- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
سُورَة طه مكّية وعَدَدُ
آيَاتِها مائة وخمس وثلاثونَ آية
|
|
«سورة طه» |
|
فضل
سورة طه
|
|
وردت روايات عديدة حول عظمة وأهمية هذه السورة في المصادر الإِسلامية. وفي حديث آخر عن
النّبي(ص): «من قرأها أعطي يوم القيامة
ثواب المهاجرين والأنصار»( مجمع البيان، ج 7، ص 1.). |
|
محتوى
السّورة
|
|
إنّ سورة (طه) برأي جميع المفسّرين
نزلت في مكّة، وأكثر ما يتحدث محتواها عن المبدأ
والمعاد كسائر السور المكّية، ويذكر نتائج
التوحيد وتعاسات الشرك. |
|
الآيات(1) (8) طه(1)
مَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى(2) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن
يَخْشَى(3)
|
|
طه(1) مَآ
أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى(2) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن
يَخْشَى(3) تَنزِيلا مِّمَّنْ خَلَقَ الأَْرْضَ وَالسَّمَوتِ الْعُلَى (4)الرَّحْمنُ
عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى(5) لَهُ مَا فِى السَّمَوَتِ وَمَا فِى الأَْرْضِ
وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى(6) وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ
فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى(7) اللَّهُ لآَ إِلهَ إِلاَّ هَوَ لَهُ
الأَْسْمَآءُ الْحُسْنَى(8) |
|
سبب النّزول
|
|
وردت روايات كثيرة في سبب نزول الآيات الأُولى من هذه السورة، يستفاد من مجموعها أنّ النّبي(ص) بعد نزول الوحي
والقرآن كان يعبد الله كثيراً، وخاصّة أنّه كان يكثر
القيام والوقوف في العبادة حتى تورمت قدماه، وكان من شدّة التعب أحياناً
يستند في وقوفه على أحدى قدميه، ثمّ يستند على الأُخرى
حيناً آخر، وحيناً على كعب قدمه، وآخر على أصابع رجله(لمزيد الإِطلاع على هذه الرّوايات، راجع: تفسير نور الثقلين،
والدر المنثور، بداية سورة طه.)، فنزلت الآيات المذكورة وأمرت النّبي(ص)
أن لا يحمل نفسه كل هذا التعب والمشقّة. |
|
التّفسير |
|
لا
تجهد نفسك إِلى هذا الحد:
|
|
مرّة أُخرى نواجه الحروف المقطعة في بداية هذه السورة، والتي تثير حبّ الاستطاع لدى الإِنسان : |
|
الآيات(9) (16) وَهَلْ
أَتَكَ حَدِيثُ مُوسَى(9) إِذْ رَءَا نَاراً فَقَالَ لأَِهْلِهِ امْكُثُوا
إِنِّى ءَانَسْتُ نَارَاً
|
|
وَهَلْ أَتَكَ
حَدِيثُ مُوسَى(9) إِذْ رَءَا نَاراً فَقَالَ لأَِهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّى
ءَانَسْتُ نَارَاً لَّعَلِّى ءَاتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَس أَوْ أَجِدُ عَلَى
النَّارِ هُدىً(10) فَلَمَّآ أَتَهَا نُودِىَ يمُوسَى(11) إِنِّى أَنَاْ رَبُّكَ
فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً(12) وَأَنَا
اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى(13) إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لآَ إِلَهَ
إِلآَّ أَنَا فَاعْبُدْنِى وَأَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِى(14) إِنَّ السَّاعَةَ
ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْس بِمَا تَسْعَى(15) فَلاَ
يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى(16) |
|
التّفسير |
|
نار
في الجانب الآخر من الصحراء!
|
من هنا تبدأ قصّة نبي الله الكبير موسى(ع)، وتفصيل الجوانب
المهمّة من هذه القصة المليئة بالأحداث سيأتي في
أكثر من ثمانين آية، لتكون تهدئة ومواساة وتسلية
لخاطر النّبي(ص) والمؤمنين الذين كانوا يعانون خلال تلك الفترة في مكّة ضغوطاً شديدةً من الأعداء، ليعلموا أن هذه القوى الشيطانية لا طاقة لها في مقاومة قدرة
الله، وأنّ كل هذه الخطط والمؤامرات رسم على الماء. |
|
بحوث
|
|
|
1 ـ المراد من
قوله تعالى: ( فاخلع نعليك)
|
|
وكما قلنا، فإِن ظاهر الآية
أنّ موسى(عليه السلام) قد أمر بخلع نعليه احتراماً لتلك الأرض المقدسة، وأن يسير
بكل خضوع وتواضع في ذلك الوادي ليسمع كلام الحق، وأمر الرسالة. |
|
2 ـ جواب عن
سؤال،من أين تيقن أن الله كلّفه بهذه المهمّة
|
|
يطرح بعض المفسّرين
هنا سؤالا، وهو: كيف ومن أين علم
موسى أنّ الصوت الذي يسمعه صادرٌ من الله سبحانه وتعالى؟ ومن أين تيقن أن الله
كلّفه بهذه المهمّة؟ |
|
3 ـ الصلاة أفضل
وسيلة لذكر الله
|
|
أشير في الآيات ـ محل البحث ـ إِلى واحدة من
أهم أسرار الصلاة، وهي أن الإِنسان يحتاج في حياته في هذا العالم ـ وبسبب
العوامل المؤدية إِلى الغفلة ـ إِلى عمل يذكّره بالله والقيامة ودعوة الأنبياء
وهدف الخلق في فترات زمنية مختلفة، كي يحفظه من الغرق في دوامة الغفلة والجهل،
وتقوم الصلاة بهذه الوظيفة المهمّة. |
|
الآيات(17) (23)
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَمُوسَى(17) قَالَ هِىَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْهَا
وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِى
|
|
وَمَا تِلْكَ
بِيَمِينِكَ يَمُوسَى(17) قَالَ هِىَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا
عَلَى غَنَمِى وَلِىَ فِيهَا مَئَارِبُ أُخْرَىْ(18) قَالَ أَلْقِهَا
يمُوسَى(19) فَأَلْقَهَا فَإِذَا هَىِ حَيَّةٌ تَسْعَى(20) قَالَ خُذْهَا وَلاَ
تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُْوْلَى(21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَنَاحِكَ
تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوء ءَايَةً أُخْرَى(22) لِنُرِيَكَ مِنْ
ءَايتِنَا الْكُبْرَى(23) |
|
التّفسير |
|
عصا
موسى واليد البيضاء:
|
|
لا شك أنّ الأنيباء يحتاجون
إِلى المعجزة لإِثبات ارتباطهم بالله، وإِلاّ فإنّ أي واحد يستطيع أن يدعي
النّبوة، وبناء على هذا فإِن معرفة الأنبياء الحقيقيين من المزيفين لا يتيسر
إِلاّ عن طريق المعجزة. وهذه المعجزة يمكن أن تكون
بذاتها دعوة وكتاباً سماوياً للنّبي، ويمكن أن تكون أُموراً أُخرى من قبيل
المعجزات الحسية والجسمية، إِضافة إِلى أن المعجزة مؤثرة في نفس النّبي،
فهي تزيد من عزيمته وإيمانه وثباته. |
بحوث
|
|
1 ـ معجزتان
كبيرتان
|
|
لا شك أنّ ما ذكر أعلاه من
تبدل عصا موسى إِلى حية عظيمة تسعى، وقد عبرت الآية
(107) من سورة الأعراف عنها بـ (ثعبان)
وكذلك البريق الخاص لليد في لحظة قصيرة ثمّ رجوعها إِلى الحالة الأُولى، ليسَ
أمراً طبيعياً، أو نادراً، أو قليل الوقوع، بل إِن كلا الأمرين يعتبر خارقاً
للعادة لا يمكن أن يقع بدون الإِستناد إِلى قوة
فوق قوة البشر، أي قوة الله عزّوجلّ. |
|
2 ـ قابليات
الأشياء الخارقة
|
|
|
من المسلّم أن موسى الذي
اختار لنفسه عصا الرعي تلك، لم يكن يصدق أن هذا الموجود البسيط يستطيع القيام
بمثل هذا العمل العظيم بأمر الله، ويحطم قوّة الفراعنة، إِلاّ أنّ الله سبحانه
قد أراه أن نفس هذه الآلة البسيطة تستطيع أن توجِد مثل تلك القوة الخارقة. |
|
3 ـ ماذا تقول
التوراة حول هذا الموضوع؟
|
|
في الآيات أعلاه قرأنا أنّ
موسى(عليه السلام) عندما أخرج يده من جيبه كانت بيضاء مضيئة لا عيب فيها، ويمكن
أن تكون هذه الجملة من أجل نفي التعبير الذي يلاحظ في التوراة المحرفة، فقد ورد في التوراة: (وقال الله له أيضاً: الآن ضع يدك
إِلى جنبك، فوضع يد إِلى جنبه، وأخرجها فإِذا يده مبروصة كالثلج)( التوراة، سفر الخروج، الفصل الرابع، الجملة 6.). |
|
الآيات(24) (36)
اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِى
صَدْرِى(25)وَيَسِّرْ لِى أَمْرِى(26)
|
|
اذْهَبْ إِلى
فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى(25)وَيَسِّرْ لِى
أَمْرِى(26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِى(27) يَفْقَهُوا قَوْلِى(28)
وَاجْعَل لِّى وَزِيراً مِّنْ أَهْلِىْ(29) هرُونَ أَخِى(30) اشْدُدْ بِهِ
أَزْرِى(31) وَأَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى(32) كَىْ نُسَبِّحَكَ
كَثِيراً(33)ونَذْكُرَكَ كَثِيراً(34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً(35) قَالَ
قَدْ أُتِيتَ سُؤْلَكَ يمُوسى(36) |
|
التّفسير |
|
موسى وطلباته القيمة:
|
|
إِلى هنا وصل موسى إِلى مقام
النبوة، وتلقى معاجز مهمّة تسترعي الإِنتباه، إِلاّ أنّه من الآن فصاعداً صدر له
أمر الرسالة .. رسالة عظيمة وثقيلة جدّاً .. الرسالة التي تبدأ بإِبلاغ أعتى
وأخطر شخص في ذلك المحيط، فتقول الآية: (اذهب إِلى
فرعون إِنّه طغى). وقد بحثنا الصدر ومعناه في ذيل الآية (125) من سورة الأنعام. |
|
بحوث
|
|
1 ـ شروط قيادة
الثورة
|
|
لا شك أنّ تبديل البنية في
نظام المجتمعات البشرية، وتغيير القيم المادية والملحدة إلى القيم المعنوية
والإِنسانية، وخاصّة إِذا كان الطريق يقع في طريق الفراعنة العنودين، ليس بالعمل
الهين، بل يحتاج إِلى استعداد روحي وجسمي، وقدرة على التفكير، وقوة في البيان،
واستمرار الإِمدادات الإِلهية، ووجود الصاحب
الذي يطمأن إِليه. وهذه هي الأُمور التي طلبها موسى(عليه السلام) في بداية
الرسالة من ربّه. |
|
2 ـ مقارعة
الطغاة
|
|
لا شك أنّ لفرعون نقاطاً وصفات منحرفة كثيرة، فقد كان كافراً، عابداً
للأصنام، ظالماً، مستبداً وو .. إلاّ أنّ القرآن طرح من بين كل هذه الإِنحرافات
مسألة الطغيان (إِنّه طغى) لأن روح الطغيان والتمرد في مقابل أمر الحق عصارة وخلاصة كل هذه الإِنحرافات وجامع لها. |
|
3 ـ كل عمل يحتاج
إِلى تخطيط ووسائل
|
|
الدرس الآخر الذي
نستفيد من حياة موسى وجهاده العظيم، هو أنّه حتى الأنبياء، ومع امتلاكهم للمعجزات، كانوا يستعينون بالوسائل
العادية الطبيعية، من البيان البليغ والمؤثر، ومن طاقات المؤمنين بهم الفكرية
والجسمية، في سبيل تقدم عملهم وتطوره، فليس صحيحاً
أن ننتظر المعاجز في حياتنا دائماً، بل يجب تهيئة البرامج وأدوات العمل،
والإِستمرار في التقدم بالطرق والوسائل الطبيعية، فإِذا ما واجهتنا عقدة ومعضلة،
فيجب أن ننتظر اللطف الإِلهي هناك. |
|
4 ـ التسبيح
والذكر
|
|
لقد جعل موسى الهدف النهائي
من طلباته ـ كما في الآيات محل البحث ـ هو: (كي نسبحك
كثيراً ونذكرك كثيراً) ومعلوم أنّ التسبيح يعني تنزيه الله عن تهمة الشرك
والنواقص الإِمكانية، ومعلوم أيضاً أنّ مراد موسى(ع) لم يكن تكرار جملة «سبحان
الله» مراراً، بل كان الهدف إِيجاد حقيقة التسبيح في ذلك المجتمع الملوث في ذلك
الزمان، فيقتلعوا الأصنام، ويهدموا معابد الأوثان، وتُغسل الأدمغة من أفكار
الشرك، وترفع النواقص المادية والمعنوية. |
|
5 ـ الرّسول الأعظم يكرر مطالب موسى
|
|
يستفاد من الرّوايات الواردة في كتب أهل السنة والشيعة أنّ النّبي(صلى الله عليه
وآله وسلم) قد طلب من الله نفس تلك المطالب التي طلبها موسى(عليه السلام) من
الله من أجل تقدم عمله، مع فارق، هو أنّه وضع اسم علي(عليه السلام) مكان اسم هارون، وقال:
«اللهم إِنّي أسألك بما سألك أخي موسى أن تشرح لي صدري، وأن تيسر لي أمري، وأن
تحل عقدة من لساني، يفقهوا قولي، واجعل لي وزيراً من أهلي، علياً أخي، أشدد به
أزري، وأشركه في أمري، كي نسبحك كثيراً، ونذكرك كثيراً». |
|
الآيات(37) (41)
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى(37) إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّكَ
مَا يُوحَى(38)
|
|
وَلَقَدْ مَنَنَّا
عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى(37) إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى(38)
أَنِ اقْذِفِيهِ فِى التَّابُوتِ فَاقذِفِيهِ فِى الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ
الَْيمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّى وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ
عَلَيْكَ مَحَبَّةً منِّى وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى(39) إِذْ تَمْشِى أُخْتُكَ
فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَكَ إِلَى أُمِّكَ
كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنكَ مِنَ
الْغَمِّ وَفَتَنَّكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِى أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ
جِئْتَ عَلَى قَدَر يَمُوسى(40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى(41) |
|
التّفسير |
|
الربّ
الرحيم:
|
|
يشير الله سبحانه في هذه
الآيات إِلى فصل آخر من فصول حياة موسى(عليه السلام)، والذي يرتبط بمرحلة
الطفولة ونجاته من قبضة الفراعنة. وهذا الفصل وإِن كان من ناحية التسلسل
التاريخي قبل فصل الرسالة والنّبوة، إلاّ أنّه ذكر كشاهد على شمول عناية الله
عزّوجل لموسى(عليه السلام) من بداية عمره، وهي في الدرجة الثّانية من الإهمية بالنسبة إِلى الرسالة، فيقول أوّلا: (ولقد
مننا عليك مرّة أُخرى)( كما قلنا سابقاً أيضاً فإِنّ
«المنة» في الأصل من المن، وهو يعني الأحجار الكبيرة التي كانوا يزنون بها،
ولذلك فإِن كل نعمة كبيرة ونفيسة يقال عنها: إِنّها منة. والمراد في الآية هو
هذا المعنى، وهذا المعنى مفهوم جميل وايجابي للمنّة، إلاّ أنّ الإِنسان إِذا
عظّم عمله الصغير بكلامه، وذكرّ الطرف الآخر به، فإنّه مصداق حي للمنة السلبية
المذمومة.). |
|
المجَلّد العاشر
|
|
الآيات(42) (48)
اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَتِى وَلاَتَنِيَا فِى ذِكْرِى (42) اذْهَبَا إِلَى
فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(43)
|
|
اذْهَبْ أَنتَ
وَأَخُوكَ بِآيَتِى وَلاَتَنِيَا فِى ذِكْرِى (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ
إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولاَ لَهُ قَوْلا لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ
يَخْشَى(44) قَالاَ رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن
يَطْغَى(45) قَالَ لاَ تَخَافَا إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)
فَأْتِيَاهُ فَقُولاَ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى
إِسْرءِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَكَ بِآيَة مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَمُ
عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى(47)إِنَّا قَدْ أُوحِىَ إِلَيْنَا أَنَّ
الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48) |
|
التّفسير |
|
أوّل
لقاء مع فرعون الجبّار:
|
|
الآن وقد أصبح كلّ شيء
مهيّأً، وكلّ الوسائل قد جعلت تحت تصرّف موسى، فقد خاطب الله سبحانه موسى
وهارون. بقوله: (إذهب أنت وأخوك بآياتي)الآيات
التي تشمل المعجزتين الكبيرتين لموسى (ع)، كما تشمل كلّ آيات الله وتعليماته
التي هي بذاتها دليل على أحقّية دعوته، خاصّة وأنّ هذه
التعليمات العظيمة المحتوى ظهرت على يد رجل قضى أهمّ سنيّ حياته في «رعي
الأغنام»!. ومن أجل رفع معنوياتهما،
والتأكيد على بذل أقصى ما يمكن من المساعي والجهود، فقد أضاف سبحانه قائلا: (ولا تنيا في ذكري) وتنفيذ أوامري، لأنّ الضعف واللين
وترك الحزم سيذهب بكلّ جهودكما أدراج الرياح، فأثبتا ولا تخافا من أي حادثة، ولا
تهنا أمام أي قدرة. لا شكّ أنّ الله تعالى يعلم
عاقبة عمله، إلاّ أنّ التعبيرات المذكورة آنفاً درس لموسى وهارون وكلّ المصلحين
والمرشدين إلى طريق الله(لقد بحثنا في معنى (لعلّ) وبأي
معنى وردت في القرآن بصورة مفصّلة في ذيل الآية (84) من سورة النساء.). |
|
بحوث
|
|
1 ـ قدرة الله
العجيبة
|
|
لقد رأينا كثيراً ـ على مرّ
التاريخ ـ اُناساً أقوياء هبّوا للوقوف بوجه الحقّ، إلاّ أنّ الله سبحانه لم
يستخدم ويعبّىء جنود الأرض والسّماء من أجل سحقهم وتدميرهم في أي مورد من
الموارد، بل إنّه يغلبهم بسهولة وبساطة، وبصورة لا تخطر على ذهن أحد، خاصةً
وأنّه في كثير من الموارد يبعث هؤلاء نحو أسباب موتهم، ويوكل مهمّة إعدامهم
إليهم أنفسهم! |
|
2 ـ التعامل
المناسب مع الأعداء
|
|
إنّ أوّل أوامر القرآن من أجل
النفوذ إلى قلوب الناس ـ مهما كانوا ضالّين ومنحطّين ـ
هو التعامل المناسب المقترن بالمحبّة والعواطف الإنسانية، أمّا التوسّل بالعنف فإنّه يتعلّق بالمراحل التالية
حينما لا يؤثّر التعامل برفق، فالهدف هو جذب الناس ليتذكّروا، وليبصروا طريقهم،
أو أن يخافوا من العواقب المشؤومة للعمل السيء (لعلّه
يتذكّر أو يخشى). |
|
3 ـ هل يوحى إلى
غير الأنبياء؟
|
|
لا شكّ أنّ للوحي في القرأن
الكريم معاني مختلفة: فقد جاء أحياناً بمعنى الصوت الواطىء، أو القول همساً.
وهذا هو المعنى الأصلي لهذا اللفظ في اللغة العربية. |
|
4 ـ سؤال وجواب
لماذا يقلق موسى ويضطرب ويتردّد مع تلك الوعود الإلهيّة،
|
|
من الممكن أن
يتساءل البعض عند قراءة هذه الآيات، وهو: لماذا يقلق موسى ويضطرب ويتردّد مع تلك الوعود الإلهيّة، إلى أن يقول الله
سبحانه له بصراحة: إذهبا فإنّني معكما أسمع كلّ الكلام، وأرى كلّ شيء، ولا مجال
للقلق مطلقاً؟ |
|
الآيات(49) (55)
قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَمُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ
شَىْء خَلْقَهُ
|
|
قَالَ فَمَن
رَّبُّكُمَا يَمُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَىْء خَلْقَهُ
ثُمَّ هَدَى (50) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الاُْولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا
عِندَ رَبِّى فِى كِتَب لاَّ يَضِلُّ رَبِّى وَلاَ يَنسَى (52) الَّذِى جَعَلَ
لَكُمُ الاَْرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا وَأَنزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَجاً مِّن نَّبَات شَتَّى (53)
كُلُواْ وَارْعَوْاْ أَنْعَمَكُمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاََيَت لاُِّوْلِى النُّهَى
(54) مِنْهَا خَلَقْنَكُمْ وَفِيَها نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً
أُخْرَى (55) |
|
التّفسير |
|
مَن
ربّكما؟
|
|
لقد حذف القرآن المجيد هنا ـ وكما هي طريقته ـ بعض المطالب التي يمكن فهمها
بمعونة الأبحاث الآتية، وتوجّه مباشرةً إلى محاورة موسى وهارون مع فرعون،
والمبحث في الواقع هكذا: |
|
ملاحظات:
1 ـ كلمتي «المهد» و «المهاد»،2 ـ كلمة «أزواجاً» ،3 ـ (اُولو النهى)،
|
|
1 ـ
كلمتي «المهد» و «المهاد» تعنيان المكان
المهيّأ للجلوس والمنام والإستراحة، وفي الأصل تطلق كلمة المهد على المكان الذي
ينام فيه الطفل، فكأنّ الإنسان طفل وضع في مهد الأرض، وقد توفّرت في هذا المهد
كلّ وسائل الحياة. |
|
الآيات(56) (64)
وَلَقَدْ أَرَيْنَهُ ءَايَتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى(56) قَالَ
أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَمُوسَى
|
|
وَلَقَدْ
أَرَيْنَهُ ءَايَتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى(56) قَالَ أَجِئْتَنَا
لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَمُوسَى(57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ
بِسِحْر مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ
نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوىً(58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن
يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحىً(59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ
أَتَى(60) قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً
فَيُسْحِتَكُم بِعَذَاب وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى(61) فَتَنَزَعُوا أَمْرَهُم
بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى(62) قَالُوا إِنْ هَذَنِ لَسَحِرَنِ
يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا
بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى(63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً
وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى(64) |
|
التّفسير |
|
فرعون
يُهيء نفسه للجولة الأخيرة:
|
|
تعكس هذه الآيات مرحلة أُخرى
من المواجهة بين موسى وفرعون، ويبدأ القرآن
الكريم هذا الفصل بهذه الجملة: (ولقد أريناه آياتنا
كلّها فكذّب وأبى) ومن المسلّم أنّ المراد من هذه الآيات هنا ليس كلّ
المعجزات التي ظهرت على يد موسى (ع) طيلة حياته في مصر. بل مرتبطة بالمعجزات
التي أراها فرعون في بداية دعوته، معجزة العصا، واليد البيضاء، ومحتوى دعوته
السماوية الجامعة، والتي كانت بنفسها دليلا حيّاً على أحقّيته، ولذلك تطالعنا
بعد هذه الحادثة مسألة المواجهة بين السّحرة وموسى (عليه السلام) ومعجزاته الجديدة. |
|
الآيات(65) (69)
قَالُوا يَمُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِىَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ
أَلْقَى(65)قَالَ بَلْ
أَلْقُوا
|
|
قَالُوا يَمُوسَى
إِمَّا أَن تُلْقِىَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى(65)قَالَ بَلْ
أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ
أَنَّهَا تَسْعَى(66) فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى(67) قُلْنَا لاَ
تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الاَْعْلَى(68) وَأَلْقِ مَا فِى يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا
صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَحِر وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حِيْثُ
أَتَى(69) |
|
التّفسير |
|
موسى
(عليه السلام) ينزل إلى الساحة:
|
|
لقد اتّحد السّحرة ظاهراً،
وعزموا على محاربة موسى (ع) ومواجهته، فلمّا نزلوا إلى الميدان (قالوا ياموسى إمّا أن تلقي وإمّا أن نكون أوّل من ألقى). إلاّ أنّ هذا
الموضوع يبدو بعيداً جدّاً، لأنّ هؤلاء
كانوا يسعون بكلّ ما اُوتوا من قوّة لأن يسحقوا ويحطّموا موسى ومعجزته، وبناءً
على هذا فإنّ التعبير آنف الذكر ربّما كان لإظهار إعتمادهم على أنفسهم أمام
الناس. على كلّ حال،
فقد نزل النصر والمدد الإلهي على موسى في تلك الحال، وبيّن له الوحي الإلهي أنّ
النصر حليفه كما يقول القرآن: (قلنا لا تخف إنّك أنت
الأعلى). إنّ هذه الجملة وبتعبيرها المؤكّد قد أثلجت قلب موسى بنصره
المحتّم ـ فإنّ (إنّ) وتكرار الضمير، كلّ منهما تأكيد مستقل على هذا المعنى،
وكذلك كون الجملة إسميّة ـ وبهذه الكيفيّة، فقد أرجعت لموسى إطمئنانه الذي تزلزل
للحظات قصيرة. |
|
بحثان
|
|
1 ـ ما هي حقيقة
السحر؟
|
|
بالرغم من أنّنا تحدّثنا
بصورة مفصّلة فيما مضى عن هذا الموضوع، إلاّ أنّنا نرى
أن نذكر على سبيل الإيضاح بإختصار أنّ «السحر»
في الأصل يعني كلّ عمل وكلّ شيء يكون مأخذه خفياً، إلاّ أنّه يقال في
التعبير المألوف للأعمال الخارقة للعادة التي تؤدّى باستعمال الوسائل المختلفة.
فتسمّى سحراً أيضاً. |
|
2 ـ السّاحر لا
يفلح أبداً
|
|
يسأل الكثيرون: إنّ السّحرة إذا كانوا يقدرون على القيام بأعمال خارقة
للعادة وشبيهة بالمعجزة، فكيف يمكن التفريق والتمييز
بين أعمال هؤلاء وبين المعجزة؟ |
|
الآيات(70) (76)
فَأُلْقِىَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا ءَامَنَّا بِرَبِّ هَرُونَ وَمُوسَى(70)
|
|
فَأُلْقِىَ
السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا ءَامَنَّا بِرَبِّ هَرُونَ وَمُوسَى(70)قَالَ
ءَامَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِى
عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلاَُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَف
وَلاَُصَلِّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ
عَذَاباً وَأَبْقَى(71) قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ
الْبَيِّنَتِ وَالَّذِى فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاض إِنَّمَا تَقْضِى
هَذِهِ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا(72) إِنَّا ءَامَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا
خَطَيَنَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ
وَأَبْقَى(73) إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ
يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى(74) وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ
الصَّلِحَتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الدَّرَجَتُ الْعُلَى(75) جَنَّتُ عَدْن
تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَن
تَزَكَّى(76) |
|
التّفسير |
|
الإنتصار
العظيم لموسى(عليه السلام):
|
|
إنتهينا في الآيات السابقة
إلى أنّ موسى أُمر أن يلقي عصاه ليبطل سحر السّاحرين، وقد عُقبت هذه المسألة في
هذه الآية، غاية الأمر أنّ العبارات والجمل التي
كانت واضحة قد حذفت، وهي (أنّ موسى قد ألقى عصاه، فتحوّلت إلى حيّة عظيمة لقفت
كلّ آلات وأدوات سحر السّحرة، فعلت الصيحة والغوغاء من الحاضرين، فاستوحش فرعون
وإرتبك، وفغر أتباعه أفواههم من العجب. |
|
بحوث
|
|
1 ـ العلم أساس
الإيمان والوعي
|
|
إنّ أهمّ مسألة
تلاحظ في الآيات ـ محلّ البحث ـ
هي تحوّل السّحرة السريع العميق قبال موسى (عليه السلام)، فإنّهم عندما وقفوا
بوجه موسى (عليه السلام) كانوا أعداء ألدّاء، إلاّ أنّهم اهتزّوا بشدّة عند
مشاهدة أوّل معجزة من موسى، فانتبهوا وغيّروا مسيرهم حتّى أثاروا دهشة الجميع. |
|
2 ـ لن نؤثرك على
البيّنات
|
|
ممّا يلفت النظر أنّ هؤلاء
إختاروا أكثر التعابير منطقيّة إزاء فرعون وكلامه غير المنطقي، فقالوا أوّلا:
إنّنا قد رأينا أدلّة واضحة على أحقّية موسى ودعوته الإلهيّة، وسوف لا نكترث بأي
شيء ولا نقدّمه على هذه الدلالات البيّنة، وأكّدوا هذا الأمر فيما بعد بجملة (والذي فطرنا) وربّما كان هذا التعبير بحدّ ذاته ـ مع
ملاحظة كلمة (فطرنا) ـ إشارة إلى ما هم عليه من
الفطرة التوحيديّة، فكأنّهم قالوا: إنّنا نشاهد نور التوحيد من أعماق وجودنا
وأرواحنا، وكذلك بالدليل العقلي، ومع هذه الآيات البيّنات كيف نستطيع أن نترك
هذا الصراط المستقيم، ونسير في طريقك المنحرف؟ |
|
3
ـ من هو المجرم؟ |
|
بملاحظة الآيات الشريفة التي
تقول: (إنّه من يأت ربّه مجرماً فإنّ له جهنّم)والتي
يظهر منها خلود العذاب، يتبادر هذا السؤال: تُرى هل
لكلّ مجرم هذا المصير؟ فمثلا نقرأ في شأن
قوم لوط الذين لم يؤمنوا بنبيّهم أبداً: (وأمطرنا عليهم مطراً فانظر كيف كان عاقبة المجرمين)،( الأعراف، 84.) ونقرأ في سورة
الفرقان في الآية 31: (وكذلك جعلنا لكلّ نبي
عدوّاً من المجرمين). |
|
4 ـ جبر البيئة
خرافة
|
|
تبيّن قصّة السّحرة في الآيات
المذكورة أنّ القول بأنّ البيئة تُملي أو تفرض على صاحبها مساره في الحياة ليس
سوى وهم فارغ، فإنّ الإنسان فاعل مختار، وصاحب إرادة حرّة، فإذا صمّم في أي وقت
فإنّه يستطيع أن يغيّر مسيره من الباطل إلى الحقّ، حتّى لو كان كلّ الناس في تلك
البيئة غارقين في الذنوب والضلال، فالسّحرة الذين كانوا لسنين طويلة في ذلك
المحيط الملوّث بالشرك، وكانوا يرتكبون بأنفسهم ويعملون الأعمال المتوغّلة في
الشرك عندما صمّموا على قبول الحقّ والثبات عليه بعشق، لم يخافوا أي تهديد،
وحقّقوا هدفهم، وعلى قول المفسّر الكبير العلاّمة الطبرسي: (كانوا أوّل النهار كفّاراً
سحرة، وآخر النهار شهداء بررة)( مجمع البيان، ج4، ص464.
