- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
سورة
المؤمنون مكيّة وعددُ آياتِها مائة وثماني عَشرة آية
|
|
«سورة
المؤمنون» |
|
فضيلة
سورة المؤمنون:
|
|
ذكرت أحاديث مروية عن الرّسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) فضائل لهذه السورة.
فعن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) «من قرأ سورة المؤمنين، بشّرته الملائكة
يوم القيامة بالروح والريحان وما تقرّ به عينه عند نزول ملك الموت»( تفسير مجمع البيان، المجلّد السابع، صفحة 98..) |
|
مضمون
سورة المؤمنين:
|
|
القسم المهمّ من هذه السورة ـ كما
يبدو من اسمها ـ تحدّث عن صفات المؤمنين البارزة، ثمّ
تناولت السورة العقيدة والعمل بها، وهي تتمّة لتلك الصفات. وأخيراً تناول
القسم السابع حساب يوم القيامة، وجزاء
الخير للمحسنين، وعقاب المذنبين. وينهي السورة ببيان الغاية من خلق الإنسان. |
|
الآيات(1) (11) قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ(1) الَّذِينَ هُمْ فِى
صَلاَتِهِمْ خَشِعُونَ(2)وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ الَّلْغوِ مُعْرِضُونَ
|
|
قَدْ أَفْلَحَ
الْمُؤْمِنُونَ(1) الَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَشِعُونَ(2)وَالَّذِينَ هُمْ
عَنِ الَّلْغوِ مُعْرِضُونَ(3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَوةِ فَعِلُونَ(4)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَفِظُونَ(4) إِلاَّ عَلَى أَزْوَجِهِمْ أَوْ
مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(6) فَمَنِ ابْتَغَى
وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ(6) وَالَّذِينَ هُمْ
لاَِمَنَتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَعُونَ(8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَتِهِمْ
يُحَافِظُونَ(9) أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَرِثُونَ(10) الَّذِينَ يَرِثُونَ
الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ(11) |
|
التّفسير |
|
صفات
المؤمنين البارزة:
|
|
إختيار اسم
المؤمنين لهذه السورة ـ كما تقدّم ـ
لأنّه جاء في بدايتها آيات شرحت بعبارات وجيزة معبّرة صفات المؤمنين، وممّا يلفت
النظر أنّها أشارت إلى مستقبل المؤمنين السعيد قبل بيان صفاتهم، إستنارةً للشوق
في قلوب المسلمين للوصول إلى هذا الفخر العظيم بإكتساب صفة المؤمنين. تقول الآية
(قد أفلح المؤمنون). وأشارت الآية
الثامنة ـ موضع البحث ـ إلى الصفتين
الخامسة والسادسة من صفات المؤمنين البارزة، حيث تقول: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) إنّ المحافظة على «الأمانة» بالمعنى الواسع للكلمة، وكذلك الإلتزام
بالعهد والميثاق بين يدي الخالق والخلق من صفات المؤمنين البارزة. وتعني الأمانة بمفهومها الواسع أمانة الله ورسوله
إضافة إلى أمانات الناس، وكذلك ما أنعم الله على خلقه. وتضمّ
أيضاً أمانة الله الدين الحقّ والكتب السماوية وتعاليم الأنبياء القدماء،
وكذلك الأموال والأبناء والمناصب جميعها أمانات الله سبحانه وتعالى بيد البشر،
يسعى المؤمنون في المحافظة عليها وأداء حقّها. ويحرسونها ما داموا أحياءاً.
ويرثها أبناؤهم الذين تربّوا على أداء الأمانات والحفاظ عليها. والجدير بالملاحظة أنّ بعض آيات القرآن عبّرت عن ذلك العهد بأداء الأمانة
وعدم خيانتها والمحافظة عليها، و «رعاية الأمانة»
التي استعملت في الآية السابقة تضمّ معنى الأداء والمحافظة. |
|
ملاحظات:
الزوجة الدائمة والمؤقتة، الخشوع روح الصلاة
|
|
1 ـ إختيار الفعل الماضي «أفلح»
لنجاح المؤمنين، تأكيد أقوى، أي إنّ نجاحهم طبيعي وكأنّه
تحقّق من قبل. وجاءت كلمة (قد) أيضاً لتأكيد هذا الموضوع ثانية. وجاءت عبارات (خاشعون) و
(معرضون) و (راعون) و
(يحافظون) بصيغة اسم فاعل أو فعل مضارع دليلا
على أنّ هذه الصفات البارزة ليست مؤقتة في
المؤمنين الحقيقيين، بل هي دائمة فيهم. |
|
الآيات(12) (16) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الاِْنسَنَ مِن سُلَلَة مِّن طِين(12)
ثُمَّ جَعَلْنَهُ نُطْفَةً فِى قَرَار مَّكِين
|
|
وَلَقَدْ خَلَقْنَا
الاِْنسَنَ مِن سُلَلَة مِّن طِين(12) ثُمَّ جَعَلْنَهُ نُطْفَةً فِى قَرَار
مَّكِين(13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ
مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَماً فَكَسَوْنَا الْعِظَمَ لَحْماً ثُمَّ
أَنشَأْنَهُ خَلْقاً ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَلِقِينَ(14) ثُمَّ
إِنَّكُم بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ(15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ
تُبْعَثُونَ (16) |
|
التّفسير |
|
مراحل
تكامل الجنين في الرحم:
|
إنّ ذكر الآيات السابقة أوصاف
المؤمنين الحقيقيين، وما يمنحهم الله من جزاء عظيم يبعث في القلوب الشوق
للإلتحاق بصفوفهم، لكن بأي طريق؟ تقول الآيات أوّلا: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين)( «السلالة» على وزن «عصارة» تعني الشيء الذي يستخلص من شيء
آخر، وهي في الحقيقة خلاصة ونتيجة منه (مجمع البيان حول الآية موضع البحث)..) هذه المراحل الأربعة المختلفة مضافاً إلى
مرحلة النطفة تشكّل خمس مراحل، كلّ منها عالم عجيب بذاته مليء بالعجائب بحثت
بدقّة في علم الجنين، وأُلّفت بصددها
كتب وبحوث عميقة في عصرنا، إلاّ أنّ القرآن تكلّم عن هذه المراحل المختلفة لجنين
الإنسان، وبيّن عجائبه يوم لم يولد هذا العلم ولا يكن له أثر. |
|
بحوث
|
|
1 ـ اتّباع
المبدأ والمعاد بدليل واحد
|
|
|
إستخدمت الآيات المذكورة أعلاه لإثبات وجود الله وقدرته وعظمته نفس الدليل الذي إستخدمته سورة الحجّ لإثبات المعاد،
وهو مسألة المراحل المختلفة لخلق الإنسان في عالم الجنين. كما إنتقلت آخر هذه الآيات
إلى بحث مسألة المعاد(تناولنا في بداية سورة
الحجّ خلال البحث الآيتين الخامسة والسابعة أدلّة المعاد ومنها إستعراض
مراحل الجنين في الرحم..) |
|
2 ـ آخر مرحلة في
تكامل جنين الإنسان في الرحم
|
|
ممّا يلفت النظر إستخدام
الآيات السابقة لمراحل الجنين الخمسة تعبير «الخلق»،
في حين إستخدمت كلمة «الإنشاء» لآخر مرحلة، وكما
ذكر اللغويون فإنّ كلمة «الإنشاء» تعني (خلق الشيء مع تربيته) وهذا التعبير يدلّ على إختلاف هذه
المرحلة عن المراحل السابقة (مرحلة النطفة والعلقة والمضغة واللحم والعظم)
إختلافاً بيّناً. مرحلة ذكرها القرآن في عبارة موجزة (ثمّ
أنشأناه خلقاً آخر)ويعقّب ذلك مباشرةً بالقول: (فتبارك
الله أحسن الخالقين). |
|
3 ـ كساء اللحم فوق العظام
|
|
ذكر مفسّر (في ظلال
القرآن) عند تفسير هذه الآية جملة مدهشة هي أنّ الجنين بعد قطعه
مرحلة «العلقة» و «المضغة» تتبدّل خلاياه إلى خلايا عظميّة، ثمّ تكتسي بالتدريج
بالعضلات واللحم. لهذا فإنّ عبارة (كسونا العظام لحماً)
معجزة علمية تكشف سرّاً لم يكن يعلم به أي شخص حتّى ذلك الزمن. لأنّ القرآن لم
يقل: أبدلنا المضغة عظماً ولحماً، بل قال: (فخلقنا
المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً)أي تبدّلت المضغة إلى عظام أوّلا، ثمّ
اكتست باللحم. |
|
4 ـ اللباس صيانة
للعظام!
|
|
إنّ إستخدام اللباس للتعبير
عن العضلات واللحم يكشف لنا حقيقة قباحة شكل الإنسان إن فقد هذا اللباس الذي
يكسو العظام (فيصبح هيكلا عظميّاً مرعباً كما شاهدناه جميعاً أو شاهدنا صورته)
إضافة إلى ذلك فإنّ اللباس يحمي الجسم، وهكذا اللحم والعضلات تحمي العظام،
وبفقدانها تتلقّى العظام ضربات تؤدّي إلى كسرها، ويؤدّي اللحم وظيفة اللباس
بالنسبة للعظام في المحافظة عليها من الحرّ والبرد. وهذا كلّه يبيّن لنا قوّة
التعبير القرآني ودقّته. |
|
الآيات(17) (22)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ
غَفِلِينَ
|
|
وَلَقَدْ خَلَقْنَا
فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَفِلِينَ(17)
وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَر فَأَسْكَنَّهُ فِى الاَْرْضِ
وَإِنَّا عَلَى ذَهَاب بِهِ لَقَدِرُونَ(18) فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّت
مِّن نَّخِيل وَأَعْنَب لَّكُمْ فِيهَا فَوَكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا
تَأْكُلُونَ(19) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ
وَصِبْغ لِّلآكِلِينَ(20) وَإِنَّ لَكُمْ فِى الاَْنْعَمِ لَعِبْرَةً
نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَفِعُ كَثِيرَةٌ
وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ(21) وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ(22) |
|
التّفسير |
|
مرّة
أُخرى مع علائم التوحيد:
|
قلنا: إنّ القرآن تناول سبل
كسب الإيمان بعد ذكر صفات المؤمنين، كما تحدّثت الآيات السابقة عن آيات الله
العظيمة في وجودنا، وتناولت هذه الآيات بعدها عالم الظاهر وآفاق الكون وعظمة خلق
الأرض والسموات، حيث قالت الآية الأُولى: (ولقد خلقنا
فوقكم سبع طرائق). ثمّ تشرح الآية
«العبرة» فتقول: (نسقيكم ممّا في بطونها). أجل إنّ الحيوان يدرّ حليباً
لذيذاً يعتبر غذاءً كاملا، ويمنح الجسم حرارة كبيرة، ويخرج الحليب من بين الدم
على شكل دفعات كما ينزف الدم، لتعلموا قدرة الله حيث يتمكّن بها من خلق غذاء
طاهر لذيذ من بين أشياء تبدو ملوّثة. |
|
الآيات(23) (25)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ
مَا لَكُم مِّنْ إِلَه غَيْرُهُ
|
|
وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم
مِّنْ إِلَه غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ(23) فَقَالَ الْمَلَؤُا الَّذِينَ
كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن
يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لاََنزَلَ مَلَئِكَةً مَّا سَمِعْنَا
بِهَذَا فِى ءَابَائِنَا الاَْوَّلِينَ(24) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ
جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِين(25) |
|
التّفسير |
|
|
منطق
الجبناء المغرورين:
|
|
تحدّثت الآيات السابقة عن
التوحيد ومعرفة الله وأسباب عظمته في عالم الخليقة، أمّا الآيات ـ موضوع البحث والآيات المقبلة ـ فقد تناولت نفس
الموضوع على لسان كبار الأنبياء ومن خلال تاريخ حياتهم. وعلى كلّ حال فإنّ المخالفين وجّهوا
إلى نوح (ع) ثلاثة إتّهامات واهية متناقضة،
واعتبروا كلّ واحد منها دليلا ينفي رسالته: |
|
الآيات(26) (30)
قَالَ رَبِّ انصُرْنِى بِمَا كَذَّبُونِ(26) فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ
اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا
|
|
قَالَ رَبِّ
انصُرْنِى بِمَا كَذَّبُونِ(26) فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ
بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ
فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ
الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلاَ تُخَطِبْنِي فِى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم
مُّغْرَقُونَ(27) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ
فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى نَجَّنَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّلِمِينَ(28)
وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِى مُنزَلا مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ(29)
إِنَّ فِى ذَلِكَ لآَيَت وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ(30) |
|
التّفسير |
|
خاتمة
حياة قوم معاندين:
|
|
اطّلعنا من الآيات السابقة
على التهم التي وجّهها أعداء نوح (ع) إليه. إلاّ أنّه يستدلّ من آيات قرآنية
أُخرى ـ بشكل واضح ـ أن أذى القوم المعاندين لنوح (ع)لم يتحدّد بهذه الاُمور، بل
شمل كلّ وسيلة يمكن بها إيذاؤه، في حين بذل ـ سلام الله
عليه ـ جميع ما في وسعه في سبيل هدايتهم وإنقاذهم من براثن الشرك والكفر. وعندما يئس منهم حيث لم يؤمن بما جاء به إلاّ مجموعة
صغيرة، دعا الله ليعينه، حيث نقرأ في الآية الأُولى
(قال ربّ انصرني بما كذّبون)( الباء في «بما كذّبون»
ربّما كانت سببيّة أو للمقابلة. وأمّا «ما» فيمكن أن تكون مصدرية أو موصولة،
ويختلف معنى كلّ منهما. إلاّ أنّ هذا الإختلاف ليس مهمّاً (فتأمّلوا جيداً)..) كلمة «منزل»
ربّما كانت اسم مكان، أي: بعد الطوفان ندعو الله
لينزلنا في أرض ذات خيرات واسعة، لنحيا فيها بسعادة وهدوء. |
|
