- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
سُورَة الكَهف مكّية وعَدَدُ آيَاتِها مائَة وعشرُ آيات
|
|
سورة الكهف |
|
فضيلة سورة الكهف
|
|
1 ـ عن رسول
الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «ألا أدلكم على سورة شيعها سبعون ألف ملك،
حين نزلت ملأت عظمتها ما بين السماء والأرض؟ قالوا: بلى. |
|
محتوى سورة الكهف
|
|
تبدأ السورة بحمد الخالق جلّ وعلا، وتنتهي
بالتوحيد والإِيمان والعمل الصالح. |
|
الآيات(1) (5)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَبَ وَلَمْ يَجْعَل
لَّهُ عِوَجَا
|
|
الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِى أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَبَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا(1)
قَيِّماً لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ
الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّلِحَتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً
حَسَناً(2) مَّكِثِينَ فِيهِ أَبَداً(3) وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ
اللَّهُ وَلَداً(4) مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم وَلاَ لأَِبَآئِهِمْ كَبُرَتْ
كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً(5) |
|
التّفسير |
|
البداية
باسم الله، والقرآن:
|
|
تبدأ سورة الكهف ـ كما في بعض السور الأُخرى ـ بحمد
الله، وبما أنَّ الحمد يكون لأجل عمل أو صفة معينة مهمّة ومطلوبة، لذا فإِنَّ الحمد هُنا لأجل نزول القرآن الخالي مِن كل اعوجاج، فتقول الآية: (الحمدُ لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل لهُ عوجاً). |
|
بحوث
|
|
1
ـ افتتاح السورة بحمد الله سبحانهُ وتعالى
|
|
هُناك خمس سور في القرآن الكريم تبدأ بحمد
الله، ثمّ تعرج بعد الحمد والثناء على قضايا خلق السموات والأرض (أو
ملكية الله سبحانهُ وتعالى لها) أو هداية العالمين، عدا هذه السورة التي تتناول
بعد الحمد والثناء مسألة نزول القرآن على نبيّنا محمّد(صلى الله عليه وآله
وسلم). |
|
2
ـ القرآن كتابٌ ثابت ومستقيم وحافظ
|
|
كلمة «قيِّم» على وزن كلمة «سيِّد»
وِمُشتقة مِن مصدر الكلمة «قيام» وهُنا تأتي بمعنى
(الثبات والصمود) إِضافة إِلى أنّها تعني
المدبِّر والحافظ لبقية الكتب السماوية، كما تعني كلمة «قيِّم» في نفس الوقت الإِعتدال والإِستقامة التي
لا اعوجاج فيها وإِضافة إِلى أنَّ كلمة «قيم» هي
وصف للقرآن في عدم وجود أي اعوجاج في آياته، بل إنّ في مضمونها تأكيد على استقامة واعتدال القرآن، وخلوّه مِن أي شكل مِن
أشكال التناقض، وإِشارة إِلى أبدية وخلود هذا الكتاب السماوي العظيم،
وكونه أسوة لحفظ الأصالة، وإِصلاح الخلل، وحفظ الأحكام الإِلهية والعدل والفضائل
البشرية. |
|
3
ـ انذارين شديدين عام وخاص:
|
|
بعد الإِنذار العام الذي
وجهته الآيات في البداية لكافة البشر، وجهت الآيات المذكورة آنفاً انذاراً
خاصّاً للذين ادّعوا بأنّ لله ولداً وهذا ما يوضح خطورة الإِنحراف العقائدي الذي
أصاب المسيحيين واليهود والمشركين، وانتشر بصورة واسعة في الأجواء التي نزل
القرآن، ومِن الطبيعي فإِنَّ انتشار مثل هذه الأفكار يقضي على روح التوحيد في
ذلك المجتمع، إِذ حدِّوا الله سبحانه وتعالى بحدود مادية وجسمية، وأنَّهُ يمتلك
عواطف وأحاسيس بشرية، إِضافة إِلى وجود أكفاء وشركاء له، وأنَّهُ يحتاج إِلى
الآخرين. |
|
4 ـ الإِدعاء الفارغ
|
إِنَّ البحث في المعتقدات
والمباديء المنحرفة، كشف عن أنَّ أغلبها ليس لهُ أي دليل واقعي، ولكن بعض
الأشخاص يتخذها كشعار كاذب كي يتبعهُ الآخرون، و
تنتقل أحياناً مِن جيل إِلى آخر كعادة. والقرآن
هُنا يلقي علينا دروساً في تجنب الإِدعاءات التي ليسَ لها أي دليل أو سند قوي، ويأمرنا بعدم إِعارة أية أهمية لناقلها ومروجها، وقد
اعتبر الله تبارك وتعالى تلك الأعمال مِن الكبائر،
وعدّها مصدراً للكذب والدجل. |
|
5
ـ العمل الصالح برنامجٌ مستمر
|
|
الآيات المذكورة أعلاه عندما
تتحدَّث عن المؤمنين، تعتبر العمل الصالح بمثابة برنامج مستمر، إِذ أَنَّ كلمة
(يعملون في قوله تعالى: (يعملون الصالحات)فعل
مُضارع، والفعل المُضارع يدل على الإِستمرارية،
فالعمل الصالح يُمكن أن يصدر صدفة أو بسبب ما عن أي شخص، فلا يكون حينئذ دليلا
على الإِيمان الصادق، لكن استدامة العمل الصالح دليل الإِيمان الصادق. |
|
|
6
ـ صفة العبد أرقى وسام للإنسان
|
|
وأخيراً، إِنَّ القرآن عندما
يتحدَّث في آياته عن قضية نزول الكتاب السماوي يقول: (الحمدُ
لله الذي أنزل على عبده الكتاب) وهذا يعني أن
صفة «العبد» هي أرقى وسام وأعلى مرتبة ينالها الإِنسان في معراج تكامله المعنوي، فإذا نال الإِنسان وسام
العبودية لله تعالى، فإنّه يرى أن كل شيء في العالم ملكاً لله، وعملا يسلك سبيل
الطاعة لأوامر اللّه والتمسك بالنهج الذي رسمهُ وَحدَّده تعالى للإِنسان، ولا
يفكر في سواه ويرى أنّ خيرُ شرف للإِنسان أن يكون عبداً صالحاً ومُلتزماً بأوامر
ونواهي الباري عزَّوجلّ. |
|
الآيات(6) (8)
فَلَعَلَّكَ بخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى ءَاثرِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذا
الْحِدِيثِ أَسَفاً
|
|
فَلَعَلَّكَ بخِعٌ
نَّفْسَكَ عَلَى ءَاثرِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذا الْحِدِيثِ أَسَفاً(6)
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَْرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ
أَحْسَنُ عَمَلا(7) وَإِنَّا لَجعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً(8) |
|
التّفسير |
|
العالم
ساحة اختبار:
|
|
الآيات السابقة كانت تتحدَّث
عن الرسالة وقيادة النّبي(ص)، لذا فإِنَّ أوّل آية نبحثها الآن، تُشير إِلى أحد
أهم شروط القيادة، ألا وهي الإِشفاق على الأُمّة
فتقول: (فلعلك باخعٌ نفسك على آثارهم إن لم يُؤمنوا
بهذا الحديث أسفاً). و«جرز» تعني الأرض التي لا ينبت فيها
الكلأ وكأنّما هي تأكل نباتها، وبعبارة أُخرى
فإِنّ «جرز» تطلق على الأرض الموات بسبب الجفاف وقلّة المطر. |
|
الآيات(9) (12) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحبَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا
مِنْ ءَايتِنَا عَجَباً
|
|
أَمْ حَسِبْتَ
أَنَّ أَصْحبَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ ءَايتِنَا عَجَباً(9) إِذْ
أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ
رَحْمَةً وَهَيِّئ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً(10) فَضَرَبْنَا عَلَى
ءَاذَانِهِمْ فِى الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً(11) ثُمَّ بَعَثْنهُمْ لِنَعْلَمَ
أَىُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً(12) |
|
أسباب النّزول
|
|
لقد أوردَ المفسّرون قصّة
لسبب نزول الآيات خلاصتها أنَّ سادة قريش اجتمعوا ليبحثوا في أمر رسول الله(ص)
وقرروا إِرسال اثنين منهم إِلى أحبار اليهود في المدينة، والاثنان هما النضر بن
الحرث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط. فقالَ لهما أحبار
اليهود: اسألوه عن ثلاث فإِن أخبركم بهن فهو نبي مُرسل، وإِن لم
يفعل فهو رجل مُتقوّل فروا فيه أريكم. سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأوّل ما
كانَ مِن أمرهم، فإِنَّهُ قد كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طوّاف قد بلغ
مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه. وسلوه عن الروح ما هو. |
التّفسير |
|
بداية قصّة أصحاب الكهف
|
|
في الآيات السابقة كانت هُناك صورة للحياة الدينا، وكيفية اختبار الناس
فيها، ومسير حياتهم عليها، ولأنَّ القرآن غالباً ما يقوم بضرب الأمثلة للقضايا
الحسَّاسة، أو أنَّهُ يذكر نماذج مِن التأريخ
لتجسيد الوعي بالقضية، لذا قام في هذه السورة بتوضيح قصّة أصحاب الكهف، وعبرَّت عنهم الآيات بأنّهم (أنموذج) أو (أسوة). أمّا «الرقيم» ففي الأصل مأخودة مِن (رقم)
وتعني الكتابة(يقول الراغب في المفردات: إِنَّ
رقم (على وزن زخم) تعني الخط الخشن والواضح، والبعض اعتبره النقطة في خط. وفي كل
الأحوال إِنَّ (رقيم) تعني الكتاب أو اللوح أو الرسالة التي يُكتب فيها شيئاً.)،
وحسب اعتقاد أغلب المفسّرين فإِنَّ هذا هو اسم ثان لأصحاب الكهف، لأنَّهُ في النهاية تمت كتابة أسمائهم على لوحة وُضعت على باب الغار. |
|
ملاحظات
|
|
|
1 ـ جملة (أوى الفتية) مِن مادة
(مأوى) وتعني المكان الآمن، وهو إِشارة
إِلى أنَّ هؤلاء الفتية الهاربين مِن بيئتهم الفاسدة المنحرفة قد أحسّوا بالأمن
عندما وصلوا إِلى الغار. |
|
الآيات(13) (16)
نَّحْنُ نَقْصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءَامَنُوا
برَبِّهِمْ وَزِدْنهُمْ هُدىً
|
|
نَّحْنُ نَقْصُّ
عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءَامَنُوا برَبِّهِمْ
وَزِدْنهُمْ هُدىً(13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا
رَبُّنَا رَبُّ السَّمواتِ وَالأَْرْضِ لَن نَّدْعُوا مِن دُونِهِ إِلهاً
لَّقَدْ قُلْنَآ إِذاً شَطَطاً(14) هؤُلآَءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ
ءَالِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطن بَيِّن فَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً(15)وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا
يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُا إِلى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم
مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّىء لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً(16) |
|
التّفسير |
|
القصّة المفصَّلة لأصحاب الكهف:
|
|
بعد أن ذكرت الآيات بشكل
مُختصر قصّة أصحاب الكهف، بدأت الآن مرحلة الشرح
المفصَّل لها ضمن (14) آية وكان المنطلق في ذلك
قوله تعالى: (نحن نقصّ عليك نبأهم بالحق)
كلامٌ خال مِن أي شكل مِن أشكال الخرافة والتزوير. (إِنّهم
فتية آمنوا بربّهم وزدناهم هُدى). وكما قُلنا فإِنَّ (فتية) جمع (فتى) وهي تعني الشاب الحدث.
