- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
سُورَةُ التّوبة وهي مَدنيّة وعددُ
آياتِهَا مَائة وتسع وعشرون آية فحَسب
|
|
ينبغي الإِلتفات إِلى الأُمور التالية قبل الشروع في تفسير السورة |
|
1 ـ أسماء هذه السّورة....
|
|
ذكر المفسّرون لهذه السّورة أسماءً عديدة تبلغ العشرة، غير أنّ المشهور منها هو ما يلي: سورة البراءة، وسورة
التوبة، والسورة الفاضحة. ولكلّ من التسميات سبب جلي. |
|
2 ـ متى نزلت هذه السورة
|
|
هذه السورة هي آخر سورة نزلت
على النّبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) أو من أواخر السور النازلة عليه في
المدينة، وهي كما قلنا ذات 129 آية فحسب. ومن بداية السورة حتى الآية
(28) نزل قُبيل موسم الحج، كما سنبيّن ذلك بعون
الله، والآيات الأُولى ـ هذه ـ والتي تتعلق بمن
بقي من المشركين بلّغها أميرالمؤمنين(عليه السلام) في
موسم الحج. |
|
3 ـ محتوى السّورة
|
|
لمّا كان نزول هذه السورة
إبّان انتشار الإِسلام في الجزيزة العربية، وتحطيم آخر مقاومة للمشركين فقد كان
لما حوته من مفاهيم أهمية بالغة ومواضيع حساسة. إذ يتعلق قسم منها بالبقية
الباقية من عبدة الأوثان والمشركين، وقطع العلاقات معهم، وإلغاء المعاهدات
والمواثيق التي كانت بينهم وبين المسلمين، لنقضهم لها مراراً، ليتم تطهير المحيط
الإِسلامي من رجس الوثنية الي الأبد. |
|
4 ـ لِمَ لَمْ تبدأ هذه السورة بالبسملة؟
|
|
يُجيب استهلال
السورة على السؤال آنف الذكر فقد بُدئت
بالبراءة ـ من قبل الله ـ من المشركين، وإعلان
الحرب عليهم، واتباع أسلوب شديد لمواجهتهم، وبيان غضب الله عليهم، وكل ذلك لا يتناسب والبسملة (بسم
الله الرحمن الرحيم)الدالة على الصفاء والصدق والسلام والحب; والكاشفة عن
صفة الرحمة واللطف الإِلهي. |
|
5 ـ فضيلة هذه السورة وآثارها
|
|
أولَتْ الرّوايات الإِسلامية
أهميّة خاصّة لتلاوة سورتي براءة والأنفال،
وممّا جاء في شأنهما عن الإِمام الصادق (ع) أنّه قال «من قرأ براءة والأنفال في
كل شهر لم يدخله نفاق أبداً، وكان من شيعة أميرالمؤمنين (ع) حقّاً». |
|
6 ـ حقيقة تأريخية يسعى بعضهم إِلى طمس
معالمها
|
|
من المتفق عليه بين جميع المؤرخين والمفسّرين تقريباً أنّه لما نزلت
الآيات الأُولى من سورة براءة، وأُلْغَيَت العهود التي كانت بين المشركين
والمسلمين، أمر النّبي أبابكر أن يبلغ هذه
الآيات في موسم الحج، ثمّ أخذها منه وأعطاها
علياً(ع)ليقوم بتبليغها، فقرأها علي على الناس في موسم الحج. وبالرغم من اختلاف الرّوايات في جزئيات هذه القصة وجوانبها
المتفرقة، إلاّ أن ذكر النقاط التالية يمكن أن
يجلو لنا حقيقة ناصعة: فدعا علياً فأعطاه إيّاها(جامع الأصول، ج 9، ص 475.). |
|
توضيح وتحقيق:
|
|
هذا الحديث يثبت ـ بجلاء ـ
فضيلة للإِمام علي(ع)، إلاّ أنّنا ـ ويا للأسف ـ
نجد مثل هذه الأحاديث لا ينظر إليها بعين الإِنصاف
والحق، إذ يسعى بعضهم إِلى محوها ونسيانها كليّاً، أو إلى التقليل من
أهميتها وقيمتها بأساليب شتى ملتوية: 1 ـ
فمثلا يتناول صاحب تفسير المنار تارةً ـ
من الحديث آنف الذكر ـ المقطع الذي يتعلق بجعل أبي بكر أميراً على الحاج، ويختار الصمت والسكوت في بقية الحديث الذي يدور حول
أخذ سورة من أبي بكر ليبلغها علي عن النّبي(ص)، وقد قال فيه(ص): «لا يبلغها إلاّ أنا أو رجل منّي» يعني عليّاً(عليه السلام). |
|
الآيتان(1) (2)
بَرَآءَةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَهَدتُّهم مِّنَ
الْمُشْرِكِينَ
|
بَرَآءَةٌ مِّنَ
اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَهَدتُّهم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ(1)
فَسِيحُوا فِى الاَْرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُر وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ
مُعْجِزِى اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِى الْكَفِرِينَ(2) |
|
التّفسير |
|
إلغاء
عهود المشركين:
|
|
|
كانت في المجتمع الإِسلامي
ومحيطه طوائف شتى، وكان النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يتخذ منها موقفاً
خاصّاً يتناسب وموقفها منه. فطائفة منها مثلا لم
يكن لها أيُّ عهد مع النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، والنّبي(صلى الله عليه
وآله وسلم) كذلك لم يكن له أيّ عهد معها. |
|
الآيتان(3) (4)
وَأَذنٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاْسِ يَوْمَ الْحَجِّ الاَْكْبَرِ
|
|
وَأَذنٌ مِّنَ اللهِ
وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاْسِ يَوْمَ الْحَجِّ الاَْكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِىءٌ
مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن
تَوَلَيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ
كَفَرُوا بِعَذَاب أَلِيم(3) إِلاَّ الَّذِينَ عَهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ
ثمّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَهرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا
إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) |
|
التّفسير |
|
العهود
المحترمة:
|
|
نلحظ في هاتين
الآيتين البيّنتين مزيد تأكيد على
موضوع إلغاء المعاهدات التي كانت بين النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)
والمشركين، حتى أنّ تاريخ الإِلغاء قد أُعلن في
هذه الآية إذ نقول: (وأذان
من الله ورسوله إِلى الناس يوم الحج الأكبر أنّ الله بريء من المشركين ورسولُه)(
جملة وأذان إلخ. معطوفة على جملة: براءة من
الله. وهناك إحتمالات أُخرى في تركيب الجملة
«ونظمها»، غير أن ما ذكرناه أكثر ظهوراً كما يبدوا.). وفي الحقيقة، أنّ الله سبحانه يريد في هذا الإِعلان العام في مكّة
المكرمة، وفي ذلك اليوم العظيم، أن يوصد كل ذريعة يتذرع بها المشركون والأعداء،
ويقطع ألسنة المفسدين، لئلا يقولوا: إنّهم أستغفلوا في الحملة أو الهجوم عليهم،
وإن ذلك ليس من الشّهامة والرجولة. |
|
ملاحظات:
1 ـ الحجُّ الأكبرُ! ، 2- أعلن براءة الله من المشركين
|
|
1 ـ
الحجُّ الأكبرُ! |
|
الآيتان(5) (6)
فَإِذَا انسَلَخَ الاَْشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
وَجَدتُّمُوهُمْ
|
|
فَإِذَا انسَلَخَ
الاَْشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ
وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَد فَإِن تَابُوا
وَأَقَامُوا الصَّلَوةَ وَءَاتَوُا الزَّكَوةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ
اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(5) وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ
فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَمَ اللهِ ثمّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ(6) |
|
التّفسير |
|
الشدّة المقرونة بالرّفق: |
|
نقرأ في الآيتين أعلاه بيان وظيفة المسلمين بعد إنتهاء مدّة إمهال المشركين «الأشهر الأربعة» وقد أصدر القرآن أوامره الصارمة في
هذا الصدد فقال: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا
المشركين حيث وجدتموهم)( الفعل «انسلخ» مأخوذ من
الإِنسلاخ ومعناه الخروج، وأصله من «سلخ الشاة» أي إخراج الشاة من جلدها عند الذبح.). |
|
الآيات(7) (10)
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللهِ وَعِندَ رَسُولِهِ
|
كَيْفَ يَكُونُ
لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ
عَهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَمُوا لَكُمْ
فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ(7) كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا
عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًَّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم
بِأَفَوهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَسِقُونَ(8) اشْتَرَوْا
بِأَيَتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلا فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا
كَانُوا يَعْمَلُون(9) لاَيَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِن إِلاًَّ وَلاَ ذِمَّةً
وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ(10) |
|
التّفسير |
|
المعتدون
النّاقضون العَهدَ:
|
|
كما لاحظنا في الآيات السابقة
الإِسلام ألغى جميع العهود التي كانت بينه وبين المشركين وعبدة الأوثان ـ إلاّ
جماعة خاصّة ـ وأمهلهم مدّة أربعة أشهر ليقرروا موقفهم منه. وفي نهاية الآية
إشارة إِلى جذر هذا الموضوع وأساسه وهو فسقهم، فتقول: (وأكثرهم فاسقون). ولمّا كانت أرض مكّة تستوعب
منطقة واسعة «حولي 48 ميلا» فقد عُدّت المنطقة كلها جزءاً من المسجد الحرام، كما نقرأ عن ذلك في الآية (196) من سورة البقرة، إذ تذكر
موضوع حج التمتع وأحكامه فتقول: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام). |
|
|
الآيات(11) (15)
فَإِنْ تَابُوا وأَقَامُوا الصَّلَوةَ وَءَاتَوُا الزَّكَوةَ فَإِخْوَنُكُمْ فِى
الدِّيِنِ
|
|
فَإِنْ تَابُوا
وأَقَامُوا الصَّلَوةَ وَءَاتَوُا الزَّكَوةَ فَإِخْوَنُكُمْ فِى الدِّيِنِ
وَنُفَصِّلُ الاَْيَتِ لِقَوْم يَعْلَمُونَ(11) وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَنَهُمْ
مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِى دِينِكُمْ فَقَتِلُوا أَئِمَّةَ
الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَنَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ(12) أَلاَ
تُقَتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوا أَيْمَنَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ
وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّة أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَن
تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (13)قَتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ
بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْم
مُّؤْمِنينَ(14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن
يَشَآءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(15) |
|
التّفسير |
|
لِمَ
تخشونَ مقاتلةَ العدوِّ؟!
|
|
إنّ أحدَ أساليب الفصَاحة
والبلاغة أن يكرر المتحدّث المطلب المهم بتعابير مختلفة للتأكيد على أهمية،
وليكون له أثر في النفوس. ولما كانت مسألة تطهير المحيط الإِسلامي من الوثنية
وعبادة الأصنام وإزالة آثارها، من المسائل ذات الأهميّة القصوى، فإنّ القرآن
يكرر هذه المطالب بعبارات جديدة ـ في الآيات محل البحث ـ ويورد القرآن كذلك
لطائف تخرج المطلب ـ عن صورة التكرار، ولو التكرار المجازي. والشاهد على هذا
الكلام أنّ جملة (وإن نكثوا أيمانهم) جاءت
في مقابل (فإن تابوا وأقاموا الصلاة) أي لا يخلو
الأمر من أحد وجهين، فإمّا أن يتوبوا ويعرضوا عن
الشرك ويتجهوا نحو الله، وإمّا أن يستمرا على
طريقهم ونكث أيمانهم. ففي الصورة الأُولى هم
إخوانكم في الدين، وفي الصورة الثّانية ينبغي
مقاتلتهم. |
|
الآية(16) أَمْ
حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللهِ
|
|
أَمْ حَسِبْتُمْ
أَن تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ
يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنيِنَ وَلِيجَةً
واللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(16) |
|
التّفسير |
|
في هذه الآية ترغيب
للمسلمين في الجهاد عن طريق آخر، حيث
تُحمِّلُ الآية المسلمين مسؤولية ذات عبء كبير، وهي أنّه لا ينبغي أن تتصوروا أن
كلّ شيء سيكون تامّاً بادعائكم الإِيمان فحسب، بل يتجلى صدق النيّة وصدق القول
والإِيمان الواقعي في قتالكم الأعداء قتالا خالصاً من أي نوع من أنواع النفاق. وفي الحقيقة فإنّ الجملة المتقدمة تُنّبه المسلمين إِلى أنّ الأعمال
لا تكمل بإظهار الإِيمان فحسب، ولا تتجلى شخصية الأشخاص بذلك، بل يعرف الناس باختبارهم عن طريقين: |
|
الآيتان(17) (18) مَا
كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَجِدَ اللهِ شَهِدِينَ عَلَى
أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ
|
|
مَا كَانَ
لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَجِدَ اللهِ شَهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِم
بِالْكُفْرِ أَوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَلَهُمْ وَفِى النَّارِهُمْ خَلِدُونَ(17)
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَجِدَ اللهِ مَنْ ءَامَنَ بِاللهِ وَالْيُومِ الاَْخِرِ
وَأَقَامَ الصَّلَوةَ وَءَاتَى الزَّكَوةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسَى
أَوْلَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ(18) |
|
التّفسير |
|
مَن
يعمر مساجد الله؟
|
|
من جُملة المسائل التي يمكن
أن تخالط اذهان البعض بعد إلغاء عهد المشركين وحكم الجهاد، هو: لِمَ نُبْعِد هذه
الجماعة العظيمة من المشركين عن المسجد الحرام لأداء مناسك الحج، مع أنّ
مساهمتهم في هذه المراسم عمارة للمسجد من جميع الوجوه «المادية والمعنوية» إذ
يستفاد من إعاناتهم المهمّة لبناء المسجد الحرام، كما يكون لوجودهم أثر معنوي في
زيادة الحاجّ والطائفين حول الكعبة المشرفة وبيت الله |
|
الآيات(19) (22)
أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَآجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ
ءَامَنَ بِاللهِ
|
|
أَجَعَلْتُمْ
سِقَايَةَ الْحَآجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاللهِ
وَالْيَوْمِ الاَْخِرِ وَجَهَدَ فِى سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَووُنَ عِندَ
اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّلِمِينَ(19) الَّذِينَ ءَامَنُوا
وَهَاجَرُوا وَجَهَدُوا فِى سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ
أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنَد اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَآئِزُونَ(20)
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَة مِّنْهُ وَرِضْوَن وَجَنَّت لَّهُمْ فِيهَا
نَعِيمٌ مُّقِيمٌ (21) خَلِدِينَ فِيهَآ أَبَداً إِنَّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ
عَظِيمٌ(22) |
|
سبب النّزول
|
|
هناك روايات مختلفة في سبب
نزول الآيات ـ محل البحث ـ منقولة في كتب أهل السنة والشيعة، ونورد هنا ما يبدو
أكثر صحة. |
|
التّفسير |
|
مقياس
الفخر والفضل:
|
|
مع أنّ للآيات ـ محل البحث ـ
شأناً في نزولها، إلاّ أنّها في الوقت ذاته تستكمل البحث الذي تناولته الآيات
المتقدمة، ونظير ذلك كثير في القرآن. أمّا الآية التالية فتوضح ما أجملته الآية السابقة وتؤكّده بالقول: (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم
أعظم درجة عند الله وأُولئك هم الفائزون). |
|
ملاحظتان |
|
1 ـ تحريف
التاريخ
|
|
كما قرأنا آنفاً في شأن نزول
الآيات محل البحث، وطبقاً لرواية وردت في كثير من كتب الآيات أهل السنة الشهيرة،
أنّها نزلت في علي(ع) وبيان فضائله، على أنّ مفهوم الآيات عام واسع «وقد قلنا مراراً بأن أسباب النّزول لا تحدّد مفاهيم الآي». وهي ما نُقَل عن
النعمان بن بشير إذ يقول: كنت جالساً في
عدة من أصحاب النّبي إلى جوار منبره، فقال بعضهم:
لا أرى عملاً بعد الإِسلام أفضل من سقاية الحاج وإروائهم، وقال الآخر: إن عمارة المسجد الحرام أفضل من كل عمل، فقال الثالث، في سبيل الله أفضل ممّا قلتما. ولو كان القياس بين الإِيمان
وسقاية الحاج المقرونة بالإِيمان والجهاد، لكانت جملة (والله
لا يهدي القوم الظالمين) لغواً ـ والعياذ بالله ـ لأنّها حينئذ لا مفهوم
لها هنا. |
|
2 ـ ما هو مقام
الرضوان
|
|
يستفاد من الآيات ـ محل البحث
ـ أنّ مقام الرضوان الذي هو من أعظم المواهب التي يهبها الله المؤمنين
والمجاهدين في سبيله، هو شيءٌ غير الجنات والنعيم المقيم وغير رحمته الواسعة. |
|
الآيتان(23) (24)
يَأَيُهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا ءَابَآءَكُمْ وَإِخْوَنَكُمْ
أَوْلِيَآءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا
|
|
يَأَيُهَا
الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا ءَابَآءَكُمْ وَإِخْوَنَكُمْ أَوْلِيَآءَ
إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الاِْيمَنِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ
فَأَوْلَئِكَ هُمُ الظَلِمُونَ(23) قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ
وَإِخْوَنُكُمْ وَأَزْوَجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَلٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا
وَتِجَرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم
مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَاد فِى سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِىَ
اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَسِقِينَ(24) |
|
التّفسير |
|
كلّ
شيء فَداءٌ للهدف:
|
|
إنّ آخر وسوسة أو ذريعة يمكن
أن يتذرع بها جماعة من المسلمين للامتناع عن جهاد المشركين (وفعلا فقد تذرع
بعضهم وفقاً لما ورد في قسم من التفاسير) بأن من بين المشركين وعبدة الأوثان أقارب
لهم، فقد يُسلم الأب ويبقى ولده في الشرك على حاله، وقد يقع العكس إذ يخطو الابن
نحو توحيد الله ويبقى أبوه مشركاً، وهذه الحالة ربّما كانت موجودة بين الأخ
وأحيه، والزوج وزوجه، والفرد وعشيرته أو قبيلته، وهكذا. وقد جاء في تفسير
علي بن إبراهيم القمي في شأن الآيتين مايلي: «لما أذّن أمير المؤمنين أن لا يدخل المسجد الحرام مشرك بعد ذلك، جزعت قريش
جزعاً شديداً، وقالوا: ذهبت تجارتنا وضاعت علينا وخربت دورنا، فأنزل الله في ذلك
قل (يا محمّد) الخ .... |
|
الآيات(25) (27)
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَة وَيَوْمَ حُنَيْن إِذْ
أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ
|
|
لَقَدْ نَصَرَكُمُ
اللهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَة وَيَوْمَ حُنَيْن إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ
كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الاَْرْضُ
بِمَا رَحُبَتْ ثمّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ(25) ثمّ أَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ
عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودَاً لَّمْ تَرَوْهَا
وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَآءُ الْكَفِرِينَ(26) ثمّ يَتُوبُ
اللهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَآءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (27) |
|
التّفسير |
|
الكثرة
وحدَها لا تجدي نفعاً:
|
|
في الآيات المتقدمة رأينا أنّ
الله سبحانه يدعوا المسلمين إِلى التضحية والجهاد على جميع الصُعد في سبيل الله
وقلع جذور الشرك وعبادة الأوثان، ويهدد بشدّة من يتقاعس منهم عن الجهاد والتضحية
بسبب التعلق بالأزواج والأولاد والأرحام والعشيرة والمال والثروة. وفي هذه اللحظات الحساسة حيث
تفرق جيش الإِسلام هنا وهناك، ولم يبق مع النّبي إلاّ القلة، وكان النّبي
مضطرباً ومتألّماً جدّاً لهذه الحالة نزل التأييد الإلهي: (ثمّ أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً
لم تروها). |
|
ملاحظات |
|
1 ـ غزوة حنين
ذات العبرة
|
|
«حُنين» منطقة قريبة من الطائف،
وبما أنّ الغزوة وقعت هناك فقد سميّت باسم المنطقة ذاتها، وقد عُبّر عنها في
القرآن بـ «يوم حنين» ولها من الأسماء ـ غزوة أوطاس، وغزوة هوازن أيضاً. فلّما سمع المسلمون
صوت العباس رجعوا وقالوا: لبيّك لبيّك،
ولا سيما الأنصار إذ عادوا مسرعين وحملوا على العدوّ من كل جانب حملة شديدة،
وتقدّموا بأذن الله ونصره، بحيث تفرقت هوازن شذر مذر مذعورة، والمسلمون ما زالوا
يحملون عليها. فقتل حوالي مئة شخص من هوازن، وغنم المسلمون أموالهم كما أسروا
عدّة منهم(مجمع البيان، ج 5، ص 17 ـ 19.). |
|
2 ـ من هم
الفارّين
|
|
ممّا لا شك فيه أنّ الأكثرية
الساحقة فرّت باديء الأمر من ساحة المعركة، وما تبقى منهم كانوا عشرةً فحسب،
وقيل أربعة عشر شخصاً، وأقصى ما أوصل عددُهم المؤرخون لم يتجاوزوا مئة شخص. يقول صاحب تفسير
المنار ما ملَخصُه: لما رشق العدوّ
المسلمين بسهامه، كان جماعة قد التحقوا بالمسلمين من مكّة، وفيهم المنافقون
وضعاف الإِيمان والطامعون «للغنائم» ففرّ هؤلاء جميعاً وتقهقروا إِلى الخلف،
فاضطرب باقي الجيش طبعاً، وحسب العادة ـ لا خوفاً ـ فقد
فرّوا أيضاً، وهذا أمر طبيعي عند فرار طائفة فإنّه يتزلزل الباقي منهم
فيفر أيضاً ـ ففرارهم لا يعني ترك النّبي وعدم نصرته أو تسليمه بيد عدوه، حتى
يستحقوا غضب الله!!( راجع تفسير المنار، وأقرار التفصيل
فيه، ج 1، الصفحات 262 و 263 و 265.) |
|
3 ـ الإِيمان
والسكينة
|
|
السكينة في الأصل مأخوذة من السكون،
وتعني نوعاً من الهدوء أو الإِطمئنان الذي يبعد كل نوع من أنواع الشك والخوف
والقلق والإِستيحاش عن الإِنسان، ويجعله راسخ القدم بوجه الحوادث الصعبة
والملتوية. والسكينة لها علاقة قربى بالإِيمان، أي أنّ السكينة وليدة الإِيمان، فالمؤمنون
حين يتذكرون قدرة الله التي لا غاية لها، ويتصورون لطفه ورحمته يملأ قلوبهم موج
الأمل ويغمرهم الرجاء. |
|
4 ـ في الآيات
محل البحث إشارة إِلى أنّ الله نصر المسلمين في مواطن كثيرة!
|
|
هناك كلام كثير بين المؤرخين
حول عدد مغازي النّبي وحروبه، التي أسهم فيها(صلى الله عليه وآله وسلم) شخصيّاً،
وقاتل الأعداء، أو حضرها دون أن يقاتل بنفسه، أو الحروب التي وقف فيها المسلمون
بوجه أعدائهم ولم يكن الرّسول حاضراً في المعركة. |
|
ما
ينبغي على المسلمين
|
|
5 ـ إن ما ينبغي
على المسلمين أن يعتبروا به ويلزمهم أن يأخذوا منه درساً بليغاً، هو أن ينظروا
إِلى الحوادث التي هي على شاكلة حادثة حنين، فلا يغتروا بكثرة العَدَد أو
العُدد، فالكثرة وحدها لا تغني شيئاً، بل المهم في الأمر وجود المؤمنين الراسخين
في الإيمان، ذوي الإِرادة والتصميم، حتى لو كانوا قلةً. |
|
الآية(28) يَأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَيَقْرَبُوا
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ
|
|
يَأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَيَقْرَبُوا
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً
فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ
حَكِيمٌ(28) |
|
التّفسير |
|
لايحقُّ
للمشركين أنْ يَدخُلُوا المسجد الحَرَام:
|
|
قلنا: إن واحداً من الأُمور
الأربعة التي بلّغها الإِمام علي(ع) في موسم الحج في السنة التاسعة للهجرة، هو
أنّه لا يحق لأحد من المشركين دخول المسجد الحرام، أو الطواف حول البيت، فالآية
محل البحث تشير إِلى هذا الموضوع وحكمته، فتقول أوّلا: (يا
أيّها الذين آمنوا إنّما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا). |
|
الآية(29) قَتِلُوا
الَّذِينَ لاَيُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الاَْخِرِ وَلاَ
يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ
|
|
قَتِلُوا الَّذِينَ
لاَيُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الاَْخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا
حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَبَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَد وَهُمْ صَغِرُونَ(29) |
|
التّفسير |
|
مسؤوليتنا
إزاء أهل الكتاب:
|
|
كان الكلام في الآيات السابقة
عن وظيفة المسلمين إزاء المشركين، أمّا الآية ـ محل البحث (وما يليها من الآي) ـ
فتبيّن تكليف المسلمين ووظيفتهم إزاء أهل الكتاب. وتذكر الآية الصفة
الثّالثة التي كانوا يتصفون بها فتقول: (ولا يدينون دين الحق). |
|
ما
هَي الجزية؟!
|
|
تُعدّ الجزية
ضريبةً مالية «إسلامية» وهي تتعلق
بالأفراد لا بالأموال ولا بالأراضي، أو بتعبير آخر:
هي ضريبة مالية سنوية على الرؤوس. نص كتاب المعاهدة: «هذا كتاب من خالد بن
الوليد لصلوبا بن نسطونا وقومه، إني
عاهدتكم على الجزية والمنعة، فلك الذّمة والمنعة، وما منعناكم فلنا الجزية وإلاّ
فلا، كتب سنة اثنتى عشرة في صفر »( نقلا عن تفسير
المنار، ج 10، ص 294.). |
|
الآيات(30) (33)
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَرَى الْمَسِيحُ
ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَهِهِمْ
|
|
وَقَالَتِ
الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَرَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ
ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَهِهِمْ يُضَهؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن
قَبْلُ قَتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ(30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَنَهُمْ
أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوا إِلاَّ
لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَحِداً لاَّإِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَنَهُ عمّا
يُشْرِكُونَ(31) يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَهِهِمْ
وَيَأْبَى اللهُ اِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَفِرُونَ(32)
هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ
عَلَى الَّدِينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(33) |
|
التّفسير |
|
شرك
أهل الكتاب:
|
|
كان الكلام في الآيات
المتقدمة بعد الحديث عن المشركين وإِلغاء عهودهم وضرورة إزالة دينهم ومعتقداتهم
الوثنية يشير بعد ذلك إِلى أهل الكتاب وقد حدد الإِسلام لهم شروطاً ليعيشوا
بسلام مع المسلمين، فإنّ لم يفوا بها كان على المسلمين أن يقاتلوهم. وفي الآيات محل البحث بيان لوجه الشبه بين أهل الكتاب والمشركين، ولا سيما اليهود والنصارى منهم، ليتّضح أنّه لو كان
بعض التشدد في معاملتهم، فإنّما هو لإِنحرافهم عن التوحيد، وميلهم إِلى نوع من
الشرك في العقيدة، ونوع من الشرك في العبادة. |
|
بحوث |
|
1 ـ من هُوَ
عزيرٌ؟!
