- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
سورة
سَبأ مَكّيّة وعددُ آياتِها أربعَ وخَمسُونَ آية
|
|
محتوى
سورة سبأ:
|
|
سمّيت السورة بهذا الاسم (سبأ) لذكرها قصّة
قوم سبأ، وهي من السور المكيّة، التي تشتمل
عادةً على بحوث المعارف الإسلامية واُصول الإعتقادات، خصوصاً «المبدأ» و
«المعاد» و «النبوّة». فأغلب بحوثها تحوم حول تلكم الموضوعات، لحاجة المسلمين
لبلورة اُمور العقيدة في مكّة، وإعدادهم للإنتقال إلى فروع الدين، وتشكيل
الحكومة، وتطبيق كافّة البرامج الإسلامية. |
|
فضيلة
هذه السورة:
|
|
يلاحظ في الروايات تعبيرات
ملفتة حول أهميّة هذه السورة وأهميّة قراءتها. من جملتها ما ورد في حديث عن
الرّسول (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «من قرأ سورة سبأ لم يبق نبيّ ولا رسول
إلاّ كان له يوم القيامة رفيقاً ومصافحاً»( مجمع
البيان، بداية سورة سبأ، المجلّد 8، صفحة 375..) |
|
الآيتان(1) (2)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّمَوَتِ وَمَا فِي الاَْرْضِ وَلَهُ
الْحَمْدُ فِى الاْخِرَةِ
|
|
الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّمَوَتِ وَمَا فِي الاَْرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِى
الاْخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ(1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الاَْرْضِ
وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا
وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ(2) |
|
التّفسير |
|
هو
المالك لكلّ شيء والعالم بكلّ شيء:
|
|
خمس سور من القرآن الكريم إفتتحت «بحمد
الله»، وإرتبط (الحمد) في ثلاثة منها
بخلق السموات والأرض وهي (سبأ وفاطر والأنعام) بينما كان
مقترناً في سورة الكهف بنزول القرآن على قلب الرّسول الأكرم (ص)، وجاء في سورة
الفاتحة تعبيراً جامعاً شاملا لكلّ هذه الإعتبارات (الحمد
لله ربّ العالمين). على كلّ حال، الحمد والشكر لله تعالى في مطلع سورة سبأ هو في قبال
مالكيته وحاكميته تعالى في الدنيا والآخرة. وكذلك فإنّ الإنسان قد يغفل في هذه الدنيا فيحمد بعض المخلوقات، متوهماً
إستقلالها، إلاّ أنّه في الآخرة، وحيث يتّضح إرتباط الكلّ به تعالى كإرتباط
أشعّة الشمس بقرصها، فإنّ الإنسان لن يؤدّي الحمد والثناء إلاّ لله سبحانه. |
|
الآيات(3) (5)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّى
لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَلِمِ الْغَيْبِ
|
|
وَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ
عَلِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّة فِى السَّمَوَتِ وَلاَ
فِى الاَْرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِى كِتَب
مَّبِين (3)لِّيَجْزِىَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ أُوْلَئِكَ
لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ(4) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِى ءَايَتِنَا
مُعَجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْز أَلِيمٌ(5) |
|
التّفسير |
|
أقسم
بالله لتأتينكم القيامة:
|
|
تتعرّض الآيات مورد البحث إلى
موضع التوحيد وصفات الله في نفس الوقت الذي تهيء أرضيّة لموضوع المعاد، لأنّ
مشكلات (بحث المعاد) لا يمكن حلّها إلاّ عن طريق العلم اللامتناهي للباريّ
عزّوجلّ، كما سنرى. ويريدون بذلك الفكاك والتحرّر
من قيود هذه الإعتقادات; الحساب والكتاب والعدل والجزاء، ليرتكبوا ما يحلوا لهم
من الأعمال. وقد ورد نظير هذا التعبير في الآيات الثالثة والرّابعة من سورة (ق) في قوله
تعالى: (أإذا متنا وكنا تراباً ذلك رجع بعيد، قد علمنا
ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ). |
|
الآيات(6) (9)
وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ
هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِى إِلَى صِرَطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ
|
|
وَيَرَى الَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ
وَيَهْدِى إِلَى صِرَطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(6) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا
هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُل يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّق
إِنَّكُمْ لَفِى خَلْق جَدِيد(7) أَفْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أَم بِهِ
جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاْخِرَةِ فِى الْعَذَابِ
وَالضَّلَلِ الْبَعِيدِ(8) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا
خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالاَْرْضِ إِن نَّشَأَ نَخْسِفْ بِهِمْ الاَْرْضَ
أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاَيَةً
لِّكُلِّ عَبْد مُّنِيب(9) |
التّفسير |
|
العلماء
يرون دعوتك إنّها حقّ:
|
|
كان الحديث في الآيات السابقة
عن عمي البصائر، المغفّلين الذين أنكروا المعاد مع كلّ تلك الدلائل القاطعة،
وسعوا سعيهم لتكذيب الآيات الإلهية، وإضلال الآخرين. وعلى هذا، فإنّ الآيات مورد البحث، تتحدّث عن العلماء والمفكّرين
الذين صدّقوا بآيات الله وسعوا سعيهم لتشجيع الآخرين
على التصديق بها، يقول تعالى: (ويرى الذين
اُوتوا العلم الذي اُنزل إليك من ربّك هو الحقّ ويهدي إلى صراط العزيز الحميد). ولكونه كذلك فهو يهدي إلى
صراط الله، الله «العزيز» و «الحميد» أي أنّه تعالى الأهل لكلّ حمد وثناء وفي
ذات الوقت فانّ قدرته غاية القدرة والغلبة، وليس هو كأصحاب القدرة من البشر الذي
يتعامل منطلقاً من كونه على عرش القدرة بالدكتاتورية والظلم والتجاوز والتلاعب. وإستخدامهم لكلمة (رجل) بصيغة
النكرة في تعبيرهم عن الرّسول (ص) يقصد منه التحقير «وحاشاه». وثانيهما: مئات الآلاف من الأحجار الصغيرة والكبيرة السابحة في
الفضاء الخارجي تنجذب نحو الأرض يومياً بفعل جاذبيتها، ولولا إحتراقها نتيجة
إصطدامها بالغلاف الغازي، لكنّا هدفاً «لمطر حجري» بشكل متواصل ليل نهار،
وأحياناً تكون أحجامها وسرعتها وقوّتها إلى درجة أنّها تتخطّى ذلك المانع وتنطلق
باتّجاه الأرض لتصطدم بها. وهذا واحد من الأخطار السماوية، وعليه فإذا كنّا نعيش
وسط هذين المصدرين الرهيبين للخطر، بمنتهى الأمن والأمان بأمر الله، أفلا يكفي
ذلك لأن نتوجّه إلى جلال قدرته العظيمة ونسجد تعظيماً وطاعة له!!. |
|
|
الآيتان(10)
(11) وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا يَجِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ
وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ
|
|
وَلَقَدْ
ءَاتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا يَجِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ وَالطَّيْرَ
وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ(10) أَنِ اعْمَلْ سَبِغَت وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ
وَاعْمَلُوا صَلِحاً إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(11) |
|
التّفسير |
|
المواهب
الإلهية العظيمة لداود:
|
|
بناء على ما مرّ ذكره في آخر
المجموعة السابقة من الآيات وما قلناه حول «العبد المنيب» والثواب. ولعلمنا بأنّ هذا الوصف قد ذكر للنبي داود (ع) (في الآية 24 من
سورة ص) ـ كما سيرد شرحه بإذن الله ـ فالأفضل من أن نتعرّض لجانب من حياة
هذا النّبي (ع) كمثال للإنابة والتوبة وإكمال البحث
السابق. وهي أيضاً تنبيه لكل من يغمط نعم الله ويتناساها، ويتخلّى عن
عبوديته لله عند جلوسه على مسند القدرة والسلطة. فقد شُمل داود بالمواهب
العظيمة سواء من الناحية المادية أو المعنوية،
وقد تعرّض القرآن الكريم مراراً لذكرها. |
|
الآيات(12) (14)
وَلِسُلَيْمَنَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا
لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ
|
|
وَلِسُلَيْمَنَ
الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ
الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن
يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ(12)
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَرِيبَ وَتَمَثِيلَ وَجِفَان كَالْجَوَابِ
وَقُدُورِ رَّاسِيَت اعْمَلُوا ءَالَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ
الشَّكُورُ(13) فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْه الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى
مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الاَْرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ
تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِى
الْعَذَابِ الْمُهِينِ(14) |
|
التّفسير |
|
هيبة
سليمان وموته العبرة!!