وبما أنَّ الجسم يكون قوياً في مرحلة الشباب، فهو على استعداد لقبول نور الحق،
ومنبع للحب والسخاء والعفة. ولذا كثيراً ما تُستخدم كلمة
(الفتى والفتوة) للتدليل على مجموع هذه الصفات حتى لو كانَ أصحابها من
المسنيّن. «مرفق» تعني الوسيلة التي تكون سبباً للطف والرفق والراحة، وبذا
يكون معنى الجملة (ويهيِّىء لكم مِن أمركم مرفقاً)
أنَّ الخالق سبحانهُ وتعالى سيرتب لكم وسيلة للرفق والراحة. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ
الفتوة والإِيمان الآيات القرآنيه
الأُخرى تؤيد هذه الحقيقة بوضوح، فعندما يجاهد الإِنسان مِن أجل
الله، فإِنَّ الله يهديه إِلى طريق الحق: (والذين
جاهدوا فينا لنهدينهم سُبلنا)( العنكبوت، الآية الأخيرة.) وفي سورة محمّد(ص) آية
(17) نقرأ قوله تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى). |
|
الآيتان(17) (18)
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَّزوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الَيمِينِ
وَإِذَا غَرَبَتْ
|
|
وَتَرَى الشَّمْسَ
إِذَا طَلَعَتْ تَّزوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الَيمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ
تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِى فَجْوَة مِّنْهُ ذْلِكَ مِنْ ءَايتِ
اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ
لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً(17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ
ذَاتَ الَْيمِينِ وذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بسِطٌ ذِرَاعَيْهِ
بَالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً
وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً(18) |
|
التّفسير |
|
مكان أصحاب الكهف:
|
|
يُشير القرآن في الآيتين
أعلاه إِلى التفاصيل الدقيقة المتعلِّقة بالحياة العجيبة لأصحاب الكهف في الغار،
وكأنّها تحكى على لسان شخص جالس في مقابل الغار ينظر إِليهم. |
|
الآيتان(19) (20)
وَكَذلِكَ بَعَثْنهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُم كَمْ
لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ
|
|
وَكَذلِكَ
بَعَثْنهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُم كَمْ لَبِثْتُمْ
قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْم قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا
لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَهِ
فَلْيَنظُر أَيُّهَآ أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْق مِّنْهُ
وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَيُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً(19)إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا
عَلَيْكُم يَرْجُمُوكُمْ أَو يُعيدُوكُمْ فِى مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا
إِذاً أَبَداً(20) |
|
التّفسير |
|
اليقظة بعدَ نوم طويل:
|
|
سوف نقرأ في الآيات القادمة ـ
إِن شاء الله تعالى ـ أنَّ نوم أصحاب الكهف كان طويلا للغاية بحيث استمر (309) سنة، وعلى هذا الأساس كانَ نومهم أشبه بالموت،
ويقظتهم أشبه بالبعث، لذا فإِنَّ القرآن يقول في الآيات التي نبحثها (وكذلك بعثناهم). |
|
بحوث
|
|
1
ـ أزكى الطعام
|
|
مع أنَّ أصحاب الكهف كانوا
بعد يقظتهم بحاجة شديدة إِلى الطعام، إِلاَّ أنّهم قالوا للشخص الذي كلَّفوه
بشراء الطعام: لا تشتر الطعام مِن أيّ كان، وإِنّما انظر أيُّهم أزكى وأطهر
طعاماً فأتنا منهُ. ففي رواية نقرأ أنّه جاء رجلٌ
إِلى رسول الله(ص) وسَألهُ قائلا: أحبُّ أن
يُستجاب دُعائي. |
|
ثانياً: التقية البنّاءة
|
|
نستفيد مِن تعبير
الآيات أعلاه أنَّ أصحاب الكهف كانوا
يُصرّون على أن لا يعرف أحد مكانهم حتى لا يجبرون على عبادة الأصنام، أو يقتلون
بأفجع طريقة مِن خلال رميهم بالحجارة. إِنّهم كانوا يرغبون في أن يبقوا غير
معروفين حتى يستطيعوا بهذا الأُسلوب الإِحتفاظ بقوّتهم للصراع المقبل، أو على
الأقل حتى يستطيعوا أن يحتفظوا بإِيمانهم. |
|
ثالثاً: اللطف مركز القرآن
|
|
إِنَّ قوله تعالى: (ليتلطَّف) ـ كما هو مشهور ـ هي نقطة الفصل بين نصفي
القرآن مِن حيث عدد الكلمات. وهذا بنفسه يشير إِلى معنى لطيف للغاية، لأنّ الكلمة مُشتقّة مِن اللطف، واللطافة والتي تعني هُنا
الدقة. بمعنى أنَّ المرسل لتهيئة الطعام عليه أن يذهب ويرجع بحيث لا
يُشعِر أحد بقصتهم. بعض المفسّرين
قالوا: إِنَّ الغرض مِن التلطُّف في شراء الطعام هو أن لا
يتصَعَّب في التعامل، ويبتعد عن النزاع الضوضاء وينتخب أفضل البضاعة. |
|
الآيات(21) (24)
وَكَذلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ
وَأَنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَآ
|
|
وَكَذلِكَ
أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ
السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَآ إِذْ يَتَنزَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ
فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ
الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً(21)
سَيَقُولُونَ ثَلثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ
سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمَا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وثَامِنُهُمْ
كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ
فَلاَ تُمَارِ فِيْهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظهِراً وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِم
مِّنْهُمْ أَحداً(22)وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىء إِنِّى فَاعِلٌ ذلِكَ غَداً(23)
إِلاَّ أن يَشَآءَ اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن
يَهْدِيَنِ رَبِّى لاَِقْرَبَ مِنْ هذَا رَشَداً(24) |
|
التّفسير |
|
نهاية قصّة أصحاب الكهف:
|
|
لقد وصلت بسرعة أصداء هجرة
هذه المجموعة مِن الرّجال المتشخّصين إِلى كلِّ مكان
وأغاظت بشدّة الملك الظالم، حيث قدَّر أن تكون هذه الهجرة مقدّمة ليقظة ووعي
الناس، أو قد يذهب أصحاب الكهف إِلى مَناطق بعيدة أو قريبة ويقومون بتبليغ مذهب
التوحيد والدعوة إِليه، ومحاربة الشرك وعبادة الأصنام. ومن جانب آخر كان منظره هو عجيباً للناس وغير مألوف. ملابسهُ، كلامه،
شكلهُ كل شيء فيه بدا غريباً للناس، وقد يكون هذا الوضع قد لفت أنظارهم إِليه،
لذا قام بعضهم بمُتابعته. ولكن هذا اللزوم سيكون للجملة لا للمتن كما هو الحال في التّفسير الأوّل(يجب الإِنتباه إِلى أنَّهُ طبقاً للتفسير الأوّل فإنَّ هناك جملة مقدَّرة وهي (أن تقول) ويصبح المعنى بعد
التقدير (إِلاّ أن تقول إن شاء الله) أمّا وفقاً للتفسير الثّاني فليس ثمّة حاجة لهذا التقدير.). |
|
بحوث
|
|
1 ـ
قوله تعالى: (رجماً بالغيب) وفي الآية (71) مَن
سورة الزمر التي تتحدَّث عن أبواب
جهنَّم تقول: (فُتحت أبوابها) إِلاَّ أنّها وبعد آيتين وعند الحديث عن أبواب الجنة تقول الآية: (وفتحت أبوابها). أليس ذلك بسبب أنَّ أبواب النار سبعة، وأبواب الجنّة ثمانية؟ 4 ـ
كل شيء يعتمد على مشيئته تعالى |
|
الآيات(25) (27)
وَلَبِثُوا فِى كَهْفِهِمْ ثَلثَ مِاْئَة سِنِينَ وَازْدَادُواْ تِسْعاً(25)
|
|
وَلَبِثُوا فِى
كَهْفِهِمْ ثَلثَ مِاْئَة سِنِينَ وَازْدَادُواْ تِسْعاً(25) قُلِ اللَّهُ
أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّموتِ وَالأَْرْضِ أَبْصِرْ بِهِ
وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِّنْ دُونِهِ مِن وَلِىٍّ وَلاَ يُشْرِكُ حُكْمِهِ فِى
أَحَداً(26) وَاتْلُ مَآ أَوحِىَ إِلَيكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَمُبَدِّلَ
لِكَلِمتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً(27) |
|
التّفسير |
|
نوم أصحاب الكهف:
|
|
مِن القرائن الموجودة في
الآيات السابقة نفهم إِجمالا أنَّ نوم أصحاب الكهف كان طويلا جدّاً. هذا الموضوع
يُثير غريزة الاستطلاع عند كل مستمع، إِذ يريد أن يعرف كم سنة بالضبط استمرَّ
نومهم؟ *
ثمّ تقول: لا يتغيَّر ولا يتبدّل علمه
وكلامه. |
|
بحوث
|
|
1
ـ قصّة أصحاب الكهف في الرّوايات الإِسلامية
|
|
هُناك روايات كثيرة في المصادر الإِسلامية حول أهل الكهف، ولكن بعضها لا يُعتمد عليها لضعف في سندها، والبعض الآخر تتضاد وتختلف فيما بينها. قالوا: يا أيّها الراعي لا
يحلّ لنا الكذب أفينجينا منك الصدق؟ فأخبروه بقصّتهم، فانكب الراعي على أرجلهم
يقبلها ويقول: يا قوم لقد وقع في قلبي ما وقعَ في قلوبكم، ولكن أمهلوني حتى أردّ
الأغنام على أربابها وألحق بكم، فتوقفوا له، فردَّ الأغنام، وأقبل يسعى يتبعهُ
الكلب ... فنظر الفتية (الوزراء) إلى الكب وقال بعضهم: إِنّا نخاف أن يفضحنا
بنباحه، فألحّوا عليه بالحجارة، فأنطق الله تعالى جلَّ ذكره، الكلب [قائلا]:
ذروني حتى أحرسكم مِن عدوّكم. |
|
2
ـ أين كانَ الكهف؟
|
|
للمفسّرين والعلماء كلام كثير حول أصحاب الكهف، أين كانتَ مَنطقتهم؟ وأين
يقع الكهف الذي مكثوا فيه؟ |
|
3
ـ الجوانب التربوية لقصّة أهل الكهف
|
|
هذه القصّة التأريخية العجبية
التي يذكرها القرآن خالية مِن أي خرافة أو وضع، وفيها
العديد مِن الدروس التربوية البنّاءة، تماماً كما في قصص القرآن الأُخرى،
وإِذا كُنّا قد أشرنا إلى هذه الدروس ضمن تفسير الآيات، فإِنّنا نرى مِن الضروري
الآن أن نشير إِليها بشكل مجمل حتى نقترب أكثر مِن الهدف الأساس للقرآن، وفيما يلي أبرز هذه الدروس: |
|
4
ـ هل أنَّ قصّة أصحاب الكهف علمية؟
|
|
مِن المسلَّم به أنَّ قصّة
أصحاب الكهف لم تكن مذكورة في أي مِن الكتب السماوية السابقة (سواء الكتب الأصلية أو المحرّفة الموجودة الآن) ويجب
أن لا تذكر، لأنَّ الحادثة ـ طبقاً للتأريخ العام ـ كانت قد وقعت في القرون التي
تلت ظهور المسيح عيسى(عليه السلام). إِنَّ المسألة ليست على هذه
الشاكلة، بل إنَّ ميزان طول عمر الكائنات الحية يرتبط ارتباطاً كبيراً بوضعهم
المعيشي، فعندما تتغيَّر الظروف بالكامل تكون الموازين قابلة للتغيير هي
الأُخرى. إِنَّ السُبات بالنسبة
للحيوانات التي لا تستطيع الحصول على غذائها فرصة ثمينة للغاية لكي تُديم حياتها
عن هذا الطريق. |
|
الآيات(28) (31)
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَوةِ
وَالْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
|
|
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ
مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَوةِ وَالْعَشِىِّ يُرِيدُونَ
وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَوةِ
الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ
هَوَهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً(28) وقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ
شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلظَّلِمِينَ
نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَآء
كَالْمُهْلِ يَشْوِى الْوُجُوهَ بِئْسَ الْشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً(29)
إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ
مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا(30) أُوْلئِكَ لَهُمْ جَنَّتُ عَدْن تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ
الأَْنْهرُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَب وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً
خُضْراً مِّن سُندُس وَإِسْتَبْرَق مُّتَّكئِينَ فِيهَا عَلَى الأَْرَآئِكِ
نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً(31) |
|
سبب النّزول
|
|
يروي المفسّرون في سبب نزول الآيات الأُولى في هذا المقطع من سورة الكهف
المباركة (واصبر نفسك مع الذين يدعون ...) أنَّ
مجموعة من أشراف قريش ومِن المؤلّفة قلوبهم جاؤوا إلى رسول الله(صلى الله عليه
وآله وسلم) وقالوا له: يا رسول الله، إن جلست في صدر المجلس ونحّيت عنّا هؤلاء
وروائح صنانهم (كانت عليهم جباب الصوف)( هذه الصفات
أطلقها أشراف قريش والمؤلفة قلوبهم على المستضعفين مِن أصحاب رسول الله(ص) كأبي
ذر وغيره.) جلسنا نحُن إِليك، وأخذنا عنك، لأنَّهُ لا يمنعنا مِن الدخول
عليك إِلاَّ هؤلاء. |
|
التّفسير |
|
الحفاة الأطهار!
|
|
مِن الدروس التي نستفيدها مِن
قصّة أصحاب الكهف أنَّ مقياس قيمة البشر ليست بالمنصب
الظاهري أو بالثروة، بل عندما يكون المسير في سبيل الله يتساوى الوزير والراعي،
والآيات التي نبحثها تؤكّد هذه الحقيقة المهمّة وتعطي للرّسول(صلى الله عليه
وآله وسلم) هذا الأمر: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربَّهم بالغداة والعشي يريدون
وجهه) إِنَّ استخدام تعبير (اصبر نفسك) هو إِشارة إلى حقيقة أنّ رسول الله(صلى
الله عليه وآله وسلم) كانَ قد تعرَّض إلى ضغط الأعداء المستكبرين والمشركين حتى
يُبعد عنهُ مجموع المؤمنين الفقراء، لذلك جاءه الأمر الإِلهي بالصبر والإِستقامة
أمام هذا الضغط المتزايد وأن لا يستسلم له. إِنَّ استخدام تعبير (الغداة والعشي)إشارة إلى أنّهم كانوا دائماً وأبداً
يذكرون الله. (ويلبسون ثياناً خضراً مِن سندس وإستبرق) (من حرير ناعم
وسميك). |
|
بحوث
|
|
1
ـ الرّوح الطبقية مُشكلة اجتماعية كبيرة
|
|
ليست الآيات الآنفة الذكر ـ
وحدها ـ تحارب تقسيم المجتمع إلى مجموعتين مِن الأغنياء والفقرء، بل إِنّنا نجد
الكثير مِن الآيات القرآنية الأُخرى، ممّا ذكرنا سابقاً أو سنذكرها لاحقاً،
تؤكّد جمعها على هذا الموضوع. |
|
2
ـ المقارنة بين الحياة في هذا العالم وعالم الآخرة:
|
|
لقد قُلنا مراراً: إِنَّ تجسُّد الأعمال هو من أهم القضايا المرتبطة
بالمعاد. يجب أن نعلم أنَّ ما هو موجود في ذلك العالم هو انعكاس واسع ومُتكامل
لهذا العالم، فأعمالنا وأفكارنا وأساليبنا الإِجتماعية وصفاتنا الأخلاقية
المختلفة سوف تتجسَّم وتتجسّد أمامنا في ذلك العالم وستبقى قرينة لنا دائماً. |
|
3
ـ العلاقة بين عبادة الهوى والغفلة عن الله
|
|
الروح الإِنسانية تخضع إِمّا
لله تعالى أو للأهواء، حيثُ لا يمكن الجمع بين الإِثنين، فعبادة الأهواء أساس
الغفلة عن الله وعبادة الله; عبادة الهوى هي سبب الإِبتعاد عن جميع الأُصول
الأخلاقية; وأخيراً فإنَّ عبادة الهوى تُدْخل الإِنسان في ذاته وتبعده عن جميع
حقائق العالم. |
|
4
ـ ملابس الزينة في العالم الآخر
|
|
قد يطرح البعض هذا
السؤال: لقد ذمَّ الله تعالى الزينة والتزيُّن في القرآن بالنسبة
لهذه الحياة، إِلاَّ أنَّهُ يعد المؤمنين بمثل هذه الأُمور في ذلك العالم، إِذ
تنص الآيات على الذهب وملابس الحرير والإِستبرق والسرر المساند الجميلة؟ |
|
5
ـ الإِقتراب مِن الأثرياء بسبب ثروتهم:
|
|
الدرس الآخر الذي
نتعلمهُ من الآيات الآنفة، هو أنَّهُ يجب
علينا أن لا نمتنع عن إِرشاد وتوجيه هذه المجموعة ـ أو تلك ـ بسبب كونها ثرية أو
ذات حياة مُرَّفهة، بل إِنَّ الشيء المذموم هو أن نذهب لهؤلاء لأجل ثروتهم
ودنياهم المادية، ونصبح مصداقاً لقوله تعالى: (تريد
زينة الحياة الدنيا) أمّا إِذا كان الهدف هو الهداية والإِرشاد، أو حتى
الإِستفادة مِن إِمكانياتهم مِن أجل تنفيذ النشاطات الإِجابية والمهمّة
إِجتماعياً، فانَّ مثل هذا الهدف لا يعتبر غير مذموم
وحسب، بل هو واجب. |
|
الآيات(32) (36)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَِحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ
أَعْنبِ وَحَفَفْنهُمَا بِنَخْل
|
|
وَاضْرِبْ لَهُمْ
مَّثَلا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَِحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنبِ
وَحَفَفْنهُمَا بِنَخْل وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً(32) كِلْتَا
الْجَنَّتَيْنِ ءَاتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مَّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا
خِللَهُمَا نَهَراً(33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصحِبِهِ وَهُوَ
يُحَاوِرُهُ أَنَاْ أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَراً(34)وَدَخَلَ
جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هذِهِ
أَبَداً(35) وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَآئِمَةً ولَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رّبِّى
لأََجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً(36) |
|
التّفسير |
|
تجسيد لموقف المستكبرين مِن المستضعفين:
|
|
في الآيات السابقة رأينا كيف
أنَّ عبيد الدنيا كانوا يُحاولون الإِبتغاد في كل شيء عن رجال الحق وأهله
المستضعفين، ثمّ عرَّفتنا الآيات جزاءهم في الحياة الأُخرى. |
|
الآيات(37) (41) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ
