- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
خصائص
الإدارة عند الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)
|
|
يمتاز الفكر الإداري عند الإمام علي(عليه السلام) بمتانته وتماسكه واستناده إلى قواعد منطقية رصينة، فجاء هذا الفكر
متميزاً بخصائص قد لا يظفر بها أيُّ مفكر إداري غربي. فهو فكرٌ إنساني لأنه ينظر إلى الادارة بنظرة إنسانية، فالذي يتحرّك في أُفق الادارة هو
الإنسان وليس الآلة، كما وأنّ نظرة الإمام إلى المؤسسة الإدارية؛ إنّها مجتمع مصغّر تتضامن فيه جميع
المقومات الاجتماعية، كما وأن نظرته إلى الاداة؛ أنها جهاز منظم وليس خليطاً مِن
الفوضى، وأنّ لهذا الجهاز هدفاً سامياً فالتنظيم لم يوجد عبثاً، بل مِن أجل
تحقيق أهداف كبيرة في الحياة. إستناداً
إلى هذه الرؤية الشمولية عند أميرالمؤمنين(عليه السلام)
فانّ الادارة هي كيانٌ حيّ ينبض بالحياة فهي
متصفة بالصفة الانسانية والصفة التنظيمية والصفة الجماعية والصفة الهدفية. فهي إذن كيانٌ إجتماعي حي يعيش في وسط المجتمع يسعى مِن أجل أهداف
كبيرة في الحياة. وسنأتي على توضيح أهم تلك الصفات فيما يأتي: |
|
أولاً: الصفة الإنسانية
|
|
يمتاز فكر الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام) بالتناسق والتعاضد
لأنّ رؤيته للحياة رؤية شاملة لكل أبعادها وأركانها وأجزائها. فالاقتصاد متداخل مع السياسة وهما يعتمدان على الادارة، فإذا ما تتبعنا حلقات فكر الإمام
أميرالمؤمنين(عليه السلام) لوجدنا أنها تستمد مِن رؤيته الثابتة عن الإنسان،
طبيعته، وأساليب رقيه، مشاكله وكيفية مواجهته لها، فكان لابُدَّ مِن عرض رؤية الإمام
أميرالمؤمنين(عليه السلام) عن الإنسان قبل أن نستعرض نظريته في الادارة. ذلك لأنّ الادارة في المنظور
الإسلامي ليست أدوات صماء، بل هي تقوم على أكتاف البشر، والبشر فيهم عوامل قوة
وعوامل ضعف. وبقدر تفعيل عوامل الخير وتحريك الطاقات الكامنة في البشر تتقدم
المؤسسات والمشاريع وهي بأجمعها رهن الادارة الجيدة. فالمدير الجيد هو الذي يعرف طبيعة الناس الذين يتعامل معهم، ويعلم ما الذي
يُحركهم؟ وماذا يثبّط عزائمهم؟ يعرف متى يتقدمون ومتى يتأخرون؟ وما مِن نظرية إدارية إلاّ وهي قائمة
عَلى رؤية أصحاب هذه النظرية إلى الإنسان، فالرأسمالية الاحتكارية التي تنظر إلى الانسان ككتلة مِن اللحم
الصماء تتعامل معه بطريقة خاصة تقوم على هذه الرؤية، فهي لا تُعير أهمية
للمحفزات المعنوية التي تدفع بالإنسان إلى الأمام عشرة أضعاف المحفزات المادية. إذن النظرية الإدارية المتكاملة هي التي تبدأ أولاً بالإنسان.. ماهيته، وممّ يتكون،
وكيف يتعامل مع الحياة؟ وماهي مشاكله وكيف يتقدم؟ وماهو السبيل إلى توجيهه
الوجهة الصحيحة؟. |
|
ماهو
الإنسان وكيف خُلق؟
|
|
يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام) في وصفه لخلق الانسان: ثم جَمَعَ سُبحانه مِنْ حَزْنِ
الأرْضِ وسَهْلِها، وعَذْبِهَا وسَبَخها تُربةً سنّهَا بالمَاء حتى خَلَصَتْ،
ولا طهَا بالبَلَّةِ حتى لَزَبَتْ، فجَبلَ مِنْها صُورةً ذاتَ أحْنَاء ووصُولٍ،
وأعضاءٍ وفُصُولٍ: أجْمَدَهَا حتى استَمْسَكَتْ، وأصْلَدَها حتى صَلْصَلتْ
لِوقتٍ معدودٍ، وأمدٍ مَعْلُوم،ثُمَّ نَفَخَ فيها مِنْ روحِهِ فمَثُلَتْ إنساناً
ذا أَذهَانٍ يُجيلُهَا، وَفِكَرٍ يتصَرَّفُ بِها، وجَوارِحَ يخْتَدِمُها، وأدوات
يُقلِّبُها، ومَعْرفةٍ يَفْرُقُ بها بَين الحقِّ والباطِلِ، والأذواقِ
والمشَامِّ والألوان والأجنَاس، معجوناً بِطينةِ الألوان المختلفة والأشباه
المؤتلفة، والأضدادِ المتعادية، والأخْلاطِ المتباينة، مِنَ الحَرِّ والبَرْدِ،
والبَلَّةِ والجُمُود[باب الخطب رقم (1) يذكر فيها إبتداء خلق السماء والأرض.]ِ. فالإنسان هو قبضة مِن طين الأرض مِن السهل والسبخ، ونفخةٌ مِن روح
الله، وهذه النفخة هي التي جعلت منه إنساناً، هي التي منحته القدرة على التفكير
والقدرة على الحركة والقدرة على التمييز، فأخذ يُفكر لحياته وحياة أبنائه، وأخذ
يتحرك مِن وحي تلك الفكرة التي توصل إليها، وأخذ يُميّز الحق عن الباطل. ولولا تلك النفخة العِلويّة لظلت أطرافه بلا حركة، ولظلّ لسانه بلا
إحساس للأذواق، ولظل أنفه غير قادر على تحسس الروائح، ولظلت عينهُ غير قادرة على
تمييز الألوان. إذن الإنسان هو روحٌ وجسد، فالروح هي مِن آثار تلك النفخة العلوية والجسد مِن الطين الذي صُنع منه كل البشر، وإلى هذا المعنى يُشير
أميرالمؤمنين(عليه السلام) في قوله عَن أولياء الله: وصَحبُوا الدُّنيا بأبْدانٍ
أرْواحَها مُعلَّقة بالمحلِّ الأعلى [الغرر 6/214.]. فهي معلقة بالمحل الأعلى لأنها في الأصل مستمدة مِن تلك النفخة العلوية أمّا الأبدان فهي ليست إلاّ أوعية للأرواح. |
|
الإنسان
عقلٌ وهوى
|
|
وينشأ عن هذه النفخة نورٌ يهتدي به الإنسان طريقه في الحياة وهذا النور هو العقل. يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): الإنسان بعقله [الغرر 1/61.]. ويقول: العقل فضيلة الإنسان[الغرر 1/67.]. ومنتهى كمال الإنسان عندما يكتمل عنده العقل، يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): كمال الإنسان العقل[الغرر 4/631.]ويقول أيضا: إن أغنى الغنى العقل[قصار الكلمات رقم38.]ويقول أيضاً: لاغنى كالعقل[قصار الكلمات رقم54.]. وكان مِن مسؤولية الإنسان أن يُنشط عقله، ففي وصفه(عليه السلام)
للسالك إلى الله؛ قد أحيا عقله، وأمات نفسه[باب الخطب رقم 220.]. وعندما يزول العقل يتحوّل الإنسان إلى جسدٍ ميت: أيها القوم الشاهدة أبدانهم الغائبة
عنهم عقولهم [باب الخطب رقم 97.]. ويضرب الإمام لنا مثلاً مُجسداً عن أهمية العقل في توجيه الإنسان، يقول الإمام لمعاوية بن أبي سفيان؛ يا معاوية لئن نظرت بعقلك.. لتجدني أبرأ الناس...[ باب الكتب والرسائل رقم 6.]. وإذا غاب العقل إستولى مكانه الهوى، يقول الإمام: آفة العقل الهوى[الغرر3/101.]. ولا عقل مع الهوى[الغرر 6/363.]. ويقول عن معاوية: قد دعاه الهوى فأجابه[باب الكتب و الرسائل رقم7.]. وهذا هو الشقي؛ الشقي في الدنيا، وهي شقيٌّ لنفسه ولغيره أيضاً: والشقي من انخدع لهواه وغروره[باب الخطب رقم 86.]. وأكثر فتن التاريخ مصدرها إتباع الحكام لأهوائهم. يقول الامام أميرالمؤمنين: إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع
وأحكام تُبتدع[باب الخطب رقم 50.]. ويُفسِّر الإمام الانحراف التاريخي الذي أدى إلى إنحراف الناس: هذا الدين قد كان أسيراً في أيدي
الأشرار يُعمل فيه بالهوى[باب الكتب والرسائل رقم53.]. فأين كانت العقول يوم حكمت الأهواء البلاد؟.. إنها كانت أسيرة
مثلما كان الدينُ أسيراً. وكم مِن عقل أسيرٍ تحت هوى أمير[الكلمات القصار رقم 211.]. وما هو الحل؟؟ الحل أن يتمرّد العقل على الاغلال وأن يقف بقوة بوجه الهوى مقاتلاً صُلباً.. يقول الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام): إذا وقع الأمر بفصلِ القضاءِ (وخسر
هُنالك المبطلون) شَهِد على ذلك العقل إذا خرج مِن أسرِ الهوى، وسلم مِن علائق
الدُّنيا[كتابه إلى شريح قاضيه رقم 3.]. وهنا العقل سيشهر سيف الوعي ضد ظلام الهوى، ويدخل معه في حرب لا هوادة فيها.
يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام) العقلُ حُسامٌ قاطِع، فاستر خلَلَ خُلُقك بحِلمكَ، وقاتِلْ هواك
بعقلك[قصار الكلمات رقم 424.]. فالعقل سيفٌ.. وهو سيفٌ بتّار يقطع كل إنحرافٍ إذا مااستطاع الإنسان حملهُ
وشهره. ولابُدَّ مِن مقاتلة الهوى لأنه العدو الأول الذي يمنع الإنسان عن
التقدم، ويدفع به إلى الوراء، ويتركه في الظلام الدامس يلقي مصيرهُ المؤلم. وقد مثّل أميرالمؤمنين(عليه السلام) صراع العقل والهوى بمعركة وقعت بين جيشين فيقول: الهوى قائد جيش الشيطان[الغرر 2/137.]. فامتلاك العقل ينتج عن مخالفة الهوى. يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): مخالفة الهوى شفاءُ العقل[الغرر6/130.]. ويقول أيضا: ثمرة العقل مقت الدنيا وقمعُ الهوى[الغرر 3/334.]. فهناك علاقة متينة بين الهوى وحب الدنيا. ومنشأ هذه العلاقة: مَن أطاعَ هواه باع آخرته بدُنياه[الغرر5/279.]. إذن العقل والهوى في حالة معاكسة دائماً. طاعة الهوى تُفسد العقل[الغرر 4/.]. الهوى عدو العقل[الغرر 1/68.]. الهوى ضد العقل[الغرر 1/258.]. فهما لا يجتمعان في إنسان أبداً، بل هما في صراع دائم حتى يتغلب
أحدهما على الآخر. لذا خاطب أميرالمؤمنين(عليه السلام) أصحابه قائلاً لهم: إياكم وتمكن الهوى منكم[الغرر 2/325.]. ويقول أيضاً: إسترشد العقل وخالف الهوى تنج[الغرر 2/184.]. وتترى التعليمات والوصايا.. إملك عليك هواك[الغرر 2/199.]. إنك إن أطعت هواك أصمّك وأعماك[الغرر 3/56.]. قاتل هواك بعقلك تملك رُشدك[الغرر 4/ 499.]. ثم يقول: قاتل هواك بعلمك[الغرر 4/513.]لأنّ العلم هو ثمرة العقل، فالإمام يضع الإنسان أمام أقسى عدو
لايمكن السكوت حياله. هواك أعدى عليك من كل عدو فاغلبهُ وإلاّ أهلكك[الغرر 6/213.]. وأمام دغدغات الهوى التي تسابقه إلى عمل المنكرات، عليه أنْ يسوِّف
الهوى، ولا يتعجل في تنفيذ رغباته لأنّ فيه الهلاك، يقول الإمام: كن لعقلك مُسعِفاً ولهواك مسوّفاً[الغرر 4/613.]. |
|
مصدر
الفضائل والرذائل
|
|
يعتبر الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) العقل مصدر كل الفضائل: العقل فضيلة الإنسان[الغرر1/65.]. العقل ينبوع الخير[الغرر 1/173.]. العلم مصباح العقل وينبوع الفضل[الغرر 2/7.]. ولما كان العقل هو أصل العلم كما ورد في كلام الإمام [الغرر 2/91.].فهو ينبوع الفضل أيضاً. والأدب أحد الفضائل المهمة في الإنسان وأساسه العقل. الأدب في الإنسان كشجرة أصلها العقل[الغرر 2/109.]. والتواضع أحد الفضائل وهو رأس العقل كما ورد في الغرر[الغرر 2/151.]. والسخاء وهو أحد الفضائل أيضاً ثمرة العقل كما في الغرر[الغرر 2/151.]. والحلم أحد الفضائل وهو الآخر ناتج عن وفور العقل: بوفور العقل يتوفر الحلم[الغرر 3/221.]. والعلاقة بين العدل والعقل علاقة وطيدة تُبينها هذه العبارة
الرائعة: من علامات العقل العمل بسنة العدل[الغرر 6/24.]. والحكمة هي عصارة الفضائل منبعها العقل يقول أميرالمؤمنين(ع): بالعقل يُستخرج غور الحكمة[الغرر 3/204.]. والإعتبار بالأحداث وهو أحد الفضائل أساسه أيضاً العقل: من قوى عقله أكثر الاعتبار[الغرر 5/269.]. والمروءة هي إحدى الفضائل التي يتبارى على التمسك بها الرجال وهي
تستند أيضاً إلى العقل: مروءة الرجل على قدر عقله[الغرر 6/128.]. والفكر هو الآخر مِن مكتسبات العقل يقول الامام: الفكر جلاء العقول[الغرر 1/232.]. فالفكر، الأدب، العلم، التواضع، الحلم، السخاء، العدل، الحكمة،
الاعتبار، والمروءة كلها فضائل تجدها عند العاقل. أما الجاهل الذي يتبع هواه فماذا تجد عنده؟ سبب كل المحن؛ الهوى أُسُّ المحن[الغرر 1/262.]. عامل كل فتنة؛ الهوى مطية الفتنة[الغرر 1/276.]. سبب الارتباك في الحياة؛ لاتتبع الهوى؛ فمن تبع هواه إرتبك[الغرر 6/296.]. سبب الهلاك؛ مَن أطاع هواه هلك[الغرر 5/146.]. سبب الزلل؛ مَن ركب هواه زلّ[الغرر 5/202.]. سبب لفساد النفس؛ فساد النفس الهوى[الغرر 4/417.]. سبب عدم الاخلاص؛ كيف يستطيع الاخلاص مَن يغلبه الهوى[الغرر 4/475.]. سبب الضلال؛ مَن ملكه هواه ضل[الغرر 5/137.]. سبب العمى والصمم والذُّل؛ مَن اتبع هواه أعماه وأصمه وأذله وأضله[الغرر 5/465.]. سبب الظُلم؛ مَن نظَر بعين هواه إفتتن وجارَ[الغرر 5/137.]. |
|
الدنيا
والآخرة
|
|
الدنيا هي ميدان الانسان فهو يستطيع أن يحوّلها إلى منبع للخير، أو
مصدر للشرِّ، فعن الذين حولوها إلى ميدان للخير يقول الامام: إن للدُنيا رجالاً لديهم كنوزٌ مذخورةٌ مذمومةٌ عندكُمْ
مَدْحُورةٌ، يكشف بِهم الدّين كََشْفِ أحَدِكُمْ رأسَ قِدْرِهِ ويَلُوذونَ
كالجرادِ فيُهلِكُون جبابرة البلاد[الغرر 2/655.]. فهؤلاء الرجال إستفادوا مِن الدنيا وصمموا على الجهاد لاقامة حكم
المستضعفين في الأرض. يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): إن الدنيا دارُ صِدقٍ لمن
صَدَّقَها، ودارُ عافيةٍ لمَن فَهِمَ عنْها، ودارُ غنى لِمنْ تَزَوَّدَ فِيها،
ودارُ موعظةٍ لِمن اتَّعظَ بها[الغرر 2/652.]. فخيرها متعلق بالموقف منها؛ فهي تكون طوع إرادة من حوّلها إلى
الخير، فمن فهمها يعيش فيها بعافية، ومَن تزودَ منها أغنته لأنها تكدّس نِعماً
كثيرة يمكن الاستفادة منها. وهي في الوقت ذاته مدرسةٌ لمن أراد الموعظة والعبرة
من حوادثها. أما من أرادها للشر فهي طوع يمينه أيضاً. يقول الامام: إنَّ الدُّنيا يُونِقُ منظَرها ويُوبقُ مخبرها، قد تزينت بالغرور
وغرَّتْ بزينتها، دارٌ هانت على ربِّها، فخُلِط حلالُها بحرامِها وخيرُها بشرِّها
وحُلْوُها بمُرِّها[الغرر 2/651.]. أما مظهرها فهي حلوةٌ نضرة حُفّتْ بالشهوات، وهي كالحية ليِّنٌ
مَسُّها قاتِلٌ سمُّها. فهي إذن ميدان للاختيار ودارٌ يمتحن فيها الإنسان فإن وقفَ منها موقف الخير فاز بها،
وإذا وقف منها موقف الشر خسرها وخسر كل شيء: الدُّنيا دارُ مِحن، ودارٌ بالبلاء معروفة[الغر 2/637.]. فعلى الانسان أن لايرغب فيها رغبة والهٍ، وأن لايجعلها كل همه وأن
لايصبو إليها كهدفٍ في حياته، لأنها سريعة التحوُّل، كثيرة التنقُّل، شديدة
الغَدْر، دائمة المكر. لذا جاءت وصية أميرالمؤمنين(عليه السلام): خذ من قليل الدُّنيا مايكفيك[الغرر 3/227.]. لأنهُ مخلوقٌ لشيءٍ آخر، ولأنها مخلوقةٌ لأمر آخر أيضاً. يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): أما بعد فإنَّ الله سبحانه وتعالى قد جعل الدُّنيا لما بعدها
وابتلى فيها أهلها، ليعلم ايهم أحسن عملاً، ولسنا للدُّنيا خُلقنا[الغرر باب الخطب رقم 55.]. ففي هذا النص يُبين لنا أميرالمؤمنين(عليه السلام) الهدف من خلق الدُّنيا والهدف مِن خلق الانسان، فالدُّنيا مخلوقة للآخرة، والانسان
مخلوقٌ ليمتحنه الله ليعلم حسن عمله عن سيئهِ. ويوضّح الإمام ذلك بصورة اكثر في هذا النص: إنَّ الدُّنيا لم تُخلق لكم دارَ
مُقامٍ وَلا مَحَلّ قرارٍ وإنَّما جُعلت لكُمْ مجازاً لتزوّدُوا منها الأعمال
الصالحة لدار القرار، فكونوا فيها على أوْفازٍ ولا تخْدعنكُم منها العاجلةُ، ولا
تغُرَّنَّكُم فيها الفتنة[2/662.]. وبعد أن حدّد الله سبحانه وتعالى الهدف من خلق الحياة والانسان ظهر أمامنا موقفان: إنَّ أولياء الله هم الذين نظروا
إلى باطن الدُّنيا إذا نَظَرَ الناسُ إلى ظاهِرِها، واشتغلوا بأجلها إذا اشتغلَ
الناس بعاجلها[قصار الكلمات رقم 430.]. فهناك دائماً نمطان مِن البشر؛ نمط يجعل الدُّنيا هدفاً له، فينغمس فيها حى يغرق، ونمط يجعل الدنيا
وسيلة للآخرة. فماذاعن الآخرةالتي خُلقنا مِن أجلها: إنكم إنما خلقتم للآخرة لا للدُنيا
وللبقاء لا للفناء[الغرر 3/66.]. مرارةُ الدُنيا حلاوةُ الآخرة[الغرر 6/140.]. غايةُ الآخرة البقاء[الغرر 4/370.]. والآخرة فوزُ السعداء[الغرر 1/183.]. الدنيا تضرُّ والآخرة تسرُّ[الغرر 1/45.]. الدنيا أمد الآخرة أبد[الغرر 1/10.]. فإذا كانت الآخرة حلوة وهي باقية، وتسرُّ، وفيها ينال الانسان سعادته، إذا كانت
هكذا؟ فلماذا لايعمل
الانسان مِن أجلها؟ فهو عُرضة دائماً لجذب الدُنيا التي تحاول أن تشغلهُ عن الآخرة،
فالانسان بين الدنيا والآخرة بين جذبٍ وتنافُر، وقد مَثَّل الإمام
أميرالمؤمنين(عليه السلام) حيرةُ الإنسان بين الدُنيا والآخرة كحيرة المتزوج
بزوجتين، يقول في ذلك: إن مثل الدُّنيا والآخرة كرجُلٍ له امرأتان إذا أرضى إحداهما أسخط
الأُخرى[الغرر 2/538.]. فكيف السبيل إلى غلبة الآخرة على الدُّنيا؟ |
|
التقوى
|
|
التقوى في تعريفات الشرع: «حِفظُ النفس عما يُؤثِم، وذلك بترك المحظور ويتم ذلك بترك بعض
المُباحات»[ الراغب الاصفهاني: المفردات، ص530.]. ولن تتحقق التقوى إلا بخطة تدريجية، الخطوة الأولى: يُقلل من يُريد التقوى إهتمامهُ بالدُنيا يقول الامام: خُذ من قليل الدُنيا مايكفيك[الغرر 3/441.]. الخطوة الثانية: الإكثار من العمل الصالح؛ والعمل الصالح حرثُ الآخرة[الغرر 2/62.]. ويقول أيضاً: ثقلوا موازينكم بالعمل الصالح[الغرر 3/350.]. الخطوة الثالثة: عقد صفقة تجارية بين الدُّنيا والآخرة، يقول اميرالمؤمنين(عليه
السلام): الأعمال في الدُّنيا تجارة الآخرة[الغرر 1/276.]. أرْبَح الناس من إشترى بالدُنيا الآخرة[الغرر 2/413.]. وهو يستخدم ماحصل عليه في الدُنيا لشراء الآخرة، ومنه المال، يقول
الإمام (عليه السلام): أزكى المال مااشترى به الآخرة[الغرر 2/407.].وستكون تجارته رابحة لأنه سيربح الذُنيا والآخرة معاً. مَن ابتاع آخرته بدنياه ربحهما[الغرر 5/257.] ويقول أيضاً: الرابح من باع الدُنيا بالآخرة[الغرر 2/70.]. فهو لن يخسر شيئاً عندما يضع هدفه الأول ـ الآخرة ـ يقول في ذلك: مَن أصلح أمرَ آخرته أصلح الله له
أمر دُنياه[الغرر 5/373.]. فالمطلوبُ منه هو التقوى لأنه لم يُخلق عبثاً، يقول
أميرالمؤمنين(عليه السلام): أيها الناس إتقوا الله فما خلق امرؤٌ عبثاً فيلهو ولا يُترك سُدىً
فيلغُو[قصار الكلمات: 340.]. فهذا النص يلخص لنا العلاقة بين التقوى وبين الدُنيا والآخرة، وبينهما وبين الهدف مِن الخلقة. وهذه النُقلة من حُبّ الدُنيا إلى حُبّ الآخرة هي التقوى: فملاك التقى رفض الدُنيا[الغرر /117.]. فماذا
تعني التقوى عند أميرالمؤمنين(عليه السلام)؟ يقول الامام: التقوى اجتناب[الغرر 1/53.]. وماذا يحصل لو أخذ المؤمن بالتقوى؟ |
|
يعدّد
الامام نتائج التقوى.
