- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
سورة الحجّ مدنيّة وعددُ
آياتِها ثمان وسَبعُونَ آيةً
|
|
مضمون
سورة الحجّ
|
|
سمّيت هذه السورة بـ «سورة الحجّ» لأنّ جزءاً من آياتها تحدّث عن الحجّ. وهناك إختلاف بين المفسّرين وكتّاب
تأريخ القرآن حول مكّيتها أو مدنيّتها. فالبعض يرى أنّها مكيّة باستثناء
عدد من آياتها. في الوقت الذي يرى آخرون أنّها
مدنية عدا بعض آياتها. وآخرون يرون أنّها مزيجاً من الآيات المكيّة والمدنيّة. إلاّ أنّنا
لو أخذنا بنظر الإعتبار إستنتاجاتنا من السور المكية والمدنيّة، أو بتعبير آخر: أجواء هاتين المدينتين وحاجات المسلمين
وكيفية صدور تعاليم النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
إليهم في كلّ من هاتين المنطقتين، لوجدنا أنّ آيات هذه
السورة تشبه السور المدنيّة، فالتعاليم الخاصّة بالحجّ، وكذلك التعاليم الخاصة بالجهاد تناسب أوضاع المسلمين في
المدينة، مع أنّ تأكيد آيات في هذه السورة
للمبدأ والمعاد لا تستبعد ملاءمتها للسور المكيّة. 1 ـ تضمنّت آيات منها موضوع «المعاد» وأدلّته المنطقية،
وإنذار الغافلين عن يوم القيامة ونظائر ذلك التي تبدأ هذه السورة بها لتضمّ
جزءاً كبيراً منها. |
|
فضيلة
تلاوة سورة الحجّ:
|
|
جاء في حديث للرسول الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله
وسلم) «من قرأ سورة الحجّ اُعطي من الأجر كحجّة حجّها، وعمرة إعتمرها، بعدد من
حجّ وإعتمر فيما مضى وفيما بقي»( مجمع البيان بداية
سورة الحجّ.!) وهذا الثواب والفضل العظيم ليس لمجرد التلاوة اللفظيّة
فقط، وإنّما لتلاوة تنير الفكر، وتفكّر يتبعه عمل وتطبيق. |
|
الآيتان(1) (2)
يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شِىْءٌ
عَظِيمٌ(1)يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَة
|
|
يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ
زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شِىْءٌ عَظِيمٌ(1)يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ
مُرْضِعَة عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْل حَمْلَهَا وَتَرَى
النَّاسَ سُكَرَى وَمَا هُم بِسُكَرَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ(2) |
|
التّفسير |
|
زلزلة البعث العظيمة: تبدأ هذه السورة بآيتين تشيران إلى يوم البعث ومقدّماته،
وهما آيتان تبعدان الإنسان ـ دون إرادته ـ عن هذه الحياة المادية العابرة،
ليفكّر بالمستقبل المخيف الذي ينتظره المستقبل الذي سيكون جميلا وسعيداً إن فكّرت
فيه اليوم، ولكنّه مخيفٌ حقّاً إن لم تعدّ العدّة له، والآية المباركة: (ياأيّها الناس اتّقوا ربّكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم).
خطاب للناس جميعاً بلا استثناء، فقوله تعالى: (ياأيّها الناس) دليل واضح على عدم
التفريق بينهم من ناحية العنصر، واللغة، والزمان، والأماكن الجغرافية، والطوائف،
والقبائل. فهو موجّه للجميع: المؤمن والكافر، والكبير والصغير، والشيخ والشابّ،
والرجل والمرأة، على إمتداد العصور. |
|
مسائل مهمّة
|
|
1 ـ تحدث هذه الظواهر المذكورة آنفاً بشكل يسير في الزلازل الدنيويّة والأحداث المرعبة، حيث
تنسى الاُمّهات أطفالهنّ، وتسقط الحوامل حملهنّ، وترى آخرين كالسكارى قد فقدوا
صوابهم، إلاّ أنّ هذا لا يتّخذ طابعاً عاماً. أمّا زلزال البعث فإنّه يصيب الناس
جميعاً دون إستثناء. |
|
الآيتان(3) (4)
وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَدِلُ فِى اللهِ بِغَيْرِ عِلْم وَيَتَّبِعُ كُلَّ
شَيْطَن مَّرِيد
|
|
وَمِنَ النَّاسِ
مَن يُجَدِلُ فِى اللهِ بِغَيْرِ عِلْم وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَن مَّرِيد(3)
كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى
عَذَابِ السَّعِيرِ(4) |
|
التّفسير |
|
أتباع
الشيطان!
|
|
بعد أن أعطت الآيات السابقة صورة
لرعب الناس حين وقوع زلزلة القيامة، أوضحت الآيات اللاحقة حالة اُولئك
الذين نسوا الله، وكيف غفلوا عن مثل هذا الحدث العظيم، فقالت: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ
الجدال في الحقّ والباطل 2 ـ جدال الباطل
سبيل الشيطان يرى بعض كبار المفسّرين أنّ عبارة (يجادل في
الله بغير علم) إشارة إلى أقوال المشركين التي تفتقد السند والدليل. وعبارة
(ويتّبع كلّ شيطان مريد)إشارة إلى أفعال المشركين الخاطئة. |
|
الآيات(5) (7)
يَأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى رَيْب مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا
خَلَقْنَكُم مِّن تُرَاب ثُمَّ مِن نُّطْفَة
|
|
يَأَيُّهَا
النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى رَيْب مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَكُم مِّن
تُرَاب ثُمَّ مِن نُّطْفَة ثُمَّ مِنْ عَلَقَة ثُمَّ مِن مُّضْغَة مُّخَلَّقَة
وَغَيْرِ مُخَلَّقَة لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِى الاَْرْحَامِ مَا
نَشَاءُ إِلَى أَجَل مُّسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا
أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ
الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْم شَيْئاً وَتَرَى الاَْرْضَ
هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ
وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْج بَهِيج(5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ
وَأَنَّهُ يُحْىِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ(6) وَأَنَّ
السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَن فِى
الْقُبُورِ(7) |
|
التّفسير |
دليل
المعاد في عالم الأجنّة والنبات:
|
|
بما أنّ البحث في الآيات السابقة كان يدور حول تشكيك
المخالفين للمبدأ والمعاد، فالآيات محل البحث طرحت دليلين منطقيين قويّين لإثبات
المعادالجسماني: أحدهما التغيّرات التي تحدث في مراحل تكوين الجنين، والآخر هو
التغيّرات التي تحدث في الأرض عند خروج النبات. ويصبح في وضع وكأنّه طفل (لكي لا يعلم من بعد علم شيئاً) وهذا الضعف والخمول
دليل على بلوغ المرء مرحلة إنتقالية جديدة كما نجد ضعف التحام الثمرة بالشجرة
حين تبلغ مرحلة النضج ممّا يدلّ على وصولها إلى مرحلة الإنفصال. |
|
ملاحظات
|
|
|
1 ـ إنّ ما إستعرضته الآيات الخاصّة بالمراحل التي تسبق مراحل الحياة للإنسان وعالم النبات، من أجل أن تعلموا أنّ الله
تعالى حقّ (ذلك بأنّ الله هو الحقّ) وبما أنّه
هو الحقّ، فالنظام الذي خلقه حقّ أيضاً، لهذا لا يمكن أن يكون هذا الخلق دون
هدف، كما يذكر القرآن الكريم هذا المعنى في مورد آخر: (وما
خلقنا السّماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظنّ الذين كفروا)( سورة ص، 27.). وهذه النتائج الخمس بعضها مقدّمة، وبعضها ذو المقدّمة، البعض منها إشارة إلى
الإمكان، والآخر إشارة إلى الوقوع، ومترتّبة
بعضها على بعض وكلّ يكمل صاحبه، وجميعها ينتهي إلى نقطة واحدة، هي أنّ البعث ليس ممكن
فحسب، بل إنّه سيقع حتماً. |
|
بحوث
|
|
1 ـ مراحل حياة
الإنسان السبع
|
|
الآيات السابقة شرحت حركة الإنسان في مسيرة ذات
مراحل سبع، لتبيّن البعث وتثبت إمكانه: |
|
2 ـ المعاد
الجسماني
|
|
ممّا لا شكّ فيه أنّ القرآن الكريم أينما تحدث عن البعث
قصد بعث الإنسان جسماً وروحاً في العالم الاُخروي،
والذين حصروا البعث في الروح وقالوا ببقائها هي وحدها لم يفقهوا آيات القرآن
قطّ. فهذه الآيات المباركة
كالآية السابقة تصرّح بالمعاد الجسماني. وإلاّ
فما هو وجه التشابه بين المعاد الروحي، ومراحل الجنين وإحياء الأرض الموات بنمو
النباتات؟ ويؤكّد ذلك ختام الآيات التي نحن
بصددها إذ تقول: (وإنّ الله يبعث من في القبور)
والقبر موضع جسم الإنسان وليس روحه. |
|
3 ـ ما هو «أرذل
العمر»؟
|
|
«الأرذل» مشتقّة من «رذل» أي المنحطّ وغير المرغوب فيه.
ويقصد بـ «أرذل العمر» تلك المرحلة من عمر الإنسان التي
هي أكثر إنحطاطاً وغير مرغوب فيها لما يفقده فيها الإنسان من القوّة والذاكرة،
ولما يغلبه فيها من الضعف والإنفعال، حتّى تراه يغتاظ من أدنى شيء، ويرضى ويفرح
لا يسر شيء، ويفقد سعة صدره وصبره، وربّما قام بحركات طفولية. مع فارق بينه وبين
الطفل وهو أنّ الناس لا يتوقّعون منه ذلك، لأنّه ليس طفلا، مضافاً إلى أنّ الطفل
يؤمل في أن يكبر وينضج جسديّاً ونفسيّاً وتزول عنه هذه الحركات الصبيانية، لهذا
يتركوا أحراراً في ممارستها، وليس كذلك في الفرد المسنّ، أي أنّ الطفل ليس لديه
شيء ليفقده، ولكن المسنّ يفقد رأس مال حياته بذلك. وعلى هذا فإنّ وضع الشيوخ
المعمّرين يثير الشفقة والأسى عند مقارنته بوضع الأطفال. |
|
الآيات(8) (10)
وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَدِلُ فِى اللهِ بِغَيْرِ عِلْم وَلاَ هُدىً وَلاَ كِتَب
مُّنِير
|
|
وَمِنَ النَّاسِ
مَن يُجَدِلُ فِى اللهِ بِغَيْرِ عِلْم وَلاَ هُدىً وَلاَ كِتَب مُّنِير(8)
ثَانِىَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِى الدُّنْيَا خِزْىٌ
وَنَذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ(9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ
يَدَاكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّم لِّلْعَبِيدِ(10) |
|
|
|
التّفسير |
|
الجدال
بالباطل مرّة أُخرى:
|
|
تتحدّث هذه الآيات أيضاً عمّن يجادلون في المبدأ والمعاد
جدالا خاوياً لا أساس له، في البداية يقول القرآن المجيد: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب
منير). ويمكن أن تكون
عبارة «ليضلّ» هدف هذا الإعراض، أي إنّهم (قادة الضلال) يستخفّون بآيات الله والهداية
الإلهيّة لتضليل الناس. ويمكن أن تكون نتيجة لذلك. أي أنّ محصّلة الإعراض وعدم
الإهتمام هو صدّ الناس عن سبيل الحقّ. ويعقب القرآن ذلك ببيان عقابهم الشديد في
الدنيا والآخرة بهذه الصورة: (له في الدنيا خزي ونذيقه
يوم القيامة عذاب الحريق). |
|
الآيات(11) (14)
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْف فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ
اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ
|
|
وَمِنَ النَّاسِ
مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْف فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ
أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالاْخِرَةَ
ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ(11) يَدْعُوا مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ
يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَلُ الْبَعِيدُ(12) يَدْعُوا
لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ
الْعَشِيرُ(13) إنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ
جَنَّت تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَرُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ(14) |
|
التّفسير |
|
الواقف
على حافّة وادي الكفر
|
تحدّثت الآيات السابقة عن مجموعتين: الأتباع الضالّين،
والقادة المضلّين. أمّا هذه الآيات، فتتحدّث عن مجموعة ثالثة هم ضعاف الإيمان.