أَكَفَرْتَ بِالَّذِى خَلَقَكَ مِن تُرَاب ثُمَّ
|
|
قَالَ لَهُ
صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِى خَلَقَكَ مِن تُرَاب ثُمَّ
مِن نُّطْفَة ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا(37) لَّكِنَّاْ هُوِ اللَّهُ رَبِّى وَلآَ
أُشْرِكُ بِرَبِّى أَحَداً(38) وَلَولآَ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا
شَآءَ اللَّهُ لاَقُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ
مَالا وَوَلَداً(39) فَعَسَى رَبِّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ
وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّن السَّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً
زَلَقاً(40) أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ
طَلَباً(41) |
|
التّفسير |
|
جواب المؤمن:
|
|
هذه الآيات هي ردّ على ما
نسجهُ من أوهام ذلك الغني المغرور العديم الإِيمان، نسمعها تجري على لسان صاحبه
المؤمن. 2 ـ وقال آخرون: إنَّ شركهُ وكفرهُ كانا بسبب ما رَآه لِنفسه مِن إستقلال
في المالكية وما تصوره مِن دوام وأبدية هذه الملكية. |
|
الآيات(42) (44)
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا
وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا
|
|
وَأُحِيطَ
بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا وَهِىَ
خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يلَيْتَنِى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّى
أَحَداً (42)وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهُِ وَمَا
كَانَ مُنْتَصِراً(43)هُنَالِكَ الْوَليَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ
ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً(44) |
|
التّفسير |
|
العاقبة السوداء:
|
|
أخيراً إنتهى
الحوار بين الرجلين دون أن يُؤثر الشخص الموحِّد المؤمن في أعماق الغني المغرور، الذين رجع إلى بيته وهو يعيش نفس الحالة الروحية والفكرية،
وغافل أنَّ الأوامر الإِلهية قد صدرت بإِبادة بساتينه ومزروعاته الخضراء،
وأنَّهُ وَجَبَ أن ينال جزاء غروره وشركه في هذه الدنيا، لتكون عاقبته عبرة
للآخرين. |
|
بحثان
|
|
1
ـ غرور الثروة
|
|
في هذه القصّة نشاهد تجسيداً
حياً لما نطلق عليه اسم غرور الثروة، وقد عرفنا أنَّ هذا الغرور ينتهي أخيراً
إلى الشرك والكفر. فعندما يصل الأفراد الذين يعيشون حياتهم بلا غاية وهدف
إِيماني إلى منزلة معينة مِن القدرة المالية أو الوجاهة الإِجتماعية، فإِنّهم في
الغالب يُصابون بالغرور. وفي البداية يسعون إلى التفاخر بإِمكاناتهم على الآخرين
ويعتبرونها وسيلة تفوّق، ويرون مِن التفاف أصحاب المصالح حولهم دليلا على
محبوبيتهم، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله: (أنا
أكثر منك مالا وأعز نفراً). |
|
2
ـ دروس وعبر
|
|
هذا المصير المقترن بالعبرة والذي ذُكِرَ هُنا بشكل سريع يتضمّن بالإِضافة إلى
الدرس الآنف، دروساً أُخرى ينبغي أن نتعلمها، وهذه الدروس هي: |
|
الآيتان(45) (46)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا كَمَآء أَنْزَلْنهُ مِنَ
السَّمَآءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَْرْضِ
|
|
وَاضْرِبْ لَهُمْ
مَّثَلَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا كَمَآء أَنْزَلْنهُ مِنَ السَّمَآءِ فَاخْتَلَطَ
بِهِ نَبَاتُ الأَْرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الْرِّيحُ وَكَانَ اللَّهُ
عَلَى كُلِّ شَىْء مُّقْتَدِراً(45) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَوةِ
الدُّنْيَا وَالْبقَيتُ الصَّلِحتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وخَيْرٌ
أَمَلا (46) |
|
التّفسير |
|
بداية ونهاية الحياة في لوحة حيَّة:
|
|
الآيات السابقة تحدَّثت عن
عدم دوام نعم الدنيا، ولأنَّ إِدراك هذه الحقيقة لعمر
بطول (60 ـ80) سنة يُعتبر أمراً صعباً بالنسبة للأفراد العاديين، لذا
فإِنَّ القرآن قد جسَّدَ هذه الحقيقة مِن خلال مثال حي ومُعبِّر كي يستيقظ
الغافلون المغرورون مِن غفلتهم ونومهم عندما يشاهدون تكرار هذا الأمر عدّة مرّات
خلال عمرهم. |
|
بحوث
|
|
1
ـ المغريات
|
|
مرّة أُخرى توظّف الآيات
أعلاه دور المثال في تجسيد المعاني واستيعابها. إِنَّ القرآن ـ من خلال مثل واحد
ـ يعكس مجموعة مِن الحقائق العقلية التي قد يكون مِن الصعب دركها مِن قبل الكثير
مِن الناس. |
|
2
ـ عوامل تحطيم الغرور
|
|
قُلنا: إِنَّ الكثير مِن
الناس عندما يحصلون على الإِمكانات المادية والمناصب يُصابون بالغرور، وهذا
الغرور هو العدو اللدود لسعادة الإِنسان، وفي الآيات السابقة رأينا كيف أنَّ
الغرور يؤدي إلى الشرك والكفر. |
|
الآيات(47) (49)
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرى الأَْرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنهُمْ فَلَمْ
نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً
|
|
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ
الْجِبَالَ وَتَرى الأَْرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ
أَحَداً(47) وَعُرِضُواْ عَلَى رَبِّكَ صَفَّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا
خَلَقْنكُمْ أَوَّلَ مَرَّةِ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ
مَّوْعِداً(48)وَوُضِعَ الْكِتبُ فَتَرى الُْمجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا
فِيهِ وَيَقُولُونَ يوَيْلَتَنَا مَالِ هذَا الْكِتبِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً
وَلاَ كَبِيرةً إِلآَّ أَحْصَهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلاَ
يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً(49) |
|
التّفسير |
|
يا ويلتاه مِن هذا الكتاب!
|
|
تعقيباً لما كانت تتحدث به
الآيات السابقة عن غرور الإِنسان وإِعجابه بنفسه، وما تؤدي إليه هذه الصفات مِن
إنكار للبعث والمعاد، يَنصب المقطع الراهن مِن الآيات التي بين أيدينا على تبيان
المراحل المُمَهِدَة للقيامة وفق الترتيب الآتي: 3 ـ قسم مِن مرحلة ما بعد
البعث. |
|
بحوث
|
|
1
ـ سر إِنهدام الجبال
|
|
قلنا: إِنَّهُ في يوم الحشر
والنشور سيتغير نظام العالم المادي، وقد وردت صياغات مُختلفة حول إِنهدام الجبال
في القرآن الكريم، يمكن أن تقف عليها مِن خلال ما يلي: إِنّها غير معلومة لدينا، إِذ
قد يكون السبب في ذلك هو الزوال المؤقت لظاهرة الجاذبية حيثُ تكون الحركة
الدورانية للأرض سبباً في أن تتصادم الجبال فيما بينها ثمّ حركتها باتجاه
الفضاء. وقد يكون السبب هو الإِنفجارات الذرية العظيمة في النّواة المركزية
للأرض، وبسببها تحدث هذه الحركة العظيمة والموحشة. |
|
2
ـ صحيفة الأعمال
|
|
يرى العلاّمة
الطباطبائي في تفسير (الميزان) أنَّ في يوم القيامة ثلاثة كُتب، أو ثلاثة أنواع
مِن صحف الأعمال: وطبيعي أنَّهُ لا يوجد أي
تعارض بين هذه الآيات، لأنَّهُ ليسَ ثمّة مانع مِن أن تُدَوَّن أعمال الإِنسان
في عدّة كُتب، كما نشاهد نظير ذلك في برامج دنيا اليوم، إِذ مِن أجل التنظيم
الدقيق لتشكيلات دولة ما، هناك نظام وحساب لكل قسم، ثمّ إِنَّ هذه الأقسام وفي
ظل أقسام أكبر لها حسابٌ جديد. |
|
3
ـ الإِيمان بالمعاد ودوره في تربية الناس
|
|
حقّاً إِنَّ القرآن
كتاب تربوي عجيب، فعندما يذكر
للناس جانباً مِن مشاهد القيامة يقول: إِنَّ الجميع سيعرضون على محكمة الخالق
العادلة على شكل صفوف مُنظمة، في حين أن تشابه عقائدهم وأعمالهم هو المعيار في
الفرز بين صفوفهم! إنَّ أيديهم هناك فارغة مِن كل شيء، فقد تركوا كل مُتعلقات
الدنيا، فهم في جمعهم فُرادى، وفي فرديتهم مجموعين، تُعرض صحائف أعمالهم. |
|
الآيات(50) (53)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَئِكَةِ اسْجُدُوا لأَِدَمَ فَسَجَدُوا إِلآَّ إِبْلِيسَ
كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ
|
|
وَإِذْ قُلْنَا
لِلْمَلَئِكَةِ اسْجُدُوا لأَِدَمَ فَسَجَدُوا إِلآَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ
الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِدُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ
أَوْلِيَآءَ مِن دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّلِمِينَ بَدَلا(50)
مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّموتِ وَالأَْرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ
وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً(51) وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا
شُرَكَآءِىَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعُوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَّوْبِقاً(52)وَرَءَا الُْمجْرِمُونَ النَّارَ
فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً(53) |
|
التّفسير |
|
لا تتخذوا الشياطين أولياء:
|
|
لقد تحدثت الآيات مرّات عدَّة
عن خلق آدم وسجود الملائكة له، وعدم انصياع إِبليس. وقد قلنا: إِنَّ هذا التكرار
يطوي دروس مُتعدِّدة، وفي كل مقطع مكرَّر هناك دروس وعبرٌ جديدة. بعبارة أُخرى نقول:
إِنَّ للحادثة المهمّة عدَّة أبعاد، وفي كل مرَّة تذكر
فيها يتجلى واحد مِن أبعادها. |
|
بحثان
|
|
1
ـ هل كانَ الشيطان مَلَكاً؟
|
|
كما نعلم أنّ الملائكة أطهار
ومعصومون كما صرّح بذلك القرآن الكريم: (بل عباد مكرمون
لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعلمون)( الأنبياء، 26 ـ 27.). |
|
2
ـ لا تستعينوا بالضاليّن
|
|
مع أن هذه الآيات، صادرة عنه
تعالى وتنفي وجود عضد له من الضالين، ونعلم أنّه تعالى ليسَ بحاجة إِلى من يعينه
سواء كان المعين ضالا أم لم يكن، لكنها تقدم لنا درساً كبيراً للعمل الجماعي، حيث
يجب أن يكون الشخص المنتخب للنصرة والعون سائراً على منهج الحق والعدالة ويدعو
إِليها، وما أكثر ما رأينا أشخاصاً طاهرين قد ابتلوا بمختلف أنواع الإِنحرافات
والمشاكل وأصيبوا بالخيبة وسوء الحظ جراء عدم الدقّة في انتخاب الأعوان، حيث
التفّ حولهم عدد من الضالّين والمضلّين حتى تلفت أعمالهم، وكانت خاتمة أمرهم أن
فقدوا كل ملكاتهم الإِنسانيه والإِجتماعية. |
|
الآيات(54) (56) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هذَا الْقُرْءَانِ لِلنَّاسِ مِن
كُلِّ مَثَل وَكَانَ الإِْنسنُ أَكْثَرَ شَىْء جَدَلا
|
|
وَلَقَدْ
صَرَّفْنَا فِى هذَا الْقُرْءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَل وَكَانَ الإِْنسنُ
أَكْثَرَ شَىْء جَدَلا(54) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ
جَآءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ
سُنَّةُ الأَْوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا(55) وَمَا نُرْسِلُ
الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيَجدِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا
بِالْبطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا ءَايتِى وَمَآ أُنذِرُوا
هُزُواً(56) |
|
التّفسير |
|
في انتظار العقاب:
|
|
تنطوي هذه الآيات على تلخيص
واستنتاج لما ورد في الآيات السابقة، وهي تُشير ـ أيضاً ـ إلى بحوث قادمة. |
|
الآيات(57) (59)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِايتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِىَ
مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ
|
|
وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنْ ذُكِّرَ بِايتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ
يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِى
ءَاذَانِهِمْ وَقْرَاً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً
أَبَداً(57)وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُوا الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا
كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ العَذَابَ بَلْ لَّهُمْ مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن
دُونِهِ مَوْئِلا(58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا
وَجَعَلْنَا لِمُهْلِكِهِم مَّوْعِداً(59) |
|
التّفسير |
|
لا استعجال في العقاب الإِلهي:
|
|
الآيات السابقة كانت تتحدَّث
عن مجموعة مِن الكافرين المُتعصبين والمظلمة قلوبهم; والآيات التي بين أيدينا
تستمر في نفس البحث. |
|
الآيات(60) (64)
وَإِذْ قَاكَ مُوسَى لِفَتَئهُ لآَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ
الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِىَ حُقُباً(60)
|
|
وَإِذْ قَاكَ
مُوسَى لِفَتَئهُ لآَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ
أَمْضِىَ حُقُباً(60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا
فَاتَّخَذَ سَبِيلهُ فِى الْبَحْرِ سَرَباً(61) فَلَمَّا جَاوَزَوا قَالَ
لِفَتَهُ ءَاتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً(62)
قَالَ أَرَءَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ
وَمَآ أَنْسَنِيهُ إِلاَّ الشَّيْطنُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى
الْبَحْرِ عَجَباً (63) قَالَ ذلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى
ءَاثَارِهِمَا قَصَصاً(64) |
|
التّفسير |
|
لقاءِ موسى والخضر (عليهما السلام):
|
|
ذكر المفسّرون في
سبب نزول هذه الآيات أنَّ مجموعة مِن
قريش جاؤوا إلى النّبي(ص) وسألوه عن عالم كان موسى (ع) مأموراً باتباعه، وفي الجواب على ذلك نزلت هذه الآيات. |
|
نسيانهُ إلى الشيطان؟
|
|
في الجواب نقول: إِنَّهُ لا يوجد ثمّة مانع مِن الإِصابة بالنسيان في
المسائل والموارد التي لا ترتبط بالأحكام الإِلهية والأُمور التبليغية، أي في
مسائل الحياة العادية (خاصّة في المواقع التي لها طابع اختبار، كما هو الحال في
موسى هنا، وسوف نشرح ذلك فيما بعد). |
|
الآيات(65) (70)
فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ ءَاتَيْنهُ رَحْمَةً مِّنْ عِنْدِنَا
وَعَلَّمْنهُ مِنْ لَّدُنَّا عِلْماً
|
|
فَوَجَدَا عَبْداً
مِّنْ عِبَادِنَآ ءَاتَيْنهُ رَحْمَةً مِّنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنهُ مِنْ
لَّدُنَّا عِلْماً(65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ
تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً(66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ
مَعِىَ صَبْراً(67)وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً(68)
قَالَ سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللَّهُ صَابِراً ولآَ أَعْصِى لَكَ أَمْراً(69)
قَالَ فَإِن اتَّبَعْتَنِى فَلاَ تَسْئَلْنِى عَنْ شىْء حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ
مِنْهُ ذِكْراً(70) |
|
التّفسير |
|
رؤية المعلم الكبير:
|
|
عندما رجع موسى(عليه السلام)
وصاحبه إِلى المكان الأوّل، أي قرب الصخرة وقرب (مجمع البحرين)، فجأة: (فوجدا عبداً مِن عبادنا آتيناهُ رحمة مِن عندنا وعلمناه مِن
لدنا علماً). |
|
الآيات(71) (78)
فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِى السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ
أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا
|
|
فَانطَلَقَا حَتَّى
إِذَا رَكِبَا فِى السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ
أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً(71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ
تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً(72) قَالَ لاَتُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ وَلاَ
تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْراً(73) فَانَطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلماً
فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسَاً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْس لَّقَد جِئْتَ
شَيْئاً نُّكْراً(74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ
صَبْراً (75) قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيء بَعْدَهَا فَلاَ تُصحِبْنِى قَدْ
بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّى عُذراً(76) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ
قَرْيَة اسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدا فِيهَا
جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ
عَلَيْهِ أَجْراً(77) قَالَ هذا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ
بَتَأوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبراً(78) |
|
التّفسير |
|
المعلم الإِلهي والأفعال المنكرة!!