|
|
بعد الحديث عن المواهب التي
أغدق الله بها على داود (ع) تنتقل الآيات إلى الحديث عن إبنه سليمان (ع)، وفي
حين أنّ الآيات السابقة أشارت إلى موهبتين تخصّان داود، فهذه الآيات تشير إلى ثلاث مواهب عظيمة خُصّ بها إبنه سليمان(عليه السلام) يقول تعالى: (ولسليمان الريح غدوّها شهر ورواحها شهر)( «لسليمان» جار ومجرور متعلّق بفعل مقدّر تقديره «سخّرنا» كما
يفهم بقرينة الآيات السابقة، وقد صُرّح بذلك في الآية (36) من سورة ص. التي قال
فيها سبحانه وتعالى: (فسخّرنا له الريح). وبعض المفسّرين يعتقد بأنّ (اللام) في
(لسليمان) للتخصيص، إشارةً إلى أنّ المعجزة إختصّ بها سليمان ولم يشاركه فيها
أحد من الأنبياء.). وهذا الموضوع لا يختّص فقط بعصر سليمان (عليه السلام) وحكومته، فالإلتفات
إليه ومراعاته من الضروريات اليوم وغداً، وفي كلّ مكان لأجل إدارة الدول بطريقة
صحيحة. |
|
بحوث
|
1 ـ صور من حياة
سليمان (عليه السلام):
|
|
على عكس «التوراة»
الموجود اليوم والتي صوّرت «سليمان» أحد السلاطين الجبابرة وباني معابد الأوثان الضخمة ومستهتر النساء ـ يعدّ
القرآن الكريم «سليمان» من أنبياء الله العظام ونموذج للحكومة والقدرة المنقطعة
النظير، وقد أعطى القرآن الكريم بعرضه البحوث المختلفة المتعلّقة بسليمان دروساً
للبشر هي الأساس من ذكر قصّته. وقد قام سليمان (ع)
بالإستفادة من المواهب المذكورة، ببناء المعابد الضخمة، وترغيب الناس بالعبادة،
وكذلك فقد نظّم برامج واسعة لإستضافة أفراد جيشه وعمّاله وسائر الناس في مملكته.
ومن الأواني التي مرّ ذكرها يمكننا تخيّل أكثر من ذلك. |
|
2 ـ لماذا خفي
موت سليمان مدّة من الزمن؟
|
|
كم هي المدّة التي ظلّ فيها
موت سليمان مخفياً عن حكومته، هل كانت سنة، أم شهراً، أم عدّة أيّام؟ إختلف
المفسّرون حول هذا الموضوع. «وأولع سليمان بنساء غريبات كثيرات فضلا عن إبنة فرعون، فتزوّج نساء موآبيات وعمّونيّات
وأدوميات وصيدونيات وحثيات، وكلّهنّ من بنات الاُمم التي نهى الربّ بني إسرائيل
عن الزواج منهنّ قائلا لهم: «لا تتزوّجوا منهم ولا هم منكم لأنّهم يغوون قلوبكم
وراء آلهتهم» ولكن سليمان التصق بهنّ لفرط محبّته لهنّ، فكانت له سبع مائة زوجة، وثلاث مئة محضية،
فانحرفن بقلبه عن الربّ فاستطعن في زمن شيخوخته أن
يغوين قلبه وراء آلهة اُخرى، فلم يكن قلبه
مستقيماً مع الربّ إلهه كقلب داود أبيه،
وما لبث أن عبد عشتاروت آلهة الصيدونيين وملكوم إله العمونيين البغيض، وإرتكب
الشرّ في عيني الربّ، ولم يتّبع سبيل الربّ بكمال كما فعل أبوه داود، وأقام على
تلّ شرقي اورشليم مرتفعاً تكموش إله الموآبيين الفاسق. ولمولك إله بني عمون
البغيض، وشيّد مرتفعات لجميع نسائه الغربيات، اللواتي رحن يوقدن البخور عليها،
ويقربن المحرّقات لآلهتهنّ فغضب الربّ على سليمان
لأنّ قلبه ضلّ عنه مع أنّه تجلّى له مرّتين ونهاه عن
الغواية وراء آلهة اُخرى، فلم يطع وصيّته، لهذا
قال الله لسليمان! لأنّك إنحرفت عنّي ونكثت عهدي، ولم تطع فرائضي التي
أوصيتك بها، فانّي حتماً اُمزّق أوصال مملكتك واُعطيها لأحد عبيدك، إلاّ أنّني
لا أفعل ذلك في أيّامك، من أجل داود أبيك، بل من يد إبنك اُمزّقها، غير أنّي
اُبقي له سبطاً واحداً يملك عليه إكراماً لداود عبدي ...» (التوراة كتاب الملوك الأوّل ـ الفصل 11 ـ 12 ـ زوجات
سليمان.). |
|
|
من
مجموع هذه القصّة الخرافية للتوراة يتّضح ما يلي:
|
|
1 ـ إنّ
سليمان كان يحبّ كثيراً النساء الوثنيات، وتزوّج بكثير منهنّ على خلاف أوامر
الله تعالى، وتدريجيّاً مال إلى دينهنّ، وبالرغم من كثرة نسائه (700 زوجة و300 محضية) فانّ حبّه لهنّ أدّى إلى
إنحرافه عن طريق الحقّ (نعوذ بالله). 2 ـ إنّ سليمان
أمر بصراحة ببناء معابد للأوثان فوق الجبل المقابل لأورشليم المركز الديني
المقدّس لبني إسرائيل، وأحد المعابد كان لصنم «كموش» الذي يعبده الموآبيون،
والآخر لصنم «عشترون» الذي كان يعبده الصيداويون. وكلّ ذلك حدث في أيّام
شيخوخته. |
|
4 ـ وقليل من
عبادي الشكور
|
|
قبل كلّ شيء يلزم البحث في
الأصل اللغوي لكلمة «شُكر». والشكر ثلاثة أضرب: شكر القلب، وهو تصوّر النعمة. وشكر اللسان، وهو الثناء
على المنعم، وشكر سائر الجوارح، وهو مكافأة النعمة بقدر إستحقاقها. |
|
الآيات((15) (17)
لَقَدْ كَانَ لِسَبَإِ فِى مَسْكَنِهِمْ ءَايَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِين وَشِمَال
كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ
|
|
لَقَدْ كَانَ
لِسَبَإِ فِى مَسْكَنِهِمْ ءَايَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِين وَشِمَال كُلُوا مِن
رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ
(15)فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَهُم بِجَنَّتَيْهِمْ
جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ أُكُل خَمْط وَأَثْل وَشَىْء مِّن سِدْر قَلِيل(16)
ذَلِكَ جَزَيْنَهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَزِى إِلاَّ الْكَفُورَ(17) |
|
التّفسير |
|
المدينة
الراقية التي أضاعها الكفران:
|
|
بعد أن تطرّقت الآيات السابقة
إلى توضيح النعم الإلهية العظيمة التي أولاها الله داود وسليمان (ع)، وأداء هذين
النّبيين العظيمين وظيفتهما بالشكر، تنتقل الآيات أعلاه إلى الحديث عن قوم آخرين
يمثّلون الموقف المقابل للموقف السابق، ويحتمل أن يكونوا قد عاصروا داود وسليمان
أو عاشوا بعدهما بفترة قليلة .. قوم شملهم الله بأنواع النعم، ولكنّهم سلكوا
طريق الكفران، فسلبهم الله ذلك، ومزّقهم شرّ ممزّق، حتّى أصبح ما حلّ بهم عبرةً
للعالمين، اُولئك كانوا «قوم سبأ». |
|
الآيتان(18) (19)
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِى بَرَكْنَا فِيهَا قُرىً
ظَهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ
|
|
وَجَعَلْنَا
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِى بَرَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَهِرَةً وَقَدَّرْنَا
فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِىَ وَأَيَّاماً ءَامِنِينَ(18)
فَقَالُوا رَبَّنَا بَعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ
فَجَعَلْنَهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَهُمْ كُلَّ مُمَزَّق إِنَّ فِى ذَلِكَ
لاَيَت لِّكُلِّ صَبَّار شَكُور(19) |
|
التّفسير |
|
(فجعلناهم أحاديث
ومزّقناهم كلّ ممزّق !!)
|
|
تعود هذه الآيات إلى قصّة قوم
سبأ مرّة اُخرى، وتعطي شرحاً وتفصيلا أكثر حولهم وحول العقاب الذي حلّ بهم.