قال القرآن المجيد عن هذه المجموعة: (ومن الناس من يعبد
الله على حرف) أي إن بعض الناس يعبد الله بلقلقة لسان، وإنّ إيمانه ضعيف
جدّاً. ولم يدخل الإيمان إلى قلبه. وعبارة «على حرف» ربّما تكون إشارة إلى أنّ إيمانهم باللسان فقط،
وأنّ قلوبهم لم تر بصيصاً من نوره إلاّ قليلا، وقد تكون إشارة إلى أنّ هذه
المجموعة تحيا على هامش الإيمان والإسلام وليس في عمقه، فأحد معاني «الحرف» هو
حافّة الجبل والأشياء الاُخرى. والذي يقف على الحافّة لا يمكنه أن يستقرّ. فهو
قلق في موقفه هذا، يمكن أن يقع بهزّة خفيفة، وهكذا ضعاف الإيمان الذين يفقدون
إيمانهم بأدنى سبب. |
|
الآيات(15) (17) مَن
كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللهُ فِى الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ
فَلْيَمْدُدْ بِسَبَب إِلَى السَّمَاءِ
|
|
مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللهُ
فِى الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَب إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ
لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كِيْدُهُ مَا يَغِيظُ(15) وَكَذَلِكَ
أَنزَلْنَهُ ءَايَت بَيِّنَت وَأَنَّ اللهَ يَهْدِى مَن يُرِيدُ(16) إِنَّ
الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّبِئِينَ وَالنَّصَرَى
وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ
الْقِيَمَةِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَىْء شَهِيدٌ(17) |
|
التّفسير |
|
|
البعث
نهاية جميع الخلافات:
|
|
بما أنّ الآيات السابقة كانت تتحدّث عن ضعفاء الإيمان،
فإنّ الآيات مورد البحث ترسم لنا صورة أُخرى عن هؤلاء فتقول: (من كان يظنّ أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب
إلى السّماء ثمّ ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ). أي من يظنّ أنّ
الله لا ينصر نبيّه في الدنيا والآخرة، وهو غارق في غضبه، فليعمل ما يشاء،
وليشدّ هذا الشخص حبلا من سقف منزله ويعلّق نفسه حتّى ينقطع نفسه ويبلغ حافّة
الموت، فهل ينتهي غضبه؟! |
|
بحوث
|
|
1 ـ إرتباط
الآيات
|
|
ترتبط هذه الآية بالآيات التي
سبقتها، حيث تناولت الآية التي قبلها الهداية الربّانية لمن كان قابلا للهداية،
ولكن بما أنّ قلوب الناس ليست على نمط واحد،
بسبب وجود التعقّب والعناد والتقليد الأعمى لا يسمح للقلوب بالإهتداء، لذا يبقى
التحزّب والخلاف إلى يوم القيامة الذي يكشف فيه عن الأسرار ويتجلّى الحقّ
للجميع. |
|
2 ـ من هم
المجوس؟
|
|
جاءت كلمة «المجوس» مرّة واحدة في هذه الآيات
بجانب الأديان السماوية الاُخرى وفي
مقابل المشركين، وهذا دليل على أنّ لهم ديناً ونبيّاً وكتاباً. |
|
3 ـ من هم
الصابئة؟
|
|
يستفاد من الآية السابقة، ولا
سيّما من ذكر الصابئة بين اليهود والنصارى، أنّ الصابئة أصحاب دين سماوي. وقيل:
إنّهم أتباع يحيى بن زكريا (عليه السلام) الذي يسمّيه المسيحيون «يحيى المعمدان»
وقيل: إنّ الصابئة مزجوا بين العقيدتين اليهودية
والنصرانية، فعقيدتهم وسط بين اُولئك وهؤلاء. |
|
3 ـ مجموعة
المنحرفين عن التوحيد
|
|
أشارت الآيات السابقة إلى خمس
فئات منحرفة، يحتمل أن يكون ترتيبها هنا بحسب درجة إنحرافها عن أصل
التوحيد، فاليهود أقل إنحرافاً من الآخرين بشأن التوحيد، والصابئة وسط بين اليهود والنصارى، ويليهم النصارى لقولهم
بالتثليث أي تأليههم عيسى واُمّه مريم(عليهما السلام) أيضاً، وبذلك إزداد
إنحرافهم. أمّا المجوس فهم في مرحلة رابعة لتقسيمهم العالم قسمين: الخير والشرّ، وقولهم بوجود مبدأين منذ الخليقة. أمّا المشركون وعبدة الأصنام فهم في آخر مرحلة،
لإنحرافهم عن التوحيد أكثر من الآخرين. |
|
الآية(18)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السَّمَوَتِ وَمَن فِى الاَْرْضِ
وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ
|
|
أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السَّمَوَتِ وَمَن فِى الاَْرْضِ وَالشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ
مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا
لَهُ مِن مُّكْرِم إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ(18) |
|
التّفسير |
|
الوجود كلّه يسجد لله:
|
|
بما أنّ الحديث في الآيات
السابقة كان عن المبدأ والمعاد، فإنّ الآية ـ موضع البحث ـ بطرحها مسألة
التوحيد، قد أكملت دائرة المبدأ والمعاد، وتخاطب النّبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) فتقول (ألم تر أنّ الله يسجد له من في السماوات
ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدّواب) و (كثير من
الناس وكثير حقّ عليه العذاب) ثمّ تضيف وهؤلاء ليست لهم قيمة عند الله تعالى،
ومن كان كذلك فهو مهان: (ومن يُهن الله فما له من
مكرم). |
|
بحثان
|
|
1 ـ في كيفية السجود العام!
|
|
جاء في القرآن المجيد ذكر «السجود العامّ» لجميع
المخلوقات في العالم، وكذا «التسبيح» و «الحمد» و «الصلاة»، وأكّد القرآن الكريم
على أنّ هذه العبادات الأربع، لا تختص بالبشر وحدهم، بل يشاركهم فيها حتّى
الموجودات التي تبدو عديمة الشعور. وعلى الرغم من أنّنا بحثنا في ختام الآية
الرّابعة والأربعين من سورة الإسراء عن حمد الموجودات وتسبيحها بحثاً مسهباً،
وتناولنا سجود المخلوقات العامّ لله في تفسير الآية الخامسة عشرة من سورة الرعد،
نجد الإشارة إلى هذا الحمد والتسبيح الكوني العامّ ضرورية. لو دقّقنا في مفهوم السجود في هذه الآية لرأيناه يجمع بين المفهومين التشريعي والتكويني، فتتيسّر
الإجابة عن هذا السؤال، لأنّ سجود الشمس والقمر والنجوم والجبال والأشجار
والأحياء تكويني، وسجود البشر تشريعي يؤدّيه ناس ويأباه آخرون، فصدق فيهم القول:
(كثير حقّ عليه العذاب). وإستخدام لفظ واحد
بمفهوم شامل عامّ مع الإحتفاظ بمصاديقه لا يضرّه شيئاً، حتّى عند الذين لا
يجيزون إستخدام كلمة واحدة لعدّة معان. فكيف بنا ونحن نجيز إستعمال كلمة واحدة
في معان عديدة؟ |
|
2 ـ هل سجود
الملائكة تشريعي؟
|
|
ممّا لا شكّ فيه أنّ عبارة (يسجد له من في السموات) تضمّ الملائكة، وسجودهم
تشريعي، لأنّهم عقلاء ذوو أحاسيس وعلم وإرادة، أي أنّ سجودهم عبادة وخضوع على
وفق إرادتهم ووعيهم، بدلالة ما قاله القرآن الكريم عنهم: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)( التحريم، 6.). |
|
أجوبة
عن إستفسارات
|
|
1 ـ
لماذا جاءت عبارة (كثير من الناس) بعد (ومن في الأرض) التي تضمّ البشر كلّهم؟ |
|
الآيات(19) (24)
هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِى رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ
لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّار
|
|
هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِى رَبِّهِمْ
فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّار يُصَبُّ مِن فَوْقِ
رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ(20)
وَلَهُم مَّقَمِعُ مِنْ حَدِيد(21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا
مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ(22) إِنَّ اللهَ
يُدْخِلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ جَنَّت تَجْرِى مِن
تَحْتِهَا الاَْنْهَرُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَب وَلُؤْلُؤاً
وَلِبَاسَهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ(23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ
وَهُدُوا إِلَى صِرَطِ الْحَمِيدِ (24) |
|
سبب النّزول |
|
ذكر عدد من المفسّرين من الشيعة
والسنّة روايات في سبب نزول أوّل آية من الآيات السالفة الذكر نلخّصها
بتركيز: «نزل إلى ساحة الحرب يوم معركة بدر ثلاثة من المسلمين هم (علي (عليه
السلام) وحمزة وعبيدة بن الحارث بن عبدالمطّلب)، فقتلوا بحسب
ترتيبهم «الوليد بن عتبة» و «عتبة بن ربيعة» و «شيبة بن ربيعة» فنزلت هذه الآية
لتبيّن مصير الذين اشتركوا في هذه المبارزة. |
|
التّفسير |
|
خصمان
متقابلان!
|
|
أشارت الآية السابقة إلى
المؤمنين وطوائف مختلفة من الكفّار، وحدّدتهم بستّ فئات. أمّا هنا فتقول: (هذان خصمان
اختصموا في ربّهم)( كلمة «خصمان» مثنّى أمّا
فعلها «اختصموا» فجاء بصيغة جمع، والسبب يكمن في أنّ هذين ليسا شخصين، بل فئتين،
إضافة إلى كون الفئتين ليس في صفّين وإنّما في صفوف مختلفة، وتنهض كلّ مجموعة
لمبارزة الآخرين.) أي أنّ الخصام بين مجموعتين، هما: طوائف الكفّار الخمس
من جهة، والمؤمنون الحقيقيّون من جهة أُخرى.
وإذا تفحّصنا الأمر وجدنا أساس الخلاف بين الأديان في ذات الله تعالى وصفاته،
وهو يمتدّ إلى الخلاف في النبوّة والمعاد. لهذا لا ضرورة إلى القول بأنّ الناس
مختلفين في دين الله. إذ أنّ أساس الخلاف وجذوره يعود إلى الخلاف في توحيده
تعالى فقط. فجميع الأديان قد حرّفت، والباطل منها قد إختلط بنوع من الشرك، وبدت
دلائله في جميع إعتقادات أصحاب هذه الأديان. |
|
الآية(25) إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
|
|
إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِى
جَعَلْنَهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَكِفُ فِيهِ والْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ
بِإِلْحَادِ بِظُلْم نُّذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم(25) |
|
التّفسير |
|
الذين
يصدّون عن بيت الله الحرام!
|
|
تحدّثت الآيات السابقة عن
عامّة الكفّار، وهذه الآية تشير إلى مجموعة خاصة منهم باءت بمخالفات وذنوب
عظيمة، ذات علاقة بالمسجد الحرام ومراسم الحجّ العظيم. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ جاء «كفر» هؤلاء في هذه الآية بصيغة الفعل الماضي، وجاء «الصدّ» عن سبيل الله بصيغة
الفعل المضارع، إشارةً إلى كونهم كفّاراً من قبل. وإلى أنّ تضليلهم الناس هو
عملهم الدائم. وبتعبير آخر: تشير العبارة الأُولى إلى إعتقادهم الباطل، وهو أمر
ثابت، بينما تشير العبارة الثّانية إلى عملهم الدائم وهو الصدّ عن سبيل الله. |
|
الآيات(26) (28)
وَإِذْ بَوَّأْنَا لاِِبْرَهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِى
شَيْئاً وَطَهِّرْ بِيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَ
|
|
وَإِذْ بَوَّأْنَا
لاِِبْرَهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِى شَيْئاً وَطَهِّرْ
بِيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ(26) وَأَذِّن
فِى النَّاسِ بِالْجَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِر يَأْتِينَ مِن
كُلِّ فَجٍّ عَمِيق(27) لِّيَشْهَدُوا مَنَفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ
فِى أَيَّام مُّعْلُومَت عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاَْنْعَمِ
فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ(28) |
|
التّفسير |
|
الدّعوة العامّة للحجّ! |
|
تناولت الآية السابقة قضيّة المسجد الحرام وحجّاج بيت
الله، أمّا هذه الآيات فتستعرض بناء الكعبة على يد إبراهيم الخليل (عليه
السلام)، ووجوب الحجّ وفلسفته، وبعض أحكام هذه العبادة الجليلة. وبتعبير آخر:
كانت الآية السابقة مقدّمة للأبحاث المختلفة التي تناولتها الآيات اللاحقة، إذ
بدأت بقصّة تجديد بناء الكعبة: (وإذ بوّأنا لإبراهيم
مكان البيت) أي تذكّر كيف أعددنا لإبراهيم مكان الكعبة لا ليقوم ببنائها. |
|
بحوث
|
|
1 ـ ما هي
الأيّام المعلومات؟
|
|
يأمرنا الله سبحانه وتعالى ـ في الآيات السابقة ـ أن
نذكره في (أيّام معلومات). وجاء ذلك أيضاً في
سورة البقرة الآية (203) بشكل آخر (واذكروا الله في أيّام معدودات). فما هي الأيّام
المعلومات؟ وهل تطابق في معناها الأيّام المعدودات، أم لا؟ ومع الأخذ بوحدة المعاني التي تضمنّتها الآيتان، يبدو أنّ الأرجح
في هذه القضيّة القول بأنّ الآيتين تشيران إلى موضوع
واحد، وهدفهما الإهتمام بذكر الله في أيّام معيّنة تبدأ من العاشر من ذي
الحجّة وتنتهي بالثّالث عشر منه. ومن الطبيعي أن تكون إحدى الحالات التي يجب ذكر
اسم الله فيها، هي حين تقديم الأضاحي(وعليه يزول الخلاف
بين هاتين المجموعتين من المفسّرين في تفسير عبارة «ويذكر اسم الله» حيث خصّصت
أولاها ذكر اسم الله بتقديم الأضاحي، والاُخرى جعلت مفهومه عامّاً، وبهذا يكون
التّفسير الأوّل مصداقاً للتفسير الثّاني، ويكون التّفسير الثّاني ذا مفهوم واسع
وعام.). |
|
2 ـ ذكر الله في
أرض «منى»
|
|
جاء في روايات عديدة أنّ ذكر
الله في هذه الأيّام تكبير خاص يذكر بعد إتمام صلاة ظهر يوم عيد الأضحى، ويستمر ذكر هذا التكبير في خمس عشرة صلاة (أي ينتهي بعد صلاة
صبح اليوم الثّالث عشر) وهو كما يلي: |
|
3 ـ فلسفة الحجّ
وأسراره العميقة!