|
|
نعم، لقد ذهب موسى وصاحبهُ
وركبا السفينة: (فانطلقا حتى إِذا ركبا في السفينة). كلمة «غلام» تعني الفتى الحدث، أي الصبي سواء كان بالغاً أو غير
بالغ. وبين المفسّرين ثمّة كلام كثير عن الغلام المقتول، وفيما إِذا كان بالغاً
أم لا، فالبعض استدل بعبارة (نفساً زكية) على
أنَّ الفتى لم يكن بالغاً. والبعض الآخر اعتبر عبارة (بغير
نفس) دليلا على أنَّ الفتى كانَ بالغاً، ذلك لأنَّ القصاص يجوز بحق
البالغ فقط، ولكن لا يمكن القطع في هذا المجال بالنسبة لنفس الآية. |
|
الآيات(79) (82)
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسكِينَ يَعْمَلُونَ فِى الْبَحْرِ
فَأَرَدْتُّ أَنْ أَعِيبَهَا
|
|
أَمَّا
السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسكِينَ يَعْمَلُونَ فِى الْبَحْرِ فَأَرَدْتُّ أَنْ
أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُمْ مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَة غَصْباً(79)
وَأَمَّا الْغُلمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَينِ فَخَشِينَآ أَنْ يُرْهِقَهُمَا
طُغْيناً وَكُفْراً(80) فَأَرَدْنَآ أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً
مِّنْهُ زَكوةً وَأَقْرَبَ رُحْماً(81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَمَيْنِ
يَتِيمَيْنِ فِى الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ
أَبُوهُما صَلِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا
ويَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ
أَمْرِى ذلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرا ً (82) |
|
التّفسير |
|
الأسرار الداخلية لهذه الحوادث:
|
|
بعد أن أصبح الفراق بين موسى
والخضر(ع) أمراً حتمياً، كانَ مِن اللازم أن يقوم الأستاذ الإِلهي بتوضيح أسرار
أعماله التي لم يستطع موسى أن يصبر عليها، وفي الواقع فإِنَّ
استفادة موسى مِن صُحبته تتمثل في معرفة أسرار
هذه الحوادث الثلاثة العجيبة، والتي يمكن أن
تكون مفتاحاً للعديد مِن المسائل، وجواباً لكثير من الأسئلة. |
|
بحوث
|
|
1
ـ هل كانت مهمّة الخضر في اِطار النظام التشريعي أم التكويني!؟
|
|
إِنَّ هذه الحوادث
الثّلاث شغلت عقول العلماء الكبار، وأثارت
بينهم الكثير من الكلام والاستفهامات. فالحادثة الأُولى اعتبروها مُنطبقة مع قانون
الأهم والمهم; وقالوا بأنَّ حفظ مجموع السفينة عمل أهم حتماً مِن الضرر
الجزئي الذي لحقها بالخرق; وبعبارة أُخرى، فإِنّ
الخضر قام هُنا (بدفع الأفسد بالفاسد) خاصّة
وأنَّهُ كان يُمكن تقدير الرضا الباطني لأهل السفينة فيما إِذا علموا بهذه
الحادثة. (أي أنَّ الخضر قد حصل مِن وجهة الإحكام
والقواعد الشرعية على إِذن الفحوى). أمّا الدليل الوارد
حول خرق السفينة، فهو أيضاً لا
يخلو من تأمل فهل نستطيع مثلا ـ ومِن الوجهة الفقهية ـ أن
نتلف جزءاً مِن أموال أو بيت شخص معين بدون علمه
لا نقاذها مِن خطر ما، حتى لو علمنا وتيقنا
بأنَّهُ سيتمّ غصب تلك الأموال في المستقبل ... تُرى هل
يسمح الفقهاء بمثل هذا الحكم؟! بعبارة أُخرى: إِنَّ مجموعة مِن أوليائه وعباده مكلّفون في هذا العالم بالبواطن،
بينما المجموعة الأُخرى مكلّفون بالظواهر. والمكلّفون بالبواطن لهم
ضوابط وأصول وبرامج خاصّة بهم، مثلما للمكلّفين بالظواهر ضوابطهم وأصولهم الخاصّة بهم أيضاً. |
|
2
ـ مَن هو الخضر؟
|
|
لقد رأينا القرآن الكريم
يتحدَّث عن العالم مِن دون أن يسميّه بالخضر وقد عبَّر عن معلّم موسى(ع) بقوله: (عبداً مِن عبادنا آتيناه رحمة مِن عندنا وعلمناه مِن لدنا
علماً) والآية توضح المقام الخاص للعبودية والعلم والمعرفة، لذا فإِنّنا
غالباً ما نصفه بالرجل العالم. |
|
3
ـ الأساطير الموضوعة
|
|
إِنَّ الأساس في قصّة موسى
والخضر(ع) هو ما ذكر في القرآن، ولكن معَ الأسف هناك أساطير كثيرة قيلت حول
القصّة وحول رمزيها (موسى والخضر) حتى أنَّ بعض
الإِضافات تعطي للقصّة طابعاً خرافياً. وينبغي أن نعرف أنَّ
مصير كثير مِن القصص لم يختلف عن مصير هذه القصة، إِذ لم تنجُ قصة مِن الوضع والتحريف والتقوُّل. |
|
4
ـ هل يمكن أن يُصاب الأنبياء بالنسيان؟
|
|
لقد واجهتنا ـ أعلاه، ولعدّة مرّات ـ قضية نسيان موسى(ع)، فمرَّة في قضية
تلك السمكّة المعدَّة لطعامهم; وثلاث مرّات أُخرى
خلال الحوادث الثلاث التي وقعت عندَ مُرافقته للخضر، حينما نسي تعهده! |
|
5
ـ لماذا ذهب موسى لرؤية الخضر؟
|
|
في حديث عن ابن عباس قال:
أخبرني أبي بن كعب قال: خطبنا رسول الله(ص) فقال: «إِنّ موسى(عليه السلام) قام
خطيباً في بني إِسرائيل، فسئل أي الناس أعلم؟ قال: أنا. في معرض الجواب
نقول: نعم، ينبغي أن يكون أعلم فيما يتعلق بمهمّته، يعني
الأعلم بالنظام التشريعي، وموسى (ع) كان كذلك. أمّا الرجل العالِم (الخضر) فهو
كما قلنا سابقاً، كانت لهُ مهمّة تختلف عن مهمّة موسى(ع) ولا ترتبط بعالم
التشريع. بعبارة أُخرى: إِنَّ الرجل العالم كان يعرف مِن الأسرار ما لا تعتمد
عليه دعوة النّبوة. |
|
6
ـ ماذا كان الكنز؟
|
|
مِن الأسئلة التي تُثار حول
هذه القصّة، هي عن ماهية الكنز الوارد في الآية، ماذا كان؟ ولماذا كان صاحب موسى
يصر على إِخفائه؟ ولماذا قام الرجل المؤمن، يعني أبا الأيتام يتجميع هذا الكنز
وإِخفائه؟ |
|
7
ـ دروس هذه القصّة
|
|
هناك جملة دروس
يمكن أن نستفيدها مِن القصّة، ويمكن لنا أن ندرجها كما يلي: |
|
الآيات(83) (91)
وَيَسْئَلُونَكَ عَن ذِى الْقَرنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُم مِّنْهُ
ذِكْرَاً
|
|
وَيَسْئَلُونَكَ
عَن ذِى الْقَرنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرَاً(83)إِنَّا
مَكَّنَّا لَهُ فِى الأَْرْضِ وَءَاتَيْنهُ مِن كُلِّ شَىْء سَبَباً (84)
فَأَتْبَعَ سَبَباً(85) حَتَّى إِذَ بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا
تَغْرُبُ فِى عَيْن حَمِئَةً وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يذَا الْقَرْنَيْنِ
إِمَّآ أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَنْ تَتَّخِذَ فيهم حُسنَاً(86) قَالَ أَمَّا
مَن ظَلَمَ فَسَوفَ نَعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ
عَذَباً بَانُّكْراً(87) وَأَمَّا مَنْ ءَامَنَ وعَمِلَ صلِحاً فَلَهُ جَزَآءً
الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً(88) ثُمَّ أَتْبَعَ
سَبَباً(89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى
قَوم لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّنْ دُونِهَا سِتْراً(90) كَذَلِكَ وَقَدْ
أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً(91) |
|
التّفسير |
|
قصّة «ذو القرنين» العجيبة:
|
|
قُلنا في بداية
حديثنا عن أصحاب الكهف: إِنَّ مجموعة
مِن قريش قرَّرت اختبار الرّسول الأكرم(ص)،
وقامت هذه المجموعة بالتنسيق مع اليهود واستشارتهم بطرح
ثلاث قضايا هى: تأريخ الفتية مِن أصحاب الكهف. ولأنَّ «السين» في (سأتلوا) تستخدم عادة للمستقبل القريب، والرّسول
هنا يتحدَّث مُباشرة إِليهم عن ذي القرنين، فمن المحتمل
أن يكون ذلك مِنهُ(ص)احتراماً ومراعاة للأدب; الأدب الممزوج بالهدوء والتروي،
الأدب الذي يعني استلهامه للعلم مِن الله تبارك وتعالى، ونقلهُ إِلى الناس. |
|
الآيات(92) (98)
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً(92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن
دُونِهِمَا قَوْماً
|
|
ثُمَّ أَتْبَعَ
سَبَباً(92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا
قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا(93) قَالُوا يذَا الْقَرْنَيْنِ
إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِى الأَْرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ
خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدَّاً(94) قَالَ مَا
مَكَّنِّى فِيهِ رَبِّى خَيْرٌ فَأَعِينُونِى بِقُوَّة أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ
وبَيْنَهُمْ رَدْماً(95) ءَاتُونِى زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى
بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ
ءَاتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً(96) فَمَا اسْطَعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ
وَمَا اسْتَطعُوا لَهُ نَقْباً(97) قَالَ هذَا رَحْمَةٌ مِّنْ رَّبِّى فَإِذَا
جَآءَ وَعْدُ رَبِّى جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّى حَقَّاً(98) |
|
التّفسير |
|
كيف تمّ بناء سد ذي القرنين؟
|
|
الآيات أعلاه تشير إِلى سفرة
أُخرى مِن أسفار ذي القرنين حيثُ تقول: (ثمّ أتبع
سبباً). أي بعد هذه الحادثة استفاد مِن الوسائل المهمّة التي كانت تحت
تصرفه ومضى في سفره حتى وصل إِلى موضع بين جبلين: (حتى
إِذا بلغَ بين السدين وجد مِن دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولا). |
|
بحوث
|
|
أوّلاً ـ الملاحظات التربوية في هذه القصة التأريخية
|
|
سنبحث فيما بعد ـ إِن شاء
الله ـ ما يتعلق بذي القرنين; مَن هو؟ وكيف تمّ سفره للشرق والغرب; وأين كان
السد الذي أنشأه؟ وغير ذلك، ولكن بصرف النظر عن الجونب التأريخية، فإِنَّ القصّة بشكل عام تحوي على دروس تربوية كثيرة من
الضروري الإِلتفات إِليها والإِفادة مِنها، وفي الواقع أنّها هي الهدف القرآني
مِن إيرادها. ويمكن تلخيص هذه الدروس بالشكل الآتي: 8 ـ الدرس الآخر الذي يمكن أن
نتعلمهُ مِن هذه القصّة، هو أنَّ أصحاب المشكلة الأصليين معنيين بالدرجة الأُولى
في الإِشتراك في الجهد المبذول لحل مُشكلتهم، لذا فإِنَّ «ذو القرنين» أعطى أمراً إِلى الفئة التي اشتكت إِليه
أمر يأجوج ومأجوج بأن يجلبوا قطع الحديد، ثمّ
أعطاهم الأمر بإِشعال النار في أطراف السد لدمج القطع فيما بينها، ثمّ أمرهم
بتهيئة النحاس المذاب. وعادة فإن العمل الذي يتمّ بمساهمة وحضور الأطراف
الأصليين في المشكلة يؤدي إِلى إِظهار استعداداتهم ويعطي قيمة خاصّة للنتائج
الحاصلة منه، وللجهود المبذولة فيه، ومِن ثمّ يحرص الجميع للحفاظ عليه وإِدامته
بحكم تحملهم لمجهودات إِنشائه. |
|
ثانياً: مَن هو ذو القرنين؟
|
|
ذكر المفسّرون كلاماً كثيراً عن شخصية ذي القرنين الوارد في القرآن
الكريم، فمن هو؟ وعلى أي واحد من الشخصيات
التأريخية المعروفة تنطبق أوصافه ويمكن أن نرجع الآراء
إِلى ثلاث نظريات أساسية هي: ويقول البعض: إِنَّهُ لم يُعمِّر أكثر مِن (36) سنة، أمّا جسده فقد
ذهبوا بهِ إِلى الإِسكندرية ودفنوه هناك(يمكن ملاحظة
ذلك في تفسير الفخر الرازي، والكامل لابن الأثير (الجملد الأوّل صفحة 287).