الآيات(31) (41)
ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءَاخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ
رَسُولا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ
|
|
ثُمَّ أَنشَأْنَا
مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءَاخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ
أَنِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَه غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ
(32)وَقَالَ الْمَلاَُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ
الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ
مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا
تَشْرَبُونَ(33) وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً
لَّخَسِرُونَ(34) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً
وَعِظَماً أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ(35) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ(36)
إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ
بِمَبْعُوثِينَ(37) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً وَمَا
نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38) قَالَ رَبِّ انصُرْنِى بِمَا كَذَّبُونِ(39)
قَالَ عَمَّا قَلِيل لَّيُصْبِحُنَّ نَدِمِينَ(40) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ
بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَهُمْ غُثَاءً فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّلِمِينَ(41) |
|
التّفسير |
|
المصير
المؤلم لقوم ثمود:
|
|
تحدّثت هذه الآيات عن أقوام
آخرين جاؤوا بعد قوم نوح (ع). ومنطقهم يتناغم ومنطق الكفّار السابقين، كما شرحت
مصيرهم الأليم، فأكملت بذلك ما بحثته الآيات السابقة. |
|
تعليقات:
|
|
1 ـ الحياة
المترفة وأثرها المشؤوم
|
|
بيّنت الآيات السابقة العلاقة بين «الترف» (حياة
الأشراف المنّعمين) وبين «الكفر وإنكار
لقاء الله» وهذه هي الحقيقة بعينها. فالذين يعيشون مترفين يطلقون العنان
لشهواتهم الحيوانية. فمن الواضح أنّهم لايقبلون برقابة إلهيّة، ولا يعترفون بيوم
البعث حيث تنتظرهم محكمة العدل الإلهي. والإقرار بذلك يونّب ضمائرهم ويثير الناس
عليهم، لهذا فانّ هؤلاء الأشخاص لا يقرّون بالعبودية لله، وينكرون المبدأ
والمعاد، ويرون الحياة كما ذكرت الآيات السابقة (إن هي
إلاّ حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين). |
|
2 ـ «التراب» و
«العظام»
|
|
يتفسّخ جسم الإنسان بعد موته
حتّى يتحوّل إلى تراب، إلاّ أنّ الآية السابقة قدّمت التراب على العظام، لماذا؟ |
|
3 ـ ما معنى
الغثاء؟
|
|
اطّلعنا على مصير قوم ثمود
وهو ـ كما ذكرته الآيات السابقة ـ أنّهم قد أصبحوا «غثاء».
والغثاء، يعني النباتات الجافّة المتراكمة والطافية على مياه السيول، كما
يطلق الغثاء على الزبد المتراكم على ماء القدر حين الغليان، وتشبيه الأجسام
الميتة بالغثاء دليل على منتهى ضعفها وإنكسارها وتفاهتها، لأنّ هشيم النبات فوق
مياه السيل تافه لا قيمة له، ولا أثر له بعد إنتهاء السيل (وقد شرحنا بإسهاب الصيحة السماوية في تفسير
الآية 67 من سورة هود) هذا ولم يكن هذا
العقاب خاصّاً ـ فقط ـ بقوم ثمود، حيث هناك أقوام أُخرى اُهلكت به. وقد تمّ شرحه
في حينه. |
|
4 ـ مصير عام
|
|
وممّا يلفت النظر أنّ آخر
عبارة في الآيات ـ موضع البحث ـ أخرجت القضيّة من إطارها وجعلتها قانوناً
عامّاً، حيث تقول: (فبعداً للقوم الظالمين) وهذا
إستنتاج نهائي من كلّ هذه الآيات، فما قيل بصدد إنكار وتكذيب الآيات الإلهيّة
والمعاد والعاقبة المؤلمة والنهاية السيّئة لا تختّص بجماعة معيّنة، بل تشمل
جميع الظلمة عبر التاريخ. |
|
الآيات(42) (44)
ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً ءَاخَرِينَ(42) مَا تَسْبِقُ مِنْ
أُمَّة أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَئْخِرُونَ
|
|
ثُمَّ أَنشَأْنَا
مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً ءَاخَرِينَ(42) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّة أَجَلَهَا
وَمَا يَسْتَئْخِرُونَ(43) ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ
أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضاً وَجَعَلْنَهُمْ
أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْم لاَّ يُؤْمِنُونَ (44) |
|
التّفسير |
|
هلاك
الأقوام المعاندين الواحد بعد الآخر:
|
|
بعد أن تحدّث القرآن عن قصّة
قوم نوح، أشار إلى أقوام أُخرى جاءت بعدهم، وقبل النّبي موسى (ع) حيث يقول: (ثمّ أنشأنا من بعدهم قروناً آخرين)لأنّ هذا أمر الله
وسنّته في خلقه، فالفيض الإلهي لا ينقطع عن عباده فلو سعى جماعة للوقوف في وجه
مسيرة التكامل الإنساني للبشرية لمحقهم ودفع هذه المسيرة إلى أمام. «الأجل» بمعنى العمر ومدّة الشيء، كأن
نقول: أجل هذا الصكّ ثلاثة أشهر، أي أنّ مدّته تنتهي بعد ثلاثة أشهر، أو إلى أجل مسمّى أي إلى تاريخ محدّد. |
|
الآيات(45) (49)
ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَرُونَ بِآيَتِنَا وَسُلْطَن مُّبِين(45)إِلَى
فِرْعَوْنَ وَمَلاَِيْهِ فَاسْتَكْبَرُوا
|
|
ثُمَّ أَرْسَلْنَا
مُوسَى وَأَخَاهُ هَرُونَ بِآيَتِنَا وَسُلْطَن مُّبِين(45)إِلَى فِرْعَوْنَ
وَمَلاَِيْهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً عَالِينَ(45) فَقَالُوا
أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَبِدُونَ(46)
فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ(48) وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى
الْكِتَبَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ(49) |
|
التّفسير |
|
قيام موسى وهلاك
الفراعنة:
|
|
كان الحديث حتّى الآن عن
أقوام بعث الله لهم رسلا قبل موسى (عليه السلام)، وهلكوا. أمّا الآيات موضع
البحث فقد تحدّثت بإختصار جدّاً عن إنتفاضة موسى وهارون على الفراعنة، ومصير
هؤلاء القوم المستكبرين فقالت: (ثمّ أرسلنا موسى وأخاه
هارون بآياتنا وسلطان مبين). |
|
الآية
(50)وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ءَايَةً وَءَاوَيْنَهُمَا إِلَى
رَبْوَة ذَاتِ قَرَار وَمَعِين
|
|
وَجَعَلْنَا ابْنَ
مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ءَايَةً وَءَاوَيْنَهُمَا إِلَى رَبْوَة ذَاتِ قَرَار
وَمَعِين (50) |
|
التّفسير |
|
آية
أُخرى من آيات الله:
|
|
أشارت الآية في آخر مرحلة من
شرحها لحياة الأنبياء إلى السيّد المسيح (عليه السلام)واُمّه مريم، فقالت: (وجعلنا ابن مريم واُمّه آية). وقد استعملت «الآية» عبارة «ابن مريم» بدلا من ذكر اسم عيسى (ع)، لجلب
الإنتباه إلى حقيقة ولادته من اُمّ دون أب بأمر من الله، وهذه الولادة هي بذاتها
من آيات الله الكبيرة. |
|
الآيات(51) (54)
يَأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلوا مِنِ الطَّيِّبَتِ وَاعْمَلُوا صَلِحاً إِنِّى بِمَا
تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ(51)
|
|
يَأَيُّهَا
الرُّسُلُ كُلوا مِنِ الطَّيِّبَتِ وَاعْمَلُوا صَلِحاً إِنِّى بِمَا
تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ(51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَحِدَةً وَأَنَا
رَبُّكُمْ فَاتَّقونِ(52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ
حِزْبِ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ(53) فَذَرْهُمْ فِى غَمْرَتِهِمْ حَتَّى
حِين(54) |
|
التّفسير |
|
جميع
الاُمّة يد واحدة:
|
|
تحدّثت الآيات السابقة عن
ماضي الأنبياء واُممهم، أمّا هذه الآيات فخاطبت الجميع فقالت: (ياأيّها الرسل كلوا من الطيّبات واعملوا صالحاً إنّي بما
تعملون عليم). |
|
الآيات(55) (61)
أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّال وَبَنِينَ(55) نُسَارِعُ
لَهُمْ فِي الْخَيْرَتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ
|
|
أَيَحْسَبُونَ
أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّال وَبَنِينَ(55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي
الْخَيْرَتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ(56) إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ
رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَتِ رَبِّهِم يُؤْمِنُونَ(58)
وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ(59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءَاتَوا
وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَجِعُونَ(60) أُوْلَئِكَ
يُسَرِعُونَ فِى الْخَيْرَتِ وَهُمْ لَهَا سَبِقُونَ(61) |
|
التّفسير |
|
المسارعون
في الخيرات:
|
|
تعرّض ما سبق من الآيات
المباركة للأحزاب والمجموعات المعاندة التي غلب عليها التعصّب وحبّ الذات،
وتمسّكوا بأفكارهم الضالّة وفرحوا بما لديهم. بينما أشارت الآيات موضع البحث إلى
بعض تصوراتهم الأنانيّة: (أيحسبون أنّما نمدّهم من مال
وبنين) هو من أجل أنّنا: (نسارع لهم في
الخيرات). وقد رسمت الآيات السابقة صورة
واضحة لصفات هذه القدوة من المؤمنين، فبدأت أوّلا بالخوف الممتزج بتعظيم الله،
وهو الدافع إلى الإيمان به ونفي الشرك عنه. وإنتهت
بالإيمان بالمعاد حيث محكمة العدل الإلهي، الذي يشكّل الشعور بالمسؤولية.
ويدفع الإنسان إلى كلّ عمل طيّب. فهي تبيّن أربع خصال للمؤمنين ونتيجةً واحدةً.
(فتأمّلوا جيداً). |
|
الآيات(62) (67) وَلاَ
نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَبٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ
وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
|
|
وَلاَ نُكَلِّفُ
نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَبٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ
يُظْلَمُونَ(62) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِى غَمْرَة مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَلٌ
مِّن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَمِلُونَ(63) حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا
مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْئَرُونَ(64) لاَ تَجْئَرُوا الْيَوْمَ
إِنَّكُم مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ(65) قَدْ كَانَتْ ءَايَتِى تُتْلَى عَلَيْكُمْ
فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَبِكُمْ تَنكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَمِراً
تَهْجُرُونَ (67) |
|
التّفسير |
|
قلوب
في الجهل مغمورة!:
|
|
بما أنّ خصال المؤمنين هي سبب
القيام بالأعمال الخيّرة التي أشارت إليها الآيات السابقة، فهنا يثار هذا
التساؤل بأنّ هذه الخصال والقيام بهذه الأعمال لا تتيسّر لكلّ أحد. وهذه إشارة إلى أنّ الواجبات
الشرعيّة هي في حدود طاقة الإنسان. وأنّها تسقط عنه إذا تجاوزت هذه الحدود، وكما يقول علماء اُصول الفقه: إنّ هذه القاعدة حاكمة
على جميع الواجبات الشرعيّة ومقدّمة عليها. وهذا الإنغمار في الجهل لا
يسمح بمعرفة هذه الحقائق، ويمنع الضالّين من العودة إلى أنفسهم وإلى الله تعالى. |
|
الآيات(68) (74)
أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ ءَابَاءَهُمُ
الأَوَّلِينَ(68)
|
|
أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا
الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ ءَابَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ(68)أَمْ
لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ(69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ
جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَرِهُونَ(70)
وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَتُ وَالأَرْضُ
وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم
مُّعْرِضُونَ(71) أَمْ تَسْئَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ
خَيْرُ الرَّزِقِينَ(72) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَط مُّسْتَقِيم(73)
وَإِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَطِ لَنَكِبُونَ (74) |
|
التّفسير |
|
أعذار
المنكرين المختلفة:
|
|
تحدّثت الآيات السابقة عن
إعراض الكفّار وإستكبارهم إزاء الرّسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).
