- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
سُورَة ص مكّية
وعَدَدُ آيَاتِها ثمان و ثمانون آية
|
|
محتويات السورة:
|
|
سورة (ص) يمكن
إعتبارها مكمّلة لسورة الصافات، فمجمل مواضيعها يشابه كثيراً ما ورد في سورة
الصافات، ولكون السورة مكيّة النّزول فإن خصائصها كخصائص بقيّة السور المكيّة
التي تبحث في مجال البدء والمعاد ورسالة
الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما أنّها تحتوي على مواضيع حسّاسة
اُخرى، وفي المجموع بمثابة الدواء الشافي لكلّ الباحثين عن طريق الحقّ. |
|
فضيلة تلاوة سورة (ص)
|
|
ورد في أحد الروايات عن رسول
الله (ص) «من قرأ سورة (ص) اُعطي من الأجر بوزن كلّ جبل سخّره الله لداود حسنات
عصمه الله أن يصرّ على ذنب صغيراً أو كبيراً»( مجمع
البيان بدء سورة (ص)، المجلّد 8، الصفحة 463..) |
|
الآيات(1) (3)
ص وَالْقُرْءَانِ ذِى الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِى عِزَّة
وَشِقَاق(2)
|
|
ص وَالْقُرْءَانِ
ذِى الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِى عِزَّة وَشِقَاق(2) كَمْ
أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْن فَنَادَوا وَّلاَتَ حِينَ مَنَاص (3) |
|
أسباب النّزول
|
|
وردت في كتب التّفسير والحديث
أسباب متشابهة لنزول الآيات الاُولى من هذه
السورة، وسنستعرض أحد هذه الأسباب لكونه مفصّلا وجامعاً
أكثر من الأسباب الاُخرى، ففي حديث نقله المرحوم العلاّمة الكليني عن
الإمام الباقر (عليه السلام)جاء فيه: «أقبل أبو جهل بن هشام ومعه قوم من قريش
فدخلوا على أبي طالب فقالوا: إنّ ابن أخيك قد آذانا وآذى آلهتنا، فادعه ومره
فليكفّ عن آلهتنا ونكفّ عن إلهه. فقال أبو جهل: نعم وما هذه الكلمة؟ |
|
التّفسير |
|
إنقضاء مهلة النّجاة:
|
|
مرّة اُخرى تمرّ علينا سورة
تبدأ آياتها الاُولى بحروف مقطّعة وهو حرف (ص)
ويطرح نفس السؤال السابق بشأن تفسير هذه الحروف المقطّعة: هل هذه إشارة إلى عظمة
القرآن المجيد الذي يتألّف من مثل هذه الحروف المتيسّرة في متناول الجميع
كالحروف الهجائية، والذي غيّرت محتوياته مجرى حياة الإنسانية في هذا العالم ... |
|
الآيات(4) (7)
وَعَجِبُوآ أَن جَآءَهُم مُّنِذرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَفِرُونَ هَذَا سَحِرٌ
كَذَّابٌ (4)
|
|
وَعَجِبُوآ أَن
جَآءَهُم مُّنِذرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَفِرُونَ هَذَا سَحِرٌ كَذَّابٌ (4)
أَجَعَلَ الاَْلِهَةَ إِلَهاً وَحِداً إِنَّ هَذَا لَشَىْءٌ
عُجَابٌ(5)وَانطَلَقَ الْمَلاَُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى
ءَالِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَىْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِى
الْمِلَّةِ الاَْخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلَقٌ (7) |
|
أسباب النّزول
|
|
سبب نزول هذه الآيات يشبه سبب نزول الآيات السابقة، وغير مستبعد أن يكون هناك سبب واحد لنزول كلّ تلك
الآيات. |
|
التّفسير |
|
هل يمكن قبول إله واحد بدلا من كلّ تلك الآلهة؟
|
المغرورون والمتكبّرون لا
يعترفون بأمر لا يلائم أفكارهم المحدودة والناقصة، إذ يعتبرون أفكارهم المحدودة
والناقصة مقياساً لكلّ القيم. لذا فعندما رفع رسول الله
(ص) لواء التوحيد في مكّة، وأعلن الإنتفاضة ضدّ الأصنام الكبيرة والصغيرة
في الكعبة، والبالغ عددها (360) صنماً، تعجّبوا:
لماذا جاءهم النذير من بينهم؟ (وعجبوا أن جاءهم منذر
منهم). |
|
ملاحظة
|
|
الخوف من الجديد!
|
|
|
الخوف من القضايا والاُمور
المستحدثة والجديدة كانت ـ على طول التاريخ ـ أحد الأسباب المهمّة التي تقف وراء
إصرار الاُمم الضالّة على إنحرافاتها، وعدم إستسلامها لدعوات أنبياء الله، إذ
أنّهم يخافون من كلّ جديد، ولهذا كانوا ينظرون لشرائع الأنبياء بنظرة سيّئة
جدّاً، وحتّى الآن هناك اُمم كثيرة تحمل آثاراً من هذا
التفكير الجاهلي، في الوقت الذي لم تكن فيه دعوة الرسل للتوحيد أمراً جديداً،
ولا يمكن أن تكون حداثة الشيء دليلا على بطلانه، فيجب أن نتّبع المنطق، ونستسلم
للحقّ أينما كان وممّن كان. إلاّ أنّ هذا الحديث لا يعني قبول كلّ رأي جديد لكونه جديداً، حتّى ولو كان
بلا أساس، إذ يصبح حينئذ نفس التمسّك بالجديد بلاءاً عظيماً كعشق القديم، فالإعتدال
الإسلامي يدعونا إلى عدم الإفراط أو التفريط في العمل. |
|
الآيات(8)
(11) أَءُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ مِّن
ذِكْرِى بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ
|
|
أَءُنزِلَ عَلَيْهِ
الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ مِّن ذِكْرِى بَل لَّمَّا
يَذُوقُوا عَذَابِ (8) أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ
الْوَهَّابِ (9) أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا
فَلْيَرْتَقُوا فِى الاَْسْبَبِ (10) جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ
الاَْحْزَابِ(11) |
|
التّفسير |
|
الجيش المهزوم:
|
|
الآيات السابقة تحدّثت عن
المواقف السلبية التي إتّخذها المعارضون لنهج التوحيد والإسلام، ونواصل في هذه
الآيات الحديث عن مواقف المشركين. فمشركو مكّة
بعد ما أحسّوا أنّ مصالحهم اللامشروعة باتت في خطر، وإثر تزايد إشتعال نيران
الحقد والحسد في قلوبهم، ومن أجل خداع الناس وإقناع أنفسهم عمدوا إلى مختلف
الإدّعاءات بمنطق زائف لمحاربة رسول الله (ص)، ومنها سؤالهم بتعجّب وإنكار (أأنزل عليه الذكر من بيننا). الآية اللاحقة واصلت تناول نفس الموضوع،
ولكن من جانب آخر، حيث قالت: (أم لهم ملك السموات
والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب). |
|
الآيات(12)
(16) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوح وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الاَْوْتَادِ
(12)وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوط
|
|
كَذَّبَتْ
قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوح وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الاَْوْتَادِ (12)وَثَمُودُ
وَقَوْمُ لُوط وَأَصْحَبُ لْئَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الاَْحْزَابُ (13) إِن كُلٌّ
إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14) وَمَا يَنظُرُ هَؤُلاَءِ إِلاَّ
صَيْحَةً وَحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاق (15) وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا
قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16) |
|
التّفسير |
|
تكفيهم صيحة سماوية واحدة:
|
|
تتمّة للآية الآنفة الذكر،
التي بشّرت بهزيمة المشركين مستقبلا، ووصفتهم بأنّهم مجموعة صغيرة من الأحزاب،
تناولت آيات بحثنا الحالي بعض الأحزاب التي كذّبت رسلها، وبيّنت المصير الأليم
الذي كان بإنتظارها. |
|
الآيات(17)
(20) اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الاَْيْدِ
إِنَّهُ أَوَّابٌ(17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ
|
اصْبِرْ عَلَى مَا
يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الاَْيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ(17)
إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِىِّ وَالإشْرَاقِ(18)
وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ
وَءَاتَيْنَهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20) |
|
التّفسير |
|
تعلّم من داود:
|
|
نبيّ الله داود
(عليه السلام) أحد كبار أنبياء بني إسرائيل
وحاكماً لدولة كبيرة، وقد ورد ذكر مقامه العالي في عدّة آيات بيّنات من القرآن
الكريم. فداود ـ مع هذه القدرة العظيمة التي منحها إيّاه ربّ العالمين ـ
لم يسلم من تجريح الآخرين وبذاءة لسانهم، وفي هذا الكلام مواساة للنبي الكريم
(ص) في أنّ هذه المسألة لا تنحصر بك فقط، وإنّما شاركك فيها كبار الأنبياء
(عليهم السلام). وطبقاً لاُسلوب القرآن في
الإيجاز والتفصيل في ذكر القضايا المختلفة، فإنّ الآيات الآنفة بعد أن تطرّقت
بصورة موجزة إلى نعم الله على داود، تشرح أنواعاً من تلك النعم، قال تعالى: (إنّا سخّرنا الجبال معه يسبّحن بالعشيء والإشراق)( (معه) من الممكن أن تكون متعلّقة بقوله
(يسبّحن) ووفقاً لهذا فإنّ إقتداء الجبال بداود في التسبيح يوضّح نفس ما جاء في
الآية (10) من سورة سبأ (ياجبال أوبي معه) ويمكن أن تكون (معه) متعلّقة بـ