ويعتقد البعض أن أوّل مَن قال بهذه النظرية هو الشيخ ابن سينا في كتابه الشفاء.). ثمّ إِنَّ أنصار
هذا الرأي يقولون: إِنَّ الأوصاف
المذكورة في القرآن الكريم حول «ذو القرنين» تتطابق مع الأوصاف التأريخية لكورش. |
|
ثالثاً: أين يقع سد ذي القرنين؟
|
|
بالرغم من محاولة البعض
المطابقة بين سد ذي القرنين وبين جدار الصين
الذي لا يزال موجوداً ويبلغ طوله مئات الكيلومترات، إِلاَّ
أنَّ الواضح أنَّ جدار الصين لا يَدخل في بنائه الحديد ولا النحاس،
ومضافاً إِلى ذلك لا يقع في مضيق جبلي ضيق، بل
هو جدار مبني مِن مواد البناء العادية ويبلغ طول مئات الكيلومترات، وما زال
موجوداً حتى الآن. |
|
الآيات(99) (102)
وَتَرَكْنَا بَعضَهُمْ يَوْمَئِذ يَمُوجُ فِى بَعْض وَنُفِخَ فِى الصُّورِ
فَجَمَعْنهُمْ جَمْعاً
|
|
وَتَرَكْنَا
بَعضَهُمْ يَوْمَئِذ يَمُوجُ فِى بَعْض وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَجَمَعْنهُمْ
جَمْعاً(99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذ لِّلْكَفِرينَ عَرْضَاً(100)
الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِى غِطَآء عَنْ ذِكْرِى وَكَانُوا لاَ
يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً(101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا
عِبَادِى مِن دُونِى أَوْلِيَآءَ إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَفِرِينَ
نَزُلا(102) |
|
التّفسير |
|
عاقبة الكافرين:
|
|
لقد تناولت الآية السابقة سد
يأجوج ومأجوج وانهدامه عند البعث، وهذه الآيات تستمر في قضايا القيامة، فتقول أوّلا: إِنّنا سنترك في ذلك اليوم ـ الذي ينتهي
فيه العالم ـ بعضهم يموج ببعض: (وتركنا بعضهم يومئذ
يموج في بعض). طبعاً لا يوجد
تناقض بين المعنيين، ويمكن أن يشمل تعبير الآية كلا الحالتين. هل يملك هؤلاء المعبودون ـ
كالمسيح والملائكة ـ شيئاً للدفاع عن الآخرين بالرغم مِن مكانتهم العالية، أو
أنَّ الأمر بالعكس إِذ كل ما عندَ هؤلاء هو مِن الله، وأنّهم أنفسهم يحتاجون
إِلى هدايته؟ |
|
الآيات(103) (108)
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَْخْسَرِينَ أَعْملا
|
|
قُلْ هَلْ
نُنَبِّئُكُمْ بِالأَْخْسَرِينَ أَعْملا(103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى
الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104)
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِئَايتِ رَبِّهِمْ وَلِقَآئِهِ فَحَبِطَتْ
أَعْملُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيمَةِ وَزْناً(105) ذلِكَ جَزَآؤُهُمْ
جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَُذُوا ءَايتِى وَرُسُلِى هُزُواً(106) إِنَّ
الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّتُ
الْفِرْدَوْسِ نُزُلا(107) خلِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا(108) |
|
التّفسير |
|
أخسر الناس:
|
|
هذه الآيات والآيات اللاحقة ـ
إِلى نهاية السورة المباركة ـ في الوقت الذي تتحدَّث فيه عن صفات غير المؤمنين،
فإِنّها تُعتبر نوعاً مِن التلخيص لكافة البحوث التي وردت في هذه السورة، خاصةً
البحوث المتعلقة بقصة أصحاب الكهف وموسى والخضر وذي القرنين، وما بذلوه مِن جهود
إِزاء معارضيهم. فالآيات تكشف أوّلا عن أخسر
الناس، ولكنّها ـ بهدف إِثارة حب الإَستطلاع لدى المستمع إزاء هذه القضية ـ تعمد
إِلى إِثارتها على شكل سؤال مُوَّجه إِلى رسول الله(ص)، فتقول: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا). |
|
بحوث
|
|
1
ـ مَن هم الأخسرون أعمالا؟
|
|
نلاحظ في حياتنا وحياة
الآخرين، أنَّ الإِنسان عندما يقوم بعمل خاطىء ويعتقد أنَّهُ صحيح، فإِنَّ جهلهُ
المركب هذا لا يدوم أكثر مِن لحظة أو موقف أو حتى سنة، أمّا أن يدوم على امتداد
عمره فذلك هو سوء الحظ وهو الخسران المبين. |
|
2
ـ ماذا يعني لقاء الله؟
|
|
بالرغم مِن أنَّ
بعض أشباه العلماء يستفيدون مِن أمثال
هذه الآيات إِمكانية رؤية الخالق جلَّ وعلا في العالم الآخر، ويفسّرون لقاء الله باللقاء الحسي، إِلاَّ أنَّهُ مِن
المعلوم بداهة أنَّ اللقاء الحسي يقتضي تجسيم الخالق جلَّ وعلا، والتجسيم يقتضي
التحديد والحاجة، والمحدود المحتاج يكون قابلا للفناء، والكل يعرف ويؤمن بأنَّ
هذه الصفات لا تنطبق على الله تعالى. |
|
3
ـ وزن الأعمال
|
|
ليسَ بنا حاجة إِلى أن نفسّر
قضية وزن الأعمال عن طريق تجسيم الأعمال والقول بأنَّ عمل الإِنسان سيتحوَّل
هناك إِلى جسم وله وزن، ذلك لأنَّ الوزن لهُ معنى واسع يشمل أية مقايسة، فمثلا نقول للأشخاص عديمي الشخصية أنّهم أشخاص لا وزن لهم، أو أنّهم أشخاص خفيفون، ونعني بذلك ضعف شخصيتهم وليسَ القلّة في وزنهم الجسمي. |
|
5
ـ الفردوس لمن؟
|
|
قلنا: إِنَّ «الفردوس»( ذهب بعض إِلى أن هذه الكلمة مأخوذة من اللغة الرومية في
الأصل، وذهب آخرون الى أن جذورها حبشية انتقلت الى العربية (تفسير الفخر الرازي
وتفسير مجمع البيان).) أفضل مناطق الجنة، ولا يسكنهُ سوى المؤمنين وذوي
الأعمال الصالحة، إِذاً سيكون السؤال: مَن يسكن
الأقسام الأُخرى في الجنة، إِذا كانت الجنة مكاناً للمؤمنين وحسب وممنوعة على
غيرهم؟ |
|
الآيتان(109) (110)
قُلْ لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمتِ رَبِّى لَنَفِدَ الْبَحْرُ
قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمتُ رَبِّى
|
|
قُلْ لَّوْ كَانَ
الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمتِ رَبِّى لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ
كَلِمتُ رَبِّى وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً(109) قُلْ إِنَّمَآ أَنَا
بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلهُكُمْ إِلهٌ وحِدٌ فَمَنْ كَانَ
يَرْجُوا لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَلِحاً وَلاَ يُشْرِكْ
بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً(110) |
|
سبب النّزول
|
|
عن ابن عباس قال: «قالت اليهود لما قال لهم النّبي(ص) (وما أوتيتم مِن العلم إِلاَّ قليلا) قالوا: وكيف وقد
أوتينا التوراة وَمَن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً؟ فنزل قوله تعالى: (قل لو كانَ البحر مِداداً لكلمات ربّي لنفد البحر). |
|
التّفسير |
|
الذين يأملون لقاء الله:
|
|
الآيات أعلاه في نفس الوقت
الذي تبحث بحثاً مستقلا، إِلاَّ أنّها متصلة مع
بحوث هذه السورة، حيثُ أنَّ كل قصة مِن القصص الثلاث الواردة في السورة، تكشف الستار عن
مواضيع جديدة وعجيبة، وكأنّما القرآن يريد أن يقول في هذه الآيات: إِنَّ الإِطلاع على قصّة أصحاب الكهف، وموسى والخضر، وذي
القرنين، يعتبر لا شيء إِزاء علم الله غير المحدود، لأنَّ علمهُ سبحانه
وتعالى ومعرفتهُ تشمل كافة الكائنات وعالم الوجود في الماضي والحاضر والمستقبل. وفي الآية التي نبحثها فإِنَّ
(كلمة) قد استخدمت بهذا المعنى، أي إِشارة إِلى موجودات عالم الوجود التي تدل كل
واحدة فيه على الصفات المختلفة لله تبارك وتعالى. |
|
توضيح لمفهوم اللانهاية:
|
|
يقوم القرآن الكريم بتجسيد
العدد اللانهائي ويقرب معنى العلم المطلق غير المحدود لله تعالى، ويقرب سعة عالم
الوجود العظيم إِلى أفكارنا. وقد استخدم القرآن في ذلك توضيحاً بليغاً للغاية،
وذكر أرقاماً حيَّة وذات روح. |
|
الإِخلاص أو روح
العمل الصالح: |
|
أعطت الرّوايات الإِسلامية
مكانةً خاصّة لقضية «النية»، والإِسلام في العادة يقر بقبول الأعمال بملاحظة
النية والهدف مِن العمل. نهاية
سورة الكهف |
|
|
|
|
سُورَة الكَهف مكّية وعَدَدُ آيَاتِها مائَة وعشرُ آيات
|
|
سورة الكهف |
|
فضيلة سورة الكهف
|
|
1 ـ عن رسول
الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «ألا أدلكم على سورة شيعها سبعون ألف ملك،
حين نزلت ملأت عظمتها ما بين السماء والأرض؟ قالوا: بلى. |
|
محتوى سورة الكهف
|
|
تبدأ السورة بحمد الخالق جلّ وعلا، وتنتهي
بالتوحيد والإِيمان والعمل الصالح. |
|
الآيات(1) (5)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَبَ وَلَمْ يَجْعَل
لَّهُ عِوَجَا
|
|
الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِى أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَبَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا(1)
قَيِّماً لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ
الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّلِحَتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً
حَسَناً(2) مَّكِثِينَ فِيهِ أَبَداً(3) وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ
اللَّهُ وَلَداً(4) مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم وَلاَ لأَِبَآئِهِمْ كَبُرَتْ
كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً(5) |
|
التّفسير |
|
البداية
باسم الله، والقرآن:
|
|
تبدأ سورة الكهف ـ كما في بعض السور الأُخرى ـ بحمد
الله، وبما أنَّ الحمد يكون لأجل عمل أو صفة معينة مهمّة ومطلوبة، لذا فإِنَّ الحمد هُنا لأجل نزول القرآن الخالي مِن كل اعوجاج، فتقول الآية: (الحمدُ لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل لهُ عوجاً). |
|
بحوث
|
|
1
ـ افتتاح السورة بحمد الله سبحانهُ وتعالى
|
|
هُناك خمس سور في القرآن الكريم تبدأ بحمد
الله، ثمّ تعرج بعد الحمد والثناء على قضايا خلق السموات والأرض (أو
ملكية الله سبحانهُ وتعالى لها) أو هداية العالمين، عدا هذه السورة التي تتناول
بعد الحمد والثناء مسألة نزول القرآن على نبيّنا محمّد(صلى الله عليه وآله
وسلم). |
|
2
ـ القرآن كتابٌ ثابت ومستقيم وحافظ
|
|
كلمة «قيِّم» على وزن كلمة «سيِّد»
وِمُشتقة مِن مصدر الكلمة «قيام» وهُنا تأتي بمعنى
(الثبات والصمود) إِضافة إِلى أنّها تعني
المدبِّر والحافظ لبقية الكتب السماوية، كما تعني كلمة «قيِّم» في نفس الوقت الإِعتدال والإِستقامة التي
لا اعوجاج فيها وإِضافة إِلى أنَّ كلمة «قيم» هي
وصف للقرآن في عدم وجود أي اعوجاج في آياته، بل إنّ في مضمونها تأكيد على استقامة واعتدال القرآن، وخلوّه مِن أي شكل مِن
أشكال التناقض، وإِشارة إِلى أبدية وخلود هذا الكتاب السماوي العظيم،
وكونه أسوة لحفظ الأصالة، وإِصلاح الخلل، وحفظ الأحكام الإِلهية والعدل والفضائل
البشرية. |
|
3
ـ انذارين شديدين عام وخاص:
|
|
بعد الإِنذار العام الذي
وجهته الآيات في البداية لكافة البشر، وجهت الآيات المذكورة آنفاً انذاراً
خاصّاً للذين ادّعوا بأنّ لله ولداً وهذا ما يوضح خطورة الإِنحراف العقائدي الذي
أصاب المسيحيين واليهود والمشركين، وانتشر بصورة واسعة في الأجواء التي نزل
القرآن، ومِن الطبيعي فإِنَّ انتشار مثل هذه الأفكار يقضي على روح التوحيد في
ذلك المجتمع، إِذ حدِّوا الله سبحانه وتعالى بحدود مادية وجسمية، وأنَّهُ يمتلك
عواطف وأحاسيس بشرية، إِضافة إِلى وجود أكفاء وشركاء له، وأنَّهُ يحتاج إِلى
الآخرين. |
|
4 ـ الإِدعاء الفارغ
|
إِنَّ البحث في المعتقدات
والمباديء المنحرفة، كشف عن أنَّ أغلبها ليس لهُ أي دليل واقعي، ولكن بعض
الأشخاص يتخذها كشعار كاذب كي يتبعهُ الآخرون، و
تنتقل أحياناً مِن جيل إِلى آخر كعادة. والقرآن
هُنا يلقي علينا دروساً في تجنب الإِدعاءات التي ليسَ لها أي دليل أو سند قوي، ويأمرنا بعدم إِعارة أية أهمية لناقلها ومروجها، وقد
اعتبر الله تبارك وتعالى تلك الأعمال مِن الكبائر،
وعدّها مصدراً للكذب والدجل. |
|
5
ـ العمل الصالح برنامجٌ مستمر
|
|
الآيات المذكورة أعلاه عندما
تتحدَّث عن المؤمنين، تعتبر العمل الصالح بمثابة برنامج مستمر، إِذ أَنَّ كلمة
(يعملون في قوله تعالى: (يعملون الصالحات)فعل
مُضارع، والفعل المُضارع يدل على الإِستمرارية،
فالعمل الصالح يُمكن أن يصدر صدفة أو بسبب ما عن أي شخص، فلا يكون حينئذ دليلا
على الإِيمان الصادق، لكن استدامة العمل الصالح دليل الإِيمان الصادق. |
|
|
6
ـ صفة العبد أرقى وسام للإنسان
|
|
وأخيراً، إِنَّ القرآن عندما
يتحدَّث في آياته عن قضية نزول الكتاب السماوي يقول: (الحمدُ
لله الذي أنزل على عبده الكتاب) وهذا يعني أن
صفة «العبد» هي أرقى وسام وأعلى مرتبة ينالها الإِنسان في معراج تكامله المعنوي، فإذا نال الإِنسان وسام
العبودية لله تعالى، فإنّه يرى أن كل شيء في العالم ملكاً لله، وعملا يسلك سبيل
الطاعة لأوامر اللّه والتمسك بالنهج الذي رسمهُ وَحدَّده تعالى للإِنسان، ولا
يفكر في سواه ويرى أنّ خيرُ شرف للإِنسان أن يكون عبداً صالحاً ومُلتزماً بأوامر
ونواهي الباري عزَّوجلّ. |
|
الآيات(6) (8)
فَلَعَلَّكَ بخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى ءَاثرِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذا
الْحِدِيثِ أَسَفاً
|
|
فَلَعَلَّكَ بخِعٌ
نَّفْسَكَ عَلَى ءَاثرِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذا الْحِدِيثِ أَسَفاً(6)
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَْرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ
أَحْسَنُ عَمَلا(7) وَإِنَّا لَجعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً(8) |
|
التّفسير |
|
العالم
ساحة اختبار:
|
|
الآيات السابقة كانت تتحدَّث
عن الرسالة وقيادة النّبي(ص)، لذا فإِنَّ أوّل آية نبحثها الآن، تُشير إِلى أحد
أهم شروط القيادة، ألا وهي الإِشفاق على الأُمّة
فتقول: (فلعلك باخعٌ نفسك على آثارهم إن لم يُؤمنوا
بهذا الحديث أسفاً). و«جرز» تعني الأرض التي لا ينبت فيها
الكلأ وكأنّما هي تأكل نباتها، وبعبارة أُخرى
فإِنّ «جرز» تطلق على الأرض الموات بسبب الجفاف وقلّة المطر. |
|
الآيات(9) (12) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحبَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا
مِنْ ءَايتِنَا عَجَباً
|
|
أَمْ حَسِبْتَ
أَنَّ أَصْحبَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ ءَايتِنَا عَجَباً(9) إِذْ
أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ
رَحْمَةً وَهَيِّئ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً(10) فَضَرَبْنَا عَلَى
ءَاذَانِهِمْ فِى الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً(11) ثُمَّ بَعَثْنهُمْ لِنَعْلَمَ
أَىُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً(12) |
|
أسباب النّزول
|
|
لقد أوردَ المفسّرون قصّة
لسبب نزول الآيات خلاصتها أنَّ سادة قريش اجتمعوا ليبحثوا في أمر رسول الله(ص)
وقرروا إِرسال اثنين منهم إِلى أحبار اليهود في المدينة، والاثنان هما النضر بن
الحرث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط. فقالَ لهما أحبار
اليهود: اسألوه عن ثلاث فإِن أخبركم بهن فهو نبي مُرسل، وإِن لم
يفعل فهو رجل مُتقوّل فروا فيه أريكم. سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأوّل ما
كانَ مِن أمرهم، فإِنَّهُ قد كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طوّاف قد بلغ
مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه. وسلوه عن الروح ما هو. |
التّفسير |
|
بداية قصّة أصحاب الكهف
|
|
في الآيات السابقة كانت هُناك صورة للحياة الدينا، وكيفية اختبار الناس
فيها، ومسير حياتهم عليها، ولأنَّ القرآن غالباً ما يقوم بضرب الأمثلة للقضايا
الحسَّاسة، أو أنَّهُ يذكر نماذج مِن التأريخ
لتجسيد الوعي بالقضية، لذا قام في هذه السورة بتوضيح قصّة أصحاب الكهف، وعبرَّت عنهم الآيات بأنّهم (أنموذج) أو (أسوة). أمّا «الرقيم» ففي الأصل مأخودة مِن (رقم)
وتعني الكتابة(يقول الراغب في المفردات: إِنَّ
رقم (على وزن زخم) تعني الخط الخشن والواضح، والبعض اعتبره النقطة في خط. وفي كل
الأحوال إِنَّ (رقيم) تعني الكتاب أو اللوح أو الرسالة التي يُكتب فيها شيئاً.)،
وحسب اعتقاد أغلب المفسّرين فإِنَّ هذا هو اسم ثان لأصحاب الكهف، لأنَّهُ في النهاية تمت كتابة أسمائهم على لوحة وُضعت على باب الغار. |
|
ملاحظات
|
|
|
1 ـ جملة (أوى الفتية) مِن مادة
(مأوى) وتعني المكان الآمن، وهو إِشارة
إِلى أنَّ هؤلاء الفتية الهاربين مِن بيئتهم الفاسدة المنحرفة قد أحسّوا بالأمن
عندما وصلوا إِلى الغار. |
|
الآيات(13) (16)
نَّحْنُ نَقْصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءَامَنُوا
برَبِّهِمْ وَزِدْنهُمْ هُدىً
|
|
نَّحْنُ نَقْصُّ
عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءَامَنُوا برَبِّهِمْ
وَزِدْنهُمْ هُدىً(13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا
رَبُّنَا رَبُّ السَّمواتِ وَالأَْرْضِ لَن نَّدْعُوا مِن دُونِهِ إِلهاً
لَّقَدْ قُلْنَآ إِذاً شَطَطاً(14) هؤُلآَءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ
ءَالِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطن بَيِّن فَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً(15)وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا
يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُا إِلى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم
مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّىء لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً(16) |
|
التّفسير |
|
القصّة المفصَّلة لأصحاب الكهف:
|
|
بعد أن ذكرت الآيات بشكل
مُختصر قصّة أصحاب الكهف، بدأت الآن مرحلة الشرح
المفصَّل لها ضمن (14) آية وكان المنطلق في ذلك
قوله تعالى: (نحن نقصّ عليك نبأهم بالحق)
كلامٌ خال مِن أي شكل مِن أشكال الخرافة والتزوير. (إِنّهم
فتية آمنوا بربّهم وزدناهم هُدى). وكما قُلنا فإِنَّ (فتية) جمع (فتى) وهي تعني الشاب الحدث.