|
|
التقوى أزكى زراعة[الغرر 1/161.]. التقوى رأس الحسنات[الغرر 1/188.]. التقوى رئيس الأخلاق[الغرر 1/194.]. التقوى مفتاح الصلاح[الغرر 1/233.]. التقوى ظاهره شرف الدنيا [هذا في الدُنيا أما في الآخرة] وباطنه
شرف الآخرة[الغرر 2/106.]. |
|
وماذا
يحصل لو أخذ المؤمن بالتقوى؟
|
|
يتصف
المتقون بهذه الصفات:
|
|
يقول الامام: التقوى اجتناب الورع؛ الورع شعار الأتقياء[الغرر 1/156.]. القناعة؛ القناعة علامة الأتقياء[الغرر 1/165.]. السخاء؛ إن الأتقياء كل سخيّ متعفف محسن[الغرر 2/491.]. لاطريق للحسد؛ ليس الحسد من خُلق الأتقياء[الغرر 5/73.]. التزكية؛ المتقون أعمالهم زاكية[الغرر 2/92.]. ذرف الدموع خشية؛ وأعينهم باكية[الغرر 2/32.]. الخوف من الله؛ وقلوبهم وجلة[الغرر 2/92.]. الزهد؛ الزهد شيمة المتقين[الغرر 2/32.]. سَهرُ الليل؛ سَهَرُ الليل شعار المتقين[الغرر 4/140.]. ذكر الله؛ ذكر الله شيمةُ المتقين[الغرر 4/29.]. |
|
علامات المتقين
|
|
للمتقي ثلاث علامات: إخلاصُ العمل، وقصرُ الأمل، واغتنام المَهَلِ[الغرر 5/47.]. فأولاً: إخلاصُ العمل.. ومعناه الصدق أثناء العمل. ثانياً:قصرُ الأمَل، ومعناه ترجمة عملِه إلى واقع وإلى برنامج زمني مرحلي. ثالثاً إغتنام المَهَلِ: « والمَهَل هو التؤدة والسُّكُون»[ الراغب الاصفهاني: المفردات ص476.]. وهي حالة في منتهى الفضيلة لا يبلغها إلاّ مَن ربى نفسه تربية
قاسية بحيث لا ينفعل حين وقوع المشكلة ولا يضطرب ولا يقلق عند وقوع حدث ما
يستدعي منه التفكير والحل. وهنانلتقي بموضوع هذه الدراسة، هنا يُصافح بحث الانسان مبحث
الادارة، فالانسان الذي يترقبه أميرالمؤمنين(عليه السلام) وتترقبه الرسالة
الاسلامية هو مَن يخلص العمل، ويقصر الأمل ويغتنم المَهَل، وهو الانسان الذي
يصلح للعمل الاداري سواء كان مُديراً أو عاملاً. وهذا الإنسان لم يأت مِن فراغ، فلو تتبعنا عملية بنائه لوجدنا أنه
في بداية أمره كان عقلاً وهوىً، فقاتل عقلُه هواه فانتصر عليه عندما عَرف أنَّ
الله لم يخلقه للدُّنيا بل خلقهُ للآخرة، وأنه تحت الرقابة الدائمة، لأنه في
حالة إمتحانٍ متواصل، إمتحان الوعي والارادة. فهل استخدم وعيهُ بصورة سليمة؟ هل أنه عرف الغاية من خلقه والغاية مِن خلق الدنيا؟ وهل إنه استخدم إرادته في مكانها؟ هل استخدمه في هدف دنيوي أم
أُخروي؟ وعندما تغلَّب عقله على هواه وانتصرت الآخرة على الدنيا (كهدف
مطلق) فاضت الفضائل مِن جوانبه وإنحسرت الرذائل التي هي نبع الهوى.. ماذا كانت
نهاية هذا الانسان؟ كانت نهايتهُ كبدايته، عندما خلقهُ الله وفطرهُ على حُبِّ الخير. أصبح لدينا الآن إنسانٌ يُغلب العقل على الهوى، ويُقدّم الآخرة على
الدنيا فتظهر عليه الفضائل ولا تُشاهد على سلوكه الرذائل،.. وهذا هو المتقي الذي
يعدّه الاسلام مِن خلال منهاجه التربوي القيم الذي ساهم في إعداده القرآن الكريم
من ناحية والسُنّة النبوية وكلمات الأئمة المعصومين مِن ناحية أخرى. هذا هو الانسان الذي يجب أن يعرفه مَن يُريد قيادته وتوجيهه، وهذا
هو الانسان الذي تقوم الادارة على أكتافه، فإذا حدث تقدمٌ فمنشأه هو الانسان
نفسه، وإذا حدث تراجع فسببه هو أيضاً. فالادارة التي يؤسسها أميرالمؤمنين (عليه
السلام) هي التي تقوم على سُلّم عبقرية هذا الانسان الصاعد نحو سلم الحياة
بإمكاناته وكفاءاته. |
|
ثانياً: الصفة التنظيمية
|
|
يبتدأ الفكر الإداري في الإسلام بالتركيز على النظم والنظام، فأكبر
مصداقٍ للنظم هو تنظيم شؤون الدولة وأُمور المجتمع، وقد جاء الاسلام بهذه الفكرة
يوم كانت الفوضى هي الحالة السائدة في البلاد العربية، وتقدّم المسلمون لأنهم
كانوا أكثر تنظيماً من غيرهم، إنتصروا في الحرب لأنهم أوجدوا نظاماً للقتال..
وانهالت عليهم الثروات لأنهم وضعوا نظاماً للاقتصاد يقوم على تحريك الموارد
المجمدة التي كانت بيد الأغنياء واستطاعوا أن يوجدوا دولتهم لأنهم أقاموها على أساس مِن التنظيم
ونشروا العلم لأنهم وضعوا نظاماً للتعليم.. وهكذا سادت الادارة المنضبطة سائر أرجاء البلاد الاسلامية بفضل الحث
المتواصل على التنظيم والنظام. ويمكننا القول بكل ثقة: بفضل التنظيم إستطاع المسلمون أن يكتسحوا العالم ويوصلوا الاسلام
إلى آخر بقعةٍ مِن بقاع الأرض. وعلى هذا النسق أعار أميرالمؤمنين(عليه السلام) إهتماماً كبيراً
لنظم الأُمور وتنظيم الشؤون حتى أنه لم ينس أن يوصي أولاده وأصحابه وجميع
المسلمين في آخر كلمة له قبل أن يرحل إلى الرفيق الأعلى بنظم أمرهم. فقد جاءت وصيته في النظم بعد وصيته بالتقوى لتأخذ مكان الصدارة في
هذه الوثيقة الهامة: أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومَن بلغْهُ كتابي بتقوى الله، ونظم
أمركم[باب الوصايا رقم 47.]. وفكرة النظم لم تكُ وليدة الساعة أو الحاجة فقد امتزجت هذه الفكرة
بكلمات أميرالمؤمنين(عليه السلام) وبعقله قبل أن تأتيه الخلافة، فهذا عمر بن الخطاب يستشيره في الشخوص لقتال الفُرس،
فيوصيه بأن يلتزم النظام في عمله، فيقول له: ومكان القيِّم بالأمرِ مكانُ النظامِ مِن الخَرَزِ ـ يجمعُهُ
ويضمُهُ فإن انقطعَ النِّظام وتفرَّقَ الخَرَزُ وذَهَبَ، ثم لم يجتمِعْ
بحذافيرهِ أبداً[باب الخطب رقم 146.]. فالمدير هو كالفص الكبير في المسبحة التي تجمع بقية الفصوص، فإذا
انفصل عن المسبحة إنفطرت جميع الفُصوص. فبدون النظام لايمكن أن تقوم لأحد قائمة،
بل ستكون النتيجة الانفراط والتمزق وكيف لا يكون ذلك وقد اتّحد المسلمون لأنه
أنزل الله إليهم ما يُنظّم شؤونهم وهو القرآن الكريم. لنستمع إلى أميرالمؤمنين(عليه السلام) وهو يُشير إلى ذلك في خُطبةٍ يُبين
فيها فضل القرآن الكريم: ذلك القرآنُ فاستنطقوهُ، ولن ينطِق، ولكِنْ أُخبرُكُمْ
عنْهُ، ألا إنَّ فيه عِلْمَ ما يأتي، والحديث عن الماضي، ودواءَ دائكُمْ ونَظْمِ
مابَيْنكُمْ[باب الخطب رقم 158.]. يُشير أميرالمؤمنين(عليه السلام) في هذا النص إلى عظمة القرآن
الكريم، وإنها تتجلى في هذا الأمر بالذات في نظم أمر الناس وإدارة شؤونهم
الحياتية ـ |
|
فالنظـم هو أحـد
أربعـة أُمور أوجدها القرآن الكريم في الاُمة الاسلامية
|
|
فالنظـم
هو أحـد أربعـة أُمور أوجدها القرآن الكريم في الاُمة الاسلامية: 1ـ الحديث عن المستقبل 2- الحديث عن الماضي 3ـ معالجة
المشكلات والمعوقات 4ـ تنظيم شؤون الناس. هذا هو التنظيم، وهذا مقدار أهميته عند أميرالمؤمنين(عليه السلام) وهو بهذه النصوص يضع أمامنا نطفة الجنين الذي يُراد
له أن يُولد مِن خلال هذه الدراسة حول النظرية الادارية للإمام أميرا
لمؤمنين(عليه السلام) وعندما نفتح ملف النظم في فكر الامام سنجد أنفسنا أمام حشد
كبير من روائع الكلمات وهي تتناول هذه القيمة الأساسية في الادارة في شعبٍ
مختلفة. ويمكننا تصنيف المجالات التي ورد فيها لفظ النظم إلى الأُمور
التالية: كيف ينشأ النظام؟ كيف يقوى النظام؟ كيف ينهار النظام؟ |
|
أولاً:
كيف ينشأ النظام؟
|
|
أولاً وقبل كل شيء كان مِن المفترض أن نتعرف على النبع الذي ينطلق
منه النظام، في هذا المضمار يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): عقل المرء نظامه[الغررر 364.]. فالعقل هو الرحم الذي يستقبل نطفة النظم فتلتصق بجداره، وهناك تأخذ
بالنمو لتتحوّل إلى جنين... ومِن ثم يخرج الجنين مِن الرحم إلى الوجود على شكل
خُطة ونظام. فالعقل هو المصدر الأول للنظام، وبدونه لايمكن لأمة أن تكون منظمة
في حياتها. فالعقل هو مصدر الفكر. والعقل هو مركز التخطيط. والعقل هو نبع البرامج. والفكرة والخطة والبرمجة هي ألف باء النظام. فالعقل يضع بين أيدي البشر النظام قبل التطبيق، يبقى المسؤول عن
تطبيقه هو العلائق الحسنة التي تنمو في المجتمع، والتي تقوم على اساس مِن الحقوق
المتبادلة. يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): من تلك الحقوق حقُّ الوالي على
الرعية، وحقُّ الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله ـ سبحانه ـ لِكُلٍّ على
كُلٍّ، فجعلها نظاماً لأُلفتهم[باب الخطب رقم 216.]. وعلى مبدأ الحقوق يقوم النظام، ويتحوّل إلى منهج في الحياة بعد أن
كان مجرد فكرة في العقل، أي انه يدخُل حيّز التطبيق. وهنا نقف عند مبدأ مهم يضعه أميرالمؤمنين(عليه السلام) بين أيدي
الأجيال، وهو أنَّ الحقوق المتبادلة بين الرئيس والمرؤوس هي الأساس في تكوين
النظام الاداري. فمثلما للرئيس حقٌّ عليه واجبٌ أيضاً إزاء المرؤوسين، وكما أنّ
للمرؤوسين واجباً، لهم حقوقٌ على الرئيس، وعلى أساس هذه الحقوق المتبادلة تنشأ
العلاقات الاجتماعية في المجتمع وينشأ مِن شبكة هذه العلاقات ما نطلق عليه
(النظام الإداري). ويجدر بنا أن نذكر هنا أنّ النظام الاداري الذي لايقوم على
المصالح الفردية الآنية، ولا يقوم على الرابطة العرقية أو القومية، بل يقوم على
مبدأ الحقوق والواجبات لهو النظام الثابت والقوي الذي لايمكن أن تزحزحهُ أية قوة
جبارة. من هنا؛ فقد أرسى أميرالمؤمنين(عليه السلام) أقوى نظام إداري تمكن
أن يسيطر على شؤون البلاد الاسلامية التي كانت مترامية الأطراف وكانت تموجُ
بالاضطرابات والقلاقل، فعلى رغم هذه الظروف إستطاع النظام الاداري ان يفرض الأمن
والنظام في طول البلاد وعرضها. |
|
ثانياً:
كيف يقوى النظام؟
|
|
النُظم الادارية التي يوجدها الاسلام تنظيمات قوية منيعة تقوم على
روح الجماعة، وعلى الاستعداد الجمعي للتعاون والتآزر. ولا ننس دور الأخلاق والفضيلة في إنشاء التنظيمات وتقويتها، لانّ
التنظيم عملٌ جماعي، ولما كان الهدف من الخلق الحميد هو الحد مِن طغيان الفردية
فإنه السبيل الأقوى دائماً لتأسيس التنظيمات الاجتماعية. فالمجتمع الذي تنمو فيه الأخلاق هو الأقدر على تنظيم نفسه وتشكيل
أعضائه ولاننس هنا أيضاً دور القانون في إرساء النُظم الادارية وترسيخها حيث أنّ
القانون يحافظ على العلاقات التي تجمع أفراد التنظيم ويحافظ على ديمومتها
وتقويتها. والمجتمعات التي يسود فيها القانون يسودها الضبط الاجتماعي أيضاً. أما كيف يرى أميرالمؤمنين(عليه السلام) سبُل تقوية النظام بصورة
عامة والنظام الاداري بصورة خاصة؟ الجواب: عبر هذه الوسائل: أولاً: العدل؛ العدل بمثابة العصا الّتي يمسك بها مَن يُريد موازنة جسمه
فوق حبلٍ رفيع في ألعاب السيرك. فلولا هذه العصا لا يستطيع رجل السيرك موازنة
نفسه فهو عُرضة للسقوط في أية لحظة إذا ماغامر بنفسه ووقف فوق حبل السيرك. يلعب العدل دور العصا في تنظيم المجتمع فوق حبل الحياة القاسية،
فهو السبيل إلى الموازنة، فكلما مال الجسم إلى جهة أسعفه العدل في الجهة
المقابلة، وهكذا حتى يستقيم المجتمع. يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): العدل نظام الإمرة[الغرر 1/198.].ثم يقول: حسن العدل نظام البرية[الغرر 3/385.]. وهذه قاعدة عامة لا تختص بالنظام الاداري وحسب بل تشمل كل نظام حتى
لو أُقيم على مبدءٍ آخر غير الاسلام. ثانياً: الحلم؛ هدوء الأعصاب عند الإنفعال، وعدم الانفعال عند الاثارات
وهو من قواعد الادارة، بل هو من قواعد التنظيم بصورة عامة ذلك لأن التنظيم يقوم
على الأفراد، وكان لابدَّ مِن وجود علاقات طيبة بين هؤلاء الأفراد، ومِن أهم
أُسس هذه العلاقة، سيادة الحكمة في العلاقات وعدم حدوث ردود فعل إنفعالية أثناء
العمل والتي تعود إليها أهم عوامل المشاكل في التنظيمات الادارية. ثالثاً: روح التعاون بين الأفراد" كالحسان إلى الآخرين، ومواساة
الاخوان والكرم وهي صفات تنمُّ عن روح جماعية، وعن ضمور للروح الفردية التي تهدد
التنظيمات الادارية. لنتأمل هذه النصوص التي تحمل هذا المفهوم. نظام المروءة حسن الأُخوة[الغرر 6/176.]. نظام الدين خصلتان إنصافك مِن نفسك ومواساة إخوانك[الغرر 6/176.]. نظام الكرم مولاة الاحسان ومواساة الاخوان[الغرر 6/184.]. نظام الفتوة إحتمال عثرات الاخوان وحُسن تعهّد الجيران[الغرر 6/185.]. رابعاً: الدعوة إلى الطاعة؛ لابُدّ مِن وجود محور تجتمع عليه التنظيمات
والمؤسسات الاجتماعية، وهذا المحور هو طاعة الله سبحانه وتعالى فكلما زادت
الطاعة إزدادت التنظيم قوة وترابطاً، لأنّ الطاعة ستركز الالتزام القانوني في
التنظيم أو المؤسسة. خامِساً: التواضع؛ التواضع قيمة إجتماعية بدونها لاتقوم للمجتمع أية قائمة،
وإذا أردنا أن نتعرف على أثر هذه القيمة الأخلاقية لنتصور المجتمع وقد حفّت به
جماعة مِن المتكبرين، كيف سيكون حاله. إن التكبر هو عامل تشتت وتمزّق في المجتمع، والمجتمعات التي تنمو
فيها مظاهر التكبر عُرضة للانهيار أكثر مِن المجتمعات الأُخرى. إذن التواضع هو السبيل لايقاف حالات التداعي والانهيار في
المجتمعات البشرية، وقد جاء حث الاسلام على التواضع لصيانة المجتمع مِن الانهيار
والحفاظ عليه مِن السقوط السريع. من هنا أقرّ أميرالمؤمنين(عليه السلام) قاعدة حيوية للحفاظ على حيوية
المجتمع هي: بخفض الجناح تنتظم الأُمور[الغرر 6/184.]. وخفض الجناح هو كناية عن التواضع، وهو كناية عن تواضع الكبار من
ذوي المسؤوليات لأن التعبير هو خفض الجناح لمن يمتلك القدرة على الطيران، فهؤلاء تقع عليهم مسؤولية التواضع،
وهذا هو السبيل الأوفق لتقوية التنظيم والحيلولة دون انهياره وسقوطه. سادساً: الأمانة؛ عندما يشعر كل فرد في التنظيم الاداري أو أيّ تنظيم
إجتماعي بأنه أمين على مصالح الجماعة فإنّ إلتزامه نحو الجماعة ومصالحها سيكون
متيناً للغاية وخلافاً للتنظيمات التي تقوم على التنافس المحموم والذي مِن شأنه
أن يُفجّر التنظيمات من داخلها في كل لحظة، خلافاً لها أقام الاسلام نظامه
الاداري على مبدأ الأمانة، فقد خاطب الله سبحانه وتعالى أفراد المجتمع الذين
يتحملون مسؤولية إجتماعية قائلاً لهم: ﴿إنّ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى
أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل﴾ سورة النساء، آية 58. فالنظام الاداري الذي يطمح إليه الاسلام هو النظام القائم على
الأمانة، الذي يجعل مِن كُل فردٍ أميناً على مصالح الأُمة أميناً على ممتلكاتها،
أميناً على قيمها ومثلها، أميناً على أسرارها وأفكارها. وعلى النسق القرآني استعار أميرالمؤمنين(عليه السلام) فكرة الآية
الكريمة حول الأمانة فذكر في إحدى كلماته: *فرض الله... الأمانة نِظاماً للأُمة[قصار الكلمات رقم 252.]. والسؤال:
كيف تصبح الأمانة نظاماً للأُمة؟ الجواب: عندما يتحسس المسؤول الكبير سواء كان حاكماً أو والياً أو مُديراً
أو رئيساً بانه أمين على مصالح الأُمة، وعلى كل فرد فرد منها، وإنه سيُسأل يوم
القيامة عن هذه الأمانة. وعندما يشعر كُلَّ فرد من ابناء الأُمة بأنه أمين أيضاً على مصالح
الأُمة فعليه أن يصونها ويذود عن حياضها ويحميها حق حمايتها. وأي ضعف عن أداء
هذه المسؤولية سيحاسب عليه وسيواجه بأشدِّ العقوبات. |
|
ثالثاً:
كيف ينهار النظام؟
|
|
الأنظمة عُرضة للانهيار، كما ينهار البناء عندما يتسلل إليه الماء والرطوبة، فالأنظمة تتسوس كما يتسوس الكرسي
الموضوع في زاوية مِن البيت ولا يحصل على الرعاية المطلوبة، وأكبر معول يهدم نُظم الجماعة هو
الخلاف، وقد قال تعالى في