|
|
إنّ لشعائر الحجّ ـ كما هو
الحال بالنسبة للعبادات الاُخرى ـ بركات كثيرة جدّاً في نفسيّة الفرد والمجتمع
الإسلامي. ويمكنها ـ إن اُجريت وفق اُسلوب صحيح ـ أن
تحدث في المجتمعات الإسلامية تبدّلا جديداً كلّ عام. |
|
1 ـ البعد الأخلاقي للحج:
|
|
أهمّ جانب في فلسفة
الحجّ التغيّر الأخلاقي نحو الأحسن الذي
يحصل عند الناس، فمراسم الإحرام تبعد الإنسان بشكل تامّ عن الاُمور المادية
والإمتيازات الظاهرية والألبسة الفاخرة، ومع تحريم الملذّات، وبناء الذات الذي
يعتبر من واجبات المحرم يبتعد الفرد عن عالم المادّة، ويدخل إلى عالم النور
والصفاء والتسامي الروحي. وترى الإنسان قد إرتاح فجأةً من عبء الإمتيازات
الموهومة، والدرجات والرتب والنياشين. |
|
2 ـ البعد السياسي للحجّ
|
|
ذكر أحد كبار فقهاء المسلمين
أنّ مراسم الحجّ في الوقت الذي تستبطن أخلص وأعمق العبادات، هي أكثر الوسائل
أثراً في التقدّم نحو الأهداف السياسيّة الإسلامية. فجوهر العبادة التوجّه إلى
الله، وجوهر السياسة التوجّه إلى خلق الله، وهذان الأمران إمتزجا في الحجّ بدرجة
أصبحا كنسيج واحد. |
|
3 ـ البعد الثقافي للحجّ
|
|
يمكن أن يؤدّي إلتقاء
المسلمين أيّام الحجّ دوراً فعّالا في التبادل الثقافي في المجتمع الإسلامي،
خاصّةً إذا لاحظنا أنّ إجتماع الحجّ العظيم يمثّل بشكل حقيقي فئات المسلمين من
أنحاء العالم، حيث لا تصنّع في المشاركة في حجّ بيت الله الحرام، فالحجّاج جاؤوا
من شتّى المجموعات والعناصر والقوميات، وقد إجتمعوا رغم إختلاف ألسنتهم. |
|
4 ـ البعد
الإقتصادي للحجّ
|
|
خلافاً لما يراه البعض، فإنّ
مؤتمر الحجّ العظيم يمكن أن يستفاد منه في تقوية أُسس الإقتصاد في البلدان
الإسلامية. بل إنّه وفق أحاديث إسلامية معتبرة يشكّل البعد الإقتصادي جزءاً
مهمّاً من فلسفة الحجّ. |
|
4 ـ ما هو مصير
لحوم الأضاحي في عصرنا؟
|
|
يستفاد من الآية
السالفة الذكر أنّ الهدف من تقديم الاُضحية، إضافةً إلى الجوانب
المعنوية والروحية والتقرّب إلى الله تعالى، يشمل الإستفادة من لحومها ومنح قسم
منها إلى الفقراء والمحتاجين. |
|
الآيتان(29) (30)
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا
بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ
|
|
ثُمَّ لْيَقْضُوا
تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ
الْعَتِيقِ(29) ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ
عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمْ الاَْنْعَمُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ
فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الاَْوْثَنِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ(30) |
|
التّفسير |
|
تتابع هذه الآيات البحث السابق عن مناسك الحجّ مشيرةً إلى جانب آخر من هذه المناسك، فتقول أوّلا: (ثمّ ليقضوا تفثهم
وليوفوا نذورهم) أي ليطّهروا أجسامهم من الأوساخ والتلوّث، ثمّ ليوفوا ما
عليهم من نذور. و (ليطّوفوا بالبيت العتيق) أي
يطوفوا بذلك البيت الذي صانه الله عن المصائب والكوارث وحرّره. والأمر الثّاني هو
(واجتنبوا قول الزور) أي الكلام الباطل الذي لا أساس له من الصحّة. |
|
الآيات(31) (33)
حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا
خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ
|
|
حُنَفَاءَ لِلَّهِ
غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ
فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرِّيحُ فِى مَكَان سَحِيق(31)
ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَئِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ(32)
لَكُمْ فِيهَا مَنَفِعُ إِلَى أَجَل مُّسَمّىً ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ
الْعَتِيقِ(33) |
|
التّفسير |
|
تعظيم
شعائر الله دليل على تقوى القلوب:
|
|
عقّبت الآيات هنا المسألة
التي أكدّها آخِر الآيات السابقة، وهي مسألة التوحيد، وإجتناب أي صنم وعبادة
الأوثان. حيث تقول (حنفاء لله غير مشركين به)( «حنفاء»
و «غير مشركين»، كلاهما حال لضمير «فاجتنبوا»، و «اجتنبوا» في الآية السابقة.)
أي أقيموا مراسم الحجّ والتلبية في حالة تخلصون فيها النيّة لله وحده لا يخالطها
أي شرك أبداً. |
|
الآيتان(34) (35)
وَلِكُلِّ أُمَّة جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم
|
|
وَلِكُلِّ أُمَّة
جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن
بَهِيمَةِ الاَْنْعَمِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ
الُْمخْبِتِينَ(34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
وَالصَّبِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِى الصَّلَوةِ وَمِمَّا
رَزَقْنَهُمْ يُنفِقُونَ(35) |
|
التّفسير |
|
بشّر
المخبتين:
|
|
يمكن أن يتساءل الناس عن الآيات السابقة. ومنها التعليمات
الواردة بخصوص الاُضحية، كيف شرّع الإسلام تقديم القرابين لكسب رضى الله؟ وهل
الله سبحانه بحاجة إلى قربان؟ وهل كان ذلك متّبعاً في الأديان الاُخرى، أو يخصّ
المشركين وحدهم؟ يقول الراغب
الاصفهاني في مفرداته: «النُسك» يعني
العبادة، والناسك هو العابد، ومناسك الحجّ تعني المواقف التي تؤدّى فيها هذه
العبادة، أو إنّها عبارة عن الأعمال نفسها. |
|
الآيات(36) (38)
وَالْبُدْنَ جَعَلْنَهَا لَكُم مِّن شَعَئِرِ اللهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ
فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ
|
|
وَالْبُدْنَ
جَعَلْنَهَا لَكُم مِّن شَعَئِرِ اللهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ
اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا
وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَهَا لَكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(36) لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا
وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا
اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الُْمحْسِنِينَ(37) إِنَّ اللهَ يَدَفِعُ
عَنِ الّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّان كَفُور(38) |
|
التّفسير |
|
لماذا
الاُضحية؟
|
|
عاد الحديث عن مراسم الحجّ
وشعائره الإلهيّة والاُضحية ثانية، ليقول أوّلا: (والبُدن جعلناها لكم من شعائر
الله) إنّ «البُدن» وهي الإبل البدينة تعلّقت بكم من جهة، ومن جهة أُخرى هي من
شعائر الله وعلائمه في هذه العبادة العظيمة. فالاُضحية في الحجّ من المظاهر
الجليّة لهذه العبادة التي أشرنا إلى فلسفتها من قبل. |
|
الآيات(39) (41)
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى
نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ
|
|
أُذِنَ لِلَّذِينَ
يُقَتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ(39)
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَرِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا
رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْض
لَّهُدِّمَتْ صَوَمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَتٌ وَمَسَجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ
اللهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِىٌّ
عَزِيزٌ(40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّهُمْ فِى الاَْرْضِ أَقَامُوا الصَّلَوةَ
وَءَاتَوُا الزَّكَوةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ
وَلِلَّهِ عَقِبَةُ الاُْمُورِ(41) |
|
التّفسير |
|
أوّل
حكم بالجهاد:
|
|
ذكرت روايات أنّ المسلمين
عندما كانوا في مكّة، كانوا يتعرّضون كثيراً لأذى المشركين، فجاء المسلمون إلى
رسول الله ما بين مشجوج ومضروب يشكون إليه ما يُعانون من قهر وأذىً، فكان صلوات
الله عليه وآله يقول لهم: «اصبروا فانّي لم اُؤمر بالقتال» حتّى هاجر، فأنزل
الله عليه هذه الآية بالمدينة، وهي أوّل آية نزلت في القتال(تفسير مجمع البيان، وتفسير الفخر الرازي للآية موضع البحث.). |
|
بحوث
|
|
1 ـ فلسفة تشريع
الجهاد
|
|
رغم أنّنا بحثنا مسألة الجهاد بحثاً واسعاً(ـ تناولنا فلسفة الجهاد بالبحث في تفسير الآية 193 من سورة
البقرة.) قبل هذا، إلاّ أنّه مع ملاحظة إحتمال أن تكون الآيات ـ موضع
البحث ـ أُولى الآيات التي أجازت للمسلمين الجهاد، وإحتوت إشارة إلى فلسفة هذا
الحكم، وجدنا ضرورة تناولها بإيجاز. |
|
2 ـ من هم الذين
وعدهم الله بالنصر؟
|
|
إنّه لمن الخطأ الإعتقاد بأنّ
نصر الله المؤمنين ووعدهم بالدفاع عنهم ـ الذي جاء في الآيات السابقة ومن آيات
قرآنية أُخرى ـ بعيد عن سنّة الله في خلقه وقوانين الحياة! |
|
3 ـ «المحسنين»،
«المخبتين»، «أنصار الله»
|
|
وتأمر الآيات المذكورة أعلاه
والتي قبلها أحياناً بتبشير «المحسنين»، ثمّ
تعرفّهم أنّهم من المؤمنين، وليسوا من الخونة الكفّار .. |
|
الآيات(42) (45)
وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوح وَعَادٌ وَثَمُودُ
|
|
وَإِن يُكَذِّبُوكَ
فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوح وَعَادٌ وَثَمُودُ(42)وَقَوْمُ
إِبْرَهِيمَ وَقَوْمُ لُوط(43) وَأَصْحَبُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى
فَأَمْلَيْتُ لِلْكَفِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ
نَكِيرِ(44)فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَة أَهْلَكْنَهَا وَهِىَ ظَالِمَةٌ فَهِىَ خَاوِيَةٌ
عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْر مُّعَطَّلَة وَقَصْر مَّشِيد(45) |
|
التّفسير |
|
بئر
معطّلة وقصر مشيد!
|
|
لقد صدر أمر الجهاد للمسلمين
بعد أن ذاقوا ـ كما ذكرت الآيات السابقة ـ مرارة المحنة التي فرضها عليهم أعداء
الإسلام الذين آذوهم وطردوهم من منازلهم لا لذنب إرتكبوه، بل لتوحيدهم الله
سبحانه وتعالى. |
|
ملاحظة
|
|
ممّا يلفت النظر التّفسير
الذي ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) حيث فسّروا (وبئر معطّلة) بالعلماء الذين
لا يستفيد منهم المجتمع، فبقيت علومهم معطّلة. فقد روي عن الإمام موسى بن جعفر
(عليه السلام) في تفسير عبارة (وبئر معطّلة وقصر مشيد) قوله: «البئر المعطّلة
الإمام الصامت، والقصر المشيد الإمام الناطق» وبهذا المعنى روي أيضاً عن الإمام
الصادق (عليه السلام)( تفسير البرهان، المجلّد الثّالث،
صفحة ـ 30.). |
|
الآيات(46) (48)
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الاَْرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا
أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا
|
|
أَفَلَمْ يَسِيرُوا
فِى الاَْرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ ءَاذَانٌ
يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الاَْبْصَرُ وَلَكِن تَعْمَى
الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ(46) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن
يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَة مِّمَّا
تَعُدُّونَ(47)وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَة أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِىَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ
أَخَذْتُهَا وَإِلَىَّ الْمَصِيرُ(48) |
|
التّفسير |
|
السير
في الأرض والعبرة:
|
|
تحدّثت الآيات السابقة عن
الأقوام الظالمة التي عاقبها الله على ما إقترفت أيديهم فدمّر أحياءهم، وأكّدت
الآية الأُولى هذه القضيّة فقالت: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون
بها أو آذان يسمعون بها). |
|
الآيات(49) (51) قُلْ
يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ(49) فَالَّذِينَ
ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ لَهُم
|
|
قُلْ يَأَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ(49) فَالَّذِينَ ءَامَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ(50) وَالَّذِينَ
سَعَوا فِى ءَايَتِنَا مُعَجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَبُ الْجَحِيمِ(51) |
|
التّفسير |
|
الرزق
الكريم:
|
|
تحدّثت الآيات السابقة عن
تعجيل الكفر والعذاب الإلهي، وإنّ ذلك ليس من شأن النّبي (ص) وإنّما يرتبط
بمشيئة الله تعالى، فأوّل آية من الآيات أعلاه تقول: (قل
ياأيّها الناس إنّما أنا لكم نذير مبين). |
|
الآيات(52) (54)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُول وَلاَ نَبِىٍّ إِلاَّ إِذَا
تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَنُ فِى أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ
|
|
وَمَا أَرْسَلْنَا
مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُول وَلاَ نَبِىٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى
الشَّيْطَنُ فِى أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللهُ مَا يُلْقِى الشَّيْطَنُ ثُمَّ
يُحْكِمُ اللهُ ءَايَتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(52) لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِى
الشَّيْطَنُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ
قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّلِمِينَ لَفِى شِقَاقِ بَعِيد(53) وَلِيَعْلَمَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ
فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهَادِ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِلَى
صِرَط مُّسْتَقِيم(54) |
|
التّفسير |
|
وساوس
الشّياطين في مساعي الأنبياء:
|
|
تناولت الآيات السابقة محاولات المشركين والكفرة لمحو
التعاليم الإلهيّة والإستهزاء بها، أمّا الآيات موضع البحث فقد تضمنّت تحذيراً
مهمّاً حيث قالت: إنّ هذه المؤامرات ليست جديدة، فالشياطين دأبوا منذ البداية
على إلقاء وساوسهم ضدّ الأنبياء. في البداية تقول الآية: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلاّ إذا تمنّى)أمراً
لصالح الدين والمجتمع وفكّر في خطّة لتطوير العمل (ألقى الشيطان في اُمنيته)
إلاّ أنّ الله لم يترك نبيّه وحده إزاء إلقاءات الشياطين (فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثمّ يحكم الله آياته). |
|
بحوث
|
|
1 ـ المراد من
إلقاءات الشيطان
|
|
ما ذكرناه في تفسير الآيات المذكورة أعلاه كان تنسيقاً مع
آراء بعض الباحثين، إلاّ أنّ هناك إحتمالات أُخرى في
تفسير الآية، منها أنّ عبارة «تمنّى» و «اُمنية» تعني التلاوة والقراءة، كما جاءت في أشعار
العرب بهذا المعنى. لهذا فإنّ تفسير آية (وما
أرسلنا من قبلك من رسول ..) كان الشياطين (خاصّة شياطين الإنس) يلقون
بكلمات خلال قراءة كلام الله على الناس لتشويش الأفكار، ولإبطال أثر القرآن في
الهداية والنجاة. إلاّ أنّ الله عزّوجلّ كان يمحو أثر هذه الإلقاءات ويثبت
آياته. وينسجم هذا التّفسير مع عبارة (ثمّ يحكم الله
آياته)وكذلك يساير (وفقاً لبعض التبريرات)
اُسطورة الغرانيق التي سيرد ذكرها. وبهذا تتّضح ملاءمة
التّفسير الأوّل أكثر من غيره، وهي
إشارة إلى نشاط الشياطين وما يلقونه على الأنبياء لتعويق عملهم البنّاء، غير أنّ
الله يبطل ما يفعلون ويمحو ما يلقون. |
|
2 ـ اُسطورة
الغرانيق المختلفة!
