- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
سورة الأنفال وهي
مَدينة وعددُ آياتها خمس وسَبعُونَ آية
|
|
نظرة
خاطفة إلى محتويات هذه السورة
|
|
في الآيات الخمس والسبعين التي تتكون منها سورة الأنفال أثيرت مباحث مهمّة جدّاً. |
|
الآية(1) يَسْئَلونَكَ عَنِ الاَْنفَالِ قُلِ الاَْنفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ
|
|
يَسْئَلونَكَ عَنِ
الاَْنفَالِ قُلِ الاَْنفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا
ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ(1) |
|
سبب النّزول
|
|
ورد عن ابن عباس أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) عيّن في يوم معركة بدر جوائز للمقاتلين المسلمين ترغيباً،
كأنّ يقول(ص) مثلا: من جاءني بفلان من الأعداء أسيراً فله عندي كذا «جائزة». |
|
التّفسير |
|
إنّ الآية ـ محل
البحث ـ كما قرأنا في سبب النّزول، نزلت بعد معركة بدر وتتكلم
على غنائم الحرب وتبيّن حكماً إسلامياً واسعاً بشكل عام، فتخاطب النّبي بالقول: (يسألونك عن الأنفال قلِّ الأنفال للّه والرّسول!). |
|
ملاحظات في شأن غنائم الحرب
|
|
1 ـ بالرّغم من أنّ الآية محل البحث نازلة في شأن غنائم الحرب، إلاّ أنّ لمفهومها حكماً كلّياً وعامّاً، وهي تشمل جميع الأموال
الإِضافية التي ليس لها مالك خاص. لهذا ورد في الرّوايات عن أهل البيت(ع) أنّ الأنفال لها مفهوم واسع، إذ نقرأ في
بعض الرّوايات المعتبرة عن الإِمامين «الباقر
والصادق(عليهما السلام)» مايلي: |
|
الآيات(2) (4)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
|
|
إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا
تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَناً وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَممّا رَزَقْنَهُمْ
يَنفِقُونَ (3) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقَّاً لَّهُمْ دَرَجَتٌ عِندَ
رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزقٌ كَريمٌ(4) |
|
التّفسير |
|
خمس
صفات خاصّة بالمؤمنين:
|
|
كان الكلام في الآية السابقة
عن تقوى الله وطاعته وطاعة رسوله بعد المشاجرة اللفظية بين بعض المسلمين في شأن
الغنائم. ثمّ تبيّن الآية الصفة الثّانية للمؤمنين فتقول: (وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً). |
|
الآيتان(5) (6) كَمَآ
أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنينَ
لَكَرِهُونَ
|
كَمَآ أَخْرَجَكَ
رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنينَ
لَكَرِهُونَ (5) يُجَدِلُونَكَ فِى الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّما
يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ (6) |
|
التّفسير |
|
قرأنا في الآية الأُولى من
هذه السورة أنّ بعض المسلمين من جديدي العهد
بالإِسلام، كانوا غير راضين عن كيفية تقسيم غنائم معركة
بدر (إلى حد ما). |
|
|
الآيتان(7) (8)
|
|
وَإِذْ يَعِدُكُمُ
اللهُ إِحْدَى الطَّآئِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ
ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ
بِكَلِمَتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَفِرينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ
الْبَطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الُْمجْرِمُونَ (8) |
|
غزوة
بدر أوّل مواجهة مسلحة بين الإِسلام والكفر...
|
|
لما كانت الآيات السابقة قد أشارت إلى معركة بدر، فإنّ الآيتين أعلاه وما بعدهما من الآيات قد
أماطت اللثام عن جوانب مهمّة وحساسة في تلك المعركة ليستلهم المسلمون من
هذه الآيات الحقائق التي مرّت بهم في الماضي القريب، ويجعلوها أمام أعينهم
للعبرة والإِتعاظ. المشكلة الأُخرى
التي كان أصحاب النّبي يواجهونها، هي أن
أرض بدر كانت غير صالحة للنزال لما فيها من الرمال، فنزل المطر تلك الليلة، فأفاد منه أصحاب النّبي فاغتسلوا منه وتوضأوا وأصبحت الأرض صُلبة صالحة للنزال، العجيب في ذلك أنّ
المطر كان في جهة العدوّ شديداً بحيث أربكهم وأزعجهم. |
|
التّفسير |
|
والآن وبعد أن عرفنا باختصار
كيف كانت غزوة بدر، نعود ثانية إلى تفسير الآيتين. فبناءً على هذا فإنّ ذات الشوكة تعني الجماعة
المسلحة، وغير ذات الشوكة تعني الجماعة
غيرالمسلحة، ولو إتفق أن يوجد فيها رجال مسلحون فهم معدودون لا يكترث
بهم. أي أن فيكم من يرغب في مواجهة العدو غير مسلحة، وذلك بمصادرة أموال تجارته،
وذلك ابتغاء الراحة أو حبّاً منه للمنافع المادية، في حين أن الحرب اثبتت بعد
تمامها أن الصلاح يكمن في تحطيم قوى العدو العسكرية، لتكون الطريق لاحبةً
لإِنتصارات كبيرة في المستقبل، ولهذا فإنّ الآية تعقب
بالقول (ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين) ( الدابر بمعنى ذيل الشيء وعقبه، فبناءً على هذا يكون معنى «ويقطع دابر الكافرين» هو استئصال جذورهم.). قال بعض المفسّرين، كالفخر الرّازي في تفسيره الكبير، وصاحب المنار: إنّ الحقَّ في الآية المتقدمة إشارةٌ
لإِنتصار المسلمين في معركة بدر، إن الحقّ في
الآية محل البحث، «الثّانية» إشارة لإِنتصار
الإِسلام والقرآن الذي كان نتيجة الإِنتصار العسكري في
معركة بدر، وهكذا فإنّ الإِنتصار العسكري ـ في تلك الظروف الخاصّة ـ
مقدمة لإِنتصار الاسلام والمسملين. |
|
الآيات(9) (14) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ
فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُم بِأَلْف مِّنَ الْمَلَئِكَةِ
|
|
إِذْ
تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُم بِأَلْف مِّنَ
الْمَلَئِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاّ بُشْرى
وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ
اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ
وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِّن السَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ
عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطنِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ
الاَْقْدَامَ (11) إِذ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى الْمَلَئِكَةِ أَنِّى مَعَكُمْ
فَثَبِّتُوا الَّذِينَ ءَامَنُوْا سَأُلْقِى فِى قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ
الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوقَ الاَْعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَان
(12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللهَ
وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ
لِلْكَفِرِينَ عَذابَ النَّارِ(14) |
|
التّفسير |
|
دروس
مفيدة من ساحة المعركة:
|
|
إنّ هذه الآيات تتحدث عن
اللحظات الحساسة من واقعة بدر، والألطاف
الإِلهية الكثيرة التي شملت المسلمين لتثير في نفوسهم الإِحساس بالطاعة والشكر،
ولتعبيد الدرب نحو إنتصارات المستقبل. |
|
الآيات(15) (18)
يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفَاً
فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الاَْدْبَارَ
|
|
يَأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفَاً فَلاَ
تُوَلُّوهُمُ الاَْدْبَارَ(15) وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذ دُبُرَهُ إِلاَّ
مُتَحَرِّفاً لِّقِتَال أَوْ مُتَحَيَّزاً إِلَى فِئَة فَقَدْ بَآءَ بِغَضَب
مِّنَ اللهَ وَمَأْوَهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(16) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ
وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ و َمَا رَمَيْتَ إِذْ ر َمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ
رَمَى وَلِيُبْلِىَ الْمُؤْمِنَينَ مِنْهُ بَلاَءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ(17) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَفِرِينَ(18) |
التّفسير |
|
الفرار
من الجهاد ممنوع!
|
|
كما ذكرنا في تفسير الآيات
السابقة، فإنّ الحديث عن قصّة معركة بدر وألطاف الله الكثيرة على المسلمين
الأوائل من أجل أن يتّخذ منه المسلمين العبرة والدرس في المستقبل، لذلك فإنّ هذه
الآيات توجه خطابها للمؤمنين وتأمرهم أمراً عاماً بالقتال: (يا آيّها الذين آمنوا إِذ لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا
تولّوهم الأدبار).، و(لقيتم) من مادة (اللقاء) بمعنى
الإِجتماع والمواجهة، وتأتي في أكثر أحيان بمعنى
المواجهة في ميدان الحرب. وعلى كل حال، فلا ينبغي تفسير هذا التحريم بشكل جاف يتنافى وأساليب
الحروب وخدعها، والتي هي أساس كثير من الإِنتصارات. |
|
الآية(19) إِن
تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ
لَّكُمْ
|
|
|
إِن تَسْتَفْتِحُوا
فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن
تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ
وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ(19) |
|
التّفسير |
|
لقد جرى بحث كثير بين المفسّرين حول الذين توجهت إليهم الآية بالحديث،
فبعضهم يعتقد بأنّهم المشركين، لأنّهم قبل خروجهم من مكّة إِلى بدر اجتمعوا حول
الكعبة وضربوا على ستائرها (لغرورهم واعتقادهم بأنّهم
على الحق). وقالوا: «اللّهم أنصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم
الحزبين»( هذه الجملة في الحقيقة «ذلكم الذي سمعتم هو
حال المؤمنين والكافرين».). والذي يبعد هذا
التّفسير أن الحديث في الآيات السابقة واللاحقة لهذه الآية موجه للمؤمنين، فيستبعد أن تكون بينها آية واحدة تتحدث
مع المشركين، ويضاف لذلك الإِرتباط المعنوي الموجود بين مضامين كل هذه الآيات ـ ولذلك اعتبر بعض المفسّرين أنّ المخاطبين في الآية هم
المؤمنون، وأحسن صورة لتفسير الآية على هذا الوجه هي: |
|
الآيات(20) (23)
يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا
عَنْهُ
|
|
يَأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ
وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا
وَهُمْ لاَيَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَآبِّ عِندَ اللهِ الصُّمُّ
الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَيَعْقِلُونَ(22) وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً
لاََّسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ(23) |
|
التّفسير |
|
الذين
قالوا سمعنا وهم لا يَسمعُونَ!