كتابه الكريم ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾ سورة الأنفال، آية 46. وقال أميرالمؤمنين(عليه السلام): الأُمور المنتظمة يفسدها الخلاف[الغرر 1/307.]. والخلاف هو جرثومة تبدأ صغيرة ثم تكبر فتنتشر فتهدد كيان المجتمع بأسره، والخلاف يبدأ صغيراً في نفس الانسان ثم ينمو كبيراً في كيان المجتمع. وأول عملية هدم تتم بمعول الخلاف هو هدم الآراء، يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): الخلاف يهدم الآراء[الغرر 1/270.]. فيظهر الخلاف وينتشر إلى كافة الرعية: آفة الرعية مخالفة الطاعة[الغرر 3/104.]. ثم يسري إلى قمة المؤسسات الاجتماعية فيصل حتى إلى المقاتلين: آفة الجند مخالفة القادة[الغرر 3/103.]. عندها سينهار المجتمع ويتمزق شرّ ممزق، يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام) عن
نتائج الاختلاف: سبب الفرقة الاختلاف[الغرر 4/123.]. وعندما تبلغ الجرثومة إلى هذا المستوى مِن التأثير يجب الاسراع في العلاج، وتقع على حكماء المجتمع وعقلائه مسؤولية وضع حدٍ لهذا الانهيار بإيقاف
حالة التداعي في المجتمع، وذلك بالعمل وفق هذه الخطوات: أولاً: الرفق بالآخرين، وهو يضع حداً للمخالفات، يقول الامام(عليه
السلام): الرفق يغلُّ حدّ المخالفة[الغرر 1/150.]. ثانياً: الانصاف، وهو نوع من العدل، يظهر فيه تساوي الانسان بين نفسه
والآخرين، يقول الامام(عليه السلام): الانصاف يرفع الخلاف ويوجد الائتلاف[الغرر 2/30.]. هذا ما يمكن القيام به عند وقوع الاختلاف في المجتمع وما يتحمله
المسؤول أو المدير مِن أعباء للحفاظ على النظم الاجتماعيه. وهذه هي إحدى الخواص التي تمتاز بها
النظم الادارية عند أميرالمؤمنين(عليه السلام) فهي إدارة منتظمة متسقة الأجزاء
لا مجال فيها للفُرقة والاختلاف. |
|
ثالثاً: الصفة الجماعية
|
|
لا تنشأ الإدارة إلاّ بين جمع مِن الناس، ولابُدّ لهذا الجمع مِن
روابط تربطهم، وكلما قوي هذا الرابط قويت الجماعة وأصبحت الادارة متيسرة على
المدير. فالجماعة هي البيئة
التي تنشأ فيها الإدارة، وبدون مراعاة هذا الجانب تصبح الادارة أشبه ماتكون
بمعادلة حسابية، وقد وُجّهت إنتقادات إلى المفكر الألماني (ماكس فيبر) عندما لم يهتم بالبيئة الاجتماعية التي تنشأ فيها الإدارة فجاء
نموذجه في ـ البيروقراطيةـ تُنقصه الروابط الانسانية. كذلك يؤخذ على (تيلر) إتجاهه إلى مكننة الانسان في
المعمل. وقد زخرَ فكر الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام) بنصوص كثيرة في
مجال المجتمع والجماعة، وهي بحدّ ذاتها تكوّن لدينا دراسة متكاملة عن المجتمع ودور الفرد في
الجماعة، لكن سنقتصر على النصوص التي نحتاجها في تأكيد الصفة الاجتماعية في الادارة. فالادارة التي نستقي أبعادها من كلام أميرالمؤمنين(عليه السلام) هي
التي تنشأ في رحم المجتمع والجماعة. وقد أشرنا سلفاً أن المفردة الاجتماعية تحتل
مساحة كبيرة مِن فكر الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام) فكان علينا أن نقتطف ما
ينفع دراستنا وهو الاشارة إلى ضرورة وجود المجتمع للحياة، وعوامل تكوين الجماعة،
وتصنيف المجتمع وما إلى ذلك من الموضوعات التي سنأتي على ذكرها. |
|
أولاً:
ضرورة وجود المجتمع
|
|
حاجة الفرد إلى الجماعة كحاجته إلى الهواء فهو لا يستطيع الاستمرار
في الحياة بدون الجماعة، لأنّ تعقيدات الحياة تحتّمُ عليه أن يُعاشر الأفراد
ويرتبط بهم برباط الأخوة، يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام) عن ذلك: عاشر أهل الفضل تسعد وتنبل[الغرر 4/356.]. فلا سعادة للانسان إلاّ عندما يكون في دائرة المجتمع، لذا أمر الاسلام أبناءه بحُسن
العشرة. وفائدة العشرة الحسنة هي: بحسن العشرة تدوم المودة[الغرر 3/201.]. وبحسن العشرة تأنس الرفاق[الغرر 3/210.]. وبحسن العشرة تدوم الصلة[الغرر 3/220.]. ويقول في حثه على كسب الصداقات: مَن لا أخاً له لا خير فيه[الغرر 5/224.]. وهو لا يقصد الأخ الحقيقي للانسان لأنه: رُبَّ أخٍ لم تلدهُ أُمك[الغرر 4/76.]. ومن محمل النصوص المتقدمة، ونصوص أُخرى لا مجال لذكرها ندرك ما
يوليه الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام) مِن أهمية لوجود الكيان الاجتماعي الذي تقوم العلاقات بين أفراده على
أساس الأُخوة الصادقة. فالأخوان زينة في الرخاء وعدّة في البلاء[الغرر 1/394.]. |
|
ثانياً:الحث
على الارتباط بالمجتمع
|
|
إذا كان للمجتمع تلك الأهمية حيث لا تستقيم حياة الانسان ولا تصلح
أخلاقه إلاّ من خلاله فقد وردت النصوص الكثيرة وهي تحثُّ على الالتزام بالجماعة،
يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام) الزموا الجماعة واجتنبوا الفُرقة[الغرر 2/240.]. الزموا السواد الأعظم فإنّ يد الله مع الجماعة[باب الخطب رقم 127.]. والزموا ماعقد عليه حبل الجماعة[باب الخطب رقم 151.] وعليكم بهذا السواد الأعظم[باب الخطب رقم66.]. هنا نجد أنفسنا أمام نصوص تدعو إلى الارتباط بالجماعة حفظاً على
وحدتها وكيانها السياسي حتى لا يتسرب إليه الفُرقة والاختلاف. فالحفاظ على وحدة المجتمع مسؤولية شرعية، وهو أمانة في عنق كل مُسلم؛ اما
الخروج على هذه الوحدة وشق عصا المسلمين فهو الخيانة لأنه تحوّل إلى معول لهدم مرتكز مهم مِن مرتكزات التقدم لدى
المسلمين وهو وحدة المجتمع الاسلامي. لذا يقول الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام): أعظم الخيانة خيانة الأمة[الغرر 2/388.]. وخيانة الأُمة هي الخروج على وحدتها القائمة على أساس مِن الحق وليس على الباطل،
لأنّ الأمانة التي فُرضت على المسلم
هي: التعاون على إقامة الحق أمانة وديانة[الغرر 1/350.]. فالخروج على هذا المبدأ هو
الخيانة، بل هو أعظم خيانة، لأنه خيانة لكل أبناء الأُمة الاسلامية. |
|
ثالثاً:
كيفية تكون الجماعة
|
|
هذه الجماعة التي دُعينا إلى الارتباط بها لابُدّ وأن تقوم على
أُسس متينة، وهي: الوفاء: الوفاء قوام الأمامة وزين الأُخوة[الغرر 3/68.]. لأنه يبطن صدق العلاقة، وإخلاص
الترابط. التناصح: لاخير في قومٍ ليسوا بناصحين ولا يحبون النصح[الغرر 6/427.]. ويقول في هذا المضمار: خير الاخوان أنصحهم وشرهم أغشهم[الغرر 3/433.]. فالعلاقة القائمة في هذا المجتمع هي علاقة فاعلة تتحرك باتجاه الايجابية، فإذا ظهر الخطأ مِن أحد الأفراد يُسرع الآخرون إلى تغييره. التعاون على إقامة الحق: التعاون على إقامة الحق أمانة وديانة[الغرر 1/350.]. فوجود الفرد في المجتمع يحمّله
مسؤولية تحتم عليه العمل مِن أجل إرساء صرح الحق من أية زاوية كانت. يقول الامام: الزم أهل الحق وأعمل عملهم[الغرر 2/366.]. إقامة العدل: العدل قوام البرية[الغرر 1/203.]. فالمجتمع الذي يقوم على العدل هو
المجتمع المسلم المعافى مِن كل مرضٍ، لأنّ العدل هو الذي يحافظ على توازن أطراف المجتمع. ويحافظ عليه من حالة الافراط والتفريط. يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): العدل قوام الرعية[الغرر 1/183.]. الشريعة: وهو العنصر الأهم في بناء المجتمع يقول أميرالمؤمنين(عليه
السلام): الشريعة صلاح البرية[الغرر 1/183.] فالشريعة هي التي تحدد الاطار القانوني للجماعة، وبدون القانون لا يستطيع المجتمع مِن الحياة ولا النمو. فالمجتمعات تتكون من عنصرٍ إنساني تنتج عنه العلاقات الاجتماعية،
ومِن عنصر قانوني تفرزه الشرائع والأعراف والعلاقات، ولا يبلغ المجتمع حالة
السمو إلاّ عندما تحكمه الشريعة، لأنها قانون صادر عن الله سبحانه وتعالى. المسؤولية: وجود الفرد في المجتمع يفرض عليه المسؤولية لأنّ العلاقة
الاجتماعية هي مسؤولية بحدِ ذاتها، يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): قوام الدنيا بأربع عالم يعملُ بعلمه وجاهلٌ لا يستنكف أن يتعلم وغني يجود بماله على
الفقراء، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه، فإذا لم يعمل العالم بعلمه إستنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخلَ الغني
بماله باع الفقير آخرته بدنياه[الغرر 4/518.]. فالمجتمع التي يرسمه الامام من خلال هذا النص هو مجتمع التكافل
والمسؤولية، يحمل كل فرد فيه مسؤولية إعتبارية، فإذا ما قام كل فرد بأداء مسؤوليته فإنّ هذا المجتمع سيتقدم
أشواطاً إلى الأمام، أما إذا لم يؤد ما عليه مِن مسؤولية فإنه سينتكس ويتراجع. |
|
رابعاً:
تصنيف المجتمعات
|
|
يصنف الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام) المجتمعات البشرية إلى
قسمين: مجتمع الأخيار ومجتمع الأشرار. مجتمع الأخيار: من صفات هذه المجتمع ـ كما يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام) ـ الاحسان غريزة الأخيار والإساءة
غريزة الأشرار[الغر 2/115.]فهذا المجتمع قائم على صفات ذاتية أصلية. يتصف افراده بهذه الصفات: حسن الطاعة: بحسن الطاعة يُعرف الأخيار[الغرر 3/536.]. لين الكلام وإفشاء السلام: سنة الأخيار لين الكلام وإفشاء السلام[الغرر 4/130.]. الصدق والأمانة: الزم الصدق والأمانة فإنهما سجية الأبرار (الأخيار)[ الغرر 2/187.]. الايثار، وهي علاقة مجسدة للروح الجماعية: الايثار سجية الأبرار وشيمة الأخيار[الغرر 2/187.]. فهؤلاء الاخيار الذين يبنون مجتمعاً مثالياً، وهو يستقبل أعضاءً
جُدداً، يقول أميرالمؤمنين في حثه للناس على الالتحاق بركب الأخيار: خير الإختيار موادة الأخيار[الغرر 3/426.]. ويقول أيضاً: ثمرة العقل صحبة الأخيار[الغرر 3/327.]. ويقول أيضاً: صحبة الأخيار تكسب الخير[الغرر 4/202.]. ويقول: ليس لشيء أدعى لخيرٍ وأنجى من شرٍ من صحبة الأخيار[الغرر 5/87.]. ويقول: مِن أحسن الاختيار صحبة الأخيار[الغرر 6/21.]. مجتمع الأشرار: صفات هذا المجمع كما ورد في كلمات امير المؤمنين(عليه السلام): الاحتكار شيمة الفجار (شيم الأشرار)[ الغرر 1/222.]. من صفاتهم: الحقد من طبائع الأشرار[الغرر 2/163.]. ومن عادتهم: عادة الأشرار أذية الرفاق[الغرر 4/332.]. والأشرار لا يخافون مِن أحد حتى مِن الله سبحانه وتعالى: شرّ الأشرار مَن لا يستحي من الناس
ولا يخاف الله سبحانه[الغرر 6/126.]. والاساءة هي رذيلة ذاتية متآصلة فيهم: والاساءة غريزة الأشرار[الغرر 2/115.]. فهؤلاء الأشرار يجب أن يفرَّ الناس منهم ولا يدنون منهم لأنّ
مصادقتهم تجلب السقوط والهلاك: مصاحبة الأشرار توجب التلف[الغرر 6/126.]. وهم كالنار يحترق مَن يقترب إليها، يقول الامام: إياكَ ومعاشرة الأشرار فانهم كالنار
مباشرتها تحرق[الغرر 2/115.].0 وعلى العكس؛ على الانسان أن يختار دائماً مجتمع الأخيار وينفر مِن
الأشرار، يقول الامام: جانبوا الأشرار وجالسوا الأخيار[الغرر 3/362.]. فكان لابُدّ أولاً أن يميز بين الاشرار والأخيار: الاختبار معيار يُفرق بين الأخيار
والأشرار[الغرر 4/516.]. لأنّ هناك مَن يحاول أن يزكي الاشرار ويظهرهم بمظهر الأخيار، ويقول
أميرالمؤمنين(عليه السلام): أكبر الأوزار تزكية الأشرار[الغرر 2/392.]. فبعد الاختبار يختار المسلم المجتمع الطيب ويفضله على مجتمع
الأشرار، يقول الامام: من حُسن الاختيار مقارنة الاخيار ومفارقة الاشرار[الغرر 6/47.]. أما الأشرار فلابُدّ مِن إعتزالهم والابتعاد عنهم: ينبغي لمن عرف الأشرار أن يعتزلهم[الغرر 6/443.]، ذلك لأنّ: مصاحب الأشرار كراكب البحر، إن
سَلِمَ مِنَ الغرق لم يسلم مِنَ الفَرَق[الغرر 6/138.]. فهو بين كماشتين، كماشة السقوط وكماشة الحزن. |
|
خامساً:
كيفية الانتماء إلى المجتمع الصالح
|
|
خَطى المُسلم خطوات وطيدة للحاق بركب الصالحين فقد اختبر مجتمعه
فعرفه بالاختبار العملي ثم إختاره على المجتمع الضال، والآن كيف السبيل إلى
اللحاق به. الاقتداء بالمجتمع الصالح، يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): الزم أهل الحق واعمل عملهم[الغرر 2/366.].وتكرار عملهم ليس تقليداً أعمى، بل
هو الانسجام التام مع أهل الحق يجعلهم يسلكون طريقهم في الحياة، لأنه الطريق
الصائب. مشاركة المجتمع الصالح: يقول الامام: شاركوا أهل الدنيا في دنياهم[الغرر 2/789.]وهي مشاركة الانسان العامل الذي يضع
رأسماله إلى جانب رأسمال الآخرين ليسارعوا إلى العمل بجد وهمة، والمشارك في
الدنيا تعبير عن المشاركة في الأُمور الاقتصادية والعمرانية. الضديّة مع الشر: يقول الامام: ضادوا الشر بالخير[الغرر 4/231.]. فقتل الشر في النفس يمكّنها مِن الاقتراب إلى دائرة الخير. الأخذ بالصدق والامانة: لأنهما جواز سفر إلى المجتمع الطيب، يقول
الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام): إلزم الصدق والأمانة فإنهما سجية الأخيار[الغرر 2/320.]. الصبر وتحمّل الصعاب: يقول الامام اميرالمؤمنين(عليه السلام): إن صبرت أدركت بصبرك منازل الأبرار[الغرر 3/4.]لأن الانتماء إلى المجتمع الصالح
بحاجة إلى ضريبة، على الانسان أن يدفعها، عليه أن يصبر على ضغط سلطان الشهوة،
وعلى ضغط سلطان الزمان، وإذا أردنا أن نلخص الفكرة الاجتماعية نستطيع القول إنًَّ المجتمع
الذي يطمح إليه الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام) هو: المجتمع المتزن، الذي يقوم على دعامة العدل. المجتمع النشط الذي يعمل بدوافع المسؤولية. المجتمع المفتوح الذي يستقبل في كل يوم جمعاً جديداً من المؤمنين. المجتمع المقنن، الذي يستند إلى قانون الشريعة الاسلامية. المجتمع الذي يحتضن أفراده ويمنحهم الفرص والأدوار. المجتمع المتطور الذي لا يعرف التوقف في حياته. وهذه هي الخصال الضرورية للتنظيم، فأيّ تنظيم إداري ينشأ في وسط
هذا المجتمع سينمو سريعاً، ويترسخ بقوة لانه سيُقام على أعمدة إجتماعية متينة. |
|
رابعاً: الصفة الهدفية
|
|
الحياة لم تُخلق عبثاً، فهي لم تخلق بالصدفة ـ كما يذهب البعض ـ
ولا خلقتها الطبيعة العمياء ـ كما يقول آخرون ـ ولم تخلق الدنيا نفسها ـ كما هو
رأي البعض ـ بل خلقها خالق قدير متعال، عالم قادر رازق حكيم عادل، فمن الخطأ أن
يعتقد المرء بأنّ لهذا الوجود خالق ثم يقول باللاهدفية، فأينما رميت ببصرك فثمة
دليل قاطع على هدفية الكون والحياة، هذا ما يؤكده لنا القرآن الكريم والسُّنة
النبوية وما أشار إليه أميرالمؤمنين(عليه السلام) في كلماته الرائعة، فتسلسل
الفكرة يفرض علينا هذه الخطوات، وأن نسأل هذه الأسئلة. |
|
أولاً:
هل خلق الله هذا الكون عبثاً؟
|
|
أم إنّ هناك هدفاً واضحاً من خلق الكون والسماوات والأرضين، فما هو
جواب أميرالمؤمنين(عليه السلام) يقول الامام: ما خلق السموات والأرض ومابينهما باطلاً[الغرر 2/613.]. والعبث (اللاهدفية) هو صنف مِن أصناف الباطل لأنه إذا قلنا
بالعبثية لواجهنا هذا السؤال، ما الفائدة إذن مِن الخلق هل ليلهو الخالق
بخلقه؟!يضع الامام الجواب البيّن على هذا السؤال وغيره مِن التساؤلات: ما خلق الله سبحانه أمراً عبثاً
فيلهو[الغرر 6/80.]. والبشر هو مِن هذا (الأمر) الذي لم يخلقه الله عبثاً. وهنا نصل إلى
المحطة الثانية. |
|
ثانياً:
هل خلق الله البشر عبثاً؟
|
|
يُجيب اميرالمؤمنين(عليه السلام): لم يخلقكم الله سبحانه عبثاً ولم يترككم سُدىً[الغرر 5/103.]. وعندما يشاهد أمامه أُناساً يلهون في هذه الدنيا فيخاطبهم خطاباً
صارماً: اهجر اللهو فإنك لم تُخلق عبثاً
فتلهو، ولم تُترك سُدىً فتلغو[الغرر 2/222.]. فعندما يصنع الصانع آلة يُريد لآلته أن تعمل وفق الهدف المرسوم
لها، لا أن تُرمى بعيداً بدون أن يستفاد منها. فالله الذي خلق الانسان أراد له
أن يعمل وفق الهدف الذي وضعه له. وأن يكون في دائرة المسؤولية التي ألقاه فيها.
