- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
سُورَةُ
الفُرقانْ مَكيَّة وَ عَدَدُ آياتِها سَبْع وَسَبْعُونَ آية
|
|
«سورة
الفرقان» |
|
محتوى سورة الفرقان:
|
|
هذه السورة بحكم كونها من السور المكية(يُصر بعض المفسّرين على أن ثلاث آيات من هذه
السورة (68، 69، 70) نزلت في المدينة، ولعل ذلك لأنّ أحكاماً مثل قتل النفس والزنا، شُرِّعت في هذه
الآيات، في حين أن التدقيق في الآيات التي قبلها والتي بعدها، يكشف جيداً عن أنّ السياق واحد متصل ومنسجم تماماً حول (عباد الرحمن) وبيان أوصافهم، لذا فالظاهر أن السورة نزلت كلها في مكّة.، فإن أكثر ارتكازها على
المسائل المتعلقة بالمبدأ والمعاد، وبيان نبوة النّبي(ص)
والمواجهة مع الشرك والمشركين، والانذار من العواقب الوخيمة للكفر وعبادة
الأصنام والذنوب. فالقسم الأوّل في الحقيقة ـ يحدد مفهوم (لا إله)، والقسم الثّاني يحدد مفهوم (إلاّ الله). |
|
فضيلة
سورة الفرقان:
|
|
ورد في حديث عن النّبي أن «من
قرأ سورة الفرقان (و
تدبّر في محتواها وعمل بما ورد فيها) بعث يوم القيامة وهو مؤمن أن الساعة آتية لا ريب فيها،
وأن الله يبعث من في القبور».( مجمع البيان آخر الآية مورد البحث.) (أي مؤمن بأن الساعة...) |
|
الآيتان(1) (2)
تَبَارَكَ الَّذِى نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لَلْعَلَمِينَ
نَذيراً(1) الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَوَتِ والأَرْضِ
|
|
تَبَارَكَ الَّذِى
نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لَلْعَلَمِينَ نَذيراً(1)
الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَوَتِ والأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ
يَكُن لَّهُ شَريكٌ فِى الْمُلْكِ وخَلَقَ كُلَّ شَىْء فَقَدَّرَهُ
تَقْدِيراً(2) |
|
التّفسير |
|
المقياس الأعلى للمعرفة:
|
|
تبدأ هذه السورة بجملة
«تبارك» من مادة «بركة»، ونعلم أنّ الشيء ذو بركة، عبارة عن أنّه ذو دوام وخير
ونفع كامل. يقول تعالى: (تبارك الذي نزل الفرقان على
عبده ليكون للعالمين نذيراً).( ورد شرح كلمة «البركة» في ج 5، آخر الآية (54) من
سروة الأعراف، شرح اصل «البركة».) |
|
بحث
|
|
تقدير الموجودات بدقة:
|
|
ليس نظام العالم الدقيق
والمتقن ـ وحده ـ من الدلائل المحكمة على معرفة الله وتوحيده، فتقديراته الدقيقة
أيضاً دليل واضح آخر، أنّنا لا يمكن أن نعتبر مقادير موجودات هذا العالم
المختلفة، وكميتها وكيفيتها المحسوبة، معلولة للصدفة التي لا تتوافق مع حساب
الإحتمالات. |
|
الآيات(3) (6) وَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءَالِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ
شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ
|
|
وَ اتَّخَذُواْ مِن
دُونِهِ ءَالِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ
يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعَاً وَلاَ يَمْلِكونَ مَوْتاً ولاَ
حَيَوةً وَلاَ نُشُوراً(3) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّإفْكٌ
افْتَرِاهُ وَأَعَانَهُ عَليْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ فَقَدْ جَآءُو ظُلْماً
وَزُوراً (4)وَقَالُواْ أسَطِيرُ الاَْوَّلينَ اكْتَتَبَهَا فَهِى تُمْلَى
عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأصِيلا(5) قُلْ أنزَلَهُ الَّذِى يَعْلَمُ السِّرَّ فِى
السَّمَوتِ وَالاَْرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً(6) |
|
التّفسير |
|
الإِتهامات المتعددة الألوان:
|
هذه الآيات ـ في الحقيقة ـ تتمة للبحث الذي ورد في الآيات
السابقة، في مسألة المواجهة مع الشرك وعبادة الأوثان. ثمّ في الإدعاءات الواهية
لعبدة الأوثان، واتهاماتهم فيما يتعلق بالقرآن، وشخص النّبي ص. وهذا بالذات يدل على أن هذه
الآيات ليست من صنع عقل البشر، لأنّ الأمر لو كان كذلك، لكانوا يستطيعون بمعونة جماعة اليهود وأهل الكتاب أن يأتوا بمثلها. ومن هنا
فإنّ عجزهم دليل على كذبهم، وكذبهم دليل على ظلمهم. |
|
الآيات(7) (10)
وَقَالُواْ مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ االطَّعَامَ وَيَمْشِى فِى
الاَْسْوَاقِ لَوْلاَ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ
|
|
وَقَالُواْ مَالِ
هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ االطَّعَامَ وَيَمْشِى فِى الاَْسْوَاقِ لَوْلاَ
أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً(7) أَوْيُلْقَى إِلَيْهِ
كَنزٌ أَوْتَكوُنُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّلِمُونَ إِن
تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلا مَّسْحُوراً(8) انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ
الاَْمثَلَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا(9) تَبَارَكَ الَّذِى إِن
شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذَلِكَ جَنَّت تَجْرِى مِن تَحْتِهَا
الاَْنْهَرُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورا(10) |
|
|
سبب النّزول
|
|
في رواية عن الإِمام الحسن
العسكري(ع)، أنّه قال: قلت لأبي علي بن محمد(ع): هل كان
رسول الله (ص) يناظر اليهود والمشركين إذا
عاتبوه ويحاجّهم؟ قال: مراراً كثيرة وذلك أنّ رسول الله كان قاعداً ذات
يوم بفناء الكعبة، فابتدأ عبدالله بن أبي أمية المخزومي
فقال: يا محمد لقد أدّعيت دعوى عظيمة، وقلت مقالا هائلا، زعمت أنّك رسول ربّ العالمين، وما ينبغي لربّ العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشراً مثلنا،
تأكل كما نأكل وتمشي في الأسواق كما نمشي، فقال رسول الله: اللّهمّ أنت السامع
لكل صوت، والعالم بكلّ شيء، تعلم ما قاله عبادك فأنزل الله عليه: يا محمد: (وقالوا ما لهذا الرّسول...)إلى قوله تعالى (و يجعل لك قصوراً).( تفسير نور الثقلين، الجزء 4، الصفحة 6 .) |
|
التّفسير |
|
لم لا يملك هذا الرّسول كنوزاً وجنات؟!
|
|
عُرض في الآيات السابقة قسم
من إشكالات الكفار فيما يخص القرآن المجيد، وأجيب عليها، ويعرض في هذه الآيات
قسم آخر يتعلق بشخص الرّسول(ص) ويجاب عنها، فيقول تعالى: (وقالوا ما لهذا الرّسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق). حقّاً، إن مثلهم كمثل من يريد
أن يقف أمام استدلالاتنا المنطقية من خلال حفنة من الحجج، الواهية: فنقول من دون
الاجابة عليها بالتفصيل: انظر بأية ادعاءات واهية يريدون أن يقفوا معها أمام
الدليل المنطقي. |
|
الآيات(11) (16) بَلْ
كَذَّبُواْ بِالسَّاعَةِ وَاَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالسَّاعَةِ سَعِيراً
|
|
بَلْ كَذَّبُواْ
بِالسَّاعَةِ وَاَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالسَّاعَةِ سَعِيراً (11)إِذا
رَأَتْهُم مِّن مَّكَانِ بَعيد سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (12)
وَإِذَآ أُلْقُوأ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَواْ هُنَالِكَ
ثُبُوراً (13) لاَّ تَدْعُواْ الْيَوَمَ ثُبُوراً وَحِداً وَادْعُواْ ثُبُوراً
كَثِيراً(14) قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِى وُعِدَ
الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً وَمَصِيراً(15) لَّهُمْ فِيهَا مَا
يَشَآءُونَ خَلِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولا(16) |
|
التّفسير |
|
مقارنة بين الجنة والنار:
|
|
في هذه الآيات ـ على أثر
البحث في الآيات السابقة حول إنحراف الكفار في مسألة التوحيد والنّبوة ـ يتناول
القرآن الكريم قسماً آخر من انحرافاتهم في مسألة المعاد، ويتّضح مع بيان هذا
القسم أنّهم كانوا أسارى التزلزل والإِنحراف في تمام أصول الدين، في التوحيد،
وفي النبوة، وفي المعاد، حيث ورد القسمان الأولان
منه في الآيات السابقة، ونقرأ الآن القسم الثالث: وأمّا لماذا يقال لهم هنا: (لا تدعوا ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً)؟ ربّما
كان ذلك لأنّ عذابهم الأليم ليس مؤقتاً فينتهي بقول (واثبورا)
واحداً، بل ينبغي أن يرددوا هذه الجملة طيلة هذه المدة، علاوة على أنّ العقوبات
الإِلهية لهؤلاء الظالمين المجرمين متعددة الألوان، حيث يرون الموت أمام أعينهم
إزاء كل مجازاة، فتعلوا أصواتهم بـ (واثبورا)،
فكأنّهم يموتون ثمّ يحيون وهكذا. |
|
الآيات(17) (19) وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ
مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقوُلُ ءَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِى
|
وَ يَوْمَ
يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقوُلُ ءَأَنتُمْ
أَضْلَلْتُمْ عِبَادِى هَؤُلآءِ أَمْ هُمْ ضَلُّواْ السَّبِيلَ(17) قَالُواْ
سُبحَنَكَ مَا كاَنَ يَنبَغِى لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ
أَوْلِيَآءَ وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَءَابِآءَهُمْ حَتَّى نَسُواْ الذِّكْرَ
وَكانُواْ قَوْمَا بُوراً(18) فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقوُلوُنَ فَمَا
تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً ولاَنَصْراً وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً
كَبِيراً(19) |
|
التّفسير |
|
المحاكمة بين المعبودين وعبدتهم الضالين:
|
|
كان الكلام في الآيات السابقة
حول مصير كل من المؤمنين والمشركين في القيامة وجزاء هذين الفريقين، وتواصل هذه
الآيات نفس هذا الموضوع بشكل آخر، فتبيّن السؤال الذي يسأل الله عنه معبودي
المشركين في القيامة وجوابهم، على سبيل التحذير، فيقول تعالى أولا: واذكر يوم
يحشر الله هؤلاء المشركين وما يعبدون من دون الله: (و
يوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله). ففي الإجابة: (قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء). |
|
|
مسائل مهمة:
|
|
1
ـ من هم المقصودون بالمعبودين هنا!؟
|
|
في الإجابة على هذا
السؤال، هناك تفسيران بين المفسّرين المعروفين: |
|
2
ـ دافع الإنحراف عن أصل التوحيد
|
|
المهم هو أنّ المعبودين
يعدّون العامل الأصلي لانحراف هذا الفريق من المشركين هو (الحياة المرفهة) لهم، ويقولون، إلهنا، متّعتَ هؤلاء
وآباءَهم من نعم هذه الحياة، وهذا هو بالذات كان سبب نسيانهم، فبدلا من أن
يعرفوا واهب هذه النعم فيشكرونه ويطيعونه، توغلوا في دوامة الغفلة والغرور. |
|
3
ـ كلمة «بور».