|
|
«عزير» في لغة العرب هو «عزرا»
في لغة اليهود، ولمّا كانت العرب تغيّر في بعض الكلمات التي تردها من لغات
أجنبية وتجري على لسانها، وذلك كما هي الحال في إِظهار المحبّة خاصّة فتصغر
الكلمة، فصغرت عزرا إِلى عُزير، كما بُدلت كلمة يسوع العبرية إِلى عيسى في العربية، ويوحنا إِلى
يحيى.( المراد من التصغير عادةً هو بيان كون الشيء
صغيراً في قبال شيء آخر كبير، مثل رجيل المصغر عن رجل، لكن للتصغير أغراضاً
بلاغية منها إِظهار المحبّة وغيرها، كما في اظهار الرجل محبته لولده فيصغّر
إِسمه.) ولما فتح كورش ملك فارس بابل جاءه عزرا، وكان من
أكابر اليهود، فاستشفعه في اليهود فشفّعه فيهم،
فرجعوا إِلى ديارهم وكتب لهم التّوراة ـ ممّا بقي في ذهنه من أسلافه اليهود وما
كانوا قد حدّثوا به ـ من جديد. |
|
2 ـ لم يكن
المسيحُ ابن اللهِ
|
|
لا ريب أن المسيحيين يعتقدون أن عيسى هو الابن الحقيقي لله، ولا يطلقون هذا الاسم إِكراماً وتشريفاً له، بل على نحو المعنى الواقعي له،
وهم يصرّحون في كتبهم أن إِطلاق هذا الاسم على غير المسيح بالمعنى الواقعي غير
جائز، ولاشك أنّ هذا من بدع النصارى، والمسيح لم يدّعِ مثل هذا الإِدعاء أبداً،
وإِنّما كان يقول: بإنّه عبدٌّ لله، ولا معنى أساساً لأن ننسب علاقة الأبوة
والبنوة الخاصّة بعالم المادة وعالم الممكنات بين الله وعباده أبداً. |
|
3 ـ اقتباس هذه
الخرافات
|
|
يقول القرآن المجيد في الآية
محل البحث: أنّهم ـ أي اليهود والنصارى ـ يضاهئون ـ
أي يُشبهون بانحرافاتهم ـ الذين كفروا والمشركين. |
|
4 ـ ما هو معنى
(قاتلهم الله)
|
|
جملة وإِن كان معناها في الأصل أنّ الله مقاتلٌ إيّاهم وما إِلى ذلك، لكن كما يقول الطبرسي في مجمع البيان نقلا عن ابن عباس، إِن هذه الجملة كناية عن اللعنة أي أنّ الله أبعدهم
عن رحمته، فهو دعاء عليهم. وفي الآية الثّالثة
من الآيات محل البحث تشبيه طريف لسعي
اليهود والنصارى، أو سعي جميع مخالفي الإِسلام حتى المشركين، وجدّهم واجتهادهم
المستمر «العقيم» الذي لا يعود عليهم بالنفع أبداً، إِذ تقول الآية: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلاّ
أن يُتمّ نورَهُ ولو كره الكافرون). |
|
ملاحظات:
1 ـ شُبِّه الدين 2- المستقبل للإسلام:
|
|
1 ـ شُبِّه الدين ـ دين الله ـ في هذه الآية وفي القرآنُ
وتعاليم الإسلام بالنور، ونحن نعرف أن النّور أساس الحياة والحركة والنمو والعمران على
الأرض ومنشأ كل جمال. يقول الراغب في
مفرداته موضحاً الفرق بين (أن يطفئوا) و(ليطفئوا): إِنّ الآية الأُولى تشير إِلى محاولة إطفاء نور الله بدون مقدمات، أمّا
الآية الأُخرى فتشير إِلى محاولة إطفائه بالتوسل بالأسباب والمقدمات، فالقرآن يريد أن يقول: سواء توسّلوا بالأسباب أم لم
يتوسلوا فلن يفلحوا أبداً، وعاقبتهم الهزيمة والخسران. |
|
بحوث |
|
1 ـ المراد
«الهدى ودين الحقّ»
|
|
هذا التعبير الوارد في الآية
محل البحث: (أرسل رسوله بالهدى ودين الحق)بمثابة
الدليل على انتصار الإِسلام وظهوره على جميع الأديان، لأنّه لمّا كان محتوى دعوة
النّبي الهداية، والعقل يدل على ذلك في كل موطن، ولما كانت أُصوله وفروعه موافقة
للحق، ومع الحق، وتسير في مسيرالحق، ولأجل الحق. فهذا الدين سينتصر على جميع
الأديان طبعاً. |
|
2 ـ انتصار
المنطق أم انتصر القوّة؟
|
|
هناك كلام بين المفسّرين في كيفية ظهور الدين الإِسلامي على سائر
الأديان، وهذا الظهور أو الإِنتصار في أيّ شكل هو؟ |
|
3 ـ القرآن وظهور
المهدي
|
|
إنّ الآية ـ محل البحث ـ
عينها وبالالفاظ ذاتها، وردت في سورة الصف، كما
وردت في أُخريات سورة الفتح باختلاف يسير. كما أن الشيخ
الصدوق روى عن الإِمام الصادق(ع) في
تفسير هذه الآية ـ في كتابه إِكمال الدين ـ أنّه
قال: «والله ما نزل تأويلها بعدُ،ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم،
فإِذا خرج القائم لم يبق كافر بالله العظيم».(
نورالثقلين، ج 2، ص 211.) الرّوايات
الإِسلامية في المهدي «عجّل الله فرجه الشّريف» |
|
الانتظار
وآثاره البنّاءَة:
|
|
كان الكلام في البحث السابق
أن هذا الإِعتقاد لم يكن ممّا طراً على التعاليم الإِسلامية، بل هو من أكثر
المباحث القطعية المأخوذة عن مؤسس دعائم الإِسلام صلوات الله عليه، ويتفق على ذلك عموم الفرق الإِسلامية، والأحاديث في
هذا الشأن متواترة أيضاً. |
|
الحكمة
الأُولى، بناء الشّخصية الفرديّة:
|
|
إِنّ بناء الشّخصية
ـ قبل كل شيء ـ بحاجة إِلى عناصر معدّة ذات قيم إِنسانية، ليمكن للفرد أن يتحمل العبء الثقيل الإِصلاحي للعالم،
وهذا الأمر بحاجة ـ أوّلا ـ إِلى الإِرتقاء الفكري والعلمي والإِستعداد الروحي،
لتطبيق ذلك المنهج العظيم. فالتحجر، وضيق النظر والحسد، والإِختلافات الصبيانية،
وكل نفاق بشكل عام أو تفرقة لا تنسجم ومكانة المنتظرين الواقعيين. |
|
الحكمة
الثّانية، التعاون الإِجتماعي:
|
|
إِنّ المنتظرين بحق في الوقت
الذي ينبغي عليهم أن يهتمّوا ببناء «شخصيتهم» عليهم، أن يراقبوا أحوال الآخرين،
وأن يجدّوا في إصلاحهم جدّهم في إِصلاح ذاتهم... لأنّ المنهج العظيم الذي
ينتظرونه ليس منهجاً فرديّاً، بل هو منهج ينبغي أن تشترك فيه جميع العناصر
الثورية، وأن يكون العمل جماعياً عاماً، وأن تتسقَ المساعي والجهود بشكل يتناسب
وتلك الثورة العالمية هم في انتظارها. |
|
الحكمة
الثّالثة، المنتظرون بحق لا يذوبون في المحيط الفاسد:
|
|
إِنّ الأثر المهم الآخر
للإِنتظار هو عدم ذوبان المنتظرين في المحيط الفاسد، وعدم الإِنقياد وراء
المغريات والتلوّث بها أبداً. |
|
الآيتان(34) (35)
يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الاَْحْبَارِ
وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَلَ النَّاسِ بِالْبَطِلِ
|
|
يَأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الاَْحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ
لَيَأْكُلُونَ أَمْوَلَ النَّاسِ بِالْبَطِلِ وَيَصَدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ
وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَيُنْفِقُونَهَا فِى
سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَاب أَلِيم (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِى
نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا
مَا كَنَزْتُمْ لاَِنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35) |
|
التّفسير |
|
كنز
الأموال:
|
|
كان الكلام في الآيات
المتقدمة عن أعمال اليهود والنصارى المشوبة بالشرك، إِذ كانوا يعبدون الأحبار
والرهبان من دون الله. فالآية هنا تلتفت
نحو المسلمين فتخاطبهم بالقول: (يا
أيّها الذين آمنوا إِنّ كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل
ويصدّون عن سبيل الله). ولبعض العلماء
تعريف طريف في شأن هذين المعدنين
ولُغتيهما «كما ذكر ذلك العلاّمة الطبرسي في مجمع
البيان» فقال: إِنّما سمّي الذهب ذهباً لذهابه
عن اليد عاجلا، وإِنّما سمّيت الفضة لإِنفضاضها
أي لتفرّقها، ولمعرفة مآل وحقيقة هذه الثروة فإنّ هذه التسمّية كافية (لكلّ من المالين ـ الذهب والفضة). وإِذا لم يكن أهل الدنيا
يعرفون أهمية هذا الدّستور الإِسلامي بالأمس، فنحن نستطيع أن ندركه جيداً، لأنّ
الأزمات الإِقتصادية التي أُبتلي بها البشر نتيجة احتكار الثروة من قبل جماعة
«أنانية»; وظهورها على صورة حروب وثورات وسفك دماء، غير خاف على أحد أبداً. وفي كتاب الأمالي
للشيخ الطوسي(قدس سره) ورد هذا المضمون
ذاته عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم): «من أدى زكاة مال فما تبقّى منه ليس
بكنز».( نور الثقلين، ج 2، ص 213.) |
|
أبوذر والإِشتراكية!!
|
|
من المؤاخذات على
الخليفة الثّالث مسألة إبعاد أبي ذر(رضي الله عنه) المصحوب بالقسوة والخشونة الى
الرّبذه، تلك المنطقة التي كان يبغضها أبوذر والتي كانت غير صالحة
من حيث الماء والهواء، حتى إنتهى الأمر الى موت هذا الصحابي الجليل والمجاهد
المضحي في سبيل الإِسلام، وهو الذي قال فيه النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم):
«ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ». وإِذا كان معاوية لم يستطيع أن يجرؤ على قتل أبي ذر أو التآمر عليه ـ خوفاً من
إِنكار عامّة الناس ـ فهل يعدّ ذلك احتراماً لأبي ذر من قبل معاوية؟! |
|
جزاء
من يكنز!
|
|
في الآية التّالية إشارة الى
واحد ممّا يحيق بمثل هؤلاء ممّن يكنز المال في العالم الآخر، إِذ تقول الآية: (يوم يُحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم
وظهورهم). |
|
الآيتان(36) (37)
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَاعَشَرَ شَهْراً فِى كِتَبِ اللهِ
يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوتِ وَالاَْرْضَ
|
|
إِنَّ عِدَّةَ
الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَاعَشَرَ شَهْراً فِى كِتَبِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ
السَّمَوتِ وَالاَْرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً
كَمَا يُقَتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)
إِنَّمَا النَّسِىءُ زِيَادَةٌ فِى الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا
يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا
حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَلِهِمْ
وَاللهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَفِرِينَ(37) |
|
التّفسير |
|
وقف
القتال «الإِجباري»:
|
|
لما كانت هذه السورة تتناول
أبحاثاً مفصلةً حول قتال المشركين، فالآيتان ـ محل البحث ـ تشيران الى أحد
مقرّرات الحرب والجهاد في الإِسلام، وهو احترام الأشهر الحُرم. ويستفاد من بعض
الرّوايات أن تحريم القتال في هذه
الأشهر الحرم، كان مشرّعاً في الديانة اليهودية
والمسيحية وسائر الشرائع السماوية، إِضافة الى شريعة إِبراهيم الخليل(عليه
السلام). ولعلّ التعبير بـ(ذلك الدين القيم) إِشارة
الى هذه اللّطيفة، أي أنّ هذا التحريم كان في أوّل الأمر على شكل قانون ثابت: فالله سبحانه إِذا علم أن في
عباده من ليس أهلا للهداية والتوفيق، خلاه ونفسه: (والله
لا يهدي القوم الظالمين). |
|
بحوث:
1 ـ فلسفة الأشهر الحُرُمِ! 2 ـ مفهوم النسيء
|
|
1 ـ فلسفة
الأشهر الحُرُمِ! |
|
كان تحريم القتال في هذه
الأشهر الأربعة أحَدَ الطرق لإِيقاف الحروب الطويلة الأمد ووسيلة للدعوة نحو
الصلح والدعة، لأنّ المحاربين إِذا وضعوا
أسلحتهم في هذه الأشهر الأربعة، وأخمدت نيران
الحرب ووجدت الفرصة للتفكير، فمن غير المستبعد أن تنتهي الحرب ويحل السلام
محلّه، لأنّ الشروع المجدد بعد إيقاف القتال وانطفاء نار الحرب في غاية الصعوبة،
ولا ننسى أن المقاتلين في حرب فيتنام خلال العشرين سنةً من الحرب كانوا يواجهون
صعوبة كبيرة لإِيقاف القتال خلال أربع وعشرين ساعة لبداية العام الميلادي
الجديد، إلاّ أنّ الإِسلام جعل لأتباعه قراراً بإيقاف القتال خلال أربعة أشهر،
وهذا الأمر بنفسه يدل على روح السلام في الإِسلام والمطالبة بالصلح. |
|
2 ـ مفهوم
النسيء وفلسفته في الجاهليّة |
|
«النسيء»
على وزن «الكثير» من مادة «نسأ» ومعناها
التأخير ويمكن أن تكون هذه الكلمة اسم مصدر أو
مصدراً، وتطلق على ما يؤجل من إِعطاء المال أو قبضه. |
|
3 ـ وحدة
الكلمة مقابل العدو |
|
إِنّ القرآن يعلمنا في
الآيتين آنفتي الذكر أن نقف صفاً واحداً بوجه العدو عند الحرب، ويستفاد من هذا
النص القرآني أنّه ينبغي التنسيق حتى في المواجهات السياسية والثقافية،
والإِقتصادية والعسكرية فنحن نكتسب القوة في ظل هذه الوحدة التي تنتهل من روح
الإِسلام وهذا الأمر قد جُعل في طي النسيان وكان مدعاة الى انحطاط المسلمين
وتأخرهم. |
|
4 ـ كيف
يُزيَّنُ للناسِ سوءُ أعمالهم؟! |
|
إِنّ فطرة الإِنسان إِذا كانت
نقيّة تميز الصالح من الطالح بصورة جيدة، إلاّ أنّه حين يذنبُ الإِنسان ويخطو في
طريق الآثام فإنّه يفقد هذا الإحساس «بتمييز الصالح من الطالح» تدريجاً. |
|
الآيتان(38) (39)
يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِى
سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ
|
|
يَأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِى سَبِيلِ اللهِ
اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الاَْرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَوةِ الدُّنْيَا مِنَ
الاَْخِرَةِ فَمَا مَتَعُ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا فِى الاَْخِرَةِ إِلاَّ
قَلِيلٌ(38) إِلاَّ تَنِفُروا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ
قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَتَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَىْء
قَدِيرٌ(39) |
|
سبب النّزول
|
|
جاء عن ابن عباس
وآخرين أنّ الآيتين ـ محل البحث ـ نزلتا في
معركة تبوك حين كان النّبي(ص) عائداً من الطائف الى المدينة، وهو يهيىء الناس
ويعبؤهم لمواجهة الروم. |
|
التّفسير |
|
التّحرك نحو سوح الجهاد مرّة
أُخرى فإِذا كنتم تتصورون أنّكم
إِذا توليتم وأعرضتم عن الذهاب الى سوح الجهاد، فإنّ
عجلة الإِسلام ستتوقف وينطفىء نور الإِسلام، فأنتم في غاية الخطأ والله
غني عنكم (ويستبدل قوماً غيركم) قوماً أفضل منكم
من كل جهة، لا من حيث الشخصيّة فحسب، بل من حيث الإِيمان والإِرادة والشهامة
والإِستجابة والطاعة (ولا تضرّوه شيئاً). |
|
ملاحظات |
|
1 ـ في الآيتين
آنفتي الذكر تأكيد على الجهاد من سبعة وجوه:
|
|
الأوّل: أنّها تخاطب المؤمنين (يا أيّها
الذين آمنوا). ونقرأ دعاء للإِمام
زين العابدين علي بن الحسين(عليه السلام) لأهل الثغور وحُماة الحدود، إِذ
تقول: «وأنسهم عند لقائهم العدوّ ذكر دنياهم الخدّاعة وامحُ عن قلوبهم خطرات
المال الفتون». |
|
الآية(40) إِلاَّ
تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا
|
|
إِلاَّ تَنصُرُوهُ
فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِىَ اثْنيْنِ
إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَحِبِهِ، لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ
مَعنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُود لَّمْ
تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ
هِىَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(40) |
|
التّفسير |
|
المدد
الإلهي للرّسول في أشد اللحظات:
|
|
كان الكلام في الآيات
المتقدمة عن موضوع الجهاد ومواجهة العدوّ، وكما أشرنا فقد جاء الكلام عن الجهاد
مؤكّداً بعدّة طرق، من ضمنها أنّه لا ينبغي أن تتصوروا أنّكم إذا تقاعستم من
الجهاد ونصرة النّبي(ص) فستذهب دعوته والإِسلام أدرَاج الرياح. ولعل هذه الجنود الغيبيّة هي
الملائكة التي حفظت النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في سفره الشاق المخيف، أو
الملائكة التي نصرته في معركتي بدر وحنين وأضرابهما. |
|
قصّة
صاحب النّبي في الغار:
|
|
هناك كلام طويل بين مفسّري الشيعة وأهل السنة في
شأن صحبة أبي بكر النّبي(ص) في سفره وهجرته، وما جاءت من إشارات مغلقة في شأنه
في الآية آنفاً. فمنهم مَن أفرط، ومنهم من فرّط. |
|
الآيتان(41) (42)
انفِرُواْ خِفَافاً وثِقَالا وَجَهِدُوا بِأَمْولِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِى
سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيرٌ
لَّكُمْ
|
|
انفِرُواْ خِفَافاً
وثِقَالا وَجَهِدُوا بِأَمْولِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ
خَيرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً
وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّةُ
وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ
أَنفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَذِبُونَ (42) |
|
التّفسير |
|
الكُسالى
الطّامعون:
|
|
قلنا: إِنّ معركة تبوك كانت لها حالة استثنائية، وكانت مقترنة
بمقدمات معقّدة وغامضة تماماً، ومن هنا فإن عدداً من ضعاف الإِيمان أو المنافقين
أخذ «يتعلّل» في الإِعتذار عن المساهمة في هذه المعركة. وقد وردت في الآيات
المتقدمات ملامة للمؤمنين من قبل الله سبحانه لتباطؤهم في نصرة نبيّهم عند صدور
الأمر بالجهاد، وعدم الإِسراع إِلى ساحة الحرب وأكّدت بأنّ الأمر بالجهاد
لصالحكم، وإِلاّ فإنّ بإمكان الله أن يهيىء جنوداً مؤمنين شجعاناً مكان الكسالى
الذين لاحظ لهم في الثبات والإِرادة، بل حتى مع عدمهم
فهو قادر على أن يحفظ نبيّه، كما حفظه «ليلة المبيت»، وفي «غار ثور». والعجيب أنّ عدداً
من «خيوط العنكبوت» المنسوجة على مدخل الغار كانت سبباً لإِنحراف فكر الأعداء الألداء، وأن يعودوا
قافلين آيسين بعد وصولهم إِلى هذا الغار، وأن يسلم النّبي(ص) من كيدهم. أي إن كنتم تعلمون بأنّ
الجهاد مفتاح عزتكم ورفعتكم ومنعتكم. |
|
الآيات(43) (45)
عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُم حَتَّى يتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدقُوا وَتَعْلَمَ الْكَذِبِينَ (43)
|
|
عَفَا اللهُ عَنكَ
لِمَ أَذِنتَ لَهُم حَتَّى يتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدقُوا وَتَعْلَمَ
الْكَذِبِينَ (43) لاَ يَسْتَئْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَومِ
الاَْخِرِ أَن يُجَهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيم
بِالْمُتَّقِين (44)إِنَّمَا يَسْتَئْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ
وَالْيَوْمِ الاَْخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِى رَيْبِهِمْ
يَتَرَدَّدُونَ (45) |
|
التّفسير |
|
التعرّف
على المنافقين!
|
|
يُستفاد من الآيات ـ محل
البحث ـ أنّ جماعة من المنافقين جاؤوا إِلى النّبي(ص)
وبعد أن تذرعوا بحجج واهية مختلفة ـ حتى أنّهم أقسموا على صدق مدعاهم ـ استأذنوا
النّبي أن ينصرفوا عن المساهمة في معركة تبوك، فأذن لهم النّبي بالإِنصراف. |
|
الآيات(46) (48)
وَلَوْ أَرَادُوا الْخُروُجَ لاََعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللهُ
انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ
|
|
وَلَوْ أَرَادُوا
الْخُروُجَ لاََعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ
فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُم
مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالا وَلاَوْضَعُوا خِلَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ
الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّلِمينَ (47)
لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الاُْمُورَ حَتَّى
جَآءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أمْرُ اللهِ وَهُمْ كَرِهُونَ(48) |
|
التّفسير |
|
عدم وجودهم أفضل: |
|
الآية(49) وَمِنْهُمْ
مَّن يَقُولُ ائذَن لِّى وَلاَ تَفْتِنِّى أَلاَ فِى الْفِتْنَةِ سَقَطُوا
|
|
وَمِنْهُمْ مَّن
يَقُولُ ائذَن لِّى وَلاَ تَفْتِنِّى أَلاَ فِى الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وإِنَّ
جَهَنَّمَ لَُمحِيَطةٌ بِالْكَفِرينَ (49) |
|
سبب النزول
|
|
قال جماعة من
المفسّرين: إنّ النّبي(ص) كان يُعبّىء
المسلمين ويُهيؤهم لمعركة تبوك ويدعوهم للتحرك نحوها، فبينا هو على مثل هذه
الحال إذا برجل من رؤساء طائفة «بني سلمة» يُدعى «جدّ بن قيس» وكان في صفوف
المنافقين، فجاء إلى النّبي(ص) مستأذناً أن لا يشهدَ المعركة، متذرعاً بأنّ فيه شبقاً إِلى النساء، وإذا ما وقعت
عيناه على بنات الروم فربّما سيهيم وَلَهاً بهنَّ وينسحب من المعركة!! فأذن له النّبي بالإِنصراف. |
|
التّفسير |
|
المنافقون
المتذرّعون:
|
|
يكشف شأن النزول المذكور أن
الإِنسان متى أراد أن يتنصل من تحمل المسؤولية يسعى للتذرّع بشتى الحيل، كما
تذرع المنافق جد بن قيس لعدم المشاركة في
المعركة وميدان الجهاد، بأنّه ربّما تأسره الوجوه
النضرة من بنات الروم وتختطف قلبه،
فينسحب من المعركة ويقع في إشكالِ شرعي!!... |
|
الآيات(50) (52) إِن
تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ
أَخَذْنَآ أَمْرَنَا مِن قَبْلُ
|
|
إِن تُصِبْكَ
حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَآ
أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَّهُمْ فَرِحُونَ (50) قُل لَّن يُصِيبَنَآ
إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَنَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُؤْمِنُونَ (51)قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ
وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذَاب مِّنْ عِندِهِ
أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ (52) |
|
التّفسير |
|
في الآيات ـ آنفة
الذكر ـ إشارة إِلى إِحدى صفات المنافقين وعلاماتهم وبهذا تتابع
البحث الذي يتناول صفات المنافقين في ذيل الآيات المتقدمة والآيات اللاحقة. |
|
بحوث |
|
1 ـ المقادير
وسعي الإنسان
|
|
ممّا لا شك فيه أن مآلنا
وعاقبة أمرنا ـ بأيدينا ـ ما دام الأمر يدور في دائرة سعينا وجدّنا، والقرآن
الكريم يصرّح بهذا الشأن أيضاً، كقوله تعالى: (وأن ليس
للإنسان إِلاّ ما سعى)( سورة النّجم، 39.)
، وكقوله تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة)( المدثر، 38.)
وفي آيات أخر. بالرغم من أنّ الجد والسعي هما من السنن الإِلهيّة وبأمره تعالى
أيضاً. |
|
2 ـ لا وجود
للهزيمة في قاموس المؤمنين
|
|
نواجه في آخر آية ـ من الآيات محل البحث ـ منطقاً مُحكماً متيناً يستبطن
السّر الأساس لإنتصارات المسلمين الأوائل جميعاً، ولو لم يكن للنّبي(ص) من تعليم
ودستور إِلاّ ما نجده في هذه الآية لكان كافياً لإنتصار أتباعه ومقتفي منهاجه،
وهو أنّه لا مفهوم للهزيمة في صفحات أرواحهم فقد أثبتت الحوادث أنّهم منتصرون
على كل حال، منتصرون إِن استشهدتم!... منتصرون إِن قتلتم أعداءكم! |
|
3 ـ صفات
المنافقين
|
|
نؤكّد مرّة أُخرى على أنّه لا
ينبغي أن نقرأ هذه الآيات ونعدّ موضوعها مسألة تاريخية ترتبط بما سبق، بل علينا
أن نعتبرها درساً ليومنا وأمسنا وغدنا، ولجميع الناس. فليس من مجتمع يخلو من
مجموعة منافقين، قلّت أو كثرت، وصفاتهم على شاكلة واحدة تقريباً. |
|
الآيات(53) (55) قُلْ
أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّنْ يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ
قَوْماً فَسِقِينَ
|
|
قُلْ أَنفِقُواْ
طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّنْ يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً
فَسِقِينَ (53) وَمَا مَنعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَتُهُمْ إِلاّ
أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلَوةَ إِلاَّ
وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَرِهُونَ (54) فَلاَ تُعْجِبْكَ
أَمْوَلُهُمْ وَلاَ أَوْلَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا
فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَتَزْ هَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَفِرُونَ (55) |
|
التّفسير |
|
تشير هذه الآيات إِلى قسم آخر من علامات المنافقين وعواقب أعمالهم
ونتائجها، وتبيّن بوضوح كيف أن أعمالهم لا أثر لها ولا قيمة، ولا تعود عليهم
بأيّ نفع. والثّاني: أنّهم (لا يأتون الصلاة إلاّ وهم كسالى)!... والثّاني: لما كانوا بهذه الأَموال والأولاد متعلقين، ولا يؤمنون
بالحياة بعد الموت ولا بالدار الآخرة الواسعة ولا بنعيمها الخالد فليس من الهيّن
أن يغمضوا عن هذه الأموال والذّرية، ويخرجون من هذه الدنيا ـ بحال مزرِيَة وفي
حال الكفر. |
|
ملاحظتان |
|
1 ـ
يسأل بعضهم: إِنّ الآية الأُولى ـ من
الآيات محل البحث ـ تقول: (انفقوا طوعاً وكرهاً لن
يتقبل منكم) مع أن الآية الأُخرى تقول بصراحة:
(ولا ينفقون إلاّ وهم كارهون). |
|
الآيتان(56) (57)
وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ(56)
|
|
وَيَحْلِفُونَ
بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ
يَفْرَقُونَ(56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجأً أَوْ مَغَرت أَوْ مُدَّخَلا لَّوَلَّوْا
إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ(57) |
|
التّفسير |
|
علامة
أُخرى للمنافقين:
|
|
ترسم الآيتان أعلاه حالة
أُخرى من أعمال المنافقين بجلاء، إذ تقول الآية
الأُولى: (ويحلفون بالله إنّهم لمنكم وما هم منكم ولكنّهم قوم يفرقون)
ومن شدّة خوفهم وَفَرقِهم يخفون كفرهم ويظهرون الإِيمان. |
|
الآيتان(58) (59)
وَمِنهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِى الصَّدَقَتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُواْ وَإِنْ لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَآ إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ
|
|
وَمِنهُمْ مَّن
يَلْمِزُكَ فِى الصَّدَقَتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُواْ وَإِنْ لَّمْ
يُعْطَوْا مِنْهَآ إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَآ
ءَاتَهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِن
فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ رَغِبُونَ (59) |
|
سبب النّزول
|
|
جاء في تفسير «الدر المنثور»
عن «صحيح البخاري» و«النسائي» وجماعة آخرين، أنّ النّبي(ص) كان مشغولا بتقسيم
الأموال (من الغنائم أو ما شاكلها)، وإِذا برجل من بني تميم يدعى ذو الخويصرة - وهو حرقوص بن زهير ـ يأتي فيقول له: يا
رسول الله، اعدل. فقال رسول الله: «ويلك من يعدل إِذا لم أعدل!» فصاح عمر: يا رسول الله ائذن لي أضرب عنقه. فقال رسول
الله: «دعه فإنّ له أصحاباً يحتقر أحدكم صلاته مع صلواتهم وصومهم مع صومه،
يمرقون من دين كما يمرق السهم من الرميّة...».( نور
الثقلين، ج2، ص227.) |
|
التّفسير |
|
الأنانيون
السفهاءُ:
|
|
في الآية الأُولى أعلاه إِشارة إِلى حالة أُخرى من حالات المنافقين، وهي
أنّهم لا يرضون أبداً بنصيبهم، ويرجون أن ينالوا من بيت المال أو المنافع
العامّة ما استطاعوا إِلى ذلك سبيلا، سواءً كانوا مستحقين أم غير مستحقين،
فصداقتهم وعداوتهم تدوران حول محور المنافع سلباً وإِيجاباً. |
|
الآية(60)
إِنَّمَا الصَّدَقَتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَكِينِ وَالْعَمِلينَ عَلَيْهَا
وَالْمَؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَرِمينَ
|
|
إِنَّمَا
الصَّدَقَتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَكِينِ وَالْعَمِلينَ عَلَيْهَا وَالْمَؤَلَّفَةِ
قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَرِمينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ
السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(60) |
|
التّفسير |
|
موارد
صرف الزكاة ودقائقها:
|
|
في تاريخ صدر الإِسلام
مرحلتان يمكن ملاحظتهما بوضوح، إحداهما في مكّة،
حيث كان هدف النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين فيها تعليم الأفراد
وتربيتهم ونشر التعاليم الإِسلامية. والثّانية في
المدينة، حيث أقدم النّبي(ص) على تشكيل حكومة إِسلاميّة أجرى من خلالها
الأحكام والتعاليم الإِسلامية. وكما سنشير ـ بعد
حين ـ إِلى إِرادة الله وحكمه، فإنّ حكم
الزكاة قد نزل من قبل في مكّة، لكن لا على نحو وجوب جمعها في بيت المال، بل كان
الناس يؤدونها ذاتياً، أمّا في المدينة فإنّ قانون جباية الزكاة وجمعها في بيت
المال قد صدر من الله تعالى في الآية (103) من سورة
التوبة. |
|
بحوث
: أُمور ينبغي ملاحظتها: الفرق بين الفقير والمسكين وتقسيم الزّكاة ودورها
|
|
1 ـ الفرق بين
الفقير والمسكين |
|
هناك بحث بين المفسّرين في مفهومي الفقير والمسكين، هل أنّ
مفهومهما واحد، وتكرار اللفظين معاً في الآية من باب التأكيد فتصبح موارد صرف الزكاة سبعة لا
ثمانية، أم أنّهما لهما معنيان مختلفان؟ 5 ـ
دور الزّكاة في الإِسلام وفي رواية عن
الإِمام الصادق(ع): «من منع قيراطاً
من الزكاة فليس هو بمؤمن، ولا مسلم، ولا كرامة».( وسائل
الشيعة، ج 6، ص 20، باب 4، حديث 9.) |
|
الآية(61) وَمِنْهُمُ
الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِىَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْر
لَّكُمْ
|
|
وَمِنْهُمُ
الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِىَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْر
لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ
ءَامَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
(61) |
|
سبب النّزول
|
|
هذا حسن لا قبيح!
|
|
ذكرت عدّة أسباب متباينة
لنزول الآية المذكورة ومنها أنّ الآية نزلت في جماعة من المنافقين كانوا يذكرون
النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بسوء، فنهاهم أحدهم وقال: لا تتحدثوا بهذا
الحديث لئلا يصل إِلى سمع محمّد فيذكرنا بسوء ويؤلب الناس علينا. فقال له أحدهم
ـ واسمه جلاس ـ : لا يهمنا ذلك، فنحن نقول ما نريد، وإِذا بلغه ما نقول سنحضر
عنده وننكر ماقلناه، وسيقبل ذلك منا فإنّه سريع التصديق لما يقال له، ويقبل كل
مايقال من كل أحد، فهو أُذُن، فنزلت الآية وأجابتهم. |
|
التّفسير |
|
تتحدّث الآية ـ كما يفهم من مضمونها ـ عن فرد أو أفراد كانوا يؤذون
النّبي(ص) بكلامهم ويقولون أنّه أُذن ويصدّق كل
ما يقال له سريعاً (ومنهم الذين يؤذون النّبي ويقولون
هو أُذن). |
|
الآيتان(62) (63)
يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن
يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ
(62)
|
|
يَحْلِفُونَ
بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن
كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللهَ
وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَلِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْىُ
الْعَظِيمُ (63) |
|
سبب النّزول
|
|
يُستفاد من أقوال
بعض المفسّرين أنّ الآيتين المذكورتين مكملتان للآية السابقة، ومن الطبيعي أن يكون سبب نزولها نفس السبب السابق، إلاّ
أن جمعاً آخر من المفسّرين ذكر سبباً آخر لنزول هاتين الآيتين، وهو أنّه لما
نزلت الآيات التي ذمت المتخلفين عن غزوة تبوك ووبختهم قال
أحد المنافقين: أقسم بالله أنّ هؤلاء أشرافنا وأعياننا، فإن كان ما يقوله محمّد
حقّاً فإنّ هؤلاء أسواً حالا من الدواب، فسمعه أحد المسلمين وقال: والله
إن ما يقوله لحق، وإِنّك أسوأ من الدابة. فبلغ ذلك رسول الله(ص) فبعث إِلى ذلك
المنافق فأُحضر، فسأله عن سبب قوله ذلك الكلام، فحلف أنّه لم يقل ذلك، فقال
الرجل المؤمن الذي كان طرفاً في خصومة الرجل وأبلغ
كلامه لرسول الله: اللّهم صدّق الصادق وكذِّب الكاذب. فنزلت الآيتين
أعلاه.
|
|
التّفسير |
|
المنافقون
والتظاهر بالحق:
|
|
إِن إِحدى علامات المنافقين
وأعمالهم القبيحة والتي أشار إِليها القرآن مراراً هي إنكارهم الأعمال القبيحة
والمخالفة للدين والعرف، وهم إنّما ينكرونها من أجل التغطية على واقعهم السيء
وإِخفاء الصورة الحقيقية لهم، ولما كان المجتمع يعرفهم ويعرف كذبهم في هذا
الإنكار فقد كانوا يلجؤون إِلى الأيمان الكاذبة من أجل مخادعة الناس وإِرضائهم. |
|
الآيات(64) (66)
يَحْذَرُ الْمُنَفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا
فِى قُلُوبِهِمْ
|
|
يَحْذَرُ
الْمُنَفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِى
قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِءُوا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُون (64)
وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ
أَبِاللهِ وَءَايَتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ (65) لاَ
تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَنِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَة
مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) |
|
سبب النّزول
|
|
ذكرت عدّة أسباب
لنزول هذه الآيات، وكلّها ترتبط
بأعمال المنافقين بعد غزوة تبوك. فمن جملتها:
إِنّ جمعاً من المنافقين كانوا قد اجتمعوا في مكان خفي وقرّروا
قتل النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) عند رجوعه من غزوة تبوك، وكانت
خطتهم أن ينصبوا كميناً في إِحدى عقبات الجبال الصعبة،
وعندما يمر النّبي(ص) من تلك العقبة يُنفرون بعيره، فأطلع الله نبيّه على ذلك،
فأمر جماعة من المسلمين بمراقبة الطريق والحذر، فلمّا وصل النّبي(ص) إِلى العقبة
ـ وكان عمار يقود الدابة وحذيفة يسوقها ـ اقترب
المنافقون متلثّمين لتنفيذ مؤامرتهم فأمر النّبي(ص)حذيفة أن يضرب وجوه دوابهم
ويدفعهم، ففعل حذيفة ذلك. |
|
التّفسير |
|
مؤامرة أُخرى
للمنافقين:
|
|
لاحظنا في الآيات السابقة كيف
أنّ المنافقين اعتبروا نقاط القوّة في سلوك النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)
نقاط ضعف، وكيف حاولوا استغلال هذه المسألة من أجل بثّ التفرقة بين المسلمين.
