- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
سُورَة
مَرْيَم مكّية وعَدَدُ آيَاتِها ثمان وتسعُونَ آية
|
|
«سورة
مريم» |
|
محتوى
السورة:
|
|
لهذه السورة من جهة المحتوى
عدة أقسام مهمّة: |
|
1 ـ يشكل
القسم الذي يتحدث عن قصص زكريا ومريم والمسيح(ع)ويحيي وإِبراهيم(ع) بطل التوحيد،
وولده إِسماعيل، وإِدريس وبعض آخر من كبار أنبياء الله، الجزء الأهم في هذه
السورة، ويحتوي على أُمور تربوية لها خصوصيات مهمّة. |
|
فضل
السورة:
|
|
روي عن الرّسول
الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم): «من قرأها أُعطي من الأجر بعدد مَن صدّق بزكريا وكذب به، ويحيي ومريم وموسى وعيسى
وهارون وإِبراهيم وإِسحاق ويعقوب وإِسماعيل عشر حسنات، وبعدد من ادعى لله ولداً،
وبعدد من لم يدع ولداً»( مجمع
البيان الجزء 3، ص 500.). |
|
الآيات(1) (6)
كهيعص(1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ(2)
|
|
كهيعص(1) ذِكْرُ
رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ(2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَآءً
خَفِيّاً(3) قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّى وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ
شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً(4) وَإِنِّى خِفْتُ
الْمَوَلِىَ مِن وَرَآءِى وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِراً فَهَبْ لِى مِن
لَّدُنكَ وَلِيّاً(5)يَرِثُنِى وَيَرِتُ مِنْ ءَالِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ
رَضِيّاً(6) |
|
التّفسير |
|
دعاء
زكريا المستجاب:
|
|
مرّة أُخرى نواجه الحروف المقطعة
في بداية هذه السورة، ولما كنّا قد بحثنا تفسير هذه الحروف المقطعة بصورة مفصلة
في بداية ثلاث سور مختلفة فيما سبق ـ سورة البقرة وآل عمران والأعراف ـ فلا نرى
حاجة للتكرار هنا. |
|
بحوث
|
|
1 ـ المراد من
الإِرث
|
|
لقد قدم المفسّرون
الإِسلاميون بحوثاً كثيرة حول الإِجابة عن
هذا السؤال، فالبعض يعتقد أنّ الإِرث هنا يعني
الإِرث في الأموال، والبعض اعتبره إِشارة إِلى مقام النبوة، وبعض آخر احتمل أن يكون المراد معنى جامعاً شاملا لكلا
الرأيين السابقين. أمّا الذين يعتقدون بأن الإرث
هنا هو الإرث المعنوي، فقد تمسكوا بقرائن في نفس الآية، أو خارجة عنها، مثل: |
|
2
ـ ماذا تعني كلمة «نادى»؟
|
|
في قوله تعالى (إِذ نادى ربّه نداءً خفياً) طُرح هذا السؤال بين المفسّرين،
وهو أن «نادى» تعني الدعاء بصوت عال، في حين أن «خفياً» تعني الإِخفات وخفض
الصوت، وهذان المعنيان لا يناسب أحدهما الآخر. |
3 ـ (ويرث من آل
يعقوب)
|
|
إِنّ زكريا قال: (ويرث من آل يعقوب)، وذلك لأنّ زوجته كانت خالة مريم
أو عيسى، ويتصل نسبها بيعقوب، لأنّها كانت من أسرة سليمان بن داود، وهو من أولاد
يهودا بن يعقوب(مجمع البيان، الجزء 6، ذيل الآية.). |
|
الآيات(7) (11)
يزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلم اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن
قَبْلُ سَمِيّاً
|
|
|
يزَكَرِيَّآ إِنَّا
نُبَشِّرُكَ بِغُلم اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً(7)
قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونَ لِى غُلمٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِراً وَقَدْ
بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً(8) قَالَ كَذلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَىَّ
هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيئاً(9) قَالَ رَبِّ
اجْعَلْ لِّى ءَايَةً قَالَ ءَايَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلثَ لَيَال
سَوِيّاً(10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الِْمحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ
أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً(11) |
|
التّفسير |
|
بلوغ
زكريا أمله:
|
|
تبيّن هذه الآيات استجابة
دعاء زكرى(عليه السلام)ا من قبل الله تعالى استجابة ممزوجة بلطفه الكريم وعنايته
الخاصّة، وتبدأ بهذه الجملة: (يا زكريا إِنّا نبشرك
بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سمياً). |
|
بحثان
|
|
1 ـ يحيى (عليه
السلام) النّبي المتألّه الورع
|
|
لقد ورد اسم «يحيى» في القرآن
الكريم خمس مرات ـ في سور آل عمران، والأنعام، ومريم، والأنبياء ـ فهو واحد من
أنبياء الله الكبار، ومن جملة امتيازاته ومختصاته أنّه وصل إِلى مقام النّبوة في
مرحلة الطفولة، فإِنّ الله سبحانه قد أعطاه عقلا وذكاءً وقّاداً ودراية واسعة في
هذا العمر بحيث أصبح مؤهلا لتقبل هذا المنصب. لقد كان هذا العمل امتيازاً
بالنسبة له، من جهة أنّه يبيّن نهاية العفة
والطهارة، أو أنّه كان ـ
نتيجة ظروف الحياة الخاصّة ـ مضطراً إِلى الأسفار المتعددة من أجل نشر
الدين الإِلهي والدعوة إِليه، واضطر كذلك إِلى أن يعيش
حياة العزوبة كعيسى بن مريم(عليه السلام). |
|
2 ـ ما معنى كلمة
«المحراب»؟
|
|
«المحراب» محل خاص في مكان العبادة يجعل للإِمام أو الوجهاء
والمبرزين، وقد ذكروا علتين لهذه التسمية: |
|
الآيات(12) (15)
ييَحْيَى خُذِ الْكِتَبَ بِقُوَّة ءَاتَيْنهُ الْحُكْمَ صَبِيَّاً
|
|
ييَحْيَى خُذِ
الْكِتَبَ بِقُوَّة ءَاتَيْنهُ الْحُكْمَ صَبِيَّاً(12) وَحَنَاناً مِّن
لَّدُنَّا وَزَكَوةً وَكَانَ تَقِيّاً(13) وَبَرَّاً بَولِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ
جَبَّاراً عَصِيّاً(14) وَسَلمٌ عَلَيهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ
وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً(15) |
|
التّفسير |
صفات
يحيى (عليه السلام) البارزة:
|
|
رأينا في الآيات السابقة كيف
أنّ الله سبحانه منّ على زكريا عند كبره بيحيى، وبعد ذلك فإنّ أوّل ما نلاحظه في
هذه الآيات هو الأمر الإِلهي المهم الذي يخاطب يحيى:
(يا يحيى خذ الكتاب بقوة). |
|
يحيى
وصفاته العشرة:
|
|
ثمّ أشار القرآن
الكريم إِلى المواهب العشرة التي منحها الله ليحيى والتي اكتسبها بتوفيق الله: |
|
|
بحوث
|
|
1 ـ خذ الكتاب
السماوي بقوة واقتدار!
|
|
إِنّ لكلمة «قوة» في قوله: (يا يحيى خذ الكتاب بقوّة) ـ كما تقدم ـ معنى واسعاً
جمعت فيه كل القدرات والطاقات المادية والمعنوية، الروحية الجسمية، وهذا بحد
ذاته يبيّن ويوضح هذه الحقيقة، وهي أنّ الدين الإِلهي والإِسلام والقرآن لا يمكن
أن تحفظ بالضعف والتخاذل والمهادنة اللين، بل يجب أن تصان بقوّة وتجعل في قلعة
القدرة المنيعة. وعلى كل حال، فإِنّ هذه الآية تعتبر جواباً لمن يظن أنّه بالإِمكان
تنفيذ عمل أو تحقيق غاية من موقعه الضعف، أو يريد حل المشاكل عن طريق المساومة
في كل الظروف. |
|
2 ـ ثلاثة أيّام
صعبة في مصير الإِنسان
|
|
إِنّ التعبير بـ (سلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً) يبيّن
أن في تاريخ حياة الإِنسان وانتقاله من عالم إِلى عالم آخر ثلاثة أيّام صعبة: يوم يضع قدمه في هذه الدنيا: (يوم ولد) ويوم موته وانتقاله إِلى عالم البرزخ (ويوم يموت) ويوم بعثه في العالم الآخر (ويوم يبعث حياً) ولما كان من الطبيعي أن تكون هذه الأيّام مرافقة للإِضطرابات والقلق، فإنّ الله
سبحانه يكتنف خاصّة عباده بسلامه وعافيته، ويجعل هؤلاء في ظل حمايته ومنعته في
هذه المراحل العسيرة الثلاثة. |
|
3 ـ النّبوة في
الطفولة
|
|
صحيح أنّ مرحلة النضج العقلي
للإِنسان لها حدّ معين عادة، إِلاّ أنّه يوجد أفراد استثنائيون بين البشر
دائماً، فأي مانع من أن يختصر الله هذه المرحلة لبعض عباده لمصالح ما، ويجعلها
تتلخص في سنوات أقل؟ كما أن مرور سنة أو سنتين على الولادة أمر محتم من أجل
التمكن من النطق عادة، في حين أنّنا نعلم أنّ عيسى(ع) قد تكلم في أيّامه
الأُولى، وكان كلاماً عميق المحتوى من شأنه أن يصدر ـ عادة عن أناس كبار في
السن، كما سيأتي في تفسير الآيات القادمة إِن شاء الله تعالى. ولا بأس من ذكر الرّواية
الشريفة عن الإِمام علي بن موسى الرضا(ع)، وهي أن جماعة من الأطفال قالوا
للرضاأيّام طفولته: أذهب بنا نلعب، قال: «ما للعب خلقنا» وهذا ما أنزل الله
تعالى (وآتيناه الحكم صبيّاً) ( نور الثقلين، الجزء 3،
ص 325.). |
|
4 ـ شهادة يحيى
|
|
لم تكن ولادة يحيى عجيبة
ومذهلة لوحدها، بل إِنّ موته أيضاً كان عجيباً من عدّة جهات، وقد ذكر أغلب
المؤرخين المسلمين، وكذلك المصادر المسيحية، مجرى هذه الشهادة على هذه النحو،
بالرغم من وجود اختلاف يسير في خصوصياتها بين هذه المراجع: |
|
الآيات(16) (21)
وَاذْكُرْ فِى الْكِتبِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانَاً
شَرْقِيّاً
|
|
وَاذْكُرْ فِى
الْكِتبِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانَاً
شَرْقِيّاً(16)فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَا
رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيَّاً(17) قَالَتْ إِنِّى أَعُوذُ
بِالرَّحْمنِ مِنكَ إِن كُنْتَ تَقِيّاً(18)قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ
رَبِّكِ لأَِهَبَ لَكِ غُلَماً زَكِيّاً(19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِى غُلمٌ
وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً(20) قَالَ كَذلِكِ قَالَ
رَبُّكِ هُوَ عَلَىَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً
مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً(21) |
|
التّفسير |
|
ولادة
عيسى (عليه السلام):
|
|
بعد ذكر قصّة يحيى(عليه
السلام)، حولت الآيات مجرى الحديث إِلى قصّة عيسى(عليه السلام)لوجود علاقة قوية
وتقارب واضح جداً بين مجريات هاتين الحادثتين. وإِن كان الوصول إِلى مقام
النّبوة وبلوغ العقل الكامل ـ في مرحلة الطفولة ـ باعثاً على الحيرة ومعجزاً،