وبما أنَّ الجسم يكون قوياً في مرحلة الشباب، فهو على استعداد لقبول نور الحق،
ومنبع للحب والسخاء والعفة. ولذا كثيراً ما تُستخدم كلمة
(الفتى والفتوة) للتدليل على مجموع هذه الصفات حتى لو كانَ أصحابها من
المسنيّن. «مرفق» تعني الوسيلة التي تكون سبباً للطف والرفق والراحة، وبذا
يكون معنى الجملة (ويهيِّىء لكم مِن أمركم مرفقاً)
أنَّ الخالق سبحانهُ وتعالى سيرتب لكم وسيلة للرفق والراحة. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ
الفتوة والإِيمان الآيات القرآنيه
الأُخرى تؤيد هذه الحقيقة بوضوح، فعندما يجاهد الإِنسان مِن أجل
الله، فإِنَّ الله يهديه إِلى طريق الحق: (والذين
جاهدوا فينا لنهدينهم سُبلنا)( العنكبوت، الآية الأخيرة.) وفي سورة محمّد(ص) آية
(17) نقرأ قوله تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى). |
|
الآيتان(17) (18)
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَّزوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الَيمِينِ
وَإِذَا غَرَبَتْ
|
|
وَتَرَى الشَّمْسَ
إِذَا طَلَعَتْ تَّزوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الَيمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ
تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِى فَجْوَة مِّنْهُ ذْلِكَ مِنْ ءَايتِ
اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ
لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً(17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ
ذَاتَ الَْيمِينِ وذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بسِطٌ ذِرَاعَيْهِ
بَالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً
وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً(18) |
|
التّفسير |
|
مكان أصحاب الكهف:
|
|
يُشير القرآن في الآيتين
أعلاه إِلى التفاصيل الدقيقة المتعلِّقة بالحياة العجيبة لأصحاب الكهف في الغار،
وكأنّها تحكى على لسان شخص جالس في مقابل الغار ينظر إِليهم. |
|
الآيتان(19) (20)
وَكَذلِكَ بَعَثْنهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُم كَمْ
لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ
|
|
وَكَذلِكَ
بَعَثْنهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُم كَمْ لَبِثْتُمْ
قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْم قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا
لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَهِ
فَلْيَنظُر أَيُّهَآ أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْق مِّنْهُ
وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَيُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً(19)إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا
عَلَيْكُم يَرْجُمُوكُمْ أَو يُعيدُوكُمْ فِى مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا
إِذاً أَبَداً(20) |
|
التّفسير |
|
اليقظة بعدَ نوم طويل:
|
|
سوف نقرأ في الآيات القادمة ـ
إِن شاء الله تعالى ـ أنَّ نوم أصحاب الكهف كان طويلا للغاية بحيث استمر (309) سنة، وعلى هذا الأساس كانَ نومهم أشبه بالموت،
ويقظتهم أشبه بالبعث، لذا فإِنَّ القرآن يقول في الآيات التي نبحثها (وكذلك بعثناهم). |
|
بحوث
|
|
1
ـ أزكى الطعام
|
|
مع أنَّ أصحاب الكهف كانوا
بعد يقظتهم بحاجة شديدة إِلى الطعام، إِلاَّ أنّهم قالوا للشخص الذي كلَّفوه
بشراء الطعام: لا تشتر الطعام مِن أيّ كان، وإِنّما انظر أيُّهم أزكى وأطهر
طعاماً فأتنا منهُ. ففي رواية نقرأ أنّه جاء رجلٌ
إِلى رسول الله(ص) وسَألهُ قائلا: أحبُّ أن
يُستجاب دُعائي. |
|
ثانياً: التقية البنّاءة
|
|
نستفيد مِن تعبير
الآيات أعلاه أنَّ أصحاب الكهف كانوا
يُصرّون على أن لا يعرف أحد مكانهم حتى لا يجبرون على عبادة الأصنام، أو يقتلون
بأفجع طريقة مِن خلال رميهم بالحجارة. إِنّهم كانوا يرغبون في أن يبقوا غير
معروفين حتى يستطيعوا بهذا الأُسلوب الإِحتفاظ بقوّتهم للصراع المقبل، أو على
الأقل حتى يستطيعوا أن يحتفظوا بإِيمانهم. |
|
ثالثاً: اللطف مركز القرآن
|
|
إِنَّ قوله تعالى: (ليتلطَّف) ـ كما هو مشهور ـ هي نقطة الفصل بين نصفي
القرآن مِن حيث عدد الكلمات. وهذا بنفسه يشير إِلى معنى لطيف للغاية، لأنّ الكلمة مُشتقّة مِن اللطف، واللطافة والتي تعني هُنا
الدقة. بمعنى أنَّ المرسل لتهيئة الطعام عليه أن يذهب ويرجع بحيث لا
يُشعِر أحد بقصتهم. بعض المفسّرين
قالوا: إِنَّ الغرض مِن التلطُّف في شراء الطعام هو أن لا
يتصَعَّب في التعامل، ويبتعد عن النزاع الضوضاء وينتخب أفضل البضاعة. |
|
الآيات(21) (24)
وَكَذلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ
وَأَنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَآ
|
|
وَكَذلِكَ
أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ
السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَآ إِذْ يَتَنزَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ
فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ
الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً(21)
سَيَقُولُونَ ثَلثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ
سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمَا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وثَامِنُهُمْ
كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ
فَلاَ تُمَارِ فِيْهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظهِراً وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِم
مِّنْهُمْ أَحداً(22)وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىء إِنِّى فَاعِلٌ ذلِكَ غَداً(23)
إِلاَّ أن يَشَآءَ اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن
يَهْدِيَنِ رَبِّى لاَِقْرَبَ مِنْ هذَا رَشَداً(24) |
|
التّفسير |
|
نهاية قصّة أصحاب الكهف:
|
|
لقد وصلت بسرعة أصداء هجرة
هذه المجموعة مِن الرّجال المتشخّصين إِلى كلِّ مكان
وأغاظت بشدّة الملك الظالم، حيث قدَّر أن تكون هذه الهجرة مقدّمة ليقظة ووعي
الناس، أو قد يذهب أصحاب الكهف إِلى مَناطق بعيدة أو قريبة ويقومون بتبليغ مذهب
التوحيد والدعوة إِليه، ومحاربة الشرك وعبادة الأصنام. ومن جانب آخر كان منظره هو عجيباً للناس وغير مألوف. ملابسهُ، كلامه،
شكلهُ كل شيء فيه بدا غريباً للناس، وقد يكون هذا الوضع قد لفت أنظارهم إِليه،
لذا قام بعضهم بمُتابعته. ولكن هذا اللزوم سيكون للجملة لا للمتن كما هو الحال في التّفسير الأوّل(يجب الإِنتباه إِلى أنَّهُ طبقاً للتفسير الأوّل فإنَّ هناك جملة مقدَّرة وهي (أن تقول) ويصبح المعنى بعد
التقدير (إِلاّ أن تقول إن شاء الله) أمّا وفقاً للتفسير الثّاني فليس ثمّة حاجة لهذا التقدير.). |
|
بحوث
|
|
1 ـ
قوله تعالى: (رجماً بالغيب) وفي الآية (71) مَن
سورة الزمر التي تتحدَّث عن أبواب
جهنَّم تقول: (فُتحت أبوابها) إِلاَّ أنّها وبعد آيتين وعند الحديث عن أبواب الجنة تقول الآية: (وفتحت أبوابها). أليس ذلك بسبب أنَّ أبواب النار سبعة، وأبواب الجنّة ثمانية؟ 4 ـ
كل شيء يعتمد على مشيئته تعالى |
|
الآيات(25) (27)
وَلَبِثُوا فِى كَهْفِهِمْ ثَلثَ مِاْئَة سِنِينَ وَازْدَادُواْ تِسْعاً(25)
|
|
وَلَبِثُوا فِى
كَهْفِهِمْ ثَلثَ مِاْئَة سِنِينَ وَازْدَادُواْ تِسْعاً(25) قُلِ اللَّهُ
أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّموتِ وَالأَْرْضِ أَبْصِرْ بِهِ
وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِّنْ دُونِهِ مِن وَلِىٍّ وَلاَ يُشْرِكُ حُكْمِهِ فِى
أَحَداً(26) وَاتْلُ مَآ أَوحِىَ إِلَيكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَمُبَدِّلَ
لِكَلِمتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً(27) |
|
التّفسير |
|
نوم أصحاب الكهف:
|
|
مِن القرائن الموجودة في
الآيات السابقة نفهم إِجمالا أنَّ نوم أصحاب الكهف كان طويلا جدّاً. هذا الموضوع
يُثير غريزة الاستطلاع عند كل مستمع، إِذ يريد أن يعرف كم سنة بالضبط استمرَّ
نومهم؟ *
ثمّ تقول: لا يتغيَّر ولا يتبدّل علمه
وكلامه. |
|
بحوث
|
|
1
ـ قصّة أصحاب الكهف في الرّوايات الإِسلامية
|
|
هُناك روايات كثيرة في المصادر الإِسلامية حول أهل الكهف، ولكن بعضها لا يُعتمد عليها لضعف في سندها، والبعض الآخر تتضاد وتختلف فيما بينها. قالوا: يا أيّها الراعي لا
يحلّ لنا الكذب أفينجينا منك الصدق؟ فأخبروه بقصّتهم، فانكب الراعي على أرجلهم
يقبلها ويقول: يا قوم لقد وقع في قلبي ما وقعَ في قلوبكم، ولكن أمهلوني حتى أردّ
الأغنام على أربابها وألحق بكم، فتوقفوا له، فردَّ الأغنام، وأقبل يسعى يتبعهُ
الكلب ... فنظر الفتية (الوزراء) إلى الكب وقال بعضهم: إِنّا نخاف أن يفضحنا
بنباحه، فألحّوا عليه بالحجارة، فأنطق الله تعالى جلَّ ذكره، الكلب [قائلا]:
ذروني حتى أحرسكم مِن عدوّكم. |
|
2
ـ أين كانَ الكهف؟
|
|
للمفسّرين والعلماء كلام كثير حول أصحاب الكهف، أين كانتَ مَنطقتهم؟ وأين
يقع الكهف الذي مكثوا فيه؟ |
|
3
ـ الجوانب التربوية لقصّة أهل الكهف
|
|
هذه القصّة التأريخية العجبية
التي يذكرها القرآن خالية مِن أي خرافة أو وضع، وفيها
العديد مِن الدروس التربوية البنّاءة، تماماً كما في قصص القرآن الأُخرى،
وإِذا كُنّا قد أشرنا إلى هذه الدروس ضمن تفسير الآيات، فإِنّنا نرى مِن الضروري
الآن أن نشير إِليها بشكل مجمل حتى نقترب أكثر مِن الهدف الأساس للقرآن، وفيما يلي أبرز هذه الدروس: |
|
4
ـ هل أنَّ قصّة أصحاب الكهف علمية؟
|
|
مِن المسلَّم به أنَّ قصّة
أصحاب الكهف لم تكن مذكورة في أي مِن الكتب السماوية السابقة (سواء الكتب الأصلية أو المحرّفة الموجودة الآن) ويجب
أن لا تذكر، لأنَّ الحادثة ـ طبقاً للتأريخ العام ـ كانت قد وقعت في القرون التي
تلت ظهور المسيح عيسى(عليه السلام). إِنَّ المسألة ليست على هذه
الشاكلة، بل إنَّ ميزان طول عمر الكائنات الحية يرتبط ارتباطاً كبيراً بوضعهم
المعيشي، فعندما تتغيَّر الظروف بالكامل تكون الموازين قابلة للتغيير هي
الأُخرى. إِنَّ السُبات بالنسبة
للحيوانات التي لا تستطيع الحصول على غذائها فرصة ثمينة للغاية لكي تُديم حياتها
عن هذا الطريق. |
|
الآيات(28) (31)
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَوةِ
وَالْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
|
|
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ
مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَوةِ وَالْعَشِىِّ يُرِيدُونَ
وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَوةِ
الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ
هَوَهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً(28) وقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ
شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلظَّلِمِينَ
نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَآء
كَالْمُهْلِ يَشْوِى الْوُجُوهَ بِئْسَ الْشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً(29)
إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ
مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا(30) أُوْلئِكَ لَهُمْ جَنَّتُ عَدْن تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ
الأَْنْهرُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَب وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً
خُضْراً مِّن سُندُس وَإِسْتَبْرَق مُّتَّكئِينَ فِيهَا عَلَى الأَْرَآئِكِ
نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً(31) |
|
سبب النّزول
|
|
يروي المفسّرون في سبب نزول الآيات الأُولى في هذا المقطع من سورة الكهف
المباركة (واصبر نفسك مع الذين يدعون ...) أنَّ
مجموعة من أشراف قريش ومِن المؤلّفة قلوبهم جاؤوا إلى رسول الله(صلى الله عليه
وآله وسلم) وقالوا له: يا رسول الله، إن جلست في صدر المجلس ونحّيت عنّا هؤلاء
وروائح صنانهم (كانت عليهم جباب الصوف)( هذه الصفات
أطلقها أشراف قريش والمؤلفة قلوبهم على المستضعفين مِن أصحاب رسول الله(ص) كأبي
ذر وغيره.) جلسنا نحُن إِليك، وأخذنا عنك، لأنَّهُ لا يمنعنا مِن الدخول
عليك إِلاَّ هؤلاء. |
|
التّفسير |
|
الحفاة الأطهار!