وفي هذه الآيات إِشارة إِلى نوع آخر من برامجهم وطرقهم. |
|
الآيات(67) (70)
الْمُنَفِقُونَ وَالْمُنَفِقَتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ
وَيَنْهَوْنَ
|
|
الْمُنَفِقُونَ
وَالْمُنَفِقَتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ
عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ
الْمُنَفِقِينَ هُمُ الْفَسِقُونَ (67) وَعَدَ اللهُ الْمُنَفِقِينَ
وَالْمُنَفِقَتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَلِدينَ فِيهَا هِىَ حَسْبُهُمْ
وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَلا وَأَوْلَداً
فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ
الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِى خَاضُوا أُوْلَئِكَ
حَبِطَتْ أعْمَلُهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالاَْخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْخَسِرُونَ (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قومِ نوح
وَعَاد وَثَمُودَ وَقُومِ إِبْرهيمَ وَأَصْحَبِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَتِ
أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَتِ فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ
كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) |
|
التّفسير |
|
علامات
المنافقين:
|
|
البحث في هذه الآيات يدور
كالسابق حول سلوك المنافقين وعلاماتهم وصفاتهم، «فالآية الأُولى من هذه الآيات
تشير إلى أمر كلّي، وهو أن روح النفاق يمكن أن تتجلّى بأشكال مختلفة وتبدو في
صور متفاوتة بحيث لا تلفت النظر في أوّل الأمر، خصوصاً أن روح النفاق هذه يمكن
أن تختلف بين الرجل والمرأة، لكن يجب أن لا يخدع الناس بتغيير صور النفاق بين
المنافقين، المنافقين يشتركون في مجموعة من الصفات تعتبر العامل المشترك فيما
بينهم، لذلك يقول الله سبحانه: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض). |
|
الآيتان(71) (72)
وَالْمؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْض يَأْمُرُونَ
|
|
وَالْمؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ
وَيُطِيعُونَ الللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِنَتِ جَنَّتِ
تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا وَمَسَكِنَ طَيِّبَةً فِى
جَنَّتِ عَدْن وَرِضْوَنٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ (72) |
|
التّفسير |
|
صفات
المؤمنين الحقيقيين:
|
|
مرّ في الآيات
السابقة ذكر بعض الصفات المشتركة بين المنافقين، الرجال منهم والنساء، وتلخصت في خمس صفات:
الأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف، والبخل وعدم الإِنفاق، ونسيان الله سبحانه
وتعالى، ومخالفة وعصيان أوامر الله. وتشرع الآية بذكر
صفات المؤمنين والمؤمنات، وتبدأ ببيان أنّ بعضهم لبعض ولي وصديق (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم
أولياء بعض). إنّ كلمة (الرحمة)
التي ذكرت هنا لها مفهوم واسع، ويدخل
ضمنه كل خير وبركة وسعادة، سواء في هذه الحياة أو في العالم الآخر، وهذه الجملة في الواقع جاءت مقابلة لحال المنافقين الذين
لعنهم الله وأبعدهم عن رحمته. |
|
الآية(73) يَأَيُّهَا
النَّبِيُّ جَهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَفِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيهِمْ وَمَأْوَيهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(73)
|
|
يَأَيُّهَا
النَّبِيُّ جَهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَفِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيهِمْ
وَمَأْوَيهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(73) |
|
التّفسير |
|
جهاد الكفار
والمنافقين:
|
|
وأخيراً، صدر
القرار الإِلهي للنّبي الأكرم(صلى الله
عليه وآله وسلم) في وجوب جهاد الكفار والمنافقين بكل قوّة وحزم (يا أيّها النّبي جاهد الكفار والمنافقين) ولا تأخذك
بهم رأفة ورحمة، بل شدد (واغلظ عليهم). وهذا العقاب هو
العقاب الدنيوي، أمّا في الآخرة فإن محلهم (ومأواهم جهنم وبئس المصير). |
|
الآية(74)
يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ
|
|
يَحْلِفُونَ
بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ
إِسْلَمِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ
أَغْنَهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً
لَّهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَاباً أَلِيماً فِى
الدُّنيَا وَالاَْخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِى الاَْرْضِ مِن وَلِىٍّ وَلاَ نَصِير
(74) |
|
سبب النّزول
|
|
ذكرت في سبب نزول هذه الآيات
أقوال وآراء مختلفة، وكلّها تتفق على أن بعض المنافقين
قد تحدثوا بأحاديث سيئة وغير مقبولة حول الإِسلام والنّبي(صلى الله عليه
وآله وسلم)، وبعد أن فشا أمرهم وانتشرت أسرارهم
أقسموا كذباً بأنّهم لم يتفوهوا بشيء، وكذلك فإنّهم قد دبروا مؤامرة ضد
النّبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، غير أنّها قد
أُحبطت. |
|
التّفسير |
|
مؤامرة
خطرة:
|
|
إنّ إرتباط هذه الآية بالآيات
السابقة واضح جدّاً، لأنّ الكلام كان يدور حول المنافقين، غاية ما في الأمر أنّ هذه الآية تزيح الستار عن عمل
آخر من أعمال المنافقين، وهو أن هؤلاء عندما رأوا أن
أمرهم قد انكشف، انكروا ما نُسب إِليهم بل أقسموا باليمين الكاذبة على مدّعاهم. الجملة الأُخرى
تبيّن واقع المنافقين القبيح ونكرانهم للجميل فتقول الآية : إنّ هؤلاء لم يروا من النّبي(ص) أي خلاف أو أذى، ولم
يتضرروا بأي شيء نتيجة للتشريع الإِسلامي، بل على
العكس، فإنّهم قد تمتعوا في ظل حكم الإسلام بمختلف النعم المادية
والمعنوية (وما نقموا إلاّ أن أغناهم الله ورسوله من
فضله)( ممّا يستحق الإِنتباه أن الجملة أعلاه بالرغم من أنّها تتحدث عن فضل الله
ورسوله، إلاّ أن الضمير في (من فضله)جاء مفرداً لا مثنى، والسبب في ذلك هو ما
ذكرناه قبل عدة آيات من أن أمثال هذه التعبيرات لأجل إثبات حقيقة التوحيد، وأن
كل الأعمال بيد الله سبحانه، وأنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إذا ما عمل
عملاً فهو بأمر الله سبحانه، ولا ينعزل عن إرادته سبحانه.) وهذه قمة
اللؤم. |
|
الآيات(75) (78)
وَمِنْهُمْ مَّنْ عَهَدَ اللهَ لَئِنْ ءَاتَنَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ
وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّلِحِينَ(75)
|
|
وَمِنْهُمْ مَّنْ
عَهَدَ اللهَ لَئِنْ ءَاتَنَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ
الصَّلِحِينَ(75) فَلَمَّآ ءَاتَيهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا
وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِى قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ
يَلْقَوْنَهُ بِمَآ أخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
(77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنجْوَيهُمْ وَأَنَّ
اللهَ عَلَّمُ الْغُيُوبِ(78) |
|
سبب النّزول
|
|
المعروف بين المفسّرين أنّ هذه الآيات نزلت في رجل من الأنصار يدى ثعلبة بن حاطب،
وكان رجلا فقيراً يختلف إلى المسجد دائماً، وكان يصر على النّبي(ص) أن يدعو له
بأن يرزقه الله مالا وفيراً، فقال له النّبي(ص): «قليل تؤدي شكره خير من كثير لا
تطيقه» أو ليس الأُولى لك أن تتأسى بنبيّ اللّه(ص)،
وتحيا حياة بسيطة وتقنع بها؟ لكن ثعلبة لم يكف ولم يصرف
النظر عن أمله، وأخيراً قال للنّبي(ص): والّذي بعثك بالحق نبيّاً، لئن
رزقني الله لأعطين كل الحقوق وأؤدي كل الواجبات، فدعا
له النّبي(ص). |
|
التّفسير |
|
المنافقون
وقلّة الاستيعاب:
|
|
هذه الآيات في الحقيقة تضع إصبعها على صفة أُخرى من صفات المنافقين السيّئة،
وهي أنّ هؤلاء إذا مسّهم البؤس والفقر والمسكنة عزفوا على وتر الإِسلام بشكل لا
يصدق معه أحد أنّ هؤلاء يمكن أن يكونوا يوماً من جملة المنافقين، بل ربّما ذمّوا ولاموا الذين يمتلكون الثروات والقدرات
الواسعة على عدم استثمارها في خدمة المحرومين ومساعدة المحتاجين! إلاّ أنّ هؤلاء
أنفسهم، إذا تحسّن وضعهم المادي فإنّهم سينسون كل عهودهم ومواثيقهم مع الله والناس، ويغرقون في حبّ الدنيا،
وربّما تغيّرت كل معالم شخصياتهم، ويبدؤون بالتفكير بصورة أُخرى وبمنظار مختلف
تماماً، وهكذا يؤدي ضعف النفس هذا إلى حبّ الدنيا
والبخل وعدم الإِنفاق وبالتالي يكرّس روح النفاق فيهم بشكل يوصد أمامهم أبواب
الرجوع إِلى الحق. |
|
ملاحظات
وهنا يجب الإِنتباه إِلى عدّة ملاحظات:
|
|
1 ـ
يمكن أن نرى بوضوح تام من خلال جملة (فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم)أنّ النسبة
والعلاقة بين الكثير من الذنوب والصفات السيئة، بل وحتى بين الكفر والنفاق، هي
نسبة وعلاقة العلة والمعلول، لأنّ الجملة الآنفة الذكر
تبيّن وتقول بصراحة: إِنّ سبب النفاق الذي نبت في قلوبهم وحرفهم عن الجادة هو
بخلهم ونقضهم لعهودهم، وكذلك الذنوب والمخالفات الأُخرى التي ارتكبوها،
ولهذا فإنّنا نقرأ في بعض العبارات أن الكبائر في بعض الأحيان تكون سبباً في أن
يموت الإِنسان وهو غير مؤمن، إذ ينسلخ منه روح الإِيمان بسببها. وكذلك الذين يقطعون العهود
والمواثيق، لكنّهم لا يفون بها مطلقاً، ألا يعتبر عملهم عمل المنافقين؟ |
|
الآيتان(79) (80)
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِى الصَّدَقَتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ
|
|
الَّذِينَ
يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِى الصَّدَقَتِ وَالَّذِينَ
لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ
وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ
إِنْ تَسْتَغْفِر لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةَ فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهَ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِى الْقَومَ
الْفَسِقِينَ (80) |
|
سبب النّزول
|
|
وردت عدّة روايات في سبب نزول
هذه الآيات في كتب التّفسير والحديث، يستفاد من مجموعها أن النّبي(ص) كان قد
صمّم على إِعداد جيش المسلمين لمقابلة العدو ـ وربّما
كان ذلك في غزوة تبوك ـ وكان محتاجاً لمعونة الناس في هذا الأمر، فلما
أخبرهم بذلك سارع الأغنياء إِلى بذل الكثير من أموالهم، سواء كان هذا البذل من
باب الزكاة أو الإِنفاق، ووضعوا هذه الأموال تحت تصرف النّبي(صلى الله عليه وآله
وسلم). |
|
التّفسير |
|
خبث المنافقين:
|
|
في هذه الآيات
إشارة إِلى صفة أُخرى من الصفات العامّة للمنافقين، وهي أنّهم أشخاص لجوجون معاندون وهمهم
التماس نقاط ضعف في أعمال الآخرين واحتقار كل عمل مفيد يخدم المجتمع ومحاولة
إجهاضه بأساليب شيطانية خبيثة من أجل صرف الناس
عن عمل الخير وبذلك يزرعون بذور النفاق وسوء ظن في أذهان المجتمع، وبالتالي
إيقاف عجلة الإِبداع وتطور المجتمع وخمول الناس وموت الفكر الخلاّق. |
|
ملاحظات : إنّ نوع العمل هو المهم لا مقداره،
|
|
وهنا نلفت الأنظار
إِلى عدّة ملاحظات: إنّ مثل هذا التعبير يفيد
تأكيد المراد، ولهذا فقد ذكر هذا الموضوع بنفسه في
الآية (6) من سورة المنافقين، وقد نفي نفياً مطلقاً، حيث تقول الآية: (سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله
لهم). |
|
الآيات(81) (83)
فَرِحَ الُْمخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَفَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَن
يُجَهِدُوا بِأَمْوَلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
|
|
فَرِحَ
الُْمخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَفَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَهِدُوا
بِأَمْوَلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللهِ وَقَالُوا لاَ تَنفِرُوا فِى
الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)
فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَآءً بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَّجَعَكَ اللهُ إِلَى طَائِفَة مِّنْهُمْ
فَاسْتَئْذَنُوكَ لِلْخُروجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِىَ أَبَداً وَلَن
تَقَتِلُوا مَعِىَ عَدُوَّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْعُقُودِ أَوَّلَ مَرَّة
فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَلِفينَ(83) |
|
التّفسير |
|
إعاقة
المنافقين مرّة أُخرى:
|
|
يستمر الحديث في هذه الآيات
حول تعريف المنافقين وأساليب عملهم وسلوكهم وأفكارهم ليعرفهم المسلمون جيداً،
ولا يقعوا تحت تأثير وسائل إِعلامهم وخططهم الخبيثة وسمومهم. وفي نهاية الآية
يبيّن الله تعالى أنّ هذه العاقبة التي تنتظرهم هي (جزاء بما كانوا يكسبون). |
|
ملاحظات |
|
1 ـ
لا شك أنّ هذه المجموعة من
المنافقين لو كانوا قد ندموا على تخلفهم وتابوا منه، وأرادوا الجهاد في
ميدان آخر من أجل غسل ذنبهم السابق، لقبل الله تعالى منهم ذلك، ولم يردهم
النّبي(ص)، فعلى هذا يتبيّن لنا أن طلبهم هذا بنفسه نوع من المراوغة والشيطنة
وعمل نفاقي، أو قل: إنّه كان تكتيكاً من أجل إِخفاء الوجه القبيح لهم،
والإِستمرار في أعمالهم السابقة. 3 ـ وكذا ينبغي أن نذكر بأنّ المسلمين يجب أن يستفيدوا من
طرق مجابهة المنافقين في الأعصار الماضية، ويطبقوها في مواجهة منافقي محيطهم
ومجتمعهم، كما يجب اتباع نفس أسلوب النّبي الأكرم(ص) معهم، ويجب الحذر من السقوط
في شباكهم وأن لا ينخدع المسلم بهم، ولا يرق قلبه لدموع التماسيح التي يذرفونها،
«فإنّ المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين». |
|
الآيتان(84) (85)
وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَد مّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ
|
|
وَلاَ تُصَلِّ
عَلَى أَحَد مّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ
كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَسِقُونَ (84) وَلاَ تُعْجِبْكَ
أَمْوَلُهُمْ وَأَوْلَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا
فِى الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَفِرُونَ (85) |
|
التّفسير |
|
أسلوب
أشدّ في مواجهة المنافقين:
|
|
بعد أن أزاح المنافقون الستار
عن عدم مشاركتهم في ميدان القتال، وعلم الناس تخلفهم الصريح، وفشا سرّهم، أمر
الله سبحانه وتعالى نبيّه بأن يتبع أسلوباً أشدّ وأكثر صراحة ليقتلع وإِلى الأبد
ـ جذور النفاق والأفكار الشيطانية، وليعلم المنافقون بأنّهم لا محل لهم في
المجتمع الإِسلامي، وكخطوة عملية في مجال تطبيق هذا الأسلوب الجديد، صدر الأمر
الإِلهي (ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على
قبره). |
|
وهنا يجب الإنتباه لمسألتين: |
|
1 ـ
لقد وردت في سبب نزول الآية الأُولى روايات متعددة لا تخلو من الإختلاف. |
|
الآيات(86) (89)
وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ ءَامِنُوا بِاللهِ وَجَهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ
اسْتَئْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ
|
|
وَإِذَآ أُنزِلَتْ
سُورَةٌ أَنْ ءَامِنُوا بِاللهِ وَجَهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَئْذَنَكَ
أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَّعَ الْقَعِدينَ (86)
رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ
لاَ يَفْقَهُونَ (87) لَكِن الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ جَهَدُوا
بِأَمْولِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ(88) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّت تَجْرِى مِن تَحْتِهَا
الاَْنْهَارُ خَلِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) |
|
التّفسير |
|
دناءة الهمّة |
|
الكلام في هذه الآيات يدور
كذلك حول المنافقين، إلاّ أنّ هذه الآيات تقارن بين الأعمال القبيحة للمنافقين
وأعمال المؤمنين الحقيقيين الحسنة، وتوضح من خلال هذه المقارنة انحراف هؤلاء
المنافقين ودناءتهم. |
|
الآية(90) وَجَآءَ
الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الاَْعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ
كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ
|
|
وَجَآءَ
الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الاَْعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ
كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ(90) |
|
التّفسير |
|
في هذه الآية ـ ولمناسبة
البحث هنا للأبحاث السابقة حول المنافقين الذين يتعذرون بكل عذر ويتمسكون بأتفه
الحجج ـ إِشارة إِلى وضع وواقع مجموعتين من المتخلفين
عن الجهاد: |
|
الآيات(91) (93)
لَّيْسَ عَلىَ الضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ
يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ
|
|
لَّيْسَ عَلىَ
الضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا
يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا للهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الُْمحْسِنِينَ
مِن سَبِيل وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (91) وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَآ
أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا
وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ
(92) إِنَّما السَّبِيل عَلَى الَّذِينَ يَسْتَئْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ
رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ
فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (93) |
|
سبب النّزول
|
|
نقل في
سبب نزول الآية الأُولى أن أحد أصحاب رسول الله(ص) المخلصين قال للنّبي(ص): يا رسول الله، إِني شيخ كبير أعمى
وعاجز، وليس لي حتى من يأخذ بيدي ليذهب بي إِلى ميدان القتال، فهل أعذر إِذا لم
أحضر وأشارك في الجهاد؟ فسكت النّبي(ص)، فنزلت
الآية وعذرت مثل هؤلاء الأفراد. |
|
التّفسير |
|
العشق
للجهاد ودموع الحسرة:
|
|
هذه الآيات قسمت المسلمين في
مجال المشاركة في الجهاد لتوضيح حال سائر المجاميع من ناحية القدرة على الجهاد،
أو العجز عنه، وأشارت إِلى خمس مجموعات: أربع منها
معذورة حقيقة وواقعاً، والخامسة هم المنافقون. |
|
ملاحظات |
|
1 ـ
تتّضح من هذه الآيات ـ بصورة جلية وواضحة ـ المعنويات القوية العالية لجنود الإِسلام، وكيف أن قلوبهم كانت تتطلع بشوق،
وتتحرق عشقاً للجهاد والشهادة، وهذا الفخر والوسام مقدم على جميع الأوسمة
والصفات الأُخرى التي كانوا يمتلكونها، ومن هنا يتّضح عامل هو من أهم عوامل
التقدم السريع للإِسلام وتطوره وانتشاره في ذلك اليوم، وتخلفنا في الوقت الحاضر
لفقداننا هذا الوسام. |
|
نهاية الجزء
العاشر من القرآن المجيد. |
|
بداية الجزءُ الحادي عَشر مِن
القرآن الكريم
|
|
الآيات(94) (96)
يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُوا
لَن نُؤْمِنَ لَكُمْ
|
|
يَعْتَذِرُونَ
إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُوا لَن نُؤْمِنَ
لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللهَ عَمَلَكُمْ
وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَلِمِ الْغَيْبِ وَالْشَّهَدَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ
بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون(94) سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُم
إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ
وَمَأْوَيهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ
لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لاَ
يَرْضَى عَنِ الْقَومِ الْفَسِقِينَ (96) |
|
سبب النّزول
|
|
يقول بعض
المفسّرين: إنّ هذه الآيات نزلت في
جماعة من المنافقين يبلغ عددهم ثمانين رجلا، لأنّ النّبي(ص) لما رجع من غزوة
تبوك أمر أن لا يجالسهم أحد ولا يكلمهم، فلمّا رأى هؤلاء هذه المقاطعة
الإِجتماعية الشديدة بدأوا يعتذرون عمّا بدر منهم، فنزلت هذه الآيات لتبيّن حال
هؤلاء وحقيقتهم. |
|
التّفسير |
|
لا
تصغوا إِلى أعذارهم وأيمانهم الكاذبة:
|
|
تستمر هذه السلسلة من الآيات
في الحديث عن الأعمال الشيطانية للمنافقين، وتزيح الستار عنها الواحد تلو الآخر،
وتحذر المسلمين من الإنخداع بريائهم أو الوقوع تحت
تأثير كلماتهم المعسولة. |
|
الآيات(97) (99)
الاَْعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ
مَآ أَنزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ
|
|
الاَْعْرَابُ
أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَآ أَنزَلَ
اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الاَْعْرابِ مَن
يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَآئِرَ عَلَيْهِمْ
دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الاْعْرَابِ مَن
يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاَْخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَت عِندَ
اللهِ وَصَلَوتِ الرَّسُولِ أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةً لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ
اللهُ فِى رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (99) |
|
التّفسير |
|
الأعراب
القساة والمؤمنون:
|
|
في هذه الآيات
الثّلاث ـ استمراراً للبحث المتقدم حول
منافقي المدينة ـ حديث وبحث حول وضع منافقي الأعراب ـ وهم سكان البوادي ـ
وعلاماتهم وأفكارهم، وكذلك قد تحدثت حول المؤمنين الخلص منهم. |
|
بحوث: 1 ـ التّجمعات الكبيرة ،
2 ـ الأعراب من سكان المدن
|
|
وهنا ملاحظات تسترعي
الإِنتباه: |
|
1 ـ
التّجمعات الكبيرة |
|
الآية(100)
وَالسَّبِقُونَ الاَْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَجِرِينَ وَالاَْنصَارِ وَالَّذِينَ
اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَنِ رَّضِىَ اللهُ عَنْهُمْ
|
|
وَالسَّبِقُونَ
الاَْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَجِرِينَ وَالاَْنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم
بِإِحْسَنِ رَّضِىَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّت
تَجْرِى تَحْتَهَا الاَْنْهَرُ خَلِدينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ الْفَوزُ
الْعَظِيمُ (100) |
|
التّفسير |
|
السّابقون
إِلى الإِسلام:
|
|
بالرغم من أن المفسّرين قد
نقلوا أسباباً عديدة للنزول، إلاّ أنّ أيّاً منها ـ كما
سنرى ـ ليس سبباً للنزول، بل إنّها في الواقع بيان المصداق والوجود
الخارجي لها. الثّالث: الذين جاؤوا بعد هذين القسمين واتبعوا خطواتهم ومناهجهم،
وقبولهم الإِسلام والهجرة، ونصرتهم للدين الإِسلامي، فإنّهم ارتبطوا بهؤلاء
السابقين: (والذين اتبعوهم باحسان)( لقد عدّ الكثير من
المفسّرين (من) الواردة في جملة (والسابقون الأولون من المهاجرين
والأنصار)تبعيضية، وظاهر الآية أيضاً كذلك، لأن حديث الآية عن طلائع الإِسلام
والسابقين إِليه، لا عن جميع المسلمين. أمّا الباقون فإنّهم يدخلون في مفهوم
الجملة التالية، أي: (التابعون).). |
|
بحوث |
|
1 ـ موقع
السّابقين
|
|
في كل ثورة
اجتماعية جبارة تقوم ضد أوضاع المجتمع
الفاسدة، فإنّ طلائع الثورة هم أعمدتها، وعلى
عاتقهم يقع حملها وثقلها، وهؤلاء في الحقيقة هم أوفى عناصر الثورة، لأنّهم نصروا
قائدهم وقدوتهم في أحلك الظروف والتفوا حوله في ساعات المحنة والوحدة رغم أنّهم
محاصرون وتحيط بهم أنواع الأخطار إلاّ أنّهم لم يتخلوا عن دعمهم ونصرتهم
وتضحيتهم. خاصّة وإن مطالعة تاريخ صدر الإِسلام تعطي صورة واضحة عن مدى ضخامة
المشاكل التي واجهها السابقون والرعيل الأوّل من المسلمين! إِلاّ أنّ القرآن
الكريم في الوقت نفسه ـ كما هي طريقته دائماً ـ لم يبخس حقّ
الآخرين، وذكر كل الأقسام والفئات الأُخرى الذين
التحقوا في عصر النّبي(ص)أو الأعصار التالية، والذين هاجروا، أو آووا
المهاجرين ونصروهم تحت عنوان (التابعين بإحسان)،
وبشر الجميع بالأجر والجزاء الحسن. |
|
2 ـ من هم
التابعون؟
|
|
اصطلح جماعة من العلماء على
أنّ كلمة «التابعين» تعني تلامذة الصحابة، وجعلوها من مختصاتهم، أي أُولئك الذين
لم يروا النّبي الأكرم(ص)، لكنّهم تصدوا لإكتساب العلوم الإِسلامية ووسعوها، وبعبارة أُخرى: إنّهم اكتسبوا علومهم الإِسلامية من
صحابة النّبي(ص). |
|
3 ـ من هو أوّل
من أسلم؟
|
|
إنّ أكثر المفسّرين
يطرح هنا سؤالا ـ لمناسبة بحث الآية ـ وهو: من هو أوّل من أسلم، وثبت هذا الإفتخار العظيم باسمه في التاريخ؟ |
|
4 ـ هل كان
الصحابة كلهم صالحين؟
|
|
لقد أشرنا سابقاً إِلى هذا
الموضوع، وإِلى أنّ علماء أهل السنة يعتقدون ـ
عادة ـ بأن جميع أصحاب النّبي فاضلون وصالحون ومن أهل الجنّة. ولمناسبة الآية لهذا البحث، والتي جعلها البعض دليلا
قاطعاً على هذا المُدعى، فإنّنا هنا نحلّل ونفصل هذا الموضوع المهم الذي يعتبر
أساساً ومنبعاً لإختلاف كثيرة أُخرى في المسائل الإِسلامية. إنّ القرآن الذي يلعن الظالمين والفاسقين في آياته المختلفة، ويعدهم ممّن استوجب العقاب والعذاب الإِلهي، كيف
يوافق ويقرّ هذه الصيانة غير المنطقية للصحابة في مقابل الجزاء الإِلهي؟! |
|
الآية(101) وَمِمَّنْ
حَوْلَكُمْ مِّنَ الاَْعْرابِ مُنَفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا
عَلَى النِّفَاقِ
|
|
وَمِمَّنْ
حَوْلَكُمْ مِّنَ الاَْعْرابِ مُنَفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا
عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ
مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَاب عَظِيم (101) |
|
التّفسير |
|
مرّة أُخرى يدير
القرآن المجيد دفة البحث إِلى أعمال المنافقين وفئاتهم، فيقول: (وممن حولكم من الأعراب
منافقون) أي يجب أن لا تركزوا اهتمامكم على المنافقين الموجودين داخل
المدينة، بل ينبغي أن تأخذوا بنظر الإِعتبار المنافقين
المتواجدين في أطراف المدينة، وتحذروهم،
وتراقبوا أعمالهم ونشاطاتهم الخطرة. وكلمة (أعراب) كما أشرنا تقال عادة لسكان البادية. |
|
الآية(102)
وَءَاخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صلِحَاً وَءَاخَرَ
سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ
|
|
وَءَاخَرُونَ
اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صلِحَاً وَءَاخَرَ سَيِّئاً عَسَى
اللهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (102) |
|
سبب النّزول
|
|
نقلت روايات عديدة في سبب نزول هذه الآية، ونواجه في أكثرها اسم (أبي لبابة الأنصاري) فهو ـ حسب رواية ـ قد امتنع مع اثنين ـ أو أكثر ـ من أصحاب رسول الله(ص) من الإِشتراك في غزوة تبوك، لكنّهم لما سمعوا الآيات
التي نزلت في ذم المتخلفين ندموا أشدّ الندم، فجاؤوا
إِلى مسجد النّبي(ص) وربطوا أنفسهم بأعمدته، فلمّا رجع رسول الله(ص)
وبلغه أمرهم قالوا بأنهم أقسموا أن لا يفكوا رباطهم حتى يفكّه رسول الله(ص)،
فأجابهم رسول الله(ص) بأنّه يقسم أيضاً أن لا يفعل ذلك حتى يأذن له الله، فنزلت الآية، وقبل الله توبتهم، ففكّ رسول الله(صلى
الله عليه وآله وسلم)رباطهم. |
|
التّفسير |
|
التّوابون:
|
|
بعد أن أشارت الآية السابقة
إِلى وضع المنافقين في داخل المدينة وخارجها، أشارت هذه الآية هنا إِلى وضع جمع
من المسلمين العاصين الذين أقدموا على التوبة لجبران الأعمال السيئة التي صدرت
منهم، ورجاء لمحوها: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا
عملا صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم)ويشملهم برحمته الواسعة فـ (إنّ الله غفور رحيم). |
|
الآيات(103)
(105) خُذْ مِنْ أمْوَلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيِهِم بِهَا
وَصَلِّ عَلَيْهِمْ
|
|
خُذْ مِنْ
أمْوَلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيِهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ
إِنَّ صَلَوتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ
يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ
الصَّدَقَتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) وَقُلِ
اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ
وَسَتَرَدُّونَ إِلَى عَلِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهدَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) |
|
التّفسير |
|
الزّكاة
مطهرة للفرد والمجتمع:
|
|
في الآية الأُولى
من هذه الآيات إِشارة إِلى أحد الأحكام الإِسلامية المهمّة، وهي مسألة الزكاة، حيث تأمر النّبي (ص) بشكل عام أن (خذ من أموالهم صدقة). مضافاً إِلى ثناء
النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، أو من
يقوم مقامه في جمع زكاة أموال الناس بحدّ ذاته يبعث على خلق نوع من الراحة
النفسية والفكرية لهم، بحيث يشعرون بأنّهم إِن فقدوا شيئاً بحسب الظاهر، فإنّهم
قد حصلوا ـ قطعاً ـ على ما هو أفضل منه. |
|
ملاحظات: توبة أبي لبابة ورفاقه، حكم الزكاة ، وجملة (صلّ عليهم)
|
|
1 ـ يتّضح من
سبب النزول المذكور لهذه الآية، أنّ هذه الآية ترتبط بالآية التي سبقتها في
موضوع توبة أبي لبابة ورفاقه، لأنّهم ـ وكشكر منهم لقبول توبتهم ـ أتوا بأموالهم
ووضعوها بين يدي النّبي(ص) ليصرفها في سبيل الله، إلاّ أنّه(ص) اكتفى بأخذ قسم
منها فقط. |
|
التّوبة
والجبران:
|
|
يستفاد من عدّة آيات في
القرآن الكريم أنّ التوبة لا تعني الندم على المعصية فحسب، بل يجب أن يرافقها ما
يجبر ويكفر عن الذنب، ويمكن أن يتمثل جبران هذا الخطأ بمساعدة المحتاجين ببذل ما
يحتاجونه، كما هو في هذه الآيات، وكما مرّ في قصّة أبي
لبابة. إِنَّ هذا الإِطلاع هو مقدمة
للثواب أو العقاب الذي ينتظره في العالم الآخر، لذا فإِنَّ الآية الكريمة تعقب
على ذلك مباشرة وتقول: (وَسَتُرَدُّونَ إِلى عَالَمِ الغَيبِ
وَالشَّهادَةِ فَيُنُبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). |
|
ملاحظات |
|
1 ـ مسألة عرض
الأعمال
|
|
إِنّ بين أتباع مذهب أهل
البيت(عليهم السلام)، ونتيجة للأخبار الكثيرة الواردة عن الأئمّة(عليهم السلام)،
عقيدة معروفة ومشهورة، وهي أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة(عليهم
السلام) يطلعون على أعمال كل الأُمّة، أي أنّ الله تعالى يعرض أعمالها بطرق
خاصّة عليهم. |
|
2 ـ هل الرّؤية
هنا تعني النظر؟
|
|
المعروف بين جميع من
المفسّرين أنّ الرؤية الواردة في قوله تعالى: (فسيرى الله عملكم...) تعني
المعرفة، لا العلم، لأنّها لم تأخذ أكثر من مفعول واحد ولو كانت الرؤية بمعنى
العلم لأخذت مفعولين. |
|
الآية(106)
وَءَاخَرُون مُرْجَوْنَ لاِمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ
عَلَيْهِمْ
|
|
وَءَاخَرُون
مُرْجَوْنَ لاِمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ
وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) |
|
سبب النّزول
|
|
قال جماعة من
المفسّرين: إِنّ هذه الآية نزلت في ثلاثة من المتخلفين عن غزوة تبوك، وهم: «هلال بن أُمية» و«مرارة بن ربيع» و«كعب بن مالك»، وسيأتي
بيان ندمهم على ذلك وكيفية توبتهم في ذيل الآية (118)
من هذه السورة، إن شاء الله تعالى. |
|
التّفسير |
|
في هذه الآية إِشارة إِلى
مجموعة من المذنبين الذين لم تتّضح جيداً عاقبة أمرهم، فلا هم مستحقون حتماً
للرحمة الإِلهية، ولا من المغضوب عليهم حتماً، لذا فإنّ
القرآن الكريم يقول في حقّهم: (وآخرون مرجون
لأمر الله إمّا يعذبهم أو يتوب عليهم). |
|
الآيات(107) (110)
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْرَاً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ
الْمُؤْمِنينَ
|
|
وَالَّذِينَ
اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْرَاً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنينَ
وَإِرصَاداً لِمَنْ حَارِبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إنْ
أَرَدْنَآ إِلاََّ الْحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَذِبُونَ (107) لاَ
تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْم
أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ
يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْينَهُ عَلَى تَقْوى مِنَ
اللهِ وَرِضْوَن خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَنَهُ عَلى شَفَا جُرُف هَار
فَانْهَارَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْظَّلِمِينَ
(109) لاَ يَزَالُ بُنْيَنُهُمُ الَّذِى بَنَوْاْ رِيبَةً فِى قُلُوبِهِمْ
إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) |
|
سبب النّزول
|
|
تتحدث الآيات أعلاه عن جماعة
أُخرى من المنافقين الذين أقدموا ـ من أجل تحقيق أهدافهم المشؤومة ـ على بناء
مسجد في المدينة، عرف فيما بعد بـ (مسجد الضرار). وقد ذكر هذا
الموضوع كل المفسّرين الإِسلاميين، وكثير من كتب التاريخ والحديث، مع وجود
اختلافات في جزئياته. |
|
التّفسير |
|
معبد
وثني في صورة مسجد!