فإِنّ التحدث في المهد عن الكتاب والنّبوة أبعث على التعجب والحيرة، وأكثر
إِعجازاً. |
|
بحثان
|
|
1 ـ ما هو المراد
من روح الله؟
|
|
إِنّ كل المفسّرين المعروفين تقريباً فسّروا
الروح هنا بأنّه جبرئيل ملك الله العظيم، والتعبير عنه الروح لأنّه
روحاني، ووجود مفيض للحياة، لأنّه حامل الرسالة الإِلهية إِلى الأنبياء وفيها
حياة جميع البشر اللائقين، وإِضافة الروح هنا إِلى الله دليل على عظمة وشرف هذا
الروح، حيث أنّ من أقسام الإِضافة هي (الإِضافة
التشريفية). |
|
2 ـ ما هو
التمثل؟
|
|
«التمثل» في الأصل من «المثول»، أي
الوقوف مقابل شخص أو شيء، ويقولون للشيء الذي
يظهر بصورة أُخرى: ممثلا، وعلى هذا فإِنّ قوله: (تمثل
لها بشراً سوياً) تعني أن ذلك الملك قد ظهر بصورة إِنسان. |
|
الآيات(22) (26)
فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً
|
|
فَحَمَلَتْهُ
فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً(22) فَأَجَآءَهَا الَْمخَاضُ إِلَى جِذْعِ
النَّخْلَةِ قَالَتْ يلَيْتَنِى مِتُّ قَبْلَ هذَا وَكُنْتُ نَسْياً
مَّنسِيّاً(23) فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِى قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ
تَحْتَكِ سَرِيّاً(24) وَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسْقِطْ
عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً(25) فَكَلِى وَاشْرَبِى وَقَرِّى عَيْناً فَإِمَّا
تَرِيَنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُوِلى إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً
فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمِ إِنْسِيّاً(26) |
|
التّفسير |
|
مريم
في عاصفة:
|
|
وأخيراً حملت مريم، واستقر
ذلك الولد الموعود في رحمها: (فحملته)ولم يتحدث
القرآن عن كيفية نشوء وتكوّن هذا المولود، فهل أنّ جبرئيل قد نفخ في ثوبها، أم
في فمها؟ وذلك لعدم الحاجة إِلى هذا البحث، بالرغم من
أنّ كلمات المفسّرين مختلفة في هذا الشأن. لقد كانت تعيش في حالة بين
الخوف والأمل، حالة من القلق والإِضطراب المشوب بالسرور، فهي تفكر أحياناً بأن
هذا الحمل سيفشو أمره في النهاية، فالأفضل أن أبقى بعيدة عن أُولئك الذين
يعرفونني عدّة أيّام أو أشهر، وأعيش في هذا المكان بصورة مجهولة، وماذا سيحدث في
النهاية؟ |
|
بحوث
|
|
1 ـ ازدياد قوة
مريم عند تراكم المشاكل
|
|
إِنّ الحوادث التي مرّت على
مريم في هذه المدّة القصيرة، والمشاهد والمواقف التي تثير الإِعجاب، والتي حدثت
لها بلطف الله، كانت تهيؤها وتعدها من أجل تربية نبي من أولي العزم، ولتستطيع أن
تؤدي وظيفة الأُمومة من خلال هذا الأمر الخطير
على أحسن وجه. |
|
2 ـ لماذا طلبت
مريم الموت من الله؟
|
|
لا شك أن طلب الموت من الله
عمل غير صحيح، إِلاّ أنّه قد تقع حوادث في حياة الإِنسان يصبح فيها طعم الحياة
مرّاً، وخاصّة إِذا رأى الإِنسان أهدافه المقدسة أو شرفه وشخصيته مهددة بالخطر،
ولا يملك قدرة الدفاع عن نفسه أمامها، وفي مثل هذه الظروف يتمنى الإِنسان الموت
للخلاص من العذاب الروحي. لقد خطرت في ذهن مريم في اللحظات
الأُولى هذه الأفكار، وتصورت بأن كل وجودها وكيانها وماء وجهها مهدد بالخطر أمام
هؤلاء الناس الجهلاء نتيجة ولادة هذا المولود، وفي هذه اللحظات تمنت الموت، وهذا
بحد ذاته دليل على أنّها كانت تحب عفتها وطهارتها وتهتم بهما أكثر من روحها،
وتعتبر حفظ ماء وجهها أغلى من حياتها. |
|
3 ـ
سؤال وجواب،4 ـ صوم الصمت
|
|
يسأل البعض: إِنّ المعجزة إِذا كانت مختصة بالأنبياء والأئمّة(ع)،
فكيف ظهرت مثل هذه المعجزات لمريم؟ |
|
5 ـ غذاء مولد
للطاقة
|
|
إِستفاد المفسّرون ممّا جاء
صريحاً في هذه الآيات، أنّ الله سبحانه قد جعل غذاء مريم حين ولادة مولودها
الرطب، فهو من أفضل الأغذية للنساء بعد وضع الحمل، وفي الأحاديث الإِسلامية
إِشارة صريحة إِلى ذلك أيضاً: |
|
الآيات(27) (33)
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئَاً
فَرِيّاً
|
|
فَأَتَتْ بِهِ
قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئَاً
فَرِيّاً(27)يأُخْتَ هَرُونَ مَا كَانَ أَبوُكِ امْرَأَ سَوْء وَمَا كَانَتْ
أُمُّكِ بَغِيّاً(28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ
فِى الْمَهْدِ صَبِيّاً(29) قَالَ إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ ءَاتنِىَ الْكِتبَ
وَجَعَلَنِى نَبِيّاً(30)وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصنِى
بِالصَّلوةِ والزَّكَوةِ مَادُمْتُ حَيّاً(31) وَبَرَّاً بِولِدَتِى وَلَمْ
يَجْعَلْنِى جَبّاراً شَقِيّاً(32)وَالسَّلمُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ
أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً(33) |
|
التّفسير |
|
المسيح
يتكلم في المهد:
|
|
وأخيراً رجعت مريم(ع) من
الصحراء إِلى المدينة وقد احتضنت طفلها (فأتت به قومها
تحمله) فلمّا رأوا طفلا حديث الولادة بين يديها فغروا أفواههم تعجباً،
فقد كانوا يعرفون ماضي مريم الطاهر، وكانوا قد سمعوا بتقواها وكرامتها، فقلقوا
لذلك بشدّة، حيت وقع شك بعضهم وتعجّل آخرون في القضاء والحكم وأطلق العنان للسانه في توبيخها وملامتها، وقالوا:
إِن من المؤسف هذا الإِنحدار مع ذلك الماضي المضيء، ومع الأسف على تلوّث سمعه
تلك الأسرة الطاهرة (قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً
فرياً)( «فرياً» بناء على قول الراغب في
المفردات ـ جاءت بمعنى العظيم أو العجيب، وفي الأصل من مادة فري، أي قص وقطع
الجلد إِمّا لإِصلاحه أو إِفساده.). |
|
بحوث
|
|
1 ـ أوضح تصوير
عن ولادة عيسى (عليه السلام)
|
|
يمكن إِدراك فصاحة وبلاغة
القرآن الكريم، وخاصّة في مثل هذه الموارد، وذلك عند ملاحظة طريقة طرحه لمسألة
مهمّة اختلطت بكل تلك الخرافات، في عبارات قصيرة وعميقة، وحية، وغنية المحتوى،
وناطقة تماماً، بحيث تطرح جانباً كل أنواع الخرافات. |
|
2 ـ منزلة الأم
|
|
بالرغم من أنّ المسيح(عليه
السلام) قد ولد بأمر الله النافذ من امرأة بدون زوج، إِلاَّ أنّ ما نقرأه في
الآيات ـ محل البحث ـ عن لسانه، والذي يعدّ فيه
«ضمن تعداده لميزاته وأوسمته» برّه بأُمه، دليل واضح على أهمية مقام الأم، وهي
توضح بصورة ضمنية أنّ هذا الطفل الصغير ـ الذي نطق بالإِعجاز ـ كان عالماً
ومطلعاً على أنّه ولد نموذجي بين البشر، وأنّه ولد من أمه فقط دون أن يكون للأب
دخل في تكونه وولادته. لا شك أنّنا إِذا لاحظنا
ودققنا في المشقات والمتاعب التي تتقبلها وتتحملها الأُم من حين الحمل إِلى
الوضع، وفي مرحلة الرضاعة إِلى أن يكبر الطفل، وكذلك العذاب والأتعاب والسهر في
الليالي، والتمريض والرعاية، كل ذلك تقبلته بكل رحابة صدر وأنس في سبيل ولدها ..
إِذا لاحظنا ذلك فسنرى أن الإِنسان مهما سعى وجدّ في هذا الطريق، فإِنّه سيبقى
مديناً للام. |
|
3 ـ إِنجاب البكر
|
|
من جملة الأسئلة
التي تثيرها هذه الآيات، هو: هل يمكن من
الناحية العلمية أن يولد ولد من دون أب؟ وهل أن مسألة ولادة عيسى(ع) دون أب
تخالف تحقيقات العلماء في هذا المجال، أو لا؟ لقد كتب الدكتور
«الكسيس كارل»، الفيزيائي وعالم الحياة
الفرنسي المعروف، في كتاب «الإِنسان ذلك المجهول»، عندما نفكر في مقدار مساهمة
كل من الأب والأم في تكوين أمثالهما، فيجب أن نتذكر تجارب (لوب) و (باتايون)
بأنّه يمكن إِنتاج ضفدعة جديدة من بيضة ضفدعة غير ملقحة بدون تدخل الحيامن، بل
بواسطة أساليب خاصّة. |
|
4 ـ كيف يتكلم
الصبي؟
|
|
لا يخفى أنّ أي طفل حديث
الولادة لا يتكلم في الساعات أو الأيّام الأُولى لولادته حسب الوضع الطبيعي
المتعارف، فإنّ النطق يحتاج إِلى نمو المخ بالقدر الكافي، ثمّ تقوية عضلات
اللسان والحنجرة، وانسجام أجهزة الجسم المختلفة مع بعضها، وهذه الأُمور عادة
تستغرق عدّة أشهر حتى تتهيأ تدريجياً عند الطفل. |
|
الآيتان(34) (35) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ
الَّذِى فِيهَ يَمْتَرُونَ
|
|
ذلِكَ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِى فِيهَ يَمْتَرُونَ(34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ
يَتَّخِذَ مِن وَلَد سُبْحنَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ
كُنْ فَيَكُونُ(35) |
|
التّفسير |
|
أيمكن
أن يكون لله ولد!؟
|
|
بعد تجسيد القرآن الكريم في
الآيات السابقة حادثة ولادة المسيح(ع)بصورة حية وواضحة جدّاً، انتقل إِلى نفي
الخرافات وكلمات الشرك التي قالوها في شأن عيسى، فيقول: (ذلك عيسى بن مريم) خاصّة وأنّه يؤكّد على كونه «ابن مريم» ليكون ذلك مقدمة لنفي بنوته لله سبحانه. أمّا ما يذكره
القرآن من أنّ هؤلاء في شك وتردد من هذه المسألة، فربّما كان
إِشارة إِلى أنصار وأعداء المسيح (عليه السلام)، وبتعبير
آخر: إِشارة إِلى اليهود والنصارى، فمن جهة شككت جماعة ضالة بطهارة أُمّه
وعفتها، ومن جهة أُخرى شك قوم في كونه إِنساناً،
حتى أنّ هذه الفئة قد انقسمت إِلى مذاهب متعددة،
فالبعض اعتقد بصراحة أن ابن الله ـ الابن الروحي والجسمي الحقيقي لا المجازي! ـ ومن ثمّ نشأت مسألة التثليث والأقانيم الثلاثة. والخلاصة : فإِنّ هؤلاء جميعاً لما لم يروا الحقيقة ـ أو أنّهم لم
يطلبوها ولم يريدوها ـ سلكوا طريق الخرافات والأساطير(من
أجل زيادة الإِيضاح في مسألة تثليث النصارى، وما حاكوه ونسجوه من الخرافات
حولها، راجع ذيل الآية (171) من سورة النساء.)! إِنّ تعبير (كن فيكون) الذي جاء في ثمانية موارد من القرآن، تجسيد
حي جدّاً عن مدى سعة قدرة الله، وتسلطه وحاكميته في أمر الخلقة، ولا يمكن تصور
تعبير عن الأمر أقصر وأوجز من (كن) ولا نتيجة
أوسع وأجمع من (فيكون)خاصّة مع ملاحظة «فاء
التفريع» التي تعطي معنى الفورية هنا، فإِنّها لا تدل هنا على التأخير الزماني
بتعبير الفلاسفة، بل تدل على التأخير الرتبي، أي تبيّن ترتب المعلوم على العلة.
