- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
سورة الأنبياء مكّيّة
وعددُ آياتِها مائة وإثنتا عشرة آية
|
|
سورة الأنبياء |
|
فضل
سورة الأنبياء:
|
|
روي عن النّبي (ص)
في فضل تلاوة هذه السورة أنّه قال (ص): «من قرأ سورة الأنبياء حاسبه الله حساباً يسيراً، وصافحه وسلّم عليه كلّ
نبي ذكر إسمه في القرآن»( تفسير نور الثقلين ج3 ص412..)
وعن الإمام الصادق
(عليه السلام): «من قرأ سورة الأنبياء حبّاً
لها كان كمن رافق النبيّين أجمعين في جنّات النعيم، وكان مهيباً في أعين الناس
حياة الدنيا»( المصدر السابق..) إنّ جملة «حبّاً لها» مفتاح في الواقع لفهم
معنى الرّوايات التي وصلتنا في مجال فضل سورة القرآن، وهي تعني أنّ الهدف ليس هو
التلاوة وتلفّظ الكلمات فقط، بل عشق المحتوى، ومن المسلّم أنّ عشق المحتوى بلا
عمل لا معنى له، وإذا ما ادّعى شخص أنّه يعشق السورة الفلانيّة، ويخالف عمله
مفاهيمها، فإنّه يكذب. |
|
محتوى
السورة:
|
|
1 ـ
إنّ هذه السورة كما تدلّ عليها تسميتها هي سورة الأنبياء، لأنّ إسم ستّة
عشر نبيّاً قد جاء في هذه السورة، بعضهم بذكر
نماذج وصور من حالاتهم، والبعض كإشارة،
وهم: |
|
الآيات (1) (5) اقْتَرَبَ
لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَة مُّعْرِضُونَ
|
|
اقْتَرَبَ
لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَة مُّعْرِضُونَ(1) مَا يَأْتِيهِم مِّن
ذِكْر مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَث إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)
لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا
إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ
تُبْصِرُونَ(3)قَالَ رَبِّى يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِى السَّمَاءِ وَالاَْرْضِ وَهُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(4) بَلْ قَالُوا أَضْغَثُ أَحْلمِ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ
هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَة كَمَا أُرْسِلَ الاَْوَّلُونَ(5) |
|
التّفسير |
|
أعذار
متنوّعة:
|
|
تبدأ هذه السورة ـ كما أشرنا
ـ بتحذير قوي شديد موجّه لعموم الناس، تحذير يهزّ الوجدان ويوقظ الغافلين،
فتقول: (إقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون). |
|
ملاحظة:
|
|
هل
القرآن محدث؟
|
|
لقد أورد جمع من المفسّرين في ذيل الآيات ـ لوجود كلمة (محدث) في الآية الثّانية من الآيات محلّ البحث ـ بحوثاً جمّة
حول كون كلام الله حادثاً أم قديماً؟ وهي نفس المسألة التي اُثيرت في زمن خلفاء
بني العبّاس وصارت مثاراً للجدل لسنين طويلة، وكانت قد لفتت إنتباه وأفكار جماعة
من العلماء. |
|
الآيات(6) (10) مَا
ءَامَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَة أَهْلَكْنَهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ
|
|
مَا ءَامَنَتْ
قَبْلَهُم مِّن قَرْيَة أَهْلَكْنَهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ(6) وَمَا
أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالا نُّوحِى إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ(7) وَمَا جَعَلْنَهُمْ جَسَداً لاَّ
يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَلِدِينَ(8) ثُمَّ صَدَقْنَهُمُ
الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَهُمْ وَمَن نَّشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ(9)
لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُون(10) |
|
التّفسير |
|
كلّ
الأنبياء كانوا بشراً:
|
قلنا: إنّ ستّة إشكالات
وإيرادات قد أُعيد ذكرها في الآيات السابقة، وهذه الآيات التي نبحثها تجيب عنها،
تارةً بصورة عامّة جامعة، وأُخرى تجيب عن بعضها بالخصوص. وإختلف المفسّرون في معنى كلمة «ذكركم» في
الآية آنفة الذكر، وذكروا لها تفاسير مختلفة. |
|
الآيات(11) (15)
وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَة كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً
ءَأُخرينَ
|
|
وَكَمْ قَصَمْنَا
مِن قَرْيَة كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً ءَأُخرينَ(11)
فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لاَ
تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَكِنِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ(13) قَالُوا يَوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَلِمِينَ(14)
فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَهُمْ حَصِيداً خَمِدِينَ(15) |
|
|
التّفسير |
|
كيف
وقع الظّالمون في قبضة العذاب؟
|
|
تبيّن هذه الآيات مصير
المشركين والكافرين مع مقارنته بمصير الأقوام الماضين، وذلك بعد البحث الذي مرّ
حول هؤلاء. فتقول الآية الاُولى: (وكم قصمنا من قرية
كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين). والجميل هنا أنّه قد رُكّز على المسكن خاصّة من بين كلّ النعم
الماديّة، وربّما كان ذلك بسبب أنّ أوّل وسائل إستقرار الإنسان هو وجود سكن
مناسب. أو أنّ الإنسان يصرف أكثر مورد حياته في بيته، وكذلك فإنّ أشدّ تعلّقه
إنّما يكون بمسكنه. |
|
الآيات(16) (18)
وَمَا خِلَقْنَا السَّمَاءَ وَالاَْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَعِبِينَ
|
|
وَمَا خِلَقْنَا
السَّمَاءَ وَالاَْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَن
نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَعِلِينَ (17)
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ
وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) |
|
التّفسير |
|
خلق
السّماء والأرض ليس لهواً:
|
|
لمّا كانت الآيات السابقة قد
عكست هذه الحقيقة وهي: إنّ الظالمين الذين لا إيمان لهم لا يعتقدون بوجود هدف
وغاية من خلقهم إلاّ الأكل والشرب والملذّات، ويظنّون أنّ العالم بلا هدف،
القرآن الكريم يقول في الآيات التي نبحثها من أجل إبطال هذا النوع من التفكير،
وإثبات وجود هدف عال وسام من وراء خلق كلّ العالم، وخاصّة البشر: (وما خلقنا السّماء والأرض وما بينهما لاعبين). |
|
بحث
|
|
الهدف
من الخلق:
|
|
في الوقت الذي لا يعترف
المادّيون بهدف للخلق، لأنّهم يعتقدون أنّ الطبيعة الفاقدة للعقل والشعور والهدف
هي التي إبتدأت الخلق، ولهذا فإنّهم يؤيّدون اللغوية وعدم الفائدة في مجموعة
الوجود، فإنّ الفلاسفة الإلهيين وإتباع الأديان جميعاً يعتقدون بوجود هدف سام
للمخلوقات، لأنّ المبدىء للخلق قادر وحكيم وعالم، فمن المستحيل أن يقوم بعمل لا
فائدة فيه. فنحن نقرأ في الآية (17) من سورة محمّد
قوله تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى) فهل يدلّ
التعبير بالزيادة إلاّ على التكامل؟ |
الآيات(19) (25)
وَلَهُ مَن فِى السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ
عَنْ عِبَادَتِهِ
|
|
وَلَهُ مَن فِى
السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ
وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ(19) يُسَبِّحُونَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ
يَفْتُرُونَ(20) أَمِ اتَّخَذُوا ءَالِهَةً مِّنَ الاَْرْضِ هُمْ
يُنشِرُونَ(21)لَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا
فَسُبْحَنَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ(22) لاَ يُسْئَلُ عَمَّا
يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ(23) أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ ءَالِهَةً قُلْ
هَاتُوا بُرْهَنَكُم هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِىَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِى بَلْ
أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ(24)وَمَا أَرْسَلْنَا
مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُول إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ
أَنَا فَاعْبُدُونِ(25) |
|
التّفسير |
|
الشرك
ينبع من الظنّ:
|
|
|
كان الكلام في الآيات السابقة
عن أنّ عالم الوجود ليس عبثيّاً لا هدف من ورائه، فلا مزاح ولا عبث، ولا لهو ولا
لعب، بل له هدف تكاملي دقيق للبشر. ولمّا كان من الممكن أن يوجد
هذا التوهّم، وهو: ما حاجة الله إلى إيماننا وعبادتنا؟ |
|
برهان
التمانع:
|
|
إنّ الدليل الوارد في الآية
آنفة الذكر ولإثبات التوحيد ونفي الآلهة، في الوقت الذي هو بسيط وواضح، فإنّه من
البراهين الفلسفيّة الدقيقة في هذا الباب، ويذكره العلماء تحت عنوان (برهان التمانع). ويمكن إيضاح
خلاصة هذا البرهان بما يلي: |
|
الآيات(26) (29)
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَنَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ
|
|
وَقَالُوا اتَّخَذَ
الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَنَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (26)لاَ
يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى
وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّى إِلَهٌ
مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِى الظَّلِمِينَ (29) |
|
التّفسير |
|
الملائكة
عباد مُكْرَمُون مطيعون:
|
|
لمّا كان الكلام في آخر آية
عن الأنبياء، ونفي كلّ أنواع الشرك، ونفي كون المسيح (عليه السلام) ولداً، فإنّ
كلّ الآيات محلّ البحث تتحدّث حول نفي كون الملائكة أولاداً. |
|
الآيات(30) (33) أَوَ
لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضَ كَانَتَا رَتْقاً
فَفَتَقْنَهُمَا
|
|
أَوَ لَمْ يَرَ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضَ كَانَتَا رَتْقاً
فَفَتَقْنَهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَىْء حَيٍّ أَفَلاَ
يُؤْمِنُونَ (30)وَجَعَلْنَا فِي الاَْرْضِ رَوَسِىَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ
وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلا لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا
السَّمَاءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ ءَايَتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ
الَّذِي خَلَقَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِى فَلَك
يَسْبَحُونَ (33) |
|
التّفسير |
|
علامات
أُخرى للهِ في عالم الوجود:
|
|
تعقيباً على البحوث السابقة
حول عقائد المشركين الخرافية، والأدلّة التي ذكرت على التوحيد، فإنّ في هذه الآيات سلسلة من براهين الله في عالم الوجود،
وتدبيره المنظّم، وتأكيداً على هذه البحوث تقول أوّلا: (أو لم ير الذين كفروا أنّ السماوات والأرض كانتا رتقاً
ففتقناهما وجعلنا من الماء كلّ شيء حي أفلا يؤمنون). إلاّ أنّ
التّفسيرين الأوّل والثّاني أيضاً لا يخالفان المعنى الواسع لهذه الآية، لأنّ الرؤية تأتي أحياناً بمعنى العلم. صحيح أنّ هذا
العلم والوعي ليس للجميع، بل إنّ العلماء وحدهم الذين يستطيعون أن يكتسبوا
العلوم حول ماضي الأرض والسّماء، وإتّصالهما ثمّ إنفصالهما، إلاّ أنّنا نعلم أنّ
القرآن ليس كتاباً مختصاً بعصر وزمان معيّن، بل هو مرشد ودليل للبشر في كلّ
القرون والأعصار. وفي حديث عن الإمام
الصادق (عليه السلام) أنّ رجلا سأله:
ما طعم الماء؟ فقال الإمام أوّلا: «سل تفقّهاً ولا تسأل
تعنّتاً» ثمّ أضاف: «طعم الماء طعم الحياة! قال الله سبحانه: (وجعلنا من الماء كلّ شيء حي). وقلنا فيما مضى: إنّ الجبال كالدرع الذي يحمي
الأرض، وهذا هو الذي يمنع ـ إلى حدّ كبير ـ من الزلازل الأرضيّة الشديدة التي
تحدث نتيجة ضغط الغازات الداخلية. إضافةً إلى أنّ وضع الجبال هذا يقلّل من حركات
القشرة الأرضيّة أمام ظاهرة المدّ والجزر الناشئة بواسطة القمر إلى الحدّ
الأدنى. |
|
بحثان
|
|
1 ـ تفسير قوله
تعالى: (كلّ في فلك يسبحون)
|
|
إختلف المفسّرون في
تفسير هذه الآية، أمّا ما يناسب
تحقيقات علماء الفلك الثابتة، فهو أنّ المراد من حركة الشمس في الآية إمّا
الدوران حول نفسها، أو حركتها ضمن المنظومة الشمسيّة. |
|
2 ـ السّماء سقف
محكم
|
|
قلنا فيما مضى: إنّ (السّماء) وردت في القرآن بمعان مختلفة، فجاءت
تارةً بمعنى الجو، أي الطبقة الضخمة من الهواء (الغلاف الغازي) الذي يحيط
بالأرض، كالآية آنفة الذكر. ولا بأس أن نسمع هنا توضيحاً أكثر حول إحكام هذا
السقف العظيم من لسان العلماء: |
|
الآيتان(34) (35)
وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَر مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ
الْخَلِدُونَ
|
|
وَمَا جَعَلْنَا
لِبَشَر مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ الْخَلِدُونَ(34)
كُلُّ نَفْس ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً
وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ(35) |
|
التّفسير |
|
الموت
يتربّص بالجميع:
|
|
قرأنا في الآيات السابقة أنّ
المشركين قد تشبّثوا بمسألة كون النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)بشراً من أجل
التشكيك بنبوّته، وكانوا يعتقدون أنّ النّبي يجب
أن يكون ملكاً وخالياً من كلّ العوارض البشريّة. وإستعملت أحياناً في خصوص روح الإنسان كما في (أخرجوا
أنفسكم)( الأنعام، 93.). ويبقى هنا سؤال
مهمّ، وهو: لماذا يختبر الله عباده؟
وماذا يعني الإختبار من قِبل الله؟ وقد ذكرنا جواب هذا السؤال في ذيل الآية
(155) من سورة البقرة، وقلنا: إنّ الإمتحان من الله تعالى لعباده يعني تربيتهم.