ذيل الآية (126) من سورة الأعراف.). |
|
الآيات(77) (79)
وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى فَاضْرِبْ لَهُمْ
طَرِيقاً فِى الْبَحْرِ يَبَساً
|
|
وَلَقَدْ
أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِى
الْبَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَفُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَى(77) فَأتْبَعَهُمْ
فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ(78)
وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى(79) |
|
التّفسير |
|
نجاة
بني إسرائيل وغرق الفراعنة:
|
|
بعد حادثة المجابهة بين موسى
والسّحرة، وإنتصاره الباهر عليهم، وإيمان جمع عظيم منهم، فقد غزا موسى (ع) ودينه
أفكار الناس في مصر، بالرغم من أنّ أكثر الأقباط لم يؤمنوا به، إلاّ أنّ هذا كان
ديدنهم دائماً، وكان بنو إسرائيل تحت قيادة موسى مع قلّة من المصريين في حالة
صراع دائم مع الفراعنة، ومرّت أعوام على هذا المنوال، وحدثت حوادث مرّة موحشة
وحوادث جميلة مؤنسة، أورد بعضها القرآن الكريم في الآية
(127) وما بعدها من سورة الأعراف. |
|
الآيات(80) (82) يَبَنِى إِسْرَءِيلَ قَدْ أَنجَيْنَكُم
مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَعَدْنَكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الاَْيْمَنَ
|
|
يَبَنِى
إِسْرَءِيلَ قَدْ أَنجَيْنَكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَعَدْنَكُمْ جَانِبَ
الطُّورِ الاَْيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى(80) كُلُوا
مِن طَيِّبَتِ مَا رَزَقْنَكُمْ وَلاَ تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ
غَضَبِى وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوَى(81) وَإِنِّى لَغَفَّارٌ
لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَلِحاً ثُمَّ اهْتَدَى(82) |
|
التّفسير |
|
طريق
النجاة الوحيد:
|
|
تعقيباً على البحث السابق في
نجاة بني إسرائيل بصورة إعجازية من قبضة الفراعنة، خاطبت هذه الآيات الثلاث بني
إسرائيل بصورة عامّة، وفي كلّ عصر وزمان، وذكرتهم بالنعم الكبيرة التي منحها
الله إيّاهم، وأوضحت طريق نجاتهم. فقالت أوّلا: (يابني
إسرائيل قد أنجيناكم من عدوّكم). ومن البديهي أنّ أساس كلّ نشاط ومجهود
إيجابي هو التخلّص من قبضة المتسلّطين، والحصول على الحرية والإستقلال، ولذلك
اُشير إلى هذه المسألة قبل كلّ شيء. ثمّ تشير إلى واحدة من النعم المعنوية المهمّة، فتقول: (وواعدناكم جانب الطور الأيمن)، وهذه إشارة إلى حادثة
ذهاب موسى (عليه السلام) مع جماعة من بني إسرائيل إلى مكان ميعادهم في الطور،
ففي ذلك المكان أنزل الله سبحانه ألواح التوراة على موسى وكلّمه، وشاهدوا جميعاً
تجلّي الله سبحانه(الشرح المفصّل لهذه الحادثة في سورة
الأعراف ذيل الآيتين 155 ـ 156.). |
|
الآيات(83) (91)
وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَمُوسَى(83) قَالَ هُمْ أُوْلاَءِ عَلَى أَثَرِى وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى
|
|
وَمَا أَعْجَلَكَ
عَن قَوْمِكَ يَمُوسَى(83) قَالَ هُمْ أُوْلاَءِ عَلَى أَثَرِى وَعَجِلْتُ
إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى(84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن
بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِىُّ(85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ
غَضْبَنَ أَسِفاً قَالَ يَقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً
أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ
مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِى(86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا
مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ
الْقَوْمِ فَقَذَفْنَهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِىُّ(87) فَأَخْرَجَ
لَهُمْ عِجْلا جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ
مُوسَى فَنَسِىَ(88) أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلا وَلاَ
يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً(89) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَرُونُ مِن
قَبْلُ يَقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ
فَاتَّبِعُونِى وَأَطِيعُوا أَمْرِى(90) قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ
عَكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى(91) |
|
التّفسير |
|
صخب
السامري:
|
|
ذكر في هذه الآيات فصل آخر من
حياة موسى (ع) وبني إسرائيل، ويتعلّق بذهاب موسى (ع) مع وكلاء وممثّلي بني
إسرائيل إلى الطور حيث موعدهم هناك، ثمّ عبادة بني إسرائيل للعجل في غياب هؤلاء. |
|
بحوث
|
|
1 ـ شوق اللقاء!
|
|
قد يكون قول موسى (ع) في جواب
سؤال الله تعالى له حول إستعجاله إلى الميقات حيث قال: (وعجّلت
إليك ربّ لترضى) عجيباً لدى من لم يعرف شأن جاذبية عشق الله، إلاّ أنّ
الذين أدركوا هذه الحقيقة بكلّ وجودهم، والذين إذا إقترب موعد الوصال إشتدّ لهيب
العشق في أفئدتهم، يعلمون جيداً أيّة قوّة خفيّة كانت تجرّ موسى (ع) إلى ميقات
الله، وكان يسير سريعاً بحيث تخلّف عنه قومه الذين كانوا معه. |
|
2 ـ الحركات
المناوئة لنهضة الأنبياء!
|
|
من الطبيعي أن توجد في مقابل
كلّ ثورة حركة مضادّة تسعى إلى تحطيم نتائج الثورة، وإلى إرجاع المجتمع إلى
مرحلة ما قبل الثورة، وليس سبب ذلك معقدّاً ولا غامضاً، لأنّ إنتصار ثورة ما لا
يعني فناء كلّ العناصر الفاسدة من الفترة السابقة دفعة واحدة، بل تبقى حثالات
منهم تبدأ نشاطها من أجل الحفاظ على وجودها وكيانها، ومع إختلاف ظروف ومقدار
وكيفيّة هؤلاء، فإنّهم يقومون بأعمال تناهض الثورة سرّاً أمّ علانية. |
|
3 ـ مراحل
القيادة
|
|
لا شكّ أنّ هارون (ع) لم يأل
جهداً في أداء رسالته عند غياب موسى (ع)، إلاّ أنّ جهل الناس من جهة، وترسبّات
مرحلة العبودية والرقّ وعبادة الأصنام من جهة أُخرى،
قد أفشلت جهوده، فهو قد نفّذ واجبه ـ حسب الآيات محل
البحث ـ على أربع مراحل: |
|
4 ـ سؤال
وجواب؟«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى»
|
|
لقد أورد المفسّر
المعروف «الفخر الرازي» هنا إشكالا وهو ينتظر جوابه والردّ عليه وهو أنّه قال: إنّ
الرافضة تمسّكوا بقوله (ص) لعلي «أنت منّي
بمنزلة هارون من موسى» ثمّ إنّ هارون ما منعته التقيّة في مثل هذا الجمع،
بل صعد المنبر وصرّح بالحقّ ودعا الناس إلى مبايعة نفسه والمنع من متابعة غيره، فلو كانت اُمّة محمّد (ص) على الخطأ لكان يجب على علي (عليه
السلام) أن يفعل ما فعله هارون وأن يصعد على المنبر من غير تقيّة ولا خوف
وأن يقول: فاتّبعوني وأطيعوا أمري. فلمّا لم
يفعل ذلك علمنا أنّ الاُمّة كانت على الصواب. |
|
الآيات(92) (98)
قَالَ يَهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا(92) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ
أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى(93)
|
|
قَالَ يَهَرُونُ
مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا(92) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ
أَمْرِى(93) قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلاَ بِرَأسِى إِنِّى
خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى إِسْرَءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ
قَوْلِى(94) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَسَمِرِىُّ(95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ
يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا
وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِى نَفْسِى(96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِى
الْحَيَوةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ
وَانُظْر إِلَى إِلَهِكَ الَّذِى ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ
ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِى الْيَمِّ نَسْفاً(97) إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللهُ
الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَىْء عِلْماً(98) |
|
التّفسير |
|
نهاية
السّامري المريرة:
|
|
تعقيباً على البحث
الذي تناولته الآيات السابقة حول تقريع موسى
وملامته لبني إسرائيل الشديدة على عبادتهم العجل، تعكس هذه الآيات التي نبحثها ـ في البداية ـ محاورة موسى (ع) مع أخيه هارون (ع)، ثمّ مع السامري. وهنا ينقدح السؤال
التالي وهو: لا شكّ أنّ كلاًّ من موسى
وهارون نبي، فكيف يوجّه موسى (عليه السلام) هذا العتاب واللهجة الشديدة إلى
أخيه، وكيف نفسّر دفاع هارون عن نفسه؟! وأخيراً فإن (بصرت بما لم يبصروا) تشير ـ طبق التّفسير الأوّل إلى جبرئيل الذي كان قد تجلّى في هيئة فارس ـ
وربّما رآه بعض آخر لكنّهم لم يعرفوه ـ إلاّ أنّها تشير
ـ وفقاً للتفسير الثّاني إلى ما كان لديه من معلومات خاصّة عن دين موسى
(ع). |
|
بحثان
|
|
1 ـ يجب الثبات
أمام الحوادث الصعبة
|
|
إنّ طريقة موسى (عليه السلام)
في مقابلة إنحراف بني إسرائيل في عبادتهم العجل، يمكن أن تكون مثلا يقتدى به في
كلّ زمان ومكان في مجال مكافحة الإنحرافات الصعبة المعقّدة. وهكذا فإنّه توجّه أوّلا إلى
قائد المجتمع ليرى هل كان في عمله قصور أو لا؟ وبعد ثبوت براءته توجّه إلى سبب
الفساد، ثمّ إلى أنصار الفساد ومبتغيه! |
|
2 ـ من هو
السامري؟
|
|
إنّ أصل لفظ (سامري) في اللغة العبرية
(شمري) ولمّا كان المعتاد أن يبدّل حرف الشين إلى السين عند تعريب
الألفاظ العبرية كما في تبديل «موشى» إلى «موسى»، و «يشوع» إلى «يسوع»، نفهم من
ذلك أنّ السامري كان منسوباً إلى «شمرون»، وشمرون هو ابن يشاكر النسل الرّابع
ليعقوب. على كلّ حال، فإنّ
السامري كان رجلا أنانياً منحرفاً وذكيّاً في الوقت نفسه، حيث إستطاع أن يستغلّ نقاط ضعف بني إسرائيل وأن يوجد ـ
بجرأة ومهارة خاصّة ـ تلك الفتنة العظيمة التي سبّبت ميل الأغلبية الساحقة إلى
عبادة الأصنام، وكذلك رأينا أيضاً أنّه لاقى جزاء هذه الأنانيّة والفتنة في هذه
الدنيا.
|
|
الآيات(99) (104)
كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ ءَاتَيْنَكَ
مِن لَّدُنَّا ذِكْراً(99)
|
|
كَذَلِكَ نَقُصُّ
عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ ءَاتَيْنَكَ مِن لَّدُنَّا
ذِكْراً(99) مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ
وِزْراً(100)خَلِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ حِمْلا(101)
يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذ زُرْقاً(102)
يَتَخَفَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً(103) نَّحْنُ أَعْلَمُ
بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ
يَوْماً(104) |
|
التّفسير |
|
أسوأ
ما يحملون على عاتقهم!
