- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
سُورَة
هُود مَكيَّة وَعَدَدُ آياتِهَا مَائة وثلاث وعشرون آياتْ
|
|
«سورة
هود(عليه السلام) » |
|
محتوى
هذه السّورة وفضيلتها!
|
|
المشهور بين المفسّرين أنّ هذه السورة بأكملها نزلت
بمكّة .. وطبقاً لما ورد في «تاريخ القرآن» أنّها
السورة التاسعة والأربعون في ترتيب السور
النازلة على المرسل(صلى الله عليه وآله وسلم). |
|
التّأثير
المعنوي لهذه السّورة:
|
|
أمّا بالنسبة
لفضيلة هذه السورة، فقد ورد في
حديث شريف عن النّبي(ص)أنّه قال: «من قرأ هذه
السورة أعطي من الأجر والثواب بعدد من صدّق هوداً والأنبياء(عليهم السلام)ومن
كذب بهم وكان يوم القيامة في درجة الشهداء وحوسب حساباً يسيراً»( تفسير البرهان، ج 2، ص 206.). |
|
الآيات(1) (4) الر
كِتَبٌ أُحْكِمَتْ ءَايَتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيم خَبِير
|
|
الر كِتَبٌ
أُحْكِمَتْ ءَايَتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيم خَبِير(1)أَلاَّ تَعْبُدُواْ
إِلاَّ اللهَ إِنَّنِى لَكُمْ مِّنْهُ نُذِيزٌ وَبَشِيرٌ(2) وَأَنِ
اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَعاً
حَسَناً إِلَى أَجَل مُّسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِى فَضْل فَضْلَهُ وَإِن
تَوَلَّوْاْ فَإِنِّى آَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يُوْم كَبِير(3) إِلَى اللهِ
مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ(4) |
|
التّفسير |
|
الاصول
الاربعة في دعوة الأنبياء:
|
|
تبدأ هذه السورة ـ كما في
بداية السورة السابقة وسائر سور القرآن ـ ببيان أهمية
الكتاب العزيز المنزل من السماء، ليلتفت الناس إِلى محتوياته أكثر ويتفكروا فيه
بنظرة أدق. |
|
علاقة
الدين بالدنيا:
|
|
مايزال الكثير يظنون أن
التدين هو العمل لعمارة الآخرة والسعادة بعد الموت،
وأنّ الأعمال الصالحة هي الزاد والمتاع للدار الآخرة ..
ولا يكترثون أبداً بأثر الدين الأصيل في الحياة الدنيا على
حين أن الدين الصحيح في الوقت الذي يعمر الدار الآخرة يعمر «الدنيا» أيضاً ..
وطبيعي إِذا لم يكن للدين أي تأثير على هذه الحياة
الدنيا فلا تأثير له في الحياة الأُخرى أيضاً. ويفهم البعض أنّ صلة هذه المواهب المادية في الدنيا مع الإِستغفار
والتطهر من الذنوب معنوية وغير معروفة، في حين
أنّه لا دليل على ذلك، بل الصلة بينهما ظاهرة معروفة. |
|
الآية(5) أَلاَ
إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ
مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ
|
|
أَلاَ إِنَّهُمْ
يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ
ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ
الصُّدُورِ(5) |
|
التّفسير |
|
اختلف بعض المفسّرين في شأن نزول الآية، فقيل أنّها نزلت في أحد المنافقين
واسمه «الأخنس بن شريق» الذي كان ذا لسان ذلق ومظهر جميل، وكان يُبدي للنّيي(ص) الحب
ظاهراً لكنّه كان يخفي العداوة والبغضاء في الباطن. ومن أجل أن نفهم الآية فهماً دقيقاً ينبغي
أن تتضح لنا كلمة «يثنون» بجلاء فهي من مادة «ثني» وهي في الأصل تعني ضم
أقسام الشيء بعضها إِلى بعض، فمثلا في طي قطعة القماش
والثوب يقال «ثنى ثوبه» وإِنّما يقال للشخصين
على سبيل المثال: إِثنان، فلأجل أن انضمّ واحد إِلى جانب الآخر، ويقال
للمادحين «مثنون» كذلك، لأنّهم يعدون الصفات
البارزة واحدة بعد الأُخرى. |
|
الآية(6) وَمَا مِن
دَآبَّة فِى الأرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا
وَمُسْتُوْدَعَهَا
|
وَمَا مِن دَآبَّة
فِى الأرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا
وَمُسْتُوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كَتَاب مُّبِين (6) |
|
التّفسير |
|
جميع
الاحياء ضيوف مأدبته:
|
|
|
الآية السابقة أشارت إِلى سعة
علم الله وإِحاطته بالسر وما يخفون وما يعلنون، والآية محل البحث تُعدّ دليلا
على تلك الآية المتقدمة، فإِنّها تتحدث عن الرازق لجميع
الموجودات ولايمكن يتمّ ذلك إلاّ بالإحاطة الكاملة بجميع العالم وما فيه
.. |
|
أبحاث مهمّة في مسألة «الرزق»، ونأخذ بنظر الإِعتبار ـ
هنا ـ قسماً منها:!
|
|
1 ـ بالرغم من أنّ كلمة «دابّة»
مشتقة من مادة «دبيب» التي تعني السير ببطء
وبخطى قصيرة، ولكنّها من الناحية اللغوية تشمل
كل حيوان يتحرك في سيرة ببطء أو بسرعة، فنرى كلمة الدابة تطلق على الفرس وعلى كل
حيوان يركب عليه، وواضح أنّ الكلمة في هذه الآية ـ محل البحث ـ تشمل جميع
الحيوانات الموجودة على سطح الأرض بما فيها الحيوانات التي تدبّ في سيرها .. 1 ـ «الرزق» ـ كما قلنا آنفاً ـ يعني في اللغة العطاء المستمر والدائم، وهو أعم من أن
يكون رزقاً ماديّاً أو معنوياً .. فعلى هذا كل ما يكون فيه نصيب للعباد من قبل
الله وينتفعون منه ـ من مواد غذائية ومسكن وملبس أو علم وعقل وفهم وإِيمان
وإِخلاص ـ يسمى رزقاً، ومن ظنّ أن مفهوم الرزق خاص
بالجوانب المادّية لم يلتفت إِلى موارد استعماله في القرآن الكريم بدقة ..
فالقرآن يتحدث عن الشهداء في سبيل الله بأنّهم .. (أحياء
عند ربّهم يرزقون)( سورة آل عمران، 169.). إِنّ آيات القرآن والأحاديث الإِسلامية تحذر هذا النمط من الناس ألاّ
يمدّوا أيديهم وأرجلهم عبثاً، وألاّ يطلبوا الرزق من طرق غير مشروعة ولا معقولة،
بل يكفي أن يسعوا لتحصيل الرزق عن طريق مشروع، والله سبحانه يضمن لهم الرزق
فالله الذي لم ينسهم في ظلمة الرحم. |
|
الآية(7) وَهُوَ
الَّذىِ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّام وَكَانَ عَرْشُهُ
عَلَى الْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ
أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا
|
|
وَهُوَ الَّذىِ
خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّام وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى
الْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم
مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ
هَذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ(7) |
|
التّفسير |
|
الهدف
من الخَلق:
|
|
في هذه الآية بُحثت ثلاث نقاط
أساسية: |
|
المطلب الأوّل: يبحث عن خلق عالم الوجود ـ وخصوصاً بداية الخلق ـ الذي
يدل على قدرة الله وعظمته سبحانه (وهو الذي خلق
السماوات والأرض في ستة أيّام ...). |
|
الآيات(8) (11)
ولَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّة مَّعْدُودَة لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يُوْمَ يَأْتِيهِمْ
|
|
ولَئِنْ أَخَّرْنَا
عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّة مَّعْدُودَة لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ
أَلاَ يُوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا
كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ(8) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَنَ مِنَّا رَحْمَةً
ثُمَّ نَزَعْنَها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤسٌ كَفُورٌ(9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ
نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاَتُ عَنِّى
إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ(10) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ
الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ(11) |
التّفسير |
|
استيعاب
المؤمنين وعدم استيعاب غيرهم:
|
|
في هذه الآيات ـ وبمناسبة البحث السابق عن غير المؤمنين ـ بيان لزوايا الحالات النفسية ونقاط الضعف في أخلاق هؤلاء
الأفراد والتي تجبر الإِنسان إِلى هاوية الظلام والفساد. |
|
بحوث
|
|
|
1 ـ الأُمّة
المعدُودَة وأصحاب المهدي(عليه السلام):
|
|
في روايات عديدة وصلتنا عن
أهل البيت(عليهم السلام) أنّ الأُمّة المعدودة تعني النفر القليل، وفيها إِشارة
إِلى أصحاب المهدي(عليه السلام) وأنصاره، وعلى هذا يكون
معنى الآية: إِذا ما أخرنا العذاب عن الظالمين والمسيئين إِلى ظهور
المهدي وأصحابه، فإِنّ أُولئك الظالمين يقولون: أي شيء يقف أمام عذاب الله
فيحبسه عنّا! |
|
2 ـ أربع ظواهر
لضيق الافق الفكري
|
|
رسمت الآيات المتقدمة ثلاث
حالات مختلفة من حالات المشركين والمسيئين، وقد ورد في
ضمنها أربعة أوصاف لهم: والثّالث: إِنّه إِذا غرق بالنعمة أو نال أقلّ نعمة، فهو ـ على العكس من الحالة السابقة ـ ينسى نفسه وينسى
كل شيء ويغفل بما ناله من اللّذة والنشاط، فيغدو ثملا مغروراً وينجر إِلى الفساد
والتجاوز على حدود الله. |
|
3 ـ معيار الضعف
النفسي
|
|
والمسألة الدقيقة
الأُخرى التي ينبغي الإِلتفات إِليها، هي
أنّه في الموردين (مورد سلب النعمة بعد إِسباغها ومورد
إِسباغ النعمة بعد سلبها) أشير بكلمة «أذقنا» المشتقّة
من «الإِذاقة» ويراد بها أن نفوس هؤلاء المشركين ضعيفة إِلى درجة أنّهم
لو أعطوا نعمة قليلة ثمّ سُلبت منهم يضجرون وييأسون، كما أنّهم إِذا ذاقوا نعمة
بعد شدة يفرحون ويغترّون بها. |
|
4 ـ النِعَمُ
جميعُها مواهب:
|
|
الطريف أنّه في الآية الأُولى عبّر عن النعمة بالرحمة (ولئن أذقنا الإِنسان منَّا رحمة) وفي الآية الثّانية ورد كلمة «النعمة» نفسها، ويمكن أن
تكون إِشارة إِلى أنّ نعم الله جميعها تصل إِلى الإِنسان عن طريق التفضل والرحمة لا عن
طريق الإِستحقاق، وإِذا كان الأصل أن تكون النعمة على حسب الإِستحقاق،
فإِنّ جماعة قليلة ستنالها، أو أن أية جماعة لن تنالها أبداً. |
|
5 ـ أثران
للاعمال الحسنة
|
|
في آخر آية ـ من الآيات محل البحث ـ وعدٌ
بالمغفرة ـ للأفراد المؤمنين الذين يتمتعون بالإِستقامة ـ ووعد بالأجر الكبير أيضاً جزاءاً لأعمالهم الصالحة، فهي إِشارة إِلى أنّ الأعمال الصالحة لها أثران: |
|
الآيات(12) (14)
فَلَعَلَّكَ تَارِكُ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن
يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ
عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ....
|
|
فَلَعَلَّكَ
تَارِكُ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ
لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَآ أَنتَ
نَذِيرٌ وَالله عَلَى كُلِّ شَىْء وَكِيلٌ(12) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ
فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَر مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَت وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم
مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ(13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ
فَاعْلَمُواْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ
فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ(14) |
|
سبب النّزول
|
|
وردت في شأن نزول الآيات
المتقدمة روايتان، ويحتمل أن تكون كليهما صحيحتين جميعاً. |
|
التّفسير |
|
القرآن
المعجزة الخالدة:
|
|
يبدو من هذه الآيات أنّ
النّبي كان يوكل إِبلاغ الآيات ـ نظراً للجاجة الأعداء ومخالفتهم ـ لأخر فرصة،
لذا فإِنّ الله سبحانه ينهي نبيّه في أوّل آية نبحثها
عن ذلك بقوله: (فلعلك تارك بعض ما يوحى إِليك وضائق به
صدرك) لئلا يطلبوا منك معاجز مقترحة كنزول كنز من السماء، أو مجيء
الملائكة لتصديقه (أنْ يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو
جاء معه ملك). |
|
بحوث
|
|
|
|
1 ـ
من المعلوم أنّ كلمة «لعلّ» تأتي لإِظهار الرجاء لعمل شيء ما وتحققه، ولكن «لعل» هنا جاءت بمعنى
النهي، وهي تماماً مثل مايريد الأب مثلا أن ينهي ولده فيقول له: لعلك ترافق فلاناً فأنت حينئذ غيرمهتم
للعاقبة، فمعنى الكلام هنا: لا ترافق فلاناً لأن
صحبته تضرك. في الآيات ـ محل
البحث ـ يؤكّد الله سبحانه على النّبي ألاّ يؤخر إِبلاغه الوحي
خوفاً من تكذيب المخالفين أو طلبهم معجزات مقترحة من قبلهم. ألف ـ يعتقد البعض أنّ هذا
التفاوت من قبيل التنازل من مرحلة عُليا إِلى
مرحلة أقل على سبيل المثال، أن يقول قائل لآخر:
إِذا كنتَ ماهراً مثلي في فن الكتابة والشعر فاكتب كتاباً ككتابي وهات ديوان شعر
كديواني، ثمّ يتنازل ويقول فهات فصلا مثل فصول
كتابي، إِلى أن يتحدّاه بأن يأتي بصفحة مثل صفحاته. ومن جهة أُخرى فإِنّ السورة في الأصل تعني «المجموعة
المحدودة»، فيكون إِطلاقها على مجموعة آيات صحيحاً وإِن لم يكن ذلك غير جار في الإِصطلاح العرفي. وقال بعض
المفسّرين: المخاطب بالآية هو. «المنكرون» أي: أيّها المنكرون إذا لم يستجب الناس
لكم وكل ما دعوتم من دون الله، ولم يقدروا على الإتيان بعشر سور فاعلموا أنّ
القرآن نازل من قِبل الله . |
|
الآيتان(15) (16) مَن
كَانَ يُرِيدُ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ
أَعْمَلَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا
لاَ يُبْخَسُونَ
|
|
مَن كَانَ يُرِيدُ
الْحَيَوةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَلَهُمْ فِيهَا
وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ(15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى
الأَخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا
كَانُواْ يَعْمَلُونَ(16) |
|
التّفسير |
|
الآيات أعلاه أكملت الحجة مع «دلائل إِعجاز القرآن» على المشركين
والمنكرين، ولكن جماعة منهم امتنعوا عن القبول ـ لحفظ منافعهم الشخصيّة ـ
بالرّغم من وضوح الحق، فالآيات هذه تشير إِلى مصير
هؤلاء فتقول: (من كان يريد الحياة الدنيا
وزينتها) من رزق مادي وشهرة وتلذذ بالنعم (نُوَفِّ إليهم)نتيجة (أعمالهم فيها) في هذه الدنيا (وهم فيها
لايبخسون) أي لا ينقص من حقهم شيء في الدنيا! |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ
من الممكن أن يُتصور في البداية أنّ
الآيتين محل البحث متعارضتان، فالآية الأُولى تقول:
إِن من كان هدفه الحياة الدنيا فإِنّه سينال جزاءه فيها كاملا غير منقوص (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إِليهم أعمالهم فيها
وهم فيها لايبخسون) أمّا الآية الثّانية فتقول إِن
أعماله تكون بلا أثر وباطلة: (وحبط ما صنعوا فيها وباطل ماكانوا يعملون). 3 ـ
ذكر كلمة «الباطل» بعد كلمة «الحبط» يمكن أن تكون إِشارة إِلى أن أعمالهم لها ظاهر بدون محتوى، ولذلك تذهب
نتيجتها أدراج الرياح. |
|
الآية(17) أَفَمَن
كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهْدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ
كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً
وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ
|
|
أَفَمَن كَانَ
عَلَى بَيِّنَة مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهْدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ
كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ
بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مُوْعِدُهُ فَلاَتَكُ فِى مِرْيَة مِّنْهُ
إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ(17) |
|
التّفسير |
|
هناك أقوال كثيرة ـ
في تفسير الآية أعلاه ـ بين المفسّرين، ولهم نظرات مختلفة في جزئيات الآية وكلماتها وضمائرها
والأسماء الموصولة فيها وأسماء الإِشارة، وما نُقلَ
عنهم يخالف طريقتنا في هذا التّفسير، ولكنّ تفسيرين
منها أشد وضوحاً من غيرهما ننقلهما هنا على حسب الأهميّة: |
|
1 ـ في بداية
الآية يقول الحق سبحانه:
|
|
(أفمن كان على بينة من ربّه ويتلوه شاهد منه) أي من الله تعالى (ومن قبله
كتاب موسى إماماً ورحمة ...). أي التوراة التي تويّد صدقه وعظمته، مثل هذا الشخص هل يستوي ومن لا يتمتع بهذه الخصال والدلائل
البينة. |
|
2 ـ التّفسير
الثّاني لهذه الآية
|
|
2 ـ
التّفسير الثّاني لهذه الآية هو أنّ
هدفها الأصل بيان حال المؤمنين الصادقين الذين يؤمنون بالنّبي(ص) مع وجود
الدلائل الواضحة والشواهد على صدق دعوة النّبي(ص) وما جاء في الكتب السماوية
السابقة في شأنه، فأُولئك هم المؤمنون، واستناداً إِلى هذه الدلائل جميعاً
يؤمنون به (ص)، فعلى هذا يكون المقصود من قوله: (أفمن
كان على بيّنة من ربّه) جميع الذين لديهم دلائل مقنعة، حيث سارعوا إِلى
الإِيمان بالقرآن ومن جاء به، وليس المقصود بكلمة «مَن»
في الآية هو النّبي. |
|
بحوث
|
|
1 ـ ما المقصود
«بالشاهد» في الآية ؟!
|
|
قال بعض المفسّرين: إِن المقصود بالشاهد هو جبرئيل(ع)أمين وحي الله، ومنهم
من فسّره بالنّبي(ص)، ومنهم من قال: إِنّ معناه لسان النّبي(صلى الله عليه وآله
وسلم) في حالة فهم معنى «يتلو» من التلاوة أي القراءة، لا بمعنى التلّو الذي
معناه مجيء شخص بعد آخر. |
|
2 ـ لماذا أُشير
إِلى التوراة فحسب ؟!