|
|
«بور»
من مادة «بوار» وهي في الأصل بمعنى شدّة
كساد الشيء، ولأنّ شدّة الكساد تبعث على الفساد، كما جاء في المثل العربي «كسد
حتى فسد»، فهذه الكلمة بمعنى الفساد، ثمّ أُطلقت بعد هذا على الهلاك، ولهذا
يقولون للأرض الخالية من الشجر والورد والنبات، والتي هي في الحقيقة فاسدة وميتة
كلمة «بائر». |
|
الآية(20) وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلينَ
إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِى الاَْسْواقِ
|
|
وَمَآ أَرْسَلْنَا
قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ
وَيَمْشُونَ فِى الاَْسْواقِ وَجَعَلْنَابَعْضَكُمْ لِبَعْض فِتْنَةً
أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً(20) |
|
سبب النّزول
|
|
أورد جماعة من المفسّرين وأصحاب السير كابن إسحاق في سيرته في سبب نزول
هذه الآية «أن سادات قريش «عتبة بن ربيعة» وغيره
اجتمعوا معه(ص)فقالوا: يا محمد، إن كنت تحبّ الرياسة وليناك علينا، وإن كنت تحبّ
المال جمعنا لك من أموالنا، فلما أبى رسول الله(ص) عن
ذلك، رجعوا في باب الإحتجاج معه فقالوا:
ما بالك وأنت رسول الله تأكل الطعام، وتقف بالأسواق! فعيّروه بأكل الطعام،
لأنّهم أرادوا أن يكون الرّسول ملكاً، وعيّروه بالمشي في الأسواق حين رأوا
الأكاسرة والقياصرة والملوك والجبابرة يترفعون عن الأسواق، وكان(ص)يخالطهم في أسواقهم، ويأمرهم وينهاهم، فقالوا:
هذا يريد أن يتملك علينا، فما له يخالف سيرة الملوك؟ فأجابهم الله بقوله، وأنزل
على نبيّه: (وما
أرسلنا من قبلك من المرسلين إلاّ أنّهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق)فلا
تغتم ولا تحزن، فأنّها شكاة ظاهرٌ عنك عارُها».( وإن كان قد جاء مضمون الرواية أعلاه في كثير من
التفاسير، ولكن ما ذكرناه أعلاه مطابق للرواية التي أوردها القرطبي في تفسيره
«الجامع لأحكام القرآن»ج 13، ص 5 دار إحياء التراث العربي / بيروت.) |
|
التّفسير |
|
هكذا كان جميع الأنبياء
|
|
في عدّة آيات سابقة وردت
واحدة من ذرائع المشركين بهذه الصيغة: لماذا يأكل رسول الله الطعام، ويمشي في
الأسواق؟ وأجيب عليها بجواب إجمالي ومقتضب، أمّا الآية مورد البحث فتعود إلى نفس
الموضوع لتعطي جواباً أكثر تفصيلا وصراحة، فيقول تعالى: (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلاّ أنّهم ليأكلون الطعام ويمشون في
الأسواق) فقد كانوا من البشر ويعاشرون الناس، وفي ذات الوقت (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة) وامتحاناً. وهل أن الفريق الأوّل يؤدي مسؤوليته وتعهده إزاء الفريق الثّاني، أم لا؟! و الجواب: |
|
الآيات(21) (24)
وَقَالَ الَّذِينَ لاَيَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا
الْمَلَئِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا
|
|
وَقَالَ الَّذِينَ
لاَيَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَئِكَةُ أَوْ نَرَى
رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُواْ فِى أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوَّاً كَبيراً(21)
يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَئِكَةَ لاَبُشْرَى يَوْمَئِذ لِّلْمُجْرِمِينَ
وَيَقوُلُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً(22) وَقَدِمْنآ إِلَى مَا عَمِلوُاْ مِنْ
عَمَل فَجَعَلْنَهُ هَبَآءً مَّنثُوراً(23) أَصْحَبُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذ
خَيْرٌ مُّستَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلا(24) |
|
التّفسير |
|
الإدعاءات الكبيرة:
|
|
قلنا أنّ المشركين يصرون على
الفرار من ثقل التعهدات والمسؤوليات التي يضعها على عواتقهم الإيمان بالله
واليوم الآخر، فكانوا يقولون تارةً: لماذا يحتاج الرّسول إلى الطعام ويمشي في
الأسواق؟ حيث قرأنا الإجابة عليها في الآيات السابقة. |
|
آفات العمل الصالح:
|
|
كلمة «هباء» بمعنى ذرات الغبار الصغيرة جدّاً التي لا تُرى بالعين
المجرّدة وفي الحال العادية أبداً إلاّ في الوقت الذي يدخل نور الشمس إلى الغرفة
المظلمة من ثقب أو كُوّة، فيكشف عن هذه الذرات ويمكن مشاهدتها. |
|
الآيتان(25) (26) وَ
يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَآءُ بِالْغَمَمِ وَنُزِّلَ الْمَلَئِكَةُ تَنزِيلا
|
|
وَ يَوْمَ
تَشَقَّقُ السَّمَآءُ بِالْغَمَمِ وَنُزِّلَ الْمَلَئِكَةُ تَنزِيلا
(25)الْمُلْكُ يَوْمَئِذ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وكَانَ يَوْماً عَلَى
الْكَفِرِينَ عَسِيراً(26) |
|
التّفسير |
|
تشقق السماء بالغمام:
|
|
مرّة أخرى يواصل القرآن في
هذه الآيات البحث حول القيامة، ومصير المجرمين في ذلك اليوم، فيقول أوّلا: إن
يوم محنة وحزن المجرمين هو ذلك اليوم الذي تنشق فيه السماء بواسطة الغيوم:(ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا).( جملة «يوم تشقق السماء» هذه الآية ـ في الحقيقة ـ ردّ
على طلبات المشركين، وعلى إحدى ذرائعهم، لأنّهم كانوا يتوقعون أن يأتي الله
والملائكة ـ طبقاً لأساطيرهم وخرافاتهم من خلال الغيم، فيدعونهم إلى الحق، وفي
أساطير اليهود جاء ـ أيضاً ـ أنّ الله أحياناً يظهر ما بين الغيوم.( في ظلال القرآن، ج 6، ص 154
(ذيل الآية مورد البحث).) |
|
الآيات(27) (29)
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَلَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ
الرَّسُولِ سَبِيلا
|
|
وَيَوْمَ يَعَضُّ
الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَلَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ
سَبِيلا(27) يَوَيْلَتَى لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلا(28) لَّقَدْ
أَضَلَّنِى عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِى وَكَانَ الشَّيْطَنُ
لِلاِْنسَنِ خَذُولا(29) |
|
سبب النّزول |
|
«قال
ابن عباس: نزل قوله تعالى: (ويوم يَعض الظالم) في عقبة
بن أبي معيط، وأُبي بن خلف، وكانا متخالّين، وذلك أن عقبة كان لا يقدم من
سفر إلاّ صنع طعاماً فدعا إليه أشراف قومه، وكان يكثر مجالسة الرّسول، فقدم من سفره ذات يوم فصنع طعاماً ودعا الناس، فدعا
رسول الله(ص) إلى طعامه، فلما قربوا الطعام قال رسول
الله (ص): ما أنا بآكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول
الله، فقال عقبة: أشهد أن لا إله إلاّ الله
وأشهد أن محمداً رسول الله. وبلغ ذلك أُبي بن خلف فقال:
صبئتَ يا عقبة؟ قال: لا والله ما صبأتُ، ولكن
دخل عليَّ رجل فأبى أن يطعم من طعامي إلاّ أن أشهد له فاستحييت أن يخرج من بيتي
ولم يطعم، فشهدتُ له فطعم، فقال أُبي: ما كنتُ
براض عنك أبداً حتى تأتي فتبزق في وجهه، ففعل ذلك عقبة
وارتدَّ، وأخذ رحم دابة فألقاها بين كتفيه، فقال
النبي(ص): لا ألقاك خارجاً من مكّة إلاّ علوتُ
رأسك بالسيف، فضرب عنقه يوم بدر صبراً،
وأمّا أُبي بن خلف فقتله النبي(ص) يوم أُحد بيده
في المبارزة». |
|
التّفسير |
|
أضلني صديق السوء
|
|
يوم القيامة له مشاهد عجيبة،
حيث ورد بعضٌ منها في الآيات السابقة، وفي هذه الآيات اشارة الى قسم آخر منها،
وهي مسألة حسرة الظالمين البالغة على ماضيهم، يقول تعالى أوّلا: (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرّسول
سبيلا)( جملة (يوم يعض الظالم...) ثمّ يستمر ويقول: (لقد أضلني عن الذكر بعد إذجاءني). |
|
بحث
|
|
أثر الصديق في مصير الإِنسان:
|
|
لا شك في أن عوامل بناء شخصية
الإِنسان ـ بعد عزمه وإرادته وتصميمه ـ أُمور
مختلفة، من أهمها الجليس والصديق والمعاشر، ذلك لأنّ
الإِنسان قابل للتأثر شاء أم أبى، فيأخذ قسطاً مهماً من أفكاره وصفاته
الأخلاقية عن طريق أصدقائه، ولقد ثبتت هذه الحقيقة
من الناحية العلمية وعن طريق التجربة والمشاهدات الحسية أيضاً. نقرأ في حديث عن التاسع من
أئمة الإسلام العظام، الإمام محمد التقي الجواد(عليه السلام) «اِيّاك ومصاحبة
الشرير، فإنه كالسيف المسلول، يحسن منظره ويقبح أثره».( بحار الأنوار ج 74 ص 198.) |
|
الآيات(30) (34) وَ
قَالَ الرَّسُولُ يَرَبِّ إِنَّ قَوْمِى اتَّخَذُواْ هَذَا الْقُرْءَانَ
مَهْجُوراً
|
|
وَ قَالَ
الرَّسُولُ يَرَبِّ إِنَّ قَوْمِى اتَّخَذُواْ هَذَا الْقُرْءَانَ
مَهْجُوراً(30) وَكَذلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوَّاً مِّنَ
الُمجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً(31) وَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُواْ لَوْلاَُ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَحِدَةً كَذَلِكَ
لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَهُ تَرْتِيلا(32) وَلاَ يَأْتُونَكَ
بِمَثَل إِلاَّ جِئْنَكَ بِالْحَقِّ وَأحْسَنَ تَفْسِيراً(33) الَّذِينَ
يَحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكاناً
وَأضَلُّ سَبِيلا(34) |
|
التّفسير |
|
إلهي، إنّ الناس قد هجروا القرآن:
|
|
كما تناولت الآيات السابقة
أنواعاً من ذرائع المشركين والكافرين المعاندين، تتناول الآية الأُولى في مورد
البحث هنا حزن وشكاية الرّسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) بين يدي الله
عزَّوجلّ من كيفية تعامل هذه الفئة مع القرآن، فتقول: (وقال
الرّسول يا ربّ إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجوراً).( الظاهر أن جملة «قال» |
|
بحوث
|
|
1
ـ تفسير (جعلنا لكل نبيّ عدوّاً).
|
|
يفهم من هذه الجملة
ـ أحياناً ـ أن الله من أجل مواساة النّبي(ص) يقول: لست وحدك لك عدوّ، بل لقد جعلنا لكل نبي
عدوّاً، ولازم هذا القول إسناد وجود أعداء الأنبياء إلى الله تعالى، الأمر الذي
لا يتفق مع حكمته ولا مع أصل حرية وإرادة الإنسان. ذكر
المفسّرون أجوبة متعددة على هذا السؤال ... |
|
2
ـ الآثار العميقة لنزول القرآن التدريجي
|
|
صحيح أنّه كان للقرآن نزولان،
طبقاً للرّوايات (بل لظاهر بعض الآيات): أحدهما:
«نزول دفعي» مرّة واحدة في ليلة القدر على قلب النّبي(ص)، والآخر: «نزول تدريجي» في ثلاث وعشرين سنة، لكن بلا شك
أن النّزول المعترف به الذي كان النّبي والناس يتفاعلون معه دائماً هو النّزول
التدريجى للقرآن. و بعبارة أُخرى: إنّ أيّ واحد من هذه التشريعات في صورة النّزول التدريجي
سيتم هضمه واستيعابه بصورة جيدة، وفي حالة تعرضه لبعض الاستفهامات يمكن طرحها
والاجابة عليها. |
|
3 ـ معنى الترتيل
في القرآن:
|
|
كلمة «ترتيل» من
مادة «رتل» (على وزن قمر) بمعنى انتظم
واتسق، لذا فالعرب يقولون «رتل الأنسان» لمن تكون أسنانه جيدة ومنتظمة ومتسقة.