|
|
مِن الدروس التي نستفيدها مِن
قصّة أصحاب الكهف أنَّ مقياس قيمة البشر ليست بالمنصب
الظاهري أو بالثروة، بل عندما يكون المسير في سبيل الله يتساوى الوزير والراعي،
والآيات التي نبحثها تؤكّد هذه الحقيقة المهمّة وتعطي للرّسول(صلى الله عليه
وآله وسلم) هذا الأمر: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربَّهم بالغداة والعشي يريدون
وجهه) إِنَّ استخدام تعبير (اصبر نفسك) هو إِشارة إلى حقيقة أنّ رسول الله(صلى
الله عليه وآله وسلم) كانَ قد تعرَّض إلى ضغط الأعداء المستكبرين والمشركين حتى
يُبعد عنهُ مجموع المؤمنين الفقراء، لذلك جاءه الأمر الإِلهي بالصبر والإِستقامة
أمام هذا الضغط المتزايد وأن لا يستسلم له. إِنَّ استخدام تعبير (الغداة والعشي)إشارة إلى أنّهم كانوا دائماً وأبداً
يذكرون الله. (ويلبسون ثياناً خضراً مِن سندس وإستبرق) (من حرير ناعم
وسميك). |
|
بحوث
|
|
1
ـ الرّوح الطبقية مُشكلة اجتماعية كبيرة
|
|
ليست الآيات الآنفة الذكر ـ
وحدها ـ تحارب تقسيم المجتمع إلى مجموعتين مِن الأغنياء والفقرء، بل إِنّنا نجد
الكثير مِن الآيات القرآنية الأُخرى، ممّا ذكرنا سابقاً أو سنذكرها لاحقاً،
تؤكّد جمعها على هذا الموضوع. |
|
2
ـ المقارنة بين الحياة في هذا العالم وعالم الآخرة:
|
|
لقد قُلنا مراراً: إِنَّ تجسُّد الأعمال هو من أهم القضايا المرتبطة
بالمعاد. يجب أن نعلم أنَّ ما هو موجود في ذلك العالم هو انعكاس واسع ومُتكامل
لهذا العالم، فأعمالنا وأفكارنا وأساليبنا الإِجتماعية وصفاتنا الأخلاقية
المختلفة سوف تتجسَّم وتتجسّد أمامنا في ذلك العالم وستبقى قرينة لنا دائماً. |
|
3
ـ العلاقة بين عبادة الهوى والغفلة عن الله
|
|
الروح الإِنسانية تخضع إِمّا
لله تعالى أو للأهواء، حيثُ لا يمكن الجمع بين الإِثنين، فعبادة الأهواء أساس
الغفلة عن الله وعبادة الله; عبادة الهوى هي سبب الإِبتعاد عن جميع الأُصول
الأخلاقية; وأخيراً فإنَّ عبادة الهوى تُدْخل الإِنسان في ذاته وتبعده عن جميع
حقائق العالم. |
|
4
ـ ملابس الزينة في العالم الآخر
|
|
قد يطرح البعض هذا
السؤال: لقد ذمَّ الله تعالى الزينة والتزيُّن في القرآن بالنسبة
لهذه الحياة، إِلاَّ أنَّهُ يعد المؤمنين بمثل هذه الأُمور في ذلك العالم، إِذ
تنص الآيات على الذهب وملابس الحرير والإِستبرق والسرر المساند الجميلة؟ |
|
5
ـ الإِقتراب مِن الأثرياء بسبب ثروتهم:
|
|
الدرس الآخر الذي
نتعلمهُ من الآيات الآنفة، هو أنَّهُ يجب
علينا أن لا نمتنع عن إِرشاد وتوجيه هذه المجموعة ـ أو تلك ـ بسبب كونها ثرية أو
ذات حياة مُرَّفهة، بل إِنَّ الشيء المذموم هو أن نذهب لهؤلاء لأجل ثروتهم
ودنياهم المادية، ونصبح مصداقاً لقوله تعالى: (تريد
زينة الحياة الدنيا) أمّا إِذا كان الهدف هو الهداية والإِرشاد، أو حتى
الإِستفادة مِن إِمكانياتهم مِن أجل تنفيذ النشاطات الإِجابية والمهمّة
إِجتماعياً، فانَّ مثل هذا الهدف لا يعتبر غير مذموم
وحسب، بل هو واجب. |
|
الآيات(32) (36)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَِحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ
أَعْنبِ وَحَفَفْنهُمَا بِنَخْل
|
|
وَاضْرِبْ لَهُمْ
مَّثَلا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَِحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنبِ
وَحَفَفْنهُمَا بِنَخْل وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً(32) كِلْتَا
الْجَنَّتَيْنِ ءَاتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مَّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا
خِللَهُمَا نَهَراً(33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصحِبِهِ وَهُوَ
يُحَاوِرُهُ أَنَاْ أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَراً(34)وَدَخَلَ
جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هذِهِ
أَبَداً(35) وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَآئِمَةً ولَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رّبِّى
لأََجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً(36) |
|
التّفسير |
|
تجسيد لموقف المستكبرين مِن المستضعفين:
|
|
في الآيات السابقة رأينا كيف
أنَّ عبيد الدنيا كانوا يُحاولون الإِبتغاد في كل شيء عن رجال الحق وأهله
المستضعفين، ثمّ عرَّفتنا الآيات جزاءهم في الحياة الأُخرى. |
|
الآيات(37) (41) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ
أَكَفَرْتَ بِالَّذِى خَلَقَكَ مِن تُرَاب ثُمَّ
|
|
قَالَ لَهُ
صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِى خَلَقَكَ مِن تُرَاب ثُمَّ
مِن نُّطْفَة ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا(37) لَّكِنَّاْ هُوِ اللَّهُ رَبِّى وَلآَ
أُشْرِكُ بِرَبِّى أَحَداً(38) وَلَولآَ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا
شَآءَ اللَّهُ لاَقُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ
مَالا وَوَلَداً(39) فَعَسَى رَبِّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ
وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّن السَّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً
زَلَقاً(40) أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ
طَلَباً(41) |
|
التّفسير |
|
جواب المؤمن:
|
|
هذه الآيات هي ردّ على ما
نسجهُ من أوهام ذلك الغني المغرور العديم الإِيمان، نسمعها تجري على لسان صاحبه
المؤمن. 2 ـ وقال آخرون: إنَّ شركهُ وكفرهُ كانا بسبب ما رَآه لِنفسه مِن إستقلال
في المالكية وما تصوره مِن دوام وأبدية هذه الملكية. |
|
الآيات(42) (44)
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا
وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا
|
|
وَأُحِيطَ
بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا وَهِىَ
خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يلَيْتَنِى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّى
أَحَداً (42)وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهُِ وَمَا
كَانَ مُنْتَصِراً(43)هُنَالِكَ الْوَليَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ
ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً(44) |
|
التّفسير |
|
العاقبة السوداء:
|
|
أخيراً إنتهى
الحوار بين الرجلين دون أن يُؤثر الشخص الموحِّد المؤمن في أعماق الغني المغرور، الذين رجع إلى بيته وهو يعيش نفس الحالة الروحية والفكرية،
وغافل أنَّ الأوامر الإِلهية قد صدرت بإِبادة بساتينه ومزروعاته الخضراء،
وأنَّهُ وَجَبَ أن ينال جزاء غروره وشركه في هذه الدنيا، لتكون عاقبته عبرة
للآخرين. |
|
بحثان
|
|
1
ـ غرور الثروة
|
|
في هذه القصّة نشاهد تجسيداً
حياً لما نطلق عليه اسم غرور الثروة، وقد عرفنا أنَّ هذا الغرور ينتهي أخيراً
إلى الشرك والكفر. فعندما يصل الأفراد الذين يعيشون حياتهم بلا غاية وهدف
إِيماني إلى منزلة معينة مِن القدرة المالية أو الوجاهة الإِجتماعية، فإِنّهم في
الغالب يُصابون بالغرور. وفي البداية يسعون إلى التفاخر بإِمكاناتهم على الآخرين
ويعتبرونها وسيلة تفوّق، ويرون مِن التفاف أصحاب المصالح حولهم دليلا على
محبوبيتهم، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله: (أنا
أكثر منك مالا وأعز نفراً). |
|
2
ـ دروس وعبر
|
|
هذا المصير المقترن بالعبرة والذي ذُكِرَ هُنا بشكل سريع يتضمّن بالإِضافة إلى
الدرس الآنف، دروساً أُخرى ينبغي أن نتعلمها، وهذه الدروس هي: |
|
الآيتان(45) (46)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا كَمَآء أَنْزَلْنهُ مِنَ
السَّمَآءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَْرْضِ
|
|
وَاضْرِبْ لَهُمْ
مَّثَلَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا كَمَآء أَنْزَلْنهُ مِنَ السَّمَآءِ فَاخْتَلَطَ
بِهِ نَبَاتُ الأَْرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الْرِّيحُ وَكَانَ اللَّهُ
عَلَى كُلِّ شَىْء مُّقْتَدِراً(45) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَوةِ
الدُّنْيَا وَالْبقَيتُ الصَّلِحتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وخَيْرٌ
أَمَلا (46) |
|
التّفسير |
|
بداية ونهاية الحياة في لوحة حيَّة:
|
|
الآيات السابقة تحدَّثت عن
عدم دوام نعم الدنيا، ولأنَّ إِدراك هذه الحقيقة لعمر
بطول (60 ـ80) سنة يُعتبر أمراً صعباً بالنسبة للأفراد العاديين، لذا
فإِنَّ القرآن قد جسَّدَ هذه الحقيقة مِن خلال مثال حي ومُعبِّر كي يستيقظ
الغافلون المغرورون مِن غفلتهم ونومهم عندما يشاهدون تكرار هذا الأمر عدّة مرّات
خلال عمرهم. |
|
بحوث
|
|
1
ـ المغريات
|
|
مرّة أُخرى توظّف الآيات
أعلاه دور المثال في تجسيد المعاني واستيعابها. إِنَّ القرآن ـ من خلال مثل واحد
ـ يعكس مجموعة مِن الحقائق العقلية التي قد يكون مِن الصعب دركها مِن قبل الكثير
مِن الناس. |
|
2
ـ عوامل تحطيم الغرور
|
|
قُلنا: إِنَّ الكثير مِن
الناس عندما يحصلون على الإِمكانات المادية والمناصب يُصابون بالغرور، وهذا
الغرور هو العدو اللدود لسعادة الإِنسان، وفي الآيات السابقة رأينا كيف أنَّ
الغرور يؤدي إلى الشرك والكفر. |
|
الآيات(47) (49)
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرى الأَْرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنهُمْ فَلَمْ
نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً
|
|
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ
الْجِبَالَ وَتَرى الأَْرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ
أَحَداً(47) وَعُرِضُواْ عَلَى رَبِّكَ صَفَّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا
خَلَقْنكُمْ أَوَّلَ مَرَّةِ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ
مَّوْعِداً(48)وَوُضِعَ الْكِتبُ فَتَرى الُْمجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا
فِيهِ وَيَقُولُونَ يوَيْلَتَنَا مَالِ هذَا الْكِتبِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً
وَلاَ كَبِيرةً إِلآَّ أَحْصَهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلاَ
يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً(49) |
|
التّفسير |
|
يا ويلتاه مِن هذا الكتاب!