فإذا وجده يلهو بغير الهدف المرسوم له، يغضب عليه لأنه عاكسه في اصل الخلقة وهو
الهدف مِن خلقه. وهنا نصل إلى المحطة الثالثة وهي الهدف من خلق الانسان. |
|
ثالثاً:
ما هو الهدف من خلق الإنسان؟
|
|
يُجيب اميرالمؤمنين(عليه السلام): رضا الله سبحانه أقرب غاية تُدرك[الغرر 4/91.].إذن رضا الله سبحانه هو الهدف
الكبير، والسؤال: كيف يتحقق رضا الله سبحانه وتعالى؟ لقد بعث الله الأنبياء والرُسل وأرسل الكُتب وبيَّن فيها ما يُريد
وما لا يُريد، فالعمل بهذه الكُتب، وبما يقوله الانبياء هو تحقيق لمرضاة الله
سبحانه وتعالى، يقول الامام في ذلك: إنَّ للإسلام غاية فانتهوا إلى غايته وأخرجوا إلى الله مما إفترض
عليكم مِن حقوقه[الغرر 3/535.].فالعمل بالاسلام هو ما يريده الله تبارك وتعالى، وغاية الاسلام هي
إخراج الحقوق المفروضة على المسلم حقّ نفسه عليه، وحقّ الآخرين عليه، وحق الله
عليه، وبذلك تتحقق الغاية الكبرى والهدف الأسمى مِن الخليقة. إذن رضا الله هو الاطار العام للهدف الذي مِن أجله خلق الله
الانسان، أما تفاصيل هذا الاطار فهو العمل بالاسلام بكل جزئياته وتفاصيله، فهو
الطريق المعبّد إلى رضا الله وبالتالي هو الهدف مِن خلق الانسان في هذه الحياة. وتبقى هناك قضية تمسُ حياة الانسان في كل صغيرة وكبيرة وهي: خَلَق
الله الانسان وخَلَقَ معه الدنيا، فكم أخذ مِن الدنيا وكم يعطيها، وهل الدنيا
لذاتها هدف للانسان أم إنها وسيلة لهدف آخر؟ الجواب على ذلك هو الخطوة الرابعة
مِن بحثنا. |
|
رابعاً:
الدنيا وسيلة وليست هدفاً
|
|
هناك خط رفيع يفصل بين عمل الدنيا الذي فيه رضا الله، وعمل الدنيا
الذي ليس فيه رضا الله، والانسان الذي لا يستطيع أن يميز هذا الخط سينغمر في
الدنيا وقد يغرق في مياهها، فكيف نستطيع ان نُميّز هذا الخط؟ هذا هو السؤال الشائك الذي قامت على جوابه المذاهب والفلسفات
والأفكار والنظريات من قديم الزمان وحتى يومنا هذا. فما هو جواب اميرالمؤمنين(عليه السلام) يقول الامام مخاطباً
الانسان: إنك لم تُخلق للدنيا فازهد فيها
وأعرض عنها[الغرر 3/57.]. وهذا لا يعني أن يترك الانسان الدنيا وشأنها بل معنى ذلك أنّ
الدنيا ليست هدفاً فلابد أن يزهد فيها الانسان فلا يتعلق بها تعلق الحبيب
بمحبوبه، بل يأخذ منها ما يكفيه، والذي يكفيه هو إشباع حاجاته الضرورية وهي
ثلاثة: أولاً: الحاجات الضرورية لبقائه في الحياة وهي الحاجة إلى الطعام
والشراب والسكن. ثانياً: الحاجات الضرورية لبقاء النوع، وهي الحاجة إلى الزواج وما
يتعلق بها. ثالثاً: الحاجات الاجتماعية كالحاجة إلى الاحترام والتقدير، فمن حق
الانسان ان يأخذ مِن الدنيا ما يشبع هذه الحاجات، لكن ان لا يزيد عن ذلك، يقول
الامام: إنَّ الدنيا دار منها لها الفناء،
ولأهلها منها الجلاء، وهي حلوة خضرة قد عجلت للطالب والتبست بقلب الناظر،
فارتحلوا عنها بأحسن ما يحضُرُكُمْ مِنَ الزّادِ ولا تسألوا فيها إلاّ الكَفافَ
ولا تطْلبُوا مِنها أكثرَ مِنَ البَلاغِ[الغرر 2/660.]. فإذا لم نُخلق للدنيا فلاي شيء خُلقنا يا ترى؟ يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): إنكم إنما خُلقتم للآخرة لا للدنيا، وللبقاء لا للفناء[الغرر 3/66.]. فإذا كان الأمر كذلك إذن: وما يصنع بالدنيا مَن خُلق للآخرة[الغرر 1/233.]. عليه أن يغتنم من الدنيا لآخرته: الأعمال في الدنيا تجارة الاخرة[الغرر 1/345]. وهي تجارة رابحة، لأنها متاجرة بين شيء زائل وشيء باقٍ يقول
الامام: الرابح مَن باع الدنيا بالآخرة[الغرر 2/70.]. فالدنيا ليست إلاّ ساحة سباق يتسابق فيها الناس إلى غاية اسمى يقول
الامام: المؤمن الدنيا مضماره، والعمل همته
والموت تحفته والجنة سبقته[الغرر 2/87.]. نص رائع يشتمل على قمم البلاغة.. إذن الدنيا ساحة سباق والهداية
يأخذها عند الممات، أما الجائزة التي يسعى مِن أجلها فهي (الجنة). هذا هو حال المؤمن أما حال الكافر: الكافر الدنيا جُنتُه، والعاجلة همته والموت شقاوته، والنار غايته[الغرر 2/88.]. صورتان متعاكستان؛ متسابقان أحدهما إتخذ الدنيا ساحة سباق أما
الآخر فاتخذها هدفاً له، فإلى أين إنتهى المتسابقان أحدهما إلى الجنة، والآخر
إلى النار. فالغاية إذن هي الجنة يقول اميرالمؤمنين(ع): غاية المؤمن الجنة[الغرر 4/370.]. |
|
خامساً:
لمن الجنة؟
|
|
وصلنا إلى ان الهدف الذي خلق الله الانسان له هو الجنة، والجنة
ليست المكان وحسب، بل هي متضمنة شروط الوصول إلى هذا المكان. وعندما يقول الامام
اميرالمؤمنين(عليه السلام): غاية المؤمن الجنة يختصر كل شيء في هذا النص القصير، فالغاية هنا نقطة النهاية اي
المكان الذي سينتهي إليه المؤمن، والغاية هنا أيضاً تحقيق الشروط التي توصل
الانسان إلى تلك النقطة النهائية وشروط الوصول هو الايمان المتحقق في المؤمن. فنحن إذن أمام نصٍّ يجمع بين البداية والنهاية، الايمان البداية
والجنة هي النهاية، الايمان شرط للوصول، والجنة مكان وتمكين، فمن حصل على تلك
الشروط فهو واصل إلى الجنة لا محالة. ويكرر الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام)
هذه الحقيقة قائلاً: الجنة جزاء كل مؤمن محسن[الغرر 1/383.]. إذن الايمان هو الطريق إلى الجنة، وأول خطوة في طريق الايمان هو
الجهاد مع النفس، لأنه مَن لا يفرّغ قلبه من الشر لا يستطيع أن يملأه بالايمان،
يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): لا يجوز الجنة إلاّ من جاهد نفسه[الغرر 5/65.]. |
|
سادساً:
مَن هو المؤمن؟
|
|
في هذه المحطة نصل إلى المؤمن، أو بعبارة أُخرى مَن ترجم الايمان
في حياته يقول الامام: ثلاث مَن كنّ فيه كمل إيمانه: العقل والحلم والعلم[الغرر 3/335.]. فالمؤمن على درجات، لانّ العقل والحلم والعلم على درجات أيضاً،
فإذا كملت هذه العناصر الثلاثة كَمُلَ إيمانه ايضاً، وعلى اساس هذه الدرجات تكون
درجته في الجنة، فكلما إرتفعت درجة إيمانه إرتقى درجة في الجنة أيضاً. إذن هدف الانسان في الحياة هو كسب الأُمور الثلاثة المذكورة: العقل
والحلم والعلم، فكان لابُدَّ من التوقف عند كل واحدة منها. |
|
1. العقل
|
|
للعقل مكانة مرموقة في فكر الامام علي(عليه السلام)، فهو جزء فاعل
ومتفاعل في حياة الانسان، فالعقل عند الامام(عليه السلام) ليس ـ كما هو عند
أصحاب النظريات الفلسفية المعقدة ـ فهو يُعرف مِن خلال آثاره وعبر نتائجه. إذن ماهو العقل، وماهي فوائده، وماهو دوره في حياة الانسان، وكيف
يمكن صيانته؟ سنلمُّ بهذه الاستفهامات الخمسة مِن خلال النصوص الواردة عن
أميرالمؤمنين(عليه السلام) أ.ما هو العقل: العقل عند أميرالمؤمنين(عليه السلام): هو السلطة التي تقود الانسان
إلى الخير والسعادة. يقول الامام في ذلك: العقل إنك تقتصد فلا تسرف وتعِد فلا تُخلف وإذا غضبت حَلُمت[الغرر 2/145.]ويقول: إنما العقل التجنب مِن الاثم والنظر
في العواقب والأخذ بالحزم[الغرر 3/84.]وهو أداة السلطة التي يستخدمها
الانسان في مواجهة حالات الضعف والسقوط التي قد نعتريه، يقول الامام: العقل سلاح كل أمر[الغرر 1/210.]. وإذا ما دققنا في النصوص الأُخرى التي تحكي عن ماهية العقل نجد
أنها تتفق على أنَّ العقل قوة وسلطة تساعد الانسان على نقله مِن دائرة الشر إلى
دائرة الخير. ب. فوائد العقل: عندما يستخدم الانسان سُلطة العقل في توجيه حياته فإنه سيكسب كل
خير، وسيتجنب كل شر، سيكسب الحياة وما فيها مِن خيرات وسيكسب التعالي في بناء
شخصيته وما تتحلى به مِن فضائل. من هنا: فإن ثمرة العقل: الاستقامة[الغرر 3/322.].لزوم العقل[الغرر 3/320.] العمل للنجاة[الغرر 3/329.] مداراة الناس[الغرر 3/329.]، الصدق[الغرر 3/333.] قمع الهوى[الغرر 3/334.]. يقول الامام: مَن عقل... فَهِمَ[الغرر 5/135.ذ]، عفّ[الغرر 5/135.]،إستقال[الغرر 5/140.]، سمح[الغرر 5/145.]، قنع[الغرر 5/150.]، صمت[الغرر 5/154.]، كثر إعتباره[الغرر 5/258.]،.. اعتبر بأمسه وإستظهر لنفسه[الغرر 5/359.]، يتعظ من غفلته[الغرر 5/397.]. ج. مَن هو العاقل: عرفنا العقل وفائدته وقد آن الأوان لنعرف مَن هو العاقِل، يستخدم
الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام) عبارة العاقل للدلالة على مَن استخدم عقله،
وكأنَّ هذا العقل قد تسرب إلى أنحاء بدنه كما أن الدم ينتشر ويتسرب فيمنح الحياة
لأعضاء بدن الانسان. فالعقل هو الحاكم على أعضاء بدنه، بل كل خلية في كيانه تديره سلطة
العقل، فهي خاضعة له خضوع طاعة واعية، مُنصاعة إليه لأنه سلطة تقوده إلى الخير
والسعادة، لذا: يستدل على عقل الرجل بالتحلّي بالعفة والقناعة[ الغرر 6/448.]...
بما يجري على لسانه[الغرر 6/448.]... بكثرة وقاره[الغرر 6/453.]. فكل جوارحه وجوانحه وأعضائه منساقة منضبطة لسلطة العقل: فالعاقل لا ينخدع[ الغرر 1/116.]...
يضع نفسه[الغرر 1/178.]... من وعظته التجارب[الغرر 1/312.]... مَن أمات شهوته[الغرر 1/313.]... من صدق أقواله افعاله[الغرر 1/365.]... مَن وقف حيث عُرف[الغرر 1/366.]... مَن تورّع عن الذنوب[الغرر 2/36.]... إذا سكت فكّر وإذا نطق ذكر وإذا
نظر إعتبر[الغرر 2/55.]... مَن وضع الأشياء مواضعها[الغرر 2/79.]...يجتهد في عمله[الغرر 2/92.]... لا يفرط به عنف[الغرر 2/107.]... مَن يملك نفسه إذا غضب وإذا رغب
وإذا رهب[الغر 2/111.]... مَن قمع هواه بعقله[الغرر 2/162.]. الفكرة التي تطرحها هذه النصوص هي: أنّ العقل قوة تعمل على تنظيم
أجزاء الانسان بما تفرض مِن قواعد وضوابط، ومن ثمَّ هو المسؤول عن تفعيل هذه
الأجزاء بطريقة متسقة، وينتج عن ذلك إنساناً متزناً منضبطاً تتحرك أجزاؤه وفق
معايير وقواعد، وتكون الحركة بطبيعة الحال باتجاه أهداف خيرة. دـ صيانة العقل: فإذا كان للعقل هذه الأهمية، فكيف يمكن صيانته والحفاظ عليه؟ يقول
أميرالمؤمنين(عليه السلام): شرُّ آفات العقل الكبر[الغرر 4/178.]فالتكبر يعزل الناس عن المتكبر حتى
لو كان عالماً عاقلاً، مِن هنا كان: جهاد النفس بالعلم عنوان العقل[الغرر 3/368.].ويقول الامام علي(عليه السلام) عن
معاول العقل: سب فساد العقل الهوى[الغرر 4/121.] وأيضاً: سبب فساد العقل حبّ الدنيا[الغرر 4/125.]. ويقول أيضاً: ذهاب العقل بين الهوى والشهوة[الغرر 4/32.]. فمنطقه الخطر التي تهدد العقل حدودها الهوى، فكلّما اتسعت هذه
الدائرة إشتدّ خطرها، لذا كان لابُدّ مِن التحفّز الدائم لصيانة العقل مِن هذه
المخاطر. يقول الامام: ردع النفس عن زخارف الدنيا ثمرة العقل[الغرر 4/88.]. ويقول أيضاً: كسب العقل الاعتبار والاستظهار[الغرر 4/627.]. ويقول أيضاً: لا تصحبنّ من لا عقل له[الغرر 6/262.]. وأفضل وسيلة لصيانة العقل هو مجالسة الحكماء، يقول
أميرالمؤمنين(عليه السلام): مجالسة الحكماء حياة العقول وشفاء النفوس[الغرر 6/151.].
|
|
2. الحلم:
|
|
هدف آخر يسعى مِن أجله الانسان ليصبح متمكناً من نفسه من شهواته
وغضبه، والحلم هو سلطة لارغام النفس على إتخاذ حالة الاعتدال، يقول
أميرالمؤمنين(عليه السلام): إنما الحلمُ كظم الغيظ وملك النفس [الغرر 3/74.]. اما فائدته فتنعكس على سلوك الانسان فيضعه في مكانة مرموقة داخل
المجتمع، يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): الحلم عشيرة[قصار الكلمات رقم 418.]ومن ثمار الحلم الرفق ـ كما يقول
الامام(عليه السلام) ـ وهذه الخصال ذات أثر واقعي على حياة البشر لأنها تفتح
الطريق أمام التوسع في العلاقات الأخوية الصادقة. أضف إلى ذلك فإن الحلم يستر
معايب الفرد إذا كانت فيه معايب، فسطوع هذه الفضيلة سيُغطي على العيوب، لذا كان الحلم غطاءٌ ساتر[قصار الكلمات رقم 424.]يستر على جوانب ضعفه الذاتية التي لا
دخل له فيها كالبُكم والصم. وحتى لو كانت فيه رذيلة فإن الحلم يستر عليها، ويخفف
مِن آثارها. أما كيف تصبح حليماً؟ يضع الامام اميرالمؤمنين أمامنا عدة طرق لكسب هذه الفضيلة، من هذه
الطرق مجالسة الحلماء: جالس الحلماء تزد حلماً[الغرر 3/357.]. ويقول ايضاً:صاحب الحكماء وجالس الحلماء[الغرر 4/326.]. كما لابُدَّ مِن مكافحة الآفات التي تقف حجر عثرة أمام الحلم منها
المذلة: آفة الحلم الذلّ[الغرر 3/16.]، لأن الذليل يفقد موازين القيم.
|
|
3. العلم:
|
|
هدف ثالث من أهداف الانسان في الحياة. فهو يتعلم مِن أجل أن يحيا
حياةً أفضل، فبالعلم يستطيع الانسان أن يقود مسيرة حياته وأن يُحسن معيشته يقول
أميرالمؤمنين(عليه السلام): إكتسبوا العلم يكسبكم الحياة[الغرر 2/240.]. والعلم عندما يقترن به العمل يتحوّل إلى حركة صحيحة في الحياة،
يقول أميرالمؤمنين: العلم أصل كل خير[الغرر 1/205.]. ويقول أيضاً: العلم حياةٌ وشفاء[الغرر 1/182.]، العلم خيرُ دليل[ الغرر 1/156.] فالعلم هو الوسيلة التي تنقل الانسان مِن الطريق المظلم إلى
الطريق الواضح، وتمنحه القدرة على إدارة نفسه وتخليصها مِن الهفوات والنواقص،
يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): العلم يُنجِي مِن الارتباك في الحيرة[الغرر 2/34.]لأنه يضيء الطريق أمام البشر ويجعلهم
متبصرين بأحكام الله وقادرين على تفهم الظروف المحيطة بهم، وما الذي يجب فعله،
يقول اميرالمؤمنين: العلم يرشدك إلى ما أمرك الله به[الغرر 2/60.]. ولو تعمقنا في النصوص الواردة عن أميرالمؤمنين(عليه السلام)
لاستنتجنا ما يلي: العلم لا يكون نافعاً إلاّ إذا اقترن بالعمل: علم بلا عمل كشجر بلا ثمر[الغرر 4/350.]. لا فائدة مِن العبادة بدون العلم: المتعبّد بغير علم كحمار الطاحونة[الغرر 2/125.]. تجارب الإنسان في الحياة، وهو نوع من العلوم: التجارب علم مستفاد[الغرر 1/260.]. وهناك علوم متنوعة، يجب تعلم الأفضل: خذوا من العلم أحسنه[الغر 3/458.]. وهناك علوم تؤدي بمن تعلمها إلى الضلال يجب إجتنابها: رب علم أدى إلى مضلتك[الغرر ق/76.]. بالعلم يسعد الفقير والغني: العلم زين الأغنياء وغنى الفقراء[الغرر 1/394.]. وبالعلم يمتلك الانسان المقومات الاجتماعية: تعلموا العلم تُعرفوا به واعملوا به
تكونوا من أهله[الغرر 3/297.]. من مظاهر العلم الخشية: أعظم الناس علماً أشدهم خوفاً لله سبحانه[الغرر 2/428.]. لابُدّ مِن أن يُعلِّم العالم الجاهل: المال تُنقصهُ النفقة والعلم يزكوا
على الانفاق[الغرر 2/116.]. ويقول أيضاً: زكاة العلم نشره[الغرر 4/104.]. إذا اقترنت الزعامة بالعلم فستكون زعامة متميزة: سياسة النفس أفضل سياسة ورياسة العلم
أشرف رياسة[الغرر 4/135.]. لابُدّّ من التعب والنصب مِن أجل تحصيل العلم: لا يُدرك العلم براحة الجسم[الغرر 6/387.]. هذا هو العنصر الثالث عنصر العلم الذي يجب على الانسان أن يسعى للحصول عليه. وحدة الهدف بين العقل والحلم والعلم مِن الشروح السابقة للعقل والحلم والعلم تبين لنا وجود نسق مشترك
بين هذه الأركان الثلاثة، فالعقل كما يقول الامام؛ مركب العلم، والعلم ـ كما
يقول ـ مركب الحلم، وفي نص آخر: العقل أصل العلم وداعية الفهم[الغرر 2/91.]. ولا خير في عقل لا يُقارنه حلم[الغرر 6/396.]. والحلم هو تمام العقل[الغرر 1/264.]. ومع العقل يتوفر الحلم[الغرر 6/121.]. والعلم مصباح العقل[الغرر 1/144.]. والعلم قائد الحلم[الغرر 1/211.]. مما تقدم نستطيع أن نرسم معادلة الهدفية في الحياة. الحلم |
|
العقل
العلم
|
|
فالعقل يؤدي إلى العلم وهما معاً يؤديان إلى الحلم. وهذه هي الصفات
الأساسية للشخصية المتكاملة التي يسعى من أجلها كل إنسان. وهي بالتالي صفات يجب
توفرها في المدير المناسب القادر على إدارة دفة الأُمور. فالعقل والحلم والعلم هي شروط يجب توفرها في المدير الجيد القادر
على الادارة فسلطة العقل تمتد في آثارها منعكسة على الادارة، يقول
أميرالمؤمنين(عليه السلام): أول شيء يدل على غزارة العقل حسن التدبير[الغرر 2/429.]. لأنّ بالعقل يتمكن الانسان العاقل أن يُدير الناس أفضل إدارة. يقول
أميرالمؤمنين(عليه السلام): عنوان العقل مداراة الناس[الغرر 4/310.]. ومداراة الناس هي إحدى أركان الادارة الجيدة، وهي معرفة ما يرضيهم
وما يزيدهم من فاعليتهم في الحياة. أما شرط الحلم في المدير، فنذكر هنا ما ورد في عهد أميرالمؤمنين
إلى مالك الأشتر وهو يذكره بشروط تنصيب القادة العسكرييين فيقول له: فولِ مِن جنودك.. وأفضلهم حلماً[باب الرسائل، رقم 53.]. أما العلم فهو أحد أركان الادارة
والقيادة عند الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام): رياسة العلم أشرف رياسة[الغرر 4/135.]. فالادارة ليست فناً وحسب، بل هي علم أيضاً. من هنا كان الهدف تنمية قدرات الانسان ليستطيع من تحمُّل المسؤولية
وإدارة دفة الأُمور. |
|
خلاصة البحث:
|
|
مما سبق تبين لنا أن الادارة عند أميرالمؤمنين(عليه السلام) ليست فعلاً ميكانيكياً بل هي مجموعة صفات وخصال تمتزج فيما بينها للحصول على المدير الجيد
والإدارة الجيدة، وهذه الصفات هي التنظيم، فلا إدارة بدون تنظيم ونظام، فإذا حلَّ نقص التنظيم حلّت محله الفوضى. والصفة الثانية: الانسانية بمعنى ان الذي يتحرك ويفعّل الادارة هو الانسان وليس
الآلة، فكان لابُد من معرفة الانسان والتعريف على نقاط قوته ونقاط ضعفه، فالادارة الجيدة هي التي تحاول أن تستثمر نقاط القوة
في أعضائها وتعالج نقاط الضعف فيهم. أما الصفة الثالثة: فهي الحالة الاجتماعية، أي أن الادارة تشكل بمجموعها مجتمعاً منظماً تنشأ فيه العلاقات
الانسانية وتنمو فيه الروح الجماعية. وعندما تتحرك هذه الادارة كأنما المجتمع بأسره قد تحرك, وهذه النظرة تخالف أولئك الذين ينظرون إلى الادارة
وكأنها متكونة مِن أجزاء بشرية متناثرة لا يربطها رابط سوى القوانين الصارمة، كما هي البير وقراطية والتِلرية
العلمية. أما الصفة الرابعة: فهي
الهدفية، فلابد أن يكون للإدارة هدفاً وأن يكون هذا الهدف منسجماً مع أهداف
الانسان في الحياة، وبالتالي يجب أن تكون هذه الأهداف منصبة في بناء الإدارة