وتناولت هذه الآيات أعذارهم في هذا المجال والردّ عليهم، وشرحت الدوافع
الحقيقيّة لإعراض المشركين عن القرآن والرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويمكن تلخيصها في خمس
مراحل: أي منحناهم القرآن الذي هو
أساس للذكر والتوجّه إلى الله، وسبب لرفعتهم وشرفهم، إلاّ أنّهم أعرضوا عن هذا
المنار الذي يُضيء لهم درب السعادة والشرف. |
|
بحوث
|
|
1 ـ التمسّك
بالحقّ أو بالأهواء النفسيّة
|
|
أشارت الآيات السابقة ـ بشكل عابر ـ إلى التناقض بين التمسّك بالحقّ وبين
الأهواء النفسيّة، وهي إشارة ذات مدلول كبير، حيث تقول: (ولو اتّبع الحقّ أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهنّ). وتفسير
هذه المسألة ليس صعباً للأسباب الآتية: |
|
2 ـ صفات القائد
|
|
أوضحت الآيات السابقة عدداً
من صفات القادة إلى طريق الحقّ، فهم المعروفون
بالصلاح والإستقامة، فلم يبق الله للمشركين ذريعة في هذا الصدد إذ قال سبحانه: (أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون). |
|
3 ـ لماذا لا
يميل أكثر الناس إلى الحقّ؟
|
|
لقد إستنكرت آيات القرآن
الكريم ـ كالآيات السابقة ـ «الأكثرية» من
الناس، في حين نرى أنّ «الأكثرية» يقرّرون اليوم
صلاح الشيء أو عدمه فهم معيار الحسن والقبح في المجتمع، وهذا يثير علامة إستفهام
كبيرة: وليس الكلام في الآيات التي تذكر الأكثرية مع إضافة ضمير (هم) حيث يكون
المراد منها أكثر الكافرين والمشركين وأمثالهم، بل الكلام حول الآيات التي تذكر
عنوان (أكثر الناس) من قبيل: (ولكنّ أكثر الناس لا يشكرون)( البقرة، 243.). (ولكنّ أكثر الناس
لا يعلمون)( الأعراف، 187.). ونقرأ أيضاً في نهج
البلاغة: «والزموا ما عقد عليه حبل الجماعة»( نهج البلاغة، الخطبة 151.). |
|
الآيات(75) (80)
وَلَوْ رَحِمْنَهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِى
طُغْيَنِهِمْ يَعْمَهُونَ
|
|
وَلَوْ
رَحِمْنَهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِى طُغْيَنِهِمْ
يَعْمَهُونَ(75) وَلَقَدْ أَخَذْنَهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا
لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ(76) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً
ذَا عَذَاب شَدِيد إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ(77) وَهُوَ الَّذِى أَنشَأَ
لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَرَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ(78)
وَهُوَ الَّذِى ذَرَأَكُمْ فِى الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(79) وَهُوَ
الَّذِى يُحْىِ وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَفُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلاَ
تَعْقِلُونَ(80) |
|
التّفسير |
|
طرق
التوعية الإلهيّة المختلفة:
|
|
عرضت الآيات السابقة الحجج التي يتذرّع بها منكرو الحقّ في رفض الرسالات
وإيذاء الأنبياء (ع). وتناولت هذه الآيات إتمام الحجّة عليهم من قبل الله تعالى
وتوعيتهم. |
|
الآيات(81) (90) بَلْ
قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الاَْوَّلُونَ(81) قَالُوا أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا
تُرَاباً وَعِظَماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ
|
|
بَلْ قَالُوا
مِثْلَ مَا قَالَ الاَْوَّلُونَ(81) قَالُوا أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً
وَعِظَماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ(82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَءَابَاؤُنَا
هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَطِيرُ الاَْوَّلِينَ(83) قُل لِّمَنِ
الاَْرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ
أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (85)قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَتِ السَّبْعِ وَرَبُّ
الْعَرْشِ الْعَظِيمِ(86)سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (87)
قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْء وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ
إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(88)سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ(89)
بَلْ أَتَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَذِبُونَ (90) |
|
التّفسير |
|
القرآن
يدعو الضمائر إلى التحكيم:
|
|
دعت الآيات السابقة منكري
الله والمعاد إلى التفكّر في خلق عالم الوجود وآيات الآفاق والأنفس، وأضافت هذه
الآيات أنّ هؤلاء تركوا عقولهم واتّبعوا أسلافهم
وقلّدوهم تقليداً أعمى: (بل قالوا مثل ما قال الأوّلون). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ معنى عدد من
الكلمات
|
|
«الأساطير» جمع «اُسطورة» قال بعض
اللغويين: إنّها مشتقّة من «السطر» بمعنى الصفّ،
فيطلق على الكلمات التي إصطفّت في خطّ واحد لفظ السطر.
فالاُسطورة: الكتابة أو السطور التي تركها لنا الآخرون،
ولأنّ كتابات القدماء تحتوي على أساطير خرافية،
تطلق الأساطير على الحكايات والقصص الخرافية الكاذبة.
وقد تكرّرت كلمة الأساطير في القرآن المجيد تسع مرّات.
وجميعها جاء على لسان الكفّار لتوجيه مخالفتهم
لأنبياء الله تعالى. |
|
2 ـ تأكيد المعاد
بالإستناد إلى قدرة الله الشاملة
|
|
يستنتج من آيات القرآن أنّ
معظم مخالفة المنكرين للمعاد يدور حول مسألة المعاد الجسماني، ودهشتهم من عودة
الروح والحياة ثانية إلى الإنسان بعد أن يصير تراباً، من هنا عدّدت الآيات معالم
قدرة الله في عالم الوجود، وأكّدت خلقه لكلّ شيء من عدم، ليؤمنوا بالحياة بعد
الموت، وتزول إستحالتها من تصوّرهم. |
|
3 ـ إختلاف
نهايات الآيات
|
|
والجدير بالإهتمام هو أنّه بعد السؤال الأوّل وإجابته جاءت عبارة: (أفلا تذكرون). وبعد السؤال
الثّالث وإجابته جاءت عبارة (فأنّى
تسحرون). |
|
الآيتان(91) (92) مَا
اتَّخَذَ اللهُ مِن وَلَد وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَه إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ
إِلَه بِمَا خَلَقَ
|
|
مَا اتَّخَذَ اللهُ
مِن وَلَد وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَه إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَه بِمَا
خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض سُبْحَنَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ(91)
عَلِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَدَةِ فَتَعَلَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(92) |
|
التّفسير |
|
الشرك
يجرّ العالم نحو الدمار:
|
|
تناولت الآيات السابقة بحوثاً
في المعاد والملك والحكم والربوبيّة، أمّا هذه الآيات فقد تناولت نفي الشرك،
وإستعرضت جانباً من إنحرافات المشركين. وردّتها عليهم بالأدلّة الساطعة، قائلة: (ما اتّخذ الله من ولد وما كان معه من إله). ثمّ بيّنت الآية
بطلان الشرك: أنّه لو كان هناك آلهة
متعدّدة تحكم العالم، فسيكون لكلّ إله مخلوقاته الخاصّة به يحكم عليها ويدبّر
اُمورها. |
|
الآيات(93) (98) قُل
رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّىِ مَا يُوعَدُونَ(93) رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِى فِى
الْقَومِ الظَّلِمِينَ
|
|
قُل رَّبِّ إِمَّا
تُرِيَنِّىِ مَا يُوعَدُونَ(93) رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِى فِى الْقَومِ
الظَّلِمِينَ(94) وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُم لَقَدِرُونَ (95)ادْفَعْ
بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ(96)
وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَتِ الشَّيَطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ
رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ(98) |
|
التّفسير |
|
تعوّذوا بالله من
همزات الشياطين: |
|
مع مخاطبة هذه الآيات للرسول
الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، واصلت مقاصد الآيات السابقة في تهديد الكفّار
والمشركين المعاندين بأنواع العذاب الإلهي (قل ربّ إمّا
تريني ما يوعدون)( «إمّا» في الآية أعلاه مركّبة من «إنّ» الشرطية و «ما»
الزائدة. وقد استعملت هنا للتأكيد. ومن أجل أن ترد (إنّ الشرطية) على الفعل
المقرون بنون التأكيد يجب أن تفصل بينهما «ما».). |
|
ملاحظتان
|
|
1 ـ ما معنى
همزات الشياطين؟
|
|
«الهمزات» جمع «همزة» بمعنى التحريك بقوّة، وقد أطلقت هذه التسمية
على حرف الهمزة، لأنّها تؤدّي إلى حركة قويّة في نهاية الحلق. |
|
2 ـ ردّ السيّئة
بالحسنة
|
|
من أبرز السبل
المؤثّرة في مكافحة الأعداء الأشدّاء والمعاندين ردّ السيّئة بالحسنة، فذلك يوقظ مشاعرهم، فيحاسبون
أنفسهم على ما اقترفوه من أعمال سيّئة، ويعودون للصواب غالباً. ونجد في سيرة
الرّسول (ص) وأئمّة الهدى (عليهم السلام)هذا المنهج بشكل واضح، حيث يردّون
سيّئات الجناة بالإحسان إليهم والإنعام عليهم، فيكسبون ودّهم، ويفجّرون في
جوارحهم إستجابة للحقّ، ورفضاً للباطل. |
|
الآيتان(99) (100)
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ(99) لَعَلِّى
أَعْمَلُ صَلِحاً فِيَما تَرَكْتُ
|
|
حَتَّى إِذَا جَاءَ
أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ(99) لَعَلِّى أَعْمَلُ صَلِحاً
فِيَما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم
بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100) |
|
التّفسير |
|
طلب
المستحيل:
|
|
تابعت هاتان الآيتان ما
تناولته الآيات السابقة من عناد المشركين والمذنبين وتمسكّهم بالباطل، فتناولت
حالهم الوخيم حين الموت. وأنّهم يستمرّون في باطلهم: (حتّى
إذا جاء أحدهم الموت)( «حتّى» هي في الواقع غاية لجملة محذوفة، ويفهم من
العبارات السابقة أنّ تقديرها: إنّهم يستمرّون على هذا الحال حتّى إذا جاء أحدهم
الموت، ويستدلّ على ذلك من عبارة «نحن أعلم بما يصفون» التي استفيد منها في
الآيتين السابقتين (فتأمّلوا جيداً).). |
|
بحوث
|
|
1 ـ من هو
المخاطب في قوله تعالى: ( ربِّ ارجعون)؟
|
|
بملاحظة كلمة «ربّ» التي هي مخفّف «ربّي» بمعنى إلهي، تشير بداية الجملة
إلى أنّ المخاطب هو الله سبحانه وتعالى، إلاّ أنّ مجيء «ارجعون» بصيغة الجمع
يمنع أن يكون المخاطب هو الله عزّوجلّ. وهذا التعبيران في الجملة السابقة يثيران
سؤالا وتساؤلا. |
|
2 ـ تفسير عبارة
(فيما تركت)
|
|
قرأنا في الآيات السابقة أنّ
الكفّار يستنجدون بالله ليرجعهم إلى الدنيا ليعملوا صالحاً فيما تركوا من
الأعمال. ويبدو أنّ التّفسير
الثّاني أقرب إلى الصواب، وكلمة «لعلّي»
الواردة في جملة (لعلّي أعمل صالحاً) يمكن أن
تكون علامة على عدم إطمئنان هؤلاء المنحرفين من مستقبلهم، وأنّ الندامة نتيجة
لظروف خاصّة، تظهر حين موتهم، ولو عادوا إلى الدنيا لواصلوا أعمالهم ذاتها. وهذا
هو عين الحقيقة. |
|
3 ـ ما الذي
تنفيه «كلاّ»؟
|
|
تأتي «كلاّ» في العربية بمعنى
الحيلولة، وإبطال أثر أقوال المخاطب. وتقابل بالضبط كلمة «أي» التي تستخدم
لتصديق الكلام. |
|
4 ـ ما هو عالم
البرزخ؟
|
|
وأين هو؟ وأخيراً ماذا سيكون وضع
المؤمنين والصالحين والكفّار والمسيئين فيه؟ وبهذا يتّضح عدم إمكان حمل
هذه العبارات على المجاز والكناية، بل هي تخبرنا عن حقيقة وجود حياة البرزخ بعد
الموت، وتمكّن الموتى ـ لو سمح لهم ـ من الحديث
إلينا. 6 ـ وروى الشيخ
الكليني (رحمه الله) في الكافي عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب،
عن أبي ولاّد الحنّاط، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: قلت له: جعلت فداك، يروون أنّ أرواح المؤمنين في حواصل
طيور خضر حول العرش، فقال: «لا، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة
طير، ولكن في أبدان كأبدانهم»( كتاب الكافي «حسبما نقله
بحار الأنوار، المجلّد السادس، صفحة 268.). أحاديث تتحدّث عن
سؤال القبر وعذابه. |
|
البرزخ
والإتّصال بعالم الأرواح
|
|
رغم أنّ الكثير ممّن يدّعون
بأنّهم على إتّصال بعالم الأرواح كاذبون، أو أنّهم يعانون نوعاً من الوهم
والخيال، لكن ثبت أنّ الإتّصال بعالم الأرواح ممكن، وقد تحقّق فعلا لبعض
العلماء، حتّى أنّهم توصّلوا إلى بعض الحقائق عن طريق الأرواح. |
|
صورة
عن عالم البرزخ
|
|
يتّفق علماء الإسلام على أصل
وجود البرزخ وما يقع فيه من نعمة ونقمة مع بعض إختلافات جزئيّة بين هؤلاء
العلماء، ويتّفق علماء السنّة والشيعة على وجود البرزخ
باستثناء عدد قليل غير ملحوظ. والدليل على
الإتّفاق بين هؤلاء العلماء واضح، وهو تصريح الآيات القرآنية بوجود البرزخ وما فيه من نعمة وعذاب، كما أسلفنا.
