما يروى عن النبي (ص)، وعن اهل بيته الاطهار (عليهم السلام) في
جوامع الاخبار الصحيحة، وفي الكتبالدينية المعتبرة. وان منه ما هو قطعي الصدور، ومنه ما يدخلهاقسام الحديث المعروفة. واما مؤلفه وجامعه الشريف الرضي(رحمه اللّه)، فاعتقادنا فيه بانه منزه عن كل ما يشين الرواة ويقدح في عدالتهم، وبانه لم ينشئ شيئا من نفسه وادخله
في النهج، كما انه لم يدخل فيه شيئا يعلم انه لغير اميرالمؤمنين(ع). بل لم يكن كحاطب ليل، فهو لا يروي شيئا الا بعد التثبت،
ولا ينقله الا عمن يعتمد عليه من الرواة، واهل السير والتاريخ. فجميع ما في النهج هو من كلام مولانا اميرالمؤمنين (ع) على رواية الثقة العدل، ولا دخيل فيه ولاوضع . (مدارك نهج البلاغة ودفع الشبهات، الشيخ هادي كاشف الغطا:
ص197.). السيد عبد الهادي الشريفي المصدر: مجلة
المنهاج / الرقم 36 |