|
|
جاء في بعض كتب السنّة رواية
عجيبة تنسب إلى ابن عبّاس، مفادها أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان
مشغولا بتلاوة سورة «النجم» في مكّة المكرّمة، وعند ما بلغ الآيات التي جاء فيها
ذكر أسماء أصنام المشركين (أفرأيتم اللات والعزّى ومناة
الثّالثة الاُخرى) ألقى الشيطان على النّبي هاتين
الجملتين وجعلهما على لسانه: (تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهنّ لترتجى!)
أي إنّهن طيور جميلة ذات منزلة رفيعة ومنها ترتجى الشفاعة («الغرانيق» جمع غرنوق، على وزن بُهلول، طائر يعيش في الماء
أبيض أو أسود اللون، كما جاء بمعان أُخرى «قاموس اللغة».)! |
|
3 ـ الفرق بين
الرّسول والنبي!
|
|
هناك أقوال كثيرة
في الفرق بين «الرسول» و «النبي»، وأكثرها
قبولا أنّ كلمة الرّسول تطلق على أنبياء لهم
رسالات من الله أمروا بنشرها بين الناس، وألاّ يألوا أي جهد في هذا الطريق، وأن
يتحمّلوا الصعاب ولا يبالوا بالتضحية بأرواحهم من أجل رسالتهم. |
|
الآيات(55) (59)
وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِى مِرْيَة مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ
السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ
|
|
وَلاَ يَزَالُ
الَّذِينَ كَفَرُوا فِى مِرْيَة مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ
بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْم عَقِيم(55) الْمُلْكُ يَوْمَئِذ
لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ فِى
جَنَّتِ النَّعِيمِ(56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَتِنَا
فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ(57) وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِى سَبِيلِ
اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً
وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّزِقِينَ(58)لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلا
يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ(59) |
|
التّفسير |
|
الرّزق
الحسن:
|
|
تحدّثت الآيات السابقة عن
محاولات المخالفين في محو الآيات الإلهيّة، أمّا الآيات التي نقف في ضوئها،
فأشارت إلى هذه المحاولات من قبل أشخاص متعصّبين قساة. عذابٌ يذلّ الكفرة والذين كذّبوا بآيات الله، اُولئك الذين عاندوا الله
واستكبروا على خلقه يهينهم الله. وقد وصف القرآن العذاب بـ«الأليم» و «العظيم» و «المهين» في آيات مختلفة، ليلائم كلّ واحد منه الذنب الذي إقترفه المعاندون!. |
|
الآيات(60) (62)
ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ
لَيَنصُرَنَّهُ اللهُ
|
|
ذَلِكَ وَمَنْ
عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللهُ
إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ(60) ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ الَّيْلَ فِى
النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ
بَصِيرٌ(61) ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن
دُونِهِ هُوَ الْبَطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ(62) |
|
سبب
النّزول
|
|
رُوي أنّ عدداً من المشركين من أهل مكّة واجهوا المسلمين
ولم يبق لإنتهاء شهر المحرّم إلاّ يومان. قال المشركون بعضهم لبعض: إنّ أصحاب
محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يحاربون في شهر المحرّم. ولهذا بدأوا
بمهاجمة المسلمين، ورغم الحاح المسلمين عليهم بإيقاف القتال، لم يعطوا اُذناً
صاغية لهذا الطلب، فاضطرّ المسلمون إلى قتالهم ببطولة فريدة فنصرهم الله، وهنا
نزلت أوّل آية من الآيات المذكورة آنفاً(«مجمع البيان» و «الدرّ المنثور» في
تفسير الآيات موضع البحث.). |
|
التّفسير |
|
من
هم المنتصرون؟
|
|
حدّثتنا الآيات السابقة عن
المهاجرين في سبيل الله، وما وعدهم الله من رزق حسن يوم القيامة. ومن أجل ألاّ
يتصوّر المرء أنّ الوعد الإلهي يختّص بالآخرة فحسب، تحدّثت الآية ـ موضع البحث ـ في مطلعها عن إنتصارهم في ظلّ الرحمة
الإلهيّة في هذا العالم: (ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به
ثمّ بغي عليه لينصرنّه الله) إشارة إلى أنّ الدفاع عن النفس ومجابهة
الظلم حقّ طبيعي لكلّ إنسان. |
|
الآيات(63) (66)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الاَْرْضُ
مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ
|
|
أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللهَ أَنَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الاَْرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ
اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ(63) لَّهُ مَا فِى السَّمَوَتِ وَمَا فِى الاَْرْضِ
وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ(64) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ
سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى الاَْرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ
وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الاَْرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ
اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ(65)وَهُوَ الَّذِى أَحْيَاكُمْ ثُمَّ
يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الاِْنسَنَ لَكَفُورٌ(66) |
|
التّفسير |
|
دلائل
الله في ساحة الوجود:
|
|
تحدّثت الآيات السابقة عن
قدرة الله غير المحدودة وأنّه الحقّ المطلق، وبيّنت هذه الآيات الأدلّة المختلفة
على هذه القدرة الواسعة والحقّ المطلق وتقول أوّلا:
(ألم تر أنّ الله أنزل من السّماء ماءً فتصبح الأرض مخضّرة). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ الصفات
الخاصّة بالله:
|
|
بيّنت الآيات السالفة الذكر والآيتان اللتان سبقتها، أربع عشرة صفة من صفات الله (في نهاية كلّ آية جاء ذكر صفتين من صفات الله) العليم والحليم ـ
العفو والغفور ـ السميع والبصير ـ العلي والكبير ـ اللطيف والخبير ـ الغني
والحميد ـ الرؤوف والرحيم. وكلّ صفة تكمل ما
يقترن بها. وتنسجم معها
وتتناسب مع البحث الذي تناولته الآية، كما مرّ
سابقاً. |
|
2 ـ الآيات تدلّ
على توحيد اللّه وعلى المعاد
|
|
إنّ الآيات السابقة، مثلما هي
دليل على قدرة الله تعالى وتأكيد لما وعد من نصر لعباده المؤمنين، وشاهد على
حقّانيته المقدّسة التي إستندت الآيات السالفة الذكر إليها، فهي دليل على توحيد
الله وعلى المعاد. فإحياء الأرض بالمطر بعد موتها، ونموّ النبات فيها، وكذلك
حياة الإنسان وموته شاهد على البعث والنشور. ومعظم الآيات عرضت هذه الأدلّة في
البرهنة على حقيقة المعاد يوم القيامة. |
|
3 ـ تسخير الأرض
والسّماء للإنسان:
|
|
لقد سخّر الله هذه الموجودات
للإنسان وذلّلها لمصالحه. (وقد بيّنا هذا الموضوع مفصّلا في تفسير الآية (12)
إلى (14) من سورة النحل، وفي تفسير الآية الثّانية من سورة الرعد). |
|
الآيات(67) (70)
لِّكُلِّ أُمَّة جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَزِعُنَّكَ فِى
الاَْمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ
|
|
لِّكُلِّ أُمَّة
جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَزِعُنَّكَ فِى الاَْمْرِ وَادْعُ
إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدىً مُّسْتَقِيم(67) وَإِن جَدَلُوكَ فَقُلِ
اللهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ(68) اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ
الْقِيَمَةِ فِيَما كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(69) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ
اللهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَاءِ وَالاَْرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِى كِتَب إِنَّ
ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ(70) |
|
التّفسير |
|
لكلّ
اُمّة عبادة:
|
|
تناولت البحوث السابقة
المشركين خاصّة، ومخالفي الإسلام عامّة، ممّن جادلوا فيما أشرق به الإسلام من
مبادىء نسخت بعض تعاليم الأديان السابقة. وكانوا يرون من ذلك ضعفاً في الشريعة
الإسلامية، وقوّة في أديانهم، في حين أنّ ذلك لا يشكل ضعفاً إطلاقاً، بل هو نقطة
قوّة ومنهج لتكامل الأديان ولذا جاء الفصل الربّاني جلّياً (لكلّ اُمّة جعلنا
منسكاً هم ناسكوه)( يرى بعض المفسّرين أنّ هذه الآيات
تشير إلى ردّ لما أثاره المشركون من إعتراض قائلين: لماذا لا تأكلون الميتة التي
قتلها الله، في وقت تأكلون فيه الميتة التي قتلتموها أنتم؟! فنزلت هذه الآيات
لتردّ عليهم. |
|
الآيات(71) (74)
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَناً وَمَا لَيْسَ
لَهُم بِهِ عِلْمٌ
|
|
وَيَعْبُدُونَ مِن
دُونِ اللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَناً وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ
وَمَا لِلظَّلِمِينَ مِن نَّصِير(71) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَتُنَا
بَيِّنَت تَعْرِفُ فِى وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ
يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ ءَايَتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم
بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ
الْمَصِيرُ(72) يَأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ
الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَن يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا
لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ
الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ(73) مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ الله
لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ(74) |
|
التّفسير |
|
معبودات
أضعف من ذبابة!