|
|
مع أنّ الآيات السابقة كانت تتحدّث حول تاريخ موسى وبني إسرائيل والفراعنة والسامري
المليء بالحوادث، وقد بيّنت في طيّاتها بحوثاً مختلفة، فإنّ القرآن الكريم بعد
الإنتهاء منها يستخلص نتيجة عامّة فيقول: (كذلك نقصّ
عليك من أنباء ما قد سبق). ثمّ يضيف (وقد آتيناك
من لدنا ذكراً) قرآناً مليئاً بالدروس والعبر، والأدلّة العقليّة، وأخبار
الماضين وما ينبّه المقبلين ويحذّرهم. إنّ قسماً مهمّاً
من القرآن المجيد يبيّن تاريخ وقصص الماضين، وذكر كلّ هذه الوقائع التاريخيّة التي جرت على السابقين في القرآن الذي هو
كتاب يهتمّ بتربية الإنسان ليس أمراً إعتباطيّاً عبثيّاً، بل الغاية منه
الإستفادة من الأبعاد المختلفة في تأريخ هؤلاء، عوامل الإنتصار والهزيمة،
والسعادة والشقاء، والإستفادة من التجارب الكثيرة المخفية في طيّات تاريخ اُولئك
السابقين. لا شكّ أنّ مدّة توقّف هؤلاء
كانت طويلة، إلاّ أنّها تبدو قصيرة جدّاً في مقابل عمر القيامة. وإنّ تخافتهم
هذا بالكلام إمّا هو للرعب والخوف الشديد الذي ينتابهم عند مشاهدة أهوال
القيامة، أو أنّه نتيجة شدّة ضعفهم وعجزهم. |
|
الآيات(105) (112)
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفاً(105)
فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً(106)
|
|
وَيَسْئَلُونَكَ
عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفاً(105) فَيَذَرُهَا قَاعاً
صَفْصَفاً(106) لاَّ تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلاَ أَمْتاً (107) يَوْمَئِذ
يَتَّبِعُونَ الدَّاعِىَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الاَْصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ
فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً(108) يَوْمَئِذ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَعَةُ إِلاَّ
مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا(109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً(110) وَعَنَتِ
الْوُجُوهُ لِلْحَىِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً(111) وَمَن
يَعْمَلْ مِنَ الصَّلِحَتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً
(112) |
|
التّفسير |
|
مشهد
القيامة المهول:
|
|
تتابع هذه الآيات
الكلام في الآيات السابقة عن الحوادث المرتبطة بإنتهاء الدنيا وبداية القيامة. |
|
بحثان
|
|
1 ـ الفرق بين
الظلم والهضم
|
|
قرأنا في الآية الأخيرة من
الآيات محلّ البحث أنّ المؤمنين الصالحين لا يخافون ظلماً ولا هضماً، وقال بعض المفسّرين: إنّ «الظلم» إشارة إلى أنّ هؤلاء لا يخافون مطلقاً من أن يظلموا في
تلك المحكمة العادلة ويؤاخذوا على ذنوب لم يرتكبوها و
«الهضم» إشارة إلى أنّهم لا يخافون ـ أيضاً ـ
نقصان ثوابهم، لأنّهم يعلمون أنّ ما يستحقّونه من الثواب يصل إليهم دون
زيادة أو نقصان. |
|
2 ـ مراحل
القيامة
|
|
وردت الإشارة في
الآيات ـ محلّ البحث ـ إلى سلسلة من الحوادث التي تقع عند حلول القيامة وبعدها: |
|
الآيتان(113) (114)
وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَهُ قُرْءَاناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ
الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
|
|
وَكَذَلِكَ
أَنزَلْنَهُ قُرْءَاناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً(113) فَتَعَلَى اللهُ
الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى
إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْماً(114) |
|
التّفسير |
|
قل:
(ربّ زدني علماً)
|
|
الآيات محلّ البحث ـ في الواقع ـ إشارة إلى مجموع ما مرّ في الآيات
السابقة حول المسائل التربوية المرتبطة بالقيامة والوعد والوعيد، فتقول: (وكذلك أنزلناه قرآناً عربياً وصرفنا فيه من الوعيد لعلّهم
يتّقون أو يحدث لهم ذكراً). كلمة «عربي» وإن كانت بمعنى
اللغة العربية، إلاّ أنّها هنا إشارة إلى فصاحة القرآن وبلاغته وسرعة إيصاله
للمفهوم والمراد من جهتين: |
|
بحثان
|
|
1 ـ لا تعجل حتّى
في تلقّي الوحي!
|
|
لقد تضمّنت الآيات الأخيرة
دروساً تعليميّة، ومن جملتها النهي عن العجلة عند تلقّي الوحي، وكثيراً ما لوحظ
بعض المستمعين يقفون كلام المتحدّث أو يكملونه قبل أن يتمّه هو، وهذا الأمر
ناشىء عن قلّة الصبر أحياناً، أو ناشىء عن الغرور وإثبات وجود أيضاً، وقد يكون
العشق والتعلّق الشديد بشيء يدفع الإنسان ـ أحياناً ـ إلى هذا العمل، وفي هذه
الحالة ينبعث عن حافر مقدّس، غير أنّ هذا الفعل نفسه ـ أي العجلة ـ قد يُحدث
مشاكل أحياناً، ولذلك فقد نهت الآيات آنفة الذكر عن العجلة حتّى ولو كان المراد
أو الهدف من هذا الفعل صحيحاً، وأساساً لا تخلو الأعمال التي تنجز بإستعجال من
العيب والنقص غالباً. ومن المسلّم به أنّ فعل النّبي لمّا كان عليه من مقام
العصمة ـ كان مصوناً من الخطأ، إلاّ أنّه ينبغي عليه أن يكون في كلّ شيء مثلا
وقدوة للناس، ليفهم الناس أنّه إذا كان الإستعجال في تلقّي الوحي غير محبّذ، فلا
ينبغي الإستعجال في الاُمور الاُخرى من باب أولى أيضاً. |
|
2 ـ اُطلب المزيد
من العلم
|
|
لمّا كان النهي عن العجلة عند
تلقّي الوحي موهماً النهي عن الإستزادة في طلب العلم، فقد عقّبت الآية بعد ذلك
بالقول مباشرةً: (وقل ربّ زدني علماً) لتقف أمام هذا التصوّر الخاطىء، أي أنّ العجلة ليست
صحيحة، لكن من الضروري الجدّ والسعي من أجل الإرتواء من منهل العلم! |
|
الآيات(115) (122)
وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ
عَزْماً
|
|
وَلَقَدْ عَهِدْنَا
إِلَى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (115)وَإِذْ
قُلْنَا لِلْمَلَئِكَةِ اسْجُدُوا لاِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى
(116)فَقُلْنَا يَآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ
يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى(117) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ
فِيهَا وَلاَ تَعْرَى(118) وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا وَلاَ تَضْحَى(119)
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَنُ قَالَ يَآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ
الْخُلْدِ وَمُلْك لاَ يَبْلَى (120) فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا
سَوْءَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى
ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ
وَهَدَى (122) |
|
التّفسير |
|
آدم
ومكر الشّيطان:
|
|
كان القسم الأهمّ
من هذه السورة في بيان قصّة موسى (ع) وبني إسرائيل، والمواجهة بينهم وبين فرعون
وأنصاره، إلاّ أنّ هذه الآيات وما بعدها تتحدّث عن قصّة آدم وحواء، وعداء
ومحاربة إبليس لهما. وربّما كانت إشارة إلى أنّ الصراع بين الحقّ والباطل لا
ينحصر بأمس واليوم، وموسى (عليه السلام) وفرعون، بل كان منذ بداية خلق آدم
وسيستمر كذلك. |
|
هل
إرتكب آدم معصية؟
|
|
مع أنّ العصيان يأتي في عرف
اليوم ـ عادةً ـ بمعنى الذنب والمعصية، إلاّ أنّه في اللغة يعني الخروج عن
الطاعة وعدم تنفيذ الأمر سواء كان الأمر واجباً أو مستحبّاً، وبناءً على هذا
فإنّ إستعمال كلمة العصيان لا يعني بالضرورة ترك واجب أو إرتكاب محرّم، بل يمكن
أن يكون ترك أمر مستحبّ أو إرتكاب مكروه. |
|
الآيات(123) (127)
قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعَاً بَعْضُكُمْ لِبَعْض عَدُوٌّ فَإِمَّا
يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدىً
|
|
قَالَ اهْبِطَا
مِنْهَا جَمِيعَاً بَعْضُكُمْ لِبَعْض عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى
هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى (123) وَمَنْ
أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ
الْقِيَمَةِ أَعْمَى(124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً(125)قَالَ
كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى
(126)وَكَذَلِكَ نَجْزِى مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَتِ رَبِّهِ
وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) |
|
التّفسير |
|
المعيشة
الضنكا:
|
|
مع أنّ توبة آدم قد قبلت، إلاّ
أنّ عمله أدّى إلى عدم إستطاعته الرجوع إلى الحالة الأُولى، ولذا فإنّ الله
سبحانه أصدر أمره لآدم وحواء كليهما وكذلك الشيطان أن يهبطوا جميعاً من الجنّة: (قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو). إلاّ أنّي
اُعلمكم بأنّ طريق النجاة والسعادة مفتوح أمامكم (فإمّا
يأتينكم منّي هدى فمن اتّبع هداي فلا يضلّ ولا يشقى). |
|
بحوث
|
|
1 ـ الغفلة عن ذكر
الحقّ وآثارها
|
|
قد توصد أحياناً كلّ أبواب
الحياة بوجه الإنسان، فكلّما أقدم على عمل يجد الأبواب المغلقة، وقد تنعكس
الصورة فأينما اتّجه يرى الأبواب مفتّحة في وجهه، وقد تهيأت له مقدّمات العمل،
ولا يواجه عقبات في طريقه، فيعبّر عن هذه الحالة بسعة العيش ورغده، وعن الأُولى
بضيق المعيشة وشظفها، والمراد من قوله تعالى: (معيشةً
ضنكاً)( الضنك: المشقّة والضيق، وهذه الكلمة تأتي دائماً بصيغة المفرد، وليس لها
تثنية ولا جمع ولا تأنيث) .الوارد في الآيات محلّ البحث هو هذا المعنى
أيضاً. أجل .. فإنّ الذي يستلهم العبرة من حياة علي (عليه السلام)، ذلك الرجل
العظيم الذي كانت الدنيا في نظره لا تساوي عفطة عنز، والذي إنقطع إلى الله حتّى
صغرت الدنيا في عينه إلى هذا الحدّ، فمن يكن كذلك فستكون حياته في سعة ورفاه،
أمّا اُولئك الذين ينسون المُثُل والقدوة فإنّهم في ضنك العيش في كلّ الأحوال. |
|
2 ـ عمى البَصَر
وعَمى البصيرة!
|
|
لقد حُدّدت
عقوبتان لاُولئك الذين يعرضون عن ذكر الله:
إحداهما: المعيشة الضنك في هذه الدنيا، والتي
اُشير إليها في الملاحظة السابقة، والاُخرى:
العمى في الآخرة. |
|
3 ـ الإسراف في
المعصية
|
|
ممّا يلفت النظر أنّه قد ذكرت
في الآيات ـ محلّ البحث ـ هذه العقوبات المؤلمة
للأفراد الذين يسرفون ولا يؤمنون بآيات الله. |
|
4 ـ ما هو
الهبوط؟
|
|
«الهبوط» في اللغة بمعنى النّزول
الإجباري، كسقوط الصخرة من مرتفع ما، وعندما تستعمل في حقّ الإنسان
فإنّها تعني الإبعاد والإنزال عقاباً له. |
|
الآيات(128) (130)
أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ
فِى مَسَكِنِهِمْ
|
|
أَفَلَمْ يَهْدِ
لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِى مَسَكِنِهِمْ
إِنَّ فِى ذَلِكَ لاَيَت لاُِّوْلِى النُّهَى (128) وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ
مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمّىً (129) فَاصْبِرْ عَلَى مَا
يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ
غُرُوبِهَا وَمِنْ ءَانَاى الَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ
تَرْضَى (130) |
|
التّفسير |
|
اعتبروا
بتاريخ الماضين:
|
|
لمّا كانت عدّة
بحوث في الآيات السابقة قد وردت عن
المجرمين، فقد أشارت الآيات الأُولى من الآيات محلّ
البحث إلى واحد من أفضل طرق التوعية وأكثرها تأثيراً،
وهو مطالعة تأريخ الماضين، فتقول: (أفلم يهد لهم كم
أهلكنا قبلهم من القرون)( كما قلنا سابقاً، فإنّ
«قرون» جمع قرن، تعني الناس الذين يعيشون في عصر ما، ويقال أحياناً لنفس ذلك
الزمان: قرن. وهي من مادّة المقارنة.) اُولئك الذين عمّهم العذاب الإلهي
الأليم (يمشون في مساكنهم). إنّ هؤلاء يمرّون في مسيرهم
وذهابهم وإيّابهم على منازل قوم عاد ـ في أسفارهم إلى اليمن ـ وعلى مساكن ثمود
المتهدّمة الخربة ـ في سفرهم إلى الشام ـ وعلى منازل قوم لوط التي جُعل عاليها
سافلها ـ في سفرهم إلى فلسطين ـ ويرون آثارهم، إلاّ أنّهم لا يعتبرون، فإنّ
الخرائب والأطلال تتكلّم بلسان الحال وتخبر عن قصص السابقين وتحذّر أبناء اليوم
وأبناء الغد وتُعوِلُ صارخة أنّ هذه عاقبة الظلم والكفر والفساد. إلاّ أنّ هناك بحثاً بين المفسّرين في أنّ
المقصود من الحمد والتسبيح هل الحمد والتسبيح المطلق، أم أنّه إشارة إلى خصوص
الصلوات الخمس اليوميّة؟ فجماعة يعتقدون
بأنّه يجب أن يبقى ظاهر العبارات على معناه الواسع، ومن ذلك يستفاد أنّ المراد
هو التسبيح والحمد المطلق. إلاّ أنّ هذه
التفاسير لا منافاة بينها على كلّ حال، ويمكن أن تكون الآية إشارة إلى التسبيحات، وإلى الصلوات الواجبة والمستحبّة
في الليل والنهار، وبهذا فسوف لا يكون هناك تضادّ بين الرّوايات الواصلة في هذا
الباب، لأنّ الجملة فسّرت في بعض الرّوايات بالأذكار
الخاصّة، وفي بعضها بالصلاة. |
|
الآيات(131) (135)
وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى ما مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَجاً مِّنْهُمْ
زَهْرَةَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ
|
|
وَلاَ تَمُدَّنَّ
عَيْنَيْكَ إِلَى ما مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَوةِ
الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى(131)
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَوةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْئَلُكَ رِزْقاً
نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَقِبَةُ لِلتَّقْوَى(132) وَقَالُوا لَوْلاَ
يَأْتِيَنا بِآيَة مِّن رَّبِّهِ أَوَ لَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِى
الصُّحُفِ الاُْولَى (133) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَهُم بِعَذَاب مِّن قَبْلِهِ
لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ ءَايَتِكَ
مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى (134) قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا
فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَبُ الصِّرَطِ السَّوِىِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135) |
|
التّفسير |
|
لقد أصدرت في هذه الآيات
أوامر وتوجيهات للنبي، والمراد منها والمخاطب فيها عموم
المسلمين، وهي تتمّة للبحث الذي قرأناه آنفاً حول الصبر والتحمّل. فتقول أوّلا: (ولا تمدّن عينيك إلى ما متّعنا
به أزواجاً منهم) فإنّ هذه النعم المتزلزلة الزائلة ما هي إلاّ (زهرة الحياة الدنيا)، تلك الأزهار التي تُقطع بسرعة
وتذبل وتتناثر على الأرض، ولا تبقى إلاّ أيّاماً معدودات. اللهم ألهمنا تلك
الشهامة التي لا نرهب معها كثرة الأعداء، ولا نضعف عند الحوادث الصعبة. نهاية سورة طه |
|
|
|
|
سُورَة طه مكّية وعَدَدُ
آيَاتِها مائة وخمس وثلاثونَ آية
|
|
«سورة طه» |
|
فضل
سورة طه
|
|
وردت روايات عديدة حول عظمة وأهمية هذه السورة في المصادر الإِسلامية. وفي حديث آخر عن
النّبي(ص): «من قرأها أعطي يوم القيامة
ثواب المهاجرين والأنصار»( مجمع البيان، ج 7، ص 1.). |
|
محتوى
السّورة
|
|
إنّ سورة (طه) برأي جميع المفسّرين
نزلت في مكّة، وأكثر ما يتحدث محتواها عن المبدأ
والمعاد كسائر السور المكّية، ويذكر نتائج
التوحيد وتعاسات الشرك. |
|
الآيات(1) (8) طه(1)
مَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى(2) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن
يَخْشَى(3)
|
|
طه(1) مَآ
أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى(2) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن
يَخْشَى(3) تَنزِيلا مِّمَّنْ خَلَقَ الأَْرْضَ وَالسَّمَوتِ الْعُلَى (4)الرَّحْمنُ
عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى(5) لَهُ مَا فِى السَّمَوَتِ وَمَا فِى الأَْرْضِ
وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى(6) وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ
فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى(7) اللَّهُ لآَ إِلهَ إِلاَّ هَوَ لَهُ
الأَْسْمَآءُ الْحُسْنَى(8) |
|
سبب النّزول
|
|
وردت روايات كثيرة في سبب نزول الآيات الأُولى من هذه السورة، يستفاد من مجموعها أنّ النّبي(ص) بعد نزول الوحي
والقرآن كان يعبد الله كثيراً، وخاصّة أنّه كان يكثر
القيام والوقوف في العبادة حتى تورمت قدماه، وكان من شدّة التعب أحياناً
يستند في وقوفه على أحدى قدميه، ثمّ يستند على الأُخرى
حيناً آخر، وحيناً على كعب قدمه، وآخر على أصابع رجله(لمزيد الإِطلاع على هذه الرّوايات، راجع: تفسير نور الثقلين،
والدر المنثور، بداية سورة طه.)، فنزلت الآيات المذكورة وأمرت النّبي(ص)
أن لا يحمل نفسه كل هذا التعب والمشقّة. |
|
التّفسير |
|
لا
تجهد نفسك إِلى هذا الحد:
|
|
مرّة أُخرى نواجه الحروف المقطعة في بداية هذه السورة، والتي تثير حبّ الاستطاع لدى الإِنسان : |
|
الآيات(9) (16) وَهَلْ
أَتَكَ حَدِيثُ مُوسَى(9) إِذْ رَءَا نَاراً فَقَالَ لأَِهْلِهِ امْكُثُوا
إِنِّى ءَانَسْتُ نَارَاً
|
|
وَهَلْ أَتَكَ
حَدِيثُ مُوسَى(9) إِذْ رَءَا نَاراً فَقَالَ لأَِهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّى
ءَانَسْتُ نَارَاً لَّعَلِّى ءَاتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَس أَوْ أَجِدُ عَلَى
النَّارِ هُدىً(10) فَلَمَّآ أَتَهَا نُودِىَ يمُوسَى(11) إِنِّى أَنَاْ رَبُّكَ
فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً(12) وَأَنَا
اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى(13) إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لآَ إِلَهَ
إِلآَّ أَنَا فَاعْبُدْنِى وَأَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِى(14) إِنَّ السَّاعَةَ
ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْس بِمَا تَسْعَى(15) فَلاَ
يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى(16) |
|
التّفسير |
|
نار
في الجانب الآخر من الصحراء!