دققوا جيداً. |
|
الآيات(36) (40)
وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَطٌ مُّسْتَقِيمٌ
|
|
وَإِنَّ اللَّهَ
رَبِّى وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَطٌ مُّسْتَقِيمٌ(36)فَاخْتَلَفَ
الأَْحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَّشْهَدِ
يَوْم عَظِيم(37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لكِنِ
الظَّلِمُونَ الْيَوْمَ فِى ضَلل مُّبِين(38) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ
إِذْ قُضِىَ الأَْمْرُ وَهُمْ فِى غَفْلَة وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ(39) إِنَّا
نَحْنُ نَرِثُ الأَْرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ(40) |
|
التّفسير |
|
يوم
القيامة .. يوم الحسرة والأسف:
|
|
إِنّ آخر كلام لعيسى(ع) بعد
تعريفه لنفسه بالصفات التي ذكرت، هو التأكيد على مسألة التوحيد، وخاصّة في مجال
العبادة، فيقول: (وإِن الله ربّي وربّكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم)( إِنّ هذه الآية من جهة التركيب، عطف على كلام عيسى الذي مر
آنفاً، والذي ابتدأ بقوله (قال إنّي عبد الله)وانتهى بهذه الجملة.). إِلاّ أنّ التّفسير
الأوّل هو الأصح كما يبدو، خاصّة وأنّه قد
روي في حديث عن الإِمام الصادق (عليه السلام) في تفسير جملة (إِذ قضي الأمر) أنّه قال: «أي قضي على أهل الجنّة
بالخلود فيها، وقضي على أهل النّار بالخلود فيها»( مجمع
البيان، ذيل الآية أعلاه.). وهنا ـ أيضاً ـ
إِحتمال آخر، وهو أن مفعول (نرث) تارة يكون الشخص
الذي يترك الأموال، مثل: (وورث سليمان داود)، وتارة أُخرى الأموال التي بقيت للإِرث، مثل: (نرث الأرض) وفي الآية أعلاه ورد كلا التعبيرين. |
|
الآيات(41) (45)
وَاذْكُرْ فِى الْكِتبِ إِبْرهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً
|
|
وَاذْكُرْ فِى
الْكِتبِ إِبْرهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً(41) إِذْ قَالَ
لأَِبِيهِ يأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى
عَنكَ شَيئاً(42)يأَبَتِ إِنِّى قَدْ جَآءَنِى مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأتِكَ
فَاتَّبِعْنِى أَهْدِكَ صِرطاً سَوِيّاً(43) يأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطنَ
إِنَّ الشَّيْطنَ كَانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيّاً(44) يأَبَتِ إِنِّى أَخَافُ أَنْ
يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونِ لِلشَّيْطنِ وَلِيّاً(45) |
|
التّفسير |
|
إبراهيم
ومنطقه المؤثر والقاطع:
|
|
إنتهت قصّة ولادة المسيح(عليه
السلام) وقد تضمنت جانباً من حياة أُمّه مريم، وبعدها تزيح هذه الآيات ـ والآيات
الآتية ـ الستار عن جانب من حياة بطل التوحيد إِبراهيم الخليل(ع)، وتؤكّد على
أنّ دعوة هذا النّبي الكبير ـ كسائر المرشدين الإِلهيين
ـ تبدأ من نقطة التوحيد، فتقول أوّلا: (واذكر في
الكتاب إِبراهيم إِنّه كان صديقاً نبيّاً). بعد ذلك دعاه ـ عن طريق
المنطق الواضح ـ إِلى اتباعه، فقال: (يا أبت إِنّي قد
جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً) فإِنّي قد وعيت
أُموراً كثيرة عن طريق الوحي، وأستطيع أن أقول باطمئنان: إِنّي سوف لا أسلك طريق
الضلال والخطأ، ولا أدعوك أبداً إِلى هذا الطريق المعوج، فإِنّي أريد سعادتك
وفلاحك، فاقبل منّي لتنجو وتخلص من العذاب وتصل بطيّك هذا الصراط المستقيم إِلى
المحل المقصود. |
|
بحوث
|
|
1 ـ طريق النفوذ
إِلى الآخرين
|
|
إِنّ طريقة محاورة إِبراهيم
لآزر ـ الذي كان ـ طبقاً للرّوايات ـ من عبدة
الأصنام، حيث كان يصنعها ويبيعها، وكان يعتبر عاملا مهمّاً في ترويج الشرك ـ
تبيّن لنا بأنّه يجب استخدم المنطق الممتزج بالإِحترام والمحبة والحرص على
الهداية، مقترناً بالحزم قبل التوسل بالقوة، للنفوذ إِلى نفوس الأفراد
المنحرفين، لأنّ الكثير سيذعنون للحق عن هذا الطريق، وهناك جماعة سيظهرون
مقاومتهم لهذا الأسلوب، ومن الطبيعي أن حساب هؤلاء يختلف، ويجب أن يعاملوا
بأُسلوب آخر. |
|
2 ـ دليل اتباع
العالم
|
|
قرأنا في الآيات ـ محل البحث ـ أن إِبراهيم دعا عمه آزر لإِتباعه، مع
كبر سنة وشهرته في المجتمع. ويذكر دليله على دعوته هذه فيقول: (إِنّي قد جاءني من العلم ما لم يأتك). |
|
3 ـ سوره الرحمة
والتذكير
|
|
لقد وردت جملة (واذكر) خمس مرات عند الشروع بذكر قصص الأنبياء العظام ومريم،
ولهذا السبب يمكن تسمية هذه السورة بسورة (التذكير)
.. ذكر الأنبياء، والرجال والنساء العظام; وحركتهم التوحيدية، وجهودهم في طريق
محاربة الشرك وعبادة الأصنام والظلم والجور. |
|
الآيات(46) (50)
قَالَ أَرَاغِبٌ أنْتَ عَنْ ءَالِهَتِى يإِبْرهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ
لأََرْجُمَنَّكَ
|
|
قَالَ أَرَاغِبٌ
أنْتَ عَنْ ءَالِهَتِى يإِبْرهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأََرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِى
مَلِيّاً(46) قَالَ سَلمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّى إِنَّهُ كَانَ
بِى حَفِيّاً(47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وأَدْعُوا
رَبِّى عَسَى أَلآَّ أَكُونَ بِدُعِآءِ رَبِّى شَقِيّاً(48) فَلَمَّا
اعْتَزَلَهُم وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحقَ
وَيَعْقُوبَ وَكُلاًَّ جَعَلْنَا نَبِيّاً(49)وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِّن
رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْق عَلِيّاً(50) |
|
التّفسير |
|
نتيجة
البعد عن الشرك والمشركين:
|
|
مرّت في الآيات السابقة كلمات
إِبراهيم التي كانت ممتزجة باللطف والمحبّة في طريق الهداية، والآن جاء دور ذكر
أجوبة آزر، لكلي تتضح الحقيقة والواقع من خلال مقارنة الكلامين مع بعضهما. |
|
الآيات(51) (53)
وَاذْكُرْ فِى الْكِتبِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولا
نَّبِيّاً
|
|
وَاذْكُرْ فِى
الْكِتبِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولا
نَّبِيّاً(51)وَنَدَيْنهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَْيْمَنِ وَقَرَّبْنهُ
نَجِيّاً(52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هرُونَ نَبِيّاً(53) |
|
التّفسير |
|
موسى
النّبي المخلص:
|
|
في هذه الآيات الثلاث إِشارة
قصيرة إِلى موسى(ع) ـ وهو من ذرية إبراهيم(ع) وموهبة من مواهب ذلك الرجل العظيم
ـ حيث سار على خطاه. |
|
بحثان
|
|
1 ـ من هو
المخلَص؟
|
|
قرأنا في الآيات السابقة أنّ
الله سبحانه جعل موسى من العباد المخلَصين ـ بفتح اللام
ـ وهذا المقام عظيم جدّاً كما أشرنا إِلى ذلك، مقام مقترن بالضمان
الإِلهي عن الانحراف، مقام محكم لا يستطيع الشيطان اختراقه، ولا يمكن تحصيله إِلاّ بالجهاد الدائم للنفس، والطاعة
المستمرة المتلاحقة لأوامر الله سبحانه. |
|
2 ـ الفرق بين
الرّسول والنّبي
|
|
الرّسول هو الشخص الذي أُلقيت على عاتقه مهمّة أو رسالة ليبلغها،
والنّبي ـ بناء على أحد التفاسير ـ هو الشخص
المطلع على الوحي الإِلهي والذي يُخبر بما يوحى إِليه، وبناء
على تفسير آخر هو الشخص العالي المقام والسامي المرتبة، وقد بيّنا اشتقاق كلا الكلمتين ما مادتيهما. هذا من
جهة اللغة. |
|
الآيتان(54) (55)
وَاذْكُرْ فِى الْكِتَبِ إِسْمعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ
رَسُولا نَّبِيَّاً
|
|
وَاذْكُرْ فِى
الْكِتَبِ إِسْمعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا
نَّبِيَّاً(54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَوةِ ؤَالزَّكَوةِ وَكَانَ
عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً(55) |
|
التّفسير |
|
إِسماعيل
نبي صادق الوعد:
|
|
بعد ذكر إِبراهيم(ع) وتضحيته،
وبعد الإِشارة القصيرة إِلى حياة موسى(ع)المتسامية، يأتي الحديث عن إِسماعيل،
أكبر ولد إِبراهيم، ويكمل ذكر إِبراهيم بذكر ولده إِسماعيل، وبرامجه ببرامج
ولده، ويبيّن القرآن الكريم خمس صفات من صفاته البارزة التي يمكن أن تكون قدوة
للجميع. |
|
الآيات(56) (60)
وَاذْكُرْ فِى الْكِتَبِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً
|
|
وَاذْكُرْ فِى
الْكِتَبِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً(56) وَرَفَعْنهُ
مَكَاناً عَلِيّاً(57) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِّن
النَّبِيِّنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح وَمِنْ
ذُرِّيَّةِ إِبْرهِيمَ وَإِسْرءِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا واجْتَبَيْنَآ إِذَا
تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايتُ الرَّحْمنِ خَرَّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً(58) فَخَلَفَ
مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلوةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوتِ فَسَوْفَ
يَلْقَوْنَ غَيّاً(59) إِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صلِحاً فَأُولَئِكَ
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ولاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً(60) |
|
التّفسير |
|
هؤلاء
أنبياء الله، ولكن ...
|
|
في آخر قسم من تذكيرات هذه
السورة، جاء الحديث عن «إِدريس» النّبي، فقالت الآية أوّلا: (واذكر في الكتاب
إِدريس إِنّه كان صديقاً نبيّاً) و«الصديق» ـ كما قلنا سابقاً ـ هو الشخص الصادق
جدّاً، والمصدق بآيات الله سبحانه، والمذعن للحق والحقيقة. ثمّ تشير الآية
إِلى مقامه العالي وتقول: (ورفعناه مكاناً علياً). وهناك بحث بين المفسّرين في أن المراد هل هو عظمة مقام إِدريس
المعنوية، أم الإِرتفاع المكاني بين المفسّرين في أنّ المراد هل هو عظمة مقام
إِدريس المعنوية، أم الإِرتفاع المكاني الحسي؟ فالبعض
اعتبر ذلك ـ كما ذهبنا إِليه ـ إِشارة إِلى المقامات المعنوية والدرجات
الروحية لهذا النّبي الكبير، والبعض الآخر يعتقد
أن الله سبحانه قد رفع إِدريس كالمسيح إِلى السماء،
واعتبروا التعبير بـ (مكان عليّ) إِشارة إِلى
هذا. ثمّ تتحدث الآيات عن جماعة
انفصلوا عن دين الأنبياء المربي للإِنسان، وكانوا خلفاً سيئاً لم ينفذوا ما أريد
منهم، وتعدد الآية قسماً من أعمالهم القبيحة، فتقول: (فخلف
من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً). |
|
بحثان |
|
1 ـ من هو
إِدريس؟
|
|
طبقاً لنقل كثير من المفسّرين، فإنّ إِِدريس جدّ سيدنا نوح(ع) واسمه في التوراة (أخنوخ) وفي العربية (إِدريس)،
وذهب البعض أنّه من مادة (درس) لأنّه أوّل من كتب بالقلم، فقد كان إِضافة إِلى
النّبوة عالماً بالنجوم والحساب والهيئة، وكان أوّل من علم البشر خياطة الملابس. |
|
2 ـ من هم الذين
( اضاعوا الصلاة)
|
|
نقرأ في حديث ورد في كثير من كتب علماء أهل السنة، أن
النّبي(ص)عندما تلا هذه الآية قال: «يكون خلف من بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة
واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً، ثمّ يكون خلف يقرأون القرآن لا يعدو تراقيهم،
ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن، منافق، وفاجر»( تفسير
الميزان، ج 14، ص 84.). |
|
الآيات(61) (63)
جَنَّتِ عَدْن الَّتِى وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ
|
|
جَنَّتِ عَدْن
الَّتِى وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ
مَأْتِيّاً(61) لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلَمَاً وَلَهُمْ
رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً(62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِى نُورِثُ
مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً(63) |
|
التّفسير |
|
بعض
صفات الجنّة:
|
|
وصفت الجنّة ونعمها في هذه
الآيات حيث جاء ذكرها في الآيات السابقة، فهي تصف الجنّة الموعودة بأنّها (جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إِنّه كان وعده
مأتياً). أليس معنى هذا الكلام أنّ
السير التكاملي للإِنسان سيستمر هناك، بالرغم من أنّه لا يعمل عملا، غير أنّه
سيديم سيره التكاملي بواسطة معتقداته وأعماله في هذه الدنيا؟! |
|
الآيتان(64) (65)
وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا
خَلْفَنَا
|
|
وَمَا نَتَنَزَّلُ
إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا
بَيْنَ ذلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً(64) رَّبُّ السَّموتِ والأَْرْضِ
وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبدَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ
سَمِيّاً(65) |
|
سبب
النّزول
|
|
ذكر جماعة من المفسّرين في
سبب نزول هاتين الآيتين، أنّ الوحي انقطع أيّاماً، ولم يأت جبرئيل رسول الوحي
الإِلهي إِلى النّبي، فلمّا انقضت هذه المدّة قال له: قال عن رسول الله(صلى الله
عليه وآله وسلم): «ما منعك أن تزورنا أكثر ممّا تزورنا»، فنزلت الآية: (وما
نتنزلُ إِلاّ بأمر ربّك)( تفسير نور الثقلين، ج3، ص352،
عن مجمع البيان، وتفسير القرطبي، الجزء 11، ص 416 ، و ذيل الآية مورد البحث
باختلاف يسير.). |
|
التّفسير |
|
الطاعة
التّامة:
|
|
بالرّغم من أن لهذه الآية سبب
نزول ذكر أعلاه، إِلاّ أنّ هذا لا يكون مانعاً
من أن يكون لها ارتباطاً منطقياً بالآيات السابقة، لأنّها
تأكيد على أنّ كل ما أتى به جبرئيل من الآيات السابقة قد بلغه عن الله بدون
زيادة أو نقصان، ولا شيء من عنده، فتتحدث الآية الأُولى
على لسان رسول الوحي فتقول: (وما نتنزل إِلاّ
بأمر ربّك) فكل شيء منه، ونحن عباد وضعنا أرواحنا وقلوبنا على الأكف (له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك) والخلاصة: فإنّ الماضي والحاضر والمستقبل، وهنا وهناك
وكل مكان، والدنيا والآخرة والبرزخ، كل ذلك متعلق بذات الله المقدسة. |
|
الآيات(66) (70)
وَيَقُولُ الإِْنسَنُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً
|
|
وَيَقُولُ
الإِْنسَنُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً(66) أَوَلاَ يَذْكُرُ
الإِْنسَنُ أَنَّا خَلَقْنَهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيئاً(67) فَوَرَبِّكَ
لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ
جِثِيّاً(68) ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَة أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى
الْرَّحْمنِ عِتِيّاً(69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى
بِهَا صِلِيّاً(70) |
|
سبب
النّزول
|
|
الآيات الأُولى ـ على رأي جماعة من المفسّرين ـ نزلت في شأن «أُبي بن
خلف»، أو «الوليد بن المغيرة»، حيث أخذوا قطعة من عظم منخور، ففتوه بأيديهم
ونثروه في الهواء حتى تطايرت كل ذرة منه إِلى جهة، وقالوا انظروا إِلى محمّد
الذي يظن أن الله يحيينا بعد موتنا وتلاشي عظامنا مثل هذا العظم! إِن هذا شيء
غير ممكن أبداً. فنزلت هذه الآيات وأجابتهم، جواباً قاطعاً، جواباً مفيداً
ومعلماً لكل البشر، وفي جميع القرون والأعصار. |
|
التّفسير |
|
حال
أهل النّار:
|
|
مرّت في الآيات السابقة بحوث
عديدة حول القيامة والجنّة والجحيم، وتتحدث هذه الآيات التي نبحثها حول نفس
الموضوع، فتعيد الآية الأُولى أقوال منكري
المعاد، فتقول: (ويقول الإِنسان ءإذا ما مت لسوف أُخرج
حياً). ولهذه الكلمة معاني
أُخرى أيضاً، فمن جملتها أنّهم فسروا «جثياً» بمعنى جماعة جماعة،
وبعضهم فسّرها بمعنى الكثرة وازدحام بعضهم على بعض كتراكم
التراب والحجارة، إِلاّ أنّ التّفسير الأوّل هو الأنسب والأشهر. |
|
الآيتان(71) (72)
وَإِن مِّنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمَاً مَّقْضِيّاً
|
|
وَإِن مِّنْكُمْ
إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمَاً مَّقْضِيّاً(71) ثُمَّ نُنَجِّى
الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّلِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً(72) |
|
التّفسير |
|
الجميع
يردون جهنم!