|
|
تابعت هذه الآيات الأبحاث السابقة عن التوحيد والشرك، فتحدّثت ثانية عن المشركين وأفعالهم الخاطئة، فتقول الآية الأُولى: (ويعبدون من
دون الله ما لم ينزل به سلطاناً) وهذا يبيّن بطلان عقيدة الوثنيين الذين
كانوا يرون أنّ الله سمح لهم بعبادة الأوثان وأنّها تشفع لهم عند الله. وتضيف
الآية (وما ليس لهم به علم)أي يعبدون عبادةً لا
يملكون دليلا على صحّتها لا من طريق الوحي الإلهي، ولا من طريق الإستدلال
العقلي، ومن لا يعمل بدليل يظلم نفسه وغيره، ولا أحد يدافع عنه يوم الحساب، لهذا
تقول الآية في ختامها: (وما للظالمين من نصير). الصحيح هو ما سبق
أن قلناه من أنّ الطالب هو عبدة الأوثان، والمطلوب هو الأوثان
ذاتها، وكلاهما لا يقدر على شيء. |
|
بحث
|
|
مثال
واضح لبيان نقاط الضعف:
|
|
يرى عدد من المفسّرين أنّ
القرآن جاء بمثل في آياته المذكورة آنفاً، إلاّ أنّه لم يبيّن المثل بصراحة، بل
أشار إلى مواضع أُخرى في القرآن، أو أنّ المثل هنا جاء لإثبات أمر عجيب، وليس
بمعنى المثل المعروف. |
|
الآيات(75) (78)
اللهُ يَصْطَفِى مِنَ الْمَلَئِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ
بَصِيرٌ
|
|
اللهُ يَصْطَفِى
مِنَ الْمَلَئِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ(75)
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ
الاُْمُورُ(76) يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا
وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(77)
وَجَهِدُوا فِى اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ
فِى الدِّينِ مِنْ حَرَج مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَهِيمَ هُوَ سَمَّكُمُ
الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً
عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ
وَءَاتُوا الزَّكَوةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلَكُمْ فَنِعْمَ
الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ(78) |
|
سبب النّزول
|
|
ذكر بعض المفسّرين أنّ المشركين وعلى رأسهم «الوليد بن
المغيرة»، كانوا عندما بعث الله الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، يقولون
مستنكرين: «أأنزل عليه الذكر من بيننا»؟! فنزلت الآية الأُولى من الآيات أعلاه
لتردّ عليهم (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إنّ الله سميع بصير)( تفاسير القرطبي، وأبو الفتوح الرازي، والفخر الرازي، وروح
المعاني..) |
|
التّفسير |
|
خمسة
تعاليم بنّاءةً ومهمّة:
|
|
بما أنّ الآيات السابقة تناولت بحث التوحيد والشرك وآلهة
المشركين الوهميّة. وبما أنّ بعض الناس قد اتّخذوا الملائكة أو بعض الأنبياء
آلهة للعبادة، فانّ أوّل الآيات موضع البحث تقول بأنّ جميع الرسل هم عباد الله
وتابعون لأمره: (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن
الناس). |
|
|
|
|
سورة الحجّ مدنيّة وعددُ
آياتِها ثمان وسَبعُونَ آيةً
|
|
مضمون
سورة الحجّ
|
|
سمّيت هذه السورة بـ «سورة الحجّ» لأنّ جزءاً من آياتها تحدّث عن الحجّ. وهناك إختلاف بين المفسّرين وكتّاب
تأريخ القرآن حول مكّيتها أو مدنيّتها. فالبعض يرى أنّها مكيّة باستثناء
عدد من آياتها. في الوقت الذي يرى آخرون أنّها
مدنية عدا بعض آياتها. وآخرون يرون أنّها مزيجاً من الآيات المكيّة والمدنيّة. إلاّ أنّنا
لو أخذنا بنظر الإعتبار إستنتاجاتنا من السور المكية والمدنيّة، أو بتعبير آخر: أجواء هاتين المدينتين وحاجات المسلمين
وكيفية صدور تعاليم النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
إليهم في كلّ من هاتين المنطقتين، لوجدنا أنّ آيات هذه
السورة تشبه السور المدنيّة، فالتعاليم الخاصّة بالحجّ، وكذلك التعاليم الخاصة بالجهاد تناسب أوضاع المسلمين في
المدينة، مع أنّ تأكيد آيات في هذه السورة
للمبدأ والمعاد لا تستبعد ملاءمتها للسور المكيّة. 1 ـ تضمنّت آيات منها موضوع «المعاد» وأدلّته المنطقية،
وإنذار الغافلين عن يوم القيامة ونظائر ذلك التي تبدأ هذه السورة بها لتضمّ
جزءاً كبيراً منها. |
|
فضيلة
تلاوة سورة الحجّ:
|
|
جاء في حديث للرسول الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله
وسلم) «من قرأ سورة الحجّ اُعطي من الأجر كحجّة حجّها، وعمرة إعتمرها، بعدد من
حجّ وإعتمر فيما مضى وفيما بقي»( مجمع البيان بداية
سورة الحجّ.!) وهذا الثواب والفضل العظيم ليس لمجرد التلاوة اللفظيّة
فقط، وإنّما لتلاوة تنير الفكر، وتفكّر يتبعه عمل وتطبيق. |
|
الآيتان(1) (2)
يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شِىْءٌ
عَظِيمٌ(1)يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَة
|
|
يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ
زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شِىْءٌ عَظِيمٌ(1)يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ
مُرْضِعَة عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْل حَمْلَهَا وَتَرَى
النَّاسَ سُكَرَى وَمَا هُم بِسُكَرَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ(2) |
|
التّفسير |
|
زلزلة البعث العظيمة: تبدأ هذه السورة بآيتين تشيران إلى يوم البعث ومقدّماته،
وهما آيتان تبعدان الإنسان ـ دون إرادته ـ عن هذه الحياة المادية العابرة،
ليفكّر بالمستقبل المخيف الذي ينتظره المستقبل الذي سيكون جميلا وسعيداً إن فكّرت
فيه اليوم، ولكنّه مخيفٌ حقّاً إن لم تعدّ العدّة له، والآية المباركة: (ياأيّها الناس اتّقوا ربّكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم).
خطاب للناس جميعاً بلا استثناء، فقوله تعالى: (ياأيّها الناس) دليل واضح على عدم
التفريق بينهم من ناحية العنصر، واللغة، والزمان، والأماكن الجغرافية، والطوائف،
والقبائل. فهو موجّه للجميع: المؤمن والكافر، والكبير والصغير، والشيخ والشابّ،
والرجل والمرأة، على إمتداد العصور. |
|
مسائل مهمّة
|
|
1 ـ تحدث هذه الظواهر المذكورة آنفاً بشكل يسير في الزلازل الدنيويّة والأحداث المرعبة، حيث
تنسى الاُمّهات أطفالهنّ، وتسقط الحوامل حملهنّ، وترى آخرين كالسكارى قد فقدوا
صوابهم، إلاّ أنّ هذا لا يتّخذ طابعاً عاماً. أمّا زلزال البعث فإنّه يصيب الناس
جميعاً دون إستثناء. |
|
الآيتان(3) (4)
وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَدِلُ فِى اللهِ بِغَيْرِ عِلْم وَيَتَّبِعُ كُلَّ
شَيْطَن مَّرِيد
|
|
وَمِنَ النَّاسِ
مَن يُجَدِلُ فِى اللهِ بِغَيْرِ عِلْم وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَن مَّرِيد(3)
كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى
عَذَابِ السَّعِيرِ(4) |
|
التّفسير |
|
أتباع
الشيطان!
|
|
بعد أن أعطت الآيات السابقة صورة
لرعب الناس حين وقوع زلزلة القيامة، أوضحت الآيات اللاحقة حالة اُولئك
الذين نسوا الله، وكيف غفلوا عن مثل هذا الحدث العظيم، فقالت: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ
الجدال في الحقّ والباطل 2 ـ جدال الباطل
سبيل الشيطان يرى بعض كبار المفسّرين أنّ عبارة (يجادل في
الله بغير علم) إشارة إلى أقوال المشركين التي تفتقد السند والدليل. وعبارة
(ويتّبع كلّ شيطان مريد)إشارة إلى أفعال المشركين الخاطئة. |
|
الآيات(5) (7)
يَأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى رَيْب مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا
خَلَقْنَكُم مِّن تُرَاب ثُمَّ مِن نُّطْفَة
|
|
يَأَيُّهَا
النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى رَيْب مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَكُم مِّن
تُرَاب ثُمَّ مِن نُّطْفَة ثُمَّ مِنْ عَلَقَة ثُمَّ مِن مُّضْغَة مُّخَلَّقَة
وَغَيْرِ مُخَلَّقَة لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِى الاَْرْحَامِ مَا
نَشَاءُ إِلَى أَجَل مُّسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا
أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ
الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْم شَيْئاً وَتَرَى الاَْرْضَ
هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ
وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْج بَهِيج(5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ
وَأَنَّهُ يُحْىِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ(6) وَأَنَّ
السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَن فِى
الْقُبُورِ(7) |
|
التّفسير |
دليل
المعاد في عالم الأجنّة والنبات:
|
|
بما أنّ البحث في الآيات السابقة كان يدور حول تشكيك
المخالفين للمبدأ والمعاد، فالآيات محل البحث طرحت دليلين منطقيين قويّين لإثبات
المعادالجسماني: أحدهما التغيّرات التي تحدث في مراحل تكوين الجنين، والآخر هو
التغيّرات التي تحدث في الأرض عند خروج النبات. ويصبح في وضع وكأنّه طفل (لكي لا يعلم من بعد علم شيئاً) وهذا الضعف والخمول
دليل على بلوغ المرء مرحلة إنتقالية جديدة كما نجد ضعف التحام الثمرة بالشجرة
حين تبلغ مرحلة النضج ممّا يدلّ على وصولها إلى مرحلة الإنفصال. |
|
ملاحظات
|
|
|
1 ـ إنّ ما إستعرضته الآيات الخاصّة بالمراحل التي تسبق مراحل الحياة للإنسان وعالم النبات، من أجل أن تعلموا أنّ الله
تعالى حقّ (ذلك بأنّ الله هو الحقّ) وبما أنّه
هو الحقّ، فالنظام الذي خلقه حقّ أيضاً، لهذا لا يمكن أن يكون هذا الخلق دون
هدف، كما يذكر القرآن الكريم هذا المعنى في مورد آخر: (وما
خلقنا السّماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظنّ الذين كفروا)( سورة ص، 27.). وهذه النتائج الخمس بعضها مقدّمة، وبعضها ذو المقدّمة، البعض منها إشارة إلى
الإمكان، والآخر إشارة إلى الوقوع، ومترتّبة
بعضها على بعض وكلّ يكمل صاحبه، وجميعها ينتهي إلى نقطة واحدة، هي أنّ البعث ليس ممكن
فحسب، بل إنّه سيقع حتماً. |
|
بحوث
|
|
1 ـ مراحل حياة
الإنسان السبع
|
|
الآيات السابقة شرحت حركة الإنسان في مسيرة ذات
مراحل سبع، لتبيّن البعث وتثبت إمكانه: |
|
2 ـ المعاد
الجسماني
|
|
ممّا لا شكّ فيه أنّ القرآن الكريم أينما تحدث عن البعث
قصد بعث الإنسان جسماً وروحاً في العالم الاُخروي،
والذين حصروا البعث في الروح وقالوا ببقائها هي وحدها لم يفقهوا آيات القرآن
قطّ. فهذه الآيات المباركة
كالآية السابقة تصرّح بالمعاد الجسماني. وإلاّ
فما هو وجه التشابه بين المعاد الروحي، ومراحل الجنين وإحياء الأرض الموات بنمو
النباتات؟ ويؤكّد ذلك ختام الآيات التي نحن
بصددها إذ تقول: (وإنّ الله يبعث من في القبور)
والقبر موضع جسم الإنسان وليس روحه. |
|
3 ـ ما هو «أرذل
العمر»؟
|
|
«الأرذل» مشتقّة من «رذل» أي المنحطّ وغير المرغوب فيه.
ويقصد بـ «أرذل العمر» تلك المرحلة من عمر الإنسان التي
هي أكثر إنحطاطاً وغير مرغوب فيها لما يفقده فيها الإنسان من القوّة والذاكرة،
ولما يغلبه فيها من الضعف والإنفعال، حتّى تراه يغتاظ من أدنى شيء، ويرضى ويفرح
لا يسر شيء، ويفقد سعة صدره وصبره، وربّما قام بحركات طفولية. مع فارق بينه وبين
الطفل وهو أنّ الناس لا يتوقّعون منه ذلك، لأنّه ليس طفلا، مضافاً إلى أنّ الطفل
يؤمل في أن يكبر وينضج جسديّاً ونفسيّاً وتزول عنه هذه الحركات الصبيانية، لهذا
يتركوا أحراراً في ممارستها، وليس كذلك في الفرد المسنّ، أي أنّ الطفل ليس لديه
شيء ليفقده، ولكن المسنّ يفقد رأس مال حياته بذلك. وعلى هذا فإنّ وضع الشيوخ
المعمّرين يثير الشفقة والأسى عند مقارنته بوضع الأطفال. |
|
الآيات(8) (10)
وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَدِلُ فِى اللهِ بِغَيْرِ عِلْم وَلاَ هُدىً وَلاَ كِتَب
مُّنِير
|
|
وَمِنَ النَّاسِ
مَن يُجَدِلُ فِى اللهِ بِغَيْرِ عِلْم وَلاَ هُدىً وَلاَ كِتَب مُّنِير(8)
ثَانِىَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِى الدُّنْيَا خِزْىٌ
وَنَذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ(9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ
يَدَاكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّم لِّلْعَبِيدِ(10) |
|
|
|
التّفسير |
|
الجدال
بالباطل مرّة أُخرى:
|
|
تتحدّث هذه الآيات أيضاً عمّن يجادلون في المبدأ والمعاد
جدالا خاوياً لا أساس له، في البداية يقول القرآن المجيد: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب
منير). ويمكن أن تكون
عبارة «ليضلّ» هدف هذا الإعراض، أي إنّهم (قادة الضلال) يستخفّون بآيات الله والهداية
الإلهيّة لتضليل الناس. ويمكن أن تكون نتيجة لذلك. أي أنّ محصّلة الإعراض وعدم
الإهتمام هو صدّ الناس عن سبيل الحقّ. ويعقب القرآن ذلك ببيان عقابهم الشديد في
الدنيا والآخرة بهذه الصورة: (له في الدنيا خزي ونذيقه
يوم القيامة عذاب الحريق). |
|
الآيات(11) (14)
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْف فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ
اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ
|
|
وَمِنَ النَّاسِ
مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْف فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ
أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالاْخِرَةَ
ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ(11) يَدْعُوا مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ
يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَلُ الْبَعِيدُ(12) يَدْعُوا
لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ
الْعَشِيرُ(13) إنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ
جَنَّت تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَرُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ(14) |
|
التّفسير |
|
الواقف
على حافّة وادي الكفر
|
تحدّثت الآيات السابقة عن مجموعتين: الأتباع الضالّين،
والقادة المضلّين. أمّا هذه الآيات، فتتحدّث عن مجموعة ثالثة هم ضعاف الإيمان.