طالعوا التفصيل الكامل لهذا الموضوع هناك. |
|
الآيات(36) (40)
وَإِذَا رَءَاكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا
الَّذِى
|
|
وَإِذَا رَءَاكَ
الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِى يَذْكُرُ
ءَالِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَفِرُونَ(36) خُلِقَ الإِنسَنُ
مِنْ عَجَل سَأُوْرِيكُمْ ءَايَتِى فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ(37)وَيَقُولُونَ مَتَى
هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ(38) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا
حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ
هُمْ يُنصَرُونَ(39) بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ
يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ(40) |
|
التّفسير |
|
خلق
الإنسان من عَجَل!
|
|
نواجه في هذه الآيات مرّة
أُخرى، بحوثاً أُخرى حول موقف المشركين من رسول الله (ص)، حيث يتّضح نمط تفكيرهم
المنحرف في المسائل الاُصولية، فتقول أوّلا: (وإذا رآك
الذين كفروا إن يتخذونك إلاّ هزواً) فهؤلاء لا عمل لهم إلاّ السخرية
والإستهزاء، ويشيرون إليك بعدم إكتراث ويقولون: (أهذا
الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون). العجيب هنا أنّ هؤلاء كانوا
يقولون (أهذا الذي يذكر آلهتكم) ولم يرضوا أن يذكروا في عبارتهم كلمة (سوء)
فيقولون: يذكر آلهتكم بسوء! وتضيف الآية في النهاية: (سأريكم آياتي فلا تستعجلون). |
|
ملاحظتان
|
|
1 ـ
بملاحظة الآيات آنفك الذكر يُثار هذا السؤال، وهو: إذا كان الإنسان عجولا بطبيعته، فلماذا ينهى الله ـ سبحانه عن العجلة
ويقول: (فلا تستعجلون)؟ أليس هذا تناقضاً بين
الإثنين؟ |
|
الآيات(41) (45)
وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُل مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا
مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ
|
|
وَلَقَدِ
اسْتُهْزِىءَ بِرُسُل مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا
كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ(41) قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ
مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ(42) أَمْ لَهُمْ
ءَالِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ
وَلاَ هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ(43) بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاَءِ وَءَابَاءَهُمْ
حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِى الاَْرْضَ
نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهِا أَفَهُمُ الْغَلِبُونَ(44) قُلْ إِنَّمَا
أُنذِرُكُم بِالْوَحْىِ وَلاَ يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا
يُنذَرُونَ(45) |
|
التّفسير |
|
لاحظنا في الآيات السابقة أنّ
المشركين والكفّار كانوا يستهزؤون برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا
دأب كلّ الجهّال المغرورين، إنّهم يأخذون الحقائق المهمّة الجديّة مأخذ الهزل
والإستهزاء. وقد فسّرت هذه
الآية في بعض الرّوايات التي رويت عن
أهل البيت (عليهم السلام)بموت العلماء، فيقول
الإمام الصادق (عليه السلام): «نقصانها ذهاب عالمها». |
|
الآيتان(46) (47)
وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَوَيْلَنَا
إِنَّا كُنَّا ظَلِمِينَ
|
|
وَلَئِن
مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَوَيْلَنَا إِنَّا
كُنَّا ظَلِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوَزِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَمَةِ
فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّة مِّنْ خَرْدَل
أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَسِبِينَ (47) |
|
التّفسير |
|
موازين
العدل في القيامة:
|
|
بعد أن كانت الآيات السابقة
تعكس حالة غرور وغفلة الأفراد الكافرين، تقول الآية
الأُولى أعلاه: إنّ هؤلاء المغرورين لم يذكروا الله يوماً في الرخاء،
ولكن: (ولئن مسّتهم نفحة من عذاب ربّك ليقولنّ ياويلنا
إنّا كنّا ظالمين). وعلى قول تفسير الكشّاف فإنّ
جملة (ولئن مسّتهم نفحة ...) تتضمّن ثلاثة تعابير كلّها تشير إلى القلّة:
التعبير بالمسّ، والتعبير بالنفحة، من ناحية اللغة،
ومن ناحية الوزن والصيغة أيضاً(المصدر السابق.). |
|
الآيات(48) (50)
وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى وَهَرُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً
لِّلْمُتَّقِينَ
|
|
وَلَقَدْ
ءَاتَيْنَا مُوسَى وَهَرُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً
لِّلْمُتَّقِينَ(48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ
السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ(49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَهُ أَفَأَنتُمْ
لَهُ مُنكِرُونَ(50) |
|
التّفسير |
|
لمحة
من قصص الأنبياء:
|
|
ذكرت هذه الآيات وما بعدها
جوانب من حياة الأنبياء المشفوعة باُمور تربوية بالغة الأثر، وتوضّح البحوث
السابقة حول نبوّة الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)ومواجهته المخالفين
بصورة أجلى مع ملاحظة الاُصول المشتركة الحاكمة عليها. في حين أنّ البعض
إعتبره إشارة إلى سائر المعجزات والدلائل التي كانت بيد موسى وهارون(عليهما
السلام). |
|
الآيات(51) (58)
وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا إِبْرَهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَلِمِينَ
|
|
وَلَقَدْ
ءَاتَيْنَا إِبْرَهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَلِمِينَ(51) إِذْ
قَالَ لاَِبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ الَّتمَاثِيلُ الَّتِى أَنتُمْ لَهَا
عَكِفُونَ(52)قَالُوا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا لَهَا عَبِدِينَ(53) قَالَ لَقَدْ
كُنتُمْ أَنتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ فِى ضَلَل مُّبِين(54) قَالُوا أَجِئْتَنَا
بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ الَّلعِبِينَ(55) قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ
السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ الَّذِى فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ
الشَّهِدِينَ(56) وَتَاللهِ لاََكِيدَنَّ أَصْنَمَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا
مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ
إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ(58) |
|
التّفسير |
|
تخطيط
إبراهيم (عليه السلام) لتحطيم الأصنام:
|
|
قلنا: أنّ هذه السورة تحدّثت ـ كما هو معلوم من إسمها ـ عن جوانب عديدة من حالات
الأنبياء ـ ستّة عشر نبيّاً ـ فقد اُشير في الآيات السابقة إشارة قصيرة إلى
رسالة موسى وهارون (ع)، وعكست هذه الآيات وبعض الآيات الآتية جانباً مهمّاً من
حياة إبراهيم (ع) ومواجهته لعبدة الأصنام، فتقول أوّلا:
(ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنّا به عالمين). إنّ مقولة إبراهيم (عليه
السلام) هذه في الحقيقة إستدلال على بطلان عبادة الأصنام، لأنّ ما نراه من
الأصنام هو المجسّمة والتمثال، والباقي خيال وظنّ وأوهام، فأي إنسان عاقل يسمح
لنفسه أن يوجب عليها كلّ هذا التعظيم والإحترام لقبضة حجر أو كومة خشب؟ لماذا
يخضع الإنسان ـ الذي هو أشرف المخلوقات ـ أمام ما صنعه بيده، ويطلب منه حلّ
مشاكله ومعضلاته؟! |
|
ملاحظتان:
1 ـ الصنميّة في أشكال متعدّدة،2 ـ قول عبدة الأصنام وجواب إبراهيم
|
|
1 ـ
الصنميّة في أشكال متعدّدة 2 ـ
قول عبدة الأصنام وجواب إبراهيم |
|
الآيات(59) (67)
قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّلِمِينَ
|
|
قَالُوا مَن فَعَلَ
هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّلِمِينَ(59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً
يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَهِيمُ(60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى
أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ(61) قَالُوا ءَأَنتَ فَعَلْتَ
هَذَابِآلِهَتِنَا يَإِبْرَهِيمُ(62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا
فَسْئَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ(63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا
إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظّلِمُونَ(64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ
عَلِمْتَ مَا هَؤُلاَءِ يَنطِقُونَ(65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ
مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ(66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا
تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ(67) |
|
التّفسير |
|
إبراهيم
وبرهانه المبين:
|
|
وأخيراً إنتهى يوم العيد،
ورجع عبدة الأصنام فرحين إلى المدينة، فأتوا إلى المعبد مباشرةً، حتّى يظهروا
ولاءهم للأصنام، وليأكلوا من الأطعمة التي تبرّكت ـ بزعمهم ـ بمجاورة الأصنام.
فما أن دخلوا المعبد حتّى واجهوا منظراً أطار عقولهم من رؤوسهم، فقد وجدوا تلاًّ
من الأيادي والأرجل المكّسرة المتراكمة بعضها على البعض الآخر في ذلك المعبد
المعمور، فصاحوا و (قالوا من فعل هذا بآلهتنا)( إعتبر
بعض المفسّرين (من) هنا موصولة، إلاّ أنّ ملاحظة الآية التالية التي هي في حكم
الجواب، فسيظهر أنّ (من) هنا إستفهامية.)؟! ولا ريب أنّ من فعل ذلك
فـ(إنّه لمن الظالمين) فقد ظلم آلهتنا ومجتمعنا ونفسه! لأنّه عرض نفسه للهلاك
بهذا العمل. وإحتمل بعض
المفسّرين أن يكون المراد مشاهدة منظر
عقاب إبراهيم، لا الشهادة على كونه مجرماً. غير أنّ الآيات المقبلة التي لها
صبغة التحقيق والإستجواب تنفي هذا الإحتمال، إضافةً إلى أنّ التعبير بـ«لعلّ» لا
يناسب المعنى الثّاني، لأنّ الناس إذا حضروا ساحة العقاب فسيشاهدون ذلك المنظر
حتماً، فلا معنى لـ«لعلّ». ولمّا كان ظاهر هذا التعبير
لا يطابق الواقع في نظر المفسّرين، ولمّا كان إبراهيم نبيّاً معصوماً ولا يكذب
أبداً، فقد ذكروا تفاسير مختلفة، وأفضلها كما يبدو هو: وللأسف لم تستمر
هذه اليقظة الروحية المقدّسة، وثارت في
ضمائرهم الملوّثة المظلمة قوى الشيطان والجهل ضدّ نور التوحيد هذا، ورجع كلّ شيء
إلى حالته الأُولى، وكم هو لطيف تعبير القرآن حيث يقول: (ثمّ نكسوا على رؤوسهم)ومن أجل أن يأتوا بعذر نيابة عن الآلهة
البُكْم قالوا: (لقد علمت ما هؤلاء ينطقون)
فإنّهم دائماً صامتون، ولا يحطّمون حاجز الصمت. وأرادوا بهذا العذر الواهي أن
يخفوا ضعف وذلّة الأصنام. |
|
الآيات(68) (70)
قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا ءَالِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَعِلِينَ
|
|
قَالُوا حَرِّقُوهُ
وَانصُرُوا ءَالِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَعِلِينَ(68) قُلْنَا يَنَارُ كُونِى
بَرْداً وَسَلَماً عَلَى إِبْرَهِيمَ(69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً
فَجَعَلْنَهُمُ الاَْخْسَرِينَ(70) |
|
التّفسير |
|
عندما
تصير النّار جنّة:
|
|
مع أنّ عبدة الأوثان اُسقط ما
في أيديهم نتيجة إستدلالات إبراهيم العمليّة والمنطقيّة، وإعترفوا في أنفسهم
بهذه الهزيمة، إلاّ أنّ عنادهم وتعصّبهم الشديد منعهم من قبول الحقّ، ولذلك فلا
عجب من أن يتّخذوا قراراً صارماً وخطيراً في شأن إبراهيم، وهو قتل إبراهيم بأبشع
صورة، أي حرقه وجعله رماداً! إنّ المتسلّطين المتعنّتين
يستغلّون نقاط الضعف النفسيّة لدى الغوغاء من الناس لتحريكهم ـ عادةً ـ لمعرفتهم
بالنفسيات ومهارتهم في عملهم! وكذلك فعلوا في هذه الحادثة، وأطلقوا شعارات تثير
حفيظتهم، فقالوا: إنّ آلهتكم ومقدّساتكم مهدّدة بالخطر، وقد سُحقت سنّة آبائكم
وأجدادكم، فأين غيرتكم وحميّتكم؟! لماذا أنتم ضعفاء أذلاّء؟ لماذا لا تنصرون
آلهتكم؟ احرقوا إبراهيم وانصروا آلهتكم ـ إذا كنتم لا تقدرون على أي عمل ـ ما
دام فيكم عرق ينبض، ولكم قوّة وقدرة. |
|
بحوث
|
|
1 ـ السعي للخير
والشرّ
|
|
قد يغرق الإنسان أحياناً في
عالم الأسباب حتّى يخيّل إليه أنّ الآثار والخواص من نفس هذه الموجودات، ويغفل
عن المبدأ العظيم الذي وهب هذه الآثار المختلفة لهذه الموجودات، ومن أجل أن يوقظ
الله العباد يشير إلى أنّ بعض الموجودات التافهة قد تصبح مصدراً للآثار العظيمة،
فيأمر العنكبوت أن تنسج عدّة خيوط رقيقة ضعيفة على باب غار ثور، وتجعل الذين
كانوا يطاردون النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويبحثون عنه في كلّ مكان يائسين
من العثور عليه، ولو ظفروا به لقتلوه، ولتغيّر مجرى التأريخ بهذا الأمر الهيّن
.. |
|
2 ـ الفتى
الشّجاع
|
|
جاء في بعض كتب
التّفسير أنّ إبراهيم لمّا اُلقي في النّار لم يكن عمره يتجاوز ست
عشرة سنة(مجمع البيان. ذيل الآيات مورد البحث.)