|
من هنا تبدأ قصّة نبي الله الكبير موسى(ع)، وتفصيل الجوانب
المهمّة من هذه القصة المليئة بالأحداث سيأتي في
أكثر من ثمانين آية، لتكون تهدئة ومواساة وتسلية
لخاطر النّبي(ص) والمؤمنين الذين كانوا يعانون خلال تلك الفترة في مكّة ضغوطاً شديدةً من الأعداء، ليعلموا أن هذه القوى الشيطانية لا طاقة لها في مقاومة قدرة
الله، وأنّ كل هذه الخطط والمؤامرات رسم على الماء. |
|
بحوث
|
|
|
1 ـ المراد من
قوله تعالى: ( فاخلع نعليك)
|
|
وكما قلنا، فإِن ظاهر الآية
أنّ موسى(عليه السلام) قد أمر بخلع نعليه احتراماً لتلك الأرض المقدسة، وأن يسير
بكل خضوع وتواضع في ذلك الوادي ليسمع كلام الحق، وأمر الرسالة. |
|
2 ـ جواب عن
سؤال،من أين تيقن أن الله كلّفه بهذه المهمّة
|
|
يطرح بعض المفسّرين
هنا سؤالا، وهو: كيف ومن أين علم
موسى أنّ الصوت الذي يسمعه صادرٌ من الله سبحانه وتعالى؟ ومن أين تيقن أن الله
كلّفه بهذه المهمّة؟ |
|
3 ـ الصلاة أفضل
وسيلة لذكر الله
|
|
أشير في الآيات ـ محل البحث ـ إِلى واحدة من
أهم أسرار الصلاة، وهي أن الإِنسان يحتاج في حياته في هذا العالم ـ وبسبب
العوامل المؤدية إِلى الغفلة ـ إِلى عمل يذكّره بالله والقيامة ودعوة الأنبياء
وهدف الخلق في فترات زمنية مختلفة، كي يحفظه من الغرق في دوامة الغفلة والجهل،
وتقوم الصلاة بهذه الوظيفة المهمّة. |
|
الآيات(17) (23)
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَمُوسَى(17) قَالَ هِىَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْهَا
وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِى
|
|
وَمَا تِلْكَ
بِيَمِينِكَ يَمُوسَى(17) قَالَ هِىَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا
عَلَى غَنَمِى وَلِىَ فِيهَا مَئَارِبُ أُخْرَىْ(18) قَالَ أَلْقِهَا
يمُوسَى(19) فَأَلْقَهَا فَإِذَا هَىِ حَيَّةٌ تَسْعَى(20) قَالَ خُذْهَا وَلاَ
تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُْوْلَى(21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَنَاحِكَ
تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوء ءَايَةً أُخْرَى(22) لِنُرِيَكَ مِنْ
ءَايتِنَا الْكُبْرَى(23) |
|
التّفسير |
|
عصا
موسى واليد البيضاء:
|
|
لا شك أنّ الأنيباء يحتاجون
إِلى المعجزة لإِثبات ارتباطهم بالله، وإِلاّ فإنّ أي واحد يستطيع أن يدعي
النّبوة، وبناء على هذا فإِن معرفة الأنبياء الحقيقيين من المزيفين لا يتيسر
إِلاّ عن طريق المعجزة. وهذه المعجزة يمكن أن تكون
بذاتها دعوة وكتاباً سماوياً للنّبي، ويمكن أن تكون أُموراً أُخرى من قبيل
المعجزات الحسية والجسمية، إِضافة إِلى أن المعجزة مؤثرة في نفس النّبي،
فهي تزيد من عزيمته وإيمانه وثباته. |
بحوث
|
|
1 ـ معجزتان
كبيرتان
|
|
لا شك أنّ ما ذكر أعلاه من
تبدل عصا موسى إِلى حية عظيمة تسعى، وقد عبرت الآية
(107) من سورة الأعراف عنها بـ (ثعبان)
وكذلك البريق الخاص لليد في لحظة قصيرة ثمّ رجوعها إِلى الحالة الأُولى، ليسَ
أمراً طبيعياً، أو نادراً، أو قليل الوقوع، بل إِن كلا الأمرين يعتبر خارقاً
للعادة لا يمكن أن يقع بدون الإِستناد إِلى قوة
فوق قوة البشر، أي قوة الله عزّوجلّ. |
|
2 ـ قابليات
الأشياء الخارقة
|
|
|
من المسلّم أن موسى الذي
اختار لنفسه عصا الرعي تلك، لم يكن يصدق أن هذا الموجود البسيط يستطيع القيام
بمثل هذا العمل العظيم بأمر الله، ويحطم قوّة الفراعنة، إِلاّ أنّ الله سبحانه
قد أراه أن نفس هذه الآلة البسيطة تستطيع أن توجِد مثل تلك القوة الخارقة. |
|
3 ـ ماذا تقول
التوراة حول هذا الموضوع؟
|
|
في الآيات أعلاه قرأنا أنّ
موسى(عليه السلام) عندما أخرج يده من جيبه كانت بيضاء مضيئة لا عيب فيها، ويمكن
أن تكون هذه الجملة من أجل نفي التعبير الذي يلاحظ في التوراة المحرفة، فقد ورد في التوراة: (وقال الله له أيضاً: الآن ضع يدك
إِلى جنبك، فوضع يد إِلى جنبه، وأخرجها فإِذا يده مبروصة كالثلج)( التوراة، سفر الخروج، الفصل الرابع، الجملة 6.). |
|
الآيات(24) (36)
اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِى
صَدْرِى(25)وَيَسِّرْ لِى أَمْرِى(26)
|
|
اذْهَبْ إِلى
فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى(25)وَيَسِّرْ لِى
أَمْرِى(26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِى(27) يَفْقَهُوا قَوْلِى(28)
وَاجْعَل لِّى وَزِيراً مِّنْ أَهْلِىْ(29) هرُونَ أَخِى(30) اشْدُدْ بِهِ
أَزْرِى(31) وَأَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى(32) كَىْ نُسَبِّحَكَ
كَثِيراً(33)ونَذْكُرَكَ كَثِيراً(34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً(35) قَالَ
قَدْ أُتِيتَ سُؤْلَكَ يمُوسى(36) |
|
التّفسير |
|
موسى وطلباته القيمة:
|
|
إِلى هنا وصل موسى إِلى مقام
النبوة، وتلقى معاجز مهمّة تسترعي الإِنتباه، إِلاّ أنّه من الآن فصاعداً صدر له
أمر الرسالة .. رسالة عظيمة وثقيلة جدّاً .. الرسالة التي تبدأ بإِبلاغ أعتى
وأخطر شخص في ذلك المحيط، فتقول الآية: (اذهب إِلى
فرعون إِنّه طغى). وقد بحثنا الصدر ومعناه في ذيل الآية (125) من سورة الأنعام. |
|
بحوث
|
|
1 ـ شروط قيادة
الثورة
|
|
لا شك أنّ تبديل البنية في
نظام المجتمعات البشرية، وتغيير القيم المادية والملحدة إلى القيم المعنوية
والإِنسانية، وخاصّة إِذا كان الطريق يقع في طريق الفراعنة العنودين، ليس بالعمل
الهين، بل يحتاج إِلى استعداد روحي وجسمي، وقدرة على التفكير، وقوة في البيان،
واستمرار الإِمدادات الإِلهية، ووجود الصاحب
الذي يطمأن إِليه. وهذه هي الأُمور التي طلبها موسى(عليه السلام) في بداية
الرسالة من ربّه. |
|
2 ـ مقارعة
الطغاة
|
|
لا شك أنّ لفرعون نقاطاً وصفات منحرفة كثيرة، فقد كان كافراً، عابداً
للأصنام، ظالماً، مستبداً وو .. إلاّ أنّ القرآن طرح من بين كل هذه الإِنحرافات
مسألة الطغيان (إِنّه طغى) لأن روح الطغيان والتمرد في مقابل أمر الحق عصارة وخلاصة كل هذه الإِنحرافات وجامع لها. |
|
3 ـ كل عمل يحتاج
إِلى تخطيط ووسائل
|
|
الدرس الآخر الذي
نستفيد من حياة موسى وجهاده العظيم، هو أنّه حتى الأنبياء، ومع امتلاكهم للمعجزات، كانوا يستعينون بالوسائل
العادية الطبيعية، من البيان البليغ والمؤثر، ومن طاقات المؤمنين بهم الفكرية
والجسمية، في سبيل تقدم عملهم وتطوره، فليس صحيحاً
أن ننتظر المعاجز في حياتنا دائماً، بل يجب تهيئة البرامج وأدوات العمل،
والإِستمرار في التقدم بالطرق والوسائل الطبيعية، فإِذا ما واجهتنا عقدة ومعضلة،
فيجب أن ننتظر اللطف الإِلهي هناك. |
|
4 ـ التسبيح
والذكر
|
|
لقد جعل موسى الهدف النهائي
من طلباته ـ كما في الآيات محل البحث ـ هو: (كي نسبحك
كثيراً ونذكرك كثيراً) ومعلوم أنّ التسبيح يعني تنزيه الله عن تهمة الشرك
والنواقص الإِمكانية، ومعلوم أيضاً أنّ مراد موسى(ع) لم يكن تكرار جملة «سبحان
الله» مراراً، بل كان الهدف إِيجاد حقيقة التسبيح في ذلك المجتمع الملوث في ذلك
الزمان، فيقتلعوا الأصنام، ويهدموا معابد الأوثان، وتُغسل الأدمغة من أفكار
الشرك، وترفع النواقص المادية والمعنوية. |
|
5 ـ الرّسول الأعظم يكرر مطالب موسى
|
|
يستفاد من الرّوايات الواردة في كتب أهل السنة والشيعة أنّ النّبي(صلى الله عليه
وآله وسلم) قد طلب من الله نفس تلك المطالب التي طلبها موسى(عليه السلام) من
الله من أجل تقدم عمله، مع فارق، هو أنّه وضع اسم علي(عليه السلام) مكان اسم هارون، وقال:
«اللهم إِنّي أسألك بما سألك أخي موسى أن تشرح لي صدري، وأن تيسر لي أمري، وأن
تحل عقدة من لساني، يفقهوا قولي، واجعل لي وزيراً من أهلي، علياً أخي، أشدد به
أزري، وأشركه في أمري، كي نسبحك كثيراً، ونذكرك كثيراً». |
|
الآيات(37) (41)
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى(37) إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّكَ
مَا يُوحَى(38)
|
|
وَلَقَدْ مَنَنَّا
عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى(37) إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى(38)
أَنِ اقْذِفِيهِ فِى التَّابُوتِ فَاقذِفِيهِ فِى الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ
الَْيمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّى وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ
عَلَيْكَ مَحَبَّةً منِّى وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى(39) إِذْ تَمْشِى أُخْتُكَ
فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَكَ إِلَى أُمِّكَ
كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنكَ مِنَ
الْغَمِّ وَفَتَنَّكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِى أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ
جِئْتَ عَلَى قَدَر يَمُوسى(40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى(41) |
|
التّفسير |
|
الربّ
الرحيم:
|
|
يشير الله سبحانه في هذه
الآيات إِلى فصل آخر من فصول حياة موسى(عليه السلام)، والذي يرتبط بمرحلة
الطفولة ونجاته من قبضة الفراعنة. وهذا الفصل وإِن كان من ناحية التسلسل
التاريخي قبل فصل الرسالة والنّبوة، إلاّ أنّه ذكر كشاهد على شمول عناية الله
عزّوجل لموسى(عليه السلام) من بداية عمره، وهي في الدرجة الثّانية من الإهمية بالنسبة إِلى الرسالة، فيقول أوّلا: (ولقد
مننا عليك مرّة أُخرى)( كما قلنا سابقاً أيضاً فإِنّ
«المنة» في الأصل من المن، وهو يعني الأحجار الكبيرة التي كانوا يزنون بها،
ولذلك فإِن كل نعمة كبيرة ونفيسة يقال عنها: إِنّها منة. والمراد في الآية هو
هذا المعنى، وهذا المعنى مفهوم جميل وايجابي للمنّة، إلاّ أنّ الإِنسان إِذا
عظّم عمله الصغير بكلامه، وذكرّ الطرف الآخر به، فإنّه مصداق حي للمنة السلبية
المذمومة.). |
|
المجَلّد العاشر
|
|
الآيات(42) (48)
اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَتِى وَلاَتَنِيَا فِى ذِكْرِى (42) اذْهَبَا إِلَى
فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(43)
|
|
اذْهَبْ أَنتَ
وَأَخُوكَ بِآيَتِى وَلاَتَنِيَا فِى ذِكْرِى (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ
إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولاَ لَهُ قَوْلا لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ
يَخْشَى(44) قَالاَ رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن
يَطْغَى(45) قَالَ لاَ تَخَافَا إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)
فَأْتِيَاهُ فَقُولاَ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى
إِسْرءِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَكَ بِآيَة مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَمُ
عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى(47)إِنَّا قَدْ أُوحِىَ إِلَيْنَا أَنَّ
الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48) |
|
التّفسير |
|
أوّل
لقاء مع فرعون الجبّار:
|
|
الآن وقد أصبح كلّ شيء
مهيّأً، وكلّ الوسائل قد جعلت تحت تصرّف موسى، فقد خاطب الله سبحانه موسى
وهارون. بقوله: (إذهب أنت وأخوك بآياتي)الآيات
التي تشمل المعجزتين الكبيرتين لموسى (ع)، كما تشمل كلّ آيات الله وتعليماته
التي هي بذاتها دليل على أحقّية دعوته، خاصّة وأنّ هذه
التعليمات العظيمة المحتوى ظهرت على يد رجل قضى أهمّ سنيّ حياته في «رعي
الأغنام»!. ومن أجل رفع معنوياتهما،
والتأكيد على بذل أقصى ما يمكن من المساعي والجهود، فقد أضاف سبحانه قائلا: (ولا تنيا في ذكري) وتنفيذ أوامري، لأنّ الضعف واللين
وترك الحزم سيذهب بكلّ جهودكما أدراج الرياح، فأثبتا ولا تخافا من أي حادثة، ولا
تهنا أمام أي قدرة. لا شكّ أنّ الله تعالى يعلم
عاقبة عمله، إلاّ أنّ التعبيرات المذكورة آنفاً درس لموسى وهارون وكلّ المصلحين
والمرشدين إلى طريق الله(لقد بحثنا في معنى (لعلّ) وبأي