قال القرآن المجيد عن هذه المجموعة: (ومن الناس من يعبد
الله على حرف) أي إن بعض الناس يعبد الله بلقلقة لسان، وإنّ إيمانه ضعيف
جدّاً. ولم يدخل الإيمان إلى قلبه. وعبارة «على حرف» ربّما تكون إشارة إلى أنّ إيمانهم باللسان فقط،
وأنّ قلوبهم لم تر بصيصاً من نوره إلاّ قليلا، وقد تكون إشارة إلى أنّ هذه
المجموعة تحيا على هامش الإيمان والإسلام وليس في عمقه، فأحد معاني «الحرف» هو
حافّة الجبل والأشياء الاُخرى. والذي يقف على الحافّة لا يمكنه أن يستقرّ. فهو
قلق في موقفه هذا، يمكن أن يقع بهزّة خفيفة، وهكذا ضعاف الإيمان الذين يفقدون
إيمانهم بأدنى سبب. |
|
الآيات(15) (17) مَن
كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللهُ فِى الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ
فَلْيَمْدُدْ بِسَبَب إِلَى السَّمَاءِ
|
|
مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللهُ
فِى الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَب إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ
لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كِيْدُهُ مَا يَغِيظُ(15) وَكَذَلِكَ
أَنزَلْنَهُ ءَايَت بَيِّنَت وَأَنَّ اللهَ يَهْدِى مَن يُرِيدُ(16) إِنَّ
الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّبِئِينَ وَالنَّصَرَى
وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ
الْقِيَمَةِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَىْء شَهِيدٌ(17) |
|
التّفسير |
|
|
البعث
نهاية جميع الخلافات:
|
|
بما أنّ الآيات السابقة كانت تتحدّث عن ضعفاء الإيمان،
فإنّ الآيات مورد البحث ترسم لنا صورة أُخرى عن هؤلاء فتقول: (من كان يظنّ أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب
إلى السّماء ثمّ ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ). أي من يظنّ أنّ
الله لا ينصر نبيّه في الدنيا والآخرة، وهو غارق في غضبه، فليعمل ما يشاء،
وليشدّ هذا الشخص حبلا من سقف منزله ويعلّق نفسه حتّى ينقطع نفسه ويبلغ حافّة
الموت، فهل ينتهي غضبه؟! |
|
بحوث
|
|
1 ـ إرتباط
الآيات
|
|
ترتبط هذه الآية بالآيات التي
سبقتها، حيث تناولت الآية التي قبلها الهداية الربّانية لمن كان قابلا للهداية،
ولكن بما أنّ قلوب الناس ليست على نمط واحد،
بسبب وجود التعقّب والعناد والتقليد الأعمى لا يسمح للقلوب بالإهتداء، لذا يبقى
التحزّب والخلاف إلى يوم القيامة الذي يكشف فيه عن الأسرار ويتجلّى الحقّ
للجميع. |
|
2 ـ من هم
المجوس؟
|
|
جاءت كلمة «المجوس» مرّة واحدة في هذه الآيات
بجانب الأديان السماوية الاُخرى وفي
مقابل المشركين، وهذا دليل على أنّ لهم ديناً ونبيّاً وكتاباً. |
|
3 ـ من هم
الصابئة؟
|
|
يستفاد من الآية السابقة، ولا
سيّما من ذكر الصابئة بين اليهود والنصارى، أنّ الصابئة أصحاب دين سماوي. وقيل:
إنّهم أتباع يحيى بن زكريا (عليه السلام) الذي يسمّيه المسيحيون «يحيى المعمدان»
وقيل: إنّ الصابئة مزجوا بين العقيدتين اليهودية
والنصرانية، فعقيدتهم وسط بين اُولئك وهؤلاء. |
|
3 ـ مجموعة
المنحرفين عن التوحيد
|
|
أشارت الآيات السابقة إلى خمس
فئات منحرفة، يحتمل أن يكون ترتيبها هنا بحسب درجة إنحرافها عن أصل
التوحيد، فاليهود أقل إنحرافاً من الآخرين بشأن التوحيد، والصابئة وسط بين اليهود والنصارى، ويليهم النصارى لقولهم
بالتثليث أي تأليههم عيسى واُمّه مريم(عليهما السلام) أيضاً، وبذلك إزداد
إنحرافهم. أمّا المجوس فهم في مرحلة رابعة لتقسيمهم العالم قسمين: الخير والشرّ، وقولهم بوجود مبدأين منذ الخليقة. أمّا المشركون وعبدة الأصنام فهم في آخر مرحلة،
لإنحرافهم عن التوحيد أكثر من الآخرين. |
|
الآية(18)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السَّمَوَتِ وَمَن فِى الاَْرْضِ
وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ
|
|
أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السَّمَوَتِ وَمَن فِى الاَْرْضِ وَالشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ
مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا
لَهُ مِن مُّكْرِم إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ(18) |
|
التّفسير |
|
الوجود كلّه يسجد لله:
|
|
بما أنّ الحديث في الآيات
السابقة كان عن المبدأ والمعاد، فإنّ الآية ـ موضع البحث ـ بطرحها مسألة
التوحيد، قد أكملت دائرة المبدأ والمعاد، وتخاطب النّبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) فتقول (ألم تر أنّ الله يسجد له من في السماوات
ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدّواب) و (كثير من
الناس وكثير حقّ عليه العذاب) ثمّ تضيف وهؤلاء ليست لهم قيمة عند الله تعالى،
ومن كان كذلك فهو مهان: (ومن يُهن الله فما له من
مكرم). |
|
بحثان
|
|
1 ـ في كيفية السجود العام!
|
|
جاء في القرآن المجيد ذكر «السجود العامّ» لجميع
المخلوقات في العالم، وكذا «التسبيح» و «الحمد» و «الصلاة»، وأكّد القرآن الكريم
على أنّ هذه العبادات الأربع، لا تختص بالبشر وحدهم، بل يشاركهم فيها حتّى
الموجودات التي تبدو عديمة الشعور. وعلى الرغم من أنّنا بحثنا في ختام الآية
الرّابعة والأربعين من سورة الإسراء عن حمد الموجودات وتسبيحها بحثاً مسهباً،
وتناولنا سجود المخلوقات العامّ لله في تفسير الآية الخامسة عشرة من سورة الرعد،
نجد الإشارة إلى هذا الحمد والتسبيح الكوني العامّ ضرورية. لو دقّقنا في مفهوم السجود في هذه الآية لرأيناه يجمع بين المفهومين التشريعي والتكويني، فتتيسّر
الإجابة عن هذا السؤال، لأنّ سجود الشمس والقمر والنجوم والجبال والأشجار
والأحياء تكويني، وسجود البشر تشريعي يؤدّيه ناس ويأباه آخرون، فصدق فيهم القول:
(كثير حقّ عليه العذاب). وإستخدام لفظ واحد
بمفهوم شامل عامّ مع الإحتفاظ بمصاديقه لا يضرّه شيئاً، حتّى عند الذين لا
يجيزون إستخدام كلمة واحدة لعدّة معان. فكيف بنا ونحن نجيز إستعمال كلمة واحدة
في معان عديدة؟ |
|
2 ـ هل سجود
الملائكة تشريعي؟
|
|
ممّا لا شكّ فيه أنّ عبارة (يسجد له من في السموات) تضمّ الملائكة، وسجودهم
تشريعي، لأنّهم عقلاء ذوو أحاسيس وعلم وإرادة، أي أنّ سجودهم عبادة وخضوع على
وفق إرادتهم ووعيهم، بدلالة ما قاله القرآن الكريم عنهم: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)( التحريم، 6.). |
|
أجوبة
عن إستفسارات
|
|
1 ـ
لماذا جاءت عبارة (كثير من الناس) بعد (ومن في الأرض) التي تضمّ البشر كلّهم؟ |
|
الآيات(19) (24)
هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِى رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ
لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّار
|
|
هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِى رَبِّهِمْ
فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّار يُصَبُّ مِن فَوْقِ
رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ(20)
وَلَهُم مَّقَمِعُ مِنْ حَدِيد(21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا
مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ(22) إِنَّ اللهَ
يُدْخِلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ جَنَّت تَجْرِى مِن
تَحْتِهَا الاَْنْهَرُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَب وَلُؤْلُؤاً
وَلِبَاسَهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ(23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ
وَهُدُوا إِلَى صِرَطِ الْحَمِيدِ (24) |
|
سبب النّزول |
|
ذكر عدد من المفسّرين من الشيعة
والسنّة روايات في سبب نزول أوّل آية من الآيات السالفة الذكر نلخّصها
بتركيز: «نزل إلى ساحة الحرب يوم معركة بدر ثلاثة من المسلمين هم (علي (عليه
السلام) وحمزة وعبيدة بن الحارث بن عبدالمطّلب)، فقتلوا بحسب
ترتيبهم «الوليد بن عتبة» و «عتبة بن ربيعة» و «شيبة بن ربيعة» فنزلت هذه الآية
لتبيّن مصير الذين اشتركوا في هذه المبارزة. |
|
التّفسير |
|
خصمان
متقابلان!
|
|
أشارت الآية السابقة إلى
المؤمنين وطوائف مختلفة من الكفّار، وحدّدتهم بستّ فئات. أمّا هنا فتقول: (هذان خصمان
اختصموا في ربّهم)( كلمة «خصمان» مثنّى أمّا
فعلها «اختصموا» فجاء بصيغة جمع، والسبب يكمن في أنّ هذين ليسا شخصين، بل فئتين،
إضافة إلى كون الفئتين ليس في صفّين وإنّما في صفوف مختلفة، وتنهض كلّ مجموعة
لمبارزة الآخرين.) أي أنّ الخصام بين مجموعتين، هما: طوائف الكفّار الخمس
من جهة، والمؤمنون الحقيقيّون من جهة أُخرى.
وإذا تفحّصنا الأمر وجدنا أساس الخلاف بين الأديان في ذات الله تعالى وصفاته،
وهو يمتدّ إلى الخلاف في النبوّة والمعاد. لهذا لا ضرورة إلى القول بأنّ الناس
مختلفين في دين الله. إذ أنّ أساس الخلاف وجذوره يعود إلى الخلاف في توحيده
تعالى فقط. فجميع الأديان قد حرّفت، والباطل منها قد إختلط بنوع من الشرك، وبدت
دلائله في جميع إعتقادات أصحاب هذه الأديان. |
|
الآية(25) إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
|
|
إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِى
جَعَلْنَهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَكِفُ فِيهِ والْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ
بِإِلْحَادِ بِظُلْم نُّذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم(25) |
|
التّفسير |
|
الذين
يصدّون عن بيت الله الحرام!
|
|
تحدّثت الآيات السابقة عن
عامّة الكفّار، وهذه الآية تشير إلى مجموعة خاصة منهم باءت بمخالفات وذنوب
عظيمة، ذات علاقة بالمسجد الحرام ومراسم الحجّ العظيم. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ جاء «كفر» هؤلاء في هذه الآية بصيغة الفعل الماضي، وجاء «الصدّ» عن سبيل الله بصيغة
الفعل المضارع، إشارةً إلى كونهم كفّاراً من قبل. وإلى أنّ تضليلهم الناس هو
عملهم الدائم. وبتعبير آخر: تشير العبارة الأُولى إلى إعتقادهم الباطل، وهو أمر
ثابت، بينما تشير العبارة الثّانية إلى عملهم الدائم وهو الصدّ عن سبيل الله. |
|
الآيات(26) (28)
وَإِذْ بَوَّأْنَا لاِِبْرَهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِى
شَيْئاً وَطَهِّرْ بِيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَ
|
|
وَإِذْ بَوَّأْنَا
لاِِبْرَهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِى شَيْئاً وَطَهِّرْ
بِيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ(26) وَأَذِّن
فِى النَّاسِ بِالْجَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِر يَأْتِينَ مِن
كُلِّ فَجٍّ عَمِيق(27) لِّيَشْهَدُوا مَنَفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ
فِى أَيَّام مُّعْلُومَت عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاَْنْعَمِ
فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ(28) |
|
التّفسير |
|
الدّعوة العامّة للحجّ! |
|
تناولت الآية السابقة قضيّة المسجد الحرام وحجّاج بيت
الله، أمّا هذه الآيات فتستعرض بناء الكعبة على يد إبراهيم الخليل (عليه
السلام)، ووجوب الحجّ وفلسفته، وبعض أحكام هذه العبادة الجليلة. وبتعبير آخر:
كانت الآية السابقة مقدّمة للأبحاث المختلفة التي تناولتها الآيات اللاحقة، إذ
بدأت بقصّة تجديد بناء الكعبة: (وإذ بوّأنا لإبراهيم
مكان البيت) أي تذكّر كيف أعددنا لإبراهيم مكان الكعبة لا ليقوم ببنائها. |
|
بحوث
|
|
1 ـ ما هي
الأيّام المعلومات؟
|
|
يأمرنا الله سبحانه وتعالى ـ في الآيات السابقة ـ أن
نذكره في (أيّام معلومات). وجاء ذلك أيضاً في
سورة البقرة الآية (203) بشكل آخر (واذكروا الله في أيّام معدودات). فما هي الأيّام
المعلومات؟ وهل تطابق في معناها الأيّام المعدودات، أم لا؟ ومع الأخذ بوحدة المعاني التي تضمنّتها الآيتان، يبدو أنّ الأرجح
في هذه القضيّة القول بأنّ الآيتين تشيران إلى موضوع
واحد، وهدفهما الإهتمام بذكر الله في أيّام معيّنة تبدأ من العاشر من ذي
الحجّة وتنتهي بالثّالث عشر منه. ومن الطبيعي أن تكون إحدى الحالات التي يجب ذكر
اسم الله فيها، هي حين تقديم الأضاحي(وعليه يزول الخلاف
بين هاتين المجموعتين من المفسّرين في تفسير عبارة «ويذكر اسم الله» حيث خصّصت
أولاها ذكر اسم الله بتقديم الأضاحي، والاُخرى جعلت مفهومه عامّاً، وبهذا يكون
التّفسير الأوّل مصداقاً للتفسير الثّاني، ويكون التّفسير الثّاني ذا مفهوم واسع
وعام.). |
|
2 ـ ذكر الله في
أرض «منى»
|
|
جاء في روايات عديدة أنّ ذكر
الله في هذه الأيّام تكبير خاص يذكر بعد إتمام صلاة ظهر يوم عيد الأضحى، ويستمر ذكر هذا التكبير في خمس عشرة صلاة (أي ينتهي بعد صلاة
صبح اليوم الثّالث عشر) وهو كما يلي: |
|
3 ـ فلسفة الحجّ
وأسراره العميقة!