(سخّرنا) وفي هذه الحالة فإنّ مفهوم العبارة يكون (إنّا سخّرنا له الجبال)) وإستخدام كلمة (معه) بدلا من (له) إنّما تمّ
لتوضيح إشتراكهما في التسبيح.. |
|
|
بحث الصفات العشر لداود (عليه السلام)
|
|
ذكر بعض المفسّرين من الآيات محلّ البحث عشر مواهب إلهيّة عظيمة كانت لداود
(عليه السلام) تعكس مقام هذا النّبي ومنزلته
العظيمة من جهة، وتعكس خصائص الإنسان الكامل من جهة اُخرى: |
|
الآيات(21)
(25) وَهَلْ أَتَكَ نَبَؤُا الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الِْمحْرَابَ (21) إِذْ
دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ
|
|
وَهَلْ أَتَكَ
نَبَؤُا الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الِْمحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى
دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى
بَعْض فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَاهْدِنَآ إِلَى سَوَآءِ
الصِّرَطِ (22)إِنَّ هَذَآ أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِىَ
نَعْجَةٌ وَحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِى فِى الْخِطَابِ (23) قَالَ
لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ
الْخُلَطَآءِ لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّهُ
فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ (24)فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ
وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مئَاب (25) |
|
التّفسير |
|
داود والإمتحان الكبير:
|
|
طرحت هذه الآيات بحث بسيط
وواضح عن قضاء داود، ونتيجة لتحريف وسوء تعبير بعض الجهلة فقد اُثيرت ضجّة عظيمة في أوساط المفسّرين، وكانت أمواج هذه الضجّة من القوّة بحيث جرفت معها بعض المفسّرين، وجعلتهم
يحكمون بشيء غير مقبول، ويقولون ما لا يليق بهذا
النّبي الكبير. إلاّ أنّهما عمدا بسرعة إلى تطييب نفسه وإسكان روعه، وقالا له: لا تخف نحن
متخاصمان تجاوز أحدنا على الآخر (قالوا لا تخف خصمان
بغى بعضنا على بعض). |
|
بحوث
|
|
1 ـ ما هي حقيقة وقائع قصّة داود؟
|
|
الذي وضّحه القرآن المجيد في
هذا الشأن لا يتعدّى أنّ شخصين تسوّرا جدران محراب داود (عليه السلام) ليحتكما
عنده، وأنّه فزع عند رؤيتهما، ثمّ إستمع إلى أقوال المشتكي الذي قال: إنّ لأخيه
(99) نعجة وله نعجة واحدة، وإنّ أخاه طلب منه ضمّ هذه النعجة إلى بقيّة نعاجه،
فأعطى داود (عليه السلام) الحقّ للمشتكي، وإعتبر طلب الأخ ذلك من أخيه ظلماً
وطغياناً، ثمّ ندم على حكمه هذا، وطلب من الله سبحانه وتعالى أن يعفو عنه ويغفر
له، فعفا الله عنه وغفر له. القرآن الكريم لم يفصّل الحديث بشأن هاتين المسألتين، إلاّ
أنّ الدلائل الموجودة في هذه الآيات والروايات الإسلامية الواردة بشأن تفسيرها
تقول: إنّ داود كان ذا علم واسع وذا مهارة فائقة في أمر القضاء، وأراد الله
سبحانه وتعالى أن يمتحنه، فلذا أوجد له مثل تلك الظروف غير الإعتيادية، كدخول
الشخصين عليه من طريق غير إعتيادي وغير مألوف، إذ تسوّرا جدران محرابه، وإبتلائه
بالإستعجال في إصدار الحكم قبل الإستماع إلى أقوال الطرف الثاني، رغم أنّ حكمه
كان عادلا. |
|
2 ـ التوراة والقصص الخرافية بشأن داود
|
|
الآن نتصفّح كتاب التوراة
لنشاهد ماذا ذكر فيه عن هذه الواقعة، لنعثر على الأساس الذي إعتمد عليه بعض
المفسّرين الجهلة وغير المطّلعين في تفسير هذه الآيات. «وكان في وقت المساء، أنّ داود قام عن سريره وتمشّى على سطح بيت الملك، فرأى
من على السطح امرأة تستحمّ وكانت المرأة جميلة المنظر جدّاً. فأرسل داود وسأل عن
المرأة فقيل: إنّها (بتشبع)(
(بتشبع) اسم تلك المرأة التي زعم كتاب التوراة أنّ داود رآها عارية عندما كان
يتمشّى على سطح بيته وعشقها، وهي بنت (اليعام) أحد المسؤولين حينذاك والذي كان
عبرياً.) بنت (اليعام) وزوجة (أوريّا الحِتّي)( (أوريا) بتشديد الياء، اسم أحد كبار قادة جيش
داود و (حتي) بتشديد (الياء) وكسر (الحاء) تنسب إلى (حت) ابن كنعان، وعشيرة كانت
تسمّى (بني حت).). والآن نسأل: |
|
3 ـ الأحاديث الإسلامية وقصّة داود (عليه السلام)
|
|
الرّوايات والأحاديث
الإسلاميّة كذّبت بشدّة تلك القصص الخرافية والقبيحة الواردة
في التوراة. |
|
آراء المفسّرين
|
|
بعض المفسّرين
ذكروا آراء اُخرى لقصّة داود، رغم أنّها لا تتناسب مع ظاهر آيات القرآن المجيد،
فإنّنا نرى من الضروري الإشارة إلى بعضها لإكمال البحث: |
|
الآيات(26)
(29) يَدَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَكَ خَلِيفَةً فِى الاَْرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ
النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ
|
|
يَدَاوُدُ إِنَّا
جَعَلْنَكَ خَلِيفَةً فِى الاَْرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ
تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ
عَن سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ(26)
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ وَالاَْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَطِلا ذَلِكَ ظَنُّ
الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ
نَجْعَلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِى
الاَْرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) كِتَبٌ أَنزَلْنَهُ
إِلَيْكَ مُبَرَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا ءَايَتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا
الاَْلْبَبِ (29) |
|
التّفسير |
|
اُحكم بالعدل ولا تتّبع هوى النفس:
|
|
نواصل استعراض قصّة
داود، ونقف هنا على أعتابها النهائية، حيث إن آيات بحثنا هذا هي آخر الآيات الواردة في هذه السورة بشأن داود، إذ
تخاطبه بلهجة حازمة وبعبارات مفعمة بالمعاني، شارحة له وظائفه ومسؤولياته
الجسيمة بعد أن وضحت مقامه الرفيع، إذ تقول: (يا داود إنّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق
ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل اللّه إن الذين يضلون عن سبيل اللّه لهم عذاب شديد
بما نسوا يوم القيامة). |
|
ملاحظتان
|
|
1 ـ التقوى والفجور أمام بعضهما البعض
|
|
في الآيات المذكورة أعلاه،
ورد الفساد في الأرض في مقابل الإيمان والعمل الصالح،
والفجور (الذي يعني تمزيق حجب الدين) في مقابل التقوى والورع. |
|
2 ـ لمن تعني هذه الآيات؟
|
|
جاء في إحدى الروايات التي
تفسّر قوله تعالى: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات)
بأنّها إشارة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأنصاره، في حين
أنّ بقيّة الآية (المفسدين في الأرض) إشارة إلى أعدائه(تفسير نور الثقلين، المجلّد الرابع، الصفحة 453
(الحديث 37).). |
|
الآيات(30)
(33) وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَنَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30)
إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِىِّ الصَّفِنَتُ الْجِيَادُ
|
|
وَوَهَبْنَا
لِدَاوُدَ سُلَيْمَنَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ
عَلَيْهِ بِالْعَشِىِّ الصَّفِنَتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّىّ أَحْبَبْتُ
حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّى حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)
رُدُّوهَا عَلَىَّ فَطَفِقَ مَسْحَا بِالسُّوقِ وَالاَْعْنَاقِ (33) |
|
التّفسير |
|
سليمان (عليه السلام) يستعرض قوّاته القتالية:
|
|
هذه الآيات تواصل
البحث السابق بشأن داود(عليه السلام). |
|
الآيات(34)
(40) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَنَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً
ثُمَّ أَنَابَ (34)قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِى وَهَبْ لِى مُلْكاً
|
|
وَلَقَدْ فَتَنَّا
سُلَيْمَنَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ (34)قَالَ
رَبِّ اغْفِرْ لِى وَهَبْ لِى مُلْكاً لاَّ يَنبَغِى لاَِحَد مِّن بَعْدِى
إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِى بِأَمْرِهِ
رُخَاءً حَيْثُ أَصابَ (36) وَالشَّيَطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاص (37) وَءَاخَرِينَ
مُقَرَّنِينَ فِى الاَْصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ
بِغَيْرِ حِسَاب (39) وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَئَاب (40) |
|
التّفسير |
|
الإمتحان الصعب لسليمان وملكه الواسع:
|
|
هذه الآيات تتحدّث
عن أحداث اُخرى من قصّة سليمان، وتبيّن
أنّ الإنسان مهما إمتلك من قوّة وقدرة، فإنّها ليست منه، بل إنّ كلّ ما عنده هو
من الله سبحانه وتعالى، هذا الموضوع يزيل حجب الغرور والغفلة عن عين الإنسان،
ويجعله يشعر بصغر حجمه قياساً إلى هذا الكون. |
|
هنا يطرح سؤالان:
|
|
1 ـ هل يستشفّ البخل من طلب سليمان(عليه السلام)
|
|
ذكر المفسّرون
أجوبة كثيرة على هذا السؤال، الكثير منها لا
يتطابق مع ظاهر الآيات، والجواب الذي يبدو أكثر تناسباً ومنطقية من بقيّة
التفاسير هو أنّ سليمان طلب من الباري عزّوجلّ أن يهب له ملكاً مع معجزات خاصّة،
كي يتميّز ملكه عن بقيّة الممالك، لأنّنا نعرف أنّ لكلّ نبي معجزة خاصّة به،
فموسى (عليه السلام) معجزته العصا واليد البيضاء، ومعجزة إبراهيم (عليه السلام)
عدم إحراق النار له بعد أن اُلقي فيها، ومعجزة صالح (عليه السلام) الناقة
الخاصّة به، ومعجزة نبيّنا الأكرم محمّد (ص) هو القرآن المجيد، وسليمان كان ملكه
مقترناً بالمعجزات الإلهيّة، كتسخير الرياح والشياطين له مع مميّزات اُخرى. |
|
2 ملك المهدي (عجّل الله تعالى فرجه) سيكون ملكاً عالمياً،
|
|
ومن هنا يتّضح جواب
السؤال الثاني الذي يقول، وفقاً لعقائدنا
نحن المسلمون، فإنّ ملك المهدي (عجّل الله تعالى فرجه) سيكون ملكاً عالمياً،
وبالنتيجة سيكون أوسع من ملك سليمان. لأنّ ملك المهدي (عجّل الله تعالى فرجه) مع
سعته وخصائصه التي تميّزه عن بقيّة الممالك، فإنّه يبقى من حيث الخصائص مختلفاً
عن ملك سليمان، وملك سليمان يبقى خاصّاً به. خلاصة
الأمر أنّ الحديث لم يختّص بزيادة ونقصان وتوسعة ملكه وطلب الإختصاص به،
وإنّما اختصّ الحديث بكمال النبوّة والذي يتمّ بوجود معجزات خصوصية، لتميّزه عن
نبوّة الأنبياء الآخرين، وسليمان كان طلبه منحصراً في
هذا المجال. فقال: «الملك ملكان: ملك مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس، وملك مأخوذ من
قبل الله تعالى كملك آل إبراهيم وملك طالوت وذي القرنين، فقال سليمان (ع): هب لي
ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي أن يقول إنّه مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس،
فسخّر الله عزّوجلّ له الريح تجري بأمره رخاءً حيث أصاب، وجعل غدوّها شهراً
ورواحها شهراً، وسخّر الله عزّوجلّ له الشياطين كلّ بنّاء وغوّاص، وعلّم منطق
الطير ومكّن في الأرض، فعلم الناس في وقته وبعده أنّ ملكه لا يشبه ملك الملوك
المختارين من قبل والمالكين بالغلبة والجور. |
|
ملاحظتان
|
|
1 ـ الحقائق التي تبيّنها لنا قصّة سليمان
|
|
من دون أيّ شكّ، إنّ القرآن
الكريم يهدف من ذكر تاريخ الأنبياء إتمام برامج التربية من خلال عكس عين الحقائق
في هذه القصص. |
|
2 ـ سليمان في القرآن والتوراة
|
|
القرآن المجيد وصف نبي الله
سليمان في الآيات المذكورة أعلاه بأنّه إنسان طاهر وصاحب قيم ومدبّر وعادل. |
|
الآيات(41)
(44) وَاذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِى
الشَّيْطَنُ بِنُصْب وَعَذَاب (41)
|
|
وَاذْكُرْ
عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِى الشَّيْطَنُ بِنُصْب
وَعَذَاب (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ
(42)وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مُّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا
وَذِكْرَى لاُِوْلِى الاَْلْبَبِ (43) وَخَذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ
وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَهُ صَابِراً نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ
(44) |
|
التّفسير |
|
حياة أيّوب المليئة بالحوادث والعبر:
|
|
الآيات السابقة تحدّثت عن سليمان (عليه السلام) وعن القدرة التي منحها
إيّاه الباريء عزّوجلّ، والتي كانت بمثابة البشرى لرسول الله (ص) ولمسلمي مكّة
الذين كانوا يعيشون تحت ضغوط صعبة. وأيّوب هو ثالث نبي من أنبياء الله تستعرض هذه السورة
(سورة ص) جوانب من حياته، وهي بذلك تدعو
رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى تذكّر هذه القصّة، وحكايتها
للمسلمين، كي يصبروا على المشاكل الصعبة التي كانت تواجههم، ولا ييأسوا من لطف
ورحمة الله. وهنا شمل الباريء عزّوجلّ أيّوب (عليه السلام) مرّة اُخرى بألطافه ورحمته،
وذلك عندما أوجد حلاًّ لهذه المشكلة المستعصية على أيّوب (وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث). |
|
بحوث
|
|
1 ـ دروس مهمّة في قصّة أيّوب
|
|
رغم أنّ
قصّة هذا النّبي الصابر أدرجت في أربع آيات في هذه السورة، إلاّ أنّها
وضّحت حقائق مهمّة، منها: |
|
2 ـ أيّوب(عليه السلام) في القرآن والتوراة
|
|
رغم أنّ الباريء عزّوجلّ أشاد
بالروح الكبيرة لهذا النّبي الكبير الذي هو مظهر الصبر والتحمّل في قرآنه المجيد
في أوّل القصّة الخاصّة به وفي آخرها. فإنّ قصّة هذا النّبي الكبير ـ ممّا يؤسف
له ـ لم تحفظ من أيدي الجهلة والأعداء، حيث دسّوا فيها خرافات تافهة لا تليق
بمقامه المحمود المنزّه عنها والمطهّر منها، ومن تلك الخرافات
القول بأنّ الدود غطّى بدنه أثناء فترة مرضه، وتعفّن جسده، بحيث أنّ أهل قريته
ضاقوا به ذرعاً وأخرجوه من قريتهم. |
|
3 ـ إطلاق صفة (أوّاب) على الأنبياء الكبار
|
|
ثلاثة أنبياء كبار اُطلقت عليهم صفة (أوّاب) في هذه السورة، وهم: داود وسليمان وأيّوب، وفي سورة (ق) في الآية (32)
اُطلق هذا الوصف على كلّ أهل الجنّة، قوله تعالى: (هذا
ما توعدون لكلّ أوّاب حفيظ). |
|
الآيات(45)
(48) وَاذْكُرْ عِبَدَنَآ إِبْرَهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِى
الاَْيْدِى وَالاَْبْصَرِ (45)
|
|
وَاذْكُرْ
عِبَدَنَآ إِبْرَهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِى الاَْيْدِى وَالاَْبْصَرِ
(45) إِنَّا أَخْلَصْنَهُم بِخَالِصَة ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ
عِندَنَا لَمِنَ الْمَصْطَفَيْنَ الاَْخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَعِيلَ
وَالْيَسَعَ وَذَاالْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ الاَْخْيَارِ (48) |
|
التّفسير |
|
الأنبياء الستّة:
|
|
متابعة للآيات السابقة التي
تطرّقت بإختصار إلى حياة (داود) و (سليمان) وبصورة أكثر إختصاراً لحياة (أيّوب)
إذ بيّنت أهم النقاط البارزة في حياة هذا النّبي الكبير، وتستعرض آيات بحثنا هذا
أسماء ستّة من أنبياء الله، وتوضّح بصورة مختصرة بعض صفاتهم البارزة التي يمكن
أن تكون اُنموذجاً حيّاً لكلّ بني الإنسان. |
|
الآيات(49)
(54) هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَئَاب (49) جَنَّتِ عَدْن
مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الاَْبْوَبُ
|
|
هَذَا ذِكْرٌ
وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَئَاب (49) جَنَّتِ عَدْن مُّفَتَّحَةً
لَّهُمُ الاَْبْوَبُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَكِهَة
كَثِيرَة وَشَرَاب(51) وَعِندَهُمْ قَصِرَتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا
تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن
نَّفَاد(54) |
|
التّفسير |
|
هذا ما وُعِد به المتّقون:
|
|
آيات هذه السورة إنتقلت بنا
إلى شكل آخر من الحديث، إذ أخذت تقارن بين المتّقين والعصاة المتجبّرين، وتشرح
مصير كلّ منهما يوم القيامة، وهي بصورة عامّة تكمل بحوث الآيات السابقة. |
|
الآيات(55)
(61) هَذَا وَإِنَّ للطَّغِينَ لَشَرَّ مئَاب (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا
فَبِئْسَ الْمِهَادُ(56)
|
|
هَذَا وَإِنَّ
للطَّغِينَ لَشَرَّ مئَاب (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ(56)
هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَءَاخَرُ مِن شَكْلِهِ
أَزْوَجٌ(58) هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لاَ مَرْحَبَاً بِهِمْ
إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ(59) قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَبَاً بِكُمْ
أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ(60) قَالُوا رَبَّنَا مَن
قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِى النَّارِ (61) |
|
التّفسير |
|
وهذه هي عاقبة الطغاة!
