- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
سُورَة
الأَعْرَافْ مَكيَّة وَعَدَدُ آيَآتِهَا مَائتان وَستّ آياتْ
|
|
هذه السورة من السور المكية
إِلاّ قوله تعالى: (واسألهم عن القرية) ـ
إِلى ـ (بما كانوا يفسقون)، الذي نزل في
المدينة. |
|
لمحة سريعة عن محتويات هذه السّورة:
|
|
إِن أكثر
السور القرآنية (80 إِلى 90 سورة) ـ كما نعلم ـ نزلت في مكّة، ونظراً إِلى الأوضاع التي كانت سائدة في
المحيط المكّي، وحالة المسلمين خلال 13 عاماً، وكذا بالإِمعان في صفحات التّأريخ
الإِسلامي بعد الهجرة، يتضح بجلاء أن هناك فرقاً بين لحن السور المكية والسور
المدنية. |
|
الآيات(1) (3)
المص(1) كِتَبٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ
لِتُنذِرَ بِهِ
|
|
المص(1) كِتَبٌ
أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ
وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ(2) اتَّبِعُوا مَآ أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِّن
رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيلا مَّا
تَذَكَّرُونَ(3) |
|
التّفسير |
|
في مطلع هذه السّورة نواجه
مرّة أُخرى «الحروف المقطَّعة» وهي هنا عبارة
عن: الألف واللام والميم، والصاد. |
|
الآيتان(4) (5) وَكَم
مِّن قَرْيَة أَهْلَكْنَهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَتاً أَوْهُمْ قَآئِلُونَ
|
|
وَكَم مِّن قَرْيَة
أَهْلَكْنَهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَتاً أَوْهُمْ قَآئِلُونَ(4)فَمَا كَانَ
دَعْوَهُمْ إِذْ جَآءَهُم بَأْسُنَآ إِلاَّ أَن قَالُوا إِنَّا كُنَّا
ظَلِمِينَ(5) |
|
التّفسير |
|
الأقوام التي هَلَكت وبادت:
|
|
هاتان الآيتان
تشيران إِلى العواقب المؤلمة التي تترتب على مخالفة الأوامر
التي تمّ بيانها في الآيات السابقة، كما أنّهما تعدّان
ـ في الواقع ـ فهرستاً إِجمالياً عن قصص الأقوام
المتعددة أمثال نوح، وقوم فرعون، وقوم عاد وثمود، وقوم
لوط التي ستأتي فيما بعد. |
|
بحوث
|
|
إنّ ها هنا نقاطاً
عديدة ينبغي الإلتفات إليها: |
|
الآيات(6) (9) فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ
وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ
|
|
فَلَنَسْئَلَنَّ
الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ(6)فَلَنَقُصَّنَّ
عَلَيْهِم بِعِلْم وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ(7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذ الْحَقُّ
فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(8) وَمَنْ
خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا
بِأَيَتِنَا يَظْلِمُونَ(9) |
التّفسير |
|
التّحقيق الشّامل:
|
|
لقد تضمنت الآيات السابقة
إِشارة إِلى معرفة الله ونزول القرآن الكريم، أمّا الآيات أعلاه فانها تتحدث عن
المعاد فهي مكملة للآيات السالفة، مضافاً إِلى أنّ الآية المتقدمة تحدثت عن
الجزاء الدنيوي للظالمين، وهذا الآيات تبحث في الجزاء والعقاب الأُخروي لهم،
وبهذا يتضح الإِرتباط بينها. المساءلة لماذا؟ فكيف يمكن التوفيق
والجمع بين تلك الآيات والآيات الحاضرة
التي تثبت قضية المساءلة يوم القيامة؟! |
|
|
ما
هو ميزان الأعمال يوم القيامة؟
|
|
لقد وقع كلام كثير بين
المفسّرين والمتكلمين حول كيفية وزن الأعمال يوم القيامة، وحيث أنّ البعض تصور
أن وزن الأعمال وميزانها في يوم القيامة يشبه الوزن والميزان المتعارف في هذه
الحياة، ومن جانب آخر لم يكن للأعمال البشرية وزن، وخفة وثقل يمكن أن يُعرَف بالميزان، لهذا لابدّ من حلّ هذه
المشكلة عن طريق فكرة تجسم الأعمال، أو عن طريق أن الأشخاص أنفسهم يوزنون بدل أعمالهم في ذلك اليوم. |
|
الآية(10) وَلَقَدْ
مَكَّنَّكُمْ فِى الاَْرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَيِشَ
|
|
وَلَقَدْ
مَكَّنَّكُمْ فِى الاَْرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَيِشَ قَلِيلا مَّا
تَشْكُرُونَ(10) |
|
التّفسير |
|
مكانة
الإِنسان وعظمته في عالم الوجود:
|
|
عقيب الآيات التي أشارت إِلى
المبدأ والمعاد، يدور البحث في هذه الآية والآيات اللاحقة حول عظمة الانسان
وأهمية مقامه، وكيفية خلق هذا الكائن والمفاخر التي وهبها الله له، والمواثيق
التي أخذها الله منه لقاء هذه المواهب والنِعم، كل ذلك لتقوية قواعد وأُسس
تربيته وتكامله. |
|
الآيات(11) (18)
وَلَقَدْ خَلَقْنَكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَئِكَةِ
اسْجُدُوا لاَِدَمَ فَسَجَدُوا
|
|
وَلَقَدْ
خَلَقْنَكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَئِكَةِ اسْجُدُوا
لاَِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ السَّجِدِينَ(11) قَالَ
مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ
خَلَقْتَنِى مِن نَّار وَخَلَقْتَهُ مِن طِين(12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا
يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّغِرِينَ(13)
قَالَ أَنظِرْنِى إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ
الْمُنظَرِينَ(15) قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِى لاََقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَطَكَ
الْمُسْتَقِيمَ(16) ثُمَّ لاََتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ
خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَنِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ
شَكِرِينَ(17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ
مِنْهُمْ لاََمْلاََنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ(18) |
|
التّفسير |
|
قصّة
عصيان إِبليس
|
|
لقد أشير إِلى مسألة خلق الإِنسان
وكيفية إِيجاده في سبع سور من سُوَر القرآن الكريم، والهَدَفَ من ذكر هذا
الموضوع ـ كما سبق أن أشرنا في الآية السابقة ـ هو بيان شخصية الإِنسان، ومقامه،
ومنزلته بين كائنات العالم، وبعث روح الشكر والحمد فيه. |
|
بحث:
1 ـ سجود الملائكة لم يكن سجود عبادة
|
|
كما قلنا في ذيل الآية (34) من سورة البقرة: إِنّ سجود الملائكة
لآدم لم يكن سجود عبادة، لأن العبادة مخصوصة الله سبحانه، بل السجدة هنا بمعنى التواضع
(أي الخضوع أمام عظمة آدم وسموّ منزلته في عالم الخليقة) أو بمعنى السجود لله
الذي خلق مثل هذا المخلوق المتعادل المتوازن. |
|
بحث:
2ـ إِبليس لم يكن من الملائكة
|
|
إِنّ «إِبليس» ـ كما قلنا في ذيل تلك الآية ـ لم
يكن من الملائكة، بل هو حسب صريح الآيات القرآنية من قسم آخر من الكائنات
يُدعى «الجنّ» (وللمزيد
من التوضيح راجع المجلد الأوّل من هذا
التّفسير في الحديث عن سجود الملائكة لآدم). |
|
أوّل
قياس هو قياس الشيطان:
|
|
القياس في الأحكام والحقائق
الدينية مرفوض بشكل قاطع في أحاديث عديدة وردت عن أهل البيت(عليهم السلام)،
ونقرأ في هذه الأحاديث أنّ أوّل من قاس هو الشيطان. إِنّ هذه الآيات وان لم تصرّح بالمقدار الذي استجيب من طلب الشيطان من
حيث الزمن، إِلاّ أننا نقرأ في الآية (3) من سورة الحجر
أنه تعالى قال له: (إِنّك من المنظرين إِلى يوم الوقت
المعلوم) وهذا يعني أن مطلب الشيطان لم يستجب له بتمامه وكماله، بل
استجيب إِلى الوقت الذي يعلمه الله تعالى (وسوف نبحث
عند تفسير الآية (3) من سورة الحجر حول معنى قوله (إلى يوم الوقت المعلوم) إِن
شاء الله). |
إِبليس
أوّل القائلين بالجبر:
|
|
يستفاد من الآية الحاضرة أن
الشيطان لتبرئة نفسه نسب إِلى الله الجبر إِذ قال: (فبما
أغويتني) لأغوينهم. ولقد نقل في حديث
مروي عن الإِمام الباقر(عليه السلام) تفسير أعمق لهذه الجهات الأربع حيث قال: «ثمّ قال: لآتينّهم من بين أيديهم، معناه أهوّن عليهم
أمر الآخرة، ومن خلفهم، آمرهم بجمع الأموال والبخل بها عن الحقوق لتبقى لورثتهم.
وعن أيمانهم، أفسد عليهم أمر دينهم بتزيين الضلالة وتحسين الشبهة. وعن شمائلهم،
بتحبيب اللذّات إِليهم وتغليب الشّهوات على قلوبهم»(
تفسير مجمع البيان، ج 4، ص 404.). |
|
فلسفة
خلق الشيطان وحكمة إِمهاله:
|
|
في مثل هذه الأبحاث
تتبادر إِلى الأذهان ـ عادة ـ أسئلة متنوعة ومختلفة أهمها سؤالان: |
|
|
فرضية
تطور الأنواع وخلقة آدم:
|
|
هل هناك تلاؤم بين ما يقوله
القرآن الكريم في خلقة آدم، مع ما هو مطروح في فرضية الأنواع في أبحاث العلوم
الطبيعية، أو لا؟ |
|
الآيات(19) (22)
وَيَأَدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُما
|
|
وَيَأَدَمُ اسْكُنْ
أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلاَ تَقْرَبَا
هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّلِمِينَ(19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا
الشَّيْطَنُ لِيُبْدِىَ لَهُمَا مَا وُورِىَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَتِهِمَا
وَقَالَ مَانَهَكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا
مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَلِدِينَ(20) وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّى لَكُمَا
لَمِنَ النَّصِحِينَ(21)فَدَلَّهُمَا بِغُرُور فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ
بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ
الْجَنَّةِ وَنَادَهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا
الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ الشَّيْطَنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ(22) |
|
التّفسير |
|
وَساوِسُ
شيطانيَّة في حُلَل خَلاّبة:
|
|
تُبَيّنُ هذه الآيات وتستعرض
فصلا آخر من قصّة آدم، فتقول أوّلا: إِنّ الله
سبحانه أمر آدم وزوجته حواء بأن يسكنا الجنّة: (يا آدم
اسكن أنت وزوجك الجنّة). وما كتبه بعض الكّتاب
المسلمين من أن آدم كان عارياً منذ البداية، فهو خطأ بيّن نشأ ممّا ورد في
التّوراة المحرفة. |
|
بحوث إِنّ في هذه الآية نقاطاً لابدّ من التوقف عندها: |
|
1 ـ كيفية وسوسة
الشيطان
|
|
يستفاد من عبارة (وسوس له) نظراً إِلى حرف اللام (التي تأتي في العادة للفائدة والنفع) أنّ الشيطان كان
يتخذ صفة الناصح، والمحبّ لآدم، في حين أن (وسوس إِليه)
لا ينطوي على هذا المعنى، بل يعني فقط مجرّد النفوذ والتسلّل الخفيّ إِلى
قلب أحد. |
|
2 ـ ماذا كانت
الشّجرة الممنوعة؟
|
|
جاءت الإِشارة إِلى
الشجرة الممنوعة في ست مواضع من القرآن الكريم، من دون أن يجري حديث عن طبيعة أو كيفية أو اسم هذه الشجرة، وأنها ماذا
كانت؟ وماذا كان ثمرها؟ بيد أنّه ورد في المصادر الإِسلامية تفسيران لها، أحدهما «ماديّ» وهو أنّها كانت «الحنطة» ( وللإِطلاع على هذه الرّوايات يراجع تفسير نور الثقلين، المجلد الاوّل، الصفحة 59 و60 والمجلد الثاني، الصفحة 11، في
تفسير آيات سورة البقرة وسورة الأعراف.) كما هو المعروف في الرّوايات. |
|
3 ـ هل ارتكب آدم
معصية؟
|
|
يستفاد ممّا نقلناه من الكتب
المقدَّسة ـ لدى اليهود والنصارى ـ أنّهم يعتقدون بأن آدم ارتكب معصية، بل ترى
كتبهم أن معصيته لم تكن معصية عادية، وإِنما كانت معصية كبيرة وإِثماً عظيماً،
بل إِن الذي صَدَرَ عن آدم هو مضادة الله والطموح في الألوهية والربوبيّة، ولكن المصادر الإِسلامية ـ عقلا ونقلا ـ تقول لنا: إِنّ الانبياء لايرتكبون إِثماً، وإِنّ منصب
إِمامة الناس وهدايتهم لا يُعطى لمن يرتكب ذنباً ويقترف معصية. ونحن نعلم أن آدم
كان من الأنبياء الإِلهيين، وعلى هذا الأساس فإِنّ كل
ما ورد في هذه الآيات مثل غيرها من التعابير التي جاءت في القرآن حول سائر
الأنبياء الذين نسب إِليهم العصيان، جميعها تعني «العصيان النسبي» و«ترك
الأَولى» لا العصيان المطلق. |
|
الآيات(23) (25)
قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا
|
|
قَالاَ رَبَّنَا
ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ
مِنَ الْخَسِرِينَ(23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْض عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِى
الاَْرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَعٌ إِلَى حِين(24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا
تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ(25) |
|
التّفسير |
|
رجوع
آدم إِلى الله وتوبته:
|
|
وفي المآل عندما عرفَ آدم
وحواء بكيد إِبليس، وخطّته ومكره الشيطاني، ورأيا نتيجة مخالفتهم فكرا في تلافي
ما فات، وجبران ما صدر منهما، فكانت أوّل خطوة خطياها هي: الاعتراف بظلمهما
لنفسيهما أمام الله: (قالا ربَّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم
تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين). |
|
الشَيخ نَاصِر مَكارم الشِيرازي المجَلّد الخامس
|
|
الآيات(26) (28)
يبَنِى ءَادَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِبَاسَاً يُورِى سَوْءَتِكُمْ
وَرِيشاً
|
|
يبَنِى ءَادَمَ
قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِبَاسَاً يُورِى سَوْءَتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ
التَّقوى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ ءَايَتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ
يَذَّكَّرُونَ(26) يَبَنِى ءَادَمَ لاَيَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَنُ كَمَآ
أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُما لِبَاسَهُما
لِيُرِيَهُمَا سَوْءَتِهِمآ إِنَّهُ يَرَيكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيثُ لاَ
تَرَوْنَهُمْ إنَّا جَعَلْنا الشَّيطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ
يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُوا فَحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَآ ءَابَآءَنَا
وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ
أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (28) |
|
التّفسير |
|
إنذار
إلى كل أبناء آدم:
|
|
إنّ قصة آدم ومشكلته مع
الشيطان ـ كما أسلفنا في آخر بحث في الآيات السابقة ـ عكست تصويراً واقعياً عن
حياة جميع أفراد البشر على الارض، ولهذا بيّن الله تعالى في الآيات الحاضرة وما
بعدها سلسلة من التعاليم والبرامج البنّاءة
لجميع أبناء آدم، وهي تعتبر في الحقيقة إستمراراً
لبرامج آدم في الجنّة. فبعض فسّره بـ «العمل الصالح» و بعض
بـ «الحياء» و بعض بـ «لباس
العبادة»، و بعض بـ « «لباس الحرب» مثل
الدرع والخوذة، وحتى الترس، لأنّ لفظة التقوى مشتقّة من
مادة «الوقاية» بمعنى الحفظ والحماية، وبهذا المعنى جاء في القرآن الكريم
أيضاً، كما نقرأ في سورة النحل الآية (81): (وجعل لكم
سرابيل تقيكم الحرّ وسرابيل تقيكم بأسكم...). والذي تقود إليه
الدراسة الموضوعية لهذه الظاهرة، هو أنّ للعُقد النفسية دوراً مهمّاً في إرتداء
مثل هذه الألبسة العجيبة الغريبة، فالأفراد الذين لا يتمكنون من القيام بعمل مهم و ملفت للنظر لتوكيد وجودهم
في المجتمع يلجأون إلى هذا الاسلوب ويحاولون بإرتداء هذه الألبسة غير المأنوسة
والعجيبة إثبات وجودهم وحضورهم، ولهذا نلاحظ أنّ أصحاب الشخصيات المحترمة، أو
الذين لا يعانون من عقد نفسيّة ينفرون من إرتداء مثل هذه الثياب. |
|
ما
هو المقصود من الفحشاء؟
|
|
ما هو المراد من الفحشاء هنا؟
قالت طائفة كبيرة من المفسّرين: إنّها إشارة إلى
تقليد كان سائداً بين جماعة من العرب في العهد الجاهلي، وهو الطواف حول بيت الله
المعظم عرياناً «رجالا ونساءً» ظناً منهم بأنّ الثياب التي ارتكبت فيها الذنوب
لا تليق بأن يطاف بها حول الكعبة المعظمة. |
|
الآيتان(29) (30)
قُلْ أَمَرَ رَبِّى بِالْقِسْطِ وَأقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد
وَادْعُوهُ
|
|
قُلْ أَمَرَ رَبِّى
بِالْقِسْطِ وَأقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ
لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكَمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً
حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَلَةُ إِنَّهُمُ اًتَّخَذُوا الشَّيطِينَ أؤْلِيَآءَ مِن
دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُهْتَدُونَ (30) |
|
التّفسير |
|
حيث أنّ الحديث في الآية
السابقة دار حول الفحشاء التي يشمل مفهوماً كلّ أنواع الفعل القبيح، وتأكَّدَ
أنّ الله يأمر بالفحشاء اطلاقاً لهذا أُشير في هذه الآية إلى أصول ومبادىء
التعاليم الإلهية في مجال الوظائف والواجبات العملية في جملة قصيرة، ثمّ تبعه بيان أصول العقائد الدينية، أي المبدأ والمعاد،
بصورة مختصرة موجزة. |
|
بحثان هنا نقطتان يجب الإلتفات إليهما والوقوف عندهما: |
|
1 ـ ما المقصود
من «أقيموا وجوهكم ...»
|
|
ذكر
المفسّرون في تفسير (أقيموا وجوهكم عند كل مسجد)
تفاسير متنوعة، فتارة قالوا: المراد هو التوجه صوب القبلة. |
|
2 ـ أقصر الأدلة
على المعاد
|
|
لقد بحث أمر المعاد والبعث في
يوم القيامة كثيراً، ويستفاد من آيات القرآن الكريم أنّ
هضم هذه المسألة كان أمراً صعباً وعسيراً بالنسبة إلى كثير من الناس في العصور
الغابرة، إلى درجة أنّهم كانوا يتخذون أحياناً من طرح مسألة القيامة
والمعاد من قبل الأنبياء دليلا على عدم صحة دعوتهم، وبل حتى (والعياذ بالله)
دليلا على الجنون ويقولون: (افترى على الله كذباً أم به
جنّة)( سورة سبأ، 8.). وعلى هذا فلا مكان
للتعجب والدهشة إذا سمعنا أنّه بعد تلاشي
بدن الإنسان ورجوعه إلى حالته الأُولى تجتمع تلك الذرّات ثانية، وتتواصل و
تترابط ويتشكل الجسم الأوّل، فلو كان هذا الأمر محالا فلماذا وقع في مبدأ
الخلقة. |
|
الآيتان(31) (32)
يَبَنِى ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد وَ كُلُوا وَاشْرَبُوا
|
|
يَبَنِى ءَادَمَ
خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد وَ كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَتُسْرِفُوا
إِنَّه لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ
الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِىَ
لِلَّذِينَ ءَامَنُوا فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيا خَالِصَةً يَومَ الْقِيامَةِ
كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الاَْيتِ لِقَوْم يَعْلَمُونَ (32) |
|
التّفسير |
|
الحديث في هاتين الآيتين
يتناسب مع قصّة آدم في الجنّة، وكذلك يتناول مسألة اللباس وسائر مواهب الحياة،
وكيفية الإستفادة الصحيحة منها. هذا وقد احتمل
أيضاً في تفسير هذه العبارة من الآية أنّ هذه المواهب وإن كانت في هذه الدنيا ممزوجة بالآلام والمصائب والبلايا،
إلاّ أنّها توضع تحت تصرف المؤمنين وهي خالصة من كل ذلك في العالم الآخر (ولكن التّفسير الأوّل يبدو أنّه أنسب). |
|
الزّينة
والتّجمل من وجهة نظر الإسلام:
|
|
لقد اختار الإسلام ـ كسائر الموارد ـ حدّ التوسط والإعتدال في مجال الإنتفاع
والإستفادة من أنواع الزينة، لا كما يظن البعض من أنّ التمتع والإستفادة
من الزينة والتجمل ـ مهما كان بصورة معتدلة ـ أمر مخالف للزّهد، ولا كما يتصور
المفرطون في إستعمال الزينة والتجمل الذين يجوّزون لأنفسهم فعل كل عمل شائن بغية
الوصول إلى هذا الهدف الرخيص. ولهذا لم يكتف في الإسلام
بتجويز التمتع بجمال الطبيعة والإستفادة من الألبسة الجميلة والمناسبة، واستعمال
كل أنواع العطور، وما شابه ذلك، بل أوصى بذلك وَحُثَّ
عليه أيضاً، ورويت في هذا المجال أحاديث كثيرة عن أئمّة الدين في المصادر
والكتب الموثوقة. |
|
توصية
صحية هامّة:
|
|
إنّ عبارة (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) التي جاءت في الآية
الحاضرة، وإن كانت تبدو للنظر أمراً بسيطاً جدّاً، إلاّ
أنّه ثبت اليوم أنّه واحد من أهم الأوامر والتعاليم الصحية، وذلك لأنّ
تحقيقات العلماء توصلت إلى أنّ منبع الكثير من الأمراض والآلام هو الأطعمة
الإضافية الزائدة التي تبقي في بدن الإنسان إنّ هذه المواد الإضافية تشكل من
جانب عبئاً ثقيلا على القلب وغيره من أجهزة الجسم، وهي من جانب آخر منبع مهيَّأ
لمختلف أنواع العفونات والأمراض، ولهذا فإنّ الخطوة الأُولى لعلاج الكثير من
الأمراض هو أن تحترق هذه المواد الزائدة التي تمثل ـ في الحقيقة ـ فضلات الجسم،
وتتم عملية تطهير الجسم منها عملياً. |
|
الآية(33) قُلْ
إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَوحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
|
|
قُلْ إِنَّمَا
حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَوحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالاِْثمّ
وَالْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ
بِهِ سُلْطاناً وأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (33) |
|
التّفسير |
|
المحرمات
الإلهية:
|
|
لقد شاهدنا مراراً أنّ القرآن
الكريم كلّما تحدث عن أمر مباح أو لازم، تحدث فوراً عن ما يقابله، من الأُمور
القبيحة والمحرمات، ليكمِّل كل واحد منهما الآخر. ومن الواضح أنّ جملة (ما لم ينزل به سلطاناً) للتأكيد، ولإلفات
النظر إلى حقيقة أنّ المشركين لا يملكون أي دليل منطقي وأي برهان معقول، وكلمة
«السلطان» تعني كل دليل وبرهان يوجب تسلّط الإنسان وانتصاره على من يخالفه. |
|
الآية(34) وَلِكلِّ
أُمَّة أَجَلٌ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً
|
|
وَلِكلِّ أُمَّة أَجَلٌ
فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَ لاَ يَسْتَقْدِمُونَ
(34) |
|
التّفسير |
|
لكلّ
أُمّة أجل:
|
|
في هذه الآية يشير الله تعالى
إلى واحدة من سنن الكون والحياة، يعني فناء الأُمم وزوالها، ويلقي ضوءاً أكثر
على الأبحاث التي تتعلق بحياة أبناء البشر على وجه الأرض ومصير العصاة، التي سبق
الحديث عنها في الآيات السابقة. يستفاده من كتب
اللغة، وكذا من موارد استعمال هذه اللفظة في القرآن الكريم، والتي تبلغ 64 موضعاً، إنّ الأُمّة في الأصل تعني الجماعة. |
|
الآيتان(35) (36)
يَبَنِى ءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ
ءَايَتِى
|
|
يَبَنِى ءَادَمَ
إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءَايَتِى فَمَنِ
اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ
يَحْزَنُونَ(35)وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِايَتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَآ
أُولَئِكَ أَصْحَبُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ (36) |
|
التّفسير |
|
تعليم
آخر لأبناء آدم:
|
|
مرّة أُخرى يخاطب الله سبحانه
أبناء آدم وذريّته، إذ يقول: (يا بني آدم إمّا يأتينّكم رسل منكم يقصّون عليكم
آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)(
«أمّا» مركبة في الأصل من «أن»، و «ما» و «إن»
حرف شرط و «ما» حرف للتأكيد.) أي إذا
أتاكم رسلي يتلون عليكم آياتي فاتّبعوهم، لأنّ من اتّقى منكم واتبعهم وأصلح نفسه
والآخرين كان في أمن من عذاب الله الأليم، فلا يخاف ولا يحزن. |
|
الآية(37) فَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِايَتِهِ
|
|
فَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنِ افْتَرَى عَلى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِايَتِهِ أُولَئِكَ
يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَبِ حَتَّى إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا
يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ
قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا
كَفِرِينَ (37) |
|
التّفسير |
|
من هذه الآية فما بعد تتضمّن
الآيات بيان أقسام مختلفة من المصير السيء الذي ينتظر المفترين والمكذبين لآيات
الله تعالى، وفي البداية تشير إلى كيفية حالهم عند الموت، إذ تقول: (فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذّب بآياته). |
|
الآيتان(38) (39)
قَالَ ادْخُلُوا فِى أُمَمِ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِّنَ الْجِنّ
وَالاِْنْسِ
|
|
قَالَ ادْخُلُوا
فِى أُمَمِ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِّنَ الْجِنّ وَالاِْنْسِ فِى النَّارِ
كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتَ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا
جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَيهُمْ لاُِولَيهُمْ رَبَّنَا هَؤلاَءِ أَضَلُّونَا
فَأتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ
تَعلَمُونَ (38)وَقَالَتْ أُولَيهُمْ لاُِخْرَيهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ
عَلَيْنَا مِن فَضْل فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39) |
|
التّفسير |
|
تنازع
القادة والاتباع في جهنم!