وذكر البعض الآخر أنّ عمره عند ذاك كان (26)
سنة(تفسير القرطبي، المجلّد6، ص4344.). |
|
3 ـ إبراهيم
ونمرود
|
|
جاء في التواريخ أنّه عندما
ألقوا إبراهيم في النّار، كان نمرود على يقين من أنّ إبراهيم قد أصبح رماداً،
أمّا عندما دقّق النظر ووجده حيّاً، قال لمن حوله: إنّي أرى إبراهيم حيّاً،
لعلّي يخيّل إليّ! فصعد على مرتفع ورأى حاله جيداً فصاح
نمرود: ياإبراهيم إنّ ربّك عظيم، وقد أوجد بقدرته حائلا بينك وبين
النّار! ولذلك فإنّي اُريد أن اُقدّم قرباناً له، وأحضر أربعة آلاف قربان لذلك،
فأعاد إبراهيم القول عليه بأنّ أي قربان ـ وأي عمل ـ لا يتقبّل منك إلاّ أن تؤمن
أوّلا. غير أنّ نمرود قال في الجواب: فسيذهب سلطاني وملكي سُدىً إذن، وليس
بإمكاني أن أتحمّل ذلك! |
|
الآيات(71) (73)
وَنَجَّيْنَهُ وَلُوطاً إِلَى الاَْرْضِ الَّتِى بَرَكْنَا فِيهَا لِلْعَلَمِينَ
|
|
وَنَجَّيْنَهُ
وَلُوطاً إِلَى الاَْرْضِ الَّتِى بَرَكْنَا فِيهَا لِلْعَلَمِينَ
(71)وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا
صَلِحِينَ (72)وَجَعَلْنَهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا
إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَتِ وَإِقَامَ الصَّلَوةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَوةِ وَكَانُوا
لَنَا عَبِدِينَ(73) |
|
التّفسير |
|
هجرة
إبراهيم من أرض الوثنيين
|
|
لقد هزّت قصّة حريق إبراهيم
(عليه السلام) ونجاته الإعجازية من هذه المرحلة الخطيرة أركان حكومة نمرود، بحيث
فقد نمرود معنوياته تماماً، لأنّه لم يعد قادراً على أن يُظهر إبراهيم بمظهر
الشاب المنافق والمثير للمشاكل. فقد عُرف بين الناس بأنّه مرشد إلهي وبطل شجاع
يقدر على مواجهة جبّار ظالم ـ بكلّ إمكانياته وقدرته ـ بمفرده، وأنّه لو بقي في
تلك المدينة والبلاد على هذا الحال، ومع ذلك اللسان المتكلّم والمنطق القوي،
والشهامة والشجاعة التي لا نظير لها، فمن المحتّم أنّه سيكون خطراً على تلك
الحكومة الجبّارة الغاشمة، فلابدّ أن يخرج من تلك الأرض على أي حال. ومن جهة أُخرى، فإنّ إبراهيم كان قد أدّى رسالته في الواقع ـ في تلك
البلاد، ووجّه ضربات ماحقة إلى هيكل وبنيان الشرك، وبذر بذور الإيمان والوعي في
تلك البلاد، وبقيت المسألة مسألة وقت لتنمو هذه البذور وتبدي ثمارها، وتقلع جذور
الأصنام وعبادتها، وتسحب البساط من تحتها. |
|
الآيتان(74) (75)
وَلُوطاً ءَاتَيْنَهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِى
كَانَت تَعْمَلُ الْخَبَئِثَ
|
|
وَلُوطاً
ءَاتَيْنَهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِى كَانَت
تَعْمَلُ الْخَبَئِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْء فَسِقِينَ(74)
وَأَدْخَلْنَهُ فِى رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّلِحِينَ(75) |
|
التّفسير |
|
نجاة
لوط من أرض الفجّار
|
|
لمّا كان لوط من أقرباء
إبراهيم وذوي أرحامه، ومن أوائل من آمن به، فقد أشارت الآيتان بعد قصّة إبراهيم
(عليه السلام) إلى جانب من إجتهاده وسعيه في طريق إبلاغ الرسالة، والمواهب التي
منحها الله سبحانه له، فتقول: (ولوطاً آتيناه حكماً
وعلماً)( لقد نصبت كلمة (لوط) لأنّها مفعول لفعل مقدّر، يمكن أن يكون تقديره:
(آتينا) أو (اذكر).). لقد كان لوط من الأنبياء
العظام وكان معاصراً لإبراهيم، وهاجر معه من أرض بابل
إلى فلسطين، ثمّ فارق إبراهيم وجاء إلى مدينة (سدوم) لأنّ أهلها كانوا
غارقين في الفساد والمعاصي، وخاصّةً الإنحرافات الجنسية. وقد سعى كثيراً من أجل
هداية هؤلاء القوم، وتحمّل المشاق في هذا الطريق، إلاّ أنّه لم يؤثّر في اُولئك
العُمي القلوب. حقّاً، أي عمل أصعب، وأي منهج
إصلاحي أجهد من أن يبقى إنسان مدّة طويلة في مدينة فيها كلّ هذا الفساد
والإنحطاط، ويظلّ دائماً يبلّغ الناس الضالّين المنحرفين أمر ربّهم ويرشدهم إلى
طريق الهدى، ويصل الأمر بهم إلى أنّهم يريدون أن يعتدوا حتّى على ضيفه؟ والحقّ
أنّ مثل هذه الإستقامة والثبات لا تصدر إلاّ من أنبياء الله وأتباعهم، فأي واحد
منّا يستطيع أن يتحمّل مثل هذا العذاب الروحي المؤلم؟! |
|
الآيتان(76) (77)
وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَهُ وَأَهْلَهُ
مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ
|
|
وَنُوحاً إِذْ
نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ
الْعَظِيمِ(76) وَنَصَرْنَهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَتِنَا
إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْء فَأَغْرَقْنَهُمْ أَجْمَعِينَ(77) |
|
التّفسير |
|
نجاة
نوح من القوم الكافرين:
|
|
بعد ذكر جانب من قصّة إبراهيم
وقصّة لوط(ع)، تطرّقت السورة إلى ذكر جانب من قصّة نبي آخر من الأنبياء الكبار ـ أي نوح (عليه السلام) ـ فقالت: (ونوحاً إذ نادى من قبل) أي قبل إبراهيم ولوط. |
|
ملاحظة
|
|
الجدير بالذكر أنّ هذه السورة
ذكرت آنفاً قصة «إبراهيم» و «لوط» وكذلك سوف تذكر قصتي «أيّوب» و «يونس»، وقد
ذكرت آنفاً قصّة نوح (ع) وفي جميعها تذكر مسألة نجاتهم وخلاصهم من الشدائد
والمحن والأعداء. |
|
الآيات(78) (80)
وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَنَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ
غَنَمُ الْقَوْمِ
|
|
وَدَاوُدَ
وَسُلَيْمَنَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ
الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَهِدِينَ(78) فَفَهَّمْنَهَا سُلَيْمَنَ
وَكُلاًّ ءَاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ
يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَعِلِينَ(79) وَعَلَّمْنَهُ صَنْعَةَ لَبُوس
لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَكِرُونَ(80) |
|
التّفسير |
|
قضاء
داود وسليمان (عليهما السلام):
|
|
بعد الحوادث والوقائع
المتعلّقة بموسى وهارون وإبراهيم ونوح ولوط(عليهم السلام)، تشير هذه الآيات إلى
جانب من حياة داود وسليمان، وفي البداية أشارت إشارة خفيّة إلى حادث قضاء وحكم
صدر من جانب داود وسليمان، فتقول: (وداود وسليمان إذ
يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنّا لحكمهم شاهدين). «نفشت» من مادّة
نَفْش على وزن (حرب) أي التفرّق والتبعثر في الليل، ولمّا كان تفرّق الأغنام في
الليل، وفي مزرعة سيقترن بالتهام نباتها حتماً لذا قال البعض: إنّها الرعي في
الليل. و «نَفَش» (على وزن علم) تعني الأغنام التي تتفرّق في الليل. |
|
بحث
|
|
هناك بحث بين
المفسّرين في أنّه كيف كان تجاوب
الجبال والطير مع داود؟ وما المراد من قوله تعالى: (وسخّرنا
مع داود الجبال يسبّحن)؟! |
|
الآيتان(81) (82)
وَلِسُلَيْمَنَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِى بِأَمْرِهِ إِلَى الاَْرْضِ الَّتِى
بَرَكْنَا فِيهَا
|
|
وَلِسُلَيْمَنَ
الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِى بِأَمْرِهِ إِلَى الاَْرْضِ الَّتِى بَرَكْنَا
فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْء عَلِمِينَ(81) وَمِنَ الشَّيَطِينِ مَن
يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ
حَفِظِينَ(82) |
|
التّفسير |
|
الرياح
تحت إمرة سليمان:
|
|
تشير هاتان الآيتان إلى جانب
من المواهب التي منحها الله لنبي آخر من الأنبياء ـ أي سليمان (عليه السلام)
فتقول الآية الأُولى منهما: (ولسليمان الريح عاصفةً تجري بأمره إلى الأرض التي
باركنا فيها) وهذا الأمر ليس عجيباً، لأنّنا عارفون به (وكنّا بكلّ شيء عالمين)
فنحن مطّلعون على أسرار عالم الوجود، والقوانين والأنظمة الحاكمة عليه، ونعلم
كيفية السيطرة عليها، ونعلم كذلك نتيجة وعاقبة هذا العمل، وعلى كلّ حال فإنّ كلّ
شيء خاضع ومسلّم أمام علمنا وقدرتنا. إنّ لفظة (العاصفة) تعني الرياح القويّة أو الهائجة، في حين يستفاد من بعض
آيات القرآن الاُخرى أنّ الرياح الهادئة أيضاً كانت تحت إمرة سليمان، كما تصوّر
ذلك الآية (36) من سورة ص: (فسخّرنا له الريح تجري
بأمره رخاءً حيث أصاب). والخلاصة: فإنّ من
وجهة نظر وإعتقاد إنسان موحّد يعبد الله، لا يوجد شيء صعب ومستحيل أمام قدرة
الله سبحانه، فهو قادر على كلّ شيء، وعالم بكلّ شيء. |
|
الآيتان(83) (84)
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِى الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ
الرَّحِمِينَ
|
|
وَأَيُّوبَ إِذْ
نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِى الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّحِمِينَ(83)
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَءَاتَيْنَهُ أَهْلَهُ
وَمِثْلَهُم مُّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَبِدِينَ(84) |
|
التّفسير |
|
أيّوب
ونجاته من المصاعب:
|
|
تتحدّث الآيتان عن نبي آخر من
أنبياء الله العظماء وقصّته المُلهمة، وهو «أيّوب» وهو عاشر نبي اُشير إلى جانب
من حياته في سورة الأنبياء. |
|
بحوث
|
|
1 ـ لمحة من قصّة
أيّوب
|
|
في حديث عن الإمام
الصّادق (ع) أنّ رجلا سأله عن بليّة
أيّوب لأي علّة كانت؟ فأجابه بما ملخّصه. إنّ
هذا الإبتلاء لم يكن لكفران نعمة، بل على العكس من ذلك، فإنّه كان لشكر نعمة
حسده عليها إبليس، فقال لربّه: ياربّ إنّ أيّوب
لم يؤدّ إليك شكر هذه النعمة إلاّ بما أعطيته من الدنيا، ولو حرمته دنياه ما
أدّى إليك شكرك، فسلّطني على دنياه حتّى يتبيّن الأمر، فسلّطه الله عليه ليكون هذا الحادث سنداً لكلّ سالكي طريق
الحقّ. |
|
الآيتان(85) (86)
وَإِسْمَعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّبِرِينَ
|
|
وَإِسْمَعِيلَ
وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّبِرِينَ(85)وَأَدْخَلْنَهُمْ فِى
رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّلِحِينَ(86) |
|
التّفسير |
|
إسماعيل
وإدريس وذو الكفل(عليه السلام):
|
|
تعقيباً على قصّة أيّوب(عليه
السلام) التربوية، وصبره وثباته بوجه سيل الحوادث، تشير الآيتان ـ محلّ البحث ـ
إلى صبر ثلاثة من أنبياء الله الآخرين فتقول الأُولى: (وإسماعيل
وإدريس وذا الكفل كلّ من الصابرين) فكلّ واحد من هؤلاء صبر طوال عمره
أمام الأعداء، أو أمام مشاكل الحياة المجهدة المضنية، ولم يركع أبداً في مقابل
هذه الحوادث، وكان كلّ منهم مثلا أعلى في الصبر والإستقامة. |
|
إدريس
وذو الكفل(عليهما السلام):
|
|
«إدريس»
ـ نبي الله العظيم ـ وكما تقدّم ـ هو جدّ والد نوح(عليه السلام) وفقاً لما رواه أغلب المفسّرين، وإسمه في التوّراة (أخنوخ) وفي العربية (إدريس)
ويرى بعضهم أنّ إدريس مشتق من مادّة الدرس، لأنّه كان أوّل من كتب بالقلم، وكان
ذا إحاطة بعلم الفلك والنجوم والحساب والهيأة بالإضافة إلى كونه نبيّاً .. ويقال
أنّه أوّل من علّم الناس خياطة الثياب. |
|
الآيتان(87) (88)
وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ
فَنَادَى فِى الظُّلُمَتِ
|
|
وَذَا النُّونِ إِذ
ذَّهَبَ مُغَضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِى
الظُّلُمَتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ
الظَّلِمِينَ(87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ
نُجِى الْمُؤْمِنِينَ(88) |
|
التّفسير |
|
نجاة
يونس من السجن المرعب:
|
|
تبيّن هاتان الآيتان جانباً
من قصّة النّبي الكبير يونس(عليه السلام)، حيث تقول الأُولى واذكر يونس إذ ترك
قومه المشركين غاضباً عليهم: (وذا النون إذ ذهب
مغاضباً). |
|
بحوث
|
|
1 ـ قصّة
يونس(عليه السلام)
|
|
ستأتي تفاصيل قصّة يونس في تفسير سورة
الصافات إن شاء الله تعالى، أمّا ملخّصها فهو: |
|
2 ـ ما معنى
الظلمات هنا؟
|
|
من الممكن أن يكون هذا
التعبير إشارة إلى ظلمة البحر في أعماق الماء، وظلمة بطن الحوت، وظلمة الليل،
وتؤيّد ذلك الرّواية التي رويت عن الإمام الباقر(عليه السلام)( نور الثقلين، ج4، ص336.). |
|
3 ـ أي أولى تركه
يونس؟
|
|
لا شكّ أنّ تعبير
«مغاضباً» إشارة إلى غضب يونس على قومه
الكافرين، وكان مثل هذا الغضب في هذه الظروف طبيعيّاً تماماً، إذ تحمّل هذا
النّبي المشفق المشقّة والتعب سنين طويلة من أجل هداية القوم الضالّين، إلاّ
أنّهم لم يلبّوا دعوته الخيّرة .. |
|
4 ـ درس مصيري
|
|
جملة (كذلك ننجي المؤمنين) العميقة المعنى توحي بأنّ ما أصاب يونس من
البلاء والنجاة لم يكن حكماً خاصّاً، بل حكم عام مع حفظ تسلسل الدرجات والمراتب. |
|
الآيتان(89) (90)
وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِى فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ
الْوَرِثِينَ
|
|
وَزَكَرِيَّا إِذْ
نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِى فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَرِثِينَ(89)
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ
إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَرِعُونَ فِى الْخَيْرَتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً
وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَشِعِينَ(90) |
|
التّفسير |
|
نجاة
زكريا من الوحدة:
|
|
تبيّن هاتان الآيتان جانباً
من قصّة شخصيتين اُخريين من أنبياء الله العظماء، وهما زكريا ويحيى(ع). فتقول الأُولى: (وزكريا إذ نادى
ربّه ربِّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين). |
|
الآية(91) وَالَّتِى
أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَهَا
وَابْنَهَا ءَايَةً لِّلْعَلَمِينَ
|
|
وَالَّتِى
أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَهَا
وَابْنَهَا ءَايَةً لِّلْعَلَمِينَ(91)
|
|
التّفسير |
|
مريم
السيّدة الطاهرة:
|
|
اُشير في هذه الآية إلى مقام
مريم وعظمتها وعظمة إبنها المسيح (عليهما السلام). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ «الفرج»
معناه في اللغة الفاصلة والشقّ، وإستعمل كناية عن العضو التناسلي، لا أنّه صريح
في هذا المعنى ويرى البعض انّ كلّ ما ورد في القرآن في شأن الاُمور الجنسية له
طابع كنائي وغير صريح، من قبيل «اللمس» «الدخول» «الغشيان»( الأعراف،
189 (فلمّا تغشّاها).) «الإتيان»( البقرة، 222
(فاتوهنّ من حيث أمركم الله).) وغير ذلك. |
|
الآيات(92) (94)
إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ
|
|
إِنَّ هَذِهِ
أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ(92) وَتَقَطَّعُوا
أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَجِعُونَ(93) فَمَن يَعْمَلْ مِنَ
الصَّلِحَتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ
كَتِبُونَ(94) |
|
التّفسير |
|
اُمّة
واحدة:
|
|
لمّا ورد في الآيات السابقة
أسماء جمع من أنبياء الله، وكذلك مريم، تلك المرأة التي كانت مثلا أسمى، وجانب
من قصصهم، فإنّ هذه الآيات تستخلص نتيجة ممّا مرّ، فتقول: (إنّ هذه اُمّتكم اُمّة
واحدة) فقد كان منهجهم واحداً، وهدفهم واحداً بالرغم من إختلافهم في الزمان
والمحيط والخصائص والأساليب والطرائق، فهم كانوا يسيرون في منهج واحد ويمضون
جميعاً في طريق التوحيد ومحاربة الشرك ودعوة الناس إلى الإيمان بالله والحقّ
والعدالة. إنّ توحيد الأنبياء الإعتقادي
في الواقع يقوم على أساس وحدة منبع الوحي، وهذا الكلام يشبه كلام الإمام علي
(عليه السلام) في وصيته لولده الإمام المجتبى (عليه السلام) حيث يقول: «واعلم
يابني أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله، ولعرفت أفعاله وصفاته»( نهج البلاغة. الرسالة 31.). |
|
الآيات(95) (97)
وَحَرَمٌ عَلَى قَرْيَة أَهْلَكْنَهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ(95) حَتَّى
إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ
|
|
وَحَرَمٌ عَلَى
قَرْيَة أَهْلَكْنَهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ(95) حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ
يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَب يَنسِلُونَ(96)وَاقْتَرَبَ
الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِىَ شَخِصَةٌ أَبْصَرُ الَّذِينَ كَفَرُوا
يَوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِى غَفْلَة مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَلِمِينَ(97) |
|
التّفسير |
|
الكافرون
على أعتاب القيامة:
|
|
كان الكلام في آخر الآيات
السابقة على المؤمنين العاملين للصالحات، وتشير الآية الأُولى من هذه الآيات إلى
الأفراد في الطرف المقابل لاُولئك، وهم الذين استمرّوا في الضلال والفساد إلى
آخر نفس، فتقول: (وحرام على قرية أهلكناها أنّهم لا
يرجعون)( بناءً على هذا التّفسير فإنّ (حرام) خبر لمبتدأ محذوف، وجملة (إنّهم لا
يرجعون) دليل على ذلك، والتقدير: (حرام على أهل قرية أهلكناها أن يرجعوا إلى
الدنيا أنّهم لا يرجعون).). |
|
الآيات(98) (103)
إنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدونَ مِن دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا
وَرِدُونَ
|
|
إنَّكُمْ وَمَا
تَعْبُدونَ مِن دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَرِدُونَ(98) لَوْ
كَانَ هَؤُلاَءِ ءَالِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَلِدُونَ(99) لَهُمْ
فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ(100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ
لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ(101) لاَ يَسْمَعُونَ
حَسِيسَهَا وَهُمْ فِى مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَلِدُونَ(102) لاَ
يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الاَْكْبَرُ وَتَتَلَقَّهُمُ الْمَلَئِكَةُ هَذَا
يَوْمُكُمُ الَّذِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ(103) |
|
التّفسير |
|
حصب
جهنّم!
|
|
متابعة للبحث السابق عن مصير
المشركين الظالمين، فقد وجّهت هذه الآيات الخطاب إليهم، وجسّدت مستقبلهم ومستقبل
آلهتهم بهذه الصورة: (إنّكم وما تعبدون من دون الله حصب
جهنّم)! أمّا إذا أخذناها بالمعنى
العامّ، بحيث تشمل الشياطين الذين أصبحوا محلّ عبادة، فإنّ مسألة ورود هذه
الآلهة إلى جهنّم واضحة تماماً، لأنّهم شركاء في الجريمة والمعصية. والثّانية: إنّهم (وهم فيما إشتهت أنفسهم
خالدون) فليس حالهم كما في هذه الدنيا المحدودة، حيث أنّ الإنسان يأمل
كثيراً من النعم دون أن ينالها، فإنّهم ينالون كلّ نعمة يريدونها، مادية كانت أو
معنوية، وليس ذلك على مدى يوم أو يومين، بل على إمتداد الخلود. |
|
الآية(104) يَوْمَ
نَطْوِى السَّمَاءَ كَطَىِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ
خَلْق نُّعِيدُهُ
|
|
يَوْمَ نَطْوِى
السَّمَاءَ كَطَىِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْق
نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَعِلِينَ(104) |
|
التّفسير |
|
يوم
تطوى السّماء!
|
|
قرأنا في آخر آية من الآيات
السابقة أنّ المؤمنين آمنون من الفزع الأكبر وهمّه، وتجسّم هذه الآية رعب ذلك
اليوم العظيم، وفي الحقيقة تبيّن وتجسّد علّة عظمة وضخامة هذا الرعب، فتقول: (يوم نطوي السّماء كطي السجل للكتب)( السَجْل: الدلو العظيمة، والسِّجِلّ حجر كان يكتب فيه، ثمّ
سمّي كلّ ما يكتب فيه سجلا ـ مفردات الراغب والقاموس ـ وينبغي الإلتفات إلى أنّه
احتملت إحتمالات عديدة في تفسير جملة (كطي السجل للكتب) إلاّ أنّ أقربها أنّ
«طي» مصدر للسجل الذي اُضيف مفعوله، واللام في (للكتب) إمّا للإضافة أو لبيان
العلّة. دقّقوا ذلك.). |
|
الآيتان(105) (106)
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَْرْضَ
يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّلِحُونَ
|
|
وَلَقَدْ كَتَبْنَا
فِى الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَْرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ
الصَّلِحُونَ(105) إِنَّ فِى هَذَا لَبَلَغاً لِّقَوْم عَبِدِينَ (106) |
|
التّفسير |
|
سيحكم
الصالحون الأرض:
|
|
بعد أن أشارت الآيات السابقة
إلى جانب من ثواب المؤمنين الصالحين، فقد أشارت السورة في هاتين الآيتين إلى أحد
أوضح المكافآت الدنيويّة لهؤلاء، فتقول: (ولقد كتبنا في
الزبور من بعد الذكر انّ الأرض يرثها عبادي الصالحون). لكن ملاحظة التعبيرات التي
إستعملت في الآية توضّح أنّ المراد من الزبور كتاب داود، والذكر بمعنى التوراة،
ومع ملاحظة أنّ الزبور كان بعد التوراة، فإنّ تعبير (من بعد) حقيقي، وعلى هذا
فإنّ معنى الآية: إنّنا كتبنا في الزبور بعد التوراة أنّنا سنورث العباد
الصالحين الأرض. |
|
بحوث
|
|
1 ـ روايات حول
ثورة المهدي (عليه السلام)
|
|
لقد فسّرت هذه الآية في بعض
الرّوايات بأصحاب المهدي (عليه السلام)، كما نرى رواية في تفسير مجمع البيان عن
الإمام الباقر (عليه السلام) في ذيل هذه الآية: «هم أصحاب المهدي في آخر
الزمان». |
|
2 ـ بشارة حكومة
الصالحين في مزامير داود
|
|
ممّا يلفت النظر أنّه يلاحظ
في كتاب مزامير داود ـ والذي هو اليوم جزء من كتب العهد القديم ـ يلاحظ التعبير
الذي ورد في الآية آنفة الذكر ـ نفسه أو ما يشبهه في عدّة مواضع، وهذا يوحي
بأنّه مع كلّ التحريفات التي وقعت في هذه الكتب، فقد بقي هذا القسم مصوناً من
تلاعب الأيدي به. |
|
3 ـ حكم الصالحين
قانون تكويني
|
|
بالرغم من أنّه يصعب على
اُولئك الذين شهدوا وعاشوا في ظلّ حكم الطواغيت الظلمة والعتاة المتجّبرين، قبول
هذه الحقيقة بسهولة، وهي أنّ كلّ هذه الحكومات على خلاف نواميس الخلقة، وقوانين
عالم الخلقة، وأنّ ما ينسجم معها هو حكم الصالحين المؤمنين، إلاّ أنّ التحليلات
الفلسفيّة تنتهي إلى أنّ هذه حقيقة واقعيّة، وبناءً على
هذا فإنّ جملة (إنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون)
قبل أن تكون وعداً إلهيّاً، فإنّها تعتبر قانوناً تكوينيّاً. وجود النظم والقانون في عالم
الوجود والخلق تعتبر من أهمّ مسائل هذا العالم، فمثلا: إذا وجدنا مئات العقول
الالكترونية القوّية قد انضمّ بعضها إلى بعض لإعداد الرحلات الفضائية لروّاد
الفضاء بالمحاسبات الدقيقة، وكانت حساباتها صحيحة تماماً حيث تنزل المركبة
الفضائية في المكان المقترح لها على سطح القمر، مع أنّ كوكبي القمر والأرض
يتحرّكان كلاهما بسرعة، فينبغي أن نعرف أنّ هذا الحدث العظيم مدين لنظام
المجموعة الشمسية وأقمارها الدقيق، لأنّهم إذا إنحرفوا عن مسيرهم الدقيق المنتظم
بمقدار 1% من الثّانية، لما كان معلوماً مصير رجال الفضاء! |
|
الآيات(107) (112)
وَمَا أَرْسَلْنَكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَلَمِينَ(107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى
إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ
|
|
وَمَا أَرْسَلْنَكَ
إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَلَمِينَ(107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا
إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ(108) فَإِن تَوَلَّوْا
فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاءِ وَإِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا
تُوعَدُونَ(109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا
تَكْتُمُونَ(110)وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَعٌ إِلَى
حِين(111) قَلَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ
عَلَى مَا تَصِفُونَ(112) |
|
التّفسير |
|
النّبي
رحمة للعالمين:
|
|
لمّا كانت الآيات السابقة قد
بشّرت العباد الصّالحين بوراثة الأرض وحكمها، ومثل هذه الحكومة أساس الرحمة لكلّ
البشر، فإنّ الآية الأُولى أشارت إلى رحمة وجود النّبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) العامّة، فقالت: (وما أرسلناك إلاّ رحمةً
للعالمين) فإنّ عامّة البشر في الدنيا، سواء الكافر منهم والمؤمن،
مشمولون لرحمتك، لأنّك تكفّلت بنشر الدين الذي يُنقذ الجميع، فإذا كان جماعة قد
إنتفعوا به وآخرون لم ينتفعوا، فإنّ ذلك يتعلّق بهم أنفسهم، ولا يخدش في عموميّة
الرحمة. أجل، إنّه هو وأوامره، ودينه
وأخلاقه كلّها رحمة، رحمة للجميع، وستكون عاقبة إستمرار هذه الرحمة حكم الصالحين
المؤمنين في كلّ أرجاء المعمورة. وكذلك إذا رأيتم أنّ العقوبة
الإلهيّة لا تحيط بكم فوراً، فلا تظنّوا أنّ الله سبحانه غير عالم بعملكم، فلا
أعلم لعلّه إمتحان لكم: (وإن أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع
إلى حين) ثمّ يأخذكم أشدّ مأخذ ويعاقبكم أشدّ عقاب! آمين ربّ العالمين |
|
|
|
|
سورة الأنبياء مكّيّة
وعددُ آياتِها مائة وإثنتا عشرة آية
|
|
سورة الأنبياء |
|
فضل
سورة الأنبياء:
|
|
روي عن النّبي (ص)
في فضل تلاوة هذه السورة أنّه قال (ص): «من قرأ سورة الأنبياء حاسبه الله حساباً يسيراً، وصافحه وسلّم عليه كلّ
نبي ذكر إسمه في القرآن»( تفسير نور الثقلين ج3 ص412..)