وعلى هذا الأساس يطلق الترتيل بمعنى القراءة المتسقة للكلام أو الآيات بموجب
نظام وحساب. |
|
4 ـ تفسير(يحشرون
على وجوههم إلى جهنم)
|
|
أقوال كثيرة بين
المفسّرين في ما هو المقصود بحشر هذه
الفئة من المجرمين على وجوههم!؟ وقالوا تارةً
اُخرى: انها كناية مستعملة في الأدب العربي حيث يقولون: فلان
مرَّ على وجهه، يعني أنّه لم يكن يدري أين يذهب. |
|
الآيات(35) (40) وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَبَ
وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَرُونَ وَزِيراً
|
|
وَلَقَدْ
ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَبَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَرُونَ وَزِيراً(35)
فَقُلْنَا اذْهَبَآ إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِأَيَتِنَا
فَدَمَّرْنَهُمْ تَدْمِيراً(36) وَقَوْمَ نُوح لَّمَّا كَذَّبُواْ الرُّسُلَ
أَغْرَقْنهُمْ وَجَعَلْنهُمْ لِلنَّاسِ ءايَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّلِمِينَ
عَذَاباً أَلِيماً (37)وَعَاداً وَثَموُدَاْ وَأَصْحبَ الرَّسِّ وَقُروُنَاً
بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً (38)وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ أَمْثَلَ وَكُلاَّ ً
تَبَّرْنَا تَتْبِيراً(39) وَلَقَدْ أَتَوْاْ عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِى
أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَل كَانُواْ لا
يَرْجوُنَ نُشوُراً(40) |
|
التّفسير |
|
مع كل هذه الدروس والعبر، ولكن...
|
|
أشار القرآن المجيد في هذه
الآيات إلى تاريخ الأُمم الماضية ومصيرهم المشؤوم مؤكّداً
على ست أمم بخاصّة (الفراعنة، وقوم نوح، وقوم عاد، وثمود، وأصحاب الرَّس، وقوم لوط)
وذلك لمواساة النّبي(ص) من جهة، ولتهديد المشركين المعاندين الذين مرَّ أنموذج من أقوالهم في
الآيات السابقة، من جهة أُخرى ويجسد دروس العبرة
من مصير هذه الأقوام بشكل مختصر وبليغ تماماً. «قوم عاد» هم قوم النّبي
«هود» العظيم، الذي بعث في منطقة (الأحقاف) أو (اليمن). |
|
بحثان
|
|
1
ـ من هم «أصحاب الرس»
|
|
كلمة «رسّ» في الأصل بمعنى
الأثر القليل، فيقال مثلا «رسّ الحديث في نفسي» (قليل من حديثه في ذاكرتي) أو يقال:
وجد رسّاً من حمى» (يعني: وجد قليلا من الحمّى في نفسه).( مفردات الراغب.) 4 ـ وذهب آخرون أنّهم كانوا
جماعة من العرب الماضين، يعيشون(شرح نهج البلاغه، لابن أبي الحديد، ج 1، ص 94.) بين الشام والحجاز. |
|
2
ـ مجموعة من الدروس المؤثرة:
|
|
ست فئات في الآيات
أعلاه، ذكرت أسماؤهم: قوم فرعون قوم
نوح المتعصبون، قوم عاد المتجبرون، ثمود، أصحاب الرس، وقوم لوط، حيث كان كل منهم
أسير نوع من الإنحراف الفكري والأخلاقي أدّى بهم إلى الهلاك والشقاء. |
|
الآيات(41) (44) وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ
إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِى بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا
|
|
وَإِذَا رَأَوْكَ
إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِى بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا(41)
إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ ءَالِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا
وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ العَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا
(42)أَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ
وَكِيلا(43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ
إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالاَْنْعَمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا(44) |
|
التّفسير |
|
أضلُّ من الأَنعام:
|
|
الملفت للإنتباه أنّ القرآن
المجيد لا يورد أقوال المشركين دفعة واحدة في آيات هذه السورة، بل أورد بعضاً
منها، فكان يتناولها بالردّ والموعظة والإنذار، ثمّ بعد ذلك يواصل تناول بعض آخر
بهذا الترتيب. أو أنّه فاقد للعلم ولكنّه
يسمع قول العلماء، فيكون مصداقاً لـ «يسمعون»، لكن هذه الفئة لا من أُولئك ولا
من هؤلاء، وعلى هذا فلا فرق بينهم وبين الانعام. وواضح أنّه لا يتوقع من الأنعام
غير الصياح والرفس والأفعال اللامنطقية. بل هم أتعس من الأنعام وأعجز، إذ أن
الأنعام لا تعقل ولا فكر لها، وهؤلاء لهم عقل وفكر، وتسافلوا إلى حال كهذه. |
|
بحثان
|
|
1
ـ اتباع الهوى وعواقبه الأليمة
|
|
لا شك أنّ في كيان الإنسان
غرائز وميولا مختلفة، وجميعها ضروري لإدامة حياته، الغيظ والغضب، حب النفس، حب
المال والحياة المادية، وأمثالها، ولا شك أنّ مبدع الوجود خلقها جميعاً لذلك
الهدف التكاملي. وفي الروايات
الإسلامية أيضاً، نلاحظ تعبيرات مؤثرة في هذا الصدد: و«لا عقل مع هوى».( غرر الحكم، الجملة 10541 .) |
|
2 ـ لماذا أَضلُّ
من الأنعام!؟
|
|
لتجسيد أهمية الموضوع في
الآيات أعلاه، يبيّن القرآن أوّلا: أن الذين
اتّخذوا اهواءهم آلهه يعبدونها هم كالأنعام، وبعد ذلك يضيف مشدداً: بل هم
أضل! |
|
الآيات(45) (50) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ
الضِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ
|
|
أَلَمْ تَرَ إِلَى
رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الضِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ
جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا(45) ثُمَّ قَبَضْنَهُ إِلَيْنَا قَبْضاً
يَسِيراً (46)وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ
سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورَاً(47) وَهُوَ الَّذِى أَرْسَلَ الرِّيَحَ
بُشْرَاً بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءَ
طَهُوراً(48) لِّنُحْىَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ
أَنْعَماً وَأَنَاسِىَّ كَثِيراً (49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَهُ بَيْنَهُمْ
لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً(50) |
|
التّفسير |
|
حركة الظلال:
|
|
في هذه الآيات كلام في أقسام
مهمّة من النعم الإلهية، على سبيل بيان أسرار التوحيد ومعرفة الله، الأُمور التي
يزيدنا التفكر فيها معرفة بخالقنا وقرباً منه، ومع الإلتفات إلى أنّ المحاورات
الكثيرة في الآيات الماضية كانت مع المشركين، تتّضح صلة وارتباط هذه الآيات
بالآيات السابقة. في هذه الآيات، كلام في نعمة
«الضلال» ثمّ في آثار وبركات «الليل» و«النوم و الإستراحة» و«ضياء» النهار
و«هبوب الرياح» و«نزول المطر» و«إحياء الأراضي الموات» و«سقاية» الأنعام والناس. لذا فإنّ آيات قرآنية أُخرى
تعدُّ وجود الليل والنهار، الواحد تلو الآخر، من النعم الإلهية العظيمة، ففي
موضع يقول تعالى: (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل
سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء، أفلا تسمعون). ويضيف
مباشرة (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى
يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون).( القصص، 71 و72.) هذا التعبير ـ في الحقيقة ـ
إشارة إلى تعطيل جميع الفعاليات الجسمانية أثناء النوم، لأنّنا نعلم أن قسماً
مهماً من الأفعال البدنية يتوقف كلياً في حال النوم، وقسماً آخر مثل عمل القلب
وجهاز التنفس يؤدي عمله بصورة وئيدة جدّاً، ويستمر بصورة أكثر هدوءً كيما يرتفع
التعب وتتجدد القوى. |
|
ملاحظات
|
|
و هنا ملاحظات
مهمّة: لكن الحق أن هذا
الضمير يرجع إلى القرآن وآياته، لأن هذا
التعبير (بصيغة الفعل الماضي والمضارع) ورد في
عشرة مواضع من القرآن المجيد، حيث أُرجع في تسعة مواضع إلى آيات القرآن وبياناته
صراحة، وأُتبع بجملة «ليذكروا» أو ما يشابهها في موارد متعددة. على هذا فمن
البعيد جداً أن يأخذ هذا التعبير مفهوماً آخر في هذا المورد الواحد. |
|
الآيات(51) (55)
وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِى كُلِّ قَرْيَة نَّذِيزاً(51) فَلاَ تُطِعِ
الْكَفِرِينَ
|
|
وَلَوْ شِئْنَا
لَبَعَثْنَا فِى كُلِّ قَرْيَة نَّذِيزاً(51) فَلاَ تُطِعِ الْكَفِرِينَ
وَجَهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبيراً(52) وَهُوَ الَّذِى مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ
هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً
وَحِجْراً مَّحْجُوراً(53) وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْمَآءِ بَشَراً
فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً(54) وَيَعْبُدُونَ مِن
دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الكَافِرُ عَلَى
رَبِّهِ ظَهِيراً (55) |
|
التّفسير |
|
بحران متجاوران: عذب فرات وملح أُجاج:
|
|
الآية الأُولى ـ
مورد البحث ـ أشارت إلى عظمة مقام
النّبي(ص)، يقول تعالى: لو أردنا لبعثنا نبيّاً في كل مدينة وبلد، لكنّنا لم
نفعل هذا وألقينا مسؤولية هداية العالمين على عاتقك: (ولو
شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً). ولكن هذه الرّوايات
تعتبر بيان للمصاديق الواضحة، ولا تقدح
بعمومية مفهوم الآية، فالآية تشمل كل ارتباط يكون عن طريق النسب والمصاهرة، وأحد
مصاديقها الواضحة كان ارتباط علي(ع) من جهتين مع النّبي(ص). |
|
مسألتان
|
|
1
ـ وحدة القيادة
|
|
في الآية الأُولى ـ مورد
البحث ـ قرأنا قوله تعالى: (ولو شئنا لبعثنا في كل قرية
نذيراً) ولكننا لم نفعل مثل هذا... ومن المسلّم أن علة ذلك لأن الأنبياء
قادة الأُمم، ونعلم أن التعدد في مسألة القيادة يؤدي إلى إضعاف كل أُمّة وشعب،
خاصّة و أنّ الكلام هنا عن خاتم الأنبياء(ص)، ويجب أن تستمر هذه القيادة حتى
نهاية العالم. لذا تتّضح ـ أكثر ـ أهمية التمركز والوحدة في القيادة. |
|
2
ـ القرآن وسيلة الجهاد الكبير
|
|
«الجهاد
الكبير» تعبير بليغ عن أهمية منهج الكفاح الرّباني البنّاء. قال: فقام عنه الأخنس وتركه.( سيرة ابن هشام، ج 1، ص 337;
وفي ظلال القرآن، ج 6، ص 172 .) |