ومنها ما صرّح بذلك في الحديث عن الشهداء: (ولا تحسبنّ
الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربّهم يرزقون فرحين بما آتاهم
الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألاّ خوف عليهم ولا هم
يحزنون)( سورة آل عمران، 169 و170.) وليس
فقط هذه المجموعة من الصالحين قد أنعم الله عليها، بل إنّ مجموعة من أسوأ الطغاة
والمجرمين يعذّبهم الله، كما أنّ تعذيب آل فرعون بعد الموت وقبل القيامة قد أشارت إليه الآية 46 من سورة غافر (المؤمن). بل إنّ
البعض قال بوجود الجسم المثالي في جسم كلّ إنسان، وأنّه ينفصل عنه في
بداية الحياة البرزخية، ويمكن أن يقع ذلك كما قلنا في هذه الدنيا. |
|
الآيات(101) (104)
فَإِذَا نُفِخَ فِى الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذ وَلاَ
يَتَسَاءَلُونَ
|
|
فَإِذَا نُفِخَ فِى
الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ(101) فَمَن
ثَقُلَتْ مَوَزِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(102) وَمَنْ خَفَّتْ
مَوَزِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِى جَهَنَّمَ
خَلِدُونَ(103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَلِحُونَ (104) |
|
التّفسير |
|
جانب
من عقاب المسيئين:
|
|
تحدّثت الآيات السابقة عن
عالم البرزخ، وأعقبتها آيات تناولت القيامة بالبحث، وتناولت كذلك جانباً من وضع
المذنبين في عالم الآخرة. «النفخ في الصور» يعني النفخ في البوق، إلاّ أنّ هذه العبارة لها مفهوم
خاصّ سنبيّنه إن شاء الله في شرح الآية 68 من سورة الزمر. ويمكن أن يكون الأنبياء
والأئمّة وعباد الله المخلصون قدوة في مجال معيّن أو أكثر على وفق الظروف التي
مرّوا بها، فاشتهروا ببعض الصفات دون أُخرى، فواحدهم ميزان بما إشتهر به من
حسنات وخصال حميدة. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ اليوم الذي
لا يعتنى فيه بالأنساب:
|
|
المفاهيم التي تسود حياة
الإنسان المادّية في هذا العالم، ستتغيّر في عالم الآخرة، ومنها العلاقات
الودّية، والأواصر الاُسريّة التي تحلّ مشاكل كثيرة في هذه الحياة، وأحياناً
تشكّل النظام الذي يسيطر على سائر العلاقات الإجتماعية. |
|
2 ـ حكاية
الأصمعي المؤثّرة:
|
|
ومن المناسب هنا ذكر حكاية
نقلها «الغزالي» في كتابه «بحر المحبّة» عن الأصمعي، تؤيّد ما ذهبنا إليه وذات
مسائل جديرة بالإهتمام. |
|
3 ـ تناسب العقاب
مع الذنب
|
|
أشرنا سابقاً إلى العذاب
الإلهي في القيامة، وإلى أنّ الذنوب التي ترتكب تتناسب مع العقاب بدقّة. وقد
ذكرت الآيات السابقة إحتراق الوجوه الشديد بلهيب النّار المحرقة، حتّى تكون
الوجوه معبّسة والثغور مفتّحة. كلّ ذلك عقاب للذين خفّت موازينهم وإنعدم
إيمانهم. ومع التوجّه لهذا المعنى، وهو أنّ هؤلاء كانوا يعبّسون حين سماع الآيات
الإلهيّة وأحياناً يسخرون بها. ويجلسون يتحدّثون باستهزاء وتهكّم، فإنّ هذا
العذاب يناسب أعمالهم هذه. |
|
الآيات(105) (111)
أَلَمْ تَكُنْ ءَايَتِى تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ(105)
قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا
|
|
أَلَمْ تَكُنْ
ءَايَتِى تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ(105) قَالُوا رَبَّنَا
غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ(106) رَبَّنَا
أَخْرِجْنَا منْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَلِمُونَ(107) قَالَ اخْسَئُوا
فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ(108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِى
يَقُولُونَ رَبَّنَا ءَامَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ
الرَّحِمِينَ(109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُم ذِكْرِى
وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ(110) إِنِّى جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا
صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ(111) |
|
التّفسير |
|
لا تكلّمون!
|
|
تحدّثت الآيات السابقة عن
العذاب الأليم لأهل النّار، وتناولت الآيات ـ موضع البحث ـ إستعراض جانب من كلام
الله مع أهل النّار، إذ خاطبهم سبحانه وتعالى بعتاب (ألم تكن آياتي تتلى عليكم
فكنتم بها تكذّبون)( إنّ هذه الجملة في الحقيقة فيها
محذوف تقديره (يقول الله تعالى ألم تكن ...).). ألم اُرسل إليكم آيات وأدلّة
واضحة بواسطة رسلي! ألم اُتمّ حجّتي عليكم! ومع كلّ هذا واصلتم تكذيبكم
وإنكاركم. |
|
الآيات(112) (116)
قَلَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِى الاَْرْضِ عَدَدَ سِنِينَ(112) قَالُوا لَبِثْنَا
يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْم فَسْئَلِ الْعَادِّينَ
|
|
قَلَ كَمْ
لَبِثْتُمْ فِى الاَْرْضِ عَدَدَ سِنِينَ(112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ
بَعْضَ يَوْم فَسْئَلِ الْعَادِّينَ(113) قَلَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلا
لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (114) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا
خَلَقْنَكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ(115) فَتَعَلَى
اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ
الْكَرِيمِ(116) |
|
التّفسير |
|
الدنيا، وعمرها
القصير:
|
|
بما أنّ الآيات السابقة
تناولت جانباً من عذاب أهل النّار الأليم، عقّبت الآيات ـ موضع البحث ـ ذلك بذكر
نوع آخر من العذاب، هو العذاب النفسي الموجّه من قبل الله تعالى لأهل النّار
للإستهانة بهم. فما ذهب إليه بعض
المفسّرين: من أنّ المراد من هذا
الإستفسار هو عن السؤال مقدار إنتظارهم في عالم البرزخ، بعيد حسب الظاهر، رغم
وجود شواهد قليلة على ذلك في آيات أُخرى(نقرأ في سورة
الروم الآية (55) و56): (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك
كانوا يؤفكون، وقال الذين أتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم
البعث، وهذا يوم البعث ولكنّكم كنتم لا تعلمون) تبيّن هاتان الآيتان أنّ
الإستفسار والردّ خاص بالتوقّف في البرزخ، وإذا جعلناه دليلا على الآيات موضع
البحث، فمفهومها سيكون أيضاً التوقّف في البرزخ، إلاّ أنّه كما قلنا: إنّ
الدلائل الموجودة ـ في الآيات موضع البحث ـ مقدّمة عليها، وإنّها تبيّن أنّ
الإستفسار وجوابه يخصّ التوقّف في الدنيا.). |
|
بحث
|
|
الموت
ليس نهاية الحياة:
|
|
قلنا: إنّ من بين الأدلّة
المطروحة لإثبات المعاد والعالم الآخر هي «مطالعة نظام هذا العالم» أو بتعبير
آخر: إنّ دراسة «النشأة الأُولى» شاهد على وجود «النشأة الاُخرى». فكلّ واحدة من هذه المجرّات
العظيمة تضمّ مليارات من الكواكب، وعدد المجرات والفواصل بينها كبير بدرجة تثير
الدهشة حين حساب المسافة بينها بسرعة الضوء، علماً بأنّ سرعة الضوء تبلغ ثلاثمائة
ألف كيلومتراً في الثّانية. والدقّة المستخدمة في بناء أصغر وحدة من هذا العالم
هي ذاتها التي إستخدمت في أوسع بناء فيه. وعلى هذا فإنّ دراسة هذا
العالم العظيم لوحده دليل على كونه مقدّمة لعالم أوسع يمتاز بالدوام الخالد،
ويعطي الإيمان به حياتنا معناها اللائق بها، ويخلصها من التفاهات. ولهذا لا
نستغرب من تصوّر الفلاسفة الماديّين الذين لا يعتقدون بالقيامة والآخرة أنّ هذا
العالم تافه لا هدف له. ولو كنّا نحن نعتقد بمثل هذا فحسب لأتّجهنا نفس
اتّجاههم. ولهذا نؤكّد أنّه إذا كان الموت نقطة النهاية فخلق الوجود يصبح أمراً
تافهاً، لهذا نقرأ في الآية (66) من سورة
الواقعة (ولقد علمتم النشأة الأُولى فلولا تذكرون)؟! |
|
الآيتان(117) (118)
وَمَن يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهاً ءَاخَرَ لاَ بُرْهَنَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا
حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَفِرُونَ
|
|
وَمَن يَدْعُ مَعَ
اللهِ إِلَهاً ءَاخَرَ لاَ بُرْهَنَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ
رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَفِرُونَ(117) وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ
وَأَنتَ خَيْرُ الرَّحِمِينَ(118) |
|
التّفسير |
|
المفلحون
والخائبون:
|
|
بما أنّ الآيات السابقة
تحدّثت عن قضيّة المعاد، وإستعرضت الصفات الإلهيّة، فانّ الآية الأُولى أعلاه
تناولت التوحيد نافيةً الشرك مؤكّدة للمبدأ والمعاد. في قوله تعالى: (ومن يدّع
مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنّما حسابه عند ربّه)( وإعتبر بعض المفسّرين عبارة
«فإنّما حسابه عند ربّه» جواب الشرط لعبارة «من يدّع مع الله» ويعتبر جملة «لا
برهان له به» جملة إعتراضية جاءت بين سؤال الشرط وجوابه. وهي لتأكيد الهدف
النهائي. إلاّ أنّ البعض الآخر يرى أنّ عبارة «لا برهان له» جواب الشرط وجملة
«فإنّما حسابه» ... فرع عنها، لكنّ هذا الإحتمال لا ينسجم مع الأدب العربي، إذ
يستوجب أن يقترن جواب الشرط بالفاء. أي «فلا برهان له، وذهب آخرون إلى أنّ هذه
الجملة صفة أو حالا. إلاّ أنّ الإحتمال الأوّل يبدو أقرب إلى الصواب رغم أنّه لا
فرق في المعنى يستحقّ الملاحظة».). |
|
|
|
|
سورة
المؤمنون مكيّة وعددُ آياتِها مائة وثماني عَشرة آية
|
|
«سورة
المؤمنون» |
|
فضيلة
سورة المؤمنون:
|
|
ذكرت أحاديث مروية عن الرّسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) فضائل لهذه السورة.