|
|
أشارت الآيات السابقة إِلى
وضع مجاميع مختلفة من المخالفين، وتُعَرِّف الآيات التي نبحثها مجموعة أُخرى
منهم، المجموعة التي دخلت حلبة الصراع بخطة دقيقة وذكية، إلاّ أن اللطف الإِلهي
أدرك المسلمين، وبدد أحلام المنافقين بإبطال مكرهم وإحباط خطتهم. |
|
بحوث
: مسجد الضرار 2 ـ النفي لا يكفي لوحده!
|
|
1 ـ درس كبير |
|
إنّ قصّة مسجد الضرار درس لكل
المسلمين من جميع الجهات، فإنّ قول الله سبحانه وعمل النّبي(ص) يوضحان تماماً
بأنّ المسلمين يجب أن لا يكونوا سطحيين في الرؤية مطلقاً، وأن لا يكتفوا بالنظر
إِلى الجوانب التي تصطبغ بصبغة الحق، ويغفلون عن الأهداف الأصلية المراد
تحقيقها، والمستترة بهذا الظاهر البراق. المسلم هو الذي يعرف المنافق
وأساليب النفاق في كل زمان، وفي كل مكان، وبأي لباس تلبس، وبأي صورة يظهر بها،
حتى ولو كانت صورة الدين والمذهب، أو لباس مناصرة الحق والقرآن والمساجد. المسلم يجب أن يكون حذراً،
واعياً، واقعياً، بعيد النظر، ومن أهل التحليل والتحقيق في كل المسائل
الإِجتماعية. |
|
2 ـ النفي لا
يكفي لوحده! |
|
الدرس الثّاني الذي يمكن أخذه
من هذه الآيات، هو أنّ الله سبحانه وتعالى أمر نبيّه(ص) في هذه الآيات أن لا
يصلي في مسجد الضرار، بل يصلي في المسجد التي وضعت قواعده وأُسسه على أساس
التقوى. |
|
3 ـ شرطان
أساسيان |
|
الدرس القيم
الثّالث الذي يمكن استنباطه من الآيات محل البحث هو أن المقر
والمركز النشط والإِيجابي دينياً وإجتماعياً، هو الذي يتشكل من عنصرين. |
|
الآيتان(111) (112)
إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْولَهُمْ بِأَنَّ
لَهُمُ الْجَنَّةَ
|
|
إِنَّ اللهَ
اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْولَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ
الْجَنَّةَ يُقَتِلُونَ فِى سَبيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً
عَلَيْهِ حَقَّاً فِى التَّوْرَيةِ وَالاِْنْجِيلِ وَالْقُرْءَآنِ وَمَنْ
أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِى بَايَعْتُم
بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(111)التَّئِبُونَ الْعَبِدُونَ
الْحَمِدُونَ السَّئِحُونَ الرَّكِعُونَ السَّجِدُونَ الاَْمِرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَفِظُونَ لِحُدُود اللهِ
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ(112) |
|
التّفسير |
|
تجارة
لا نظير لها:
|
|
لما كان الكلام في الآيات
السابقة عن المتخلفين عن الجهاد، فإنّ هاتين الآيتين قد بيّنتا المقام الرفيع
للمجاهدين المؤمنين مع ذكر مثال رائع. ولما كانت كل معاملة تتكون في
الحقيقة من خمسة أركان أساسية، وهي عبارة عن: المشتري، والبائع، والمتاع،
والثمن، وسند المعاملة أو وثيقتها، فقد أشار الله سبحانه إِلى كل هذه الأركان،
فجعل نفسه مشترياً، والمؤمنين بائعين، وأموالهم وأنفسهم متاعاً وبضاعة، والجنّة
ثمناً لهذه المعاملة. غاية ما في الأمر أنّه بيّن طريقة تسليم البضاعة بتعبير
لطيف، فقال: (يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون)
وفي الواقع فإنّ يد الله سبحانه حاضرة في ميدان الجهاد لتقبل هذه البضاعة، سواء
كانت روحاً أم مالا يبذل في أمر الجهاد. «نعم». فقال الأنصاري: بيع ربيح لا نقيل ولا نستقيل(الدّر المنثور، كما ورد في تفسير الميزان.). ولما لم يذكر متعلق البشارة، وبتعبير آخر: إنّ البشارة لما جاءت مطلقة فإنّها تعطي
مفهوماً أوسع يدخل ضمنه كل خير وسعادة، أي بشر هؤلاء بكل خيرسعادة وفخر. |
|
الآيتان(113) (114)
مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ والَّذِينَ ءَامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ
وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِى قُرْبَى
|
|
مَا كَانَ
لِلنَّبِىِّ والَّذِينَ ءَامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ
كَانُواْ أُوْلِى قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَبُ
الْجَحِيمِ(113)وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَهِيمَ لاِبِيهَ إِلاَّ عَن
مَّوعِدَة وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ
تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَهِيمَ لاََوَّهٌ حَليمٌ (114) |
|
سبب النّزول
|
|
جاء في مجمع البيان في سبب
نزول الآيات أعلاه، أنّ جماعة من المسلمين كانوا يقولون للنّبي(ص): ألا تستغفر
لآبائنا الذين ماتوا في الجاهلية؟ فنزلت هذه الآيات تنذرهم بأنّ لا حقّ لأحد أن
يستغفر للمشركين. |
|
التّفسير |
|
ضرورة
قطع العلاقات مع الأعداء:
|
|
نهت الآية الأُولى النّبي(صلى
الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين عن الإِستغفار للمشركين بلهجة قاطعة وحادة، فهي
تقول: (ما كان للنّبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) ولكي توكّد ذلك قالت:
(ولو كانوا أولي قربى). فإن قيل: من أين
علم المسلمون أنّ إِبراهيم قد استغفر لآزر؟ |
|
ملاحظات |
|
1 ـ رواية موضوعة
!
|
|
إِنّ الكثير من مفسّري
العامّة نقلوا حديثاً موضوعاً عن صحيح البخاري ومسلم وكتب أُخرى عن سعيد بن
المسيب عن أبيه، أنّه لما حضرت أبا طالب الوفاة أتى إِليه النّبي(ص)، وكان عنده
أبوجهل وعبدالله بن أبي أمية، فقال له النّبي(ص): «ياعم، قل لا إِله إلاّ الله
أحاج لك بها عند الله»، فالتفت أبوجهل وعبدالله بن أبي أمية إِلى أبي طالب
وقالوا: أتريد أن تصبو عن دين أبيك عبدالمطلب؟! وكرر النّبي(ص) قوله، إلاّ أنّ
أبا جهل وعبدالله منعاه من ذلك. وكان آخر ما قاله أبوطالب: على دين عبدالمطلب،
وامتنع عن قول: لا إِله إلاّ الله، فقال النّبي(ص)عندئذ: «سأستغفر لك حتى أنهى عنه» فنزلت الآية: (ماكان للنّبي والذين آمنوا ...)( تفسير المنار، وتفاسير
أُخرى لأهل السنة.). إِنّ الفخر الرازي إِذا حرر نفسه من قيود التعصب، سيلتفت إِلى عدم إِمكان
أن يستغفر النّبي(ص) لفرد مشرك طوال هذه المدّة، في الوقت الذي كانت آيات كثيرة
من القرآن الكريم قد نزلت إِلى ذلك الزمان تدين وتشجب أي نوع من مودة المشركين
ومحبتهم(لقد ورد النهي عن محبّة وموالاة الكافرين
صريحاً في الآية (139) من سورة النساء، والتي نزلت قبل سورة التوبة مسلماً،
وكذلك في الآية (38) من سورة آل عمران، وهي كذلك نزلت قبل سورة براءة، وفي هذه السورة قال الله سبحانه لنبيّه(ص) في الآيات التي سبقت هذه الآية: (استغفر لهم أو لا تستغفر
إِن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر الله لهم).). |
|
2 ـ لماذا وعد
إِبراهيم آزر بالإِستغفار؟
|
|
وهنا يطرح سؤال
آخر، وهو: كيف وعد إِبراهيم عمّه آزر
بالإِستغفار، وحسب ظاهر هذه الآية وآيات القرآن الأُخرى، فإنّه قد وفى بوعده، مع
العلم أنّه لم يؤمن أبداً، وكان من المشركين وعبدة الأصنام الى آخر حياته،
والإِستغفار لمثل هؤلاء ممنوع؟ |
|
3 ـ ضرورة قطع كل
رابطة بالأعداء
|
|
إِنّ هذه الآية ليست الوحيدة
التي تتحدث عن قطع كل رابطة بالمشركين، بل يستخلص من عدّة آيات في القرآن الكريم
أن كل ارتباط وتضامن وعلاقة، العائلية منها وغيرها، يجب أن تخضع لإِطار العلاقات
العقائدية، ويجب أن يحكم الانتماء الى الله ومحاربة كل أشكال الشرك والوثنية كل
اشكاليات الترابط بين المسلمين. لأنّ هذا الإِرتباط هو
الأساس والحاكم على كل مقدراتهم الإِجتماعية، ولا تستطيع العلاقات والروابط
السطحية والفوقية أن تنفيه. |
|
الآيتان(115) (116)
وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضلَّ قَوْمَاً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ
لَهُم مَّا يَتَّقُونَ
|
|
وَمَا كَانَ اللهُ
لِيُضلَّ قَوْمَاً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا
يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَىْء عَلِيمٌ(115)إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ
السَّمَوَتِ وَاالأَرْضِ يُحْىِ وَيُمِيتُ وَمَا لَكُم مِّن دوُنِ اللهِ مِن
وَلِىٍّ وَلاَ نَصِير(116) |
|
سبب النّزول
|
|
قال بعض المفسّرين: إِنّ فريقاً من المسلمين ماتوا قبل نزول الفرائض
والواجبات وتشريعها، فجاء جماعة إِلى النّبي(ص) وأظهروا قلقهم على مصير هؤلاء ـ
وكانوا يظنون أن هؤلاء ربّما سينالهم العقاب الإِلهي لعدم أدائهم الفرائض، فنزلت
الآية ونفت هذا التصور(مجمع البيان، ذيل الآية.). |
|
التّفسير |
|
العقاب
بعد البيان:
|
|
إِن الآية الأُولى تشير إِلى قانون كلّي وعام، يؤيده العقل أيضاً، وهو أنّ
الله سبحانه مادام لم يبيّن حكماً، ولم يصل شيء من الشرع حوله، فإنّه تعالى سوف
لا يحاسب عليه أحداً، وبتعبير آخر: فإنّ التكليف
والمسؤولية تقع دائماً بعد بيان الأحكام، وهذا هو الذي يعبر عنه في علم الاصول بقاعدة (قبح
العقاب بلا بيان). جواب سؤال |
|
الآيتان(117) (118)
لَّقَد تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبِىِّ وَالْمُهَجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ
اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ
|
|
لَّقَد تَّابَ
اللهُ عَلَى النَّبِىِّ وَالْمُهَجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ
فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيق مِّنْهُمْ
ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ(117) وَعَلَى
الثَّلَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ
بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ
مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلِيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمِْ ليَتُوبُواْ إِنَّ اللهَ
هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(118) |
|
سبب النّزول
|
|
درس كبير! |
|
قال المفسّرون: إِنّ الآية الأُولى نزلت في
غزوة تبوك، وما واجهه المسلمون من المشاكل والمصاعب العظيمة، هذه المشاكل
التي كانت من الكثرة والصعوبة بمكان بحيث صمّم جماعة على الرجوع، إلاّ أنّ اللطف
الإِلهي والتوفيق الرّباني شملهم،، فثبتوا في مكانهم. مرّت عشرة أيّام على هذه
الواقعة، وكان الهواء حاراً محرقاً، فحضر يوماً عند زوجتيه، وكنّ قد هيأن خيمته،
وأحضرن الطعام اللذيذ والماء البارد، فتذكر فجأة النّبي(ص)، وغاص في تفكير عميق،
وقال في نفسه: إِنّ رسول الله(ص) الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر،
وضمن له آخرته، قد حمل سلاحه على عاتقه وسار في الصحاري المحرقة، وتحمل مشقّة
هذا السفر، أمّا أبو خيثمة ـ يعني نفسه ـ فهو في ظل بارد، يتمتع بأنواع الأطعمة،
والنساء الجميلات!! إنّ هذا ليس من الإنصاف. |
|
وقد نقل سبب آخر لنزول الآية
الثّانية، خلاصته: |
|
إنّ ثلاثة من
المسلمين وهم: «كعب بن مالك» و«مرارة بن ربيع»و «وهلال بن أمية»، امتنعوا من المسير مع النّبي (ص) والإشتراك في غزوة
تبوك، إلاّ أن ذلك ليس لكونهم جزءاً من المنافقين، بل لكسلهم وتثاقلهم، فلم يمض زمان حتى ندموا. |
|
التّفسير |
|
الحصار
الاجتماعي للمذنبين:
|
|
تتحدّث هذه الآيات أيضاً عن
غزوة تبوك، والمسائل والأحداث التي ترتبط بهذا الحدث الكبير، وما جرى خلاله. |
|
بحوث
نلفت النظر إِليها:
|
|
1 ـ المراد من
توبة الله على النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)
|
|
قرأنا في الآية
الأُولى أن الله سبحانه قد تاب على النّبي(ص) والمهاجرين
والأنصار، وقَبِل توبتهم. ولا شك أنّ النّبي معصوم من الذنوب، ولم يرتكب معصية
ليتوب فيقبل الله توبته، وإِن كان بعض مفسّري العامّة قد اعتبروا التعبير في هذه
الآية دليلا على صدور السهو والمعصية من النّبي(ص) في أحداث تبوك. |
|
2 ـ غزوة تبوك
وساعة العسرة
|
|
«السّاعة» من الناحية اللغوية بمعنى مقطع زمني، سواء كان قصيراً
أم طويلا، ولا يقال للزمن الطويل جداً: ساعة. «والعسرة» بمعنى المشقة والصعوبة. بحيث أنّ عدّة أشخاص يشتركون
في تمرة واحدة أحياناً، فيمص كل منهم التمرة ويعطيها لصاحبه حتى لا يبقى منها
إِلى النواة ... وكان عدّة أفراد يشتركون في جرعة ماء !! |
|
3 ـ ما هو معنى (
خُلّفوا) ؟
|
|
لقد عبرت الآيات عن هؤلاء
الثلاثة المقصرين المهملين بـ(خُلّفوا) بمعنى الذين تركهم الجيش وراء ظهره، وذلك
لأن المسلمين عندما كانوا يصادفون من يتخاذل ويكسل عن الجهاد، فإنّهم لا يعبؤون
به، بل يتركونه وراء ظهورهم ويتوجهون إِلى جبهات الجهاد. |
|
4
ـ درس كبير دائمي مجازاة المجرمين والفاسدين
|
|
من المسائل المهمّة
التي تستفاد من هذه الآيات، مسألة مجازاة
المجرمين والفاسدين عن طريق الحصار الإِجتماعي وقطع الروابط والعلاقات، فنحن نرى أن قطع الروابط هذا قد وضع هؤلاء الثلاثة في
شدة كانت أصعب عليهم من كل السجون بحيث ضاقت عليهم
الدنيا تحت وطأت الحصار الاجتماعي وقطعوا الأمل من كل شيء. |
|
5 ـ غزوة تبوك
ونتائجها
|
|
منطقة «تبوك» هي أبعد نقطة وصل إِليها النّبي(ص) في غزواته، وهذه
الكلمة في الأصل اسم قلعة محكمة وعالية كانت في
الشريط الحدودي بين الحجاز والشام، ولذلك سمّيت تلك المنطقة بأرض تبوك. |
|
الآية(119)
يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَ كُونُواْ مَعَ الصَّدِقِينَ
|
|
يَأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَ كُونُواْ مَعَ الصَّدِقِينَ(119) |
|
التّفسير |
|
كونوا
مع الصّادقين:
|
|
في الآيات السابقة كان الحديث حول جماعة من المتخلفين الذين نقضوا عهدهم مع
الله ورسوله، وأظهروا عملياً تكذيبهم للإِيمان بالله واليوم الآخر، ورأينا كيف
أنّ المسلمين قد أرجعوهم إِلى حظيرة الإِيمان بمقاطعتهم، ونبّهوههم على خطئهم. فنقرأ في سورة البقرة ، الآية (177): (ليس البرّ أن تولوا وجوهكم قبل المشرق
والمغرب ولكن البرّ من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيين وأتى
المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب
وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إِذا عاهدوا والصابرين في البأساء
والضراء وحين البأس أُولئك الذين صدقوا وأُولئك هم المتقون). |
|
هل
المراد من الصّادقين هم المعصومون فقط؟
|
|
بالرغم من أنّ مفهوم الصادقين
- كما ذكرنا سابقاً ـ مفهوم واسع، إلاّ أنّ المستفاد من الرّوايات الكثيرة أنّ
المراد من هذا المفهوم هنا هم المعصومون فقط. |
|
الآيتان(120) (121)
مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن
يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللهِ
|
|
مَا كَانَ لأَهْلِ
الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن
رَّسُولِ اللهِ وَ لاَيَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفسِهِ ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ لاَيُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِى سَبِيلِ
اللهِ وَلاَ يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ
عَدُوٍّ نَّيْلا إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَلِحٌ إِنَّ اللهَ لاَ
يُضِيعُ أَجْرَ الُْمحْسِنِينَ(120)وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ
كَبِيرَةً وَلاَيَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ
أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ(121) |
|
التّفسير |
|
معاناة
المجاهدين لا تبقى بدون ثواب:
|
|
كان البحث في الآيات السابقة
حول توبيخ وملامة الممتنعين عن الإِشتراك في غزوة تبوك، وتبحث هاتان الآيتان
البحث النهائي لهذا الموضوع كقانون كلّي. |
|
الآية(122) وَمَا
كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِروُاْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَة
مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ
لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى الدِّينِ
|
|
وَمَا كَانَ
الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِروُاْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَة
مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ
إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ(122) |
|
سبب النّزول
|
|
روي الطبرسي(رحمه
الله) في مجمع البيان عن ابن عباس، أنّ النّبي(ص) لما سار إِلى ميدان القتال، كان جميع المسلمين يسيرون بين
يديه باستثناء المنافقين والمعذورين، إلاّ أنّه بعد نزول الآيات التي ذمت
المنافقين، وخاصّة المتخلفين عن غزوة تبوك، فإنّ
المؤمنين صمموا أكثر من قبل على المسارعة إِلى ميادين الحرب، بل وحتى في الحروب
التي لم يشارك فيها النّبي(ص) بنفسه، فإنّ جميع السرايا كانت تتوجه الى الجهاد،
ويدعون النّبي(ص) وحده، فنزلت الآية وأعلنت أنّه لا ينبغي في غير الضرورة أن
يذهب جميع المسليمن إِلى الجهاد، بل يجب أن يبقى جماعة منهم ليتعلموا العلوم
الإِسلامية وأحكام الدين من النّبي ويعلموا أصحابهم المجاهدين عند رجوعهم من
القتال. |
|
التّفسير |
|
محاربة
الجهل وجهاد العدو:
|
|
إِنّ لهذه الآية ارتباطاً
بالآيات السابقة حول موضوع الجهاد، وتشير إِلى حقيقة حياتية بالنسبة للمسلمين،
وهي: أنّ الجهاد وإِن كان عظيم الأهمية، والتخلف عنه ذنب وعار، إلاّ أنّه في غير
الحالات الضرورية لا لزوم لتوجه المؤمنون كافة إِلى ساحات الجهاد، خاصّة في
الموارد التي يبقى فيها النّبي(ص) في المدينة، بل يبقى منهم جماعة لتعلم أحكام
الدين ويتوجه الباقون إِلى الجهاد: (وماكان المؤمنون
لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين). |
|
ملاحظات:
وهنا ملاحظات ينبغي التوقف عندها:
|
|
1 ـ
إِنّ ما قيل في تفسير هذه الآية إِضافةً إِلى أنّه يناسب
سبب نزولها المعروف، فإنّه الأوفق مع ظاهر جمل الآية من أي تفسير آخر، إلاّ أنّ
الشيء الوحيد هنا هو أنّنا يجب أن نقدر جملة «لتبقى طائفة» بعد «من كل طائفة»
أي: لتذهب طائفة من كل فرقة، وتبقى طائفة أُخرى، وهذا الموضوع بالطبع مع ملاحظة
القرائن الموجودة في الآية لا يستوجب إِشكالا. (فتأمل
بدقة). |
|
الآية(123) يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ
الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً
|
|
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ
وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ مَعَ
الْمُتَّقِينَ(123) |
|
التّفسير |
|
قتال الاقرب فالاقرب:
|
|
أشارت الآية في سياق احكام الجهاد التي ذكرت لحد الآن في هذه السورة ـ إلى أمرين آخرين في هذا الموضوع الإِسلامي المهم،
فوجهت الخطاب أوّلا إِلى المؤمنين وقالت: (يا أيّها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار). وأمّا ما قلناه من
أنّ المبادرة إِلى مجابهة العدو الأقرب هي الأهم والأوجب. فإِنّ أسبابه واضحة،
وذلك: والأمر الثّاني
فيما يتعلق بالجهاد في الآية، هو اسلوب الحزم والشدّة، فهي تقول: إِن العدو يجب أن يلمس في المسلمين نوعاً من الخشونة
والشدّة: (وليجدوا فيكم غلظة) وهي تشير إِلى أنّ
الشجاعة والشهامة الداخلية والإِستعداد النفسي لمقابلة العدو ومحاربته ليست
كافية بمفردها، بل يجب اظهار هذا الحزم والصلابة للعدو ليعلم أنّكم على درجة
عالية من المعنويات، وهذا بنفسه سيؤدي إِلى هزيمتهم وانهيار معنوياتهم. |
|
الآيتان(124) (125)
وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ
هَذِهِ إِيمَناً
|
|
وَإِذَا مَآ
أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَناً
فَأَمَّا الَّذِينَ ءاَمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)وَأَمَّا
الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ
وَمَاتُواْ وَهُمْ كَفِرُونَ(125) |
|
التّفسير |
|
تأثير
آيات القرآن المتباين على القلوب:
|
|
تشير هاتان الآيتان إِلى
واحدة من علامات المؤمنين والمنافقين البارزة، تكملةً لما مرّ من البحوث حولهما. |
|
ملاحظات |
|
هنا
ملاحظات ينبغي التنبه لها:
|
|
1 ـ إِنّ
القرآن الكريم يؤكّد من خلال هاتين الآيتين على حقيقة، وهي أنّ وجود البرامج
والقوانين الحياتية لا تكفي بمفردها لسعادة فرد أو جماعة، بل يجب أن يؤخذ بنظر الإِعتبار وجود الأرضية المهيئة
والإِستعداد للتلقي كشرط أساسي. وبتعبير آخر فإِنّ
(فاعلية الفاعل) في كل برنامج
تربوي لا تكفي لوحدها، بل إِنّ روح التقبل و (قابلية القابل) شرط اساسي أيضاً. |
|
الآيتان(126) (127)
أَوَلاَ يِرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِى كُلِّ عَام مَّرَّة أَوْ
مَرَّتَيْنِ ثمّ لاَ يَتُوبُونَ
|
|
أَوَلاَ يِرَوْنَ
أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِى كُلِّ عَام مَّرَّة أَوْ مَرَّتَيْنِ ثمّ لاَ
يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ(126)وَ إِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ
نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْض هَلْ يَرَاكُم مِّن أَحَد ثُمَّ انصَرَفُواْ
صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قُوْمٌ لاَّيَفْقَهُونَ(127) |
|
التّفسير |
|
يستمر الكلام في هذه الآيات
حول المنافقين، وهي توبّخهم وتذمهم فتقول: (أو لا يرون
أنّهم يفتنون في كل عام مرّة أو مرّتين) والعجيب أنّهم رغم هذه
الإِمتحانات المتلاحقة لايعتبرون (ثمّ لا يتوبون ولا هم
يذكرون). وتطرقت الآية في
الختام إِلى ذكر علة هذا الموضوع فقالت: إِنّ هؤلاء إِنّما لا يريدون سماع كلمات الله سبحانه ولايرتاحون لذلك لأنّ
قلوبهم قد حاقت بها الظلمات لعنادهم ومعاصيهم فصرفها الله سبحانه عن الحق،
وأصبحوا أعداءً للحق لأنّهم أناس جاهلون لافكر لهم: (صرف
الله قلوبهم بأنّهم قوم لايفقهون). |
|
الآيتان(128) (129)
لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم
|
|
لَقَدْ جَآءَكُمْ
رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم
بِالْمُؤمِنِينَ رَؤُفٌ رَّحِيمٌ(128)فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِىَ اللهُ
لاَإِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ
الْعَظِيمِ(129) |
|
التّفسير |
|
آخر
آيات القرآن المجيد:
|
|
إِنّ هذه الآيات
برأي بعض المفسّرين، هي آخر الآيات التي نزلت على النّبي(ص)، وبها تنتهي سورة براءة، فهي في الواقع إِشارة إِلى كل المسائل التي مرّت في هذه
السورة، لأنّها تبيّن من جهة لجميع الناس، سواء المؤمنون منهم أم
الكافرون والمنافقون، أنّ جميع الضغوط والتكاليف التي فرضها النّبي(ص)والقرآن
الكريم، والتي ذكرت نماذج منها في هذه السورة، كانت كلها بسبب عشق النّبي(ص)
لهداية الناس وتربيتهم وتكاملهم. ومن هنا فإِنّ خطاب
الآية الأُولى موجه للناس، فهي تقول: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم)، خاصّة وأنّه قد وردت لفظة (من أنفسكم) بدل
(منكم)، وهي تشير إِلى شدة إرتباط النّبي(ص) بالناس، حتى كأنّ قطعة من روح الناس
والمجتمع قد ظهرت بشكل النّبي(ص). ولهذا السبب فإِنّه يعلم كل آلامهم، ومطلع على
مشاكلهم، وشريكهم في غمومهم وهمومهم، وبالتالي لايمكن أن يُتصور صدور كلام منه
إلاّ في مصلحتهم، ولا يخطو خطوة إلاّ في سبيلهم، وهذا
في الواقع أوّل وصف للنّبي(ص) ذكر في هذه الآية. ختام سُورَةُ
التّوبة |
|
|
|
|
سُورَةُ التّوبة وهي مَدنيّة وعددُ
آياتِهَا مَائة وتسع وعشرون آية فحَسب
|
|
ينبغي الإِلتفات إِلى الأُمور التالية قبل الشروع في تفسير السورة |
|
1 ـ أسماء هذه السّورة....