|
الآيات(56) (59) وَ
مَآ أَرْسَلنَكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً(56) قُلْ مَآ أَسْئَلُكُم
عَلَيْهِ مِنْ أَجْر
|
|
وَ مَآ أَرْسَلنَكَ
إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً(56) قُلْ مَآ أَسْئَلُكُم عَلَيْهِ مِنْ أَجْر
إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا(57) وَتَوَكَّلْ عَلَى
الْحَىِّ الَّذِى لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ
عِبَادِهِ خَبِيراً (58)الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضَ وَمَا
بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّام ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ الَّرحْمَنُ
فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً(59) |
|
التّفسير |
|
أَجري هو هدايتكم:
|
|
كان الكلام في الآيات السابقة
حول إصرار الوثنيين على عبادتهم الأصنام التي لا تضرُّ ولا تنفع، وفي الآية
الحالية الأُولى يشير القرآن إلى مهمّة النّبي(ص)قبالة هؤلاء المتعصبين
المعاندين، فيقول تعالى: (وما أرسلناك إلاّ مبشراً
ونذيراً).(
«نذير» إذا لم يتقبل هؤلاء دعوتك،
فلا جناح عليك، فقد أديت مهمتك في البشارة والإِنذار، ودعوت القلوب المستعدة إلى
الله. |
|
مسألتان
|
|
1
ـ أجر الرسالة
|
|
نقرأ في كثير من آيات القرآن أنّ أنبياء الله كانوا يبيّنون هذه الحقيقة بصراحة:
إنّنا لا نسأل أي أجر من أي أحد، بل إنّ أجرنا على الله العظيم فقط. |
|
2
ـ على من يجب التوكل؟
|
|
في الآيات أعلاه، يأمر الله
تبارك وتعالى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بالتوكل، وأن يصرف النظر عن جميع
المخلوقات، وينظر إلى الله عزَّوجلّ فقط. |
|
الآيات(60) (62)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُواْ لِلرَّحْمَنِ قَالُواْ وَمَا الرَّحْمَنُ
أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا
|
|
وَإِذَا قِيلَ
لَهُمُ اسْجُدُواْ لِلرَّحْمَنِ قَالُواْ وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا
تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً(60) تَبَارَكَ الَّذِى جَعَلَ فِى السَّمَآءِ
بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِرجاً وَقَمَراً مُّنِيراً(61) وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ
الَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أرَادَ
شُكُوراً (62) |
|
التّفسير |
|
البروج السماوية:
|
|
كان الكلام في الآيات الماضية
عن عظمة وقدرة الله، وعن رحمته أيضاً، ويضيف الله تعالى في الآية الأُولى هنا: (وإذا قيل لهم
اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن). الآية التالية
إجابة على سؤالهم حيث كانوا
يقولون: «وما الرحمن»، وإن كانوا يقولون هذا على سبيل السخرية، لكن القرآن
يجيبهم إجابة جادة، يقول تعالى: (تبارك الذي جعل في
السماء بروجاً). فمن الممكن أن يكون دليله أن «السراج» بمعنى المنبع الضوئي الذي نوره مستمدٌ من ذاته وهذا ينطبق على حال الشمس، حيث أنّ من المسلمات العلمية طبقاً
للتحقيقات أن نورها من نفسها. بخلاف القمر الذي نوره من ضياء الشمس، ولذا وصفه بـ «المنير» الذي يستمد نوره من غيره
دائماً، (في التّفسير الأمثل، أوردنا القول مفصلا في
هذا الصدد، ذيل الآية 5 و 6 سورة يونس). |
|
الآيات(63) (67)
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الاَْرْضِ هَوْناً وَإِذَا
خَاطَبَهُمُ الْجَهِلُونَ
|
|
وَعِبَادُ
الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الاَْرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ
الْجَهِلُونَ قَالُواْ سَلَماً(63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً
وَقِيماً(64) وَالَّذِينَ يَقوُلُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ
إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً(65) إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً
وَمُقَاماً(66) وَالَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ
يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذلِكَ قَوَاماً(67) |
|
التّفسير |
|
الصفات الخاصّة لعباد الرحمن:
|
|
هذه الآيات ـ فما بعد ـ
تستعرض بحثاً جامعاً فذاً حول الصفات الخاصّة لعباد الرحمن، إكمالا للآيات
الماضية حيث كان المشركون المعاندون حينما يذكر اسم الله «الرحمن» يقولون وملء
رؤوسهم استهزاء وغرور «وما الرحمن»؟ ورأينا أن القرآن يعرّف لهم «الرحمن» ضمن
آيتين، وجاء الدور الآن ليعرّف «عباد الرحمن». في إحدى الروايات الإِسلامية،
ورد تشبيه رائع للإِسراف والإِقتار وحد الإِعتدال، تقول الرّواية: تلا أبو عبد
الله(عليه السلام) هذه الآية: (والذين إذا أنفقوا لم
يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً). قال: فأخذ قبضة من حصى وقبضها
بيده، فقال: هذا الإِقتار الذي ذكره الله
عزَّوجلّ في كتابه، ثمّ قبض قبضة أُخرى فأرخى
كفَّه كلَّها، ثمّ قال: هذا الإِسراف، ثمّ أخذ
قبضة أخرى فأرخى بعضها وأمسك بعضها وقال: هذا القوام».(
الكافي: طبقاً لنقل تفسير نور الثقلين، ج 4، ص 29.) |
|
مسألتان
|
|
1
ـ طريقة مشي المؤمنين
|
|
قرأنا في الآيات أعلاه أنّ التواضع أحد علائم «عباد الرحمن»، التواضع الذي
يهيمن على أرواحهم بحيث يظهر حتى في مشيتهم، التواضع الذي يدفعهم إلى التسليم
أمام الحق. لكن من الممكن أحياناً أن يتوهم البعض في
التواضع ضعفاً وعجزاً وخوراً وكسلا، وهذا النمط من التفكير خطير جدّاً. |
|
2
ـ البخل والإسراف
|
|
لا شك أنّ
«الإِسراف» واحد من الأعمال الذميمة
بنظر القرآن والإِسلام، وورد ذم كثير له في الآيات والرّوايات، فالإسراف كان
نهجاً فرعونياً: (وإنّ فرعون لعال في الأرض وأنّه لمن
المسرفين).( سورة
يونس، الآية 83.) |
|
الآيات(68) (71) وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ
إِلَهاً ءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلا
بِالْحَقِّ
|
|
وَالَّذِينَ لاَ
يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى
حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلقَ
أَثَاماً (68)يُضَعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ ويَخْلُدْ فِيهِ
مُهَاناً(69) إِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَلِحاً فَأُوْلَئِكَ
يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَت وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً
رَّحِيماً(70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَلِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ
مَتَاباً(71) |
|
التّفسير |
|
بحث آخر في صفات عباد الرحمن:
|
|
ميزة «عباد الرحمن»
السادسة التي وردت في هذه الآيات هي التوحيد الخالص الذي بيعدهم
عن كل أنواع الشرك والثنوية والتعددية في العبادة، فيقول تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر). فضلا عن أنّ ذنباً ما يكون
أحياناً مصدر الذنوب الأُخرى، مثل الكفر الذي يسبب ترك الواجبات وارتكاب
المحرمات، وهذا نفسه موجب لمضاعفة العذاب الإلهي. |
|
تبديل السيئات حسنات:
|
|
هنا عدّة تفاسير،
يمكن القبول بها جميعاً: |
|
الآيات(72) (76) وَ
الَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِااللَّغْوِ مَرُّواْ
كِرَاماً
|
|
وَ الَّذِينَ لاَ
يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِااللَّغْوِ مَرُّواْ كِرَاماً
(72)وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِأَيَتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا
صُمّاً وَعُمْيَاناً(73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَجِنَا
وَذُرِّيَّتِنَا قُرَّةَ أَعْيُن وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً(74)
أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَروُاْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا
تَحِيَّةً وَسَلَماً(75) خَلِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً(76) |
|
التّفسير |
|
جزاء «عباد الرحمن»:
|
|
في متابعة للآيات الماضية
التي كررت القول في خصائص «عباد الرحمن»، تشرح هذه الآيات بقية هذه الصفات: هذا النوع من
الأفراد أداة بيد الأعداء، ولقمة سائغة للشياطين، المؤمنون وحدهم
هم المتدبرون المبصرون السامعون كمثل الجبل الراسخ، فلا يكونون لعبة بيد هذا أو
ذاك. نقرأ في روايات متعددة أنّ
هذه الآية نزلت في علي(عليه السلام) وائمّة أهل البيت(عليهم السلام). |
|
الآية(77) قُلْ مَا
يَعْبَؤُاْبِكُمْ رَبِّى لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ
يَكُونُ لِزَامَا(77)
|
|
قُلْ مَا
يَعْبَؤُاْبِكُمْ رَبِّى لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ
يَكُونُ لِزَامَا(77) |
|
التّفسير |
|
لولا دعاؤكم، لما كانت لكم قيمة:
|
|
هذه الآية التي هي
الآية الأخيرة في سورة الفرقان، جاءت في الحقيقة نتيجة لكل السورة، وللأبحاث التي بصدد
صفات «عباد الرحمن» في الآيات السابقة، فيقول
تبارك وتعالى مخاطباً النّبي (قل ما يعبؤبكم ربّي لو لا دعاؤكم). وبعض: بمعنى التضرع إلى الله في المحن والشدائد. |
|
الدعاء طريق إصلاح النفس ومعرفة الله:
|
|
معلوم أن مسألة الدعاء أعطيت أهمية كبيرة في آيات القرآن والرّوايات الإسلامية، حيث
كانت الآية أعلاه أنموذجاً منها، غير أن قد يكون القبول بهذا الأمر ابتداءً
صعباً على البعض، كأنّه يقال: الدعاء عمل سهل جدّاً، ويمكن أن يؤديه الجميع أو
يتوسعون أكثر فيقولون: الدعاء عمل المغلوبين على أمرهم، الأمر الذي لا أهمية له. نهاية سورة الفرقان |
|
|
|
|
سُورَةُ
الفُرقانْ مَكيَّة وَ عَدَدُ آياتِها سَبْع وَسَبْعُونَ آية
|
|
«سورة
الفرقان» |
|
محتوى سورة الفرقان:
|
|
هذه السورة بحكم كونها من السور المكية(يُصر بعض المفسّرين على أن ثلاث آيات من هذه
السورة (68، 69، 70) نزلت في المدينة، ولعل ذلك لأنّ أحكاماً مثل قتل النفس والزنا، شُرِّعت في هذه