|
|
تمستمر الآيات في بحث خصائص
القيامة والثواب والعقاب، وأشارت في البداية إِلى مسألة يثير سماعها الحيرة
والعجب لدى أغلب الناس، فتقول: (وإن منكم إِلاّ واردها
كان على ربّك حتماً مقضياً) فجميع الناس سيدخلون جهنم بدون استثناء لأنّه
أمر حتمي. ويستفاد هذا المعنى
أيضاً من بعض الرّوايات الأُخرى. وكذلك
التعبير العميق المعنى للصراط، والذي ورد في روايات متعددة بأنّه جسر على جهنم،
وأنّه أدق من الشعرة وأحد من السيف، هذا التعبير شاهد آخر على هذا التّفسير(تفسير نور الثقلين، ج5، ص 572 ذيل آية (إِن ربّك لبالمرصاد)
الفجر، 14.). |
|
الآيات(73) (76)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايتُنَا بَيِّنَت قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا
لِلَّذِينَ ءَامَنُوا
|
|
وَإِذَا تُتْلَى
عَلَيْهِمْ ءَايتُنَا بَيِّنَت قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا
أَىُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً(73) وَكَمْ
أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْن هُمْ أَحْسَنُ أَثَثاً وَرِءْياً(74) قُلْ
مَن كَانَ فِى الضَّلَلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا
رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ
مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً(75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ
اهْتَدَوْا هُدىً وَالْبَقِيتُ الصَّلِحَتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً
وَخَيْرٌ مَّرَدّاً(76) |
|
التّفسير |
|
هذه الآيات تتابع ما مر في
الآيات السابقة في الحديث عن الظالمين الذين لا إِيمان لهم، وتتعرض لجانب آخر من
منطق هؤلاء الظالمين ومصيرهم. |
|
الآيات(77) (82)
أَفَرَءَيْتَ الَّذِى كَفَرَ بِئَايَتِنَا وَقَالَ لأَُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَداً
|
|
أَفَرَءَيْتَ
الَّذِى كَفَرَ بِئَايَتِنَا وَقَالَ لأَُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَداً(77)أَطَّلَعَ
الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمنِ عَهْداً(78) كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا
يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً(79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ
وَيَأْتِينَا فَرْداً(80) وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ ءَالِهَةً
لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً(81) كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ
وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً (82) |
|
التّفسير |
|
تفكير
خرافي ومنحرف:
|
|
يعتقد بعض الناس أنّ الإِيمان
والطهارة والتقوى لا تناسبهم، وأنّها السبب في أن تدبر الدنيا عنهم، أمّا إِذا
خرجوا من دائرة الإِيمان والتقوى فإنّ الدنيا ستقبل عليهم، وتزيد ثروتهم
وأموالهم! |
|
الآيات(83) (87)
أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشَّيطِينَ عَلَى الْكفِرِينَ تَؤُزُّهُمْ
أَزّاً
|
|
أَلَمْ تَرَ أَنَّآ
أَرْسَلْنَا الشَّيطِينَ عَلَى الْكفِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً(83) فَلاَ
تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً(83) يَوْمَ نَحْشُرُ
الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً(85) وَنَسُوقُ الُْمجْرِمِينَ إِلَى
جَهَنَّمَ وِرْداً(86) لاَّ يَمْلِكُونَ الشَّفَعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ
الرَّحْمَنِ عَهْدَاً(87) |
|
التّفسير |
|
من
هم الذين لهم أهلية الشفاعة؟
|
|
بملاحظة البحث في
الآيات السابقة الذي كان حول المشركين، فإنّ
البحث في هذه الآيات، إِشارة إِلى بعض علل انحراف
هؤلاء، ثمّ تبيّن الآيات في النهاية عاقبتهم المشؤومة، وتثبت هذه
الحقيقة، وهي أنّ هذه الآلهة لم تكن سبب عزتهم بل أصبحت سبب ذلهم وشقائهم، فتقول
أولا: (ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم
أزاً). «الوفد»
ـ على وزن وعد ـ في الأصل بمعنى
الجماعة الذين يذهبون إِلى الكبار لحل مشاكلهم، ويكونون مورد احترام وتقدير، وعلى هذا فإنّ الكلمة تتضمن معنى الإِحترام والتكريم،
وربّما كان ما نقرؤه في بعض الرّوايات من أن المتقين يركبون مراكب سريعة السير،
ويدخلون الجنة باحترام بالغ، لهذا السبب. |
|
الآيات(88) (95)
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً(88) لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً
إِدّاً(89)
|
|
وَقَالُوا اتَّخَذَ
الرَّحْمَنُ وَلَداً(88) لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً(89) تَكَادُ السَّموتُ
يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَْرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً(90)أَن
دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً(91) وَمَا يَنْبَغِىِ للرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ
وَلَداً(92) إِن كُلُّ مَن فِى السَّموتِ وَالأَْرْضِ إِلآَّ ءَاتِى الرَّحْمنِ
عَبْدَاً(93) لَّقَدْ أَحْصَهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً(94) وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ
يَوْمَ الْقِيمَةِ فَرْداً(95) |
|
التّفسير |
|
لما كان الكلام في الآيات
السابقة عن الشرك، وعاقبة عمل المشركين، فقد أشارت هذه الآيات في نهاية البحث
إِلى فرع من فروع الشرك، أي الاعتقاد بوجود ولد لله سبحانه، وتبيّن مرّة أُخرى
قبح هذا الكلام بأشد وأحدّ بيان، فتقول: (وقالوا اتخذ
الرحمن ولداً) فليس المسيحيون لوحدهم كانوا يعتقدون بأنّ «المسيح» هو
الإِبن الحقيقية لله سبحانه، بل إِن اليهود كانوا يعتقدون أيضاً مثل هذا
الإِعتقاد في (عزير)، وكذلك عبدة الأصنام في (الملائكة)
فكانوا يظنون أنّها بنات الله(لقد تمّ الحديث عن «عزير»
في الآية (30) من سورة التوبة، وعن (الملائكة) في ذيل الآية (19) من سورة
الزخرف.). |
|
ملاحظتان
|
|
1 ـ إِلى الآن
يظنون أنّه ابن الله!
|
|
إنّ ما قرأناه في الآيات
السابقة ينفي الولد عن الله بكل جزم وقطع، وإنّ هذه الآيات مرتبطة بزمان مرّ
عليه أربعة عشر قرناً، في حين أنّنا لا نزال نرى اليوم كثيراً من المسيحيين ـ
ونحن في عصر العلم ـ يعتقدون أنّ المسيح ابن الله، لا نبوة مجازية، بل هو الإبن
الحقيقي! وإِذا ما ذكر في بعض الكتابات التي لها صفة التبشير، وكتبت بصورة خاصّة
للأوساط الإِسلامية، إن هذا الإِبن ابن مجازي، فإنّه لا يناسب ولا يوافق المتون
الأصلية لكتبهم الإِعتقادية بأي وجه من الوجوه. |
|
2 ـ كيف تفنى
السماوات وتتلاشى؟
|
|
ما قرأناه في الآية: (تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّاً)
إِمّا أن يكون إِشارة إِلى أن مجموعة عالم الوجود ـ على أساس مفاهيم القرآن المجيد
ـ تمتلك نوعاً من الحياة والإِدراك والشعور، والآيات، كالآية
(74) من سورة البقرة: (وإِن منها لما يهبط من
خشية الله)، والآية (21) من سورة الحشر: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية
الله) شاهدة على ذلك، فيكون المراد أنّ هذه النسبة غير الصحيحة إِلى
الساحة الإِلهية المقدسة، قد أرعبت وأقلقت كل العالم. |
|
الآيات(96) (98)
إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ
وُدّاً
|
|
إِنَّ الَّذِينَ
ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً(96)
فَإِنَّمَا يَسَّرنهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ
بِهِ قَوْماً لُّدّاً(97) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْن هَلْ
تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّن أَحَد أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزَا(98) |
|
التّفسير |
|
الإِيمان
والمحبوبية:
|
|
هذه الآيات الثلاث نهاية سورة
مريم، والكلام فيها أيضاً عن المؤمنين، والظالمين الكافرين، وعن القرآن وبشاراته
وإِنذراته، وهي ـ في الحقيقة ـ عصارة البحوث السابقة بملاحظات ونكات جديدة. |
|
بحثان
|
|
1 ـ محبّة علي
(عليه السلام) في قلوب المؤمنين
|
|
لقد صدرت روايات عديدة عن
النّبي(ص) في سبب نزول قوله تعالى: (إِن الذين آمنوا
وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً) في كثير من كتب الحديث وتفسير
السنة والشيعة، وهي تبيّن أنّ هذه الآية نزلت لأول مرّة في حق علي(ع)، ومن جملة من يمكن ذكرهم:
العلاّمة الزمخشري في الكشاف، وسبط ابن الجوزي في التذكرة، والكنجي الشافعي،
والقرطبي في تفسيره المشهور، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى، والنيسابوري في
تفسيره المعروف، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة، والسيوطي في الدر
المنثور، والهيثمي في الصواعق المحرقة، والآلوسي في روح المعاني. |
|
من
جملة الأحاديث:
|
|
1 ـ يروي
الثعلبي في تفسيره عن البراء بن عازب: إنّ رسول الله(ص)قال لعلي(ع) : «قل:
اللّهم اجعل لي عندك عهداً، واجعل لي في قلوب المؤمنين مودّة»، فأنزل الله
تعالى: (إِن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم
الرحمن وداً)( نقلا عن إِحقاق الحق، الجزء 3، ص 83 ـ 86.). وقد وردت نفس
هذه العبارة باختلاف يسير في كثير من الكتب الأُخرى. |
|
2 ـ تفسير جملة:
(يسرناه بلسانك).