|
|
تتابع هذه الآيات البحوث
السابقة، فتدعو المسلمين إِلى الطاعة التامة لأوامر الرّسول الأكرم في السلم أو
الحرب أو في أي أمر آخر، وأُسلوب الآيات فيه دلالة على تقصير بعض المؤمنين في
التفيذ والطاعة، فتبدأ بالقول: (يا أيّها الذين آمنوا
أطيعوا الله ورسوله). |
|
ملاحظتان: |
|
1 ـ «ولو علم
الله فيهم خيراً لأسمعهم»
|
|
لقد حاول بعض
الناشئة عمل قياس منطقي من هذه الآية والخروج منه بنتيجة
لصالحهم، فقالوا، إنّ القرآن يقول في الآية: (ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم). وقال أيضاً: (ولو أسمعهم لتولّوا وهم معرضون). فيمكن الإِستنتاج من
هاتين الجملتين الجملة التّالية وهي: لو علم
الله فيهم خيراً فهم سيعرضون. وهذا الإِستنتاج
خطأ محض. |
|
2 ـ لإِستماع الحق
مراحل
|
|
إنّ الإِنسان قد يسمع أحياناً ألفاظاً وعبارات دون التفكير في مضامينها، إلاّ أنّ بعضاً لفرط
لجاجتهم، كانوا يرفضون حتى هذا القدر من السمع،
كما يقول عنهم القرآن (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا
القرآن والغوا فيه لعلّكم تغلبون)( سورة فصلت، الآية 26.). |
|
الآيات(24) (26)
يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ
|
|
يَأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا
يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ
وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّتُصِيبَنَّ
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ(25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِى
الاَْرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَأَوَكُمْ وَأَيَّدَكُمْ
بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(26) |
|
التّفسير |
|
دعوة
للحياة:
|
|
تتابع هذه الآيات دعوة
المسلمين المتقدمة للعلم والعمل والطاعة والتسليم لكنّها تتابع الهدف ذاته عن
طريق آخر، فتقول إبتداءاً: (يا أيّها الذين آمنوا
استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم). ومن هنا نعلم أنّ
من يضع الدين في قوالب جامدة لا روح فيها
بعيداً عن مجالات الحياة، ويختزله في مسائل
فكرية واجتماعية صرفة فقد جانب الصواب كثيراً،
لأنّ الدين الصحيح هو الذي يبعث الحركة في كل جوانب
الحياة، ويحيي الفكر والثقافة والإِحساس بالمسؤولية، ويوجد التكامل والرّقي
والوحدة والتألف، فهو إذاً يبعث الحياة في البشرية بكل معنى الكلمة. فنظرة قصيرة إِلى
مجتمعنا الإِسلامي في زماننا الحاضر والإِنكسارات التي أصابته أمام أعدائه، والفتن الكثيرة، كالإِستعمار
والصهيونية، والإِلحاد والمادية، والفساد الخلقي وتشتت العوائل وسقوط شبابه في
وديان الفساد، والتخلف العلمي، كل ذلك يجسد مضمون
الآية، وكيف أنّ تلك الفتن أصابت كل صغير وكبير، وكل عالم وجاهل، وسيستمر
كل ذلك حتى اليوم الذي تتحرك فيه الروح الإِجتماعية للمسلمين، ويهتم الجميع
بصلاح المجتمع ولا يتخلفوا عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. |
|
الآيتان(27) (28)
يَأيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَتَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا
أَمَنَتِكُمْ
|
|
يَأيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَتَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَنَتِكُمْ
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَآ أَمْوَلُكُمْ وَأَوْلَدُكُمْ
فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ(28) |
|
سبب النّزول |
|
لقد وردت عدّة روايات في سبب
نزول هاتين الآيتين، منها ما ورد عن الإِمامين الباقر والصّادق(ع) من أن النّبي(صلى الله عليه وآله
وسلم) أمر بمحاصرة يهود (بني قريظة) واستمرت هذه
المحاصرة واحداً وعشرين يوماً، حتى أُجبروا على المطالبة بالصلح، كما جرى ذلك مع اليهود من (بني النضير) وذلك بأن
يرحلوا عن أرض المدينة إِلى أرض الشام، لكن النّبي(صلى
الله عليه وآله وسلم) رفض ذلك العرض (لعلّه كان
يشك في صدق نيّاتهم) وقال: يجب القبول بحكم (سعد بن معاذ) لكنّهم طلبوا من النّبي(ص)أن يرسل إليهم
(أبا لبابة) وهو من أصحاب النّبي(ص) في المدينة،
وكانت له معهم صداقة قديمة، وكانت عائلته
وأبناؤه وأمواله عندهم. |
|
التّفسير |
|
الخيانة وأساسها:
|
|
يوجه الله سبحانه في الآية
الأُولى من الآي محل البحث الخطاب إِلى المؤمنين فيقول: (يا أيّها الذين آمنوا لا تخونوا الله ورسوله). |
|
الآية(29) يَأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً
|
|
يَأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً
وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ
الْعَظِيمِ(29) |
|
التّفسير |
|
الإِيمان
ووضوح الرّؤية:
|
|
تناولت الآيات السابقة أوامر
حياتية تتضمّن السعادة المادية والمعنوية للإِنسان، لكن العمل بها غير ممكن
إِلاّ في ظلال التقوى، لذلك جاءت هذه الآية المباركة لتؤكّد أهمية التقوى
وآثارها في مصير الإِنسان، وقد بيّنت الآية أربعة ثمار
ونتائج للتقوى. |
|
الآية(30) إذْ
يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ
أَوْيُخْرِجُوكَ
|
|
إذْ يَمْكُرُ بِكَ
الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْيُخْرِجُوكَ
وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيرُ الْمَكِرِينَ(30) |
|
سبب النّزول
|
|
ذكر المفسّرون
والمحدثون أن الآية ـ محل البحث ـ تشير
إِلى الحوادث التي أدت إِلى هجرة الرسول(صلى الله عليه
وآله وسلم) من مكّة إِلى المدينة. |
|
سِرّ
بداية الهِجرَة:
|
|
التّفسير |
|
يعتقد بعض المفسّرين أنّ هذه الآية، وخمس آيات تليها، نزلت في مكّة لأنّها تشير إِلى هجرة النّبي(ص)، ولكن سياقها يدل على نزولها
بعد الهجرة، إذ تتكلم على حادثة سابقة. |
|
الآيات(31) (35)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ
لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَآ
|
|
وَإِذَا تُتْلَى
عَلَيْهِمْ ءَايَتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ
هَذَآ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَطِيرُ الاَْوَّلِينَ(31) وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ
إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً
مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَاب أَلِيم(32) وَمَا كَانَ اللهُ
لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ(33) وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ
عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيآؤُهُ
إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ(34)وَمَا كَانَ
صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ
بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ(35) |
|
التّفسير |
|
القائلون
شططاً:
|
|
ذُكر في الآية السابقة مثل خرافي من منطق المشركين العملي، وفي هذه الآيات مثل آخر من منطقهم الفكري، ليتّضح أنّ هؤلاء لم
يمتلكوا سلامةً في الفكر ولا صحة في العمل، فجميع
أساليبهم خاوية بغير أساس. فإذا انعدم الإِستغفار فإنّ
المجتمعات البشرية ستفقد الأمن من عذاب اللّه
لما اقترفته من الذنوب والمعاصي. |
|
الآيتان(36) (37)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَلَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ
اللهِ
|
|
إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَلَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ
فَسَيُنفِقُونَهَا ثمّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثمّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ
كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ(36) لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ
الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْض فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً
فَيَجْعَلَهُ فِى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَسِرُونَ(37) |
|
سبب النّزول
|
|
جاء في تفسير علي
بن إبراهيم وكثير من التفاسير الأُخرى، أنّ الآية ـ محل البحث ـ نزلت في معركة بدر، وما بذله أهل مكّة للصدّ عن
سبيل الله، لأنّهم لما عرفوا ما حصل ـ إذ جاءهم مبعوث أبي سفيان ـ قاموا بجمع
الأموال الكثيرة ليعينوا بها مقاتليهم، إلاّ أنّهم خابوا وقتلوا وآبوا إلى جهنم
وساءت مصيراً، وكان ما أنفقوه في هذا الصدد وبالا وحسرة عليهم. والآية الأُولى تشير إلى سائر معوناتهم التي قدموها في
سبيل مواجهة الإِسلام ومحاربته، وقد طرحت الموضوع في صياغة كلّية. |
|
التّفسير |
|
مهما يكن شأن نزول الآية، فمفهومها مفهوم جامع يحمل في معناه كلّ ما بذله أعداء
الحق والعدل من أموال لنيل مقاصدهم المشؤومة، إذ تقول في مستهلها: (إنّ الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله). |
|
ملاحظات |
|
1 ـ
يستفاد من الآية محل البحث أنّ «هؤلاء» يحسّون بعدم جدوى أعمالهم حتى قبل غَلبهم وانهزامهم،
وحيث إنّهم لا يرون نتيجة مثمرة لما أنفقوه من الأموال، فسيبتلون بالألم
والحسرة، وهذا الأمر هو نوع من جزائهم الدنيوي وأحد عقوباتهم فيها. |
|
الآيات(38) (40) قُل
لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ
|
|
قُل لِّلَّذِينَ
كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ
مَضَتْ سُنَّتُ الاَْوَّلِينَ(38) وَقَتِلُوهُمْ حَتَّى لاَتَكُونَ فِتْنَةٌ
وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِمَا
يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(39) وَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلَكُمْ
نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ(40) |
|
التّفسير |
|
من المعلوم في أُسلوب القرآن
هو الجمع بين البشارة والنذارة، أي أنّه كما ينذر أعداء الحق بالعقاب والعذاب،
فإنّه يفتح لهم في الوقت نفسه طريق العودة أمامهم. |
|
الهدف
من الجهاد وبُشرى كريمة:
|
|
تشير الآية آنفة الذكر إِلى قسمين من أهداف الجهاد المقدسة وهما: ولقد أنكر صاحب تفسير المنار ـ لتعصبه ـ هذا الحديث الوارد في شأن مسألة قيام المهدي (عليه السلام)، وذلك لحكمه المُسبق
المخطيء في هذه القضية، والعجيب أن له ميلا خاصاً في
تفسيره إِلى الفكر الوهابي، مع أنّ الوهابيين بالرغم
من تعصبهم يصرحون
بأنّ ظهور الإِمام المهدي(عليه السلام) من الأُمور
المسلّم بها، ويعتبرون الرّوايات فيه من المتواترات. |
|
بدايَة الجزء
العَاشِرْ القُرآن الكريم
|
|
الآية(41)
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْء فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ
|
|
وَاعْلَمُوا
أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْء فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى
الْقُرْبَى وَالْيَتَمَى وَالْمَسَكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ
ءَامَنتُم باللهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ
الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ(41) |
|
التّفسير |
|
الخمس
فرضُ إِسلامي مهم:
|
|
وجدنا في بداية هذه
السورة كيف أنّ بعض المسلمين تشاجروا في شأن تقسيم الغنائم بعد
غزوة بدر، وقد أمرالله سبحانه ـ درءاً لأُصول الخلاف ـ أن توضع الغنائم تحت تصرف
النّبي(ص) لينفقها بما يراه صالحاً، فقام بتقسمها
بالتساوي بين المقاتلين المسلمين. |
|
ملاحظات |
|
1 ـ يوم الفرقان
بين الحق والباطل
|
|
سمّي يوم معركة بدر بيوم
الفرقان بين الحق والباطل، ويوم الإِلتقاء بين جماعة الكفر وجماعة الإِيمان، وفي ذلك إشارة إِلى مايلي: فبناءً على ذلك فإنّ من يرى أنّ سهماً من الخمس يتعلق بكل أقرباء النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يواجه هذا السؤال وهو: ما هذا إِمتياز الذي أولاه
الإِسلام لأقرباء النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وقومه، مع أنّ الإِسلام بعيد
عن القبلية والقومية والعرقية؟! ويقول في كتابه (53) إِلى
مالك الأشتر: «ولا تكوننَّ عليهم سبعاً ضارياً تغتنم
أكلهم». ويقول «الفخر
الرازي» في تفسيره: الغنم الفوز
بالشيء. يقول بعد هذا: إنّ المعنى الشرعي للغنيمة في اعتقاد فقهاء أهل السنة هو
غنائم الحرب.( الفخر الرازي، ج 15، ص 164.) أمّا ما يقوله بعض
السواد بأنّ السّادة يمكنهم أخذ الخمس حتى ولو كان ميزاب بيتهم
من ذهب فهو كلام ساذج ولا أساس له أبداً. |
|
الآيات(42) (44) إِذْ
أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ
أَسْفَلَ مِنكُمْ
|
|
إِذْ أَنتُمْ
بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ
مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِى الْمِيعَدِ وَلَكِن
لِّيَقْضِىَ اللهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن
بَيِّنَة وَيَحْيَى مَنْ حَىَّ عَن بَيِّنَة وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ
(42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِى مَنَامِكَ قَلِيلا وَلَوْ أَرَْكَهُمْ كَثِيراً
لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَزَعْتُمْ فِى الاَْمْرِ وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ
عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِى
أَعْيُنِكُمْ قَلِيلا وَيُقَلِّلُكُمْ فِى أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِىَ اللهُ
أَمْراً كَانَ مَفْعُولا وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الاُْمُورُ(44) |
|
التّفسير |
|
الأمر
الذي لابدّ منه:
|
|
يعود القرآن في هذة الآيات
الكريمة ـ ولمناسبة الكلام في الآيات السابقة إِلى يوم الفرقان يوم معركة بدر وانتصار
المسلمين لمؤزر في ذلك الموقف الخطير ـ يعود ليعرب عن أجزاء من فصول تلك
المعركة، ليطلع المسلمون على أهمية ذلك النصر العظيم. وفي الآية (13) من
سورة آل عمران إشارة إِلى المرحلة الثّالثة من قتال يوم بدر، إذ تشير إِلى أنّ
الأعداء لمّا اشتعل أوار الحرب ورأوا الضربات الشديدة لجيش الاسلام تنزل على
رؤوسهم كالصواعق، أصابهم الذعر والخوف الشديد، فأحسوا
عندئذ وكأنّ جيش الإِسلام قد ازداد عدده وتضاعف أضعاف ما كان عليه،
فانهارت معنوياتهم وأدّى هذا الأمر إِلى هزيمتهم وتمزقهم. |
|
الآيات(45) (47)
يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا
اللهَ كَثِيراً
|
|
يَأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ
كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(45) وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ
تَنَزَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ
الصَّبِرِينَ(46)وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَرِهِم بَطَراً
وَرِئَآءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ
مُحِيطٌ(47) |
|
التّفسير |
|
ستة
أوامر أُخرى في شأن الجهاد:
|
|
قال المفسّرون: إنّ أباسفيان بعدما استطاع النجاة بقافلة قريش
التجارية من مواجهة المسلمين، أرسل مبعوثاً إِلى قريش الذاهبين إِلى ساحة بدر
ودعاهم إِلى العودة، لأنّه رأى أن لا حاجة إِلى القتال،
لكن أبا جهل هذا المغرور والمتعصب والمتكبر أقسم أن لا يرجعوا حتى يبلغوا أرض
بدر «وكانت بدر قبل هذه المعركة من مراكز إجتماع العرب،
وتقام فيها سوق تجارية كل عام» ويمكثوا فيها ثلاثة أيّام، وينحروا الإِبل
ويأكلون ما يشتهون ويشربون الخمر، وتغني لهم المغنيّات، حتى يسمع جميع العرب بهم
وتثبت بذلك قوتهم وقدرتهم!... لكن أمرهم آل إِلى الهزيمة
فشربوا كؤوس المنايا المترعة بدلا من كؤوس الخمر، وجلست المغنيات ينُحن على
جنائزهم!! |
|
الآيات(48) (51)
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَنُ أَعْمَلَهُمْ وَقَالَ لاَغَالِبَ لَكُمُ
الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ
|
|
وَإِذْ زَيَّنَ
لَهُمُ الشَّيْطَنُ أَعْمَلَهُمْ وَقَالَ لاَغَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ
النَّاسِ وَإِنِّى جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَآءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى
عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّى بَرِىءٌ مِّنكُمْ إِنِّى أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ
إِنِّى أَخَافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ(48) إِذْ يَقُولُ
الْمُنَفِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاَءِ دِينُهُمْ
وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(49) وَلَوْ تَرَى
إِذْ يَتَوَفَّى الِّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ
وَأَدْبَرَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ(50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ
أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّم لِّلْعَبِيدِ(51) |
|
التّفسير |
|
المشركون
والمنافقون ووساوس الشّيطان:
|
|
مرّة أُخرى نلاحظ في هذه
الآيات تجسيد جانب آخر من معركة بدر بما يتناسب
والآيات السابقة في هذا الشأن، أو بما يتناسب والآية الأخيرة التي تكلمت عن
أعمال المشركين الشيطانيّة في يوم بدر. فهؤلاء الذين ذكرتهم الآية ـ
محل البحث ـ إمّا أنّهم من المنافقين الذين
التحقوا بصفوف المسلمين من المدينة، وكانوا يظهرون الإِسلام والإِيمان ولم
يكونوا في حقيقتهم كذلك، أو أنّهم من الذين
تظاهروا بالإِيمان في مكّة لكنّهم لم يهاجروا
إِلى المدينة وانضموا في معركة بدر إِلى صفوف المشركين، فلمّا رأوا قلّة
المسلمين في معركة بدر قبال جيوش الكافرين قالوا: إنّ
هؤلاء أصابهم الغرور في دينهم الجديد وجاءوا إِلى هذه الساحة. |
|
الآيات(52) (54)
كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِأَيَتِ اللهِ
|
|
كَدَأْبِ ءَالِ
فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِأَيَتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ
اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِىٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ(52) ذَلِكَ بِأَنَّ
اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْم حَتَّى
يُغَيُّروا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(53) كَدَأْبِ
ءَالِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِأَيَتِ رَبِّهِمْ
فَأَهْلَكْنَهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَآءَ الَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُواْ
ظَلِمِينَ(54) |
|
التّفسير |
|
سنّةُ
الله تقبل التغيير والتبديل:
|
|
في هذه الآيات إشارة إِلى «سنة إلهية دائمة» تتعلق بالشعوب والأُمم والمجتمعات،
لئلا يتصور بعض أنّ ما أصاب المشركين يوم بدر من عاقبة سيئة كان أمراً
استثنائياً، فإنّ من جاء بمثل تلك الأعمال في السابق، أو سيقوم بها مستقبلا
سينال العاقبة ذاتها. فبناءً على هذه فإن قريشاً والمشركين وعبدة الأصنام في مكّة، الذين
أنكروا آيات الله وتعنتوا بوجه الحق وحاربوا قادة الإِنسانية، ليسوا وحدهم الذين
نالوا جزاء ما إقترفوه، بل أنّ ذلك قانون دائم، وسنة إلهية تشمل من هم أقوى منهم
ـ كآل فرعون ـ كما تشمل الشعوب الضعيفة كذلك، ثمّ توضح
الآية التالية أصل هذا الموضوع فتقول: (ذلك بأنّ
الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). |
|
ملاحظتان |
|
1 ـ
أسباب حياة الشعوب وموتها |
|
يعرضُ التأريخ لنا شعوباً
وأُممّا كثيرة، فطائفة اجتازت سلّم الرقي بسرعة،
ووصلت طائفة ثانية إِلى أسفل مراحل الإِنحطاط، وطائفة ثالثة عاشت يوماً في تشتت وضياع وتناحر وتفرقة،
ثمّ قويت في يوم آخر، وطائفة رابعة على العكس منها
إذ سقطت من أعلى مراتب الفخر إِلى قعر وديان الذلة والضياع. إنّ القرآن الكريم
يجيب ـ في آية قصيرة ـ على كل تلك
التساؤلات، ويدعو إِلى العوده إِلى أعماق الوجدان، والنظر في ثنايا
المجتمع، فسترون أن التغيير يبدأ من أنفسكم، وأنّ الألطاف والرحمة الإِلهية تعم
الجميع، فأنتم الذين أذهبتم قدراتكم وطاقاتكم هدراً فصرتم إِلى هذا الحال. الأُولى: ما ورد عن الإِمام الصّادق في هذا الشأن إذ قال(عليه السلام) «ما أنعم الله على عبد بنعمة
فسلبها إياه حتى يذنب ذنباً يستحقق بذلك السلب»( تفسير
نور الثقلين، ج 2، ص 193.). |
|
2 ـ لا جبر في
العاقبة ولا جبر في التأريخ، ولا في سائر الأُمور ...
|
|
والموضوع المهم
الآخر الذي يستفاد من هذه الآيات بوضوح، هو أنّه ليس للإِنسان مصير خاص قد تعين من قبلُ، ولا يقعُ تحت تأثير ما يسمى
بـ «جبر التاريخ» و«جبر
الزمان» بل إنّ الذي يصنع التأريخ وحياة الإِنسانية، ويجعل التحوّلات في
الأُسلوب والأخلاق والأفكار وغيرها، وهو إرادة الإِنسان نفسه! |
|
الآيات(55) (59)
إِنَّ شَرَّ الدَّوَآبِّ عِندَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
|
|
إِنَّ شَرَّ
الدَّوَآبِّ عِندَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لاَ
يُؤْمِنُونَ(55)الَّذِينَ عَهَدتَّ مِنْهُمْ ثمّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِى
كُلِّ مَرَّة وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ(56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِى الْحَرْبِ
فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ(57) وَإِمَّا
تَخَافَنَّ مِن قَوْم خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىْ سَوَآء إِنَّ اللهَ
لاَ يُحِبُّ الْخَآئِنِينَ(58) وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا
إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ (59) |
|
التّفسير |
|
مواجهة
من ينقض العهد بشدّة!
|
|
في هذه الآيات المباركة إشارة إِلى طائفة أُخرى من أعداء الإِسلام الذين وجهوا
ضربات مؤلمة للمسلمين في حياة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) المليئة
بالأحداث، إلاّ أنّهم ذاقوا جزاء ما اقترفوه مُرّاً وكانت عاقبة أمرهم خُسراً.
وهؤلاء هم يهود المدينة الذين عاهدوا النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) عدّة
مرات. وتبدأ الآيات فتعرف
هذه الطائفة بأنّها شر الأحياء الموجودة
في هذه الدنيا فتقول: (إنّ شرّ الدواب عند الله الذين
كفروا فهم لا يؤمنون). |
|
الآيات(60) (64)
وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّة وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ
|
|
وَأَعِدُّوا لَهُم
مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّة وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ
عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ
اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَىْء فِى سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ
إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ(60) وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ
لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(61) وَإِن
يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هَوَ الَّذِى أَيَّدَكَ
بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ(62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ
مَا فِى الاَْرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ
أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(63) يَأَيُّهَا النَّبِىُّ حَسْبُكَ
اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(64) |
|
التّفسير |
|
المزيد
من التعبئة العسكرية والهدف منها:
|
|
تشير أوّل آية هنا
ـ لتناسب الكلام في الآيات المتقدمة عن الجهاد ـ إِلى أصل
مهم يجب على المسلمين التمسك به في كل عصر ومصر، وهو لزوم الإِستعداد العسكري
لمواجهة الأعداء، فتقول: (وأعدّوا لهم ما استطعتم من
قوّة). أي لا تنتظروا حتى يهجم العدوّ
فتستعدوا عندئذ لمواجهته، بل يجب أن تكون لديكم القدرة والإِستعداد اللازم
لمواجهة هجمات الأعداء المحتملة. |
|
ملاحظات
:والهدف من تهيئة السلاح وزيادة التعبئة العسكرية
|
|
1 ـ في الجملة
القصيرة ـ آنفة الذكر ـ بيان لأصل مهم في الجهاد
وحفظ وجود المسلمين وما لديهم من مجد وعظمة وفخر، والتعبير في الآية واسع إِلى
درجة أنّه ينطبق على كل عصر مصر تماماً. ولكن مع الاسف، فإنّ المسلمين على الرغم ممّا لديهم من مثل هذا التعليم
الصريح، لا نجد فيهم أثراً لتقوية العزائم والمعنويات بين صفوفهم، كأنّهم قد
نسوا كل شيء،. ولا هم يستغلّون قواهم الإِقتصادية والثقافية والعسكرية والسياسية
لمواجهة عدوّهم. ومن التعاليم
الإِسلامية المهمّة في هذا الصدد موضوع
سباق الخيل والرماية، وما جوّزه الفقه فيهما من الربح والخسارة، فهو مثل آخر على
تفكير الإِسلام العميق إِلى جانب الإِستعداد لمواجهة الأعداء وحثّ المسلمين على
ذلك. والدفاع عن الإسلام، بل الهدف
هو حفظ رسالة الإِسلام الإِنسانية، فالذين يعادونكم إنّما هم أعداءُ الله وأعداء
الحق والعدل والإِيمان والتوحيد والأخلاق الإِنسانية، فينبغي الردّ عليهم
انطلاقاً من هذا المجال. |
|
ملاحظتان |
|
1 ـ من هم
المقصودون في الآية «الذين لا تعلمونهم»
|
|
بالرّغم من أنّ المفسّرين إحتملوا في هذه الطائفة (الذين لا تعلمونهم)إحتمالات كثيرة، فقال بعضهم: إنّهم يهود المدينة الذين كانوا يضمرون
عداءهم، وقال آخرون: إنّها إشارة إِلى الأعداء
مستقبلا، كدولة الروم والفرس اللتين لم يحتمل المسلمون يومئذ أنّهم سيكونون في
حرب معهما أو يقع القتال بينهما وبينهم. |
|
2 ـ الاستعداد في
كل مكان وزمان
|
|
وتتضمن الآية تعليماً لمسلمي اليوم أيضاً، وهو أنّه لا ينبغي
الإِكتفاء بالاستعداد لأعداء الإِسلام الذين تعرفونهم، بل عليكم أن تنتبهو
للأعداء الإِحتماليين أو «بالقوّة» وأن تتهيأوا
حتى تكونوا في أعلى حدّ من القوّة والقدرة، وفي الحقيقة فإنّ المسلمين لو تنبهوا
لهذه القضية المهمّة لما مُنوا بهجمات الأعداء المفاجئة. |
|
الإستعداد
للصّلح:
|
|
مع أنّ الآية السابقة أوضحت
هدف الجهاد في الإِسلام بقدر كاف، فإنّ الآية التالية التي تتحدّث على الصلح بين
المسلمين توضح هذا الأمر بصورة أجلى فتقول (وإن جنحوا للسلم
فاجنح لها). |
|
ملاحظتان |
|
1 ـ
قال بعض المفسّرين: إنّ الآية محل
البحث تشير إِلى الخلافات بين الأوس والخزرج، الذين هم من الأنصار فحسب، ولكن
نظراً إِلى أنّ المهاجرين والأنصار نهضوا جميعاً لنصرة النّبيّ فيتّضح اتساع
مفهوم الآية. |
|
الآيتان(65) (66)
يَأَيُّهَا النَّبِىُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ
|
|
يَأَيُّهَا
النَّبِىُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إنَ يَكُن مِّنكُمْ