الآيات، في حين أن التدقيق في الآيات التي قبلها والتي بعدها، يكشف جيداً عن أنّ السياق واحد متصل ومنسجم تماماً حول (عباد الرحمن) وبيان أوصافهم، لذا فالظاهر أن السورة نزلت كلها في مكّة.، فإن أكثر ارتكازها على
المسائل المتعلقة بالمبدأ والمعاد، وبيان نبوة النّبي(ص)
والمواجهة مع الشرك والمشركين، والانذار من العواقب الوخيمة للكفر وعبادة
الأصنام والذنوب. فالقسم الأوّل في الحقيقة ـ يحدد مفهوم (لا إله)، والقسم الثّاني يحدد مفهوم (إلاّ الله). |
|
فضيلة
سورة الفرقان:
|
|
ورد في حديث عن النّبي أن «من
قرأ سورة الفرقان (و
تدبّر في محتواها وعمل بما ورد فيها) بعث يوم القيامة وهو مؤمن أن الساعة آتية لا ريب فيها،
وأن الله يبعث من في القبور».( مجمع البيان آخر الآية مورد البحث.) (أي مؤمن بأن الساعة...) |
|
الآيتان(1) (2)
تَبَارَكَ الَّذِى نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لَلْعَلَمِينَ
نَذيراً(1) الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَوَتِ والأَرْضِ
|
|
تَبَارَكَ الَّذِى
نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لَلْعَلَمِينَ نَذيراً(1)
الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَوَتِ والأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ
يَكُن لَّهُ شَريكٌ فِى الْمُلْكِ وخَلَقَ كُلَّ شَىْء فَقَدَّرَهُ
تَقْدِيراً(2) |
|
التّفسير |
|
المقياس الأعلى للمعرفة:
|
|
تبدأ هذه السورة بجملة
«تبارك» من مادة «بركة»، ونعلم أنّ الشيء ذو بركة، عبارة عن أنّه ذو دوام وخير
ونفع كامل. يقول تعالى: (تبارك الذي نزل الفرقان على
عبده ليكون للعالمين نذيراً).( ورد شرح كلمة «البركة» في ج 5، آخر الآية (54) من
سروة الأعراف، شرح اصل «البركة».) |
|
بحث
|
|
تقدير الموجودات بدقة:
|
|
ليس نظام العالم الدقيق
والمتقن ـ وحده ـ من الدلائل المحكمة على معرفة الله وتوحيده، فتقديراته الدقيقة
أيضاً دليل واضح آخر، أنّنا لا يمكن أن نعتبر مقادير موجودات هذا العالم
المختلفة، وكميتها وكيفيتها المحسوبة، معلولة للصدفة التي لا تتوافق مع حساب
الإحتمالات. |
|
الآيات(3) (6) وَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءَالِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ
شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ
|
|
وَ اتَّخَذُواْ مِن
دُونِهِ ءَالِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ
يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعَاً وَلاَ يَمْلِكونَ مَوْتاً ولاَ
حَيَوةً وَلاَ نُشُوراً(3) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّإفْكٌ
افْتَرِاهُ وَأَعَانَهُ عَليْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ فَقَدْ جَآءُو ظُلْماً
وَزُوراً (4)وَقَالُواْ أسَطِيرُ الاَْوَّلينَ اكْتَتَبَهَا فَهِى تُمْلَى
عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأصِيلا(5) قُلْ أنزَلَهُ الَّذِى يَعْلَمُ السِّرَّ فِى
السَّمَوتِ وَالاَْرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً(6) |
|
التّفسير |
|
الإِتهامات المتعددة الألوان:
|
هذه الآيات ـ في الحقيقة ـ تتمة للبحث الذي ورد في الآيات
السابقة، في مسألة المواجهة مع الشرك وعبادة الأوثان. ثمّ في الإدعاءات الواهية
لعبدة الأوثان، واتهاماتهم فيما يتعلق بالقرآن، وشخص النّبي ص. وهذا بالذات يدل على أن هذه
الآيات ليست من صنع عقل البشر، لأنّ الأمر لو كان كذلك، لكانوا يستطيعون بمعونة جماعة اليهود وأهل الكتاب أن يأتوا بمثلها. ومن هنا
فإنّ عجزهم دليل على كذبهم، وكذبهم دليل على ظلمهم. |
|
الآيات(7) (10)
وَقَالُواْ مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ االطَّعَامَ وَيَمْشِى فِى
الاَْسْوَاقِ لَوْلاَ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ
|
|
وَقَالُواْ مَالِ
هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ االطَّعَامَ وَيَمْشِى فِى الاَْسْوَاقِ لَوْلاَ
أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً(7) أَوْيُلْقَى إِلَيْهِ
كَنزٌ أَوْتَكوُنُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّلِمُونَ إِن
تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلا مَّسْحُوراً(8) انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ
الاَْمثَلَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا(9) تَبَارَكَ الَّذِى إِن
شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذَلِكَ جَنَّت تَجْرِى مِن تَحْتِهَا
الاَْنْهَرُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورا(10) |
|
|
سبب النّزول
|
|
في رواية عن الإِمام الحسن
العسكري(ع)، أنّه قال: قلت لأبي علي بن محمد(ع): هل كان
رسول الله (ص) يناظر اليهود والمشركين إذا
عاتبوه ويحاجّهم؟ قال: مراراً كثيرة وذلك أنّ رسول الله كان قاعداً ذات
يوم بفناء الكعبة، فابتدأ عبدالله بن أبي أمية المخزومي
فقال: يا محمد لقد أدّعيت دعوى عظيمة، وقلت مقالا هائلا، زعمت أنّك رسول ربّ العالمين، وما ينبغي لربّ العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشراً مثلنا،
تأكل كما نأكل وتمشي في الأسواق كما نمشي، فقال رسول الله: اللّهمّ أنت السامع
لكل صوت، والعالم بكلّ شيء، تعلم ما قاله عبادك فأنزل الله عليه: يا محمد: (وقالوا ما لهذا الرّسول...)إلى قوله تعالى (و يجعل لك قصوراً).( تفسير نور الثقلين، الجزء 4، الصفحة 6 .) |
|
التّفسير |
|
لم لا يملك هذا الرّسول كنوزاً وجنات؟!
|
|
عُرض في الآيات السابقة قسم
من إشكالات الكفار فيما يخص القرآن المجيد، وأجيب عليها، ويعرض في هذه الآيات
قسم آخر يتعلق بشخص الرّسول(ص) ويجاب عنها، فيقول تعالى: (وقالوا ما لهذا الرّسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق). حقّاً، إن مثلهم كمثل من يريد
أن يقف أمام استدلالاتنا المنطقية من خلال حفنة من الحجج، الواهية: فنقول من دون
الاجابة عليها بالتفصيل: انظر بأية ادعاءات واهية يريدون أن يقفوا معها أمام
الدليل المنطقي. |
|
الآيات(11) (16) بَلْ
كَذَّبُواْ بِالسَّاعَةِ وَاَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالسَّاعَةِ سَعِيراً
|
|
بَلْ كَذَّبُواْ
بِالسَّاعَةِ وَاَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالسَّاعَةِ سَعِيراً (11)إِذا
رَأَتْهُم مِّن مَّكَانِ بَعيد سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (12)
وَإِذَآ أُلْقُوأ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَواْ هُنَالِكَ
ثُبُوراً (13) لاَّ تَدْعُواْ الْيَوَمَ ثُبُوراً وَحِداً وَادْعُواْ ثُبُوراً
كَثِيراً(14) قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِى وُعِدَ
الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً وَمَصِيراً(15) لَّهُمْ فِيهَا مَا
يَشَآءُونَ خَلِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولا(16) |
|
التّفسير |
|
مقارنة بين الجنة والنار:
|
|
في هذه الآيات ـ على أثر
البحث في الآيات السابقة حول إنحراف الكفار في مسألة التوحيد والنّبوة ـ يتناول
القرآن الكريم قسماً آخر من انحرافاتهم في مسألة المعاد، ويتّضح مع بيان هذا
القسم أنّهم كانوا أسارى التزلزل والإِنحراف في تمام أصول الدين، في التوحيد،
وفي النبوة، وفي المعاد، حيث ورد القسمان الأولان
منه في الآيات السابقة، ونقرأ الآن القسم الثالث: وأمّا لماذا يقال لهم هنا: (لا تدعوا ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً)؟ ربّما
كان ذلك لأنّ عذابهم الأليم ليس مؤقتاً فينتهي بقول (واثبورا)
واحداً، بل ينبغي أن يرددوا هذه الجملة طيلة هذه المدة، علاوة على أنّ العقوبات
الإِلهية لهؤلاء الظالمين المجرمين متعددة الألوان، حيث يرون الموت أمام أعينهم
إزاء كل مجازاة، فتعلوا أصواتهم بـ (واثبورا)،
فكأنّهم يموتون ثمّ يحيون وهكذا. |
|
الآيات(17) (19) وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ
مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقوُلُ ءَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِى
|
وَ يَوْمَ
يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقوُلُ ءَأَنتُمْ
أَضْلَلْتُمْ عِبَادِى هَؤُلآءِ أَمْ هُمْ ضَلُّواْ السَّبِيلَ(17) قَالُواْ
سُبحَنَكَ مَا كاَنَ يَنبَغِى لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ
أَوْلِيَآءَ وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَءَابِآءَهُمْ حَتَّى نَسُواْ الذِّكْرَ
وَكانُواْ قَوْمَا بُوراً(18) فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقوُلوُنَ فَمَا
تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً ولاَنَصْراً وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً
كَبِيراً(19) |
|
التّفسير |
|
المحاكمة بين المعبودين وعبدتهم الضالين:
|
|
كان الكلام في الآيات السابقة
حول مصير كل من المؤمنين والمشركين في القيامة وجزاء هذين الفريقين، وتواصل هذه
الآيات نفس هذا الموضوع بشكل آخر، فتبيّن السؤال الذي يسأل الله عنه معبودي
المشركين في القيامة وجوابهم، على سبيل التحذير، فيقول تعالى أولا: واذكر يوم
يحشر الله هؤلاء المشركين وما يعبدون من دون الله: (و
يوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله). ففي الإجابة: (قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء). |
|
|
مسائل مهمة:
|
|
1
ـ من هم المقصودون بالمعبودين هنا!؟
|
|
في الإجابة على هذا
السؤال، هناك تفسيران بين المفسّرين المعروفين: |
|
2
ـ دافع الإنحراف عن أصل التوحيد
|
|
المهم هو أنّ المعبودين
يعدّون العامل الأصلي لانحراف هذا الفريق من المشركين هو (الحياة المرفهة) لهم، ويقولون، إلهنا، متّعتَ هؤلاء
وآباءَهم من نعم هذه الحياة، وهذا هو بالذات كان سبب نسيانهم، فبدلا من أن
يعرفوا واهب هذه النعم فيشكرونه ويطيعونه، توغلوا في دوامة الغفلة والغرور. |
|
3
ـ كلمة «بور».