معنى وردت في القرآن بصورة مفصّلة في ذيل الآية (84) من سورة النساء.). |
|
بحوث
|
|
1 ـ قدرة الله
العجيبة
|
|
لقد رأينا كثيراً ـ على مرّ
التاريخ ـ اُناساً أقوياء هبّوا للوقوف بوجه الحقّ، إلاّ أنّ الله سبحانه لم
يستخدم ويعبّىء جنود الأرض والسّماء من أجل سحقهم وتدميرهم في أي مورد من
الموارد، بل إنّه يغلبهم بسهولة وبساطة، وبصورة لا تخطر على ذهن أحد، خاصةً
وأنّه في كثير من الموارد يبعث هؤلاء نحو أسباب موتهم، ويوكل مهمّة إعدامهم
إليهم أنفسهم! |
|
2 ـ التعامل
المناسب مع الأعداء
|
|
إنّ أوّل أوامر القرآن من أجل
النفوذ إلى قلوب الناس ـ مهما كانوا ضالّين ومنحطّين ـ
هو التعامل المناسب المقترن بالمحبّة والعواطف الإنسانية، أمّا التوسّل بالعنف فإنّه يتعلّق بالمراحل التالية
حينما لا يؤثّر التعامل برفق، فالهدف هو جذب الناس ليتذكّروا، وليبصروا طريقهم،
أو أن يخافوا من العواقب المشؤومة للعمل السيء (لعلّه
يتذكّر أو يخشى). |
|
3 ـ هل يوحى إلى
غير الأنبياء؟
|
|
لا شكّ أنّ للوحي في القرأن
الكريم معاني مختلفة: فقد جاء أحياناً بمعنى الصوت الواطىء، أو القول همساً.
وهذا هو المعنى الأصلي لهذا اللفظ في اللغة العربية. |
|
4 ـ سؤال وجواب
لماذا يقلق موسى ويضطرب ويتردّد مع تلك الوعود الإلهيّة،
|
|
من الممكن أن
يتساءل البعض عند قراءة هذه الآيات، وهو: لماذا يقلق موسى ويضطرب ويتردّد مع تلك الوعود الإلهيّة، إلى أن يقول الله
سبحانه له بصراحة: إذهبا فإنّني معكما أسمع كلّ الكلام، وأرى كلّ شيء، ولا مجال
للقلق مطلقاً؟ |
|
الآيات(49) (55)
قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَمُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ
شَىْء خَلْقَهُ
|
|
قَالَ فَمَن
رَّبُّكُمَا يَمُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَىْء خَلْقَهُ
ثُمَّ هَدَى (50) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الاُْولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا
عِندَ رَبِّى فِى كِتَب لاَّ يَضِلُّ رَبِّى وَلاَ يَنسَى (52) الَّذِى جَعَلَ
لَكُمُ الاَْرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا وَأَنزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَجاً مِّن نَّبَات شَتَّى (53)
كُلُواْ وَارْعَوْاْ أَنْعَمَكُمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاََيَت لاُِّوْلِى النُّهَى
(54) مِنْهَا خَلَقْنَكُمْ وَفِيَها نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً
أُخْرَى (55) |
|
التّفسير |
|
مَن
ربّكما؟
|
|
لقد حذف القرآن المجيد هنا ـ وكما هي طريقته ـ بعض المطالب التي يمكن فهمها
بمعونة الأبحاث الآتية، وتوجّه مباشرةً إلى محاورة موسى وهارون مع فرعون،
والمبحث في الواقع هكذا: |
|
ملاحظات:
1 ـ كلمتي «المهد» و «المهاد»،2 ـ كلمة «أزواجاً» ،3 ـ (اُولو النهى)،
|
|
1 ـ
كلمتي «المهد» و «المهاد» تعنيان المكان
المهيّأ للجلوس والمنام والإستراحة، وفي الأصل تطلق كلمة المهد على المكان الذي
ينام فيه الطفل، فكأنّ الإنسان طفل وضع في مهد الأرض، وقد توفّرت في هذا المهد
كلّ وسائل الحياة. |
|
الآيات(56) (64)
وَلَقَدْ أَرَيْنَهُ ءَايَتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى(56) قَالَ
أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَمُوسَى
|
|
وَلَقَدْ
أَرَيْنَهُ ءَايَتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى(56) قَالَ أَجِئْتَنَا
لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَمُوسَى(57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ
بِسِحْر مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ
نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوىً(58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن
يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحىً(59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ
أَتَى(60) قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً
فَيُسْحِتَكُم بِعَذَاب وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى(61) فَتَنَزَعُوا أَمْرَهُم
بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى(62) قَالُوا إِنْ هَذَنِ لَسَحِرَنِ
يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا
بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى(63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً
وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى(64) |
|
التّفسير |
|
فرعون
يُهيء نفسه للجولة الأخيرة:
|
|
تعكس هذه الآيات مرحلة أُخرى
من المواجهة بين موسى وفرعون، ويبدأ القرآن
الكريم هذا الفصل بهذه الجملة: (ولقد أريناه آياتنا
كلّها فكذّب وأبى) ومن المسلّم أنّ المراد من هذه الآيات هنا ليس كلّ
المعجزات التي ظهرت على يد موسى (ع) طيلة حياته في مصر. بل مرتبطة بالمعجزات
التي أراها فرعون في بداية دعوته، معجزة العصا، واليد البيضاء، ومحتوى دعوته
السماوية الجامعة، والتي كانت بنفسها دليلا حيّاً على أحقّيته، ولذلك تطالعنا
بعد هذه الحادثة مسألة المواجهة بين السّحرة وموسى (عليه السلام) ومعجزاته الجديدة. |
|
الآيات(65) (69)
قَالُوا يَمُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِىَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ
أَلْقَى(65)قَالَ بَلْ
أَلْقُوا
|
|
قَالُوا يَمُوسَى
إِمَّا أَن تُلْقِىَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى(65)قَالَ بَلْ
أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ
أَنَّهَا تَسْعَى(66) فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى(67) قُلْنَا لاَ
تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الاَْعْلَى(68) وَأَلْقِ مَا فِى يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا
صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَحِر وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حِيْثُ
أَتَى(69) |
|
التّفسير |
|
موسى
(عليه السلام) ينزل إلى الساحة:
|
|
لقد اتّحد السّحرة ظاهراً،
وعزموا على محاربة موسى (ع) ومواجهته، فلمّا نزلوا إلى الميدان (قالوا ياموسى إمّا أن تلقي وإمّا أن نكون أوّل من ألقى). إلاّ أنّ هذا
الموضوع يبدو بعيداً جدّاً، لأنّ هؤلاء
كانوا يسعون بكلّ ما اُوتوا من قوّة لأن يسحقوا ويحطّموا موسى ومعجزته، وبناءً
على هذا فإنّ التعبير آنف الذكر ربّما كان لإظهار إعتمادهم على أنفسهم أمام
الناس. على كلّ حال،
فقد نزل النصر والمدد الإلهي على موسى في تلك الحال، وبيّن له الوحي الإلهي أنّ
النصر حليفه كما يقول القرآن: (قلنا لا تخف إنّك أنت
الأعلى). إنّ هذه الجملة وبتعبيرها المؤكّد قد أثلجت قلب موسى بنصره
المحتّم ـ فإنّ (إنّ) وتكرار الضمير، كلّ منهما تأكيد مستقل على هذا المعنى،
وكذلك كون الجملة إسميّة ـ وبهذه الكيفيّة، فقد أرجعت لموسى إطمئنانه الذي تزلزل
للحظات قصيرة. |
|
بحثان
|
|
1 ـ ما هي حقيقة
السحر؟
|
|
بالرغم من أنّنا تحدّثنا
بصورة مفصّلة فيما مضى عن هذا الموضوع، إلاّ أنّنا نرى
أن نذكر على سبيل الإيضاح بإختصار أنّ «السحر»
في الأصل يعني كلّ عمل وكلّ شيء يكون مأخذه خفياً، إلاّ أنّه يقال في
التعبير المألوف للأعمال الخارقة للعادة التي تؤدّى باستعمال الوسائل المختلفة.
فتسمّى سحراً أيضاً. |
|
2 ـ السّاحر لا
يفلح أبداً
|
|
يسأل الكثيرون: إنّ السّحرة إذا كانوا يقدرون على القيام بأعمال خارقة
للعادة وشبيهة بالمعجزة، فكيف يمكن التفريق والتمييز
بين أعمال هؤلاء وبين المعجزة؟ |
|
الآيات(70) (76)
فَأُلْقِىَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا ءَامَنَّا بِرَبِّ هَرُونَ وَمُوسَى(70)
|
|
فَأُلْقِىَ
السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا ءَامَنَّا بِرَبِّ هَرُونَ وَمُوسَى(70)قَالَ
ءَامَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِى
عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلاَُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَف
وَلاَُصَلِّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ
عَذَاباً وَأَبْقَى(71) قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ
الْبَيِّنَتِ وَالَّذِى فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاض إِنَّمَا تَقْضِى
هَذِهِ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا(72) إِنَّا ءَامَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا
خَطَيَنَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ
وَأَبْقَى(73) إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ
يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى(74) وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ
الصَّلِحَتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الدَّرَجَتُ الْعُلَى(75) جَنَّتُ عَدْن
تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَن
تَزَكَّى(76) |
|
التّفسير |
|
الإنتصار
العظيم لموسى(عليه السلام):
|
|
إنتهينا في الآيات السابقة
إلى أنّ موسى أُمر أن يلقي عصاه ليبطل سحر السّاحرين، وقد عُقبت هذه المسألة في
هذه الآية، غاية الأمر أنّ العبارات والجمل التي
كانت واضحة قد حذفت، وهي (أنّ موسى قد ألقى عصاه، فتحوّلت إلى حيّة عظيمة لقفت
كلّ آلات وأدوات سحر السّحرة، فعلت الصيحة والغوغاء من الحاضرين، فاستوحش فرعون
وإرتبك، وفغر أتباعه أفواههم من العجب. |
|
بحوث
|
|
1 ـ العلم أساس
الإيمان والوعي
|
|
إنّ أهمّ مسألة
تلاحظ في الآيات ـ محلّ البحث ـ
هي تحوّل السّحرة السريع العميق قبال موسى (عليه السلام)، فإنّهم عندما وقفوا
بوجه موسى (عليه السلام) كانوا أعداء ألدّاء، إلاّ أنّهم اهتزّوا بشدّة عند
مشاهدة أوّل معجزة من موسى، فانتبهوا وغيّروا مسيرهم حتّى أثاروا دهشة الجميع. |
|
2 ـ لن نؤثرك على
البيّنات
|
|
ممّا يلفت النظر أنّ هؤلاء
إختاروا أكثر التعابير منطقيّة إزاء فرعون وكلامه غير المنطقي، فقالوا أوّلا:
إنّنا قد رأينا أدلّة واضحة على أحقّية موسى ودعوته الإلهيّة، وسوف لا نكترث بأي
شيء ولا نقدّمه على هذه الدلالات البيّنة، وأكّدوا هذا الأمر فيما بعد بجملة (والذي فطرنا) وربّما كان هذا التعبير بحدّ ذاته ـ مع
ملاحظة كلمة (فطرنا) ـ إشارة إلى ما هم عليه من
الفطرة التوحيديّة، فكأنّهم قالوا: إنّنا نشاهد نور التوحيد من أعماق وجودنا
وأرواحنا، وكذلك بالدليل العقلي، ومع هذه الآيات البيّنات كيف نستطيع أن نترك
هذا الصراط المستقيم، ونسير في طريقك المنحرف؟ |
|
3
ـ من هو المجرم؟ |
|
بملاحظة الآيات الشريفة التي
تقول: (إنّه من يأت ربّه مجرماً فإنّ له جهنّم)والتي
يظهر منها خلود العذاب، يتبادر هذا السؤال: تُرى هل
لكلّ مجرم هذا المصير؟ فمثلا نقرأ في شأن
قوم لوط الذين لم يؤمنوا بنبيّهم أبداً: (وأمطرنا عليهم مطراً فانظر كيف كان عاقبة المجرمين)،( الأعراف، 84.) ونقرأ في سورة
الفرقان في الآية 31: (وكذلك جعلنا لكلّ نبي
عدوّاً من المجرمين). |
|
4 ـ جبر البيئة
خرافة
|
|
تبيّن قصّة السّحرة في الآيات
المذكورة أنّ القول بأنّ البيئة تُملي أو تفرض على صاحبها مساره في الحياة ليس
سوى وهم فارغ، فإنّ الإنسان فاعل مختار، وصاحب إرادة حرّة، فإذا صمّم في أي وقت
فإنّه يستطيع أن يغيّر مسيره من الباطل إلى الحقّ، حتّى لو كان كلّ الناس في تلك
البيئة غارقين في الذنوب والضلال، فالسّحرة الذين كانوا لسنين طويلة في ذلك
المحيط الملوّث بالشرك، وكانوا يرتكبون بأنفسهم ويعملون الأعمال المتوغّلة في
الشرك عندما صمّموا على قبول الحقّ والثبات عليه بعشق، لم يخافوا أي تهديد،
وحقّقوا هدفهم، وعلى قول المفسّر الكبير العلاّمة الطبرسي: (كانوا أوّل النهار كفّاراً
سحرة، وآخر النهار شهداء بررة)( مجمع البيان، ج4، ص464.