|
|
إِن واحداً من دلائل حقانية
النّبي كما ذُكر في الآية الآنفة ـ الكتب السابقة على نبوة النّبي(ص)، ولكن لم
تذكر الآية من بينها سوى التوراة، ونحن نعرف أن الإِنجيل بشّر بظهور نبي
الإِسلام أيضاً. |
|
3 ـ من هو
المخاطب في قوله: (فلا تك في مرية منه)؟
|
|
هناك احتمالان في
من هو المخاطب بهذه الآية: |
|
الآيات(18) (22)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ
عَلَى رَبِّهِمْ
|
|
وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ
وَيَقُولُ الأَشْهَدُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ
لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّلِمِينَ(18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ
وَيَبْغُونَهَا عِوجاً وَهُم بِالأَخِرَةِ هُمْ كَفِرُونَ(19) أُوْلَئِكَ لَمْ
يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِى الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ
أَوْلِيَآءَ يُضَعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ
وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ(20)أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ
وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ(21) لاَجَرَمَ أَنَّهُمْ فِى
الاءَخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ(22) |
|
التّفسير |
|
أخسر
النّاس أعمالاً:
|
|
بعد الآية المتقدمة التي كانت
تتحدث عن القرآن ورسالة النّبي محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)تأتي آيات أُخر
تشرح عاقبة المنكرين وعلاماتهم ومآل أعمالهم. |
|
الآيتان(23) (24)
إِنَّ الَّذِينَ ءاَمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى
رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ
|
|
إِنَّ الَّذِينَ
ءاَمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ
أصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ(23) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ
كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا
أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ(24) |
|
التّفسير |
|
تعقيباً على الآيات المتقدمة التي أوضحت حال منكري الوحي، تأتي الآيتان هنا لتوضحا من في قبالهم، وهم المؤمنون حقّاً. |
|
ملاحظتان
|
|
1 ـ
بيان هذه الأوصاف الثلاثة وهي «الإِيمان» و«العمل الصالح» و«التسليم والخضوع والإِخبات إِلى دعوة الحق» إِنّما هو
بيان أُمور واقعية ترتبط بعضها ببعض، لأنّ العمل الصالح
ثمرة من شجرة الإِيمان، فالإِيمان الذي ليس فيه مثل هذه الثمرة إِيمان ضعيف ولا قيمة له ولا يحسب له حساب، وكذلك
التسليم والإِنقياد والخضوع والإِطمئنان لما وعد الله سبحانه، كل ذلك من آثار الإِيمان والعمل
الصالح .. لأنّ الإِعتقاد الصحيح والعمل النقي أساس
وجود هذه الصفات والملكات العالية في المحتوى الداخلي للإنسان. |
|
الآيات(25) (28)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ(25)
|
|
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا
نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ(25) أن لاَّ تَعْبُدُواْ
إِلاَّ اللهِ إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يُوْم أَلِيم (25) فَقَالَ
الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً
مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا
بَادِىَ الرَّأْىِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْل بَلْ نَظُنُّكُمْ
كَذِبِينَ(27) قَالَ يَاقُوْم أَرَءَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَة مِّن
رَّبِّى وَأَتَنِى رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا
وَأَنتُمْ لَهَا كَرِهُونَ(28) |
|
التّفسير |
|
قصّة
نوح المثيرة مع قومه:
|
|
تقدم أنّ هذه السورة تحمل بين
ثناياها قصص الأنبياء السابقين وتأريخهم، وذلك لإِيقاظ أفكار المنحرفين
والإِلتفات إِلى الحقائق وبيان العواقب الوخيمة للمفسدين الفجار. وأخيراً بيان طريق النصر والموفقية. |
|
أجاب
أُولئك دعوة نوح بثلاثة إِشكالات:
|
|
الأوّل: إِنّ الإِشراف والمترفين من قوم نوح(عليه السلام) قالوا
له أنت مثلنا ولا فرق بيننا وبينك: (فقال الملأ الذين
كفروا من قومه ما نراك إلاّ بشراً مثلنا) زعماً منهم أن الرسالة الإِلهية
ينبغي أن تحملها الملائكة إِلى البشر لا أن البشر يحملها إِلى البشر! وظنّاً
منهم أنّ مقام الإِنسان أدنى من مقام الملائكة، أو أنّ الملائكة تعرف حاجات
الإِنسان أكثر منه. وقد اختلف
المفسّرون في جواب نوح(عليه السلام) هذا لأي من الإِشكالات الثّلاثة هو؟ ولهم في ذلك أقوال.. ولكن مع التدبر في الآية يتّضح أنّ هذا الجواب يمكن أن يكون
جواباً للإِشكالات الثلاثة بأسرها. |
|
الآيات(29) (31)
وَيَقَوْمِ لآ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالا إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى اللهِ
وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ أَمَنُواْ
|
|
وَيَقَوْمِ لآ
أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالا إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَمَآ أَنَاْ
بِطَارِدِ الَّذِينَ أَمَنُواْ إِنَّهُم مُّلَقُواْ رَبِّهِمْ وَلَكنِّى أَرَاكُمْ
قَوْماً تَجْهَلُونَ(29) وَيَقُوْمِ مَن يَنصُرُنِى مِنَ اللهِ إِن طَرَدتُّهُمْ
أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ(30) وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآئِنُ اللهِ وَلاَ
أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّى مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلِّذِينَ
تَزْدَرِى أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِمَا فِى
أَنفُسِهِمْ إِنِّى إِذاً لَّمِنَ الظَّلِمِينَ(31) |
|
التّفسير |
|
ما
أنا بطارد الذين آمنوا:
|
|
في الآيات المتقدمة رأينا أنّ
قوم نوح «الأنانيين» كانوا يحتالون بالحجج الواهية والاشكالات غير المنطقية على
نوح وأجابهم ببيان جليّ واضح |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ أولياء اللّه
ومعرفة الغيب
|
|
الإِطلاع على الغيب مطلقاً ـ
كما أشرنا إِليه مراراً ـ وبدون أي قيد وشرط هو من خصوصيّات
الله سبحانه، ولكنّه يُطلع أنبياءَه وأولياءه على الغيْب بقدر ما يراه مصلحة كما نرى الإِشارة إِليه في الآيتين (26 و 27) من سورة الجن (عالم الغيب فلا يُظهر على غيبه أحداً، إلاّ من ارتضى من رسول
فإِنّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً). |
|
2 ـ مقياس معرفة
الفضيلة:
|
|
مرّة أُخرى نواجه الواقعية في
هذه الآيات، وهي أن أصحاب الثروة والقوة وعبيد الدنيا
المادييّن يرون جميع الأشياء من خلال نافذتهم المادية .. فهم يتصورون أنّ الإِحترام والشخصيّة هما ثمرة وجود
الثروة والمقام والحيثيات فحسب، فلا ينبغي التعجب من أن يكون المؤمنون الصادقون
الذين خلت أيديهم من المال والثروة في قاموسهم «أراذل» وينظرون إِليهم بعين
الإِحتقار والإِزدراء. |
|
3 ـ معنى علم
الغيب في القرآن
|
|
هناك بعض المفسّرين كصاحب «المنار» حين يصل إِلى
هذه الآية يقول لمن يدعي أن علم الغيب لا يختصّ بالله، أو يطلب حلّ
المشاكل من سواه، يقول في جملة قصيرة: إِنّ هذين الأمرين ـ علم الغيب وخزائن الله ـ قد نفاهما القرآن عن الأنبياء، لكن أصحاب البدع من المسلمين وأهل الكتاب يثبتونهما
للأولياء والقديسين(المنار، ج12، ص 67.). |
|
الآيات(32) (35)
قَالُواْ يَنُوحُ قُدْ جَادَلْتَنَا فَأكْثَرْتَ جِدَلَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ
إِن كُنتَ مِنَ الصَّدِقِينَ
|
|
قَالُواْ يَنُوحُ
قُدْ جَادَلْتَنَا فَأكْثَرْتَ جِدَلَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ
مِنَ الصَّدِقِينَ(32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللهُ إِن شَآءَ وَمَآ
أَنتُم بِمُعْجِزِينَ(33) وَلاَ يَنْفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدتُّ أَنْ
أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللهُ يُريدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ
وَإِلَيهِ تُرْجَعُونَ(34) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ
فَعَلَىَّ إِجْرَامِى وَأَنَاْ بَرِىءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ(35) |
|
التّفسير |
|
كفانا
الكلام فأينَ ما تعدنا به؟!
|
|
الآية الأُولى من
الآيات اعلاه تتحدث عن قوم نوح(ع) أنّهم: (قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا) فأين ما
تعدنا به من عذاب الله (فأتنا بما تعدنا إِن كنت من
الصادقين) وهذا الأمر يشبه تماماً عندما ندخل في جدال مع شخص أو أشخاص
ونسمع منهم تهديداً ضمنياً حين المجادلة فنقول:
كفى هذا الكلام الكثير!! إِذهبوا وافعلوا ما شئتم ولا تتأخروا، فمثل هذا الكلام
يشير إِلى أنّنا لا نكترث بكلامهم ولا نخاف من تهديدهم، ولسنا مستعدين أن نسمع
منهم كلاماً أكثر. فاختيار هذه
الطريقة إِزاء كل ذلك اللطف وتلك المحبّة
من قبل أنبياء الله ونصائحهم التي تجري كالماء الزلال على القلوب، إنّما تحكي عن
مدى اللجاجة والتعصب الأعمى لدى تلك الأقوام. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ
«الإِجرام» مأخوذ من مادة «جرم» على وزن «جهل» وكما أشرنا إِلى ذلك ـ سابقاً ـ فإِنّ معناه قطف الثمرة غير الناضجة، ثمّ أُطلقت على كل
ما يحدث من عمل سيء، وتطلق على من يحث الآخر على الذنب أنّه أجرم، وحيث أن
الإِنسان له إرتباط في ذاته وفطرته مع العفاف والنقاء، فإِنّ الإِقدام على
الذنوب يفصل هذا الإِرتباط الإِلهي منه. |
|
الآيات(36) (39)
وَأُوحِىَ إِلَى نُوح أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ
ءاَمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ
|
|
وَأُوحِىَ إِلَى
نُوح أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ ءاَمَنَ فَلاَ
تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ(36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأعْيُنِنا
وَوَحْيِنا وَلاَ تُخَطِبْنِى فِى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُمْ
مُغْرَقُونَ(37) ويَصْنَعِ الفُلْكَ كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلاٌَ مِّن
قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ
مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ(38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ
يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ(39) |
|
التفسير |
|
بداية
النّهاية:
|
|
إِنّ قصّة نوح عليه السلام
الواردة في آيات هذه السورة، بُيّنت بعدّة عبارات وجمل، كل جملة مرتبطة
بالأُخرى، وكل منها يمثل سلسلة من مواجهة
نوح(عليه السلام)في قبال المستكبرين، ففي الآيات
السابقة بيان لمرحلة دعوة نوح(ع) المستمرة والتي كانت في غاية الجدية،
وبالإِستعانة بجميع الوسائل المتاحة حيث استمرت سنوات طوالا ـ آمنت به جماعة قليلة
.. قليلة من حيث العدد وكثيرة من حيث الكيفية والإِستقامة. وفي الآيات محل البحث إِشارة إِلى المرحلة
الثّالثة من هذه المواجهة، وهي مرحلة انتهاء دورة التبليغ والتهيؤ للتصفية
الإِلهية. ومنهم من يقول: حسناً تصنع السفينة، فينبغي أن تصنع لها بحراً، أرأيت
إِنساناً عاقلا يصنع السفينة على اليابسة. ومنهم من يقول: واهاً لهذه السفينة
العظيمة، كان بإِمكانك أن تصنع أصغر منها ليمكنك سحبها إِلى البحر. |
|
ملاحظات |
|
1 ـ التصفية لا
الإِنتقام
|
|
يستفاد من الآيات المتقدمة
أنّ عذاب الله يفتقد جنبة الإنتقام، لأنّه عبارة
عن تصفية نوع من البشر وزوالهم لعدم جدارتهم بالحياة، وليبقى الصالحون من
بعدهم.. إِنّ مثل هؤلاء المستكبرين الفاسدين والمفسدين لا
أمل بإِيمانهم، ولا حق لهم في الحياة في نظر نظام الخلق، وهكذا كان قوم
نوح لأنّ الآيات السابقة تبيّن له أنّه لن يؤمن من قومك إلاّ من قد آمن، فلا أمل بإيمانهم فتهيأ لصنع «الفلك» (ولا تخاطبني في الذين ظلموا). |
|
2 ـ علائم المستكبرين:
|
|
إِنّ المستكبرين الأنانيين
يحولون المسائل الجدية التي لا تنسجم مع رغابتهم وميولهم ومنافعهم إِلى لعب
واستهزاء. ولهذا السبب فإِنّ الإِستهزاء
بالحقائق ـ ولا سيما فيما يتعلق بحياة المستضعفين ـ
يشكل جزءاً من حياتهم .. فكثيراً ما نجدهم من أجل أن يعطوا لجلساتهم المليئة
بآثامهم رونقاً وجمالا يبحثون عن مؤمن خالي اليد ليسخروا منه ويستهزئوا به. |
|
3 ـ سفينة نُوح:
|
|
لا شكّ أنّ سفينة نوح لَم
تكنْ سفينة عاديَّة ولم تنتهِ بسهولة مع وسائل ذلك الزمان آلاته، إِذْ كانت
سفينة كبيرة تحمل بالإِضافة إِلى المؤمنين الصادقين زوجين اثنين من كل نوع من
الحيوانات، وتحمل متاعاً وطعاماً كثيراً يكفي للمدّة التي يعيشها المؤمنون
والحيوانات في السفينة حال الطوفان، ومثل هذه السفينة بهذا الججم وقدرة
الاستيعاب لم يسبق لها مثيل في ذلك الزمان. فهذه السفينة ستجري في بحر بسعة
العالم، وينبغي أن تمرَّ سالمةً عبر أمواج كالجبال فلا تتحطم بها. لذلك تقول بعض
روايات المفسّرين: إِنّ طول
السفينة كان ألفاً ومئتي ذراع، وعرضها كان ستمائة ذراع «كل ذراع يعادل نصف متر
تقريباً». |
|
الآيات(40) (43)
حَتَّى إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنَّورُ قَلْنَا احْمِلَ فِيهَا مِن
كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ
|
|
حَتَّى إِذَا جَآءَ
أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنَّورُ قَلْنَا احْمِلَ فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجَيْنِ
اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ أَمَنَ وَمَآ
ءَامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ(40) وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللهِ
مَجْراهَا وَمُرْسَهَآ إِنَّ رَبِّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ(41) وَهِىَ تَجْرِى
بِهِمْ فِى مَوْج كَالْجِبَالِ وَنَادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِى مَعْزِل
يَبُنَىَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَفِرِينَ(42) قَالَ سَأَوِى
إِلَى جَبَل يَعْصِمُنِى مِنَ الْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ اليَوْمَ مِنْ أَمْرِ
اللهِ إِلاّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ
الْمُغْرَقِينَ (43) |
|
التّفسير |
|
شروع
الطّوفان:
|
|
رأينا في الآيات المتقدمة كيف
صنع نوح(عليه السلام) وجماعته المؤمنون سفينة النجاة بصدق. وواجهوا جميع المشاكل
واستهزاء الأكثرية من غير المؤمنين، وهيأوا أنفسهم للطوفان، ذلك الطوفان الذي
طهّر سطح الأرض من لوث المستكبرين الكفرة. الجبل أمره سهل وهين، وكرة
الأرض أمرها هين كذلك .. الشمس والمجموعة الشمسية بما فيها من عظمة مذهلة لا
تعدل ذرّة إِزاء قدرة الله الأزليّة. |
|
بحوث
|
|
1 ـ هل كان طوفان
نوح مستوعباً للعالم؟!
|
|
من خلال ظاهر الآيات يبدو لنا
أنّ الطوفان لم يكن لمنطقة من الأرض دون أُخرى، بل غطى كل سطح الأرض ، لأنّ كلمة
«الأرض» ذكرت بصورة مطلقة، كما في الآية (26) من
سورة نوح (ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً)
كما في الآية (44) المقبلة من سورة هود (وقيل يا
أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي)وهكذا ذكر كثير من المؤرخين ـ أيضاً ـ أنّ
طوفان نوح كان عالمياً، ولذلك يرجع نسل جميع البشر
اليوم إِلى واحد من أبناء نوح الثلاثة
«حام وسام ويافث» الذين بقوا بعده مدةً! |
|
2 ـ هل تُقبل
التوبة بعد نزول العذاب؟!
|
|
يستفاد من الآيات المتقدمة
أنّ نوحاً(عليه السلام) استمر يدعو ولده حتى بعد شروع الطوفان، وهذا دليل على
أنّه لو آمن ابنه «كنعان» لقُبل إِيمانه. |
|
3 ـ دروس تربوية
من طوفان نوح:
|
|
إِنّ هدف القرآن
الأصلي من ذكر قصص الماضين بيان دروس وعبر ومسائل تربوية، وفي هذا القسم من قصّة نوح مسائل مهمّة جدّاً نشير إِلى
قسم منها: ب ـ لم كان العقاب
أو الطوفان؟! هـ ـ سفينة النجاة: |
|
الآية(44) وَقِيلَ
يَأَرْضُ ابْلَعِى مَآءَكِ وَيَاسَمَآءُ أَقْلِعِى وَغِيضَ الْمَآءُ وَقُضِىَ
االأَمْرُ وَاسْتَوَتْ
عَلَى الْجُودِىِّ
|
|
وَقِيلَ يَأَرْضُ
ابْلَعِى مَآءَكِ وَيَاسَمَآءُ أَقْلِعِى وَغِيضَ الْمَآءُ وَقُضِىَ االأَمْرُ
وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِىِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّلِمِينَ(44) |
|
التّفسير |
|
نهاية
الحادث:
|
|
قرأنا في الآيات السابقة ـ إِجمالا ـ أنّ الأمواج المتلاطمة الصاخبة من الماء
أغرقت كل مكان حيث تصاعد منسوب الماء تدريجاً، أمّا المجرمون الجهلة فظناً منهم
أنّه طوفان عادي فصعدوا إِلى أعالي القمم والمرتفعات، لكن الماء تجاوز تلك
المرتفعات أيضاً وخفي تحت الماء كل شيء، وأخذت تلوح للعيون أجساد الطغاة الموتى
وما بقي من البيوت ووسائل المعاش في ثنايا الأمواج على سطح الماء. |
|
أين
يقع الجودي؟
|
|
ذهب كثير من
المفسّرين أنّ الجودي الذي استقرت عليه
السفينة ـ كما مرّ ذكره في الآية ـ جبل معروف قرب
الموصل(راجع مجمع البيان، وروح المعاني، والقرطبي، ذيل الآية محل البحث.) وقال
آخرون: هو جبل في حدود الشام أو شمال العراق أو
قرب «آمد» |
|
الآيات(45) (47)
وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِى مِنْ أَهْلىِ وَاءِنَّ
وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمْ
الْحَكِمِينَ
|
|
وَنَادَى نُوحٌ
رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِى مِنْ أَهْلىِ وَاءِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ
وَأَنتَ أَحْكَمْ الْحَكِمِينَ(45) قَالَ يَنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ
إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَلِح فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ
إِنِّى أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَهِلِينَ(46) قَالَ رَبِّ إِنِّى أَعُوذُ
بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِى
وَتَرْحَمْنِى أَكُن مِّنَ الْخَسِرِينَ(47) |
|
التّفسير |
|
حادثة
ابن نوح المؤلمة:
|
|
قرأنا في الآيات المتقدمة أنّ
ابن نوح لم يسمع نصيحة والده وموعظته، ولم يترك لجاجته وحماقته حتى النفس
الأخير، فكانت نهايته الغرق في أمواج الطوفان. |
|
بحوث
|
|
1 ـ لم كان ابن
نوح «عَمَلا غير صالح»؟!
|
|
يعتقد بعض
المفسّرين أنّ في الآية إِيجاز حذف، وأصل الآية هكذا
«إنّه ذو عمل غير صالح». |
|
2 ـ دائرة الوعد
الإلهي
|
|
مع ملاحظة ما ورد في الآيات
المتقدمة من خطاب نوح لربّه وما أجابه الله به، ينقدح
هذا السؤال وهو: كيف لم يلتفت نوح إِلى أنّ ابنه كنعان كان خارج دائرة
الوعد الالهي؟ |
|
3 ـ هناك حيث
تنقطع العلائق
|
|
تعكس الآيات الآنفة درساً من
أنجع الدروس الإنسانية والتربوية ضمن بيان قصّة نوح .. درساً
لا مفهوم له في المذاهب المادية لكنّه أصل أساس في المذهب الإلهي والمعنوي . وعلى هذا الأساس نجد أحاديث
أهل البيت(عليهم السلام) تتحدث عن بعض الشيعة الذين
يحملون اسم التشيّع إلاّ أنّه لا يوجد فيهم علائم من تعليمات أهل البيت(عليهم
السلام)بنفس الطريقة التي تقدمت في الآيات
الآنفة في القرآن الكريم حيث نقل عن علي بن موسى (ع) أنّه سأل بعض أصحابه
يوماً : كيف يفسر الناس هذه الآية (إنّه عمل غير صالح) .. فأجابه أحد الحاضرين : إنّهم يعتقدون أن كنعان لم يكن
الابن الحقيقي لنوح ، فقال الإمام : «كلاّ لقد
كان ابنه ، ولكن لمّا عصى الله نفاه عن أبيه ، كذا من كان منّا لم يطع الله فليس
منّا»( تفسير الصافي ذيل الآية المتقدمة .) . |
|
4 ـ المسلمون
المطرودون
|
|
ومن المناسب أن نستلهم من
الآية فنشير إلى قسم من الأحاديث الإسلامية التي
ترى طوائف كثيرة من المسلمين ، أو أتباع أهل
البيت(عليهم السلام) في الظاهر مطرودين وخارجين عن صف المؤمنين والشيعة : |
|
الآيتان(48) (49)
قِيلَ يَنُوحُ اهْبِطْ بِسَلَم مِنَّا وَبَرَكَت عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَم مِّمَّن
مَّعَكَ
|
|
قِيلَ يَنُوحُ
اهْبِطْ بِسَلَم مِنَّا وَبَرَكَت عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَم مِّمَّن مَّعَكَ
وَاُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ(48) تِلْكَ
مِنْ أَنبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيَهآ اِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ
قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِر إنَّ الْعَقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49) |
|
التّفسير |
|
هبوط
نوح بسلام:
|
|
هاتان الآيتان هما نهاية الآيات التي تتحدث عمّا
جاء في نوح وقصّته المليئة بالدروس والعبر في سورة هود ، وفيهما إشارة إلى هبوط نوح(ع) من سفينته وعودة الحياة والعيش
الطبيعي على الأرض . |
|
الآيات(50) (52)
وَإِلَى عَاد أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَقَومِ اعْبُدُواْ اللهَ مَالَكُم مِّنْ
إِله غَيْرُهُ
|
|
وَإِلَى عَاد
أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَقَومِ اعْبُدُواْ اللهَ مَالَكُم مِّنْ إِله غَيْرُهُ
إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مَفْتَرُونَ(50) يَقَوْمِ لآ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً
إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى الَّذِى فَطَرَنِى أَفَلاَ تَعْقِلُونَ(51)
وَيَقَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ
السَّمَآءَ عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ
تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ(52) |
|
التّفسير |
|
محطّم الأصنام
الشّجاع:
|
|
كما أشرنا آنفاً، فإِنّ قصص خمسة أنبياء عظام وما واجههوه من شدائد
وصعاب في دعواتهم والنتائج المترتبة عليها مبين في هذه السورة. وفي الآيات السابقة كان الكلام حول نوح(ع) وأمّا الآن فالحديث عن هود(ع). يقول سبحانه في الآية الأُولى من هذه القصّة.. (وإِلى عاد أخاهم هوداً)ونلاحظ
في الآية أنّها وصفت هوداً بكونه «أخاهم». |
|
بحوث
|
|
1 ـ التوحيدُ
أساس دعوة الأنبياء:
|
|
يبين تاريخ الانبياء أنّهم
بدأوا دعوتهم جميعاً من التوحيد ونفي الشرك ونفي عبادة الأصنام أيّاً كانت،
والواقع فإِنّ أي إِصلاح في المجتمعات الإِنسانية لا يتيسر بغير هذه الدعوة،
لأنّ وحدة المجتمع والتعاون والإِيثار كلها أُمور تسترفد من منبع واحد وهو توحيد
المعبود. |
|
2 ـ قادة الحق لا
يطلبون أجراً من أتباعهم.