ليكون درساً بليغاً وتربوياً لكلّ سامع. |
|
بحوث
|
|
1 ـ المصير
المذهل لقوم سبأ!!
|
|
يستفاد ممّا ورد في القرآن
الكريم والروايات، وكذلك كتب التاريخ، بأنّ «قوم سبأ» كانوا يقطنون جنوب
الجزيرة، وكانت لهم حكومة راقية، وحضارة خلاّبة. |
|
2 ـ الإعجاز
القرآني التأريخي
|
|
أورد القرآن الكريم قصّة «قوم
سبأ» في الوقت الذي كان المؤرخّون لا يعلمون شيئاً عن وجود هؤلاء القوم، وعن مثل
تلك المدنيّة. والملفت للنظر أنّ المؤرخّين قبل الإكتشافات الحديثة، لم يذكروا
شيئاً حول سلسلة ملوك سبأ والمدنية العظيمة لهم، وإعتقدوا فقط بأنّ (سبأ) هو شخص
إفتراضي، عرف كأب مؤسّس لدولة «حمير»، في حين أنّ القرآن الكريم أفرد سورة كاملة
باسم هؤلاء القوم وأشار إلى أحد مظاهر مدينتهم وهو بناؤهم (لسدّ مأرب) التأريخي. 5 ـ آخر ما نروم الإشارة إليه، هو أنّ ذلك المصير العجيب يثبت مرّة اُخرى
حقيقة أنّ (الموت) مخفي في جوهر حياة الإنسان، ونفس الشيء الذي يكون سبباً لحياة
الإنسان وعمرانها يوماً، يكون عامل موته وهلاكه في يوم آخر. |
|
الآيتان(20) (21)
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً
مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ
|
|
وَلَقَدْ صَدَّقَ
عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ
الْمُؤْمِنِينَ(20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَن إِلاَّ لِنَعْلَمَ
مَن يُؤْمِنُ بِالاْخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِى شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى
كُلِّ شَىْء حَفِيظٌ(21) |
|
التّفسير |
|
لا
أحد مجبر على اتّباع الشّيطان:
|
|
هذه الآيات في الحقيقة تمثّل
نوعاً من الإستنتاج العام من قصّة «قوم سبأ» التي مرّت في الآيات السابقة،
ورأينا كيف أنّهم بإستسلامهم لهوى النفس ووسوسة الشيطان، أصبحوا معرضاً لكلّ تلك
الخيبة وسوء التوفيق. |
|
الآيات(22) (27) قُلِ
ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّة
فِى السَّمَوَتِ وَلاَ فِى الاَْرْضِ
|
|
قُلِ ادْعُوا
الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّة فِى
السَّمَوَتِ وَلاَ فِى الاَْرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْك وَمَا لَهُ
مِنْهُم مِّن ظَهِير(22) وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ
أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ
رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ(23) قُلْ مَن
يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ قَلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ
لَعَلَى هُدىً أَوْ فِى ضَلَل مُّبِين(24) قُل لاَّ تُسْئَلُونَ عَمَّا
أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ(25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا
رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ
الْعَلِيمُ(26) قُلْ أَرُونِىَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُم بِهِ شُرَكَاءَ كَلاَّ
بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(27) |
|
التّفسير |
|
نبئوني
لماذا؟
|
|
قلنا في بداية
السورة بأنّ هناك مجموعة من آياتها تتحدّث حول المبدأ والمعاد
والإعتقادات الحقّة، ومن ربطها مع بعضها نحصل على حقائق جديدة. في هذا المقطع من الآيات يجرّ القرآن المشركين في الواقع إلى المحاكمة،
وبالضربات الماحقة للأسئلة المنطقية، يحشرهم في زاوية ضيّقة، ثمّ يبيّن تفسّخ
منطقهم الواهي بخصوص شفاعة الأصنام. |
|
بحث
|
|
طريق
تسخير القلوب:
|
|
كثيراً ما يلاحظ أفراد فضلاء
وعلى مستوى من العلم والمعرفة، لا يمكنهم النفوذ في أفكار الآخرين، لعدم
إطّلاعهم على الفنون الخاصّة بالبحث والإستدلال، وعدم رعايتهم للجوانب النفسية،
على عكس البعض الآخر الذين ليسوا على وفرة من العلم، إلاّ أنّهم موفّقين من
ناحية جذب القلوب وتسخيرها والنفوذ في أفكار الآخرين. والقرآن الكريم علّمنا كيفية مزج البحوث
المنطقية بالاُصول الأخلاقية في المحاورة، حتّى تنفذ في أرواح الآخرين. |
|
الآيات(28) (30)
وَمَا أَرْسَلْنَكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
|
|
وَمَا أَرْسَلْنَكَ
إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ
يَعْلَمُونَ(28) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ(29)
قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْم لاَّ تَسْتَئْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ
تَسْتَقْدِمُونَ(30) |
|
التّفسير |
|
الدّعوة
العالمية:
|
|
الآية الاُولى من هذه الآيات،
تتحدّث في نبوّة الرّسول (صلى الله عليه وآله)، والآيات التي تليها تتحدّث حول
الميعاد، ومع الأخذ بنظر الإعتبار أنّ الآيات السابقة تحدّثت عن التوحيد، نصبح
أمام مجموعة كاملة من بحوث العقائد، تتناسب مع كون السورة مكية. |
|
الآيات(31) (33)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْءَانِ وَلاَ بِالَّذِى
بَيْنَ يَدَيْهِ
|
|
وَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْءَانِ وَلاَ بِالَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ
وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّلِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ
بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْض الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ
اسْتَكْبَرُوا لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ(31) قَالَ الَّذِينَ
اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَكُمْ عَنِ الْهُدَى
بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ(32) وَقَالَ الَّذِينَ
اسْتُضْعِفُوا لِلَّذينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ
تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا
النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الاَْغْلَلَ فِى أَعْنَاقِ
الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(33) |
|
التّفسير |
|
لمناسبة البحث الوارد في
الآيات السابقة، حول مواقف المشركين إزاء مسألة المعاد، تعرّج هذه الآيات إلى
تصوير بعض فصول المعاد المؤلمة لهؤلاء المشركين كي يقفوا على خاتمة أعمالهم. أوّلا، يقول تعالى: (وقال الذين كفروا
لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه). أي ولا بالكتب السماوية
السابقة. |
|
الآيات(34) (38)
وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَة مِّن نَّذِير إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا
بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَفِرُونَ
|
|
وَمَا أَرْسَلْنَا
فِى قَرْيَة مِّن نَّذِير إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم
بِهِ كَفِرُونَ(34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَلا وَأَوْلَداً وَمَا
نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ(35) قُلْ إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ
وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ(36) وَمَا أَمْوَلُكُمْ
وَلاَ أَوْلَدُكُم بِالَّتِى تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ
ءَامَنَ وَعَمِلَ صَلِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا
وَهُمْ فِى الْغُرُفَتِ ءَامِنُونَ(37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِى ءَايَتِنَا
مُعَجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِى الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ(38) |
|
التّفسير |
|
الأموال
والأولاد ليست دليلا على القرب من الله ..