وعن الإمام الصادق
(عليه السلام): «من قرأ سورة الأنبياء حبّاً
لها كان كمن رافق النبيّين أجمعين في جنّات النعيم، وكان مهيباً في أعين الناس
حياة الدنيا»( المصدر السابق..) إنّ جملة «حبّاً لها» مفتاح في الواقع لفهم
معنى الرّوايات التي وصلتنا في مجال فضل سورة القرآن، وهي تعني أنّ الهدف ليس هو
التلاوة وتلفّظ الكلمات فقط، بل عشق المحتوى، ومن المسلّم أنّ عشق المحتوى بلا
عمل لا معنى له، وإذا ما ادّعى شخص أنّه يعشق السورة الفلانيّة، ويخالف عمله
مفاهيمها، فإنّه يكذب. |
|
محتوى
السورة:
|
|
1 ـ
إنّ هذه السورة كما تدلّ عليها تسميتها هي سورة الأنبياء، لأنّ إسم ستّة
عشر نبيّاً قد جاء في هذه السورة، بعضهم بذكر
نماذج وصور من حالاتهم، والبعض كإشارة،
وهم: |
|
الآيات (1) (5) اقْتَرَبَ
لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَة مُّعْرِضُونَ
|
|
اقْتَرَبَ
لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَة مُّعْرِضُونَ(1) مَا يَأْتِيهِم مِّن
ذِكْر مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَث إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)
لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا
إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ
تُبْصِرُونَ(3)قَالَ رَبِّى يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِى السَّمَاءِ وَالاَْرْضِ وَهُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(4) بَلْ قَالُوا أَضْغَثُ أَحْلمِ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ
هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَة كَمَا أُرْسِلَ الاَْوَّلُونَ(5) |
|
التّفسير |
|
أعذار
متنوّعة:
|
|
تبدأ هذه السورة ـ كما أشرنا
ـ بتحذير قوي شديد موجّه لعموم الناس، تحذير يهزّ الوجدان ويوقظ الغافلين،
فتقول: (إقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون). |
|
ملاحظة:
|
|
هل
القرآن محدث؟
|
|
لقد أورد جمع من المفسّرين في ذيل الآيات ـ لوجود كلمة (محدث) في الآية الثّانية من الآيات محلّ البحث ـ بحوثاً جمّة
حول كون كلام الله حادثاً أم قديماً؟ وهي نفس المسألة التي اُثيرت في زمن خلفاء
بني العبّاس وصارت مثاراً للجدل لسنين طويلة، وكانت قد لفتت إنتباه وأفكار جماعة
من العلماء. |
|
الآيات(6) (10) مَا
ءَامَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَة أَهْلَكْنَهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ
|
|
مَا ءَامَنَتْ
قَبْلَهُم مِّن قَرْيَة أَهْلَكْنَهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ(6) وَمَا
أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالا نُّوحِى إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ(7) وَمَا جَعَلْنَهُمْ جَسَداً لاَّ
يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَلِدِينَ(8) ثُمَّ صَدَقْنَهُمُ
الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَهُمْ وَمَن نَّشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ(9)
لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُون(10) |
|
التّفسير |
|
كلّ
الأنبياء كانوا بشراً:
|
قلنا: إنّ ستّة إشكالات
وإيرادات قد أُعيد ذكرها في الآيات السابقة، وهذه الآيات التي نبحثها تجيب عنها،
تارةً بصورة عامّة جامعة، وأُخرى تجيب عن بعضها بالخصوص. وإختلف المفسّرون في معنى كلمة «ذكركم» في
الآية آنفة الذكر، وذكروا لها تفاسير مختلفة. |
|
الآيات(11) (15)
وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَة كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً
ءَأُخرينَ
|
|
وَكَمْ قَصَمْنَا
مِن قَرْيَة كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً ءَأُخرينَ(11)
فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لاَ
تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَكِنِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ(13) قَالُوا يَوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَلِمِينَ(14)
فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَهُمْ حَصِيداً خَمِدِينَ(15) |
|
|
التّفسير |
|
كيف
وقع الظّالمون في قبضة العذاب؟
|
|
تبيّن هذه الآيات مصير
المشركين والكافرين مع مقارنته بمصير الأقوام الماضين، وذلك بعد البحث الذي مرّ
حول هؤلاء. فتقول الآية الاُولى: (وكم قصمنا من قرية
كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين). والجميل هنا أنّه قد رُكّز على المسكن خاصّة من بين كلّ النعم
الماديّة، وربّما كان ذلك بسبب أنّ أوّل وسائل إستقرار الإنسان هو وجود سكن
مناسب. أو أنّ الإنسان يصرف أكثر مورد حياته في بيته، وكذلك فإنّ أشدّ تعلّقه
إنّما يكون بمسكنه. |
|
الآيات(16) (18)
وَمَا خِلَقْنَا السَّمَاءَ وَالاَْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَعِبِينَ
|
|
وَمَا خِلَقْنَا
السَّمَاءَ وَالاَْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَن
نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَعِلِينَ (17)
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ
وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) |
|
التّفسير |
|
خلق
السّماء والأرض ليس لهواً:
|
|
لمّا كانت الآيات السابقة قد
عكست هذه الحقيقة وهي: إنّ الظالمين الذين لا إيمان لهم لا يعتقدون بوجود هدف
وغاية من خلقهم إلاّ الأكل والشرب والملذّات، ويظنّون أنّ العالم بلا هدف،
القرآن الكريم يقول في الآيات التي نبحثها من أجل إبطال هذا النوع من التفكير،
وإثبات وجود هدف عال وسام من وراء خلق كلّ العالم، وخاصّة البشر: (وما خلقنا السّماء والأرض وما بينهما لاعبين). |
|
بحث
|
|
الهدف
من الخلق:
|
|
في الوقت الذي لا يعترف
المادّيون بهدف للخلق، لأنّهم يعتقدون أنّ الطبيعة الفاقدة للعقل والشعور والهدف
هي التي إبتدأت الخلق، ولهذا فإنّهم يؤيّدون اللغوية وعدم الفائدة في مجموعة
الوجود، فإنّ الفلاسفة الإلهيين وإتباع الأديان جميعاً يعتقدون بوجود هدف سام
للمخلوقات، لأنّ المبدىء للخلق قادر وحكيم وعالم، فمن المستحيل أن يقوم بعمل لا
فائدة فيه. فنحن نقرأ في الآية (17) من سورة محمّد
قوله تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى) فهل يدلّ
التعبير بالزيادة إلاّ على التكامل؟ |
الآيات(19) (25)
وَلَهُ مَن فِى السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ
عَنْ عِبَادَتِهِ
|
|
وَلَهُ مَن فِى
السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ
وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ(19) يُسَبِّحُونَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ
يَفْتُرُونَ(20) أَمِ اتَّخَذُوا ءَالِهَةً مِّنَ الاَْرْضِ هُمْ
يُنشِرُونَ(21)لَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا
فَسُبْحَنَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ(22) لاَ يُسْئَلُ عَمَّا
يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ(23) أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ ءَالِهَةً قُلْ
هَاتُوا بُرْهَنَكُم هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِىَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِى بَلْ
أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ(24)وَمَا أَرْسَلْنَا
مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُول إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ
أَنَا فَاعْبُدُونِ(25) |
|
التّفسير |
|
الشرك
ينبع من الظنّ:
|
|
|
كان الكلام في الآيات السابقة
عن أنّ عالم الوجود ليس عبثيّاً لا هدف من ورائه، فلا مزاح ولا عبث، ولا لهو ولا
لعب، بل له هدف تكاملي دقيق للبشر. ولمّا كان من الممكن أن يوجد
هذا التوهّم، وهو: ما حاجة الله إلى إيماننا وعبادتنا؟ |
|
برهان
التمانع:
|
|
إنّ الدليل الوارد في الآية
آنفة الذكر ولإثبات التوحيد ونفي الآلهة، في الوقت الذي هو بسيط وواضح، فإنّه من
البراهين الفلسفيّة الدقيقة في هذا الباب، ويذكره العلماء تحت عنوان (برهان التمانع). ويمكن إيضاح
خلاصة هذا البرهان بما يلي: |
|
الآيات(26) (29)
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَنَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ
|
|
وَقَالُوا اتَّخَذَ
الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَنَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (26)لاَ
يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى
وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّى إِلَهٌ
مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِى الظَّلِمِينَ (29) |
|
التّفسير |
|
الملائكة
عباد مُكْرَمُون مطيعون:
|
|
لمّا كان الكلام في آخر آية
عن الأنبياء، ونفي كلّ أنواع الشرك، ونفي كون المسيح (عليه السلام) ولداً، فإنّ
كلّ الآيات محلّ البحث تتحدّث حول نفي كون الملائكة أولاداً. |
|
الآيات(30) (33) أَوَ
لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضَ كَانَتَا رَتْقاً
فَفَتَقْنَهُمَا
|
|
أَوَ لَمْ يَرَ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضَ كَانَتَا رَتْقاً
فَفَتَقْنَهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَىْء حَيٍّ أَفَلاَ
يُؤْمِنُونَ (30)وَجَعَلْنَا فِي الاَْرْضِ رَوَسِىَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ
وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلا لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا
السَّمَاءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ ءَايَتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ
الَّذِي خَلَقَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِى فَلَك
يَسْبَحُونَ (33) |
|
التّفسير |
|
علامات
أُخرى للهِ في عالم الوجود:
|
|
تعقيباً على البحوث السابقة
حول عقائد المشركين الخرافية، والأدلّة التي ذكرت على التوحيد، فإنّ في هذه الآيات سلسلة من براهين الله في عالم الوجود،
وتدبيره المنظّم، وتأكيداً على هذه البحوث تقول أوّلا: (أو لم ير الذين كفروا أنّ السماوات والأرض كانتا رتقاً
ففتقناهما وجعلنا من الماء كلّ شيء حي أفلا يؤمنون). إلاّ أنّ
التّفسيرين الأوّل والثّاني أيضاً لا يخالفان المعنى الواسع لهذه الآية، لأنّ الرؤية تأتي أحياناً بمعنى العلم. صحيح أنّ هذا
العلم والوعي ليس للجميع، بل إنّ العلماء وحدهم الذين يستطيعون أن يكتسبوا
العلوم حول ماضي الأرض والسّماء، وإتّصالهما ثمّ إنفصالهما، إلاّ أنّنا نعلم أنّ
القرآن ليس كتاباً مختصاً بعصر وزمان معيّن، بل هو مرشد ودليل للبشر في كلّ
القرون والأعصار. وفي حديث عن الإمام
الصادق (عليه السلام) أنّ رجلا سأله:
ما طعم الماء؟ فقال الإمام أوّلا: «سل تفقّهاً ولا تسأل
تعنّتاً» ثمّ أضاف: «طعم الماء طعم الحياة! قال الله سبحانه: (وجعلنا من الماء كلّ شيء حي). وقلنا فيما مضى: إنّ الجبال كالدرع الذي يحمي
الأرض، وهذا هو الذي يمنع ـ إلى حدّ كبير ـ من الزلازل الأرضيّة الشديدة التي
تحدث نتيجة ضغط الغازات الداخلية. إضافةً إلى أنّ وضع الجبال هذا يقلّل من حركات
القشرة الأرضيّة أمام ظاهرة المدّ والجزر الناشئة بواسطة القمر إلى الحدّ
الأدنى. |
|
بحثان
|
|
1 ـ تفسير قوله
تعالى: (كلّ في فلك يسبحون)
|
|
إختلف المفسّرون في
تفسير هذه الآية، أمّا ما يناسب
تحقيقات علماء الفلك الثابتة، فهو أنّ المراد من حركة الشمس في الآية إمّا
الدوران حول نفسها، أو حركتها ضمن المنظومة الشمسيّة. |
|
2 ـ السّماء سقف
محكم
|
|
قلنا فيما مضى: إنّ (السّماء) وردت في القرآن بمعان مختلفة، فجاءت
تارةً بمعنى الجو، أي الطبقة الضخمة من الهواء (الغلاف الغازي) الذي يحيط
بالأرض، كالآية آنفة الذكر. ولا بأس أن نسمع هنا توضيحاً أكثر حول إحكام هذا
السقف العظيم من لسان العلماء: |
|
الآيتان(34) (35)
وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَر مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ
الْخَلِدُونَ
|
|
وَمَا جَعَلْنَا
لِبَشَر مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ الْخَلِدُونَ(34)
كُلُّ نَفْس ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً
وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ(35) |
|
التّفسير |
|
الموت
يتربّص بالجميع:
|
|
قرأنا في الآيات السابقة أنّ
المشركين قد تشبّثوا بمسألة كون النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)بشراً من أجل
التشكيك بنبوّته، وكانوا يعتقدون أنّ النّبي يجب
أن يكون ملكاً وخالياً من كلّ العوارض البشريّة. وإستعملت أحياناً في خصوص روح الإنسان كما في (أخرجوا
أنفسكم)( الأنعام، 93.). ويبقى هنا سؤال
مهمّ، وهو: لماذا يختبر الله عباده؟
وماذا يعني الإختبار من قِبل الله؟ وقد ذكرنا جواب هذا السؤال في ذيل الآية
(155) من سورة البقرة، وقلنا: إنّ الإمتحان من الله تعالى لعباده يعني تربيتهم.