ذيل الآية (126) من سورة الأعراف.). |
|
الآيات(77) (79)
وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى فَاضْرِبْ لَهُمْ
طَرِيقاً فِى الْبَحْرِ يَبَساً
|
|
وَلَقَدْ
أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِى
الْبَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَفُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَى(77) فَأتْبَعَهُمْ
فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ(78)
وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى(79) |
|
التّفسير |
|
نجاة
بني إسرائيل وغرق الفراعنة:
|
|
بعد حادثة المجابهة بين موسى
والسّحرة، وإنتصاره الباهر عليهم، وإيمان جمع عظيم منهم، فقد غزا موسى (ع) ودينه
أفكار الناس في مصر، بالرغم من أنّ أكثر الأقباط لم يؤمنوا به، إلاّ أنّ هذا كان
ديدنهم دائماً، وكان بنو إسرائيل تحت قيادة موسى مع قلّة من المصريين في حالة
صراع دائم مع الفراعنة، ومرّت أعوام على هذا المنوال، وحدثت حوادث مرّة موحشة
وحوادث جميلة مؤنسة، أورد بعضها القرآن الكريم في الآية
(127) وما بعدها من سورة الأعراف. |
|
الآيات(80) (82) يَبَنِى إِسْرَءِيلَ قَدْ أَنجَيْنَكُم
مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَعَدْنَكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الاَْيْمَنَ
|
|
يَبَنِى
إِسْرَءِيلَ قَدْ أَنجَيْنَكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَعَدْنَكُمْ جَانِبَ
الطُّورِ الاَْيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى(80) كُلُوا
مِن طَيِّبَتِ مَا رَزَقْنَكُمْ وَلاَ تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ
غَضَبِى وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوَى(81) وَإِنِّى لَغَفَّارٌ
لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَلِحاً ثُمَّ اهْتَدَى(82) |
|
التّفسير |
|
طريق
النجاة الوحيد:
|
|
تعقيباً على البحث السابق في
نجاة بني إسرائيل بصورة إعجازية من قبضة الفراعنة، خاطبت هذه الآيات الثلاث بني
إسرائيل بصورة عامّة، وفي كلّ عصر وزمان، وذكرتهم بالنعم الكبيرة التي منحها
الله إيّاهم، وأوضحت طريق نجاتهم. فقالت أوّلا: (يابني
إسرائيل قد أنجيناكم من عدوّكم). ومن البديهي أنّ أساس كلّ نشاط ومجهود
إيجابي هو التخلّص من قبضة المتسلّطين، والحصول على الحرية والإستقلال، ولذلك
اُشير إلى هذه المسألة قبل كلّ شيء. ثمّ تشير إلى واحدة من النعم المعنوية المهمّة، فتقول: (وواعدناكم جانب الطور الأيمن)، وهذه إشارة إلى حادثة
ذهاب موسى (عليه السلام) مع جماعة من بني إسرائيل إلى مكان ميعادهم في الطور،
ففي ذلك المكان أنزل الله سبحانه ألواح التوراة على موسى وكلّمه، وشاهدوا جميعاً
تجلّي الله سبحانه(الشرح المفصّل لهذه الحادثة في سورة
الأعراف ذيل الآيتين 155 ـ 156.). |
|
الآيات(83) (91)
وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَمُوسَى(83) قَالَ هُمْ أُوْلاَءِ عَلَى أَثَرِى وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى
|
|
وَمَا أَعْجَلَكَ
عَن قَوْمِكَ يَمُوسَى(83) قَالَ هُمْ أُوْلاَءِ عَلَى أَثَرِى وَعَجِلْتُ
إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى(84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن
بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِىُّ(85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ
غَضْبَنَ أَسِفاً قَالَ يَقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً
أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ
مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِى(86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا
مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ
الْقَوْمِ فَقَذَفْنَهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِىُّ(87) فَأَخْرَجَ
لَهُمْ عِجْلا جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ
مُوسَى فَنَسِىَ(88) أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلا وَلاَ
يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً(89) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَرُونُ مِن
قَبْلُ يَقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ
فَاتَّبِعُونِى وَأَطِيعُوا أَمْرِى(90) قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ
عَكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى(91) |
|
التّفسير |
|
صخب
السامري:
|
|
ذكر في هذه الآيات فصل آخر من
حياة موسى (ع) وبني إسرائيل، ويتعلّق بذهاب موسى (ع) مع وكلاء وممثّلي بني
إسرائيل إلى الطور حيث موعدهم هناك، ثمّ عبادة بني إسرائيل للعجل في غياب هؤلاء. |
|
بحوث
|
|
1 ـ شوق اللقاء!
|
|
قد يكون قول موسى (ع) في جواب
سؤال الله تعالى له حول إستعجاله إلى الميقات حيث قال: (وعجّلت
إليك ربّ لترضى) عجيباً لدى من لم يعرف شأن جاذبية عشق الله، إلاّ أنّ
الذين أدركوا هذه الحقيقة بكلّ وجودهم، والذين إذا إقترب موعد الوصال إشتدّ لهيب
العشق في أفئدتهم، يعلمون جيداً أيّة قوّة خفيّة كانت تجرّ موسى (ع) إلى ميقات
الله، وكان يسير سريعاً بحيث تخلّف عنه قومه الذين كانوا معه. |
|
2 ـ الحركات
المناوئة لنهضة الأنبياء!
|
|
من الطبيعي أن توجد في مقابل
كلّ ثورة حركة مضادّة تسعى إلى تحطيم نتائج الثورة، وإلى إرجاع المجتمع إلى
مرحلة ما قبل الثورة، وليس سبب ذلك معقدّاً ولا غامضاً، لأنّ إنتصار ثورة ما لا
يعني فناء كلّ العناصر الفاسدة من الفترة السابقة دفعة واحدة، بل تبقى حثالات
منهم تبدأ نشاطها من أجل الحفاظ على وجودها وكيانها، ومع إختلاف ظروف ومقدار
وكيفيّة هؤلاء، فإنّهم يقومون بأعمال تناهض الثورة سرّاً أمّ علانية. |
|
3 ـ مراحل
القيادة
|
|
لا شكّ أنّ هارون (ع) لم يأل
جهداً في أداء رسالته عند غياب موسى (ع)، إلاّ أنّ جهل الناس من جهة، وترسبّات
مرحلة العبودية والرقّ وعبادة الأصنام من جهة أُخرى،
قد أفشلت جهوده، فهو قد نفّذ واجبه ـ حسب الآيات محل
البحث ـ على أربع مراحل: |
|
4 ـ سؤال
وجواب؟«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى»
|
|
لقد أورد المفسّر
المعروف «الفخر الرازي» هنا إشكالا وهو ينتظر جوابه والردّ عليه وهو أنّه قال: إنّ
الرافضة تمسّكوا بقوله (ص) لعلي «أنت منّي
بمنزلة هارون من موسى» ثمّ إنّ هارون ما منعته التقيّة في مثل هذا الجمع،
بل صعد المنبر وصرّح بالحقّ ودعا الناس إلى مبايعة نفسه والمنع من متابعة غيره، فلو كانت اُمّة محمّد (ص) على الخطأ لكان يجب على علي (عليه
السلام) أن يفعل ما فعله هارون وأن يصعد على المنبر من غير تقيّة ولا خوف
وأن يقول: فاتّبعوني وأطيعوا أمري. فلمّا لم
يفعل ذلك علمنا أنّ الاُمّة كانت على الصواب. |
|
الآيات(92) (98)
قَالَ يَهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا(92) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ
أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى(93)
|
|
قَالَ يَهَرُونُ
مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا(92) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ
أَمْرِى(93) قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلاَ بِرَأسِى إِنِّى
خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى إِسْرَءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ
قَوْلِى(94) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَسَمِرِىُّ(95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ
يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا
وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِى نَفْسِى(96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِى
الْحَيَوةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ
وَانُظْر إِلَى إِلَهِكَ الَّذِى ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ
ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِى الْيَمِّ نَسْفاً(97) إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللهُ
الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَىْء عِلْماً(98) |
|
التّفسير |
|
نهاية
السّامري المريرة:
|
|
تعقيباً على البحث
الذي تناولته الآيات السابقة حول تقريع موسى
وملامته لبني إسرائيل الشديدة على عبادتهم العجل، تعكس هذه الآيات التي نبحثها ـ في البداية ـ محاورة موسى (ع) مع أخيه هارون (ع)، ثمّ مع السامري. وهنا ينقدح السؤال
التالي وهو: لا شكّ أنّ كلاًّ من موسى
وهارون نبي، فكيف يوجّه موسى (عليه السلام) هذا العتاب واللهجة الشديدة إلى
أخيه، وكيف نفسّر دفاع هارون عن نفسه؟! وأخيراً فإن (بصرت بما لم يبصروا) تشير ـ طبق التّفسير الأوّل إلى جبرئيل الذي كان قد تجلّى في هيئة فارس ـ
وربّما رآه بعض آخر لكنّهم لم يعرفوه ـ إلاّ أنّها تشير
ـ وفقاً للتفسير الثّاني إلى ما كان لديه من معلومات خاصّة عن دين موسى
(ع). |
|
بحثان
|
|
1 ـ يجب الثبات
أمام الحوادث الصعبة
|
|
إنّ طريقة موسى (عليه السلام)
في مقابلة إنحراف بني إسرائيل في عبادتهم العجل، يمكن أن تكون مثلا يقتدى به في
كلّ زمان ومكان في مجال مكافحة الإنحرافات الصعبة المعقّدة. وهكذا فإنّه توجّه أوّلا إلى
قائد المجتمع ليرى هل كان في عمله قصور أو لا؟ وبعد ثبوت براءته توجّه إلى سبب
الفساد، ثمّ إلى أنصار الفساد ومبتغيه! |
|
2 ـ من هو
السامري؟
|
|
إنّ أصل لفظ (سامري) في اللغة العبرية
(شمري) ولمّا كان المعتاد أن يبدّل حرف الشين إلى السين عند تعريب
الألفاظ العبرية كما في تبديل «موشى» إلى «موسى»، و «يشوع» إلى «يسوع»، نفهم من
ذلك أنّ السامري كان منسوباً إلى «شمرون»، وشمرون هو ابن يشاكر النسل الرّابع
ليعقوب. على كلّ حال، فإنّ
السامري كان رجلا أنانياً منحرفاً وذكيّاً في الوقت نفسه، حيث إستطاع أن يستغلّ نقاط ضعف بني إسرائيل وأن يوجد ـ
بجرأة ومهارة خاصّة ـ تلك الفتنة العظيمة التي سبّبت ميل الأغلبية الساحقة إلى
عبادة الأصنام، وكذلك رأينا أيضاً أنّه لاقى جزاء هذه الأنانيّة والفتنة في هذه
الدنيا.
|
|
الآيات(99) (104)
كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ ءَاتَيْنَكَ
مِن لَّدُنَّا ذِكْراً(99)
|
|
كَذَلِكَ نَقُصُّ
عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ ءَاتَيْنَكَ مِن لَّدُنَّا
ذِكْراً(99) مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ
وِزْراً(100)خَلِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ حِمْلا(101)
يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذ زُرْقاً(102)
يَتَخَفَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً(103) نَّحْنُ أَعْلَمُ
بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ
يَوْماً(104) |
|
التّفسير |
|
أسوأ
ما يحملون على عاتقهم!