عِشْرُونَ صَبِرُونَ يَغْلِبُوا مَائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ
يَغْلِبُوا أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ
لاَّيَفْقَهُونَ(65) الْئَنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ
ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مَائَتَيْنِ وَإِن
يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ واللَّهُ مَعَ
الصَّبِرِينَ (66) |
|
التّفسير |
|
لا
ترتقبوا تساوي القوى:
|
|
في هاتين الآيتين تتوالى
التعاليم العسكرية وأحكام الجهاد أيضاً. |
|
بحوث
: وهنا لابدّ من الإلتفات الى عدّة اُمور:
|
|
1 ـ
هل نُسخت الآية الأُولى |
|
كما لاحظنا فإنّ الآية الأُولى تأمر المسلمين أن لا يتقاعسوا عن
مواجهة الأعداء حتى إذا كانوا عشرة أضعافهم، غير أنّ الآية الثّانية تخفض هذا
العدد إِلى ضعفين فحسب. وهذا الإِختلاف الظاهر بين
الآيتين جعل بعضهم يقول: إن الآية الاُولى ـ من
الآيتين محل البحث ـ نسختها الآية الثّانية، أو أنّه
حمل الآية الأُولى على الإِستحباب والثّانية على الوجوب، أي إذا كان عدد
الأعداء ضعف عدد المسلمين فيجب عليهم عدم التراجع عن ساحة الجهاد والقتال، أمّا
إذا زاد عددهم عن الضعف حتى بلغ عشرة أضعافهم فلهم عندئذ أن لا يقاتلوهم، وإن
كان الأفضل لهم أن لا ينسحبوا عن جهادهم العدوّ. |
|
2
ـ أسطورة توازن القوى |
|
إنّ الآيتين ـ محل البحث ـ
تتضمنان هذا الحكم المسلّم به، وهو أنّ على المسلمين ألاّ ينتظروا موازنة القوى
الظاهرية بينهم وبين العدو، بل عليهم أن ينهضوا لمواجهته وإن كان ضعف عددهم، بل
حتى لو كان عشرة أضعاف عددهم أحياناً، وأن لا يفروا من العدوّ بسبب قلّة العدد
أبداً. وممّا يستجلب النظر أنّ أغلب المعارك التي كانت تجري بين المسلمين وأعدائهم
كان فيها ميزان القوى لصالح العدو، وكان المسلمون قلّةً غالباً، ولم يكن هذا
الأمر قد وقع في حروب الإِسلام في عصر النّبي فحسب ـ كبدر وأحد والأحزاب أو
كمعركة مؤتة التي رووا أن جيش المسلمين كان لا يتجاوز ثلاثة
آلاف مقاتل، أمّا جيش العدو فأقل ما ذكروا عنه
أنّه كان حوالي مئة وخمسين ألفاً، بل حتى الحروب بعد عصر النّبي(ص) فقد
ذكروا أن فرقاً مذهلا كان بين جيش الإِسلام الذي حرر فارس وجيش الساسانيين، فقد
قيل مثلا: إنّ الجيش الإِسلامي كان لا يتجاوز خمسين ألف مقاتل، بينما كان جيش
خسرو پرويز خمسمائة ألف مقاتل! التّعبير الثّاني: وفي مكان آخر يقول: (ذلك
بأنّهم قوم لا يفقهون) أي أنّ عدم معرفة العدو هدفه، ومعرفتكم هدفكم
المقدس، يستعاض عن موضوع قلتكم إزاء كثرة العدو. |
|
3
ـ ما هو المراد من الآيتين؟ |
|
ممّا يستجلب النظر أنّ الكلام
في الآية الأُولى ـ من الآيتين محل البحث ـ كان على نسبة الواحد إِلى العشرة،
فمثلت الآية بـ(إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا
مئتين). |
|
الآيات(67) (71) مَا
كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِى الاَْرْضِ
|
|
مَا كَانَ
لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِى الاَْرْضِ تُرِيدُونَ
عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الاَْخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ(67)لَّوْلاَ كِتَبٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ(68) فَكُلُوا ممّا غَنِمْتُمْ حَلَلا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ
إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(69) يَأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لِّمَن فِى
أَيْدِيكُمْ مِّنَ الاَْسْرَى إِن يَعْلَمِ اللهُ فِى قُلُوبِكُمْ خَيْراً
يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ(70) وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِن قَبْلُ
فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(71) |
|
التّفسير |
|
أسْرَى
الحرب:
|
|
بيّنت الآيات السابقة بعض
أحكام الجهاد المهمّة ومواجهة الأعداء، وفي هذه الآيات استكمال لما سبق في عرض
قسم من أحكام أسرى الحرب، لأنّ أغلب الحروب تقترن بتأسير جماعة من المتقاتلين من
قبل الطرف الآخر، وقد أولى الإِسلام أهمية قصوى لمسألة أسرى الحرب، من حيث
أُسلوب التعامل معهم، ومن حيث بعض النواحي الإِنسانية وأهداف الجهاد أيضاً. وتُختتم الآية بالقول أن التعليم آنف الذكر ـ في الواقع ـ مزيج من العزة
والنصر والحكمة والتدبير، لأنّه صادر من قبل الله تعالى (والله عزيز حكيم). |
|
ملاحظات |
|
1 ـ
إنّ ظاهر الآيات ـ كما قلنا آنفاً ـ يعالج موضوع أخذ الأسرى في الحرب لا أخذ
«الفدية» بعدها، وبذلك ينحل كثير من
الإِشكالات التي أثارها جماعة من المفسّرون بشأن مفهوم الآية. وبذلك تنتفي جميع
البحوث التي أوردوها، كالقول بأنّ
النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قد إرتكب ذنباً! وكيف ينسجم هذا العمل
وعصمته(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فهذا الأمر غير صحيح. |
|
هل
أن أخذ «الفداء» أمر منطقيٌّ عادل؟!
|
|
قد ينقدح هنا سؤال
مهم وهو: كيف ينسجم الفداء قبال إطلاق سراح الأسير وأصول العدالة؟
أو ليس هذا نوعاً من بيع الإِنسان؟ ولهذا فإنّ الآية
الرّابعة من الآيات محل البحث تخاطب
النّبي أن يدعو الأسرى إِلى الإِيمان بالله وإصلاح أنفسهم، ويرغبهم في كل ذلك،
فتقول: (يا أيّها النّبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن
يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً ممّا أخذ منكم). |
|
الآيات(72)
(75) اِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَهِدُوا بِأَمْوَلِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوا
|
|
اِنَّ الَّذِينَ
ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَهِدُوا بِأَمْوَلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ
اللهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوا وَّنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْض
وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَيَتِهِم مِّن
شَىْء حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِى الِّدينِ فَعَلَيْكُمُ
النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثقٌ وَاللهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْض إِلاَّ
تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِى الاَْرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ(73) وَالَّذِينَ
ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَهَدُوا فِى سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوا
وَّنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ
كَرِيمٌ(74) وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مِن بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَهِدُوا مَعَكُمْ
فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ وَأُولُوا الاَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض فِى
كِتَبِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَىْء عَلِيمُ(75) |
|
التّفسير |
|
أربع
طوائف مختلفة:
|
|
تبحث هذه الآيات التي تُختتم
بها سورة الأنفال ـ وتُعدّ آخر فصل من فصولها ـ
عن طوائف المهاجرين والأنصار والطوائف الأُخرى من المسلمين وبيان قيمة هؤلاء جميعاً، فتعطي كل طائفة قيمة،
وتستكمل ما تناولته الآيات السابقة في شأن الجهاد والمجاهدين. أمّا الآية
الثّانية فتشير إلى النقطة المقابلة للمجتمع الإِسلامي، أي مجتمع
الكفر وأعداء الإسلام، فتقول: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض). |
|
ملاحظات |
|
1 ـ الهجرة
والجهاد
|
|
إنّ دراسة التاريخ الإِسلامي
تدلّ على أن هذين الموضوعين كانا من عوامل انتصار المسلمين الرئيسية قبال
عدوّهم، فلولا الهجرة لتمّ دفن الإسلام في مكّة، ولو لا الجهاد لما اتسعت رقعة
الإِسلام، فالهجرة أخرجت الإِسلام من منطقة خاصّة إِلى مداه الرحب وصيرته
عالميّاً، والجهاد علّم المسلمين أنّهم إذا لم يعتمدوا على قدراتهم فإنّ عدوّهم
الذي لا يلتزم بأية مقررات سوف لا يعترف لهم بأدنى حقّ. سوف لا يعطيهم حقوقهم
المشروعة، ولا يصيخ لهم سمعاً أبداً. لكن هذا الكلام لا يعني أن
مفهوم الهجرة زال من قاموس مباديء الإِسلام كليّاً كما يتصور بعضهم، بل الهجرة
من مكّة إِلى المدينة انتفى موضوعها، وإلاّ فمتى ما حدثت ظروف كظروف المسلمين
الأوائل فقانون الهجرة باق على قوته، وسوف يبقى
مادام الإِسلام يتسع حتى يستوعب العالم أجمع. |
|
2 ـ المبالغة
والإِغراق في تنزيه الصحابة
|
|
حاول بعض إخواننا
أهل السنة أن يستنتج من ما أولاه
القرآن للمهاجرين السابقين «الأوائل» من إهتمام واحترام،
أنّهم لن يرتكبوا ذنباً إِلى آخر عمرهم وحياتهم. وذهبوا إِلى اكرامهم واحترامهم
جميعاً دون استثناء، ودون الاعتراض على هذا
وذاك، وكيف ذلك؟! ثمّ عمموا هذا القول على جميع الصحابة
ـ فضلا عن المهاجرين ـ وذلك لثناء القرآن عليهم في بيعة الرضوان وغيرها،
وذهبوا عملا إِلى أنّ الصحابة ـ دون النظر إِلى اعمالهم ـ أفراد متميزون. فلا يحق لأيّ شخص توجيه النقد لهم والتحقيق في سلوكهم. فلا
يجوز بأيّ وجه أن يوجه النقد إليهم. |
|
3 ـ الإِرث في
قوانين الإِسلام
|
|
كما أشرنا سابقاً في تفسير سورة النساء، فإنّ
الناس في زمان الجاهلية كانوا يتوارثون عن ثلاث طرق: |
|
4 ـ ما المراد من
الفتنة والفساد الكبير
|
|
احتمل المفسّرون في
تفسير هاتين الكلمتين الواردتين في
الآيات محل البحث احتمالات كثيرة، إلاّ أنّ ما
ينسجم أكثر مع مفهوم هذه الآية هو أنّ المراد من «الفتنة» هو الإِختلاف والتفرق
وتزلزل مباني العقيدة الإِسلامية على أثر وسوسة الأعداء، و«الفساد» يشمل كل
إخلال وتخريب للنظم الإِجتماعية المختلفة وخاصّة سفك الدماء البريئة والارهاب
وأمثال ذلك. |
|
|
|
|
سورة الأنفال وهي
مَدينة وعددُ آياتها خمس وسَبعُونَ آية
|
|
نظرة
خاطفة إلى محتويات هذه السورة
|
|
في الآيات الخمس والسبعين التي تتكون منها سورة الأنفال أثيرت مباحث مهمّة جدّاً. |
|
الآية(1) يَسْئَلونَكَ عَنِ الاَْنفَالِ قُلِ الاَْنفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ
|
|
يَسْئَلونَكَ عَنِ
الاَْنفَالِ قُلِ الاَْنفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا
ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ(1) |
|
سبب النّزول
|
|
ورد عن ابن عباس أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) عيّن في يوم معركة بدر جوائز للمقاتلين المسلمين ترغيباً،
كأنّ يقول(ص) مثلا: من جاءني بفلان من الأعداء أسيراً فله عندي كذا «جائزة». |
|
التّفسير |
|
إنّ الآية ـ محل
البحث ـ كما قرأنا في سبب النّزول، نزلت بعد معركة بدر وتتكلم
على غنائم الحرب وتبيّن حكماً إسلامياً واسعاً بشكل عام، فتخاطب النّبي بالقول: (يسألونك عن الأنفال قلِّ الأنفال للّه والرّسول!). |
|
ملاحظات في شأن غنائم الحرب
|
|
1 ـ بالرّغم من أنّ الآية محل البحث نازلة في شأن غنائم الحرب، إلاّ أنّ لمفهومها حكماً كلّياً وعامّاً، وهي تشمل جميع الأموال
الإِضافية التي ليس لها مالك خاص. لهذا ورد في الرّوايات عن أهل البيت(ع) أنّ الأنفال لها مفهوم واسع، إذ نقرأ في
بعض الرّوايات المعتبرة عن الإِمامين «الباقر
والصادق(عليهما السلام)» مايلي: |
|
الآيات(2) (4)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
|
|
إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا
تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَناً وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَممّا رَزَقْنَهُمْ
يَنفِقُونَ (3) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقَّاً لَّهُمْ دَرَجَتٌ عِندَ
رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزقٌ كَريمٌ(4) |
|
التّفسير |
|
خمس
صفات خاصّة بالمؤمنين:
|
|
كان الكلام في الآية السابقة
عن تقوى الله وطاعته وطاعة رسوله بعد المشاجرة اللفظية بين بعض المسلمين في شأن
الغنائم. ثمّ تبيّن الآية الصفة الثّانية للمؤمنين فتقول: (وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً). |
|
الآيتان(5) (6) كَمَآ
أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنينَ
لَكَرِهُونَ
|
كَمَآ أَخْرَجَكَ
رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنينَ
لَكَرِهُونَ (5) يُجَدِلُونَكَ فِى الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّما
يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ (6) |
|
التّفسير |
|
قرأنا في الآية الأُولى من
هذه السورة أنّ بعض المسلمين من جديدي العهد
بالإِسلام، كانوا غير راضين عن كيفية تقسيم غنائم معركة
بدر (إلى حد ما). |
|
|
الآيتان(7) (8)
|
|
وَإِذْ يَعِدُكُمُ
اللهُ إِحْدَى الطَّآئِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ
ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ
بِكَلِمَتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَفِرينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ
الْبَطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الُْمجْرِمُونَ (8) |
|
غزوة
بدر أوّل مواجهة مسلحة بين الإِسلام والكفر...