|
|
إِنّ الزعيم الواقعي يمكنه أن
يكون في مأمن من أي اتهام ويواصل طريقه في غاية الحرية في صورة ما لو لم تكن له
حاجة مادّية، فبذلك يستطيع أن يصحح كل انحراف في أتباعه، وإلاّ فإِنّ الحاجة
الماديّة بالنسبة لهذا المصلح ستكون غلاَّ تصفَّدُ به يداه ورجلاه وقفلا على
لسانه وفكره. |
|
3 ـ الذنب وهلاك
المجتمعات
|
|
كما نرى أيضاً ـ في الآيات
المتقدمة ـ أنّ القرآن يقيم رابطة بين المسائل المعنوية والماديّة، فيعدّ
الإِستغفار من الذنب والتوبة إِلى الله أساس العمران والخصب والخضرة والنضرة
وزيادة في القوة والاقتدار. |
|
4 ـ ما المراد من
قوله تعالى: (ويزدكم قوةً إلى قوتكم).
|
|
إِنّ الظاهر من هذه الآية أنّ
الله سبحانه يزيدكم من خلال الإِستغفار قوةً بالإِضافة إِلى قوتكم، يشير بعض
المفسّرين إِليه أنّ المراد من هذه القوّة هي القوّة الإِنسَانيّة كما مرّ ذلك في سورة نوح: (ويمددكم
بأموال وبنين) ومنهم من قال: إِنّها القوى المادية تضاف إِلى القوّة
المعنويّة. ولكنّ تعبير الآية مطلق وهو يشمل أي زيادة في القوى المادية
والمعنويّة، ولا يعارض أيّاً من التفاسير، بل يحتضنها جميعاً.. |
|
الآيات(53) (57)
قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَة وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى
أَلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ
|
|
قَالُواْ يَا هُودُ
مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَة وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى أَلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ
وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ(53) إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعضُ
أَلِهَتِنَا بِسُوء قَالَ إِنِّى أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُواْ أَنِّى بَرِىءٌ
ممّا تُشْرِكُونَ(54)مِن دُونِهِ فَكِيدُونىِ جَمِيعاً ثُمَّ لاَ
تُنظِرُونِ(55)إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّى وَرَبِّكُم مَّا مِن
دَآبَّة إِلاَّ هُوَ ءَاخِذُ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّى عَلَى صِرَاط
مُّسْتَقِيم (56) فَإِن تَوَلَّواْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ
إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّى قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ
شَيْئاً إِنَّ رَبِّى عَلَى كُلِّ شَىْء حَفِيظٌ(57) |
|
التّفسير |
|
قوّة
المنطق:
|
|
والآن لننظر ماذا
كان ردّ فعل القوم المعاندين والمغرورين ـ قوم عاد ـ مقابل نصائح أخيهم هود وتوجيهاته إِليهم: (قالوا يا هودُ ما جئتنا ببيّنة) أي لم تأتِنا بدليل
مقنع لنا (وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك) الذي
تدعونا به إِلى عبادة الله وترك الأوثان (وما نحن لك
بمؤمنين). |
|
ملاحظتان
|
|
الأُولى: إِنّ «الناصية» في اللغة معناها
الشعر المسترسل على الجبهة، وهي مشتقة من «نصا» ومعناها الإِتصال
والإِرتباط، وأخذ بناصية فلان «كناية عن القهر والتسلط
عليه» فما ورد في الجملة السابقة من الآية من قول الحق سبحانه: (مامن دابة إلاّ هو آخذ بناصيتها) إِشاره إِلى قدرته
القاهرة على جميع الأشياء بحيث لا شيء في الوجود له طاقة المقاومة قبال هذه
القدرة، لأنّ من أحكم الإِمساك على شعر مقدم الرأس من الإِنسان أو أي حيوان آخر،
فإِنّه يُسلب منه القدرة على المقاومة عادة. |
|
الآيات(58) (60)
وَلَمَّا جَآِ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ
بِرَحْمَة مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم
|
|
وَلَمَّا جَآِ
أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَة مِّنَّا
وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَاب غَلِيظ(58) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِأَيَتِ
رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّار عَنِيد(59)
وَأُتْبِعُواْ فِى هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَومَ الْقِيَامَةِ أَلاَ إِنَّ
عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَاد قَوْمِ هُود(60) |
|
التّفسير |
|
اللعن
الأبدي على القوم الظّالمين:
|
|
في آخر الآيات التي تتحدث عن
قصّة قوم عاد ونبيّهم هود إِشارة إِلى العقاب
الأليم للمعاندين، فتقول الآيات: (ولما جاء أمرنا
نجّينا هوداً والذين آمنوا معه)وتوكّد أيضاً نجاة المؤمنين (ونجّيناهم من عذاب غليظ). |
|
بحثان
|
|
1 ـ قوم عاد من
منظار التاريخ
|
|
بالرغم من أنّ بعض المؤرّخين
الغربيين كـ «أسبرينكل» أرادوا أن ينكروا قصّة «عاد» من الناحية التاريخية ، وربّما كان ذلك
بسبب عدم توفر ذكر لهم في غير الآثار الإسلامية، ولم
يجدوها في كتب العهد القديم «التوراة» ولكن هناك
وثائق ـ تشير إلى قصّة عاد ـ مشهورة إجمالا بين العرب في زمن الجاهلية ،
وقد ذكرهم شعراء العرب قبل الإسلام ، وحتى في العصر
الجاهلي كانوا يطلقون لفظ «العاديّ» على البناء العالي والقوي نسبة إلى عاد . وأخيراً ـ كما
سيأتي في سورة الذاريات والحاقة والقمر ـ غمرهم إعصار شديد لمدّة سبعة ليال وستة أيّام
جسوماً فأتى على قصورهم فدمّرها وعلى أجسادهم فجعلها كأوراق الخريف
وفرقها تفريقاً ، ولكن هود كان قد أبعد المؤمنين عن هؤلاء ونجّاهم من العذاب ،
وأصبحت حياة أُولئك القوم ومصيرهم درساً كبيراً وعبرة لكل الجبابرة والأنانيين(راجع تفسير الميزان ، تفسير مجمع البيان ، وكتاب أعلام القرآن
.) . |
|
2 ـ اللعن الدائم
الأبدي على «عاد» :
|
|
هذا التعبير وما شابهه ورد في آيات متعددة من القرآن الكريم في شأن أُمم مختلفة ،
حيث يقول الله سبحانه بعد ذكر أحوالهم ، كما في سورة
هود الآية 68 : (ألا بعداً لثمود) وفي آية أُخرى
(89) هود (الا بعداً لمدين كما بعدت ثمود) وفي
سورة المؤمنون، الآية (41)(فبعداً للقوم الظالمين) وفي آية أُخرى (44) المؤمنون(فبعداً لقوم لا يؤمنون) وكما قرأنا في قصّة نوح من قبل في هود الآية (44) (وقيل بعداً للقوم الظالمين). |
|
الآية(61) وَإِلَى
ثَمُودَ اَخَاهُم صَلِحاً قَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَه
غَيْرُهُ
|
|
وَإِلَى ثَمُودَ
اَخَاهُم صَلِحاً قَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَه
غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا
فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْةِ إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ (61) |
|
التّفسير |
|
قصّة
ثمود :
|
|
انتهت قصّة «عاد قوم هود» بجميع دروسها بشكل مضغوط ، وجاء الدور الآن لثمود «قوم صالح» وهم الذين عاشوا في
وادي القرى بين المدينة والشام ، حسب ما تنقله التواريخ
عنهم . |
|
الآيات(62) (65)
قَالُوا يَصَلِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَآ أَتَنْهَنَآ أَن
نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَا
|
|
قَالُوا يَصَلِحُ
قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَآ أَتَنْهَنَآ أَن نَّعْبُدَ مَا
يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِى شَكٍّ مِّمِّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ
مُرِيب(62) قَالَ يَقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إن كُنتُ عَلَى بَيِّنَة مِّن رَّبِّى
وَءَاتَنِى مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِى مِنَ اللهِ إنْ عَصَيْتُهُ فَمَا
تَزِيدُونَنِى غَيْرَ تَخْسِير(63)وَيَقَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكمْ
ءَايَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ اللهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء
فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ(64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي
دَارِكُمْ ثَلَثَةً أَيَّام ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوب(65) |
|
التّفسير |
|
والآن لنلاحظ ما الذي كان
جواب المخالفين لنبيّ الله «صالح(ع)» إزاء منطقه الحي الداعي إلى الحق . |
|
ناقة
صالح :
|
|
«النّاقة» في
اللغة هي اُنثى الجمل ، وهي الآية الآنفة في آيات أُخرى أُضيفت إلى لفظ الجلالة
«الله»( مثل هذه الإضافة يقال لها في المصطلح الأدبي
إضافة تشريفية . بمعنى أنّها إضافة تدل على شرف الشيء وأهميته ، وفي الآية
المتقدمة يلاحظ نموذجان من هذا النوع 1 ـ ناقة
الله . 2 ـ أرض الله . وقد ورد في موارد أُخرى
غير هذه الكلمات .) وهذه الإضافة تدل على أنّ هذه الناقة لها خصائص
معينة، ومع الإلتفات إلى ما عبّر عنها في الآية المتقدمة بأنّها «آية» وعلامة
إلهية ودليل على الحقانيّة ، يتّضح أنّها لم تكن ناقة عادية ، بل كانت خارقة
للعادة من جهة أو جهات متعددة ! |
|
العلاقة
الدّينية :
|
|
الطريف أنّنا نقرأ في
الرّوايات الإسلامية أنّ الذي عقر الناقة لم يكن إلاّ
واحداً ، لكن القرآن ينسب هذا العمل إلى جميع
المخالفين من قوم صالح «ثمود» ويقول بصيغة الجمع
: (فعقروها) وذلك لأنّ الإسلام يعدّ الرضا الباطني في أمر ما والإرتباط
معه ارتباطاً عاطفياً بمنزلة الإشتراك فيه ، وفي الواقع فإنّ التآمر على هذا
العمل لم يكن له جانب فردي ، وحتى ذلك الذي أقدم على عمله لم يكن معتمداً على
قوته الشخصيّة فجميعهم كانوا مرتاحين لعمله وكانوا يسندونه ، ومن المسلّم أنّه لا يمكن أن يعدّ هذا العمل عملاً
فردياً . بل يعد عملاً جماعياً . يقول الإمام علي(ع) :
«وإنّما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمّهم الله بالعذاب
لمّا عمّوه بالرضا»( نهج البلاغة ، ومن كلام له ، رقم 201 .) . |
|
الآيات(66) (68)
فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَلِحاً وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ
بِرَحْمَة مِّنَّا
|
|
فَلَمَّا جَآءَ
أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَلِحاً وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَة مِّنَّا
وَمِنْ خِزْىِ يَوْمِئِذ إنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ(66) وَأَخَذَ
الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فى دِيَرِهِمْ جَثِمِنَ(67) كَأَن
لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَآ أَلاَ إنَّ ثَمُودَاً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً
لِّثَمُودَ(68) |
|
التّفسير |
|
نهاية
ثمود «قوم صالح»:
|
|
في هذه الآيات يتبيّن كيف نزل
العذاب على قوم صالح المعاندين بعد أن أمهلهم وقال لهم : (تمتعوا في داركم ثلاثة أيّام) فتقول الآيات : (فلما جاء أمرنا نجّينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمة منّا)
لا من العذاب الجسماني والمادي فحسب ، بل (ومن خزي
يومئذ)( الخزي في اللغة الإنكسار الذي يصيب الإنسان سواءً من نفسه أو من سواه ،
ويشمل كل أنواع الذل أيضاً .) . |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ نجد في
هذه الآيات أن رحمة الله بالنسبة للمؤمنين واسعة وشاملة
، بحيث تنقلهم جميعاً إلى مكان آمن ، ولا تحرق الأخضر واليابس بالعذاب . |
|
نهاية المجلد
السّادس وبداية المجَلّد السّابع الشَيخ نَاصِر مَكارم الشِيرازي
|
|
الآيات(69) (73)
وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَماً قَالَ
سَلَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْل حَنِيذ
|
|
وَلَقَدْ جَآءَتْ
رُسُلُنَآ إِبْرَهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَماً قَالَ سَلَمٌ فَمَا لَبِثَ
أَن جَآءَ بِعِجْل حَنِيذ(69) فَلَمَّا رَءَآ أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ
نَكِرَهُْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيْفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ
إِلَى قَوْمِ لُوط(70) وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَهَا
بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَقَ يَعْقُوبَ(71) قَالَتْ يَوَيْلَتَى ءَأَلِدُ
وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِى شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَىْءٌ عَجِيبٌ(72)
قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَتُهُ
عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ(73) |
|
التّفسير |
|
جانبٌ
من حياة محطم الأصنام:
|
|
والآن جاء الدور
للحديث عن جانب من حياة «إبراهيم(عليه السلام)» هذا البطل العظيم الذي حطم الأصنام، وما جرى له مع قومه. طبعاً كل ذلك مذكور بتفصيل أكثر في سور أُخرى من القرآن غير
هذه السورة، كسورة البقرة، وآل عمران، والنساء، والأنعام، والأنبياء، وغيرها. |
|
الآيات(74) (76)
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَهِيمَ الرَّوْعُ وَجَآءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَدِلُنَا
فِى قَوْمِ لُوط
|
|
فَلَمَّا ذَهَبَ
عَنْ إِبْرَهِيمَ الرَّوْعُ وَجَآءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَدِلُنَا فِى قَوْمِ
لُوط(74) إِنَّ إِبْرَهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّهٌ مُّنِيبٌ(75) يَإِبْرَهِيمُ
أَعْرِضْ عَنْ هَذَآ إِنَّهُ، قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ ءَاتِيهِمْ
عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُود(76) |
|
التّفسير |
|
رأينا في الآيات السابقة أنّ
إِبراهيم عرف فوراً أنّ أضيافه الجدد لم يكونوا أفراداً خطرين أو يخشى منهم، بل
كانوا (رسل الله) على حد تعبيرهم، ليؤدوا وظيفتهم التي أُمروا بها في قوم لوط. |
|
الآيات(77) (80)
وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِىءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ
هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ
|
|
وَلَمَّا جَآءَتْ
رُسُلُنَا لُوطاً سِىءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ
عَصِيبٌ(77) وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا
يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاَتِ قَالَ يَقَوْمِ هَؤُلاَءِ بَنَاتِى هُنَّ أَطْهَرُ
لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِى ضَيْفِى أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ
رَّشِيدٌ(78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَالَنَا فِى بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ
وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ(79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ
ءَاوِى إِلَى رُكْن شَدِيد(80) |
|
التّفسير |
|
قوم
لوط وحياة الخزي:
|
|
مرّت في آيات من سورة الأعراف إشارة إلى شيء من مصير قوم لوط، وفسّرنا ذلك في محلّه، وهنا يتناول القرآن الكريم ـ وبمناسبة ما ذكره من قصص
الأنبياء وأقوامهم وبما ورد في الآيات المتقدمة عن قصّة لوط وقومه ـ
قسماً آخر من حياة هؤلاء القوم المنحرفين الضالين ليتابع بيان الهدف الأصلي ألا
وهو سعادة المجتمع الإِنساني ونجاته بأسره. يبيّن القرآن
الكريم في هذا الصدد أوّلا ... أنّه لما
جاءت رسلنا لوطاً طار هلعاً وضاق بهم ذرعاً وأحاط به الهمّ من كل جانب (ولما جاءت رسلنا لوطاً سيىء بهم وضاق بهم ذرعاً). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ العبارة التي قالها لوط عند هجوم القوم على داره وأضيافه
ـ (هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم) فتزوجوهنّ إِنّ
شئتم فهنّ حلال لكم ولا ترتكبوا الإثم و الذنب وقد ـ
أثارت هذه العبارة بين المفسّرين عدّة أسئلة: |
|
الآيات(81) (83)
قَالُوا يَلُوطُ إِنَّا رُسُلُ ر َبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ
بِأَهْلِكَ بِقِطْع مِّنَ الَّيْلِ
|
|
قَالُوا يَلُوطُ
إِنَّا رُسُلُ ر َبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْع
مِّنَ الَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ
مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ
بِقَرِيب(81) فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا
عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيل مَّنضُود(82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ
وَمَا هِىَ مِنَ الظَّلِمينَ بِبَعِيد(83) |
|
التّفسير |
|
عاقبة
الجماعة الظّالمة:
|
|
وأخيراً حين شاهد الملائكة
(رسل الله) الأضياف ما عليه لوط من العذاب النفس كشفوا «ستاراً» عن أسرار عملهم
و(قالوا يا لوط إِنّا رسل ربّك لن يصلوا إِليك). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ لِمَ كان
العذاب صباحاً؟2 ـ لَمِ قلب الله عاليها سافلها؟3 ـ لماذا الوابل من الأحجار؟!
|
|
1 ـ
لِمَ كان العذاب صباحاً؟ 2 ـ لَمِ قلب الله
عاليها سافلها؟ قلنا: إِنّ العذاب ينبغي أن
يتناسب مع الإِثم، وحيث أنّ هؤلاء القوم قلبوا كل شيء عن طريق الإِنحراف الجنسي
فإنّ الله جعل مدنهم عاليها سافلها أيضاً، وحيث كانوا دائماً يتقاذفون بالكلمات
البذيئة فيما بينهم، فإنّ الله امطرهم بحجارة لتتهاوى على رؤوسهم أيضاً. 3 ـ لماذا الوابل
من الأحجار؟! ولكن بعض المفسّرين
ـ كصاحب المنار ـ يعتقد أنّ مطر
الاحجار إِمّا أن يكون قبل أن يقلب عاليها سافلها، أو مقترن مع القلب، وذلك
لينال بعض الافراد الذين التجأوا إِلى زاوية أو معزل ولم يدفنوا تحت الأنقاض
جزاءهم العادل ولا تبقى لهم فرصة للهروب. |
|
5 ـ تحريم
الإِنحراف الجنسي، فلسفة تحريم الميول الجنسية لأمثالها ، أخلاق قوم لوط:
|
|
5 ـ
تحريم الإِنحراف الجنسي توضيح ذلك، أنّ الإِنسان الطبيعي والسليم يميل إِلى المخالف من
جنسه، أي أنّ الرجل يميل إِلى المرأة، والمرأة تميل إِلى الرجل، وهذا الميل ن
أشدّ الغرائز المتجذرة فيه، والضامن لبقاء نسله، فأيّ
عمل يؤدّي إِلى تحوير هذا الميل الطبيعي عن مساره فسيوجد نوعاً من المرض
والإِنحراف النفسي في الإِنسان. |
|
الآيات(84) (86)
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا
لَكُمْ مِّنْ إِلَه غَيْرُهُ
|
|
وَإِلَى مَدْيَنَ
أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه
غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّى أَرَاكُم بِخَيْر
وَإِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْم مُّحِيط(84) وَيَقَوْمِ أَوْفُوا
الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ
أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِى الاَْرْضِ مُفْسِدِينَ(85) بَقِيَّتُ اللهِ
خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنينَ وَمَآ أَنَا عَلَيْكُم بِحَفيظ (86) |
|
التّفسير |
|
مدين
بلدة شعيب ...