فعن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) «من قرأ سورة المؤمنين، بشّرته الملائكة
يوم القيامة بالروح والريحان وما تقرّ به عينه عند نزول ملك الموت»( تفسير مجمع البيان، المجلّد السابع، صفحة 98..) |
|
مضمون
سورة المؤمنين:
|
|
القسم المهمّ من هذه السورة ـ كما
يبدو من اسمها ـ تحدّث عن صفات المؤمنين البارزة، ثمّ
تناولت السورة العقيدة والعمل بها، وهي تتمّة لتلك الصفات. وأخيراً تناول
القسم السابع حساب يوم القيامة، وجزاء
الخير للمحسنين، وعقاب المذنبين. وينهي السورة ببيان الغاية من خلق الإنسان. |
|
الآيات(1) (11) قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ(1) الَّذِينَ هُمْ فِى
صَلاَتِهِمْ خَشِعُونَ(2)وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ الَّلْغوِ مُعْرِضُونَ
|
|
قَدْ أَفْلَحَ
الْمُؤْمِنُونَ(1) الَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَشِعُونَ(2)وَالَّذِينَ هُمْ
عَنِ الَّلْغوِ مُعْرِضُونَ(3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَوةِ فَعِلُونَ(4)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَفِظُونَ(4) إِلاَّ عَلَى أَزْوَجِهِمْ أَوْ
مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(6) فَمَنِ ابْتَغَى
وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ(6) وَالَّذِينَ هُمْ
لاَِمَنَتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَعُونَ(8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَتِهِمْ
يُحَافِظُونَ(9) أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَرِثُونَ(10) الَّذِينَ يَرِثُونَ
الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ(11) |
|
التّفسير |
|
صفات
المؤمنين البارزة:
|
|
إختيار اسم
المؤمنين لهذه السورة ـ كما تقدّم ـ
لأنّه جاء في بدايتها آيات شرحت بعبارات وجيزة معبّرة صفات المؤمنين، وممّا يلفت
النظر أنّها أشارت إلى مستقبل المؤمنين السعيد قبل بيان صفاتهم، إستنارةً للشوق
في قلوب المسلمين للوصول إلى هذا الفخر العظيم بإكتساب صفة المؤمنين. تقول الآية
(قد أفلح المؤمنون). وأشارت الآية
الثامنة ـ موضع البحث ـ إلى الصفتين
الخامسة والسادسة من صفات المؤمنين البارزة، حيث تقول: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) إنّ المحافظة على «الأمانة» بالمعنى الواسع للكلمة، وكذلك الإلتزام
بالعهد والميثاق بين يدي الخالق والخلق من صفات المؤمنين البارزة. وتعني الأمانة بمفهومها الواسع أمانة الله ورسوله
إضافة إلى أمانات الناس، وكذلك ما أنعم الله على خلقه. وتضمّ
أيضاً أمانة الله الدين الحقّ والكتب السماوية وتعاليم الأنبياء القدماء،
وكذلك الأموال والأبناء والمناصب جميعها أمانات الله سبحانه وتعالى بيد البشر،
يسعى المؤمنون في المحافظة عليها وأداء حقّها. ويحرسونها ما داموا أحياءاً.
ويرثها أبناؤهم الذين تربّوا على أداء الأمانات والحفاظ عليها. والجدير بالملاحظة أنّ بعض آيات القرآن عبّرت عن ذلك العهد بأداء الأمانة
وعدم خيانتها والمحافظة عليها، و «رعاية الأمانة»
التي استعملت في الآية السابقة تضمّ معنى الأداء والمحافظة. |
|
ملاحظات:
الزوجة الدائمة والمؤقتة، الخشوع روح الصلاة
|
|
1 ـ إختيار الفعل الماضي «أفلح»
لنجاح المؤمنين، تأكيد أقوى، أي إنّ نجاحهم طبيعي وكأنّه
تحقّق من قبل. وجاءت كلمة (قد) أيضاً لتأكيد هذا الموضوع ثانية. وجاءت عبارات (خاشعون) و
(معرضون) و (راعون) و
(يحافظون) بصيغة اسم فاعل أو فعل مضارع دليلا
على أنّ هذه الصفات البارزة ليست مؤقتة في
المؤمنين الحقيقيين، بل هي دائمة فيهم. |
|
الآيات(12) (16) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الاِْنسَنَ مِن سُلَلَة مِّن طِين(12)
ثُمَّ جَعَلْنَهُ نُطْفَةً فِى قَرَار مَّكِين
|
|
وَلَقَدْ خَلَقْنَا
الاِْنسَنَ مِن سُلَلَة مِّن طِين(12) ثُمَّ جَعَلْنَهُ نُطْفَةً فِى قَرَار
مَّكِين(13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ
مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَماً فَكَسَوْنَا الْعِظَمَ لَحْماً ثُمَّ
أَنشَأْنَهُ خَلْقاً ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَلِقِينَ(14) ثُمَّ
إِنَّكُم بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ(15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ
تُبْعَثُونَ (16) |
|
التّفسير |
|
مراحل
تكامل الجنين في الرحم:
|
إنّ ذكر الآيات السابقة أوصاف
المؤمنين الحقيقيين، وما يمنحهم الله من جزاء عظيم يبعث في القلوب الشوق
للإلتحاق بصفوفهم، لكن بأي طريق؟ تقول الآيات أوّلا: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين)( «السلالة» على وزن «عصارة» تعني الشيء الذي يستخلص من شيء
آخر، وهي في الحقيقة خلاصة ونتيجة منه (مجمع البيان حول الآية موضع البحث)..) هذه المراحل الأربعة المختلفة مضافاً إلى
مرحلة النطفة تشكّل خمس مراحل، كلّ منها عالم عجيب بذاته مليء بالعجائب بحثت
بدقّة في علم الجنين، وأُلّفت بصددها
كتب وبحوث عميقة في عصرنا، إلاّ أنّ القرآن تكلّم عن هذه المراحل المختلفة لجنين
الإنسان، وبيّن عجائبه يوم لم يولد هذا العلم ولا يكن له أثر. |
|
بحوث
|
|
1 ـ اتّباع
المبدأ والمعاد بدليل واحد
|
|
|
إستخدمت الآيات المذكورة أعلاه لإثبات وجود الله وقدرته وعظمته نفس الدليل الذي إستخدمته سورة الحجّ لإثبات المعاد،
وهو مسألة المراحل المختلفة لخلق الإنسان في عالم الجنين. كما إنتقلت آخر هذه الآيات
إلى بحث مسألة المعاد(تناولنا في بداية سورة
الحجّ خلال البحث الآيتين الخامسة والسابعة أدلّة المعاد ومنها إستعراض
مراحل الجنين في الرحم..) |
|
2 ـ آخر مرحلة في
تكامل جنين الإنسان في الرحم
|
|
ممّا يلفت النظر إستخدام
الآيات السابقة لمراحل الجنين الخمسة تعبير «الخلق»،
في حين إستخدمت كلمة «الإنشاء» لآخر مرحلة، وكما
ذكر اللغويون فإنّ كلمة «الإنشاء» تعني (خلق الشيء مع تربيته) وهذا التعبير يدلّ على إختلاف هذه
المرحلة عن المراحل السابقة (مرحلة النطفة والعلقة والمضغة واللحم والعظم)
إختلافاً بيّناً. مرحلة ذكرها القرآن في عبارة موجزة (ثمّ
أنشأناه خلقاً آخر)ويعقّب ذلك مباشرةً بالقول: (فتبارك
الله أحسن الخالقين). |
|
3 ـ كساء اللحم فوق العظام
|
|
ذكر مفسّر (في ظلال
القرآن) عند تفسير هذه الآية جملة مدهشة هي أنّ الجنين بعد قطعه
مرحلة «العلقة» و «المضغة» تتبدّل خلاياه إلى خلايا عظميّة، ثمّ تكتسي بالتدريج
بالعضلات واللحم. لهذا فإنّ عبارة (كسونا العظام لحماً)
معجزة علمية تكشف سرّاً لم يكن يعلم به أي شخص حتّى ذلك الزمن. لأنّ القرآن لم
يقل: أبدلنا المضغة عظماً ولحماً، بل قال: (فخلقنا
المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً)أي تبدّلت المضغة إلى عظام أوّلا، ثمّ
اكتست باللحم. |
|
4 ـ اللباس صيانة
للعظام!
|
|
إنّ إستخدام اللباس للتعبير
عن العضلات واللحم يكشف لنا حقيقة قباحة شكل الإنسان إن فقد هذا اللباس الذي
يكسو العظام (فيصبح هيكلا عظميّاً مرعباً كما شاهدناه جميعاً أو شاهدنا صورته)
إضافة إلى ذلك فإنّ اللباس يحمي الجسم، وهكذا اللحم والعضلات تحمي العظام،
وبفقدانها تتلقّى العظام ضربات تؤدّي إلى كسرها، ويؤدّي اللحم وظيفة اللباس
بالنسبة للعظام في المحافظة عليها من الحرّ والبرد. وهذا كلّه يبيّن لنا قوّة
التعبير القرآني ودقّته. |
|
الآيات(17) (22)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ
غَفِلِينَ
|
|
وَلَقَدْ خَلَقْنَا
فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَفِلِينَ(17)
وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَر فَأَسْكَنَّهُ فِى الاَْرْضِ
وَإِنَّا عَلَى ذَهَاب بِهِ لَقَدِرُونَ(18) فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّت
مِّن نَّخِيل وَأَعْنَب لَّكُمْ فِيهَا فَوَكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا
تَأْكُلُونَ(19) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ
وَصِبْغ لِّلآكِلِينَ(20) وَإِنَّ لَكُمْ فِى الاَْنْعَمِ لَعِبْرَةً
نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَفِعُ كَثِيرَةٌ
وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ(21) وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ(22) |
|
التّفسير |
|
مرّة
أُخرى مع علائم التوحيد:
|
قلنا: إنّ القرآن تناول سبل
كسب الإيمان بعد ذكر صفات المؤمنين، كما تحدّثت الآيات السابقة عن آيات الله
العظيمة في وجودنا، وتناولت هذه الآيات بعدها عالم الظاهر وآفاق الكون وعظمة خلق
الأرض والسموات، حيث قالت الآية الأُولى: (ولقد خلقنا
فوقكم سبع طرائق). ثمّ تشرح الآية
«العبرة» فتقول: (نسقيكم ممّا في بطونها). أجل إنّ الحيوان يدرّ حليباً
لذيذاً يعتبر غذاءً كاملا، ويمنح الجسم حرارة كبيرة، ويخرج الحليب من بين الدم
على شكل دفعات كما ينزف الدم، لتعلموا قدرة الله حيث يتمكّن بها من خلق غذاء
طاهر لذيذ من بين أشياء تبدو ملوّثة. |
|
الآيات(23) (25)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ
مَا لَكُم مِّنْ إِلَه غَيْرُهُ
|
|
وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم
مِّنْ إِلَه غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ(23) فَقَالَ الْمَلَؤُا الَّذِينَ
كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن
يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لاََنزَلَ مَلَئِكَةً مَّا سَمِعْنَا
بِهَذَا فِى ءَابَائِنَا الاَْوَّلِينَ(24) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ
جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِين(25) |
|
التّفسير |
|
|
منطق
الجبناء المغرورين:
|
|
تحدّثت الآيات السابقة عن
التوحيد ومعرفة الله وأسباب عظمته في عالم الخليقة، أمّا الآيات ـ موضوع البحث والآيات المقبلة ـ فقد تناولت نفس
الموضوع على لسان كبار الأنبياء ومن خلال تاريخ حياتهم. وعلى كلّ حال فإنّ المخالفين وجّهوا
إلى نوح (ع) ثلاثة إتّهامات واهية متناقضة،
واعتبروا كلّ واحد منها دليلا ينفي رسالته: |
|
الآيات(26) (30)
قَالَ رَبِّ انصُرْنِى بِمَا كَذَّبُونِ(26) فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ
اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا
|
|
قَالَ رَبِّ
انصُرْنِى بِمَا كَذَّبُونِ(26) فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ
بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ
فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ
الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلاَ تُخَطِبْنِي فِى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم
مُّغْرَقُونَ(27) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ
فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى نَجَّنَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّلِمِينَ(28)
وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِى مُنزَلا مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ(29)
إِنَّ فِى ذَلِكَ لآَيَت وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ(30) |
|
التّفسير |
|
خاتمة
حياة قوم معاندين:
|
|
اطّلعنا من الآيات السابقة
على التهم التي وجّهها أعداء نوح (ع) إليه. إلاّ أنّه يستدلّ من آيات قرآنية
أُخرى ـ بشكل واضح ـ أن أذى القوم المعاندين لنوح (ع)لم يتحدّد بهذه الاُمور، بل
شمل كلّ وسيلة يمكن بها إيذاؤه، في حين بذل ـ سلام الله
عليه ـ جميع ما في وسعه في سبيل هدايتهم وإنقاذهم من براثن الشرك والكفر. وعندما يئس منهم حيث لم يؤمن بما جاء به إلاّ مجموعة
صغيرة، دعا الله ليعينه، حيث نقرأ في الآية الأُولى
(قال ربّ انصرني بما كذّبون)( الباء في «بما كذّبون»
ربّما كانت سببيّة أو للمقابلة. وأمّا «ما» فيمكن أن تكون مصدرية أو موصولة،
ويختلف معنى كلّ منهما. إلاّ أنّ هذا الإختلاف ليس مهمّاً (فتأمّلوا جيداً)..) كلمة «منزل»
ربّما كانت اسم مكان، أي: بعد الطوفان ندعو الله
لينزلنا في أرض ذات خيرات واسعة، لنحيا فيها بسعادة وهدوء. |
|
الآيات(31) (41)
ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءَاخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ
رَسُولا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ
|
|
ثُمَّ أَنشَأْنَا
مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءَاخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ
أَنِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَه غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ
(32)وَقَالَ الْمَلاَُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ
الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ
مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا
تَشْرَبُونَ(33) وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً
لَّخَسِرُونَ(34) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً
وَعِظَماً أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ(35) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ(36)
إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ
بِمَبْعُوثِينَ(37) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً وَمَا
نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38) قَالَ رَبِّ انصُرْنِى بِمَا كَذَّبُونِ(39)
قَالَ عَمَّا قَلِيل لَّيُصْبِحُنَّ نَدِمِينَ(40) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ
بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَهُمْ غُثَاءً فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّلِمِينَ(41) |
|
التّفسير |
|
المصير
المؤلم لقوم ثمود:
|
|
تحدّثت هذه الآيات عن أقوام
آخرين جاؤوا بعد قوم نوح (ع). ومنطقهم يتناغم ومنطق الكفّار السابقين، كما شرحت
مصيرهم الأليم، فأكملت بذلك ما بحثته الآيات السابقة. |
|
تعليقات:
|
|
1 ـ الحياة
المترفة وأثرها المشؤوم
|
|
بيّنت الآيات السابقة العلاقة بين «الترف» (حياة
الأشراف المنّعمين) وبين «الكفر وإنكار
لقاء الله» وهذه هي الحقيقة بعينها. فالذين يعيشون مترفين يطلقون العنان
لشهواتهم الحيوانية. فمن الواضح أنّهم لايقبلون برقابة إلهيّة، ولا يعترفون بيوم
البعث حيث تنتظرهم محكمة العدل الإلهي. والإقرار بذلك يونّب ضمائرهم ويثير الناس
عليهم، لهذا فانّ هؤلاء الأشخاص لا يقرّون بالعبودية لله، وينكرون المبدأ
والمعاد، ويرون الحياة كما ذكرت الآيات السابقة (إن هي
إلاّ حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين). |
|
2 ـ «التراب» و
«العظام»
|
|
يتفسّخ جسم الإنسان بعد موته
حتّى يتحوّل إلى تراب، إلاّ أنّ الآية السابقة قدّمت التراب على العظام، لماذا؟ |
|
3 ـ ما معنى
الغثاء؟
|
|
اطّلعنا على مصير قوم ثمود
وهو ـ كما ذكرته الآيات السابقة ـ أنّهم قد أصبحوا «غثاء».
والغثاء، يعني النباتات الجافّة المتراكمة والطافية على مياه السيول، كما
يطلق الغثاء على الزبد المتراكم على ماء القدر حين الغليان، وتشبيه الأجسام
الميتة بالغثاء دليل على منتهى ضعفها وإنكسارها وتفاهتها، لأنّ هشيم النبات فوق
مياه السيل تافه لا قيمة له، ولا أثر له بعد إنتهاء السيل (وقد شرحنا بإسهاب الصيحة السماوية في تفسير
الآية 67 من سورة هود) هذا ولم يكن هذا
العقاب خاصّاً ـ فقط ـ بقوم ثمود، حيث هناك أقوام أُخرى اُهلكت به. وقد تمّ شرحه
في حينه. |
|
4 ـ مصير عام
|
|
وممّا يلفت النظر أنّ آخر
عبارة في الآيات ـ موضع البحث ـ أخرجت القضيّة من إطارها وجعلتها قانوناً
عامّاً، حيث تقول: (فبعداً للقوم الظالمين) وهذا
إستنتاج نهائي من كلّ هذه الآيات، فما قيل بصدد إنكار وتكذيب الآيات الإلهيّة
والمعاد والعاقبة المؤلمة والنهاية السيّئة لا تختّص بجماعة معيّنة، بل تشمل
جميع الظلمة عبر التاريخ. |
|
الآيات(42) (44)
ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً ءَاخَرِينَ(42) مَا تَسْبِقُ مِنْ
أُمَّة أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَئْخِرُونَ
|
|
ثُمَّ أَنشَأْنَا
مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً ءَاخَرِينَ(42) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّة أَجَلَهَا
وَمَا يَسْتَئْخِرُونَ(43) ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ
أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضاً وَجَعَلْنَهُمْ
أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْم لاَّ يُؤْمِنُونَ (44) |
|
التّفسير |
|
هلاك
الأقوام المعاندين الواحد بعد الآخر:
|
|
بعد أن تحدّث القرآن عن قصّة
قوم نوح، أشار إلى أقوام أُخرى جاءت بعدهم، وقبل النّبي موسى (ع) حيث يقول: (ثمّ أنشأنا من بعدهم قروناً آخرين)لأنّ هذا أمر الله
وسنّته في خلقه، فالفيض الإلهي لا ينقطع عن عباده فلو سعى جماعة للوقوف في وجه
مسيرة التكامل الإنساني للبشرية لمحقهم ودفع هذه المسيرة إلى أمام. «الأجل» بمعنى العمر ومدّة الشيء، كأن
نقول: أجل هذا الصكّ ثلاثة أشهر، أي أنّ مدّته تنتهي بعد ثلاثة أشهر، أو إلى أجل مسمّى أي إلى تاريخ محدّد. |
|
الآيات(45) (49)
ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَرُونَ بِآيَتِنَا وَسُلْطَن مُّبِين(45)إِلَى
فِرْعَوْنَ وَمَلاَِيْهِ فَاسْتَكْبَرُوا
|
|
ثُمَّ أَرْسَلْنَا
مُوسَى وَأَخَاهُ هَرُونَ بِآيَتِنَا وَسُلْطَن مُّبِين(45)إِلَى فِرْعَوْنَ
وَمَلاَِيْهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً عَالِينَ(45) فَقَالُوا
أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَبِدُونَ(46)
فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ(48) وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى
الْكِتَبَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ(49) |
|
التّفسير |
|
قيام موسى وهلاك
الفراعنة:
|
|
كان الحديث حتّى الآن عن
أقوام بعث الله لهم رسلا قبل موسى (عليه السلام)، وهلكوا. أمّا الآيات موضع
البحث فقد تحدّثت بإختصار جدّاً عن إنتفاضة موسى وهارون على الفراعنة، ومصير
هؤلاء القوم المستكبرين فقالت: (ثمّ أرسلنا موسى وأخاه
هارون بآياتنا وسلطان مبين). |
|
الآية
(50)وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ءَايَةً وَءَاوَيْنَهُمَا إِلَى
رَبْوَة ذَاتِ قَرَار وَمَعِين
|
|
وَجَعَلْنَا ابْنَ
مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ءَايَةً وَءَاوَيْنَهُمَا إِلَى رَبْوَة ذَاتِ قَرَار
وَمَعِين (50) |
|
التّفسير |
|
آية
أُخرى من آيات الله:
|
|
أشارت الآية في آخر مرحلة من
شرحها لحياة الأنبياء إلى السيّد المسيح (عليه السلام)واُمّه مريم، فقالت: (وجعلنا ابن مريم واُمّه آية). وقد استعملت «الآية» عبارة «ابن مريم» بدلا من ذكر اسم عيسى (ع)، لجلب
الإنتباه إلى حقيقة ولادته من اُمّ دون أب بأمر من الله، وهذه الولادة هي بذاتها
من آيات الله الكبيرة. |
|
الآيات(51) (54)
يَأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلوا مِنِ الطَّيِّبَتِ وَاعْمَلُوا صَلِحاً إِنِّى بِمَا
تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ(51)
|
|
يَأَيُّهَا
الرُّسُلُ كُلوا مِنِ الطَّيِّبَتِ وَاعْمَلُوا صَلِحاً إِنِّى بِمَا
تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ(51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَحِدَةً وَأَنَا
رَبُّكُمْ فَاتَّقونِ(52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ
حِزْبِ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ(53) فَذَرْهُمْ فِى غَمْرَتِهِمْ حَتَّى
حِين(54) |
|
التّفسير |
|
جميع
الاُمّة يد واحدة:
|
|
تحدّثت الآيات السابقة عن
ماضي الأنبياء واُممهم، أمّا هذه الآيات فخاطبت الجميع فقالت: (ياأيّها الرسل كلوا من الطيّبات واعملوا صالحاً إنّي بما
تعملون عليم). |
|
الآيات(55) (61)
أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّال وَبَنِينَ(55) نُسَارِعُ
لَهُمْ فِي الْخَيْرَتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ
|
|
أَيَحْسَبُونَ
أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّال وَبَنِينَ(55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي
الْخَيْرَتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ(56) إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ
رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَتِ رَبِّهِم يُؤْمِنُونَ(58)
وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ(59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءَاتَوا
وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَجِعُونَ(60) أُوْلَئِكَ
يُسَرِعُونَ فِى الْخَيْرَتِ وَهُمْ لَهَا سَبِقُونَ(61) |
|
التّفسير |
|
المسارعون
في الخيرات:
|
|
تعرّض ما سبق من الآيات
المباركة للأحزاب والمجموعات المعاندة التي غلب عليها التعصّب وحبّ الذات،
وتمسّكوا بأفكارهم الضالّة وفرحوا بما لديهم. بينما أشارت الآيات موضع البحث إلى
بعض تصوراتهم الأنانيّة: (أيحسبون أنّما نمدّهم من مال
وبنين) هو من أجل أنّنا: (نسارع لهم في
الخيرات). وقد رسمت الآيات السابقة صورة
واضحة لصفات هذه القدوة من المؤمنين، فبدأت أوّلا بالخوف الممتزج بتعظيم الله،
وهو الدافع إلى الإيمان به ونفي الشرك عنه. وإنتهت
بالإيمان بالمعاد حيث محكمة العدل الإلهي، الذي يشكّل الشعور بالمسؤولية.
ويدفع الإنسان إلى كلّ عمل طيّب. فهي تبيّن أربع خصال للمؤمنين ونتيجةً واحدةً.
(فتأمّلوا جيداً). |
|
الآيات(62) (67) وَلاَ
نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَبٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ
وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
|
|
وَلاَ نُكَلِّفُ
نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَبٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ
يُظْلَمُونَ(62) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِى غَمْرَة مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَلٌ
مِّن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَمِلُونَ(63) حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا
مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْئَرُونَ(64) لاَ تَجْئَرُوا الْيَوْمَ
إِنَّكُم مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ(65) قَدْ كَانَتْ ءَايَتِى تُتْلَى عَلَيْكُمْ
فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَبِكُمْ تَنكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَمِراً
تَهْجُرُونَ (67) |
|
التّفسير |
|
قلوب
في الجهل مغمورة!:
|
|
بما أنّ خصال المؤمنين هي سبب
القيام بالأعمال الخيّرة التي أشارت إليها الآيات السابقة، فهنا يثار هذا
التساؤل بأنّ هذه الخصال والقيام بهذه الأعمال لا تتيسّر لكلّ أحد. وهذه إشارة إلى أنّ الواجبات
الشرعيّة هي في حدود طاقة الإنسان. وأنّها تسقط عنه إذا تجاوزت هذه الحدود، وكما يقول علماء اُصول الفقه: إنّ هذه القاعدة حاكمة
على جميع الواجبات الشرعيّة ومقدّمة عليها. وهذا الإنغمار في الجهل لا
يسمح بمعرفة هذه الحقائق، ويمنع الضالّين من العودة إلى أنفسهم وإلى الله تعالى. |
|
الآيات(68) (74)
أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ ءَابَاءَهُمُ
الأَوَّلِينَ(68)
|
|
أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا
الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ ءَابَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ(68)أَمْ
لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ(69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ
جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَرِهُونَ(70)
وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَتُ وَالأَرْضُ
وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم
مُّعْرِضُونَ(71) أَمْ تَسْئَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ
خَيْرُ الرَّزِقِينَ(72) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَط مُّسْتَقِيم(73)
وَإِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَطِ لَنَكِبُونَ (74) |
|
التّفسير |
|
أعذار
المنكرين المختلفة:
|
|
تحدّثت الآيات السابقة عن
إعراض الكفّار وإستكبارهم إزاء الرّسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).