|
|
لما كانت الآيات السابقة قد أشارت إلى معركة بدر، فإنّ الآيتين أعلاه وما بعدهما من الآيات قد
أماطت اللثام عن جوانب مهمّة وحساسة في تلك المعركة ليستلهم المسلمون من
هذه الآيات الحقائق التي مرّت بهم في الماضي القريب، ويجعلوها أمام أعينهم
للعبرة والإِتعاظ. المشكلة الأُخرى
التي كان أصحاب النّبي يواجهونها، هي أن
أرض بدر كانت غير صالحة للنزال لما فيها من الرمال، فنزل المطر تلك الليلة، فأفاد منه أصحاب النّبي فاغتسلوا منه وتوضأوا وأصبحت الأرض صُلبة صالحة للنزال، العجيب في ذلك أنّ
المطر كان في جهة العدوّ شديداً بحيث أربكهم وأزعجهم. |
|
التّفسير |
|
والآن وبعد أن عرفنا باختصار
كيف كانت غزوة بدر، نعود ثانية إلى تفسير الآيتين. فبناءً على هذا فإنّ ذات الشوكة تعني الجماعة
المسلحة، وغير ذات الشوكة تعني الجماعة
غيرالمسلحة، ولو إتفق أن يوجد فيها رجال مسلحون فهم معدودون لا يكترث
بهم. أي أن فيكم من يرغب في مواجهة العدو غير مسلحة، وذلك بمصادرة أموال تجارته،
وذلك ابتغاء الراحة أو حبّاً منه للمنافع المادية، في حين أن الحرب اثبتت بعد
تمامها أن الصلاح يكمن في تحطيم قوى العدو العسكرية، لتكون الطريق لاحبةً
لإِنتصارات كبيرة في المستقبل، ولهذا فإنّ الآية تعقب
بالقول (ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين) ( الدابر بمعنى ذيل الشيء وعقبه، فبناءً على هذا يكون معنى «ويقطع دابر الكافرين» هو استئصال جذورهم.). قال بعض المفسّرين، كالفخر الرّازي في تفسيره الكبير، وصاحب المنار: إنّ الحقَّ في الآية المتقدمة إشارةٌ
لإِنتصار المسلمين في معركة بدر، إن الحقّ في
الآية محل البحث، «الثّانية» إشارة لإِنتصار
الإِسلام والقرآن الذي كان نتيجة الإِنتصار العسكري في
معركة بدر، وهكذا فإنّ الإِنتصار العسكري ـ في تلك الظروف الخاصّة ـ
مقدمة لإِنتصار الاسلام والمسملين. |
|
الآيات(9) (14) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ
فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُم بِأَلْف مِّنَ الْمَلَئِكَةِ
|
|
إِذْ
تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُم بِأَلْف مِّنَ
الْمَلَئِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاّ بُشْرى
وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ
اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ
وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِّن السَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ
عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطنِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ
الاَْقْدَامَ (11) إِذ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى الْمَلَئِكَةِ أَنِّى مَعَكُمْ
فَثَبِّتُوا الَّذِينَ ءَامَنُوْا سَأُلْقِى فِى قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ
الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوقَ الاَْعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَان
(12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللهَ
وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ
لِلْكَفِرِينَ عَذابَ النَّارِ(14) |
|
التّفسير |
|
دروس
مفيدة من ساحة المعركة:
|
|
إنّ هذه الآيات تتحدث عن
اللحظات الحساسة من واقعة بدر، والألطاف
الإِلهية الكثيرة التي شملت المسلمين لتثير في نفوسهم الإِحساس بالطاعة والشكر،
ولتعبيد الدرب نحو إنتصارات المستقبل. |
|
الآيات(15) (18)
يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفَاً
فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الاَْدْبَارَ
|
|
يَأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفَاً فَلاَ
تُوَلُّوهُمُ الاَْدْبَارَ(15) وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذ دُبُرَهُ إِلاَّ
مُتَحَرِّفاً لِّقِتَال أَوْ مُتَحَيَّزاً إِلَى فِئَة فَقَدْ بَآءَ بِغَضَب
مِّنَ اللهَ وَمَأْوَهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(16) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ
وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ و َمَا رَمَيْتَ إِذْ ر َمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ
رَمَى وَلِيُبْلِىَ الْمُؤْمِنَينَ مِنْهُ بَلاَءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ(17) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَفِرِينَ(18) |
التّفسير |
|
الفرار
من الجهاد ممنوع!
|
|
كما ذكرنا في تفسير الآيات
السابقة، فإنّ الحديث عن قصّة معركة بدر وألطاف الله الكثيرة على المسلمين
الأوائل من أجل أن يتّخذ منه المسلمين العبرة والدرس في المستقبل، لذلك فإنّ هذه
الآيات توجه خطابها للمؤمنين وتأمرهم أمراً عاماً بالقتال: (يا آيّها الذين آمنوا إِذ لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا
تولّوهم الأدبار).، و(لقيتم) من مادة (اللقاء) بمعنى
الإِجتماع والمواجهة، وتأتي في أكثر أحيان بمعنى
المواجهة في ميدان الحرب. وعلى كل حال، فلا ينبغي تفسير هذا التحريم بشكل جاف يتنافى وأساليب
الحروب وخدعها، والتي هي أساس كثير من الإِنتصارات. |
|
الآية(19) إِن
تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ
لَّكُمْ
|
|
|
إِن تَسْتَفْتِحُوا
فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن
تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ
وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ(19) |
|
التّفسير |
|
لقد جرى بحث كثير بين المفسّرين حول الذين توجهت إليهم الآية بالحديث،
فبعضهم يعتقد بأنّهم المشركين، لأنّهم قبل خروجهم من مكّة إِلى بدر اجتمعوا حول
الكعبة وضربوا على ستائرها (لغرورهم واعتقادهم بأنّهم
على الحق). وقالوا: «اللّهم أنصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم
الحزبين»( هذه الجملة في الحقيقة «ذلكم الذي سمعتم هو
حال المؤمنين والكافرين».). والذي يبعد هذا
التّفسير أن الحديث في الآيات السابقة واللاحقة لهذه الآية موجه للمؤمنين، فيستبعد أن تكون بينها آية واحدة تتحدث
مع المشركين، ويضاف لذلك الإِرتباط المعنوي الموجود بين مضامين كل هذه الآيات ـ ولذلك اعتبر بعض المفسّرين أنّ المخاطبين في الآية هم
المؤمنون، وأحسن صورة لتفسير الآية على هذا الوجه هي: |
|
الآيات(20) (23)
يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا
عَنْهُ
|
|
يَأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ
وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا
وَهُمْ لاَيَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَآبِّ عِندَ اللهِ الصُّمُّ
الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَيَعْقِلُونَ(22) وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً
لاََّسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ(23) |
|
التّفسير |
|
الذين
قالوا سمعنا وهم لا يَسمعُونَ!