|
|
إنّ لشعائر الحجّ ـ كما هو
الحال بالنسبة للعبادات الاُخرى ـ بركات كثيرة جدّاً في نفسيّة الفرد والمجتمع
الإسلامي. ويمكنها ـ إن اُجريت وفق اُسلوب صحيح ـ أن
تحدث في المجتمعات الإسلامية تبدّلا جديداً كلّ عام. |
|
1 ـ البعد الأخلاقي للحج:
|
|
أهمّ جانب في فلسفة
الحجّ التغيّر الأخلاقي نحو الأحسن الذي
يحصل عند الناس، فمراسم الإحرام تبعد الإنسان بشكل تامّ عن الاُمور المادية
والإمتيازات الظاهرية والألبسة الفاخرة، ومع تحريم الملذّات، وبناء الذات الذي
يعتبر من واجبات المحرم يبتعد الفرد عن عالم المادّة، ويدخل إلى عالم النور
والصفاء والتسامي الروحي. وترى الإنسان قد إرتاح فجأةً من عبء الإمتيازات
الموهومة، والدرجات والرتب والنياشين. |
|
2 ـ البعد السياسي للحجّ
|
|
ذكر أحد كبار فقهاء المسلمين
أنّ مراسم الحجّ في الوقت الذي تستبطن أخلص وأعمق العبادات، هي أكثر الوسائل
أثراً في التقدّم نحو الأهداف السياسيّة الإسلامية. فجوهر العبادة التوجّه إلى
الله، وجوهر السياسة التوجّه إلى خلق الله، وهذان الأمران إمتزجا في الحجّ بدرجة
أصبحا كنسيج واحد. |
|
3 ـ البعد الثقافي للحجّ
|
|
يمكن أن يؤدّي إلتقاء
المسلمين أيّام الحجّ دوراً فعّالا في التبادل الثقافي في المجتمع الإسلامي،
خاصّةً إذا لاحظنا أنّ إجتماع الحجّ العظيم يمثّل بشكل حقيقي فئات المسلمين من
أنحاء العالم، حيث لا تصنّع في المشاركة في حجّ بيت الله الحرام، فالحجّاج جاؤوا
من شتّى المجموعات والعناصر والقوميات، وقد إجتمعوا رغم إختلاف ألسنتهم. |
|
4 ـ البعد
الإقتصادي للحجّ
|
|
خلافاً لما يراه البعض، فإنّ
مؤتمر الحجّ العظيم يمكن أن يستفاد منه في تقوية أُسس الإقتصاد في البلدان
الإسلامية. بل إنّه وفق أحاديث إسلامية معتبرة يشكّل البعد الإقتصادي جزءاً
مهمّاً من فلسفة الحجّ. |
|
4 ـ ما هو مصير
لحوم الأضاحي في عصرنا؟
|
|
يستفاد من الآية
السالفة الذكر أنّ الهدف من تقديم الاُضحية، إضافةً إلى الجوانب
المعنوية والروحية والتقرّب إلى الله تعالى، يشمل الإستفادة من لحومها ومنح قسم
منها إلى الفقراء والمحتاجين. |
|
الآيتان(29) (30)
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا
بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ
|
|
ثُمَّ لْيَقْضُوا
تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ
الْعَتِيقِ(29) ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ
عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمْ الاَْنْعَمُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ
فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الاَْوْثَنِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ(30) |
|
التّفسير |
|
تتابع هذه الآيات البحث السابق عن مناسك الحجّ مشيرةً إلى جانب آخر من هذه المناسك، فتقول أوّلا: (ثمّ ليقضوا تفثهم
وليوفوا نذورهم) أي ليطّهروا أجسامهم من الأوساخ والتلوّث، ثمّ ليوفوا ما
عليهم من نذور. و (ليطّوفوا بالبيت العتيق) أي
يطوفوا بذلك البيت الذي صانه الله عن المصائب والكوارث وحرّره. والأمر الثّاني هو
(واجتنبوا قول الزور) أي الكلام الباطل الذي لا أساس له من الصحّة. |
|
الآيات(31) (33)
حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا
خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ
|
|
حُنَفَاءَ لِلَّهِ
غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ
فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرِّيحُ فِى مَكَان سَحِيق(31)
ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَئِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ(32)
لَكُمْ فِيهَا مَنَفِعُ إِلَى أَجَل مُّسَمّىً ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ
الْعَتِيقِ(33) |
|
التّفسير |
|
تعظيم
شعائر الله دليل على تقوى القلوب:
|
|
عقّبت الآيات هنا المسألة
التي أكدّها آخِر الآيات السابقة، وهي مسألة التوحيد، وإجتناب أي صنم وعبادة
الأوثان. حيث تقول (حنفاء لله غير مشركين به)( «حنفاء»
و «غير مشركين»، كلاهما حال لضمير «فاجتنبوا»، و «اجتنبوا» في الآية السابقة.)
أي أقيموا مراسم الحجّ والتلبية في حالة تخلصون فيها النيّة لله وحده لا يخالطها
أي شرك أبداً. |
|
الآيتان(34) (35)
وَلِكُلِّ أُمَّة جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم
|
|
وَلِكُلِّ أُمَّة
جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن
بَهِيمَةِ الاَْنْعَمِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ
الُْمخْبِتِينَ(34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
وَالصَّبِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِى الصَّلَوةِ وَمِمَّا
رَزَقْنَهُمْ يُنفِقُونَ(35) |
|
التّفسير |
|
بشّر
المخبتين:
|
|
يمكن أن يتساءل الناس عن الآيات السابقة. ومنها التعليمات
الواردة بخصوص الاُضحية، كيف شرّع الإسلام تقديم القرابين لكسب رضى الله؟ وهل
الله سبحانه بحاجة إلى قربان؟ وهل كان ذلك متّبعاً في الأديان الاُخرى، أو يخصّ
المشركين وحدهم؟ يقول الراغب
الاصفهاني في مفرداته: «النُسك» يعني
العبادة، والناسك هو العابد، ومناسك الحجّ تعني المواقف التي تؤدّى فيها هذه
العبادة، أو إنّها عبارة عن الأعمال نفسها. |
|
الآيات(36) (38)
وَالْبُدْنَ جَعَلْنَهَا لَكُم مِّن شَعَئِرِ اللهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ
فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ
|
|
وَالْبُدْنَ
جَعَلْنَهَا لَكُم مِّن شَعَئِرِ اللهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ
اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا
وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَهَا لَكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(36) لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا
وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا
اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الُْمحْسِنِينَ(37) إِنَّ اللهَ يَدَفِعُ
عَنِ الّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّان كَفُور(38) |
|
التّفسير |
|
لماذا
الاُضحية؟
|
|
عاد الحديث عن مراسم الحجّ
وشعائره الإلهيّة والاُضحية ثانية، ليقول أوّلا: (والبُدن جعلناها لكم من شعائر
الله) إنّ «البُدن» وهي الإبل البدينة تعلّقت بكم من جهة، ومن جهة أُخرى هي من
شعائر الله وعلائمه في هذه العبادة العظيمة. فالاُضحية في الحجّ من المظاهر
الجليّة لهذه العبادة التي أشرنا إلى فلسفتها من قبل. |
|
الآيات(39) (41)
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى
نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ
|
|
أُذِنَ لِلَّذِينَ
يُقَتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ(39)
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَرِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا
رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْض
لَّهُدِّمَتْ صَوَمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَتٌ وَمَسَجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ
اللهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِىٌّ
عَزِيزٌ(40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّهُمْ فِى الاَْرْضِ أَقَامُوا الصَّلَوةَ
وَءَاتَوُا الزَّكَوةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ
وَلِلَّهِ عَقِبَةُ الاُْمُورِ(41) |
|
التّفسير |
|
أوّل
حكم بالجهاد:
|
|
ذكرت روايات أنّ المسلمين
عندما كانوا في مكّة، كانوا يتعرّضون كثيراً لأذى المشركين، فجاء المسلمون إلى
رسول الله ما بين مشجوج ومضروب يشكون إليه ما يُعانون من قهر وأذىً، فكان صلوات
الله عليه وآله يقول لهم: «اصبروا فانّي لم اُؤمر بالقتال» حتّى هاجر، فأنزل
الله عليه هذه الآية بالمدينة، وهي أوّل آية نزلت في القتال(تفسير مجمع البيان، وتفسير الفخر الرازي للآية موضع البحث.). |
|
بحوث
|
|
1 ـ فلسفة تشريع
الجهاد
|
|
رغم أنّنا بحثنا مسألة الجهاد بحثاً واسعاً(ـ تناولنا فلسفة الجهاد بالبحث في تفسير الآية 193 من سورة
البقرة.) قبل هذا، إلاّ أنّه مع ملاحظة إحتمال أن تكون الآيات ـ موضع
البحث ـ أُولى الآيات التي أجازت للمسلمين الجهاد، وإحتوت إشارة إلى فلسفة هذا
الحكم، وجدنا ضرورة تناولها بإيجاز. |
|
2 ـ من هم الذين
وعدهم الله بالنصر؟
|
|
إنّه لمن الخطأ الإعتقاد بأنّ
نصر الله المؤمنين ووعدهم بالدفاع عنهم ـ الذي جاء في الآيات السابقة ومن آيات
قرآنية أُخرى ـ بعيد عن سنّة الله في خلقه وقوانين الحياة! |
|
3 ـ «المحسنين»،
«المخبتين»، «أنصار الله»
|
|
وتأمر الآيات المذكورة أعلاه
والتي قبلها أحياناً بتبشير «المحسنين»، ثمّ
تعرفّهم أنّهم من المؤمنين، وليسوا من الخونة الكفّار .. |
|
الآيات(42) (45)
وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوح وَعَادٌ وَثَمُودُ
|
|
وَإِن يُكَذِّبُوكَ
فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوح وَعَادٌ وَثَمُودُ(42)وَقَوْمُ
إِبْرَهِيمَ وَقَوْمُ لُوط(43) وَأَصْحَبُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى
فَأَمْلَيْتُ لِلْكَفِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ
نَكِيرِ(44)فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَة أَهْلَكْنَهَا وَهِىَ ظَالِمَةٌ فَهِىَ خَاوِيَةٌ
عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْر مُّعَطَّلَة وَقَصْر مَّشِيد(45) |
|
التّفسير |
|
بئر
معطّلة وقصر مشيد!
|
|
لقد صدر أمر الجهاد للمسلمين
بعد أن ذاقوا ـ كما ذكرت الآيات السابقة ـ مرارة المحنة التي فرضها عليهم أعداء
الإسلام الذين آذوهم وطردوهم من منازلهم لا لذنب إرتكبوه، بل لتوحيدهم الله
سبحانه وتعالى. |
|
ملاحظة
|
|
ممّا يلفت النظر التّفسير
الذي ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) حيث فسّروا (وبئر معطّلة) بالعلماء الذين
لا يستفيد منهم المجتمع، فبقيت علومهم معطّلة. فقد روي عن الإمام موسى بن جعفر
(عليه السلام) في تفسير عبارة (وبئر معطّلة وقصر مشيد) قوله: «البئر المعطّلة
الإمام الصامت، والقصر المشيد الإمام الناطق» وبهذا المعنى روي أيضاً عن الإمام
الصادق (عليه السلام)( تفسير البرهان، المجلّد الثّالث،
صفحة ـ 30.). |
|
الآيات(46) (48)
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الاَْرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا
أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا
|
|
أَفَلَمْ يَسِيرُوا
فِى الاَْرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ ءَاذَانٌ
يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الاَْبْصَرُ وَلَكِن تَعْمَى
الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ(46) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن
يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَة مِّمَّا
تَعُدُّونَ(47)وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَة أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِىَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ
أَخَذْتُهَا وَإِلَىَّ الْمَصِيرُ(48) |
|
التّفسير |
|
السير
في الأرض والعبرة:
|
|
تحدّثت الآيات السابقة عن
الأقوام الظالمة التي عاقبها الله على ما إقترفت أيديهم فدمّر أحياءهم، وأكّدت
الآية الأُولى هذه القضيّة فقالت: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون
بها أو آذان يسمعون بها). |
|
الآيات(49) (51) قُلْ
يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ(49) فَالَّذِينَ
ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ لَهُم
|
|
قُلْ يَأَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ(49) فَالَّذِينَ ءَامَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ(50) وَالَّذِينَ
سَعَوا فِى ءَايَتِنَا مُعَجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَبُ الْجَحِيمِ(51) |
|
التّفسير |
|
الرزق
الكريم:
|
|
تحدّثت الآيات السابقة عن
تعجيل الكفر والعذاب الإلهي، وإنّ ذلك ليس من شأن النّبي (ص) وإنّما يرتبط
بمشيئة الله تعالى، فأوّل آية من الآيات أعلاه تقول: (قل
ياأيّها الناس إنّما أنا لكم نذير مبين). |
|
الآيات(52) (54)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُول وَلاَ نَبِىٍّ إِلاَّ إِذَا
تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَنُ فِى أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ
|
|
وَمَا أَرْسَلْنَا
مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُول وَلاَ نَبِىٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى
الشَّيْطَنُ فِى أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللهُ مَا يُلْقِى الشَّيْطَنُ ثُمَّ
يُحْكِمُ اللهُ ءَايَتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(52) لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِى
الشَّيْطَنُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ
قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّلِمِينَ لَفِى شِقَاقِ بَعِيد(53) وَلِيَعْلَمَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ
فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهَادِ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِلَى
صِرَط مُّسْتَقِيم(54) |
|
التّفسير |
|
وساوس
الشّياطين في مساعي الأنبياء:
|
|
تناولت الآيات السابقة محاولات المشركين والكفرة لمحو
التعاليم الإلهيّة والإستهزاء بها، أمّا الآيات موضع البحث فقد تضمنّت تحذيراً
مهمّاً حيث قالت: إنّ هذه المؤامرات ليست جديدة، فالشياطين دأبوا منذ البداية
على إلقاء وساوسهم ضدّ الأنبياء. في البداية تقول الآية: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلاّ إذا تمنّى)أمراً
لصالح الدين والمجتمع وفكّر في خطّة لتطوير العمل (ألقى الشيطان في اُمنيته)
إلاّ أنّ الله لم يترك نبيّه وحده إزاء إلقاءات الشياطين (فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثمّ يحكم الله آياته). |
|
بحوث
|
|
1 ـ المراد من
إلقاءات الشيطان
|
|
ما ذكرناه في تفسير الآيات المذكورة أعلاه كان تنسيقاً مع
آراء بعض الباحثين، إلاّ أنّ هناك إحتمالات أُخرى في
تفسير الآية، منها أنّ عبارة «تمنّى» و «اُمنية» تعني التلاوة والقراءة، كما جاءت في أشعار
العرب بهذا المعنى. لهذا فإنّ تفسير آية (وما
أرسلنا من قبلك من رسول ..) كان الشياطين (خاصّة شياطين الإنس) يلقون
بكلمات خلال قراءة كلام الله على الناس لتشويش الأفكار، ولإبطال أثر القرآن في
الهداية والنجاة. إلاّ أنّ الله عزّوجلّ كان يمحو أثر هذه الإلقاءات ويثبت
آياته. وينسجم هذا التّفسير مع عبارة (ثمّ يحكم الله
آياته)وكذلك يساير (وفقاً لبعض التبريرات)
اُسطورة الغرانيق التي سيرد ذكرها. وبهذا تتّضح ملاءمة
التّفسير الأوّل أكثر من غيره، وهي
إشارة إلى نشاط الشياطين وما يلقونه على الأنبياء لتعويق عملهم البنّاء، غير أنّ
الله يبطل ما يفعلون ويمحو ما يلقون. |
|
2 ـ اُسطورة
الغرانيق المختلفة!