|
|
الآيات السابقة إستعرضت النعم
السبع وغيرها من النعم التي يغدقها الباريء عزّوجلّ على عباده المتّقين، أمّا
آيات بحثنا فإنّها تستخدم اُسلوب المقارنة الذي كثيراً ما إستخدمه القرآن
الكريم، لتوضيح المصير المشؤوم والعقوبات المختلفة التي ستنال الطغاة والعاصين،
قال تعالى: (هذا وإنّ للطاغين لشرّ مآب)( كلمة (هذا) مبتدأ وخبرها محذوف، وتقديرها هو (هذا الذي
ذكرناه للمتّقين).). |
|
الآيات(62)
(64) وَقَالُوا مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ
الاَْشْرَارِ (62)أَتَّخَذْنَهُمْ سِخْرِيّاً
|
|
وَقَالُوا مَا
لَنَا لاَ نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الاَْشْرَارِ
(62)أَتَّخَذْنَهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الاَْبْصَرُ (63) إِنَّ
ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64) |
|
التّفسير |
|
تخاصم أهل النّار:
|
|
آيات بحثنا تواصل إستعراض
الجدال الدائر بين أهل جهنّم، الذي كان بعضه قد ورد في الآيات السابقة، وتتحدّث
عن مجادلات اُخرى فيما بينهم ينكشف من خلالها أسفهم العميق وتألّمهم الشديد
وحسرتهم. |
|
ملاحظة
|
|
ورد في حديث عن الإمام الصادق
(عليه السلام) أنّه قال لأبي بصير «ياأبا محمّد، لقد ذكركم الله إذ حكى عن
عدوّكم في النار بقوله: (وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنّا نعدهم من الأشرار.
اتّخذناهم سخريّاً أم زاغت عنهم الأبصار). والله ما عنى ولا أراد بهذا غيركم،
صرتم عند أهل هذا العالم شرار الناس، وأنتم والله في الجنّة تحبرون وفي النار
تطلبون»( روضة الكافي، نقلا عن تفسير نور الثقلين،
المجلّد 4، الصفحة 467.). |
|
الآيات(65)
(70) قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَه إِلاَّ اللهُ الْوَحِدُ
الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ
|
|
قُلْ إِنَّمَا
أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَه إِلاَّ اللهُ الْوَحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ
السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّرُ (66) قُلْ
هُوَ نَبَؤٌا عَظِيمٌ(67) أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِىَ مِنْ
عِلْم بِالْمَلإ الاَْعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِن يُوحَى إِلَىَّ إِلاَّ
أَنَّمَآ أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ(70) |
|
التّفسير |
|
إنّما أنا نذير!:
|
|
البحوث السابقة التي تناولت
موضوع العقاب الأليم الذي سينال أهل جهنّم، والاُخرى التي إستعرضت العذاب
والعقاب الدنيوي الذي نزل بالاُمم الظالمة البائدة، كلّها كانت تحمل طابع إنذار
وتهديد للمشركين والعاصين والظالمين. الاُولى «ربوبيته»
لعالم الوجود، ومالكيته لكلّ هذا العالم،
المالك المدبّر لشؤون عالم الوجود، فهو الوحيد الذي يستحقّ العبادة والأصنام لا
تملك من اُمورها شيئاً ولو بمقدار ذرّة. وقوله تعالى: (أنتم عنه معرضون) ما زال
صادقاً حتّى يومنا الحاضر، فإعراض المسلمين عنه تسبّب في عدم ارتوائهم من هذا
المنبع العذب الذي يطفح بالفيض الإلهي الكامل، وإلى عدم التقدّم على الآخرين
بالإستفادة من أنواره المشعّة، وإلى عدم الرقي إلى قمم الفخر والشرف. |
|
الآيات(71)
(83) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَئِكَةِ إِنِّى خَلِقُ بَشَراً مِّن طِين (71)
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ
|
|
إِذْ قَالَ رَبُّكَ
لِلْمَلَئِكَةِ إِنِّى خَلِقُ بَشَراً مِّن طِين (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ
ونَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُوا لَهُ سَجِدِينَ (72) فَسَجَدَ
الْمَلَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ
مِنَ الْكَفِرِينَ (74) قَالَ يَإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا
خَلَقْتُ بِيَدَىَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ
أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّار وَخَلَقْتَهُ مِن طِين (76) قَالَ
فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى إِلَى
يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِى إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(79)
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ
(81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لاَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)إِلاَّ عِبَادَكَ
مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ(83) |
|
التّفسير |
|
تكبّر الشيطان وطرده من رحمة الله!
|
|
هذه الآيات ـ كما قلنا ـ توضيح لإختصام (الملأ الأعلى) و (إبليس)
وبحث حول مسألة خلق آدم (عليه السلام)، وبصورة عامّة فإنّ الهدف من توضيح هاتين المسألتين: ومن دون أي شكّ فإنّه لا أحد يستطيع أن يدّعي أنّ قدرته ومنزلته أكبر من أن
يسجد لله (أو لآدم بأمر من الله) وبهذا فإنّ الإحتمال
الوحيد المتبّقي هو الثاني، أي التكبّر. |
|
بحثان
|
|
1 ـ فلسفة وجود الشيطان
|
|
هناك مسائل مهمّة
تطرح بشأن الآيات المذكورة أعلاه، منها مسألة خلق الشيطان، وسبب سجود الملائكة لآدم، وسبب تفضيل آدم على الملائكة،
والشيطان على من سيتسلّط، وما هي نتيجة التكبّر والغرور، وما المقصود من الطين
وروح الله، ومسألة خلق آدم وخلقه المستقل في مقابل فرضيات تكامل الأنواع؟ ومسائل اُخرى من هذا القبيل تمّ تناولها وبصورة مفصّلة في
التّفسير الأمثل في ذيل الآية (34) من سورة البقرة، وفي ذيل الآية (26) من سورة
الحجر، وفي ذيل الآية (11) من سورة الأعراف. |
|
2 ـ نيران
الأنانية والغرور تحرق رأسمال الوجود
|
|
من الاُمور الحسّاسة جدّاً
التي تلفت النظر في قضيّة طرد إبليس من رحمة الله، هو مدى تأثير عاملي الأنانية
والغرور على سقوط وتعاسة الإنسان، إذ يمكن القول
بأنّهما من أهمّ وأخطر عوامل الإنحراف. وقد تسبّبا ـ في لحظة واحدة ـ في
هدم عبادة ستّة آلاف سنة، وإنّهما كانا السبب وراء تدنّي موجود كان في صفّ
ملائكة السماء الكبار إلى أدنى درجات الشقاء، ويستحقّ لعنة الله الأبدية. |
|
الآيات(84)
(88) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لاََمْلاََنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ
وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ
|
|
قَالَ فَالْحَقُّ
وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لاََمْلاََنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ
مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) قُلْ مَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر وَمَا
أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَلَمِينَ (87)
وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِين(88) |
|
التّفسير
|
|
آخر حديث بشأن إبليس!