القوية، وهنا نجد أنفسنا أمام دائرة متكاملة
شاملة وهي المعبرة عن الفضائل الانسانية
والساعية أيضاً إلى تحقيقها في الحياة. القرآن الكريم. نهج البلاغة. غرر الحكم ودرر الكلم/ الآمدي. المفردات/ الراغب. |
|
خصائص
الإدارة عند الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)
|
|
يمتاز الفكر الإداري عند الإمام علي(عليه السلام) بمتانته وتماسكه واستناده إلى قواعد منطقية رصينة، فجاء هذا الفكر
متميزاً بخصائص قد لا يظفر بها أيُّ مفكر إداري غربي. فهو فكرٌ إنساني لأنه ينظر إلى الادارة بنظرة إنسانية، فالذي يتحرّك في أُفق الادارة هو
الإنسان وليس الآلة، كما وأنّ نظرة الإمام إلى المؤسسة الإدارية؛ إنّها مجتمع مصغّر تتضامن فيه جميع
المقومات الاجتماعية، كما وأن نظرته إلى الاداة؛ أنها جهاز منظم وليس خليطاً مِن
الفوضى، وأنّ لهذا الجهاز هدفاً سامياً فالتنظيم لم يوجد عبثاً، بل مِن أجل
تحقيق أهداف كبيرة في الحياة. إستناداً
إلى هذه الرؤية الشمولية عند أميرالمؤمنين(عليه السلام)
فانّ الادارة هي كيانٌ حيّ ينبض بالحياة فهي
متصفة بالصفة الانسانية والصفة التنظيمية والصفة الجماعية والصفة الهدفية. فهي إذن كيانٌ إجتماعي حي يعيش في وسط المجتمع يسعى مِن أجل أهداف
كبيرة في الحياة. وسنأتي على توضيح أهم تلك الصفات فيما يأتي: |
|
أولاً: الصفة الإنسانية
|
|
يمتاز فكر الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام) بالتناسق والتعاضد
لأنّ رؤيته للحياة رؤية شاملة لكل أبعادها وأركانها وأجزائها. فالاقتصاد متداخل مع السياسة وهما يعتمدان على الادارة، فإذا ما تتبعنا حلقات فكر الإمام
أميرالمؤمنين(عليه السلام) لوجدنا أنها تستمد مِن رؤيته الثابتة عن الإنسان،
طبيعته، وأساليب رقيه، مشاكله وكيفية مواجهته لها، فكان لابُدَّ مِن عرض رؤية الإمام
أميرالمؤمنين(عليه السلام) عن الإنسان قبل أن نستعرض نظريته في الادارة. ذلك لأنّ الادارة في المنظور
الإسلامي ليست أدوات صماء، بل هي تقوم على أكتاف البشر، والبشر فيهم عوامل قوة
وعوامل ضعف. وبقدر تفعيل عوامل الخير وتحريك الطاقات الكامنة في البشر تتقدم
المؤسسات والمشاريع وهي بأجمعها رهن الادارة الجيدة. فالمدير الجيد هو الذي يعرف طبيعة الناس الذين يتعامل معهم، ويعلم ما الذي
يُحركهم؟ وماذا يثبّط عزائمهم؟ يعرف متى يتقدمون ومتى يتأخرون؟ وما مِن نظرية إدارية إلاّ وهي قائمة
عَلى رؤية أصحاب هذه النظرية إلى الإنسان، فالرأسمالية الاحتكارية التي تنظر إلى الانسان ككتلة مِن اللحم
الصماء تتعامل معه بطريقة خاصة تقوم على هذه الرؤية، فهي لا تُعير أهمية
للمحفزات المعنوية التي تدفع بالإنسان إلى الأمام عشرة أضعاف المحفزات المادية. إذن النظرية الإدارية المتكاملة هي التي تبدأ أولاً بالإنسان.. ماهيته، وممّ يتكون،
وكيف يتعامل مع الحياة؟ وماهي مشاكله وكيف يتقدم؟ وماهو السبيل إلى توجيهه
الوجهة الصحيحة؟. |
|
ماهو
الإنسان وكيف خُلق؟
|
|
يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام) في وصفه لخلق الانسان: ثم جَمَعَ سُبحانه مِنْ حَزْنِ
الأرْضِ وسَهْلِها، وعَذْبِهَا وسَبَخها تُربةً سنّهَا بالمَاء حتى خَلَصَتْ،
ولا طهَا بالبَلَّةِ حتى لَزَبَتْ، فجَبلَ مِنْها صُورةً ذاتَ أحْنَاء ووصُولٍ،
وأعضاءٍ وفُصُولٍ: أجْمَدَهَا حتى استَمْسَكَتْ، وأصْلَدَها حتى صَلْصَلتْ
لِوقتٍ معدودٍ، وأمدٍ مَعْلُوم،ثُمَّ نَفَخَ فيها مِنْ روحِهِ فمَثُلَتْ إنساناً
ذا أَذهَانٍ يُجيلُهَا، وَفِكَرٍ يتصَرَّفُ بِها، وجَوارِحَ يخْتَدِمُها، وأدوات
يُقلِّبُها، ومَعْرفةٍ يَفْرُقُ بها بَين الحقِّ والباطِلِ، والأذواقِ
والمشَامِّ والألوان والأجنَاس، معجوناً بِطينةِ الألوان المختلفة والأشباه
المؤتلفة، والأضدادِ المتعادية، والأخْلاطِ المتباينة، مِنَ الحَرِّ والبَرْدِ،
والبَلَّةِ والجُمُود[باب الخطب رقم (1) يذكر فيها إبتداء خلق السماء والأرض.]ِ. فالإنسان هو قبضة مِن طين الأرض مِن السهل والسبخ، ونفخةٌ مِن روح
الله، وهذه النفخة هي التي جعلت منه إنساناً، هي التي منحته القدرة على التفكير
والقدرة على الحركة والقدرة على التمييز، فأخذ يُفكر لحياته وحياة أبنائه، وأخذ
يتحرك مِن وحي تلك الفكرة التي توصل إليها، وأخذ يُميّز الحق عن الباطل. ولولا تلك النفخة العِلويّة لظلت أطرافه بلا حركة، ولظلّ لسانه بلا
إحساس للأذواق، ولظل أنفه غير قادر على تحسس الروائح، ولظلت عينهُ غير قادرة على
تمييز الألوان. إذن الإنسان هو روحٌ وجسد، فالروح هي مِن آثار تلك النفخة العلوية والجسد مِن الطين الذي صُنع منه كل البشر، وإلى هذا المعنى يُشير
أميرالمؤمنين(عليه السلام) في قوله عَن أولياء الله: وصَحبُوا الدُّنيا بأبْدانٍ
أرْواحَها مُعلَّقة بالمحلِّ الأعلى [الغرر 6/214.]. فهي معلقة بالمحل الأعلى لأنها في الأصل مستمدة مِن تلك النفخة العلوية أمّا الأبدان فهي ليست إلاّ أوعية للأرواح. |
|
الإنسان
عقلٌ وهوى
|
|
وينشأ عن هذه النفخة نورٌ يهتدي به الإنسان طريقه في الحياة وهذا النور هو العقل. يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): الإنسان بعقله [الغرر 1/61.]. ويقول: العقل فضيلة الإنسان[الغرر 1/67.]. ومنتهى كمال الإنسان عندما يكتمل عنده العقل، يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): كمال الإنسان العقل[الغرر 4/631.]ويقول أيضا: إن أغنى الغنى العقل[قصار الكلمات رقم38.]ويقول أيضاً: لاغنى كالعقل[قصار الكلمات رقم54.]. وكان مِن مسؤولية الإنسان أن يُنشط عقله، ففي وصفه(عليه السلام)
للسالك إلى الله؛ قد أحيا عقله، وأمات نفسه[باب الخطب رقم 220.]. وعندما يزول العقل يتحوّل الإنسان إلى جسدٍ ميت: أيها القوم الشاهدة أبدانهم الغائبة
عنهم عقولهم [باب الخطب رقم 97.]. ويضرب الإمام لنا مثلاً مُجسداً عن أهمية العقل في توجيه الإنسان، يقول الإمام لمعاوية بن أبي سفيان؛ يا معاوية لئن نظرت بعقلك.. لتجدني أبرأ الناس...[ باب الكتب والرسائل رقم 6.]. وإذا غاب العقل إستولى مكانه الهوى، يقول الإمام: آفة العقل الهوى[الغرر3/101.]. ولا عقل مع الهوى[الغرر 6/363.]. ويقول عن معاوية: قد دعاه الهوى فأجابه[باب الكتب و الرسائل رقم7.]. وهذا هو الشقي؛ الشقي في الدنيا، وهي شقيٌّ لنفسه ولغيره أيضاً: والشقي من انخدع لهواه وغروره[باب الخطب رقم 86.]. وأكثر فتن التاريخ مصدرها إتباع الحكام لأهوائهم. يقول الامام أميرالمؤمنين: إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع
وأحكام تُبتدع[باب الخطب رقم 50.]. ويُفسِّر الإمام الانحراف التاريخي الذي أدى إلى إنحراف الناس: هذا الدين قد كان أسيراً في أيدي
الأشرار يُعمل فيه بالهوى[باب الكتب والرسائل رقم53.]. فأين كانت العقول يوم حكمت الأهواء البلاد؟.. إنها كانت أسيرة
مثلما كان الدينُ أسيراً. وكم مِن عقل أسيرٍ تحت هوى أمير[الكلمات القصار رقم 211.]. وما هو الحل؟؟ الحل أن يتمرّد العقل على الاغلال وأن يقف بقوة بوجه الهوى مقاتلاً صُلباً.. يقول الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام): إذا وقع الأمر بفصلِ القضاءِ (وخسر
هُنالك المبطلون) شَهِد على ذلك العقل إذا خرج مِن أسرِ الهوى، وسلم مِن علائق
الدُّنيا[كتابه إلى شريح قاضيه رقم 3.]. وهنا العقل سيشهر سيف الوعي ضد ظلام الهوى، ويدخل معه في حرب لا هوادة فيها.
يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام) العقلُ حُسامٌ قاطِع، فاستر خلَلَ خُلُقك بحِلمكَ، وقاتِلْ هواك
بعقلك[قصار الكلمات رقم 424.]. فالعقل سيفٌ.. وهو سيفٌ بتّار يقطع كل إنحرافٍ إذا مااستطاع الإنسان حملهُ
وشهره. ولابُدَّ مِن مقاتلة الهوى لأنه العدو الأول الذي يمنع الإنسان عن
التقدم، ويدفع به إلى الوراء، ويتركه في الظلام الدامس يلقي مصيرهُ المؤلم. وقد مثّل أميرالمؤمنين(عليه السلام) صراع العقل والهوى بمعركة وقعت بين جيشين فيقول: الهوى قائد جيش الشيطان[الغرر 2/137.]. فامتلاك العقل ينتج عن مخالفة الهوى. يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): مخالفة الهوى شفاءُ العقل[الغرر6/130.]. ويقول أيضا: ثمرة العقل مقت الدنيا وقمعُ الهوى[الغرر 3/334.]. فهناك علاقة متينة بين الهوى وحب الدنيا. ومنشأ هذه العلاقة: مَن أطاعَ هواه باع آخرته بدُنياه[الغرر5/279.]. إذن العقل والهوى في حالة معاكسة دائماً. طاعة الهوى تُفسد العقل[الغرر 4/.]. الهوى عدو العقل[الغرر 1/68.]. الهوى ضد العقل[الغرر 1/258.]. فهما لا يجتمعان في إنسان أبداً، بل هما في صراع دائم حتى يتغلب
أحدهما على الآخر. لذا خاطب أميرالمؤمنين(عليه السلام) أصحابه قائلاً لهم: إياكم وتمكن الهوى منكم[الغرر 2/325.]. ويقول أيضاً: إسترشد العقل وخالف الهوى تنج[الغرر 2/184.]. وتترى التعليمات والوصايا.. إملك عليك هواك[الغرر 2/199.]. إنك إن أطعت هواك أصمّك وأعماك[الغرر 3/56.]. قاتل هواك بعقلك تملك رُشدك[الغرر 4/ 499.]. ثم يقول: قاتل هواك بعلمك[الغرر 4/513.]لأنّ العلم هو ثمرة العقل، فالإمام يضع الإنسان أمام أقسى عدو
لايمكن السكوت حياله. هواك أعدى عليك من كل عدو فاغلبهُ وإلاّ أهلكك[الغرر 6/213.]. وأمام دغدغات الهوى التي تسابقه إلى عمل المنكرات، عليه أنْ يسوِّف
الهوى، ولا يتعجل في تنفيذ رغباته لأنّ فيه الهلاك، يقول الإمام: كن لعقلك مُسعِفاً ولهواك مسوّفاً[الغرر 4/613.]. |
|
مصدر
الفضائل والرذائل
|
|
يعتبر الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) العقل مصدر كل الفضائل: العقل فضيلة الإنسان[الغرر1/65.]. العقل ينبوع الخير[الغرر 1/173.]. العلم مصباح العقل وينبوع الفضل[الغرر 2/7.]. ولما كان العقل هو أصل العلم كما ورد في كلام الإمام [الغرر 2/91.].فهو ينبوع الفضل أيضاً. والأدب أحد الفضائل المهمة في الإنسان وأساسه العقل. الأدب في الإنسان كشجرة أصلها العقل[الغرر 2/109.]. والتواضع أحد الفضائل وهو رأس العقل كما ورد في الغرر[الغرر 2/151.]. والسخاء وهو أحد الفضائل أيضاً ثمرة العقل كما في الغرر[الغرر 2/151.]. والحلم أحد الفضائل وهو الآخر ناتج عن وفور العقل: بوفور العقل يتوفر الحلم[الغرر 3/221.]. والعلاقة بين العدل والعقل علاقة وطيدة تُبينها هذه العبارة
الرائعة: من علامات العقل العمل بسنة العدل[الغرر 6/24.]. والحكمة هي عصارة الفضائل منبعها العقل يقول أميرالمؤمنين(ع): بالعقل يُستخرج غور الحكمة[الغرر 3/204.]. والإعتبار بالأحداث وهو أحد الفضائل أساسه أيضاً العقل: من قوى عقله أكثر الاعتبار[الغرر 5/269.]. والمروءة هي إحدى الفضائل التي يتبارى على التمسك بها الرجال وهي
تستند أيضاً إلى العقل: مروءة الرجل على قدر عقله[الغرر 6/128.]. والفكر هو الآخر مِن مكتسبات العقل يقول الامام: الفكر جلاء العقول[الغرر 1/232.]. فالفكر، الأدب، العلم، التواضع، الحلم، السخاء، العدل، الحكمة،
الاعتبار، والمروءة كلها فضائل تجدها عند العاقل. أما الجاهل الذي يتبع هواه فماذا تجد عنده؟ سبب كل المحن؛ الهوى أُسُّ المحن[الغرر 1/262.]. عامل كل فتنة؛ الهوى مطية الفتنة[الغرر 1/276.]. سبب الارتباك في الحياة؛ لاتتبع الهوى؛ فمن تبع هواه إرتبك[الغرر 6/296.]. سبب الهلاك؛ مَن أطاع هواه هلك[الغرر 5/146.]. سبب الزلل؛ مَن ركب هواه زلّ[الغرر 5/202.]. سبب لفساد النفس؛ فساد النفس الهوى[الغرر 4/417.]. سبب عدم الاخلاص؛ كيف يستطيع الاخلاص مَن يغلبه الهوى[الغرر 4/475.]. سبب الضلال؛ مَن ملكه هواه ضل[الغرر 5/137.]. سبب العمى والصمم والذُّل؛ مَن اتبع هواه أعماه وأصمه وأذله وأضله[الغرر 5/465.]. سبب الظُلم؛ مَن نظَر بعين هواه إفتتن وجارَ[الغرر 5/137.]. |
|
الدنيا
والآخرة
|
|
الدنيا هي ميدان الانسان فهو يستطيع أن يحوّلها إلى منبع للخير، أو
مصدر للشرِّ، فعن الذين حولوها إلى ميدان للخير يقول الامام: إن للدُنيا رجالاً لديهم كنوزٌ مذخورةٌ مذمومةٌ عندكُمْ
مَدْحُورةٌ، يكشف بِهم الدّين كََشْفِ أحَدِكُمْ رأسَ قِدْرِهِ ويَلُوذونَ
كالجرادِ فيُهلِكُون جبابرة البلاد[الغرر 2/655.]. فهؤلاء الرجال إستفادوا مِن الدنيا وصمموا على الجهاد لاقامة حكم
المستضعفين في الأرض. يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): إن الدنيا دارُ صِدقٍ لمن
صَدَّقَها، ودارُ عافيةٍ لمَن فَهِمَ عنْها، ودارُ غنى لِمنْ تَزَوَّدَ فِيها،
ودارُ موعظةٍ لِمن اتَّعظَ بها[الغرر 2/652.]. فخيرها متعلق بالموقف منها؛ فهي تكون طوع إرادة من حوّلها إلى
الخير، فمن فهمها يعيش فيها بعافية، ومَن تزودَ منها أغنته لأنها تكدّس نِعماً
كثيرة يمكن الاستفادة منها. وهي في الوقت ذاته مدرسةٌ لمن أراد الموعظة والعبرة
من حوادثها. أما من أرادها للشر فهي طوع يمينه أيضاً. يقول الامام: إنَّ الدُّنيا يُونِقُ منظَرها ويُوبقُ مخبرها، قد تزينت بالغرور
وغرَّتْ بزينتها، دارٌ هانت على ربِّها، فخُلِط حلالُها بحرامِها وخيرُها بشرِّها
وحُلْوُها بمُرِّها[الغرر 2/651.]. أما مظهرها فهي حلوةٌ نضرة حُفّتْ بالشهوات، وهي كالحية ليِّنٌ
مَسُّها قاتِلٌ سمُّها. فهي إذن ميدان للاختيار ودارٌ يمتحن فيها الإنسان فإن وقفَ منها موقف الخير فاز بها،
وإذا وقف منها موقف الشر خسرها وخسر كل شيء: الدُّنيا دارُ مِحن، ودارٌ بالبلاء معروفة[الغر 2/637.]. فعلى الانسان أن لايرغب فيها رغبة والهٍ، وأن لايجعلها كل همه وأن
لايصبو إليها كهدفٍ في حياته، لأنها سريعة التحوُّل، كثيرة التنقُّل، شديدة
الغَدْر، دائمة المكر. لذا جاءت وصية أميرالمؤمنين(عليه السلام): خذ من قليل الدُّنيا مايكفيك[الغرر 3/227.]. لأنهُ مخلوقٌ لشيءٍ آخر، ولأنها مخلوقةٌ لأمر آخر أيضاً. يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): أما بعد فإنَّ الله سبحانه وتعالى قد جعل الدُّنيا لما بعدها
وابتلى فيها أهلها، ليعلم ايهم أحسن عملاً، ولسنا للدُّنيا خُلقنا[الغرر باب الخطب رقم 55.]. ففي هذا النص يُبين لنا أميرالمؤمنين(عليه السلام) الهدف من خلق الدُّنيا والهدف مِن خلق الانسان، فالدُّنيا مخلوقة للآخرة، والانسان
مخلوقٌ ليمتحنه الله ليعلم حسن عمله عن سيئهِ. ويوضّح الإمام ذلك بصورة اكثر في هذا النص: إنَّ الدُّنيا لم تُخلق لكم دارَ
مُقامٍ وَلا مَحَلّ قرارٍ وإنَّما جُعلت لكُمْ مجازاً لتزوّدُوا منها الأعمال
الصالحة لدار القرار، فكونوا فيها على أوْفازٍ ولا تخْدعنكُم منها العاجلةُ، ولا
تغُرَّنَّكُم فيها الفتنة[2/662.]. وبعد أن حدّد الله سبحانه وتعالى الهدف من خلق الحياة والانسان ظهر أمامنا موقفان: إنَّ أولياء الله هم الذين نظروا
إلى باطن الدُّنيا إذا نَظَرَ الناسُ إلى ظاهِرِها، واشتغلوا بأجلها إذا اشتغلَ
الناس بعاجلها[قصار الكلمات رقم 430.]. فهناك دائماً نمطان مِن البشر؛ نمط يجعل الدُّنيا هدفاً له، فينغمس فيها حى يغرق، ونمط يجعل الدنيا
وسيلة للآخرة. فماذاعن الآخرةالتي خُلقنا مِن أجلها: إنكم إنما خلقتم للآخرة لا للدُنيا
وللبقاء لا للفناء[الغرر 3/66.]. مرارةُ الدُنيا حلاوةُ الآخرة[الغرر 6/140.]. غايةُ الآخرة البقاء[الغرر 4/370.]. والآخرة فوزُ السعداء[الغرر 1/183.]. الدنيا تضرُّ والآخرة تسرُّ[الغرر 1/45.]. الدنيا أمد الآخرة أبد[الغرر 1/10.]. فإذا كانت الآخرة حلوة وهي باقية، وتسرُّ، وفيها ينال الانسان سعادته، إذا كانت
هكذا؟ فلماذا لايعمل
الانسان مِن أجلها؟ فهو عُرضة دائماً لجذب الدُنيا التي تحاول أن تشغلهُ عن الآخرة،
فالانسان بين الدنيا والآخرة بين جذبٍ وتنافُر، وقد مَثَّل الإمام
أميرالمؤمنين(عليه السلام) حيرةُ الإنسان بين الدُنيا والآخرة كحيرة المتزوج
بزوجتين، يقول في ذلك: إن مثل الدُّنيا والآخرة كرجُلٍ له امرأتان إذا أرضى إحداهما أسخط
الأُخرى[الغرر 2/538.]. فكيف السبيل إلى غلبة الآخرة على الدُّنيا؟ |
|
التقوى
|
|
التقوى في تعريفات الشرع: «حِفظُ النفس عما يُؤثِم، وذلك بترك المحظور ويتم ذلك بترك بعض
المُباحات»[ الراغب الاصفهاني: المفردات، ص530.]. ولن تتحقق التقوى إلا بخطة تدريجية، الخطوة الأولى: يُقلل من يُريد التقوى إهتمامهُ بالدُنيا يقول الامام: خُذ من قليل الدُنيا مايكفيك[الغرر 3/441.]. الخطوة الثانية: الإكثار من العمل الصالح؛ والعمل الصالح حرثُ الآخرة[الغرر 2/62.]. ويقول أيضاً: ثقلوا موازينكم بالعمل الصالح[الغرر 3/350.]. الخطوة الثالثة: عقد صفقة تجارية بين الدُّنيا والآخرة، يقول اميرالمؤمنين(عليه
السلام): الأعمال في الدُّنيا تجارة الآخرة[الغرر 1/276.]. أرْبَح الناس من إشترى بالدُنيا الآخرة[الغرر 2/413.]. وهو يستخدم ماحصل عليه في الدُنيا لشراء الآخرة، ومنه المال، يقول
الإمام (عليه السلام): أزكى المال مااشترى به الآخرة[الغرر 2/407.].وستكون تجارته رابحة لأنه سيربح الذُنيا والآخرة معاً. مَن ابتاع آخرته بدنياه ربحهما[الغرر 5/257.] ويقول أيضاً: الرابح من باع الدُنيا بالآخرة[الغرر 2/70.]. فهو لن يخسر شيئاً عندما يضع هدفه الأول ـ الآخرة ـ يقول في ذلك: مَن أصلح أمرَ آخرته أصلح الله له
أمر دُنياه[الغرر 5/373.]. فالمطلوبُ منه هو التقوى لأنه لم يُخلق عبثاً، يقول
أميرالمؤمنين(عليه السلام): أيها الناس إتقوا الله فما خلق امرؤٌ عبثاً فيلهو ولا يُترك سُدىً
فيلغُو[قصار الكلمات: 340.]. فهذا النص يلخص لنا العلاقة بين التقوى وبين الدُنيا والآخرة، وبينهما وبين الهدف مِن الخلقة. وهذه النُقلة من حُبّ الدُنيا إلى حُبّ الآخرة هي التقوى: فملاك التقى رفض الدُنيا[الغرر /117.]. فماذا
تعني التقوى عند أميرالمؤمنين(عليه السلام)؟ يقول الامام: التقوى اجتناب[الغرر 1/53.]. وماذا يحصل لو أخذ المؤمن بالتقوى؟ |
|
يعدّد
الامام نتائج التقوى.