طالعوا التفصيل الكامل لهذا الموضوع هناك. |
|
الآيات(36) (40)
وَإِذَا رَءَاكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا
الَّذِى
|
|
وَإِذَا رَءَاكَ
الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِى يَذْكُرُ
ءَالِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَفِرُونَ(36) خُلِقَ الإِنسَنُ
مِنْ عَجَل سَأُوْرِيكُمْ ءَايَتِى فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ(37)وَيَقُولُونَ مَتَى
هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ(38) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا
حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ
هُمْ يُنصَرُونَ(39) بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ
يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ(40) |
|
التّفسير |
|
خلق
الإنسان من عَجَل!
|
|
نواجه في هذه الآيات مرّة
أُخرى، بحوثاً أُخرى حول موقف المشركين من رسول الله (ص)، حيث يتّضح نمط تفكيرهم
المنحرف في المسائل الاُصولية، فتقول أوّلا: (وإذا رآك
الذين كفروا إن يتخذونك إلاّ هزواً) فهؤلاء لا عمل لهم إلاّ السخرية
والإستهزاء، ويشيرون إليك بعدم إكتراث ويقولون: (أهذا
الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون). العجيب هنا أنّ هؤلاء كانوا
يقولون (أهذا الذي يذكر آلهتكم) ولم يرضوا أن يذكروا في عبارتهم كلمة (سوء)
فيقولون: يذكر آلهتكم بسوء! وتضيف الآية في النهاية: (سأريكم آياتي فلا تستعجلون). |
|
ملاحظتان
|
|
1 ـ
بملاحظة الآيات آنفك الذكر يُثار هذا السؤال، وهو: إذا كان الإنسان عجولا بطبيعته، فلماذا ينهى الله ـ سبحانه عن العجلة
ويقول: (فلا تستعجلون)؟ أليس هذا تناقضاً بين
الإثنين؟ |
|
الآيات(41) (45)
وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُل مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا
مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ
|
|
وَلَقَدِ
اسْتُهْزِىءَ بِرُسُل مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا
كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ(41) قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ
مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ(42) أَمْ لَهُمْ
ءَالِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ
وَلاَ هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ(43) بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاَءِ وَءَابَاءَهُمْ
حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِى الاَْرْضَ
نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهِا أَفَهُمُ الْغَلِبُونَ(44) قُلْ إِنَّمَا
أُنذِرُكُم بِالْوَحْىِ وَلاَ يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا
يُنذَرُونَ(45) |
|
التّفسير |
|
لاحظنا في الآيات السابقة أنّ
المشركين والكفّار كانوا يستهزؤون برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا
دأب كلّ الجهّال المغرورين، إنّهم يأخذون الحقائق المهمّة الجديّة مأخذ الهزل
والإستهزاء. وقد فسّرت هذه
الآية في بعض الرّوايات التي رويت عن
أهل البيت (عليهم السلام)بموت العلماء، فيقول
الإمام الصادق (عليه السلام): «نقصانها ذهاب عالمها». |
|
الآيتان(46) (47)
وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَوَيْلَنَا
إِنَّا كُنَّا ظَلِمِينَ
|
|
وَلَئِن
مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَوَيْلَنَا إِنَّا
كُنَّا ظَلِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوَزِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَمَةِ
فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّة مِّنْ خَرْدَل
أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَسِبِينَ (47) |
|
التّفسير |
|
موازين
العدل في القيامة:
|
|
بعد أن كانت الآيات السابقة
تعكس حالة غرور وغفلة الأفراد الكافرين، تقول الآية
الأُولى أعلاه: إنّ هؤلاء المغرورين لم يذكروا الله يوماً في الرخاء،
ولكن: (ولئن مسّتهم نفحة من عذاب ربّك ليقولنّ ياويلنا
إنّا كنّا ظالمين). وعلى قول تفسير الكشّاف فإنّ
جملة (ولئن مسّتهم نفحة ...) تتضمّن ثلاثة تعابير كلّها تشير إلى القلّة:
التعبير بالمسّ، والتعبير بالنفحة، من ناحية اللغة،
ومن ناحية الوزن والصيغة أيضاً(المصدر السابق.). |
|
الآيات(48) (50)
وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى وَهَرُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً
لِّلْمُتَّقِينَ
|
|
وَلَقَدْ
ءَاتَيْنَا مُوسَى وَهَرُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً
لِّلْمُتَّقِينَ(48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ
السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ(49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَهُ أَفَأَنتُمْ
لَهُ مُنكِرُونَ(50) |
|
التّفسير |
|
لمحة
من قصص الأنبياء:
|
|
ذكرت هذه الآيات وما بعدها
جوانب من حياة الأنبياء المشفوعة باُمور تربوية بالغة الأثر، وتوضّح البحوث
السابقة حول نبوّة الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)ومواجهته المخالفين
بصورة أجلى مع ملاحظة الاُصول المشتركة الحاكمة عليها. في حين أنّ البعض
إعتبره إشارة إلى سائر المعجزات والدلائل التي كانت بيد موسى وهارون(عليهما
السلام). |
|
الآيات(51) (58)
وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا إِبْرَهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَلِمِينَ
|
|
وَلَقَدْ
ءَاتَيْنَا إِبْرَهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَلِمِينَ(51) إِذْ
قَالَ لاَِبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ الَّتمَاثِيلُ الَّتِى أَنتُمْ لَهَا
عَكِفُونَ(52)قَالُوا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا لَهَا عَبِدِينَ(53) قَالَ لَقَدْ
كُنتُمْ أَنتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ فِى ضَلَل مُّبِين(54) قَالُوا أَجِئْتَنَا
بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ الَّلعِبِينَ(55) قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ
السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ الَّذِى فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ
الشَّهِدِينَ(56) وَتَاللهِ لاََكِيدَنَّ أَصْنَمَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا
مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ
إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ(58) |
|
التّفسير |
|
تخطيط
إبراهيم (عليه السلام) لتحطيم الأصنام:
|
|
قلنا: أنّ هذه السورة تحدّثت ـ كما هو معلوم من إسمها ـ عن جوانب عديدة من حالات
الأنبياء ـ ستّة عشر نبيّاً ـ فقد اُشير في الآيات السابقة إشارة قصيرة إلى
رسالة موسى وهارون (ع)، وعكست هذه الآيات وبعض الآيات الآتية جانباً مهمّاً من
حياة إبراهيم (ع) ومواجهته لعبدة الأصنام، فتقول أوّلا:
(ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنّا به عالمين). إنّ مقولة إبراهيم (عليه
السلام) هذه في الحقيقة إستدلال على بطلان عبادة الأصنام، لأنّ ما نراه من
الأصنام هو المجسّمة والتمثال، والباقي خيال وظنّ وأوهام، فأي إنسان عاقل يسمح
لنفسه أن يوجب عليها كلّ هذا التعظيم والإحترام لقبضة حجر أو كومة خشب؟ لماذا
يخضع الإنسان ـ الذي هو أشرف المخلوقات ـ أمام ما صنعه بيده، ويطلب منه حلّ
مشاكله ومعضلاته؟! |
|
ملاحظتان:
1 ـ الصنميّة في أشكال متعدّدة،2 ـ قول عبدة الأصنام وجواب إبراهيم
|
|
1 ـ
الصنميّة في أشكال متعدّدة 2 ـ
قول عبدة الأصنام وجواب إبراهيم |
|
الآيات(59) (67)
قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّلِمِينَ
|
|
قَالُوا مَن فَعَلَ
هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّلِمِينَ(59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً
يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَهِيمُ(60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى
أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ(61) قَالُوا ءَأَنتَ فَعَلْتَ
هَذَابِآلِهَتِنَا يَإِبْرَهِيمُ(62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا
فَسْئَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ(63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا
إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظّلِمُونَ(64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ
عَلِمْتَ مَا هَؤُلاَءِ يَنطِقُونَ(65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ
مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ(66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا
تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ(67) |
|
التّفسير |
|
إبراهيم
وبرهانه المبين:
|
|
وأخيراً إنتهى يوم العيد،
ورجع عبدة الأصنام فرحين إلى المدينة، فأتوا إلى المعبد مباشرةً، حتّى يظهروا
ولاءهم للأصنام، وليأكلوا من الأطعمة التي تبرّكت ـ بزعمهم ـ بمجاورة الأصنام.
فما أن دخلوا المعبد حتّى واجهوا منظراً أطار عقولهم من رؤوسهم، فقد وجدوا تلاًّ
من الأيادي والأرجل المكّسرة المتراكمة بعضها على البعض الآخر في ذلك المعبد
المعمور، فصاحوا و (قالوا من فعل هذا بآلهتنا)( إعتبر
بعض المفسّرين (من) هنا موصولة، إلاّ أنّ ملاحظة الآية التالية التي هي في حكم
الجواب، فسيظهر أنّ (من) هنا إستفهامية.)؟! ولا ريب أنّ من فعل ذلك
فـ(إنّه لمن الظالمين) فقد ظلم آلهتنا ومجتمعنا ونفسه! لأنّه عرض نفسه للهلاك
بهذا العمل. وإحتمل بعض
المفسّرين أن يكون المراد مشاهدة منظر
عقاب إبراهيم، لا الشهادة على كونه مجرماً. غير أنّ الآيات المقبلة التي لها
صبغة التحقيق والإستجواب تنفي هذا الإحتمال، إضافةً إلى أنّ التعبير بـ«لعلّ» لا
يناسب المعنى الثّاني، لأنّ الناس إذا حضروا ساحة العقاب فسيشاهدون ذلك المنظر
حتماً، فلا معنى لـ«لعلّ». ولمّا كان ظاهر هذا التعبير
لا يطابق الواقع في نظر المفسّرين، ولمّا كان إبراهيم نبيّاً معصوماً ولا يكذب
أبداً، فقد ذكروا تفاسير مختلفة، وأفضلها كما يبدو هو: وللأسف لم تستمر
هذه اليقظة الروحية المقدّسة، وثارت في
ضمائرهم الملوّثة المظلمة قوى الشيطان والجهل ضدّ نور التوحيد هذا، ورجع كلّ شيء
إلى حالته الأُولى، وكم هو لطيف تعبير القرآن حيث يقول: (ثمّ نكسوا على رؤوسهم)ومن أجل أن يأتوا بعذر نيابة عن الآلهة
البُكْم قالوا: (لقد علمت ما هؤلاء ينطقون)
فإنّهم دائماً صامتون، ولا يحطّمون حاجز الصمت. وأرادوا بهذا العذر الواهي أن
يخفوا ضعف وذلّة الأصنام. |
|
الآيات(68) (70)
قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا ءَالِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَعِلِينَ
|
|
قَالُوا حَرِّقُوهُ
وَانصُرُوا ءَالِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَعِلِينَ(68) قُلْنَا يَنَارُ كُونِى
بَرْداً وَسَلَماً عَلَى إِبْرَهِيمَ(69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً
فَجَعَلْنَهُمُ الاَْخْسَرِينَ(70) |
|
التّفسير |
|
عندما
تصير النّار جنّة:
|
|
مع أنّ عبدة الأوثان اُسقط ما
في أيديهم نتيجة إستدلالات إبراهيم العمليّة والمنطقيّة، وإعترفوا في أنفسهم
بهذه الهزيمة، إلاّ أنّ عنادهم وتعصّبهم الشديد منعهم من قبول الحقّ، ولذلك فلا
عجب من أن يتّخذوا قراراً صارماً وخطيراً في شأن إبراهيم، وهو قتل إبراهيم بأبشع
صورة، أي حرقه وجعله رماداً! إنّ المتسلّطين المتعنّتين
يستغلّون نقاط الضعف النفسيّة لدى الغوغاء من الناس لتحريكهم ـ عادةً ـ لمعرفتهم
بالنفسيات ومهارتهم في عملهم! وكذلك فعلوا في هذه الحادثة، وأطلقوا شعارات تثير
حفيظتهم، فقالوا: إنّ آلهتكم ومقدّساتكم مهدّدة بالخطر، وقد سُحقت سنّة آبائكم
وأجدادكم، فأين غيرتكم وحميّتكم؟! لماذا أنتم ضعفاء أذلاّء؟ لماذا لا تنصرون
آلهتكم؟ احرقوا إبراهيم وانصروا آلهتكم ـ إذا كنتم لا تقدرون على أي عمل ـ ما
دام فيكم عرق ينبض، ولكم قوّة وقدرة. |
|
بحوث
|
|
1 ـ السعي للخير
والشرّ
|
|
قد يغرق الإنسان أحياناً في
عالم الأسباب حتّى يخيّل إليه أنّ الآثار والخواص من نفس هذه الموجودات، ويغفل
عن المبدأ العظيم الذي وهب هذه الآثار المختلفة لهذه الموجودات، ومن أجل أن يوقظ
الله العباد يشير إلى أنّ بعض الموجودات التافهة قد تصبح مصدراً للآثار العظيمة،
فيأمر العنكبوت أن تنسج عدّة خيوط رقيقة ضعيفة على باب غار ثور، وتجعل الذين
كانوا يطاردون النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويبحثون عنه في كلّ مكان يائسين
من العثور عليه، ولو ظفروا به لقتلوه، ولتغيّر مجرى التأريخ بهذا الأمر الهيّن
.. |
|
2 ـ الفتى
الشّجاع
|
|
جاء في بعض كتب
التّفسير أنّ إبراهيم لمّا اُلقي في النّار لم يكن عمره يتجاوز ست
عشرة سنة(مجمع البيان. ذيل الآيات مورد البحث.)