|
|
«بور»
من مادة «بوار» وهي في الأصل بمعنى شدّة
كساد الشيء، ولأنّ شدّة الكساد تبعث على الفساد، كما جاء في المثل العربي «كسد
حتى فسد»، فهذه الكلمة بمعنى الفساد، ثمّ أُطلقت بعد هذا على الهلاك، ولهذا
يقولون للأرض الخالية من الشجر والورد والنبات، والتي هي في الحقيقة فاسدة وميتة
كلمة «بائر». |
|
الآية(20) وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلينَ
إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِى الاَْسْواقِ
|
|
وَمَآ أَرْسَلْنَا
قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ
وَيَمْشُونَ فِى الاَْسْواقِ وَجَعَلْنَابَعْضَكُمْ لِبَعْض فِتْنَةً
أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً(20) |
|
سبب النّزول
|
|
أورد جماعة من المفسّرين وأصحاب السير كابن إسحاق في سيرته في سبب نزول
هذه الآية «أن سادات قريش «عتبة بن ربيعة» وغيره
اجتمعوا معه(ص)فقالوا: يا محمد، إن كنت تحبّ الرياسة وليناك علينا، وإن كنت تحبّ
المال جمعنا لك من أموالنا، فلما أبى رسول الله(ص) عن
ذلك، رجعوا في باب الإحتجاج معه فقالوا:
ما بالك وأنت رسول الله تأكل الطعام، وتقف بالأسواق! فعيّروه بأكل الطعام،
لأنّهم أرادوا أن يكون الرّسول ملكاً، وعيّروه بالمشي في الأسواق حين رأوا
الأكاسرة والقياصرة والملوك والجبابرة يترفعون عن الأسواق، وكان(ص)يخالطهم في أسواقهم، ويأمرهم وينهاهم، فقالوا:
هذا يريد أن يتملك علينا، فما له يخالف سيرة الملوك؟ فأجابهم الله بقوله، وأنزل
على نبيّه: (وما
أرسلنا من قبلك من المرسلين إلاّ أنّهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق)فلا
تغتم ولا تحزن، فأنّها شكاة ظاهرٌ عنك عارُها».( وإن كان قد جاء مضمون الرواية أعلاه في كثير من
التفاسير، ولكن ما ذكرناه أعلاه مطابق للرواية التي أوردها القرطبي في تفسيره
«الجامع لأحكام القرآن»ج 13، ص 5 دار إحياء التراث العربي / بيروت.) |
|
التّفسير |
|
هكذا كان جميع الأنبياء
|
|
في عدّة آيات سابقة وردت
واحدة من ذرائع المشركين بهذه الصيغة: لماذا يأكل رسول الله الطعام، ويمشي في
الأسواق؟ وأجيب عليها بجواب إجمالي ومقتضب، أمّا الآية مورد البحث فتعود إلى نفس
الموضوع لتعطي جواباً أكثر تفصيلا وصراحة، فيقول تعالى: (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلاّ أنّهم ليأكلون الطعام ويمشون في
الأسواق) فقد كانوا من البشر ويعاشرون الناس، وفي ذات الوقت (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة) وامتحاناً. وهل أن الفريق الأوّل يؤدي مسؤوليته وتعهده إزاء الفريق الثّاني، أم لا؟! و الجواب: |
|
الآيات(21) (24)
وَقَالَ الَّذِينَ لاَيَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا
الْمَلَئِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا
|
|
وَقَالَ الَّذِينَ
لاَيَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَئِكَةُ أَوْ نَرَى
رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُواْ فِى أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوَّاً كَبيراً(21)
يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَئِكَةَ لاَبُشْرَى يَوْمَئِذ لِّلْمُجْرِمِينَ
وَيَقوُلُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً(22) وَقَدِمْنآ إِلَى مَا عَمِلوُاْ مِنْ
عَمَل فَجَعَلْنَهُ هَبَآءً مَّنثُوراً(23) أَصْحَبُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذ
خَيْرٌ مُّستَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلا(24) |
|
التّفسير |
|
الإدعاءات الكبيرة:
|
|
قلنا أنّ المشركين يصرون على
الفرار من ثقل التعهدات والمسؤوليات التي يضعها على عواتقهم الإيمان بالله
واليوم الآخر، فكانوا يقولون تارةً: لماذا يحتاج الرّسول إلى الطعام ويمشي في
الأسواق؟ حيث قرأنا الإجابة عليها في الآيات السابقة. |
|
آفات العمل الصالح:
|
|
كلمة «هباء» بمعنى ذرات الغبار الصغيرة جدّاً التي لا تُرى بالعين
المجرّدة وفي الحال العادية أبداً إلاّ في الوقت الذي يدخل نور الشمس إلى الغرفة
المظلمة من ثقب أو كُوّة، فيكشف عن هذه الذرات ويمكن مشاهدتها. |
|
الآيتان(25) (26) وَ
يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَآءُ بِالْغَمَمِ وَنُزِّلَ الْمَلَئِكَةُ تَنزِيلا
|
|
وَ يَوْمَ
تَشَقَّقُ السَّمَآءُ بِالْغَمَمِ وَنُزِّلَ الْمَلَئِكَةُ تَنزِيلا
(25)الْمُلْكُ يَوْمَئِذ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وكَانَ يَوْماً عَلَى
الْكَفِرِينَ عَسِيراً(26) |
|
التّفسير |
|
تشقق السماء بالغمام:
|
|
مرّة أخرى يواصل القرآن في
هذه الآيات البحث حول القيامة، ومصير المجرمين في ذلك اليوم، فيقول أوّلا: إن
يوم محنة وحزن المجرمين هو ذلك اليوم الذي تنشق فيه السماء بواسطة الغيوم:(ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا).( جملة «يوم تشقق السماء» هذه الآية ـ في الحقيقة ـ ردّ
على طلبات المشركين، وعلى إحدى ذرائعهم، لأنّهم كانوا يتوقعون أن يأتي الله
والملائكة ـ طبقاً لأساطيرهم وخرافاتهم من خلال الغيم، فيدعونهم إلى الحق، وفي
أساطير اليهود جاء ـ أيضاً ـ أنّ الله أحياناً يظهر ما بين الغيوم.( في ظلال القرآن، ج 6، ص 154
(ذيل الآية مورد البحث).) |
|
الآيات(27) (29)
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَلَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ
الرَّسُولِ سَبِيلا
|
|
وَيَوْمَ يَعَضُّ
الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَلَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ
سَبِيلا(27) يَوَيْلَتَى لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلا(28) لَّقَدْ
أَضَلَّنِى عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِى وَكَانَ الشَّيْطَنُ
لِلاِْنسَنِ خَذُولا(29) |
|
سبب النّزول |
|
«قال
ابن عباس: نزل قوله تعالى: (ويوم يَعض الظالم) في عقبة
بن أبي معيط، وأُبي بن خلف، وكانا متخالّين، وذلك أن عقبة كان لا يقدم من
سفر إلاّ صنع طعاماً فدعا إليه أشراف قومه، وكان يكثر مجالسة الرّسول، فقدم من سفره ذات يوم فصنع طعاماً ودعا الناس، فدعا
رسول الله(ص) إلى طعامه، فلما قربوا الطعام قال رسول
الله (ص): ما أنا بآكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول
الله، فقال عقبة: أشهد أن لا إله إلاّ الله
وأشهد أن محمداً رسول الله. وبلغ ذلك أُبي بن خلف فقال:
صبئتَ يا عقبة؟ قال: لا والله ما صبأتُ، ولكن
دخل عليَّ رجل فأبى أن يطعم من طعامي إلاّ أن أشهد له فاستحييت أن يخرج من بيتي
ولم يطعم، فشهدتُ له فطعم، فقال أُبي: ما كنتُ
براض عنك أبداً حتى تأتي فتبزق في وجهه، ففعل ذلك عقبة
وارتدَّ، وأخذ رحم دابة فألقاها بين كتفيه، فقال
النبي(ص): لا ألقاك خارجاً من مكّة إلاّ علوتُ
رأسك بالسيف، فضرب عنقه يوم بدر صبراً،
وأمّا أُبي بن خلف فقتله النبي(ص) يوم أُحد بيده
في المبارزة». |
|
التّفسير |
|
أضلني صديق السوء
|
|
يوم القيامة له مشاهد عجيبة،
حيث ورد بعضٌ منها في الآيات السابقة، وفي هذه الآيات اشارة الى قسم آخر منها،
وهي مسألة حسرة الظالمين البالغة على ماضيهم، يقول تعالى أوّلا: (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرّسول
سبيلا)( جملة (يوم يعض الظالم...) ثمّ يستمر ويقول: (لقد أضلني عن الذكر بعد إذجاءني). |
|
بحث
|
|
أثر الصديق في مصير الإِنسان:
|
|
لا شك في أن عوامل بناء شخصية
الإِنسان ـ بعد عزمه وإرادته وتصميمه ـ أُمور
مختلفة، من أهمها الجليس والصديق والمعاشر، ذلك لأنّ
الإِنسان قابل للتأثر شاء أم أبى، فيأخذ قسطاً مهماً من أفكاره وصفاته
الأخلاقية عن طريق أصدقائه، ولقد ثبتت هذه الحقيقة
من الناحية العلمية وعن طريق التجربة والمشاهدات الحسية أيضاً. نقرأ في حديث عن التاسع من
أئمة الإسلام العظام، الإمام محمد التقي الجواد(عليه السلام) «اِيّاك ومصاحبة
الشرير، فإنه كالسيف المسلول، يحسن منظره ويقبح أثره».( بحار الأنوار ج 74 ص 198.) |
|
الآيات(30) (34) وَ
قَالَ الرَّسُولُ يَرَبِّ إِنَّ قَوْمِى اتَّخَذُواْ هَذَا الْقُرْءَانَ
مَهْجُوراً
|
|
وَ قَالَ
الرَّسُولُ يَرَبِّ إِنَّ قَوْمِى اتَّخَذُواْ هَذَا الْقُرْءَانَ
مَهْجُوراً(30) وَكَذلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوَّاً مِّنَ
الُمجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً(31) وَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُواْ لَوْلاَُ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَحِدَةً كَذَلِكَ
لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَهُ تَرْتِيلا(32) وَلاَ يَأْتُونَكَ
بِمَثَل إِلاَّ جِئْنَكَ بِالْحَقِّ وَأحْسَنَ تَفْسِيراً(33) الَّذِينَ
يَحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكاناً
وَأضَلُّ سَبِيلا(34) |
|
التّفسير |
|
إلهي، إنّ الناس قد هجروا القرآن:
|
|
كما تناولت الآيات السابقة
أنواعاً من ذرائع المشركين والكافرين المعاندين، تتناول الآية الأُولى في مورد
البحث هنا حزن وشكاية الرّسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) بين يدي الله
عزَّوجلّ من كيفية تعامل هذه الفئة مع القرآن، فتقول: (وقال
الرّسول يا ربّ إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجوراً).( الظاهر أن جملة «قال» |
|
بحوث
|
|
1
ـ تفسير (جعلنا لكل نبيّ عدوّاً).
|
|
يفهم من هذه الجملة
ـ أحياناً ـ أن الله من أجل مواساة النّبي(ص) يقول: لست وحدك لك عدوّ، بل لقد جعلنا لكل نبي
عدوّاً، ولازم هذا القول إسناد وجود أعداء الأنبياء إلى الله تعالى، الأمر الذي
لا يتفق مع حكمته ولا مع أصل حرية وإرادة الإنسان. ذكر
المفسّرون أجوبة متعددة على هذا السؤال ... |
|
2
ـ الآثار العميقة لنزول القرآن التدريجي
|
|
صحيح أنّه كان للقرآن نزولان،
طبقاً للرّوايات (بل لظاهر بعض الآيات): أحدهما:
«نزول دفعي» مرّة واحدة في ليلة القدر على قلب النّبي(ص)، والآخر: «نزول تدريجي» في ثلاث وعشرين سنة، لكن بلا شك
أن النّزول المعترف به الذي كان النّبي والناس يتفاعلون معه دائماً هو النّزول
التدريجى للقرآن. و بعبارة أُخرى: إنّ أيّ واحد من هذه التشريعات في صورة النّزول التدريجي
سيتم هضمه واستيعابه بصورة جيدة، وفي حالة تعرضه لبعض الاستفهامات يمكن طرحها
والاجابة عليها. |
|
3 ـ معنى الترتيل
في القرآن:
|
|
كلمة «ترتيل» من
مادة «رتل» (على وزن قمر) بمعنى انتظم
واتسق، لذا فالعرب يقولون «رتل الأنسان» لمن تكون أسنانه جيدة ومنتظمة ومتسقة.