|
|
التقوى أزكى زراعة[الغرر 1/161.]. التقوى رأس الحسنات[الغرر 1/188.]. التقوى رئيس الأخلاق[الغرر 1/194.]. التقوى مفتاح الصلاح[الغرر 1/233.]. التقوى ظاهره شرف الدنيا [هذا في الدُنيا أما في الآخرة] وباطنه
شرف الآخرة[الغرر 2/106.]. |
|
وماذا
يحصل لو أخذ المؤمن بالتقوى؟
|
|
يتصف
المتقون بهذه الصفات:
|
|
يقول الامام: التقوى اجتناب الورع؛ الورع شعار الأتقياء[الغرر 1/156.]. القناعة؛ القناعة علامة الأتقياء[الغرر 1/165.]. السخاء؛ إن الأتقياء كل سخيّ متعفف محسن[الغرر 2/491.]. لاطريق للحسد؛ ليس الحسد من خُلق الأتقياء[الغرر 5/73.]. التزكية؛ المتقون أعمالهم زاكية[الغرر 2/92.]. ذرف الدموع خشية؛ وأعينهم باكية[الغرر 2/32.]. الخوف من الله؛ وقلوبهم وجلة[الغرر 2/92.]. الزهد؛ الزهد شيمة المتقين[الغرر 2/32.]. سَهرُ الليل؛ سَهَرُ الليل شعار المتقين[الغرر 4/140.]. ذكر الله؛ ذكر الله شيمةُ المتقين[الغرر 4/29.]. |
|
علامات المتقين
|
|
للمتقي ثلاث علامات: إخلاصُ العمل، وقصرُ الأمل، واغتنام المَهَلِ[الغرر 5/47.]. فأولاً: إخلاصُ العمل.. ومعناه الصدق أثناء العمل. ثانياً:قصرُ الأمَل، ومعناه ترجمة عملِه إلى واقع وإلى برنامج زمني مرحلي. ثالثاً إغتنام المَهَلِ: « والمَهَل هو التؤدة والسُّكُون»[ الراغب الاصفهاني: المفردات ص476.]. وهي حالة في منتهى الفضيلة لا يبلغها إلاّ مَن ربى نفسه تربية
قاسية بحيث لا ينفعل حين وقوع المشكلة ولا يضطرب ولا يقلق عند وقوع حدث ما
يستدعي منه التفكير والحل. وهنانلتقي بموضوع هذه الدراسة، هنا يُصافح بحث الانسان مبحث
الادارة، فالانسان الذي يترقبه أميرالمؤمنين(عليه السلام) وتترقبه الرسالة
الاسلامية هو مَن يخلص العمل، ويقصر الأمل ويغتنم المَهَل، وهو الانسان الذي
يصلح للعمل الاداري سواء كان مُديراً أو عاملاً. وهذا الإنسان لم يأت مِن فراغ، فلو تتبعنا عملية بنائه لوجدنا أنه
في بداية أمره كان عقلاً وهوىً، فقاتل عقلُه هواه فانتصر عليه عندما عَرف أنَّ
الله لم يخلقه للدُّنيا بل خلقهُ للآخرة، وأنه تحت الرقابة الدائمة، لأنه في
حالة إمتحانٍ متواصل، إمتحان الوعي والارادة. فهل استخدم وعيهُ بصورة سليمة؟ هل أنه عرف الغاية من خلقه والغاية مِن خلق الدنيا؟ وهل إنه استخدم إرادته في مكانها؟ هل استخدمه في هدف دنيوي أم
أُخروي؟ وعندما تغلَّب عقله على هواه وانتصرت الآخرة على الدنيا (كهدف
مطلق) فاضت الفضائل مِن جوانبه وإنحسرت الرذائل التي هي نبع الهوى.. ماذا كانت
نهاية هذا الانسان؟ كانت نهايتهُ كبدايته، عندما خلقهُ الله وفطرهُ على حُبِّ الخير. أصبح لدينا الآن إنسانٌ يُغلب العقل على الهوى، ويُقدّم الآخرة على
الدنيا فتظهر عليه الفضائل ولا تُشاهد على سلوكه الرذائل،.. وهذا هو المتقي الذي
يعدّه الاسلام مِن خلال منهاجه التربوي القيم الذي ساهم في إعداده القرآن الكريم
من ناحية والسُنّة النبوية وكلمات الأئمة المعصومين مِن ناحية أخرى. هذا هو الانسان الذي يجب أن يعرفه مَن يُريد قيادته وتوجيهه، وهذا
هو الانسان الذي تقوم الادارة على أكتافه، فإذا حدث تقدمٌ فمنشأه هو الانسان
نفسه، وإذا حدث تراجع فسببه هو أيضاً. فالادارة التي يؤسسها أميرالمؤمنين (عليه
السلام) هي التي تقوم على سُلّم عبقرية هذا الانسان الصاعد نحو سلم الحياة
بإمكاناته وكفاءاته. |
|
ثانياً: الصفة التنظيمية
|
|
يبتدأ الفكر الإداري في الإسلام بالتركيز على النظم والنظام، فأكبر
مصداقٍ للنظم هو تنظيم شؤون الدولة وأُمور المجتمع، وقد جاء الاسلام بهذه الفكرة
يوم كانت الفوضى هي الحالة السائدة في البلاد العربية، وتقدّم المسلمون لأنهم
كانوا أكثر تنظيماً من غيرهم، إنتصروا في الحرب لأنهم أوجدوا نظاماً للقتال..
وانهالت عليهم الثروات لأنهم وضعوا نظاماً للاقتصاد يقوم على تحريك الموارد
المجمدة التي كانت بيد الأغنياء واستطاعوا أن يوجدوا دولتهم لأنهم أقاموها على أساس مِن التنظيم
ونشروا العلم لأنهم وضعوا نظاماً للتعليم.. وهكذا سادت الادارة المنضبطة سائر أرجاء البلاد الاسلامية بفضل الحث
المتواصل على التنظيم والنظام. ويمكننا القول بكل ثقة: بفضل التنظيم إستطاع المسلمون أن يكتسحوا العالم ويوصلوا الاسلام
إلى آخر بقعةٍ مِن بقاع الأرض. وعلى هذا النسق أعار أميرالمؤمنين(عليه السلام) إهتماماً كبيراً
لنظم الأُمور وتنظيم الشؤون حتى أنه لم ينس أن يوصي أولاده وأصحابه وجميع
المسلمين في آخر كلمة له قبل أن يرحل إلى الرفيق الأعلى بنظم أمرهم. فقد جاءت وصيته في النظم بعد وصيته بالتقوى لتأخذ مكان الصدارة في
هذه الوثيقة الهامة: أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومَن بلغْهُ كتابي بتقوى الله، ونظم
أمركم[باب الوصايا رقم 47.]. وفكرة النظم لم تكُ وليدة الساعة أو الحاجة فقد امتزجت هذه الفكرة
بكلمات أميرالمؤمنين(عليه السلام) وبعقله قبل أن تأتيه الخلافة، فهذا عمر بن الخطاب يستشيره في الشخوص لقتال الفُرس،
فيوصيه بأن يلتزم النظام في عمله، فيقول له: ومكان القيِّم بالأمرِ مكانُ النظامِ مِن الخَرَزِ ـ يجمعُهُ
ويضمُهُ فإن انقطعَ النِّظام وتفرَّقَ الخَرَزُ وذَهَبَ، ثم لم يجتمِعْ
بحذافيرهِ أبداً[باب الخطب رقم 146.]. فالمدير هو كالفص الكبير في المسبحة التي تجمع بقية الفصوص، فإذا
انفصل عن المسبحة إنفطرت جميع الفُصوص. فبدون النظام لايمكن أن تقوم لأحد قائمة،
بل ستكون النتيجة الانفراط والتمزق وكيف لا يكون ذلك وقد اتّحد المسلمون لأنه
أنزل الله إليهم ما يُنظّم شؤونهم وهو القرآن الكريم. لنستمع إلى أميرالمؤمنين(عليه السلام) وهو يُشير إلى ذلك في خُطبةٍ يُبين
فيها فضل القرآن الكريم: ذلك القرآنُ فاستنطقوهُ، ولن ينطِق، ولكِنْ أُخبرُكُمْ
عنْهُ، ألا إنَّ فيه عِلْمَ ما يأتي، والحديث عن الماضي، ودواءَ دائكُمْ ونَظْمِ
مابَيْنكُمْ[باب الخطب رقم 158.]. يُشير أميرالمؤمنين(عليه السلام) في هذا النص إلى عظمة القرآن
الكريم، وإنها تتجلى في هذا الأمر بالذات في نظم أمر الناس وإدارة شؤونهم
الحياتية ـ |
|
فالنظـم هو أحـد
أربعـة أُمور أوجدها القرآن الكريم في الاُمة الاسلامية
|
|
فالنظـم
هو أحـد أربعـة أُمور أوجدها القرآن الكريم في الاُمة الاسلامية: 1ـ الحديث عن المستقبل 2- الحديث عن الماضي 3ـ معالجة
المشكلات والمعوقات 4ـ تنظيم شؤون الناس. هذا هو التنظيم، وهذا مقدار أهميته عند أميرالمؤمنين(عليه السلام) وهو بهذه النصوص يضع أمامنا نطفة الجنين الذي يُراد
له أن يُولد مِن خلال هذه الدراسة حول النظرية الادارية للإمام أميرا
لمؤمنين(عليه السلام) وعندما نفتح ملف النظم في فكر الامام سنجد أنفسنا أمام حشد
كبير من روائع الكلمات وهي تتناول هذه القيمة الأساسية في الادارة في شعبٍ
مختلفة. ويمكننا تصنيف المجالات التي ورد فيها لفظ النظم إلى الأُمور
التالية: كيف ينشأ النظام؟ كيف يقوى النظام؟ كيف ينهار النظام؟ |
|
أولاً:
كيف ينشأ النظام؟
|
|
أولاً وقبل كل شيء كان مِن المفترض أن نتعرف على النبع الذي ينطلق
منه النظام، في هذا المضمار يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): عقل المرء نظامه[الغررر 364.]. فالعقل هو الرحم الذي يستقبل نطفة النظم فتلتصق بجداره، وهناك تأخذ
بالنمو لتتحوّل إلى جنين... ومِن ثم يخرج الجنين مِن الرحم إلى الوجود على شكل
خُطة ونظام. فالعقل هو المصدر الأول للنظام، وبدونه لايمكن لأمة أن تكون منظمة
في حياتها. فالعقل هو مصدر الفكر. والعقل هو مركز التخطيط. والعقل هو نبع البرامج. والفكرة والخطة والبرمجة هي ألف باء النظام. فالعقل يضع بين أيدي البشر النظام قبل التطبيق، يبقى المسؤول عن
تطبيقه هو العلائق الحسنة التي تنمو في المجتمع، والتي تقوم على اساس مِن الحقوق
المتبادلة. يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): من تلك الحقوق حقُّ الوالي على
الرعية، وحقُّ الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله ـ سبحانه ـ لِكُلٍّ على
كُلٍّ، فجعلها نظاماً لأُلفتهم[باب الخطب رقم 216.]. وعلى مبدأ الحقوق يقوم النظام، ويتحوّل إلى منهج في الحياة بعد أن
كان مجرد فكرة في العقل، أي انه يدخُل حيّز التطبيق. وهنا نقف عند مبدأ مهم يضعه أميرالمؤمنين(عليه السلام) بين أيدي
الأجيال، وهو أنَّ الحقوق المتبادلة بين الرئيس والمرؤوس هي الأساس في تكوين
النظام الاداري. فمثلما للرئيس حقٌّ عليه واجبٌ أيضاً إزاء المرؤوسين، وكما أنّ
للمرؤوسين واجباً، لهم حقوقٌ على الرئيس، وعلى أساس هذه الحقوق المتبادلة تنشأ
العلاقات الاجتماعية في المجتمع وينشأ مِن شبكة هذه العلاقات ما نطلق عليه
(النظام الإداري). ويجدر بنا أن نذكر هنا أنّ النظام الاداري الذي لايقوم على
المصالح الفردية الآنية، ولا يقوم على الرابطة العرقية أو القومية، بل يقوم على
مبدأ الحقوق والواجبات لهو النظام الثابت والقوي الذي لايمكن أن تزحزحهُ أية قوة
جبارة. من هنا؛ فقد أرسى أميرالمؤمنين(عليه السلام) أقوى نظام إداري تمكن
أن يسيطر على شؤون البلاد الاسلامية التي كانت مترامية الأطراف وكانت تموجُ
بالاضطرابات والقلاقل، فعلى رغم هذه الظروف إستطاع النظام الاداري ان يفرض الأمن
والنظام في طول البلاد وعرضها. |
|
ثانياً:
كيف يقوى النظام؟
|
|
النُظم الادارية التي يوجدها الاسلام تنظيمات قوية منيعة تقوم على
روح الجماعة، وعلى الاستعداد الجمعي للتعاون والتآزر. ولا ننس دور الأخلاق والفضيلة في إنشاء التنظيمات وتقويتها، لانّ
التنظيم عملٌ جماعي، ولما كان الهدف من الخلق الحميد هو الحد مِن طغيان الفردية
فإنه السبيل الأقوى دائماً لتأسيس التنظيمات الاجتماعية. فالمجتمع الذي تنمو فيه الأخلاق هو الأقدر على تنظيم نفسه وتشكيل
أعضائه ولاننس هنا أيضاً دور القانون في إرساء النُظم الادارية وترسيخها حيث أنّ
القانون يحافظ على العلاقات التي تجمع أفراد التنظيم ويحافظ على ديمومتها
وتقويتها. والمجتمعات التي يسود فيها القانون يسودها الضبط الاجتماعي أيضاً. أما كيف يرى أميرالمؤمنين(عليه السلام) سبُل تقوية النظام بصورة
عامة والنظام الاداري بصورة خاصة؟ الجواب: عبر هذه الوسائل: أولاً: العدل؛ العدل بمثابة العصا الّتي يمسك بها مَن يُريد موازنة جسمه
فوق حبلٍ رفيع في ألعاب السيرك. فلولا هذه العصا لا يستطيع رجل السيرك موازنة
نفسه فهو عُرضة للسقوط في أية لحظة إذا ماغامر بنفسه ووقف فوق حبل السيرك. يلعب العدل دور العصا في تنظيم المجتمع فوق حبل الحياة القاسية،
فهو السبيل إلى الموازنة، فكلما مال الجسم إلى جهة أسعفه العدل في الجهة
المقابلة، وهكذا حتى يستقيم المجتمع. يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): العدل نظام الإمرة[الغرر 1/198.].ثم يقول: حسن العدل نظام البرية[الغرر 3/385.]. وهذه قاعدة عامة لا تختص بالنظام الاداري وحسب بل تشمل كل نظام حتى
لو أُقيم على مبدءٍ آخر غير الاسلام. ثانياً: الحلم؛ هدوء الأعصاب عند الإنفعال، وعدم الانفعال عند الاثارات
وهو من قواعد الادارة، بل هو من قواعد التنظيم بصورة عامة ذلك لأن التنظيم يقوم
على الأفراد، وكان لابدَّ مِن وجود علاقات طيبة بين هؤلاء الأفراد، ومِن أهم
أُسس هذه العلاقة، سيادة الحكمة في العلاقات وعدم حدوث ردود فعل إنفعالية أثناء
العمل والتي تعود إليها أهم عوامل المشاكل في التنظيمات الادارية. ثالثاً: روح التعاون بين الأفراد" كالحسان إلى الآخرين، ومواساة
الاخوان والكرم وهي صفات تنمُّ عن روح جماعية، وعن ضمور للروح الفردية التي تهدد
التنظيمات الادارية. لنتأمل هذه النصوص التي تحمل هذا المفهوم. نظام المروءة حسن الأُخوة[الغرر 6/176.]. نظام الدين خصلتان إنصافك مِن نفسك ومواساة إخوانك[الغرر 6/176.]. نظام الكرم مولاة الاحسان ومواساة الاخوان[الغرر 6/184.]. نظام الفتوة إحتمال عثرات الاخوان وحُسن تعهّد الجيران[الغرر 6/185.]. رابعاً: الدعوة إلى الطاعة؛ لابُدّ مِن وجود محور تجتمع عليه التنظيمات
والمؤسسات الاجتماعية، وهذا المحور هو طاعة الله سبحانه وتعالى فكلما زادت
الطاعة إزدادت التنظيم قوة وترابطاً، لأنّ الطاعة ستركز الالتزام القانوني في
التنظيم أو المؤسسة. خامِساً: التواضع؛ التواضع قيمة إجتماعية بدونها لاتقوم للمجتمع أية قائمة،
وإذا أردنا أن نتعرف على أثر هذه القيمة الأخلاقية لنتصور المجتمع وقد حفّت به
جماعة مِن المتكبرين، كيف سيكون حاله. إن التكبر هو عامل تشتت وتمزّق في المجتمع، والمجتمعات التي تنمو
فيها مظاهر التكبر عُرضة للانهيار أكثر مِن المجتمعات الأُخرى. إذن التواضع هو السبيل لايقاف حالات التداعي والانهيار في
المجتمعات البشرية، وقد جاء حث الاسلام على التواضع لصيانة المجتمع مِن الانهيار
والحفاظ عليه مِن السقوط السريع. من هنا أقرّ أميرالمؤمنين(عليه السلام) قاعدة حيوية للحفاظ على حيوية
المجتمع هي: بخفض الجناح تنتظم الأُمور[الغرر 6/184.]. وخفض الجناح هو كناية عن التواضع، وهو كناية عن تواضع الكبار من
ذوي المسؤوليات لأن التعبير هو خفض الجناح لمن يمتلك القدرة على الطيران، فهؤلاء تقع عليهم مسؤولية التواضع،
وهذا هو السبيل الأوفق لتقوية التنظيم والحيلولة دون انهياره وسقوطه. سادساً: الأمانة؛ عندما يشعر كل فرد في التنظيم الاداري أو أيّ تنظيم
إجتماعي بأنه أمين على مصالح الجماعة فإنّ إلتزامه نحو الجماعة ومصالحها سيكون
متيناً للغاية وخلافاً للتنظيمات التي تقوم على التنافس المحموم والذي مِن شأنه
أن يُفجّر التنظيمات من داخلها في كل لحظة، خلافاً لها أقام الاسلام نظامه
الاداري على مبدأ الأمانة، فقد خاطب الله سبحانه وتعالى أفراد المجتمع الذين
يتحملون مسؤولية إجتماعية قائلاً لهم: ﴿إنّ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى
أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل﴾ سورة النساء، آية 58. فالنظام الاداري الذي يطمح إليه الاسلام هو النظام القائم على
الأمانة، الذي يجعل مِن كُل فردٍ أميناً على مصالح الأُمة أميناً على ممتلكاتها،
أميناً على قيمها ومثلها، أميناً على أسرارها وأفكارها. وعلى النسق القرآني استعار أميرالمؤمنين(عليه السلام) فكرة الآية
الكريمة حول الأمانة فذكر في إحدى كلماته: *فرض الله... الأمانة نِظاماً للأُمة[قصار الكلمات رقم 252.]. والسؤال:
كيف تصبح الأمانة نظاماً للأُمة؟ الجواب: عندما يتحسس المسؤول الكبير سواء كان حاكماً أو والياً أو مُديراً
أو رئيساً بانه أمين على مصالح الأُمة، وعلى كل فرد فرد منها، وإنه سيُسأل يوم
القيامة عن هذه الأمانة. وعندما يشعر كُلَّ فرد من ابناء الأُمة بأنه أمين أيضاً على مصالح
الأُمة فعليه أن يصونها ويذود عن حياضها ويحميها حق حمايتها. وأي ضعف عن أداء
هذه المسؤولية سيحاسب عليه وسيواجه بأشدِّ العقوبات. |
|
ثالثاً:
كيف ينهار النظام؟
|
|
الأنظمة عُرضة للانهيار، كما ينهار البناء عندما يتسلل إليه الماء والرطوبة، فالأنظمة تتسوس كما يتسوس الكرسي
الموضوع في زاوية مِن البيت ولا يحصل على الرعاية المطلوبة، وأكبر معول يهدم نُظم الجماعة هو
الخلاف، وقد قال تعالى في