|
|
في هذه الآية يواصل القرآن
الكريم بيان المصير المشؤوم للمكذبين بآيات الله. قال(عليه السلام): «من أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان ورد
النّار». (وسائل الشيعة، ج17، ص182، 17.) |
|
الآيتان(40) (41)
إنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ
لَهُمْ
|
|
إنَّ الَّذِينَ
كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ
السَّمَآءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِى سَمِّ
الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِى الُمجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ
مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاش وَكَذلِكَ نَجْزِى الظَّلِمينَ (41) |
|
التّفسير |
|
مرّة أُخرى يتناول القرآن
بالحديث مصير المتكبرين والمعاندين، يعني أُولئك الذين لا يخضعون لآيات الله ولا
يستسلمون للحق، فيقول: (إنّ الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم
أبواب السماء). من الممكن أن يكون المقصود من السماء هنا
معناه الظاهر، وكذا يمكن أن تكون كناية عن مقام
القرب الإلهي، كما نقرأ في الآية (9) من سورة فاطر: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه). |
|
الآيتان(42) (43)
وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إلاَّ
وُسْعَهَآ
|
|
وَالَّذِينَ
ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إلاَّ وُسْعَهَآ
أُولئِكَ أَصْحبُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَلِدُون (42) وَنَزَعْنَا مَا فِى
صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهِمُ الاَْنْهرُ وَقَالُوا الْحَمْدُ
للهِ الَّذِى هَدَينَا لِهَذا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلاَ أَنْ هَدَينَا
اللهُ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالحَقِّ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ
الْجَنَّةُ أُورثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) |
|
التّفسير |
|
الطّمأنينة
الكاملة والسّعادة الخالدة:
|
|
إنّ أُسلوب القرآن ـ كما
أشرنا إلى ذلك سابقاً ـ هو عرض الطوائف المختلفة وبيان مصائرها جنباً إلى جنب
لتأكيد الموضوع، وشرح أوضاعها عن طريق المقارنة والمقايسة بينها. |
|
لماذا
عبّر بالإرث؟
|
|
وهنا ينقدح سؤال
وهو: كيف يقال لأهل الجنّة: هذه النعم أُورثتموها لقاء
أعمالكم؟ والجواب أوضحه حديث روي بطرق الشيعة والسنّة عن
رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)حيث يقول: «ما من أحد إلاّ وله منزل
في الجنّة، ومنزل في النّار، فأمّا الكافر فيرث المؤمن منزله من النّار، والمؤمن
يرث الكافر منزله من الجنّة، فذلك قوله أورثتموها بما كنتم تعملون».( نور الثقلين، المجلد الثّاني، الصفحة 31، وتفسير القرطبي،
المجلد الرّابع، الصفحة 2645، وتفاسير أُخرى.) |
|
الآيتان(44) (45)
وَنَادَى أَصْحَبُ الْجَنَّةِ أَصْحَبَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا
وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً
|
|
وَنَادَى أَصْحَبُ
الْجَنَّةِ أَصْحَبَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا
حَقّاً فَهلْ وَجَدتُم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقَّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ
مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّلمِينَ (44) الَّذِينَ
يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَيبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالاَْخِرَةِ
كَفِرُونَ(45) |
|
التّفسير |
|
بعد البحث في الآيات السابقة
حول مصير أهل الجنّة وأهل النّار، أشار هنا إلى حوار
هذين الفريفين في ذلك العالم، ويستفاد من ذلك أنّ أهل الجنّة وأهل النّار
يتحادثون بينهم وهم في مواقعهم في الجنّة أو النّار. |
|
من
هو المُؤذِّن! والمنادي؟
|
|
مَن هو هذا المؤذن الذي يسمعه الجميع؟ وفي الحقيقة له سيطرة وتفوق على جميع
الفرقاء والطوائف؟ |
|
الآيات(46) (49)
وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الاَْعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ
بِسِيمَهُمْ
|
|
وَبَيْنَهُمَا
حِجَابٌ وَعَلَى الاَْعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَهُمْ
وَنَادَوْا أَصْحَبَ الْجَنَّةِ أَن سَلَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ
يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَرُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَبِ النَّارِ
قَالُوا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَومِ الظَّلِمِينَ (47) وَنَادَى
أَصْحبُ الاَْعْرَافِ رِجَالا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَهُمْ قَالُوا مَآ أغْنَى
عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلاَءِ الَّذِينَ
أقْسَمْتُمْ لاَ يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَة ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ
عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) |
|
التّفسير |
|
الأعراف
معبر مهم إلى الجنّة:
|
|
عقيب الآيات السابقة التي
بيّنت جانباً من قصّة أهل الجنّة وأهل النّار، تحدث في هذه الآيات حول «الأعراف»
التي هي منطقة في الحد الفاصل بين الجنّة والنّار مع خصوصياتها. وفي البداية يشير إلى الحجاب الذي أقيم بين أهل الجنّة وأهل النّار، إذ يقول: (وبينهما
حجاب). ثمّ إنّ القرآن الكريم يقول: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاًّ بسيماهم) يرون كلاًّ
من أهل الجنّة وأهل النّار ويعرفونهم بملامح وجوههم. |
|
من
هم أصحاب الأعراف:
|
|
«الأعراف»
في الأصل ـ و كما أسلفنا ـ منطقة مرتفعة، ويتّضح في ضوء القرائن
التي وردت في آيات القرآن وأحاديث أئمّة الإسلام، أنّه
مكان خاص بين قطبي السعادة والشقاء، أي الجنّة
والنّار. وهو كحجاب حائل بين هذين، أو كأرض مرتفعة فصلت بين هذين
الموضعين بحيث يشرف من يقف عليها على الجنّة والنّار، ويشاهد كلا الفريقين،
ويعرفهم بوجوههم المبيضة أو المسودة، المشرقة أو المظلمة المكفهرة. ونرى في هذه
التفاسير أيضاً مصادر تفيد أنّ أهل الأعراف هم الصلحاء والفقهاء والعلماء أو
الملائكة. والمعاندون وأعداء
الحق المتصلبون المتمادون في لجاجهم الذين لا يهتدون بأية وسيلة. والفريق الثّالث هم الذين يقفون
في هذا الممر الصّعب عبوره ـ في الوسط بين الفريقين، وأكثر عناية القادة
الصادقين وأئمّة الحق موجهة إلى هؤلاء، فهم يبقون إلى
جانب هؤلاء، ويأخذون بأيديهم لإنقاذهم وتخليصهم من مرحلة الأعراف
ليستقروا في صف المؤمنين الحقيقيين. |
|
الآيتان(50) (51)
وَنَادَى أَصْحَبُ النَّارِ أَصْحَبَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا
|
|
وَنَادَى أَصْحَبُ
النَّارِ أَصْحَبَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ المَآءِ أَوْ ممّا
رَزَقَكُمُ اللهُ قَالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَفِرينَ(50)الَّذِينَ
اتّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيوةُ الدُّنيَا
فَالْيَوْمَ نَنَسهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا
بِآيَتِنَا يَجْحَدُونَ (51) |
|
نِعَم
الجنّة حرام على أهل النّار:
|
|
التّفسير |
|
بعد أن استقر كل من أهل الجنّة
وأهل النّار في أماكنهم ومنازلهم، تدور بينهم حوارات نتيجتها العقوبة الروحية
والمعنوية لأهل النّار. |
|
بحوث
هنا عدّة نقاط يجب أن نتوقف عندها ونلتفت إليها:
|
|
1 ـ
يبدأ القرآن الكريم بأحاديث أهل النّار مع أهل الجنّة بلفظة (ونادى)
التي تستعمل عادة للتخاطب من مكان بعيد، وهذا
يفيد بأنّ بين الفريقين فاصلة كبيرة ومع ذلك يتمّ هذا
الحوار ويسمع كل منهما حديث الآخر، وهذا ليس بعجيب، فلو أن المسافه بلغت
ملايين الفراسخ لأمكن أن يسمع كل واحد منهما كلام الآخر، بل ويرى ـ في بعض
الأحيان ـ الطرف الآخر. |
|
الآيتان(52) (53)
وَلَقَدْ جِئْنَهُم بِكِتَب فَصَّلْنَهُ عَلَى عِلْم هُدىً وَرَحْمَةً
|
|
وَلَقَدْ جِئْنَهُم
بِكِتَب فَصَّلْنَهُ عَلَى عِلْم هُدىً وَرَحْمَةً لِّقَوم يُؤْمِنُونَ (52)
هَلْ يَنْظرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأَتِى تَأْوِيلُهُ يَقُولُ
الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل
لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُوا لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ
الَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا
كَانُوا يَفْتَرُونَ (53) |
|
التّفسير |
|
هذه الآية إشارة ـ في الدرجة
الأُولى ـ إلى أنّ حرمان الكفار ومصيرهم المشؤوم إنّما هو نتيجة تقصيراتهم
أنفسهم، وإلاّ فليس هناك من جانب الله أي تقصير في هدايتهم وقيادتهم وإبلاغ
الآيات إليهم وبيان الدروس التربوية لهم، لهذا يقول
تعالى: إنّنا لم نألُ جهداً ولم ندخر شيئاً في مجال الهداية والإرشاد، بل
أرسلنا لهم كتاباً شرحنا فيه كل شيء بحكمة ودراية (ولقد
جئناهم بكتاب فصّلناه على علم). الآية اللاحقة تشير إلى الطريقة الخاطئة في تفكير العصاة والمنحرفين
في صعيد الهداية الإلهية فيقول: (هل ينظرون إلاّ
تأويله) أي كأنّ هؤلاء يتوقعون أن يروا نتيجة الوعد والوعيد الإلهي
بعيونهم (أي يروا أهل الجنّة وهم فيها، وأهل النّار وهم
فيها) حتى يؤمنوا. |
|
الآية(54) إِنَّ
رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوتِ وَالاَْرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّام
|
|
إِنَّ رَبَّكُمُ
اللهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوتِ وَالاَْرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّام ثمّ اسْتَوَى
عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثَاً وَالشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَات بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ
وَالاَْمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَلَمِينَ (54) |
|
التّفسير |
|
في الآيات السابقة قرأنا أنّ
المشركين يقفون يوم القيامة على خطأهم الكبير في صعيد انتخاب المعبود، والآية
الحاضرة تصف المعبود الحقيقي مع ذكر صفاته الخاصّة حتى يستطيع الذين يطلبون
الحقيقة وينشدونها أن يعرفوه بوضوح في هذا العالم وقبل حلول يوم القيامة، ويبدأ
حديثه هذا بقوله: (إنّ ربّكم الله الذي خلق السماوات
والأرض في ستّة أيام) أي أنّ المعبود لا يمكن أن يكون إلاّ من كان
خالقاً. |
|
هل
خلق العالم في ستّة أيّام؟
|
|
لقد ورد البحث عن
خلق العالم وتكوينه في ستّة أيّام، في سبعة موارد من آيات القرآن الكريم(وهي: الآية
المبحوثة هنا، و3 يونس، و 7 هود، و 59 الفرقان و 4 السجدة و 38 ق، و4 الحديد.)،
ولكنّه في ثلاثة موارد أضيف إلى السماوات والأرض لفظة «وما بينهما» أيضاً. والتي هي في
الحقيقة توضيح للجملة السابقة، لأنّ جميع هذه الأشياء تدخل في معنى السماوات
والأرض، لأنّنا نعلم أنّ السماء تشمل جميع الأشياء التي توجد في الأعلى، والأرض
هي النقطة المقابلة للسماء. 2 ـ هذه
الكرات قد تحولت تدريجاً إلى هيئة كتلة من المواد الذائبة المشعة أم الباردة
القابلة للسكنى. ثمّ يقول القرآن
الكريم: إنَّ الله تعالى بعد خلق السماوات والأرض أخذ زمام
إدارتها بيده (أي ليس الخلق منه فقط، بل منه الإدارة
والتدبير أيضاً) فقال تعالى: (ثمّ استوى على
العرش). |
|
ماهوالعرش؟
|
|
«العرش» في
اللغة هو ما له سقف، وقد يطلق العرش على نفس السقف، مثل قوله تعالى: (أو كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها)( البقرة،
259.). |
|
ماهو
«الخلق» و «الأمر»؟
|
|
هناك كلام كثير بين المفسّرين حول المراد من
«الخلق» و «الأمر» أنّه ما هو؟ |
|
الآيتان(55) (56)
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ
|
|
ادْعُوا رَبَّكُمْ
تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(55)وَلاَتُفْسِدُا
فِى الاَْرْضِ بَعْدَ إِصْلَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ
اللهِ قَريبٌ مِّنَ الُْمحْسِنينَ (56) |
|
التّفسير |
|
شروط
استجابة الدعاء:
|
|
لقد أثبتت الآية السابقة ـ في
ضوء ما أقيم من برهان واضح ـ هذه الحقيقة، وهي أنّ الذي يستحق للعبادة فقط هو
الله، وفي عقيب ذلك ورد الأمر هنا بالدعاء، الذي هو مخ العبادة وروحها، يقول
أوّلا: (ادعوا ربّكم تضرعاً وخفيةً). |
|
الآيتان(57) (58)
وَهُوَ الَّذِى يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ
|
|
وَهُوَ الَّذِى
يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَآ أَقَلَّتْ
سَحَاباً ثِقَالا سُقْنَهُ لِبَلَد مَّيِّت فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَآءَ
فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الَّثمَرَتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ
بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِى خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذَلِكَ
نُصَرِّفُ الاَْيَتِ لِقَوْم يَشْكُرُونَ (58) |
|
التّفسير |
|
لابد
من المربي والقابليّة:
|
|
في الآيات الماضية مرّت
إشارات عديدة إلى مسألة «المبدأ» أي التوحيد ومعرفة الله، من خلال الوقوف على
أسرار الكون، وفي هذه الآيات ضمن بيان طائفة من النعم الإلهية وردت الإشارة إلى
مسألة «المعاد» والبعث، ليكمل هذان البحثان أحدهما الآخر. فيقول تعالى أولا: (وهو الّذي يرسل الرياح بشرىً بين يدي رحمته). |
|
الآيات(59) (64)
لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ
|
|
لَقَدْ أَرْسَلْنَا
نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه
غَيْرُهُ إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْم عَظِيم (59) قَالَ الْمَلاَُ
مِن قَومِهِ إِنَّا لَنَرَيكَ فِى ضَلَل مُّبِين (60) قَالَ يَقَوْمِ لَيْسَ بِى
ضَلَلَةٌ وَلَكِنِّى رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَلَمِينَ (61)أُبَلِّغُكُمْ
رِسَلَتِ رَبِّى وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
(62)أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُل مِّنكُمْ
لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ
فَأَنجَيْنَهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِى الْفُلْكِ وَأَعْرَقْنَا الَّذِينَ
كَذَّبُوا بِأيَتِنآ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً عَمِينَ(64) |
|
التّفسير |
|
رسالة
نوح أوّل الرّسل من أولي العزم:
|
|
تقدم أنّ هذه
السورة ـ بعد ذكر سلسلة من القضايا الجوهرية والعامّة في صعيد
معرفة الله والمعاد والهداية الإلهية للبشر، ومسألة الشعور بالمسؤولية ـ تشير إلى قصص ثلة من الأنبياء الكرام والرسل العظام مثل «نوح»
و«هود» و«صالح» و«شعيب» وبالتالي «موسى بن عمران»(عليهم السلام) أجمعين،
كي تقدم أمثلة حية لهذه الأبحاث وبصورة عملية في ثنايا تاريخهم الحافل بالحوادث
والعبر. |
|
الآيات(65) (72)
وَإِلَى عَاد أَخَاهُمْ هُودَاً قَالَ يَقَومِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِّنْ
إِلَه غَيْرُهُ
|
|
وَإِلَى عَاد
أَخَاهُمْ هُودَاً قَالَ يَقَومِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه
غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلاَُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن
قَوْمِهِ إنَّا لَنَريكَ فِى سَفَاهَة وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَذِبينَ
(66) قَالَ يَقَوْمِ لَيْسَ بِى سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّىَ رَسُولٌ مِّن رَّبِّ
الْعَلَمِينَ (67)أُبَلِّغُكُمْ رِسَلَتِ رَبِّى وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ
(68) أَوَ عَجِبْتُمْ أَنْ جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلى رَجُل
مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ واذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَومِ
نُوح وَزَادَكُمْ فِى الْخَلْقِ بَصطَةً فاذْكُرُوا ءَالآءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ (69) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا
كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ
الصَّدِقينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّنْ رَّبِّكُمْ رِجْسٌ
وَغَضَبٌ أَتُجَدِلُنَنى فِى أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَءَابَآؤُكُمْ
مَّا نَزَّلَ اللهَ بِهَا مِن سُلْطن فَانتَظِرُوا إِنِّى مَعَكُمْ مِّنَ
الْمُنتَظِرِينَ(71) فَأَنْجَيْنهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَة مِّنَّا
وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِأيَتِنَا وَمَا كَانُوا
مُؤمِنينَ(72) |
|
التّفسير |
|
لمحة
عن قصّة قوم هود:
|
|
عقيب ذكر رسالة نوح والدروس
الغنية بالعبر الكامنة فيها، عمد القرآن الكريم إلى إعطاء لمحة سريعة عن قصّة
نبي آخر من الأنبياء العظام، وهو النّبي هود(عليه السلام)، وذكر ما جرى بينه
وبين قومه. إنّ هذه الكلمة
تستعمل في من يعطف على أحد أو جماعة غاية العطف، ويتحرق لهم
غاية التحرق، مضافاً إلى أنّها تحكي عن نوع من
التساوي ونفي أي رغبة في التفوق والزعامة، يعني
أن رسل الله لا يحملون في نفوسهم أية دوافع شخصية في صعيد هدايتهم، إنما يجاهدون
فقط لإنقاذ شعوبهم وأقوامهم من ورطة الشقاء. |
|
الآيات(73) (79)
وَإِلى ثَمُودُ أَخَاهُمْ صَلِحاً قَالَ يَقَوم اعْبُدُوا اللهَ
|
|
وَإِلى ثَمُودُ
أَخَاهُمْ صَلِحاً قَالَ يَقَوم اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه
غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ
لَكُمْ ءَايَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ اللهِ وَلاَتَمَسُّوهَا بِسُوء
فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) واذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن
بَعْدِ عَاد وَبَوَّأَكُمْ فِى الاَْرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً
وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا ءَالاَءَ اللهِ وَلاَ تَعْثَوْا
فِى الاَْرْضِ مَفْسِدينَ (74) قَالَ الْمَلاَُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن
قَومِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ
صَلِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلُ بِهِ مُؤمِنُونَ
(75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِى ءَامَنتُم بِهِ
كَفِرُونَ(76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا
يَصَلِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(77)
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِى دَارِهِمْ جَثِمِينَ
(78)فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَقَومِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ
رَبِّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّصِحِينَ (79) |
|
التّفسير |
|
قصة
قوم صالح وما فيها من عبر
|
|
في هذه الآيات جاءت
الإشارة إلى قيام «صالح» النّبي الإلهي
العظيم في قومه «ثمود» الذين كانوا يسكنون في
منطقة جبلية بين الحجاز والشام، وبهذا يواصل
القرآن أبحاثه السابقة الغنية بالعبر حول قوم نوح وهود. على أنّه ينبغي الإلتفات إلى
أنّ إضافة «الناقة» إلى «الله» في الآيات الحاضرة من قبيل الإضافة التشريفية ـ
كما هو المصطلح ـ فهي إشارة إلى أنّ هذه الناقة
المذكورة لم تكن ناقة عادية، بل كانت لها ميزات خاصّة. ثمّ إنّنا نلاحظ
أيضاً أنّ جماعة الأغنياء والمترفين ذوي الظاهر الحسن، والباطن
القبيح الخبيث، الذين عبر عنهم بالملأ أخذوا بزمام المعارضة لهذا النّبي
الإِلهيّ العظيم، وحيث أنّ عدداً كبيراً من أصحاب القلوب الطيبة والافكار
السليمة كانت ترزح في أسر الأغنياء والمترفين، قد قبلت دعوة النّبي صالح
واتبعته، لهذا بدأ الملأ بمخالفتهم لهؤلاء المؤمنين. |
|
الآيات(80) (84)
وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَومِهِ أَتَأْتُونَ الْفَحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا
مِنْ أَحَد
|
|
وَلُوطاً إِذْ
قَالَ لِقَومِهِ أَتَأْتُونَ الْفَحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَد مِّنَ
الْعَلَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ
النِّسآءِ بَلْ أَنْتُمْ قَومٌ مُّسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوابَ قَومِهِ
إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ
يَتَطَهَّرُونَ (82)فَأَنْجَيْنَهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ
الْغَبِرِينَ (83) وَأمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ
عَقِبَةُ الُْمجْرِمِينَ(84) |
|
التّفسير |
|
مصير
قوم لوط المؤلم:
|
|
في هذه الآيات يستعرض القرآن
الكريمُ فَصلا آخر غنياً بالعبر من قصص الأنبياء، وبذلك يواصل هدف الآيات
السابقة ويكمله، والقصة هذه المرّة هي قصة النّبي
الإِلهي العظيم «لوط». |
|
الآيات(85) (87)
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبَاً قَالَ يَقَوْم اعْبُدُوا الله مَا لَكُمْ
مِّنْ إِلَه غَيْرُهُ
|
|
وَإِلَى مَدْيَنَ
أَخَاهُمْ شُعَيْبَاً قَالَ يَقَوْم اعْبُدُوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه
غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ
وَالْمِيزَانَ وَلاَتَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُوا فِى
الاَْرْضِ بَعْدَ إِصْلَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
مُّؤْمِنينَ(85) وَلاَ تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَط تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن
سَبِيلِ اللهِ مَنْ ءَامَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً واذْكُرُوا إِذْ
كُنتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ وانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ
(86) وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ ءَامَنُوا بِالَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ
وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يُؤمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ
خَيْرُ الْحَكِمِينَ (87) |
|
التّفسير |
|
رسالة
شعيب في مدين:
|
|
في هذه الآيات يستعرض القرآن
الكريم فصلا خامساً من قصص الأقوام الماضين، ومواجهة الأنبياء العظام معهم، وهذا الفصل يتناول قوم شعيب. بعث شعيب(عليه السلام) الذي
ينتهي نسبه ـ حسب كتب التاريخ ـ إلى إبراهيم عبر خمس
طبقات، إلى أهل مدين. وهي مدينة من مدن الشام، كان أهلها أهل
تجارة وترف قد سادت فيهم الوثنية، وكذا الحيلة،
والتطفيف في المكيال والميزان، والبخس في المعاملة. |
|
الآيتان(88) (89)
قَالَ الْمَلاَُ الَّذِينَ اسْتَكبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ
يَشُعَيْبُ
|
|
قَالَ الْمَلاَُ
الَّذِينَ اسْتَكبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَشُعَيْبُ وَالَّذِينَ
ءَامَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا قَالَ أَوَ
لَوْ كُنَّا كَرِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا
فِى مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّْنا اللهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن
نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَىْء
عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ
قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَتِحِينَ (89) |
|
التّفسير |
|
هذه الآيات تستعرض
ردّ فعل قوم شعيب مقابل كلمات هذا النّبي العظيم المنطقية، وحيث أنّ الملا والأثرياء المتكبرين في عصره كانوا
أقوياء في الظاهر، كان رد فعلهم أقوى من رد فعل الآخرين. ثمّ يضيف شعيب قائلا: (وما يكون لنا أن نعود فيها إلاّ أن يشاء الله). |
|
الآيات(90) (93)
وَقَالَ الْمَلاَُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَومِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيباً
إِنَّكُمْ إِذاً
|
|
وَقَالَ الْمَلاَُ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَومِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيباً إِنَّكُمْ إِذاً
لَّخَسرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فأَصْبَحُوا فِى دَارِهِمْ
جَثِمِينَ(91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبَاً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا
الَّذِين كَذَّبُوا شُعَيْباً كَانُوا هُمُ الْخَسِرينَ (92) فَتَوَلَّى
عَنْهُمْ وَقَالَ يَقَومِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَلَتِ رَبِّى وَنَصَحْتُ
لَكُمْ فَكَيْفَ ءَاسَى عَلى قَوْم كَفِرِينَ (93) |
|
التّفسير |
|
تتحدث الآية الأُولى عند
الدعايات التي كان يبثّها معارضو شعيب ضدّ من يحتمل فيهم الميل إلى الإيمان به
فتقول: (وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتّبعتم
شعيباً إنّكم إذاً لخاسرون). |
|
الآيتان(94) (95)
وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَة مِّن نَّبِيٍّ إِلاّ أَخَذَنَآ أَهْلَهَا
بِالْبَأسَآءِ وَالضَّرَّآءِ
|
|
وَمَآ أَرْسَلْنَا
فِى قَرْيَة مِّن نَّبِيٍّ إِلاّ أَخَذَنَآ أَهْلَهَا بِالْبَأسَآءِ
وَالضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثمّ بَدَّلْنَا مَكَانَ
السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا وَّقَالَوا قَدْ مَسَّ ءَابَآءَنَا
الضَّرِّآءُ وَالسَّرَّآءُ فَأَخَذْنَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ (95) |
|
التّفسير |
|
إذ
لم تنفع المواعظ:
|
|
إنّ هذه الآيات ـ التي ذكرت بعد استعراض قصص مجموعة من الأنبياء العظام،
مثل نوح وهود وصالح ولوط وشعيب، وقبل أن يعمد القرآن
الكريم إلى استعراض قصّة موسى بن عمران ـ إشارة إلى عدّة أصول وقواعد عامّة
تحكم في جميع القصص والحوادث، وهي قواعد وأُصول إذا فكَّرنا فيها كشفت القناع عن
حقائق قيمة ترتبط بحياتنا ـ جميعاً ـ ارتباطاً وثيقاً. |
|
الآيات(96) (100)
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتحْنَا عَلَيْهِمْ
بَرَكَت
|
|
وَلَوْ أَنَّ
أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَت مِّن
السَّمَآءِ وَالاَْرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَهُمْ بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ(96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَتاً
وَهُمْ نَآئِمُونَ (97) أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا
ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98)أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ
اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَسِرُونَ (99)أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ
الاَْرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَهُم بِذُنُوبِهِمْ
وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ (100) |
|
التّفسير |
|
التّقدم
والعمران في ظل الإيمان والتقوى:
|
|
في الآيات الماضية وقع البحث فيما جرى لأقوام مثل قوم هود وصالح وشعيب ونوح
ولوط على نحو الإجمال، وإن كانت تلك الآيات
كافية لبيان النتائج المشحونة بالعبر في هذه القصص، ولكن الآيات الحاضرة تبيّن
النتائج بصورة أكثر وضوحاً فتقول: (ولو أن أهل القرى
آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض)، أي لو أنّهم سلكوا
سبيل الإيمان والتقوى، بدل الطغيان والتمرد وتكذيب آيات الله والظلم والفساد، لم
يتخلصوا من غضب الله وعقوبته فسحب، بل لفتحت عليهم أبواب السماء والأرض. |
|
بحوث
وهنا مواضيع ينبغي الوقوف عندها:
|
|
1 ـ بركات الأرض
والسماء
|
|
لقد وقع حديث بين
المفسّرين في ما هو المراد من «بركات»
الأرض والسماء؟ فقال البعض: إنّها المطر،
والنباتات التي تنبت من الأرض. وفي الآية المطروحة
هنا طرحت هذه الحقيقة على بساط البحث، وهي: أنّ العقوبات ما هي إلاّ لأفعالهم هم، وإلاّ فلو كان الإنسان
طاهراً مؤمناً، فإنّه بدل أن يحل العذاب السماوي أو الأرضي بساحته، تتواتر عليه
البركات الإلهية من السماء والأرض.... أجل، إنّ الإنسان هو الذي يبدل البركات
بالبلايا. |
|
2 ـ معنى
«البركات»
|
|
«البركات» جمع «بركة» وهذه الكلمة ـ
كما أسلفنا ـ تعني في الأصل «الثبات»
والإستقرار، ويطلق على كل نعمة وموهبة تبقى ولا تزول، في مقابل الموجودات
العارية عن البركة، والسريعة الفناء والزوال، والخالية عن الأثر. |
|
3 ـ ماذا يعني
«الأخذ»؟
|
|
في الآية أعلاه استعملت كلمة «أخذ» في مفهوم المجازاة والعقوبة، وهذا في
الحقيقة لأجل أنّ الشخص الذي يراد عقوبته يؤخذ أوّلا في العادة، ثمّ يُوَثق
بوسائل خاصّة حتى لا تبقى له قدرة على الفرار، ثمّ يعاقب. |
|
4 ـ المفهوم
الواسع للآية
|
|
إنّ الآية الحاضرة وإن كانت
ناظرة إلى وضع الأقوام الغابرة، ولكنّه من المسلّم أن
مفهومها مفهوم واسع وعام ودائم، ولا تنحصر في شعب معين أو قوم خاص، فإنّها سنة
إلهية أن يبتلى غير المؤمنين، والمتورطين في المعاصي والذنوب بأنواع مختلفة
ومتنوعة من البلايا في هذه الدنيا، فربّما ينزل
عليهم البلاء السماوي والأرضي، وربّما تشتعل
نيران الحروب العالمية أو المحلية فتبتلغ أموالهم وتبيدها وربّما يفارقهم الأمن والإستقرار، فتسحق المخاوف
والهواجس بأظلافها أبدانهم ونفوسهم، وحسب تعبير القرآن
يكون كل ذلك بما كسبت أيديهم ورد فعل لأعمالهم. |
|
الآيتان(101) (102)
تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآئِهَا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ
رُسُلُهُم
|
|
تِلْكَ الْقُرَى
نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآئِهَا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالبَيِّنَتِ
فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ
عَلَى قُلُوبِ الْكَفِرِينَ (101) وَمَا وَجَدْنَا لاَِكْثَرِهِم مِّنْ عَهْد
وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَسِقِينَ(102) |
|
التّفسير |
|
في هاتين الآيتين ركّز القرآن الكريم على العبر
المستفادة من بيان قصص الماضين، والخطاب متوجه هنا إلى الرّسول
الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ أن الهدف هو
الجميع، يقول القرآن الكريم أوّلا: هذه
هي القرى والأقوام التي نقص عليك قصصهم: (تلك القرى نقص
عليك من أنبائها)( «نُقُصُّ» من مادة «قص» وقد
مر شرحها في ذيل الآية 7.). |
|
الآيات(103) (108)
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِم مُّوسَى بِأيَتِنَآ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ
|
|
ثُمَّ بَعَثْنَا
مِنْ بَعْدِهِم مُّوسَى بِأيَتِنَآ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا
بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) وَقَالَ مُوسَى
يَفِرْعَوْنُ إِنِّى رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَلَمِينَ(104) حَقِيقٌ عَلى أَن
لاَّ أَقُولَ عَلى اللهِ إِلاّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيَّنَة مِّن
رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِىَ بَنِى إِسْرَئيلَ (105) قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ
بِأَيَة فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ الصَّدِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ
فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِىَ بَيْضَآءُ
لِلنَّظِرِينَ (108) |
|
التّفسير |
|
المواجهة
بين موسى وفرعون:
|
|
بعد ذكر قصص ثلة من الأنبياء العظام باختصار في الآيات السابقة
بيّن تعالى في هذه الآيات والآيات الكثيرة
اللاحقة قصّة موسى بن عمران، وما جرى بينه وبين فرعون
وملئه وعاقبة أمره. 5 ـ مرحلة مشاكله مع بني إسرائيل. ويجب أن لا ننسى أن جميع الحيوانات في عالم الطبيعة توجد من التراب،
والأخشاب والنباتات هي الأُخرى من التراب، غاية ما هنالك أن تبديل التراب إلى
حية عظيمة يحتاج عادة إلى ملايين السنين، ولكن في ضوء
الإِعجاز تقصر هذه المدّة إلى درجة تتحقق كل تلك
التحولات والتكاملات في لحظة واحدة وبسرعة، فتتخذ القطعة من الخشب ـ التي
تستطيع وفق الموازين الطبيعية أن تغير بهذه الصورة بعد مضي ملايين السنين ـ تتخذ
مثل هذه الصورة في عدّة لحظات. |
|
الآيات(109) (112)
قَالَ الْمَلاَُ مِن قَومِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَحِرٌ عَلِيمٌ
|
|
قَالَ الْمَلاَُ
مِن قَومِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيُد أَن
يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهْ
وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِى الْمَدَآئِنِ حَشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سحِر
عَلِيم(112) |
|
التّفسير |
|
بدء
المواجهة:
|
|
في هذه الآيات جاء الحديث عن
أوّل ردّ فعل لفرعون وجهازه في مقابل دعوة موسى(عليه السلام) ومعجزاته. |
|
الآيات (113) (122)
وَجَآءَ السَّحَرَةُ فِرْعَونَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لاََجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ
الْغَلِبِينَ
|
|
وَجَآءَ
السَّحَرَةُ فِرْعَونَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لاََجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ
الْغَلِبِينَ(113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)
قَالُوا يَمُوسى إِمَّآ أَن تُلْقِىَ وَإِمَّآ أن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ
(115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّآ أَلْقُوا سَحَرُوا أعْيُنَ النَّاسِ
وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُو بِسِحْر عَظِيم(116) وَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى
أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ(117) فَوَقَعَ
الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(118)فَغُلِبُوا هُنَالِكَ
وانْقَلَبُوا صَغِرِينَ(119)وَأُلْقِىَ السَّحَرَةُ سَجِدِينَ(120) قَالُوا ءَامَنَّا
بِرَبِّ الْعَلَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَرُونَ (122) |
|
التّفسير |
|
كيف
انتصر الحقّ في النهاية؟
|
|
في هذه الآيات جرى الحديث حول
المواجهة بين النّبي موسى(عليه السلام)، وبين السحرة، وما
آل إليه أمرهم في هذه المواجهة، وفي البداية تقول
الآية: إنّ السحرة بادروا إلى فرعون بدعوته، وكان أوّل ما دار بينهم وبين
فرعون هو: هل لنا من أجر إذا غلبنا العدوّ (وجاء السحرة
فرعون قالوا إنّ لنا لأجراً إن كنّا نحن الغالبين)؟! |
|
بحوث وهنا لابدّ من الإشارة
إلى نقطتين: |
|
1 ـ المشهد
العجيب لسحر السّاحرين
|
|
لقد أشار القرآن الكريم إشارة
إجمالية من خلال عبارة(وجاؤوا بسحر عظيم) إلى
الحقيقة التالية وهي: أنّ المشهد الذي أوجده السحرة كان
عظيماً ومهماً، ومدروساً ومهيباً، وإلاّ لما استعمل القرآن الكريم لفظة «عظيم»
هنا. |
|
2 ـ الإستفادة من السلاح المشابه
|
|
من هذا البحث يستفاد ـ بجلاء
ووضوح ـ أنّ فرعون بالنظر إلى حكومته العريضة في أرض مصر، كانت له سياسات
شيطانية مدروسة، فهو لم يستخدم لمواجهة موسى وأخيه هارون من سلاح التهديد
والإِرعاب، بل سعى للاستفادة من أسلحة مشابهة ـ كما يظن ـ في مواجهة موسى، ومن
المسلّم أنّه لو نجح في خطّته لما بقي من موسى ودينه أي أثر أو خبر، ولكان قتل
موسى(عليه السلام) في تلك الصورة أمراً سهلا جداً، بل وموافقاً للرأي العام،
جهلا منه بأنّ موسى لا يعتمد على قوة إنسانية يمكن معارضتها ومقاومتها، بل يعتمد
على قوّة أزلية إلهية مطلقة، تحطّم كلّ مقاومة، وتقضي على كل معارضة. و «يأفكون» مشتقّة من مادة «إفك»
على وزن «مسك» وهي تعني في الأصل الإنصراف: عن
الشيء، وحيث أن الكذب يصرف الإنسان من الحق أطلق
على الكذب لفظ «الإفك». |
|
الآيات(123) (126)
قَالَ فِرْعَوْنُ ءَامَنْتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ
|
|
قَالَ فِرْعَوْنُ
ءَامَنْتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ
مَّكَرْتُمُوهُ فِى الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ
تَعْلَمُونَ(123) لاَُقَطِّعَنَّ أَيدِيَكُمْ وأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلَف ثُمَّ
لاَُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا
مُنقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ ءَامَنَّا بِأيتِ رَبِّنَا
لَمَّا جَآءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا
مُسْلِمِينَ (126) |
|
التّفسير |
|
التّهديدات
الفرعونية الجوفاء:
|
|
عندما توجهت ضربة جديدة ـ
بانتصار موسى على السحرة وإيمانهم به ـ إلى أركان السلطة الفرعونية، استوحش
فرعون واضطرب بشدّة ورأى أنّه إذا لم يظهر أي ردّ فعل في مقابل هذا المشهد،
فسيؤمن بموسى كل الناس أو أكثرهم، وستكون السيطرة على الأوضاع غير ممكنة، لهذا
عمد فوراً إلى عملين مبتكرين: ثمّ إنّهم للردّ على تهمة
فرعون، ولايضاح الحقيقة لجماهير المتفرجين على هذا المشهد، واثبات براءتهم من أي
ذنب، قالوا: إنّ الإشكال الوحيد الذي تورده علينا هو أنّنا آمنا بآيات الله وقد
جاءتنا (وما تنقم منّا إلاّ أن آمنا بآيات ربّنا لما جاءتنا). |
|
الاستقامة
الواعية
|
|
يمكن أن يتملك الإنسان عجب
شديد عند أوّل إطلاعة على قصّة السحرة في زمان
موسى(عليه السلام) الذين صاروا من المؤمنين الصادقين، هل يمكن أن يحدث
مثل هذا الإنقلاب والتحول العميق في الروح الإنسانية في مثل هذه المدّة القصيرة،
بحيث يقطع الشخص كل علاقاته مع الصف المخالف، ويصير في صف الموافق، ثمّ يدافع عن
عقيدته الجديدة بإصرار وعناد عجيبين إلى درجة أنّه يتجاهل مكانته ومصالحه وحياته
جميعاً، ويستقبل الشهادة بشجاعة منقطعة النظير، وبوجه مستبشر؟ |
|
الآيات(127) (129)
وَقَالَ الْمَلاَُ مِن قَومِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ
|
|
وَقَالَ الْمَلاَُ
مِن قَومِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِى الاَْرْضِ
وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْىِ
نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ
اسْتَعِينُوا بِاللهِ واصْبِرُوا إِنَّ الاَْرضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ
مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَقِبَهُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ
قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن
يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِى الاَْرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ
تَعْمَلُونَ(129) |
|
التّفسير |
|
في هذه الآيات يبيّن لنا
القرآن الكريم مشهداً آخر من الحوار الذي دار
بين فرعون وبين ملائه حول وضع موسى(ع) ، ويستفاد من
القرائن الموجودة في نفس الآية أنّ محتوى هذه الآيات يرتبط بفترة ما بعد
المواجهة بين موسى وبين السحرة. يستفاد من هذا التعبير ـ جيداً ـ أنّ فرعون بعد هزيمته أمام موسى(عليه
السلام) ترك موسى وبني إسرائيل أحراراً (طبعاً الحرية
النسبية) مدّة من الزمن، ولم يترك بنو إسرائيل بدورهم هذه الفرصة من دون
أن يشتغلوا بالدعوة والتبليغ لصالح دين موسى(عليه السلام) إلى درجة أن قوم فرعون
قلقوا من انتشاره ونفوذ دعوتهم، فحضروا عند فرعون وحرضوه على اتّخاذ موقف مشدد
تجاه موسى و بني اسرائيل. وفي آخر آية من
الآيات الحاضرة يعكس القرآن الكريم شكايات
بني إسرائيل وعتابهم من المشكلات التي ابتلوا بها بعد قيام موسى(عليه السلام)
فيقول: (قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما
جئتنا) فإذاً متى يحصل الفرج؟! |
|
الآيتان(130) (131)
وَلَقَدْ أَخَذَنَآ ءَالَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْص مِّنَ الَّثمَرتِ
|
|
وَلَقَدْ أَخَذَنَآ
ءَالَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْص مِّنَ الَّثمَرتِ لَعَلَّهُمْ
يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَآءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ
وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَن مَّعَهُ أَلاَ إِنَّمَا
طَئِرُهُمْ عِندَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (131) |
|
التّفسير |
|
العقوبات التنبيهية:
|
|
لقد كان القانون الإِلهي
العام في دعوة الأنبياء ـ كما قلنا في تفسير الآية (94) من نفس هذه السورة ـ هو
أنّهم كلّما واجهوا معارضة كان الله تعالى يبتلي الاقوام المعاندين بأنواع
المشاكل والبلايا، حتى يحسّوا بالحاجة في ضمائرهم وأعماق نفوسهم، وتستيقظ فيهم فطرة
التوحيد المتكّسلة تحت حجاب الغفلة عند الرفاه والرخاء، فيعودوا إلى الإحساس
بضعفهم وعجزهم، ويتوجهوا إلى المبدأ القادر مصدر جميع النعم. |
|
التفاؤل
والتشاؤم (الفأل والطيرة):
|
|
مسألة التطيّر
والتفاؤل والتشاؤم قد تكون منتشرة في مختلف المجتمعات البشرية، فيتفاءلون
بأُمور وأشياء ويعتبرونها دليل النجاح،
ويتشاءمون بأمور وأشياء ويعتبرونها آية الهزيمة والفشل.