وذكر البعض الآخر أنّ عمره عند ذاك كان (26)
سنة(تفسير القرطبي، المجلّد6، ص4344.). |
|
3 ـ إبراهيم
ونمرود
|
|
جاء في التواريخ أنّه عندما
ألقوا إبراهيم في النّار، كان نمرود على يقين من أنّ إبراهيم قد أصبح رماداً،
أمّا عندما دقّق النظر ووجده حيّاً، قال لمن حوله: إنّي أرى إبراهيم حيّاً،
لعلّي يخيّل إليّ! فصعد على مرتفع ورأى حاله جيداً فصاح
نمرود: ياإبراهيم إنّ ربّك عظيم، وقد أوجد بقدرته حائلا بينك وبين
النّار! ولذلك فإنّي اُريد أن اُقدّم قرباناً له، وأحضر أربعة آلاف قربان لذلك،
فأعاد إبراهيم القول عليه بأنّ أي قربان ـ وأي عمل ـ لا يتقبّل منك إلاّ أن تؤمن
أوّلا. غير أنّ نمرود قال في الجواب: فسيذهب سلطاني وملكي سُدىً إذن، وليس
بإمكاني أن أتحمّل ذلك! |
|
الآيات(71) (73)
وَنَجَّيْنَهُ وَلُوطاً إِلَى الاَْرْضِ الَّتِى بَرَكْنَا فِيهَا لِلْعَلَمِينَ
|
|
وَنَجَّيْنَهُ
وَلُوطاً إِلَى الاَْرْضِ الَّتِى بَرَكْنَا فِيهَا لِلْعَلَمِينَ
(71)وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا
صَلِحِينَ (72)وَجَعَلْنَهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا
إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَتِ وَإِقَامَ الصَّلَوةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَوةِ وَكَانُوا
لَنَا عَبِدِينَ(73) |
|
التّفسير |
|
هجرة
إبراهيم من أرض الوثنيين
|
|
لقد هزّت قصّة حريق إبراهيم
(عليه السلام) ونجاته الإعجازية من هذه المرحلة الخطيرة أركان حكومة نمرود، بحيث
فقد نمرود معنوياته تماماً، لأنّه لم يعد قادراً على أن يُظهر إبراهيم بمظهر
الشاب المنافق والمثير للمشاكل. فقد عُرف بين الناس بأنّه مرشد إلهي وبطل شجاع
يقدر على مواجهة جبّار ظالم ـ بكلّ إمكانياته وقدرته ـ بمفرده، وأنّه لو بقي في
تلك المدينة والبلاد على هذا الحال، ومع ذلك اللسان المتكلّم والمنطق القوي،
والشهامة والشجاعة التي لا نظير لها، فمن المحتّم أنّه سيكون خطراً على تلك
الحكومة الجبّارة الغاشمة، فلابدّ أن يخرج من تلك الأرض على أي حال. ومن جهة أُخرى، فإنّ إبراهيم كان قد أدّى رسالته في الواقع ـ في تلك
البلاد، ووجّه ضربات ماحقة إلى هيكل وبنيان الشرك، وبذر بذور الإيمان والوعي في
تلك البلاد، وبقيت المسألة مسألة وقت لتنمو هذه البذور وتبدي ثمارها، وتقلع جذور
الأصنام وعبادتها، وتسحب البساط من تحتها. |
|
الآيتان(74) (75)
وَلُوطاً ءَاتَيْنَهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِى
كَانَت تَعْمَلُ الْخَبَئِثَ
|
|
وَلُوطاً
ءَاتَيْنَهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِى كَانَت
تَعْمَلُ الْخَبَئِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْء فَسِقِينَ(74)
وَأَدْخَلْنَهُ فِى رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّلِحِينَ(75) |
|
التّفسير |
|
نجاة
لوط من أرض الفجّار
|
|
لمّا كان لوط من أقرباء
إبراهيم وذوي أرحامه، ومن أوائل من آمن به، فقد أشارت الآيتان بعد قصّة إبراهيم
(عليه السلام) إلى جانب من إجتهاده وسعيه في طريق إبلاغ الرسالة، والمواهب التي
منحها الله سبحانه له، فتقول: (ولوطاً آتيناه حكماً
وعلماً)( لقد نصبت كلمة (لوط) لأنّها مفعول لفعل مقدّر، يمكن أن يكون تقديره:
(آتينا) أو (اذكر).). لقد كان لوط من الأنبياء
العظام وكان معاصراً لإبراهيم، وهاجر معه من أرض بابل
إلى فلسطين، ثمّ فارق إبراهيم وجاء إلى مدينة (سدوم) لأنّ أهلها كانوا
غارقين في الفساد والمعاصي، وخاصّةً الإنحرافات الجنسية. وقد سعى كثيراً من أجل
هداية هؤلاء القوم، وتحمّل المشاق في هذا الطريق، إلاّ أنّه لم يؤثّر في اُولئك
العُمي القلوب. حقّاً، أي عمل أصعب، وأي منهج
إصلاحي أجهد من أن يبقى إنسان مدّة طويلة في مدينة فيها كلّ هذا الفساد
والإنحطاط، ويظلّ دائماً يبلّغ الناس الضالّين المنحرفين أمر ربّهم ويرشدهم إلى
طريق الهدى، ويصل الأمر بهم إلى أنّهم يريدون أن يعتدوا حتّى على ضيفه؟ والحقّ
أنّ مثل هذه الإستقامة والثبات لا تصدر إلاّ من أنبياء الله وأتباعهم، فأي واحد
منّا يستطيع أن يتحمّل مثل هذا العذاب الروحي المؤلم؟! |
|
الآيتان(76) (77)
وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَهُ وَأَهْلَهُ
مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ
|
|
وَنُوحاً إِذْ
نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ
الْعَظِيمِ(76) وَنَصَرْنَهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَتِنَا
إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْء فَأَغْرَقْنَهُمْ أَجْمَعِينَ(77) |
|
التّفسير |
|
نجاة
نوح من القوم الكافرين:
|
|
بعد ذكر جانب من قصّة إبراهيم
وقصّة لوط(ع)، تطرّقت السورة إلى ذكر جانب من قصّة نبي آخر من الأنبياء الكبار ـ أي نوح (عليه السلام) ـ فقالت: (ونوحاً إذ نادى من قبل) أي قبل إبراهيم ولوط. |
|
ملاحظة
|
|
الجدير بالذكر أنّ هذه السورة
ذكرت آنفاً قصة «إبراهيم» و «لوط» وكذلك سوف تذكر قصتي «أيّوب» و «يونس»، وقد
ذكرت آنفاً قصّة نوح (ع) وفي جميعها تذكر مسألة نجاتهم وخلاصهم من الشدائد
والمحن والأعداء. |
|
الآيات(78) (80)
وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَنَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ
غَنَمُ الْقَوْمِ
|
|
وَدَاوُدَ
وَسُلَيْمَنَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ
الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَهِدِينَ(78) فَفَهَّمْنَهَا سُلَيْمَنَ
وَكُلاًّ ءَاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ
يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَعِلِينَ(79) وَعَلَّمْنَهُ صَنْعَةَ لَبُوس
لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَكِرُونَ(80) |
|
التّفسير |
|
قضاء
داود وسليمان (عليهما السلام):
|
|
بعد الحوادث والوقائع
المتعلّقة بموسى وهارون وإبراهيم ونوح ولوط(عليهم السلام)، تشير هذه الآيات إلى
جانب من حياة داود وسليمان، وفي البداية أشارت إشارة خفيّة إلى حادث قضاء وحكم
صدر من جانب داود وسليمان، فتقول: (وداود وسليمان إذ
يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنّا لحكمهم شاهدين). «نفشت» من مادّة
نَفْش على وزن (حرب) أي التفرّق والتبعثر في الليل، ولمّا كان تفرّق الأغنام في
الليل، وفي مزرعة سيقترن بالتهام نباتها حتماً لذا قال البعض: إنّها الرعي في
الليل. و «نَفَش» (على وزن علم) تعني الأغنام التي تتفرّق في الليل. |
|
بحث
|
|
هناك بحث بين
المفسّرين في أنّه كيف كان تجاوب
الجبال والطير مع داود؟ وما المراد من قوله تعالى: (وسخّرنا
مع داود الجبال يسبّحن)؟! |
|
الآيتان(81) (82)
وَلِسُلَيْمَنَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِى بِأَمْرِهِ إِلَى الاَْرْضِ الَّتِى
بَرَكْنَا فِيهَا
|
|
وَلِسُلَيْمَنَ
الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِى بِأَمْرِهِ إِلَى الاَْرْضِ الَّتِى بَرَكْنَا
فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْء عَلِمِينَ(81) وَمِنَ الشَّيَطِينِ مَن
يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ
حَفِظِينَ(82) |
|
التّفسير |
|
الرياح
تحت إمرة سليمان:
|
|
تشير هاتان الآيتان إلى جانب
من المواهب التي منحها الله لنبي آخر من الأنبياء ـ أي سليمان (عليه السلام)
فتقول الآية الأُولى منهما: (ولسليمان الريح عاصفةً تجري بأمره إلى الأرض التي
باركنا فيها) وهذا الأمر ليس عجيباً، لأنّنا عارفون به (وكنّا بكلّ شيء عالمين)
فنحن مطّلعون على أسرار عالم الوجود، والقوانين والأنظمة الحاكمة عليه، ونعلم
كيفية السيطرة عليها، ونعلم كذلك نتيجة وعاقبة هذا العمل، وعلى كلّ حال فإنّ كلّ
شيء خاضع ومسلّم أمام علمنا وقدرتنا. إنّ لفظة (العاصفة) تعني الرياح القويّة أو الهائجة، في حين يستفاد من بعض
آيات القرآن الاُخرى أنّ الرياح الهادئة أيضاً كانت تحت إمرة سليمان، كما تصوّر
ذلك الآية (36) من سورة ص: (فسخّرنا له الريح تجري
بأمره رخاءً حيث أصاب). والخلاصة: فإنّ من
وجهة نظر وإعتقاد إنسان موحّد يعبد الله، لا يوجد شيء صعب ومستحيل أمام قدرة
الله سبحانه، فهو قادر على كلّ شيء، وعالم بكلّ شيء. |
|
الآيتان(83) (84)
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِى الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ
الرَّحِمِينَ
|
|
وَأَيُّوبَ إِذْ
نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِى الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّحِمِينَ(83)
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَءَاتَيْنَهُ أَهْلَهُ
وَمِثْلَهُم مُّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَبِدِينَ(84) |
|
التّفسير |
|
أيّوب
ونجاته من المصاعب:
|
|
تتحدّث الآيتان عن نبي آخر من
أنبياء الله العظماء وقصّته المُلهمة، وهو «أيّوب» وهو عاشر نبي اُشير إلى جانب
من حياته في سورة الأنبياء. |
|
بحوث
|
|
1 ـ لمحة من قصّة
أيّوب
|
|
في حديث عن الإمام
الصّادق (ع) أنّ رجلا سأله عن بليّة
أيّوب لأي علّة كانت؟ فأجابه بما ملخّصه. إنّ
هذا الإبتلاء لم يكن لكفران نعمة، بل على العكس من ذلك، فإنّه كان لشكر نعمة
حسده عليها إبليس، فقال لربّه: ياربّ إنّ أيّوب
لم يؤدّ إليك شكر هذه النعمة إلاّ بما أعطيته من الدنيا، ولو حرمته دنياه ما
أدّى إليك شكرك، فسلّطني على دنياه حتّى يتبيّن الأمر، فسلّطه الله عليه ليكون هذا الحادث سنداً لكلّ سالكي طريق
الحقّ. |
|
الآيتان(85) (86)
وَإِسْمَعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّبِرِينَ
|
|
وَإِسْمَعِيلَ
وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّبِرِينَ(85)وَأَدْخَلْنَهُمْ فِى
رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّلِحِينَ(86) |
|
التّفسير |
|
إسماعيل
وإدريس وذو الكفل(عليه السلام):
|
|
تعقيباً على قصّة أيّوب(عليه
السلام) التربوية، وصبره وثباته بوجه سيل الحوادث، تشير الآيتان ـ محلّ البحث ـ
إلى صبر ثلاثة من أنبياء الله الآخرين فتقول الأُولى: (وإسماعيل
وإدريس وذا الكفل كلّ من الصابرين) فكلّ واحد من هؤلاء صبر طوال عمره
أمام الأعداء، أو أمام مشاكل الحياة المجهدة المضنية، ولم يركع أبداً في مقابل
هذه الحوادث، وكان كلّ منهم مثلا أعلى في الصبر والإستقامة. |
|
إدريس
وذو الكفل(عليهما السلام):
|
|
«إدريس»
ـ نبي الله العظيم ـ وكما تقدّم ـ هو جدّ والد نوح(عليه السلام) وفقاً لما رواه أغلب المفسّرين، وإسمه في التوّراة (أخنوخ) وفي العربية (إدريس)
ويرى بعضهم أنّ إدريس مشتق من مادّة الدرس، لأنّه كان أوّل من كتب بالقلم، وكان
ذا إحاطة بعلم الفلك والنجوم والحساب والهيأة بالإضافة إلى كونه نبيّاً .. ويقال
أنّه أوّل من علّم الناس خياطة الثياب. |
|
الآيتان(87) (88)
وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ
فَنَادَى فِى الظُّلُمَتِ
|
|
وَذَا النُّونِ إِذ
ذَّهَبَ مُغَضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِى
الظُّلُمَتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ
الظَّلِمِينَ(87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ
نُجِى الْمُؤْمِنِينَ(88) |
|
التّفسير |
|
نجاة
يونس من السجن المرعب:
|
|
تبيّن هاتان الآيتان جانباً
من قصّة النّبي الكبير يونس(عليه السلام)، حيث تقول الأُولى واذكر يونس إذ ترك
قومه المشركين غاضباً عليهم: (وذا النون إذ ذهب
مغاضباً). |
|
بحوث
|
|
1 ـ قصّة
يونس(عليه السلام)
|
|
ستأتي تفاصيل قصّة يونس في تفسير سورة
الصافات إن شاء الله تعالى، أمّا ملخّصها فهو: |
|
2 ـ ما معنى
الظلمات هنا؟
|
|
من الممكن أن يكون هذا
التعبير إشارة إلى ظلمة البحر في أعماق الماء، وظلمة بطن الحوت، وظلمة الليل،
وتؤيّد ذلك الرّواية التي رويت عن الإمام الباقر(عليه السلام)( نور الثقلين، ج4، ص336.). |
|
3 ـ أي أولى تركه
يونس؟
|
|
لا شكّ أنّ تعبير
«مغاضباً» إشارة إلى غضب يونس على قومه
الكافرين، وكان مثل هذا الغضب في هذه الظروف طبيعيّاً تماماً، إذ تحمّل هذا
النّبي المشفق المشقّة والتعب سنين طويلة من أجل هداية القوم الضالّين، إلاّ
أنّهم لم يلبّوا دعوته الخيّرة .. |
|
4 ـ درس مصيري
|
|