|
|
ذكر المفسّرون لهذه السّورة أسماءً عديدة تبلغ العشرة، غير أنّ المشهور منها هو ما يلي: سورة البراءة، وسورة
التوبة، والسورة الفاضحة. ولكلّ من التسميات سبب جلي. |
|
2 ـ متى نزلت هذه السورة
|
|
هذه السورة هي آخر سورة نزلت
على النّبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) أو من أواخر السور النازلة عليه في
المدينة، وهي كما قلنا ذات 129 آية فحسب. ومن بداية السورة حتى الآية
(28) نزل قُبيل موسم الحج، كما سنبيّن ذلك بعون
الله، والآيات الأُولى ـ هذه ـ والتي تتعلق بمن
بقي من المشركين بلّغها أميرالمؤمنين(عليه السلام) في
موسم الحج. |
|
3 ـ محتوى السّورة
|
|
لمّا كان نزول هذه السورة
إبّان انتشار الإِسلام في الجزيزة العربية، وتحطيم آخر مقاومة للمشركين فقد كان
لما حوته من مفاهيم أهمية بالغة ومواضيع حساسة. إذ يتعلق قسم منها بالبقية
الباقية من عبدة الأوثان والمشركين، وقطع العلاقات معهم، وإلغاء المعاهدات
والمواثيق التي كانت بينهم وبين المسلمين، لنقضهم لها مراراً، ليتم تطهير المحيط
الإِسلامي من رجس الوثنية الي الأبد. |
|
4 ـ لِمَ لَمْ تبدأ هذه السورة بالبسملة؟
|
|
يُجيب استهلال
السورة على السؤال آنف الذكر فقد بُدئت
بالبراءة ـ من قبل الله ـ من المشركين، وإعلان
الحرب عليهم، واتباع أسلوب شديد لمواجهتهم، وبيان غضب الله عليهم، وكل ذلك لا يتناسب والبسملة (بسم
الله الرحمن الرحيم)الدالة على الصفاء والصدق والسلام والحب; والكاشفة عن
صفة الرحمة واللطف الإِلهي. |
|
5 ـ فضيلة هذه السورة وآثارها
|
|
أولَتْ الرّوايات الإِسلامية
أهميّة خاصّة لتلاوة سورتي براءة والأنفال،
وممّا جاء في شأنهما عن الإِمام الصادق (ع) أنّه قال «من قرأ براءة والأنفال في
كل شهر لم يدخله نفاق أبداً، وكان من شيعة أميرالمؤمنين (ع) حقّاً». |
|
6 ـ حقيقة تأريخية يسعى بعضهم إِلى طمس
معالمها
|
|
من المتفق عليه بين جميع المؤرخين والمفسّرين تقريباً أنّه لما نزلت
الآيات الأُولى من سورة براءة، وأُلْغَيَت العهود التي كانت بين المشركين
والمسلمين، أمر النّبي أبابكر أن يبلغ هذه
الآيات في موسم الحج، ثمّ أخذها منه وأعطاها
علياً(ع)ليقوم بتبليغها، فقرأها علي على الناس في موسم الحج. وبالرغم من اختلاف الرّوايات في جزئيات هذه القصة وجوانبها
المتفرقة، إلاّ أن ذكر النقاط التالية يمكن أن
يجلو لنا حقيقة ناصعة: فدعا علياً فأعطاه إيّاها(جامع الأصول، ج 9، ص 475.). |
|
توضيح وتحقيق:
|
|
هذا الحديث يثبت ـ بجلاء ـ
فضيلة للإِمام علي(ع)، إلاّ أنّنا ـ ويا للأسف ـ
نجد مثل هذه الأحاديث لا ينظر إليها بعين الإِنصاف
والحق، إذ يسعى بعضهم إِلى محوها ونسيانها كليّاً، أو إلى التقليل من
أهميتها وقيمتها بأساليب شتى ملتوية: 1 ـ
فمثلا يتناول صاحب تفسير المنار تارةً ـ
من الحديث آنف الذكر ـ المقطع الذي يتعلق بجعل أبي بكر أميراً على الحاج، ويختار الصمت والسكوت في بقية الحديث الذي يدور حول
أخذ سورة من أبي بكر ليبلغها علي عن النّبي(ص)، وقد قال فيه(ص): «لا يبلغها إلاّ أنا أو رجل منّي» يعني عليّاً(عليه السلام). |
|
الآيتان(1) (2)
بَرَآءَةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَهَدتُّهم مِّنَ
الْمُشْرِكِينَ
|
بَرَآءَةٌ مِّنَ
اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَهَدتُّهم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ(1)
فَسِيحُوا فِى الاَْرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُر وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ
مُعْجِزِى اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِى الْكَفِرِينَ(2) |
|
التّفسير |
|
إلغاء
عهود المشركين:
|
|
|
كانت في المجتمع الإِسلامي
ومحيطه طوائف شتى، وكان النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يتخذ منها موقفاً
خاصّاً يتناسب وموقفها منه. فطائفة منها مثلا لم
يكن لها أيُّ عهد مع النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، والنّبي(صلى الله عليه
وآله وسلم) كذلك لم يكن له أيّ عهد معها. |
|
الآيتان(3) (4)
وَأَذنٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاْسِ يَوْمَ الْحَجِّ الاَْكْبَرِ
|
|
وَأَذنٌ مِّنَ اللهِ
وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاْسِ يَوْمَ الْحَجِّ الاَْكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِىءٌ
مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن
تَوَلَيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ
كَفَرُوا بِعَذَاب أَلِيم(3) إِلاَّ الَّذِينَ عَهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ
ثمّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَهرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا
إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) |
|
التّفسير |
|
العهود
المحترمة:
|
|
نلحظ في هاتين
الآيتين البيّنتين مزيد تأكيد على
موضوع إلغاء المعاهدات التي كانت بين النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)
والمشركين، حتى أنّ تاريخ الإِلغاء قد أُعلن في
هذه الآية إذ نقول: (وأذان
من الله ورسوله إِلى الناس يوم الحج الأكبر أنّ الله بريء من المشركين ورسولُه)(
جملة وأذان إلخ. معطوفة على جملة: براءة من
الله. وهناك إحتمالات أُخرى في تركيب الجملة
«ونظمها»، غير أن ما ذكرناه أكثر ظهوراً كما يبدوا.). وفي الحقيقة، أنّ الله سبحانه يريد في هذا الإِعلان العام في مكّة
المكرمة، وفي ذلك اليوم العظيم، أن يوصد كل ذريعة يتذرع بها المشركون والأعداء،
ويقطع ألسنة المفسدين، لئلا يقولوا: إنّهم أستغفلوا في الحملة أو الهجوم عليهم،
وإن ذلك ليس من الشّهامة والرجولة. |
|
ملاحظات:
1 ـ الحجُّ الأكبرُ! ، 2- أعلن براءة الله من المشركين
|
|
1 ـ
الحجُّ الأكبرُ! |
|
الآيتان(5) (6)
فَإِذَا انسَلَخَ الاَْشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
وَجَدتُّمُوهُمْ
|
|
فَإِذَا انسَلَخَ
الاَْشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ
وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَد فَإِن تَابُوا
وَأَقَامُوا الصَّلَوةَ وَءَاتَوُا الزَّكَوةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ
اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(5) وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ
فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَمَ اللهِ ثمّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ(6) |
|
التّفسير |
|
الشدّة المقرونة بالرّفق: |
|
نقرأ في الآيتين أعلاه بيان وظيفة المسلمين بعد إنتهاء مدّة إمهال المشركين «الأشهر الأربعة» وقد أصدر القرآن أوامره الصارمة في
هذا الصدد فقال: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا
المشركين حيث وجدتموهم)( الفعل «انسلخ» مأخوذ من
الإِنسلاخ ومعناه الخروج، وأصله من «سلخ الشاة» أي إخراج الشاة من جلدها عند الذبح.). |
|
الآيات(7) (10)
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللهِ وَعِندَ رَسُولِهِ
|
كَيْفَ يَكُونُ
لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ
عَهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَمُوا لَكُمْ
فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ(7) كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا
عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًَّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم
بِأَفَوهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَسِقُونَ(8) اشْتَرَوْا
بِأَيَتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلا فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا
كَانُوا يَعْمَلُون(9) لاَيَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِن إِلاًَّ وَلاَ ذِمَّةً
وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ(10) |
|
التّفسير |
|
المعتدون
النّاقضون العَهدَ:
|
|
كما لاحظنا في الآيات السابقة
الإِسلام ألغى جميع العهود التي كانت بينه وبين المشركين وعبدة الأوثان ـ إلاّ
جماعة خاصّة ـ وأمهلهم مدّة أربعة أشهر ليقرروا موقفهم منه. وفي نهاية الآية
إشارة إِلى جذر هذا الموضوع وأساسه وهو فسقهم، فتقول: (وأكثرهم فاسقون). ولمّا كانت أرض مكّة تستوعب
منطقة واسعة «حولي 48 ميلا» فقد عُدّت المنطقة كلها جزءاً من المسجد الحرام، كما نقرأ عن ذلك في الآية (196) من سورة البقرة، إذ تذكر
موضوع حج التمتع وأحكامه فتقول: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام). |
|
|
الآيات(11) (15)
فَإِنْ تَابُوا وأَقَامُوا الصَّلَوةَ وَءَاتَوُا الزَّكَوةَ فَإِخْوَنُكُمْ فِى
الدِّيِنِ
|
|
فَإِنْ تَابُوا
وأَقَامُوا الصَّلَوةَ وَءَاتَوُا الزَّكَوةَ فَإِخْوَنُكُمْ فِى الدِّيِنِ
وَنُفَصِّلُ الاَْيَتِ لِقَوْم يَعْلَمُونَ(11) وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَنَهُمْ
مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِى دِينِكُمْ فَقَتِلُوا أَئِمَّةَ
الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَنَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ(12) أَلاَ
تُقَتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوا أَيْمَنَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ
وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّة أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَن
تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (13)قَتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ
بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْم
مُّؤْمِنينَ(14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن
يَشَآءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(15) |
|
التّفسير |
|
لِمَ
تخشونَ مقاتلةَ العدوِّ؟!
|
|
إنّ أحدَ أساليب الفصَاحة
والبلاغة أن يكرر المتحدّث المطلب المهم بتعابير مختلفة للتأكيد على أهمية،
وليكون له أثر في النفوس. ولما كانت مسألة تطهير المحيط الإِسلامي من الوثنية
وعبادة الأصنام وإزالة آثارها، من المسائل ذات الأهميّة القصوى، فإنّ القرآن
يكرر هذه المطالب بعبارات جديدة ـ في الآيات محل البحث ـ ويورد القرآن كذلك
لطائف تخرج المطلب ـ عن صورة التكرار، ولو التكرار المجازي. والشاهد على هذا
الكلام أنّ جملة (وإن نكثوا أيمانهم) جاءت
في مقابل (فإن تابوا وأقاموا الصلاة) أي لا يخلو
الأمر من أحد وجهين، فإمّا أن يتوبوا ويعرضوا عن
الشرك ويتجهوا نحو الله، وإمّا أن يستمرا على
طريقهم ونكث أيمانهم. ففي الصورة الأُولى هم
إخوانكم في الدين، وفي الصورة الثّانية ينبغي
مقاتلتهم. |
|
الآية(16) أَمْ
حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللهِ
|
|
أَمْ حَسِبْتُمْ
أَن تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ
يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنيِنَ وَلِيجَةً
واللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(16) |
|
التّفسير |
|
في هذه الآية ترغيب
للمسلمين في الجهاد عن طريق آخر، حيث
تُحمِّلُ الآية المسلمين مسؤولية ذات عبء كبير، وهي أنّه لا ينبغي أن تتصوروا أن
كلّ شيء سيكون تامّاً بادعائكم الإِيمان فحسب، بل يتجلى صدق النيّة وصدق القول
والإِيمان الواقعي في قتالكم الأعداء قتالا خالصاً من أي نوع من أنواع النفاق. وفي الحقيقة فإنّ الجملة المتقدمة تُنّبه المسلمين إِلى أنّ الأعمال
لا تكمل بإظهار الإِيمان فحسب، ولا تتجلى شخصية الأشخاص بذلك، بل يعرف الناس باختبارهم عن طريقين: |
|
الآيتان(17) (18) مَا
كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَجِدَ اللهِ شَهِدِينَ عَلَى
أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ
|
|
مَا كَانَ
لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَجِدَ اللهِ شَهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِم
بِالْكُفْرِ أَوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَلَهُمْ وَفِى النَّارِهُمْ خَلِدُونَ(17)
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَجِدَ اللهِ مَنْ ءَامَنَ بِاللهِ وَالْيُومِ الاَْخِرِ
وَأَقَامَ الصَّلَوةَ وَءَاتَى الزَّكَوةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسَى
أَوْلَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ(18) |
|
التّفسير |
|
مَن
يعمر مساجد الله؟
|
|
من جُملة المسائل التي يمكن
أن تخالط اذهان البعض بعد إلغاء عهد المشركين وحكم الجهاد، هو: لِمَ نُبْعِد هذه
الجماعة العظيمة من المشركين عن المسجد الحرام لأداء مناسك الحج، مع أنّ
مساهمتهم في هذه المراسم عمارة للمسجد من جميع الوجوه «المادية والمعنوية» إذ
يستفاد من إعاناتهم المهمّة لبناء المسجد الحرام، كما يكون لوجودهم أثر معنوي في
زيادة الحاجّ والطائفين حول الكعبة المشرفة وبيت الله |
|
الآيات(19) (22)
أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَآجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ
ءَامَنَ بِاللهِ
|
|
أَجَعَلْتُمْ
سِقَايَةَ الْحَآجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاللهِ
وَالْيَوْمِ الاَْخِرِ وَجَهَدَ فِى سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَووُنَ عِندَ
اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّلِمِينَ(19) الَّذِينَ ءَامَنُوا
وَهَاجَرُوا وَجَهَدُوا فِى سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ
أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنَد اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَآئِزُونَ(20)
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَة مِّنْهُ وَرِضْوَن وَجَنَّت لَّهُمْ فِيهَا
نَعِيمٌ مُّقِيمٌ (21) خَلِدِينَ فِيهَآ أَبَداً إِنَّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ
عَظِيمٌ(22) |
|
سبب النّزول
|
|
هناك روايات مختلفة في سبب
نزول الآيات ـ محل البحث ـ منقولة في كتب أهل السنة والشيعة، ونورد هنا ما يبدو
أكثر صحة. |
|
التّفسير |
|
مقياس
الفخر والفضل:
|
|
مع أنّ للآيات ـ محل البحث ـ
شأناً في نزولها، إلاّ أنّها في الوقت ذاته تستكمل البحث الذي تناولته الآيات
المتقدمة، ونظير ذلك كثير في القرآن. أمّا الآية التالية فتوضح ما أجملته الآية السابقة وتؤكّده بالقول: (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم
أعظم درجة عند الله وأُولئك هم الفائزون). |
|
ملاحظتان |
|
1 ـ تحريف
التاريخ
|
|
كما قرأنا آنفاً في شأن نزول
الآيات محل البحث، وطبقاً لرواية وردت في كثير من كتب الآيات أهل السنة الشهيرة،
أنّها نزلت في علي(ع) وبيان فضائله، على أنّ مفهوم الآيات عام واسع «وقد قلنا مراراً بأن أسباب النّزول لا تحدّد مفاهيم الآي». وهي ما نُقَل عن
النعمان بن بشير إذ يقول: كنت جالساً في
عدة من أصحاب النّبي إلى جوار منبره، فقال بعضهم:
لا أرى عملاً بعد الإِسلام أفضل من سقاية الحاج وإروائهم، وقال الآخر: إن عمارة المسجد الحرام أفضل من كل عمل، فقال الثالث، في سبيل الله أفضل ممّا قلتما. ولو كان القياس بين الإِيمان
وسقاية الحاج المقرونة بالإِيمان والجهاد، لكانت جملة (والله
لا يهدي القوم الظالمين) لغواً ـ والعياذ بالله ـ لأنّها حينئذ لا مفهوم
لها هنا. |
|
2 ـ ما هو مقام
الرضوان
|
|
يستفاد من الآيات ـ محل البحث
ـ أنّ مقام الرضوان الذي هو من أعظم المواهب التي يهبها الله المؤمنين
والمجاهدين في سبيله، هو شيءٌ غير الجنات والنعيم المقيم وغير رحمته الواسعة. |
|
الآيتان(23) (24)
يَأَيُهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا ءَابَآءَكُمْ وَإِخْوَنَكُمْ
أَوْلِيَآءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا
|
|
يَأَيُهَا
الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا ءَابَآءَكُمْ وَإِخْوَنَكُمْ أَوْلِيَآءَ
إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الاِْيمَنِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ
فَأَوْلَئِكَ هُمُ الظَلِمُونَ(23) قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ
وَإِخْوَنُكُمْ وَأَزْوَجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَلٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا
وَتِجَرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم
مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَاد فِى سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِىَ
اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَسِقِينَ(24) |
|
التّفسير |
|
كلّ
شيء فَداءٌ للهدف:
|
|
إنّ آخر وسوسة أو ذريعة يمكن
أن يتذرع بها جماعة من المسلمين للامتناع عن جهاد المشركين (وفعلا فقد تذرع
بعضهم وفقاً لما ورد في قسم من التفاسير) بأن من بين المشركين وعبدة الأوثان أقارب
لهم، فقد يُسلم الأب ويبقى ولده في الشرك على حاله، وقد يقع العكس إذ يخطو الابن
نحو توحيد الله ويبقى أبوه مشركاً، وهذه الحالة ربّما كانت موجودة بين الأخ
وأحيه، والزوج وزوجه، والفرد وعشيرته أو قبيلته، وهكذا. وقد جاء في تفسير
علي بن إبراهيم القمي في شأن الآيتين مايلي: «لما أذّن أمير المؤمنين أن لا يدخل المسجد الحرام مشرك بعد ذلك، جزعت قريش
جزعاً شديداً، وقالوا: ذهبت تجارتنا وضاعت علينا وخربت دورنا، فأنزل الله في ذلك
قل (يا محمّد) الخ .... |
|
الآيات(25) (27)
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَة وَيَوْمَ حُنَيْن إِذْ
أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ
|
|
لَقَدْ نَصَرَكُمُ
اللهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَة وَيَوْمَ حُنَيْن إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ
كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الاَْرْضُ
بِمَا رَحُبَتْ ثمّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ(25) ثمّ أَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ
عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودَاً لَّمْ تَرَوْهَا
وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَآءُ الْكَفِرِينَ(26) ثمّ يَتُوبُ
اللهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَآءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (27) |
|
التّفسير |
|
الكثرة
وحدَها لا تجدي نفعاً:
|
|
في الآيات المتقدمة رأينا أنّ
الله سبحانه يدعوا المسلمين إِلى التضحية والجهاد على جميع الصُعد في سبيل الله
وقلع جذور الشرك وعبادة الأوثان، ويهدد بشدّة من يتقاعس منهم عن الجهاد والتضحية
بسبب التعلق بالأزواج والأولاد والأرحام والعشيرة والمال والثروة. وفي هذه اللحظات الحساسة حيث
تفرق جيش الإِسلام هنا وهناك، ولم يبق مع النّبي إلاّ القلة، وكان النّبي
مضطرباً ومتألّماً جدّاً لهذه الحالة نزل التأييد الإلهي: (ثمّ أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً
لم تروها). |
|
ملاحظات |
|
1 ـ غزوة حنين
ذات العبرة
|
|
«حُنين» منطقة قريبة من الطائف،
وبما أنّ الغزوة وقعت هناك فقد سميّت باسم المنطقة ذاتها، وقد عُبّر عنها في
القرآن بـ «يوم حنين» ولها من الأسماء ـ غزوة أوطاس، وغزوة هوازن أيضاً. فلّما سمع المسلمون
صوت العباس رجعوا وقالوا: لبيّك لبيّك،
ولا سيما الأنصار إذ عادوا مسرعين وحملوا على العدوّ من كل جانب حملة شديدة،
وتقدّموا بأذن الله ونصره، بحيث تفرقت هوازن شذر مذر مذعورة، والمسلمون ما زالوا
يحملون عليها. فقتل حوالي مئة شخص من هوازن، وغنم المسلمون أموالهم كما أسروا
عدّة منهم(مجمع البيان، ج 5، ص 17 ـ 19.). |
|
2 ـ من هم
الفارّين
|
|
ممّا لا شك فيه أنّ الأكثرية
الساحقة فرّت باديء الأمر من ساحة المعركة، وما تبقى منهم كانوا عشرةً فحسب،
وقيل أربعة عشر شخصاً، وأقصى ما أوصل عددُهم المؤرخون لم يتجاوزوا مئة شخص. يقول صاحب تفسير
المنار ما ملَخصُه: لما رشق العدوّ
المسلمين بسهامه، كان جماعة قد التحقوا بالمسلمين من مكّة، وفيهم المنافقون
وضعاف الإِيمان والطامعون «للغنائم» ففرّ هؤلاء جميعاً وتقهقروا إِلى الخلف،
فاضطرب باقي الجيش طبعاً، وحسب العادة ـ لا خوفاً ـ فقد
فرّوا أيضاً، وهذا أمر طبيعي عند فرار طائفة فإنّه يتزلزل الباقي منهم
فيفر أيضاً ـ ففرارهم لا يعني ترك النّبي وعدم نصرته أو تسليمه بيد عدوه، حتى
يستحقوا غضب الله!!( راجع تفسير المنار، وأقرار التفصيل
فيه، ج 1، الصفحات 262 و 263 و 265.) |
|
3 ـ الإِيمان
والسكينة
|
|
السكينة في الأصل مأخوذة من السكون،
وتعني نوعاً من الهدوء أو الإِطمئنان الذي يبعد كل نوع من أنواع الشك والخوف
والقلق والإِستيحاش عن الإِنسان، ويجعله راسخ القدم بوجه الحوادث الصعبة
والملتوية. والسكينة لها علاقة قربى بالإِيمان، أي أنّ السكينة وليدة الإِيمان، فالمؤمنون
حين يتذكرون قدرة الله التي لا غاية لها، ويتصورون لطفه ورحمته يملأ قلوبهم موج
الأمل ويغمرهم الرجاء. |
|
4 ـ في الآيات
محل البحث إشارة إِلى أنّ الله نصر المسلمين في مواطن كثيرة!
|
|
هناك كلام كثير بين المؤرخين
حول عدد مغازي النّبي وحروبه، التي أسهم فيها(صلى الله عليه وآله وسلم) شخصيّاً،
وقاتل الأعداء، أو حضرها دون أن يقاتل بنفسه، أو الحروب التي وقف فيها المسلمون
بوجه أعدائهم ولم يكن الرّسول حاضراً في المعركة. |
|
ما
ينبغي على المسلمين
|
|
5 ـ إن ما ينبغي
على المسلمين أن يعتبروا به ويلزمهم أن يأخذوا منه درساً بليغاً، هو أن ينظروا
إِلى الحوادث التي هي على شاكلة حادثة حنين، فلا يغتروا بكثرة العَدَد أو
العُدد، فالكثرة وحدها لا تغني شيئاً، بل المهم في الأمر وجود المؤمنين الراسخين
في الإيمان، ذوي الإِرادة والتصميم، حتى لو كانوا قلةً. |
|
الآية(28) يَأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَيَقْرَبُوا
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ
|
|
يَأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَيَقْرَبُوا
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً
فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ
حَكِيمٌ(28) |
|
التّفسير |
|
لايحقُّ
للمشركين أنْ يَدخُلُوا المسجد الحَرَام:
|
|
قلنا: إن واحداً من الأُمور
الأربعة التي بلّغها الإِمام علي(ع) في موسم الحج في السنة التاسعة للهجرة، هو
أنّه لا يحق لأحد من المشركين دخول المسجد الحرام، أو الطواف حول البيت، فالآية
محل البحث تشير إِلى هذا الموضوع وحكمته، فتقول أوّلا: (يا
أيّها الذين آمنوا إنّما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا). |
|
الآية(29) قَتِلُوا
الَّذِينَ لاَيُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الاَْخِرِ وَلاَ
يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ
|
|
قَتِلُوا الَّذِينَ
لاَيُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الاَْخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا
حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَبَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَد وَهُمْ صَغِرُونَ(29) |
|
التّفسير |
|
مسؤوليتنا
إزاء أهل الكتاب:
|
|
كان الكلام في الآيات السابقة
عن وظيفة المسلمين إزاء المشركين، أمّا الآية ـ محل البحث (وما يليها من الآي) ـ
فتبيّن تكليف المسلمين ووظيفتهم إزاء أهل الكتاب. وتذكر الآية الصفة
الثّالثة التي كانوا يتصفون بها فتقول: (ولا يدينون دين الحق). |
|
ما
هَي الجزية؟!
|
|
تُعدّ الجزية
ضريبةً مالية «إسلامية» وهي تتعلق
بالأفراد لا بالأموال ولا بالأراضي، أو بتعبير آخر:
هي ضريبة مالية سنوية على الرؤوس. نص كتاب المعاهدة: «هذا كتاب من خالد بن
الوليد لصلوبا بن نسطونا وقومه، إني
عاهدتكم على الجزية والمنعة، فلك الذّمة والمنعة، وما منعناكم فلنا الجزية وإلاّ
فلا، كتب سنة اثنتى عشرة في صفر »( نقلا عن تفسير
المنار، ج 10، ص 294.). |
|
الآيات(30) (33)
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَرَى الْمَسِيحُ
ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَهِهِمْ
|
|
وَقَالَتِ
الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَرَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ
ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَهِهِمْ يُضَهؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن
قَبْلُ قَتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ(30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَنَهُمْ
أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوا إِلاَّ
لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَحِداً لاَّإِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَنَهُ عمّا
يُشْرِكُونَ(31) يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَهِهِمْ
وَيَأْبَى اللهُ اِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَفِرُونَ(32)
هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ
عَلَى الَّدِينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(33) |
|
التّفسير |
|
شرك
أهل الكتاب:
|
|
كان الكلام في الآيات
المتقدمة بعد الحديث عن المشركين وإِلغاء عهودهم وضرورة إزالة دينهم ومعتقداتهم
الوثنية يشير بعد ذلك إِلى أهل الكتاب وقد حدد الإِسلام لهم شروطاً ليعيشوا
بسلام مع المسلمين، فإنّ لم يفوا بها كان على المسلمين أن يقاتلوهم. وفي الآيات محل البحث بيان لوجه الشبه بين أهل الكتاب والمشركين، ولا سيما اليهود والنصارى منهم، ليتّضح أنّه لو كان
بعض التشدد في معاملتهم، فإنّما هو لإِنحرافهم عن التوحيد، وميلهم إِلى نوع من
الشرك في العقيدة، ونوع من الشرك في العبادة. |
|
بحوث |
|
1 ـ من هُوَ
عزيرٌ؟!