|
|
بعد أن كان الحديث في الآيات
السابقة في الغاوين من المستكبرين، فإنّ جانباً آخر من هذا المبحث تعكسه الآيات
أعلاه بطريقة اُخرى، وتقدّم المواساة أيضاً للرسول (ص) ضمن إشارتها بأن لا تعجب
إذا خالفك المخالفون، فإنّ المستكبرين المرفّهين
طبعوا على مخالفة أنبياء الحقّ، فتقول الآية المباركة: (وما
أرسلنا في قرية من نذير إلاّ قال مترفوها إنّا بما اُرسلتم به كافرون). |
|
بحث
معايير التقييم:
|
|
من القضايا المهمّة في حياة
الأفراد والمجتمعات هي قضيّة «معايير التقييم» و «نظام القيم» الذي يتحكّم
بثقافة ذلك المجتمع. لأنّ كلّ الحركات الصادرة عن الأفراد والجماعات في حياتهم
إنّما تنبع من هذا النظام وتهدف إلى خلق تلك القيم. |
|
الآيات(39) (42) قُلْ
إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ
|
|
قُلْ إِنَّ رَبِّى
يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا
أَنفَقْتُم مِّن شَىْء فَهُوَ يَخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّزِقِينَ(39)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَئِكَةِ أَهَؤُلاَءِ
إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ(40) قَالُوا سُبْحَنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن
دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ(41)
فَالْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْض نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً وَنَقُولُ
لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِى كُنتُم بِهَا
تُكَذِّبُونَ(42) |
|
التّفسير |
|
نفور
المعبودين من عابديهم:
|
|
تعود هذه الآيات لتؤكّد مرّة
اُخرى خطأ الذين يتوهمون بأنّ أموالهم وأولادهم سبب لقربهم من الله فتقول: (قل إنّ ربّي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له). فمع أنّ محتوى هذه الآية يؤكّد ما عرضته الآيات السابقة إلاّ أنّ هناك ما هو
جديد من جهتين: ولا يريد جزاءاً على ما يعطيه لأنّه غني بذاته. ويعطي إبتداءً، لأنّه حكيم
وعالم بكلّ شيء. بل الحقيقة أنّه ليس من رزّاق غيره، لأنّ أي معط إنّما يعطي
ممّا رزقه الله، وبذا فهو ليس سوى «واسطة إنتقال» لا رزّاقاً. لقد إختارت الملائكة في الحقيقة أكثر الأجوبة
شمولية وأعظمها أدباً (قالوا سبحانك أنت وليّنا من
دونهم بل كانوا يعبدون الجنّ أكثرهم بهم مؤمنون). |
|
بحوث:1
ـ الإنفاق سبب النماء ـ 2 ـ أمّنوا على أموالكم بتأمين إلهي!! 3 ـ سعة مفهوم
الإنفاق:
|
|
التعبير الوارد في
الآية السابقة يحتوي على معان جمّة: |
|
الآيات(43) (45)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَتُنَا بَيِّنَت قَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ
رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ
|
|
وَإِذَا تُتْلَى
عَلَيْهِمْ ءَايَتُنَا بَيِّنَت قَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن
يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ
إِفْكٌ مُّفْتَرىً وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ
هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ(43) وَمَا ءَاتَيْنَهُم مِّن كُتُب يَدْرُسُونَهَا
وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِير(44) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن
قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا ءَاتَيْنَهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِى
فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ(45) |
|
التّفسير |
|
بأيِّ
منطق ينكرون آيات الله:
|
|
تعود هذه الآيات
لتكمل البحث الذي تناولته الآيات السابقة
حول المشركين الكفّار وأقوالهم يوم القيامة، فتتحدّث حول وضع هؤلاء في الدنيا
ومواقفهم عند سماعهم القرآن حتّى يتّضح أنّ
مصيرهم الاُخروي المشؤوم إنّما هو نتاج تلك المواقف الخاطئة التي اتّخذوها إزاء
آيات الله في الدنيا. ولكن تاريخ الإسلام شاهد على أنّ أيّاً من هذه المخطّطات الشيطانية لم تكن
ذات أثر، وكانت النتيجة أن دخل الناس في هذا الدين العظيم فوجاً بعد فوج. |
|
الآية(46) قُلْ
إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَحِدَة أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَدَى ثُمَّ
تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّة
|
|
قُلْ إِنَّمَا
أَعِظُكُم بِوَحِدَة أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَدَى ثُمَّ
تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّة إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُم
بَيْنَ يَدَىْ عَذَاب شَدِيد(46) |
|
التّفسير |
|
الثّورة
الفكرية أساس لأيّ ثورة أصيلة:
|
|
في هذا المقطع من الآيات
والآيات التالية، والتي تشكّل أواخر سورة سبأ المباركة، يؤمر الرّسول الأكرم (ص)
مرّة اُخرى بدعوة هؤلاء بالأدلّة المختلفة ليؤمنوا بالحقّ، ويرجعوا عن ضلالهم،
وكما مرّ في البحوث السابقة فقد خوطب الرّسول (صلى الله
عليه وآله) خمس مرّات بأن قيل له (قل ...). |
|
ملاحظتان
|
|
1 ـ إستقلال آيات
القرآن الكريم وتفسيرها المنحرف.
|
|
لقد إتّضح لدينا من خلال
تفسير الآية الأخيرة بأنّ الأصنام والأوثان وما يعبد من دون الله تعالى ليس لها
آذان صاغية لما يُطلب منها، وإن كان لها فهي غير قادرة على حلّ مشكلة ما، وليس
لها في هذا العالم أيّ ملك ولو بقدر رأس الإبرة (إن
تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم) وعلى هذا الأساس اتّخذ الوهّابيون هذه الآية
ذريعة لهم للإدّعاء بأنّ كلّ شيء ما خلا الله جلّ وعلا ـ وإن كان نبيّاً ـ لا
يسمع دعاءً، وإن سمع فلا يجيب! كما رفضوا أي نوع من التوسّل بأرواح الأنبياء
والأئمّة والأولياء. واعتبروا ذلك مخالفاً للتوحيد محتجّين بقوله تعالى: (والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون). |
|
2 ـ جانب من
الروايات الإسلامية في التفكّر والتأمّل:
|
|
إهتّمت الرواية الإسلامية ـ
وعلى خطى القرآن الكريم ـ بمسألة التفكّر إلى حدّ أن جعلتها في المقام الأوّل من
الأهميّة، ويلاحظ المطالع للروايات تعبيرات جميلة ومعبّرة أوردنا نماذج منها
هنا: |
|
الآيات(47) (50) قُلْ
مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْر فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى اللهِ
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْء شَهِيدٌ
|
|
قُلْ مَا
سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْر فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ
عَلَى كُلِّ شَىْء شَهِيدٌ(47) قُلْ إِنَّ رَبِّى يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّمُ
الْغُيُوبِ(48) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ الْبَطِلُ وَمَا يُعِيدُ
(49)قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِى وَإِنِ اهْتَدَيْتُ
فَبَِما يُوحِى إِلَىَّ رَبِّى إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ(50) |
|
التّفسير |
|
وما
يبديء الباطل وما يعيد:
|
|
قلنا أنّ الله تعالى أمر
رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله) في هذه السلسلة من الآيات الكريمة خمس مرّات
بأن يخاطب هؤلاء الضالّين ويقطع عليهم طريق الإعتذار من كلّ جانب. والتعبير بـ «علاّم
الغيوب» يؤيّد هذا المعنى. |
|
الآيات(51) (54)
وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَان قَرِيب
|
|
وَلَوْ تَرَى إِذْ
فَزِعُوا فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَان قَرِيب (51)وَقَالُوا ءَامَنَّا
بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِ بَعِيد(52) وَقَدْ كَفَرُوا
بِهِ مِن قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَان بَعِيد(53) وَحِيلَ
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ
إِنَّهُمْ كَانُوا فِى شَكٍّ مُّرِيب(54) |
|
التّفسير |
|
ليس
للكافرين مفرّ:
|
|
الآيات الأخيرة من
سورة سبأ تعود إلى الحديث في المشركين المعاندين الذين مرّ الحديث
فيهم في الآيات السابقة عن طريق مخاطبة الرّسول الأكرم (صلى الله عليه
وآله)فتصوّر حال تلك المجموعة عند وقوعها في قبضة العذاب الإلهي، كيف تفكّر في
الإيمان، حين لا يكون لإيمانهم أدنى فائدة. نهاية تفسير سورة
سبأ |
|
|
|
|
سورة
سَبأ مَكّيّة وعددُ آياتِها أربعَ وخَمسُونَ آية
|
|
محتوى
سورة سبأ:
|
|
سمّيت السورة بهذا الاسم (سبأ) لذكرها قصّة
قوم سبأ، وهي من السور المكيّة، التي تشتمل