|
|
مع انتهاء قصّة قوم
لوط تصل النوبة إِلى قوم شعيب وأهل مدين، أُولئك الذين حادوا عن طريق التوحيد وهاموا على وجوههم في شركهم وعبادة
الأصنام، ولم يعبدوا الأصنام فحسب، بل الدّرهم والدينار والثروة والمال، ومن أجل
ذلك فإنّهم لوثوا تجارتهم الرابحة وكسبهم الوفير بالغش والبخس والفساد. العلّة الأُولى: هي
قوله (إِنّي أراكم بخير). وإِذا توسعنا في
معنى هذه الكلمة ومفهوم الجملة وجدناها دعوة إِلى رعاية جميع الحقوق الفردية
والإِجتماعية ولجميع الملل والنحل، ويظهرُ «بخس الحق» في كل محيط وعصر وزمان بشكل معين حتى بالمساعدة دون عوض
أحياناً، والتعاون وإِعطاء قرض معين (كما هي طريقة
المستعمرين في عصرنا). |
|
الآيات(87) (90)
قَالُوا يَشُعَيْبُ أَصَلَوتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ
ءَابَآؤُنَآ أَوْ أَن
نَّفْعَلَ فِى أَمْوَلِنَا مَا نَشَؤُا
|
|
قَالُوا يَشُعَيْبُ
أَصَلَوتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوْ أَن
نَّفْعَلَ فِى أَمْوَلِنَا مَا نَشَؤُا إِنَّكَ لاََنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ
(87)قَالَ يَقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَة مِّن رَّبِّى
وَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَآ
أَنْهَكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الاِْصْلَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا
تَوْفِيقِى إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ(88)
وَيَقُوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِى أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ
قَوْمَ نُوح أَوْ قَوْمَ هُود أَوْ قَوْمَ صَلِح وَمَا قَوْمُ لُوط مِّنكُم
بِبَعِيد(89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّى
رَحِيمٌ وَدُودٌ(90) |
|
التّفسير |
|
المنطق
الواهي:
|
|
والآن فَلْنَرَ ما كان ردّ القوم اللجوجين إزاء
نداء هذا المصلح السّماوي «شعيب». |
|
فبما إنّهم كانوا يتصورون أنّ
عبادة الأصنام من آثار سلفهم الصالح، ودلالة على أصالة ثقافتهم، وكانوا لا
يرفعون اليد عن الغش في المعاملة وتحقيق الربح الوفير عن هذا الطريق قالوا (يا
شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا)ونترك حريتنا في التصرف بأموالنا فلا
نستطيع الإِستفادة منها (أو أن نفعل في أموالنا ما
نشاء) إِن هذا بعيد منك (إِنّك أنت الحليم
الرشيد)؟! |
|
الآيات(91) (93)
قَالُوا يَشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَكَ
فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَكَ
|
|
قَالُوا يَشُعَيْبُ
مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَكَ فِينَا ضَعِيفاً
وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَكَ وَمَآ أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيز(91) قَالَ
يَقَوْمِ أَرَهْطِى أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِّنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ
وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّى بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ(92) وَيَقَوْمِ
اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّى عَمِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ
عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّى مَعَكُمْ
رَقِيبٌ(93) |
|
التّفسير |
|
التّهديدات
المتبادلة بين شعيب وقومه:
|
|
إِنّ شعيباً هذا النّبي
العظيم الذي لُقِّبَ بخطيب الأنبياء(سفينة البحار،
مادة: شعيب.) لخطبة المعروفة والواضحة، والتي كانت أفضل دليل أمين للحياة
المادّية والمعنوية لهذه الجماعة، واصل محاججته لقومه بالصبر والأناة والقلب
المحترق، ولكن تعالوا لنرى كيف ردّ عليه هؤلاء القوم الضالون؟! فأوّلها: أنّهم
قالوا: (يا شعيب ما نفقه كثيراً ممّا تقول) ... فكلامك أساساً ليس فيه أوّل ولا آخر، وليس فيه محتوى
ولا منطق قيم لنفكر فيه ونتدبره وليس لديك شيء نجعله ملاكاً لعملنا، فلا ترهق
نفسك أكثر! وامض الى قوم غيرنا... |
|
الآيتان(94) (95)
وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ
بِرَحْمَة مِّنَّا
|
|
وَلَمَّا جَآءَ
أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَة مِّنَّا
وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِى دِيَرِهِمْ
جَثِمِينَ(94) كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَآ أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا
بَعِدَتْ ثَمُودُ(95) |
|
التّفسير |
|
عاقبة
المفسدين في مدين:
|
|
قرأنا في قصص الأقوام
السابقين مراراً، أنّ الأنبياء كانوا في المرحلة
الأُولى يدعونهم الى الله ولم يألوا جهداً في النصيحة والإِبلاغ وبيان
الحجّة، وفي المرحلة التي بعدها حيث لم ينفع
النصح للجماعه ينذرها نبيّها ويخوّفها من عذاب الله، ليعود الى طريق الحق من فيه
الإِستعداد ولتتم الحجّة عليهم، وفي المرحلة الثّالثة،
وبعد أن لم يُغن أي شيء ممّا سبق ـ تبدأ مرحلة التصفية وتطهير الأرض، وينزل
العقاب فيزيل الأشواك من الطريق. |
|
دروس
تربوية في قصّة شعيب:
|
|
إِنّ أفكار الأنبياء والوقائع
التي جرت للاقوام السابقة تستلهم منها الأجيال التي بعدها، لأنّ تجارب حياة
أُولئك الأقوام هي التي تمخضت عن عشرات السنين أو مئات السنين ... ثمّ نُقلت
إِلينا في عدّة صفحات من «التاريخ» وكل فرد منّا يستطيع أن يستلهم العبر في
حياته. 1 ـ
أهمية المسائل الإِقتصادية 4 ـ
النظرة الذاتيّة (الأنانيّة) رمزٌ للجمود! |
|
الآيات(96) (99)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِأَيَتِنَا وَسُلْطَن مُّبِين(96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلاَِيْهِ
|
|
وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا مُوسَى بِأَيَتِنَا وَسُلْطَن مُّبِين(96) إِلَى فِرْعَوْنَ
وَمَلاَِيْهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيد (97)
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ
الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98)وَأُتْبِعُوا فِى هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ
الْقِيَمَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ(99) |
|
التّفسير |
|
البطل
المبارز لفرعون:
|
|
بعد إنتهاء قصّة شعيب وأهل
مدين، يُشير القرآن الكريم الى زاوية من قصّة موسى
ومواجهته لفرعون وهذه القصّة هي القصّة السابعة من قصص الأنبياء في هذه السورة. |
|
الآيات(100) (104)
ذَلِكَ مِنْ أَنبَآءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ
|
|
ذَلِكَ مِنْ
أَنبَآءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ (100)وَمَا
ظَلَمْنَهُمْ وَلَكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَآ أَغْنَتْ عَنْهُمْ
ءَالِهَتُهُمُ الَّتِى يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ مِن شَىْء لَّمَّا جَآءَ
أَمْرُ رَبِّكَ وَمَازَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيب(101) وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ
إِذَآ أَخَذَ الْقُرَى وَهِىَ ظَلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ(102)
إِنَّ فِى ذَلِكَ لاََيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الاَْخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ
مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ(103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ
إِلاَّ لاَِجَل مَّعْدُود(104) |
|
التّفسير |
|
في آيات هذه السورة تبيان
لقصص سبعة أقوام من الأقوام السابقين ولمحات من تأريخ أنبيائهم، وكل واحد منهم
يكشف للإِنسان قسماً جديراً بالنظر من حياته المليئة بالحوادث ويحمل بين جنبيه
دروساً من العبرة للإِنسان. وكلمة «قائم» تشير الى المدن والعمارات التي لا تزال باقية من الأقوام
السابقين، كأرض مصر التي كانت مكان الفراعنة ولا تزال آثار أُولئك الظالمين
باقية بعد الغرق، فالحدائق والبساتين وكثير من العمارات المذهلة قائمة بعدهم. وحيث أنّ هذا قانون
كلّي وعام فإنّ القرآن يقول مباشرةً (إِنّ في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة). |
|
الآيات(105) (108)
يَوْمَ يَأْتِ لاَتَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ
وَسَعِيدٌ
|
|
يَوْمَ يَأْتِ
لاَتَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ(105)
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِى النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106)
خَلِدِينَ فِيهَا مَادَامَتِ السَّمَوَتُ وَالاَْرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ
إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ(107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِى
الْجَنَّةِ خَلِدِينَ فِيهَا مَادَامَتِ السَّمَوَتُ وَالاَْرْضُ إِلاَّ
مَاشَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذ(108) |
|
التّفسير |
|
السّعادة
الشّقاوة:
|
|
أشير في الآيات المتقدّمة الى
مسألة القيامة واجتماع الناس كلّهم في تلك المحكمة العظيمة ... وهذه الآيات ـ
محل البحث ـ بيّنت زاوية من عواقب الناس ومصيرهم في ذلك اليوم، إِذ تقول الآيات
أوّلا: (يوم يأتي لا تكلّم نفسٌ إِلاّ بإذنه). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ هل أنّ
السعادة والشقاوة ذاتيان؟2 ـ واقع الانسان بين السعادة والشقاوة
|
|
أراد البعض أن يثبت من الآيات
المتقدمة ـ كما قلنا آنفاً ـ كون السعادة والشقاء ذاتيين، في حين أنّ الآيات
المتقدمة لا تدل على هذا الأمر فحسب، بل تثبت بوضوح كون السعادة والشقاء
اكتسابيين، إِذ تقول (فأمّا الذين شقوا) أو تقول (وأمّا
الذين سُعدوا) فلو كان كل من الشقاء والسعادة ذاتيين لكان ينبغي أن يُقال
«أمّا الأشقياء وأمّا السعداء» وما أشبه ذلك التعبير، ومن
هنا يتّضح بطلان ما جاء في تفسير الفخر الرازي ممّا مؤداه: «إِنّ هذه
الآيات تحكم من الآن أنّ جماعة في القيامة سعداء وجماعة أشقياء، ومن حكم الله
عليه مثل هذا الحكم ويعلم أنه في القيامة إِمّا شقي أو سعيد، فمحال عليه أن يغير
ذلك وإِلاّ للزم ـ في الآية ـ أن يكون ما أخبر الله به كذباً ويكون علمه جهلا!!
وهذا محال». ... فكل ذلك لا أساس له . |
|
3 ـ مسألة الخلود
في القرآن ، 4 ـ مفهوم الخلود في هذه الآيات ، 5 ـ ما معنى الإِستثناء في الآية؟
|
|
معنى «الخلود» لغة البقاء
الطويل، كما جاء بمعنى الأبد أيضاً، فكلمة «الخلود»
لا تعني الأبد وحده لأنّه تشمل كل بقاء طويل. الحلّ النهائي
للإِشكال ومن مجموع ما بيناه
نستنتج ما يلي: 4 ـ
مفهوم الخلود في هذه الآيات (نور
الأبصار للشبلنجي، ص 140 وكتاب الغدير، وكتب اُخرى.) |
|
5 ـ ما معنى
الإِستثناء في الآية؟
|
|
الجملة الإِستثنائية (إِلاّ ما شاء ربّك) التي وردت في الآيات المتقدمة في
أهل الجنّة وفي أهل النّار أيضاً، أضحت ميداناً واسعاً للمفسرين ومثاراً للبحث،
وقد نقل المفسّر الكبير الطبرسي في تفسير هذا الإِستثناء عشرة أوجه عن المفسّرين
القدامى، ونعتقد أنّ كثيراً من هذه الأوجه ضعيف ولا ينسجم مع الآيات السابقة أو
اللاحقة، ولذلك نغض النظر عنها، ونورد ما نراه صحيحاً
هنا، هو وجهان فحسب: وفي الجواب على هذا
السؤال أُجيب ـ أيضاً ـ بأنّ المؤمنين
المذنبين يدخلون النّار أوّلا ليتطهروا من
الذنوب، ثمّ يلتحقون بصفوف أهل الجنّة. 2 ـ
وقال آخرون: إنّ الزفير هو بداية صوت
الحمار والشهيق نهايته، ولعل هذا التّفسير لا تختلف عن التّفسير الأوّل كثيراً. وإذا لاحظنا أسباب السعاده
والشقاوة في الأحاديث المتقدمة وحقيقتهما وأثرهما البالغ في حياة البشر، وقارنّاهما مع الأسباب والمسائل الخرافية التي يعتقد
بها جمع كثير ـ حتى في عصرنا عصر الذّرة والفضاء ـ لوصلنا
الى هذا الواقع الذي يؤكّد أنّ التعاليم الإِسلامية منطقيّة ومدروسة الى
أقصى حد. |
|
الآيات(109) (112)
فَلاَ تَكُ فِى مِرْيَة مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاَءِ مَايَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا
يَعْبُدُ ءَابَآؤُهُم مِّن قَبْلُ
|
|
فَلاَ تَكُ فِى
مِرْيَة مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاَءِ مَايَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ
ءَابَآؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوص (109)
وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَبَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ
سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ
مُرِيب(110) وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَلَهُمْ
إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(111) فَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ
مَعَكَ وَلاَتَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(112) |
|
التّفسير |
|
الاستقامة
والثّبات:
|
|
هذه الآيات ـ في الحقيقة
ـ بمثابة تسلية لخاطر النّبي(صلى الله عليه
وآله وسلم)، كما أنّها نازلة لبيان وظيفته ومسؤوليته،
وفي الواقع إِنّ من أهم النتائج التي يُتوصل إِليها من القصص السابقة للأُمم
الماضية هي أن لا يكترث النّبي ومن معه من أتباعُه المؤمنون حقّاً من كثرة
الأعداء، ولا يخافوا منهم، ولا يشكّوا أو يتردّدوا في هزيمة عَبَدة الأصنام
والظالمين الذي يقفون بوجوههم، وأن يواصلوا طريقهم ويعتمدوا على الله واثقين به. لذلك يقول القرآن الكريم في
هذا الصدد: (فلاتكُ في مِرية ممّا يعبدُ هؤلاء ما
يعبدون إِلاّ كما يعبدُ آباؤهم)( «المِرية» على وزن «جِزيَة» كما تأتي على وزن
«قَرْيَة» ومعناها التردد في التصميم على أمر ما ... وقد قال البعض: إنّها تعني
الشكّ المقترن بالتُهمة، والجذر الأصلي لهذه الكلمة معناه عصر ثدي الناقة بعد
احتلابها. على أمل أن يكون شيء من اللبن لا يزال باقياً في الثدي، ولأنّ هذا
العمل منشؤهُ التردد والشك فلذلك أطلقت الكلمة على كل ما فيه شكّ وتردد.). كلمة «مريب» مشتقّة من «الريب» ومعناه الشكّ
المقترن بسوء الظن والنظرة السيئة والقرائن المخالفة، وعلى هذا فيكون
مفهوم هذه الكلمة أنّ عبدة الأصنام ما كانوا يترددون في مسألة حقيقة القرآن أو
نزول العذاب على المفسدين فحسب، بل كانوا يدّعون بأنّ لديهم قرائن تخالف ذلك
أيضاً. |
|
الآية(113) وَلاَ
تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن
دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
|
|
وَلاَ تَرْكَنُوا
إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ
مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ(113) |
|
التّفسير |
|
الرّكون
إِلى الظالمين:
|
|
إِنّ هذه الآية تبيّن واحداً
من أقوى وأهم الاسس والبرامج الإِجتماعية والسياسية والعسكرية والعقائدية،
فتخاطب عامة المسلمين ليؤدوا وظيفتهم القطعية فتقول: (ولا
تركنوا الى الذين ظلموا) والسبب واضح (فتمسكم
النّار وما لكم من دون الله من أولياء) ومعلوم عندئذ حالكم (ثمّ لا تُنصرون). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ
ما هو مفهوم الرّكون؟ وبالرغم من أنّ
المفسّرين أعطوا معاني كثيرة لهذه الكلمة في تفسيرهم للآية، ولكنّها في الغالب تعود الى مفهوم جامع وكلي فمثلا
فسّرها البعض بالميل، وفسّرها البعض بـ «التعاون»، وفسّرها
البعض بـ «إظهار الرضا»، وفسّرها آخرون بـ «المودّة»، كما فسرها جماعة بالطاعة وطلب الخير،
وكل هذه المعاني ترجع الى الإِعتماد والإِتكاء كما هو واضح. «وفي
بعض الأحيان حتى مع الإِجبار» لا يحق
له أن يراجع القاضي الظالم من أجل اكتساب حقّه، لأنّ مراجعة مثل هذا القاضي
الحاكم الجائر من أجل إِحقاق الحق مفهومها أن يعترف ضمناً برسميته وتقواه، ولعل
ضرر هذا العمل أكبر من الخسارة التي تقع نتيجة فقدان الحق. |
|
الآيتان(114) (115)
وَأَقِمِ الصَّلَوةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ الَّيْلِ إِنَّ
الْحَسَنَتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ
|
|
وَأَقِمِ
الصَّلَوةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ الَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَتِ
يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ(114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ
اللهَ لاَ يُضِيْعُ أَجْرَ الُْمحْسِنِينَ(115) |
|
التّفسير |
|
الصلاة
والصبر:
|
|
هذه الآيات تشير الى أمرين من
أهمّ الأوامر الإِسلامية، وهما في الواقع روح الإِيمان وقاعدة الإِسلام، فيأتي
الأمر أوّلا بالصلاة (وأقم الصّلاة طرفي النهار وزلفاً
من الليل). غموض الإِجابة دعا
بعض المفسّرين لانّ يتوسع في معنى (طرفي النهار)ليشمل صلاة الصبح والظهر والعصر والمغرب
أيضاً. وبالتعبير بـ(وزُلفاً من الليل)الذي يشير
الى صلاة العشاء تكون جميع الصلوات الخمس قد دخلت في الآية! |
|
الأهميّة
القصوى للصلاة:
|
|
تلاحظ في الرّوايات المنقولة
عن النّبي(ص) والأئمّة الطاهرين(ع)تعبيرات تكشف عن الأهمية الكبرى للصلاة في نظر
الإِسلام. فقلت له: ولمَ يا رسولَ الله؟ |
|
أرجى
آية في القرآن:
|
|
ينقل في تفسير الآية ـ محل
البحث ـ حديث طريف عن الإِمام علي(ع) بهذا المضمون، وهو أنّه التفت مرّة الى
الناس وقال: «أي آية في كتاب الله أرجى عندكم»؟! |
|
الآيتان(116) (117)
فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّة يَنْهَوْنَ
عَنِ الْفَسَادِ فِى الاَْرْضِ
|
|
فَلَوْلاَ كَانَ
مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّة يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ
فِى الاَْرْضِ إِلاَّ قَلِيلا مِّمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ
الَّذِينَ ظَلَمُوا مَآ أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ(116) وَمَا
كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْم وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ(117) |
|
التّفسير |
|
عامل
الإِنحراف والفساد في المجتمعات:
|
|
من أجل إِكمال البحوث السابقة
ذكر في هاتين الآيتين أصل أساسي اجتماعي يضمن نجاة المجتمعات من الفساد، وهو
أنّه مادام هناك في كل مجتمع طائفة من العلماء المسؤولين والملتزمين الذين
يحاربون كل اشكال الفساد والانحراف، ويأخذون على عاتقهم قيادة المجتمع فكرياً
وثقافياً ودينياً، فإِنّ هذا المجتمع سيكون مصوناً من الزيغ والانحراف. |
|
الآيتان(118) (119)
وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَحِدَةً وَلاَيَزَالُونَ
مُخْتَلِفِينَ(118) إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ
|
|
وَلَوْ شَآءَ
رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَحِدَةً وَلاَيَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ(118)
إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ
لاََمْلاََنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(119) |
|
التّفسير |
|
في الآية الأُولى محل البحث إِشارة الى واحدة من سنن الخلق والوجود والتي
تمثّل اللبنات التحتيّة لسائر المسائل المرتبطة بالإِنسان ... وهي مسألة
الإِختلاف والتفاوت في بناء الإِنسان روحاً وفكراً وجسماً وذوقاً وعشقاً، ومسألة
حرية الإِرادة والإِختيار. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ حرية
الإِرادة هي أساس خلق الإِنسان ودعوة جميع الأنبياء، وأساساً لا يستطيع الإِنسان
بدونها أن يخطو ولو خطوة واحدة في مسير التكامل «التكامل الإِنساني والمعنوي»
ولهذا فقد أكّدت آيات متعددة على أنّه لو شاء الله أن يهدي الناس بإِجباره لهم
جميعاً لفعل، لكنّه لم يشأ. |
|
الآيات(120) (123)
وَكُلاًَّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ
فُؤَادَكَ
|
|
وَكُلاًَّ نَّقُصُّ
عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَآءَكَ فِى
هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ(120) وَقُل لِّلَّذِينَ
لاَيُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَمِلُونَ
(121)وَانتَظِروا إِنَّا مُنتَظِرُونَ(122) وَللهِ غَيْبُ السَّمَوَتِ
وَالاَْرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الاَْمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ
عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَفِل عَمَّا تَعْمَلُونَ(123) |
|
التّفسير |
|
أربع
معطيات لقصص الماضين:
|
|
بانتهاء هذه الآيات تنتهي
سورة هود، وفي هذه الآيات استنتاج كلي لمجموع بحوث هذه السورة، وبما أنّ القسم
الأهمّ من هذه السورة يتناول القصص التي تحمل العبر من سيره الأنبياء والأُمم
السابقة، فإنّ هذه القصص تعطي نتائج قيّمة ملخّصة في أربعة مواضيع. |
|
ملاحظات |
|
1 ـ علم ا لغيب
خاص بالله...
|
|
كما تحدثنا
بالتفصيل في تفسير الآية (188) من سورة
الأعراف، وفي تفسير الآية (50) من سورة الأنعام،
أنه لا مجال للتردد في أن الإِطلاع على الأسرار الخفية أو الأسرار الماضية
والآتية كله خاص بالله ... والآيات المختلفة من القرآن تؤكّد هذه الحقيقة
وتؤيدها أيضاً ... إِنّه ليس كمثله شيء وهو متفرد بهذه الصفة. وبهذا البيان تتّضح
الإِجابة على المنتقدين لعقيدة الشيعة في مجال على الغيب حيث يرون أنّ الأنبياء
والأئمة(عليهم السلام) يعلمون الغيب. |
|
2 ـ العبادة لله
وحده
|
|
في الآية المتقدمة دليل لطيف على أنّ العبادة لله وحده، وهو أنّه لو كانت
العبادة من أجل العظمة وصفات الجمال، والجلال فهذه الصفات قبل كل شيء موجودة في
الله، وأمّا الآخرون فلا شيء بالنسبة إِليه. وأكبر دليل على عظمة الله علمه
الواسع غير المحدود وقدرته اللامتناهية، وقد أشارت
الآية الآنفة إلى أنّهما مختصّان بالله. |
|
إِنّ
سير الإِنسان في طريق عبودية الله، لُخِّصَ كلّه في جملتين(فاعبده وتوكل عليه)
|
|
3 ـ
قال بعض المفسّرين: إِنّ سير الإِنسان في طريق عبودية الله، لُخِّصَ كلّه في جملتين في هذه الآية (فاعبده
وتوكل عليه) لأنّ العبادة سواء كانت عبادة جسمانية كالعبادة العامّة، أو
عبادة روحانية كالتفكّر في خلق الله ونظام أسرار الوجود، هي بداية هذا السير. نهاية سُورَة هُود |
|
|
|
|
سُورَة
هُود مَكيَّة وَعَدَدُ آياتِهَا مَائة وثلاث وعشرون آياتْ
|
|
«سورة
هود(عليه السلام) » |
|
محتوى
هذه السّورة وفضيلتها!
|
|
المشهور بين المفسّرين أنّ هذه السورة بأكملها نزلت
بمكّة .. وطبقاً لما ورد في «تاريخ القرآن» أنّها
السورة التاسعة والأربعون في ترتيب السور
النازلة على المرسل(صلى الله عليه وآله وسلم). |
|
التّأثير
المعنوي لهذه السّورة:
|
|
أمّا بالنسبة
لفضيلة هذه السورة، فقد ورد في
حديث شريف عن النّبي(ص)أنّه قال: «من قرأ هذه
السورة أعطي من الأجر والثواب بعدد من صدّق هوداً والأنبياء(عليهم السلام)ومن
كذب بهم وكان يوم القيامة في درجة الشهداء وحوسب حساباً يسيراً»( تفسير البرهان، ج 2، ص 206.). |
|
الآيات(1) (4) الر
كِتَبٌ أُحْكِمَتْ ءَايَتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيم خَبِير
|
|
الر كِتَبٌ
أُحْكِمَتْ ءَايَتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيم خَبِير(1)أَلاَّ تَعْبُدُواْ
إِلاَّ اللهَ إِنَّنِى لَكُمْ مِّنْهُ نُذِيزٌ وَبَشِيرٌ(2) وَأَنِ
اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَعاً
حَسَناً إِلَى أَجَل مُّسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِى فَضْل فَضْلَهُ وَإِن
تَوَلَّوْاْ فَإِنِّى آَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يُوْم كَبِير(3) إِلَى اللهِ
مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ(4) |
|
التّفسير |
|
الاصول
الاربعة في دعوة الأنبياء:
|
|
تبدأ هذه السورة ـ كما في
بداية السورة السابقة وسائر سور القرآن ـ ببيان أهمية
الكتاب العزيز المنزل من السماء، ليلتفت الناس إِلى محتوياته أكثر ويتفكروا فيه
بنظرة أدق. |
|
علاقة
الدين بالدنيا:
|
|
مايزال الكثير يظنون أن
التدين هو العمل لعمارة الآخرة والسعادة بعد الموت،
وأنّ الأعمال الصالحة هي الزاد والمتاع للدار الآخرة ..