|
|
«عزير» في لغة العرب هو «عزرا»
في لغة اليهود، ولمّا كانت العرب تغيّر في بعض الكلمات التي تردها من لغات
أجنبية وتجري على لسانها، وذلك كما هي الحال في إِظهار المحبّة خاصّة فتصغر
الكلمة، فصغرت عزرا إِلى عُزير، كما بُدلت كلمة يسوع العبرية إِلى عيسى في العربية، ويوحنا إِلى
يحيى.( المراد من التصغير عادةً هو بيان كون الشيء
صغيراً في قبال شيء آخر كبير، مثل رجيل المصغر عن رجل، لكن للتصغير أغراضاً
بلاغية منها إِظهار المحبّة وغيرها، كما في اظهار الرجل محبته لولده فيصغّر
إِسمه.) ولما فتح كورش ملك فارس بابل جاءه عزرا، وكان من
أكابر اليهود، فاستشفعه في اليهود فشفّعه فيهم،
فرجعوا إِلى ديارهم وكتب لهم التّوراة ـ ممّا بقي في ذهنه من أسلافه اليهود وما
كانوا قد حدّثوا به ـ من جديد. |
|
2 ـ لم يكن
المسيحُ ابن اللهِ
|
|
لا ريب أن المسيحيين يعتقدون أن عيسى هو الابن الحقيقي لله، ولا يطلقون هذا الاسم إِكراماً وتشريفاً له، بل على نحو المعنى الواقعي له،
وهم يصرّحون في كتبهم أن إِطلاق هذا الاسم على غير المسيح بالمعنى الواقعي غير
جائز، ولاشك أنّ هذا من بدع النصارى، والمسيح لم يدّعِ مثل هذا الإِدعاء أبداً،
وإِنّما كان يقول: بإنّه عبدٌّ لله، ولا معنى أساساً لأن ننسب علاقة الأبوة
والبنوة الخاصّة بعالم المادة وعالم الممكنات بين الله وعباده أبداً. |
|
3 ـ اقتباس هذه
الخرافات
|
|
يقول القرآن المجيد في الآية
محل البحث: أنّهم ـ أي اليهود والنصارى ـ يضاهئون ـ
أي يُشبهون بانحرافاتهم ـ الذين كفروا والمشركين. |
|
4 ـ ما هو معنى
(قاتلهم الله)
|
|
جملة وإِن كان معناها في الأصل أنّ الله مقاتلٌ إيّاهم وما إِلى ذلك، لكن كما يقول الطبرسي في مجمع البيان نقلا عن ابن عباس، إِن هذه الجملة كناية عن اللعنة أي أنّ الله أبعدهم
عن رحمته، فهو دعاء عليهم. وفي الآية الثّالثة
من الآيات محل البحث تشبيه طريف لسعي
اليهود والنصارى، أو سعي جميع مخالفي الإِسلام حتى المشركين، وجدّهم واجتهادهم
المستمر «العقيم» الذي لا يعود عليهم بالنفع أبداً، إِذ تقول الآية: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلاّ
أن يُتمّ نورَهُ ولو كره الكافرون). |
|
ملاحظات:
1 ـ شُبِّه الدين 2- المستقبل للإسلام:
|
|
1 ـ شُبِّه الدين ـ دين الله ـ في هذه الآية وفي القرآنُ
وتعاليم الإسلام بالنور، ونحن نعرف أن النّور أساس الحياة والحركة والنمو والعمران على
الأرض ومنشأ كل جمال. يقول الراغب في
مفرداته موضحاً الفرق بين (أن يطفئوا) و(ليطفئوا): إِنّ الآية الأُولى تشير إِلى محاولة إطفاء نور الله بدون مقدمات، أمّا
الآية الأُخرى فتشير إِلى محاولة إطفائه بالتوسل بالأسباب والمقدمات، فالقرآن يريد أن يقول: سواء توسّلوا بالأسباب أم لم
يتوسلوا فلن يفلحوا أبداً، وعاقبتهم الهزيمة والخسران. |
|
بحوث |
|
1 ـ المراد
«الهدى ودين الحقّ»
|
|
هذا التعبير الوارد في الآية
محل البحث: (أرسل رسوله بالهدى ودين الحق)بمثابة
الدليل على انتصار الإِسلام وظهوره على جميع الأديان، لأنّه لمّا كان محتوى دعوة
النّبي الهداية، والعقل يدل على ذلك في كل موطن، ولما كانت أُصوله وفروعه موافقة
للحق، ومع الحق، وتسير في مسيرالحق، ولأجل الحق. فهذا الدين سينتصر على جميع
الأديان طبعاً. |
|
2 ـ انتصار
المنطق أم انتصر القوّة؟
|
|
هناك كلام بين المفسّرين في كيفية ظهور الدين الإِسلامي على سائر
الأديان، وهذا الظهور أو الإِنتصار في أيّ شكل هو؟ |
|
3 ـ القرآن وظهور
المهدي
|
|
إنّ الآية ـ محل البحث ـ
عينها وبالالفاظ ذاتها، وردت في سورة الصف، كما
وردت في أُخريات سورة الفتح باختلاف يسير. كما أن الشيخ
الصدوق روى عن الإِمام الصادق(ع) في
تفسير هذه الآية ـ في كتابه إِكمال الدين ـ أنّه
قال: «والله ما نزل تأويلها بعدُ،ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم،
فإِذا خرج القائم لم يبق كافر بالله العظيم».(
نورالثقلين، ج 2، ص 211.) الرّوايات
الإِسلامية في المهدي «عجّل الله فرجه الشّريف» |
|
الانتظار
وآثاره البنّاءَة:
|
|
كان الكلام في البحث السابق
أن هذا الإِعتقاد لم يكن ممّا طراً على التعاليم الإِسلامية، بل هو من أكثر
المباحث القطعية المأخوذة عن مؤسس دعائم الإِسلام صلوات الله عليه، ويتفق على ذلك عموم الفرق الإِسلامية، والأحاديث في
هذا الشأن متواترة أيضاً. |
|
الحكمة
الأُولى، بناء الشّخصية الفرديّة:
|
|
إِنّ بناء الشّخصية
ـ قبل كل شيء ـ بحاجة إِلى عناصر معدّة ذات قيم إِنسانية، ليمكن للفرد أن يتحمل العبء الثقيل الإِصلاحي للعالم،
وهذا الأمر بحاجة ـ أوّلا ـ إِلى الإِرتقاء الفكري والعلمي والإِستعداد الروحي،
لتطبيق ذلك المنهج العظيم. فالتحجر، وضيق النظر والحسد، والإِختلافات الصبيانية،
وكل نفاق بشكل عام أو تفرقة لا تنسجم ومكانة المنتظرين الواقعيين. |
|
الحكمة
الثّانية، التعاون الإِجتماعي:
|
|
إِنّ المنتظرين بحق في الوقت
الذي ينبغي عليهم أن يهتمّوا ببناء «شخصيتهم» عليهم، أن يراقبوا أحوال الآخرين،
وأن يجدّوا في إصلاحهم جدّهم في إِصلاح ذاتهم... لأنّ المنهج العظيم الذي
ينتظرونه ليس منهجاً فرديّاً، بل هو منهج ينبغي أن تشترك فيه جميع العناصر
الثورية، وأن يكون العمل جماعياً عاماً، وأن تتسقَ المساعي والجهود بشكل يتناسب
وتلك الثورة العالمية هم في انتظارها. |
|
الحكمة
الثّالثة، المنتظرون بحق لا يذوبون في المحيط الفاسد:
|
|
إِنّ الأثر المهم الآخر
للإِنتظار هو عدم ذوبان المنتظرين في المحيط الفاسد، وعدم الإِنقياد وراء
المغريات والتلوّث بها أبداً. |
|
الآيتان(34) (35)
يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الاَْحْبَارِ
وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَلَ النَّاسِ بِالْبَطِلِ
|
|
يَأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الاَْحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ
لَيَأْكُلُونَ أَمْوَلَ النَّاسِ بِالْبَطِلِ وَيَصَدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ
وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَيُنْفِقُونَهَا فِى
سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَاب أَلِيم (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِى
نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا
مَا كَنَزْتُمْ لاَِنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35) |
|
التّفسير |
|
كنز
الأموال:
|
|
كان الكلام في الآيات
المتقدمة عن أعمال اليهود والنصارى المشوبة بالشرك، إِذ كانوا يعبدون الأحبار
والرهبان من دون الله. فالآية هنا تلتفت
نحو المسلمين فتخاطبهم بالقول: (يا
أيّها الذين آمنوا إِنّ كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل
ويصدّون عن سبيل الله). ولبعض العلماء
تعريف طريف في شأن هذين المعدنين
ولُغتيهما «كما ذكر ذلك العلاّمة الطبرسي في مجمع
البيان» فقال: إِنّما سمّي الذهب ذهباً لذهابه
عن اليد عاجلا، وإِنّما سمّيت الفضة لإِنفضاضها
أي لتفرّقها، ولمعرفة مآل وحقيقة هذه الثروة فإنّ هذه التسمّية كافية (لكلّ من المالين ـ الذهب والفضة). وإِذا لم يكن أهل الدنيا
يعرفون أهمية هذا الدّستور الإِسلامي بالأمس، فنحن نستطيع أن ندركه جيداً، لأنّ
الأزمات الإِقتصادية التي أُبتلي بها البشر نتيجة احتكار الثروة من قبل جماعة
«أنانية»; وظهورها على صورة حروب وثورات وسفك دماء، غير خاف على أحد أبداً. وفي كتاب الأمالي
للشيخ الطوسي(قدس سره) ورد هذا المضمون
ذاته عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم): «من أدى زكاة مال فما تبقّى منه ليس
بكنز».( نور الثقلين، ج 2، ص 213.) |
|
أبوذر والإِشتراكية!!
|
|
من المؤاخذات على
الخليفة الثّالث مسألة إبعاد أبي ذر(رضي الله عنه) المصحوب بالقسوة والخشونة الى
الرّبذه، تلك المنطقة التي كان يبغضها أبوذر والتي كانت غير صالحة
من حيث الماء والهواء، حتى إنتهى الأمر الى موت هذا الصحابي الجليل والمجاهد
المضحي في سبيل الإِسلام، وهو الذي قال فيه النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم):
«ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ». وإِذا كان معاوية لم يستطيع أن يجرؤ على قتل أبي ذر أو التآمر عليه ـ خوفاً من
إِنكار عامّة الناس ـ فهل يعدّ ذلك احتراماً لأبي ذر من قبل معاوية؟! |
|
جزاء
من يكنز!
|
|
في الآية التّالية إشارة الى
واحد ممّا يحيق بمثل هؤلاء ممّن يكنز المال في العالم الآخر، إِذ تقول الآية: (يوم يُحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم
وظهورهم). |
|
الآيتان(36) (37)
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَاعَشَرَ شَهْراً فِى كِتَبِ اللهِ
يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوتِ وَالاَْرْضَ
|
|
إِنَّ عِدَّةَ
الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَاعَشَرَ شَهْراً فِى كِتَبِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ
السَّمَوتِ وَالاَْرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً
كَمَا يُقَتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)
إِنَّمَا النَّسِىءُ زِيَادَةٌ فِى الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا
يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا
حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَلِهِمْ
وَاللهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَفِرِينَ(37) |
|
التّفسير |
|
وقف
القتال «الإِجباري»:
|
|
لما كانت هذه السورة تتناول
أبحاثاً مفصلةً حول قتال المشركين، فالآيتان ـ محل البحث ـ تشيران الى أحد
مقرّرات الحرب والجهاد في الإِسلام، وهو احترام الأشهر الحُرم. ويستفاد من بعض
الرّوايات أن تحريم القتال في هذه
الأشهر الحرم، كان مشرّعاً في الديانة اليهودية
والمسيحية وسائر الشرائع السماوية، إِضافة الى شريعة إِبراهيم الخليل(عليه
السلام). ولعلّ التعبير بـ(ذلك الدين القيم) إِشارة
الى هذه اللّطيفة، أي أنّ هذا التحريم كان في أوّل الأمر على شكل قانون ثابت: فالله سبحانه إِذا علم أن في
عباده من ليس أهلا للهداية والتوفيق، خلاه ونفسه: (والله
لا يهدي القوم الظالمين). |
|
بحوث:
1 ـ فلسفة الأشهر الحُرُمِ! 2 ـ مفهوم النسيء
|
|
1 ـ فلسفة
الأشهر الحُرُمِ! |
|
كان تحريم القتال في هذه
الأشهر الأربعة أحَدَ الطرق لإِيقاف الحروب الطويلة الأمد ووسيلة للدعوة نحو
الصلح والدعة، لأنّ المحاربين إِذا وضعوا
أسلحتهم في هذه الأشهر الأربعة، وأخمدت نيران
الحرب ووجدت الفرصة للتفكير، فمن غير المستبعد أن تنتهي الحرب ويحل السلام
محلّه، لأنّ الشروع المجدد بعد إيقاف القتال وانطفاء نار الحرب في غاية الصعوبة،
ولا ننسى أن المقاتلين في حرب فيتنام خلال العشرين سنةً من الحرب كانوا يواجهون
صعوبة كبيرة لإِيقاف القتال خلال أربع وعشرين ساعة لبداية العام الميلادي
الجديد، إلاّ أنّ الإِسلام جعل لأتباعه قراراً بإيقاف القتال خلال أربعة أشهر،
وهذا الأمر بنفسه يدل على روح السلام في الإِسلام والمطالبة بالصلح. |
|
2 ـ مفهوم
النسيء وفلسفته في الجاهليّة |
|
«النسيء»
على وزن «الكثير» من مادة «نسأ» ومعناها
التأخير ويمكن أن تكون هذه الكلمة اسم مصدر أو
مصدراً، وتطلق على ما يؤجل من إِعطاء المال أو قبضه. |
|
3 ـ وحدة
الكلمة مقابل العدو |
|
إِنّ القرآن يعلمنا في
الآيتين آنفتي الذكر أن نقف صفاً واحداً بوجه العدو عند الحرب، ويستفاد من هذا
النص القرآني أنّه ينبغي التنسيق حتى في المواجهات السياسية والثقافية،
والإِقتصادية والعسكرية فنحن نكتسب القوة في ظل هذه الوحدة التي تنتهل من روح
الإِسلام وهذا الأمر قد جُعل في طي النسيان وكان مدعاة الى انحطاط المسلمين
وتأخرهم. |
|
4 ـ كيف
يُزيَّنُ للناسِ سوءُ أعمالهم؟! |
|
إِنّ فطرة الإِنسان إِذا كانت
نقيّة تميز الصالح من الطالح بصورة جيدة، إلاّ أنّه حين يذنبُ الإِنسان ويخطو في
طريق الآثام فإنّه يفقد هذا الإحساس «بتمييز الصالح من الطالح» تدريجاً. |
|
الآيتان(38) (39)
يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِى
سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ
|
|
يَأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِى سَبِيلِ اللهِ
اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الاَْرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَوةِ الدُّنْيَا مِنَ
الاَْخِرَةِ فَمَا مَتَعُ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا فِى الاَْخِرَةِ إِلاَّ
قَلِيلٌ(38) إِلاَّ تَنِفُروا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ
قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَتَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَىْء
قَدِيرٌ(39) |
|
سبب النّزول
|
|
جاء عن ابن عباس
وآخرين أنّ الآيتين ـ محل البحث ـ نزلتا في
معركة تبوك حين كان النّبي(ص) عائداً من الطائف الى المدينة، وهو يهيىء الناس
ويعبؤهم لمواجهة الروم. |
|
التّفسير |
|
التّحرك نحو سوح الجهاد مرّة
أُخرى فإِذا كنتم تتصورون أنّكم
إِذا توليتم وأعرضتم عن الذهاب الى سوح الجهاد، فإنّ
عجلة الإِسلام ستتوقف وينطفىء نور الإِسلام، فأنتم في غاية الخطأ والله
غني عنكم (ويستبدل قوماً غيركم) قوماً أفضل منكم
من كل جهة، لا من حيث الشخصيّة فحسب، بل من حيث الإِيمان والإِرادة والشهامة
والإِستجابة والطاعة (ولا تضرّوه شيئاً). |
|
ملاحظات |
|
1 ـ في الآيتين
آنفتي الذكر تأكيد على الجهاد من سبعة وجوه:
|
|
الأوّل: أنّها تخاطب المؤمنين (يا أيّها
الذين آمنوا). ونقرأ دعاء للإِمام
زين العابدين علي بن الحسين(عليه السلام) لأهل الثغور وحُماة الحدود، إِذ
تقول: «وأنسهم عند لقائهم العدوّ ذكر دنياهم الخدّاعة وامحُ عن قلوبهم خطرات
المال الفتون». |
|
الآية(40) إِلاَّ
تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا
|
|
إِلاَّ تَنصُرُوهُ
فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِىَ اثْنيْنِ
إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَحِبِهِ، لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ
مَعنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُود لَّمْ
تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ
هِىَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(40) |
|
التّفسير |
|
المدد
الإلهي للرّسول في أشد اللحظات:
|
|
كان الكلام في الآيات
المتقدمة عن موضوع الجهاد ومواجهة العدوّ، وكما أشرنا فقد جاء الكلام عن الجهاد
مؤكّداً بعدّة طرق، من ضمنها أنّه لا ينبغي أن تتصوروا أنّكم إذا تقاعستم من
الجهاد ونصرة النّبي(ص) فستذهب دعوته والإِسلام أدرَاج الرياح. ولعل هذه الجنود الغيبيّة هي
الملائكة التي حفظت النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في سفره الشاق المخيف، أو
الملائكة التي نصرته في معركتي بدر وحنين وأضرابهما. |
|
قصّة
صاحب النّبي في الغار:
|
|
هناك كلام طويل بين مفسّري الشيعة وأهل السنة في
شأن صحبة أبي بكر النّبي(ص) في سفره وهجرته، وما جاءت من إشارات مغلقة في شأنه
في الآية آنفاً. فمنهم مَن أفرط، ومنهم من فرّط. |
|
الآيتان(41) (42)
انفِرُواْ خِفَافاً وثِقَالا وَجَهِدُوا بِأَمْولِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِى
سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيرٌ
لَّكُمْ
|
|
انفِرُواْ خِفَافاً
وثِقَالا وَجَهِدُوا بِأَمْولِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ
خَيرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً
وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّةُ
وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ
أَنفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَذِبُونَ (42) |
|
التّفسير |
|
الكُسالى
الطّامعون:
|
|
قلنا: إِنّ معركة تبوك كانت لها حالة استثنائية، وكانت مقترنة
بمقدمات معقّدة وغامضة تماماً، ومن هنا فإن عدداً من ضعاف الإِيمان أو المنافقين
أخذ «يتعلّل» في الإِعتذار عن المساهمة في هذه المعركة. وقد وردت في الآيات
المتقدمات ملامة للمؤمنين من قبل الله سبحانه لتباطؤهم في نصرة نبيّهم عند صدور
الأمر بالجهاد، وعدم الإِسراع إِلى ساحة الحرب وأكّدت بأنّ الأمر بالجهاد
لصالحكم، وإِلاّ فإنّ بإمكان الله أن يهيىء جنوداً مؤمنين شجعاناً مكان الكسالى
الذين لاحظ لهم في الثبات والإِرادة، بل حتى مع عدمهم
فهو قادر على أن يحفظ نبيّه، كما حفظه «ليلة المبيت»، وفي «غار ثور». والعجيب أنّ عدداً
من «خيوط العنكبوت» المنسوجة على مدخل الغار كانت سبباً لإِنحراف فكر الأعداء الألداء، وأن يعودوا
قافلين آيسين بعد وصولهم إِلى هذا الغار، وأن يسلم النّبي(ص) من كيدهم. أي إن كنتم تعلمون بأنّ
الجهاد مفتاح عزتكم ورفعتكم ومنعتكم. |
|
الآيات(43) (45)
عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُم حَتَّى يتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدقُوا وَتَعْلَمَ الْكَذِبِينَ (43)
|
|
عَفَا اللهُ عَنكَ
لِمَ أَذِنتَ لَهُم حَتَّى يتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدقُوا وَتَعْلَمَ
الْكَذِبِينَ (43) لاَ يَسْتَئْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَومِ
الاَْخِرِ أَن يُجَهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيم
بِالْمُتَّقِين (44)إِنَّمَا يَسْتَئْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ
وَالْيَوْمِ الاَْخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِى رَيْبِهِمْ
يَتَرَدَّدُونَ (45) |
|
التّفسير |
|
التعرّف
على المنافقين!
|
|
يُستفاد من الآيات ـ محل
البحث ـ أنّ جماعة من المنافقين جاؤوا إِلى النّبي(ص)
وبعد أن تذرعوا بحجج واهية مختلفة ـ حتى أنّهم أقسموا على صدق مدعاهم ـ استأذنوا
النّبي أن ينصرفوا عن المساهمة في معركة تبوك، فأذن لهم النّبي بالإِنصراف. |
|
الآيات(46) (48)
وَلَوْ أَرَادُوا الْخُروُجَ لاََعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللهُ
انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ
|
|
وَلَوْ أَرَادُوا
الْخُروُجَ لاََعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ
فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُم
مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالا وَلاَوْضَعُوا خِلَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ
الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّلِمينَ (47)
لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الاُْمُورَ حَتَّى
جَآءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أمْرُ اللهِ وَهُمْ كَرِهُونَ(48) |
|
التّفسير |
|
عدم وجودهم أفضل: |
|
الآية(49) وَمِنْهُمْ
مَّن يَقُولُ ائذَن لِّى وَلاَ تَفْتِنِّى أَلاَ فِى الْفِتْنَةِ سَقَطُوا
|
|
وَمِنْهُمْ مَّن
يَقُولُ ائذَن لِّى وَلاَ تَفْتِنِّى أَلاَ فِى الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وإِنَّ
جَهَنَّمَ لَُمحِيَطةٌ بِالْكَفِرينَ (49) |
|
سبب النزول
|
|
قال جماعة من
المفسّرين: إنّ النّبي(ص) كان يُعبّىء
المسلمين ويُهيؤهم لمعركة تبوك ويدعوهم للتحرك نحوها، فبينا هو على مثل هذه
الحال إذا برجل من رؤساء طائفة «بني سلمة» يُدعى «جدّ بن قيس» وكان في صفوف
المنافقين، فجاء إلى النّبي(ص) مستأذناً أن لا يشهدَ المعركة، متذرعاً بأنّ فيه شبقاً إِلى النساء، وإذا ما وقعت
عيناه على بنات الروم فربّما سيهيم وَلَهاً بهنَّ وينسحب من المعركة!! فأذن له النّبي بالإِنصراف. |
|
التّفسير |
|
المنافقون
المتذرّعون:
|
|
يكشف شأن النزول المذكور أن
الإِنسان متى أراد أن يتنصل من تحمل المسؤولية يسعى للتذرّع بشتى الحيل، كما
تذرع المنافق جد بن قيس لعدم المشاركة في
المعركة وميدان الجهاد، بأنّه ربّما تأسره الوجوه
النضرة من بنات الروم وتختطف قلبه،
فينسحب من المعركة ويقع في إشكالِ شرعي!!... |
|
الآيات(50) (52) إِن
تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ
أَخَذْنَآ أَمْرَنَا مِن قَبْلُ
|
|
إِن تُصِبْكَ
حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَآ
أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَّهُمْ فَرِحُونَ (50) قُل لَّن يُصِيبَنَآ
إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَنَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُؤْمِنُونَ (51)قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ
وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذَاب مِّنْ عِندِهِ
أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ (52) |
|
التّفسير |
|
في الآيات ـ آنفة
الذكر ـ إشارة إِلى إِحدى صفات المنافقين وعلاماتهم وبهذا تتابع
البحث الذي يتناول صفات المنافقين في ذيل الآيات المتقدمة والآيات اللاحقة. |
|
بحوث |
|
1 ـ المقادير
وسعي الإنسان
|
|
ممّا لا شك فيه أن مآلنا
وعاقبة أمرنا ـ بأيدينا ـ ما دام الأمر يدور في دائرة سعينا وجدّنا، والقرآن
الكريم يصرّح بهذا الشأن أيضاً، كقوله تعالى: (وأن ليس
للإنسان إِلاّ ما سعى)( سورة النّجم، 39.)
، وكقوله تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة)( المدثر، 38.)
وفي آيات أخر. بالرغم من أنّ الجد والسعي هما من السنن الإِلهيّة وبأمره تعالى
أيضاً. |
|
2 ـ لا وجود
للهزيمة في قاموس المؤمنين
|
|
نواجه في آخر آية ـ من الآيات محل البحث ـ منطقاً مُحكماً متيناً يستبطن
السّر الأساس لإنتصارات المسلمين الأوائل جميعاً، ولو لم يكن للنّبي(ص) من تعليم
ودستور إِلاّ ما نجده في هذه الآية لكان كافياً لإنتصار أتباعه ومقتفي منهاجه،
وهو أنّه لا مفهوم للهزيمة في صفحات أرواحهم فقد أثبتت الحوادث أنّهم منتصرون
على كل حال، منتصرون إِن استشهدتم!... منتصرون إِن قتلتم أعداءكم! |
|
3 ـ صفات
المنافقين
|
|
نؤكّد مرّة أُخرى على أنّه لا
ينبغي أن نقرأ هذه الآيات ونعدّ موضوعها مسألة تاريخية ترتبط بما سبق، بل علينا
أن نعتبرها درساً ليومنا وأمسنا وغدنا، ولجميع الناس. فليس من مجتمع يخلو من
مجموعة منافقين، قلّت أو كثرت، وصفاتهم على شاكلة واحدة تقريباً. |
|
الآيات(53) (55) قُلْ
أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّنْ يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ
قَوْماً فَسِقِينَ
|
|
قُلْ أَنفِقُواْ
طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّنْ يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً
فَسِقِينَ (53) وَمَا مَنعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَتُهُمْ إِلاّ
أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلَوةَ إِلاَّ
وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَرِهُونَ (54) فَلاَ تُعْجِبْكَ
أَمْوَلُهُمْ وَلاَ أَوْلَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا
فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَتَزْ هَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَفِرُونَ (55) |
|
التّفسير |
|
تشير هذه الآيات إِلى قسم آخر من علامات المنافقين وعواقب أعمالهم
ونتائجها، وتبيّن بوضوح كيف أن أعمالهم لا أثر لها ولا قيمة، ولا تعود عليهم
بأيّ نفع. والثّاني: أنّهم (لا يأتون الصلاة إلاّ وهم كسالى)!... والثّاني: لما كانوا بهذه الأَموال والأولاد متعلقين، ولا يؤمنون
بالحياة بعد الموت ولا بالدار الآخرة الواسعة ولا بنعيمها الخالد فليس من الهيّن
أن يغمضوا عن هذه الأموال والذّرية، ويخرجون من هذه الدنيا ـ بحال مزرِيَة وفي
حال الكفر. |
|
ملاحظتان |
|
1 ـ
يسأل بعضهم: إِنّ الآية الأُولى ـ من
الآيات محل البحث ـ تقول: (انفقوا طوعاً وكرهاً لن
يتقبل منكم) مع أن الآية الأُخرى تقول بصراحة:
(ولا ينفقون إلاّ وهم كارهون). |
|
الآيتان(56) (57)
وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ(56)
|
|
وَيَحْلِفُونَ
بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ
يَفْرَقُونَ(56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجأً أَوْ مَغَرت أَوْ مُدَّخَلا لَّوَلَّوْا
إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ(57) |
|
التّفسير |
|
علامة
أُخرى للمنافقين:
|
|
ترسم الآيتان أعلاه حالة
أُخرى من أعمال المنافقين بجلاء، إذ تقول الآية
الأُولى: (ويحلفون بالله إنّهم لمنكم وما هم منكم ولكنّهم قوم يفرقون)
ومن شدّة خوفهم وَفَرقِهم يخفون كفرهم ويظهرون الإِيمان. |
|
الآيتان(58) (59)
وَمِنهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِى الصَّدَقَتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُواْ وَإِنْ لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَآ إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ
|
|
وَمِنهُمْ مَّن
يَلْمِزُكَ فِى الصَّدَقَتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُواْ وَإِنْ لَّمْ
يُعْطَوْا مِنْهَآ إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَآ
ءَاتَهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِن
فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ رَغِبُونَ (59) |
|
سبب النّزول
|
|
جاء في تفسير «الدر المنثور»
عن «صحيح البخاري» و«النسائي» وجماعة آخرين، أنّ النّبي(ص) كان مشغولا بتقسيم
الأموال (من الغنائم أو ما شاكلها)، وإِذا برجل من بني تميم يدعى ذو الخويصرة - وهو حرقوص بن زهير ـ يأتي فيقول له: يا
رسول الله، اعدل. فقال رسول الله: «ويلك من يعدل إِذا لم أعدل!» فصاح عمر: يا رسول الله ائذن لي أضرب عنقه. فقال رسول
الله: «دعه فإنّ له أصحاباً يحتقر أحدكم صلاته مع صلواتهم وصومهم مع صومه،
يمرقون من دين كما يمرق السهم من الرميّة...».( نور
الثقلين، ج2، ص227.) |
|
التّفسير |
|
الأنانيون
السفهاءُ:
|
|
في الآية الأُولى أعلاه إِشارة إِلى حالة أُخرى من حالات المنافقين، وهي
أنّهم لا يرضون أبداً بنصيبهم، ويرجون أن ينالوا من بيت المال أو المنافع
العامّة ما استطاعوا إِلى ذلك سبيلا، سواءً كانوا مستحقين أم غير مستحقين،
فصداقتهم وعداوتهم تدوران حول محور المنافع سلباً وإِيجاباً. |
|
الآية(60)
إِنَّمَا الصَّدَقَتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَكِينِ وَالْعَمِلينَ عَلَيْهَا
وَالْمَؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَرِمينَ
|
|
إِنَّمَا
الصَّدَقَتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَكِينِ وَالْعَمِلينَ عَلَيْهَا وَالْمَؤَلَّفَةِ
قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَرِمينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ
السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(60) |
|
التّفسير |
|
موارد
صرف الزكاة ودقائقها:
|
|
في تاريخ صدر الإِسلام
مرحلتان يمكن ملاحظتهما بوضوح، إحداهما في مكّة،
حيث كان هدف النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين فيها تعليم الأفراد
وتربيتهم ونشر التعاليم الإِسلامية. والثّانية في
المدينة، حيث أقدم النّبي(ص) على تشكيل حكومة إِسلاميّة أجرى من خلالها
الأحكام والتعاليم الإِسلامية. وكما سنشير ـ بعد
حين ـ إِلى إِرادة الله وحكمه، فإنّ حكم
الزكاة قد نزل من قبل في مكّة، لكن لا على نحو وجوب جمعها في بيت المال، بل كان
الناس يؤدونها ذاتياً، أمّا في المدينة فإنّ قانون جباية الزكاة وجمعها في بيت
المال قد صدر من الله تعالى في الآية (103) من سورة
التوبة. |
|
بحوث
: أُمور ينبغي ملاحظتها: الفرق بين الفقير والمسكين وتقسيم الزّكاة ودورها
|
|
1 ـ الفرق بين
الفقير والمسكين |
|
هناك بحث بين المفسّرين في مفهومي الفقير والمسكين، هل أنّ
مفهومهما واحد، وتكرار اللفظين معاً في الآية من باب التأكيد فتصبح موارد صرف الزكاة سبعة لا
ثمانية، أم أنّهما لهما معنيان مختلفان؟ 5 ـ
دور الزّكاة في الإِسلام وفي رواية عن
الإِمام الصادق(ع): «من منع قيراطاً
من الزكاة فليس هو بمؤمن، ولا مسلم، ولا كرامة».( وسائل
الشيعة، ج 6، ص 20، باب 4، حديث 9.) |
|
الآية(61) وَمِنْهُمُ
الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِىَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْر
لَّكُمْ
|
|
وَمِنْهُمُ
الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِىَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْر
لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ
ءَامَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
(61) |
|
سبب النّزول
|
|
هذا حسن لا قبيح!
|
|
ذكرت عدّة أسباب متباينة
لنزول الآية المذكورة ومنها أنّ الآية نزلت في جماعة من المنافقين كانوا يذكرون
النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بسوء، فنهاهم أحدهم وقال: لا تتحدثوا بهذا
الحديث لئلا يصل إِلى سمع محمّد فيذكرنا بسوء ويؤلب الناس علينا. فقال له أحدهم
ـ واسمه جلاس ـ : لا يهمنا ذلك، فنحن نقول ما نريد، وإِذا بلغه ما نقول سنحضر
عنده وننكر ماقلناه، وسيقبل ذلك منا فإنّه سريع التصديق لما يقال له، ويقبل كل
مايقال من كل أحد، فهو أُذُن، فنزلت الآية وأجابتهم. |
|
التّفسير |
|
تتحدّث الآية ـ كما يفهم من مضمونها ـ عن فرد أو أفراد كانوا يؤذون
النّبي(ص) بكلامهم ويقولون أنّه أُذن ويصدّق كل
ما يقال له سريعاً (ومنهم الذين يؤذون النّبي ويقولون
هو أُذن). |
|
الآيتان(62) (63)
يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن
يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ
(62)
|
|
يَحْلِفُونَ
بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن
كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللهَ
وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَلِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْىُ
الْعَظِيمُ (63) |
|
سبب النّزول
|
|
يُستفاد من أقوال
بعض المفسّرين أنّ الآيتين المذكورتين مكملتان للآية السابقة، ومن الطبيعي أن يكون سبب نزولها نفس السبب السابق، إلاّ
أن جمعاً آخر من المفسّرين ذكر سبباً آخر لنزول هاتين الآيتين، وهو أنّه لما
نزلت الآيات التي ذمت المتخلفين عن غزوة تبوك ووبختهم قال
أحد المنافقين: أقسم بالله أنّ هؤلاء أشرافنا وأعياننا، فإن كان ما يقوله محمّد
حقّاً فإنّ هؤلاء أسواً حالا من الدواب، فسمعه أحد المسلمين وقال: والله
إن ما يقوله لحق، وإِنّك أسوأ من الدابة. فبلغ ذلك رسول الله(ص) فبعث إِلى ذلك
المنافق فأُحضر، فسأله عن سبب قوله ذلك الكلام، فحلف أنّه لم يقل ذلك، فقال
الرجل المؤمن الذي كان طرفاً في خصومة الرجل وأبلغ
كلامه لرسول الله: اللّهم صدّق الصادق وكذِّب الكاذب. فنزلت الآيتين
أعلاه.
|
|
التّفسير |
|
المنافقون
والتظاهر بالحق:
|
|
إِن إِحدى علامات المنافقين
وأعمالهم القبيحة والتي أشار إِليها القرآن مراراً هي إنكارهم الأعمال القبيحة
والمخالفة للدين والعرف، وهم إنّما ينكرونها من أجل التغطية على واقعهم السيء
وإِخفاء الصورة الحقيقية لهم، ولما كان المجتمع يعرفهم ويعرف كذبهم في هذا
الإنكار فقد كانوا يلجؤون إِلى الأيمان الكاذبة من أجل مخادعة الناس وإِرضائهم. |
|
الآيات(64) (66)
يَحْذَرُ الْمُنَفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا
فِى قُلُوبِهِمْ
|
|
يَحْذَرُ
الْمُنَفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِى
قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِءُوا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُون (64)
وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ
أَبِاللهِ وَءَايَتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ (65) لاَ
تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَنِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَة
مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) |
|
سبب النّزول
|
|
ذكرت عدّة أسباب
لنزول هذه الآيات، وكلّها ترتبط
بأعمال المنافقين بعد غزوة تبوك. فمن جملتها:
إِنّ جمعاً من المنافقين كانوا قد اجتمعوا في مكان خفي وقرّروا
قتل النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) عند رجوعه من غزوة تبوك، وكانت
خطتهم أن ينصبوا كميناً في إِحدى عقبات الجبال الصعبة،
وعندما يمر النّبي(ص) من تلك العقبة يُنفرون بعيره، فأطلع الله نبيّه على ذلك،
فأمر جماعة من المسلمين بمراقبة الطريق والحذر، فلمّا وصل النّبي(ص) إِلى العقبة
ـ وكان عمار يقود الدابة وحذيفة يسوقها ـ اقترب
المنافقون متلثّمين لتنفيذ مؤامرتهم فأمر النّبي(ص)حذيفة أن يضرب وجوه دوابهم
ويدفعهم، ففعل حذيفة ذلك. |
|
التّفسير |
|
مؤامرة أُخرى
للمنافقين:
|
|
لاحظنا في الآيات السابقة كيف
أنّ المنافقين اعتبروا نقاط القوّة في سلوك النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)
نقاط ضعف، وكيف حاولوا استغلال هذه المسألة من أجل بثّ التفرقة بين المسلمين.