جملة (كذلك ننجي المؤمنين) العميقة المعنى توحي بأنّ ما أصاب يونس من
البلاء والنجاة لم يكن حكماً خاصّاً، بل حكم عام مع حفظ تسلسل الدرجات والمراتب. |
|
الآيتان(89) (90)
وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِى فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ
الْوَرِثِينَ
|
|
وَزَكَرِيَّا إِذْ
نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِى فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَرِثِينَ(89)
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ
إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَرِعُونَ فِى الْخَيْرَتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً
وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَشِعِينَ(90) |
|
التّفسير |
|
نجاة
زكريا من الوحدة:
|
|
تبيّن هاتان الآيتان جانباً
من قصّة شخصيتين اُخريين من أنبياء الله العظماء، وهما زكريا ويحيى(ع). فتقول الأُولى: (وزكريا إذ نادى
ربّه ربِّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين). |
|
الآية(91) وَالَّتِى
أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَهَا
وَابْنَهَا ءَايَةً لِّلْعَلَمِينَ
|
|
وَالَّتِى
أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَهَا
وَابْنَهَا ءَايَةً لِّلْعَلَمِينَ(91)
|
|
التّفسير |
|
مريم
السيّدة الطاهرة:
|
|
اُشير في هذه الآية إلى مقام
مريم وعظمتها وعظمة إبنها المسيح (عليهما السلام). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ «الفرج»
معناه في اللغة الفاصلة والشقّ، وإستعمل كناية عن العضو التناسلي، لا أنّه صريح
في هذا المعنى ويرى البعض انّ كلّ ما ورد في القرآن في شأن الاُمور الجنسية له
طابع كنائي وغير صريح، من قبيل «اللمس» «الدخول» «الغشيان»( الأعراف،
189 (فلمّا تغشّاها).) «الإتيان»( البقرة، 222
(فاتوهنّ من حيث أمركم الله).) وغير ذلك. |
|
الآيات(92) (94)
إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ
|
|
إِنَّ هَذِهِ
أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ(92) وَتَقَطَّعُوا
أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَجِعُونَ(93) فَمَن يَعْمَلْ مِنَ
الصَّلِحَتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ
كَتِبُونَ(94) |
|
التّفسير |
|
اُمّة
واحدة:
|
|
لمّا ورد في الآيات السابقة
أسماء جمع من أنبياء الله، وكذلك مريم، تلك المرأة التي كانت مثلا أسمى، وجانب
من قصصهم، فإنّ هذه الآيات تستخلص نتيجة ممّا مرّ، فتقول: (إنّ هذه اُمّتكم اُمّة
واحدة) فقد كان منهجهم واحداً، وهدفهم واحداً بالرغم من إختلافهم في الزمان
والمحيط والخصائص والأساليب والطرائق، فهم كانوا يسيرون في منهج واحد ويمضون
جميعاً في طريق التوحيد ومحاربة الشرك ودعوة الناس إلى الإيمان بالله والحقّ
والعدالة. إنّ توحيد الأنبياء الإعتقادي
في الواقع يقوم على أساس وحدة منبع الوحي، وهذا الكلام يشبه كلام الإمام علي
(عليه السلام) في وصيته لولده الإمام المجتبى (عليه السلام) حيث يقول: «واعلم
يابني أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله، ولعرفت أفعاله وصفاته»( نهج البلاغة. الرسالة 31.). |
|
الآيات(95) (97)
وَحَرَمٌ عَلَى قَرْيَة أَهْلَكْنَهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ(95) حَتَّى
إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ
|
|
وَحَرَمٌ عَلَى
قَرْيَة أَهْلَكْنَهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ(95) حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ
يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَب يَنسِلُونَ(96)وَاقْتَرَبَ
الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِىَ شَخِصَةٌ أَبْصَرُ الَّذِينَ كَفَرُوا
يَوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِى غَفْلَة مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَلِمِينَ(97) |
|
التّفسير |
|
الكافرون
على أعتاب القيامة:
|
|
كان الكلام في آخر الآيات
السابقة على المؤمنين العاملين للصالحات، وتشير الآية الأُولى من هذه الآيات إلى
الأفراد في الطرف المقابل لاُولئك، وهم الذين استمرّوا في الضلال والفساد إلى
آخر نفس، فتقول: (وحرام على قرية أهلكناها أنّهم لا
يرجعون)( بناءً على هذا التّفسير فإنّ (حرام) خبر لمبتدأ محذوف، وجملة (إنّهم لا
يرجعون) دليل على ذلك، والتقدير: (حرام على أهل قرية أهلكناها أن يرجعوا إلى
الدنيا أنّهم لا يرجعون).). |
|
الآيات(98) (103)
إنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدونَ مِن دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا
وَرِدُونَ
|
|
إنَّكُمْ وَمَا
تَعْبُدونَ مِن دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَرِدُونَ(98) لَوْ
كَانَ هَؤُلاَءِ ءَالِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَلِدُونَ(99) لَهُمْ
فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ(100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ
لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ(101) لاَ يَسْمَعُونَ
حَسِيسَهَا وَهُمْ فِى مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَلِدُونَ(102) لاَ
يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الاَْكْبَرُ وَتَتَلَقَّهُمُ الْمَلَئِكَةُ هَذَا
يَوْمُكُمُ الَّذِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ(103) |
|
التّفسير |
|
حصب
جهنّم!
|
|
متابعة للبحث السابق عن مصير
المشركين الظالمين، فقد وجّهت هذه الآيات الخطاب إليهم، وجسّدت مستقبلهم ومستقبل
آلهتهم بهذه الصورة: (إنّكم وما تعبدون من دون الله حصب
جهنّم)! أمّا إذا أخذناها بالمعنى
العامّ، بحيث تشمل الشياطين الذين أصبحوا محلّ عبادة، فإنّ مسألة ورود هذه
الآلهة إلى جهنّم واضحة تماماً، لأنّهم شركاء في الجريمة والمعصية. والثّانية: إنّهم (وهم فيما إشتهت أنفسهم
خالدون) فليس حالهم كما في هذه الدنيا المحدودة، حيث أنّ الإنسان يأمل
كثيراً من النعم دون أن ينالها، فإنّهم ينالون كلّ نعمة يريدونها، مادية كانت أو
معنوية، وليس ذلك على مدى يوم أو يومين، بل على إمتداد الخلود. |
|
الآية(104) يَوْمَ
نَطْوِى السَّمَاءَ كَطَىِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ
خَلْق نُّعِيدُهُ
|
|
يَوْمَ نَطْوِى
السَّمَاءَ كَطَىِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْق
نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَعِلِينَ(104) |
|
التّفسير |
|
يوم
تطوى السّماء!
|
|
قرأنا في آخر آية من الآيات
السابقة أنّ المؤمنين آمنون من الفزع الأكبر وهمّه، وتجسّم هذه الآية رعب ذلك
اليوم العظيم، وفي الحقيقة تبيّن وتجسّد علّة عظمة وضخامة هذا الرعب، فتقول: (يوم نطوي السّماء كطي السجل للكتب)( السَجْل: الدلو العظيمة، والسِّجِلّ حجر كان يكتب فيه، ثمّ
سمّي كلّ ما يكتب فيه سجلا ـ مفردات الراغب والقاموس ـ وينبغي الإلتفات إلى أنّه
احتملت إحتمالات عديدة في تفسير جملة (كطي السجل للكتب) إلاّ أنّ أقربها أنّ
«طي» مصدر للسجل الذي اُضيف مفعوله، واللام في (للكتب) إمّا للإضافة أو لبيان
العلّة. دقّقوا ذلك.). |
|
الآيتان(105) (106)
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَْرْضَ
يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّلِحُونَ
|
|
وَلَقَدْ كَتَبْنَا
فِى الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَْرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ
الصَّلِحُونَ(105) إِنَّ فِى هَذَا لَبَلَغاً لِّقَوْم عَبِدِينَ (106) |
|
التّفسير |
|
سيحكم
الصالحون الأرض:
|
|
بعد أن أشارت الآيات السابقة
إلى جانب من ثواب المؤمنين الصالحين، فقد أشارت السورة في هاتين الآيتين إلى أحد
أوضح المكافآت الدنيويّة لهؤلاء، فتقول: (ولقد كتبنا في
الزبور من بعد الذكر انّ الأرض يرثها عبادي الصالحون). لكن ملاحظة التعبيرات التي
إستعملت في الآية توضّح أنّ المراد من الزبور كتاب داود، والذكر بمعنى التوراة،
ومع ملاحظة أنّ الزبور كان بعد التوراة، فإنّ تعبير (من بعد) حقيقي، وعلى هذا
فإنّ معنى الآية: إنّنا كتبنا في الزبور بعد التوراة أنّنا سنورث العباد
الصالحين الأرض. |
|
بحوث
|
|
1 ـ روايات حول
ثورة المهدي (عليه السلام)
|
|
لقد فسّرت هذه الآية في بعض
الرّوايات بأصحاب المهدي (عليه السلام)، كما نرى رواية في تفسير مجمع البيان عن
الإمام الباقر (عليه السلام) في ذيل هذه الآية: «هم أصحاب المهدي في آخر
الزمان». |
|
2 ـ بشارة حكومة
الصالحين في مزامير داود
|
|
ممّا يلفت النظر أنّه يلاحظ
في كتاب مزامير داود ـ والذي هو اليوم جزء من كتب العهد القديم ـ يلاحظ التعبير
الذي ورد في الآية آنفة الذكر ـ نفسه أو ما يشبهه في عدّة مواضع، وهذا يوحي
بأنّه مع كلّ التحريفات التي وقعت في هذه الكتب، فقد بقي هذا القسم مصوناً من
تلاعب الأيدي به. |
|
3 ـ حكم الصالحين
قانون تكويني
|
|
بالرغم من أنّه يصعب على
اُولئك الذين شهدوا وعاشوا في ظلّ حكم الطواغيت الظلمة والعتاة المتجّبرين، قبول
هذه الحقيقة بسهولة، وهي أنّ كلّ هذه الحكومات على خلاف نواميس الخلقة، وقوانين
عالم الخلقة، وأنّ ما ينسجم معها هو حكم الصالحين المؤمنين، إلاّ أنّ التحليلات
الفلسفيّة تنتهي إلى أنّ هذه حقيقة واقعيّة، وبناءً على
هذا فإنّ جملة (إنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون)
قبل أن تكون وعداً إلهيّاً، فإنّها تعتبر قانوناً تكوينيّاً. وجود النظم والقانون في عالم
الوجود والخلق تعتبر من أهمّ مسائل هذا العالم، فمثلا: إذا وجدنا مئات العقول
الالكترونية القوّية قد انضمّ بعضها إلى بعض لإعداد الرحلات الفضائية لروّاد
الفضاء بالمحاسبات الدقيقة، وكانت حساباتها صحيحة تماماً حيث تنزل المركبة
الفضائية في المكان المقترح لها على سطح القمر، مع أنّ كوكبي القمر والأرض
يتحرّكان كلاهما بسرعة، فينبغي أن نعرف أنّ هذا الحدث العظيم مدين لنظام
المجموعة الشمسية وأقمارها الدقيق، لأنّهم إذا إنحرفوا عن مسيرهم الدقيق المنتظم
بمقدار 1% من الثّانية، لما كان معلوماً مصير رجال الفضاء! |
|
الآيات(107) (112)
وَمَا أَرْسَلْنَكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَلَمِينَ(107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى
إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ
|
|
وَمَا أَرْسَلْنَكَ
إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَلَمِينَ(107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا
إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ(108) فَإِن تَوَلَّوْا
فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاءِ وَإِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا
تُوعَدُونَ(109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا
تَكْتُمُونَ(110)وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَعٌ إِلَى
حِين(111) قَلَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ
عَلَى مَا تَصِفُونَ(112) |
|
التّفسير |
|
النّبي
رحمة للعالمين:
|
|
لمّا كانت الآيات السابقة قد
بشّرت العباد الصّالحين بوراثة الأرض وحكمها، ومثل هذه الحكومة أساس الرحمة لكلّ
البشر، فإنّ الآية الأُولى أشارت إلى رحمة وجود النّبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) العامّة، فقالت: (وما أرسلناك إلاّ رحمةً
للعالمين) فإنّ عامّة البشر في الدنيا، سواء الكافر منهم والمؤمن،
مشمولون لرحمتك، لأنّك تكفّلت بنشر الدين الذي يُنقذ الجميع، فإذا كان جماعة قد
إنتفعوا به وآخرون لم ينتفعوا، فإنّ ذلك يتعلّق بهم أنفسهم، ولا يخدش في عموميّة
الرحمة. أجل، إنّه هو وأوامره، ودينه
وأخلاقه كلّها رحمة، رحمة للجميع، وستكون عاقبة إستمرار هذه الرحمة حكم الصالحين
المؤمنين في كلّ أرجاء المعمورة. وكذلك إذا رأيتم أنّ العقوبة
الإلهيّة لا تحيط بكم فوراً، فلا تظنّوا أنّ الله سبحانه غير عالم بعملكم، فلا
أعلم لعلّه إمتحان لكم: (وإن أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع
إلى حين) ثمّ يأخذكم أشدّ مأخذ ويعاقبكم أشدّ عقاب! آمين ربّ العالمين |
|
|
|