|
|
آيات بحثنا هي آخر آيات سورة
(ص)، وفي الحقيقة هي خلاصة لكلّ محتوى هذه السورة، ونتيجة للأبحاث المختلفة التي
تناولتها السورة. |
|
ملاحظة
|
|
من هو المتكلّف؟
|
|
قرأنا في الآيات المذكورة
أعلاه أنّ إحدى مفاخر رسولنا الأكرم (ص) أنّه غير متكلّف، وفي الروايات
الإسلامية المزيد من الأبحاث التي توضّح علامات المتصنّع والمتظاهر بما ليس فيه،
ومنها: إلهي! وفّقنا
لتطهير أنفسنا من كلّ آثار التكلّف والنفاق والتمرّد والطغيان. آمين ياربّ العالمين. «إنتهت سورة (ص)» «وانتهاء المجلد الرابع عشر» |
|
«إنتهت
سورة (ص)» «وانتهاء المجلد الرابع عشر» |
|
|
|
|
سُورَة ص مكّية
وعَدَدُ آيَاتِها ثمان و ثمانون آية
|
|
محتويات السورة:
|
|
سورة (ص) يمكن
إعتبارها مكمّلة لسورة الصافات، فمجمل مواضيعها يشابه كثيراً ما ورد في سورة
الصافات، ولكون السورة مكيّة النّزول فإن خصائصها كخصائص بقيّة السور المكيّة
التي تبحث في مجال البدء والمعاد ورسالة
الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما أنّها تحتوي على مواضيع حسّاسة
اُخرى، وفي المجموع بمثابة الدواء الشافي لكلّ الباحثين عن طريق الحقّ. |
|
فضيلة تلاوة سورة (ص)
|
|
ورد في أحد الروايات عن رسول
الله (ص) «من قرأ سورة (ص) اُعطي من الأجر بوزن كلّ جبل سخّره الله لداود حسنات
عصمه الله أن يصرّ على ذنب صغيراً أو كبيراً»( مجمع
البيان بدء سورة (ص)، المجلّد 8، الصفحة 463..) |
|
الآيات(1) (3)
ص وَالْقُرْءَانِ ذِى الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِى عِزَّة
وَشِقَاق(2)
|
|
ص وَالْقُرْءَانِ
ذِى الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِى عِزَّة وَشِقَاق(2) كَمْ
أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْن فَنَادَوا وَّلاَتَ حِينَ مَنَاص (3) |
|
أسباب النّزول
|
|
وردت في كتب التّفسير والحديث
أسباب متشابهة لنزول الآيات الاُولى من هذه
السورة، وسنستعرض أحد هذه الأسباب لكونه مفصّلا وجامعاً
أكثر من الأسباب الاُخرى، ففي حديث نقله المرحوم العلاّمة الكليني عن
الإمام الباقر (عليه السلام)جاء فيه: «أقبل أبو جهل بن هشام ومعه قوم من قريش
فدخلوا على أبي طالب فقالوا: إنّ ابن أخيك قد آذانا وآذى آلهتنا، فادعه ومره
فليكفّ عن آلهتنا ونكفّ عن إلهه. فقال أبو جهل: نعم وما هذه الكلمة؟ |
|
التّفسير |
|
إنقضاء مهلة النّجاة:
|
|
مرّة اُخرى تمرّ علينا سورة
تبدأ آياتها الاُولى بحروف مقطّعة وهو حرف (ص)
ويطرح نفس السؤال السابق بشأن تفسير هذه الحروف المقطّعة: هل هذه إشارة إلى عظمة
القرآن المجيد الذي يتألّف من مثل هذه الحروف المتيسّرة في متناول الجميع
كالحروف الهجائية، والذي غيّرت محتوياته مجرى حياة الإنسانية في هذا العالم ... |
|
الآيات(4) (7)
وَعَجِبُوآ أَن جَآءَهُم مُّنِذرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَفِرُونَ هَذَا سَحِرٌ
كَذَّابٌ (4)
|
|
وَعَجِبُوآ أَن
جَآءَهُم مُّنِذرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَفِرُونَ هَذَا سَحِرٌ كَذَّابٌ (4)
أَجَعَلَ الاَْلِهَةَ إِلَهاً وَحِداً إِنَّ هَذَا لَشَىْءٌ
عُجَابٌ(5)وَانطَلَقَ الْمَلاَُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى
ءَالِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَىْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِى
الْمِلَّةِ الاَْخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلَقٌ (7) |
|
أسباب النّزول
|
|
سبب نزول هذه الآيات يشبه سبب نزول الآيات السابقة، وغير مستبعد أن يكون هناك سبب واحد لنزول كلّ تلك
الآيات. |
|
التّفسير |
|
هل يمكن قبول إله واحد بدلا من كلّ تلك الآلهة؟
|
المغرورون والمتكبّرون لا
يعترفون بأمر لا يلائم أفكارهم المحدودة والناقصة، إذ يعتبرون أفكارهم المحدودة
والناقصة مقياساً لكلّ القيم. لذا فعندما رفع رسول الله
(ص) لواء التوحيد في مكّة، وأعلن الإنتفاضة ضدّ الأصنام الكبيرة والصغيرة
في الكعبة، والبالغ عددها (360) صنماً، تعجّبوا:
لماذا جاءهم النذير من بينهم؟ (وعجبوا أن جاءهم منذر
منهم). |
|
ملاحظة
|
|
الخوف من الجديد!
|
|
|
الخوف من القضايا والاُمور
المستحدثة والجديدة كانت ـ على طول التاريخ ـ أحد الأسباب المهمّة التي تقف وراء
إصرار الاُمم الضالّة على إنحرافاتها، وعدم إستسلامها لدعوات أنبياء الله، إذ
أنّهم يخافون من كلّ جديد، ولهذا كانوا ينظرون لشرائع الأنبياء بنظرة سيّئة
جدّاً، وحتّى الآن هناك اُمم كثيرة تحمل آثاراً من هذا
التفكير الجاهلي، في الوقت الذي لم تكن فيه دعوة الرسل للتوحيد أمراً جديداً،
ولا يمكن أن تكون حداثة الشيء دليلا على بطلانه، فيجب أن نتّبع المنطق، ونستسلم
للحقّ أينما كان وممّن كان. إلاّ أنّ هذا الحديث لا يعني قبول كلّ رأي جديد لكونه جديداً، حتّى ولو كان
بلا أساس، إذ يصبح حينئذ نفس التمسّك بالجديد بلاءاً عظيماً كعشق القديم، فالإعتدال
الإسلامي يدعونا إلى عدم الإفراط أو التفريط في العمل. |
|
الآيات(8)
(11) أَءُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ مِّن
ذِكْرِى بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ
|
|
أَءُنزِلَ عَلَيْهِ
الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ مِّن ذِكْرِى بَل لَّمَّا
يَذُوقُوا عَذَابِ (8) أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ
الْوَهَّابِ (9) أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا
فَلْيَرْتَقُوا فِى الاَْسْبَبِ (10) جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ
الاَْحْزَابِ(11) |
|
التّفسير |
|
الجيش المهزوم:
|
|
الآيات السابقة تحدّثت عن
المواقف السلبية التي إتّخذها المعارضون لنهج التوحيد والإسلام، ونواصل في هذه
الآيات الحديث عن مواقف المشركين. فمشركو مكّة
بعد ما أحسّوا أنّ مصالحهم اللامشروعة باتت في خطر، وإثر تزايد إشتعال نيران
الحقد والحسد في قلوبهم، ومن أجل خداع الناس وإقناع أنفسهم عمدوا إلى مختلف
الإدّعاءات بمنطق زائف لمحاربة رسول الله (ص)، ومنها سؤالهم بتعجّب وإنكار (أأنزل عليه الذكر من بيننا). الآية اللاحقة واصلت تناول نفس الموضوع،
ولكن من جانب آخر، حيث قالت: (أم لهم ملك السموات
والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب). |
|
الآيات(12)
(16) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوح وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الاَْوْتَادِ
(12)وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوط
|
|
كَذَّبَتْ
قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوح وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الاَْوْتَادِ (12)وَثَمُودُ
وَقَوْمُ لُوط وَأَصْحَبُ لْئَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الاَْحْزَابُ (13) إِن كُلٌّ
إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14) وَمَا يَنظُرُ هَؤُلاَءِ إِلاَّ
صَيْحَةً وَحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاق (15) وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا
قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16) |
|
التّفسير |
|
تكفيهم صيحة سماوية واحدة:
|
|
تتمّة للآية الآنفة الذكر،
التي بشّرت بهزيمة المشركين مستقبلا، ووصفتهم بأنّهم مجموعة صغيرة من الأحزاب،
تناولت آيات بحثنا الحالي بعض الأحزاب التي كذّبت رسلها، وبيّنت المصير الأليم
الذي كان بإنتظارها. |
|
الآيات(17)
(20) اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الاَْيْدِ
إِنَّهُ أَوَّابٌ(17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ
|
اصْبِرْ عَلَى مَا
يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الاَْيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ(17)
إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِىِّ وَالإشْرَاقِ(18)
وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ
وَءَاتَيْنَهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20) |
|
التّفسير |
|
تعلّم من داود:
|
|
نبيّ الله داود
(عليه السلام) أحد كبار أنبياء بني إسرائيل
وحاكماً لدولة كبيرة، وقد ورد ذكر مقامه العالي في عدّة آيات بيّنات من القرآن
الكريم. فداود ـ مع هذه القدرة العظيمة التي منحها إيّاه ربّ العالمين ـ
لم يسلم من تجريح الآخرين وبذاءة لسانهم، وفي هذا الكلام مواساة للنبي الكريم
(ص) في أنّ هذه المسألة لا تنحصر بك فقط، وإنّما شاركك فيها كبار الأنبياء
(عليهم السلام). وطبقاً لاُسلوب القرآن في
الإيجاز والتفصيل في ذكر القضايا المختلفة، فإنّ الآيات الآنفة بعد أن تطرّقت