وفي هذه الآيات إِشارة إِلى نوع آخر من برامجهم وطرقهم. |
|
الآيات(67) (70)
الْمُنَفِقُونَ وَالْمُنَفِقَتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ
وَيَنْهَوْنَ
|
|
الْمُنَفِقُونَ
وَالْمُنَفِقَتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ
عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ
الْمُنَفِقِينَ هُمُ الْفَسِقُونَ (67) وَعَدَ اللهُ الْمُنَفِقِينَ
وَالْمُنَفِقَتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَلِدينَ فِيهَا هِىَ حَسْبُهُمْ
وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَلا وَأَوْلَداً
فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ
الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِى خَاضُوا أُوْلَئِكَ
حَبِطَتْ أعْمَلُهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالاَْخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْخَسِرُونَ (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قومِ نوح
وَعَاد وَثَمُودَ وَقُومِ إِبْرهيمَ وَأَصْحَبِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَتِ
أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَتِ فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ
كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) |
|
التّفسير |
|
علامات
المنافقين:
|
|
البحث في هذه الآيات يدور
كالسابق حول سلوك المنافقين وعلاماتهم وصفاتهم، «فالآية الأُولى من هذه الآيات
تشير إلى أمر كلّي، وهو أن روح النفاق يمكن أن تتجلّى بأشكال مختلفة وتبدو في
صور متفاوتة بحيث لا تلفت النظر في أوّل الأمر، خصوصاً أن روح النفاق هذه يمكن
أن تختلف بين الرجل والمرأة، لكن يجب أن لا يخدع الناس بتغيير صور النفاق بين
المنافقين، المنافقين يشتركون في مجموعة من الصفات تعتبر العامل المشترك فيما
بينهم، لذلك يقول الله سبحانه: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض). |
|
الآيتان(71) (72)
وَالْمؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْض يَأْمُرُونَ
|
|
وَالْمؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ
وَيُطِيعُونَ الللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِنَتِ جَنَّتِ
تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا وَمَسَكِنَ طَيِّبَةً فِى
جَنَّتِ عَدْن وَرِضْوَنٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ (72) |
|
التّفسير |
|
صفات
المؤمنين الحقيقيين:
|
|
مرّ في الآيات
السابقة ذكر بعض الصفات المشتركة بين المنافقين، الرجال منهم والنساء، وتلخصت في خمس صفات:
الأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف، والبخل وعدم الإِنفاق، ونسيان الله سبحانه
وتعالى، ومخالفة وعصيان أوامر الله. وتشرع الآية بذكر
صفات المؤمنين والمؤمنات، وتبدأ ببيان أنّ بعضهم لبعض ولي وصديق (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم
أولياء بعض). إنّ كلمة (الرحمة)
التي ذكرت هنا لها مفهوم واسع، ويدخل
ضمنه كل خير وبركة وسعادة، سواء في هذه الحياة أو في العالم الآخر، وهذه الجملة في الواقع جاءت مقابلة لحال المنافقين الذين
لعنهم الله وأبعدهم عن رحمته. |
|
الآية(73) يَأَيُّهَا
النَّبِيُّ جَهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَفِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيهِمْ وَمَأْوَيهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(73)
|
|
يَأَيُّهَا
النَّبِيُّ جَهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَفِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيهِمْ
وَمَأْوَيهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(73) |
|
التّفسير |
|
جهاد الكفار
والمنافقين:
|
|
وأخيراً، صدر
القرار الإِلهي للنّبي الأكرم(صلى الله
عليه وآله وسلم) في وجوب جهاد الكفار والمنافقين بكل قوّة وحزم (يا أيّها النّبي جاهد الكفار والمنافقين) ولا تأخذك
بهم رأفة ورحمة، بل شدد (واغلظ عليهم). وهذا العقاب هو
العقاب الدنيوي، أمّا في الآخرة فإن محلهم (ومأواهم جهنم وبئس المصير). |
|
الآية(74)
يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ
|
|
يَحْلِفُونَ
بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ
إِسْلَمِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ
أَغْنَهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً
لَّهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَاباً أَلِيماً فِى
الدُّنيَا وَالاَْخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِى الاَْرْضِ مِن وَلِىٍّ وَلاَ نَصِير
(74) |
|
سبب النّزول
|
|
ذكرت في سبب نزول هذه الآيات
أقوال وآراء مختلفة، وكلّها تتفق على أن بعض المنافقين
قد تحدثوا بأحاديث سيئة وغير مقبولة حول الإِسلام والنّبي(صلى الله عليه
وآله وسلم)، وبعد أن فشا أمرهم وانتشرت أسرارهم
أقسموا كذباً بأنّهم لم يتفوهوا بشيء، وكذلك فإنّهم قد دبروا مؤامرة ضد
النّبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، غير أنّها قد
أُحبطت. |
|
التّفسير |
|
مؤامرة
خطرة:
|
|
إنّ إرتباط هذه الآية بالآيات
السابقة واضح جدّاً، لأنّ الكلام كان يدور حول المنافقين، غاية ما في الأمر أنّ هذه الآية تزيح الستار عن عمل
آخر من أعمال المنافقين، وهو أن هؤلاء عندما رأوا أن
أمرهم قد انكشف، انكروا ما نُسب إِليهم بل أقسموا باليمين الكاذبة على مدّعاهم. الجملة الأُخرى
تبيّن واقع المنافقين القبيح ونكرانهم للجميل فتقول الآية : إنّ هؤلاء لم يروا من النّبي(ص) أي خلاف أو أذى، ولم
يتضرروا بأي شيء نتيجة للتشريع الإِسلامي، بل على
العكس، فإنّهم قد تمتعوا في ظل حكم الإسلام بمختلف النعم المادية
والمعنوية (وما نقموا إلاّ أن أغناهم الله ورسوله من
فضله)( ممّا يستحق الإِنتباه أن الجملة أعلاه بالرغم من أنّها تتحدث عن فضل الله
ورسوله، إلاّ أن الضمير في (من فضله)جاء مفرداً لا مثنى، والسبب في ذلك هو ما
ذكرناه قبل عدة آيات من أن أمثال هذه التعبيرات لأجل إثبات حقيقة التوحيد، وأن
كل الأعمال بيد الله سبحانه، وأنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إذا ما عمل
عملاً فهو بأمر الله سبحانه، ولا ينعزل عن إرادته سبحانه.) وهذه قمة
اللؤم. |
|
الآيات(75) (78)
وَمِنْهُمْ مَّنْ عَهَدَ اللهَ لَئِنْ ءَاتَنَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ
وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّلِحِينَ(75)
|
|
وَمِنْهُمْ مَّنْ
عَهَدَ اللهَ لَئِنْ ءَاتَنَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ
الصَّلِحِينَ(75) فَلَمَّآ ءَاتَيهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا
وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِى قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ
يَلْقَوْنَهُ بِمَآ أخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
(77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنجْوَيهُمْ وَأَنَّ
اللهَ عَلَّمُ الْغُيُوبِ(78) |
|
سبب النّزول
|
|
المعروف بين المفسّرين أنّ هذه الآيات نزلت في رجل من الأنصار يدى ثعلبة بن حاطب،
وكان رجلا فقيراً يختلف إلى المسجد دائماً، وكان يصر على النّبي(ص) أن يدعو له
بأن يرزقه الله مالا وفيراً، فقال له النّبي(ص): «قليل تؤدي شكره خير من كثير لا
تطيقه» أو ليس الأُولى لك أن تتأسى بنبيّ اللّه(ص)،
وتحيا حياة بسيطة وتقنع بها؟ لكن ثعلبة لم يكف ولم يصرف
النظر عن أمله، وأخيراً قال للنّبي(ص): والّذي بعثك بالحق نبيّاً، لئن
رزقني الله لأعطين كل الحقوق وأؤدي كل الواجبات، فدعا
له النّبي(ص). |
|
التّفسير |
|
المنافقون
وقلّة الاستيعاب:
|
|
هذه الآيات في الحقيقة تضع إصبعها على صفة أُخرى من صفات المنافقين السيّئة،
وهي أنّ هؤلاء إذا مسّهم البؤس والفقر والمسكنة عزفوا على وتر الإِسلام بشكل لا
يصدق معه أحد أنّ هؤلاء يمكن أن يكونوا يوماً من جملة المنافقين، بل ربّما ذمّوا ولاموا الذين يمتلكون الثروات والقدرات
الواسعة على عدم استثمارها في خدمة المحرومين ومساعدة المحتاجين! إلاّ أنّ هؤلاء
أنفسهم، إذا تحسّن وضعهم المادي فإنّهم سينسون كل عهودهم ومواثيقهم مع الله والناس، ويغرقون في حبّ الدنيا،
وربّما تغيّرت كل معالم شخصياتهم، ويبدؤون بالتفكير بصورة أُخرى وبمنظار مختلف
تماماً، وهكذا يؤدي ضعف النفس هذا إلى حبّ الدنيا
والبخل وعدم الإِنفاق وبالتالي يكرّس روح النفاق فيهم بشكل يوصد أمامهم أبواب
الرجوع إِلى الحق. |
|
ملاحظات
وهنا يجب الإِنتباه إِلى عدّة ملاحظات:
|
|
1 ـ
يمكن أن نرى بوضوح تام من خلال جملة (فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم)أنّ النسبة
والعلاقة بين الكثير من الذنوب والصفات السيئة، بل وحتى بين الكفر والنفاق، هي
نسبة وعلاقة العلة والمعلول، لأنّ الجملة الآنفة الذكر
تبيّن وتقول بصراحة: إِنّ سبب النفاق الذي نبت في قلوبهم وحرفهم عن الجادة هو
بخلهم ونقضهم لعهودهم، وكذلك الذنوب والمخالفات الأُخرى التي ارتكبوها،
ولهذا فإنّنا نقرأ في بعض العبارات أن الكبائر في بعض الأحيان تكون سبباً في أن
يموت الإِنسان وهو غير مؤمن، إذ ينسلخ منه روح الإِيمان بسببها. وكذلك الذين يقطعون العهود
والمواثيق، لكنّهم لا يفون بها مطلقاً، ألا يعتبر عملهم عمل المنافقين؟ |
|
الآيتان(79) (80)
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِى الصَّدَقَتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ
|
|
الَّذِينَ
يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِى الصَّدَقَتِ وَالَّذِينَ
لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ
وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ
إِنْ تَسْتَغْفِر لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةَ فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهَ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِى الْقَومَ
الْفَسِقِينَ (80) |
|
سبب النّزول
|
|
وردت عدّة روايات في سبب نزول
هذه الآيات في كتب التّفسير والحديث، يستفاد من مجموعها أن النّبي(ص) كان قد
صمّم على إِعداد جيش المسلمين لمقابلة العدو ـ وربّما
كان ذلك في غزوة تبوك ـ وكان محتاجاً لمعونة الناس في هذا الأمر، فلما
أخبرهم بذلك سارع الأغنياء إِلى بذل الكثير من أموالهم، سواء كان هذا البذل من
باب الزكاة أو الإِنفاق، ووضعوا هذه الأموال تحت تصرف النّبي(صلى الله عليه وآله
وسلم). |
|
التّفسير |
|
خبث المنافقين:
|
|
في هذه الآيات
إشارة إِلى صفة أُخرى من الصفات العامّة للمنافقين، وهي أنّهم أشخاص لجوجون معاندون وهمهم
التماس نقاط ضعف في أعمال الآخرين واحتقار كل عمل مفيد يخدم المجتمع ومحاولة
إجهاضه بأساليب شيطانية خبيثة من أجل صرف الناس
عن عمل الخير وبذلك يزرعون بذور النفاق وسوء ظن في أذهان المجتمع، وبالتالي
إيقاف عجلة الإِبداع وتطور المجتمع وخمول الناس وموت الفكر الخلاّق. |
|
ملاحظات : إنّ نوع العمل هو المهم لا مقداره،
|
|
وهنا نلفت الأنظار
إِلى عدّة ملاحظات: إنّ مثل هذا التعبير يفيد
تأكيد المراد، ولهذا فقد ذكر هذا الموضوع بنفسه في
الآية (6) من سورة المنافقين، وقد نفي نفياً مطلقاً، حيث تقول الآية: (سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله
لهم). |
|
الآيات(81) (83)
فَرِحَ الُْمخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَفَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَن
يُجَهِدُوا بِأَمْوَلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
|
|
فَرِحَ
الُْمخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَفَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَهِدُوا
بِأَمْوَلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللهِ وَقَالُوا لاَ تَنفِرُوا فِى
الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)
فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَآءً بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَّجَعَكَ اللهُ إِلَى طَائِفَة مِّنْهُمْ
فَاسْتَئْذَنُوكَ لِلْخُروجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِىَ أَبَداً وَلَن
تَقَتِلُوا مَعِىَ عَدُوَّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْعُقُودِ أَوَّلَ مَرَّة
فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَلِفينَ(83) |
|
التّفسير |
|
إعاقة
المنافقين مرّة أُخرى:
|
|
يستمر الحديث في هذه الآيات
حول تعريف المنافقين وأساليب عملهم وسلوكهم وأفكارهم ليعرفهم المسلمون جيداً،
ولا يقعوا تحت تأثير وسائل إِعلامهم وخططهم الخبيثة وسمومهم. وفي نهاية الآية
يبيّن الله تعالى أنّ هذه العاقبة التي تنتظرهم هي (جزاء بما كانوا يكسبون). |
|
ملاحظات |
|
1 ـ
لا شك أنّ هذه المجموعة من
المنافقين لو كانوا قد ندموا على تخلفهم وتابوا منه، وأرادوا الجهاد في
ميدان آخر من أجل غسل ذنبهم السابق، لقبل الله تعالى منهم ذلك، ولم يردهم
النّبي(ص)، فعلى هذا يتبيّن لنا أن طلبهم هذا بنفسه نوع من المراوغة والشيطنة
وعمل نفاقي، أو قل: إنّه كان تكتيكاً من أجل إِخفاء الوجه القبيح لهم،
والإِستمرار في أعمالهم السابقة. 3 ـ وكذا ينبغي أن نذكر بأنّ المسلمين يجب أن يستفيدوا من
طرق مجابهة المنافقين في الأعصار الماضية، ويطبقوها في مواجهة منافقي محيطهم
ومجتمعهم، كما يجب اتباع نفس أسلوب النّبي الأكرم(ص) معهم، ويجب الحذر من السقوط
في شباكهم وأن لا ينخدع المسلم بهم، ولا يرق قلبه لدموع التماسيح التي يذرفونها،
«فإنّ المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين». |
|
الآيتان(84) (85)
وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَد مّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ
|
|
وَلاَ تُصَلِّ
عَلَى أَحَد مّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ
كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَسِقُونَ (84) وَلاَ تُعْجِبْكَ
أَمْوَلُهُمْ وَأَوْلَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا
فِى الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَفِرُونَ (85) |
|
التّفسير |
|
أسلوب
أشدّ في مواجهة المنافقين:
|
|
بعد أن أزاح المنافقون الستار
عن عدم مشاركتهم في ميدان القتال، وعلم الناس تخلفهم الصريح، وفشا سرّهم، أمر
الله سبحانه وتعالى نبيّه بأن يتبع أسلوباً أشدّ وأكثر صراحة ليقتلع وإِلى الأبد
ـ جذور النفاق والأفكار الشيطانية، وليعلم المنافقون بأنّهم لا محل لهم في
المجتمع الإِسلامي، وكخطوة عملية في مجال تطبيق هذا الأسلوب الجديد، صدر الأمر
الإِلهي (ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على
قبره). |
|
وهنا يجب الإنتباه لمسألتين: |
|
1 ـ
لقد وردت في سبب نزول الآية الأُولى روايات متعددة لا تخلو من الإختلاف. |
|
الآيات(86) (89)
وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ ءَامِنُوا بِاللهِ وَجَهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ
اسْتَئْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ
|
|
وَإِذَآ أُنزِلَتْ
سُورَةٌ أَنْ ءَامِنُوا بِاللهِ وَجَهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَئْذَنَكَ
أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَّعَ الْقَعِدينَ (86)
رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ
لاَ يَفْقَهُونَ (87) لَكِن الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ جَهَدُوا
بِأَمْولِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ(88) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّت تَجْرِى مِن تَحْتِهَا
الاَْنْهَارُ خَلِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) |
|
التّفسير |
|
دناءة الهمّة |
|
الكلام في هذه الآيات يدور
كذلك حول المنافقين، إلاّ أنّ هذه الآيات تقارن بين الأعمال القبيحة للمنافقين
وأعمال المؤمنين الحقيقيين الحسنة، وتوضح من خلال هذه المقارنة انحراف هؤلاء
المنافقين ودناءتهم. |
|
الآية(90) وَجَآءَ
الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الاَْعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ
كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ
|
|
وَجَآءَ
الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الاَْعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ
كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ(90) |
|
التّفسير |
|
في هذه الآية ـ ولمناسبة
البحث هنا للأبحاث السابقة حول المنافقين الذين يتعذرون بكل عذر ويتمسكون بأتفه
الحجج ـ إِشارة إِلى وضع وواقع مجموعتين من المتخلفين
عن الجهاد: |
|
الآيات(91) (93)
لَّيْسَ عَلىَ الضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ
يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ
|
|
لَّيْسَ عَلىَ
الضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا
يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا للهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الُْمحْسِنِينَ
مِن سَبِيل وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (91) وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَآ
أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا
وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ
(92) إِنَّما السَّبِيل عَلَى الَّذِينَ يَسْتَئْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ
رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ
فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (93) |
|
سبب النّزول
|
|
نقل في
سبب نزول الآية الأُولى أن أحد أصحاب رسول الله(ص) المخلصين قال للنّبي(ص): يا رسول الله، إِني شيخ كبير أعمى
وعاجز، وليس لي حتى من يأخذ بيدي ليذهب بي إِلى ميدان القتال، فهل أعذر إِذا لم
أحضر وأشارك في الجهاد؟ فسكت النّبي(ص)، فنزلت
الآية وعذرت مثل هؤلاء الأفراد. |
|
التّفسير |
|
العشق
للجهاد ودموع الحسرة:
|
|
هذه الآيات قسمت المسلمين في
مجال المشاركة في الجهاد لتوضيح حال سائر المجاميع من ناحية القدرة على الجهاد،
أو العجز عنه، وأشارت إِلى خمس مجموعات: أربع منها
معذورة حقيقة وواقعاً، والخامسة هم المنافقون. |
|
ملاحظات |
|
1 ـ
تتّضح من هذه الآيات ـ بصورة جلية وواضحة ـ المعنويات القوية العالية لجنود الإِسلام، وكيف أن قلوبهم كانت تتطلع بشوق،
وتتحرق عشقاً للجهاد والشهادة، وهذا الفخر والوسام مقدم على جميع الأوسمة
والصفات الأُخرى التي كانوا يمتلكونها، ومن هنا يتّضح عامل هو من أهم عوامل
التقدم السريع للإِسلام وتطوره وانتشاره في ذلك اليوم، وتخلفنا في الوقت الحاضر
لفقداننا هذا الوسام. |
|
نهاية الجزء
العاشر من القرآن المجيد. |
|
بداية الجزءُ الحادي عَشر مِن
القرآن الكريم
|
|
الآيات(94) (96)
يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُوا
لَن نُؤْمِنَ لَكُمْ
|
|
يَعْتَذِرُونَ
إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُوا لَن نُؤْمِنَ
لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللهَ عَمَلَكُمْ
وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَلِمِ الْغَيْبِ وَالْشَّهَدَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ
بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون(94) سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُم
إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ
وَمَأْوَيهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ
لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لاَ
يَرْضَى عَنِ الْقَومِ الْفَسِقِينَ (96) |
|
سبب النّزول
|
|
يقول بعض
المفسّرين: إنّ هذه الآيات نزلت في
جماعة من المنافقين يبلغ عددهم ثمانين رجلا، لأنّ النّبي(ص) لما رجع من غزوة
تبوك أمر أن لا يجالسهم أحد ولا يكلمهم، فلمّا رأى هؤلاء هذه المقاطعة
الإِجتماعية الشديدة بدأوا يعتذرون عمّا بدر منهم، فنزلت هذه الآيات لتبيّن حال
هؤلاء وحقيقتهم. |
|
التّفسير |
|
لا
تصغوا إِلى أعذارهم وأيمانهم الكاذبة:
|
|
تستمر هذه السلسلة من الآيات
في الحديث عن الأعمال الشيطانية للمنافقين، وتزيح الستار عنها الواحد تلو الآخر،
وتحذر المسلمين من الإنخداع بريائهم أو الوقوع تحت
تأثير كلماتهم المعسولة. |
|
الآيات(97) (99)
الاَْعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ
مَآ أَنزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ
|
|
الاَْعْرَابُ
أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَآ أَنزَلَ
اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الاَْعْرابِ مَن
يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَآئِرَ عَلَيْهِمْ
دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الاْعْرَابِ مَن
يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاَْخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَت عِندَ
اللهِ وَصَلَوتِ الرَّسُولِ أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةً لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ
اللهُ فِى رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (99) |
|
التّفسير |
|
الأعراب
القساة والمؤمنون:
|
|
في هذه الآيات
الثّلاث ـ استمراراً للبحث المتقدم حول
منافقي المدينة ـ حديث وبحث حول وضع منافقي الأعراب ـ وهم سكان البوادي ـ
وعلاماتهم وأفكارهم، وكذلك قد تحدثت حول المؤمنين الخلص منهم. |
|
بحوث: 1 ـ التّجمعات الكبيرة ،
2 ـ الأعراب من سكان المدن
|
|
وهنا ملاحظات تسترعي
الإِنتباه: |
|
1 ـ
التّجمعات الكبيرة |
|
الآية(100)
وَالسَّبِقُونَ الاَْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَجِرِينَ وَالاَْنصَارِ وَالَّذِينَ
اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَنِ رَّضِىَ اللهُ عَنْهُمْ
|
|
وَالسَّبِقُونَ
الاَْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَجِرِينَ وَالاَْنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم
بِإِحْسَنِ رَّضِىَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّت
تَجْرِى تَحْتَهَا الاَْنْهَرُ خَلِدينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ الْفَوزُ
الْعَظِيمُ (100) |
|
التّفسير |
|
السّابقون
إِلى الإِسلام:
|
|
بالرغم من أن المفسّرين قد
نقلوا أسباباً عديدة للنزول، إلاّ أنّ أيّاً منها ـ كما
سنرى ـ ليس سبباً للنزول، بل إنّها في الواقع بيان المصداق والوجود
الخارجي لها. الثّالث: الذين جاؤوا بعد هذين القسمين واتبعوا خطواتهم ومناهجهم،
وقبولهم الإِسلام والهجرة، ونصرتهم للدين الإِسلامي، فإنّهم ارتبطوا بهؤلاء
السابقين: (والذين اتبعوهم باحسان)( لقد عدّ الكثير من
المفسّرين (من) الواردة في جملة (والسابقون الأولون من المهاجرين
والأنصار)تبعيضية، وظاهر الآية أيضاً كذلك، لأن حديث الآية عن طلائع الإِسلام
والسابقين إِليه، لا عن جميع المسلمين. أمّا الباقون فإنّهم يدخلون في مفهوم
الجملة التالية، أي: (التابعون).). |
|
بحوث |
|
1 ـ موقع
السّابقين
|
|
في كل ثورة
اجتماعية جبارة تقوم ضد أوضاع المجتمع
الفاسدة، فإنّ طلائع الثورة هم أعمدتها، وعلى
عاتقهم يقع حملها وثقلها، وهؤلاء في الحقيقة هم أوفى عناصر الثورة، لأنّهم نصروا
قائدهم وقدوتهم في أحلك الظروف والتفوا حوله في ساعات المحنة والوحدة رغم أنّهم
محاصرون وتحيط بهم أنواع الأخطار إلاّ أنّهم لم يتخلوا عن دعمهم ونصرتهم
وتضحيتهم. خاصّة وإن مطالعة تاريخ صدر الإِسلام تعطي صورة واضحة عن مدى ضخامة
المشاكل التي واجهها السابقون والرعيل الأوّل من المسلمين! إِلاّ أنّ القرآن
الكريم في الوقت نفسه ـ كما هي طريقته دائماً ـ لم يبخس حقّ
الآخرين، وذكر كل الأقسام والفئات الأُخرى الذين
التحقوا في عصر النّبي(ص)أو الأعصار التالية، والذين هاجروا، أو آووا
المهاجرين ونصروهم تحت عنوان (التابعين بإحسان)،
وبشر الجميع بالأجر والجزاء الحسن. |
|
2 ـ من هم
التابعون؟
|
|
اصطلح جماعة من العلماء على
أنّ كلمة «التابعين» تعني تلامذة الصحابة، وجعلوها من مختصاتهم، أي أُولئك الذين
لم يروا النّبي الأكرم(ص)، لكنّهم تصدوا لإكتساب العلوم الإِسلامية ووسعوها، وبعبارة أُخرى: إنّهم اكتسبوا علومهم الإِسلامية من
صحابة النّبي(ص). |
|
3 ـ من هو أوّل
من أسلم؟
|
|
إنّ أكثر المفسّرين
يطرح هنا سؤالا ـ لمناسبة بحث الآية ـ وهو: من هو أوّل من أسلم، وثبت هذا الإفتخار العظيم باسمه في التاريخ؟ |
|
4 ـ هل كان
الصحابة كلهم صالحين؟
|
|
لقد أشرنا سابقاً إِلى هذا
الموضوع، وإِلى أنّ علماء أهل السنة يعتقدون ـ
عادة ـ بأن جميع أصحاب النّبي فاضلون وصالحون ومن أهل الجنّة. ولمناسبة الآية لهذا البحث، والتي جعلها البعض دليلا
قاطعاً على هذا المُدعى، فإنّنا هنا نحلّل ونفصل هذا الموضوع المهم الذي يعتبر
أساساً ومنبعاً لإختلاف كثيرة أُخرى في المسائل الإِسلامية. إنّ القرآن الذي يلعن الظالمين والفاسقين في آياته المختلفة، ويعدهم ممّن استوجب العقاب والعذاب الإِلهي، كيف
يوافق ويقرّ هذه الصيانة غير المنطقية للصحابة في مقابل الجزاء الإِلهي؟! |
|
الآية(101) وَمِمَّنْ
حَوْلَكُمْ مِّنَ الاَْعْرابِ مُنَفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا
عَلَى النِّفَاقِ
|
|
وَمِمَّنْ
حَوْلَكُمْ مِّنَ الاَْعْرابِ مُنَفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا
عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ
مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَاب عَظِيم (101) |
|
التّفسير |
|
مرّة أُخرى يدير
القرآن المجيد دفة البحث إِلى أعمال المنافقين وفئاتهم، فيقول: (وممن حولكم من الأعراب
منافقون) أي يجب أن لا تركزوا اهتمامكم على المنافقين الموجودين داخل
المدينة، بل ينبغي أن تأخذوا بنظر الإِعتبار المنافقين
المتواجدين في أطراف المدينة، وتحذروهم،
وتراقبوا أعمالهم ونشاطاتهم الخطرة. وكلمة (أعراب) كما أشرنا تقال عادة لسكان البادية. |
|
الآية(102)
وَءَاخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صلِحَاً وَءَاخَرَ
سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ
|
|
وَءَاخَرُونَ
اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صلِحَاً وَءَاخَرَ سَيِّئاً عَسَى
اللهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (102) |
|
سبب النّزول
|
|
نقلت روايات عديدة في سبب نزول هذه الآية، ونواجه في أكثرها اسم (أبي لبابة الأنصاري) فهو ـ حسب رواية ـ قد امتنع مع اثنين ـ أو أكثر ـ من أصحاب رسول الله(ص) من الإِشتراك في غزوة تبوك، لكنّهم لما سمعوا الآيات
التي نزلت في ذم المتخلفين ندموا أشدّ الندم، فجاؤوا
إِلى مسجد النّبي(ص) وربطوا أنفسهم بأعمدته، فلمّا رجع رسول الله(ص)
وبلغه أمرهم قالوا بأنهم أقسموا أن لا يفكوا رباطهم حتى يفكّه رسول الله(ص)،
فأجابهم رسول الله(ص) بأنّه يقسم أيضاً أن لا يفعل ذلك حتى يأذن له الله، فنزلت الآية، وقبل الله توبتهم، ففكّ رسول الله(صلى
الله عليه وآله وسلم)رباطهم. |
|
التّفسير |
|
التّوابون:
|
|
بعد أن أشارت الآية السابقة
إِلى وضع المنافقين في داخل المدينة وخارجها، أشارت هذه الآية هنا إِلى وضع جمع
من المسلمين العاصين الذين أقدموا على التوبة لجبران الأعمال السيئة التي صدرت
منهم، ورجاء لمحوها: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا
عملا صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم)ويشملهم برحمته الواسعة فـ (إنّ الله غفور رحيم). |
|
الآيات(103)
(105) خُذْ مِنْ أمْوَلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيِهِم بِهَا
وَصَلِّ عَلَيْهِمْ
|
|
خُذْ مِنْ
أمْوَلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيِهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ
إِنَّ صَلَوتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ
يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ
الصَّدَقَتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) وَقُلِ
اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ
وَسَتَرَدُّونَ إِلَى عَلِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهدَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) |
|
التّفسير |
|
الزّكاة
مطهرة للفرد والمجتمع:
|
|
في الآية الأُولى
من هذه الآيات إِشارة إِلى أحد الأحكام الإِسلامية المهمّة، وهي مسألة الزكاة، حيث تأمر النّبي (ص) بشكل عام أن (خذ من أموالهم صدقة). مضافاً إِلى ثناء
النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، أو من
يقوم مقامه في جمع زكاة أموال الناس بحدّ ذاته يبعث على خلق نوع من الراحة
النفسية والفكرية لهم، بحيث يشعرون بأنّهم إِن فقدوا شيئاً بحسب الظاهر، فإنّهم
قد حصلوا ـ قطعاً ـ على ما هو أفضل منه. |
|
ملاحظات: توبة أبي لبابة ورفاقه، حكم الزكاة ، وجملة (صلّ عليهم)
|
|
1 ـ يتّضح من
سبب النزول المذكور لهذه الآية، أنّ هذه الآية ترتبط بالآية التي سبقتها في
موضوع توبة أبي لبابة ورفاقه، لأنّهم ـ وكشكر منهم لقبول توبتهم ـ أتوا بأموالهم
ووضعوها بين يدي النّبي(ص) ليصرفها في سبيل الله، إلاّ أنّه(ص) اكتفى بأخذ قسم
منها فقط. |
|
التّوبة
والجبران:
|
|
يستفاد من عدّة آيات في
القرآن الكريم أنّ التوبة لا تعني الندم على المعصية فحسب، بل يجب أن يرافقها ما
يجبر ويكفر عن الذنب، ويمكن أن يتمثل جبران هذا الخطأ بمساعدة المحتاجين ببذل ما
يحتاجونه، كما هو في هذه الآيات، وكما مرّ في قصّة أبي
لبابة. إِنَّ هذا الإِطلاع هو مقدمة
للثواب أو العقاب الذي ينتظره في العالم الآخر، لذا فإِنَّ الآية الكريمة تعقب
على ذلك مباشرة وتقول: (وَسَتُرَدُّونَ إِلى عَالَمِ الغَيبِ
وَالشَّهادَةِ فَيُنُبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). |
|
ملاحظات |
|
1 ـ مسألة عرض
الأعمال
|
|
إِنّ بين أتباع مذهب أهل
البيت(عليهم السلام)، ونتيجة للأخبار الكثيرة الواردة عن الأئمّة(عليهم السلام)،
عقيدة معروفة ومشهورة، وهي أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة(عليهم
السلام) يطلعون على أعمال كل الأُمّة، أي أنّ الله تعالى يعرض أعمالها بطرق
خاصّة عليهم. |
|
2 ـ هل الرّؤية
هنا تعني النظر؟
|
|
المعروف بين جميع من
المفسّرين أنّ الرؤية الواردة في قوله تعالى: (فسيرى الله عملكم...) تعني
المعرفة، لا العلم، لأنّها لم تأخذ أكثر من مفعول واحد ولو كانت الرؤية بمعنى
العلم لأخذت مفعولين. |
|
الآية(106)
وَءَاخَرُون مُرْجَوْنَ لاِمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ
عَلَيْهِمْ
|
|
وَءَاخَرُون
مُرْجَوْنَ لاِمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ
وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) |
|
سبب النّزول
|
|
قال جماعة من
المفسّرين: إِنّ هذه الآية نزلت في ثلاثة من المتخلفين عن غزوة تبوك، وهم: «هلال بن أُمية» و«مرارة بن ربيع» و«كعب بن مالك»، وسيأتي
بيان ندمهم على ذلك وكيفية توبتهم في ذيل الآية (118)
من هذه السورة، إن شاء الله تعالى. |
|
التّفسير |
|
في هذه الآية إِشارة إِلى
مجموعة من المذنبين الذين لم تتّضح جيداً عاقبة أمرهم، فلا هم مستحقون حتماً
للرحمة الإِلهية، ولا من المغضوب عليهم حتماً، لذا فإنّ
القرآن الكريم يقول في حقّهم: (وآخرون مرجون
لأمر الله إمّا يعذبهم أو يتوب عليهم). |
|
الآيات(107) (110)
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْرَاً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ
الْمُؤْمِنينَ
|
|
وَالَّذِينَ
اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْرَاً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنينَ
وَإِرصَاداً لِمَنْ حَارِبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إنْ
أَرَدْنَآ إِلاََّ الْحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَذِبُونَ (107) لاَ
تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْم
أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ
يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْينَهُ عَلَى تَقْوى مِنَ
اللهِ وَرِضْوَن خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَنَهُ عَلى شَفَا جُرُف هَار
فَانْهَارَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْظَّلِمِينَ
(109) لاَ يَزَالُ بُنْيَنُهُمُ الَّذِى بَنَوْاْ رِيبَةً فِى قُلُوبِهِمْ
إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) |
|
سبب النّزول
|
|
تتحدث الآيات أعلاه عن جماعة
أُخرى من المنافقين الذين أقدموا ـ من أجل تحقيق أهدافهم المشؤومة ـ على بناء
مسجد في المدينة، عرف فيما بعد بـ (مسجد الضرار). وقد ذكر هذا
الموضوع كل المفسّرين الإِسلاميين، وكثير من كتب التاريخ والحديث، مع وجود
اختلافات في جزئياته. |
|
التّفسير |
|
معبد
وثني في صورة مسجد!