كتابه الكريم ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾ سورة الأنفال، آية 46. وقال أميرالمؤمنين(عليه السلام): الأُمور المنتظمة يفسدها الخلاف[الغرر 1/307.]. والخلاف هو جرثومة تبدأ صغيرة ثم تكبر فتنتشر فتهدد كيان المجتمع بأسره، والخلاف يبدأ صغيراً في نفس الانسان ثم ينمو كبيراً في كيان المجتمع. وأول عملية هدم تتم بمعول الخلاف هو هدم الآراء، يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): الخلاف يهدم الآراء[الغرر 1/270.]. فيظهر الخلاف وينتشر إلى كافة الرعية: آفة الرعية مخالفة الطاعة[الغرر 3/104.]. ثم يسري إلى قمة المؤسسات الاجتماعية فيصل حتى إلى المقاتلين: آفة الجند مخالفة القادة[الغرر 3/103.]. عندها سينهار المجتمع ويتمزق شرّ ممزق، يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام) عن
نتائج الاختلاف: سبب الفرقة الاختلاف[الغرر 4/123.]. وعندما تبلغ الجرثومة إلى هذا المستوى مِن التأثير يجب الاسراع في العلاج، وتقع على حكماء المجتمع وعقلائه مسؤولية وضع حدٍ لهذا الانهيار بإيقاف
حالة التداعي في المجتمع، وذلك بالعمل وفق هذه الخطوات: أولاً: الرفق بالآخرين، وهو يضع حداً للمخالفات، يقول الامام(عليه
السلام): الرفق يغلُّ حدّ المخالفة[الغرر 1/150.]. ثانياً: الانصاف، وهو نوع من العدل، يظهر فيه تساوي الانسان بين نفسه
والآخرين، يقول الامام(عليه السلام): الانصاف يرفع الخلاف ويوجد الائتلاف[الغرر 2/30.]. هذا ما يمكن القيام به عند وقوع الاختلاف في المجتمع وما يتحمله
المسؤول أو المدير مِن أعباء للحفاظ على النظم الاجتماعيه. وهذه هي إحدى الخواص التي تمتاز بها
النظم الادارية عند أميرالمؤمنين(عليه السلام) فهي إدارة منتظمة متسقة الأجزاء
لا مجال فيها للفُرقة والاختلاف. |
|
ثالثاً: الصفة الجماعية
|
|
لا تنشأ الإدارة إلاّ بين جمع مِن الناس، ولابُدّ لهذا الجمع مِن
روابط تربطهم، وكلما قوي هذا الرابط قويت الجماعة وأصبحت الادارة متيسرة على
المدير. فالجماعة هي البيئة
التي تنشأ فيها الإدارة، وبدون مراعاة هذا الجانب تصبح الادارة أشبه ماتكون
بمعادلة حسابية، وقد وُجّهت إنتقادات إلى المفكر الألماني (ماكس فيبر) عندما لم يهتم بالبيئة الاجتماعية التي تنشأ فيها الإدارة فجاء
نموذجه في ـ البيروقراطيةـ تُنقصه الروابط الانسانية. كذلك يؤخذ على (تيلر) إتجاهه إلى مكننة الانسان في
المعمل. وقد زخرَ فكر الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام) بنصوص كثيرة في
مجال المجتمع والجماعة، وهي بحدّ ذاتها تكوّن لدينا دراسة متكاملة عن المجتمع ودور الفرد في
الجماعة، لكن سنقتصر على النصوص التي نحتاجها في تأكيد الصفة الاجتماعية في الادارة. فالادارة التي نستقي أبعادها من كلام أميرالمؤمنين(عليه السلام) هي
التي تنشأ في رحم المجتمع والجماعة. وقد أشرنا سلفاً أن المفردة الاجتماعية تحتل
مساحة كبيرة مِن فكر الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام) فكان علينا أن نقتطف ما
ينفع دراستنا وهو الاشارة إلى ضرورة وجود المجتمع للحياة، وعوامل تكوين الجماعة،
وتصنيف المجتمع وما إلى ذلك من الموضوعات التي سنأتي على ذكرها. |
|
أولاً:
ضرورة وجود المجتمع
|
|
حاجة الفرد إلى الجماعة كحاجته إلى الهواء فهو لا يستطيع الاستمرار
في الحياة بدون الجماعة، لأنّ تعقيدات الحياة تحتّمُ عليه أن يُعاشر الأفراد
ويرتبط بهم برباط الأخوة، يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام) عن ذلك: عاشر أهل الفضل تسعد وتنبل[الغرر 4/356.]. فلا سعادة للانسان إلاّ عندما يكون في دائرة المجتمع، لذا أمر الاسلام أبناءه بحُسن
العشرة. وفائدة العشرة الحسنة هي: بحسن العشرة تدوم المودة[الغرر 3/201.]. وبحسن العشرة تأنس الرفاق[الغرر 3/210.]. وبحسن العشرة تدوم الصلة[الغرر 3/220.]. ويقول في حثه على كسب الصداقات: مَن لا أخاً له لا خير فيه[الغرر 5/224.]. وهو لا يقصد الأخ الحقيقي للانسان لأنه: رُبَّ أخٍ لم تلدهُ أُمك[الغرر 4/76.]. ومن محمل النصوص المتقدمة، ونصوص أُخرى لا مجال لذكرها ندرك ما
يوليه الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام) مِن أهمية لوجود الكيان الاجتماعي الذي تقوم العلاقات بين أفراده على
أساس الأُخوة الصادقة. فالأخوان زينة في الرخاء وعدّة في البلاء[الغرر 1/394.]. |
|
ثانياً:الحث
على الارتباط بالمجتمع
|
|
إذا كان للمجتمع تلك الأهمية حيث لا تستقيم حياة الانسان ولا تصلح
أخلاقه إلاّ من خلاله فقد وردت النصوص الكثيرة وهي تحثُّ على الالتزام بالجماعة،
يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام) الزموا الجماعة واجتنبوا الفُرقة[الغرر 2/240.]. الزموا السواد الأعظم فإنّ يد الله مع الجماعة[باب الخطب رقم 127.]. والزموا ماعقد عليه حبل الجماعة[باب الخطب رقم 151.] وعليكم بهذا السواد الأعظم[باب الخطب رقم66.]. هنا نجد أنفسنا أمام نصوص تدعو إلى الارتباط بالجماعة حفظاً على
وحدتها وكيانها السياسي حتى لا يتسرب إليه الفُرقة والاختلاف. فالحفاظ على وحدة المجتمع مسؤولية شرعية، وهو أمانة في عنق كل مُسلم؛ اما
الخروج على هذه الوحدة وشق عصا المسلمين فهو الخيانة لأنه تحوّل إلى معول لهدم مرتكز مهم مِن مرتكزات التقدم لدى
المسلمين وهو وحدة المجتمع الاسلامي. لذا يقول الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام): أعظم الخيانة خيانة الأمة[الغرر 2/388.]. وخيانة الأُمة هي الخروج على وحدتها القائمة على أساس مِن الحق وليس على الباطل،
لأنّ الأمانة التي فُرضت على المسلم
هي: التعاون على إقامة الحق أمانة وديانة[الغرر 1/350.]. فالخروج على هذا المبدأ هو
الخيانة، بل هو أعظم خيانة، لأنه خيانة لكل أبناء الأُمة الاسلامية. |
|
ثالثاً:
كيفية تكون الجماعة
|
|
هذه الجماعة التي دُعينا إلى الارتباط بها لابُدّ وأن تقوم على
أُسس متينة، وهي: الوفاء: الوفاء قوام الأمامة وزين الأُخوة[الغرر 3/68.]. لأنه يبطن صدق العلاقة، وإخلاص
الترابط. التناصح: لاخير في قومٍ ليسوا بناصحين ولا يحبون النصح[الغرر 6/427.]. ويقول في هذا المضمار: خير الاخوان أنصحهم وشرهم أغشهم[الغرر 3/433.]. فالعلاقة القائمة في هذا المجتمع هي علاقة فاعلة تتحرك باتجاه الايجابية، فإذا ظهر الخطأ مِن أحد الأفراد يُسرع الآخرون إلى تغييره. التعاون على إقامة الحق: التعاون على إقامة الحق أمانة وديانة[الغرر 1/350.]. فوجود الفرد في المجتمع يحمّله
مسؤولية تحتم عليه العمل مِن أجل إرساء صرح الحق من أية زاوية كانت. يقول الامام: الزم أهل الحق وأعمل عملهم[الغرر 2/366.]. إقامة العدل: العدل قوام البرية[الغرر 1/203.]. فالمجتمع الذي يقوم على العدل هو
المجتمع المسلم المعافى مِن كل مرضٍ، لأنّ العدل هو الذي يحافظ على توازن أطراف المجتمع. ويحافظ عليه من حالة الافراط والتفريط. يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): العدل قوام الرعية[الغرر 1/183.]. الشريعة: وهو العنصر الأهم في بناء المجتمع يقول أميرالمؤمنين(عليه
السلام): الشريعة صلاح البرية[الغرر 1/183.] فالشريعة هي التي تحدد الاطار القانوني للجماعة، وبدون القانون لا يستطيع المجتمع مِن الحياة ولا النمو. فالمجتمعات تتكون من عنصرٍ إنساني تنتج عنه العلاقات الاجتماعية،
ومِن عنصر قانوني تفرزه الشرائع والأعراف والعلاقات، ولا يبلغ المجتمع حالة
السمو إلاّ عندما تحكمه الشريعة، لأنها قانون صادر عن الله سبحانه وتعالى. المسؤولية: وجود الفرد في المجتمع يفرض عليه المسؤولية لأنّ العلاقة
الاجتماعية هي مسؤولية بحدِ ذاتها، يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): قوام الدنيا بأربع عالم يعملُ بعلمه وجاهلٌ لا يستنكف أن يتعلم وغني يجود بماله على
الفقراء، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه، فإذا لم يعمل العالم بعلمه إستنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخلَ الغني
بماله باع الفقير آخرته بدنياه[الغرر 4/518.]. فالمجتمع التي يرسمه الامام من خلال هذا النص هو مجتمع التكافل
والمسؤولية، يحمل كل فرد فيه مسؤولية إعتبارية، فإذا ما قام كل فرد بأداء مسؤوليته فإنّ هذا المجتمع سيتقدم
أشواطاً إلى الأمام، أما إذا لم يؤد ما عليه مِن مسؤولية فإنه سينتكس ويتراجع. |
|
رابعاً:
تصنيف المجتمعات
|
|
يصنف الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام) المجتمعات البشرية إلى
قسمين: مجتمع الأخيار ومجتمع الأشرار. مجتمع الأخيار: من صفات هذه المجتمع ـ كما يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام) ـ الاحسان غريزة الأخيار والإساءة
غريزة الأشرار[الغر 2/115.]فهذا المجتمع قائم على صفات ذاتية أصلية. يتصف افراده بهذه الصفات: حسن الطاعة: بحسن الطاعة يُعرف الأخيار[الغرر 3/536.]. لين الكلام وإفشاء السلام: سنة الأخيار لين الكلام وإفشاء السلام[الغرر 4/130.]. الصدق والأمانة: الزم الصدق والأمانة فإنهما سجية الأبرار (الأخيار)[ الغرر 2/187.]. الايثار، وهي علاقة مجسدة للروح الجماعية: الايثار سجية الأبرار وشيمة الأخيار[الغرر 2/187.]. فهؤلاء الاخيار الذين يبنون مجتمعاً مثالياً، وهو يستقبل أعضاءً
جُدداً، يقول أميرالمؤمنين في حثه للناس على الالتحاق بركب الأخيار: خير الإختيار موادة الأخيار[الغرر 3/426.]. ويقول أيضاً: ثمرة العقل صحبة الأخيار[الغرر 3/327.]. ويقول أيضاً: صحبة الأخيار تكسب الخير[الغرر 4/202.]. ويقول: ليس لشيء أدعى لخيرٍ وأنجى من شرٍ من صحبة الأخيار[الغرر 5/87.]. ويقول: مِن أحسن الاختيار صحبة الأخيار[الغرر 6/21.]. مجتمع الأشرار: صفات هذا المجمع كما ورد في كلمات امير المؤمنين(عليه السلام): الاحتكار شيمة الفجار (شيم الأشرار)[ الغرر 1/222.]. من صفاتهم: الحقد من طبائع الأشرار[الغرر 2/163.]. ومن عادتهم: عادة الأشرار أذية الرفاق[الغرر 4/332.]. والأشرار لا يخافون مِن أحد حتى مِن الله سبحانه وتعالى: شرّ الأشرار مَن لا يستحي من الناس
ولا يخاف الله سبحانه[الغرر 6/126.]. والاساءة هي رذيلة ذاتية متآصلة فيهم: والاساءة غريزة الأشرار[الغرر 2/115.]. فهؤلاء الأشرار يجب أن يفرَّ الناس منهم ولا يدنون منهم لأنّ
مصادقتهم تجلب السقوط والهلاك: مصاحبة الأشرار توجب التلف[الغرر 6/126.]. وهم كالنار يحترق مَن يقترب إليها، يقول الامام: إياكَ ومعاشرة الأشرار فانهم كالنار
مباشرتها تحرق[الغرر 2/115.].0 وعلى العكس؛ على الانسان أن يختار دائماً مجتمع الأخيار وينفر مِن
الأشرار، يقول الامام: جانبوا الأشرار وجالسوا الأخيار[الغرر 3/362.]. فكان لابُدّ أولاً أن يميز بين الاشرار والأخيار: الاختبار معيار يُفرق بين الأخيار
والأشرار[الغرر 4/516.]. لأنّ هناك مَن يحاول أن يزكي الاشرار ويظهرهم بمظهر الأخيار، ويقول
أميرالمؤمنين(عليه السلام): أكبر الأوزار تزكية الأشرار[الغرر 2/392.]. فبعد الاختبار يختار المسلم المجتمع الطيب ويفضله على مجتمع
الأشرار، يقول الامام: من حُسن الاختيار مقارنة الاخيار ومفارقة الاشرار[الغرر 6/47.]. أما الأشرار فلابُدّ مِن إعتزالهم والابتعاد عنهم: ينبغي لمن عرف الأشرار أن يعتزلهم[الغرر 6/443.]، ذلك لأنّ: مصاحب الأشرار كراكب البحر، إن
سَلِمَ مِنَ الغرق لم يسلم مِنَ الفَرَق[الغرر 6/138.]. فهو بين كماشتين، كماشة السقوط وكماشة الحزن. |
|
خامساً:
كيفية الانتماء إلى المجتمع الصالح
|
|
خَطى المُسلم خطوات وطيدة للحاق بركب الصالحين فقد اختبر مجتمعه
فعرفه بالاختبار العملي ثم إختاره على المجتمع الضال، والآن كيف السبيل إلى
اللحاق به. الاقتداء بالمجتمع الصالح، يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): الزم أهل الحق واعمل عملهم[الغرر 2/366.].وتكرار عملهم ليس تقليداً أعمى، بل
هو الانسجام التام مع أهل الحق يجعلهم يسلكون طريقهم في الحياة، لأنه الطريق
الصائب. مشاركة المجتمع الصالح: يقول الامام: شاركوا أهل الدنيا في دنياهم[الغرر 2/789.]وهي مشاركة الانسان العامل الذي يضع
رأسماله إلى جانب رأسمال الآخرين ليسارعوا إلى العمل بجد وهمة، والمشارك في
الدنيا تعبير عن المشاركة في الأُمور الاقتصادية والعمرانية. الضديّة مع الشر: يقول الامام: ضادوا الشر بالخير[الغرر 4/231.]. فقتل الشر في النفس يمكّنها مِن الاقتراب إلى دائرة الخير. الأخذ بالصدق والامانة: لأنهما جواز سفر إلى المجتمع الطيب، يقول
الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام): إلزم الصدق والأمانة فإنهما سجية الأخيار[الغرر 2/320.]. الصبر وتحمّل الصعاب: يقول الامام اميرالمؤمنين(عليه السلام): إن صبرت أدركت بصبرك منازل الأبرار[الغرر 3/4.]لأن الانتماء إلى المجتمع الصالح
بحاجة إلى ضريبة، على الانسان أن يدفعها، عليه أن يصبر على ضغط سلطان الشهوة،
وعلى ضغط سلطان الزمان، وإذا أردنا أن نلخص الفكرة الاجتماعية نستطيع القول إنًَّ المجتمع
الذي يطمح إليه الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام) هو: المجتمع المتزن، الذي يقوم على دعامة العدل. المجتمع النشط الذي يعمل بدوافع المسؤولية. المجتمع المفتوح الذي يستقبل في كل يوم جمعاً جديداً من المؤمنين. المجتمع المقنن، الذي يستند إلى قانون الشريعة الاسلامية. المجتمع الذي يحتضن أفراده ويمنحهم الفرص والأدوار. المجتمع المتطور الذي لا يعرف التوقف في حياته. وهذه هي الخصال الضرورية للتنظيم، فأيّ تنظيم إداري ينشأ في وسط
هذا المجتمع سينمو سريعاً، ويترسخ بقوة لانه سيُقام على أعمدة إجتماعية متينة. |
|
رابعاً: الصفة الهدفية
|
|
الحياة لم تُخلق عبثاً، فهي لم تخلق بالصدفة ـ كما يذهب البعض ـ
ولا خلقتها الطبيعة العمياء ـ كما يقول آخرون ـ ولم تخلق الدنيا نفسها ـ كما هو
رأي البعض ـ بل خلقها خالق قدير متعال، عالم قادر رازق حكيم عادل، فمن الخطأ أن
يعتقد المرء بأنّ لهذا الوجود خالق ثم يقول باللاهدفية، فأينما رميت ببصرك فثمة
دليل قاطع على هدفية الكون والحياة، هذا ما يؤكده لنا القرآن الكريم والسُّنة
النبوية وما أشار إليه أميرالمؤمنين(عليه السلام) في كلماته الرائعة، فتسلسل
الفكرة يفرض علينا هذه الخطوات، وأن نسأل هذه الأسئلة. |
|
أولاً:
هل خلق الله هذا الكون عبثاً؟
|
|
أم إنّ هناك هدفاً واضحاً من خلق الكون والسماوات والأرضين، فما هو
جواب أميرالمؤمنين(عليه السلام) يقول الامام: ما خلق السموات والأرض ومابينهما باطلاً[الغرر 2/613.]. والعبث (اللاهدفية) هو صنف مِن أصناف الباطل لأنه إذا قلنا
بالعبثية لواجهنا هذا السؤال، ما الفائدة إذن مِن الخلق هل ليلهو الخالق
بخلقه؟!يضع الامام الجواب البيّن على هذا السؤال وغيره مِن التساؤلات: ما خلق الله سبحانه أمراً عبثاً
فيلهو[الغرر 6/80.]. والبشر هو مِن هذا (الأمر) الذي لم يخلقه الله عبثاً. وهنا نصل إلى
المحطة الثانية. |
|
ثانياً:
هل خلق الله البشر عبثاً؟
|
|
يُجيب اميرالمؤمنين(عليه السلام): لم يخلقكم الله سبحانه عبثاً ولم يترككم سُدىً[الغرر 5/103.]. وعندما يشاهد أمامه أُناساً يلهون في هذه الدنيا فيخاطبهم خطاباً
صارماً: اهجر اللهو فإنك لم تُخلق عبثاً
فتلهو، ولم تُترك سُدىً فتلغو[الغرر 2/222.]. فعندما يصنع الصانع آلة يُريد لآلته أن تعمل وفق الهدف المرسوم
لها، لا أن تُرمى بعيداً بدون أن يستفاد منها. فالله الذي خلق الانسان أراد له
أن يعمل وفق الهدف الذي وضعه له. وأن يكون في دائرة المسؤولية التي ألقاه فيها.