بصورة موجزة إلى نعم الله على داود، تشرح أنواعاً من تلك النعم، قال تعالى: (إنّا سخّرنا الجبال معه يسبّحن بالعشيء والإشراق)( (معه) من الممكن أن تكون متعلّقة بقوله
(يسبّحن) ووفقاً لهذا فإنّ إقتداء الجبال بداود في التسبيح يوضّح نفس ما جاء في
الآية (10) من سورة سبأ (ياجبال أوبي معه) ويمكن أن تكون (معه) متعلّقة بـ
(سخّرنا) وفي هذه الحالة فإنّ مفهوم العبارة يكون (إنّا سخّرنا له الجبال)) وإستخدام كلمة (معه) بدلا من (له) إنّما تمّ
لتوضيح إشتراكهما في التسبيح.. |
|
|
بحث الصفات العشر لداود (عليه السلام)
|
|
ذكر بعض المفسّرين من الآيات محلّ البحث عشر مواهب إلهيّة عظيمة كانت لداود
(عليه السلام) تعكس مقام هذا النّبي ومنزلته
العظيمة من جهة، وتعكس خصائص الإنسان الكامل من جهة اُخرى: |
|
الآيات(21)
(25) وَهَلْ أَتَكَ نَبَؤُا الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الِْمحْرَابَ (21) إِذْ
دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ
|
|
وَهَلْ أَتَكَ
نَبَؤُا الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الِْمحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى
دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى
بَعْض فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَاهْدِنَآ إِلَى سَوَآءِ
الصِّرَطِ (22)إِنَّ هَذَآ أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِىَ
نَعْجَةٌ وَحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِى فِى الْخِطَابِ (23) قَالَ
لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ
الْخُلَطَآءِ لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّهُ
فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ (24)فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ
وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مئَاب (25) |
|
التّفسير |
|
داود والإمتحان الكبير:
|
|
طرحت هذه الآيات بحث بسيط
وواضح عن قضاء داود، ونتيجة لتحريف وسوء تعبير بعض الجهلة فقد اُثيرت ضجّة عظيمة في أوساط المفسّرين، وكانت أمواج هذه الضجّة من القوّة بحيث جرفت معها بعض المفسّرين، وجعلتهم
يحكمون بشيء غير مقبول، ويقولون ما لا يليق بهذا
النّبي الكبير. إلاّ أنّهما عمدا بسرعة إلى تطييب نفسه وإسكان روعه، وقالا له: لا تخف نحن
متخاصمان تجاوز أحدنا على الآخر (قالوا لا تخف خصمان
بغى بعضنا على بعض). |
|
بحوث
|
|
1 ـ ما هي حقيقة وقائع قصّة داود؟
|
|
الذي وضّحه القرآن المجيد في
هذا الشأن لا يتعدّى أنّ شخصين تسوّرا جدران محراب داود (عليه السلام) ليحتكما
عنده، وأنّه فزع عند رؤيتهما، ثمّ إستمع إلى أقوال المشتكي الذي قال: إنّ لأخيه
(99) نعجة وله نعجة واحدة، وإنّ أخاه طلب منه ضمّ هذه النعجة إلى بقيّة نعاجه،
فأعطى داود (عليه السلام) الحقّ للمشتكي، وإعتبر طلب الأخ ذلك من أخيه ظلماً
وطغياناً، ثمّ ندم على حكمه هذا، وطلب من الله سبحانه وتعالى أن يعفو عنه ويغفر
له، فعفا الله عنه وغفر له. القرآن الكريم لم يفصّل الحديث بشأن هاتين المسألتين، إلاّ
أنّ الدلائل الموجودة في هذه الآيات والروايات الإسلامية الواردة بشأن تفسيرها
تقول: إنّ داود كان ذا علم واسع وذا مهارة فائقة في أمر القضاء، وأراد الله
سبحانه وتعالى أن يمتحنه، فلذا أوجد له مثل تلك الظروف غير الإعتيادية، كدخول
الشخصين عليه من طريق غير إعتيادي وغير مألوف، إذ تسوّرا جدران محرابه، وإبتلائه
بالإستعجال في إصدار الحكم قبل الإستماع إلى أقوال الطرف الثاني، رغم أنّ حكمه
كان عادلا. |
|
2 ـ التوراة والقصص الخرافية بشأن داود
|
|
الآن نتصفّح كتاب التوراة
لنشاهد ماذا ذكر فيه عن هذه الواقعة، لنعثر على الأساس الذي إعتمد عليه بعض
المفسّرين الجهلة وغير المطّلعين في تفسير هذه الآيات. «وكان في وقت المساء، أنّ داود قام عن سريره وتمشّى على سطح بيت الملك، فرأى
من على السطح امرأة تستحمّ وكانت المرأة جميلة المنظر جدّاً. فأرسل داود وسأل عن
المرأة فقيل: إنّها (بتشبع)(
(بتشبع) اسم تلك المرأة التي زعم كتاب التوراة أنّ داود رآها عارية عندما كان
يتمشّى على سطح بيته وعشقها، وهي بنت (اليعام) أحد المسؤولين حينذاك والذي كان
عبرياً.) بنت (اليعام) وزوجة (أوريّا الحِتّي)( (أوريا) بتشديد الياء، اسم أحد كبار قادة جيش
داود و (حتي) بتشديد (الياء) وكسر (الحاء) تنسب إلى (حت) ابن كنعان، وعشيرة كانت
تسمّى (بني حت).). والآن نسأل: |
|
3 ـ الأحاديث الإسلامية وقصّة داود (عليه السلام)
|
|
الرّوايات والأحاديث
الإسلاميّة كذّبت بشدّة تلك القصص الخرافية والقبيحة الواردة
في التوراة. |
|
آراء المفسّرين
|
|
بعض المفسّرين
ذكروا آراء اُخرى لقصّة داود، رغم أنّها لا تتناسب مع ظاهر آيات القرآن المجيد،
فإنّنا نرى من الضروري الإشارة إلى بعضها لإكمال البحث: |
|
الآيات(26)
(29) يَدَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَكَ خَلِيفَةً فِى الاَْرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ
النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ
|
|
يَدَاوُدُ إِنَّا
جَعَلْنَكَ خَلِيفَةً فِى الاَْرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ
تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ
عَن سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ(26)
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ وَالاَْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَطِلا ذَلِكَ ظَنُّ
الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ
نَجْعَلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِى
الاَْرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) كِتَبٌ أَنزَلْنَهُ
إِلَيْكَ مُبَرَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا ءَايَتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا
الاَْلْبَبِ (29) |
|
التّفسير |
|
اُحكم بالعدل ولا تتّبع هوى النفس:
|
|
نواصل استعراض قصّة
داود، ونقف هنا على أعتابها النهائية، حيث إن آيات بحثنا هذا هي آخر الآيات الواردة في هذه السورة بشأن داود، إذ
تخاطبه بلهجة حازمة وبعبارات مفعمة بالمعاني، شارحة له وظائفه ومسؤولياته
الجسيمة بعد أن وضحت مقامه الرفيع، إذ تقول: (يا داود إنّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق
ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل اللّه إن الذين يضلون عن سبيل اللّه لهم عذاب شديد
بما نسوا يوم القيامة). |
|
ملاحظتان
|
|
1 ـ التقوى والفجور أمام بعضهما البعض
|
|
في الآيات المذكورة أعلاه،
ورد الفساد في الأرض في مقابل الإيمان والعمل الصالح،
والفجور (الذي يعني تمزيق حجب الدين) في مقابل التقوى والورع. |
|
2 ـ لمن تعني هذه الآيات؟
|
|
جاء في إحدى الروايات التي
تفسّر قوله تعالى: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات)
بأنّها إشارة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأنصاره، في حين
أنّ بقيّة الآية (المفسدين في الأرض) إشارة إلى أعدائه(تفسير نور الثقلين، المجلّد الرابع، الصفحة 453
(الحديث 37).). |
|
الآيات(30)
(33) وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَنَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30)
إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِىِّ الصَّفِنَتُ الْجِيَادُ
|
|
وَوَهَبْنَا
لِدَاوُدَ سُلَيْمَنَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ
عَلَيْهِ بِالْعَشِىِّ الصَّفِنَتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّىّ أَحْبَبْتُ
حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّى حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)
رُدُّوهَا عَلَىَّ فَطَفِقَ مَسْحَا بِالسُّوقِ وَالاَْعْنَاقِ (33) |
|
التّفسير |
|
سليمان (عليه السلام) يستعرض قوّاته القتالية:
|
|
هذه الآيات تواصل
البحث السابق بشأن داود(عليه السلام). |
|
الآيات(34)
(40) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَنَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً
ثُمَّ أَنَابَ (34)قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِى وَهَبْ لِى مُلْكاً
|
|
وَلَقَدْ فَتَنَّا
سُلَيْمَنَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ (34)قَالَ
رَبِّ اغْفِرْ لِى وَهَبْ لِى مُلْكاً لاَّ يَنبَغِى لاَِحَد مِّن بَعْدِى
إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِى بِأَمْرِهِ