في حين لا توجد أية علاقة منطقية بين النجاح والإخفاق
وبين هذه الأُمور، وبخاصّة في مجال التشاؤم حيت كان له غالباً جانب خرافي
غير معقول. |
|
الآيتان(132)
(133) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ ءَايَة لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا
نَحْنُ لَكَ
|
|
وَقَالُوا مَهْمَا
تَأْتِنَا بِهِ مِنْ ءَايَة لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ
بِمُؤْمِنينَ(132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرادَ
وَالْقُمَّلَ والضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ءَايَت مُّفَصَّلَت فَاسْتَكْبَرُوا
وَكَانُوا قَوْماً مُّجْرِمِينَ(133) |
|
التّفسير |
|
النّوائب
المتنوعة:
|
|
في هاتين الآيتين
أُشير إلى مرحلة أُخرى من الدروس
المنبهة التي لقّنها الله لقوم فرعون، فعندما لم تنفع
المرحلة الأُولى، يعني أخذهم بالجدب والسنين وما ترتب عليه من الأضرار
المالية في إيقاظهم وتنبيههم، جاء دور المرحلة الثّانية
وتمثلت في عقوبات أشدّ، فأنزل الله عليهم نوائب متتابعة
مدمِرة، ولكنّهم ـ وللأسف ـ لم ينتبهوا مع ذلك. |
|
الآيات(134) (136)
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَمُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ
|
|
وَلَمَّا وَقَعَ
عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَمُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ
عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ
مَعَكَ بَنِى إِسْرَءِيل (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى
أَجَل هُم بَلِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ (135) فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ
فَأَغْرَقْنَهُمْ فِى الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَتِنَا وَكَانُوا
عَنْهَا غَفِلِينَ(136) |
|
التّفسير |
|
نقض
العهد المتكرر:
|
|
في هذه الآيات نلاحظ رد فعل
الفرعونيين في مقابل النوائب والبلايا المنبّهة الإِلهيّة، ويستفاد من مجموعها
أنّهم عندما كانوا يقعون في مخالب البلاء ينتبهون من غفوتهم بصورة مؤقتة شأنهم
شأن جميع العصاة، وكانوا يبحثون عن حيلة للتخلص منها، ويطلبون من موسى(عليه
السلام) أن يدعو لهم، ويسأل الله في خلاصهم، ولكن
بمجرّد أن يزول عنهم طوفان البلاء وتهدأ أمواج الحوادث، ينسون كل شيء ويعودون
إلى سيرتهم الأُولى. إنّهم لم يكونوا غافلين
واقعاً، لأنّ موسى(عليه السلام) ذكّرهم مراراً وبالوسائل المختلفة المتعددة
ونبههم، بل أنّهم تصرّفوا عملياً كما يفعل الغافلون، فلم يعتنوا بآيات الله
أبداً. |
|
الآية(137)
وَأَوْرَثْنَا الْقَومَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَرِقَ الاَْرْضِ
وَمَغَرِبَهَا
|
|
وَأَوْرَثْنَا
الْقَومَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَرِقَ الاَْرْضِ وَمَغَرِبَهَا
الَّتِي بَرَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلى بَنِى
إِسْرءِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ
وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) |
|
التّفسير |
|
قوم
فرعون والمصير المؤلم:
|
|
بعد هلاك قوم فرعون، وتحطّم
قدرتهم، وزوال شوكتهم، ورث بنو إسرائيل الذين طال رزوحهم في أغلال الأسر
والعبودية اراضي الفراعنة الشاسعة والآية الحاضرة
تشير إلى هذا الأمر (وأورثنا القوم الذين كانوا
يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها). صحيح أنَّ هذه الآية تحدّثت
عن بني إِسرائيل ونتيجة ثباتهم في وجه الفرعونيين فقط، إلاّ أنّه يستفاد من
الآيات القرآنية الأُخرى أن هذا الموضوع لا يختص بقوم أو شعب خاص، بل إن كان شعب مستضعف نهض وحاول تخليص نفسه من مخالب الأسر
والإستعمار، استعان في هذا السبيل بالثبات والاستقامة، سوف ينتصر آخر المطاف
ويحرر الأراضي التي احتلها الظلمة الجائرون. |
|
الآيات(138) (141)
وَجَوَزْنَا بِبَنِى إِسْرءِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْم يَعْكُفُونَ
|
|
وَجَوَزْنَا
بِبَنِى إِسْرءِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْم يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنَام
لَّهُمْ قَالُوا يَمُوسَى اجْعَل لَّنَآ إِلَهَاً كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ قَالَ
إِنَّكُمْ قَومٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلاَءِ مَتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ
وَبطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ
إِلَهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَلَمِينَ(140)وَإِذْ أَنجَيْنَكُمْ مِّنْ
ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ
وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِى ذَلِكُمْ بَلاَءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ
(141) |
|
التّفسير |
|
الاقتراح
على موسى بصنع الوثن:
|
|
في هذه الآيات إشارة إلى جانب
حساس آخر من قصّة بني إسرائيل التي بدأت في أعقاب الإِنتصار على الفرعونيين، وذلك هو مسألة توجه بني إسرائيل إلى الوثنية التي بحثت
بداياتها في هذه الآيات، وجاءت نتيجتها النهائية بصورة مفصّلة في سورة طه من الآية (86) إلى (97)، وبصورة مختصرة في الآية (148) فما بعد من هذه السورة. وفي الحقيقية فإنّه مع انتهاء
قصة فرعون بدأت مشكلة موسى الداخلية الكبرى، يعني مشكلته مع جهلة بني إسرائيل،
والأشخاص المتعنتين والمعاندين. وكانت هذه المشكلة أشدّ على موسى(عليه السلام)
وأثقل بمراتب كثيرة ـ كما سيتّضح من قضية مواجهته لفرعون والملأ وهذه هي خاصية
المشاكل والمجابهات الداخلية. |
|
بحوث وهنا لابدّ من الانتباه إلى نقاط:
|
|
1
ـ الجهل منشأ الوثنية |
|
الآية(142)
وَوَعَدْنَا مُوسَى ثَلَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَهَا بِعَشْر
|
|
وَوَعَدْنَا مُوسَى
ثَلَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَهَا بِعَشْر فَتَمَّ مِيقَتُ رَبِّهِ
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لاَِخيهِ هَرُونَ اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى
وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) |
|
التّفسير |
|
الميعاد
الكبير:
|
|
في هذا الآية إشارة إلى مشهد
من مشاهد حياة بني إسرائيل، ومشكلة موسى(عليه السلام) معهم، وذلك هو قصّة ذهاب موسى إلى ميقات ربّه، وتلقي أحكام
التّوراة عن طريق الوحي وكلامه مع الله، واصطحاب جماعة
من كبار بني إسرائيل وشخصياتهم إلى الميقات لمشاهدة هذه الحادثة وإثبات
أنّ الله لا يمكن أن يدرَك بالأبصار، والتي ذكرت بعد قصّة عبادة بني إسرائيل
للعجل وإنحرافهم عن مسير التوحيد، وضجّة السامريّ العجيبة. |
|
بحوث وهنا عدّة نقاط ينبغي التوقف عندها والإِلتفات إليها: |
|
1 ـ لماذا
التفكيك بين الثلاثين والعشر؟
|
|
إنّ أوّل سؤال يطرح
نفسه في مجال الآية الحاضرة، هو: لماذا لم
يبيّن مقدار الميقات بلفظ واحد هو الأربعين، بل
ذكر أنّه واعده ثلاثين ليلة ثمّ أتمّه بعشر، في حين
أنّه تعالى ذكر ذلك الموعد في لفظ واحد هو أربعين في الآية (151) من سورة البقرة. |
|
2 ـ كيف نصب
موسى(عليه السلام) هارون قائداً وإماماً؟
|
|
السؤال الثّاني
الذي يطرح نفسه هنا، هو: إنّ هارون كان
نبيّاً، فكيف نصبه موسى(عليه السلام) خليفة له وإماماً وقائد لبني إسرائيل؟ |
|
3 ـ لماذا طلب
موسى(عليه السلام) من أخيه الإصلاح وعدم اتّباع المفسدين؟
|
|
السؤال الثّالث
الذي يطرح نفسه هنا، هو: لماذا قال
موسى(عليه السلام) لأخيه: اصلح ولا تتبع سبيل المفسدين، مع أن هارون نبي معصوم
من المستحيل أن يتبع طريق المفسدين وينهج نهجهم الفاسد؟ |
|
4 ـ ميقات واحد
أو مواقيت متعددة؟
|
|
السؤال الرّابع
الذي يطرح نفسه هنا، هو: هل ذهب موسى إلى
ميقات ربّه مرّة واحدة، وهي هذه الأربعون يوماً، وتلقى أحكام التوراة وشريعته
السماوية عن طريق الوحي في هذه الأربعين يوماً، كما اصطحب معه جماعة من شخصيات
بني إسرائيل معه كممثلين عن قومه، ليشهدوا نزول أحكام التوراة عليه، وليفهمهم أن
الله لا يدرك بالأبصار أبداً، في هذه الأربعين يوماً نفسها؟ |
|
5 ـ حديث المنزلة
|
|
أشار كثير من
المفسّرين الشيعة والسنة ـ في ذيل الآية
المبحوثة ـ إلى حديث «المنزلة» المعروف، بفارق واحد هو:
أنّ الشيعة اعتبروا هذا الحديث من الأدلة الحيّة
والصريحة على خلافة علي(عليه السلام) لرسول
الله(صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرة وبلا فصل. حديث المنزلة في
سبعة مواضع: الإشكال الثّالث: إنّ الاستدلال بهذا الحديث يستلزم أنّه كان لعلي(عليه
السلام) منصب الولاية والقيادة حتى في زمن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)
في حين لا يمكن أن يكون هناك إمامان وقائدان في عصر واحد. |
|
الآية(143) وَلَمَّا
جَآءَ مُوسَى لِمِيقَتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ
|
|
وَلَمَّا جَآءَ
مُوسَى لِمِيقَتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ
قَالَ لَن تَرانِى وَلَكِن انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ
فَسَوْفَ تَرَانِى فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكَّاً وَخَرَّ
مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَنَكَ تُبْتُ إِليْكَ وَأَنَا
أوَّلُ الْمُؤْمِنينَ(143) |
|
التّفسير |
|
المطالبة
برؤية الله:
|
|
في هذه الآيات والآيات
اللاحقة يشير سبحانه إلى مشهد مثير آخر من مشاهد حياة بني إسرائيل، وذلك عندما
طلب جماعة من بني إسرائيل من موسى(عليه السلام) ـ بإلحاح وإصرار ـ أن يَروا الله
سبحانه، وأنّهم لن يؤمنوا به إذا لم يشاهدوه، فاختار موسى سبعين رجلا من قومه
واصطحبهم معه إلى ميقات ربّه، وهناك رفع طلبهم إلى الله سبحانه، فسمع جواباً
أوضح لبني إسرائيل كل شيء في هذا الصعيد. |
|
بحوث
وفي هذه الآية نقاط ينبغي التوقف عندها والإلتفات إليها:
|
|
لماذا
طلب موسى رؤية الله؟
|
|
1 ـ
لماذا طلب موسى رؤية الله؟ صحيح أنّ المفسّرين
ذكروا أجوبة مختلفة على هذا السؤال، ولكن أوضح الأجوبة هو أن موسى(عليه السلام) طرح مطلب قومه، لأنّ جماعة من
جَهَلة بني إسرائيل أصرّوا على أن يروا الله حتى يؤمنوا (والآية 153 من سورة النساء خير شاهد على هذا الأمر) وقد أمر موسى
(عليه السلام) من جانب الله أن يطرح مطلب قومه هذا على الله سبحانه حتى يسمع
الجميع الجواب الكافي، وقد صُرّح بهذا في رواية مرويّة عن الإمام علي بن موسى
الرضا(عليه السلام) في كتاب عيون أخبار الرضا أيضاً(تفسير
نور الثقلين، المجلد الثّاني، الصفحة 65.). 3 ـ
ما هو المراد من تجلّي الله؟ 4 ـ
مم تاب موسى(عليه السلام) ؟ |
|
الآيتان(144)
(145)
قَالَ يَمُوسَى إِنِّى اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَلَتِى وَبِكَلَمِى
|
|
قَالَ يَمُوسَى
إِنِّى اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَلَتِى وَبِكَلَمِى فَخُذْ مَآ
ءَاتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّكِرِينَ(144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِى الاَْلْوَاحِ
مِن كُلِّ شَيء مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلا لِّكُلِّ شَيء فَخُذْهَا بِقُوَّة
وَامُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأحْسَنِهَا سَأُوِريكُمْ دَارَ الْفَسِقِينَ(145) |
|
التّفسير |
|
ألواح
التوراة:
|
|
ففي البداية: (قال يا موسى إنّي اصطفيتك على
الناس برسالاتي وبكلامي). |
|
بحوث ثمّ إن ها هنا نقاط
عديدة ينبغي التوقف عندها والإلتفات إليها: |
|
نزول
الألواح على موسى ـ وكيف كلّم الله موسى؟
|
|
1 ـ
نزول الألواح على موسى |
|
الآيتان(146) (147)
سَأَصْرِفُ عَنْ ءَايَتِى الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِى الاَْرْضِ بِغَيْرِ
الْحَقِّ
|
|
سَأَصْرِفُ عَنْ
ءَايَتِى الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِى الاَْرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن
يَرَوْا كُلَّ ءَايَة لاَّ يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ
لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا وَ إِن يَرَوْا سَبيلَ الْغَىِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِأيَتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَفِلينَ (146)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِأيَتِنَا وَلِقَآءِ الاْخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَلُهُمْ
هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147) |
|
التّفسير |
|
مصير
المتكبرين:
|
|
البحث في هاتين الآيتين هو في
الحقيقة نوع من عملية استنتاج من الآيات الماضية عن مصير فرعون وملئَه والعصاة
من بني إسرائيل، فقد بيّن الله في هذه الآيات الحقيقة
التالية وهي: إذا كان الفراعنة أو متمرّدو بني إسرائيل لم يخضعوا للحق مع
مشاهدة كل تلك المعاجز والبينات، وسماع كل تلكم الحجج والآيات الإلهية، فذلك
بسبب أنّنا نصرف المتكبرين والمعاندين للحق ـ بسبب أعمالهم ـ عن قبول الحق. وبعبارة أُخرى: إنّ الإصرار على تكذيب الآيات الإِلهية قد ترك في نفوسهم
وأرواحهم أثراً عجيباً، بحيث خلق منهم أفراداً متصلبين منغلقين دون الحق، لا
يستطيع نور الهدى من النفوذ إلى قلوبهم. |
|
الآيتان(148) (149)
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَداً
|
|
وَاتَّخَذَ قَوْمُ
مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ
يَرَوْا أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلا اتَّخَذُوهُ
وَكَانُوا ظَلِمينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِى أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ
قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ
مِنَ الْخَسِرِينَ(149) |
|
التّفسير |
|
اليهود
وعبادتهم للعجل:
|
|
في هذه الآيات يقصّ القرآن
الكريم إحدى الحوادث المؤسفة، وفي نفس الوقت
العجيبة التي وقعت في بني إسرائيل بعد ذهاب موسى(عليه السلام) إلى ميقات ربّه، وهي قصّة عبادتهم للعجل التي تمّت على يد شخص يدعى «السامري»
مستعيناً بحلي بني إسرائيل وما كان عندهم من آلات الزّينة. على أنَّ هذه الحادثة مثل
بقية الظواهر الإِجتماعية لم تكن لتحدث من دون مقدمة وأرضيَّة، فبنوا إسرائيل من جهة قضوا سنين مديدة في مصر وشاهدوا كيف يعبد
المصريون الأبقار أو العجول. ومن جانب آخر عندما
عبروا النيل شاهدوا في الضفة الأُخرى مشهداً من الوثنية، حيث وجدوا قوماً يعبدون
البقر، وكما مرّ عليك في الآيات السابقة طلبوا من موسى(عليه السلام) صنماً كتلك
الأصنام، ولكن موسى(عليه السلام)وبّخهم وردّهم، ولامهم بشدّة. |
|
الآيتان(150) (151)
وَلمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَنَ أَسِفاً قَالَ
|
|
وَلمَّا رَجَعَ
مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِى مِن
بَعْدِى أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الاَْلْوَاحَ وَأَخَذَ
بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِليْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ
اسْتَضْعَفُونِى وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِى فَلاَ تُشْمِتْ بِىَ الاَْعْدَآءَ
وَلاَ تَجْعَلْنِى مَعَ الْقَوْمِ الظَّلِمِينَ(150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِى
وَلاَِخِى وَأَدْخِلْنَا فِى رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّحِمينَ(151) |
|
التّفسير |
|
ردة
فعل شديدة تجاه عبادة العجل:
|
|
في هاتين الآيتين بيّن تعالى
بالتفصيل ما جرى بين موسى(عليه السلام) وبين عبدة العجل عند عودته من ميقاته
المشار اليه في الآية السابقة. فهاتان الآيتان تعكسان ردة فعل موسى(عليه السلام)
الشديدة التي أدت إلى يقظة هذه الجماعة. |
|
مقاربة
بين تواريخ القرآن والتوراة الحاضرة:
|
|
يستفاد من الآيات الحاضرة،
وآيات سورة طه أن بني إسرائيل هم الذين صنعوا العجل لا هارون، وأنّ شخصاً خاصاً
في بني إسرائيل يدعى السامريّ هو الذي أقدم على مثل هذا العمل، ولكن هارون ـ أخا
موسى ووزيره ومساعده ـ لم يكن يتفرج على هذا الأمر بل عارضه، ولم يأل جهداً في
هذا السبيل، حتى أنّهم كادوا أن يقتلوه لمعارضته لهم. |
|
الآيات(152) (154)
إِنَّ الَّذيِنَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ
|
|
إِنَّ الَّذيِنَ
اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِى
الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ
عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمُّ تَابُوا مِن بَعْدِهَا وَءَامَنُوا إِنَّ رَبَّكَ
مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُّوسَى الْغَضَبُ
أَخَذَ الاَْلْوَاحَ وَفِى نُسْخَتِهَا هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ
لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) |
|
التّفسير |
|
لقد فعلت ردة فعل موسى(عليه
السلام) الشديدة فعلتها في المآل فقد ندم عَبَدة العجل الإسرائيليون ـ وهم
أكثرية القوم ـ على فعلهم، وقد طرح هذا الندم في عدّة
آيات قبل هذه الآية أيضاً (الآية 149) ومن أجل أن لا يُتصور أن مجرّد
الندم من مثل هذه المعصية العظيمة يكفي للتوبة، يضيف القرآن الكريم قائلا: (إنّ
الذين اتّخذوا العجل سينالهم عضبٌ من ربّهم وذلّة في الحياة الدنيا). إن التعبير بـ
«اتّخذوا» إشارة إلى أنّ الوثن ليس له أية واقعية، ولكن انتخاب عَبَدة الأوثان هو الذي أعطاه تلك الشخصية والقيمة الوهمية،
ولهذا أتى بكلمة «العجل» وراء هذه الجملة فوراً، يعني أنّ ذلك العجل هو نفس ذلك
العجل حتّى بعد انتخابه للعبادة. وفي الآية اللاحقة
يكمّل القرآن الكريم هذا الموضوع ويقول في
صورة قانون عام: (والذين عملوا السيئات ثمّ تابوا من بعدها وآمنوا إن ربّك من
بعدها لغفور رحيم) فالذين يتوبون من بعد السيئة وتتوفر كل شروط التوبة لديهم
يغفر الله لهم ويعفو عنهم. |
|
الآيتان(155) (156) وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا
لِّمِيقَتِنَا
|
|
وَاخْتَارَ مُوسَى
قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا لِّمِيقَتِنَا فَلَمَّآ أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ
قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّى أَتُهْلِكُنَا
بِمَا فَعَلَ السُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِىَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا
مَن تَشَآءُ وَتَهْدِى مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا
وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَفِرينَ(155)وَاكْتُبْ لَنَا فِى هَذِهِ
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الاَْخِرَةِ إنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِى
أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشآءُ وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْء فَسأَكْتُبُهَا
لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ويُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَالَّذِينَ هُم بِأيَتِنَا
يُؤْمِنُونَ (156) |
|
التّفسير |
|
مندوبو
بني إسرائيل في الميقات:
|
|
في الآيتين الحاضرتين يعود
القرآن الكريم مرّة أُخرى إلى قصة ذهاب موسى إلى الميقات «الطور» في صحبة جماعة،
ويقص قسماً آخر من تلك الحادثة. هذا وقد وقع بين
المفسّرين كلام في أنّه هل كان لموسى(عليه
السلام) ميقات واحد مع ربّه، أو أكثر من ميقات واحد؟ وقد أقام كل واحد منهم
شواهد لإِثبات مقصوده من القرآن الكريم، ولكنّه كما
قلنا سابقاً ـ في ذيل الآية (142) من هذه السورة ـ أنّه يظهر من مجموع
القرائن في القرآن الكريم والرّوايات أن موسى(عليه السلام) كان له ميقات واحد، وذلك برفقة جماعة من بني إسرائيل. والجواب على هذا
الكلام واضحٌ أيضاً، لأنّ الكلام
فعل من أفعال الإنسان أيضاً، وإطلاق «الفعل» على «الكلام» ليس أمراً جديداً وغير
متعارف، مثلا عندما نقول: إنّ الله يثيبنا يوم
القيامة على أعمالنا، فإنّ من المسلّم أنَّ لفظة أعمالنا تشمل كلماتنا أيضاً. و«الحسنة» تعني كلَ خير وجمال، وعلى هذا الأساس تشمل جميع النعم، وكذا
التوفيق للعمل الصالح، والمغفرة، والجنّة، وكل نوع من أنواع السعادة، ولا دليل
على حصرها بنوع خاص من هذه المواهب، كما ذهب إليه بعض
المفسّرين. وبهذه الطريقة
تتضمّن الآية برنامجاً كاملا وجامعاً. |
|
الآية(157) الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الاُْمِّىَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً
عِندَهُمْ
|
|
الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الاُْمِّىَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً
عِندَهُمْ فِى التَّوْرَيهِ وَالاِْنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْههُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبتِ وَيُحَرِّمُ
عَلَيْهِمُ الْخَبئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالاَْغْلَلَ الَّتِى
كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ
واتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِى أُنزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
(157) |
|
التّفسير |
|
اتبعوا
هذا النّبي:
|
|
هذه الآية في الحقيقة تكمل
الآية السابقة التي تحدثت عن صفات الذين تشملهم الرحمة الإِلهية الواسعة، أي من
تتوفر فيهم الصفات الثلاث: التقوى، وأداء الزكاة، والإِيمان بآيات الله. وفي هذه
الآية يذكر صفات أُخرى لهم من باب التوضيح، وهي اتّباع الرّسول الأعظم(صلى الله
عليه وآله وسلم)، لأنّ الإِيمان بالله غير قابل للفصل عن الإِيمان بالنّبي(صلى
الله عليه وآله وسلم) واتباع دينه، وهكذا التقوى والزكاة لا يتمان ولا يكملان من
دون اتباع القيادة. لهذا يقول تعالى: (الذين يتّبعون الرسول). ولكن لا مانع أبداً من أن
تكون كلمة «الأُمّي» إشارة إلى كل المفاهيم
والمعاني الثلاثة، وقد قلنا مراراً: إنّه لا
مانع من استعمال لفظة واحدة في عدة معان، ولهذا الموضوع
شواهد كثيرة في الأدب العربي. (وسنبحث بتفصيل حول أميّة النّبي(صلى الله
عليه وآله وسلم) بعد الفراغ من تفسير هذه الآية). |
|
بحوث وهنا لا بد من الوقوف عند نقاط هامة هي:
|
|
1 ـ خمسة أدلة
على النّبوة في آية واحدة
|
|
لم ترد في آية من آيات القرآن
أدلة عديدة على حقانية دعوة الرّسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) كما جاء في
هذه الآية ... فلو أننا أمعنا النظر بدقة في الصفات
السبع التي ذكرها الله تعالى في هذه الآية لنبيه محمّد(صلى الله عليه
وآله وسلم) لوجدنا أنّها تحتوي على سبعة أدلة واضحة
لإِثبات نبوته: الثّاني: أنّ دلائل نبوته قد وردت بتعابير مختلفة في الكتب
السماوية السابقة على نحو توجد علماً لدى المرء بحقانيته.... فإنّ البشارات التي
جاءت في تلك الكتب لا تنطبق إلاّ عليه(صلى الله عليه
وآله وسلم) فقط. |
|
2 ـ كيف كان
النّبي أُميّاً؟
|
|
هناك احتمالات
ثلاثة معروفة حول مفهوم «الأُمّي» كما قلنا سابقاً: الثّالث: أنّ معناه الذي قام من بين صفوف الجماهير. |
|
الآية(158) قُلْ
يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً
|
|
قُلْ يَأَيُّهَا
النَّاسُ إِنِّى رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ
السَّمَواتِ وَالاَْرْضِ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ فَأَمِنُوا
بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيّ الاُْمِّيّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ
وَكَلِمَتِهِ واتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) |
|
التّفسير |
|
دعوة
النّبي العالميّة:
|
|
جاء في حديث عن
الإِمام الحسن المجتبى(عليه السلام) قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: يا
محمّد، أنت الذي تزعم أنّك رسول الله، وأنّك الذي يوحى إليك كما يوحى إلى موسى
بن عمران؟ فسكت النّبي ساعة ثمّ قال: «نعم أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا خاتم
النّبيين، وإمام المتقين، ورسول ربّ العالمين.» قالوا: إلى من، إلى العرب أم إلى
العجم، أم إلينا؟ فأنزل الله هذه الآية التي صرّحت بأنّ رسالة النّبي(صلى الله
عليه وآله وسلم) رسالة عالمية (عن المجالس حسب نقل تفسير
الصافي، ج 1، في ذيل هذه الآية.). النّبي الذي لا يكتفي بدعوة
الآخرين إلى هذه الحقائق فحسب، بل يؤمن هو في الدرجة
الأُولى ـ بما يقول، يعني الإِيمان بالله وكلماته (الذي يؤمن بالله وكلماته). |
|
الآيتان(159) (160)
وَمِن قَومِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
|
|
وَمِن قَومِ مُوسَى
أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ(159)وَقَطَّعْنَهُمٌ اثْنَتىْ
عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُممَاً وَأَوْحَيْنَآ إِلى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَهُ
قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا
عَشْرَةً عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاس مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا
عَلَيْهِمُ الْغَمَمَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا
مِن طَيّبتِ مَا رَزَقْنَكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ (160) |
|
التّفسير |
|
جانب
من نعم الله على بني إسرائيل:
|
|
في الآيات الحاضرة إشارة إلى حقيقة رأينا نظيرها في القرآن الكريم، وهذه الحقيقة هي تحري القرآن للحق، واحترامه لمكانة الأقليات
الدينية الصالحة، يعني أنّه لم يكن ليصف جميع بني إسرائيل بأسرهم بالفساد
والإِفساد، وبأنّ هذا العرق القومي برمته ضالّ متمرد من دون إستثناء، بل اعترف بأن منهم أقلية صالحة غير موافقة على أعمال
الأكثرية، وقد أولى القرآن الكريم اهتماماً خاصاً بهؤلاء فيقول: (ومن قوم موسى أُمّة يهدون بالحق وبه يعدلون). إنَّ هذه الآية قد تشير إلى فريق صغير لم يسلّموا للسامريّ ودعوته، وكانوا يدافعون عن دين موسى دائماً
وأبداً، أو إلى الفرق والطوائف الصالحة الأُخرى التي جاءت بعد موسى(عليه
السلام). ثمّ إنّ
المفسّرين أعطوا تفسيرات متنوعة لهذين
الغذاءين «المنّ» و«السلوى» اللذين أنزلهما الله
على بني إسرائيل في تلك الصحراء القاحلة (وقد ذكرنا هذه
التفاسير عند دراسة الآية 57 من سورة البقرة) وقلنا بأنّه لا يبعد أنّ
«المن» كان نوعاً من العسل الطبيعي الذي كان في بطون الجبال المجاورة، أو عصارات
وإفرازات نَباتية كانت تظهر على أشجار كانت نابتة هنا وهناك في تلك الصحراء،
و«السلوى» نوع من الطير الحلال اللحم شبيه بالحمام. |
|
الآيتان(161) (162)
وَإِذْ قِيلَ لَهُمْ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ
شِئْتُمْ
|
|
وَإِذْ قِيلَ
لَهُمْ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ
وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ
خَطِيئَتِكُمْ سَنَزِيدُ الُْمحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا
مِنْهُمْ قَوْلا غَيْرَ الَّذِى قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً
مِّنَ السَّمَآءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ(162) |
|
التّفسير |
|
في تعقيب الآيات السابقة تشير
هاتان الآيتان إلى قسم آخر من المواهب الإِلهية
لبني إسرائيل وطغيانهم تجاه تلك النعم، وكفرانهم بها. وبالرغم من أن الله فتح
أمامهم أبواب الرحمة، ولو أردوا إغتنام الفرصة
لاستطاعوا حتماً إصلاح ماضيهم وحاضرهم، ولكن لم يغتنم الظالمين من بني
إسرائيل هذه الفرصة فحسب، بل بدّلوا أمر الله، وقالوا خلاف ما أمروا أن يقولوه: (فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم). |
|
الآيات (163) (166)
وسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ
|
|
وسْئَلْهُمْ عَنِ
الْقَرْيَةِ الَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِى السَّبْتِ
إِذْ تَأْتِيِهمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ
يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيِهمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
(163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ
مُهْلِكُهُمْ أَوْ مَعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلى
رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ
أَنجَيْنَا الَّذِين يَنْهَونَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا
بِعَذابِ بَئِيس بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَّا
نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَْسِئينَ (166) |
|
التّفسير |
|
قصّة
فيها عبرة:
|
|
في هذه الآيات يستعرض مشهداً آخر من تاريخ بني إسرائيل الزاخر
بالحوادث، وهو مشهد يرتبط بجماعة منهم كانوا يعيشون عند ساحل بحر. غاية ما في
الأمر أن الخطاب موجه فيها إلى الرّسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، فيقول له: اسأل يهود عصرك حول تلك الجماعة، يعني جدّد
هذه الخاطرة في أذهانهم عن طريق السؤال ليعتبروا بها، ويجتنبوا المصير والعقاب
الذي ينتظرهم بسبب طغيانهم وتعنتهم. ثمّ إنّ الآية
اللاحقة تقول: وفي المآل غلبت عبادة الدنيا
عليهم، وتناسوا الأمر الإِلهي، وفي هذا الوقت نجينا الذين كانوا ينهون عن
المنكر، وعاقبنا الظالمين بعقاب أليم منهم بسبب فسقهم وعصيانهم (فلمّا نسوا ما
ذِكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا
يفسقون)( بئيس مشتقة من مادة «بأس» يعني الشديد.). |
|
بحوث
وهنا نقاط عديدة يجب الإِلتفات إليها:
|
|
1 ـ كيفَ ارتكبوا
هذه المعصية؟
|
|
وأمّا كيف بدأت هذه الجماعة
عملية التجاوز على هذا القانون الإِلهي؟ فقد وقع فيه كلام بين المفسّرين. |
|
2 ـ من هم الذين
نجوا؟
|
|
الظاهر من الآيات الحاضرة أنّ فريقاً واحداً من الفرق الثلاثة (العصاة،
المتفرجون، الناصحون) هو الذي نجى من العذاب الإِلهي وهم افراد الفريق الثّالث. وكما جاء في
الرّوايات، فإنّه عندما رأى هذا الفريق
أن عظاته ونصائحه لا تجدي مع العصاة انزعجوا وقالوا: سنخرج من المدينة، فخرجوا
إلى الصحراء ليلا، واتفق أن أصاب العذابُ الإِلهي كلا الفريقين الآخرين. |
|
3 ـ هل أنّ كلا
الفريقين عوقبوا بعقاب واحد
|
|
يظهر من الآيات الحاضرة أنّ عقوبة المسخ كانت مقتصرة على العصاة، لأنّه تعالى
يقول: (فلمّا عتوا عن ما نهوا عنه ...) ولكن من جانب
آخر يستفاد من الآيات الحاضرة ـ أيضاً ـ أنّ الناصحين الواعظين فقط هم
الذين نجوا من العقاب، لأنّه تعالى يقول: (أنجينا الذين ينهون عن السوء). |