عادةً على بحوث المعارف الإسلامية واُصول الإعتقادات، خصوصاً «المبدأ» و
«المعاد» و «النبوّة». فأغلب بحوثها تحوم حول تلكم الموضوعات، لحاجة المسلمين
لبلورة اُمور العقيدة في مكّة، وإعدادهم للإنتقال إلى فروع الدين، وتشكيل
الحكومة، وتطبيق كافّة البرامج الإسلامية. |
|
فضيلة
هذه السورة:
|
|
يلاحظ في الروايات تعبيرات
ملفتة حول أهميّة هذه السورة وأهميّة قراءتها. من جملتها ما ورد في حديث عن
الرّسول (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «من قرأ سورة سبأ لم يبق نبيّ ولا رسول
إلاّ كان له يوم القيامة رفيقاً ومصافحاً»( مجمع
البيان، بداية سورة سبأ، المجلّد 8، صفحة 375..) |
|
الآيتان(1) (2)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّمَوَتِ وَمَا فِي الاَْرْضِ وَلَهُ
الْحَمْدُ فِى الاْخِرَةِ
|
|
الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّمَوَتِ وَمَا فِي الاَْرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِى
الاْخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ(1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الاَْرْضِ
وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا
وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ(2) |
|
التّفسير |
|
هو
المالك لكلّ شيء والعالم بكلّ شيء:
|
|
خمس سور من القرآن الكريم إفتتحت «بحمد
الله»، وإرتبط (الحمد) في ثلاثة منها
بخلق السموات والأرض وهي (سبأ وفاطر والأنعام) بينما كان
مقترناً في سورة الكهف بنزول القرآن على قلب الرّسول الأكرم (ص)، وجاء في سورة
الفاتحة تعبيراً جامعاً شاملا لكلّ هذه الإعتبارات (الحمد
لله ربّ العالمين). على كلّ حال، الحمد والشكر لله تعالى في مطلع سورة سبأ هو في قبال
مالكيته وحاكميته تعالى في الدنيا والآخرة. وكذلك فإنّ الإنسان قد يغفل في هذه الدنيا فيحمد بعض المخلوقات، متوهماً
إستقلالها، إلاّ أنّه في الآخرة، وحيث يتّضح إرتباط الكلّ به تعالى كإرتباط
أشعّة الشمس بقرصها، فإنّ الإنسان لن يؤدّي الحمد والثناء إلاّ لله سبحانه. |
|
الآيات(3) (5)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّى
لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَلِمِ الْغَيْبِ
|
|
وَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ
عَلِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّة فِى السَّمَوَتِ وَلاَ
فِى الاَْرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِى كِتَب
مَّبِين (3)لِّيَجْزِىَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ أُوْلَئِكَ
لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ(4) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِى ءَايَتِنَا
مُعَجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْز أَلِيمٌ(5) |
|
التّفسير |
|
أقسم
بالله لتأتينكم القيامة:
|
|
تتعرّض الآيات مورد البحث إلى
موضع التوحيد وصفات الله في نفس الوقت الذي تهيء أرضيّة لموضوع المعاد، لأنّ
مشكلات (بحث المعاد) لا يمكن حلّها إلاّ عن طريق العلم اللامتناهي للباريّ
عزّوجلّ، كما سنرى. ويريدون بذلك الفكاك والتحرّر
من قيود هذه الإعتقادات; الحساب والكتاب والعدل والجزاء، ليرتكبوا ما يحلوا لهم
من الأعمال. وقد ورد نظير هذا التعبير في الآيات الثالثة والرّابعة من سورة (ق) في قوله
تعالى: (أإذا متنا وكنا تراباً ذلك رجع بعيد، قد علمنا
ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ). |
|
الآيات(6) (9)
وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ
هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِى إِلَى صِرَطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ
|
|
وَيَرَى الَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ
وَيَهْدِى إِلَى صِرَطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(6) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا
هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُل يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّق
إِنَّكُمْ لَفِى خَلْق جَدِيد(7) أَفْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أَم بِهِ
جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاْخِرَةِ فِى الْعَذَابِ
وَالضَّلَلِ الْبَعِيدِ(8) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا
خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالاَْرْضِ إِن نَّشَأَ نَخْسِفْ بِهِمْ الاَْرْضَ
أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاَيَةً
لِّكُلِّ عَبْد مُّنِيب(9) |
التّفسير |
|
العلماء
يرون دعوتك إنّها حقّ:
|
|
كان الحديث في الآيات السابقة
عن عمي البصائر، المغفّلين الذين أنكروا المعاد مع كلّ تلك الدلائل القاطعة،
وسعوا سعيهم لتكذيب الآيات الإلهية، وإضلال الآخرين. وعلى هذا، فإنّ الآيات مورد البحث، تتحدّث عن العلماء والمفكّرين
الذين صدّقوا بآيات الله وسعوا سعيهم لتشجيع الآخرين
على التصديق بها، يقول تعالى: (ويرى الذين
اُوتوا العلم الذي اُنزل إليك من ربّك هو الحقّ ويهدي إلى صراط العزيز الحميد). ولكونه كذلك فهو يهدي إلى
صراط الله، الله «العزيز» و «الحميد» أي أنّه تعالى الأهل لكلّ حمد وثناء وفي
ذات الوقت فانّ قدرته غاية القدرة والغلبة، وليس هو كأصحاب القدرة من البشر الذي
يتعامل منطلقاً من كونه على عرش القدرة بالدكتاتورية والظلم والتجاوز والتلاعب. وإستخدامهم لكلمة (رجل) بصيغة
النكرة في تعبيرهم عن الرّسول (ص) يقصد منه التحقير «وحاشاه». وثانيهما: مئات الآلاف من الأحجار الصغيرة والكبيرة السابحة في
الفضاء الخارجي تنجذب نحو الأرض يومياً بفعل جاذبيتها، ولولا إحتراقها نتيجة
إصطدامها بالغلاف الغازي، لكنّا هدفاً «لمطر حجري» بشكل متواصل ليل نهار،
وأحياناً تكون أحجامها وسرعتها وقوّتها إلى درجة أنّها تتخطّى ذلك المانع وتنطلق
باتّجاه الأرض لتصطدم بها. وهذا واحد من الأخطار السماوية، وعليه فإذا كنّا نعيش
وسط هذين المصدرين الرهيبين للخطر، بمنتهى الأمن والأمان بأمر الله، أفلا يكفي
ذلك لأن نتوجّه إلى جلال قدرته العظيمة ونسجد تعظيماً وطاعة له!!. |
|
|
الآيتان(10)
(11) وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا يَجِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ
وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ
|
|
وَلَقَدْ
ءَاتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا يَجِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ وَالطَّيْرَ
وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ(10) أَنِ اعْمَلْ سَبِغَت وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ
وَاعْمَلُوا صَلِحاً إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(11) |
|
التّفسير |
|
المواهب
الإلهية العظيمة لداود:
|
|
بناء على ما مرّ ذكره في آخر
المجموعة السابقة من الآيات وما قلناه حول «العبد المنيب» والثواب. ولعلمنا بأنّ هذا الوصف قد ذكر للنبي داود (ع) (في الآية 24 من
سورة ص) ـ كما سيرد شرحه بإذن الله ـ فالأفضل من أن نتعرّض لجانب من حياة
هذا النّبي (ع) كمثال للإنابة والتوبة وإكمال البحث
السابق. وهي أيضاً تنبيه لكل من يغمط نعم الله ويتناساها، ويتخلّى عن
عبوديته لله عند جلوسه على مسند القدرة والسلطة. فقد شُمل داود بالمواهب
العظيمة سواء من الناحية المادية أو المعنوية،
وقد تعرّض القرآن الكريم مراراً لذكرها. |
|
الآيات(12) (14)
وَلِسُلَيْمَنَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا
لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ
|
|
وَلِسُلَيْمَنَ
الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ
الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن
يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ(12)
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَرِيبَ وَتَمَثِيلَ وَجِفَان كَالْجَوَابِ
وَقُدُورِ رَّاسِيَت اعْمَلُوا ءَالَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ
الشَّكُورُ(13) فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْه الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى
مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الاَْرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ
تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِى
الْعَذَابِ الْمُهِينِ(14) |
|
التّفسير |
|
هيبة
سليمان وموته العبرة!!