|
|
تتابع هذه الآيات البحوث
السابقة، فتدعو المسلمين إِلى الطاعة التامة لأوامر الرّسول الأكرم في السلم أو
الحرب أو في أي أمر آخر، وأُسلوب الآيات فيه دلالة على تقصير بعض المؤمنين في
التفيذ والطاعة، فتبدأ بالقول: (يا أيّها الذين آمنوا
أطيعوا الله ورسوله). |
|
ملاحظتان: |
|
1 ـ «ولو علم
الله فيهم خيراً لأسمعهم»
|
|
لقد حاول بعض
الناشئة عمل قياس منطقي من هذه الآية والخروج منه بنتيجة
لصالحهم، فقالوا، إنّ القرآن يقول في الآية: (ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم). وقال أيضاً: (ولو أسمعهم لتولّوا وهم معرضون). فيمكن الإِستنتاج من
هاتين الجملتين الجملة التّالية وهي: لو علم
الله فيهم خيراً فهم سيعرضون. وهذا الإِستنتاج
خطأ محض. |
|
2 ـ لإِستماع الحق
مراحل
|
|
إنّ الإِنسان قد يسمع أحياناً ألفاظاً وعبارات دون التفكير في مضامينها، إلاّ أنّ بعضاً لفرط
لجاجتهم، كانوا يرفضون حتى هذا القدر من السمع،
كما يقول عنهم القرآن (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا
القرآن والغوا فيه لعلّكم تغلبون)( سورة فصلت، الآية 26.). |
|
الآيات(24) (26)
يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ
|
|
يَأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا
يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ
وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّتُصِيبَنَّ
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ(25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِى
الاَْرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَأَوَكُمْ وَأَيَّدَكُمْ
بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(26) |
|
التّفسير |
|
دعوة
للحياة:
|
|
تتابع هذه الآيات دعوة
المسلمين المتقدمة للعلم والعمل والطاعة والتسليم لكنّها تتابع الهدف ذاته عن
طريق آخر، فتقول إبتداءاً: (يا أيّها الذين آمنوا
استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم). ومن هنا نعلم أنّ
من يضع الدين في قوالب جامدة لا روح فيها
بعيداً عن مجالات الحياة، ويختزله في مسائل
فكرية واجتماعية صرفة فقد جانب الصواب كثيراً،
لأنّ الدين الصحيح هو الذي يبعث الحركة في كل جوانب
الحياة، ويحيي الفكر والثقافة والإِحساس بالمسؤولية، ويوجد التكامل والرّقي
والوحدة والتألف، فهو إذاً يبعث الحياة في البشرية بكل معنى الكلمة. فنظرة قصيرة إِلى
مجتمعنا الإِسلامي في زماننا الحاضر والإِنكسارات التي أصابته أمام أعدائه، والفتن الكثيرة، كالإِستعمار
والصهيونية، والإِلحاد والمادية، والفساد الخلقي وتشتت العوائل وسقوط شبابه في
وديان الفساد، والتخلف العلمي، كل ذلك يجسد مضمون
الآية، وكيف أنّ تلك الفتن أصابت كل صغير وكبير، وكل عالم وجاهل، وسيستمر
كل ذلك حتى اليوم الذي تتحرك فيه الروح الإِجتماعية للمسلمين، ويهتم الجميع
بصلاح المجتمع ولا يتخلفوا عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. |
|
الآيتان(27) (28)
يَأيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَتَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا
أَمَنَتِكُمْ
|
|
يَأيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَتَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَنَتِكُمْ
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَآ أَمْوَلُكُمْ وَأَوْلَدُكُمْ
فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ(28) |
|
سبب النّزول |
|
لقد وردت عدّة روايات في سبب
نزول هاتين الآيتين، منها ما ورد عن الإِمامين الباقر والصّادق(ع) من أن النّبي(صلى الله عليه وآله
وسلم) أمر بمحاصرة يهود (بني قريظة) واستمرت هذه
المحاصرة واحداً وعشرين يوماً، حتى أُجبروا على المطالبة بالصلح، كما جرى ذلك مع اليهود من (بني النضير) وذلك بأن
يرحلوا عن أرض المدينة إِلى أرض الشام، لكن النّبي(صلى
الله عليه وآله وسلم) رفض ذلك العرض (لعلّه كان
يشك في صدق نيّاتهم) وقال: يجب القبول بحكم (سعد بن معاذ) لكنّهم طلبوا من النّبي(ص)أن يرسل إليهم
(أبا لبابة) وهو من أصحاب النّبي(ص) في المدينة،
وكانت له معهم صداقة قديمة، وكانت عائلته
وأبناؤه وأمواله عندهم. |
|
التّفسير |
|
الخيانة وأساسها:
|
|
يوجه الله سبحانه في الآية
الأُولى من الآي محل البحث الخطاب إِلى المؤمنين فيقول: (يا أيّها الذين آمنوا لا تخونوا الله ورسوله). |
|
الآية(29) يَأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً
|
|
يَأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً
وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ
الْعَظِيمِ(29) |
|
التّفسير |
|
الإِيمان
ووضوح الرّؤية:
|
|
تناولت الآيات السابقة أوامر
حياتية تتضمّن السعادة المادية والمعنوية للإِنسان، لكن العمل بها غير ممكن
إِلاّ في ظلال التقوى، لذلك جاءت هذه الآية المباركة لتؤكّد أهمية التقوى
وآثارها في مصير الإِنسان، وقد بيّنت الآية أربعة ثمار
ونتائج للتقوى. |
|
الآية(30) إذْ
يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ
أَوْيُخْرِجُوكَ
|
|
إذْ يَمْكُرُ بِكَ
الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْيُخْرِجُوكَ
وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيرُ الْمَكِرِينَ(30) |
|
سبب النّزول
|
|
ذكر المفسّرون
والمحدثون أن الآية ـ محل البحث ـ تشير
إِلى الحوادث التي أدت إِلى هجرة الرسول(صلى الله عليه
وآله وسلم) من مكّة إِلى المدينة. |
|
سِرّ
بداية الهِجرَة:
|
|
التّفسير |
|
يعتقد بعض المفسّرين أنّ هذه الآية، وخمس آيات تليها، نزلت في مكّة لأنّها تشير إِلى هجرة النّبي(ص)، ولكن سياقها يدل على نزولها
بعد الهجرة، إذ تتكلم على حادثة سابقة. |
|
الآيات(31) (35)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ
لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَآ
|
|
وَإِذَا تُتْلَى
عَلَيْهِمْ ءَايَتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ
هَذَآ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَطِيرُ الاَْوَّلِينَ(31) وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ
إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً
مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَاب أَلِيم(32) وَمَا كَانَ اللهُ
لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ(33) وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ
عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيآؤُهُ
إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ(34)وَمَا كَانَ
صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ
بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ(35) |
|
التّفسير |
|
القائلون
شططاً:
|
|
ذُكر في الآية السابقة مثل خرافي من منطق المشركين العملي، وفي هذه الآيات مثل آخر من منطقهم الفكري، ليتّضح أنّ هؤلاء لم
يمتلكوا سلامةً في الفكر ولا صحة في العمل، فجميع
أساليبهم خاوية بغير أساس. فإذا انعدم الإِستغفار فإنّ
المجتمعات البشرية ستفقد الأمن من عذاب اللّه
لما اقترفته من الذنوب والمعاصي. |
|
الآيتان(36) (37)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَلَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ
اللهِ
|
|
إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَلَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ
فَسَيُنفِقُونَهَا ثمّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثمّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ
كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ(36) لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ
الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْض فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً
فَيَجْعَلَهُ فِى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَسِرُونَ(37) |
|
سبب النّزول
|
|
جاء في تفسير علي
بن إبراهيم وكثير من التفاسير الأُخرى، أنّ الآية ـ محل البحث ـ نزلت في معركة بدر، وما بذله أهل مكّة للصدّ عن
سبيل الله، لأنّهم لما عرفوا ما حصل ـ إذ جاءهم مبعوث أبي سفيان ـ قاموا بجمع
الأموال الكثيرة ليعينوا بها مقاتليهم، إلاّ أنّهم خابوا وقتلوا وآبوا إلى جهنم
وساءت مصيراً، وكان ما أنفقوه في هذا الصدد وبالا وحسرة عليهم. والآية الأُولى تشير إلى سائر معوناتهم التي قدموها في
سبيل مواجهة الإِسلام ومحاربته، وقد طرحت الموضوع في صياغة كلّية. |
|
التّفسير |
|
مهما يكن شأن نزول الآية، فمفهومها مفهوم جامع يحمل في معناه كلّ ما بذله أعداء
الحق والعدل من أموال لنيل مقاصدهم المشؤومة، إذ تقول في مستهلها: (إنّ الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله). |
|
ملاحظات |
|
1 ـ
يستفاد من الآية محل البحث أنّ «هؤلاء» يحسّون بعدم جدوى أعمالهم حتى قبل غَلبهم وانهزامهم،
وحيث إنّهم لا يرون نتيجة مثمرة لما أنفقوه من الأموال، فسيبتلون بالألم
والحسرة، وهذا الأمر هو نوع من جزائهم الدنيوي وأحد عقوباتهم فيها. |
|
الآيات(38) (40) قُل
لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ
|
|
قُل لِّلَّذِينَ
كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ
مَضَتْ سُنَّتُ الاَْوَّلِينَ(38) وَقَتِلُوهُمْ حَتَّى لاَتَكُونَ فِتْنَةٌ
وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِمَا
يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(39) وَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلَكُمْ
نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ(40) |
|
التّفسير |
|
من المعلوم في أُسلوب القرآن
هو الجمع بين البشارة والنذارة، أي أنّه كما ينذر أعداء الحق بالعقاب والعذاب،
فإنّه يفتح لهم في الوقت نفسه طريق العودة أمامهم. |
|
الهدف
من الجهاد وبُشرى كريمة:
|
|
تشير الآية آنفة الذكر إِلى قسمين من أهداف الجهاد المقدسة وهما: ولقد أنكر صاحب تفسير المنار ـ لتعصبه ـ هذا الحديث الوارد في شأن مسألة قيام المهدي (عليه السلام)، وذلك لحكمه المُسبق
المخطيء في هذه القضية، والعجيب أن له ميلا خاصاً في
تفسيره إِلى الفكر الوهابي، مع أنّ الوهابيين بالرغم
من تعصبهم يصرحون
بأنّ ظهور الإِمام المهدي(عليه السلام) من الأُمور
المسلّم بها، ويعتبرون الرّوايات فيه من المتواترات. |
|
بدايَة الجزء
العَاشِرْ القُرآن الكريم
|
|
الآية(41)
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْء فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ
|
|
وَاعْلَمُوا
أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْء فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى
الْقُرْبَى وَالْيَتَمَى وَالْمَسَكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ
ءَامَنتُم باللهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ
الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ(41) |
|
التّفسير |
|
الخمس
فرضُ إِسلامي مهم:
|
|
وجدنا في بداية هذه
السورة كيف أنّ بعض المسلمين تشاجروا في شأن تقسيم الغنائم بعد
غزوة بدر، وقد أمرالله سبحانه ـ درءاً لأُصول الخلاف ـ أن توضع الغنائم تحت تصرف
النّبي(ص) لينفقها بما يراه صالحاً، فقام بتقسمها
بالتساوي بين المقاتلين المسلمين. |
|
ملاحظات |
|
1 ـ يوم الفرقان
بين الحق والباطل
|
|
سمّي يوم معركة بدر بيوم
الفرقان بين الحق والباطل، ويوم الإِلتقاء بين جماعة الكفر وجماعة الإِيمان، وفي ذلك إشارة إِلى مايلي: فبناءً على ذلك فإنّ من يرى أنّ سهماً من الخمس يتعلق بكل أقرباء النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يواجه هذا السؤال وهو: ما هذا إِمتياز الذي أولاه
الإِسلام لأقرباء النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وقومه، مع أنّ الإِسلام بعيد
عن القبلية والقومية والعرقية؟! ويقول في كتابه (53) إِلى
مالك الأشتر: «ولا تكوننَّ عليهم سبعاً ضارياً تغتنم
أكلهم». ويقول «الفخر
الرازي» في تفسيره: الغنم الفوز