وعلى هذا الأساس يطلق الترتيل بمعنى القراءة المتسقة للكلام أو الآيات بموجب
نظام وحساب. |
|
4 ـ تفسير(يحشرون
على وجوههم إلى جهنم)
|
|
أقوال كثيرة بين
المفسّرين في ما هو المقصود بحشر هذه
الفئة من المجرمين على وجوههم!؟ وقالوا تارةً
اُخرى: انها كناية مستعملة في الأدب العربي حيث يقولون: فلان
مرَّ على وجهه، يعني أنّه لم يكن يدري أين يذهب. |
|
الآيات(35) (40) وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَبَ
وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَرُونَ وَزِيراً
|
|
وَلَقَدْ
ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَبَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَرُونَ وَزِيراً(35)
فَقُلْنَا اذْهَبَآ إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِأَيَتِنَا
فَدَمَّرْنَهُمْ تَدْمِيراً(36) وَقَوْمَ نُوح لَّمَّا كَذَّبُواْ الرُّسُلَ
أَغْرَقْنهُمْ وَجَعَلْنهُمْ لِلنَّاسِ ءايَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّلِمِينَ
عَذَاباً أَلِيماً (37)وَعَاداً وَثَموُدَاْ وَأَصْحبَ الرَّسِّ وَقُروُنَاً
بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً (38)وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ أَمْثَلَ وَكُلاَّ ً
تَبَّرْنَا تَتْبِيراً(39) وَلَقَدْ أَتَوْاْ عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِى
أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَل كَانُواْ لا
يَرْجوُنَ نُشوُراً(40) |
|
التّفسير |
|
مع كل هذه الدروس والعبر، ولكن...
|
|
أشار القرآن المجيد في هذه
الآيات إلى تاريخ الأُمم الماضية ومصيرهم المشؤوم مؤكّداً
على ست أمم بخاصّة (الفراعنة، وقوم نوح، وقوم عاد، وثمود، وأصحاب الرَّس، وقوم لوط)
وذلك لمواساة النّبي(ص) من جهة، ولتهديد المشركين المعاندين الذين مرَّ أنموذج من أقوالهم في
الآيات السابقة، من جهة أُخرى ويجسد دروس العبرة
من مصير هذه الأقوام بشكل مختصر وبليغ تماماً. «قوم عاد» هم قوم النّبي
«هود» العظيم، الذي بعث في منطقة (الأحقاف) أو (اليمن). |
|
بحثان
|
|
1
ـ من هم «أصحاب الرس»
|
|
كلمة «رسّ» في الأصل بمعنى
الأثر القليل، فيقال مثلا «رسّ الحديث في نفسي» (قليل من حديثه في ذاكرتي) أو يقال:
وجد رسّاً من حمى» (يعني: وجد قليلا من الحمّى في نفسه).( مفردات الراغب.) 4 ـ وذهب آخرون أنّهم كانوا
جماعة من العرب الماضين، يعيشون(شرح نهج البلاغه، لابن أبي الحديد، ج 1، ص 94.) بين الشام والحجاز. |
|
2
ـ مجموعة من الدروس المؤثرة:
|
|
ست فئات في الآيات
أعلاه، ذكرت أسماؤهم: قوم فرعون قوم
نوح المتعصبون، قوم عاد المتجبرون، ثمود، أصحاب الرس، وقوم لوط، حيث كان كل منهم
أسير نوع من الإنحراف الفكري والأخلاقي أدّى بهم إلى الهلاك والشقاء. |
|
الآيات(41) (44) وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ
إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِى بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا
|
|
وَإِذَا رَأَوْكَ
إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِى بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا(41)
إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ ءَالِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا
وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ العَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا
(42)أَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ
وَكِيلا(43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ
إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالاَْنْعَمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا(44) |
|
التّفسير |
|
أضلُّ من الأَنعام:
|
|
الملفت للإنتباه أنّ القرآن
المجيد لا يورد أقوال المشركين دفعة واحدة في آيات هذه السورة، بل أورد بعضاً
منها، فكان يتناولها بالردّ والموعظة والإنذار، ثمّ بعد ذلك يواصل تناول بعض آخر
بهذا الترتيب. أو أنّه فاقد للعلم ولكنّه
يسمع قول العلماء، فيكون مصداقاً لـ «يسمعون»، لكن هذه الفئة لا من أُولئك ولا
من هؤلاء، وعلى هذا فلا فرق بينهم وبين الانعام. وواضح أنّه لا يتوقع من الأنعام
غير الصياح والرفس والأفعال اللامنطقية. بل هم أتعس من الأنعام وأعجز، إذ أن
الأنعام لا تعقل ولا فكر لها، وهؤلاء لهم عقل وفكر، وتسافلوا إلى حال كهذه. |
|
بحثان
|
|
1
ـ اتباع الهوى وعواقبه الأليمة
|
|
لا شك أنّ في كيان الإنسان
غرائز وميولا مختلفة، وجميعها ضروري لإدامة حياته، الغيظ والغضب، حب النفس، حب
المال والحياة المادية، وأمثالها، ولا شك أنّ مبدع الوجود خلقها جميعاً لذلك
الهدف التكاملي. وفي الروايات
الإسلامية أيضاً، نلاحظ تعبيرات مؤثرة في هذا الصدد: و«لا عقل مع هوى».( غرر الحكم، الجملة 10541 .) |
|
2 ـ لماذا أَضلُّ
من الأنعام!؟
|
|
لتجسيد أهمية الموضوع في
الآيات أعلاه، يبيّن القرآن أوّلا: أن الذين
اتّخذوا اهواءهم آلهه يعبدونها هم كالأنعام، وبعد ذلك يضيف مشدداً: بل هم
أضل! |
|
الآيات(45) (50) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ
الضِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ
|
|
أَلَمْ تَرَ إِلَى
رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الضِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ
جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا(45) ثُمَّ قَبَضْنَهُ إِلَيْنَا قَبْضاً
يَسِيراً (46)وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ
سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورَاً(47) وَهُوَ الَّذِى أَرْسَلَ الرِّيَحَ
بُشْرَاً بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءَ
طَهُوراً(48) لِّنُحْىَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ
أَنْعَماً وَأَنَاسِىَّ كَثِيراً (49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَهُ بَيْنَهُمْ
لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً(50) |
|
التّفسير |
|
حركة الظلال:
|
|
في هذه الآيات كلام في أقسام
مهمّة من النعم الإلهية، على سبيل بيان أسرار التوحيد ومعرفة الله، الأُمور التي
يزيدنا التفكر فيها معرفة بخالقنا وقرباً منه، ومع الإلتفات إلى أنّ المحاورات
الكثيرة في الآيات الماضية كانت مع المشركين، تتّضح صلة وارتباط هذه الآيات
بالآيات السابقة. في هذه الآيات، كلام في نعمة
«الضلال» ثمّ في آثار وبركات «الليل» و«النوم و الإستراحة» و«ضياء» النهار
و«هبوب الرياح» و«نزول المطر» و«إحياء الأراضي الموات» و«سقاية» الأنعام والناس. لذا فإنّ آيات قرآنية أُخرى
تعدُّ وجود الليل والنهار، الواحد تلو الآخر، من النعم الإلهية العظيمة، ففي
موضع يقول تعالى: (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل
سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء، أفلا تسمعون). ويضيف
مباشرة (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى
يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون).( القصص، 71 و72.) هذا التعبير ـ في الحقيقة ـ
إشارة إلى تعطيل جميع الفعاليات الجسمانية أثناء النوم، لأنّنا نعلم أن قسماً
مهماً من الأفعال البدنية يتوقف كلياً في حال النوم، وقسماً آخر مثل عمل القلب
وجهاز التنفس يؤدي عمله بصورة وئيدة جدّاً، ويستمر بصورة أكثر هدوءً كيما يرتفع
التعب وتتجدد القوى. |
|
ملاحظات
|
|
و هنا ملاحظات
مهمّة: لكن الحق أن هذا
الضمير يرجع إلى القرآن وآياته، لأن هذا
التعبير (بصيغة الفعل الماضي والمضارع) ورد في
عشرة مواضع من القرآن المجيد، حيث أُرجع في تسعة مواضع إلى آيات القرآن وبياناته
صراحة، وأُتبع بجملة «ليذكروا» أو ما يشابهها في موارد متعددة. على هذا فمن
البعيد جداً أن يأخذ هذا التعبير مفهوماً آخر في هذا المورد الواحد. |
|
الآيات(51) (55)
وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِى كُلِّ قَرْيَة نَّذِيزاً(51) فَلاَ تُطِعِ
الْكَفِرِينَ
|
|
وَلَوْ شِئْنَا
لَبَعَثْنَا فِى كُلِّ قَرْيَة نَّذِيزاً(51) فَلاَ تُطِعِ الْكَفِرِينَ
وَجَهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبيراً(52) وَهُوَ الَّذِى مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ
هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً
وَحِجْراً مَّحْجُوراً(53) وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْمَآءِ بَشَراً
فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً(54) وَيَعْبُدُونَ مِن
دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الكَافِرُ عَلَى
رَبِّهِ ظَهِيراً (55) |
|
التّفسير |
|
بحران متجاوران: عذب فرات وملح أُجاج:
|
|
الآية الأُولى ـ
مورد البحث ـ أشارت إلى عظمة مقام
النّبي(ص)، يقول تعالى: لو أردنا لبعثنا نبيّاً في كل مدينة وبلد، لكنّنا لم
نفعل هذا وألقينا مسؤولية هداية العالمين على عاتقك: (ولو
شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً). ولكن هذه الرّوايات
تعتبر بيان للمصاديق الواضحة، ولا تقدح
بعمومية مفهوم الآية، فالآية تشمل كل ارتباط يكون عن طريق النسب والمصاهرة، وأحد
مصاديقها الواضحة كان ارتباط علي(ع) من جهتين مع النّبي(ص). |
|
مسألتان
|
|
1
ـ وحدة القيادة
|
|
في الآية الأُولى ـ مورد
البحث ـ قرأنا قوله تعالى: (ولو شئنا لبعثنا في كل قرية
نذيراً) ولكننا لم نفعل مثل هذا... ومن المسلّم أن علة ذلك لأن الأنبياء
قادة الأُمم، ونعلم أن التعدد في مسألة القيادة يؤدي إلى إضعاف كل أُمّة وشعب،
خاصّة و أنّ الكلام هنا عن خاتم الأنبياء(ص)، ويجب أن تستمر هذه القيادة حتى
نهاية العالم. لذا تتّضح ـ أكثر ـ أهمية التمركز والوحدة في القيادة. |
|
2
ـ القرآن وسيلة الجهاد الكبير