|
|
«يسّرناه»،
من مادة التيسير، أي التسهيل، والله سبحانه يقول: (فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به
المتقين وتنذر به قوماً لداً)، فيمكن أن
يكون هذا التسهيل من جوانب مختلفة: آمين يا رب
العالمين |
|
|
|
|
سُورَة
مَرْيَم مكّية وعَدَدُ آيَاتِها ثمان وتسعُونَ آية
|
|
«سورة
مريم» |
|
محتوى
السورة:
|
|
لهذه السورة من جهة المحتوى
عدة أقسام مهمّة: |
|
1 ـ يشكل
القسم الذي يتحدث عن قصص زكريا ومريم والمسيح(ع)ويحيي وإِبراهيم(ع) بطل التوحيد،
وولده إِسماعيل، وإِدريس وبعض آخر من كبار أنبياء الله، الجزء الأهم في هذه
السورة، ويحتوي على أُمور تربوية لها خصوصيات مهمّة. |
|
فضل
السورة:
|
|
روي عن الرّسول
الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم): «من قرأها أُعطي من الأجر بعدد مَن صدّق بزكريا وكذب به، ويحيي ومريم وموسى وعيسى
وهارون وإِبراهيم وإِسحاق ويعقوب وإِسماعيل عشر حسنات، وبعدد من ادعى لله ولداً،
وبعدد من لم يدع ولداً»( مجمع
البيان الجزء 3، ص 500.). |
|
الآيات(1) (6)
كهيعص(1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ(2)
|
|
كهيعص(1) ذِكْرُ
رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ(2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَآءً
خَفِيّاً(3) قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّى وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ
شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً(4) وَإِنِّى خِفْتُ
الْمَوَلِىَ مِن وَرَآءِى وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِراً فَهَبْ لِى مِن
لَّدُنكَ وَلِيّاً(5)يَرِثُنِى وَيَرِتُ مِنْ ءَالِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ
رَضِيّاً(6) |
|
التّفسير |
|
دعاء
زكريا المستجاب:
|
|
مرّة أُخرى نواجه الحروف المقطعة
في بداية هذه السورة، ولما كنّا قد بحثنا تفسير هذه الحروف المقطعة بصورة مفصلة
في بداية ثلاث سور مختلفة فيما سبق ـ سورة البقرة وآل عمران والأعراف ـ فلا نرى
حاجة للتكرار هنا. |
|
بحوث
|
|
1 ـ المراد من
الإِرث
|
|
لقد قدم المفسّرون
الإِسلاميون بحوثاً كثيرة حول الإِجابة عن
هذا السؤال، فالبعض يعتقد أنّ الإِرث هنا يعني
الإِرث في الأموال، والبعض اعتبره إِشارة إِلى مقام النبوة، وبعض آخر احتمل أن يكون المراد معنى جامعاً شاملا لكلا
الرأيين السابقين. أمّا الذين يعتقدون بأن الإرث
هنا هو الإرث المعنوي، فقد تمسكوا بقرائن في نفس الآية، أو خارجة عنها، مثل: |
|
2
ـ ماذا تعني كلمة «نادى»؟
|
|
في قوله تعالى (إِذ نادى ربّه نداءً خفياً) طُرح هذا السؤال بين المفسّرين،
وهو أن «نادى» تعني الدعاء بصوت عال، في حين أن «خفياً» تعني الإِخفات وخفض
الصوت، وهذان المعنيان لا يناسب أحدهما الآخر. |
3 ـ (ويرث من آل
يعقوب)
|
|
إِنّ زكريا قال: (ويرث من آل يعقوب)، وذلك لأنّ زوجته كانت خالة مريم
أو عيسى، ويتصل نسبها بيعقوب، لأنّها كانت من أسرة سليمان بن داود، وهو من أولاد
يهودا بن يعقوب(مجمع البيان، الجزء 6، ذيل الآية.). |
|
الآيات(7) (11)
يزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلم اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن
قَبْلُ سَمِيّاً
|
|
|
يزَكَرِيَّآ إِنَّا
نُبَشِّرُكَ بِغُلم اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً(7)
قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونَ لِى غُلمٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِراً وَقَدْ
بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً(8) قَالَ كَذلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَىَّ
هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيئاً(9) قَالَ رَبِّ
اجْعَلْ لِّى ءَايَةً قَالَ ءَايَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلثَ لَيَال
سَوِيّاً(10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الِْمحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ
أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً(11) |
|
التّفسير |
|
بلوغ
زكريا أمله:
|
|
تبيّن هذه الآيات استجابة
دعاء زكرى(عليه السلام)ا من قبل الله تعالى استجابة ممزوجة بلطفه الكريم وعنايته
الخاصّة، وتبدأ بهذه الجملة: (يا زكريا إِنّا نبشرك
بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سمياً). |
|
بحثان
|
|
1 ـ يحيى (عليه
السلام) النّبي المتألّه الورع
|
|
لقد ورد اسم «يحيى» في القرآن
الكريم خمس مرات ـ في سور آل عمران، والأنعام، ومريم، والأنبياء ـ فهو واحد من
أنبياء الله الكبار، ومن جملة امتيازاته ومختصاته أنّه وصل إِلى مقام النّبوة في
مرحلة الطفولة، فإِنّ الله سبحانه قد أعطاه عقلا وذكاءً وقّاداً ودراية واسعة في
هذا العمر بحيث أصبح مؤهلا لتقبل هذا المنصب. لقد كان هذا العمل امتيازاً
بالنسبة له، من جهة أنّه يبيّن نهاية العفة
والطهارة، أو أنّه كان ـ
نتيجة ظروف الحياة الخاصّة ـ مضطراً إِلى الأسفار المتعددة من أجل نشر
الدين الإِلهي والدعوة إِليه، واضطر كذلك إِلى أن يعيش
حياة العزوبة كعيسى بن مريم(عليه السلام). |
|
2 ـ ما معنى كلمة
«المحراب»؟
|
|
«المحراب» محل خاص في مكان العبادة يجعل للإِمام أو الوجهاء
والمبرزين، وقد ذكروا علتين لهذه التسمية: |
|
الآيات(12) (15)
ييَحْيَى خُذِ الْكِتَبَ بِقُوَّة ءَاتَيْنهُ الْحُكْمَ صَبِيَّاً
|
|
ييَحْيَى خُذِ
الْكِتَبَ بِقُوَّة ءَاتَيْنهُ الْحُكْمَ صَبِيَّاً(12) وَحَنَاناً مِّن
لَّدُنَّا وَزَكَوةً وَكَانَ تَقِيّاً(13) وَبَرَّاً بَولِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ
جَبَّاراً عَصِيّاً(14) وَسَلمٌ عَلَيهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ
وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً(15) |
|
التّفسير |
صفات
يحيى (عليه السلام) البارزة:
|
|
رأينا في الآيات السابقة كيف
أنّ الله سبحانه منّ على زكريا عند كبره بيحيى، وبعد ذلك فإنّ أوّل ما نلاحظه في
هذه الآيات هو الأمر الإِلهي المهم الذي يخاطب يحيى:
(يا يحيى خذ الكتاب بقوة). |
|
يحيى
وصفاته العشرة:
|
|
ثمّ أشار القرآن
الكريم إِلى المواهب العشرة التي منحها الله ليحيى والتي اكتسبها بتوفيق الله: |
|
|
بحوث
|
|
1 ـ خذ الكتاب
السماوي بقوة واقتدار!
|
|
إِنّ لكلمة «قوة» في قوله: (يا يحيى خذ الكتاب بقوّة) ـ كما تقدم ـ معنى واسعاً
جمعت فيه كل القدرات والطاقات المادية والمعنوية، الروحية الجسمية، وهذا بحد
ذاته يبيّن ويوضح هذه الحقيقة، وهي أنّ الدين الإِلهي والإِسلام والقرآن لا يمكن
أن تحفظ بالضعف والتخاذل والمهادنة اللين، بل يجب أن تصان بقوّة وتجعل في قلعة
القدرة المنيعة. وعلى كل حال، فإِنّ هذه الآية تعتبر جواباً لمن يظن أنّه بالإِمكان
تنفيذ عمل أو تحقيق غاية من موقعه الضعف، أو يريد حل المشاكل عن طريق المساومة
في كل الظروف. |
|
2 ـ ثلاثة أيّام
صعبة في مصير الإِنسان
|
|
إِنّ التعبير بـ (سلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً) يبيّن
أن في تاريخ حياة الإِنسان وانتقاله من عالم إِلى عالم آخر ثلاثة أيّام صعبة: يوم يضع قدمه في هذه الدنيا: (يوم ولد) ويوم موته وانتقاله إِلى عالم البرزخ (ويوم يموت) ويوم بعثه في العالم الآخر (ويوم يبعث حياً) ولما كان من الطبيعي أن تكون هذه الأيّام مرافقة للإِضطرابات والقلق، فإنّ الله
سبحانه يكتنف خاصّة عباده بسلامه وعافيته، ويجعل هؤلاء في ظل حمايته ومنعته في
هذه المراحل العسيرة الثلاثة. |
|
3 ـ النّبوة في
الطفولة
|
|
صحيح أنّ مرحلة النضج العقلي
للإِنسان لها حدّ معين عادة، إِلاّ أنّه يوجد أفراد استثنائيون بين البشر
دائماً، فأي مانع من أن يختصر الله هذه المرحلة لبعض عباده لمصالح ما، ويجعلها
تتلخص في سنوات أقل؟ كما أن مرور سنة أو سنتين على الولادة أمر محتم من أجل
التمكن من النطق عادة، في حين أنّنا نعلم أنّ عيسى(ع) قد تكلم في أيّامه
الأُولى، وكان كلاماً عميق المحتوى من شأنه أن يصدر ـ عادة عن أناس كبار في
السن، كما سيأتي في تفسير الآيات القادمة إِن شاء الله تعالى. ولا بأس من ذكر الرّواية
الشريفة عن الإِمام علي بن موسى الرضا(ع)، وهي أن جماعة من الأطفال قالوا
للرضاأيّام طفولته: أذهب بنا نلعب، قال: «ما للعب خلقنا» وهذا ما أنزل الله
تعالى (وآتيناه الحكم صبيّاً) ( نور الثقلين، الجزء 3،
ص 325.). |
|
4 ـ شهادة يحيى
|
|
لم تكن ولادة يحيى عجيبة
ومذهلة لوحدها، بل إِنّ موته أيضاً كان عجيباً من عدّة جهات، وقد ذكر أغلب
المؤرخين المسلمين، وكذلك المصادر المسيحية، مجرى هذه الشهادة على هذه النحو،
بالرغم من وجود اختلاف يسير في خصوصياتها بين هذه المراجع: |
|
الآيات(16) (21)
وَاذْكُرْ فِى الْكِتبِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانَاً
شَرْقِيّاً
|
|
وَاذْكُرْ فِى
الْكِتبِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانَاً
شَرْقِيّاً(16)فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَا
رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيَّاً(17) قَالَتْ إِنِّى أَعُوذُ
بِالرَّحْمنِ مِنكَ إِن كُنْتَ تَقِيّاً(18)قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ
رَبِّكِ لأَِهَبَ لَكِ غُلَماً زَكِيّاً(19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِى غُلمٌ
وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً(20) قَالَ كَذلِكِ قَالَ
رَبُّكِ هُوَ عَلَىَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً
مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً(21) |
|
التّفسير |
|
ولادة
عيسى (عليه السلام):
|
|
بعد ذكر قصّة يحيى(عليه
السلام)، حولت الآيات مجرى الحديث إِلى قصّة عيسى(عليه السلام)لوجود علاقة قوية
وتقارب واضح جداً بين مجريات هاتين الحادثتين. وإِن كان الوصول إِلى مقام