بالشيء. يقول بعد هذا: إنّ المعنى الشرعي للغنيمة في اعتقاد فقهاء أهل السنة هو
غنائم الحرب.( الفخر الرازي، ج 15، ص 164.) أمّا ما يقوله بعض
السواد بأنّ السّادة يمكنهم أخذ الخمس حتى ولو كان ميزاب بيتهم
من ذهب فهو كلام ساذج ولا أساس له أبداً. |
|
الآيات(42) (44) إِذْ
أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ
أَسْفَلَ مِنكُمْ
|
|
إِذْ أَنتُمْ
بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ
مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِى الْمِيعَدِ وَلَكِن
لِّيَقْضِىَ اللهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن
بَيِّنَة وَيَحْيَى مَنْ حَىَّ عَن بَيِّنَة وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ
(42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِى مَنَامِكَ قَلِيلا وَلَوْ أَرَْكَهُمْ كَثِيراً
لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَزَعْتُمْ فِى الاَْمْرِ وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ
عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِى
أَعْيُنِكُمْ قَلِيلا وَيُقَلِّلُكُمْ فِى أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِىَ اللهُ
أَمْراً كَانَ مَفْعُولا وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الاُْمُورُ(44) |
|
التّفسير |
|
الأمر
الذي لابدّ منه:
|
|
يعود القرآن في هذة الآيات
الكريمة ـ ولمناسبة الكلام في الآيات السابقة إِلى يوم الفرقان يوم معركة بدر وانتصار
المسلمين لمؤزر في ذلك الموقف الخطير ـ يعود ليعرب عن أجزاء من فصول تلك
المعركة، ليطلع المسلمون على أهمية ذلك النصر العظيم. وفي الآية (13) من
سورة آل عمران إشارة إِلى المرحلة الثّالثة من قتال يوم بدر، إذ تشير إِلى أنّ
الأعداء لمّا اشتعل أوار الحرب ورأوا الضربات الشديدة لجيش الاسلام تنزل على
رؤوسهم كالصواعق، أصابهم الذعر والخوف الشديد، فأحسوا
عندئذ وكأنّ جيش الإِسلام قد ازداد عدده وتضاعف أضعاف ما كان عليه،
فانهارت معنوياتهم وأدّى هذا الأمر إِلى هزيمتهم وتمزقهم. |
|
الآيات(45) (47)
يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا
اللهَ كَثِيراً
|
|
يَأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ
كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(45) وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ
تَنَزَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ
الصَّبِرِينَ(46)وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَرِهِم بَطَراً
وَرِئَآءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ
مُحِيطٌ(47) |
|
التّفسير |
|
ستة
أوامر أُخرى في شأن الجهاد:
|
|
قال المفسّرون: إنّ أباسفيان بعدما استطاع النجاة بقافلة قريش
التجارية من مواجهة المسلمين، أرسل مبعوثاً إِلى قريش الذاهبين إِلى ساحة بدر
ودعاهم إِلى العودة، لأنّه رأى أن لا حاجة إِلى القتال،
لكن أبا جهل هذا المغرور والمتعصب والمتكبر أقسم أن لا يرجعوا حتى يبلغوا أرض
بدر «وكانت بدر قبل هذه المعركة من مراكز إجتماع العرب،
وتقام فيها سوق تجارية كل عام» ويمكثوا فيها ثلاثة أيّام، وينحروا الإِبل
ويأكلون ما يشتهون ويشربون الخمر، وتغني لهم المغنيّات، حتى يسمع جميع العرب بهم
وتثبت بذلك قوتهم وقدرتهم!... لكن أمرهم آل إِلى الهزيمة
فشربوا كؤوس المنايا المترعة بدلا من كؤوس الخمر، وجلست المغنيات ينُحن على
جنائزهم!! |
|
الآيات(48) (51)
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَنُ أَعْمَلَهُمْ وَقَالَ لاَغَالِبَ لَكُمُ
الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ
|
|
وَإِذْ زَيَّنَ
لَهُمُ الشَّيْطَنُ أَعْمَلَهُمْ وَقَالَ لاَغَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ
النَّاسِ وَإِنِّى جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَآءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى
عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّى بَرِىءٌ مِّنكُمْ إِنِّى أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ
إِنِّى أَخَافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ(48) إِذْ يَقُولُ
الْمُنَفِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاَءِ دِينُهُمْ
وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(49) وَلَوْ تَرَى
إِذْ يَتَوَفَّى الِّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ
وَأَدْبَرَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ(50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ
أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّم لِّلْعَبِيدِ(51) |
|
التّفسير |
|
المشركون
والمنافقون ووساوس الشّيطان:
|
|
مرّة أُخرى نلاحظ في هذه
الآيات تجسيد جانب آخر من معركة بدر بما يتناسب
والآيات السابقة في هذا الشأن، أو بما يتناسب والآية الأخيرة التي تكلمت عن
أعمال المشركين الشيطانيّة في يوم بدر. فهؤلاء الذين ذكرتهم الآية ـ
محل البحث ـ إمّا أنّهم من المنافقين الذين
التحقوا بصفوف المسلمين من المدينة، وكانوا يظهرون الإِسلام والإِيمان ولم
يكونوا في حقيقتهم كذلك، أو أنّهم من الذين
تظاهروا بالإِيمان في مكّة لكنّهم لم يهاجروا
إِلى المدينة وانضموا في معركة بدر إِلى صفوف المشركين، فلمّا رأوا قلّة
المسلمين في معركة بدر قبال جيوش الكافرين قالوا: إنّ
هؤلاء أصابهم الغرور في دينهم الجديد وجاءوا إِلى هذه الساحة. |
|
الآيات(52) (54)
كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِأَيَتِ اللهِ
|
|
كَدَأْبِ ءَالِ
فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِأَيَتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ
اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِىٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ(52) ذَلِكَ بِأَنَّ
اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْم حَتَّى
يُغَيُّروا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(53) كَدَأْبِ
ءَالِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِأَيَتِ رَبِّهِمْ
فَأَهْلَكْنَهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَآءَ الَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُواْ
ظَلِمِينَ(54) |
|
التّفسير |
|
سنّةُ
الله تقبل التغيير والتبديل:
|
|
في هذه الآيات إشارة إِلى «سنة إلهية دائمة» تتعلق بالشعوب والأُمم والمجتمعات،
لئلا يتصور بعض أنّ ما أصاب المشركين يوم بدر من عاقبة سيئة كان أمراً
استثنائياً، فإنّ من جاء بمثل تلك الأعمال في السابق، أو سيقوم بها مستقبلا
سينال العاقبة ذاتها. فبناءً على هذه فإن قريشاً والمشركين وعبدة الأصنام في مكّة، الذين
أنكروا آيات الله وتعنتوا بوجه الحق وحاربوا قادة الإِنسانية، ليسوا وحدهم الذين
نالوا جزاء ما إقترفوه، بل أنّ ذلك قانون دائم، وسنة إلهية تشمل من هم أقوى منهم
ـ كآل فرعون ـ كما تشمل الشعوب الضعيفة كذلك، ثمّ توضح
الآية التالية أصل هذا الموضوع فتقول: (ذلك بأنّ
الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). |
|
ملاحظتان |
|
1 ـ
أسباب حياة الشعوب وموتها |
|
يعرضُ التأريخ لنا شعوباً
وأُممّا كثيرة، فطائفة اجتازت سلّم الرقي بسرعة،
ووصلت طائفة ثانية إِلى أسفل مراحل الإِنحطاط، وطائفة ثالثة عاشت يوماً في تشتت وضياع وتناحر وتفرقة،
ثمّ قويت في يوم آخر، وطائفة رابعة على العكس منها
إذ سقطت من أعلى مراتب الفخر إِلى قعر وديان الذلة والضياع. إنّ القرآن الكريم
يجيب ـ في آية قصيرة ـ على كل تلك
التساؤلات، ويدعو إِلى العوده إِلى أعماق الوجدان، والنظر في ثنايا
المجتمع، فسترون أن التغيير يبدأ من أنفسكم، وأنّ الألطاف والرحمة الإِلهية تعم
الجميع، فأنتم الذين أذهبتم قدراتكم وطاقاتكم هدراً فصرتم إِلى هذا الحال. الأُولى: ما ورد عن الإِمام الصّادق في هذا الشأن إذ قال(عليه السلام) «ما أنعم الله على عبد بنعمة
فسلبها إياه حتى يذنب ذنباً يستحقق بذلك السلب»( تفسير
نور الثقلين، ج 2، ص 193.). |
|
2 ـ لا جبر في
العاقبة ولا جبر في التأريخ، ولا في سائر الأُمور ...
|
|
والموضوع المهم
الآخر الذي يستفاد من هذه الآيات بوضوح، هو أنّه ليس للإِنسان مصير خاص قد تعين من قبلُ، ولا يقعُ تحت تأثير ما يسمى
بـ «جبر التاريخ» و«جبر
الزمان» بل إنّ الذي يصنع التأريخ وحياة الإِنسانية، ويجعل التحوّلات في
الأُسلوب والأخلاق والأفكار وغيرها، وهو إرادة الإِنسان نفسه! |
|
الآيات(55) (59)
إِنَّ شَرَّ الدَّوَآبِّ عِندَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
|
|
إِنَّ شَرَّ
الدَّوَآبِّ عِندَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لاَ
يُؤْمِنُونَ(55)الَّذِينَ عَهَدتَّ مِنْهُمْ ثمّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِى
كُلِّ مَرَّة وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ(56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِى الْحَرْبِ
فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ(57) وَإِمَّا
تَخَافَنَّ مِن قَوْم خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىْ سَوَآء إِنَّ اللهَ
لاَ يُحِبُّ الْخَآئِنِينَ(58) وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا
إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ (59) |
|
التّفسير |
|
مواجهة
من ينقض العهد بشدّة!
|
|
في هذه الآيات المباركة إشارة إِلى طائفة أُخرى من أعداء الإِسلام الذين وجهوا
ضربات مؤلمة للمسلمين في حياة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) المليئة
بالأحداث، إلاّ أنّهم ذاقوا جزاء ما اقترفوه مُرّاً وكانت عاقبة أمرهم خُسراً.
وهؤلاء هم يهود المدينة الذين عاهدوا النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) عدّة
مرات. وتبدأ الآيات فتعرف
هذه الطائفة بأنّها شر الأحياء الموجودة
في هذه الدنيا فتقول: (إنّ شرّ الدواب عند الله الذين
كفروا فهم لا يؤمنون). |
|
الآيات(60) (64)
وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّة وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ
|
|
وَأَعِدُّوا لَهُم
مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّة وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ
عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ
اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَىْء فِى سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ
إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ(60) وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ
لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(61) وَإِن
يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هَوَ الَّذِى أَيَّدَكَ
بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ(62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ
مَا فِى الاَْرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ
أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(63) يَأَيُّهَا النَّبِىُّ حَسْبُكَ
اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(64) |
|
التّفسير |
|
المزيد
من التعبئة العسكرية والهدف منها:
|
|
تشير أوّل آية هنا
ـ لتناسب الكلام في الآيات المتقدمة عن الجهاد ـ إِلى أصل
مهم يجب على المسلمين التمسك به في كل عصر ومصر، وهو لزوم الإِستعداد العسكري
لمواجهة الأعداء، فتقول: (وأعدّوا لهم ما استطعتم من
قوّة). أي لا تنتظروا حتى يهجم العدوّ
فتستعدوا عندئذ لمواجهته، بل يجب أن تكون لديكم القدرة والإِستعداد اللازم
لمواجهة هجمات الأعداء المحتملة. |
|
ملاحظات
:والهدف من تهيئة السلاح وزيادة التعبئة العسكرية
|
|
1 ـ في الجملة
القصيرة ـ آنفة الذكر ـ بيان لأصل مهم في الجهاد
وحفظ وجود المسلمين وما لديهم من مجد وعظمة وفخر، والتعبير في الآية واسع إِلى
درجة أنّه ينطبق على كل عصر مصر تماماً. ولكن مع الاسف، فإنّ المسلمين على الرغم ممّا لديهم من مثل هذا التعليم