|
|
بعد الحديث عن المواهب التي
أغدق الله بها على داود (ع) تنتقل الآيات إلى الحديث عن إبنه سليمان (ع)، وفي
حين أنّ الآيات السابقة أشارت إلى موهبتين تخصّان داود، فهذه الآيات تشير إلى ثلاث مواهب عظيمة خُصّ بها إبنه سليمان(عليه السلام) يقول تعالى: (ولسليمان الريح غدوّها شهر ورواحها شهر)( «لسليمان» جار ومجرور متعلّق بفعل مقدّر تقديره «سخّرنا» كما
يفهم بقرينة الآيات السابقة، وقد صُرّح بذلك في الآية (36) من سورة ص. التي قال
فيها سبحانه وتعالى: (فسخّرنا له الريح). وبعض المفسّرين يعتقد بأنّ (اللام) في
(لسليمان) للتخصيص، إشارةً إلى أنّ المعجزة إختصّ بها سليمان ولم يشاركه فيها
أحد من الأنبياء.). وهذا الموضوع لا يختّص فقط بعصر سليمان (عليه السلام) وحكومته، فالإلتفات
إليه ومراعاته من الضروريات اليوم وغداً، وفي كلّ مكان لأجل إدارة الدول بطريقة
صحيحة. |
|
بحوث
|
1 ـ صور من حياة
سليمان (عليه السلام):
|
|
على عكس «التوراة»
الموجود اليوم والتي صوّرت «سليمان» أحد السلاطين الجبابرة وباني معابد الأوثان الضخمة ومستهتر النساء ـ يعدّ
القرآن الكريم «سليمان» من أنبياء الله العظام ونموذج للحكومة والقدرة المنقطعة
النظير، وقد أعطى القرآن الكريم بعرضه البحوث المختلفة المتعلّقة بسليمان دروساً
للبشر هي الأساس من ذكر قصّته. وقد قام سليمان (ع)
بالإستفادة من المواهب المذكورة، ببناء المعابد الضخمة، وترغيب الناس بالعبادة،
وكذلك فقد نظّم برامج واسعة لإستضافة أفراد جيشه وعمّاله وسائر الناس في مملكته.
ومن الأواني التي مرّ ذكرها يمكننا تخيّل أكثر من ذلك. |
|
2 ـ لماذا خفي
موت سليمان مدّة من الزمن؟
|
|
كم هي المدّة التي ظلّ فيها
موت سليمان مخفياً عن حكومته، هل كانت سنة، أم شهراً، أم عدّة أيّام؟ إختلف
المفسّرون حول هذا الموضوع. «وأولع سليمان بنساء غريبات كثيرات فضلا عن إبنة فرعون، فتزوّج نساء موآبيات وعمّونيّات
وأدوميات وصيدونيات وحثيات، وكلّهنّ من بنات الاُمم التي نهى الربّ بني إسرائيل
عن الزواج منهنّ قائلا لهم: «لا تتزوّجوا منهم ولا هم منكم لأنّهم يغوون قلوبكم
وراء آلهتهم» ولكن سليمان التصق بهنّ لفرط محبّته لهنّ، فكانت له سبع مائة زوجة، وثلاث مئة محضية،
فانحرفن بقلبه عن الربّ فاستطعن في زمن شيخوخته أن
يغوين قلبه وراء آلهة اُخرى، فلم يكن قلبه
مستقيماً مع الربّ إلهه كقلب داود أبيه،
وما لبث أن عبد عشتاروت آلهة الصيدونيين وملكوم إله العمونيين البغيض، وإرتكب
الشرّ في عيني الربّ، ولم يتّبع سبيل الربّ بكمال كما فعل أبوه داود، وأقام على
تلّ شرقي اورشليم مرتفعاً تكموش إله الموآبيين الفاسق. ولمولك إله بني عمون
البغيض، وشيّد مرتفعات لجميع نسائه الغربيات، اللواتي رحن يوقدن البخور عليها،
ويقربن المحرّقات لآلهتهنّ فغضب الربّ على سليمان
لأنّ قلبه ضلّ عنه مع أنّه تجلّى له مرّتين ونهاه عن
الغواية وراء آلهة اُخرى، فلم يطع وصيّته، لهذا
قال الله لسليمان! لأنّك إنحرفت عنّي ونكثت عهدي، ولم تطع فرائضي التي
أوصيتك بها، فانّي حتماً اُمزّق أوصال مملكتك واُعطيها لأحد عبيدك، إلاّ أنّني
لا أفعل ذلك في أيّامك، من أجل داود أبيك، بل من يد إبنك اُمزّقها، غير أنّي
اُبقي له سبطاً واحداً يملك عليه إكراماً لداود عبدي ...» (التوراة كتاب الملوك الأوّل ـ الفصل 11 ـ 12 ـ زوجات
سليمان.). |
|
|
من
مجموع هذه القصّة الخرافية للتوراة يتّضح ما يلي:
|
|
1 ـ إنّ
سليمان كان يحبّ كثيراً النساء الوثنيات، وتزوّج بكثير منهنّ على خلاف أوامر
الله تعالى، وتدريجيّاً مال إلى دينهنّ، وبالرغم من كثرة نسائه (700 زوجة و300 محضية) فانّ حبّه لهنّ أدّى إلى
إنحرافه عن طريق الحقّ (نعوذ بالله). 2 ـ إنّ سليمان
أمر بصراحة ببناء معابد للأوثان فوق الجبل المقابل لأورشليم المركز الديني
المقدّس لبني إسرائيل، وأحد المعابد كان لصنم «كموش» الذي يعبده الموآبيون،
والآخر لصنم «عشترون» الذي كان يعبده الصيداويون. وكلّ ذلك حدث في أيّام
شيخوخته. |
|
4 ـ وقليل من
عبادي الشكور
|
|
قبل كلّ شيء يلزم البحث في
الأصل اللغوي لكلمة «شُكر». والشكر ثلاثة أضرب: شكر القلب، وهو تصوّر النعمة. وشكر اللسان، وهو الثناء
على المنعم، وشكر سائر الجوارح، وهو مكافأة النعمة بقدر إستحقاقها. |
|
الآيات((15) (17)
لَقَدْ كَانَ لِسَبَإِ فِى مَسْكَنِهِمْ ءَايَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِين وَشِمَال
كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ
|
|
لَقَدْ كَانَ
لِسَبَإِ فِى مَسْكَنِهِمْ ءَايَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِين وَشِمَال كُلُوا مِن
رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ
(15)فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَهُم بِجَنَّتَيْهِمْ
جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ أُكُل خَمْط وَأَثْل وَشَىْء مِّن سِدْر قَلِيل(16)
ذَلِكَ جَزَيْنَهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَزِى إِلاَّ الْكَفُورَ(17) |
|
التّفسير |
|
المدينة
الراقية التي أضاعها الكفران:
|
|
بعد أن تطرّقت الآيات السابقة
إلى توضيح النعم الإلهية العظيمة التي أولاها الله داود وسليمان (ع)، وأداء هذين
النّبيين العظيمين وظيفتهما بالشكر، تنتقل الآيات أعلاه إلى الحديث عن قوم آخرين
يمثّلون الموقف المقابل للموقف السابق، ويحتمل أن يكونوا قد عاصروا داود وسليمان
أو عاشوا بعدهما بفترة قليلة .. قوم شملهم الله بأنواع النعم، ولكنّهم سلكوا
طريق الكفران، فسلبهم الله ذلك، ومزّقهم شرّ ممزّق، حتّى أصبح ما حلّ بهم عبرةً
للعالمين، اُولئك كانوا «قوم سبأ». |
|
الآيتان(18) (19)
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِى بَرَكْنَا فِيهَا قُرىً
ظَهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ
|
|
وَجَعَلْنَا
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِى بَرَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَهِرَةً وَقَدَّرْنَا
فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِىَ وَأَيَّاماً ءَامِنِينَ(18)
فَقَالُوا رَبَّنَا بَعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ
فَجَعَلْنَهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَهُمْ كُلَّ مُمَزَّق إِنَّ فِى ذَلِكَ
لاَيَت لِّكُلِّ صَبَّار شَكُور(19) |
|
التّفسير |
|
(فجعلناهم أحاديث
ومزّقناهم كلّ ممزّق !!)
|
|
تعود هذه الآيات إلى قصّة قوم
سبأ مرّة اُخرى، وتعطي شرحاً وتفصيلا أكثر حولهم وحول العقاب الذي حلّ بهم.