النّبوة وبلوغ العقل الكامل ـ في مرحلة الطفولة ـ باعثاً على الحيرة ومعجزاً،
فإِنّ التحدث في المهد عن الكتاب والنّبوة أبعث على التعجب والحيرة، وأكثر
إِعجازاً. |
|
بحثان
|
|
1 ـ ما هو المراد
من روح الله؟
|
|
إِنّ كل المفسّرين المعروفين تقريباً فسّروا
الروح هنا بأنّه جبرئيل ملك الله العظيم، والتعبير عنه الروح لأنّه
روحاني، ووجود مفيض للحياة، لأنّه حامل الرسالة الإِلهية إِلى الأنبياء وفيها
حياة جميع البشر اللائقين، وإِضافة الروح هنا إِلى الله دليل على عظمة وشرف هذا
الروح، حيث أنّ من أقسام الإِضافة هي (الإِضافة
التشريفية). |
|
2 ـ ما هو
التمثل؟
|
|
«التمثل» في الأصل من «المثول»، أي
الوقوف مقابل شخص أو شيء، ويقولون للشيء الذي
يظهر بصورة أُخرى: ممثلا، وعلى هذا فإِنّ قوله: (تمثل
لها بشراً سوياً) تعني أن ذلك الملك قد ظهر بصورة إِنسان. |
|
الآيات(22) (26)
فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً
|
|
فَحَمَلَتْهُ
فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً(22) فَأَجَآءَهَا الَْمخَاضُ إِلَى جِذْعِ
النَّخْلَةِ قَالَتْ يلَيْتَنِى مِتُّ قَبْلَ هذَا وَكُنْتُ نَسْياً
مَّنسِيّاً(23) فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِى قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ
تَحْتَكِ سَرِيّاً(24) وَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسْقِطْ
عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً(25) فَكَلِى وَاشْرَبِى وَقَرِّى عَيْناً فَإِمَّا
تَرِيَنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُوِلى إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً
فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمِ إِنْسِيّاً(26) |
|
التّفسير |
|
مريم
في عاصفة:
|
|
وأخيراً حملت مريم، واستقر
ذلك الولد الموعود في رحمها: (فحملته)ولم يتحدث
القرآن عن كيفية نشوء وتكوّن هذا المولود، فهل أنّ جبرئيل قد نفخ في ثوبها، أم
في فمها؟ وذلك لعدم الحاجة إِلى هذا البحث، بالرغم من
أنّ كلمات المفسّرين مختلفة في هذا الشأن. لقد كانت تعيش في حالة بين
الخوف والأمل، حالة من القلق والإِضطراب المشوب بالسرور، فهي تفكر أحياناً بأن
هذا الحمل سيفشو أمره في النهاية، فالأفضل أن أبقى بعيدة عن أُولئك الذين
يعرفونني عدّة أيّام أو أشهر، وأعيش في هذا المكان بصورة مجهولة، وماذا سيحدث في
النهاية؟ |
|
بحوث
|
|
1 ـ ازدياد قوة
مريم عند تراكم المشاكل
|
|
إِنّ الحوادث التي مرّت على
مريم في هذه المدّة القصيرة، والمشاهد والمواقف التي تثير الإِعجاب، والتي حدثت
لها بلطف الله، كانت تهيؤها وتعدها من أجل تربية نبي من أولي العزم، ولتستطيع أن
تؤدي وظيفة الأُمومة من خلال هذا الأمر الخطير
على أحسن وجه. |
|
2 ـ لماذا طلبت
مريم الموت من الله؟
|
|
لا شك أن طلب الموت من الله
عمل غير صحيح، إِلاّ أنّه قد تقع حوادث في حياة الإِنسان يصبح فيها طعم الحياة
مرّاً، وخاصّة إِذا رأى الإِنسان أهدافه المقدسة أو شرفه وشخصيته مهددة بالخطر،
ولا يملك قدرة الدفاع عن نفسه أمامها، وفي مثل هذه الظروف يتمنى الإِنسان الموت
للخلاص من العذاب الروحي. لقد خطرت في ذهن مريم في اللحظات
الأُولى هذه الأفكار، وتصورت بأن كل وجودها وكيانها وماء وجهها مهدد بالخطر أمام
هؤلاء الناس الجهلاء نتيجة ولادة هذا المولود، وفي هذه اللحظات تمنت الموت، وهذا
بحد ذاته دليل على أنّها كانت تحب عفتها وطهارتها وتهتم بهما أكثر من روحها،
وتعتبر حفظ ماء وجهها أغلى من حياتها. |
|
3 ـ
سؤال وجواب،4 ـ صوم الصمت
|
|
يسأل البعض: إِنّ المعجزة إِذا كانت مختصة بالأنبياء والأئمّة(ع)،
فكيف ظهرت مثل هذه المعجزات لمريم؟ |
|
5 ـ غذاء مولد
للطاقة
|
|
إِستفاد المفسّرون ممّا جاء
صريحاً في هذه الآيات، أنّ الله سبحانه قد جعل غذاء مريم حين ولادة مولودها
الرطب، فهو من أفضل الأغذية للنساء بعد وضع الحمل، وفي الأحاديث الإِسلامية
إِشارة صريحة إِلى ذلك أيضاً: |
|
الآيات(27) (33)
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئَاً
فَرِيّاً
|
|
فَأَتَتْ بِهِ
قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئَاً
فَرِيّاً(27)يأُخْتَ هَرُونَ مَا كَانَ أَبوُكِ امْرَأَ سَوْء وَمَا كَانَتْ
أُمُّكِ بَغِيّاً(28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ
فِى الْمَهْدِ صَبِيّاً(29) قَالَ إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ ءَاتنِىَ الْكِتبَ
وَجَعَلَنِى نَبِيّاً(30)وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصنِى
بِالصَّلوةِ والزَّكَوةِ مَادُمْتُ حَيّاً(31) وَبَرَّاً بِولِدَتِى وَلَمْ
يَجْعَلْنِى جَبّاراً شَقِيّاً(32)وَالسَّلمُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ
أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً(33) |
|
التّفسير |
|
المسيح
يتكلم في المهد:
|
|
وأخيراً رجعت مريم(ع) من
الصحراء إِلى المدينة وقد احتضنت طفلها (فأتت به قومها
تحمله) فلمّا رأوا طفلا حديث الولادة بين يديها فغروا أفواههم تعجباً،
فقد كانوا يعرفون ماضي مريم الطاهر، وكانوا قد سمعوا بتقواها وكرامتها، فقلقوا
لذلك بشدّة، حيت وقع شك بعضهم وتعجّل آخرون في القضاء والحكم وأطلق العنان للسانه في توبيخها وملامتها، وقالوا:
إِن من المؤسف هذا الإِنحدار مع ذلك الماضي المضيء، ومع الأسف على تلوّث سمعه
تلك الأسرة الطاهرة (قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً
فرياً)( «فرياً» بناء على قول الراغب في
المفردات ـ جاءت بمعنى العظيم أو العجيب، وفي الأصل من مادة فري، أي قص وقطع
الجلد إِمّا لإِصلاحه أو إِفساده.). |
|
بحوث
|
|
1 ـ أوضح تصوير
عن ولادة عيسى (عليه السلام)
|
|
يمكن إِدراك فصاحة وبلاغة
القرآن الكريم، وخاصّة في مثل هذه الموارد، وذلك عند ملاحظة طريقة طرحه لمسألة
مهمّة اختلطت بكل تلك الخرافات، في عبارات قصيرة وعميقة، وحية، وغنية المحتوى،
وناطقة تماماً، بحيث تطرح جانباً كل أنواع الخرافات. |
|
2 ـ منزلة الأم
|
|
بالرغم من أنّ المسيح(عليه
السلام) قد ولد بأمر الله النافذ من امرأة بدون زوج، إِلاَّ أنّ ما نقرأه في
الآيات ـ محل البحث ـ عن لسانه، والذي يعدّ فيه
«ضمن تعداده لميزاته وأوسمته» برّه بأُمه، دليل واضح على أهمية مقام الأم، وهي
توضح بصورة ضمنية أنّ هذا الطفل الصغير ـ الذي نطق بالإِعجاز ـ كان عالماً
ومطلعاً على أنّه ولد نموذجي بين البشر، وأنّه ولد من أمه فقط دون أن يكون للأب
دخل في تكونه وولادته. لا شك أنّنا إِذا لاحظنا
ودققنا في المشقات والمتاعب التي تتقبلها وتتحملها الأُم من حين الحمل إِلى
الوضع، وفي مرحلة الرضاعة إِلى أن يكبر الطفل، وكذلك العذاب والأتعاب والسهر في
الليالي، والتمريض والرعاية، كل ذلك تقبلته بكل رحابة صدر وأنس في سبيل ولدها ..
إِذا لاحظنا ذلك فسنرى أن الإِنسان مهما سعى وجدّ في هذا الطريق، فإِنّه سيبقى
مديناً للام. |
|
3 ـ إِنجاب البكر
|
|
من جملة الأسئلة
التي تثيرها هذه الآيات، هو: هل يمكن من
الناحية العلمية أن يولد ولد من دون أب؟ وهل أن مسألة ولادة عيسى(ع) دون أب
تخالف تحقيقات العلماء في هذا المجال، أو لا؟ لقد كتب الدكتور
«الكسيس كارل»، الفيزيائي وعالم الحياة
الفرنسي المعروف، في كتاب «الإِنسان ذلك المجهول»، عندما نفكر في مقدار مساهمة
كل من الأب والأم في تكوين أمثالهما، فيجب أن نتذكر تجارب (لوب) و (باتايون)
بأنّه يمكن إِنتاج ضفدعة جديدة من بيضة ضفدعة غير ملقحة بدون تدخل الحيامن، بل
بواسطة أساليب خاصّة. |
|
4 ـ كيف يتكلم
الصبي؟
|
|
لا يخفى أنّ أي طفل حديث
الولادة لا يتكلم في الساعات أو الأيّام الأُولى لولادته حسب الوضع الطبيعي
المتعارف، فإنّ النطق يحتاج إِلى نمو المخ بالقدر الكافي، ثمّ تقوية عضلات
اللسان والحنجرة، وانسجام أجهزة الجسم المختلفة مع بعضها، وهذه الأُمور عادة
تستغرق عدّة أشهر حتى تتهيأ تدريجياً عند الطفل. |
|
الآيتان(34) (35) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ
الَّذِى فِيهَ يَمْتَرُونَ
|
|
ذلِكَ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِى فِيهَ يَمْتَرُونَ(34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ
يَتَّخِذَ مِن وَلَد سُبْحنَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ
كُنْ فَيَكُونُ(35) |
|
التّفسير |
|
أيمكن
أن يكون لله ولد!؟
|
|
بعد تجسيد القرآن الكريم في
الآيات السابقة حادثة ولادة المسيح(ع)بصورة حية وواضحة جدّاً، انتقل إِلى نفي
الخرافات وكلمات الشرك التي قالوها في شأن عيسى، فيقول: (ذلك عيسى بن مريم) خاصّة وأنّه يؤكّد على كونه «ابن مريم» ليكون ذلك مقدمة لنفي بنوته لله سبحانه. أمّا ما يذكره
القرآن من أنّ هؤلاء في شك وتردد من هذه المسألة، فربّما كان
إِشارة إِلى أنصار وأعداء المسيح (عليه السلام)، وبتعبير
آخر: إِشارة إِلى اليهود والنصارى، فمن جهة شككت جماعة ضالة بطهارة أُمّه
وعفتها، ومن جهة أُخرى شك قوم في كونه إِنساناً،
حتى أنّ هذه الفئة قد انقسمت إِلى مذاهب متعددة،
فالبعض اعتقد بصراحة أن ابن الله ـ الابن الروحي والجسمي الحقيقي لا المجازي! ـ ومن ثمّ نشأت مسألة التثليث والأقانيم الثلاثة. والخلاصة : فإِنّ هؤلاء جميعاً لما لم يروا الحقيقة ـ أو أنّهم لم
يطلبوها ولم يريدوها ـ سلكوا طريق الخرافات والأساطير(من
أجل زيادة الإِيضاح في مسألة تثليث النصارى، وما حاكوه ونسجوه من الخرافات
حولها، راجع ذيل الآية (171) من سورة النساء.)! إِنّ تعبير (كن فيكون) الذي جاء في ثمانية موارد من القرآن، تجسيد
حي جدّاً عن مدى سعة قدرة الله، وتسلطه وحاكميته في أمر الخلقة، ولا يمكن تصور
تعبير عن الأمر أقصر وأوجز من (كن) ولا نتيجة
أوسع وأجمع من (فيكون)خاصّة مع ملاحظة «فاء
التفريع» التي تعطي معنى الفورية هنا، فإِنّها لا تدل هنا على التأخير الزماني
بتعبير الفلاسفة، بل تدل على التأخير الرتبي، أي تبيّن ترتب المعلوم على العلة.