الصريح، لا نجد فيهم أثراً لتقوية العزائم والمعنويات بين صفوفهم، كأنّهم قد
نسوا كل شيء،. ولا هم يستغلّون قواهم الإِقتصادية والثقافية والعسكرية والسياسية
لمواجهة عدوّهم. ومن التعاليم
الإِسلامية المهمّة في هذا الصدد موضوع
سباق الخيل والرماية، وما جوّزه الفقه فيهما من الربح والخسارة، فهو مثل آخر على
تفكير الإِسلام العميق إِلى جانب الإِستعداد لمواجهة الأعداء وحثّ المسلمين على
ذلك. والدفاع عن الإسلام، بل الهدف
هو حفظ رسالة الإِسلام الإِنسانية، فالذين يعادونكم إنّما هم أعداءُ الله وأعداء
الحق والعدل والإِيمان والتوحيد والأخلاق الإِنسانية، فينبغي الردّ عليهم
انطلاقاً من هذا المجال. |
|
ملاحظتان |
|
1 ـ من هم
المقصودون في الآية «الذين لا تعلمونهم»
|
|
بالرّغم من أنّ المفسّرين إحتملوا في هذه الطائفة (الذين لا تعلمونهم)إحتمالات كثيرة، فقال بعضهم: إنّهم يهود المدينة الذين كانوا يضمرون
عداءهم، وقال آخرون: إنّها إشارة إِلى الأعداء
مستقبلا، كدولة الروم والفرس اللتين لم يحتمل المسلمون يومئذ أنّهم سيكونون في
حرب معهما أو يقع القتال بينهما وبينهم. |
|
2 ـ الاستعداد في
كل مكان وزمان
|
|
وتتضمن الآية تعليماً لمسلمي اليوم أيضاً، وهو أنّه لا ينبغي
الإِكتفاء بالاستعداد لأعداء الإِسلام الذين تعرفونهم، بل عليكم أن تنتبهو
للأعداء الإِحتماليين أو «بالقوّة» وأن تتهيأوا
حتى تكونوا في أعلى حدّ من القوّة والقدرة، وفي الحقيقة فإنّ المسلمين لو تنبهوا
لهذه القضية المهمّة لما مُنوا بهجمات الأعداء المفاجئة. |
|
الإستعداد
للصّلح:
|
|
مع أنّ الآية السابقة أوضحت
هدف الجهاد في الإِسلام بقدر كاف، فإنّ الآية التالية التي تتحدّث على الصلح بين
المسلمين توضح هذا الأمر بصورة أجلى فتقول (وإن جنحوا للسلم
فاجنح لها). |
|
ملاحظتان |
|
1 ـ
قال بعض المفسّرين: إنّ الآية محل
البحث تشير إِلى الخلافات بين الأوس والخزرج، الذين هم من الأنصار فحسب، ولكن
نظراً إِلى أنّ المهاجرين والأنصار نهضوا جميعاً لنصرة النّبيّ فيتّضح اتساع
مفهوم الآية. |
|
الآيتان(65) (66)
يَأَيُّهَا النَّبِىُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ
|
|
يَأَيُّهَا
النَّبِىُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إنَ يَكُن مِّنكُمْ
عِشْرُونَ صَبِرُونَ يَغْلِبُوا مَائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ
يَغْلِبُوا أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ
لاَّيَفْقَهُونَ(65) الْئَنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ
ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مَائَتَيْنِ وَإِن
يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ واللَّهُ مَعَ
الصَّبِرِينَ (66) |
|
التّفسير |
|
لا
ترتقبوا تساوي القوى:
|
|
في هاتين الآيتين تتوالى
التعاليم العسكرية وأحكام الجهاد أيضاً. |
|
بحوث
: وهنا لابدّ من الإلتفات الى عدّة اُمور:
|
|
1 ـ
هل نُسخت الآية الأُولى |
|
كما لاحظنا فإنّ الآية الأُولى تأمر المسلمين أن لا يتقاعسوا عن
مواجهة الأعداء حتى إذا كانوا عشرة أضعافهم، غير أنّ الآية الثّانية تخفض هذا
العدد إِلى ضعفين فحسب. وهذا الإِختلاف الظاهر بين
الآيتين جعل بعضهم يقول: إن الآية الاُولى ـ من
الآيتين محل البحث ـ نسختها الآية الثّانية، أو أنّه
حمل الآية الأُولى على الإِستحباب والثّانية على الوجوب، أي إذا كان عدد
الأعداء ضعف عدد المسلمين فيجب عليهم عدم التراجع عن ساحة الجهاد والقتال، أمّا
إذا زاد عددهم عن الضعف حتى بلغ عشرة أضعافهم فلهم عندئذ أن لا يقاتلوهم، وإن
كان الأفضل لهم أن لا ينسحبوا عن جهادهم العدوّ. |
|
2
ـ أسطورة توازن القوى |
|
إنّ الآيتين ـ محل البحث ـ
تتضمنان هذا الحكم المسلّم به، وهو أنّ على المسلمين ألاّ ينتظروا موازنة القوى
الظاهرية بينهم وبين العدو، بل عليهم أن ينهضوا لمواجهته وإن كان ضعف عددهم، بل
حتى لو كان عشرة أضعاف عددهم أحياناً، وأن لا يفروا من العدوّ بسبب قلّة العدد
أبداً. وممّا يستجلب النظر أنّ أغلب المعارك التي كانت تجري بين المسلمين وأعدائهم
كان فيها ميزان القوى لصالح العدو، وكان المسلمون قلّةً غالباً، ولم يكن هذا
الأمر قد وقع في حروب الإِسلام في عصر النّبي فحسب ـ كبدر وأحد والأحزاب أو
كمعركة مؤتة التي رووا أن جيش المسلمين كان لا يتجاوز ثلاثة
آلاف مقاتل، أمّا جيش العدو فأقل ما ذكروا عنه
أنّه كان حوالي مئة وخمسين ألفاً، بل حتى الحروب بعد عصر النّبي(ص) فقد
ذكروا أن فرقاً مذهلا كان بين جيش الإِسلام الذي حرر فارس وجيش الساسانيين، فقد
قيل مثلا: إنّ الجيش الإِسلامي كان لا يتجاوز خمسين ألف مقاتل، بينما كان جيش
خسرو پرويز خمسمائة ألف مقاتل! التّعبير الثّاني: وفي مكان آخر يقول: (ذلك
بأنّهم قوم لا يفقهون) أي أنّ عدم معرفة العدو هدفه، ومعرفتكم هدفكم
المقدس، يستعاض عن موضوع قلتكم إزاء كثرة العدو. |
|
3
ـ ما هو المراد من الآيتين؟ |
|
ممّا يستجلب النظر أنّ الكلام
في الآية الأُولى ـ من الآيتين محل البحث ـ كان على نسبة الواحد إِلى العشرة،
فمثلت الآية بـ(إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا
مئتين). |
|
الآيات(67) (71) مَا
كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِى الاَْرْضِ
|
|
مَا كَانَ
لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِى الاَْرْضِ تُرِيدُونَ
عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الاَْخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ(67)لَّوْلاَ كِتَبٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ(68) فَكُلُوا ممّا غَنِمْتُمْ حَلَلا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ
إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(69) يَأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لِّمَن فِى
أَيْدِيكُمْ مِّنَ الاَْسْرَى إِن يَعْلَمِ اللهُ فِى قُلُوبِكُمْ خَيْراً
يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ(70) وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِن قَبْلُ
فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(71) |
|
التّفسير |
|
أسْرَى
الحرب:
|
|
بيّنت الآيات السابقة بعض
أحكام الجهاد المهمّة ومواجهة الأعداء، وفي هذه الآيات استكمال لما سبق في عرض
قسم من أحكام أسرى الحرب، لأنّ أغلب الحروب تقترن بتأسير جماعة من المتقاتلين من
قبل الطرف الآخر، وقد أولى الإِسلام أهمية قصوى لمسألة أسرى الحرب، من حيث
أُسلوب التعامل معهم، ومن حيث بعض النواحي الإِنسانية وأهداف الجهاد أيضاً. وتُختتم الآية بالقول أن التعليم آنف الذكر ـ في الواقع ـ مزيج من العزة
والنصر والحكمة والتدبير، لأنّه صادر من قبل الله تعالى (والله عزيز حكيم). |
|
ملاحظات |
|
1 ـ
إنّ ظاهر الآيات ـ كما قلنا آنفاً ـ يعالج موضوع أخذ الأسرى في الحرب لا أخذ
«الفدية» بعدها، وبذلك ينحل كثير من
الإِشكالات التي أثارها جماعة من المفسّرون بشأن مفهوم الآية. وبذلك تنتفي جميع
البحوث التي أوردوها، كالقول بأنّ
النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قد إرتكب ذنباً! وكيف ينسجم هذا العمل
وعصمته(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فهذا الأمر غير صحيح. |
|
هل
أن أخذ «الفداء» أمر منطقيٌّ عادل؟!
|
|
قد ينقدح هنا سؤال
مهم وهو: كيف ينسجم الفداء قبال إطلاق سراح الأسير وأصول العدالة؟
أو ليس هذا نوعاً من بيع الإِنسان؟ ولهذا فإنّ الآية
الرّابعة من الآيات محل البحث تخاطب
النّبي أن يدعو الأسرى إِلى الإِيمان بالله وإصلاح أنفسهم، ويرغبهم في كل ذلك،
فتقول: (يا أيّها النّبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن
يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً ممّا أخذ منكم). |
|
الآيات(72)
(75) اِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَهِدُوا بِأَمْوَلِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوا
|
|
اِنَّ الَّذِينَ
ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَهِدُوا بِأَمْوَلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ
اللهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوا وَّنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْض
وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَيَتِهِم مِّن
شَىْء حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِى الِّدينِ فَعَلَيْكُمُ
النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثقٌ وَاللهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْض إِلاَّ
تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِى الاَْرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ(73) وَالَّذِينَ
ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَهَدُوا فِى سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوا
وَّنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ
كَرِيمٌ(74) وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مِن بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَهِدُوا مَعَكُمْ
فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ وَأُولُوا الاَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض فِى
كِتَبِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَىْء عَلِيمُ(75) |
|
التّفسير |
|
أربع
طوائف مختلفة:
|
|
تبحث هذه الآيات التي تُختتم
بها سورة الأنفال ـ وتُعدّ آخر فصل من فصولها ـ
عن طوائف المهاجرين والأنصار والطوائف الأُخرى من المسلمين وبيان قيمة هؤلاء جميعاً، فتعطي كل طائفة قيمة،
وتستكمل ما تناولته الآيات السابقة في شأن الجهاد والمجاهدين. أمّا الآية
الثّانية فتشير إلى النقطة المقابلة للمجتمع الإِسلامي، أي مجتمع
الكفر وأعداء الإسلام، فتقول: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض). |
|
ملاحظات |
|
1 ـ الهجرة
والجهاد
|
|
إنّ دراسة التاريخ الإِسلامي
تدلّ على أن هذين الموضوعين كانا من عوامل انتصار المسلمين الرئيسية قبال
عدوّهم، فلولا الهجرة لتمّ دفن الإسلام في مكّة، ولو لا الجهاد لما اتسعت رقعة
الإِسلام، فالهجرة أخرجت الإِسلام من منطقة خاصّة إِلى مداه الرحب وصيرته
عالميّاً، والجهاد علّم المسلمين أنّهم إذا لم يعتمدوا على قدراتهم فإنّ عدوّهم
الذي لا يلتزم بأية مقررات سوف لا يعترف لهم بأدنى حقّ. سوف لا يعطيهم حقوقهم
المشروعة، ولا يصيخ لهم سمعاً أبداً. لكن هذا الكلام لا يعني أن
مفهوم الهجرة زال من قاموس مباديء الإِسلام كليّاً كما يتصور بعضهم، بل الهجرة
من مكّة إِلى المدينة انتفى موضوعها، وإلاّ فمتى ما حدثت ظروف كظروف المسلمين
الأوائل فقانون الهجرة باق على قوته، وسوف يبقى
مادام الإِسلام يتسع حتى يستوعب العالم أجمع. |
|
2 ـ المبالغة
والإِغراق في تنزيه الصحابة
|
|
حاول بعض إخواننا
أهل السنة أن يستنتج من ما أولاه
القرآن للمهاجرين السابقين «الأوائل» من إهتمام واحترام،
أنّهم لن يرتكبوا ذنباً إِلى آخر عمرهم وحياتهم. وذهبوا إِلى اكرامهم واحترامهم
جميعاً دون استثناء، ودون الاعتراض على هذا
وذاك، وكيف ذلك؟! ثمّ عمموا هذا القول على جميع الصحابة
ـ فضلا عن المهاجرين ـ وذلك لثناء القرآن عليهم في بيعة الرضوان وغيرها،
وذهبوا عملا إِلى أنّ الصحابة ـ دون النظر إِلى اعمالهم ـ أفراد متميزون. فلا يحق لأيّ شخص توجيه النقد لهم والتحقيق في سلوكهم. فلا
يجوز بأيّ وجه أن يوجه النقد إليهم. |
|
3 ـ الإِرث في
قوانين الإِسلام
|
|
كما أشرنا سابقاً في تفسير سورة النساء، فإنّ
الناس في زمان الجاهلية كانوا يتوارثون عن ثلاث طرق: |
|
4 ـ ما المراد من
الفتنة والفساد الكبير
|
|
احتمل المفسّرون في
تفسير هاتين الكلمتين الواردتين في
الآيات محل البحث احتمالات كثيرة، إلاّ أنّ ما
ينسجم أكثر مع مفهوم هذه الآية هو أنّ المراد من «الفتنة» هو الإِختلاف والتفرق
وتزلزل مباني العقيدة الإِسلامية على أثر وسوسة الأعداء، و«الفساد» يشمل كل
إخلال وتخريب للنظم الإِجتماعية المختلفة وخاصّة سفك الدماء البريئة والارهاب
وأمثال ذلك. |
|
|
|