ليكون درساً بليغاً وتربوياً لكلّ سامع. |
|
بحوث
|
|
1 ـ المصير
المذهل لقوم سبأ!!
|
|
يستفاد ممّا ورد في القرآن
الكريم والروايات، وكذلك كتب التاريخ، بأنّ «قوم سبأ» كانوا يقطنون جنوب
الجزيرة، وكانت لهم حكومة راقية، وحضارة خلاّبة. |
|
2 ـ الإعجاز
القرآني التأريخي
|
|
أورد القرآن الكريم قصّة «قوم
سبأ» في الوقت الذي كان المؤرخّون لا يعلمون شيئاً عن وجود هؤلاء القوم، وعن مثل
تلك المدنيّة. والملفت للنظر أنّ المؤرخّين قبل الإكتشافات الحديثة، لم يذكروا
شيئاً حول سلسلة ملوك سبأ والمدنية العظيمة لهم، وإعتقدوا فقط بأنّ (سبأ) هو شخص
إفتراضي، عرف كأب مؤسّس لدولة «حمير»، في حين أنّ القرآن الكريم أفرد سورة كاملة
باسم هؤلاء القوم وأشار إلى أحد مظاهر مدينتهم وهو بناؤهم (لسدّ مأرب) التأريخي. 5 ـ آخر ما نروم الإشارة إليه، هو أنّ ذلك المصير العجيب يثبت مرّة اُخرى
حقيقة أنّ (الموت) مخفي في جوهر حياة الإنسان، ونفس الشيء الذي يكون سبباً لحياة
الإنسان وعمرانها يوماً، يكون عامل موته وهلاكه في يوم آخر. |
|
الآيتان(20) (21)
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً
مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ
|
|
وَلَقَدْ صَدَّقَ
عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ
الْمُؤْمِنِينَ(20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَن إِلاَّ لِنَعْلَمَ
مَن يُؤْمِنُ بِالاْخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِى شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى
كُلِّ شَىْء حَفِيظٌ(21) |
|
التّفسير |
|
لا
أحد مجبر على اتّباع الشّيطان:
|
|
هذه الآيات في الحقيقة تمثّل
نوعاً من الإستنتاج العام من قصّة «قوم سبأ» التي مرّت في الآيات السابقة،
ورأينا كيف أنّهم بإستسلامهم لهوى النفس ووسوسة الشيطان، أصبحوا معرضاً لكلّ تلك
الخيبة وسوء التوفيق. |
|
الآيات(22) (27) قُلِ
ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّة
فِى السَّمَوَتِ وَلاَ فِى الاَْرْضِ
|
|
قُلِ ادْعُوا
الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّة فِى
السَّمَوَتِ وَلاَ فِى الاَْرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْك وَمَا لَهُ
مِنْهُم مِّن ظَهِير(22) وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ
أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ
رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ(23) قُلْ مَن
يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ قَلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ
لَعَلَى هُدىً أَوْ فِى ضَلَل مُّبِين(24) قُل لاَّ تُسْئَلُونَ عَمَّا
أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ(25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا
رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ
الْعَلِيمُ(26) قُلْ أَرُونِىَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُم بِهِ شُرَكَاءَ كَلاَّ
بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(27) |
|
التّفسير |
|
نبئوني
لماذا؟
|
|
قلنا في بداية
السورة بأنّ هناك مجموعة من آياتها تتحدّث حول المبدأ والمعاد
والإعتقادات الحقّة، ومن ربطها مع بعضها نحصل على حقائق جديدة. في هذا المقطع من الآيات يجرّ القرآن المشركين في الواقع إلى المحاكمة،
وبالضربات الماحقة للأسئلة المنطقية، يحشرهم في زاوية ضيّقة، ثمّ يبيّن تفسّخ
منطقهم الواهي بخصوص شفاعة الأصنام. |
|
بحث
|
|
طريق
تسخير القلوب:
|
|
كثيراً ما يلاحظ أفراد فضلاء
وعلى مستوى من العلم والمعرفة، لا يمكنهم النفوذ في أفكار الآخرين، لعدم
إطّلاعهم على الفنون الخاصّة بالبحث والإستدلال، وعدم رعايتهم للجوانب النفسية،
على عكس البعض الآخر الذين ليسوا على وفرة من العلم، إلاّ أنّهم موفّقين من
ناحية جذب القلوب وتسخيرها والنفوذ في أفكار الآخرين. والقرآن الكريم علّمنا كيفية مزج البحوث
المنطقية بالاُصول الأخلاقية في المحاورة، حتّى تنفذ في أرواح الآخرين. |
|
الآيات(28) (30)
وَمَا أَرْسَلْنَكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
|
|
وَمَا أَرْسَلْنَكَ
إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ
يَعْلَمُونَ(28) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ(29)
قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْم لاَّ تَسْتَئْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ
تَسْتَقْدِمُونَ(30) |
|
التّفسير |
|
الدّعوة
العالمية:
|
|
الآية الاُولى من هذه الآيات،
تتحدّث في نبوّة الرّسول (صلى الله عليه وآله)، والآيات التي تليها تتحدّث حول
الميعاد، ومع الأخذ بنظر الإعتبار أنّ الآيات السابقة تحدّثت عن التوحيد، نصبح
أمام مجموعة كاملة من بحوث العقائد، تتناسب مع كون السورة مكية. |
|
الآيات(31) (33)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْءَانِ وَلاَ بِالَّذِى
بَيْنَ يَدَيْهِ
|
|
وَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْءَانِ وَلاَ بِالَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ
وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّلِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ
بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْض الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ
اسْتَكْبَرُوا لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ(31) قَالَ الَّذِينَ
اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَكُمْ عَنِ الْهُدَى
بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ(32) وَقَالَ الَّذِينَ
اسْتُضْعِفُوا لِلَّذينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ
تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا
النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الاَْغْلَلَ فِى أَعْنَاقِ
الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(33) |
|
التّفسير |
|
لمناسبة البحث الوارد في
الآيات السابقة، حول مواقف المشركين إزاء مسألة المعاد، تعرّج هذه الآيات إلى
تصوير بعض فصول المعاد المؤلمة لهؤلاء المشركين كي يقفوا على خاتمة أعمالهم. أوّلا، يقول تعالى: (وقال الذين كفروا
لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه). أي ولا بالكتب السماوية
السابقة. |
|
الآيات(34) (38)
وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَة مِّن نَّذِير إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا
بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَفِرُونَ
|
|
وَمَا أَرْسَلْنَا
فِى قَرْيَة مِّن نَّذِير إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم
بِهِ كَفِرُونَ(34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَلا وَأَوْلَداً وَمَا
نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ(35) قُلْ إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ
وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ(36) وَمَا أَمْوَلُكُمْ
وَلاَ أَوْلَدُكُم بِالَّتِى تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ
ءَامَنَ وَعَمِلَ صَلِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا
وَهُمْ فِى الْغُرُفَتِ ءَامِنُونَ(37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِى ءَايَتِنَا
مُعَجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِى الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ(38) |
|
التّفسير |
|
الأموال
والأولاد ليست دليلا على القرب من الله ..