ولا يكترثون أبداً بأثر الدين الأصيل في الحياة الدنيا على
حين أن الدين الصحيح في الوقت الذي يعمر الدار الآخرة يعمر «الدنيا» أيضاً ..
وطبيعي إِذا لم يكن للدين أي تأثير على هذه الحياة
الدنيا فلا تأثير له في الحياة الأُخرى أيضاً. ويفهم البعض أنّ صلة هذه المواهب المادية في الدنيا مع الإِستغفار
والتطهر من الذنوب معنوية وغير معروفة، في حين
أنّه لا دليل على ذلك، بل الصلة بينهما ظاهرة معروفة. |
|
الآية(5) أَلاَ
إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ
مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ
|
|
أَلاَ إِنَّهُمْ
يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ
ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ
الصُّدُورِ(5) |
|
التّفسير |
|
اختلف بعض المفسّرين في شأن نزول الآية، فقيل أنّها نزلت في أحد المنافقين
واسمه «الأخنس بن شريق» الذي كان ذا لسان ذلق ومظهر جميل، وكان يُبدي للنّيي(ص) الحب
ظاهراً لكنّه كان يخفي العداوة والبغضاء في الباطن. ومن أجل أن نفهم الآية فهماً دقيقاً ينبغي
أن تتضح لنا كلمة «يثنون» بجلاء فهي من مادة «ثني» وهي في الأصل تعني ضم
أقسام الشيء بعضها إِلى بعض، فمثلا في طي قطعة القماش
والثوب يقال «ثنى ثوبه» وإِنّما يقال للشخصين
على سبيل المثال: إِثنان، فلأجل أن انضمّ واحد إِلى جانب الآخر، ويقال
للمادحين «مثنون» كذلك، لأنّهم يعدون الصفات
البارزة واحدة بعد الأُخرى. |
|
الآية(6) وَمَا مِن
دَآبَّة فِى الأرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا
وَمُسْتُوْدَعَهَا
|
وَمَا مِن دَآبَّة
فِى الأرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا
وَمُسْتُوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كَتَاب مُّبِين (6) |
|
التّفسير |
|
جميع
الاحياء ضيوف مأدبته:
|
|
|
الآية السابقة أشارت إِلى سعة
علم الله وإِحاطته بالسر وما يخفون وما يعلنون، والآية محل البحث تُعدّ دليلا
على تلك الآية المتقدمة، فإِنّها تتحدث عن الرازق لجميع
الموجودات ولايمكن يتمّ ذلك إلاّ بالإحاطة الكاملة بجميع العالم وما فيه
.. |
|
أبحاث مهمّة في مسألة «الرزق»، ونأخذ بنظر الإِعتبار ـ
هنا ـ قسماً منها:!
|
|
1 ـ بالرغم من أنّ كلمة «دابّة»
مشتقة من مادة «دبيب» التي تعني السير ببطء
وبخطى قصيرة، ولكنّها من الناحية اللغوية تشمل
كل حيوان يتحرك في سيرة ببطء أو بسرعة، فنرى كلمة الدابة تطلق على الفرس وعلى كل
حيوان يركب عليه، وواضح أنّ الكلمة في هذه الآية ـ محل البحث ـ تشمل جميع
الحيوانات الموجودة على سطح الأرض بما فيها الحيوانات التي تدبّ في سيرها .. 1 ـ «الرزق» ـ كما قلنا آنفاً ـ يعني في اللغة العطاء المستمر والدائم، وهو أعم من أن
يكون رزقاً ماديّاً أو معنوياً .. فعلى هذا كل ما يكون فيه نصيب للعباد من قبل
الله وينتفعون منه ـ من مواد غذائية ومسكن وملبس أو علم وعقل وفهم وإِيمان
وإِخلاص ـ يسمى رزقاً، ومن ظنّ أن مفهوم الرزق خاص
بالجوانب المادّية لم يلتفت إِلى موارد استعماله في القرآن الكريم بدقة ..
فالقرآن يتحدث عن الشهداء في سبيل الله بأنّهم .. (أحياء
عند ربّهم يرزقون)( سورة آل عمران، 169.). إِنّ آيات القرآن والأحاديث الإِسلامية تحذر هذا النمط من الناس ألاّ
يمدّوا أيديهم وأرجلهم عبثاً، وألاّ يطلبوا الرزق من طرق غير مشروعة ولا معقولة،
بل يكفي أن يسعوا لتحصيل الرزق عن طريق مشروع، والله سبحانه يضمن لهم الرزق
فالله الذي لم ينسهم في ظلمة الرحم. |
|
الآية(7) وَهُوَ
الَّذىِ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّام وَكَانَ عَرْشُهُ
عَلَى الْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ
أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا
|
|
وَهُوَ الَّذىِ
خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّام وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى
الْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم
مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ
هَذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ(7) |
|
التّفسير |
|
الهدف
من الخَلق:
|
|
في هذه الآية بُحثت ثلاث نقاط
أساسية: |
|
المطلب الأوّل: يبحث عن خلق عالم الوجود ـ وخصوصاً بداية الخلق ـ الذي
يدل على قدرة الله وعظمته سبحانه (وهو الذي خلق
السماوات والأرض في ستة أيّام ...). |
|
الآيات(8) (11)
ولَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّة مَّعْدُودَة لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يُوْمَ يَأْتِيهِمْ
|
|
ولَئِنْ أَخَّرْنَا
عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّة مَّعْدُودَة لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ
أَلاَ يُوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا
كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ(8) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَنَ مِنَّا رَحْمَةً
ثُمَّ نَزَعْنَها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤسٌ كَفُورٌ(9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ
نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاَتُ عَنِّى
إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ(10) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ
الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ(11) |
التّفسير |
|
استيعاب
المؤمنين وعدم استيعاب غيرهم:
|
|
في هذه الآيات ـ وبمناسبة البحث السابق عن غير المؤمنين ـ بيان لزوايا الحالات النفسية ونقاط الضعف في أخلاق هؤلاء
الأفراد والتي تجبر الإِنسان إِلى هاوية الظلام والفساد. |
|
بحوث
|
|
|
1 ـ الأُمّة
المعدُودَة وأصحاب المهدي(عليه السلام):
|
|
في روايات عديدة وصلتنا عن
أهل البيت(عليهم السلام) أنّ الأُمّة المعدودة تعني النفر القليل، وفيها إِشارة
إِلى أصحاب المهدي(عليه السلام) وأنصاره، وعلى هذا يكون
معنى الآية: إِذا ما أخرنا العذاب عن الظالمين والمسيئين إِلى ظهور
المهدي وأصحابه، فإِنّ أُولئك الظالمين يقولون: أي شيء يقف أمام عذاب الله
فيحبسه عنّا! |
|
2 ـ أربع ظواهر
لضيق الافق الفكري
|
|
رسمت الآيات المتقدمة ثلاث
حالات مختلفة من حالات المشركين والمسيئين، وقد ورد في
ضمنها أربعة أوصاف لهم: والثّالث: إِنّه إِذا غرق بالنعمة أو نال أقلّ نعمة، فهو ـ على العكس من الحالة السابقة ـ ينسى نفسه وينسى
كل شيء ويغفل بما ناله من اللّذة والنشاط، فيغدو ثملا مغروراً وينجر إِلى الفساد
والتجاوز على حدود الله. |
|
3 ـ معيار الضعف
النفسي
|
|
والمسألة الدقيقة
الأُخرى التي ينبغي الإِلتفات إِليها، هي
أنّه في الموردين (مورد سلب النعمة بعد إِسباغها ومورد
إِسباغ النعمة بعد سلبها) أشير بكلمة «أذقنا» المشتقّة
من «الإِذاقة» ويراد بها أن نفوس هؤلاء المشركين ضعيفة إِلى درجة أنّهم
لو أعطوا نعمة قليلة ثمّ سُلبت منهم يضجرون وييأسون، كما أنّهم إِذا ذاقوا نعمة
بعد شدة يفرحون ويغترّون بها. |
|
4 ـ النِعَمُ
جميعُها مواهب:
|
|
الطريف أنّه في الآية الأُولى عبّر عن النعمة بالرحمة (ولئن أذقنا الإِنسان منَّا رحمة) وفي الآية الثّانية ورد كلمة «النعمة» نفسها، ويمكن أن
تكون إِشارة إِلى أنّ نعم الله جميعها تصل إِلى الإِنسان عن طريق التفضل والرحمة لا عن
طريق الإِستحقاق، وإِذا كان الأصل أن تكون النعمة على حسب الإِستحقاق،
فإِنّ جماعة قليلة ستنالها، أو أن أية جماعة لن تنالها أبداً. |
|
5 ـ أثران
للاعمال الحسنة
|
|
في آخر آية ـ من الآيات محل البحث ـ وعدٌ
بالمغفرة ـ للأفراد المؤمنين الذين يتمتعون بالإِستقامة ـ ووعد بالأجر الكبير أيضاً جزاءاً لأعمالهم الصالحة، فهي إِشارة إِلى أنّ الأعمال الصالحة لها أثران: |
|
الآيات(12) (14)
فَلَعَلَّكَ تَارِكُ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن
يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ
عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ....
|
|
فَلَعَلَّكَ
تَارِكُ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ
لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَآ أَنتَ
نَذِيرٌ وَالله عَلَى كُلِّ شَىْء وَكِيلٌ(12) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ
فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَر مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَت وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم
مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ(13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ
فَاعْلَمُواْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ
فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ(14) |
|
سبب النّزول
|
|
وردت في شأن نزول الآيات
المتقدمة روايتان، ويحتمل أن تكون كليهما صحيحتين جميعاً. |
|
التّفسير |
|
القرآن
المعجزة الخالدة:
|
|
يبدو من هذه الآيات أنّ
النّبي كان يوكل إِبلاغ الآيات ـ نظراً للجاجة الأعداء ومخالفتهم ـ لأخر فرصة،
لذا فإِنّ الله سبحانه ينهي نبيّه في أوّل آية نبحثها
عن ذلك بقوله: (فلعلك تارك بعض ما يوحى إِليك وضائق به
صدرك) لئلا يطلبوا منك معاجز مقترحة كنزول كنز من السماء، أو مجيء
الملائكة لتصديقه (أنْ يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو
جاء معه ملك). |
|
بحوث
|
|
|
|
1 ـ
من المعلوم أنّ كلمة «لعلّ» تأتي لإِظهار الرجاء لعمل شيء ما وتحققه، ولكن «لعل» هنا جاءت بمعنى
النهي، وهي تماماً مثل مايريد الأب مثلا أن ينهي ولده فيقول له: لعلك ترافق فلاناً فأنت حينئذ غيرمهتم
للعاقبة، فمعنى الكلام هنا: لا ترافق فلاناً لأن
صحبته تضرك. في الآيات ـ محل
البحث ـ يؤكّد الله سبحانه على النّبي ألاّ يؤخر إِبلاغه الوحي
خوفاً من تكذيب المخالفين أو طلبهم معجزات مقترحة من قبلهم. ألف ـ يعتقد البعض أنّ هذا
التفاوت من قبيل التنازل من مرحلة عُليا إِلى
مرحلة أقل على سبيل المثال، أن يقول قائل لآخر:
إِذا كنتَ ماهراً مثلي في فن الكتابة والشعر فاكتب كتاباً ككتابي وهات ديوان شعر
كديواني، ثمّ يتنازل ويقول فهات فصلا مثل فصول
كتابي، إِلى أن يتحدّاه بأن يأتي بصفحة مثل صفحاته. ومن جهة أُخرى فإِنّ السورة في الأصل تعني «المجموعة
المحدودة»، فيكون إِطلاقها على مجموعة آيات صحيحاً وإِن لم يكن ذلك غير جار في الإِصطلاح العرفي. وقال بعض
المفسّرين: المخاطب بالآية هو. «المنكرون» أي: أيّها المنكرون إذا لم يستجب الناس
لكم وكل ما دعوتم من دون الله، ولم يقدروا على الإتيان بعشر سور فاعلموا أنّ
القرآن نازل من قِبل الله . |
|
الآيتان(15) (16) مَن
كَانَ يُرِيدُ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ
أَعْمَلَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا
لاَ يُبْخَسُونَ
|
|
مَن كَانَ يُرِيدُ
الْحَيَوةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَلَهُمْ فِيهَا
وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ(15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى
الأَخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا
كَانُواْ يَعْمَلُونَ(16) |
|
التّفسير |
|
الآيات أعلاه أكملت الحجة مع «دلائل إِعجاز القرآن» على المشركين
والمنكرين، ولكن جماعة منهم امتنعوا عن القبول ـ لحفظ منافعهم الشخصيّة ـ
بالرّغم من وضوح الحق، فالآيات هذه تشير إِلى مصير
هؤلاء فتقول: (من كان يريد الحياة الدنيا
وزينتها) من رزق مادي وشهرة وتلذذ بالنعم (نُوَفِّ إليهم)نتيجة (أعمالهم فيها) في هذه الدنيا (وهم فيها
لايبخسون) أي لا ينقص من حقهم شيء في الدنيا! |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ
من الممكن أن يُتصور في البداية أنّ
الآيتين محل البحث متعارضتان، فالآية الأُولى تقول:
إِن من كان هدفه الحياة الدنيا فإِنّه سينال جزاءه فيها كاملا غير منقوص (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إِليهم أعمالهم فيها
وهم فيها لايبخسون) أمّا الآية الثّانية فتقول إِن
أعماله تكون بلا أثر وباطلة: (وحبط ما صنعوا فيها وباطل ماكانوا يعملون). 3 ـ
ذكر كلمة «الباطل» بعد كلمة «الحبط» يمكن أن تكون إِشارة إِلى أن أعمالهم لها ظاهر بدون محتوى، ولذلك تذهب
نتيجتها أدراج الرياح. |
|
الآية(17) أَفَمَن
كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهْدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ
كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً
وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ
|
|
أَفَمَن كَانَ
عَلَى بَيِّنَة مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهْدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ
كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ
بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مُوْعِدُهُ فَلاَتَكُ فِى مِرْيَة مِّنْهُ
إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ(17) |
|
التّفسير |
|
هناك أقوال كثيرة ـ
في تفسير الآية أعلاه ـ بين المفسّرين، ولهم نظرات مختلفة في جزئيات الآية وكلماتها وضمائرها
والأسماء الموصولة فيها وأسماء الإِشارة، وما نُقلَ
عنهم يخالف طريقتنا في هذا التّفسير، ولكنّ تفسيرين
منها أشد وضوحاً من غيرهما ننقلهما هنا على حسب الأهميّة: |
|
1 ـ في بداية
الآية يقول الحق سبحانه:
|
|
(أفمن كان على بينة من ربّه ويتلوه شاهد منه) أي من الله تعالى (ومن قبله
كتاب موسى إماماً ورحمة ...). أي التوراة التي تويّد صدقه وعظمته، مثل هذا الشخص هل يستوي ومن لا يتمتع بهذه الخصال والدلائل
البينة. |
|
2 ـ التّفسير
الثّاني لهذه الآية
|
|
2 ـ
التّفسير الثّاني لهذه الآية هو أنّ
هدفها الأصل بيان حال المؤمنين الصادقين الذين يؤمنون بالنّبي(ص) مع وجود
الدلائل الواضحة والشواهد على صدق دعوة النّبي(ص) وما جاء في الكتب السماوية
السابقة في شأنه، فأُولئك هم المؤمنون، واستناداً إِلى هذه الدلائل جميعاً
يؤمنون به (ص)، فعلى هذا يكون المقصود من قوله: (أفمن
كان على بيّنة من ربّه) جميع الذين لديهم دلائل مقنعة، حيث سارعوا إِلى
الإِيمان بالقرآن ومن جاء به، وليس المقصود بكلمة «مَن»
في الآية هو النّبي. |
|
بحوث
|
|
1 ـ ما المقصود
«بالشاهد» في الآية ؟!
|
|
قال بعض المفسّرين: إِن المقصود بالشاهد هو جبرئيل(ع)أمين وحي الله، ومنهم
من فسّره بالنّبي(ص)، ومنهم من قال: إِنّ معناه لسان النّبي(صلى الله عليه وآله
وسلم) في حالة فهم معنى «يتلو» من التلاوة أي القراءة، لا بمعنى التلّو الذي
معناه مجيء شخص بعد آخر. |
|
2 ـ لماذا أُشير
إِلى التوراة فحسب ؟!