دققوا جيداً. |
|
الآيات(36) (40)
وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَطٌ مُّسْتَقِيمٌ
|
|
وَإِنَّ اللَّهَ
رَبِّى وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَطٌ مُّسْتَقِيمٌ(36)فَاخْتَلَفَ
الأَْحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَّشْهَدِ
يَوْم عَظِيم(37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لكِنِ
الظَّلِمُونَ الْيَوْمَ فِى ضَلل مُّبِين(38) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ
إِذْ قُضِىَ الأَْمْرُ وَهُمْ فِى غَفْلَة وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ(39) إِنَّا
نَحْنُ نَرِثُ الأَْرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ(40) |
|
التّفسير |
|
يوم
القيامة .. يوم الحسرة والأسف:
|
|
إِنّ آخر كلام لعيسى(ع) بعد
تعريفه لنفسه بالصفات التي ذكرت، هو التأكيد على مسألة التوحيد، وخاصّة في مجال
العبادة، فيقول: (وإِن الله ربّي وربّكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم)( إِنّ هذه الآية من جهة التركيب، عطف على كلام عيسى الذي مر
آنفاً، والذي ابتدأ بقوله (قال إنّي عبد الله)وانتهى بهذه الجملة.). إِلاّ أنّ التّفسير
الأوّل هو الأصح كما يبدو، خاصّة وأنّه قد
روي في حديث عن الإِمام الصادق (عليه السلام) في تفسير جملة (إِذ قضي الأمر) أنّه قال: «أي قضي على أهل الجنّة
بالخلود فيها، وقضي على أهل النّار بالخلود فيها»( مجمع
البيان، ذيل الآية أعلاه.). وهنا ـ أيضاً ـ
إِحتمال آخر، وهو أن مفعول (نرث) تارة يكون الشخص
الذي يترك الأموال، مثل: (وورث سليمان داود)، وتارة أُخرى الأموال التي بقيت للإِرث، مثل: (نرث الأرض) وفي الآية أعلاه ورد كلا التعبيرين. |
|
الآيات(41) (45)
وَاذْكُرْ فِى الْكِتبِ إِبْرهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً
|
|
وَاذْكُرْ فِى
الْكِتبِ إِبْرهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً(41) إِذْ قَالَ
لأَِبِيهِ يأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى
عَنكَ شَيئاً(42)يأَبَتِ إِنِّى قَدْ جَآءَنِى مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأتِكَ
فَاتَّبِعْنِى أَهْدِكَ صِرطاً سَوِيّاً(43) يأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطنَ
إِنَّ الشَّيْطنَ كَانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيّاً(44) يأَبَتِ إِنِّى أَخَافُ أَنْ
يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونِ لِلشَّيْطنِ وَلِيّاً(45) |
|
التّفسير |
|
إبراهيم
ومنطقه المؤثر والقاطع:
|
|
إنتهت قصّة ولادة المسيح(عليه
السلام) وقد تضمنت جانباً من حياة أُمّه مريم، وبعدها تزيح هذه الآيات ـ والآيات
الآتية ـ الستار عن جانب من حياة بطل التوحيد إِبراهيم الخليل(ع)، وتؤكّد على
أنّ دعوة هذا النّبي الكبير ـ كسائر المرشدين الإِلهيين
ـ تبدأ من نقطة التوحيد، فتقول أوّلا: (واذكر في
الكتاب إِبراهيم إِنّه كان صديقاً نبيّاً). بعد ذلك دعاه ـ عن طريق
المنطق الواضح ـ إِلى اتباعه، فقال: (يا أبت إِنّي قد
جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً) فإِنّي قد وعيت
أُموراً كثيرة عن طريق الوحي، وأستطيع أن أقول باطمئنان: إِنّي سوف لا أسلك طريق
الضلال والخطأ، ولا أدعوك أبداً إِلى هذا الطريق المعوج، فإِنّي أريد سعادتك
وفلاحك، فاقبل منّي لتنجو وتخلص من العذاب وتصل بطيّك هذا الصراط المستقيم إِلى
المحل المقصود. |
|
بحوث
|
|
1 ـ طريق النفوذ
إِلى الآخرين
|
|
إِنّ طريقة محاورة إِبراهيم
لآزر ـ الذي كان ـ طبقاً للرّوايات ـ من عبدة
الأصنام، حيث كان يصنعها ويبيعها، وكان يعتبر عاملا مهمّاً في ترويج الشرك ـ
تبيّن لنا بأنّه يجب استخدم المنطق الممتزج بالإِحترام والمحبة والحرص على
الهداية، مقترناً بالحزم قبل التوسل بالقوة، للنفوذ إِلى نفوس الأفراد
المنحرفين، لأنّ الكثير سيذعنون للحق عن هذا الطريق، وهناك جماعة سيظهرون
مقاومتهم لهذا الأسلوب، ومن الطبيعي أن حساب هؤلاء يختلف، ويجب أن يعاملوا
بأُسلوب آخر. |
|
2 ـ دليل اتباع
العالم
|
|
قرأنا في الآيات ـ محل البحث ـ أن إِبراهيم دعا عمه آزر لإِتباعه، مع
كبر سنة وشهرته في المجتمع. ويذكر دليله على دعوته هذه فيقول: (إِنّي قد جاءني من العلم ما لم يأتك). |
|
3 ـ سوره الرحمة
والتذكير
|
|
لقد وردت جملة (واذكر) خمس مرات عند الشروع بذكر قصص الأنبياء العظام ومريم،
ولهذا السبب يمكن تسمية هذه السورة بسورة (التذكير)
.. ذكر الأنبياء، والرجال والنساء العظام; وحركتهم التوحيدية، وجهودهم في طريق
محاربة الشرك وعبادة الأصنام والظلم والجور. |
|
الآيات(46) (50)
قَالَ أَرَاغِبٌ أنْتَ عَنْ ءَالِهَتِى يإِبْرهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ
لأََرْجُمَنَّكَ
|
|
قَالَ أَرَاغِبٌ
أنْتَ عَنْ ءَالِهَتِى يإِبْرهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأََرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِى
مَلِيّاً(46) قَالَ سَلمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّى إِنَّهُ كَانَ
بِى حَفِيّاً(47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وأَدْعُوا
رَبِّى عَسَى أَلآَّ أَكُونَ بِدُعِآءِ رَبِّى شَقِيّاً(48) فَلَمَّا
اعْتَزَلَهُم وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحقَ
وَيَعْقُوبَ وَكُلاًَّ جَعَلْنَا نَبِيّاً(49)وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِّن
رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْق عَلِيّاً(50) |
|
التّفسير |
|
نتيجة
البعد عن الشرك والمشركين:
|
|
مرّت في الآيات السابقة كلمات
إِبراهيم التي كانت ممتزجة باللطف والمحبّة في طريق الهداية، والآن جاء دور ذكر
أجوبة آزر، لكلي تتضح الحقيقة والواقع من خلال مقارنة الكلامين مع بعضهما. |
|
الآيات(51) (53)
وَاذْكُرْ فِى الْكِتبِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولا
نَّبِيّاً
|
|
وَاذْكُرْ فِى
الْكِتبِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولا
نَّبِيّاً(51)وَنَدَيْنهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَْيْمَنِ وَقَرَّبْنهُ
نَجِيّاً(52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هرُونَ نَبِيّاً(53) |
|
التّفسير |
|
موسى
النّبي المخلص:
|
|
في هذه الآيات الثلاث إِشارة
قصيرة إِلى موسى(ع) ـ وهو من ذرية إبراهيم(ع) وموهبة من مواهب ذلك الرجل العظيم
ـ حيث سار على خطاه. |
|
بحثان
|
|
1 ـ من هو
المخلَص؟
|
|
قرأنا في الآيات السابقة أنّ
الله سبحانه جعل موسى من العباد المخلَصين ـ بفتح اللام
ـ وهذا المقام عظيم جدّاً كما أشرنا إِلى ذلك، مقام مقترن بالضمان
الإِلهي عن الانحراف، مقام محكم لا يستطيع الشيطان اختراقه، ولا يمكن تحصيله إِلاّ بالجهاد الدائم للنفس، والطاعة
المستمرة المتلاحقة لأوامر الله سبحانه. |
|
2 ـ الفرق بين
الرّسول والنّبي
|
|
الرّسول هو الشخص الذي أُلقيت على عاتقه مهمّة أو رسالة ليبلغها،
والنّبي ـ بناء على أحد التفاسير ـ هو الشخص
المطلع على الوحي الإِلهي والذي يُخبر بما يوحى إِليه، وبناء
على تفسير آخر هو الشخص العالي المقام والسامي المرتبة، وقد بيّنا اشتقاق كلا الكلمتين ما مادتيهما. هذا من
جهة اللغة. |
|
الآيتان(54) (55)
وَاذْكُرْ فِى الْكِتَبِ إِسْمعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ
رَسُولا نَّبِيَّاً
|
|
وَاذْكُرْ فِى
الْكِتَبِ إِسْمعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا
نَّبِيَّاً(54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَوةِ ؤَالزَّكَوةِ وَكَانَ
عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً(55) |
|
التّفسير |
|
إِسماعيل
نبي صادق الوعد:
|
|
بعد ذكر إِبراهيم(ع) وتضحيته،
وبعد الإِشارة القصيرة إِلى حياة موسى(ع)المتسامية، يأتي الحديث عن إِسماعيل،
أكبر ولد إِبراهيم، ويكمل ذكر إِبراهيم بذكر ولده إِسماعيل، وبرامجه ببرامج
ولده، ويبيّن القرآن الكريم خمس صفات من صفاته البارزة التي يمكن أن تكون قدوة
للجميع. |
|
الآيات(56) (60)
وَاذْكُرْ فِى الْكِتَبِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً
|
|
وَاذْكُرْ فِى
الْكِتَبِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً(56) وَرَفَعْنهُ
مَكَاناً عَلِيّاً(57) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِّن
النَّبِيِّنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح وَمِنْ
ذُرِّيَّةِ إِبْرهِيمَ وَإِسْرءِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا واجْتَبَيْنَآ إِذَا
تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايتُ الرَّحْمنِ خَرَّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً(58) فَخَلَفَ
مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلوةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوتِ فَسَوْفَ
يَلْقَوْنَ غَيّاً(59) إِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صلِحاً فَأُولَئِكَ
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ولاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً(60) |
|
التّفسير |
|
هؤلاء
أنبياء الله، ولكن ...
|
|
في آخر قسم من تذكيرات هذه
السورة، جاء الحديث عن «إِدريس» النّبي، فقالت الآية أوّلا: (واذكر في الكتاب
إِدريس إِنّه كان صديقاً نبيّاً) و«الصديق» ـ كما قلنا سابقاً ـ هو الشخص الصادق
جدّاً، والمصدق بآيات الله سبحانه، والمذعن للحق والحقيقة. ثمّ تشير الآية
إِلى مقامه العالي وتقول: (ورفعناه مكاناً علياً). وهناك بحث بين المفسّرين في أن المراد هل هو عظمة مقام إِدريس
المعنوية، أم الإِرتفاع المكاني بين المفسّرين في أنّ المراد هل هو عظمة مقام
إِدريس المعنوية، أم الإِرتفاع المكاني الحسي؟ فالبعض
اعتبر ذلك ـ كما ذهبنا إِليه ـ إِشارة إِلى المقامات المعنوية والدرجات
الروحية لهذا النّبي الكبير، والبعض الآخر يعتقد
أن الله سبحانه قد رفع إِدريس كالمسيح إِلى السماء،
واعتبروا التعبير بـ (مكان عليّ) إِشارة إِلى
هذا. ثمّ تتحدث الآيات عن جماعة
انفصلوا عن دين الأنبياء المربي للإِنسان، وكانوا خلفاً سيئاً لم ينفذوا ما أريد
منهم، وتعدد الآية قسماً من أعمالهم القبيحة، فتقول: (فخلف
من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً). |
|
بحثان |
|
1 ـ من هو
إِدريس؟
|
|
طبقاً لنقل كثير من المفسّرين، فإنّ إِِدريس جدّ سيدنا نوح(ع) واسمه في التوراة (أخنوخ) وفي العربية (إِدريس)،
وذهب البعض أنّه من مادة (درس) لأنّه أوّل من كتب بالقلم، فقد كان إِضافة إِلى
النّبوة عالماً بالنجوم والحساب والهيئة، وكان أوّل من علم البشر خياطة الملابس. |
|
2 ـ من هم الذين
( اضاعوا الصلاة)
|
|
نقرأ في حديث ورد في كثير من كتب علماء أهل السنة، أن
النّبي(ص)عندما تلا هذه الآية قال: «يكون خلف من بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة
واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً، ثمّ يكون خلف يقرأون القرآن لا يعدو تراقيهم،
ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن، منافق، وفاجر»( تفسير
الميزان، ج 14، ص 84.). |
|
الآيات(61) (63)
جَنَّتِ عَدْن الَّتِى وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ
|
|
جَنَّتِ عَدْن
الَّتِى وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ
مَأْتِيّاً(61) لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلَمَاً وَلَهُمْ
رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً(62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِى نُورِثُ
مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً(63) |
|
التّفسير |
|
بعض
صفات الجنّة:
|
|
وصفت الجنّة ونعمها في هذه
الآيات حيث جاء ذكرها في الآيات السابقة، فهي تصف الجنّة الموعودة بأنّها (جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إِنّه كان وعده
مأتياً). أليس معنى هذا الكلام أنّ
السير التكاملي للإِنسان سيستمر هناك، بالرغم من أنّه لا يعمل عملا، غير أنّه
سيديم سيره التكاملي بواسطة معتقداته وأعماله في هذه الدنيا؟! |
|
الآيتان(64) (65)
وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا
خَلْفَنَا
|
|
وَمَا نَتَنَزَّلُ
إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا
بَيْنَ ذلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً(64) رَّبُّ السَّموتِ والأَْرْضِ
وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبدَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ
سَمِيّاً(65) |
|
سبب
النّزول
|
|
ذكر جماعة من المفسّرين في
سبب نزول هاتين الآيتين، أنّ الوحي انقطع أيّاماً، ولم يأت جبرئيل رسول الوحي
الإِلهي إِلى النّبي، فلمّا انقضت هذه المدّة قال له: قال عن رسول الله(صلى الله
عليه وآله وسلم): «ما منعك أن تزورنا أكثر ممّا تزورنا»، فنزلت الآية: (وما
نتنزلُ إِلاّ بأمر ربّك)( تفسير نور الثقلين، ج3، ص352،
عن مجمع البيان، وتفسير القرطبي، الجزء 11، ص 416 ، و ذيل الآية مورد البحث
باختلاف يسير.). |
|
التّفسير |
|
الطاعة
التّامة:
|
|
بالرّغم من أن لهذه الآية سبب
نزول ذكر أعلاه، إِلاّ أنّ هذا لا يكون مانعاً
من أن يكون لها ارتباطاً منطقياً بالآيات السابقة، لأنّها
تأكيد على أنّ كل ما أتى به جبرئيل من الآيات السابقة قد بلغه عن الله بدون
زيادة أو نقصان، ولا شيء من عنده، فتتحدث الآية الأُولى
على لسان رسول الوحي فتقول: (وما نتنزل إِلاّ
بأمر ربّك) فكل شيء منه، ونحن عباد وضعنا أرواحنا وقلوبنا على الأكف (له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك) والخلاصة: فإنّ الماضي والحاضر والمستقبل، وهنا وهناك
وكل مكان، والدنيا والآخرة والبرزخ، كل ذلك متعلق بذات الله المقدسة. |
|
الآيات(66) (70)
وَيَقُولُ الإِْنسَنُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً
|
|
وَيَقُولُ
الإِْنسَنُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً(66) أَوَلاَ يَذْكُرُ
الإِْنسَنُ أَنَّا خَلَقْنَهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيئاً(67) فَوَرَبِّكَ
لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ
جِثِيّاً(68) ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَة أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى
الْرَّحْمنِ عِتِيّاً(69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى
بِهَا صِلِيّاً(70) |
|
سبب
النّزول
|
|
الآيات الأُولى ـ على رأي جماعة من المفسّرين ـ نزلت في شأن «أُبي بن
خلف»، أو «الوليد بن المغيرة»، حيث أخذوا قطعة من عظم منخور، ففتوه بأيديهم
ونثروه في الهواء حتى تطايرت كل ذرة منه إِلى جهة، وقالوا انظروا إِلى محمّد
الذي يظن أن الله يحيينا بعد موتنا وتلاشي عظامنا مثل هذا العظم! إِن هذا شيء
غير ممكن أبداً. فنزلت هذه الآيات وأجابتهم، جواباً قاطعاً، جواباً مفيداً
ومعلماً لكل البشر، وفي جميع القرون والأعصار. |
|
التّفسير |
|
حال
أهل النّار:
|
|
مرّت في الآيات السابقة بحوث
عديدة حول القيامة والجنّة والجحيم، وتتحدث هذه الآيات التي نبحثها حول نفس
الموضوع، فتعيد الآية الأُولى أقوال منكري
المعاد، فتقول: (ويقول الإِنسان ءإذا ما مت لسوف أُخرج
حياً). ولهذه الكلمة معاني
أُخرى أيضاً، فمن جملتها أنّهم فسروا «جثياً» بمعنى جماعة جماعة،
وبعضهم فسّرها بمعنى الكثرة وازدحام بعضهم على بعض كتراكم
التراب والحجارة، إِلاّ أنّ التّفسير الأوّل هو الأنسب والأشهر. |
|
الآيتان(71) (72)
وَإِن مِّنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمَاً مَّقْضِيّاً
|
|
وَإِن مِّنْكُمْ
إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمَاً مَّقْضِيّاً(71) ثُمَّ نُنَجِّى
الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّلِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً(72) |
|
التّفسير |
|
الجميع
يردون جهنم!