|
|
بعد أن كان الحديث في الآيات
السابقة في الغاوين من المستكبرين، فإنّ جانباً آخر من هذا المبحث تعكسه الآيات
أعلاه بطريقة اُخرى، وتقدّم المواساة أيضاً للرسول (ص) ضمن إشارتها بأن لا تعجب
إذا خالفك المخالفون، فإنّ المستكبرين المرفّهين
طبعوا على مخالفة أنبياء الحقّ، فتقول الآية المباركة: (وما
أرسلنا في قرية من نذير إلاّ قال مترفوها إنّا بما اُرسلتم به كافرون). |
|
بحث
معايير التقييم:
|
|
من القضايا المهمّة في حياة
الأفراد والمجتمعات هي قضيّة «معايير التقييم» و «نظام القيم» الذي يتحكّم
بثقافة ذلك المجتمع. لأنّ كلّ الحركات الصادرة عن الأفراد والجماعات في حياتهم
إنّما تنبع من هذا النظام وتهدف إلى خلق تلك القيم. |
|
الآيات(39) (42) قُلْ
إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ
|
|
قُلْ إِنَّ رَبِّى
يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا
أَنفَقْتُم مِّن شَىْء فَهُوَ يَخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّزِقِينَ(39)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَئِكَةِ أَهَؤُلاَءِ
إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ(40) قَالُوا سُبْحَنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن
دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ(41)
فَالْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْض نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً وَنَقُولُ
لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِى كُنتُم بِهَا
تُكَذِّبُونَ(42) |
|
التّفسير |
|
نفور
المعبودين من عابديهم:
|
|
تعود هذه الآيات لتؤكّد مرّة
اُخرى خطأ الذين يتوهمون بأنّ أموالهم وأولادهم سبب لقربهم من الله فتقول: (قل إنّ ربّي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له). فمع أنّ محتوى هذه الآية يؤكّد ما عرضته الآيات السابقة إلاّ أنّ هناك ما هو
جديد من جهتين: ولا يريد جزاءاً على ما يعطيه لأنّه غني بذاته. ويعطي إبتداءً، لأنّه حكيم
وعالم بكلّ شيء. بل الحقيقة أنّه ليس من رزّاق غيره، لأنّ أي معط إنّما يعطي
ممّا رزقه الله، وبذا فهو ليس سوى «واسطة إنتقال» لا رزّاقاً. لقد إختارت الملائكة في الحقيقة أكثر الأجوبة
شمولية وأعظمها أدباً (قالوا سبحانك أنت وليّنا من
دونهم بل كانوا يعبدون الجنّ أكثرهم بهم مؤمنون). |
|
بحوث:1
ـ الإنفاق سبب النماء ـ 2 ـ أمّنوا على أموالكم بتأمين إلهي!! 3 ـ سعة مفهوم
الإنفاق:
|
|
التعبير الوارد في
الآية السابقة يحتوي على معان جمّة: |
|
الآيات(43) (45)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَتُنَا بَيِّنَت قَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ
رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ
|
|
وَإِذَا تُتْلَى
عَلَيْهِمْ ءَايَتُنَا بَيِّنَت قَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن
يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ
إِفْكٌ مُّفْتَرىً وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ
هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ(43) وَمَا ءَاتَيْنَهُم مِّن كُتُب يَدْرُسُونَهَا
وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِير(44) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن
قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا ءَاتَيْنَهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِى
فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ(45) |
|
التّفسير |
|
بأيِّ
منطق ينكرون آيات الله:
|
|
تعود هذه الآيات
لتكمل البحث الذي تناولته الآيات السابقة
حول المشركين الكفّار وأقوالهم يوم القيامة، فتتحدّث حول وضع هؤلاء في الدنيا
ومواقفهم عند سماعهم القرآن حتّى يتّضح أنّ
مصيرهم الاُخروي المشؤوم إنّما هو نتاج تلك المواقف الخاطئة التي اتّخذوها إزاء
آيات الله في الدنيا. ولكن تاريخ الإسلام شاهد على أنّ أيّاً من هذه المخطّطات الشيطانية لم تكن
ذات أثر، وكانت النتيجة أن دخل الناس في هذا الدين العظيم فوجاً بعد فوج. |
|
الآية(46) قُلْ
إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَحِدَة أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَدَى ثُمَّ
تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّة
|
|
قُلْ إِنَّمَا
أَعِظُكُم بِوَحِدَة أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَدَى ثُمَّ
تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّة إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُم
بَيْنَ يَدَىْ عَذَاب شَدِيد(46) |
|
التّفسير |
|
الثّورة
الفكرية أساس لأيّ ثورة أصيلة:
|
|
في هذا المقطع من الآيات
والآيات التالية، والتي تشكّل أواخر سورة سبأ المباركة، يؤمر الرّسول الأكرم (ص)
مرّة اُخرى بدعوة هؤلاء بالأدلّة المختلفة ليؤمنوا بالحقّ، ويرجعوا عن ضلالهم،
وكما مرّ في البحوث السابقة فقد خوطب الرّسول (صلى الله
عليه وآله) خمس مرّات بأن قيل له (قل ...). |
|
ملاحظتان
|
|
1 ـ إستقلال آيات
القرآن الكريم وتفسيرها المنحرف.
|
|
لقد إتّضح لدينا من خلال
تفسير الآية الأخيرة بأنّ الأصنام والأوثان وما يعبد من دون الله تعالى ليس لها
آذان صاغية لما يُطلب منها، وإن كان لها فهي غير قادرة على حلّ مشكلة ما، وليس
لها في هذا العالم أيّ ملك ولو بقدر رأس الإبرة (إن
تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم) وعلى هذا الأساس اتّخذ الوهّابيون هذه الآية
ذريعة لهم للإدّعاء بأنّ كلّ شيء ما خلا الله جلّ وعلا ـ وإن كان نبيّاً ـ لا
يسمع دعاءً، وإن سمع فلا يجيب! كما رفضوا أي نوع من التوسّل بأرواح الأنبياء
والأئمّة والأولياء. واعتبروا ذلك مخالفاً للتوحيد محتجّين بقوله تعالى: (والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون). |
|
2 ـ جانب من
الروايات الإسلامية في التفكّر والتأمّل:
|
|
إهتّمت الرواية الإسلامية ـ
وعلى خطى القرآن الكريم ـ بمسألة التفكّر إلى حدّ أن جعلتها في المقام الأوّل من
الأهميّة، ويلاحظ المطالع للروايات تعبيرات جميلة ومعبّرة أوردنا نماذج منها
هنا: |
|
الآيات(47) (50) قُلْ
مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْر فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى اللهِ
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْء شَهِيدٌ
|
|
قُلْ مَا
سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْر فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ
عَلَى كُلِّ شَىْء شَهِيدٌ(47) قُلْ إِنَّ رَبِّى يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّمُ
الْغُيُوبِ(48) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ الْبَطِلُ وَمَا يُعِيدُ
(49)قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِى وَإِنِ اهْتَدَيْتُ
فَبَِما يُوحِى إِلَىَّ رَبِّى إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ(50) |
|
التّفسير |
|
وما
يبديء الباطل وما يعيد:
|
|
قلنا أنّ الله تعالى أمر
رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله) في هذه السلسلة من الآيات الكريمة خمس مرّات
بأن يخاطب هؤلاء الضالّين ويقطع عليهم طريق الإعتذار من كلّ جانب. والتعبير بـ «علاّم
الغيوب» يؤيّد هذا المعنى. |
|
الآيات(51) (54)
وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَان قَرِيب
|
|
وَلَوْ تَرَى إِذْ
فَزِعُوا فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَان قَرِيب (51)وَقَالُوا ءَامَنَّا
بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِ بَعِيد(52) وَقَدْ كَفَرُوا
بِهِ مِن قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَان بَعِيد(53) وَحِيلَ
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ
إِنَّهُمْ كَانُوا فِى شَكٍّ مُّرِيب(54) |
|
التّفسير |
|
ليس
للكافرين مفرّ:
|
|
الآيات الأخيرة من
سورة سبأ تعود إلى الحديث في المشركين المعاندين الذين مرّ الحديث
فيهم في الآيات السابقة عن طريق مخاطبة الرّسول الأكرم (صلى الله عليه
وآله)فتصوّر حال تلك المجموعة عند وقوعها في قبضة العذاب الإلهي، كيف تفكّر في
الإيمان، حين لا يكون لإيمانهم أدنى فائدة. نهاية تفسير سورة
سبأ |
|
|
|