|
|
«الجهاد
الكبير» تعبير بليغ عن أهمية منهج الكفاح الرّباني البنّاء. قال: فقام عنه الأخنس وتركه.( سيرة ابن هشام، ج 1، ص 337;
وفي ظلال القرآن، ج 6، ص 172 .) |
|
الآيات(56) (59) وَ
مَآ أَرْسَلنَكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً(56) قُلْ مَآ أَسْئَلُكُم
عَلَيْهِ مِنْ أَجْر
|
|
وَ مَآ أَرْسَلنَكَ
إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً(56) قُلْ مَآ أَسْئَلُكُم عَلَيْهِ مِنْ أَجْر
إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا(57) وَتَوَكَّلْ عَلَى
الْحَىِّ الَّذِى لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ
عِبَادِهِ خَبِيراً (58)الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضَ وَمَا
بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّام ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ الَّرحْمَنُ
فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً(59) |
|
التّفسير |
|
أَجري هو هدايتكم:
|
|
كان الكلام في الآيات السابقة
حول إصرار الوثنيين على عبادتهم الأصنام التي لا تضرُّ ولا تنفع، وفي الآية
الحالية الأُولى يشير القرآن إلى مهمّة النّبي(ص)قبالة هؤلاء المتعصبين
المعاندين، فيقول تعالى: (وما أرسلناك إلاّ مبشراً
ونذيراً).(
«نذير» إذا لم يتقبل هؤلاء دعوتك،
فلا جناح عليك، فقد أديت مهمتك في البشارة والإِنذار، ودعوت القلوب المستعدة إلى
الله. |
|
مسألتان
|
|
1
ـ أجر الرسالة
|
|
نقرأ في كثير من آيات القرآن أنّ أنبياء الله كانوا يبيّنون هذه الحقيقة بصراحة:
إنّنا لا نسأل أي أجر من أي أحد، بل إنّ أجرنا على الله العظيم فقط. |
|
2
ـ على من يجب التوكل؟
|
|
في الآيات أعلاه، يأمر الله
تبارك وتعالى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بالتوكل، وأن يصرف النظر عن جميع
المخلوقات، وينظر إلى الله عزَّوجلّ فقط. |
|
الآيات(60) (62)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُواْ لِلرَّحْمَنِ قَالُواْ وَمَا الرَّحْمَنُ
أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا
|
|
وَإِذَا قِيلَ
لَهُمُ اسْجُدُواْ لِلرَّحْمَنِ قَالُواْ وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا
تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً(60) تَبَارَكَ الَّذِى جَعَلَ فِى السَّمَآءِ
بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِرجاً وَقَمَراً مُّنِيراً(61) وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ
الَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أرَادَ
شُكُوراً (62) |
|
التّفسير |
|
البروج السماوية:
|
|
كان الكلام في الآيات الماضية
عن عظمة وقدرة الله، وعن رحمته أيضاً، ويضيف الله تعالى في الآية الأُولى هنا: (وإذا قيل لهم
اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن). الآية التالية
إجابة على سؤالهم حيث كانوا
يقولون: «وما الرحمن»، وإن كانوا يقولون هذا على سبيل السخرية، لكن القرآن
يجيبهم إجابة جادة، يقول تعالى: (تبارك الذي جعل في
السماء بروجاً). فمن الممكن أن يكون دليله أن «السراج» بمعنى المنبع الضوئي الذي نوره مستمدٌ من ذاته وهذا ينطبق على حال الشمس، حيث أنّ من المسلمات العلمية طبقاً
للتحقيقات أن نورها من نفسها. بخلاف القمر الذي نوره من ضياء الشمس، ولذا وصفه بـ «المنير» الذي يستمد نوره من غيره
دائماً، (في التّفسير الأمثل، أوردنا القول مفصلا في
هذا الصدد، ذيل الآية 5 و 6 سورة يونس). |
|
الآيات(63) (67)
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الاَْرْضِ هَوْناً وَإِذَا
خَاطَبَهُمُ الْجَهِلُونَ
|
|
وَعِبَادُ
الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الاَْرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ
الْجَهِلُونَ قَالُواْ سَلَماً(63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً
وَقِيماً(64) وَالَّذِينَ يَقوُلُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ
إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً(65) إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً
وَمُقَاماً(66) وَالَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ
يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذلِكَ قَوَاماً(67) |
|
التّفسير |
|
الصفات الخاصّة لعباد الرحمن:
|
|
هذه الآيات ـ فما بعد ـ
تستعرض بحثاً جامعاً فذاً حول الصفات الخاصّة لعباد الرحمن، إكمالا للآيات
الماضية حيث كان المشركون المعاندون حينما يذكر اسم الله «الرحمن» يقولون وملء
رؤوسهم استهزاء وغرور «وما الرحمن»؟ ورأينا أن القرآن يعرّف لهم «الرحمن» ضمن
آيتين، وجاء الدور الآن ليعرّف «عباد الرحمن». في إحدى الروايات الإِسلامية،
ورد تشبيه رائع للإِسراف والإِقتار وحد الإِعتدال، تقول الرّواية: تلا أبو عبد
الله(عليه السلام) هذه الآية: (والذين إذا أنفقوا لم
يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً). قال: فأخذ قبضة من حصى وقبضها
بيده، فقال: هذا الإِقتار الذي ذكره الله
عزَّوجلّ في كتابه، ثمّ قبض قبضة أُخرى فأرخى
كفَّه كلَّها، ثمّ قال: هذا الإِسراف، ثمّ أخذ
قبضة أخرى فأرخى بعضها وأمسك بعضها وقال: هذا القوام».(
الكافي: طبقاً لنقل تفسير نور الثقلين، ج 4، ص 29.) |
|
مسألتان
|
|
1
ـ طريقة مشي المؤمنين
|
|
قرأنا في الآيات أعلاه أنّ التواضع أحد علائم «عباد الرحمن»، التواضع الذي
يهيمن على أرواحهم بحيث يظهر حتى في مشيتهم، التواضع الذي يدفعهم إلى التسليم
أمام الحق. لكن من الممكن أحياناً أن يتوهم البعض في
التواضع ضعفاً وعجزاً وخوراً وكسلا، وهذا النمط من التفكير خطير جدّاً. |
|
2
ـ البخل والإسراف
|
|
لا شك أنّ
«الإِسراف» واحد من الأعمال الذميمة
بنظر القرآن والإِسلام، وورد ذم كثير له في الآيات والرّوايات، فالإسراف كان
نهجاً فرعونياً: (وإنّ فرعون لعال في الأرض وأنّه لمن
المسرفين).( سورة
يونس، الآية 83.) |
|
الآيات(68) (71) وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ
إِلَهاً ءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلا
بِالْحَقِّ
|
|
وَالَّذِينَ لاَ
يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى
حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلقَ
أَثَاماً (68)يُضَعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ ويَخْلُدْ فِيهِ
مُهَاناً(69) إِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَلِحاً فَأُوْلَئِكَ
يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَت وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً
رَّحِيماً(70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَلِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ
مَتَاباً(71) |
|
التّفسير |
|
بحث آخر في صفات عباد الرحمن:
|
|
ميزة «عباد الرحمن»
السادسة التي وردت في هذه الآيات هي التوحيد الخالص الذي بيعدهم
عن كل أنواع الشرك والثنوية والتعددية في العبادة، فيقول تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر). فضلا عن أنّ ذنباً ما يكون
أحياناً مصدر الذنوب الأُخرى، مثل الكفر الذي يسبب ترك الواجبات وارتكاب
المحرمات، وهذا نفسه موجب لمضاعفة العذاب الإلهي. |
|
تبديل السيئات حسنات:
|
|
هنا عدّة تفاسير،
يمكن القبول بها جميعاً: |
|
الآيات(72) (76) وَ
الَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِااللَّغْوِ مَرُّواْ
كِرَاماً
|
|
وَ الَّذِينَ لاَ
يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِااللَّغْوِ مَرُّواْ كِرَاماً
(72)وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِأَيَتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا
صُمّاً وَعُمْيَاناً(73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَجِنَا
وَذُرِّيَّتِنَا قُرَّةَ أَعْيُن وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً(74)
أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَروُاْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا
تَحِيَّةً وَسَلَماً(75) خَلِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً(76) |
|
التّفسير |
|
جزاء «عباد الرحمن»:
|
|
في متابعة للآيات الماضية
التي كررت القول في خصائص «عباد الرحمن»، تشرح هذه الآيات بقية هذه الصفات: هذا النوع من
الأفراد أداة بيد الأعداء، ولقمة سائغة للشياطين، المؤمنون وحدهم
هم المتدبرون المبصرون السامعون كمثل الجبل الراسخ، فلا يكونون لعبة بيد هذا أو
ذاك. نقرأ في روايات متعددة أنّ
هذه الآية نزلت في علي(عليه السلام) وائمّة أهل البيت(عليهم السلام). |
|
الآية(77) قُلْ مَا
يَعْبَؤُاْبِكُمْ رَبِّى لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ
يَكُونُ لِزَامَا(77)
|
|
قُلْ مَا
يَعْبَؤُاْبِكُمْ رَبِّى لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ
يَكُونُ لِزَامَا(77) |
|
التّفسير |
|
لولا دعاؤكم، لما كانت لكم قيمة:
|
|
هذه الآية التي هي
الآية الأخيرة في سورة الفرقان، جاءت في الحقيقة نتيجة لكل السورة، وللأبحاث التي بصدد
صفات «عباد الرحمن» في الآيات السابقة، فيقول
تبارك وتعالى مخاطباً النّبي (قل ما يعبؤبكم ربّي لو لا دعاؤكم). وبعض: بمعنى التضرع إلى الله في المحن والشدائد. |
|
الدعاء طريق إصلاح النفس ومعرفة الله:
|
|
معلوم أن مسألة الدعاء أعطيت أهمية كبيرة في آيات القرآن والرّوايات الإسلامية، حيث
كانت الآية أعلاه أنموذجاً منها، غير أن قد يكون القبول بهذا الأمر ابتداءً
صعباً على البعض، كأنّه يقال: الدعاء عمل سهل جدّاً، ويمكن أن يؤديه الجميع أو
يتوسعون أكثر فيقولون: الدعاء عمل المغلوبين على أمرهم، الأمر الذي لا أهمية له. نهاية سورة الفرقان |
|
|
|