|
|
مع أنّ الآيات السابقة كانت تتحدّث حول تاريخ موسى وبني إسرائيل والفراعنة والسامري
المليء بالحوادث، وقد بيّنت في طيّاتها بحوثاً مختلفة، فإنّ القرآن الكريم بعد
الإنتهاء منها يستخلص نتيجة عامّة فيقول: (كذلك نقصّ
عليك من أنباء ما قد سبق). ثمّ يضيف (وقد آتيناك
من لدنا ذكراً) قرآناً مليئاً بالدروس والعبر، والأدلّة العقليّة، وأخبار
الماضين وما ينبّه المقبلين ويحذّرهم. إنّ قسماً مهمّاً
من القرآن المجيد يبيّن تاريخ وقصص الماضين، وذكر كلّ هذه الوقائع التاريخيّة التي جرت على السابقين في القرآن الذي هو
كتاب يهتمّ بتربية الإنسان ليس أمراً إعتباطيّاً عبثيّاً، بل الغاية منه
الإستفادة من الأبعاد المختلفة في تأريخ هؤلاء، عوامل الإنتصار والهزيمة،
والسعادة والشقاء، والإستفادة من التجارب الكثيرة المخفية في طيّات تاريخ اُولئك
السابقين. لا شكّ أنّ مدّة توقّف هؤلاء
كانت طويلة، إلاّ أنّها تبدو قصيرة جدّاً في مقابل عمر القيامة. وإنّ تخافتهم
هذا بالكلام إمّا هو للرعب والخوف الشديد الذي ينتابهم عند مشاهدة أهوال
القيامة، أو أنّه نتيجة شدّة ضعفهم وعجزهم. |
|
الآيات(105) (112)
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفاً(105)
فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً(106)
|
|
وَيَسْئَلُونَكَ
عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفاً(105) فَيَذَرُهَا قَاعاً
صَفْصَفاً(106) لاَّ تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلاَ أَمْتاً (107) يَوْمَئِذ
يَتَّبِعُونَ الدَّاعِىَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الاَْصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ
فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً(108) يَوْمَئِذ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَعَةُ إِلاَّ
مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا(109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً(110) وَعَنَتِ
الْوُجُوهُ لِلْحَىِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً(111) وَمَن
يَعْمَلْ مِنَ الصَّلِحَتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً
(112) |
|
التّفسير |
|
مشهد
القيامة المهول:
|
|
تتابع هذه الآيات
الكلام في الآيات السابقة عن الحوادث المرتبطة بإنتهاء الدنيا وبداية القيامة. |
|
بحثان
|
|
1 ـ الفرق بين
الظلم والهضم
|
|
قرأنا في الآية الأخيرة من
الآيات محلّ البحث أنّ المؤمنين الصالحين لا يخافون ظلماً ولا هضماً، وقال بعض المفسّرين: إنّ «الظلم» إشارة إلى أنّ هؤلاء لا يخافون مطلقاً من أن يظلموا في
تلك المحكمة العادلة ويؤاخذوا على ذنوب لم يرتكبوها و
«الهضم» إشارة إلى أنّهم لا يخافون ـ أيضاً ـ
نقصان ثوابهم، لأنّهم يعلمون أنّ ما يستحقّونه من الثواب يصل إليهم دون
زيادة أو نقصان. |
|
2 ـ مراحل
القيامة
|
|
وردت الإشارة في
الآيات ـ محلّ البحث ـ إلى سلسلة من الحوادث التي تقع عند حلول القيامة وبعدها: |
|
الآيتان(113) (114)
وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَهُ قُرْءَاناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ
الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
|
|
وَكَذَلِكَ
أَنزَلْنَهُ قُرْءَاناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً(113) فَتَعَلَى اللهُ
الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى
إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْماً(114) |
|
التّفسير |
|
قل:
(ربّ زدني علماً)
|
|
الآيات محلّ البحث ـ في الواقع ـ إشارة إلى مجموع ما مرّ في الآيات
السابقة حول المسائل التربوية المرتبطة بالقيامة والوعد والوعيد، فتقول: (وكذلك أنزلناه قرآناً عربياً وصرفنا فيه من الوعيد لعلّهم
يتّقون أو يحدث لهم ذكراً). كلمة «عربي» وإن كانت بمعنى
اللغة العربية، إلاّ أنّها هنا إشارة إلى فصاحة القرآن وبلاغته وسرعة إيصاله
للمفهوم والمراد من جهتين: |
|
بحثان
|
|
1 ـ لا تعجل حتّى
في تلقّي الوحي!
|
|
لقد تضمّنت الآيات الأخيرة
دروساً تعليميّة، ومن جملتها النهي عن العجلة عند تلقّي الوحي، وكثيراً ما لوحظ
بعض المستمعين يقفون كلام المتحدّث أو يكملونه قبل أن يتمّه هو، وهذا الأمر
ناشىء عن قلّة الصبر أحياناً، أو ناشىء عن الغرور وإثبات وجود أيضاً، وقد يكون
العشق والتعلّق الشديد بشيء يدفع الإنسان ـ أحياناً ـ إلى هذا العمل، وفي هذه
الحالة ينبعث عن حافر مقدّس، غير أنّ هذا الفعل نفسه ـ أي العجلة ـ قد يُحدث
مشاكل أحياناً، ولذلك فقد نهت الآيات آنفة الذكر عن العجلة حتّى ولو كان المراد
أو الهدف من هذا الفعل صحيحاً، وأساساً لا تخلو الأعمال التي تنجز بإستعجال من
العيب والنقص غالباً. ومن المسلّم به أنّ فعل النّبي لمّا كان عليه من مقام
العصمة ـ كان مصوناً من الخطأ، إلاّ أنّه ينبغي عليه أن يكون في كلّ شيء مثلا
وقدوة للناس، ليفهم الناس أنّه إذا كان الإستعجال في تلقّي الوحي غير محبّذ، فلا
ينبغي الإستعجال في الاُمور الاُخرى من باب أولى أيضاً. |
|
2 ـ اُطلب المزيد
من العلم
|
|
لمّا كان النهي عن العجلة عند
تلقّي الوحي موهماً النهي عن الإستزادة في طلب العلم، فقد عقّبت الآية بعد ذلك
بالقول مباشرةً: (وقل ربّ زدني علماً) لتقف أمام هذا التصوّر الخاطىء، أي أنّ العجلة ليست
صحيحة، لكن من الضروري الجدّ والسعي من أجل الإرتواء من منهل العلم! |
|
الآيات(115) (122)
وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ
عَزْماً
|
|
وَلَقَدْ عَهِدْنَا
إِلَى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (115)وَإِذْ
قُلْنَا لِلْمَلَئِكَةِ اسْجُدُوا لاِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى
(116)فَقُلْنَا يَآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ
يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى(117) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ
فِيهَا وَلاَ تَعْرَى(118) وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا وَلاَ تَضْحَى(119)
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَنُ قَالَ يَآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ
الْخُلْدِ وَمُلْك لاَ يَبْلَى (120) فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا
سَوْءَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى
ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ
وَهَدَى (122) |
|
التّفسير |
|
آدم
ومكر الشّيطان:
|
|
كان القسم الأهمّ
من هذه السورة في بيان قصّة موسى (ع) وبني إسرائيل، والمواجهة بينهم وبين فرعون
وأنصاره، إلاّ أنّ هذه الآيات وما بعدها تتحدّث عن قصّة آدم وحواء، وعداء
ومحاربة إبليس لهما. وربّما كانت إشارة إلى أنّ الصراع بين الحقّ والباطل لا
ينحصر بأمس واليوم، وموسى (عليه السلام) وفرعون، بل كان منذ بداية خلق آدم
وسيستمر كذلك. |
|
هل
إرتكب آدم معصية؟
|
|
مع أنّ العصيان يأتي في عرف
اليوم ـ عادةً ـ بمعنى الذنب والمعصية، إلاّ أنّه في اللغة يعني الخروج عن
الطاعة وعدم تنفيذ الأمر سواء كان الأمر واجباً أو مستحبّاً، وبناءً على هذا
فإنّ إستعمال كلمة العصيان لا يعني بالضرورة ترك واجب أو إرتكاب محرّم، بل يمكن
أن يكون ترك أمر مستحبّ أو إرتكاب مكروه. |
|
الآيات(123) (127)
قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعَاً بَعْضُكُمْ لِبَعْض عَدُوٌّ فَإِمَّا
يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدىً
|
|
قَالَ اهْبِطَا
مِنْهَا جَمِيعَاً بَعْضُكُمْ لِبَعْض عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى
هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى (123) وَمَنْ
أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ
الْقِيَمَةِ أَعْمَى(124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً(125)قَالَ
كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى
(126)وَكَذَلِكَ نَجْزِى مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَتِ رَبِّهِ
وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) |
|
التّفسير |
|
المعيشة
الضنكا:
|
|
مع أنّ توبة آدم قد قبلت، إلاّ
أنّ عمله أدّى إلى عدم إستطاعته الرجوع إلى الحالة الأُولى، ولذا فإنّ الله
سبحانه أصدر أمره لآدم وحواء كليهما وكذلك الشيطان أن يهبطوا جميعاً من الجنّة: (قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو). إلاّ أنّي
اُعلمكم بأنّ طريق النجاة والسعادة مفتوح أمامكم (فإمّا
يأتينكم منّي هدى فمن اتّبع هداي فلا يضلّ ولا يشقى). |
|
بحوث
|
|
1 ـ الغفلة عن ذكر
الحقّ وآثارها
|
|
قد توصد أحياناً كلّ أبواب
الحياة بوجه الإنسان، فكلّما أقدم على عمل يجد الأبواب المغلقة، وقد تنعكس
الصورة فأينما اتّجه يرى الأبواب مفتّحة في وجهه، وقد تهيأت له مقدّمات العمل،
ولا يواجه عقبات في طريقه، فيعبّر عن هذه الحالة بسعة العيش ورغده، وعن الأُولى
بضيق المعيشة وشظفها، والمراد من قوله تعالى: (معيشةً
ضنكاً)( الضنك: المشقّة والضيق، وهذه الكلمة تأتي دائماً بصيغة المفرد، وليس لها
تثنية ولا جمع ولا تأنيث) .الوارد في الآيات محلّ البحث هو هذا المعنى
أيضاً. أجل .. فإنّ الذي يستلهم العبرة من حياة علي (عليه السلام)، ذلك الرجل
العظيم الذي كانت الدنيا في نظره لا تساوي عفطة عنز، والذي إنقطع إلى الله حتّى
صغرت الدنيا في عينه إلى هذا الحدّ، فمن يكن كذلك فستكون حياته في سعة ورفاه،
أمّا اُولئك الذين ينسون المُثُل والقدوة فإنّهم في ضنك العيش في كلّ الأحوال. |
|
2 ـ عمى البَصَر
وعَمى البصيرة!
|
|
لقد حُدّدت
عقوبتان لاُولئك الذين يعرضون عن ذكر الله:
إحداهما: المعيشة الضنك في هذه الدنيا، والتي
اُشير إليها في الملاحظة السابقة، والاُخرى:
العمى في الآخرة. |
|
3 ـ الإسراف في
المعصية
|
|
ممّا يلفت النظر أنّه قد ذكرت
في الآيات ـ محلّ البحث ـ هذه العقوبات المؤلمة
للأفراد الذين يسرفون ولا يؤمنون بآيات الله. |
|
4 ـ ما هو
الهبوط؟
|
|
«الهبوط» في اللغة بمعنى النّزول
الإجباري، كسقوط الصخرة من مرتفع ما، وعندما تستعمل في حقّ الإنسان
فإنّها تعني الإبعاد والإنزال عقاباً له. |
|
الآيات(128) (130)
أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ
فِى مَسَكِنِهِمْ
|
|
أَفَلَمْ يَهْدِ
لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِى مَسَكِنِهِمْ
إِنَّ فِى ذَلِكَ لاَيَت لاُِّوْلِى النُّهَى (128) وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ
مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمّىً (129) فَاصْبِرْ عَلَى مَا
يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ
غُرُوبِهَا وَمِنْ ءَانَاى الَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ
تَرْضَى (130) |
|
التّفسير |
|
اعتبروا
بتاريخ الماضين:
|
|
لمّا كانت عدّة
بحوث في الآيات السابقة قد وردت عن
المجرمين، فقد أشارت الآيات الأُولى من الآيات محلّ
البحث إلى واحد من أفضل طرق التوعية وأكثرها تأثيراً،
وهو مطالعة تأريخ الماضين، فتقول: (أفلم يهد لهم كم
أهلكنا قبلهم من القرون)( كما قلنا سابقاً، فإنّ
«قرون» جمع قرن، تعني الناس الذين يعيشون في عصر ما، ويقال أحياناً لنفس ذلك
الزمان: قرن. وهي من مادّة المقارنة.) اُولئك الذين عمّهم العذاب الإلهي
الأليم (يمشون في مساكنهم). إنّ هؤلاء يمرّون في مسيرهم
وذهابهم وإيّابهم على منازل قوم عاد ـ في أسفارهم إلى اليمن ـ وعلى مساكن ثمود
المتهدّمة الخربة ـ في سفرهم إلى الشام ـ وعلى منازل قوم لوط التي جُعل عاليها
سافلها ـ في سفرهم إلى فلسطين ـ ويرون آثارهم، إلاّ أنّهم لا يعتبرون، فإنّ
الخرائب والأطلال تتكلّم بلسان الحال وتخبر عن قصص السابقين وتحذّر أبناء اليوم
وأبناء الغد وتُعوِلُ صارخة أنّ هذه عاقبة الظلم والكفر والفساد. إلاّ أنّ هناك بحثاً بين المفسّرين في أنّ
المقصود من الحمد والتسبيح هل الحمد والتسبيح المطلق، أم أنّه إشارة إلى خصوص
الصلوات الخمس اليوميّة؟ فجماعة يعتقدون
بأنّه يجب أن يبقى ظاهر العبارات على معناه الواسع، ومن ذلك يستفاد أنّ المراد
هو التسبيح والحمد المطلق. إلاّ أنّ هذه
التفاسير لا منافاة بينها على كلّ حال، ويمكن أن تكون الآية إشارة إلى التسبيحات، وإلى الصلوات الواجبة والمستحبّة
في الليل والنهار، وبهذا فسوف لا يكون هناك تضادّ بين الرّوايات الواصلة في هذا
الباب، لأنّ الجملة فسّرت في بعض الرّوايات بالأذكار
الخاصّة، وفي بعضها بالصلاة. |
|
الآيات(131) (135)
وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى ما مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَجاً مِّنْهُمْ
زَهْرَةَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ
|
|
وَلاَ تَمُدَّنَّ
عَيْنَيْكَ إِلَى ما مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَوةِ
الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى(131)
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَوةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْئَلُكَ رِزْقاً
نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَقِبَةُ لِلتَّقْوَى(132) وَقَالُوا لَوْلاَ
يَأْتِيَنا بِآيَة مِّن رَّبِّهِ أَوَ لَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِى
الصُّحُفِ الاُْولَى (133) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَهُم بِعَذَاب مِّن قَبْلِهِ
لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ ءَايَتِكَ
مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى (134) قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا
فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَبُ الصِّرَطِ السَّوِىِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135) |
|
التّفسير |
|
لقد أصدرت في هذه الآيات
أوامر وتوجيهات للنبي، والمراد منها والمخاطب فيها عموم
المسلمين، وهي تتمّة للبحث الذي قرأناه آنفاً حول الصبر والتحمّل. فتقول أوّلا: (ولا تمدّن عينيك إلى ما متّعنا
به أزواجاً منهم) فإنّ هذه النعم المتزلزلة الزائلة ما هي إلاّ (زهرة الحياة الدنيا)، تلك الأزهار التي تُقطع بسرعة
وتذبل وتتناثر على الأرض، ولا تبقى إلاّ أيّاماً معدودات. اللهم ألهمنا تلك
الشهامة التي لا نرهب معها كثرة الأعداء، ولا نضعف عند الحوادث الصعبة. نهاية سورة طه |
|
|
|