|
|
تمستمر الآيات في بحث خصائص
القيامة والثواب والعقاب، وأشارت في البداية إِلى مسألة يثير سماعها الحيرة
والعجب لدى أغلب الناس، فتقول: (وإن منكم إِلاّ واردها
كان على ربّك حتماً مقضياً) فجميع الناس سيدخلون جهنم بدون استثناء لأنّه
أمر حتمي. ويستفاد هذا المعنى
أيضاً من بعض الرّوايات الأُخرى. وكذلك
التعبير العميق المعنى للصراط، والذي ورد في روايات متعددة بأنّه جسر على جهنم،
وأنّه أدق من الشعرة وأحد من السيف، هذا التعبير شاهد آخر على هذا التّفسير(تفسير نور الثقلين، ج5، ص 572 ذيل آية (إِن ربّك لبالمرصاد)
الفجر، 14.). |
|
الآيات(73) (76)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايتُنَا بَيِّنَت قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا
لِلَّذِينَ ءَامَنُوا
|
|
وَإِذَا تُتْلَى
عَلَيْهِمْ ءَايتُنَا بَيِّنَت قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا
أَىُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً(73) وَكَمْ
أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْن هُمْ أَحْسَنُ أَثَثاً وَرِءْياً(74) قُلْ
مَن كَانَ فِى الضَّلَلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا
رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ
مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً(75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ
اهْتَدَوْا هُدىً وَالْبَقِيتُ الصَّلِحَتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً
وَخَيْرٌ مَّرَدّاً(76) |
|
التّفسير |
|
هذه الآيات تتابع ما مر في
الآيات السابقة في الحديث عن الظالمين الذين لا إِيمان لهم، وتتعرض لجانب آخر من
منطق هؤلاء الظالمين ومصيرهم. |
|
الآيات(77) (82)
أَفَرَءَيْتَ الَّذِى كَفَرَ بِئَايَتِنَا وَقَالَ لأَُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَداً
|
|
أَفَرَءَيْتَ
الَّذِى كَفَرَ بِئَايَتِنَا وَقَالَ لأَُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَداً(77)أَطَّلَعَ
الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمنِ عَهْداً(78) كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا
يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً(79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ
وَيَأْتِينَا فَرْداً(80) وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ ءَالِهَةً
لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً(81) كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ
وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً (82) |
|
التّفسير |
|
تفكير
خرافي ومنحرف:
|
|
يعتقد بعض الناس أنّ الإِيمان
والطهارة والتقوى لا تناسبهم، وأنّها السبب في أن تدبر الدنيا عنهم، أمّا إِذا
خرجوا من دائرة الإِيمان والتقوى فإنّ الدنيا ستقبل عليهم، وتزيد ثروتهم
وأموالهم! |
|
الآيات(83) (87)
أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشَّيطِينَ عَلَى الْكفِرِينَ تَؤُزُّهُمْ
أَزّاً
|
|
أَلَمْ تَرَ أَنَّآ
أَرْسَلْنَا الشَّيطِينَ عَلَى الْكفِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً(83) فَلاَ
تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً(83) يَوْمَ نَحْشُرُ
الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً(85) وَنَسُوقُ الُْمجْرِمِينَ إِلَى
جَهَنَّمَ وِرْداً(86) لاَّ يَمْلِكُونَ الشَّفَعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ
الرَّحْمَنِ عَهْدَاً(87) |
|
التّفسير |
|
من
هم الذين لهم أهلية الشفاعة؟
|
|
بملاحظة البحث في
الآيات السابقة الذي كان حول المشركين، فإنّ
البحث في هذه الآيات، إِشارة إِلى بعض علل انحراف
هؤلاء، ثمّ تبيّن الآيات في النهاية عاقبتهم المشؤومة، وتثبت هذه
الحقيقة، وهي أنّ هذه الآلهة لم تكن سبب عزتهم بل أصبحت سبب ذلهم وشقائهم، فتقول
أولا: (ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم
أزاً). «الوفد»
ـ على وزن وعد ـ في الأصل بمعنى
الجماعة الذين يذهبون إِلى الكبار لحل مشاكلهم، ويكونون مورد احترام وتقدير، وعلى هذا فإنّ الكلمة تتضمن معنى الإِحترام والتكريم،
وربّما كان ما نقرؤه في بعض الرّوايات من أن المتقين يركبون مراكب سريعة السير،
ويدخلون الجنة باحترام بالغ، لهذا السبب. |
|
الآيات(88) (95)
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً(88) لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً
إِدّاً(89)
|
|
وَقَالُوا اتَّخَذَ
الرَّحْمَنُ وَلَداً(88) لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً(89) تَكَادُ السَّموتُ
يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَْرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً(90)أَن
دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً(91) وَمَا يَنْبَغِىِ للرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ
وَلَداً(92) إِن كُلُّ مَن فِى السَّموتِ وَالأَْرْضِ إِلآَّ ءَاتِى الرَّحْمنِ
عَبْدَاً(93) لَّقَدْ أَحْصَهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً(94) وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ
يَوْمَ الْقِيمَةِ فَرْداً(95) |
|
التّفسير |
|
لما كان الكلام في الآيات
السابقة عن الشرك، وعاقبة عمل المشركين، فقد أشارت هذه الآيات في نهاية البحث
إِلى فرع من فروع الشرك، أي الاعتقاد بوجود ولد لله سبحانه، وتبيّن مرّة أُخرى
قبح هذا الكلام بأشد وأحدّ بيان، فتقول: (وقالوا اتخذ
الرحمن ولداً) فليس المسيحيون لوحدهم كانوا يعتقدون بأنّ «المسيح» هو
الإِبن الحقيقية لله سبحانه، بل إِن اليهود كانوا يعتقدون أيضاً مثل هذا
الإِعتقاد في (عزير)، وكذلك عبدة الأصنام في (الملائكة)
فكانوا يظنون أنّها بنات الله(لقد تمّ الحديث عن «عزير»
في الآية (30) من سورة التوبة، وعن (الملائكة) في ذيل الآية (19) من سورة
الزخرف.). |
|
ملاحظتان
|
|
1 ـ إِلى الآن
يظنون أنّه ابن الله!
|
|
إنّ ما قرأناه في الآيات
السابقة ينفي الولد عن الله بكل جزم وقطع، وإنّ هذه الآيات مرتبطة بزمان مرّ
عليه أربعة عشر قرناً، في حين أنّنا لا نزال نرى اليوم كثيراً من المسيحيين ـ
ونحن في عصر العلم ـ يعتقدون أنّ المسيح ابن الله، لا نبوة مجازية، بل هو الإبن
الحقيقي! وإِذا ما ذكر في بعض الكتابات التي لها صفة التبشير، وكتبت بصورة خاصّة
للأوساط الإِسلامية، إن هذا الإِبن ابن مجازي، فإنّه لا يناسب ولا يوافق المتون
الأصلية لكتبهم الإِعتقادية بأي وجه من الوجوه. |
|
2 ـ كيف تفنى
السماوات وتتلاشى؟
|
|
ما قرأناه في الآية: (تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّاً)
إِمّا أن يكون إِشارة إِلى أن مجموعة عالم الوجود ـ على أساس مفاهيم القرآن المجيد
ـ تمتلك نوعاً من الحياة والإِدراك والشعور، والآيات، كالآية
(74) من سورة البقرة: (وإِن منها لما يهبط من
خشية الله)، والآية (21) من سورة الحشر: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية
الله) شاهدة على ذلك، فيكون المراد أنّ هذه النسبة غير الصحيحة إِلى
الساحة الإِلهية المقدسة، قد أرعبت وأقلقت كل العالم. |
|
الآيات(96) (98)
إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ
وُدّاً
|
|
إِنَّ الَّذِينَ
ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً(96)
فَإِنَّمَا يَسَّرنهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ
بِهِ قَوْماً لُّدّاً(97) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْن هَلْ
تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّن أَحَد أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزَا(98) |
|
التّفسير |
|
الإِيمان
والمحبوبية:
|
|
هذه الآيات الثلاث نهاية سورة
مريم، والكلام فيها أيضاً عن المؤمنين، والظالمين الكافرين، وعن القرآن وبشاراته
وإِنذراته، وهي ـ في الحقيقة ـ عصارة البحوث السابقة بملاحظات ونكات جديدة. |
|
بحثان
|
|
1 ـ محبّة علي
(عليه السلام) في قلوب المؤمنين
|
|
لقد صدرت روايات عديدة عن
النّبي(ص) في سبب نزول قوله تعالى: (إِن الذين آمنوا
وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً) في كثير من كتب الحديث وتفسير
السنة والشيعة، وهي تبيّن أنّ هذه الآية نزلت لأول مرّة في حق علي(ع)، ومن جملة من يمكن ذكرهم:
العلاّمة الزمخشري في الكشاف، وسبط ابن الجوزي في التذكرة، والكنجي الشافعي،
والقرطبي في تفسيره المشهور، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى، والنيسابوري في
تفسيره المعروف، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة، والسيوطي في الدر
المنثور، والهيثمي في الصواعق المحرقة، والآلوسي في روح المعاني. |
|
من
جملة الأحاديث:
|
|
1 ـ يروي
الثعلبي في تفسيره عن البراء بن عازب: إنّ رسول الله(ص)قال لعلي(ع) : «قل:
اللّهم اجعل لي عندك عهداً، واجعل لي في قلوب المؤمنين مودّة»، فأنزل الله
تعالى: (إِن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم
الرحمن وداً)( نقلا عن إِحقاق الحق، الجزء 3، ص 83 ـ 86.). وقد وردت نفس
هذه العبارة باختلاف يسير في كثير من الكتب الأُخرى. |
|
2 ـ تفسير جملة:
(يسرناه بلسانك).
|
|
«يسّرناه»،
من مادة التيسير، أي التسهيل، والله سبحانه يقول: (فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به
المتقين وتنذر به قوماً لداً)، فيمكن أن
يكون هذا التسهيل من جوانب مختلفة: آمين يا رب
العالمين |
|
|
|