فإذا وجده يلهو بغير الهدف المرسوم له، يغضب عليه لأنه عاكسه في اصل الخلقة وهو
الهدف مِن خلقه. وهنا نصل إلى المحطة الثالثة وهي الهدف من خلق الانسان. |
|
ثالثاً:
ما هو الهدف من خلق الإنسان؟
|
|
يُجيب اميرالمؤمنين(عليه السلام): رضا الله سبحانه أقرب غاية تُدرك[الغرر 4/91.].إذن رضا الله سبحانه هو الهدف
الكبير، والسؤال: كيف يتحقق رضا الله سبحانه وتعالى؟ لقد بعث الله الأنبياء والرُسل وأرسل الكُتب وبيَّن فيها ما يُريد
وما لا يُريد، فالعمل بهذه الكُتب، وبما يقوله الانبياء هو تحقيق لمرضاة الله
سبحانه وتعالى، يقول الامام في ذلك: إنَّ للإسلام غاية فانتهوا إلى غايته وأخرجوا إلى الله مما إفترض
عليكم مِن حقوقه[الغرر 3/535.].فالعمل بالاسلام هو ما يريده الله تبارك وتعالى، وغاية الاسلام هي
إخراج الحقوق المفروضة على المسلم حقّ نفسه عليه، وحقّ الآخرين عليه، وحق الله
عليه، وبذلك تتحقق الغاية الكبرى والهدف الأسمى مِن الخليقة. إذن رضا الله هو الاطار العام للهدف الذي مِن أجله خلق الله
الانسان، أما تفاصيل هذا الاطار فهو العمل بالاسلام بكل جزئياته وتفاصيله، فهو
الطريق المعبّد إلى رضا الله وبالتالي هو الهدف مِن خلق الانسان في هذه الحياة. وتبقى هناك قضية تمسُ حياة الانسان في كل صغيرة وكبيرة وهي: خَلَق
الله الانسان وخَلَقَ معه الدنيا، فكم أخذ مِن الدنيا وكم يعطيها، وهل الدنيا
لذاتها هدف للانسان أم إنها وسيلة لهدف آخر؟ الجواب على ذلك هو الخطوة الرابعة
مِن بحثنا. |
|
رابعاً:
الدنيا وسيلة وليست هدفاً
|
|
هناك خط رفيع يفصل بين عمل الدنيا الذي فيه رضا الله، وعمل الدنيا
الذي ليس فيه رضا الله، والانسان الذي لا يستطيع أن يميز هذا الخط سينغمر في
الدنيا وقد يغرق في مياهها، فكيف نستطيع ان نُميّز هذا الخط؟ هذا هو السؤال الشائك الذي قامت على جوابه المذاهب والفلسفات
والأفكار والنظريات من قديم الزمان وحتى يومنا هذا. فما هو جواب اميرالمؤمنين(عليه السلام) يقول الامام مخاطباً
الانسان: إنك لم تُخلق للدنيا فازهد فيها
وأعرض عنها[الغرر 3/57.]. وهذا لا يعني أن يترك الانسان الدنيا وشأنها بل معنى ذلك أنّ
الدنيا ليست هدفاً فلابد أن يزهد فيها الانسان فلا يتعلق بها تعلق الحبيب
بمحبوبه، بل يأخذ منها ما يكفيه، والذي يكفيه هو إشباع حاجاته الضرورية وهي
ثلاثة: أولاً: الحاجات الضرورية لبقائه في الحياة وهي الحاجة إلى الطعام
والشراب والسكن. ثانياً: الحاجات الضرورية لبقاء النوع، وهي الحاجة إلى الزواج وما
يتعلق بها. ثالثاً: الحاجات الاجتماعية كالحاجة إلى الاحترام والتقدير، فمن حق
الانسان ان يأخذ مِن الدنيا ما يشبع هذه الحاجات، لكن ان لا يزيد عن ذلك، يقول
الامام: إنَّ الدنيا دار منها لها الفناء،
ولأهلها منها الجلاء، وهي حلوة خضرة قد عجلت للطالب والتبست بقلب الناظر،
فارتحلوا عنها بأحسن ما يحضُرُكُمْ مِنَ الزّادِ ولا تسألوا فيها إلاّ الكَفافَ
ولا تطْلبُوا مِنها أكثرَ مِنَ البَلاغِ[الغرر 2/660.]. فإذا لم نُخلق للدنيا فلاي شيء خُلقنا يا ترى؟ يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): إنكم إنما خُلقتم للآخرة لا للدنيا، وللبقاء لا للفناء[الغرر 3/66.]. فإذا كان الأمر كذلك إذن: وما يصنع بالدنيا مَن خُلق للآخرة[الغرر 1/233.]. عليه أن يغتنم من الدنيا لآخرته: الأعمال في الدنيا تجارة الاخرة[الغرر 1/345]. وهي تجارة رابحة، لأنها متاجرة بين شيء زائل وشيء باقٍ يقول
الامام: الرابح مَن باع الدنيا بالآخرة[الغرر 2/70.]. فالدنيا ليست إلاّ ساحة سباق يتسابق فيها الناس إلى غاية اسمى يقول
الامام: المؤمن الدنيا مضماره، والعمل همته
والموت تحفته والجنة سبقته[الغرر 2/87.]. نص رائع يشتمل على قمم البلاغة.. إذن الدنيا ساحة سباق والهداية
يأخذها عند الممات، أما الجائزة التي يسعى مِن أجلها فهي (الجنة). هذا هو حال المؤمن أما حال الكافر: الكافر الدنيا جُنتُه، والعاجلة همته والموت شقاوته، والنار غايته[الغرر 2/88.]. صورتان متعاكستان؛ متسابقان أحدهما إتخذ الدنيا ساحة سباق أما
الآخر فاتخذها هدفاً له، فإلى أين إنتهى المتسابقان أحدهما إلى الجنة، والآخر
إلى النار. فالغاية إذن هي الجنة يقول اميرالمؤمنين(ع): غاية المؤمن الجنة[الغرر 4/370.]. |
|
خامساً:
لمن الجنة؟
|
|
وصلنا إلى ان الهدف الذي خلق الله الانسان له هو الجنة، والجنة
ليست المكان وحسب، بل هي متضمنة شروط الوصول إلى هذا المكان. وعندما يقول الامام
اميرالمؤمنين(عليه السلام): غاية المؤمن الجنة يختصر كل شيء في هذا النص القصير، فالغاية هنا نقطة النهاية اي
المكان الذي سينتهي إليه المؤمن، والغاية هنا أيضاً تحقيق الشروط التي توصل
الانسان إلى تلك النقطة النهائية وشروط الوصول هو الايمان المتحقق في المؤمن. فنحن إذن أمام نصٍّ يجمع بين البداية والنهاية، الايمان البداية
والجنة هي النهاية، الايمان شرط للوصول، والجنة مكان وتمكين، فمن حصل على تلك
الشروط فهو واصل إلى الجنة لا محالة. ويكرر الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام)
هذه الحقيقة قائلاً: الجنة جزاء كل مؤمن محسن[الغرر 1/383.]. إذن الايمان هو الطريق إلى الجنة، وأول خطوة في طريق الايمان هو
الجهاد مع النفس، لأنه مَن لا يفرّغ قلبه من الشر لا يستطيع أن يملأه بالايمان،
يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): لا يجوز الجنة إلاّ من جاهد نفسه[الغرر 5/65.]. |
|
سادساً:
مَن هو المؤمن؟
|
|
في هذه المحطة نصل إلى المؤمن، أو بعبارة أُخرى مَن ترجم الايمان
في حياته يقول الامام: ثلاث مَن كنّ فيه كمل إيمانه: العقل والحلم والعلم[الغرر 3/335.]. فالمؤمن على درجات، لانّ العقل والحلم والعلم على درجات أيضاً،
فإذا كملت هذه العناصر الثلاثة كَمُلَ إيمانه ايضاً، وعلى اساس هذه الدرجات تكون
درجته في الجنة، فكلما إرتفعت درجة إيمانه إرتقى درجة في الجنة أيضاً. إذن هدف الانسان في الحياة هو كسب الأُمور الثلاثة المذكورة: العقل
والحلم والعلم، فكان لابُدَّ من التوقف عند كل واحدة منها. |
|
1. العقل
|
|
للعقل مكانة مرموقة في فكر الامام علي(عليه السلام)، فهو جزء فاعل
ومتفاعل في حياة الانسان، فالعقل عند الامام(عليه السلام) ليس ـ كما هو عند
أصحاب النظريات الفلسفية المعقدة ـ فهو يُعرف مِن خلال آثاره وعبر نتائجه. إذن ماهو العقل، وماهي فوائده، وماهو دوره في حياة الانسان، وكيف
يمكن صيانته؟ سنلمُّ بهذه الاستفهامات الخمسة مِن خلال النصوص الواردة عن
أميرالمؤمنين(عليه السلام) أ.ما هو العقل: العقل عند أميرالمؤمنين(عليه السلام): هو السلطة التي تقود الانسان
إلى الخير والسعادة. يقول الامام في ذلك: العقل إنك تقتصد فلا تسرف وتعِد فلا تُخلف وإذا غضبت حَلُمت[الغرر 2/145.]ويقول: إنما العقل التجنب مِن الاثم والنظر
في العواقب والأخذ بالحزم[الغرر 3/84.]وهو أداة السلطة التي يستخدمها
الانسان في مواجهة حالات الضعف والسقوط التي قد نعتريه، يقول الامام: العقل سلاح كل أمر[الغرر 1/210.]. وإذا ما دققنا في النصوص الأُخرى التي تحكي عن ماهية العقل نجد
أنها تتفق على أنَّ العقل قوة وسلطة تساعد الانسان على نقله مِن دائرة الشر إلى
دائرة الخير. ب. فوائد العقل: عندما يستخدم الانسان سُلطة العقل في توجيه حياته فإنه سيكسب كل
خير، وسيتجنب كل شر، سيكسب الحياة وما فيها مِن خيرات وسيكسب التعالي في بناء
شخصيته وما تتحلى به مِن فضائل. من هنا: فإن ثمرة العقل: الاستقامة[الغرر 3/322.].لزوم العقل[الغرر 3/320.] العمل للنجاة[الغرر 3/329.] مداراة الناس[الغرر 3/329.]، الصدق[الغرر 3/333.] قمع الهوى[الغرر 3/334.]. يقول الامام: مَن عقل... فَهِمَ[الغرر 5/135.ذ]، عفّ[الغرر 5/135.]،إستقال[الغرر 5/140.]، سمح[الغرر 5/145.]، قنع[الغرر 5/150.]، صمت[الغرر 5/154.]، كثر إعتباره[الغرر 5/258.]،.. اعتبر بأمسه وإستظهر لنفسه[الغرر 5/359.]، يتعظ من غفلته[الغرر 5/397.]. ج. مَن هو العاقل: عرفنا العقل وفائدته وقد آن الأوان لنعرف مَن هو العاقِل، يستخدم
الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام) عبارة العاقل للدلالة على مَن استخدم عقله،
وكأنَّ هذا العقل قد تسرب إلى أنحاء بدنه كما أن الدم ينتشر ويتسرب فيمنح الحياة
لأعضاء بدن الانسان. فالعقل هو الحاكم على أعضاء بدنه، بل كل خلية في كيانه تديره سلطة
العقل، فهي خاضعة له خضوع طاعة واعية، مُنصاعة إليه لأنه سلطة تقوده إلى الخير
والسعادة، لذا: يستدل على عقل الرجل بالتحلّي بالعفة والقناعة[ الغرر 6/448.]...
بما يجري على لسانه[الغرر 6/448.]... بكثرة وقاره[الغرر 6/453.]. فكل جوارحه وجوانحه وأعضائه منساقة منضبطة لسلطة العقل: فالعاقل لا ينخدع[ الغرر 1/116.]...
يضع نفسه[الغرر 1/178.]... من وعظته التجارب[الغرر 1/312.]... مَن أمات شهوته[الغرر 1/313.]... من صدق أقواله افعاله[الغرر 1/365.]... مَن وقف حيث عُرف[الغرر 1/366.]... مَن تورّع عن الذنوب[الغرر 2/36.]... إذا سكت فكّر وإذا نطق ذكر وإذا
نظر إعتبر[الغرر 2/55.]... مَن وضع الأشياء مواضعها[الغرر 2/79.]...يجتهد في عمله[الغرر 2/92.]... لا يفرط به عنف[الغرر 2/107.]... مَن يملك نفسه إذا غضب وإذا رغب
وإذا رهب[الغر 2/111.]... مَن قمع هواه بعقله[الغرر 2/162.]. الفكرة التي تطرحها هذه النصوص هي: أنّ العقل قوة تعمل على تنظيم
أجزاء الانسان بما تفرض مِن قواعد وضوابط، ومن ثمَّ هو المسؤول عن تفعيل هذه
الأجزاء بطريقة متسقة، وينتج عن ذلك إنساناً متزناً منضبطاً تتحرك أجزاؤه وفق
معايير وقواعد، وتكون الحركة بطبيعة الحال باتجاه أهداف خيرة. دـ صيانة العقل: فإذا كان للعقل هذه الأهمية، فكيف يمكن صيانته والحفاظ عليه؟ يقول
أميرالمؤمنين(عليه السلام): شرُّ آفات العقل الكبر[الغرر 4/178.]فالتكبر يعزل الناس عن المتكبر حتى
لو كان عالماً عاقلاً، مِن هنا كان: جهاد النفس بالعلم عنوان العقل[الغرر 3/368.].ويقول الامام علي(عليه السلام) عن
معاول العقل: سب فساد العقل الهوى[الغرر 4/121.] وأيضاً: سبب فساد العقل حبّ الدنيا[الغرر 4/125.]. ويقول أيضاً: ذهاب العقل بين الهوى والشهوة[الغرر 4/32.]. فمنطقه الخطر التي تهدد العقل حدودها الهوى، فكلّما اتسعت هذه
الدائرة إشتدّ خطرها، لذا كان لابُدّ مِن التحفّز الدائم لصيانة العقل مِن هذه
المخاطر. يقول الامام: ردع النفس عن زخارف الدنيا ثمرة العقل[الغرر 4/88.]. ويقول أيضاً: كسب العقل الاعتبار والاستظهار[الغرر 4/627.]. ويقول أيضاً: لا تصحبنّ من لا عقل له[الغرر 6/262.]. وأفضل وسيلة لصيانة العقل هو مجالسة الحكماء، يقول
أميرالمؤمنين(عليه السلام): مجالسة الحكماء حياة العقول وشفاء النفوس[الغرر 6/151.].
|
|
2. الحلم:
|
|
هدف آخر يسعى مِن أجله الانسان ليصبح متمكناً من نفسه من شهواته
وغضبه، والحلم هو سلطة لارغام النفس على إتخاذ حالة الاعتدال، يقول
أميرالمؤمنين(عليه السلام): إنما الحلمُ كظم الغيظ وملك النفس [الغرر 3/74.]. اما فائدته فتنعكس على سلوك الانسان فيضعه في مكانة مرموقة داخل
المجتمع، يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): الحلم عشيرة[قصار الكلمات رقم 418.]ومن ثمار الحلم الرفق ـ كما يقول
الامام(عليه السلام) ـ وهذه الخصال ذات أثر واقعي على حياة البشر لأنها تفتح
الطريق أمام التوسع في العلاقات الأخوية الصادقة. أضف إلى ذلك فإن الحلم يستر
معايب الفرد إذا كانت فيه معايب، فسطوع هذه الفضيلة سيُغطي على العيوب، لذا كان الحلم غطاءٌ ساتر[قصار الكلمات رقم 424.]يستر على جوانب ضعفه الذاتية التي لا
دخل له فيها كالبُكم والصم. وحتى لو كانت فيه رذيلة فإن الحلم يستر عليها، ويخفف
مِن آثارها. أما كيف تصبح حليماً؟ يضع الامام اميرالمؤمنين أمامنا عدة طرق لكسب هذه الفضيلة، من هذه
الطرق مجالسة الحلماء: جالس الحلماء تزد حلماً[الغرر 3/357.]. ويقول ايضاً:صاحب الحكماء وجالس الحلماء[الغرر 4/326.]. كما لابُدَّ مِن مكافحة الآفات التي تقف حجر عثرة أمام الحلم منها
المذلة: آفة الحلم الذلّ[الغرر 3/16.]، لأن الذليل يفقد موازين القيم.
|
|
3. العلم:
|
|
هدف ثالث من أهداف الانسان في الحياة. فهو يتعلم مِن أجل أن يحيا
حياةً أفضل، فبالعلم يستطيع الانسان أن يقود مسيرة حياته وأن يُحسن معيشته يقول
أميرالمؤمنين(عليه السلام): إكتسبوا العلم يكسبكم الحياة[الغرر 2/240.]. والعلم عندما يقترن به العمل يتحوّل إلى حركة صحيحة في الحياة،
يقول أميرالمؤمنين: العلم أصل كل خير[الغرر 1/205.]. ويقول أيضاً: العلم حياةٌ وشفاء[الغرر 1/182.]، العلم خيرُ دليل[ الغرر 1/156.] فالعلم هو الوسيلة التي تنقل الانسان مِن الطريق المظلم إلى
الطريق الواضح، وتمنحه القدرة على إدارة نفسه وتخليصها مِن الهفوات والنواقص،
يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): العلم يُنجِي مِن الارتباك في الحيرة[الغرر 2/34.]لأنه يضيء الطريق أمام البشر ويجعلهم
متبصرين بأحكام الله وقادرين على تفهم الظروف المحيطة بهم، وما الذي يجب فعله،
يقول اميرالمؤمنين: العلم يرشدك إلى ما أمرك الله به[الغرر 2/60.]. ولو تعمقنا في النصوص الواردة عن أميرالمؤمنين(عليه السلام)
لاستنتجنا ما يلي: العلم لا يكون نافعاً إلاّ إذا اقترن بالعمل: علم بلا عمل كشجر بلا ثمر[الغرر 4/350.]. لا فائدة مِن العبادة بدون العلم: المتعبّد بغير علم كحمار الطاحونة[الغرر 2/125.]. تجارب الإنسان في الحياة، وهو نوع من العلوم: التجارب علم مستفاد[الغرر 1/260.]. وهناك علوم متنوعة، يجب تعلم الأفضل: خذوا من العلم أحسنه[الغر 3/458.]. وهناك علوم تؤدي بمن تعلمها إلى الضلال يجب إجتنابها: رب علم أدى إلى مضلتك[الغرر ق/76.]. بالعلم يسعد الفقير والغني: العلم زين الأغنياء وغنى الفقراء[الغرر 1/394.]. وبالعلم يمتلك الانسان المقومات الاجتماعية: تعلموا العلم تُعرفوا به واعملوا به
تكونوا من أهله[الغرر 3/297.]. من مظاهر العلم الخشية: أعظم الناس علماً أشدهم خوفاً لله سبحانه[الغرر 2/428.]. لابُدّ مِن أن يُعلِّم العالم الجاهل: المال تُنقصهُ النفقة والعلم يزكوا
على الانفاق[الغرر 2/116.]. ويقول أيضاً: زكاة العلم نشره[الغرر 4/104.]. إذا اقترنت الزعامة بالعلم فستكون زعامة متميزة: سياسة النفس أفضل سياسة ورياسة العلم
أشرف رياسة[الغرر 4/135.]. لابُدّّ من التعب والنصب مِن أجل تحصيل العلم: لا يُدرك العلم براحة الجسم[الغرر 6/387.]. هذا هو العنصر الثالث عنصر العلم الذي يجب على الانسان أن يسعى للحصول عليه. وحدة الهدف بين العقل والحلم والعلم مِن الشروح السابقة للعقل والحلم والعلم تبين لنا وجود نسق مشترك
بين هذه الأركان الثلاثة، فالعقل كما يقول الامام؛ مركب العلم، والعلم ـ كما
يقول ـ مركب الحلم، وفي نص آخر: العقل أصل العلم وداعية الفهم[الغرر 2/91.]. ولا خير في عقل لا يُقارنه حلم[الغرر 6/396.]. والحلم هو تمام العقل[الغرر 1/264.]. ومع العقل يتوفر الحلم[الغرر 6/121.]. والعلم مصباح العقل[الغرر 1/144.]. والعلم قائد الحلم[الغرر 1/211.]. مما تقدم نستطيع أن نرسم معادلة الهدفية في الحياة. الحلم |
|
العقل
العلم
|
|
فالعقل يؤدي إلى العلم وهما معاً يؤديان إلى الحلم. وهذه هي الصفات
الأساسية للشخصية المتكاملة التي يسعى من أجلها كل إنسان. وهي بالتالي صفات يجب
توفرها في المدير المناسب القادر على إدارة دفة الأُمور. فالعقل والحلم والعلم هي شروط يجب توفرها في المدير الجيد القادر
على الادارة فسلطة العقل تمتد في آثارها منعكسة على الادارة، يقول
أميرالمؤمنين(عليه السلام): أول شيء يدل على غزارة العقل حسن التدبير[الغرر 2/429.]. لأنّ بالعقل يتمكن الانسان العاقل أن يُدير الناس أفضل إدارة. يقول
أميرالمؤمنين(عليه السلام): عنوان العقل مداراة الناس[الغرر 4/310.]. ومداراة الناس هي إحدى أركان الادارة الجيدة، وهي معرفة ما يرضيهم
وما يزيدهم من فاعليتهم في الحياة. أما شرط الحلم في المدير، فنذكر هنا ما ورد في عهد أميرالمؤمنين
إلى مالك الأشتر وهو يذكره بشروط تنصيب القادة العسكرييين فيقول له: فولِ مِن جنودك.. وأفضلهم حلماً[باب الرسائل، رقم 53.]. أما العلم فهو أحد أركان الادارة
والقيادة عند الامام أميرالمؤمنين(عليه السلام): رياسة العلم أشرف رياسة[الغرر 4/135.]. فالادارة ليست فناً وحسب، بل هي علم أيضاً. من هنا كان الهدف تنمية قدرات الانسان ليستطيع من تحمُّل المسؤولية
وإدارة دفة الأُمور. |
|
خلاصة البحث:
|
|
مما سبق تبين لنا أن الادارة عند أميرالمؤمنين(عليه السلام) ليست فعلاً ميكانيكياً بل هي مجموعة صفات وخصال تمتزج فيما بينها للحصول على المدير الجيد
والإدارة الجيدة، وهذه الصفات هي التنظيم، فلا إدارة بدون تنظيم ونظام، فإذا حلَّ نقص التنظيم حلّت محله الفوضى. والصفة الثانية: الانسانية بمعنى ان الذي يتحرك ويفعّل الادارة هو الانسان وليس
الآلة، فكان لابُد من معرفة الانسان والتعريف على نقاط قوته ونقاط ضعفه، فالادارة الجيدة هي التي تحاول أن تستثمر نقاط القوة
في أعضائها وتعالج نقاط الضعف فيهم. أما الصفة الثالثة: فهي الحالة الاجتماعية، أي أن الادارة تشكل بمجموعها مجتمعاً منظماً تنشأ فيه العلاقات
الانسانية وتنمو فيه الروح الجماعية. وعندما تتحرك هذه الادارة كأنما المجتمع بأسره قد تحرك, وهذه النظرة تخالف أولئك الذين ينظرون إلى الادارة
وكأنها متكونة مِن أجزاء بشرية متناثرة لا يربطها رابط سوى القوانين الصارمة، كما هي البير وقراطية والتِلرية
العلمية. أما الصفة الرابعة: فهي
الهدفية، فلابد أن يكون للإدارة هدفاً وأن يكون هذا الهدف منسجماً مع أهداف
الانسان في الحياة، وبالتالي يجب أن تكون هذه الأهداف منصبة في بناء الإدارة
القوية، وهنا نجد أنفسنا أمام دائرة متكاملة
شاملة وهي المعبرة عن الفضائل الانسانية
والساعية أيضاً إلى تحقيقها في الحياة. القرآن الكريم. نهج البلاغة. غرر الحكم ودرر الكلم/ الآمدي. المفردات/ الراغب. |