|
|
إِن واحداً من دلائل حقانية
النّبي كما ذُكر في الآية الآنفة ـ الكتب السابقة على نبوة النّبي(ص)، ولكن لم
تذكر الآية من بينها سوى التوراة، ونحن نعرف أن الإِنجيل بشّر بظهور نبي
الإِسلام أيضاً. |
|
3 ـ من هو
المخاطب في قوله: (فلا تك في مرية منه)؟
|
|
هناك احتمالان في
من هو المخاطب بهذه الآية: |
|
الآيات(18) (22)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ
عَلَى رَبِّهِمْ
|
|
وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ
وَيَقُولُ الأَشْهَدُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ
لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّلِمِينَ(18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ
وَيَبْغُونَهَا عِوجاً وَهُم بِالأَخِرَةِ هُمْ كَفِرُونَ(19) أُوْلَئِكَ لَمْ
يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِى الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ
أَوْلِيَآءَ يُضَعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ
وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ(20)أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ
وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ(21) لاَجَرَمَ أَنَّهُمْ فِى
الاءَخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ(22) |
|
التّفسير |
|
أخسر
النّاس أعمالاً:
|
|
بعد الآية المتقدمة التي كانت
تتحدث عن القرآن ورسالة النّبي محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)تأتي آيات أُخر
تشرح عاقبة المنكرين وعلاماتهم ومآل أعمالهم. |
|
الآيتان(23) (24)
إِنَّ الَّذِينَ ءاَمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى
رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ
|
|
إِنَّ الَّذِينَ
ءاَمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ
أصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ(23) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ
كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا
أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ(24) |
|
التّفسير |
|
تعقيباً على الآيات المتقدمة التي أوضحت حال منكري الوحي، تأتي الآيتان هنا لتوضحا من في قبالهم، وهم المؤمنون حقّاً. |
|
ملاحظتان
|
|
1 ـ
بيان هذه الأوصاف الثلاثة وهي «الإِيمان» و«العمل الصالح» و«التسليم والخضوع والإِخبات إِلى دعوة الحق» إِنّما هو
بيان أُمور واقعية ترتبط بعضها ببعض، لأنّ العمل الصالح
ثمرة من شجرة الإِيمان، فالإِيمان الذي ليس فيه مثل هذه الثمرة إِيمان ضعيف ولا قيمة له ولا يحسب له حساب، وكذلك
التسليم والإِنقياد والخضوع والإِطمئنان لما وعد الله سبحانه، كل ذلك من آثار الإِيمان والعمل
الصالح .. لأنّ الإِعتقاد الصحيح والعمل النقي أساس
وجود هذه الصفات والملكات العالية في المحتوى الداخلي للإنسان. |
|
الآيات(25) (28)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ(25)
|
|
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا
نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ(25) أن لاَّ تَعْبُدُواْ
إِلاَّ اللهِ إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يُوْم أَلِيم (25) فَقَالَ
الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً
مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا
بَادِىَ الرَّأْىِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْل بَلْ نَظُنُّكُمْ
كَذِبِينَ(27) قَالَ يَاقُوْم أَرَءَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَة مِّن
رَّبِّى وَأَتَنِى رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا
وَأَنتُمْ لَهَا كَرِهُونَ(28) |
|
التّفسير |
|
قصّة
نوح المثيرة مع قومه:
|
|
تقدم أنّ هذه السورة تحمل بين
ثناياها قصص الأنبياء السابقين وتأريخهم، وذلك لإِيقاظ أفكار المنحرفين
والإِلتفات إِلى الحقائق وبيان العواقب الوخيمة للمفسدين الفجار. وأخيراً بيان طريق النصر والموفقية. |
|
أجاب
أُولئك دعوة نوح بثلاثة إِشكالات:
|
|
الأوّل: إِنّ الإِشراف والمترفين من قوم نوح(عليه السلام) قالوا
له أنت مثلنا ولا فرق بيننا وبينك: (فقال الملأ الذين
كفروا من قومه ما نراك إلاّ بشراً مثلنا) زعماً منهم أن الرسالة الإِلهية
ينبغي أن تحملها الملائكة إِلى البشر لا أن البشر يحملها إِلى البشر! وظنّاً
منهم أنّ مقام الإِنسان أدنى من مقام الملائكة، أو أنّ الملائكة تعرف حاجات
الإِنسان أكثر منه. وقد اختلف
المفسّرون في جواب نوح(عليه السلام) هذا لأي من الإِشكالات الثّلاثة هو؟ ولهم في ذلك أقوال.. ولكن مع التدبر في الآية يتّضح أنّ هذا الجواب يمكن أن يكون
جواباً للإِشكالات الثلاثة بأسرها. |
|
الآيات(29) (31)
وَيَقَوْمِ لآ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالا إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى اللهِ
وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ أَمَنُواْ
|
|
وَيَقَوْمِ لآ
أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالا إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَمَآ أَنَاْ
بِطَارِدِ الَّذِينَ أَمَنُواْ إِنَّهُم مُّلَقُواْ رَبِّهِمْ وَلَكنِّى أَرَاكُمْ
قَوْماً تَجْهَلُونَ(29) وَيَقُوْمِ مَن يَنصُرُنِى مِنَ اللهِ إِن طَرَدتُّهُمْ
أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ(30) وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآئِنُ اللهِ وَلاَ
أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّى مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلِّذِينَ
تَزْدَرِى أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِمَا فِى
أَنفُسِهِمْ إِنِّى إِذاً لَّمِنَ الظَّلِمِينَ(31) |
|
التّفسير |
|
ما
أنا بطارد الذين آمنوا:
|
|
في الآيات المتقدمة رأينا أنّ
قوم نوح «الأنانيين» كانوا يحتالون بالحجج الواهية والاشكالات غير المنطقية على
نوح وأجابهم ببيان جليّ واضح |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ أولياء اللّه
ومعرفة الغيب
|
|
الإِطلاع على الغيب مطلقاً ـ
كما أشرنا إِليه مراراً ـ وبدون أي قيد وشرط هو من خصوصيّات
الله سبحانه، ولكنّه يُطلع أنبياءَه وأولياءه على الغيْب بقدر ما يراه مصلحة كما نرى الإِشارة إِليه في الآيتين (26 و 27) من سورة الجن (عالم الغيب فلا يُظهر على غيبه أحداً، إلاّ من ارتضى من رسول
فإِنّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً). |
|
2 ـ مقياس معرفة
الفضيلة:
|
|
مرّة أُخرى نواجه الواقعية في
هذه الآيات، وهي أن أصحاب الثروة والقوة وعبيد الدنيا
المادييّن يرون جميع الأشياء من خلال نافذتهم المادية .. فهم يتصورون أنّ الإِحترام والشخصيّة هما ثمرة وجود
الثروة والمقام والحيثيات فحسب، فلا ينبغي التعجب من أن يكون المؤمنون الصادقون
الذين خلت أيديهم من المال والثروة في قاموسهم «أراذل» وينظرون إِليهم بعين
الإِحتقار والإِزدراء. |
|
3 ـ معنى علم
الغيب في القرآن
|
|
هناك بعض المفسّرين كصاحب «المنار» حين يصل إِلى
هذه الآية يقول لمن يدعي أن علم الغيب لا يختصّ بالله، أو يطلب حلّ
المشاكل من سواه، يقول في جملة قصيرة: إِنّ هذين الأمرين ـ علم الغيب وخزائن الله ـ قد نفاهما القرآن عن الأنبياء، لكن أصحاب البدع من المسلمين وأهل الكتاب يثبتونهما
للأولياء والقديسين(المنار، ج12، ص 67.). |
|
الآيات(32) (35)
قَالُواْ يَنُوحُ قُدْ جَادَلْتَنَا فَأكْثَرْتَ جِدَلَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ
إِن كُنتَ مِنَ الصَّدِقِينَ
|
|
قَالُواْ يَنُوحُ
قُدْ جَادَلْتَنَا فَأكْثَرْتَ جِدَلَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ
مِنَ الصَّدِقِينَ(32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللهُ إِن شَآءَ وَمَآ
أَنتُم بِمُعْجِزِينَ(33) وَلاَ يَنْفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدتُّ أَنْ
أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللهُ يُريدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ
وَإِلَيهِ تُرْجَعُونَ(34) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ
فَعَلَىَّ إِجْرَامِى وَأَنَاْ بَرِىءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ(35) |
|
التّفسير |
|
كفانا
الكلام فأينَ ما تعدنا به؟!
|
|
الآية الأُولى من
الآيات اعلاه تتحدث عن قوم نوح(ع) أنّهم: (قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا) فأين ما
تعدنا به من عذاب الله (فأتنا بما تعدنا إِن كنت من
الصادقين) وهذا الأمر يشبه تماماً عندما ندخل في جدال مع شخص أو أشخاص
ونسمع منهم تهديداً ضمنياً حين المجادلة فنقول:
كفى هذا الكلام الكثير!! إِذهبوا وافعلوا ما شئتم ولا تتأخروا، فمثل هذا الكلام
يشير إِلى أنّنا لا نكترث بكلامهم ولا نخاف من تهديدهم، ولسنا مستعدين أن نسمع
منهم كلاماً أكثر. فاختيار هذه
الطريقة إِزاء كل ذلك اللطف وتلك المحبّة
من قبل أنبياء الله ونصائحهم التي تجري كالماء الزلال على القلوب، إنّما تحكي عن
مدى اللجاجة والتعصب الأعمى لدى تلك الأقوام. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ
«الإِجرام» مأخوذ من مادة «جرم» على وزن «جهل» وكما أشرنا إِلى ذلك ـ سابقاً ـ فإِنّ معناه قطف الثمرة غير الناضجة، ثمّ أُطلقت على كل
ما يحدث من عمل سيء، وتطلق على من يحث الآخر على الذنب أنّه أجرم، وحيث أن
الإِنسان له إرتباط في ذاته وفطرته مع العفاف والنقاء، فإِنّ الإِقدام على
الذنوب يفصل هذا الإِرتباط الإِلهي منه. |
|
الآيات(36) (39)
وَأُوحِىَ إِلَى نُوح أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ
ءاَمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ
|
|
وَأُوحِىَ إِلَى
نُوح أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ ءاَمَنَ فَلاَ
تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ(36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأعْيُنِنا
وَوَحْيِنا وَلاَ تُخَطِبْنِى فِى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُمْ
مُغْرَقُونَ(37) ويَصْنَعِ الفُلْكَ كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلاٌَ مِّن
قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ
مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ(38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ
يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ(39) |
|
التفسير |
|
بداية
النّهاية:
|
|
إِنّ قصّة نوح عليه السلام
الواردة في آيات هذه السورة، بُيّنت بعدّة عبارات وجمل، كل جملة مرتبطة
بالأُخرى، وكل منها يمثل سلسلة من مواجهة
نوح(عليه السلام)في قبال المستكبرين، ففي الآيات
السابقة بيان لمرحلة دعوة نوح(ع) المستمرة والتي كانت في غاية الجدية،
وبالإِستعانة بجميع الوسائل المتاحة حيث استمرت سنوات طوالا ـ آمنت به جماعة قليلة
.. قليلة من حيث العدد وكثيرة من حيث الكيفية والإِستقامة. وفي الآيات محل البحث إِشارة إِلى المرحلة
الثّالثة من هذه المواجهة، وهي مرحلة انتهاء دورة التبليغ والتهيؤ للتصفية
الإِلهية. ومنهم من يقول: حسناً تصنع السفينة، فينبغي أن تصنع لها بحراً، أرأيت
إِنساناً عاقلا يصنع السفينة على اليابسة. ومنهم من يقول: واهاً لهذه السفينة
العظيمة، كان بإِمكانك أن تصنع أصغر منها ليمكنك سحبها إِلى البحر. |
|
ملاحظات |
|
1 ـ التصفية لا
الإِنتقام
|
|
يستفاد من الآيات المتقدمة
أنّ عذاب الله يفتقد جنبة الإنتقام، لأنّه عبارة
عن تصفية نوع من البشر وزوالهم لعدم جدارتهم بالحياة، وليبقى الصالحون من
بعدهم.. إِنّ مثل هؤلاء المستكبرين الفاسدين والمفسدين لا
أمل بإِيمانهم، ولا حق لهم في الحياة في نظر نظام الخلق، وهكذا كان قوم
نوح لأنّ الآيات السابقة تبيّن له أنّه لن يؤمن من قومك إلاّ من قد آمن، فلا أمل بإيمانهم فتهيأ لصنع «الفلك» (ولا تخاطبني في الذين ظلموا). |
|
2 ـ علائم المستكبرين:
|
|
إِنّ المستكبرين الأنانيين
يحولون المسائل الجدية التي لا تنسجم مع رغابتهم وميولهم ومنافعهم إِلى لعب
واستهزاء. ولهذا السبب فإِنّ الإِستهزاء
بالحقائق ـ ولا سيما فيما يتعلق بحياة المستضعفين ـ
يشكل جزءاً من حياتهم .. فكثيراً ما نجدهم من أجل أن يعطوا لجلساتهم المليئة
بآثامهم رونقاً وجمالا يبحثون عن مؤمن خالي اليد ليسخروا منه ويستهزئوا به. |
|
3 ـ سفينة نُوح:
|
|
لا شكّ أنّ سفينة نوح لَم
تكنْ سفينة عاديَّة ولم تنتهِ بسهولة مع وسائل ذلك الزمان آلاته، إِذْ كانت
سفينة كبيرة تحمل بالإِضافة إِلى المؤمنين الصادقين زوجين اثنين من كل نوع من
الحيوانات، وتحمل متاعاً وطعاماً كثيراً يكفي للمدّة التي يعيشها المؤمنون
والحيوانات في السفينة حال الطوفان، ومثل هذه السفينة بهذا الججم وقدرة
الاستيعاب لم يسبق لها مثيل في ذلك الزمان. فهذه السفينة ستجري في بحر بسعة
العالم، وينبغي أن تمرَّ سالمةً عبر أمواج كالجبال فلا تتحطم بها. لذلك تقول بعض
روايات المفسّرين: إِنّ طول
السفينة كان ألفاً ومئتي ذراع، وعرضها كان ستمائة ذراع «كل ذراع يعادل نصف متر
تقريباً». |
|
الآيات(40) (43)
حَتَّى إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنَّورُ قَلْنَا احْمِلَ فِيهَا مِن
كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ
|
|
حَتَّى إِذَا جَآءَ
أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنَّورُ قَلْنَا احْمِلَ فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجَيْنِ
اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ أَمَنَ وَمَآ
ءَامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ(40) وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللهِ
مَجْراهَا وَمُرْسَهَآ إِنَّ رَبِّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ(41) وَهِىَ تَجْرِى
بِهِمْ فِى مَوْج كَالْجِبَالِ وَنَادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِى مَعْزِل
يَبُنَىَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَفِرِينَ(42) قَالَ سَأَوِى
إِلَى جَبَل يَعْصِمُنِى مِنَ الْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ اليَوْمَ مِنْ أَمْرِ
اللهِ إِلاّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ
الْمُغْرَقِينَ (43) |
|
التّفسير |
|
شروع
الطّوفان:
|
|
رأينا في الآيات المتقدمة كيف
صنع نوح(عليه السلام) وجماعته المؤمنون سفينة النجاة بصدق. وواجهوا جميع المشاكل
واستهزاء الأكثرية من غير المؤمنين، وهيأوا أنفسهم للطوفان، ذلك الطوفان الذي
طهّر سطح الأرض من لوث المستكبرين الكفرة. الجبل أمره سهل وهين، وكرة
الأرض أمرها هين كذلك .. الشمس والمجموعة الشمسية بما فيها من عظمة مذهلة لا
تعدل ذرّة إِزاء قدرة الله الأزليّة. |
|
بحوث
|
|
1 ـ هل كان طوفان
نوح مستوعباً للعالم؟!
|
|
من خلال ظاهر الآيات يبدو لنا
أنّ الطوفان لم يكن لمنطقة من الأرض دون أُخرى، بل غطى كل سطح الأرض ، لأنّ كلمة
«الأرض» ذكرت بصورة مطلقة، كما في الآية (26) من
سورة نوح (ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً)
كما في الآية (44) المقبلة من سورة هود (وقيل يا
أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي)وهكذا ذكر كثير من المؤرخين ـ أيضاً ـ أنّ
طوفان نوح كان عالمياً، ولذلك يرجع نسل جميع البشر
اليوم إِلى واحد من أبناء نوح الثلاثة
«حام وسام ويافث» الذين بقوا بعده مدةً! |
|
2 ـ هل تُقبل
التوبة بعد نزول العذاب؟!
|
|
يستفاد من الآيات المتقدمة
أنّ نوحاً(عليه السلام) استمر يدعو ولده حتى بعد شروع الطوفان، وهذا دليل على
أنّه لو آمن ابنه «كنعان» لقُبل إِيمانه. |
|
3 ـ دروس تربوية
من طوفان نوح:
|
|
إِنّ هدف القرآن
الأصلي من ذكر قصص الماضين بيان دروس وعبر ومسائل تربوية، وفي هذا القسم من قصّة نوح مسائل مهمّة جدّاً نشير إِلى
قسم منها: ب ـ لم كان العقاب
أو الطوفان؟! هـ ـ سفينة النجاة: |
|
الآية(44) وَقِيلَ
يَأَرْضُ ابْلَعِى مَآءَكِ وَيَاسَمَآءُ أَقْلِعِى وَغِيضَ الْمَآءُ وَقُضِىَ
االأَمْرُ وَاسْتَوَتْ
عَلَى الْجُودِىِّ
|
|
وَقِيلَ يَأَرْضُ
ابْلَعِى مَآءَكِ وَيَاسَمَآءُ أَقْلِعِى وَغِيضَ الْمَآءُ وَقُضِىَ االأَمْرُ
وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِىِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّلِمِينَ(44) |
|
التّفسير |
|
نهاية
الحادث:
|
|
قرأنا في الآيات السابقة ـ إِجمالا ـ أنّ الأمواج المتلاطمة الصاخبة من الماء
أغرقت كل مكان حيث تصاعد منسوب الماء تدريجاً، أمّا المجرمون الجهلة فظناً منهم
أنّه طوفان عادي فصعدوا إِلى أعالي القمم والمرتفعات، لكن الماء تجاوز تلك
المرتفعات أيضاً وخفي تحت الماء كل شيء، وأخذت تلوح للعيون أجساد الطغاة الموتى
وما بقي من البيوت ووسائل المعاش في ثنايا الأمواج على سطح الماء. |
|
أين
يقع الجودي؟
|
|
ذهب كثير من
المفسّرين أنّ الجودي الذي استقرت عليه
السفينة ـ كما مرّ ذكره في الآية ـ جبل معروف قرب
الموصل(راجع مجمع البيان، وروح المعاني، والقرطبي، ذيل الآية محل البحث.) وقال
آخرون: هو جبل في حدود الشام أو شمال العراق أو
قرب «آمد» |
|
الآيات(45) (47)
وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِى مِنْ أَهْلىِ وَاءِنَّ
وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمْ
الْحَكِمِينَ
|
|
وَنَادَى نُوحٌ
رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِى مِنْ أَهْلىِ وَاءِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ
وَأَنتَ أَحْكَمْ الْحَكِمِينَ(45) قَالَ يَنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ
إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَلِح فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ
إِنِّى أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَهِلِينَ(46) قَالَ رَبِّ إِنِّى أَعُوذُ
بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِى
وَتَرْحَمْنِى أَكُن مِّنَ الْخَسِرِينَ(47) |
|
التّفسير |
|
حادثة
ابن نوح المؤلمة:
|
|
قرأنا في الآيات المتقدمة أنّ
ابن نوح لم يسمع نصيحة والده وموعظته، ولم يترك لجاجته وحماقته حتى النفس
الأخير، فكانت نهايته الغرق في أمواج الطوفان. |
|
بحوث
|
|
1 ـ لم كان ابن
نوح «عَمَلا غير صالح»؟!
|
|
يعتقد بعض
المفسّرين أنّ في الآية إِيجاز حذف، وأصل الآية هكذا
«إنّه ذو عمل غير صالح». |
|
2 ـ دائرة الوعد
الإلهي
|
|
مع ملاحظة ما ورد في الآيات
المتقدمة من خطاب نوح لربّه وما أجابه الله به، ينقدح
هذا السؤال وهو: كيف لم يلتفت نوح إِلى أنّ ابنه كنعان كان خارج دائرة
الوعد الالهي؟ |
|
3 ـ هناك حيث
تنقطع العلائق
|
|
تعكس الآيات الآنفة درساً من
أنجع الدروس الإنسانية والتربوية ضمن بيان قصّة نوح .. درساً
لا مفهوم له في المذاهب المادية لكنّه أصل أساس في المذهب الإلهي والمعنوي . وعلى هذا الأساس نجد أحاديث
أهل البيت(عليهم السلام) تتحدث عن بعض الشيعة الذين
يحملون اسم التشيّع إلاّ أنّه لا يوجد فيهم علائم من تعليمات أهل البيت(عليهم
السلام)بنفس الطريقة التي تقدمت في الآيات
الآنفة في القرآن الكريم حيث نقل عن علي بن موسى (ع) أنّه سأل بعض أصحابه
يوماً : كيف يفسر الناس هذه الآية (إنّه عمل غير صالح) .. فأجابه أحد الحاضرين : إنّهم يعتقدون أن كنعان لم يكن
الابن الحقيقي لنوح ، فقال الإمام : «كلاّ لقد
كان ابنه ، ولكن لمّا عصى الله نفاه عن أبيه ، كذا من كان منّا لم يطع الله فليس
منّا»( تفسير الصافي ذيل الآية المتقدمة .) . |
|
4 ـ المسلمون
المطرودون
|
|
ومن المناسب أن نستلهم من
الآية فنشير إلى قسم من الأحاديث الإسلامية التي
ترى طوائف كثيرة من المسلمين ، أو أتباع أهل
البيت(عليهم السلام) في الظاهر مطرودين وخارجين عن صف المؤمنين والشيعة : |
|
الآيتان(48) (49)
قِيلَ يَنُوحُ اهْبِطْ بِسَلَم مِنَّا وَبَرَكَت عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَم مِّمَّن
مَّعَكَ
|
|
قِيلَ يَنُوحُ
اهْبِطْ بِسَلَم مِنَّا وَبَرَكَت عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَم مِّمَّن مَّعَكَ
وَاُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ(48) تِلْكَ
مِنْ أَنبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيَهآ اِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ
قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِر إنَّ الْعَقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49) |
|
التّفسير |
|
هبوط
نوح بسلام:
|
|
هاتان الآيتان هما نهاية الآيات التي تتحدث عمّا
جاء في نوح وقصّته المليئة بالدروس والعبر في سورة هود ، وفيهما إشارة إلى هبوط نوح(ع) من سفينته وعودة الحياة والعيش
الطبيعي على الأرض . |
|
الآيات(50) (52)
وَإِلَى عَاد أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَقَومِ اعْبُدُواْ اللهَ مَالَكُم مِّنْ
إِله غَيْرُهُ
|
|
وَإِلَى عَاد
أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَقَومِ اعْبُدُواْ اللهَ مَالَكُم مِّنْ إِله غَيْرُهُ
إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مَفْتَرُونَ(50) يَقَوْمِ لآ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً
إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى الَّذِى فَطَرَنِى أَفَلاَ تَعْقِلُونَ(51)
وَيَقَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ
السَّمَآءَ عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ
تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ(52) |
|
التّفسير |
|
محطّم الأصنام
الشّجاع:
|
|
كما أشرنا آنفاً، فإِنّ قصص خمسة أنبياء عظام وما واجههوه من شدائد
وصعاب في دعواتهم والنتائج المترتبة عليها مبين في هذه السورة. وفي الآيات السابقة كان الكلام حول نوح(ع) وأمّا الآن فالحديث عن هود(ع). يقول سبحانه في الآية الأُولى من هذه القصّة.. (وإِلى عاد أخاهم هوداً)ونلاحظ
في الآية أنّها وصفت هوداً بكونه «أخاهم». |
|
بحوث
|
|
1 ـ التوحيدُ
أساس دعوة الأنبياء:
|
|
يبين تاريخ الانبياء أنّهم
بدأوا دعوتهم جميعاً من التوحيد ونفي الشرك ونفي عبادة الأصنام أيّاً كانت،
والواقع فإِنّ أي إِصلاح في المجتمعات الإِنسانية لا يتيسر بغير هذه الدعوة،
لأنّ وحدة المجتمع والتعاون والإِيثار كلها أُمور تسترفد من منبع واحد وهو توحيد
المعبود. |
|
2 ـ قادة الحق لا
يطلبون أجراً من أتباعهم.