|
4 ـ هل المسخ كان
جسمانياً أو روحانياً؟
|
|
«المسخ» أو بتعبير آخر «تغيير الشكل الإِنساني
إلى الصورة الحيوانية» ومن المسلّم أنّه حدثٌ على خلاف العادة والطبيعة. |
|
5 ـ المخالفة تحت
غطاء الحيلة الشّرعية
|
|
إنّ الآيات الحاضرة وإن كانت لا تتضمّن الإشارة إلى تحايل أصحاب السبت في
صعيد المعصية، ولكن ـ كما أسلفنا ـ أشار كثير من المفسّرين في شرح هذه الآيات
إلى قصّة حفر الأحواض، أو نصب الصنارات في البحر في يوم السبت، ويشاهد هذا
الموضوع نفسه في الرّوايات الإِسلامية، وبناء على هذا تكون العقوبة الإِلهية
التي جرت على هذا الفريق ـ بشدة ـ تكشف عن أن الوجه
الحقيقي للذنب لا يتغير أبداً بانقلاب ظاهره، وباستخدام ما يسمى بالحيلة
الشرعية، فالحرام حرام سواء أتي به صريحاً، أو تحت لفافات كاذبة، ومعاذير
واهية. |
|
6 ـ أنواع
الإبتلاء الإِلهي المختلفة
|
|
صحيح أنّ صيد السمك من البحر
لسكان السواحل لم يكن مخالفة، ولكن قد ينهي الله جماعة من الناس وبصورة مؤقَّتة،
وبهدف الإِختبار والإِمتحان عن مثل هذا العمل، ليرى مدى تفانيهم، ويختبر مدى
إخلاصهم، وهذا هو أحد أشكال الإِمتحان الإِلهي. |
|
الآيتان(167) (168)
وَإذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيمَةِ مَن
يَسُومُهُمْ
|
|
وَإذْ تَأَذَّنَ
رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيمَةِ مَن يَسُومُهُمْ
سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ
رَّحِيمٌ(167)وَقَطَّعْنَهُمْ فِى الاَْرْضِ أُممَاً مِّنْهُمْ الصَّلِحُونَ
وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَهُمْ بِالْحَسَنَتِ وَالسَّيِّئَاتِ
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) |
|
التّفسير |
|
تفرق اليهود وتشتتهم:
|
|
هذه الآيات إشارة إلى قسم من
العقوبات الدنيوية التي أصابت جماعة من اليهود خالفت أمر الله تعالى، وسحقت الحق
والعدل والصدق. وعلى هذا الأساس تشمل «الحسنات» كل نعمة ورفاه واستقرار، كما تشمل
«السيئات» كل نقمة وشدة، وحصر هذين المفهومين في دائر ضيّقة معيّنة لا دليل
عليه. |
|
الآيتان َ(169) (170)
فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا
الاَْدْنَى
|
|
فَخَلَفَ مِن
بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الاَْدْنَى
وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ
أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيهِمْ مِّيثَقُ الْكِتَبِ أَن لاَّ يَقُولُوا عَلَى اللهِ
إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الاَْخِرَةُ خَيْرٌ
لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ(169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَبِ
وَأَقَامُوا الصَّلَوةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) |
|
التّفسير |
|
في الآيات الماضية دار الحديث
حول أسلاف اليهود، ولكن في الآية الحاضرة دار الكلام حول أبنائهم وأخلافهم. من كل ما قيل يتّضح أنّ هذا المبدأ والمرتكز الفكري لا يختص باليهود، بل هو أصل في حياة الأُمم والشعوب. وعلى هذا الأساس
فإنّ الذين يجمعون متاعاً زائلا بواسطة كتمان الحقائق وتحريفها، ثمّ يرون نتائجه
المشؤومة يتّخذون لأنفسهم حالة من التوبة الكاذبة، توبة سرعان ما تزول وتذوب
أمام إبتسامة من منفعة مادية متجدّدة، كما يذوب الثلج في حرّ القيظ فهؤلاء هم
المخالفون لإصلاح المجتمعات البشرية، وهم الذين يضحون
بمصالح الجماعة في سبيل مصالح الفرد، سواء صدر هذا الفعل من يهوديّ أو مسيحي أو
مسلم. |
|
الآية(171) وَإِذْ
نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ
بِهِمْ
|
|
وَإِذْ نَتَقْنَا
الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ
خُذُوا مَآ ءَاتَيْنَكُمْ بِقُوَّة وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ (171) |
|
التّفسير |
|
آخر
كلام حول اليهود:
|
|
«نتقنا»
من مادة «نتق» على وزن
«قلع» تعني في الأصل قلع وانتزاع شيء من مكانه،
وإلقاءه في جانب آخر، ويطلق على النساء اللواتي يلدن كثيراً أيضاً «ناتق»
لأنّهن يفصلن الأولاد من أرحامهن ويخرجنهم بسهولة. |
|
الآيات(172) (174)
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ
|
|
وَإِذْ أَخَذَ
رَبُّكَ مِن بَنِى ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى
أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ
الْقِيَمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَفِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما
أَشْرَكَ ءَابَآؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ
أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ
الاَْيَتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(174) |
|
التّفسير |
|
العهدِ
الأوّل وعالم الذّر:
|
|
الآيات المذكورة أعلاه، تشير إلى «التوحيد الفطري» ووجود الإِيمان في أعماق
روح الإِنسان ... ولذلك فإنّ هذه الآيات تُكمل الأبحاث الواردة في الآيات
المتقدمة من هذه السورة في شأن «التوحيد الإِستدلالي»! إيضاح لما ورد عن
عَالَم الذَّرِ. ومثل هذه التعابير
غير قليلة في أحاديثنا اليوميّة، إذ نقول
مثلا: لون الوجه يُخبر عن سره الباطني «سيماهم في
وجوهم»، أو نقول: إنّ عيني فلان المجهدتين تنبئان
أنّه لم ينم الليلة الماضية. |
|
عالم
الذر في الرّوايات الإِسلاميّة:
|
|
وردت روايات كثيرة في مختلف
المصادر الإِسلاميّة من كتب الشيعة وأهل السنة حول عالم
الذّر... بحيث تتصور لأوّل وهلة وكأنّها رواية متواترة... فمثلا في تفسير البرهان وردت 37
روايةً، وفي تفسير نور الثقلين وردت ذيل
الآيات الآنفة 30 رواية بعضها مشترك والآخر مختلف،
وبملاحظة الإِختلاف فيها فقد يصل مجموع ما ورد
من الرّوايات إلى أربعين روايةً.... |
|
الآيات(175) (178)
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِى ءَاتَيْنَهُ ءَايَتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا
فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَنُ
|
|
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ
نَبَأَ الَّذِى ءَاتَيْنَهُ ءَايَتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ
الشَّيْطَنُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَهُ بِهَا
وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الاَْرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَيهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ
إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَّلِكَ مَثَلُ
الْقَومِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِايَتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ (176) سَآءَ مَثَلا الْقَومُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِايَتِنَا
وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ(177)مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِى
وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَسِرُونَ(178) |
|
التّفسير |
|
في هذه الآيات إشارة لقصّة أُخرى من قصص بني إسرائيل، وهي تعد مثلا وأنموذجاً لجميع أُولئك الذين يتصفون
بمثل هذه الصفات. |
|
العالِم
المنحرف «بلعم بن باعوراء»:
|
|
كما لاحظنا أنّ الآيات
السالِفة لم تذكر اسم أحد بعينه، بل تحدثت عن
عالم كان يسير في طريق الحق ابتداءً وبشكل لا يفكر معه أحد بأنّه سينحرف يوماً،
إلاّ أنّه نتيجةً لإتّباعه لهوى النفس وبهارج الدنيا انتهى إلى السقوط في جماعة
الضالين وأتباع الشياطين. إلاّ أننا نستبعد ما يحتمله
بعضهم من أن المقصود هو (أمية بن الصلت) الشاعر المعروف في زمان الجاهلية، الذي
كان باديء أمره ونتيجة لإطلاعه على الكتب السماوية ينتظر نبي آخر الزمان، ثمّ
حصل له هاجس أن النّبي قد يكون هو نفسه، ولذلك بعد أن بُعث النّبي(صلى الله عليه
وآله وسلم) أصابه الحسد له وعاداه. فبناءً على هذا فإنّ الآية
محل البحث تنسجم مع الآيات المتقدمة التي تذهب إلى أصل حرية الإِرادة... ولا
منافاة بين هذه الآية وتلكم الآيات بتاتاً... |
|
الآيات(179) (181)
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرَاً مِّنَ الجِنِّ وَالاِْنسِ لَهُمْ
قُلُوبٌ
|
|
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا
لِجَهَنَّمَ كَثِيرَاً مِّنَ الجِنِّ وَالاِْنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ
يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءاَذانٌ
لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُولَئِكَ كَالاْنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ
هُمُ الْغَفِلُونَ (179) وَللهِ الاَْسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا
وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى أسْمَئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا
يَعْمَلُون (180)وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ
يَعْدِلُون(181) |
|
التّفسير |
|
علائم
أهل النّار:
|
|
هذه الآيات تكمل الموضوع الذي
تناولته الآيات المتقدمة حول العلماء الذين ركنوا إلى الدنيا، وعوامل الهداية
والضلال. والآيات ـ محل البحث ـ تقسم الناس إلى مجموعتين... وتحكي عن صفاتهما
وهما أهل النّار، وأهل الجنّة. والمقصود من
الإِلحاد في أسماء الله هو أن نحرف
ألفاظها أو مفاهيمها. بحيث نصفه بصفات لا تليق بساحته المقدسة، كما يصفه
المسيحيون بالتثليث «الله والابن وروح القدس» أو أن نطبّق صفاته على المخلوقين
كما فعل ذلك المشركون وعبدة الأوثان إذ اشتقوا لأصنامهم أسماءً من أسماء الله
فسمّوها... اللات والعزّى ومناة ..(وغيرها) فهذه الأسماء مشتقّة من الله والعزيز
والمنان «على التوالي». |
|
بحوث
|
|
1 ـ ما هي
الأسماء الحسنى؟
|
|
في كتب الأحاديث «لأهل السنة والشيعة» أبحاث كثيرة عن أسماء الله الحسنى، نورد خلاصتها في هذا المجال مضافاً إليها ما نعتقده نحن في هذا الصدد. |
|
2 ـ الأُمّةُ
الهُداة!
|
|
قرأنا في الآيات محل البحث
أنّ طائفة من عباد الله يدعون نحو الحق ويحكمون به (وممن
خلقنا أُمّة يهدون بالحق وبه يعدلون). وجاء في بعض
الرّوايات الأُخرى أنّ المراد من
قول تعالى: (وممن خلقنا أُمّة يهدون بالحق)، هم
الأئمّة من أهل البيت(عليهم السلام)»( نور الثقلين، ج2،
ص 104 ـ 105.1). |
|
3 ـ اسم الله
الأعظم
|
|
جاء في بعض
الرّوايات عن قصة بلعم بن باعورا الذي ورد
ذكره ـ آنفاً ـ أنّه كان يعرف الإسم الأعظم، ولا بأس أن نشير إلى هذا الموضوع
لمناسبة وُرود الأسماء الحُسنَى في الآيات محل البحث... إلاّ أن الأهم في
البحث أن نعثر على اسم أو صفة من صفاته تعالى بتطبيقها على
وجودنا نحصل على تكامل روحي تترتب عليه تلك الآثار. |
|
الآيتان(182) (183)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ
يَعْلَمُونَ
|
|
وَالَّذِينَ
كَذَّبُوا بِآيَتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ
يَعْلَمُونَ(182)وَأُمْلِى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ(183) |
|
التّفسير |
|
الإِستدراج!... ويقول الإمام الصادق(عليه
السلام): «كم من مغرور بما قد أنعم الله عليه، وكم من
مستدرج يستر الله عليه، وكم من مفتون بثناء الناس عليه»(1). |
|
الآيات(184) (186)
أَو لَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمِ مِّن جِنَّة إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ
مُّبِينٌ
|
|
أَو لَمْ
يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمِ مِّن جِنَّة إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ
مُّبِينٌ(184)أَوَ لَمْ يَنظُرُوا فِى مَلَكُوتِ السَّمَوتِ وَالاَْرْضِ وَمَا
خَلَقَ اللهُ مِن شَيء وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ
فَبِأَىِّ حَدِيثِ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) مَن يُضْلِلِ اللهُ فَلاَ هَادِىَ
لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِى طُغْيَنِهِمْ يَعْمَهُونَ(186) |
|
سبب النّزول
|
|
روى المفسّرون أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) حين كان بمكّة، صعد
ذات ليلة على جبل الصفا ودعا الناس إلى توحيد الله، وخاصّة قبائل قريش، وحذرهم
من عذاب الله، وقال: «إِنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد، قولوا، لا إله إلاّ
الله تفلحوا» فقال المشركون: إنّ صاحبهم قد جُنّ، بات ليلا يصوت حتى الصباح،
فنزلت الآيات وألجمتهم وردت قولهم. |
|
التّفسير |
|
التُهم
والأباطيل:
|
|
في الآية الأُولى
من الآيات ـ محل البحث ـ يردُّ الله
سبحانه على كلام المشركين الذي لا أساس له بزعمهم أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله
وسلم) قد جُنّ، فيقول سبحانه: (أو لم يتفكروا ما
بصاحبهم من جنّة).( «الجنّة» كما يذهب إليه أصحاب اللغة معناها الجنون، ومعناها في الأصل: الحائل والمانع فكأنما يُلقى على العقل حائل عند الجنون.) والواو والتاء
المزيدتان المردفتان به هما للتأكيد والمبالغة. ويُطلق هذا الإِستعمال على حكومة الله المطلقة التي لا حدّ لها ولا
نهاية.. |
|
الآية(187) يَسْئَلُونَكَ
عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّى
|
|
يَسْئَلُونَكَ عَنِ
السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّى لاَ
يُجَلِّيَها لِوَقْتَهآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِى السَّمَواتِ وَالاَْرْضِ
لاَتَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغَتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا قُلْ
إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللهِ وَلَكِنْ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ
يَعْلَمُونَ(187) |
|
سبب النّزول
|
|
أيّان يومُ
القيامة؟! |
|
التّفسير |
|
مع أنّ هذه الآية ذات سبب خاص
في النّزول ـ كما ذكروا ـ إلاّ أنّها في الوقت ذاته لها علاقة وثيقة بالآيات
المتقدمة أيضاً، لأنّه قد وردت الإشارة إلى يوم القيامة ولزوم الإستعداد لمثل
ذلك اليوم في الآيات السابقة. وبالطبع فإنّ موضوعاً كهذا يستدعي السؤال عن موعده
وقيامه، ويستثير كثيراً من الناس أن يسألوه: أيّان يوم القيامة؟ لهذا فإنّ
القرآن يقول: (يسألونك عن الساعة أيّان مرساها)؟! ثمّ إنّ قيام الساعة يكون على
حين غرّة، وبدون مقدمات تدريجية، بل على شكل مفاجيء وانقلاب سريع. |
|
الآية(188) قُل لاَّ
أمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعاً وَ لاَ ضَرَّاً إلاّ مَا شَآءَ اللهُ
|
|
قُل لاَّ أمْلِكُ
لِنَفْسِى نَفْعاً وَ لاَ ضَرَّاً إلاّ مَا شَآءَ اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ
الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ السُّوءُ إِنْ أَنَا
إلاّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوم يُؤْمِنُونَ(188) |
|
سبب النّزول
|
|
روى بعض المفسّرين «كالعلاّمة
الطبرسي في مجمع البيان» أن أهل مكّة قالوا لرسول الله(صلى الله عليه وآله
وسلم): إذا كان لك إرتباط بالله، أفلا يطلعك الله على غلاء السلع أو زهادتها في
المستقبل، لتهيء عن هذا الطريق ما فيه النفع والخير وتدفع عنك ما فيه الضرر
والسوء; أو يطلعك الله على السَّنَة المُمْحِلَة «القَحط» أو العام المخصب
العشب، فينتقل إلى الأَرض الخصيبة؟ فنزلت عندئذ الآية ـ محل البحث ـ وكانت جوابَ
سؤالهم. |
|
التّفسير |
|
لا
يعلم الغيب إلاّ الله:
|
|
بالرّغم من أنّ هذه
الآية لها شأن خاص في نزولها، إلاّ أنّ
إرتباطها بالآية السابقة واضح، لأنّ الكلام كان في الآية السابقة على عدم علم
أحد بقيام الساعة إلاّ الله، والكلام في هذه الآية على نفي علم الغيب عن العباد
بصورة كلية. |
|
الآيات(189) (193)
هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْس وَاحِدَة وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا
لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا
|
|
هُوَ الَّذِى
خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْس وَاحِدَة وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ
إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّهَا حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفَاً فَمَرَّتْ بِهِ
فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَّعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ ءَاتَيْتَنَا صَلِحاً
لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّكِرينَ(189) فَلَمَّآ ءَاتَيهُمَا صَلِحاً جَعَلا لَهُ،
شُرِكَآءِ فِيمَآ ءَاتَهُمَا فَتَعَلى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190)
أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلاَ
يَسْتَطِعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (192) وَإِنْ
تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيكُمْ
أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَمِتُونَ(193) |
|
التّفسير |
|
جحدُ
نعمة عظمى:
|
|
في هذه الآيات إشارة إلى جانب
آخر من حالات المشركين وأُسلوب تفكيرهم، والردّ على تصوّراتهم الخاطئة. لما كانت
الآية السابقة تجعل جميع الوان النفع والضرّ وعلم الغيب منحصراً بالله، وكانت في
الحقيقة إشارة إلى توحيد أفعال الله. فالآيات محل البحث تعدّ مكملةً لها لأنّ
هذه الآيات تشير إلى توحيد أفعال الله أيضاً. يوجد طريقان لتفسير الآيتين
هاتين «وما بعدهما»، ولعل جميع ما قاله المفسّرون على اختلاف آرائهم يرجع إلى هذين الطريقين... وهكذا يهملون التأثير
الرّباني بشكل عام، ويرون العلّة الأصلية هي العوامل الطبيعية أو المعبودات الخرافية(يرى بعض المفسّرين أن بداية الآية يتعلق بآدم وحواء، وذيل
الآية تتعلق بأبناء آدم وحواء، وهذا تكلّف، لأنّه يحتاج إلى حذف وتقدير، وهو لا
ينسجم وظاهر الآية.). |
|
رواية
مجعولة:
|
|
جاء في بعض المصادر الحديثية لأهل السنّة، وبعض كتب الحديث الشيعية غير المعتبرة،
في تفسير الآيات محل البحث، حديث لا ينسجم مع العقائد الإِسلامية، ولا يليق بشأن
الأنبياء أبداً. وهذا الحديث كما جاء في مسند أحمد هو: أنّ سمرة بن جندب روى عن
النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: لمّا ولدت حواء طاف بها إبليس وكان
لا يعيش لها ولد فقال: سَميّه: عبدَ الحارث، فعاش وكان ذلك من وحي الشّيطان
وأمره(مسند بن حنبل، وفقاً لما وراه تفسير المنار، ج 9،
ص 522.) «الحارث اسم من أسماء الشيطان». |
|
الآيتان(194) (195)
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ
|
|
إِنَّ الَّذِينَ
تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ
فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَدِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ
يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْد يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ
يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا
شُرَكَآءَكُمْ ثمّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ (195) |
|
التّفسير |
|
هاتان الآيتان ـ محل البحث ـ تواصلان الكلام على التوحيد ومكافحة الشرك،
وتكملان ما عالجته الآيات السابقة، فتعدّان كل شرك في العبادة عملا سفيها و
بعيداً عن المنطق والعقل! |
|
الآيات(196) (198)
إِنَّ وَلِىَّ اللهُ الَّذِى نَزَّلَ الْكِتَبَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّلِحِينَ
|
|
إِنَّ وَلِىَّ
اللهُ الَّذِى نَزَّلَ الْكِتَبَ وَهُوَ يَتَوَلَّى
الصَّلِحِينَ(196)وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ
نَصْرَكُمْ وَلاَ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلىَ
الْهُدَى لاَ يَسْمَعُوا وَتَرَيهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ
(198) |
|
التّفسير |
|
المعبودات التي لا
قيمة لها: بل أبعد من ذلك (وإن تدعوهم
إلى الهدى لا يسمعوا) وبالرغم من العيون المصنوعة لهم التي يخيل إلى الرائي
أنّها تنظر: (وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون). |
|
الآيات(199) (203)
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَهِلِينَ
|
|
خُذِ الْعَفْوَ
وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنزِغَنَّكَ
مِنَ الشَّيْطَنِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
(200)إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَئِفٌ مِّنَ الشَّيْطَنِ
تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُّبْصِرُونَ (206) وَإِخْوَنُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِى
الْغَىِّ ثمّ لاَ يُقْصِرُونَ(202) وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِأيَة قَالُوا
لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَىَّ مِن رَّبِّى
هَذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْم يُؤْمِنُونَ(203) |
|
التّفسير |
|
وَساوِسُ
الشّيطان:
|
|
في هذه الآيات يبيّن القرآن
شروط التبليغ وقيادة الناس وإمامتهم بأُسلوب أخّاذ رائق وجيز، وهي في الوقت ذاته
تتناسب والآيات المتقدمة التي كانت تشير إلى مسألة تبليغ المشركين أيضاً. العفو: قد يأتي بمعنى الزيادة في الشيء أحياناً، كما قد يأتي
بمعنى الحدّ الوسط، كما يأتي بمعنى قبول العذر والصفح عن المخطئين والمسيئين،
وتأتي أحياناً بمعنى استسهال الأُمور. وسواء كان الحديث الشريف يدلّ على ما فسّره المفسّرون وأشرنا إليه آنفاً، أو
كما عبرنا عنه بشروط القائد أو المبلغ، فهو يبيّن هذه الحقيقة، وهي أنّ هذه الآية القصيرة الوجيزة تتضمّن منهجاً جامعاً
واسعاً كليّاً في المجالات الأخلاقية والإِجتماعية، بحيث يمكننا أن نجد
فيها جميع المناهج الإِيجابية البناءة والفضائل الإِنسانية. وكما يقول بعض المفسّرين: إنّ إعجاز القرآن بالنسبة
إلى الإِيجاز في المبنى، والسعة في المعنى، يتجلى في الآية محل البحث تماماً. |
|
الآيات(204) (206)
وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ
|
|
وَإِذَا قُرِىءَ
الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(204)
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِى نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ
الْقَوْلِ بِالغُدُوِّ وَالاَْصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِّن الْغَفِلِينَ (205)إِنَّ
الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ
وَلَهُ يَسْجُدُونَ(206) |
|
التّفسير |
|
وإذا
قُرىء القرآن فاستمعوا وانصتوا:
|
|
لقد بدأت هذه السورة (سورة الأعراف) ببيان عظمة القرآن، وتنتهي بالآيات ـ محل
البحث ـ التي تتكلم عن القرآن أيضاً. كما نقل الزّهري
سبباً آخر لنزول الآية، وهو أنّه لما
كان النّبي يقرأ القرآن، كان شاب من الأنصار يقرأ معه القرآن بصورت مرتفع،
فالآية نزلت ونهت عن ذلك. * * * |
|
|
|
|
سُورَة
الأَعْرَافْ مَكيَّة وَعَدَدُ آيَآتِهَا مَائتان وَستّ آياتْ
|
|
هذه السورة من السور المكية
إِلاّ قوله تعالى: (واسألهم عن القرية) ـ
إِلى ـ (بما كانوا يفسقون)، الذي نزل في
المدينة. |
|
لمحة سريعة عن محتويات هذه السّورة:
|
|
إِن أكثر
السور القرآنية (80 إِلى 90 سورة) ـ كما نعلم ـ نزلت في مكّة، ونظراً إِلى الأوضاع التي كانت سائدة في
المحيط المكّي، وحالة المسلمين خلال 13 عاماً، وكذا بالإِمعان في صفحات التّأريخ
الإِسلامي بعد الهجرة، يتضح بجلاء أن هناك فرقاً بين لحن السور المكية والسور
المدنية. |
|
الآيات(1) (3)
المص(1) كِتَبٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ
لِتُنذِرَ بِهِ
|
|
المص(1) كِتَبٌ
أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ
وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ(2) اتَّبِعُوا مَآ أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِّن
رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيلا مَّا
تَذَكَّرُونَ(3) |
|
التّفسير |
|
في مطلع هذه السّورة نواجه
مرّة أُخرى «الحروف المقطَّعة» وهي هنا عبارة
عن: الألف واللام والميم، والصاد. |
|
الآيتان(4) (5) وَكَم
مِّن قَرْيَة أَهْلَكْنَهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَتاً أَوْهُمْ قَآئِلُونَ
|
|
وَكَم مِّن قَرْيَة
أَهْلَكْنَهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَتاً أَوْهُمْ قَآئِلُونَ(4)فَمَا كَانَ
دَعْوَهُمْ إِذْ جَآءَهُم بَأْسُنَآ إِلاَّ أَن قَالُوا إِنَّا كُنَّا
ظَلِمِينَ(5) |
|
التّفسير |
|
الأقوام التي هَلَكت وبادت:
|
|
هاتان الآيتان
تشيران إِلى العواقب المؤلمة التي تترتب على مخالفة الأوامر
التي تمّ بيانها في الآيات السابقة، كما أنّهما تعدّان
ـ في الواقع ـ فهرستاً إِجمالياً عن قصص الأقوام
المتعددة أمثال نوح، وقوم فرعون، وقوم عاد وثمود، وقوم
لوط التي ستأتي فيما بعد. |
|
بحوث
|
|
إنّ ها هنا نقاطاً
عديدة ينبغي الإلتفات إليها: |
|
الآيات(6) (9) فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ
وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ
|
|
فَلَنَسْئَلَنَّ
الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ(6)فَلَنَقُصَّنَّ
عَلَيْهِم بِعِلْم وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ(7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذ الْحَقُّ
فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(8) وَمَنْ
خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا
بِأَيَتِنَا يَظْلِمُونَ(9) |
التّفسير |
|
التّحقيق الشّامل:
|
|
لقد تضمنت الآيات السابقة
إِشارة إِلى معرفة الله ونزول القرآن الكريم، أمّا الآيات أعلاه فانها تتحدث عن
المعاد فهي مكملة للآيات السالفة، مضافاً إِلى أنّ الآية المتقدمة تحدثت عن
الجزاء الدنيوي للظالمين، وهذا الآيات تبحث في الجزاء والعقاب الأُخروي لهم،
وبهذا يتضح الإِرتباط بينها. المساءلة لماذا؟ فكيف يمكن التوفيق
والجمع بين تلك الآيات والآيات الحاضرة
التي تثبت قضية المساءلة يوم القيامة؟! |
|
|
ما
هو ميزان الأعمال يوم القيامة؟
|
|
لقد وقع كلام كثير بين
المفسّرين والمتكلمين حول كيفية وزن الأعمال يوم القيامة، وحيث أنّ البعض تصور
أن وزن الأعمال وميزانها في يوم القيامة يشبه الوزن والميزان المتعارف في هذه
الحياة، ومن جانب آخر لم يكن للأعمال البشرية وزن، وخفة وثقل يمكن أن يُعرَف بالميزان، لهذا لابدّ من حلّ هذه
المشكلة عن طريق فكرة تجسم الأعمال، أو عن طريق أن الأشخاص أنفسهم يوزنون بدل أعمالهم في ذلك اليوم. |
|
الآية(10) وَلَقَدْ
مَكَّنَّكُمْ فِى الاَْرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَيِشَ
|
|
وَلَقَدْ
مَكَّنَّكُمْ فِى الاَْرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَيِشَ قَلِيلا مَّا
تَشْكُرُونَ(10) |
|
التّفسير |
|
مكانة
الإِنسان وعظمته في عالم الوجود:
|
|
عقيب الآيات التي أشارت إِلى
المبدأ والمعاد، يدور البحث في هذه الآية والآيات اللاحقة حول عظمة الانسان
وأهمية مقامه، وكيفية خلق هذا الكائن والمفاخر التي وهبها الله له، والمواثيق
التي أخذها الله منه لقاء هذه المواهب والنِعم، كل ذلك لتقوية قواعد وأُسس
تربيته وتكامله. |
|
الآيات(11) (18)
وَلَقَدْ خَلَقْنَكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَئِكَةِ
اسْجُدُوا لاَِدَمَ فَسَجَدُوا
|
|
وَلَقَدْ
خَلَقْنَكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَئِكَةِ اسْجُدُوا
لاَِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ السَّجِدِينَ(11) قَالَ
مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ
خَلَقْتَنِى مِن نَّار وَخَلَقْتَهُ مِن طِين(12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا
يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّغِرِينَ(13)
قَالَ أَنظِرْنِى إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ
الْمُنظَرِينَ(15) قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِى لاََقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَطَكَ
الْمُسْتَقِيمَ(16) ثُمَّ لاََتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ
خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَنِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ
شَكِرِينَ(17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ
مِنْهُمْ لاََمْلاََنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ(18) |
|
التّفسير |
|
قصّة
عصيان إِبليس
|
|
لقد أشير إِلى مسألة خلق الإِنسان
وكيفية إِيجاده في سبع سور من سُوَر القرآن الكريم، والهَدَفَ من ذكر هذا
الموضوع ـ كما سبق أن أشرنا في الآية السابقة ـ هو بيان شخصية الإِنسان، ومقامه،
ومنزلته بين كائنات العالم، وبعث روح الشكر والحمد فيه. |
|
بحث:
1 ـ سجود الملائكة لم يكن سجود عبادة
|
|
كما قلنا في ذيل الآية (34) من سورة البقرة: إِنّ سجود الملائكة
لآدم لم يكن سجود عبادة، لأن العبادة مخصوصة الله سبحانه، بل السجدة هنا بمعنى التواضع
(أي الخضوع أمام عظمة آدم وسموّ منزلته في عالم الخليقة) أو بمعنى السجود لله
الذي خلق مثل هذا المخلوق المتعادل المتوازن. |
|
بحث:
2ـ إِبليس لم يكن من الملائكة
|
|
إِنّ «إِبليس» ـ كما قلنا في ذيل تلك الآية ـ لم
يكن من الملائكة، بل هو حسب صريح الآيات القرآنية من قسم آخر من الكائنات
يُدعى «الجنّ» (وللمزيد
من التوضيح راجع المجلد الأوّل من هذا
التّفسير في الحديث عن سجود الملائكة لآدم). |
|
أوّل
قياس هو قياس الشيطان:
|
|
القياس في الأحكام والحقائق
الدينية مرفوض بشكل قاطع في أحاديث عديدة وردت عن أهل البيت(عليهم السلام)،
ونقرأ في هذه الأحاديث أنّ أوّل من قاس هو الشيطان. إِنّ هذه الآيات وان لم تصرّح بالمقدار الذي استجيب من طلب الشيطان من
حيث الزمن، إِلاّ أننا نقرأ في الآية (3) من سورة الحجر
أنه تعالى قال له: (إِنّك من المنظرين إِلى يوم الوقت
المعلوم) وهذا يعني أن مطلب الشيطان لم يستجب له بتمامه وكماله، بل
استجيب إِلى الوقت الذي يعلمه الله تعالى (وسوف نبحث
عند تفسير الآية (3) من سورة الحجر حول معنى قوله (إلى يوم الوقت المعلوم) إِن
شاء الله). |
إِبليس
أوّل القائلين بالجبر:
|
|
يستفاد من الآية الحاضرة أن
الشيطان لتبرئة نفسه نسب إِلى الله الجبر إِذ قال: (فبما
أغويتني) لأغوينهم. ولقد نقل في حديث
مروي عن الإِمام الباقر(عليه السلام) تفسير أعمق لهذه الجهات الأربع حيث قال: «ثمّ قال: لآتينّهم من بين أيديهم، معناه أهوّن عليهم
أمر الآخرة، ومن خلفهم، آمرهم بجمع الأموال والبخل بها عن الحقوق لتبقى لورثتهم.