|
|
أشارت الآيات السابقة إِلى
وضع مجاميع مختلفة من المخالفين، وتُعَرِّف الآيات التي نبحثها مجموعة أُخرى
منهم، المجموعة التي دخلت حلبة الصراع بخطة دقيقة وذكية، إلاّ أن اللطف الإِلهي
أدرك المسلمين، وبدد أحلام المنافقين بإبطال مكرهم وإحباط خطتهم. |
|
بحوث
: مسجد الضرار 2 ـ النفي لا يكفي لوحده!
|
|
1 ـ درس كبير |
|
إنّ قصّة مسجد الضرار درس لكل
المسلمين من جميع الجهات، فإنّ قول الله سبحانه وعمل النّبي(ص) يوضحان تماماً
بأنّ المسلمين يجب أن لا يكونوا سطحيين في الرؤية مطلقاً، وأن لا يكتفوا بالنظر
إِلى الجوانب التي تصطبغ بصبغة الحق، ويغفلون عن الأهداف الأصلية المراد
تحقيقها، والمستترة بهذا الظاهر البراق. المسلم هو الذي يعرف المنافق
وأساليب النفاق في كل زمان، وفي كل مكان، وبأي لباس تلبس، وبأي صورة يظهر بها،
حتى ولو كانت صورة الدين والمذهب، أو لباس مناصرة الحق والقرآن والمساجد. المسلم يجب أن يكون حذراً،
واعياً، واقعياً، بعيد النظر، ومن أهل التحليل والتحقيق في كل المسائل
الإِجتماعية. |
|
2 ـ النفي لا
يكفي لوحده! |
|
الدرس الثّاني الذي يمكن أخذه
من هذه الآيات، هو أنّ الله سبحانه وتعالى أمر نبيّه(ص) في هذه الآيات أن لا
يصلي في مسجد الضرار، بل يصلي في المسجد التي وضعت قواعده وأُسسه على أساس
التقوى. |
|
3 ـ شرطان
أساسيان |
|
الدرس القيم
الثّالث الذي يمكن استنباطه من الآيات محل البحث هو أن المقر
والمركز النشط والإِيجابي دينياً وإجتماعياً، هو الذي يتشكل من عنصرين. |
|
الآيتان(111) (112)
إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْولَهُمْ بِأَنَّ
لَهُمُ الْجَنَّةَ
|
|
إِنَّ اللهَ
اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْولَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ
الْجَنَّةَ يُقَتِلُونَ فِى سَبيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً
عَلَيْهِ حَقَّاً فِى التَّوْرَيةِ وَالاِْنْجِيلِ وَالْقُرْءَآنِ وَمَنْ
أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِى بَايَعْتُم
بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(111)التَّئِبُونَ الْعَبِدُونَ
الْحَمِدُونَ السَّئِحُونَ الرَّكِعُونَ السَّجِدُونَ الاَْمِرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَفِظُونَ لِحُدُود اللهِ
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ(112) |
|
التّفسير |
|
تجارة
لا نظير لها:
|
|
لما كان الكلام في الآيات
السابقة عن المتخلفين عن الجهاد، فإنّ هاتين الآيتين قد بيّنتا المقام الرفيع
للمجاهدين المؤمنين مع ذكر مثال رائع. ولما كانت كل معاملة تتكون في
الحقيقة من خمسة أركان أساسية، وهي عبارة عن: المشتري، والبائع، والمتاع،
والثمن، وسند المعاملة أو وثيقتها، فقد أشار الله سبحانه إِلى كل هذه الأركان،
فجعل نفسه مشترياً، والمؤمنين بائعين، وأموالهم وأنفسهم متاعاً وبضاعة، والجنّة
ثمناً لهذه المعاملة. غاية ما في الأمر أنّه بيّن طريقة تسليم البضاعة بتعبير
لطيف، فقال: (يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون)
وفي الواقع فإنّ يد الله سبحانه حاضرة في ميدان الجهاد لتقبل هذه البضاعة، سواء
كانت روحاً أم مالا يبذل في أمر الجهاد. «نعم». فقال الأنصاري: بيع ربيح لا نقيل ولا نستقيل(الدّر المنثور، كما ورد في تفسير الميزان.). ولما لم يذكر متعلق البشارة، وبتعبير آخر: إنّ البشارة لما جاءت مطلقة فإنّها تعطي
مفهوماً أوسع يدخل ضمنه كل خير وسعادة، أي بشر هؤلاء بكل خيرسعادة وفخر. |
|
الآيتان(113) (114)
مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ والَّذِينَ ءَامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ
وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِى قُرْبَى
|
|
مَا كَانَ
لِلنَّبِىِّ والَّذِينَ ءَامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ
كَانُواْ أُوْلِى قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَبُ
الْجَحِيمِ(113)وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَهِيمَ لاِبِيهَ إِلاَّ عَن
مَّوعِدَة وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ
تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَهِيمَ لاََوَّهٌ حَليمٌ (114) |
|
سبب النّزول
|
|
جاء في مجمع البيان في سبب
نزول الآيات أعلاه، أنّ جماعة من المسلمين كانوا يقولون للنّبي(ص): ألا تستغفر
لآبائنا الذين ماتوا في الجاهلية؟ فنزلت هذه الآيات تنذرهم بأنّ لا حقّ لأحد أن
يستغفر للمشركين. |
|
التّفسير |
|
ضرورة
قطع العلاقات مع الأعداء:
|
|
نهت الآية الأُولى النّبي(صلى
الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين عن الإِستغفار للمشركين بلهجة قاطعة وحادة، فهي
تقول: (ما كان للنّبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) ولكي توكّد ذلك قالت:
(ولو كانوا أولي قربى). فإن قيل: من أين
علم المسلمون أنّ إِبراهيم قد استغفر لآزر؟ |
|
ملاحظات |
|
1 ـ رواية موضوعة
!
|
|
إِنّ الكثير من مفسّري
العامّة نقلوا حديثاً موضوعاً عن صحيح البخاري ومسلم وكتب أُخرى عن سعيد بن
المسيب عن أبيه، أنّه لما حضرت أبا طالب الوفاة أتى إِليه النّبي(ص)، وكان عنده
أبوجهل وعبدالله بن أبي أمية، فقال له النّبي(ص): «ياعم، قل لا إِله إلاّ الله
أحاج لك بها عند الله»، فالتفت أبوجهل وعبدالله بن أبي أمية إِلى أبي طالب
وقالوا: أتريد أن تصبو عن دين أبيك عبدالمطلب؟! وكرر النّبي(ص) قوله، إلاّ أنّ
أبا جهل وعبدالله منعاه من ذلك. وكان آخر ما قاله أبوطالب: على دين عبدالمطلب،
وامتنع عن قول: لا إِله إلاّ الله، فقال النّبي(ص)عندئذ: «سأستغفر لك حتى أنهى عنه» فنزلت الآية: (ماكان للنّبي والذين آمنوا ...)( تفسير المنار، وتفاسير
أُخرى لأهل السنة.). إِنّ الفخر الرازي إِذا حرر نفسه من قيود التعصب، سيلتفت إِلى عدم إِمكان
أن يستغفر النّبي(ص) لفرد مشرك طوال هذه المدّة، في الوقت الذي كانت آيات كثيرة
من القرآن الكريم قد نزلت إِلى ذلك الزمان تدين وتشجب أي نوع من مودة المشركين
ومحبتهم(لقد ورد النهي عن محبّة وموالاة الكافرين
صريحاً في الآية (139) من سورة النساء، والتي نزلت قبل سورة التوبة مسلماً،
وكذلك في الآية (38) من سورة آل عمران، وهي كذلك نزلت قبل سورة براءة، وفي هذه السورة قال الله سبحانه لنبيّه(ص) في الآيات التي سبقت هذه الآية: (استغفر لهم أو لا تستغفر
إِن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر الله لهم).). |
|
2 ـ لماذا وعد
إِبراهيم آزر بالإِستغفار؟
|
|
وهنا يطرح سؤال
آخر، وهو: كيف وعد إِبراهيم عمّه آزر
بالإِستغفار، وحسب ظاهر هذه الآية وآيات القرآن الأُخرى، فإنّه قد وفى بوعده، مع
العلم أنّه لم يؤمن أبداً، وكان من المشركين وعبدة الأصنام الى آخر حياته،
والإِستغفار لمثل هؤلاء ممنوع؟ |
|
3 ـ ضرورة قطع كل
رابطة بالأعداء
|
|
إِنّ هذه الآية ليست الوحيدة
التي تتحدث عن قطع كل رابطة بالمشركين، بل يستخلص من عدّة آيات في القرآن الكريم
أن كل ارتباط وتضامن وعلاقة، العائلية منها وغيرها، يجب أن تخضع لإِطار العلاقات
العقائدية، ويجب أن يحكم الانتماء الى الله ومحاربة كل أشكال الشرك والوثنية كل
اشكاليات الترابط بين المسلمين. لأنّ هذا الإِرتباط هو
الأساس والحاكم على كل مقدراتهم الإِجتماعية، ولا تستطيع العلاقات والروابط
السطحية والفوقية أن تنفيه. |
|
الآيتان(115) (116)
وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضلَّ قَوْمَاً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ
لَهُم مَّا يَتَّقُونَ
|
|
وَمَا كَانَ اللهُ
لِيُضلَّ قَوْمَاً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا
يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَىْء عَلِيمٌ(115)إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ
السَّمَوَتِ وَاالأَرْضِ يُحْىِ وَيُمِيتُ وَمَا لَكُم مِّن دوُنِ اللهِ مِن
وَلِىٍّ وَلاَ نَصِير(116) |
|
سبب النّزول
|
|
قال بعض المفسّرين: إِنّ فريقاً من المسلمين ماتوا قبل نزول الفرائض
والواجبات وتشريعها، فجاء جماعة إِلى النّبي(ص) وأظهروا قلقهم على مصير هؤلاء ـ
وكانوا يظنون أن هؤلاء ربّما سينالهم العقاب الإِلهي لعدم أدائهم الفرائض، فنزلت
الآية ونفت هذا التصور(مجمع البيان، ذيل الآية.). |
|
التّفسير |
|
العقاب
بعد البيان:
|
|
إِن الآية الأُولى تشير إِلى قانون كلّي وعام، يؤيده العقل أيضاً، وهو أنّ
الله سبحانه مادام لم يبيّن حكماً، ولم يصل شيء من الشرع حوله، فإنّه تعالى سوف
لا يحاسب عليه أحداً، وبتعبير آخر: فإنّ التكليف
والمسؤولية تقع دائماً بعد بيان الأحكام، وهذا هو الذي يعبر عنه في علم الاصول بقاعدة (قبح
العقاب بلا بيان). جواب سؤال |
|
الآيتان(117) (118)
لَّقَد تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبِىِّ وَالْمُهَجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ
اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ
|
|
لَّقَد تَّابَ
اللهُ عَلَى النَّبِىِّ وَالْمُهَجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ
فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيق مِّنْهُمْ
ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ(117) وَعَلَى
الثَّلَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ
بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ
مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلِيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمِْ ليَتُوبُواْ إِنَّ اللهَ
هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(118) |
|
سبب النّزول
|
|
درس كبير! |
|
قال المفسّرون: إِنّ الآية الأُولى نزلت في
غزوة تبوك، وما واجهه المسلمون من المشاكل والمصاعب العظيمة، هذه المشاكل
التي كانت من الكثرة والصعوبة بمكان بحيث صمّم جماعة على الرجوع، إلاّ أنّ اللطف
الإِلهي والتوفيق الرّباني شملهم،، فثبتوا في مكانهم. مرّت عشرة أيّام على هذه
الواقعة، وكان الهواء حاراً محرقاً، فحضر يوماً عند زوجتيه، وكنّ قد هيأن خيمته،
وأحضرن الطعام اللذيذ والماء البارد، فتذكر فجأة النّبي(ص)، وغاص في تفكير عميق،
وقال في نفسه: إِنّ رسول الله(ص) الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر،
وضمن له آخرته، قد حمل سلاحه على عاتقه وسار في الصحاري المحرقة، وتحمل مشقّة
هذا السفر، أمّا أبو خيثمة ـ يعني نفسه ـ فهو في ظل بارد، يتمتع بأنواع الأطعمة،
والنساء الجميلات!! إنّ هذا ليس من الإنصاف. |
|
وقد نقل سبب آخر لنزول الآية
الثّانية، خلاصته: |
|
إنّ ثلاثة من
المسلمين وهم: «كعب بن مالك» و«مرارة بن ربيع»و «وهلال بن أمية»، امتنعوا من المسير مع النّبي (ص) والإشتراك في غزوة
تبوك، إلاّ أن ذلك ليس لكونهم جزءاً من المنافقين، بل لكسلهم وتثاقلهم، فلم يمض زمان حتى ندموا. |
|
التّفسير |
|
الحصار
الاجتماعي للمذنبين:
|
|
تتحدّث هذه الآيات أيضاً عن
غزوة تبوك، والمسائل والأحداث التي ترتبط بهذا الحدث الكبير، وما جرى خلاله. |
|
بحوث
نلفت النظر إِليها:
|
|
1 ـ المراد من
توبة الله على النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)
|
|
قرأنا في الآية
الأُولى أن الله سبحانه قد تاب على النّبي(ص) والمهاجرين
والأنصار، وقَبِل توبتهم. ولا شك أنّ النّبي معصوم من الذنوب، ولم يرتكب معصية
ليتوب فيقبل الله توبته، وإِن كان بعض مفسّري العامّة قد اعتبروا التعبير في هذه
الآية دليلا على صدور السهو والمعصية من النّبي(ص) في أحداث تبوك. |
|
2 ـ غزوة تبوك
وساعة العسرة
|
|
«السّاعة» من الناحية اللغوية بمعنى مقطع زمني، سواء كان قصيراً
أم طويلا، ولا يقال للزمن الطويل جداً: ساعة. «والعسرة» بمعنى المشقة والصعوبة. بحيث أنّ عدّة أشخاص يشتركون
في تمرة واحدة أحياناً، فيمص كل منهم التمرة ويعطيها لصاحبه حتى لا يبقى منها
إِلى النواة ... وكان عدّة أفراد يشتركون في جرعة ماء !! |
|
3 ـ ما هو معنى (
خُلّفوا) ؟
|
|
لقد عبرت الآيات عن هؤلاء
الثلاثة المقصرين المهملين بـ(خُلّفوا) بمعنى الذين تركهم الجيش وراء ظهره، وذلك
لأن المسلمين عندما كانوا يصادفون من يتخاذل ويكسل عن الجهاد، فإنّهم لا يعبؤون
به، بل يتركونه وراء ظهورهم ويتوجهون إِلى جبهات الجهاد. |
|
4
ـ درس كبير دائمي مجازاة المجرمين والفاسدين
|
|
من المسائل المهمّة
التي تستفاد من هذه الآيات، مسألة مجازاة
المجرمين والفاسدين عن طريق الحصار الإِجتماعي وقطع الروابط والعلاقات، فنحن نرى أن قطع الروابط هذا قد وضع هؤلاء الثلاثة في
شدة كانت أصعب عليهم من كل السجون بحيث ضاقت عليهم
الدنيا تحت وطأت الحصار الاجتماعي وقطعوا الأمل من كل شيء. |
|
5 ـ غزوة تبوك
ونتائجها
|
|
منطقة «تبوك» هي أبعد نقطة وصل إِليها النّبي(ص) في غزواته، وهذه
الكلمة في الأصل اسم قلعة محكمة وعالية كانت في
الشريط الحدودي بين الحجاز والشام، ولذلك سمّيت تلك المنطقة بأرض تبوك. |
|
الآية(119)
يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَ كُونُواْ مَعَ الصَّدِقِينَ
|
|
يَأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَ كُونُواْ مَعَ الصَّدِقِينَ(119) |
|
التّفسير |
|
كونوا
مع الصّادقين:
|
|
في الآيات السابقة كان الحديث حول جماعة من المتخلفين الذين نقضوا عهدهم مع
الله ورسوله، وأظهروا عملياً تكذيبهم للإِيمان بالله واليوم الآخر، ورأينا كيف
أنّ المسلمين قد أرجعوهم إِلى حظيرة الإِيمان بمقاطعتهم، ونبّهوههم على خطئهم. فنقرأ في سورة البقرة ، الآية (177): (ليس البرّ أن تولوا وجوهكم قبل المشرق
والمغرب ولكن البرّ من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيين وأتى
المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب
وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إِذا عاهدوا والصابرين في البأساء
والضراء وحين البأس أُولئك الذين صدقوا وأُولئك هم المتقون). |
|
هل
المراد من الصّادقين هم المعصومون فقط؟
|
|
بالرغم من أنّ مفهوم الصادقين
- كما ذكرنا سابقاً ـ مفهوم واسع، إلاّ أنّ المستفاد من الرّوايات الكثيرة أنّ
المراد من هذا المفهوم هنا هم المعصومون فقط. |
|
الآيتان(120) (121)
مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن
يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللهِ
|
|
مَا كَانَ لأَهْلِ
الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن
رَّسُولِ اللهِ وَ لاَيَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفسِهِ ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ لاَيُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِى سَبِيلِ
اللهِ وَلاَ يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ
عَدُوٍّ نَّيْلا إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَلِحٌ إِنَّ اللهَ لاَ
يُضِيعُ أَجْرَ الُْمحْسِنِينَ(120)وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ
كَبِيرَةً وَلاَيَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ
أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ(121) |
|
التّفسير |
|
معاناة
المجاهدين لا تبقى بدون ثواب:
|
|
كان البحث في الآيات السابقة
حول توبيخ وملامة الممتنعين عن الإِشتراك في غزوة تبوك، وتبحث هاتان الآيتان
البحث النهائي لهذا الموضوع كقانون كلّي. |
|
الآية(122) وَمَا
كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِروُاْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَة
مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ
لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى الدِّينِ
|
|
وَمَا كَانَ
الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِروُاْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَة
مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ
إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ(122) |
|
سبب النّزول
|
|
روي الطبرسي(رحمه
الله) في مجمع البيان عن ابن عباس، أنّ النّبي(ص) لما سار إِلى ميدان القتال، كان جميع المسلمين يسيرون بين
يديه باستثناء المنافقين والمعذورين، إلاّ أنّه بعد نزول الآيات التي ذمت
المنافقين، وخاصّة المتخلفين عن غزوة تبوك، فإنّ
المؤمنين صمموا أكثر من قبل على المسارعة إِلى ميادين الحرب، بل وحتى في الحروب
التي لم يشارك فيها النّبي(ص) بنفسه، فإنّ جميع السرايا كانت تتوجه الى الجهاد،
ويدعون النّبي(ص) وحده، فنزلت الآية وأعلنت أنّه لا ينبغي في غير الضرورة أن
يذهب جميع المسليمن إِلى الجهاد، بل يجب أن يبقى جماعة منهم ليتعلموا العلوم
الإِسلامية وأحكام الدين من النّبي ويعلموا أصحابهم المجاهدين عند رجوعهم من
القتال. |
|
التّفسير |
|
محاربة
الجهل وجهاد العدو:
|
|
إِنّ لهذه الآية ارتباطاً
بالآيات السابقة حول موضوع الجهاد، وتشير إِلى حقيقة حياتية بالنسبة للمسلمين،
وهي: أنّ الجهاد وإِن كان عظيم الأهمية، والتخلف عنه ذنب وعار، إلاّ أنّه في غير
الحالات الضرورية لا لزوم لتوجه المؤمنون كافة إِلى ساحات الجهاد، خاصّة في
الموارد التي يبقى فيها النّبي(ص) في المدينة، بل يبقى منهم جماعة لتعلم أحكام
الدين ويتوجه الباقون إِلى الجهاد: (وماكان المؤمنون
لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين). |
|
ملاحظات:
وهنا ملاحظات ينبغي التوقف عندها:
|
|
1 ـ
إِنّ ما قيل في تفسير هذه الآية إِضافةً إِلى أنّه يناسب
سبب نزولها المعروف، فإنّه الأوفق مع ظاهر جمل الآية من أي تفسير آخر، إلاّ أنّ
الشيء الوحيد هنا هو أنّنا يجب أن نقدر جملة «لتبقى طائفة» بعد «من كل طائفة»
أي: لتذهب طائفة من كل فرقة، وتبقى طائفة أُخرى، وهذا الموضوع بالطبع مع ملاحظة
القرائن الموجودة في الآية لا يستوجب إِشكالا. (فتأمل
بدقة). |
|
الآية(123) يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ
الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً
|
|
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ
وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ مَعَ
الْمُتَّقِينَ(123) |
|
التّفسير |
|
قتال الاقرب فالاقرب:
|
|
أشارت الآية في سياق احكام الجهاد التي ذكرت لحد الآن في هذه السورة ـ إلى أمرين آخرين في هذا الموضوع الإِسلامي المهم،
فوجهت الخطاب أوّلا إِلى المؤمنين وقالت: (يا أيّها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار). وأمّا ما قلناه من
أنّ المبادرة إِلى مجابهة العدو الأقرب هي الأهم والأوجب. فإِنّ أسبابه واضحة،
وذلك: والأمر الثّاني
فيما يتعلق بالجهاد في الآية، هو اسلوب الحزم والشدّة، فهي تقول: إِن العدو يجب أن يلمس في المسلمين نوعاً من الخشونة
والشدّة: (وليجدوا فيكم غلظة) وهي تشير إِلى أنّ
الشجاعة والشهامة الداخلية والإِستعداد النفسي لمقابلة العدو ومحاربته ليست
كافية بمفردها، بل يجب اظهار هذا الحزم والصلابة للعدو ليعلم أنّكم على درجة
عالية من المعنويات، وهذا بنفسه سيؤدي إِلى هزيمتهم وانهيار معنوياتهم. |
|
الآيتان(124) (125)
وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ
هَذِهِ إِيمَناً
|
|
وَإِذَا مَآ
أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَناً
فَأَمَّا الَّذِينَ ءاَمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)وَأَمَّا
الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ
وَمَاتُواْ وَهُمْ كَفِرُونَ(125) |
|
التّفسير |
|
تأثير
آيات القرآن المتباين على القلوب:
|
|
تشير هاتان الآيتان إِلى
واحدة من علامات المؤمنين والمنافقين البارزة، تكملةً لما مرّ من البحوث حولهما. |
|
ملاحظات |
|
هنا
ملاحظات ينبغي التنبه لها:
|
|
1 ـ إِنّ
القرآن الكريم يؤكّد من خلال هاتين الآيتين على حقيقة، وهي أنّ وجود البرامج
والقوانين الحياتية لا تكفي بمفردها لسعادة فرد أو جماعة، بل يجب أن يؤخذ بنظر الإِعتبار وجود الأرضية المهيئة
والإِستعداد للتلقي كشرط أساسي. وبتعبير آخر فإِنّ
(فاعلية الفاعل) في كل برنامج
تربوي لا تكفي لوحدها، بل إِنّ روح التقبل و (قابلية القابل) شرط اساسي أيضاً. |
|
الآيتان(126) (127)
أَوَلاَ يِرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِى كُلِّ عَام مَّرَّة أَوْ
مَرَّتَيْنِ ثمّ لاَ يَتُوبُونَ
|
|
أَوَلاَ يِرَوْنَ
أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِى كُلِّ عَام مَّرَّة أَوْ مَرَّتَيْنِ ثمّ لاَ
يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ(126)وَ إِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ
نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْض هَلْ يَرَاكُم مِّن أَحَد ثُمَّ انصَرَفُواْ
صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قُوْمٌ لاَّيَفْقَهُونَ(127) |
|
التّفسير |
|
يستمر الكلام في هذه الآيات
حول المنافقين، وهي توبّخهم وتذمهم فتقول: (أو لا يرون
أنّهم يفتنون في كل عام مرّة أو مرّتين) والعجيب أنّهم رغم هذه
الإِمتحانات المتلاحقة لايعتبرون (ثمّ لا يتوبون ولا هم
يذكرون). وتطرقت الآية في
الختام إِلى ذكر علة هذا الموضوع فقالت: إِنّ هؤلاء إِنّما لا يريدون سماع كلمات الله سبحانه ولايرتاحون لذلك لأنّ
قلوبهم قد حاقت بها الظلمات لعنادهم ومعاصيهم فصرفها الله سبحانه عن الحق،
وأصبحوا أعداءً للحق لأنّهم أناس جاهلون لافكر لهم: (صرف
الله قلوبهم بأنّهم قوم لايفقهون). |
|
الآيتان(128) (129)
لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم
|
|
لَقَدْ جَآءَكُمْ
رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم
بِالْمُؤمِنِينَ رَؤُفٌ رَّحِيمٌ(128)فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِىَ اللهُ
لاَإِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ
الْعَظِيمِ(129) |
|
التّفسير |
|
آخر
آيات القرآن المجيد:
|
|
إِنّ هذه الآيات
برأي بعض المفسّرين، هي آخر الآيات التي نزلت على النّبي(ص)، وبها تنتهي سورة براءة، فهي في الواقع إِشارة إِلى كل المسائل التي مرّت في هذه
السورة، لأنّها تبيّن من جهة لجميع الناس، سواء المؤمنون منهم أم
الكافرون والمنافقون، أنّ جميع الضغوط والتكاليف التي فرضها النّبي(ص)والقرآن
الكريم، والتي ذكرت نماذج منها في هذه السورة، كانت كلها بسبب عشق النّبي(ص)
لهداية الناس وتربيتهم وتكاملهم. ومن هنا فإِنّ خطاب
الآية الأُولى موجه للناس، فهي تقول: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم)، خاصّة وأنّه قد وردت لفظة (من أنفسكم) بدل
(منكم)، وهي تشير إِلى شدة إرتباط النّبي(ص) بالناس، حتى كأنّ قطعة من روح الناس
والمجتمع قد ظهرت بشكل النّبي(ص). ولهذا السبب فإِنّه يعلم كل آلامهم، ومطلع على
مشاكلهم، وشريكهم في غمومهم وهمومهم، وبالتالي لايمكن أن يُتصور صدور كلام منه
إلاّ في مصلحتهم، ولا يخطو خطوة إلاّ في سبيلهم، وهذا
في الواقع أوّل وصف للنّبي(ص) ذكر في هذه الآية. ختام سُورَةُ
التّوبة |
|
|
|