رُخَاءً حَيْثُ أَصابَ (36) وَالشَّيَطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاص (37) وَءَاخَرِينَ
مُقَرَّنِينَ فِى الاَْصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ
بِغَيْرِ حِسَاب (39) وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَئَاب (40) |
|
التّفسير |
|
الإمتحان الصعب لسليمان وملكه الواسع:
|
|
هذه الآيات تتحدّث
عن أحداث اُخرى من قصّة سليمان، وتبيّن
أنّ الإنسان مهما إمتلك من قوّة وقدرة، فإنّها ليست منه، بل إنّ كلّ ما عنده هو
من الله سبحانه وتعالى، هذا الموضوع يزيل حجب الغرور والغفلة عن عين الإنسان،
ويجعله يشعر بصغر حجمه قياساً إلى هذا الكون. |
|
هنا يطرح سؤالان:
|
|
1 ـ هل يستشفّ البخل من طلب سليمان(عليه السلام)
|
|
ذكر المفسّرون
أجوبة كثيرة على هذا السؤال، الكثير منها لا
يتطابق مع ظاهر الآيات، والجواب الذي يبدو أكثر تناسباً ومنطقية من بقيّة
التفاسير هو أنّ سليمان طلب من الباري عزّوجلّ أن يهب له ملكاً مع معجزات خاصّة،
كي يتميّز ملكه عن بقيّة الممالك، لأنّنا نعرف أنّ لكلّ نبي معجزة خاصّة به،
فموسى (عليه السلام) معجزته العصا واليد البيضاء، ومعجزة إبراهيم (عليه السلام)
عدم إحراق النار له بعد أن اُلقي فيها، ومعجزة صالح (عليه السلام) الناقة
الخاصّة به، ومعجزة نبيّنا الأكرم محمّد (ص) هو القرآن المجيد، وسليمان كان ملكه
مقترناً بالمعجزات الإلهيّة، كتسخير الرياح والشياطين له مع مميّزات اُخرى. |
|
2 ملك المهدي (عجّل الله تعالى فرجه) سيكون ملكاً عالمياً،
|
|
ومن هنا يتّضح جواب
السؤال الثاني الذي يقول، وفقاً لعقائدنا
نحن المسلمون، فإنّ ملك المهدي (عجّل الله تعالى فرجه) سيكون ملكاً عالمياً،
وبالنتيجة سيكون أوسع من ملك سليمان. لأنّ ملك المهدي (عجّل الله تعالى فرجه) مع
سعته وخصائصه التي تميّزه عن بقيّة الممالك، فإنّه يبقى من حيث الخصائص مختلفاً
عن ملك سليمان، وملك سليمان يبقى خاصّاً به. خلاصة
الأمر أنّ الحديث لم يختّص بزيادة ونقصان وتوسعة ملكه وطلب الإختصاص به،
وإنّما اختصّ الحديث بكمال النبوّة والذي يتمّ بوجود معجزات خصوصية، لتميّزه عن
نبوّة الأنبياء الآخرين، وسليمان كان طلبه منحصراً في
هذا المجال. فقال: «الملك ملكان: ملك مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس، وملك مأخوذ من
قبل الله تعالى كملك آل إبراهيم وملك طالوت وذي القرنين، فقال سليمان (ع): هب لي
ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي أن يقول إنّه مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس،
فسخّر الله عزّوجلّ له الريح تجري بأمره رخاءً حيث أصاب، وجعل غدوّها شهراً
ورواحها شهراً، وسخّر الله عزّوجلّ له الشياطين كلّ بنّاء وغوّاص، وعلّم منطق
الطير ومكّن في الأرض، فعلم الناس في وقته وبعده أنّ ملكه لا يشبه ملك الملوك
المختارين من قبل والمالكين بالغلبة والجور. |
|
ملاحظتان
|
|
1 ـ الحقائق التي تبيّنها لنا قصّة سليمان
|
|
من دون أيّ شكّ، إنّ القرآن
الكريم يهدف من ذكر تاريخ الأنبياء إتمام برامج التربية من خلال عكس عين الحقائق
في هذه القصص. |
|
2 ـ سليمان في القرآن والتوراة
|
|
القرآن المجيد وصف نبي الله
سليمان في الآيات المذكورة أعلاه بأنّه إنسان طاهر وصاحب قيم ومدبّر وعادل. |
|
الآيات(41)
(44) وَاذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِى
الشَّيْطَنُ بِنُصْب وَعَذَاب (41)
|
|
وَاذْكُرْ
عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِى الشَّيْطَنُ بِنُصْب
وَعَذَاب (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ
(42)وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مُّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا
وَذِكْرَى لاُِوْلِى الاَْلْبَبِ (43) وَخَذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ
وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَهُ صَابِراً نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ
(44) |
|
التّفسير |
|
حياة أيّوب المليئة بالحوادث والعبر:
|
|
الآيات السابقة تحدّثت عن سليمان (عليه السلام) وعن القدرة التي منحها
إيّاه الباريء عزّوجلّ، والتي كانت بمثابة البشرى لرسول الله (ص) ولمسلمي مكّة
الذين كانوا يعيشون تحت ضغوط صعبة. وأيّوب هو ثالث نبي من أنبياء الله تستعرض هذه السورة
(سورة ص) جوانب من حياته، وهي بذلك تدعو
رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى تذكّر هذه القصّة، وحكايتها
للمسلمين، كي يصبروا على المشاكل الصعبة التي كانت تواجههم، ولا ييأسوا من لطف
ورحمة الله. وهنا شمل الباريء عزّوجلّ أيّوب (عليه السلام) مرّة اُخرى بألطافه ورحمته،
وذلك عندما أوجد حلاًّ لهذه المشكلة المستعصية على أيّوب (وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث). |
|
بحوث
|
|
1 ـ دروس مهمّة في قصّة أيّوب
|
|
رغم أنّ
قصّة هذا النّبي الصابر أدرجت في أربع آيات في هذه السورة، إلاّ أنّها
وضّحت حقائق مهمّة، منها: |
|
2 ـ أيّوب(عليه السلام) في القرآن والتوراة
|
|
رغم أنّ الباريء عزّوجلّ أشاد
بالروح الكبيرة لهذا النّبي الكبير الذي هو مظهر الصبر والتحمّل في قرآنه المجيد
في أوّل القصّة الخاصّة به وفي آخرها. فإنّ قصّة هذا النّبي الكبير ـ ممّا يؤسف
له ـ لم تحفظ من أيدي الجهلة والأعداء، حيث دسّوا فيها خرافات تافهة لا تليق
بمقامه المحمود المنزّه عنها والمطهّر منها، ومن تلك الخرافات
القول بأنّ الدود غطّى بدنه أثناء فترة مرضه، وتعفّن جسده، بحيث أنّ أهل قريته
ضاقوا به ذرعاً وأخرجوه من قريتهم. |
|
3 ـ إطلاق صفة (أوّاب) على الأنبياء الكبار
|
|
ثلاثة أنبياء كبار اُطلقت عليهم صفة (أوّاب) في هذه السورة، وهم: داود وسليمان وأيّوب، وفي سورة (ق) في الآية (32)
اُطلق هذا الوصف على كلّ أهل الجنّة، قوله تعالى: (هذا
ما توعدون لكلّ أوّاب حفيظ). |
|
الآيات(45)
(48) وَاذْكُرْ عِبَدَنَآ إِبْرَهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِى
الاَْيْدِى وَالاَْبْصَرِ (45)
|
|
وَاذْكُرْ
عِبَدَنَآ إِبْرَهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِى الاَْيْدِى وَالاَْبْصَرِ
(45) إِنَّا أَخْلَصْنَهُم بِخَالِصَة ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ
عِندَنَا لَمِنَ الْمَصْطَفَيْنَ الاَْخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَعِيلَ
وَالْيَسَعَ وَذَاالْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ الاَْخْيَارِ (48) |
|
التّفسير |
|
الأنبياء الستّة:
|
|
متابعة للآيات السابقة التي
تطرّقت بإختصار إلى حياة (داود) و (سليمان) وبصورة أكثر إختصاراً لحياة (أيّوب)
إذ بيّنت أهم النقاط البارزة في حياة هذا النّبي الكبير، وتستعرض آيات بحثنا هذا
أسماء ستّة من أنبياء الله، وتوضّح بصورة مختصرة بعض صفاتهم البارزة التي يمكن
أن تكون اُنموذجاً حيّاً لكلّ بني الإنسان. |
|
الآيات(49)
(54) هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَئَاب (49) جَنَّتِ عَدْن
مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الاَْبْوَبُ
|
|
هَذَا ذِكْرٌ
وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَئَاب (49) جَنَّتِ عَدْن مُّفَتَّحَةً
لَّهُمُ الاَْبْوَبُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَكِهَة
كَثِيرَة وَشَرَاب(51) وَعِندَهُمْ قَصِرَتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا
تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن
نَّفَاد(54) |
|
التّفسير |
|
هذا ما وُعِد به المتّقون:
|
|
آيات هذه السورة إنتقلت بنا
إلى شكل آخر من الحديث، إذ أخذت تقارن بين المتّقين والعصاة المتجبّرين، وتشرح
مصير كلّ منهما يوم القيامة، وهي بصورة عامّة تكمل بحوث الآيات السابقة. |
|
الآيات(55)
(61) هَذَا وَإِنَّ للطَّغِينَ لَشَرَّ مئَاب (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا
فَبِئْسَ الْمِهَادُ(56)
|
|
هَذَا وَإِنَّ
للطَّغِينَ لَشَرَّ مئَاب (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ(56)
هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَءَاخَرُ مِن شَكْلِهِ
أَزْوَجٌ(58) هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لاَ مَرْحَبَاً بِهِمْ
إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ(59) قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَبَاً بِكُمْ
أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ(60) قَالُوا رَبَّنَا مَن
قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِى النَّارِ (61) |
|
التّفسير |
|
وهذه هي عاقبة الطغاة!