وعن أيمانهم، أفسد عليهم أمر دينهم بتزيين الضلالة وتحسين الشبهة. وعن شمائلهم،
بتحبيب اللذّات إِليهم وتغليب الشّهوات على قلوبهم»(
تفسير مجمع البيان، ج 4، ص 404.). |
|
فلسفة
خلق الشيطان وحكمة إِمهاله:
|
|
في مثل هذه الأبحاث
تتبادر إِلى الأذهان ـ عادة ـ أسئلة متنوعة ومختلفة أهمها سؤالان: |
|
|
فرضية
تطور الأنواع وخلقة آدم:
|
|
هل هناك تلاؤم بين ما يقوله
القرآن الكريم في خلقة آدم، مع ما هو مطروح في فرضية الأنواع في أبحاث العلوم
الطبيعية، أو لا؟ |
|
الآيات(19) (22)
وَيَأَدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُما
|
|
وَيَأَدَمُ اسْكُنْ
أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلاَ تَقْرَبَا
هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّلِمِينَ(19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا
الشَّيْطَنُ لِيُبْدِىَ لَهُمَا مَا وُورِىَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَتِهِمَا
وَقَالَ مَانَهَكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا
مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَلِدِينَ(20) وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّى لَكُمَا
لَمِنَ النَّصِحِينَ(21)فَدَلَّهُمَا بِغُرُور فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ
بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ
الْجَنَّةِ وَنَادَهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا
الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ الشَّيْطَنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ(22) |
|
التّفسير |
|
وَساوِسُ
شيطانيَّة في حُلَل خَلاّبة:
|
|
تُبَيّنُ هذه الآيات وتستعرض
فصلا آخر من قصّة آدم، فتقول أوّلا: إِنّ الله
سبحانه أمر آدم وزوجته حواء بأن يسكنا الجنّة: (يا آدم
اسكن أنت وزوجك الجنّة). وما كتبه بعض الكّتاب
المسلمين من أن آدم كان عارياً منذ البداية، فهو خطأ بيّن نشأ ممّا ورد في
التّوراة المحرفة. |
|
بحوث إِنّ في هذه الآية نقاطاً لابدّ من التوقف عندها: |
|
1 ـ كيفية وسوسة
الشيطان
|
|
يستفاد من عبارة (وسوس له) نظراً إِلى حرف اللام (التي تأتي في العادة للفائدة والنفع) أنّ الشيطان كان
يتخذ صفة الناصح، والمحبّ لآدم، في حين أن (وسوس إِليه)
لا ينطوي على هذا المعنى، بل يعني فقط مجرّد النفوذ والتسلّل الخفيّ إِلى
قلب أحد. |
|
2 ـ ماذا كانت
الشّجرة الممنوعة؟
|
|
جاءت الإِشارة إِلى
الشجرة الممنوعة في ست مواضع من القرآن الكريم، من دون أن يجري حديث عن طبيعة أو كيفية أو اسم هذه الشجرة، وأنها ماذا
كانت؟ وماذا كان ثمرها؟ بيد أنّه ورد في المصادر الإِسلامية تفسيران لها، أحدهما «ماديّ» وهو أنّها كانت «الحنطة» ( وللإِطلاع على هذه الرّوايات يراجع تفسير نور الثقلين، المجلد الاوّل، الصفحة 59 و60 والمجلد الثاني، الصفحة 11، في
تفسير آيات سورة البقرة وسورة الأعراف.) كما هو المعروف في الرّوايات. |
|
3 ـ هل ارتكب آدم
معصية؟
|
|
يستفاد ممّا نقلناه من الكتب
المقدَّسة ـ لدى اليهود والنصارى ـ أنّهم يعتقدون بأن آدم ارتكب معصية، بل ترى
كتبهم أن معصيته لم تكن معصية عادية، وإِنما كانت معصية كبيرة وإِثماً عظيماً،
بل إِن الذي صَدَرَ عن آدم هو مضادة الله والطموح في الألوهية والربوبيّة، ولكن المصادر الإِسلامية ـ عقلا ونقلا ـ تقول لنا: إِنّ الانبياء لايرتكبون إِثماً، وإِنّ منصب
إِمامة الناس وهدايتهم لا يُعطى لمن يرتكب ذنباً ويقترف معصية. ونحن نعلم أن آدم
كان من الأنبياء الإِلهيين، وعلى هذا الأساس فإِنّ كل
ما ورد في هذه الآيات مثل غيرها من التعابير التي جاءت في القرآن حول سائر
الأنبياء الذين نسب إِليهم العصيان، جميعها تعني «العصيان النسبي» و«ترك
الأَولى» لا العصيان المطلق. |
|
الآيات(23) (25)
قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا
|
|
قَالاَ رَبَّنَا
ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ
مِنَ الْخَسِرِينَ(23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْض عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِى
الاَْرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَعٌ إِلَى حِين(24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا
تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ(25) |
|
التّفسير |
|
رجوع
آدم إِلى الله وتوبته:
|
|
وفي المآل عندما عرفَ آدم
وحواء بكيد إِبليس، وخطّته ومكره الشيطاني، ورأيا نتيجة مخالفتهم فكرا في تلافي
ما فات، وجبران ما صدر منهما، فكانت أوّل خطوة خطياها هي: الاعتراف بظلمهما
لنفسيهما أمام الله: (قالا ربَّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم
تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين). |
|
الشَيخ نَاصِر مَكارم الشِيرازي المجَلّد الخامس
|
|
الآيات(26) (28)
يبَنِى ءَادَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِبَاسَاً يُورِى سَوْءَتِكُمْ
وَرِيشاً
|
|
يبَنِى ءَادَمَ
قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِبَاسَاً يُورِى سَوْءَتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ
التَّقوى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ ءَايَتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ
يَذَّكَّرُونَ(26) يَبَنِى ءَادَمَ لاَيَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَنُ كَمَآ
أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُما لِبَاسَهُما
لِيُرِيَهُمَا سَوْءَتِهِمآ إِنَّهُ يَرَيكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيثُ لاَ
تَرَوْنَهُمْ إنَّا جَعَلْنا الشَّيطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ
يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُوا فَحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَآ ءَابَآءَنَا
وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ
أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (28) |
|
التّفسير |
|
إنذار
إلى كل أبناء آدم:
|
|
إنّ قصة آدم ومشكلته مع
الشيطان ـ كما أسلفنا في آخر بحث في الآيات السابقة ـ عكست تصويراً واقعياً عن
حياة جميع أفراد البشر على الارض، ولهذا بيّن الله تعالى في الآيات الحاضرة وما
بعدها سلسلة من التعاليم والبرامج البنّاءة
لجميع أبناء آدم، وهي تعتبر في الحقيقة إستمراراً
لبرامج آدم في الجنّة. فبعض فسّره بـ «العمل الصالح» و بعض
بـ «الحياء» و بعض بـ «لباس
العبادة»، و بعض بـ « «لباس الحرب» مثل
الدرع والخوذة، وحتى الترس، لأنّ لفظة التقوى مشتقّة من
مادة «الوقاية» بمعنى الحفظ والحماية، وبهذا المعنى جاء في القرآن الكريم
أيضاً، كما نقرأ في سورة النحل الآية (81): (وجعل لكم
سرابيل تقيكم الحرّ وسرابيل تقيكم بأسكم...). والذي تقود إليه
الدراسة الموضوعية لهذه الظاهرة، هو أنّ للعُقد النفسية دوراً مهمّاً في إرتداء
مثل هذه الألبسة العجيبة الغريبة، فالأفراد الذين لا يتمكنون من القيام بعمل مهم و ملفت للنظر لتوكيد وجودهم
في المجتمع يلجأون إلى هذا الاسلوب ويحاولون بإرتداء هذه الألبسة غير المأنوسة
والعجيبة إثبات وجودهم وحضورهم، ولهذا نلاحظ أنّ أصحاب الشخصيات المحترمة، أو
الذين لا يعانون من عقد نفسيّة ينفرون من إرتداء مثل هذه الثياب. |
|
ما
هو المقصود من الفحشاء؟
|
|
ما هو المراد من الفحشاء هنا؟
قالت طائفة كبيرة من المفسّرين: إنّها إشارة إلى
تقليد كان سائداً بين جماعة من العرب في العهد الجاهلي، وهو الطواف حول بيت الله
المعظم عرياناً «رجالا ونساءً» ظناً منهم بأنّ الثياب التي ارتكبت فيها الذنوب
لا تليق بأن يطاف بها حول الكعبة المعظمة. |
|
الآيتان(29) (30)
قُلْ أَمَرَ رَبِّى بِالْقِسْطِ وَأقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد
وَادْعُوهُ
|
|
قُلْ أَمَرَ رَبِّى
بِالْقِسْطِ وَأقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ
لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكَمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً
حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَلَةُ إِنَّهُمُ اًتَّخَذُوا الشَّيطِينَ أؤْلِيَآءَ مِن
دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُهْتَدُونَ (30) |
|
التّفسير |
|
حيث أنّ الحديث في الآية
السابقة دار حول الفحشاء التي يشمل مفهوماً كلّ أنواع الفعل القبيح، وتأكَّدَ
أنّ الله يأمر بالفحشاء اطلاقاً لهذا أُشير في هذه الآية إلى أصول ومبادىء
التعاليم الإلهية في مجال الوظائف والواجبات العملية في جملة قصيرة، ثمّ تبعه بيان أصول العقائد الدينية، أي المبدأ والمعاد،
بصورة مختصرة موجزة. |
|
بحثان هنا نقطتان يجب الإلتفات إليهما والوقوف عندهما: |
|
1 ـ ما المقصود
من «أقيموا وجوهكم ...»
|
|
ذكر
المفسّرون في تفسير (أقيموا وجوهكم عند كل مسجد)
تفاسير متنوعة، فتارة قالوا: المراد هو التوجه صوب القبلة. |
|
2 ـ أقصر الأدلة
على المعاد
|
|
لقد بحث أمر المعاد والبعث في
يوم القيامة كثيراً، ويستفاد من آيات القرآن الكريم أنّ
هضم هذه المسألة كان أمراً صعباً وعسيراً بالنسبة إلى كثير من الناس في العصور
الغابرة، إلى درجة أنّهم كانوا يتخذون أحياناً من طرح مسألة القيامة
والمعاد من قبل الأنبياء دليلا على عدم صحة دعوتهم، وبل حتى (والعياذ بالله)
دليلا على الجنون ويقولون: (افترى على الله كذباً أم به
جنّة)( سورة سبأ، 8.). وعلى هذا فلا مكان
للتعجب والدهشة إذا سمعنا أنّه بعد تلاشي
بدن الإنسان ورجوعه إلى حالته الأُولى تجتمع تلك الذرّات ثانية، وتتواصل و
تترابط ويتشكل الجسم الأوّل، فلو كان هذا الأمر محالا فلماذا وقع في مبدأ
الخلقة. |
|
الآيتان(31) (32)
يَبَنِى ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد وَ كُلُوا وَاشْرَبُوا
|
|
يَبَنِى ءَادَمَ
خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد وَ كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَتُسْرِفُوا
إِنَّه لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ
الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِىَ
لِلَّذِينَ ءَامَنُوا فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيا خَالِصَةً يَومَ الْقِيامَةِ
كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الاَْيتِ لِقَوْم يَعْلَمُونَ (32) |
|
التّفسير |
|
الحديث في هاتين الآيتين
يتناسب مع قصّة آدم في الجنّة، وكذلك يتناول مسألة اللباس وسائر مواهب الحياة،
وكيفية الإستفادة الصحيحة منها. هذا وقد احتمل
أيضاً في تفسير هذه العبارة من الآية أنّ هذه المواهب وإن كانت في هذه الدنيا ممزوجة بالآلام والمصائب والبلايا،
إلاّ أنّها توضع تحت تصرف المؤمنين وهي خالصة من كل ذلك في العالم الآخر (ولكن التّفسير الأوّل يبدو أنّه أنسب). |
|
الزّينة
والتّجمل من وجهة نظر الإسلام:
|
|
لقد اختار الإسلام ـ كسائر الموارد ـ حدّ التوسط والإعتدال في مجال الإنتفاع
والإستفادة من أنواع الزينة، لا كما يظن البعض من أنّ التمتع والإستفادة
من الزينة والتجمل ـ مهما كان بصورة معتدلة ـ أمر مخالف للزّهد، ولا كما يتصور
المفرطون في إستعمال الزينة والتجمل الذين يجوّزون لأنفسهم فعل كل عمل شائن بغية
الوصول إلى هذا الهدف الرخيص. ولهذا لم يكتف في الإسلام
بتجويز التمتع بجمال الطبيعة والإستفادة من الألبسة الجميلة والمناسبة، واستعمال
كل أنواع العطور، وما شابه ذلك، بل أوصى بذلك وَحُثَّ
عليه أيضاً، ورويت في هذا المجال أحاديث كثيرة عن أئمّة الدين في المصادر
والكتب الموثوقة. |
|
توصية
صحية هامّة:
|
|
إنّ عبارة (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) التي جاءت في الآية
الحاضرة، وإن كانت تبدو للنظر أمراً بسيطاً جدّاً، إلاّ
أنّه ثبت اليوم أنّه واحد من أهم الأوامر والتعاليم الصحية، وذلك لأنّ
تحقيقات العلماء توصلت إلى أنّ منبع الكثير من الأمراض والآلام هو الأطعمة
الإضافية الزائدة التي تبقي في بدن الإنسان إنّ هذه المواد الإضافية تشكل من
جانب عبئاً ثقيلا على القلب وغيره من أجهزة الجسم، وهي من جانب آخر منبع مهيَّأ
لمختلف أنواع العفونات والأمراض، ولهذا فإنّ الخطوة الأُولى لعلاج الكثير من
الأمراض هو أن تحترق هذه المواد الزائدة التي تمثل ـ في الحقيقة ـ فضلات الجسم،
وتتم عملية تطهير الجسم منها عملياً. |
|
الآية(33) قُلْ
إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَوحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
|
|
قُلْ إِنَّمَا
حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَوحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالاِْثمّ
وَالْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ
بِهِ سُلْطاناً وأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (33) |
|
التّفسير |
|
المحرمات
الإلهية:
|
|
لقد شاهدنا مراراً أنّ القرآن
الكريم كلّما تحدث عن أمر مباح أو لازم، تحدث فوراً عن ما يقابله، من الأُمور
القبيحة والمحرمات، ليكمِّل كل واحد منهما الآخر. ومن الواضح أنّ جملة (ما لم ينزل به سلطاناً) للتأكيد، ولإلفات
النظر إلى حقيقة أنّ المشركين لا يملكون أي دليل منطقي وأي برهان معقول، وكلمة
«السلطان» تعني كل دليل وبرهان يوجب تسلّط الإنسان وانتصاره على من يخالفه. |
|
الآية(34) وَلِكلِّ
أُمَّة أَجَلٌ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً
|
|
وَلِكلِّ أُمَّة أَجَلٌ
فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَ لاَ يَسْتَقْدِمُونَ
(34) |
|
التّفسير |
|
لكلّ
أُمّة أجل:
|
|
في هذه الآية يشير الله تعالى
إلى واحدة من سنن الكون والحياة، يعني فناء الأُمم وزوالها، ويلقي ضوءاً أكثر
على الأبحاث التي تتعلق بحياة أبناء البشر على وجه الأرض ومصير العصاة، التي سبق
الحديث عنها في الآيات السابقة. يستفاده من كتب
اللغة، وكذا من موارد استعمال هذه اللفظة في القرآن الكريم، والتي تبلغ 64 موضعاً، إنّ الأُمّة في الأصل تعني الجماعة. |
|
الآيتان(35) (36)
يَبَنِى ءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ
ءَايَتِى
|
|
يَبَنِى ءَادَمَ
إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءَايَتِى فَمَنِ
اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ
يَحْزَنُونَ(35)وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِايَتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَآ
أُولَئِكَ أَصْحَبُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ (36) |
|
التّفسير |
|
تعليم
آخر لأبناء آدم:
|
|
مرّة أُخرى يخاطب الله سبحانه
أبناء آدم وذريّته، إذ يقول: (يا بني آدم إمّا يأتينّكم رسل منكم يقصّون عليكم
آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)(
«أمّا» مركبة في الأصل من «أن»، و «ما» و «إن»
حرف شرط و «ما» حرف للتأكيد.) أي إذا
أتاكم رسلي يتلون عليكم آياتي فاتّبعوهم، لأنّ من اتّقى منكم واتبعهم وأصلح نفسه
والآخرين كان في أمن من عذاب الله الأليم، فلا يخاف ولا يحزن. |
|
الآية(37) فَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِايَتِهِ
|
|
فَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنِ افْتَرَى عَلى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِايَتِهِ أُولَئِكَ
يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَبِ حَتَّى إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا
يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ
قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا
كَفِرِينَ (37) |
|
التّفسير |
|
من هذه الآية فما بعد تتضمّن
الآيات بيان أقسام مختلفة من المصير السيء الذي ينتظر المفترين والمكذبين لآيات
الله تعالى، وفي البداية تشير إلى كيفية حالهم عند الموت، إذ تقول: (فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذّب بآياته). |
|
الآيتان(38) (39)
قَالَ ادْخُلُوا فِى أُمَمِ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِّنَ الْجِنّ
وَالاِْنْسِ
|
|
قَالَ ادْخُلُوا
فِى أُمَمِ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِّنَ الْجِنّ وَالاِْنْسِ فِى النَّارِ
كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتَ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا
جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَيهُمْ لاُِولَيهُمْ رَبَّنَا هَؤلاَءِ أَضَلُّونَا
فَأتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ
تَعلَمُونَ (38)وَقَالَتْ أُولَيهُمْ لاُِخْرَيهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ
عَلَيْنَا مِن فَضْل فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39) |
|
التّفسير |
|
تنازع
القادة والاتباع في جهنم!