|
|
إِنّ الزعيم الواقعي يمكنه أن
يكون في مأمن من أي اتهام ويواصل طريقه في غاية الحرية في صورة ما لو لم تكن له
حاجة مادّية، فبذلك يستطيع أن يصحح كل انحراف في أتباعه، وإلاّ فإِنّ الحاجة
الماديّة بالنسبة لهذا المصلح ستكون غلاَّ تصفَّدُ به يداه ورجلاه وقفلا على
لسانه وفكره. |
|
3 ـ الذنب وهلاك
المجتمعات
|
|
كما نرى أيضاً ـ في الآيات
المتقدمة ـ أنّ القرآن يقيم رابطة بين المسائل المعنوية والماديّة، فيعدّ
الإِستغفار من الذنب والتوبة إِلى الله أساس العمران والخصب والخضرة والنضرة
وزيادة في القوة والاقتدار. |
|
4 ـ ما المراد من
قوله تعالى: (ويزدكم قوةً إلى قوتكم).
|
|
إِنّ الظاهر من هذه الآية أنّ
الله سبحانه يزيدكم من خلال الإِستغفار قوةً بالإِضافة إِلى قوتكم، يشير بعض
المفسّرين إِليه أنّ المراد من هذه القوّة هي القوّة الإِنسَانيّة كما مرّ ذلك في سورة نوح: (ويمددكم
بأموال وبنين) ومنهم من قال: إِنّها القوى المادية تضاف إِلى القوّة
المعنويّة. ولكنّ تعبير الآية مطلق وهو يشمل أي زيادة في القوى المادية
والمعنويّة، ولا يعارض أيّاً من التفاسير، بل يحتضنها جميعاً.. |
|
الآيات(53) (57)
قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَة وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى
أَلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ
|
|
قَالُواْ يَا هُودُ
مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَة وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى أَلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ
وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ(53) إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعضُ
أَلِهَتِنَا بِسُوء قَالَ إِنِّى أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُواْ أَنِّى بَرِىءٌ
ممّا تُشْرِكُونَ(54)مِن دُونِهِ فَكِيدُونىِ جَمِيعاً ثُمَّ لاَ
تُنظِرُونِ(55)إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّى وَرَبِّكُم مَّا مِن
دَآبَّة إِلاَّ هُوَ ءَاخِذُ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّى عَلَى صِرَاط
مُّسْتَقِيم (56) فَإِن تَوَلَّواْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ
إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّى قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ
شَيْئاً إِنَّ رَبِّى عَلَى كُلِّ شَىْء حَفِيظٌ(57) |
|
التّفسير |
|
قوّة
المنطق:
|
|
والآن لننظر ماذا
كان ردّ فعل القوم المعاندين والمغرورين ـ قوم عاد ـ مقابل نصائح أخيهم هود وتوجيهاته إِليهم: (قالوا يا هودُ ما جئتنا ببيّنة) أي لم تأتِنا بدليل
مقنع لنا (وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك) الذي
تدعونا به إِلى عبادة الله وترك الأوثان (وما نحن لك
بمؤمنين). |
|
ملاحظتان
|
|
الأُولى: إِنّ «الناصية» في اللغة معناها
الشعر المسترسل على الجبهة، وهي مشتقة من «نصا» ومعناها الإِتصال
والإِرتباط، وأخذ بناصية فلان «كناية عن القهر والتسلط
عليه» فما ورد في الجملة السابقة من الآية من قول الحق سبحانه: (مامن دابة إلاّ هو آخذ بناصيتها) إِشاره إِلى قدرته
القاهرة على جميع الأشياء بحيث لا شيء في الوجود له طاقة المقاومة قبال هذه
القدرة، لأنّ من أحكم الإِمساك على شعر مقدم الرأس من الإِنسان أو أي حيوان آخر،
فإِنّه يُسلب منه القدرة على المقاومة عادة. |
|
الآيات(58) (60)
وَلَمَّا جَآِ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ
بِرَحْمَة مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم
|
|
وَلَمَّا جَآِ
أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَة مِّنَّا
وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَاب غَلِيظ(58) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِأَيَتِ
رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّار عَنِيد(59)
وَأُتْبِعُواْ فِى هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَومَ الْقِيَامَةِ أَلاَ إِنَّ
عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَاد قَوْمِ هُود(60) |
|
التّفسير |
|
اللعن
الأبدي على القوم الظّالمين:
|
|
في آخر الآيات التي تتحدث عن
قصّة قوم عاد ونبيّهم هود إِشارة إِلى العقاب
الأليم للمعاندين، فتقول الآيات: (ولما جاء أمرنا
نجّينا هوداً والذين آمنوا معه)وتوكّد أيضاً نجاة المؤمنين (ونجّيناهم من عذاب غليظ). |
|
بحثان
|
|
1 ـ قوم عاد من
منظار التاريخ
|
|
بالرغم من أنّ بعض المؤرّخين
الغربيين كـ «أسبرينكل» أرادوا أن ينكروا قصّة «عاد» من الناحية التاريخية ، وربّما كان ذلك
بسبب عدم توفر ذكر لهم في غير الآثار الإسلامية، ولم
يجدوها في كتب العهد القديم «التوراة» ولكن هناك
وثائق ـ تشير إلى قصّة عاد ـ مشهورة إجمالا بين العرب في زمن الجاهلية ،
وقد ذكرهم شعراء العرب قبل الإسلام ، وحتى في العصر
الجاهلي كانوا يطلقون لفظ «العاديّ» على البناء العالي والقوي نسبة إلى عاد . وأخيراً ـ كما
سيأتي في سورة الذاريات والحاقة والقمر ـ غمرهم إعصار شديد لمدّة سبعة ليال وستة أيّام
جسوماً فأتى على قصورهم فدمّرها وعلى أجسادهم فجعلها كأوراق الخريف
وفرقها تفريقاً ، ولكن هود كان قد أبعد المؤمنين عن هؤلاء ونجّاهم من العذاب ،
وأصبحت حياة أُولئك القوم ومصيرهم درساً كبيراً وعبرة لكل الجبابرة والأنانيين(راجع تفسير الميزان ، تفسير مجمع البيان ، وكتاب أعلام القرآن
.) . |
|
2 ـ اللعن الدائم
الأبدي على «عاد» :
|
|
هذا التعبير وما شابهه ورد في آيات متعددة من القرآن الكريم في شأن أُمم مختلفة ،
حيث يقول الله سبحانه بعد ذكر أحوالهم ، كما في سورة
هود الآية 68 : (ألا بعداً لثمود) وفي آية أُخرى
(89) هود (الا بعداً لمدين كما بعدت ثمود) وفي
سورة المؤمنون، الآية (41)(فبعداً للقوم الظالمين) وفي آية أُخرى (44) المؤمنون(فبعداً لقوم لا يؤمنون) وكما قرأنا في قصّة نوح من قبل في هود الآية (44) (وقيل بعداً للقوم الظالمين). |
|
الآية(61) وَإِلَى
ثَمُودَ اَخَاهُم صَلِحاً قَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَه
غَيْرُهُ
|
|
وَإِلَى ثَمُودَ
اَخَاهُم صَلِحاً قَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَه
غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا
فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْةِ إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ (61) |
|
التّفسير |
|
قصّة
ثمود :
|
|
انتهت قصّة «عاد قوم هود» بجميع دروسها بشكل مضغوط ، وجاء الدور الآن لثمود «قوم صالح» وهم الذين عاشوا في
وادي القرى بين المدينة والشام ، حسب ما تنقله التواريخ
عنهم . |
|
الآيات(62) (65)
قَالُوا يَصَلِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَآ أَتَنْهَنَآ أَن
نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَا
|
|
قَالُوا يَصَلِحُ
قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَآ أَتَنْهَنَآ أَن نَّعْبُدَ مَا
يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِى شَكٍّ مِّمِّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ
مُرِيب(62) قَالَ يَقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إن كُنتُ عَلَى بَيِّنَة مِّن رَّبِّى
وَءَاتَنِى مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِى مِنَ اللهِ إنْ عَصَيْتُهُ فَمَا
تَزِيدُونَنِى غَيْرَ تَخْسِير(63)وَيَقَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكمْ
ءَايَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ اللهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء
فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ(64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي
دَارِكُمْ ثَلَثَةً أَيَّام ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوب(65) |
|
التّفسير |
|
والآن لنلاحظ ما الذي كان
جواب المخالفين لنبيّ الله «صالح(ع)» إزاء منطقه الحي الداعي إلى الحق . |
|
ناقة
صالح :
|
|
«النّاقة» في
اللغة هي اُنثى الجمل ، وهي الآية الآنفة في آيات أُخرى أُضيفت إلى لفظ الجلالة
«الله»( مثل هذه الإضافة يقال لها في المصطلح الأدبي
إضافة تشريفية . بمعنى أنّها إضافة تدل على شرف الشيء وأهميته ، وفي الآية
المتقدمة يلاحظ نموذجان من هذا النوع 1 ـ ناقة
الله . 2 ـ أرض الله . وقد ورد في موارد أُخرى
غير هذه الكلمات .) وهذه الإضافة تدل على أنّ هذه الناقة لها خصائص
معينة، ومع الإلتفات إلى ما عبّر عنها في الآية المتقدمة بأنّها «آية» وعلامة
إلهية ودليل على الحقانيّة ، يتّضح أنّها لم تكن ناقة عادية ، بل كانت خارقة
للعادة من جهة أو جهات متعددة ! |
|
العلاقة
الدّينية :
|
|
الطريف أنّنا نقرأ في
الرّوايات الإسلامية أنّ الذي عقر الناقة لم يكن إلاّ
واحداً ، لكن القرآن ينسب هذا العمل إلى جميع
المخالفين من قوم صالح «ثمود» ويقول بصيغة الجمع
: (فعقروها) وذلك لأنّ الإسلام يعدّ الرضا الباطني في أمر ما والإرتباط
معه ارتباطاً عاطفياً بمنزلة الإشتراك فيه ، وفي الواقع فإنّ التآمر على هذا
العمل لم يكن له جانب فردي ، وحتى ذلك الذي أقدم على عمله لم يكن معتمداً على
قوته الشخصيّة فجميعهم كانوا مرتاحين لعمله وكانوا يسندونه ، ومن المسلّم أنّه لا يمكن أن يعدّ هذا العمل عملاً
فردياً . بل يعد عملاً جماعياً . يقول الإمام علي(ع) :
«وإنّما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمّهم الله بالعذاب
لمّا عمّوه بالرضا»( نهج البلاغة ، ومن كلام له ، رقم 201 .) . |
|
الآيات(66) (68)
فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَلِحاً وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ
بِرَحْمَة مِّنَّا
|
|
فَلَمَّا جَآءَ
أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَلِحاً وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَة مِّنَّا
وَمِنْ خِزْىِ يَوْمِئِذ إنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ(66) وَأَخَذَ
الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فى دِيَرِهِمْ جَثِمِنَ(67) كَأَن
لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَآ أَلاَ إنَّ ثَمُودَاً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً
لِّثَمُودَ(68) |
|
التّفسير |
|
نهاية
ثمود «قوم صالح»:
|
|
في هذه الآيات يتبيّن كيف نزل
العذاب على قوم صالح المعاندين بعد أن أمهلهم وقال لهم : (تمتعوا في داركم ثلاثة أيّام) فتقول الآيات : (فلما جاء أمرنا نجّينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمة منّا)
لا من العذاب الجسماني والمادي فحسب ، بل (ومن خزي
يومئذ)( الخزي في اللغة الإنكسار الذي يصيب الإنسان سواءً من نفسه أو من سواه ،
ويشمل كل أنواع الذل أيضاً .) . |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ نجد في
هذه الآيات أن رحمة الله بالنسبة للمؤمنين واسعة وشاملة
، بحيث تنقلهم جميعاً إلى مكان آمن ، ولا تحرق الأخضر واليابس بالعذاب . |
|
نهاية المجلد
السّادس وبداية المجَلّد السّابع الشَيخ نَاصِر مَكارم الشِيرازي
|
|
الآيات(69) (73)
وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَماً قَالَ
سَلَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْل حَنِيذ
|
|
وَلَقَدْ جَآءَتْ
رُسُلُنَآ إِبْرَهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَماً قَالَ سَلَمٌ فَمَا لَبِثَ
أَن جَآءَ بِعِجْل حَنِيذ(69) فَلَمَّا رَءَآ أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ
نَكِرَهُْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيْفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ
إِلَى قَوْمِ لُوط(70) وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَهَا
بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَقَ يَعْقُوبَ(71) قَالَتْ يَوَيْلَتَى ءَأَلِدُ
وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِى شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَىْءٌ عَجِيبٌ(72)
قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَتُهُ
عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ(73) |
|
التّفسير |
|
جانبٌ
من حياة محطم الأصنام:
|
|
والآن جاء الدور
للحديث عن جانب من حياة «إبراهيم(عليه السلام)» هذا البطل العظيم الذي حطم الأصنام، وما جرى له مع قومه. طبعاً كل ذلك مذكور بتفصيل أكثر في سور أُخرى من القرآن غير
هذه السورة، كسورة البقرة، وآل عمران، والنساء، والأنعام، والأنبياء، وغيرها. |
|
الآيات(74) (76)
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَهِيمَ الرَّوْعُ وَجَآءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَدِلُنَا
فِى قَوْمِ لُوط
|
|
فَلَمَّا ذَهَبَ
عَنْ إِبْرَهِيمَ الرَّوْعُ وَجَآءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَدِلُنَا فِى قَوْمِ
لُوط(74) إِنَّ إِبْرَهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّهٌ مُّنِيبٌ(75) يَإِبْرَهِيمُ
أَعْرِضْ عَنْ هَذَآ إِنَّهُ، قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ ءَاتِيهِمْ
عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُود(76) |
|
التّفسير |
|
رأينا في الآيات السابقة أنّ
إِبراهيم عرف فوراً أنّ أضيافه الجدد لم يكونوا أفراداً خطرين أو يخشى منهم، بل
كانوا (رسل الله) على حد تعبيرهم، ليؤدوا وظيفتهم التي أُمروا بها في قوم لوط. |
|
الآيات(77) (80)
وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِىءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ
هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ
|
|
وَلَمَّا جَآءَتْ
رُسُلُنَا لُوطاً سِىءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ
عَصِيبٌ(77) وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا
يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاَتِ قَالَ يَقَوْمِ هَؤُلاَءِ بَنَاتِى هُنَّ أَطْهَرُ
لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِى ضَيْفِى أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ
رَّشِيدٌ(78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَالَنَا فِى بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ
وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ(79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ
ءَاوِى إِلَى رُكْن شَدِيد(80) |
|
التّفسير |
|
قوم
لوط وحياة الخزي:
|
|
مرّت في آيات من سورة الأعراف إشارة إلى شيء من مصير قوم لوط، وفسّرنا ذلك في محلّه، وهنا يتناول القرآن الكريم ـ وبمناسبة ما ذكره من قصص
الأنبياء وأقوامهم وبما ورد في الآيات المتقدمة عن قصّة لوط وقومه ـ
قسماً آخر من حياة هؤلاء القوم المنحرفين الضالين ليتابع بيان الهدف الأصلي ألا
وهو سعادة المجتمع الإِنساني ونجاته بأسره. يبيّن القرآن
الكريم في هذا الصدد أوّلا ... أنّه لما
جاءت رسلنا لوطاً طار هلعاً وضاق بهم ذرعاً وأحاط به الهمّ من كل جانب (ولما جاءت رسلنا لوطاً سيىء بهم وضاق بهم ذرعاً). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ العبارة التي قالها لوط عند هجوم القوم على داره وأضيافه
ـ (هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم) فتزوجوهنّ إِنّ
شئتم فهنّ حلال لكم ولا ترتكبوا الإثم و الذنب وقد ـ
أثارت هذه العبارة بين المفسّرين عدّة أسئلة: |
|
الآيات(81) (83)
قَالُوا يَلُوطُ إِنَّا رُسُلُ ر َبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ
بِأَهْلِكَ بِقِطْع مِّنَ الَّيْلِ
|
|
قَالُوا يَلُوطُ
إِنَّا رُسُلُ ر َبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْع
مِّنَ الَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ
مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ
بِقَرِيب(81) فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا
عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيل مَّنضُود(82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ
وَمَا هِىَ مِنَ الظَّلِمينَ بِبَعِيد(83) |
|
التّفسير |
|
عاقبة
الجماعة الظّالمة:
|
|
وأخيراً حين شاهد الملائكة
(رسل الله) الأضياف ما عليه لوط من العذاب النفس كشفوا «ستاراً» عن أسرار عملهم
و(قالوا يا لوط إِنّا رسل ربّك لن يصلوا إِليك). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ لِمَ كان
العذاب صباحاً؟2 ـ لَمِ قلب الله عاليها سافلها؟3 ـ لماذا الوابل من الأحجار؟!
|
|
1 ـ
لِمَ كان العذاب صباحاً؟ 2 ـ لَمِ قلب الله
عاليها سافلها؟ قلنا: إِنّ العذاب ينبغي أن
يتناسب مع الإِثم، وحيث أنّ هؤلاء القوم قلبوا كل شيء عن طريق الإِنحراف الجنسي
فإنّ الله جعل مدنهم عاليها سافلها أيضاً، وحيث كانوا دائماً يتقاذفون بالكلمات
البذيئة فيما بينهم، فإنّ الله امطرهم بحجارة لتتهاوى على رؤوسهم أيضاً. 3 ـ لماذا الوابل
من الأحجار؟! ولكن بعض المفسّرين
ـ كصاحب المنار ـ يعتقد أنّ مطر
الاحجار إِمّا أن يكون قبل أن يقلب عاليها سافلها، أو مقترن مع القلب، وذلك
لينال بعض الافراد الذين التجأوا إِلى زاوية أو معزل ولم يدفنوا تحت الأنقاض
جزاءهم العادل ولا تبقى لهم فرصة للهروب. |
|
5 ـ تحريم
الإِنحراف الجنسي، فلسفة تحريم الميول الجنسية لأمثالها ، أخلاق قوم لوط:
|
|
5 ـ
تحريم الإِنحراف الجنسي توضيح ذلك، أنّ الإِنسان الطبيعي والسليم يميل إِلى المخالف من
جنسه، أي أنّ الرجل يميل إِلى المرأة، والمرأة تميل إِلى الرجل، وهذا الميل ن
أشدّ الغرائز المتجذرة فيه، والضامن لبقاء نسله، فأيّ
عمل يؤدّي إِلى تحوير هذا الميل الطبيعي عن مساره فسيوجد نوعاً من المرض
والإِنحراف النفسي في الإِنسان. |
|
الآيات(84) (86)
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا
لَكُمْ مِّنْ إِلَه غَيْرُهُ
|
|
وَإِلَى مَدْيَنَ
أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه
غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّى أَرَاكُم بِخَيْر
وَإِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْم مُّحِيط(84) وَيَقَوْمِ أَوْفُوا
الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ
أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِى الاَْرْضِ مُفْسِدِينَ(85) بَقِيَّتُ اللهِ
خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنينَ وَمَآ أَنَا عَلَيْكُم بِحَفيظ (86) |
|
التّفسير |
|
مدين
بلدة شعيب ...