|
|
الآيات السابقة إستعرضت النعم
السبع وغيرها من النعم التي يغدقها الباريء عزّوجلّ على عباده المتّقين، أمّا
آيات بحثنا فإنّها تستخدم اُسلوب المقارنة الذي كثيراً ما إستخدمه القرآن
الكريم، لتوضيح المصير المشؤوم والعقوبات المختلفة التي ستنال الطغاة والعاصين،
قال تعالى: (هذا وإنّ للطاغين لشرّ مآب)( كلمة (هذا) مبتدأ وخبرها محذوف، وتقديرها هو (هذا الذي
ذكرناه للمتّقين).). |
|
الآيات(62)
(64) وَقَالُوا مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ
الاَْشْرَارِ (62)أَتَّخَذْنَهُمْ سِخْرِيّاً
|
|
وَقَالُوا مَا
لَنَا لاَ نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الاَْشْرَارِ
(62)أَتَّخَذْنَهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الاَْبْصَرُ (63) إِنَّ
ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64) |
|
التّفسير |
|
تخاصم أهل النّار:
|
|
آيات بحثنا تواصل إستعراض
الجدال الدائر بين أهل جهنّم، الذي كان بعضه قد ورد في الآيات السابقة، وتتحدّث
عن مجادلات اُخرى فيما بينهم ينكشف من خلالها أسفهم العميق وتألّمهم الشديد
وحسرتهم. |
|
ملاحظة
|
|
ورد في حديث عن الإمام الصادق
(عليه السلام) أنّه قال لأبي بصير «ياأبا محمّد، لقد ذكركم الله إذ حكى عن
عدوّكم في النار بقوله: (وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنّا نعدهم من الأشرار.
اتّخذناهم سخريّاً أم زاغت عنهم الأبصار). والله ما عنى ولا أراد بهذا غيركم،
صرتم عند أهل هذا العالم شرار الناس، وأنتم والله في الجنّة تحبرون وفي النار
تطلبون»( روضة الكافي، نقلا عن تفسير نور الثقلين،
المجلّد 4، الصفحة 467.). |
|
الآيات(65)
(70) قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَه إِلاَّ اللهُ الْوَحِدُ
الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ
|
|
قُلْ إِنَّمَا
أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَه إِلاَّ اللهُ الْوَحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ
السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّرُ (66) قُلْ
هُوَ نَبَؤٌا عَظِيمٌ(67) أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِىَ مِنْ
عِلْم بِالْمَلإ الاَْعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِن يُوحَى إِلَىَّ إِلاَّ
أَنَّمَآ أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ(70) |
|
التّفسير |
|
إنّما أنا نذير!:
|
|
البحوث السابقة التي تناولت
موضوع العقاب الأليم الذي سينال أهل جهنّم، والاُخرى التي إستعرضت العذاب
والعقاب الدنيوي الذي نزل بالاُمم الظالمة البائدة، كلّها كانت تحمل طابع إنذار
وتهديد للمشركين والعاصين والظالمين. الاُولى «ربوبيته»
لعالم الوجود، ومالكيته لكلّ هذا العالم،
المالك المدبّر لشؤون عالم الوجود، فهو الوحيد الذي يستحقّ العبادة والأصنام لا
تملك من اُمورها شيئاً ولو بمقدار ذرّة. وقوله تعالى: (أنتم عنه معرضون) ما زال
صادقاً حتّى يومنا الحاضر، فإعراض المسلمين عنه تسبّب في عدم ارتوائهم من هذا
المنبع العذب الذي يطفح بالفيض الإلهي الكامل، وإلى عدم التقدّم على الآخرين
بالإستفادة من أنواره المشعّة، وإلى عدم الرقي إلى قمم الفخر والشرف. |
|
الآيات(71)
(83) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَئِكَةِ إِنِّى خَلِقُ بَشَراً مِّن طِين (71)
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ
|
|
إِذْ قَالَ رَبُّكَ
لِلْمَلَئِكَةِ إِنِّى خَلِقُ بَشَراً مِّن طِين (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ
ونَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُوا لَهُ سَجِدِينَ (72) فَسَجَدَ
الْمَلَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ
مِنَ الْكَفِرِينَ (74) قَالَ يَإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا
خَلَقْتُ بِيَدَىَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ
أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّار وَخَلَقْتَهُ مِن طِين (76) قَالَ
فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى إِلَى
يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِى إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(79)
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ
(81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لاَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)إِلاَّ عِبَادَكَ
مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ(83) |
|
التّفسير |
|
تكبّر الشيطان وطرده من رحمة الله!
|
|
هذه الآيات ـ كما قلنا ـ توضيح لإختصام (الملأ الأعلى) و (إبليس)
وبحث حول مسألة خلق آدم (عليه السلام)، وبصورة عامّة فإنّ الهدف من توضيح هاتين المسألتين: ومن دون أي شكّ فإنّه لا أحد يستطيع أن يدّعي أنّ قدرته ومنزلته أكبر من أن
يسجد لله (أو لآدم بأمر من الله) وبهذا فإنّ الإحتمال
الوحيد المتبّقي هو الثاني، أي التكبّر. |
|
بحثان
|
|
1 ـ فلسفة وجود الشيطان
|
|
هناك مسائل مهمّة
تطرح بشأن الآيات المذكورة أعلاه، منها مسألة خلق الشيطان، وسبب سجود الملائكة لآدم، وسبب تفضيل آدم على الملائكة،
والشيطان على من سيتسلّط، وما هي نتيجة التكبّر والغرور، وما المقصود من الطين
وروح الله، ومسألة خلق آدم وخلقه المستقل في مقابل فرضيات تكامل الأنواع؟ ومسائل اُخرى من هذا القبيل تمّ تناولها وبصورة مفصّلة في
التّفسير الأمثل في ذيل الآية (34) من سورة البقرة، وفي ذيل الآية (26) من سورة
الحجر، وفي ذيل الآية (11) من سورة الأعراف. |
|
2 ـ نيران
الأنانية والغرور تحرق رأسمال الوجود
|
|
من الاُمور الحسّاسة جدّاً
التي تلفت النظر في قضيّة طرد إبليس من رحمة الله، هو مدى تأثير عاملي الأنانية
والغرور على سقوط وتعاسة الإنسان، إذ يمكن القول
بأنّهما من أهمّ وأخطر عوامل الإنحراف. وقد تسبّبا ـ في لحظة واحدة ـ في
هدم عبادة ستّة آلاف سنة، وإنّهما كانا السبب وراء تدنّي موجود كان في صفّ
ملائكة السماء الكبار إلى أدنى درجات الشقاء، ويستحقّ لعنة الله الأبدية. |
|
الآيات(84)
(88) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لاََمْلاََنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ
وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ
|
|
قَالَ فَالْحَقُّ
وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لاََمْلاََنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ
مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) قُلْ مَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر وَمَا
أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَلَمِينَ (87)
وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِين(88) |
|
التّفسير
|
|
آخر حديث بشأن إبليس!
|
|
آيات بحثنا هي آخر آيات سورة
(ص)، وفي الحقيقة هي خلاصة لكلّ محتوى هذه السورة، ونتيجة للأبحاث المختلفة التي
تناولتها السورة. |
|
ملاحظة
|
|
من هو المتكلّف؟
|
|
قرأنا في الآيات المذكورة
أعلاه أنّ إحدى مفاخر رسولنا الأكرم (ص) أنّه غير متكلّف، وفي الروايات
الإسلامية المزيد من الأبحاث التي توضّح علامات المتصنّع والمتظاهر بما ليس فيه،
ومنها: إلهي! وفّقنا
لتطهير أنفسنا من كلّ آثار التكلّف والنفاق والتمرّد والطغيان. آمين ياربّ العالمين. «إنتهت سورة (ص)» «وانتهاء المجلد الرابع عشر» |
|
«إنتهت
سورة (ص)» «وانتهاء المجلد الرابع عشر» |
|
|
|