|
|
في هذه الآية يواصل القرآن
الكريم بيان المصير المشؤوم للمكذبين بآيات الله. قال(عليه السلام): «من أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان ورد
النّار». (وسائل الشيعة، ج17، ص182، 17.) |
|
الآيتان(40) (41)
إنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ
لَهُمْ
|
|
إنَّ الَّذِينَ
كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ
السَّمَآءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِى سَمِّ
الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِى الُمجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ
مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاش وَكَذلِكَ نَجْزِى الظَّلِمينَ (41) |
|
التّفسير |
|
مرّة أُخرى يتناول القرآن
بالحديث مصير المتكبرين والمعاندين، يعني أُولئك الذين لا يخضعون لآيات الله ولا
يستسلمون للحق، فيقول: (إنّ الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم
أبواب السماء). من الممكن أن يكون المقصود من السماء هنا
معناه الظاهر، وكذا يمكن أن تكون كناية عن مقام
القرب الإلهي، كما نقرأ في الآية (9) من سورة فاطر: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه). |
|
الآيتان(42) (43)
وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إلاَّ
وُسْعَهَآ
|
|
وَالَّذِينَ
ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إلاَّ وُسْعَهَآ
أُولئِكَ أَصْحبُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَلِدُون (42) وَنَزَعْنَا مَا فِى
صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهِمُ الاَْنْهرُ وَقَالُوا الْحَمْدُ
للهِ الَّذِى هَدَينَا لِهَذا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلاَ أَنْ هَدَينَا
اللهُ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالحَقِّ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ
الْجَنَّةُ أُورثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) |
|
التّفسير |
|
الطّمأنينة
الكاملة والسّعادة الخالدة:
|
|
إنّ أُسلوب القرآن ـ كما
أشرنا إلى ذلك سابقاً ـ هو عرض الطوائف المختلفة وبيان مصائرها جنباً إلى جنب
لتأكيد الموضوع، وشرح أوضاعها عن طريق المقارنة والمقايسة بينها. |
|
لماذا
عبّر بالإرث؟
|
|
وهنا ينقدح سؤال
وهو: كيف يقال لأهل الجنّة: هذه النعم أُورثتموها لقاء
أعمالكم؟ والجواب أوضحه حديث روي بطرق الشيعة والسنّة عن
رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)حيث يقول: «ما من أحد إلاّ وله منزل
في الجنّة، ومنزل في النّار، فأمّا الكافر فيرث المؤمن منزله من النّار، والمؤمن
يرث الكافر منزله من الجنّة، فذلك قوله أورثتموها بما كنتم تعملون».( نور الثقلين، المجلد الثّاني، الصفحة 31، وتفسير القرطبي،
المجلد الرّابع، الصفحة 2645، وتفاسير أُخرى.) |
|
الآيتان(44) (45)
وَنَادَى أَصْحَبُ الْجَنَّةِ أَصْحَبَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا
وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً
|
|
وَنَادَى أَصْحَبُ
الْجَنَّةِ أَصْحَبَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا
حَقّاً فَهلْ وَجَدتُم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقَّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ
مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّلمِينَ (44) الَّذِينَ
يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَيبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالاَْخِرَةِ
كَفِرُونَ(45) |
|
التّفسير |
|
بعد البحث في الآيات السابقة
حول مصير أهل الجنّة وأهل النّار، أشار هنا إلى حوار
هذين الفريفين في ذلك العالم، ويستفاد من ذلك أنّ أهل الجنّة وأهل النّار
يتحادثون بينهم وهم في مواقعهم في الجنّة أو النّار. |
|
من
هو المُؤذِّن! والمنادي؟
|
|
مَن هو هذا المؤذن الذي يسمعه الجميع؟ وفي الحقيقة له سيطرة وتفوق على جميع
الفرقاء والطوائف؟ |
|
الآيات(46) (49)
وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الاَْعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ
بِسِيمَهُمْ
|
|
وَبَيْنَهُمَا
حِجَابٌ وَعَلَى الاَْعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَهُمْ
وَنَادَوْا أَصْحَبَ الْجَنَّةِ أَن سَلَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ
يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَرُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَبِ النَّارِ
قَالُوا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَومِ الظَّلِمِينَ (47) وَنَادَى
أَصْحبُ الاَْعْرَافِ رِجَالا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَهُمْ قَالُوا مَآ أغْنَى
عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلاَءِ الَّذِينَ
أقْسَمْتُمْ لاَ يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَة ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ
عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) |
|
التّفسير |
|
الأعراف
معبر مهم إلى الجنّة:
|
|
عقيب الآيات السابقة التي
بيّنت جانباً من قصّة أهل الجنّة وأهل النّار، تحدث في هذه الآيات حول «الأعراف»
التي هي منطقة في الحد الفاصل بين الجنّة والنّار مع خصوصياتها. وفي البداية يشير إلى الحجاب الذي أقيم بين أهل الجنّة وأهل النّار، إذ يقول: (وبينهما
حجاب). ثمّ إنّ القرآن الكريم يقول: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاًّ بسيماهم) يرون كلاًّ
من أهل الجنّة وأهل النّار ويعرفونهم بملامح وجوههم. |
|
من
هم أصحاب الأعراف:
|
|
«الأعراف»
في الأصل ـ و كما أسلفنا ـ منطقة مرتفعة، ويتّضح في ضوء القرائن
التي وردت في آيات القرآن وأحاديث أئمّة الإسلام، أنّه
مكان خاص بين قطبي السعادة والشقاء، أي الجنّة
والنّار. وهو كحجاب حائل بين هذين، أو كأرض مرتفعة فصلت بين هذين
الموضعين بحيث يشرف من يقف عليها على الجنّة والنّار، ويشاهد كلا الفريقين،
ويعرفهم بوجوههم المبيضة أو المسودة، المشرقة أو المظلمة المكفهرة. ونرى في هذه
التفاسير أيضاً مصادر تفيد أنّ أهل الأعراف هم الصلحاء والفقهاء والعلماء أو
الملائكة. والمعاندون وأعداء
الحق المتصلبون المتمادون في لجاجهم الذين لا يهتدون بأية وسيلة. والفريق الثّالث هم الذين يقفون
في هذا الممر الصّعب عبوره ـ في الوسط بين الفريقين، وأكثر عناية القادة
الصادقين وأئمّة الحق موجهة إلى هؤلاء، فهم يبقون إلى
جانب هؤلاء، ويأخذون بأيديهم لإنقاذهم وتخليصهم من مرحلة الأعراف
ليستقروا في صف المؤمنين الحقيقيين. |
|
الآيتان(50) (51)
وَنَادَى أَصْحَبُ النَّارِ أَصْحَبَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا
|
|
وَنَادَى أَصْحَبُ
النَّارِ أَصْحَبَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ المَآءِ أَوْ ممّا
رَزَقَكُمُ اللهُ قَالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَفِرينَ(50)الَّذِينَ
اتّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيوةُ الدُّنيَا
فَالْيَوْمَ نَنَسهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا
بِآيَتِنَا يَجْحَدُونَ (51) |
|
نِعَم
الجنّة حرام على أهل النّار:
|
|
التّفسير |
|
بعد أن استقر كل من أهل الجنّة
وأهل النّار في أماكنهم ومنازلهم، تدور بينهم حوارات نتيجتها العقوبة الروحية
والمعنوية لأهل النّار. |
|
بحوث
هنا عدّة نقاط يجب أن نتوقف عندها ونلتفت إليها:
|
|
1 ـ
يبدأ القرآن الكريم بأحاديث أهل النّار مع أهل الجنّة بلفظة (ونادى)
التي تستعمل عادة للتخاطب من مكان بعيد، وهذا
يفيد بأنّ بين الفريقين فاصلة كبيرة ومع ذلك يتمّ هذا
الحوار ويسمع كل منهما حديث الآخر، وهذا ليس بعجيب، فلو أن المسافه بلغت
ملايين الفراسخ لأمكن أن يسمع كل واحد منهما كلام الآخر، بل ويرى ـ في بعض
الأحيان ـ الطرف الآخر. |
|
الآيتان(52) (53)
وَلَقَدْ جِئْنَهُم بِكِتَب فَصَّلْنَهُ عَلَى عِلْم هُدىً وَرَحْمَةً
|
|
وَلَقَدْ جِئْنَهُم
بِكِتَب فَصَّلْنَهُ عَلَى عِلْم هُدىً وَرَحْمَةً لِّقَوم يُؤْمِنُونَ (52)
هَلْ يَنْظرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأَتِى تَأْوِيلُهُ يَقُولُ
الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل
لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُوا لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ
الَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا
كَانُوا يَفْتَرُونَ (53) |
|
التّفسير |
|
هذه الآية إشارة ـ في الدرجة
الأُولى ـ إلى أنّ حرمان الكفار ومصيرهم المشؤوم إنّما هو نتيجة تقصيراتهم
أنفسهم، وإلاّ فليس هناك من جانب الله أي تقصير في هدايتهم وقيادتهم وإبلاغ
الآيات إليهم وبيان الدروس التربوية لهم، لهذا يقول
تعالى: إنّنا لم نألُ جهداً ولم ندخر شيئاً في مجال الهداية والإرشاد، بل
أرسلنا لهم كتاباً شرحنا فيه كل شيء بحكمة ودراية (ولقد
جئناهم بكتاب فصّلناه على علم). الآية اللاحقة تشير إلى الطريقة الخاطئة في تفكير العصاة والمنحرفين
في صعيد الهداية الإلهية فيقول: (هل ينظرون إلاّ
تأويله) أي كأنّ هؤلاء يتوقعون أن يروا نتيجة الوعد والوعيد الإلهي
بعيونهم (أي يروا أهل الجنّة وهم فيها، وأهل النّار وهم
فيها) حتى يؤمنوا. |
|
الآية(54) إِنَّ
رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوتِ وَالاَْرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّام
|
|
إِنَّ رَبَّكُمُ
اللهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوتِ وَالاَْرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّام ثمّ اسْتَوَى
عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثَاً وَالشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَات بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ
وَالاَْمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَلَمِينَ (54) |
|
التّفسير |
|
في الآيات السابقة قرأنا أنّ
المشركين يقفون يوم القيامة على خطأهم الكبير في صعيد انتخاب المعبود، والآية
الحاضرة تصف المعبود الحقيقي مع ذكر صفاته الخاصّة حتى يستطيع الذين يطلبون
الحقيقة وينشدونها أن يعرفوه بوضوح في هذا العالم وقبل حلول يوم القيامة، ويبدأ
حديثه هذا بقوله: (إنّ ربّكم الله الذي خلق السماوات
والأرض في ستّة أيام) أي أنّ المعبود لا يمكن أن يكون إلاّ من كان
خالقاً. |
|
هل
خلق العالم في ستّة أيّام؟
|
|
لقد ورد البحث عن
خلق العالم وتكوينه في ستّة أيّام، في سبعة موارد من آيات القرآن الكريم(وهي: الآية
المبحوثة هنا، و3 يونس، و 7 هود، و 59 الفرقان و 4 السجدة و 38 ق، و4 الحديد.)،
ولكنّه في ثلاثة موارد أضيف إلى السماوات والأرض لفظة «وما بينهما» أيضاً. والتي هي في
الحقيقة توضيح للجملة السابقة، لأنّ جميع هذه الأشياء تدخل في معنى السماوات
والأرض، لأنّنا نعلم أنّ السماء تشمل جميع الأشياء التي توجد في الأعلى، والأرض
هي النقطة المقابلة للسماء. 2 ـ هذه
الكرات قد تحولت تدريجاً إلى هيئة كتلة من المواد الذائبة المشعة أم الباردة
القابلة للسكنى. ثمّ يقول القرآن
الكريم: إنَّ الله تعالى بعد خلق السماوات والأرض أخذ زمام
إدارتها بيده (أي ليس الخلق منه فقط، بل منه الإدارة
والتدبير أيضاً) فقال تعالى: (ثمّ استوى على
العرش). |
|
ماهوالعرش؟
|
|
«العرش» في
اللغة هو ما له سقف، وقد يطلق العرش على نفس السقف، مثل قوله تعالى: (أو كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها)( البقرة،
259.). |
|
ماهو
«الخلق» و «الأمر»؟
|
|
هناك كلام كثير بين المفسّرين حول المراد من
«الخلق» و «الأمر» أنّه ما هو؟ |
|
الآيتان(55) (56)
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ
|
|
ادْعُوا رَبَّكُمْ
تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(55)وَلاَتُفْسِدُا
فِى الاَْرْضِ بَعْدَ إِصْلَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ
اللهِ قَريبٌ مِّنَ الُْمحْسِنينَ (56) |
|
التّفسير |
|
شروط
استجابة الدعاء:
|
|
لقد أثبتت الآية السابقة ـ في
ضوء ما أقيم من برهان واضح ـ هذه الحقيقة، وهي أنّ الذي يستحق للعبادة فقط هو
الله، وفي عقيب ذلك ورد الأمر هنا بالدعاء، الذي هو مخ العبادة وروحها، يقول
أوّلا: (ادعوا ربّكم تضرعاً وخفيةً). |
|
الآيتان(57) (58)
وَهُوَ الَّذِى يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ
|
|
وَهُوَ الَّذِى
يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَآ أَقَلَّتْ
سَحَاباً ثِقَالا سُقْنَهُ لِبَلَد مَّيِّت فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَآءَ
فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الَّثمَرَتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ
بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِى خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذَلِكَ
نُصَرِّفُ الاَْيَتِ لِقَوْم يَشْكُرُونَ (58) |
|
التّفسير |
|
لابد
من المربي والقابليّة:
|
|
في الآيات الماضية مرّت
إشارات عديدة إلى مسألة «المبدأ» أي التوحيد ومعرفة الله، من خلال الوقوف على
أسرار الكون، وفي هذه الآيات ضمن بيان طائفة من النعم الإلهية وردت الإشارة إلى
مسألة «المعاد» والبعث، ليكمل هذان البحثان أحدهما الآخر. فيقول تعالى أولا: (وهو الّذي يرسل الرياح بشرىً بين يدي رحمته). |
|
الآيات(59) (64)
لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ
|
|
لَقَدْ أَرْسَلْنَا
نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه
غَيْرُهُ إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْم عَظِيم (59) قَالَ الْمَلاَُ
مِن قَومِهِ إِنَّا لَنَرَيكَ فِى ضَلَل مُّبِين (60) قَالَ يَقَوْمِ لَيْسَ بِى
ضَلَلَةٌ وَلَكِنِّى رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَلَمِينَ (61)أُبَلِّغُكُمْ
رِسَلَتِ رَبِّى وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
(62)أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُل مِّنكُمْ
لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ
فَأَنجَيْنَهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِى الْفُلْكِ وَأَعْرَقْنَا الَّذِينَ
كَذَّبُوا بِأيَتِنآ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً عَمِينَ(64) |
|
التّفسير |
|
رسالة
نوح أوّل الرّسل من أولي العزم:
|
|
تقدم أنّ هذه
السورة ـ بعد ذكر سلسلة من القضايا الجوهرية والعامّة في صعيد
معرفة الله والمعاد والهداية الإلهية للبشر، ومسألة الشعور بالمسؤولية ـ تشير إلى قصص ثلة من الأنبياء الكرام والرسل العظام مثل «نوح»
و«هود» و«صالح» و«شعيب» وبالتالي «موسى بن عمران»(عليهم السلام) أجمعين،
كي تقدم أمثلة حية لهذه الأبحاث وبصورة عملية في ثنايا تاريخهم الحافل بالحوادث
والعبر. |
|
الآيات(65) (72)
وَإِلَى عَاد أَخَاهُمْ هُودَاً قَالَ يَقَومِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِّنْ
إِلَه غَيْرُهُ
|
|
وَإِلَى عَاد
أَخَاهُمْ هُودَاً قَالَ يَقَومِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه
غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلاَُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن
قَوْمِهِ إنَّا لَنَريكَ فِى سَفَاهَة وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَذِبينَ
(66) قَالَ يَقَوْمِ لَيْسَ بِى سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّىَ رَسُولٌ مِّن رَّبِّ
الْعَلَمِينَ (67)أُبَلِّغُكُمْ رِسَلَتِ رَبِّى وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ
(68) أَوَ عَجِبْتُمْ أَنْ جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلى رَجُل
مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ واذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَومِ
نُوح وَزَادَكُمْ فِى الْخَلْقِ بَصطَةً فاذْكُرُوا ءَالآءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ (69) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا
كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ
الصَّدِقينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّنْ رَّبِّكُمْ رِجْسٌ
وَغَضَبٌ أَتُجَدِلُنَنى فِى أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَءَابَآؤُكُمْ
مَّا نَزَّلَ اللهَ بِهَا مِن سُلْطن فَانتَظِرُوا إِنِّى مَعَكُمْ مِّنَ
الْمُنتَظِرِينَ(71) فَأَنْجَيْنهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَة مِّنَّا
وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِأيَتِنَا وَمَا كَانُوا
مُؤمِنينَ(72) |
|
التّفسير |
|
لمحة
عن قصّة قوم هود:
|
|
عقيب ذكر رسالة نوح والدروس
الغنية بالعبر الكامنة فيها، عمد القرآن الكريم إلى إعطاء لمحة سريعة عن قصّة
نبي آخر من الأنبياء العظام، وهو النّبي هود(عليه السلام)، وذكر ما جرى بينه
وبين قومه. إنّ هذه الكلمة
تستعمل في من يعطف على أحد أو جماعة غاية العطف، ويتحرق لهم
غاية التحرق، مضافاً إلى أنّها تحكي عن نوع من
التساوي ونفي أي رغبة في التفوق والزعامة، يعني
أن رسل الله لا يحملون في نفوسهم أية دوافع شخصية في صعيد هدايتهم، إنما يجاهدون
فقط لإنقاذ شعوبهم وأقوامهم من ورطة الشقاء. |
|
الآيات(73) (79)
وَإِلى ثَمُودُ أَخَاهُمْ صَلِحاً قَالَ يَقَوم اعْبُدُوا اللهَ
|
|
وَإِلى ثَمُودُ
أَخَاهُمْ صَلِحاً قَالَ يَقَوم اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه
غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ
لَكُمْ ءَايَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ اللهِ وَلاَتَمَسُّوهَا بِسُوء
فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) واذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن
بَعْدِ عَاد وَبَوَّأَكُمْ فِى الاَْرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً
وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا ءَالاَءَ اللهِ وَلاَ تَعْثَوْا
فِى الاَْرْضِ مَفْسِدينَ (74) قَالَ الْمَلاَُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن
قَومِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ
صَلِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلُ بِهِ مُؤمِنُونَ
(75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِى ءَامَنتُم بِهِ
كَفِرُونَ(76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا
يَصَلِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(77)
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِى دَارِهِمْ جَثِمِينَ
(78)فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَقَومِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ
رَبِّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّصِحِينَ (79) |
|
التّفسير |
|
قصة
قوم صالح وما فيها من عبر
|
|
في هذه الآيات جاءت
الإشارة إلى قيام «صالح» النّبي الإلهي
العظيم في قومه «ثمود» الذين كانوا يسكنون في
منطقة جبلية بين الحجاز والشام، وبهذا يواصل
القرآن أبحاثه السابقة الغنية بالعبر حول قوم نوح وهود. على أنّه ينبغي الإلتفات إلى
أنّ إضافة «الناقة» إلى «الله» في الآيات الحاضرة من قبيل الإضافة التشريفية ـ
كما هو المصطلح ـ فهي إشارة إلى أنّ هذه الناقة
المذكورة لم تكن ناقة عادية، بل كانت لها ميزات خاصّة. ثمّ إنّنا نلاحظ
أيضاً أنّ جماعة الأغنياء والمترفين ذوي الظاهر الحسن، والباطن
القبيح الخبيث، الذين عبر عنهم بالملأ أخذوا بزمام المعارضة لهذا النّبي
الإِلهيّ العظيم، وحيث أنّ عدداً كبيراً من أصحاب القلوب الطيبة والافكار
السليمة كانت ترزح في أسر الأغنياء والمترفين، قد قبلت دعوة النّبي صالح
واتبعته، لهذا بدأ الملأ بمخالفتهم لهؤلاء المؤمنين. |
|
الآيات(80) (84)
وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَومِهِ أَتَأْتُونَ الْفَحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا
مِنْ أَحَد
|
|
وَلُوطاً إِذْ
قَالَ لِقَومِهِ أَتَأْتُونَ الْفَحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَد مِّنَ
الْعَلَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ
النِّسآءِ بَلْ أَنْتُمْ قَومٌ مُّسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوابَ قَومِهِ
إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ
يَتَطَهَّرُونَ (82)فَأَنْجَيْنَهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ
الْغَبِرِينَ (83) وَأمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ
عَقِبَةُ الُْمجْرِمِينَ(84) |
|
التّفسير |
|
مصير
قوم لوط المؤلم:
|
|
في هذه الآيات يستعرض القرآن
الكريمُ فَصلا آخر غنياً بالعبر من قصص الأنبياء، وبذلك يواصل هدف الآيات
السابقة ويكمله، والقصة هذه المرّة هي قصة النّبي
الإِلهي العظيم «لوط». |
|
الآيات(85) (87)
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبَاً قَالَ يَقَوْم اعْبُدُوا الله مَا لَكُمْ
مِّنْ إِلَه غَيْرُهُ
|
|
وَإِلَى مَدْيَنَ
أَخَاهُمْ شُعَيْبَاً قَالَ يَقَوْم اعْبُدُوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه
غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ
وَالْمِيزَانَ وَلاَتَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُوا فِى
الاَْرْضِ بَعْدَ إِصْلَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
مُّؤْمِنينَ(85) وَلاَ تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَط تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن
سَبِيلِ اللهِ مَنْ ءَامَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً واذْكُرُوا إِذْ
كُنتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ وانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ
(86) وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ ءَامَنُوا بِالَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ
وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يُؤمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ
خَيْرُ الْحَكِمِينَ (87) |
|
التّفسير |
|
رسالة
شعيب في مدين:
|
|
في هذه الآيات يستعرض القرآن
الكريم فصلا خامساً من قصص الأقوام الماضين، ومواجهة الأنبياء العظام معهم، وهذا الفصل يتناول قوم شعيب. بعث شعيب(عليه السلام) الذي
ينتهي نسبه ـ حسب كتب التاريخ ـ إلى إبراهيم عبر خمس
طبقات، إلى أهل مدين. وهي مدينة من مدن الشام، كان أهلها أهل
تجارة وترف قد سادت فيهم الوثنية، وكذا الحيلة،
والتطفيف في المكيال والميزان، والبخس في المعاملة. |
|
الآيتان(88) (89)
قَالَ الْمَلاَُ الَّذِينَ اسْتَكبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ
يَشُعَيْبُ
|
|
قَالَ الْمَلاَُ
الَّذِينَ اسْتَكبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَشُعَيْبُ وَالَّذِينَ
ءَامَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا قَالَ أَوَ
لَوْ كُنَّا كَرِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا
فِى مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّْنا اللهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن
نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَىْء
عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ
قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَتِحِينَ (89) |
|
التّفسير |
|
هذه الآيات تستعرض
ردّ فعل قوم شعيب مقابل كلمات هذا النّبي العظيم المنطقية، وحيث أنّ الملا والأثرياء المتكبرين في عصره كانوا
أقوياء في الظاهر، كان رد فعلهم أقوى من رد فعل الآخرين. ثمّ يضيف شعيب قائلا: (وما يكون لنا أن نعود فيها إلاّ أن يشاء الله). |
|
الآيات(90) (93)
وَقَالَ الْمَلاَُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَومِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيباً
إِنَّكُمْ إِذاً
|
|
وَقَالَ الْمَلاَُ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَومِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيباً إِنَّكُمْ إِذاً
لَّخَسرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فأَصْبَحُوا فِى دَارِهِمْ
جَثِمِينَ(91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبَاً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا
الَّذِين كَذَّبُوا شُعَيْباً كَانُوا هُمُ الْخَسِرينَ (92) فَتَوَلَّى
عَنْهُمْ وَقَالَ يَقَومِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَلَتِ رَبِّى وَنَصَحْتُ
لَكُمْ فَكَيْفَ ءَاسَى عَلى قَوْم كَفِرِينَ (93) |
|
التّفسير |
|
تتحدث الآية الأُولى عند
الدعايات التي كان يبثّها معارضو شعيب ضدّ من يحتمل فيهم الميل إلى الإيمان به
فتقول: (وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتّبعتم
شعيباً إنّكم إذاً لخاسرون). |
|
الآيتان(94) (95)
وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَة مِّن نَّبِيٍّ إِلاّ أَخَذَنَآ أَهْلَهَا
بِالْبَأسَآءِ وَالضَّرَّآءِ
|
|
وَمَآ أَرْسَلْنَا
فِى قَرْيَة مِّن نَّبِيٍّ إِلاّ أَخَذَنَآ أَهْلَهَا بِالْبَأسَآءِ
وَالضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثمّ بَدَّلْنَا مَكَانَ
السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا وَّقَالَوا قَدْ مَسَّ ءَابَآءَنَا
الضَّرِّآءُ وَالسَّرَّآءُ فَأَخَذْنَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ (95) |
|
التّفسير |
|
إذ
لم تنفع المواعظ:
|
|
إنّ هذه الآيات ـ التي ذكرت بعد استعراض قصص مجموعة من الأنبياء العظام،
مثل نوح وهود وصالح ولوط وشعيب، وقبل أن يعمد القرآن
الكريم إلى استعراض قصّة موسى بن عمران ـ إشارة إلى عدّة أصول وقواعد عامّة
تحكم في جميع القصص والحوادث، وهي قواعد وأُصول إذا فكَّرنا فيها كشفت القناع عن
حقائق قيمة ترتبط بحياتنا ـ جميعاً ـ ارتباطاً وثيقاً. |
|
الآيات(96) (100)
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتحْنَا عَلَيْهِمْ
بَرَكَت
|
|
وَلَوْ أَنَّ
أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَت مِّن
السَّمَآءِ وَالاَْرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَهُمْ بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ(96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَتاً
وَهُمْ نَآئِمُونَ (97) أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا
ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98)أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ
اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَسِرُونَ (99)أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ
الاَْرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَهُم بِذُنُوبِهِمْ
وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ (100) |
|
التّفسير |
|
التّقدم
والعمران في ظل الإيمان والتقوى:
|
|
في الآيات الماضية وقع البحث فيما جرى لأقوام مثل قوم هود وصالح وشعيب ونوح
ولوط على نحو الإجمال، وإن كانت تلك الآيات
كافية لبيان النتائج المشحونة بالعبر في هذه القصص، ولكن الآيات الحاضرة تبيّن
النتائج بصورة أكثر وضوحاً فتقول: (ولو أن أهل القرى
آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض)، أي لو أنّهم سلكوا
سبيل الإيمان والتقوى، بدل الطغيان والتمرد وتكذيب آيات الله والظلم والفساد، لم
يتخلصوا من غضب الله وعقوبته فسحب، بل لفتحت عليهم أبواب السماء والأرض. |
|
بحوث
وهنا مواضيع ينبغي الوقوف عندها:
|
|
1 ـ بركات الأرض
والسماء
|
|
لقد وقع حديث بين
المفسّرين في ما هو المراد من «بركات»
الأرض والسماء؟ فقال البعض: إنّها المطر،
والنباتات التي تنبت من الأرض. وفي الآية المطروحة
هنا طرحت هذه الحقيقة على بساط البحث، وهي: أنّ العقوبات ما هي إلاّ لأفعالهم هم، وإلاّ فلو كان الإنسان
طاهراً مؤمناً، فإنّه بدل أن يحل العذاب السماوي أو الأرضي بساحته، تتواتر عليه
البركات الإلهية من السماء والأرض.... أجل، إنّ الإنسان هو الذي يبدل البركات
بالبلايا. |
|
2 ـ معنى
«البركات»
|
|
«البركات» جمع «بركة» وهذه الكلمة ـ
كما أسلفنا ـ تعني في الأصل «الثبات»
والإستقرار، ويطلق على كل نعمة وموهبة تبقى ولا تزول، في مقابل الموجودات
العارية عن البركة، والسريعة الفناء والزوال، والخالية عن الأثر. |
|
3 ـ ماذا يعني
«الأخذ»؟
|
|
في الآية أعلاه استعملت كلمة «أخذ» في مفهوم المجازاة والعقوبة، وهذا في
الحقيقة لأجل أنّ الشخص الذي يراد عقوبته يؤخذ أوّلا في العادة، ثمّ يُوَثق
بوسائل خاصّة حتى لا تبقى له قدرة على الفرار، ثمّ يعاقب. |
|
4 ـ المفهوم
الواسع للآية
|
|
إنّ الآية الحاضرة وإن كانت
ناظرة إلى وضع الأقوام الغابرة، ولكنّه من المسلّم أن
مفهومها مفهوم واسع وعام ودائم، ولا تنحصر في شعب معين أو قوم خاص، فإنّها سنة
إلهية أن يبتلى غير المؤمنين، والمتورطين في المعاصي والذنوب بأنواع مختلفة
ومتنوعة من البلايا في هذه الدنيا، فربّما ينزل
عليهم البلاء السماوي والأرضي، وربّما تشتعل
نيران الحروب العالمية أو المحلية فتبتلغ أموالهم وتبيدها وربّما يفارقهم الأمن والإستقرار، فتسحق المخاوف
والهواجس بأظلافها أبدانهم ونفوسهم، وحسب تعبير القرآن
يكون كل ذلك بما كسبت أيديهم ورد فعل لأعمالهم. |
|
الآيتان(101) (102)
تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآئِهَا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ
رُسُلُهُم
|
|
تِلْكَ الْقُرَى
نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآئِهَا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالبَيِّنَتِ
فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ
عَلَى قُلُوبِ الْكَفِرِينَ (101) وَمَا وَجَدْنَا لاَِكْثَرِهِم مِّنْ عَهْد
وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَسِقِينَ(102) |
|
التّفسير |
|
في هاتين الآيتين ركّز القرآن الكريم على العبر
المستفادة من بيان قصص الماضين، والخطاب متوجه هنا إلى الرّسول
الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ أن الهدف هو
الجميع، يقول القرآن الكريم أوّلا: هذه
هي القرى والأقوام التي نقص عليك قصصهم: (تلك القرى نقص
عليك من أنبائها)( «نُقُصُّ» من مادة «قص» وقد
مر شرحها في ذيل الآية 7.). |
|
الآيات(103) (108)
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِم مُّوسَى بِأيَتِنَآ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ
|
|
ثُمَّ بَعَثْنَا
مِنْ بَعْدِهِم مُّوسَى بِأيَتِنَآ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا
بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) وَقَالَ مُوسَى
يَفِرْعَوْنُ إِنِّى رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَلَمِينَ(104) حَقِيقٌ عَلى أَن
لاَّ أَقُولَ عَلى اللهِ إِلاّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيَّنَة مِّن
رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِىَ بَنِى إِسْرَئيلَ (105) قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ
بِأَيَة فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ الصَّدِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ
فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِىَ بَيْضَآءُ
لِلنَّظِرِينَ (108) |
|
التّفسير |
|
المواجهة
بين موسى وفرعون:
|
|
بعد ذكر قصص ثلة من الأنبياء العظام باختصار في الآيات السابقة
بيّن تعالى في هذه الآيات والآيات الكثيرة
اللاحقة قصّة موسى بن عمران، وما جرى بينه وبين فرعون
وملئه وعاقبة أمره. 5 ـ مرحلة مشاكله مع بني إسرائيل. ويجب أن لا ننسى أن جميع الحيوانات في عالم الطبيعة توجد من التراب،
والأخشاب والنباتات هي الأُخرى من التراب، غاية ما هنالك أن تبديل التراب إلى
حية عظيمة يحتاج عادة إلى ملايين السنين، ولكن في ضوء
الإِعجاز تقصر هذه المدّة إلى درجة تتحقق كل تلك
التحولات والتكاملات في لحظة واحدة وبسرعة، فتتخذ القطعة من الخشب ـ التي
تستطيع وفق الموازين الطبيعية أن تغير بهذه الصورة بعد مضي ملايين السنين ـ تتخذ
مثل هذه الصورة في عدّة لحظات. |
|
الآيات(109) (112)
قَالَ الْمَلاَُ مِن قَومِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَحِرٌ عَلِيمٌ
|
|
قَالَ الْمَلاَُ
مِن قَومِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيُد أَن
يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهْ
وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِى الْمَدَآئِنِ حَشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سحِر
عَلِيم(112) |
|
التّفسير |
|
بدء
المواجهة:
|
|
في هذه الآيات جاء الحديث عن
أوّل ردّ فعل لفرعون وجهازه في مقابل دعوة موسى(عليه السلام) ومعجزاته. |
|
الآيات (113) (122)
وَجَآءَ السَّحَرَةُ فِرْعَونَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لاََجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ
الْغَلِبِينَ
|
|
وَجَآءَ
السَّحَرَةُ فِرْعَونَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لاََجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ
الْغَلِبِينَ(113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)
قَالُوا يَمُوسى إِمَّآ أَن تُلْقِىَ وَإِمَّآ أن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ
(115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّآ أَلْقُوا سَحَرُوا أعْيُنَ النَّاسِ
وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُو بِسِحْر عَظِيم(116) وَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى
أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ(117) فَوَقَعَ
الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(118)فَغُلِبُوا هُنَالِكَ
وانْقَلَبُوا صَغِرِينَ(119)وَأُلْقِىَ السَّحَرَةُ سَجِدِينَ(120) قَالُوا ءَامَنَّا
بِرَبِّ الْعَلَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَرُونَ (122) |
|
التّفسير |
|
كيف
انتصر الحقّ في النهاية؟
|
|
في هذه الآيات جرى الحديث حول
المواجهة بين النّبي موسى(عليه السلام)، وبين السحرة، وما
آل إليه أمرهم في هذه المواجهة، وفي البداية تقول
الآية: إنّ السحرة بادروا إلى فرعون بدعوته، وكان أوّل ما دار بينهم وبين
فرعون هو: هل لنا من أجر إذا غلبنا العدوّ (وجاء السحرة
فرعون قالوا إنّ لنا لأجراً إن كنّا نحن الغالبين)؟! |
|
بحوث وهنا لابدّ من الإشارة
إلى نقطتين: |
|
1 ـ المشهد
العجيب لسحر السّاحرين
|
|
لقد أشار القرآن الكريم إشارة
إجمالية من خلال عبارة(وجاؤوا بسحر عظيم) إلى
الحقيقة التالية وهي: أنّ المشهد الذي أوجده السحرة كان
عظيماً ومهماً، ومدروساً ومهيباً، وإلاّ لما استعمل القرآن الكريم لفظة «عظيم»
هنا. |
|
2 ـ الإستفادة من السلاح المشابه
|
|
من هذا البحث يستفاد ـ بجلاء
ووضوح ـ أنّ فرعون بالنظر إلى حكومته العريضة في أرض مصر، كانت له سياسات
شيطانية مدروسة، فهو لم يستخدم لمواجهة موسى وأخيه هارون من سلاح التهديد
والإِرعاب، بل سعى للاستفادة من أسلحة مشابهة ـ كما يظن ـ في مواجهة موسى، ومن
المسلّم أنّه لو نجح في خطّته لما بقي من موسى ودينه أي أثر أو خبر، ولكان قتل
موسى(عليه السلام) في تلك الصورة أمراً سهلا جداً، بل وموافقاً للرأي العام،
جهلا منه بأنّ موسى لا يعتمد على قوة إنسانية يمكن معارضتها ومقاومتها، بل يعتمد
على قوّة أزلية إلهية مطلقة، تحطّم كلّ مقاومة، وتقضي على كل معارضة. و «يأفكون» مشتقّة من مادة «إفك»
على وزن «مسك» وهي تعني في الأصل الإنصراف: عن
الشيء، وحيث أن الكذب يصرف الإنسان من الحق أطلق
على الكذب لفظ «الإفك». |
|
الآيات(123) (126)
قَالَ فِرْعَوْنُ ءَامَنْتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ
|
|
قَالَ فِرْعَوْنُ
ءَامَنْتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ
مَّكَرْتُمُوهُ فِى الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ
تَعْلَمُونَ(123) لاَُقَطِّعَنَّ أَيدِيَكُمْ وأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلَف ثُمَّ
لاَُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا
مُنقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ ءَامَنَّا بِأيتِ رَبِّنَا
لَمَّا جَآءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا
مُسْلِمِينَ (126) |
|
التّفسير |
|
التّهديدات
الفرعونية الجوفاء:
|
|
عندما توجهت ضربة جديدة ـ
بانتصار موسى على السحرة وإيمانهم به ـ إلى أركان السلطة الفرعونية، استوحش
فرعون واضطرب بشدّة ورأى أنّه إذا لم يظهر أي ردّ فعل في مقابل هذا المشهد،
فسيؤمن بموسى كل الناس أو أكثرهم، وستكون السيطرة على الأوضاع غير ممكنة، لهذا
عمد فوراً إلى عملين مبتكرين: ثمّ إنّهم للردّ على تهمة
فرعون، ولايضاح الحقيقة لجماهير المتفرجين على هذا المشهد، واثبات براءتهم من أي
ذنب، قالوا: إنّ الإشكال الوحيد الذي تورده علينا هو أنّنا آمنا بآيات الله وقد
جاءتنا (وما تنقم منّا إلاّ أن آمنا بآيات ربّنا لما جاءتنا). |
|
الاستقامة
الواعية
|
|
يمكن أن يتملك الإنسان عجب
شديد عند أوّل إطلاعة على قصّة السحرة في زمان
موسى(عليه السلام) الذين صاروا من المؤمنين الصادقين، هل يمكن أن يحدث
مثل هذا الإنقلاب والتحول العميق في الروح الإنسانية في مثل هذه المدّة القصيرة،
بحيث يقطع الشخص كل علاقاته مع الصف المخالف، ويصير في صف الموافق، ثمّ يدافع عن
عقيدته الجديدة بإصرار وعناد عجيبين إلى درجة أنّه يتجاهل مكانته ومصالحه وحياته
جميعاً، ويستقبل الشهادة بشجاعة منقطعة النظير، وبوجه مستبشر؟ |
|
الآيات(127) (129)
وَقَالَ الْمَلاَُ مِن قَومِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ
|
|
وَقَالَ الْمَلاَُ
مِن قَومِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِى الاَْرْضِ
وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْىِ
نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ
اسْتَعِينُوا بِاللهِ واصْبِرُوا إِنَّ الاَْرضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ
مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَقِبَهُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ
قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن
يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِى الاَْرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ
تَعْمَلُونَ(129) |
|
التّفسير |
|
في هذه الآيات يبيّن لنا
القرآن الكريم مشهداً آخر من الحوار الذي دار
بين فرعون وبين ملائه حول وضع موسى(ع) ، ويستفاد من
القرائن الموجودة في نفس الآية أنّ محتوى هذه الآيات يرتبط بفترة ما بعد
المواجهة بين موسى وبين السحرة. يستفاد من هذا التعبير ـ جيداً ـ أنّ فرعون بعد هزيمته أمام موسى(عليه
السلام) ترك موسى وبني إسرائيل أحراراً (طبعاً الحرية
النسبية) مدّة من الزمن، ولم يترك بنو إسرائيل بدورهم هذه الفرصة من دون
أن يشتغلوا بالدعوة والتبليغ لصالح دين موسى(عليه السلام) إلى درجة أن قوم فرعون
قلقوا من انتشاره ونفوذ دعوتهم، فحضروا عند فرعون وحرضوه على اتّخاذ موقف مشدد
تجاه موسى و بني اسرائيل. وفي آخر آية من
الآيات الحاضرة يعكس القرآن الكريم شكايات
بني إسرائيل وعتابهم من المشكلات التي ابتلوا بها بعد قيام موسى(عليه السلام)
فيقول: (قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما
جئتنا) فإذاً متى يحصل الفرج؟! |
|
الآيتان(130) (131)
وَلَقَدْ أَخَذَنَآ ءَالَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْص مِّنَ الَّثمَرتِ
|
|
وَلَقَدْ أَخَذَنَآ
ءَالَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْص مِّنَ الَّثمَرتِ لَعَلَّهُمْ
يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَآءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ
وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَن مَّعَهُ أَلاَ إِنَّمَا
طَئِرُهُمْ عِندَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (131) |
|
التّفسير |
|
العقوبات التنبيهية:
|
|
لقد كان القانون الإِلهي
العام في دعوة الأنبياء ـ كما قلنا في تفسير الآية (94) من نفس هذه السورة ـ هو
أنّهم كلّما واجهوا معارضة كان الله تعالى يبتلي الاقوام المعاندين بأنواع
المشاكل والبلايا، حتى يحسّوا بالحاجة في ضمائرهم وأعماق نفوسهم، وتستيقظ فيهم فطرة
التوحيد المتكّسلة تحت حجاب الغفلة عند الرفاه والرخاء، فيعودوا إلى الإحساس
بضعفهم وعجزهم، ويتوجهوا إلى المبدأ القادر مصدر جميع النعم. |
|
التفاؤل
والتشاؤم (الفأل والطيرة):
|
|
مسألة التطيّر
والتفاؤل والتشاؤم قد تكون منتشرة في مختلف المجتمعات البشرية، فيتفاءلون
بأُمور وأشياء ويعتبرونها دليل النجاح،
ويتشاءمون بأمور وأشياء ويعتبرونها آية الهزيمة والفشل.