وتناولت هذه الآيات أعذارهم في هذا المجال والردّ عليهم، وشرحت الدوافع
الحقيقيّة لإعراض المشركين عن القرآن والرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويمكن تلخيصها في خمس
مراحل: أي منحناهم القرآن الذي هو
أساس للذكر والتوجّه إلى الله، وسبب لرفعتهم وشرفهم، إلاّ أنّهم أعرضوا عن هذا
المنار الذي يُضيء لهم درب السعادة والشرف. |
|
بحوث
|
|
1 ـ التمسّك
بالحقّ أو بالأهواء النفسيّة
|
|
أشارت الآيات السابقة ـ بشكل عابر ـ إلى التناقض بين التمسّك بالحقّ وبين
الأهواء النفسيّة، وهي إشارة ذات مدلول كبير، حيث تقول: (ولو اتّبع الحقّ أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهنّ). وتفسير
هذه المسألة ليس صعباً للأسباب الآتية: |
|
2 ـ صفات القائد
|
|
أوضحت الآيات السابقة عدداً
من صفات القادة إلى طريق الحقّ، فهم المعروفون
بالصلاح والإستقامة، فلم يبق الله للمشركين ذريعة في هذا الصدد إذ قال سبحانه: (أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون). |
|
3 ـ لماذا لا
يميل أكثر الناس إلى الحقّ؟
|
|
لقد إستنكرت آيات القرآن
الكريم ـ كالآيات السابقة ـ «الأكثرية» من
الناس، في حين نرى أنّ «الأكثرية» يقرّرون اليوم
صلاح الشيء أو عدمه فهم معيار الحسن والقبح في المجتمع، وهذا يثير علامة إستفهام
كبيرة: وليس الكلام في الآيات التي تذكر الأكثرية مع إضافة ضمير (هم) حيث يكون
المراد منها أكثر الكافرين والمشركين وأمثالهم، بل الكلام حول الآيات التي تذكر
عنوان (أكثر الناس) من قبيل: (ولكنّ أكثر الناس لا يشكرون)( البقرة، 243.). (ولكنّ أكثر الناس
لا يعلمون)( الأعراف، 187.). ونقرأ أيضاً في نهج
البلاغة: «والزموا ما عقد عليه حبل الجماعة»( نهج البلاغة، الخطبة 151.). |
|
الآيات(75) (80)
وَلَوْ رَحِمْنَهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِى
طُغْيَنِهِمْ يَعْمَهُونَ
|
|
وَلَوْ
رَحِمْنَهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِى طُغْيَنِهِمْ
يَعْمَهُونَ(75) وَلَقَدْ أَخَذْنَهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا
لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ(76) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً
ذَا عَذَاب شَدِيد إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ(77) وَهُوَ الَّذِى أَنشَأَ
لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَرَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ(78)
وَهُوَ الَّذِى ذَرَأَكُمْ فِى الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(79) وَهُوَ
الَّذِى يُحْىِ وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَفُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلاَ
تَعْقِلُونَ(80) |
|
التّفسير |
|
طرق
التوعية الإلهيّة المختلفة:
|
|
عرضت الآيات السابقة الحجج التي يتذرّع بها منكرو الحقّ في رفض الرسالات
وإيذاء الأنبياء (ع). وتناولت هذه الآيات إتمام الحجّة عليهم من قبل الله تعالى
وتوعيتهم. |
|
الآيات(81) (90) بَلْ
قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الاَْوَّلُونَ(81) قَالُوا أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا
تُرَاباً وَعِظَماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ
|
|
بَلْ قَالُوا
مِثْلَ مَا قَالَ الاَْوَّلُونَ(81) قَالُوا أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً
وَعِظَماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ(82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَءَابَاؤُنَا
هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَطِيرُ الاَْوَّلِينَ(83) قُل لِّمَنِ
الاَْرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ
أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (85)قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَتِ السَّبْعِ وَرَبُّ
الْعَرْشِ الْعَظِيمِ(86)سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (87)
قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْء وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ
إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(88)سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ(89)
بَلْ أَتَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَذِبُونَ (90) |
|
التّفسير |
|
القرآن
يدعو الضمائر إلى التحكيم:
|
|
دعت الآيات السابقة منكري
الله والمعاد إلى التفكّر في خلق عالم الوجود وآيات الآفاق والأنفس، وأضافت هذه
الآيات أنّ هؤلاء تركوا عقولهم واتّبعوا أسلافهم
وقلّدوهم تقليداً أعمى: (بل قالوا مثل ما قال الأوّلون). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ معنى عدد من
الكلمات
|
|
«الأساطير» جمع «اُسطورة» قال بعض
اللغويين: إنّها مشتقّة من «السطر» بمعنى الصفّ،
فيطلق على الكلمات التي إصطفّت في خطّ واحد لفظ السطر.
فالاُسطورة: الكتابة أو السطور التي تركها لنا الآخرون،
ولأنّ كتابات القدماء تحتوي على أساطير خرافية،
تطلق الأساطير على الحكايات والقصص الخرافية الكاذبة.
وقد تكرّرت كلمة الأساطير في القرآن المجيد تسع مرّات.
وجميعها جاء على لسان الكفّار لتوجيه مخالفتهم
لأنبياء الله تعالى. |
|
2 ـ تأكيد المعاد
بالإستناد إلى قدرة الله الشاملة
|
|
يستنتج من آيات القرآن أنّ
معظم مخالفة المنكرين للمعاد يدور حول مسألة المعاد الجسماني، ودهشتهم من عودة
الروح والحياة ثانية إلى الإنسان بعد أن يصير تراباً، من هنا عدّدت الآيات معالم
قدرة الله في عالم الوجود، وأكّدت خلقه لكلّ شيء من عدم، ليؤمنوا بالحياة بعد
الموت، وتزول إستحالتها من تصوّرهم. |
|
3 ـ إختلاف
نهايات الآيات
|
|
والجدير بالإهتمام هو أنّه بعد السؤال الأوّل وإجابته جاءت عبارة: (أفلا تذكرون). وبعد السؤال
الثّالث وإجابته جاءت عبارة (فأنّى
تسحرون). |
|
الآيتان(91) (92) مَا
اتَّخَذَ اللهُ مِن وَلَد وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَه إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ
إِلَه بِمَا خَلَقَ
|
|
مَا اتَّخَذَ اللهُ
مِن وَلَد وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَه إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَه بِمَا
خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض سُبْحَنَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ(91)
عَلِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَدَةِ فَتَعَلَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(92) |
|
التّفسير |
|
الشرك
يجرّ العالم نحو الدمار:
|
|
تناولت الآيات السابقة بحوثاً
في المعاد والملك والحكم والربوبيّة، أمّا هذه الآيات فقد تناولت نفي الشرك،
وإستعرضت جانباً من إنحرافات المشركين. وردّتها عليهم بالأدلّة الساطعة، قائلة: (ما اتّخذ الله من ولد وما كان معه من إله). ثمّ بيّنت الآية
بطلان الشرك: أنّه لو كان هناك آلهة
متعدّدة تحكم العالم، فسيكون لكلّ إله مخلوقاته الخاصّة به يحكم عليها ويدبّر
اُمورها. |
|
الآيات(93) (98) قُل
رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّىِ مَا يُوعَدُونَ(93) رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِى فِى
الْقَومِ الظَّلِمِينَ
|
|
قُل رَّبِّ إِمَّا
تُرِيَنِّىِ مَا يُوعَدُونَ(93) رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِى فِى الْقَومِ
الظَّلِمِينَ(94) وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُم لَقَدِرُونَ (95)ادْفَعْ
بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ(96)
وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَتِ الشَّيَطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ
رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ(98) |
|
التّفسير |
|
تعوّذوا بالله من
همزات الشياطين: |
|
مع مخاطبة هذه الآيات للرسول
الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، واصلت مقاصد الآيات السابقة في تهديد الكفّار
والمشركين المعاندين بأنواع العذاب الإلهي (قل ربّ إمّا
تريني ما يوعدون)( «إمّا» في الآية أعلاه مركّبة من «إنّ» الشرطية و «ما»
الزائدة. وقد استعملت هنا للتأكيد. ومن أجل أن ترد (إنّ الشرطية) على الفعل
المقرون بنون التأكيد يجب أن تفصل بينهما «ما».). |
|
ملاحظتان
|
|
1 ـ ما معنى
همزات الشياطين؟
|
|
«الهمزات» جمع «همزة» بمعنى التحريك بقوّة، وقد أطلقت هذه التسمية
على حرف الهمزة، لأنّها تؤدّي إلى حركة قويّة في نهاية الحلق. |
|
2 ـ ردّ السيّئة
بالحسنة
|
|
من أبرز السبل
المؤثّرة في مكافحة الأعداء الأشدّاء والمعاندين ردّ السيّئة بالحسنة، فذلك يوقظ مشاعرهم، فيحاسبون
أنفسهم على ما اقترفوه من أعمال سيّئة، ويعودون للصواب غالباً. ونجد في سيرة
الرّسول (ص) وأئمّة الهدى (عليهم السلام)هذا المنهج بشكل واضح، حيث يردّون
سيّئات الجناة بالإحسان إليهم والإنعام عليهم، فيكسبون ودّهم، ويفجّرون في
جوارحهم إستجابة للحقّ، ورفضاً للباطل. |
|
الآيتان(99) (100)
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ(99) لَعَلِّى
أَعْمَلُ صَلِحاً فِيَما تَرَكْتُ
|
|
حَتَّى إِذَا جَاءَ
أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ(99) لَعَلِّى أَعْمَلُ صَلِحاً
فِيَما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم
بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100) |
|
التّفسير |
|
طلب
المستحيل:
|
|
تابعت هاتان الآيتان ما
تناولته الآيات السابقة من عناد المشركين والمذنبين وتمسكّهم بالباطل، فتناولت
حالهم الوخيم حين الموت. وأنّهم يستمرّون في باطلهم: (حتّى
إذا جاء أحدهم الموت)( «حتّى» هي في الواقع غاية لجملة محذوفة، ويفهم من
العبارات السابقة أنّ تقديرها: إنّهم يستمرّون على هذا الحال حتّى إذا جاء أحدهم
الموت، ويستدلّ على ذلك من عبارة «نحن أعلم بما يصفون» التي استفيد منها في
الآيتين السابقتين (فتأمّلوا جيداً).). |
|
بحوث
|
|
1 ـ من هو
المخاطب في قوله تعالى: ( ربِّ ارجعون)؟
|
|
بملاحظة كلمة «ربّ» التي هي مخفّف «ربّي» بمعنى إلهي، تشير بداية الجملة
إلى أنّ المخاطب هو الله سبحانه وتعالى، إلاّ أنّ مجيء «ارجعون» بصيغة الجمع
يمنع أن يكون المخاطب هو الله عزّوجلّ. وهذا التعبيران في الجملة السابقة يثيران
سؤالا وتساؤلا. |
|
2 ـ تفسير عبارة
(فيما تركت)
|
|
قرأنا في الآيات السابقة أنّ
الكفّار يستنجدون بالله ليرجعهم إلى الدنيا ليعملوا صالحاً فيما تركوا من
الأعمال. ويبدو أنّ التّفسير
الثّاني أقرب إلى الصواب، وكلمة «لعلّي»
الواردة في جملة (لعلّي أعمل صالحاً) يمكن أن
تكون علامة على عدم إطمئنان هؤلاء المنحرفين من مستقبلهم، وأنّ الندامة نتيجة
لظروف خاصّة، تظهر حين موتهم، ولو عادوا إلى الدنيا لواصلوا أعمالهم ذاتها. وهذا
هو عين الحقيقة. |
|
3 ـ ما الذي
تنفيه «كلاّ»؟
|
|
تأتي «كلاّ» في العربية بمعنى
الحيلولة، وإبطال أثر أقوال المخاطب. وتقابل بالضبط كلمة «أي» التي تستخدم
لتصديق الكلام. |
|
4 ـ ما هو عالم
البرزخ؟
|
|
وأين هو؟ وأخيراً ماذا سيكون وضع
المؤمنين والصالحين والكفّار والمسيئين فيه؟ وبهذا يتّضح عدم إمكان حمل
هذه العبارات على المجاز والكناية، بل هي تخبرنا عن حقيقة وجود حياة البرزخ بعد
الموت، وتمكّن الموتى ـ لو سمح لهم ـ من الحديث
إلينا. 6 ـ وروى الشيخ
الكليني (رحمه الله) في الكافي عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب،
عن أبي ولاّد الحنّاط، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: قلت له: جعلت فداك، يروون أنّ أرواح المؤمنين في حواصل
طيور خضر حول العرش، فقال: «لا، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة
طير، ولكن في أبدان كأبدانهم»( كتاب الكافي «حسبما نقله
بحار الأنوار، المجلّد السادس، صفحة 268.). أحاديث تتحدّث عن
سؤال القبر وعذابه. |
|
البرزخ
والإتّصال بعالم الأرواح
|
|
رغم أنّ الكثير ممّن يدّعون
بأنّهم على إتّصال بعالم الأرواح كاذبون، أو أنّهم يعانون نوعاً من الوهم
والخيال، لكن ثبت أنّ الإتّصال بعالم الأرواح ممكن، وقد تحقّق فعلا لبعض
العلماء، حتّى أنّهم توصّلوا إلى بعض الحقائق عن طريق الأرواح. |
|
صورة
عن عالم البرزخ
|
|
يتّفق علماء الإسلام على أصل
وجود البرزخ وما يقع فيه من نعمة ونقمة مع بعض إختلافات جزئيّة بين هؤلاء
العلماء، ويتّفق علماء السنّة والشيعة على وجود البرزخ
باستثناء عدد قليل غير ملحوظ. والدليل على
الإتّفاق بين هؤلاء العلماء واضح، وهو تصريح الآيات القرآنية بوجود البرزخ وما فيه من نعمة وعذاب، كما أسلفنا.