|
|
جاء في بعض كتب السنّة رواية
عجيبة تنسب إلى ابن عبّاس، مفادها أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان
مشغولا بتلاوة سورة «النجم» في مكّة المكرّمة، وعند ما بلغ الآيات التي جاء فيها
ذكر أسماء أصنام المشركين (أفرأيتم اللات والعزّى ومناة
الثّالثة الاُخرى) ألقى الشيطان على النّبي هاتين
الجملتين وجعلهما على لسانه: (تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهنّ لترتجى!)
أي إنّهن طيور جميلة ذات منزلة رفيعة ومنها ترتجى الشفاعة («الغرانيق» جمع غرنوق، على وزن بُهلول، طائر يعيش في الماء
أبيض أو أسود اللون، كما جاء بمعان أُخرى «قاموس اللغة».)! |
|
3 ـ الفرق بين
الرّسول والنبي!
|
|
هناك أقوال كثيرة
في الفرق بين «الرسول» و «النبي»، وأكثرها
قبولا أنّ كلمة الرّسول تطلق على أنبياء لهم
رسالات من الله أمروا بنشرها بين الناس، وألاّ يألوا أي جهد في هذا الطريق، وأن
يتحمّلوا الصعاب ولا يبالوا بالتضحية بأرواحهم من أجل رسالتهم. |
|
الآيات(55) (59)
وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِى مِرْيَة مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ
السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ
|
|
وَلاَ يَزَالُ
الَّذِينَ كَفَرُوا فِى مِرْيَة مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ
بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْم عَقِيم(55) الْمُلْكُ يَوْمَئِذ
لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ فِى
جَنَّتِ النَّعِيمِ(56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَتِنَا
فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ(57) وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِى سَبِيلِ
اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً
وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّزِقِينَ(58)لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلا
يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ(59) |
|
التّفسير |
|
الرّزق
الحسن:
|
|
تحدّثت الآيات السابقة عن
محاولات المخالفين في محو الآيات الإلهيّة، أمّا الآيات التي نقف في ضوئها،
فأشارت إلى هذه المحاولات من قبل أشخاص متعصّبين قساة. عذابٌ يذلّ الكفرة والذين كذّبوا بآيات الله، اُولئك الذين عاندوا الله
واستكبروا على خلقه يهينهم الله. وقد وصف القرآن العذاب بـ«الأليم» و «العظيم» و «المهين» في آيات مختلفة، ليلائم كلّ واحد منه الذنب الذي إقترفه المعاندون!. |
|
الآيات(60) (62)
ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ
لَيَنصُرَنَّهُ اللهُ
|
|
ذَلِكَ وَمَنْ
عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللهُ
إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ(60) ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ الَّيْلَ فِى
النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ
بَصِيرٌ(61) ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن
دُونِهِ هُوَ الْبَطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ(62) |
|
سبب
النّزول
|
|
رُوي أنّ عدداً من المشركين من أهل مكّة واجهوا المسلمين
ولم يبق لإنتهاء شهر المحرّم إلاّ يومان. قال المشركون بعضهم لبعض: إنّ أصحاب
محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يحاربون في شهر المحرّم. ولهذا بدأوا
بمهاجمة المسلمين، ورغم الحاح المسلمين عليهم بإيقاف القتال، لم يعطوا اُذناً
صاغية لهذا الطلب، فاضطرّ المسلمون إلى قتالهم ببطولة فريدة فنصرهم الله، وهنا
نزلت أوّل آية من الآيات المذكورة آنفاً(«مجمع البيان» و «الدرّ المنثور» في
تفسير الآيات موضع البحث.). |
|
التّفسير |
|
من
هم المنتصرون؟
|
|
حدّثتنا الآيات السابقة عن
المهاجرين في سبيل الله، وما وعدهم الله من رزق حسن يوم القيامة. ومن أجل ألاّ
يتصوّر المرء أنّ الوعد الإلهي يختّص بالآخرة فحسب، تحدّثت الآية ـ موضع البحث ـ في مطلعها عن إنتصارهم في ظلّ الرحمة
الإلهيّة في هذا العالم: (ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به
ثمّ بغي عليه لينصرنّه الله) إشارة إلى أنّ الدفاع عن النفس ومجابهة
الظلم حقّ طبيعي لكلّ إنسان. |
|
الآيات(63) (66)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الاَْرْضُ
مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ
|
|
أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللهَ أَنَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الاَْرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ
اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ(63) لَّهُ مَا فِى السَّمَوَتِ وَمَا فِى الاَْرْضِ
وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ(64) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ
سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى الاَْرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ
وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الاَْرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ
اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ(65)وَهُوَ الَّذِى أَحْيَاكُمْ ثُمَّ
يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الاِْنسَنَ لَكَفُورٌ(66) |
|
التّفسير |
|
دلائل
الله في ساحة الوجود:
|
|
تحدّثت الآيات السابقة عن
قدرة الله غير المحدودة وأنّه الحقّ المطلق، وبيّنت هذه الآيات الأدلّة المختلفة
على هذه القدرة الواسعة والحقّ المطلق وتقول أوّلا:
(ألم تر أنّ الله أنزل من السّماء ماءً فتصبح الأرض مخضّرة). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ الصفات
الخاصّة بالله:
|
|
بيّنت الآيات السالفة الذكر والآيتان اللتان سبقتها، أربع عشرة صفة من صفات الله (في نهاية كلّ آية جاء ذكر صفتين من صفات الله) العليم والحليم ـ
العفو والغفور ـ السميع والبصير ـ العلي والكبير ـ اللطيف والخبير ـ الغني
والحميد ـ الرؤوف والرحيم. وكلّ صفة تكمل ما
يقترن بها. وتنسجم معها
وتتناسب مع البحث الذي تناولته الآية، كما مرّ
سابقاً. |
|
2 ـ الآيات تدلّ
على توحيد اللّه وعلى المعاد
|
|
إنّ الآيات السابقة، مثلما هي
دليل على قدرة الله تعالى وتأكيد لما وعد من نصر لعباده المؤمنين، وشاهد على
حقّانيته المقدّسة التي إستندت الآيات السالفة الذكر إليها، فهي دليل على توحيد
الله وعلى المعاد. فإحياء الأرض بالمطر بعد موتها، ونموّ النبات فيها، وكذلك
حياة الإنسان وموته شاهد على البعث والنشور. ومعظم الآيات عرضت هذه الأدلّة في
البرهنة على حقيقة المعاد يوم القيامة. |
|
3 ـ تسخير الأرض
والسّماء للإنسان:
|
|
لقد سخّر الله هذه الموجودات
للإنسان وذلّلها لمصالحه. (وقد بيّنا هذا الموضوع مفصّلا في تفسير الآية (12)
إلى (14) من سورة النحل، وفي تفسير الآية الثّانية من سورة الرعد). |
|
الآيات(67) (70)
لِّكُلِّ أُمَّة جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَزِعُنَّكَ فِى
الاَْمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ
|
|
لِّكُلِّ أُمَّة
جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَزِعُنَّكَ فِى الاَْمْرِ وَادْعُ
إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدىً مُّسْتَقِيم(67) وَإِن جَدَلُوكَ فَقُلِ
اللهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ(68) اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ
الْقِيَمَةِ فِيَما كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(69) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ
اللهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَاءِ وَالاَْرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِى كِتَب إِنَّ
ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ(70) |
|
التّفسير |
|
لكلّ
اُمّة عبادة:
|
|
تناولت البحوث السابقة
المشركين خاصّة، ومخالفي الإسلام عامّة، ممّن جادلوا فيما أشرق به الإسلام من
مبادىء نسخت بعض تعاليم الأديان السابقة. وكانوا يرون من ذلك ضعفاً في الشريعة
الإسلامية، وقوّة في أديانهم، في حين أنّ ذلك لا يشكل ضعفاً إطلاقاً، بل هو نقطة
قوّة ومنهج لتكامل الأديان ولذا جاء الفصل الربّاني جلّياً (لكلّ اُمّة جعلنا
منسكاً هم ناسكوه)( يرى بعض المفسّرين أنّ هذه الآيات
تشير إلى ردّ لما أثاره المشركون من إعتراض قائلين: لماذا لا تأكلون الميتة التي
قتلها الله، في وقت تأكلون فيه الميتة التي قتلتموها أنتم؟! فنزلت هذه الآيات
لتردّ عليهم. |
|
الآيات(71) (74)
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَناً وَمَا لَيْسَ
لَهُم بِهِ عِلْمٌ
|
|
وَيَعْبُدُونَ مِن
دُونِ اللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَناً وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ
وَمَا لِلظَّلِمِينَ مِن نَّصِير(71) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَتُنَا
بَيِّنَت تَعْرِفُ فِى وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ
يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ ءَايَتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم
بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ
الْمَصِيرُ(72) يَأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ
الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَن يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا
لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ
الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ(73) مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ الله
لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ(74) |
|
التّفسير |
|
معبودات
أضعف من ذبابة!
|
|
تابعت هذه الآيات الأبحاث السابقة عن التوحيد والشرك، فتحدّثت ثانية عن المشركين وأفعالهم الخاطئة، فتقول الآية الأُولى: (ويعبدون من
دون الله ما لم ينزل به سلطاناً) وهذا يبيّن بطلان عقيدة الوثنيين الذين
كانوا يرون أنّ الله سمح لهم بعبادة الأوثان وأنّها تشفع لهم عند الله. وتضيف
الآية (وما ليس لهم به علم)أي يعبدون عبادةً لا
يملكون دليلا على صحّتها لا من طريق الوحي الإلهي، ولا من طريق الإستدلال
العقلي، ومن لا يعمل بدليل يظلم نفسه وغيره، ولا أحد يدافع عنه يوم الحساب، لهذا
تقول الآية في ختامها: (وما للظالمين من نصير). الصحيح هو ما سبق
أن قلناه من أنّ الطالب هو عبدة الأوثان، والمطلوب هو الأوثان
ذاتها، وكلاهما لا يقدر على شيء. |
|
بحث
|
|
مثال
واضح لبيان نقاط الضعف:
|
|
يرى عدد من المفسّرين أنّ
القرآن جاء بمثل في آياته المذكورة آنفاً، إلاّ أنّه لم يبيّن المثل بصراحة، بل
أشار إلى مواضع أُخرى في القرآن، أو أنّ المثل هنا جاء لإثبات أمر عجيب، وليس
بمعنى المثل المعروف. |
|
الآيات(75) (78)
اللهُ يَصْطَفِى مِنَ الْمَلَئِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ
بَصِيرٌ
|
|
اللهُ يَصْطَفِى
مِنَ الْمَلَئِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ(75)
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ
الاُْمُورُ(76) يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا
وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(77)
وَجَهِدُوا فِى اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ
فِى الدِّينِ مِنْ حَرَج مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَهِيمَ هُوَ سَمَّكُمُ
الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً
عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ
وَءَاتُوا الزَّكَوةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلَكُمْ فَنِعْمَ
الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ(78) |
|
سبب النّزول
|
|
ذكر بعض المفسّرين أنّ المشركين وعلى رأسهم «الوليد بن
المغيرة»، كانوا عندما بعث الله الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، يقولون
مستنكرين: «أأنزل عليه الذكر من بيننا»؟! فنزلت الآية الأُولى من الآيات أعلاه
لتردّ عليهم (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إنّ الله سميع بصير)( تفاسير القرطبي، وأبو الفتوح الرازي، والفخر الرازي، وروح
المعاني..) |
|
التّفسير |
|
خمسة
تعاليم بنّاءةً ومهمّة:
|
|
بما أنّ الآيات السابقة تناولت بحث التوحيد والشرك وآلهة
المشركين الوهميّة. وبما أنّ بعض الناس قد اتّخذوا الملائكة أو بعض الأنبياء
آلهة للعبادة، فانّ أوّل الآيات موضع البحث تقول بأنّ جميع الرسل هم عباد الله
وتابعون لأمره: (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن
الناس). |
|
|
|