في حين لا توجد أية علاقة منطقية بين النجاح والإخفاق
وبين هذه الأُمور، وبخاصّة في مجال التشاؤم حيت كان له غالباً جانب خرافي
غير معقول. |
|
الآيتان(132)
(133) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ ءَايَة لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا
نَحْنُ لَكَ
|
|
وَقَالُوا مَهْمَا
تَأْتِنَا بِهِ مِنْ ءَايَة لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ
بِمُؤْمِنينَ(132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرادَ
وَالْقُمَّلَ والضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ءَايَت مُّفَصَّلَت فَاسْتَكْبَرُوا
وَكَانُوا قَوْماً مُّجْرِمِينَ(133) |
|
التّفسير |
|
النّوائب
المتنوعة:
|
|
في هاتين الآيتين
أُشير إلى مرحلة أُخرى من الدروس
المنبهة التي لقّنها الله لقوم فرعون، فعندما لم تنفع
المرحلة الأُولى، يعني أخذهم بالجدب والسنين وما ترتب عليه من الأضرار
المالية في إيقاظهم وتنبيههم، جاء دور المرحلة الثّانية
وتمثلت في عقوبات أشدّ، فأنزل الله عليهم نوائب متتابعة
مدمِرة، ولكنّهم ـ وللأسف ـ لم ينتبهوا مع ذلك. |
|
الآيات(134) (136)
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَمُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ
|
|
وَلَمَّا وَقَعَ
عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَمُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ
عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ
مَعَكَ بَنِى إِسْرَءِيل (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى
أَجَل هُم بَلِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ (135) فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ
فَأَغْرَقْنَهُمْ فِى الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَتِنَا وَكَانُوا
عَنْهَا غَفِلِينَ(136) |
|
التّفسير |
|
نقض
العهد المتكرر:
|
|
في هذه الآيات نلاحظ رد فعل
الفرعونيين في مقابل النوائب والبلايا المنبّهة الإِلهيّة، ويستفاد من مجموعها
أنّهم عندما كانوا يقعون في مخالب البلاء ينتبهون من غفوتهم بصورة مؤقتة شأنهم
شأن جميع العصاة، وكانوا يبحثون عن حيلة للتخلص منها، ويطلبون من موسى(عليه
السلام) أن يدعو لهم، ويسأل الله في خلاصهم، ولكن
بمجرّد أن يزول عنهم طوفان البلاء وتهدأ أمواج الحوادث، ينسون كل شيء ويعودون
إلى سيرتهم الأُولى. إنّهم لم يكونوا غافلين
واقعاً، لأنّ موسى(عليه السلام) ذكّرهم مراراً وبالوسائل المختلفة المتعددة
ونبههم، بل أنّهم تصرّفوا عملياً كما يفعل الغافلون، فلم يعتنوا بآيات الله
أبداً. |
|
الآية(137)
وَأَوْرَثْنَا الْقَومَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَرِقَ الاَْرْضِ
وَمَغَرِبَهَا
|
|
وَأَوْرَثْنَا
الْقَومَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَرِقَ الاَْرْضِ وَمَغَرِبَهَا
الَّتِي بَرَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلى بَنِى
إِسْرءِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ
وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) |
|
التّفسير |
|
قوم
فرعون والمصير المؤلم:
|
|
بعد هلاك قوم فرعون، وتحطّم
قدرتهم، وزوال شوكتهم، ورث بنو إسرائيل الذين طال رزوحهم في أغلال الأسر
والعبودية اراضي الفراعنة الشاسعة والآية الحاضرة
تشير إلى هذا الأمر (وأورثنا القوم الذين كانوا
يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها). صحيح أنَّ هذه الآية تحدّثت
عن بني إِسرائيل ونتيجة ثباتهم في وجه الفرعونيين فقط، إلاّ أنّه يستفاد من
الآيات القرآنية الأُخرى أن هذا الموضوع لا يختص بقوم أو شعب خاص، بل إن كان شعب مستضعف نهض وحاول تخليص نفسه من مخالب الأسر
والإستعمار، استعان في هذا السبيل بالثبات والاستقامة، سوف ينتصر آخر المطاف
ويحرر الأراضي التي احتلها الظلمة الجائرون. |
|
الآيات(138) (141)
وَجَوَزْنَا بِبَنِى إِسْرءِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْم يَعْكُفُونَ
|
|
وَجَوَزْنَا
بِبَنِى إِسْرءِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْم يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنَام
لَّهُمْ قَالُوا يَمُوسَى اجْعَل لَّنَآ إِلَهَاً كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ قَالَ
إِنَّكُمْ قَومٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلاَءِ مَتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ
وَبطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ
إِلَهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَلَمِينَ(140)وَإِذْ أَنجَيْنَكُمْ مِّنْ
ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ
وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِى ذَلِكُمْ بَلاَءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ
(141) |
|
التّفسير |
|
الاقتراح
على موسى بصنع الوثن:
|
|
في هذه الآيات إشارة إلى جانب
حساس آخر من قصّة بني إسرائيل التي بدأت في أعقاب الإِنتصار على الفرعونيين، وذلك هو مسألة توجه بني إسرائيل إلى الوثنية التي بحثت
بداياتها في هذه الآيات، وجاءت نتيجتها النهائية بصورة مفصّلة في سورة طه من الآية (86) إلى (97)، وبصورة مختصرة في الآية (148) فما بعد من هذه السورة. وفي الحقيقية فإنّه مع انتهاء
قصة فرعون بدأت مشكلة موسى الداخلية الكبرى، يعني مشكلته مع جهلة بني إسرائيل،
والأشخاص المتعنتين والمعاندين. وكانت هذه المشكلة أشدّ على موسى(عليه السلام)
وأثقل بمراتب كثيرة ـ كما سيتّضح من قضية مواجهته لفرعون والملأ وهذه هي خاصية
المشاكل والمجابهات الداخلية. |
|
بحوث وهنا لابدّ من الانتباه إلى نقاط:
|
|
1
ـ الجهل منشأ الوثنية |
|
الآية(142)
وَوَعَدْنَا مُوسَى ثَلَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَهَا بِعَشْر
|
|
وَوَعَدْنَا مُوسَى
ثَلَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَهَا بِعَشْر فَتَمَّ مِيقَتُ رَبِّهِ
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لاَِخيهِ هَرُونَ اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى
وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) |
|
التّفسير |
|
الميعاد
الكبير:
|
|
في هذا الآية إشارة إلى مشهد
من مشاهد حياة بني إسرائيل، ومشكلة موسى(عليه السلام) معهم، وذلك هو قصّة ذهاب موسى إلى ميقات ربّه، وتلقي أحكام
التّوراة عن طريق الوحي وكلامه مع الله، واصطحاب جماعة
من كبار بني إسرائيل وشخصياتهم إلى الميقات لمشاهدة هذه الحادثة وإثبات
أنّ الله لا يمكن أن يدرَك بالأبصار، والتي ذكرت بعد قصّة عبادة بني إسرائيل
للعجل وإنحرافهم عن مسير التوحيد، وضجّة السامريّ العجيبة. |
|
بحوث وهنا عدّة نقاط ينبغي التوقف عندها والإِلتفات إليها: |
|
1 ـ لماذا
التفكيك بين الثلاثين والعشر؟
|
|
إنّ أوّل سؤال يطرح
نفسه في مجال الآية الحاضرة، هو: لماذا لم
يبيّن مقدار الميقات بلفظ واحد هو الأربعين، بل
ذكر أنّه واعده ثلاثين ليلة ثمّ أتمّه بعشر، في حين
أنّه تعالى ذكر ذلك الموعد في لفظ واحد هو أربعين في الآية (151) من سورة البقرة. |
|
2 ـ كيف نصب
موسى(عليه السلام) هارون قائداً وإماماً؟
|
|
السؤال الثّاني
الذي يطرح نفسه هنا، هو: إنّ هارون كان
نبيّاً، فكيف نصبه موسى(عليه السلام) خليفة له وإماماً وقائد لبني إسرائيل؟ |
|
3 ـ لماذا طلب
موسى(عليه السلام) من أخيه الإصلاح وعدم اتّباع المفسدين؟
|
|
السؤال الثّالث
الذي يطرح نفسه هنا، هو: لماذا قال
موسى(عليه السلام) لأخيه: اصلح ولا تتبع سبيل المفسدين، مع أن هارون نبي معصوم
من المستحيل أن يتبع طريق المفسدين وينهج نهجهم الفاسد؟ |
|
4 ـ ميقات واحد
أو مواقيت متعددة؟
|
|
السؤال الرّابع
الذي يطرح نفسه هنا، هو: هل ذهب موسى إلى
ميقات ربّه مرّة واحدة، وهي هذه الأربعون يوماً، وتلقى أحكام التوراة وشريعته
السماوية عن طريق الوحي في هذه الأربعين يوماً، كما اصطحب معه جماعة من شخصيات
بني إسرائيل معه كممثلين عن قومه، ليشهدوا نزول أحكام التوراة عليه، وليفهمهم أن
الله لا يدرك بالأبصار أبداً، في هذه الأربعين يوماً نفسها؟ |
|
5 ـ حديث المنزلة
|
|
أشار كثير من
المفسّرين الشيعة والسنة ـ في ذيل الآية
المبحوثة ـ إلى حديث «المنزلة» المعروف، بفارق واحد هو:
أنّ الشيعة اعتبروا هذا الحديث من الأدلة الحيّة
والصريحة على خلافة علي(عليه السلام) لرسول
الله(صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرة وبلا فصل. حديث المنزلة في
سبعة مواضع: الإشكال الثّالث: إنّ الاستدلال بهذا الحديث يستلزم أنّه كان لعلي(عليه
السلام) منصب الولاية والقيادة حتى في زمن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)
في حين لا يمكن أن يكون هناك إمامان وقائدان في عصر واحد. |
|
الآية(143) وَلَمَّا
جَآءَ مُوسَى لِمِيقَتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ
|
|
وَلَمَّا جَآءَ
مُوسَى لِمِيقَتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ
قَالَ لَن تَرانِى وَلَكِن انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ
فَسَوْفَ تَرَانِى فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكَّاً وَخَرَّ
مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَنَكَ تُبْتُ إِليْكَ وَأَنَا
أوَّلُ الْمُؤْمِنينَ(143) |
|
التّفسير |
|
المطالبة
برؤية الله:
|
|
في هذه الآيات والآيات
اللاحقة يشير سبحانه إلى مشهد مثير آخر من مشاهد حياة بني إسرائيل، وذلك عندما
طلب جماعة من بني إسرائيل من موسى(عليه السلام) ـ بإلحاح وإصرار ـ أن يَروا الله
سبحانه، وأنّهم لن يؤمنوا به إذا لم يشاهدوه، فاختار موسى سبعين رجلا من قومه
واصطحبهم معه إلى ميقات ربّه، وهناك رفع طلبهم إلى الله سبحانه، فسمع جواباً
أوضح لبني إسرائيل كل شيء في هذا الصعيد. |
|
بحوث
وفي هذه الآية نقاط ينبغي التوقف عندها والإلتفات إليها:
|
|
لماذا
طلب موسى رؤية الله؟
|
|
1 ـ
لماذا طلب موسى رؤية الله؟ صحيح أنّ المفسّرين
ذكروا أجوبة مختلفة على هذا السؤال، ولكن أوضح الأجوبة هو أن موسى(عليه السلام) طرح مطلب قومه، لأنّ جماعة من
جَهَلة بني إسرائيل أصرّوا على أن يروا الله حتى يؤمنوا (والآية 153 من سورة النساء خير شاهد على هذا الأمر) وقد أمر موسى
(عليه السلام) من جانب الله أن يطرح مطلب قومه هذا على الله سبحانه حتى يسمع
الجميع الجواب الكافي، وقد صُرّح بهذا في رواية مرويّة عن الإمام علي بن موسى
الرضا(عليه السلام) في كتاب عيون أخبار الرضا أيضاً(تفسير
نور الثقلين، المجلد الثّاني، الصفحة 65.). 3 ـ
ما هو المراد من تجلّي الله؟ 4 ـ
مم تاب موسى(عليه السلام) ؟ |
|
الآيتان(144)
(145)
قَالَ يَمُوسَى إِنِّى اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَلَتِى وَبِكَلَمِى
|
|
قَالَ يَمُوسَى
إِنِّى اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَلَتِى وَبِكَلَمِى فَخُذْ مَآ
ءَاتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّكِرِينَ(144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِى الاَْلْوَاحِ
مِن كُلِّ شَيء مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلا لِّكُلِّ شَيء فَخُذْهَا بِقُوَّة
وَامُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأحْسَنِهَا سَأُوِريكُمْ دَارَ الْفَسِقِينَ(145) |
|
التّفسير |
|
ألواح
التوراة:
|
|
ففي البداية: (قال يا موسى إنّي اصطفيتك على
الناس برسالاتي وبكلامي). |
|
بحوث ثمّ إن ها هنا نقاط
عديدة ينبغي التوقف عندها والإلتفات إليها: |
|
نزول
الألواح على موسى ـ وكيف كلّم الله موسى؟
|
|
1 ـ
نزول الألواح على موسى |
|
الآيتان(146) (147)
سَأَصْرِفُ عَنْ ءَايَتِى الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِى الاَْرْضِ بِغَيْرِ
الْحَقِّ
|
|
سَأَصْرِفُ عَنْ
ءَايَتِى الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِى الاَْرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن
يَرَوْا كُلَّ ءَايَة لاَّ يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ
لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا وَ إِن يَرَوْا سَبيلَ الْغَىِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِأيَتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَفِلينَ (146)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِأيَتِنَا وَلِقَآءِ الاْخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَلُهُمْ
هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147) |
|
التّفسير |
|
مصير
المتكبرين:
|
|
البحث في هاتين الآيتين هو في
الحقيقة نوع من عملية استنتاج من الآيات الماضية عن مصير فرعون وملئَه والعصاة
من بني إسرائيل، فقد بيّن الله في هذه الآيات الحقيقة
التالية وهي: إذا كان الفراعنة أو متمرّدو بني إسرائيل لم يخضعوا للحق مع
مشاهدة كل تلك المعاجز والبينات، وسماع كل تلكم الحجج والآيات الإلهية، فذلك
بسبب أنّنا نصرف المتكبرين والمعاندين للحق ـ بسبب أعمالهم ـ عن قبول الحق. وبعبارة أُخرى: إنّ الإصرار على تكذيب الآيات الإِلهية قد ترك في نفوسهم
وأرواحهم أثراً عجيباً، بحيث خلق منهم أفراداً متصلبين منغلقين دون الحق، لا
يستطيع نور الهدى من النفوذ إلى قلوبهم. |
|
الآيتان(148) (149)
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَداً
|
|
وَاتَّخَذَ قَوْمُ
مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ
يَرَوْا أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلا اتَّخَذُوهُ
وَكَانُوا ظَلِمينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِى أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ
قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ
مِنَ الْخَسِرِينَ(149) |
|
التّفسير |
|
اليهود
وعبادتهم للعجل:
|
|
في هذه الآيات يقصّ القرآن
الكريم إحدى الحوادث المؤسفة، وفي نفس الوقت
العجيبة التي وقعت في بني إسرائيل بعد ذهاب موسى(عليه السلام) إلى ميقات ربّه، وهي قصّة عبادتهم للعجل التي تمّت على يد شخص يدعى «السامري»
مستعيناً بحلي بني إسرائيل وما كان عندهم من آلات الزّينة. على أنَّ هذه الحادثة مثل
بقية الظواهر الإِجتماعية لم تكن لتحدث من دون مقدمة وأرضيَّة، فبنوا إسرائيل من جهة قضوا سنين مديدة في مصر وشاهدوا كيف يعبد
المصريون الأبقار أو العجول. ومن جانب آخر عندما
عبروا النيل شاهدوا في الضفة الأُخرى مشهداً من الوثنية، حيث وجدوا قوماً يعبدون
البقر، وكما مرّ عليك في الآيات السابقة طلبوا من موسى(عليه السلام) صنماً كتلك
الأصنام، ولكن موسى(عليه السلام)وبّخهم وردّهم، ولامهم بشدّة. |
|
الآيتان(150) (151)
وَلمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَنَ أَسِفاً قَالَ
|
|
وَلمَّا رَجَعَ
مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِى مِن
بَعْدِى أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الاَْلْوَاحَ وَأَخَذَ
بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِليْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ
اسْتَضْعَفُونِى وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِى فَلاَ تُشْمِتْ بِىَ الاَْعْدَآءَ
وَلاَ تَجْعَلْنِى مَعَ الْقَوْمِ الظَّلِمِينَ(150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِى
وَلاَِخِى وَأَدْخِلْنَا فِى رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّحِمينَ(151) |
|
التّفسير |
|
ردة
فعل شديدة تجاه عبادة العجل:
|
|
في هاتين الآيتين بيّن تعالى
بالتفصيل ما جرى بين موسى(عليه السلام) وبين عبدة العجل عند عودته من ميقاته
المشار اليه في الآية السابقة. فهاتان الآيتان تعكسان ردة فعل موسى(عليه السلام)
الشديدة التي أدت إلى يقظة هذه الجماعة. |
|
مقاربة
بين تواريخ القرآن والتوراة الحاضرة:
|
|
يستفاد من الآيات الحاضرة،
وآيات سورة طه أن بني إسرائيل هم الذين صنعوا العجل لا هارون، وأنّ شخصاً خاصاً
في بني إسرائيل يدعى السامريّ هو الذي أقدم على مثل هذا العمل، ولكن هارون ـ أخا
موسى ووزيره ومساعده ـ لم يكن يتفرج على هذا الأمر بل عارضه، ولم يأل جهداً في
هذا السبيل، حتى أنّهم كادوا أن يقتلوه لمعارضته لهم. |
|
الآيات(152) (154)
إِنَّ الَّذيِنَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ
|
|
إِنَّ الَّذيِنَ
اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِى
الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ
عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمُّ تَابُوا مِن بَعْدِهَا وَءَامَنُوا إِنَّ رَبَّكَ
مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُّوسَى الْغَضَبُ
أَخَذَ الاَْلْوَاحَ وَفِى نُسْخَتِهَا هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ
لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) |
|
التّفسير |
|
لقد فعلت ردة فعل موسى(عليه
السلام) الشديدة فعلتها في المآل فقد ندم عَبَدة العجل الإسرائيليون ـ وهم
أكثرية القوم ـ على فعلهم، وقد طرح هذا الندم في عدّة
آيات قبل هذه الآية أيضاً (الآية 149) ومن أجل أن لا يُتصور أن مجرّد
الندم من مثل هذه المعصية العظيمة يكفي للتوبة، يضيف القرآن الكريم قائلا: (إنّ
الذين اتّخذوا العجل سينالهم عضبٌ من ربّهم وذلّة في الحياة الدنيا). إن التعبير بـ
«اتّخذوا» إشارة إلى أنّ الوثن ليس له أية واقعية، ولكن انتخاب عَبَدة الأوثان هو الذي أعطاه تلك الشخصية والقيمة الوهمية،
ولهذا أتى بكلمة «العجل» وراء هذه الجملة فوراً، يعني أنّ ذلك العجل هو نفس ذلك
العجل حتّى بعد انتخابه للعبادة. وفي الآية اللاحقة
يكمّل القرآن الكريم هذا الموضوع ويقول في
صورة قانون عام: (والذين عملوا السيئات ثمّ تابوا من بعدها وآمنوا إن ربّك من
بعدها لغفور رحيم) فالذين يتوبون من بعد السيئة وتتوفر كل شروط التوبة لديهم
يغفر الله لهم ويعفو عنهم. |
|
الآيتان(155) (156) وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا
لِّمِيقَتِنَا
|
|
وَاخْتَارَ مُوسَى
قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا لِّمِيقَتِنَا فَلَمَّآ أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ
قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّى أَتُهْلِكُنَا
بِمَا فَعَلَ السُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِىَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا
مَن تَشَآءُ وَتَهْدِى مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا
وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَفِرينَ(155)وَاكْتُبْ لَنَا فِى هَذِهِ
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الاَْخِرَةِ إنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِى
أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشآءُ وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْء فَسأَكْتُبُهَا
لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ويُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَالَّذِينَ هُم بِأيَتِنَا
يُؤْمِنُونَ (156) |
|
التّفسير |
|
مندوبو
بني إسرائيل في الميقات:
|
|
في الآيتين الحاضرتين يعود
القرآن الكريم مرّة أُخرى إلى قصة ذهاب موسى إلى الميقات «الطور» في صحبة جماعة،
ويقص قسماً آخر من تلك الحادثة. هذا وقد وقع بين
المفسّرين كلام في أنّه هل كان لموسى(عليه
السلام) ميقات واحد مع ربّه، أو أكثر من ميقات واحد؟ وقد أقام كل واحد منهم
شواهد لإِثبات مقصوده من القرآن الكريم، ولكنّه كما
قلنا سابقاً ـ في ذيل الآية (142) من هذه السورة ـ أنّه يظهر من مجموع
القرائن في القرآن الكريم والرّوايات أن موسى(عليه السلام) كان له ميقات واحد، وذلك برفقة جماعة من بني إسرائيل. والجواب على هذا
الكلام واضحٌ أيضاً، لأنّ الكلام
فعل من أفعال الإنسان أيضاً، وإطلاق «الفعل» على «الكلام» ليس أمراً جديداً وغير
متعارف، مثلا عندما نقول: إنّ الله يثيبنا يوم
القيامة على أعمالنا، فإنّ من المسلّم أنَّ لفظة أعمالنا تشمل كلماتنا أيضاً. و«الحسنة» تعني كلَ خير وجمال، وعلى هذا الأساس تشمل جميع النعم، وكذا
التوفيق للعمل الصالح، والمغفرة، والجنّة، وكل نوع من أنواع السعادة، ولا دليل
على حصرها بنوع خاص من هذه المواهب، كما ذهب إليه بعض
المفسّرين. وبهذه الطريقة
تتضمّن الآية برنامجاً كاملا وجامعاً. |
|
الآية(157) الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الاُْمِّىَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً
عِندَهُمْ
|
|
الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الاُْمِّىَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً
عِندَهُمْ فِى التَّوْرَيهِ وَالاِْنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْههُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبتِ وَيُحَرِّمُ
عَلَيْهِمُ الْخَبئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالاَْغْلَلَ الَّتِى
كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ
واتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِى أُنزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
(157) |
|
التّفسير |
|
اتبعوا
هذا النّبي:
|
|
هذه الآية في الحقيقة تكمل
الآية السابقة التي تحدثت عن صفات الذين تشملهم الرحمة الإِلهية الواسعة، أي من
تتوفر فيهم الصفات الثلاث: التقوى، وأداء الزكاة، والإِيمان بآيات الله. وفي هذه
الآية يذكر صفات أُخرى لهم من باب التوضيح، وهي اتّباع الرّسول الأعظم(صلى الله
عليه وآله وسلم)، لأنّ الإِيمان بالله غير قابل للفصل عن الإِيمان بالنّبي(صلى
الله عليه وآله وسلم) واتباع دينه، وهكذا التقوى والزكاة لا يتمان ولا يكملان من
دون اتباع القيادة. لهذا يقول تعالى: (الذين يتّبعون الرسول). ولكن لا مانع أبداً من أن
تكون كلمة «الأُمّي» إشارة إلى كل المفاهيم
والمعاني الثلاثة، وقد قلنا مراراً: إنّه لا
مانع من استعمال لفظة واحدة في عدة معان، ولهذا الموضوع
شواهد كثيرة في الأدب العربي. (وسنبحث بتفصيل حول أميّة النّبي(صلى الله
عليه وآله وسلم) بعد الفراغ من تفسير هذه الآية). |
|
بحوث وهنا لا بد من الوقوف عند نقاط هامة هي:
|
|
1 ـ خمسة أدلة
على النّبوة في آية واحدة
|
|
لم ترد في آية من آيات القرآن
أدلة عديدة على حقانية دعوة الرّسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) كما جاء في
هذه الآية ... فلو أننا أمعنا النظر بدقة في الصفات
السبع التي ذكرها الله تعالى في هذه الآية لنبيه محمّد(صلى الله عليه
وآله وسلم) لوجدنا أنّها تحتوي على سبعة أدلة واضحة
لإِثبات نبوته: الثّاني: أنّ دلائل نبوته قد وردت بتعابير مختلفة في الكتب
السماوية السابقة على نحو توجد علماً لدى المرء بحقانيته.... فإنّ البشارات التي
جاءت في تلك الكتب لا تنطبق إلاّ عليه(صلى الله عليه
وآله وسلم) فقط. |
|
2 ـ كيف كان
النّبي أُميّاً؟
|
|
هناك احتمالات
ثلاثة معروفة حول مفهوم «الأُمّي» كما قلنا سابقاً: الثّالث: أنّ معناه الذي قام من بين صفوف الجماهير. |
|
الآية(158) قُلْ
يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً
|
|
قُلْ يَأَيُّهَا
النَّاسُ إِنِّى رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ
السَّمَواتِ وَالاَْرْضِ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ فَأَمِنُوا
بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيّ الاُْمِّيّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ
وَكَلِمَتِهِ واتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) |
|
التّفسير |
|
دعوة
النّبي العالميّة:
|
|
جاء في حديث عن
الإِمام الحسن المجتبى(عليه السلام) قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: يا
محمّد، أنت الذي تزعم أنّك رسول الله، وأنّك الذي يوحى إليك كما يوحى إلى موسى
بن عمران؟ فسكت النّبي ساعة ثمّ قال: «نعم أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا خاتم
النّبيين، وإمام المتقين، ورسول ربّ العالمين.» قالوا: إلى من، إلى العرب أم إلى
العجم، أم إلينا؟ فأنزل الله هذه الآية التي صرّحت بأنّ رسالة النّبي(صلى الله
عليه وآله وسلم) رسالة عالمية (عن المجالس حسب نقل تفسير
الصافي، ج 1، في ذيل هذه الآية.). النّبي الذي لا يكتفي بدعوة
الآخرين إلى هذه الحقائق فحسب، بل يؤمن هو في الدرجة
الأُولى ـ بما يقول، يعني الإِيمان بالله وكلماته (الذي يؤمن بالله وكلماته). |
|
الآيتان(159) (160)
وَمِن قَومِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
|
|
وَمِن قَومِ مُوسَى
أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ(159)وَقَطَّعْنَهُمٌ اثْنَتىْ
عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُممَاً وَأَوْحَيْنَآ إِلى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَهُ
قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا
عَشْرَةً عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاس مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا
عَلَيْهِمُ الْغَمَمَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا
مِن طَيّبتِ مَا رَزَقْنَكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ (160) |
|
التّفسير |
|
جانب
من نعم الله على بني إسرائيل:
|
|
في الآيات الحاضرة إشارة إلى حقيقة رأينا نظيرها في القرآن الكريم، وهذه الحقيقة هي تحري القرآن للحق، واحترامه لمكانة الأقليات
الدينية الصالحة، يعني أنّه لم يكن ليصف جميع بني إسرائيل بأسرهم بالفساد
والإِفساد، وبأنّ هذا العرق القومي برمته ضالّ متمرد من دون إستثناء، بل اعترف بأن منهم أقلية صالحة غير موافقة على أعمال
الأكثرية، وقد أولى القرآن الكريم اهتماماً خاصاً بهؤلاء فيقول: (ومن قوم موسى أُمّة يهدون بالحق وبه يعدلون). إنَّ هذه الآية قد تشير إلى فريق صغير لم يسلّموا للسامريّ ودعوته، وكانوا يدافعون عن دين موسى دائماً
وأبداً، أو إلى الفرق والطوائف الصالحة الأُخرى التي جاءت بعد موسى(عليه
السلام). ثمّ إنّ
المفسّرين أعطوا تفسيرات متنوعة لهذين
الغذاءين «المنّ» و«السلوى» اللذين أنزلهما الله
على بني إسرائيل في تلك الصحراء القاحلة (وقد ذكرنا هذه
التفاسير عند دراسة الآية 57 من سورة البقرة) وقلنا بأنّه لا يبعد أنّ
«المن» كان نوعاً من العسل الطبيعي الذي كان في بطون الجبال المجاورة، أو عصارات
وإفرازات نَباتية كانت تظهر على أشجار كانت نابتة هنا وهناك في تلك الصحراء،
و«السلوى» نوع من الطير الحلال اللحم شبيه بالحمام. |
|
الآيتان(161) (162)