ومنها ما صرّح بذلك في الحديث عن الشهداء: (ولا تحسبنّ
الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربّهم يرزقون فرحين بما آتاهم
الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألاّ خوف عليهم ولا هم
يحزنون)( سورة آل عمران، 169 و170.) وليس
فقط هذه المجموعة من الصالحين قد أنعم الله عليها، بل إنّ مجموعة من أسوأ الطغاة
والمجرمين يعذّبهم الله، كما أنّ تعذيب آل فرعون بعد الموت وقبل القيامة قد أشارت إليه الآية 46 من سورة غافر (المؤمن). بل إنّ
البعض قال بوجود الجسم المثالي في جسم كلّ إنسان، وأنّه ينفصل عنه في
بداية الحياة البرزخية، ويمكن أن يقع ذلك كما قلنا في هذه الدنيا. |
|
الآيات(101) (104)
فَإِذَا نُفِخَ فِى الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذ وَلاَ
يَتَسَاءَلُونَ
|
|
فَإِذَا نُفِخَ فِى
الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ(101) فَمَن
ثَقُلَتْ مَوَزِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(102) وَمَنْ خَفَّتْ
مَوَزِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِى جَهَنَّمَ
خَلِدُونَ(103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَلِحُونَ (104) |
|
التّفسير |
|
جانب
من عقاب المسيئين:
|
|
تحدّثت الآيات السابقة عن
عالم البرزخ، وأعقبتها آيات تناولت القيامة بالبحث، وتناولت كذلك جانباً من وضع
المذنبين في عالم الآخرة. «النفخ في الصور» يعني النفخ في البوق، إلاّ أنّ هذه العبارة لها مفهوم
خاصّ سنبيّنه إن شاء الله في شرح الآية 68 من سورة الزمر. ويمكن أن يكون الأنبياء
والأئمّة وعباد الله المخلصون قدوة في مجال معيّن أو أكثر على وفق الظروف التي
مرّوا بها، فاشتهروا ببعض الصفات دون أُخرى، فواحدهم ميزان بما إشتهر به من
حسنات وخصال حميدة. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ اليوم الذي
لا يعتنى فيه بالأنساب:
|
|
المفاهيم التي تسود حياة
الإنسان المادّية في هذا العالم، ستتغيّر في عالم الآخرة، ومنها العلاقات
الودّية، والأواصر الاُسريّة التي تحلّ مشاكل كثيرة في هذه الحياة، وأحياناً
تشكّل النظام الذي يسيطر على سائر العلاقات الإجتماعية. |
|
2 ـ حكاية
الأصمعي المؤثّرة:
|
|
ومن المناسب هنا ذكر حكاية
نقلها «الغزالي» في كتابه «بحر المحبّة» عن الأصمعي، تؤيّد ما ذهبنا إليه وذات
مسائل جديرة بالإهتمام. |
|
3 ـ تناسب العقاب
مع الذنب
|
|
أشرنا سابقاً إلى العذاب
الإلهي في القيامة، وإلى أنّ الذنوب التي ترتكب تتناسب مع العقاب بدقّة. وقد
ذكرت الآيات السابقة إحتراق الوجوه الشديد بلهيب النّار المحرقة، حتّى تكون
الوجوه معبّسة والثغور مفتّحة. كلّ ذلك عقاب للذين خفّت موازينهم وإنعدم
إيمانهم. ومع التوجّه لهذا المعنى، وهو أنّ هؤلاء كانوا يعبّسون حين سماع الآيات
الإلهيّة وأحياناً يسخرون بها. ويجلسون يتحدّثون باستهزاء وتهكّم، فإنّ هذا
العذاب يناسب أعمالهم هذه. |
|
الآيات(105) (111)
أَلَمْ تَكُنْ ءَايَتِى تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ(105)
قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا
|
|
أَلَمْ تَكُنْ
ءَايَتِى تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ(105) قَالُوا رَبَّنَا
غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ(106) رَبَّنَا
أَخْرِجْنَا منْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَلِمُونَ(107) قَالَ اخْسَئُوا
فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ(108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِى
يَقُولُونَ رَبَّنَا ءَامَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ
الرَّحِمِينَ(109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُم ذِكْرِى
وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ(110) إِنِّى جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا
صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ(111) |
|
التّفسير |
|
لا تكلّمون!
|
|
تحدّثت الآيات السابقة عن
العذاب الأليم لأهل النّار، وتناولت الآيات ـ موضع البحث ـ إستعراض جانب من كلام
الله مع أهل النّار، إذ خاطبهم سبحانه وتعالى بعتاب (ألم تكن آياتي تتلى عليكم
فكنتم بها تكذّبون)( إنّ هذه الجملة في الحقيقة فيها
محذوف تقديره (يقول الله تعالى ألم تكن ...).). ألم اُرسل إليكم آيات وأدلّة
واضحة بواسطة رسلي! ألم اُتمّ حجّتي عليكم! ومع كلّ هذا واصلتم تكذيبكم
وإنكاركم. |
|
الآيات(112) (116)
قَلَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِى الاَْرْضِ عَدَدَ سِنِينَ(112) قَالُوا لَبِثْنَا
يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْم فَسْئَلِ الْعَادِّينَ
|
|
قَلَ كَمْ
لَبِثْتُمْ فِى الاَْرْضِ عَدَدَ سِنِينَ(112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ
بَعْضَ يَوْم فَسْئَلِ الْعَادِّينَ(113) قَلَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلا
لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (114) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا
خَلَقْنَكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ(115) فَتَعَلَى
اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ
الْكَرِيمِ(116) |
|
التّفسير |
|
الدنيا، وعمرها
القصير:
|
|
بما أنّ الآيات السابقة
تناولت جانباً من عذاب أهل النّار الأليم، عقّبت الآيات ـ موضع البحث ـ ذلك بذكر
نوع آخر من العذاب، هو العذاب النفسي الموجّه من قبل الله تعالى لأهل النّار
للإستهانة بهم. فما ذهب إليه بعض
المفسّرين: من أنّ المراد من هذا
الإستفسار هو عن السؤال مقدار إنتظارهم في عالم البرزخ، بعيد حسب الظاهر، رغم
وجود شواهد قليلة على ذلك في آيات أُخرى(نقرأ في سورة
الروم الآية (55) و56): (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك
كانوا يؤفكون، وقال الذين أتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم
البعث، وهذا يوم البعث ولكنّكم كنتم لا تعلمون) تبيّن هاتان الآيتان أنّ
الإستفسار والردّ خاص بالتوقّف في البرزخ، وإذا جعلناه دليلا على الآيات موضع
البحث، فمفهومها سيكون أيضاً التوقّف في البرزخ، إلاّ أنّه كما قلنا: إنّ
الدلائل الموجودة ـ في الآيات موضع البحث ـ مقدّمة عليها، وإنّها تبيّن أنّ
الإستفسار وجوابه يخصّ التوقّف في الدنيا.). |
|
بحث
|
|
الموت
ليس نهاية الحياة:
|
|
قلنا: إنّ من بين الأدلّة
المطروحة لإثبات المعاد والعالم الآخر هي «مطالعة نظام هذا العالم» أو بتعبير
آخر: إنّ دراسة «النشأة الأُولى» شاهد على وجود «النشأة الاُخرى». فكلّ واحدة من هذه المجرّات
العظيمة تضمّ مليارات من الكواكب، وعدد المجرات والفواصل بينها كبير بدرجة تثير
الدهشة حين حساب المسافة بينها بسرعة الضوء، علماً بأنّ سرعة الضوء تبلغ ثلاثمائة
ألف كيلومتراً في الثّانية. والدقّة المستخدمة في بناء أصغر وحدة من هذا العالم
هي ذاتها التي إستخدمت في أوسع بناء فيه. وعلى هذا فإنّ دراسة هذا
العالم العظيم لوحده دليل على كونه مقدّمة لعالم أوسع يمتاز بالدوام الخالد،
ويعطي الإيمان به حياتنا معناها اللائق بها، ويخلصها من التفاهات. ولهذا لا
نستغرب من تصوّر الفلاسفة الماديّين الذين لا يعتقدون بالقيامة والآخرة أنّ هذا
العالم تافه لا هدف له. ولو كنّا نحن نعتقد بمثل هذا فحسب لأتّجهنا نفس
اتّجاههم. ولهذا نؤكّد أنّه إذا كان الموت نقطة النهاية فخلق الوجود يصبح أمراً
تافهاً، لهذا نقرأ في الآية (66) من سورة
الواقعة (ولقد علمتم النشأة الأُولى فلولا تذكرون)؟! |
|
الآيتان(117) (118)
وَمَن يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهاً ءَاخَرَ لاَ بُرْهَنَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا
حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَفِرُونَ
|
|
وَمَن يَدْعُ مَعَ
اللهِ إِلَهاً ءَاخَرَ لاَ بُرْهَنَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ
رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَفِرُونَ(117) وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ
وَأَنتَ خَيْرُ الرَّحِمِينَ(118) |
|
التّفسير |
|
المفلحون
والخائبون:
|
|
بما أنّ الآيات السابقة
تحدّثت عن قضيّة المعاد، وإستعرضت الصفات الإلهيّة، فانّ الآية الأُولى أعلاه
تناولت التوحيد نافيةً الشرك مؤكّدة للمبدأ والمعاد. في قوله تعالى: (ومن يدّع
مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنّما حسابه عند ربّه)( وإعتبر بعض المفسّرين عبارة
«فإنّما حسابه عند ربّه» جواب الشرط لعبارة «من يدّع مع الله» ويعتبر جملة «لا
برهان له به» جملة إعتراضية جاءت بين سؤال الشرط وجوابه. وهي لتأكيد الهدف
النهائي. إلاّ أنّ البعض الآخر يرى أنّ عبارة «لا برهان له» جواب الشرط وجملة
«فإنّما حسابه» ... فرع عنها، لكنّ هذا الإحتمال لا ينسجم مع الأدب العربي، إذ
يستوجب أن يقترن جواب الشرط بالفاء. أي «فلا برهان له، وذهب آخرون إلى أنّ هذه
الجملة صفة أو حالا. إلاّ أنّ الإحتمال الأوّل يبدو أقرب إلى الصواب رغم أنّه لا
فرق في المعنى يستحقّ الملاحظة».). |
|
|
|