|
|
مع انتهاء قصّة قوم
لوط تصل النوبة إِلى قوم شعيب وأهل مدين، أُولئك الذين حادوا عن طريق التوحيد وهاموا على وجوههم في شركهم وعبادة
الأصنام، ولم يعبدوا الأصنام فحسب، بل الدّرهم والدينار والثروة والمال، ومن أجل
ذلك فإنّهم لوثوا تجارتهم الرابحة وكسبهم الوفير بالغش والبخس والفساد. العلّة الأُولى: هي
قوله (إِنّي أراكم بخير). وإِذا توسعنا في
معنى هذه الكلمة ومفهوم الجملة وجدناها دعوة إِلى رعاية جميع الحقوق الفردية
والإِجتماعية ولجميع الملل والنحل، ويظهرُ «بخس الحق» في كل محيط وعصر وزمان بشكل معين حتى بالمساعدة دون عوض
أحياناً، والتعاون وإِعطاء قرض معين (كما هي طريقة
المستعمرين في عصرنا). |
|
الآيات(87) (90)
قَالُوا يَشُعَيْبُ أَصَلَوتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ
ءَابَآؤُنَآ أَوْ أَن
نَّفْعَلَ فِى أَمْوَلِنَا مَا نَشَؤُا
|
|
قَالُوا يَشُعَيْبُ
أَصَلَوتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوْ أَن
نَّفْعَلَ فِى أَمْوَلِنَا مَا نَشَؤُا إِنَّكَ لاََنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ
(87)قَالَ يَقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَة مِّن رَّبِّى
وَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَآ
أَنْهَكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الاِْصْلَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا
تَوْفِيقِى إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ(88)
وَيَقُوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِى أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ
قَوْمَ نُوح أَوْ قَوْمَ هُود أَوْ قَوْمَ صَلِح وَمَا قَوْمُ لُوط مِّنكُم
بِبَعِيد(89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّى
رَحِيمٌ وَدُودٌ(90) |
|
التّفسير |
|
المنطق
الواهي:
|
|
والآن فَلْنَرَ ما كان ردّ القوم اللجوجين إزاء
نداء هذا المصلح السّماوي «شعيب». |
|
فبما إنّهم كانوا يتصورون أنّ
عبادة الأصنام من آثار سلفهم الصالح، ودلالة على أصالة ثقافتهم، وكانوا لا
يرفعون اليد عن الغش في المعاملة وتحقيق الربح الوفير عن هذا الطريق قالوا (يا
شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا)ونترك حريتنا في التصرف بأموالنا فلا
نستطيع الإِستفادة منها (أو أن نفعل في أموالنا ما
نشاء) إِن هذا بعيد منك (إِنّك أنت الحليم
الرشيد)؟! |
|
الآيات(91) (93)
قَالُوا يَشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَكَ
فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَكَ
|
|
قَالُوا يَشُعَيْبُ
مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَكَ فِينَا ضَعِيفاً
وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَكَ وَمَآ أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيز(91) قَالَ
يَقَوْمِ أَرَهْطِى أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِّنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ
وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّى بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ(92) وَيَقَوْمِ
اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّى عَمِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ
عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّى مَعَكُمْ
رَقِيبٌ(93) |
|
التّفسير |
|
التّهديدات
المتبادلة بين شعيب وقومه:
|
|
إِنّ شعيباً هذا النّبي
العظيم الذي لُقِّبَ بخطيب الأنبياء(سفينة البحار،
مادة: شعيب.) لخطبة المعروفة والواضحة، والتي كانت أفضل دليل أمين للحياة
المادّية والمعنوية لهذه الجماعة، واصل محاججته لقومه بالصبر والأناة والقلب
المحترق، ولكن تعالوا لنرى كيف ردّ عليه هؤلاء القوم الضالون؟! فأوّلها: أنّهم
قالوا: (يا شعيب ما نفقه كثيراً ممّا تقول) ... فكلامك أساساً ليس فيه أوّل ولا آخر، وليس فيه محتوى
ولا منطق قيم لنفكر فيه ونتدبره وليس لديك شيء نجعله ملاكاً لعملنا، فلا ترهق
نفسك أكثر! وامض الى قوم غيرنا... |
|
الآيتان(94) (95)
وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ
بِرَحْمَة مِّنَّا
|
|
وَلَمَّا جَآءَ
أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَة مِّنَّا
وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِى دِيَرِهِمْ
جَثِمِينَ(94) كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَآ أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا
بَعِدَتْ ثَمُودُ(95) |
|
التّفسير |
|
عاقبة
المفسدين في مدين:
|
|
قرأنا في قصص الأقوام
السابقين مراراً، أنّ الأنبياء كانوا في المرحلة
الأُولى يدعونهم الى الله ولم يألوا جهداً في النصيحة والإِبلاغ وبيان
الحجّة، وفي المرحلة التي بعدها حيث لم ينفع
النصح للجماعه ينذرها نبيّها ويخوّفها من عذاب الله، ليعود الى طريق الحق من فيه
الإِستعداد ولتتم الحجّة عليهم، وفي المرحلة الثّالثة،
وبعد أن لم يُغن أي شيء ممّا سبق ـ تبدأ مرحلة التصفية وتطهير الأرض، وينزل
العقاب فيزيل الأشواك من الطريق. |
|
دروس
تربوية في قصّة شعيب:
|
|
إِنّ أفكار الأنبياء والوقائع
التي جرت للاقوام السابقة تستلهم منها الأجيال التي بعدها، لأنّ تجارب حياة
أُولئك الأقوام هي التي تمخضت عن عشرات السنين أو مئات السنين ... ثمّ نُقلت
إِلينا في عدّة صفحات من «التاريخ» وكل فرد منّا يستطيع أن يستلهم العبر في
حياته. 1 ـ
أهمية المسائل الإِقتصادية 4 ـ
النظرة الذاتيّة (الأنانيّة) رمزٌ للجمود! |
|
الآيات(96) (99)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِأَيَتِنَا وَسُلْطَن مُّبِين(96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلاَِيْهِ
|
|
وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا مُوسَى بِأَيَتِنَا وَسُلْطَن مُّبِين(96) إِلَى فِرْعَوْنَ
وَمَلاَِيْهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيد (97)
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ
الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98)وَأُتْبِعُوا فِى هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ
الْقِيَمَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ(99) |
|
التّفسير |
|
البطل
المبارز لفرعون:
|
|
بعد إنتهاء قصّة شعيب وأهل
مدين، يُشير القرآن الكريم الى زاوية من قصّة موسى
ومواجهته لفرعون وهذه القصّة هي القصّة السابعة من قصص الأنبياء في هذه السورة. |
|
الآيات(100) (104)
ذَلِكَ مِنْ أَنبَآءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ
|
|
ذَلِكَ مِنْ
أَنبَآءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ (100)وَمَا
ظَلَمْنَهُمْ وَلَكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَآ أَغْنَتْ عَنْهُمْ
ءَالِهَتُهُمُ الَّتِى يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ مِن شَىْء لَّمَّا جَآءَ
أَمْرُ رَبِّكَ وَمَازَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيب(101) وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ
إِذَآ أَخَذَ الْقُرَى وَهِىَ ظَلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ(102)
إِنَّ فِى ذَلِكَ لاََيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الاَْخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ
مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ(103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ
إِلاَّ لاَِجَل مَّعْدُود(104) |
|
التّفسير |
|
في آيات هذه السورة تبيان
لقصص سبعة أقوام من الأقوام السابقين ولمحات من تأريخ أنبيائهم، وكل واحد منهم
يكشف للإِنسان قسماً جديراً بالنظر من حياته المليئة بالحوادث ويحمل بين جنبيه
دروساً من العبرة للإِنسان. وكلمة «قائم» تشير الى المدن والعمارات التي لا تزال باقية من الأقوام
السابقين، كأرض مصر التي كانت مكان الفراعنة ولا تزال آثار أُولئك الظالمين
باقية بعد الغرق، فالحدائق والبساتين وكثير من العمارات المذهلة قائمة بعدهم. وحيث أنّ هذا قانون
كلّي وعام فإنّ القرآن يقول مباشرةً (إِنّ في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة). |
|
الآيات(105) (108)
يَوْمَ يَأْتِ لاَتَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ
وَسَعِيدٌ
|
|
يَوْمَ يَأْتِ
لاَتَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ(105)
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِى النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106)
خَلِدِينَ فِيهَا مَادَامَتِ السَّمَوَتُ وَالاَْرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ
إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ(107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِى
الْجَنَّةِ خَلِدِينَ فِيهَا مَادَامَتِ السَّمَوَتُ وَالاَْرْضُ إِلاَّ
مَاشَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذ(108) |
|
التّفسير |
|
السّعادة
الشّقاوة:
|
|
أشير في الآيات المتقدّمة الى
مسألة القيامة واجتماع الناس كلّهم في تلك المحكمة العظيمة ... وهذه الآيات ـ
محل البحث ـ بيّنت زاوية من عواقب الناس ومصيرهم في ذلك اليوم، إِذ تقول الآيات
أوّلا: (يوم يأتي لا تكلّم نفسٌ إِلاّ بإذنه). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ هل أنّ
السعادة والشقاوة ذاتيان؟2 ـ واقع الانسان بين السعادة والشقاوة
|
|
أراد البعض أن يثبت من الآيات
المتقدمة ـ كما قلنا آنفاً ـ كون السعادة والشقاء ذاتيين، في حين أنّ الآيات
المتقدمة لا تدل على هذا الأمر فحسب، بل تثبت بوضوح كون السعادة والشقاء
اكتسابيين، إِذ تقول (فأمّا الذين شقوا) أو تقول (وأمّا
الذين سُعدوا) فلو كان كل من الشقاء والسعادة ذاتيين لكان ينبغي أن يُقال
«أمّا الأشقياء وأمّا السعداء» وما أشبه ذلك التعبير، ومن
هنا يتّضح بطلان ما جاء في تفسير الفخر الرازي ممّا مؤداه: «إِنّ هذه
الآيات تحكم من الآن أنّ جماعة في القيامة سعداء وجماعة أشقياء، ومن حكم الله
عليه مثل هذا الحكم ويعلم أنه في القيامة إِمّا شقي أو سعيد، فمحال عليه أن يغير
ذلك وإِلاّ للزم ـ في الآية ـ أن يكون ما أخبر الله به كذباً ويكون علمه جهلا!!
وهذا محال». ... فكل ذلك لا أساس له . |
|
3 ـ مسألة الخلود
في القرآن ، 4 ـ مفهوم الخلود في هذه الآيات ، 5 ـ ما معنى الإِستثناء في الآية؟
|
|
معنى «الخلود» لغة البقاء
الطويل، كما جاء بمعنى الأبد أيضاً، فكلمة «الخلود»
لا تعني الأبد وحده لأنّه تشمل كل بقاء طويل. الحلّ النهائي
للإِشكال ومن مجموع ما بيناه
نستنتج ما يلي: 4 ـ
مفهوم الخلود في هذه الآيات (نور
الأبصار للشبلنجي، ص 140 وكتاب الغدير، وكتب اُخرى.) |
|
5 ـ ما معنى
الإِستثناء في الآية؟
|
|
الجملة الإِستثنائية (إِلاّ ما شاء ربّك) التي وردت في الآيات المتقدمة في
أهل الجنّة وفي أهل النّار أيضاً، أضحت ميداناً واسعاً للمفسرين ومثاراً للبحث،
وقد نقل المفسّر الكبير الطبرسي في تفسير هذا الإِستثناء عشرة أوجه عن المفسّرين
القدامى، ونعتقد أنّ كثيراً من هذه الأوجه ضعيف ولا ينسجم مع الآيات السابقة أو
اللاحقة، ولذلك نغض النظر عنها، ونورد ما نراه صحيحاً
هنا، هو وجهان فحسب: وفي الجواب على هذا
السؤال أُجيب ـ أيضاً ـ بأنّ المؤمنين
المذنبين يدخلون النّار أوّلا ليتطهروا من
الذنوب، ثمّ يلتحقون بصفوف أهل الجنّة. 2 ـ
وقال آخرون: إنّ الزفير هو بداية صوت
الحمار والشهيق نهايته، ولعل هذا التّفسير لا تختلف عن التّفسير الأوّل كثيراً. وإذا لاحظنا أسباب السعاده
والشقاوة في الأحاديث المتقدمة وحقيقتهما وأثرهما البالغ في حياة البشر، وقارنّاهما مع الأسباب والمسائل الخرافية التي يعتقد
بها جمع كثير ـ حتى في عصرنا عصر الذّرة والفضاء ـ لوصلنا
الى هذا الواقع الذي يؤكّد أنّ التعاليم الإِسلامية منطقيّة ومدروسة الى
أقصى حد. |
|
الآيات(109) (112)
فَلاَ تَكُ فِى مِرْيَة مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاَءِ مَايَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا
يَعْبُدُ ءَابَآؤُهُم مِّن قَبْلُ
|
|
فَلاَ تَكُ فِى
مِرْيَة مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاَءِ مَايَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ
ءَابَآؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوص (109)
وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَبَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ
سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ
مُرِيب(110) وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَلَهُمْ
إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(111) فَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ
مَعَكَ وَلاَتَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(112) |
|
التّفسير |
|
الاستقامة
والثّبات:
|
|
هذه الآيات ـ في الحقيقة
ـ بمثابة تسلية لخاطر النّبي(صلى الله عليه
وآله وسلم)، كما أنّها نازلة لبيان وظيفته ومسؤوليته،
وفي الواقع إِنّ من أهم النتائج التي يُتوصل إِليها من القصص السابقة للأُمم
الماضية هي أن لا يكترث النّبي ومن معه من أتباعُه المؤمنون حقّاً من كثرة
الأعداء، ولا يخافوا منهم، ولا يشكّوا أو يتردّدوا في هزيمة عَبَدة الأصنام
والظالمين الذي يقفون بوجوههم، وأن يواصلوا طريقهم ويعتمدوا على الله واثقين به. لذلك يقول القرآن الكريم في
هذا الصدد: (فلاتكُ في مِرية ممّا يعبدُ هؤلاء ما
يعبدون إِلاّ كما يعبدُ آباؤهم)( «المِرية» على وزن «جِزيَة» كما تأتي على وزن
«قَرْيَة» ومعناها التردد في التصميم على أمر ما ... وقد قال البعض: إنّها تعني
الشكّ المقترن بالتُهمة، والجذر الأصلي لهذه الكلمة معناه عصر ثدي الناقة بعد
احتلابها. على أمل أن يكون شيء من اللبن لا يزال باقياً في الثدي، ولأنّ هذا
العمل منشؤهُ التردد والشك فلذلك أطلقت الكلمة على كل ما فيه شكّ وتردد.). كلمة «مريب» مشتقّة من «الريب» ومعناه الشكّ
المقترن بسوء الظن والنظرة السيئة والقرائن المخالفة، وعلى هذا فيكون
مفهوم هذه الكلمة أنّ عبدة الأصنام ما كانوا يترددون في مسألة حقيقة القرآن أو
نزول العذاب على المفسدين فحسب، بل كانوا يدّعون بأنّ لديهم قرائن تخالف ذلك
أيضاً. |
|
الآية(113) وَلاَ
تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن
دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
|
|
وَلاَ تَرْكَنُوا
إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ
مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ(113) |
|
التّفسير |
|
الرّكون
إِلى الظالمين:
|
|
إِنّ هذه الآية تبيّن واحداً
من أقوى وأهم الاسس والبرامج الإِجتماعية والسياسية والعسكرية والعقائدية،
فتخاطب عامة المسلمين ليؤدوا وظيفتهم القطعية فتقول: (ولا
تركنوا الى الذين ظلموا) والسبب واضح (فتمسكم
النّار وما لكم من دون الله من أولياء) ومعلوم عندئذ حالكم (ثمّ لا تُنصرون). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ
ما هو مفهوم الرّكون؟ وبالرغم من أنّ
المفسّرين أعطوا معاني كثيرة لهذه الكلمة في تفسيرهم للآية، ولكنّها في الغالب تعود الى مفهوم جامع وكلي فمثلا
فسّرها البعض بالميل، وفسّرها البعض بـ «التعاون»، وفسّرها
البعض بـ «إظهار الرضا»، وفسّرها آخرون بـ «المودّة»، كما فسرها جماعة بالطاعة وطلب الخير،
وكل هذه المعاني ترجع الى الإِعتماد والإِتكاء كما هو واضح. «وفي
بعض الأحيان حتى مع الإِجبار» لا يحق
له أن يراجع القاضي الظالم من أجل اكتساب حقّه، لأنّ مراجعة مثل هذا القاضي
الحاكم الجائر من أجل إِحقاق الحق مفهومها أن يعترف ضمناً برسميته وتقواه، ولعل
ضرر هذا العمل أكبر من الخسارة التي تقع نتيجة فقدان الحق. |
|
الآيتان(114) (115)
وَأَقِمِ الصَّلَوةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ الَّيْلِ إِنَّ
الْحَسَنَتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ
|
|
وَأَقِمِ
الصَّلَوةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ الَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَتِ
يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ(114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ
اللهَ لاَ يُضِيْعُ أَجْرَ الُْمحْسِنِينَ(115) |
|
التّفسير |
|
الصلاة
والصبر:
|
|
هذه الآيات تشير الى أمرين من
أهمّ الأوامر الإِسلامية، وهما في الواقع روح الإِيمان وقاعدة الإِسلام، فيأتي
الأمر أوّلا بالصلاة (وأقم الصّلاة طرفي النهار وزلفاً
من الليل). غموض الإِجابة دعا
بعض المفسّرين لانّ يتوسع في معنى (طرفي النهار)ليشمل صلاة الصبح والظهر والعصر والمغرب
أيضاً. وبالتعبير بـ(وزُلفاً من الليل)الذي يشير
الى صلاة العشاء تكون جميع الصلوات الخمس قد دخلت في الآية! |
|
الأهميّة
القصوى للصلاة:
|
|
تلاحظ في الرّوايات المنقولة
عن النّبي(ص) والأئمّة الطاهرين(ع)تعبيرات تكشف عن الأهمية الكبرى للصلاة في نظر
الإِسلام. فقلت له: ولمَ يا رسولَ الله؟ |
|
أرجى
آية في القرآن:
|
|
ينقل في تفسير الآية ـ محل
البحث ـ حديث طريف عن الإِمام علي(ع) بهذا المضمون، وهو أنّه التفت مرّة الى
الناس وقال: «أي آية في كتاب الله أرجى عندكم»؟! |
|
الآيتان(116) (117)
فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّة يَنْهَوْنَ
عَنِ الْفَسَادِ فِى الاَْرْضِ
|
|
فَلَوْلاَ كَانَ
مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّة يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ
فِى الاَْرْضِ إِلاَّ قَلِيلا مِّمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ
الَّذِينَ ظَلَمُوا مَآ أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ(116) وَمَا
كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْم وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ(117) |
|
التّفسير |
|
عامل
الإِنحراف والفساد في المجتمعات:
|
|
من أجل إِكمال البحوث السابقة
ذكر في هاتين الآيتين أصل أساسي اجتماعي يضمن نجاة المجتمعات من الفساد، وهو
أنّه مادام هناك في كل مجتمع طائفة من العلماء المسؤولين والملتزمين الذين
يحاربون كل اشكال الفساد والانحراف، ويأخذون على عاتقهم قيادة المجتمع فكرياً
وثقافياً ودينياً، فإِنّ هذا المجتمع سيكون مصوناً من الزيغ والانحراف. |
|
الآيتان(118) (119)
وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَحِدَةً وَلاَيَزَالُونَ
مُخْتَلِفِينَ(118) إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ
|
|
وَلَوْ شَآءَ
رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَحِدَةً وَلاَيَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ(118)
إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ
لاََمْلاََنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(119) |
|
التّفسير |
|
في الآية الأُولى محل البحث إِشارة الى واحدة من سنن الخلق والوجود والتي
تمثّل اللبنات التحتيّة لسائر المسائل المرتبطة بالإِنسان ... وهي مسألة
الإِختلاف والتفاوت في بناء الإِنسان روحاً وفكراً وجسماً وذوقاً وعشقاً، ومسألة
حرية الإِرادة والإِختيار. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ حرية
الإِرادة هي أساس خلق الإِنسان ودعوة جميع الأنبياء، وأساساً لا يستطيع الإِنسان
بدونها أن يخطو ولو خطوة واحدة في مسير التكامل «التكامل الإِنساني والمعنوي»
ولهذا فقد أكّدت آيات متعددة على أنّه لو شاء الله أن يهدي الناس بإِجباره لهم
جميعاً لفعل، لكنّه لم يشأ. |
|
الآيات(120) (123)
وَكُلاًَّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ
فُؤَادَكَ
|
|
وَكُلاًَّ نَّقُصُّ
عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَآءَكَ فِى
هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ(120) وَقُل لِّلَّذِينَ
لاَيُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَمِلُونَ
(121)وَانتَظِروا إِنَّا مُنتَظِرُونَ(122) وَللهِ غَيْبُ السَّمَوَتِ
وَالاَْرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الاَْمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ
عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَفِل عَمَّا تَعْمَلُونَ(123) |
|
التّفسير |
|
أربع
معطيات لقصص الماضين:
|
|
بانتهاء هذه الآيات تنتهي
سورة هود، وفي هذه الآيات استنتاج كلي لمجموع بحوث هذه السورة، وبما أنّ القسم
الأهمّ من هذه السورة يتناول القصص التي تحمل العبر من سيره الأنبياء والأُمم
السابقة، فإنّ هذه القصص تعطي نتائج قيّمة ملخّصة في أربعة مواضيع. |
|
ملاحظات |
|
1 ـ علم ا لغيب
خاص بالله...
|
|
كما تحدثنا
بالتفصيل في تفسير الآية (188) من سورة
الأعراف، وفي تفسير الآية (50) من سورة الأنعام،
أنه لا مجال للتردد في أن الإِطلاع على الأسرار الخفية أو الأسرار الماضية
والآتية كله خاص بالله ... والآيات المختلفة من القرآن تؤكّد هذه الحقيقة
وتؤيدها أيضاً ... إِنّه ليس كمثله شيء وهو متفرد بهذه الصفة. وبهذا البيان تتّضح
الإِجابة على المنتقدين لعقيدة الشيعة في مجال على الغيب حيث يرون أنّ الأنبياء
والأئمة(عليهم السلام) يعلمون الغيب. |
|
2 ـ العبادة لله
وحده
|
|
في الآية المتقدمة دليل لطيف على أنّ العبادة لله وحده، وهو أنّه لو كانت
العبادة من أجل العظمة وصفات الجمال، والجلال فهذه الصفات قبل كل شيء موجودة في
الله، وأمّا الآخرون فلا شيء بالنسبة إِليه. وأكبر دليل على عظمة الله علمه
الواسع غير المحدود وقدرته اللامتناهية، وقد أشارت
الآية الآنفة إلى أنّهما مختصّان بالله. |
|
إِنّ
سير الإِنسان في طريق عبودية الله، لُخِّصَ كلّه في جملتين(فاعبده وتوكل عليه)
|
|
3 ـ
قال بعض المفسّرين: إِنّ سير الإِنسان في طريق عبودية الله، لُخِّصَ كلّه في جملتين في هذه الآية (فاعبده
وتوكل عليه) لأنّ العبادة سواء كانت عبادة جسمانية كالعبادة العامّة، أو
عبادة روحانية كالتفكّر في خلق الله ونظام أسرار الوجود، هي بداية هذا السير. نهاية سُورَة هُود |
|
|
|