وَإِذْ قِيلَ لَهُمْ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ
شِئْتُمْ
|
|
وَإِذْ قِيلَ
لَهُمْ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ
وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ
خَطِيئَتِكُمْ سَنَزِيدُ الُْمحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا
مِنْهُمْ قَوْلا غَيْرَ الَّذِى قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً
مِّنَ السَّمَآءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ(162) |
|
التّفسير |
|
في تعقيب الآيات السابقة تشير
هاتان الآيتان إلى قسم آخر من المواهب الإِلهية
لبني إسرائيل وطغيانهم تجاه تلك النعم، وكفرانهم بها. وبالرغم من أن الله فتح
أمامهم أبواب الرحمة، ولو أردوا إغتنام الفرصة
لاستطاعوا حتماً إصلاح ماضيهم وحاضرهم، ولكن لم يغتنم الظالمين من بني
إسرائيل هذه الفرصة فحسب، بل بدّلوا أمر الله، وقالوا خلاف ما أمروا أن يقولوه: (فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم). |
|
الآيات (163) (166)
وسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ
|
|
وسْئَلْهُمْ عَنِ
الْقَرْيَةِ الَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِى السَّبْتِ
إِذْ تَأْتِيِهمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ
يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيِهمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
(163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ
مُهْلِكُهُمْ أَوْ مَعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلى
رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ
أَنجَيْنَا الَّذِين يَنْهَونَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا
بِعَذابِ بَئِيس بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَّا
نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَْسِئينَ (166) |
|
التّفسير |
|
قصّة
فيها عبرة:
|
|
في هذه الآيات يستعرض مشهداً آخر من تاريخ بني إسرائيل الزاخر
بالحوادث، وهو مشهد يرتبط بجماعة منهم كانوا يعيشون عند ساحل بحر. غاية ما في
الأمر أن الخطاب موجه فيها إلى الرّسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، فيقول له: اسأل يهود عصرك حول تلك الجماعة، يعني جدّد
هذه الخاطرة في أذهانهم عن طريق السؤال ليعتبروا بها، ويجتنبوا المصير والعقاب
الذي ينتظرهم بسبب طغيانهم وتعنتهم. ثمّ إنّ الآية
اللاحقة تقول: وفي المآل غلبت عبادة الدنيا
عليهم، وتناسوا الأمر الإِلهي، وفي هذا الوقت نجينا الذين كانوا ينهون عن
المنكر، وعاقبنا الظالمين بعقاب أليم منهم بسبب فسقهم وعصيانهم (فلمّا نسوا ما
ذِكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا
يفسقون)( بئيس مشتقة من مادة «بأس» يعني الشديد.). |
|
بحوث
وهنا نقاط عديدة يجب الإِلتفات إليها:
|
|
1 ـ كيفَ ارتكبوا
هذه المعصية؟
|
|
وأمّا كيف بدأت هذه الجماعة
عملية التجاوز على هذا القانون الإِلهي؟ فقد وقع فيه كلام بين المفسّرين. |
|
2 ـ من هم الذين
نجوا؟
|
|
الظاهر من الآيات الحاضرة أنّ فريقاً واحداً من الفرق الثلاثة (العصاة،
المتفرجون، الناصحون) هو الذي نجى من العذاب الإِلهي وهم افراد الفريق الثّالث. وكما جاء في
الرّوايات، فإنّه عندما رأى هذا الفريق
أن عظاته ونصائحه لا تجدي مع العصاة انزعجوا وقالوا: سنخرج من المدينة، فخرجوا
إلى الصحراء ليلا، واتفق أن أصاب العذابُ الإِلهي كلا الفريقين الآخرين. |
|
3 ـ هل أنّ كلا
الفريقين عوقبوا بعقاب واحد
|
|
يظهر من الآيات الحاضرة أنّ عقوبة المسخ كانت مقتصرة على العصاة، لأنّه تعالى
يقول: (فلمّا عتوا عن ما نهوا عنه ...) ولكن من جانب
آخر يستفاد من الآيات الحاضرة ـ أيضاً ـ أنّ الناصحين الواعظين فقط هم
الذين نجوا من العقاب، لأنّه تعالى يقول: (أنجينا الذين ينهون عن السوء). |
|
4 ـ هل المسخ كان
جسمانياً أو روحانياً؟
|
|
«المسخ» أو بتعبير آخر «تغيير الشكل الإِنساني
إلى الصورة الحيوانية» ومن المسلّم أنّه حدثٌ على خلاف العادة والطبيعة. |
|
5 ـ المخالفة تحت
غطاء الحيلة الشّرعية
|
|
إنّ الآيات الحاضرة وإن كانت لا تتضمّن الإشارة إلى تحايل أصحاب السبت في
صعيد المعصية، ولكن ـ كما أسلفنا ـ أشار كثير من المفسّرين في شرح هذه الآيات
إلى قصّة حفر الأحواض، أو نصب الصنارات في البحر في يوم السبت، ويشاهد هذا
الموضوع نفسه في الرّوايات الإِسلامية، وبناء على هذا تكون العقوبة الإِلهية
التي جرت على هذا الفريق ـ بشدة ـ تكشف عن أن الوجه
الحقيقي للذنب لا يتغير أبداً بانقلاب ظاهره، وباستخدام ما يسمى بالحيلة
الشرعية، فالحرام حرام سواء أتي به صريحاً، أو تحت لفافات كاذبة، ومعاذير
واهية. |
|
6 ـ أنواع
الإبتلاء الإِلهي المختلفة
|
|
صحيح أنّ صيد السمك من البحر
لسكان السواحل لم يكن مخالفة، ولكن قد ينهي الله جماعة من الناس وبصورة مؤقَّتة،
وبهدف الإِختبار والإِمتحان عن مثل هذا العمل، ليرى مدى تفانيهم، ويختبر مدى
إخلاصهم، وهذا هو أحد أشكال الإِمتحان الإِلهي. |
|
الآيتان(167) (168)
وَإذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيمَةِ مَن
يَسُومُهُمْ
|
|
وَإذْ تَأَذَّنَ
رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيمَةِ مَن يَسُومُهُمْ
سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ
رَّحِيمٌ(167)وَقَطَّعْنَهُمْ فِى الاَْرْضِ أُممَاً مِّنْهُمْ الصَّلِحُونَ
وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَهُمْ بِالْحَسَنَتِ وَالسَّيِّئَاتِ
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) |
|
التّفسير |
|
تفرق اليهود وتشتتهم:
|
|
هذه الآيات إشارة إلى قسم من
العقوبات الدنيوية التي أصابت جماعة من اليهود خالفت أمر الله تعالى، وسحقت الحق
والعدل والصدق. وعلى هذا الأساس تشمل «الحسنات» كل نعمة ورفاه واستقرار، كما تشمل
«السيئات» كل نقمة وشدة، وحصر هذين المفهومين في دائر ضيّقة معيّنة لا دليل
عليه. |
|
الآيتان َ(169) (170)
فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا
الاَْدْنَى
|
|
فَخَلَفَ مِن
بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الاَْدْنَى
وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ
أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيهِمْ مِّيثَقُ الْكِتَبِ أَن لاَّ يَقُولُوا عَلَى اللهِ
إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الاَْخِرَةُ خَيْرٌ
لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ(169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَبِ
وَأَقَامُوا الصَّلَوةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) |
|
التّفسير |
|
في الآيات الماضية دار الحديث
حول أسلاف اليهود، ولكن في الآية الحاضرة دار الكلام حول أبنائهم وأخلافهم. من كل ما قيل يتّضح أنّ هذا المبدأ والمرتكز الفكري لا يختص باليهود، بل هو أصل في حياة الأُمم والشعوب. وعلى هذا الأساس
فإنّ الذين يجمعون متاعاً زائلا بواسطة كتمان الحقائق وتحريفها، ثمّ يرون نتائجه
المشؤومة يتّخذون لأنفسهم حالة من التوبة الكاذبة، توبة سرعان ما تزول وتذوب
أمام إبتسامة من منفعة مادية متجدّدة، كما يذوب الثلج في حرّ القيظ فهؤلاء هم
المخالفون لإصلاح المجتمعات البشرية، وهم الذين يضحون
بمصالح الجماعة في سبيل مصالح الفرد، سواء صدر هذا الفعل من يهوديّ أو مسيحي أو
مسلم. |
|
الآية(171) وَإِذْ
نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ
بِهِمْ
|
|
وَإِذْ نَتَقْنَا
الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ
خُذُوا مَآ ءَاتَيْنَكُمْ بِقُوَّة وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ (171) |
|
التّفسير |
|
آخر
كلام حول اليهود:
|
|
«نتقنا»
من مادة «نتق» على وزن
«قلع» تعني في الأصل قلع وانتزاع شيء من مكانه،
وإلقاءه في جانب آخر، ويطلق على النساء اللواتي يلدن كثيراً أيضاً «ناتق»
لأنّهن يفصلن الأولاد من أرحامهن ويخرجنهم بسهولة. |
|
الآيات(172) (174)
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ
|
|
وَإِذْ أَخَذَ
رَبُّكَ مِن بَنِى ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى
أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ
الْقِيَمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَفِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما
أَشْرَكَ ءَابَآؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ
أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ
الاَْيَتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(174) |
|
التّفسير |
|
العهدِ
الأوّل وعالم الذّر:
|
|
الآيات المذكورة أعلاه، تشير إلى «التوحيد الفطري» ووجود الإِيمان في أعماق
روح الإِنسان ... ولذلك فإنّ هذه الآيات تُكمل الأبحاث الواردة في الآيات
المتقدمة من هذه السورة في شأن «التوحيد الإِستدلالي»! إيضاح لما ورد عن
عَالَم الذَّرِ. ومثل هذه التعابير
غير قليلة في أحاديثنا اليوميّة، إذ نقول
مثلا: لون الوجه يُخبر عن سره الباطني «سيماهم في
وجوهم»، أو نقول: إنّ عيني فلان المجهدتين تنبئان
أنّه لم ينم الليلة الماضية. |
|
عالم
الذر في الرّوايات الإِسلاميّة:
|
|
وردت روايات كثيرة في مختلف
المصادر الإِسلاميّة من كتب الشيعة وأهل السنة حول عالم
الذّر... بحيث تتصور لأوّل وهلة وكأنّها رواية متواترة... فمثلا في تفسير البرهان وردت 37
روايةً، وفي تفسير نور الثقلين وردت ذيل
الآيات الآنفة 30 رواية بعضها مشترك والآخر مختلف،
وبملاحظة الإِختلاف فيها فقد يصل مجموع ما ورد
من الرّوايات إلى أربعين روايةً.... |
|
الآيات(175) (178)
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِى ءَاتَيْنَهُ ءَايَتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا
فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَنُ
|
|
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ
نَبَأَ الَّذِى ءَاتَيْنَهُ ءَايَتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ
الشَّيْطَنُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَهُ بِهَا
وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الاَْرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَيهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ
إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَّلِكَ مَثَلُ
الْقَومِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِايَتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ (176) سَآءَ مَثَلا الْقَومُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِايَتِنَا
وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ(177)مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِى
وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَسِرُونَ(178) |
|
التّفسير |
|
في هذه الآيات إشارة لقصّة أُخرى من قصص بني إسرائيل، وهي تعد مثلا وأنموذجاً لجميع أُولئك الذين يتصفون
بمثل هذه الصفات. |
|
العالِم
المنحرف «بلعم بن باعوراء»:
|
|
كما لاحظنا أنّ الآيات
السالِفة لم تذكر اسم أحد بعينه، بل تحدثت عن
عالم كان يسير في طريق الحق ابتداءً وبشكل لا يفكر معه أحد بأنّه سينحرف يوماً،
إلاّ أنّه نتيجةً لإتّباعه لهوى النفس وبهارج الدنيا انتهى إلى السقوط في جماعة
الضالين وأتباع الشياطين. إلاّ أننا نستبعد ما يحتمله
بعضهم من أن المقصود هو (أمية بن الصلت) الشاعر المعروف في زمان الجاهلية، الذي
كان باديء أمره ونتيجة لإطلاعه على الكتب السماوية ينتظر نبي آخر الزمان، ثمّ
حصل له هاجس أن النّبي قد يكون هو نفسه، ولذلك بعد أن بُعث النّبي(صلى الله عليه
وآله وسلم) أصابه الحسد له وعاداه. فبناءً على هذا فإنّ الآية
محل البحث تنسجم مع الآيات المتقدمة التي تذهب إلى أصل حرية الإِرادة... ولا
منافاة بين هذه الآية وتلكم الآيات بتاتاً... |
|
الآيات(179) (181)
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرَاً مِّنَ الجِنِّ وَالاِْنسِ لَهُمْ
قُلُوبٌ
|
|
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا
لِجَهَنَّمَ كَثِيرَاً مِّنَ الجِنِّ وَالاِْنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ
يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءاَذانٌ
لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُولَئِكَ كَالاْنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ
هُمُ الْغَفِلُونَ (179) وَللهِ الاَْسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا
وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى أسْمَئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا
يَعْمَلُون (180)وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ
يَعْدِلُون(181) |
|
التّفسير |
|
علائم
أهل النّار:
|
|
هذه الآيات تكمل الموضوع الذي
تناولته الآيات المتقدمة حول العلماء الذين ركنوا إلى الدنيا، وعوامل الهداية
والضلال. والآيات ـ محل البحث ـ تقسم الناس إلى مجموعتين... وتحكي عن صفاتهما
وهما أهل النّار، وأهل الجنّة. والمقصود من
الإِلحاد في أسماء الله هو أن نحرف
ألفاظها أو مفاهيمها. بحيث نصفه بصفات لا تليق بساحته المقدسة، كما يصفه
المسيحيون بالتثليث «الله والابن وروح القدس» أو أن نطبّق صفاته على المخلوقين
كما فعل ذلك المشركون وعبدة الأوثان إذ اشتقوا لأصنامهم أسماءً من أسماء الله
فسمّوها... اللات والعزّى ومناة ..(وغيرها) فهذه الأسماء مشتقّة من الله والعزيز
والمنان «على التوالي». |
|
بحوث
|
|
1 ـ ما هي
الأسماء الحسنى؟
|
|
في كتب الأحاديث «لأهل السنة والشيعة» أبحاث كثيرة عن أسماء الله الحسنى، نورد خلاصتها في هذا المجال مضافاً إليها ما نعتقده نحن في هذا الصدد. |
|
2 ـ الأُمّةُ
الهُداة!
|
|
قرأنا في الآيات محل البحث
أنّ طائفة من عباد الله يدعون نحو الحق ويحكمون به (وممن
خلقنا أُمّة يهدون بالحق وبه يعدلون). وجاء في بعض
الرّوايات الأُخرى أنّ المراد من
قول تعالى: (وممن خلقنا أُمّة يهدون بالحق)، هم
الأئمّة من أهل البيت(عليهم السلام)»( نور الثقلين، ج2،
ص 104 ـ 105.1). |
|
3 ـ اسم الله
الأعظم
|
|
جاء في بعض
الرّوايات عن قصة بلعم بن باعورا الذي ورد
ذكره ـ آنفاً ـ أنّه كان يعرف الإسم الأعظم، ولا بأس أن نشير إلى هذا الموضوع
لمناسبة وُرود الأسماء الحُسنَى في الآيات محل البحث... إلاّ أن الأهم في
البحث أن نعثر على اسم أو صفة من صفاته تعالى بتطبيقها على
وجودنا نحصل على تكامل روحي تترتب عليه تلك الآثار. |
|
الآيتان(182) (183)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ
يَعْلَمُونَ
|
|
وَالَّذِينَ
كَذَّبُوا بِآيَتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ
يَعْلَمُونَ(182)وَأُمْلِى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ(183) |
|
التّفسير |
|
الإِستدراج!... ويقول الإمام الصادق(عليه
السلام): «كم من مغرور بما قد أنعم الله عليه، وكم من
مستدرج يستر الله عليه، وكم من مفتون بثناء الناس عليه»(1). |
|
الآيات(184) (186)
أَو لَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمِ مِّن جِنَّة إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ
مُّبِينٌ
|
|
أَو لَمْ
يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمِ مِّن جِنَّة إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ
مُّبِينٌ(184)أَوَ لَمْ يَنظُرُوا فِى مَلَكُوتِ السَّمَوتِ وَالاَْرْضِ وَمَا
خَلَقَ اللهُ مِن شَيء وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ
فَبِأَىِّ حَدِيثِ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) مَن يُضْلِلِ اللهُ فَلاَ هَادِىَ
لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِى طُغْيَنِهِمْ يَعْمَهُونَ(186) |
|
سبب النّزول
|
|
روى المفسّرون أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) حين كان بمكّة، صعد
ذات ليلة على جبل الصفا ودعا الناس إلى توحيد الله، وخاصّة قبائل قريش، وحذرهم
من عذاب الله، وقال: «إِنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد، قولوا، لا إله إلاّ
الله تفلحوا» فقال المشركون: إنّ صاحبهم قد جُنّ، بات ليلا يصوت حتى الصباح،
فنزلت الآيات وألجمتهم وردت قولهم. |
|
التّفسير |
|
التُهم
والأباطيل:
|
|
في الآية الأُولى
من الآيات ـ محل البحث ـ يردُّ الله
سبحانه على كلام المشركين الذي لا أساس له بزعمهم أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله
وسلم) قد جُنّ، فيقول سبحانه: (أو لم يتفكروا ما
بصاحبهم من جنّة).( «الجنّة» كما يذهب إليه أصحاب اللغة معناها الجنون، ومعناها في الأصل: الحائل والمانع فكأنما يُلقى على العقل حائل عند الجنون.) والواو والتاء
المزيدتان المردفتان به هما للتأكيد والمبالغة. ويُطلق هذا الإِستعمال على حكومة الله المطلقة التي لا حدّ لها ولا
نهاية.. |
|
الآية(187) يَسْئَلُونَكَ
عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّى
|
|
يَسْئَلُونَكَ عَنِ
السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّى لاَ
يُجَلِّيَها لِوَقْتَهآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِى السَّمَواتِ وَالاَْرْضِ
لاَتَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغَتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا قُلْ
إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللهِ وَلَكِنْ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ
يَعْلَمُونَ(187) |
|
سبب النّزول
|
|
أيّان يومُ
القيامة؟! |
|
التّفسير |
|
مع أنّ هذه الآية ذات سبب خاص
في النّزول ـ كما ذكروا ـ إلاّ أنّها في الوقت ذاته لها علاقة وثيقة بالآيات
المتقدمة أيضاً، لأنّه قد وردت الإشارة إلى يوم القيامة ولزوم الإستعداد لمثل
ذلك اليوم في الآيات السابقة. وبالطبع فإنّ موضوعاً كهذا يستدعي السؤال عن موعده
وقيامه، ويستثير كثيراً من الناس أن يسألوه: أيّان يوم القيامة؟ لهذا فإنّ
القرآن يقول: (يسألونك عن الساعة أيّان مرساها)؟! ثمّ إنّ قيام الساعة يكون على
حين غرّة، وبدون مقدمات تدريجية، بل على شكل مفاجيء وانقلاب سريع. |
|
الآية(188) قُل لاَّ
أمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعاً وَ لاَ ضَرَّاً إلاّ مَا شَآءَ اللهُ
|
|
قُل لاَّ أمْلِكُ
لِنَفْسِى نَفْعاً وَ لاَ ضَرَّاً إلاّ مَا شَآءَ اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ
الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ السُّوءُ إِنْ أَنَا
إلاّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوم يُؤْمِنُونَ(188) |
|
سبب النّزول
|
|
روى بعض المفسّرين «كالعلاّمة
الطبرسي في مجمع البيان» أن أهل مكّة قالوا لرسول الله(صلى الله عليه وآله
وسلم): إذا كان لك إرتباط بالله، أفلا يطلعك الله على غلاء السلع أو زهادتها في
المستقبل، لتهيء عن هذا الطريق ما فيه النفع والخير وتدفع عنك ما فيه الضرر
والسوء; أو يطلعك الله على السَّنَة المُمْحِلَة «القَحط» أو العام المخصب
العشب، فينتقل إلى الأَرض الخصيبة؟ فنزلت عندئذ الآية ـ محل البحث ـ وكانت جوابَ
سؤالهم. |
|
التّفسير |
|
لا
يعلم الغيب إلاّ الله:
|
|
بالرّغم من أنّ هذه
الآية لها شأن خاص في نزولها، إلاّ أنّ
إرتباطها بالآية السابقة واضح، لأنّ الكلام كان في الآية السابقة على عدم علم
أحد بقيام الساعة إلاّ الله، والكلام في هذه الآية على نفي علم الغيب عن العباد
بصورة كلية. |
|
الآيات(189) (193)
هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْس وَاحِدَة وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا
لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا
|
|
هُوَ الَّذِى
خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْس وَاحِدَة وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ
إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّهَا حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفَاً فَمَرَّتْ بِهِ
فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَّعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ ءَاتَيْتَنَا صَلِحاً
لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّكِرينَ(189) فَلَمَّآ ءَاتَيهُمَا صَلِحاً جَعَلا لَهُ،
شُرِكَآءِ فِيمَآ ءَاتَهُمَا فَتَعَلى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190)
أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلاَ
يَسْتَطِعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (192) وَإِنْ
تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيكُمْ
أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَمِتُونَ(193) |
|
التّفسير |
|
جحدُ
نعمة عظمى:
|
|
في هذه الآيات إشارة إلى جانب
آخر من حالات المشركين وأُسلوب تفكيرهم، والردّ على تصوّراتهم الخاطئة. لما كانت
الآية السابقة تجعل جميع الوان النفع والضرّ وعلم الغيب منحصراً بالله، وكانت في
الحقيقة إشارة إلى توحيد أفعال الله. فالآيات محل البحث تعدّ مكملةً لها لأنّ
هذه الآيات تشير إلى توحيد أفعال الله أيضاً. يوجد طريقان لتفسير الآيتين
هاتين «وما بعدهما»، ولعل جميع ما قاله المفسّرون على اختلاف آرائهم يرجع إلى هذين الطريقين... وهكذا يهملون التأثير
الرّباني بشكل عام، ويرون العلّة الأصلية هي العوامل الطبيعية أو المعبودات الخرافية(يرى بعض المفسّرين أن بداية الآية يتعلق بآدم وحواء، وذيل
الآية تتعلق بأبناء آدم وحواء، وهذا تكلّف، لأنّه يحتاج إلى حذف وتقدير، وهو لا
ينسجم وظاهر الآية.). |
|
رواية
مجعولة:
|
|
جاء في بعض المصادر الحديثية لأهل السنّة، وبعض كتب الحديث الشيعية غير المعتبرة،
في تفسير الآيات محل البحث، حديث لا ينسجم مع العقائد الإِسلامية، ولا يليق بشأن
الأنبياء أبداً. وهذا الحديث كما جاء في مسند أحمد هو: أنّ سمرة بن جندب روى عن
النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: لمّا ولدت حواء طاف بها إبليس وكان
لا يعيش لها ولد فقال: سَميّه: عبدَ الحارث، فعاش وكان ذلك من وحي الشّيطان
وأمره(مسند بن حنبل، وفقاً لما وراه تفسير المنار، ج 9،
ص 522.) «الحارث اسم من أسماء الشيطان». |
|
الآيتان(194) (195)
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ
|
|
إِنَّ الَّذِينَ
تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ
فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَدِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ
يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْد يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ
يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا
شُرَكَآءَكُمْ ثمّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ (195) |
|
التّفسير |
|
هاتان الآيتان ـ محل البحث ـ تواصلان الكلام على التوحيد ومكافحة الشرك،
وتكملان ما عالجته الآيات السابقة، فتعدّان كل شرك في العبادة عملا سفيها و
بعيداً عن المنطق والعقل! |
|
الآيات(196) (198)
إِنَّ وَلِىَّ اللهُ الَّذِى نَزَّلَ الْكِتَبَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّلِحِينَ
|
|
إِنَّ وَلِىَّ
اللهُ الَّذِى نَزَّلَ الْكِتَبَ وَهُوَ يَتَوَلَّى
الصَّلِحِينَ(196)وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ
نَصْرَكُمْ وَلاَ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلىَ
الْهُدَى لاَ يَسْمَعُوا وَتَرَيهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ
(198) |
|
التّفسير |
|
المعبودات التي لا
قيمة لها: بل أبعد من ذلك (وإن تدعوهم
إلى الهدى لا يسمعوا) وبالرغم من العيون المصنوعة لهم التي يخيل إلى الرائي
أنّها تنظر: (وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون). |
|
الآيات(199) (203)
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَهِلِينَ
|
|
خُذِ الْعَفْوَ
وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنزِغَنَّكَ
مِنَ الشَّيْطَنِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
(200)إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَئِفٌ مِّنَ الشَّيْطَنِ
تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُّبْصِرُونَ (206) وَإِخْوَنُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِى
الْغَىِّ ثمّ لاَ يُقْصِرُونَ(202) وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِأيَة قَالُوا
لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَىَّ مِن رَّبِّى
هَذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْم يُؤْمِنُونَ(203) |
|
التّفسير |
|
وَساوِسُ
الشّيطان:
|
|
في هذه الآيات يبيّن القرآن
شروط التبليغ وقيادة الناس وإمامتهم بأُسلوب أخّاذ رائق وجيز، وهي في الوقت ذاته
تتناسب والآيات المتقدمة التي كانت تشير إلى مسألة تبليغ المشركين أيضاً. العفو: قد يأتي بمعنى الزيادة في الشيء أحياناً، كما قد يأتي
بمعنى الحدّ الوسط، كما يأتي بمعنى قبول العذر والصفح عن المخطئين والمسيئين،
وتأتي أحياناً بمعنى استسهال الأُمور. وسواء كان الحديث الشريف يدلّ على ما فسّره المفسّرون وأشرنا إليه آنفاً، أو
كما عبرنا عنه بشروط القائد أو المبلغ، فهو يبيّن هذه الحقيقة، وهي أنّ هذه الآية القصيرة الوجيزة تتضمّن منهجاً جامعاً
واسعاً كليّاً في المجالات الأخلاقية والإِجتماعية، بحيث يمكننا أن نجد
فيها جميع المناهج الإِيجابية البناءة والفضائل الإِنسانية. وكما يقول بعض المفسّرين: إنّ إعجاز القرآن بالنسبة
إلى الإِيجاز في المبنى، والسعة في المعنى، يتجلى في الآية محل البحث تماماً. |
|
الآيات(204) (206)
وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ
|
|
وَإِذَا قُرِىءَ
الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(204)
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِى نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ
الْقَوْلِ بِالغُدُوِّ وَالاَْصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِّن الْغَفِلِينَ (205)إِنَّ
الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ
وَلَهُ يَسْجُدُونَ(206) |
|
التّفسير |
|
وإذا
قُرىء القرآن فاستمعوا وانصتوا:
|
|
لقد بدأت هذه السورة (سورة الأعراف) ببيان عظمة القرآن، وتنتهي بالآيات ـ محل
البحث ـ التي تتكلم عن القرآن أيضاً. كما نقل الزّهري
سبباً آخر لنزول الآية، وهو أنّه لما
كان النّبي يقرأ القرآن، كان شاب من الأنصار يقرأ معه القرآن بصورت مرتفع،
فالآية نزلت ونهت عن ذلك. * * * |
|
|
|