|
|
تعقيباً لما كانت تتحدث به
الآيات السابقة عن غرور الإِنسان وإِعجابه بنفسه، وما تؤدي إليه هذه الصفات مِن
إنكار للبعث والمعاد، يَنصب المقطع الراهن مِن الآيات التي بين أيدينا على تبيان
المراحل المُمَهِدَة للقيامة وفق الترتيب الآتي: 3 ـ قسم مِن مرحلة ما بعد
البعث. |
|
بحوث
|
|
1
ـ سر إِنهدام الجبال
|
|
قلنا: إِنَّهُ في يوم الحشر
والنشور سيتغير نظام العالم المادي، وقد وردت صياغات مُختلفة حول إِنهدام الجبال
في القرآن الكريم، يمكن أن تقف عليها مِن خلال ما يلي: إِنّها غير معلومة لدينا، إِذ
قد يكون السبب في ذلك هو الزوال المؤقت لظاهرة الجاذبية حيثُ تكون الحركة
الدورانية للأرض سبباً في أن تتصادم الجبال فيما بينها ثمّ حركتها باتجاه
الفضاء. وقد يكون السبب هو الإِنفجارات الذرية العظيمة في النّواة المركزية
للأرض، وبسببها تحدث هذه الحركة العظيمة والموحشة. |
|
2
ـ صحيفة الأعمال
|
|
يرى العلاّمة
الطباطبائي في تفسير (الميزان) أنَّ في يوم القيامة ثلاثة كُتب، أو ثلاثة أنواع
مِن صحف الأعمال: وطبيعي أنَّهُ لا يوجد أي
تعارض بين هذه الآيات، لأنَّهُ ليسَ ثمّة مانع مِن أن تُدَوَّن أعمال الإِنسان
في عدّة كُتب، كما نشاهد نظير ذلك في برامج دنيا اليوم، إِذ مِن أجل التنظيم
الدقيق لتشكيلات دولة ما، هناك نظام وحساب لكل قسم، ثمّ إِنَّ هذه الأقسام وفي
ظل أقسام أكبر لها حسابٌ جديد. |
|
3
ـ الإِيمان بالمعاد ودوره في تربية الناس
|
|
حقّاً إِنَّ القرآن
كتاب تربوي عجيب، فعندما يذكر
للناس جانباً مِن مشاهد القيامة يقول: إِنَّ الجميع سيعرضون على محكمة الخالق
العادلة على شكل صفوف مُنظمة، في حين أن تشابه عقائدهم وأعمالهم هو المعيار في
الفرز بين صفوفهم! إنَّ أيديهم هناك فارغة مِن كل شيء، فقد تركوا كل مُتعلقات
الدنيا، فهم في جمعهم فُرادى، وفي فرديتهم مجموعين، تُعرض صحائف أعمالهم. |
|
الآيات(50) (53)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَئِكَةِ اسْجُدُوا لأَِدَمَ فَسَجَدُوا إِلآَّ إِبْلِيسَ
كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ
|
|
وَإِذْ قُلْنَا
لِلْمَلَئِكَةِ اسْجُدُوا لأَِدَمَ فَسَجَدُوا إِلآَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ
الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِدُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ
أَوْلِيَآءَ مِن دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّلِمِينَ بَدَلا(50)
مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّموتِ وَالأَْرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ
وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً(51) وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا
شُرَكَآءِىَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعُوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَّوْبِقاً(52)وَرَءَا الُْمجْرِمُونَ النَّارَ
فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً(53) |
|
التّفسير |
|
لا تتخذوا الشياطين أولياء:
|
|
لقد تحدثت الآيات مرّات عدَّة
عن خلق آدم وسجود الملائكة له، وعدم انصياع إِبليس. وقد قلنا: إِنَّ هذا التكرار
يطوي دروس مُتعدِّدة، وفي كل مقطع مكرَّر هناك دروس وعبرٌ جديدة. بعبارة أُخرى نقول:
إِنَّ للحادثة المهمّة عدَّة أبعاد، وفي كل مرَّة تذكر
فيها يتجلى واحد مِن أبعادها. |
|
بحثان
|
|
1
ـ هل كانَ الشيطان مَلَكاً؟
|
|
كما نعلم أنّ الملائكة أطهار
ومعصومون كما صرّح بذلك القرآن الكريم: (بل عباد مكرمون
لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعلمون)( الأنبياء، 26 ـ 27.). |
|
2
ـ لا تستعينوا بالضاليّن
|
|
مع أن هذه الآيات، صادرة عنه
تعالى وتنفي وجود عضد له من الضالين، ونعلم أنّه تعالى ليسَ بحاجة إِلى من يعينه
سواء كان المعين ضالا أم لم يكن، لكنها تقدم لنا درساً كبيراً للعمل الجماعي، حيث
يجب أن يكون الشخص المنتخب للنصرة والعون سائراً على منهج الحق والعدالة ويدعو
إِليها، وما أكثر ما رأينا أشخاصاً طاهرين قد ابتلوا بمختلف أنواع الإِنحرافات
والمشاكل وأصيبوا بالخيبة وسوء الحظ جراء عدم الدقّة في انتخاب الأعوان، حيث
التفّ حولهم عدد من الضالّين والمضلّين حتى تلفت أعمالهم، وكانت خاتمة أمرهم أن
فقدوا كل ملكاتهم الإِنسانيه والإِجتماعية. |
|
الآيات(54) (56) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هذَا الْقُرْءَانِ لِلنَّاسِ مِن
كُلِّ مَثَل وَكَانَ الإِْنسنُ أَكْثَرَ شَىْء جَدَلا
|
|
وَلَقَدْ
صَرَّفْنَا فِى هذَا الْقُرْءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَل وَكَانَ الإِْنسنُ
أَكْثَرَ شَىْء جَدَلا(54) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ
جَآءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ
سُنَّةُ الأَْوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا(55) وَمَا نُرْسِلُ
الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيَجدِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا
بِالْبطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا ءَايتِى وَمَآ أُنذِرُوا
هُزُواً(56) |
|
التّفسير |
|
في انتظار العقاب:
|
|
تنطوي هذه الآيات على تلخيص
واستنتاج لما ورد في الآيات السابقة، وهي تُشير ـ أيضاً ـ إلى بحوث قادمة. |
|
الآيات(57) (59)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِايتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِىَ
مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ
|
|
وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنْ ذُكِّرَ بِايتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ
يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِى
ءَاذَانِهِمْ وَقْرَاً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً
أَبَداً(57)وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُوا الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا
كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ العَذَابَ بَلْ لَّهُمْ مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن
دُونِهِ مَوْئِلا(58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا
وَجَعَلْنَا لِمُهْلِكِهِم مَّوْعِداً(59) |
|
التّفسير |
|
لا استعجال في العقاب الإِلهي:
|
|
الآيات السابقة كانت تتحدَّث
عن مجموعة مِن الكافرين المُتعصبين والمظلمة قلوبهم; والآيات التي بين أيدينا
تستمر في نفس البحث. |
|
الآيات(60) (64)
وَإِذْ قَاكَ مُوسَى لِفَتَئهُ لآَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ
الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِىَ حُقُباً(60)
|
|
وَإِذْ قَاكَ
مُوسَى لِفَتَئهُ لآَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ
أَمْضِىَ حُقُباً(60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا
فَاتَّخَذَ سَبِيلهُ فِى الْبَحْرِ سَرَباً(61) فَلَمَّا جَاوَزَوا قَالَ
لِفَتَهُ ءَاتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً(62)
قَالَ أَرَءَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ
وَمَآ أَنْسَنِيهُ إِلاَّ الشَّيْطنُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى
الْبَحْرِ عَجَباً (63) قَالَ ذلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى
ءَاثَارِهِمَا قَصَصاً(64) |
|
التّفسير |
|
لقاءِ موسى والخضر (عليهما السلام):
|
|
ذكر المفسّرون في
سبب نزول هذه الآيات أنَّ مجموعة مِن
قريش جاؤوا إلى النّبي(ص) وسألوه عن عالم كان موسى (ع) مأموراً باتباعه، وفي الجواب على ذلك نزلت هذه الآيات. |
|
نسيانهُ إلى الشيطان؟
|
|
في الجواب نقول: إِنَّهُ لا يوجد ثمّة مانع مِن الإِصابة بالنسيان في
المسائل والموارد التي لا ترتبط بالأحكام الإِلهية والأُمور التبليغية، أي في
مسائل الحياة العادية (خاصّة في المواقع التي لها طابع اختبار، كما هو الحال في
موسى هنا، وسوف نشرح ذلك فيما بعد). |
|
الآيات(65) (70)
فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ ءَاتَيْنهُ رَحْمَةً مِّنْ عِنْدِنَا
وَعَلَّمْنهُ مِنْ لَّدُنَّا عِلْماً
|
|
فَوَجَدَا عَبْداً
مِّنْ عِبَادِنَآ ءَاتَيْنهُ رَحْمَةً مِّنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنهُ مِنْ
لَّدُنَّا عِلْماً(65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ
تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً(66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ
مَعِىَ صَبْراً(67)وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً(68)
قَالَ سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللَّهُ صَابِراً ولآَ أَعْصِى لَكَ أَمْراً(69)
قَالَ فَإِن اتَّبَعْتَنِى فَلاَ تَسْئَلْنِى عَنْ شىْء حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ
مِنْهُ ذِكْراً(70) |
|
التّفسير |
|
رؤية المعلم الكبير:
|
|
عندما رجع موسى(عليه السلام)
وصاحبه إِلى المكان الأوّل، أي قرب الصخرة وقرب (مجمع البحرين)، فجأة: (فوجدا عبداً مِن عبادنا آتيناهُ رحمة مِن عندنا وعلمناه مِن
لدنا علماً). |
|
الآيات(71) (78)
فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِى السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ
أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا
|
|
فَانطَلَقَا حَتَّى
إِذَا رَكِبَا فِى السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ
أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً(71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ
تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً(72) قَالَ لاَتُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ وَلاَ
تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْراً(73) فَانَطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلماً
فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسَاً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْس لَّقَد جِئْتَ
شَيْئاً نُّكْراً(74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ
صَبْراً (75) قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيء بَعْدَهَا فَلاَ تُصحِبْنِى قَدْ
بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّى عُذراً(76) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ
قَرْيَة اسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدا فِيهَا
جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ
عَلَيْهِ أَجْراً(77) قَالَ هذا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ
بَتَأوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبراً(78) |
|
التّفسير |
|
المعلم الإِلهي والأفعال المنكرة!!
|
|
نعم، لقد ذهب موسى وصاحبهُ
وركبا السفينة: (فانطلقا حتى إِذا ركبا في السفينة). كلمة «غلام» تعني الفتى الحدث، أي الصبي سواء كان بالغاً أو غير
بالغ. وبين المفسّرين ثمّة كلام كثير عن الغلام المقتول، وفيما إِذا كان بالغاً
أم لا، فالبعض استدل بعبارة (نفساً زكية) على
أنَّ الفتى لم يكن بالغاً. والبعض الآخر اعتبر عبارة (بغير
نفس) دليلا على أنَّ الفتى كانَ بالغاً، ذلك لأنَّ القصاص يجوز بحق
البالغ فقط، ولكن لا يمكن القطع في هذا المجال بالنسبة لنفس الآية. |
|
الآيات(79) (82)
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسكِينَ يَعْمَلُونَ فِى الْبَحْرِ
فَأَرَدْتُّ أَنْ أَعِيبَهَا
|
|
أَمَّا
السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسكِينَ يَعْمَلُونَ فِى الْبَحْرِ فَأَرَدْتُّ أَنْ
أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُمْ مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَة غَصْباً(79)
وَأَمَّا الْغُلمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَينِ فَخَشِينَآ أَنْ يُرْهِقَهُمَا
طُغْيناً وَكُفْراً(80) فَأَرَدْنَآ أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً
مِّنْهُ زَكوةً وَأَقْرَبَ رُحْماً(81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَمَيْنِ
يَتِيمَيْنِ فِى الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ
أَبُوهُما صَلِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا
ويَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ
أَمْرِى ذلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرا ً (82) |
|
التّفسير |
|
الأسرار الداخلية لهذه الحوادث:
|
|
بعد أن أصبح الفراق بين موسى
والخضر(ع) أمراً حتمياً، كانَ مِن اللازم أن يقوم الأستاذ الإِلهي بتوضيح أسرار
أعماله التي لم يستطع موسى أن يصبر عليها، وفي الواقع فإِنَّ
استفادة موسى مِن صُحبته تتمثل في معرفة أسرار
هذه الحوادث الثلاثة العجيبة، والتي يمكن أن
تكون مفتاحاً للعديد مِن المسائل، وجواباً لكثير من الأسئلة. |
|
بحوث
|
|
1
ـ هل كانت مهمّة الخضر في اِطار النظام التشريعي أم التكويني!؟
|
|
إِنَّ هذه الحوادث
الثّلاث شغلت عقول العلماء الكبار، وأثارت
بينهم الكثير من الكلام والاستفهامات. فالحادثة الأُولى اعتبروها مُنطبقة مع قانون
الأهم والمهم; وقالوا بأنَّ حفظ مجموع السفينة عمل أهم حتماً مِن الضرر
الجزئي الذي لحقها بالخرق; وبعبارة أُخرى، فإِنّ
الخضر قام هُنا (بدفع الأفسد بالفاسد) خاصّة
وأنَّهُ كان يُمكن تقدير الرضا الباطني لأهل السفينة فيما إِذا علموا بهذه
الحادثة. (أي أنَّ الخضر قد حصل مِن وجهة الإحكام
والقواعد الشرعية على إِذن الفحوى). أمّا الدليل الوارد
حول خرق السفينة، فهو أيضاً لا
يخلو من تأمل فهل نستطيع مثلا ـ ومِن الوجهة الفقهية ـ أن
نتلف جزءاً مِن أموال أو بيت شخص معين بدون علمه
لا نقاذها مِن خطر ما، حتى لو علمنا وتيقنا
بأنَّهُ سيتمّ غصب تلك الأموال في المستقبل ... تُرى هل
يسمح الفقهاء بمثل هذا الحكم؟! بعبارة أُخرى: إِنَّ مجموعة مِن أوليائه وعباده مكلّفون في هذا العالم بالبواطن،
بينما المجموعة الأُخرى مكلّفون بالظواهر. والمكلّفون بالبواطن لهم
ضوابط وأصول وبرامج خاصّة بهم، مثلما للمكلّفين بالظواهر ضوابطهم وأصولهم الخاصّة بهم أيضاً. |
|
2
ـ مَن هو الخضر؟
|
|
لقد رأينا القرآن الكريم
يتحدَّث عن العالم مِن دون أن يسميّه بالخضر وقد عبَّر عن معلّم موسى(ع) بقوله: (عبداً مِن عبادنا آتيناه رحمة مِن عندنا وعلمناه مِن لدنا
علماً) والآية توضح المقام الخاص للعبودية والعلم والمعرفة، لذا فإِنّنا
غالباً ما نصفه بالرجل العالم. |
|
3
ـ الأساطير الموضوعة
|
|
إِنَّ الأساس في قصّة موسى
والخضر(ع) هو ما ذكر في القرآن، ولكن معَ الأسف هناك أساطير كثيرة قيلت حول
القصّة وحول رمزيها (موسى والخضر) حتى أنَّ بعض
الإِضافات تعطي للقصّة طابعاً خرافياً. وينبغي أن نعرف أنَّ
مصير كثير مِن القصص لم يختلف عن مصير هذه القصة، إِذ لم تنجُ قصة مِن الوضع والتحريف والتقوُّل. |
|
4
ـ هل يمكن أن يُصاب الأنبياء بالنسيان؟
|
|
لقد واجهتنا ـ أعلاه، ولعدّة مرّات ـ قضية نسيان موسى(ع)، فمرَّة في قضية
تلك السمكّة المعدَّة لطعامهم; وثلاث مرّات أُخرى
خلال الحوادث الثلاث التي وقعت عندَ مُرافقته للخضر، حينما نسي تعهده! |
|
5
ـ لماذا ذهب موسى لرؤية الخضر؟
|
|
في حديث عن ابن عباس قال:
أخبرني أبي بن كعب قال: خطبنا رسول الله(ص) فقال: «إِنّ موسى(عليه السلام) قام
خطيباً في بني إِسرائيل، فسئل أي الناس أعلم؟ قال: أنا. في معرض الجواب
نقول: نعم، ينبغي أن يكون أعلم فيما يتعلق بمهمّته، يعني
الأعلم بالنظام التشريعي، وموسى (ع) كان كذلك. أمّا الرجل العالِم (الخضر) فهو
كما قلنا سابقاً، كانت لهُ مهمّة تختلف عن مهمّة موسى(ع) ولا ترتبط بعالم
التشريع. بعبارة أُخرى: إِنَّ الرجل العالم كان يعرف مِن الأسرار ما لا تعتمد
عليه دعوة النّبوة. |
|
6
ـ ماذا كان الكنز؟
|
|
مِن الأسئلة التي تُثار حول
هذه القصّة، هي عن ماهية الكنز الوارد في الآية، ماذا كان؟ ولماذا كان صاحب موسى
يصر على إِخفائه؟ ولماذا قام الرجل المؤمن، يعني أبا الأيتام يتجميع هذا الكنز
وإِخفائه؟ |
|
7
ـ دروس هذه القصّة
|
|
هناك جملة دروس
يمكن أن نستفيدها مِن القصّة، ويمكن لنا أن ندرجها كما يلي: |
|
الآيات(83) (91)
وَيَسْئَلُونَكَ عَن ذِى الْقَرنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُم مِّنْهُ
ذِكْرَاً
|
|
وَيَسْئَلُونَكَ
عَن ذِى الْقَرنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرَاً(83)إِنَّا
مَكَّنَّا لَهُ فِى الأَْرْضِ وَءَاتَيْنهُ مِن كُلِّ شَىْء سَبَباً (84)
فَأَتْبَعَ سَبَباً(85) حَتَّى إِذَ بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا
تَغْرُبُ فِى عَيْن حَمِئَةً وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يذَا الْقَرْنَيْنِ
إِمَّآ أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَنْ تَتَّخِذَ فيهم حُسنَاً(86) قَالَ أَمَّا
مَن ظَلَمَ فَسَوفَ نَعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ
عَذَباً بَانُّكْراً(87) وَأَمَّا مَنْ ءَامَنَ وعَمِلَ صلِحاً فَلَهُ جَزَآءً
الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً(88) ثُمَّ أَتْبَعَ
سَبَباً(89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى
قَوم لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّنْ دُونِهَا سِتْراً(90) كَذَلِكَ وَقَدْ
أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً(91) |
|
التّفسير |
|
قصّة «ذو القرنين» العجيبة:
|
|
قُلنا في بداية
حديثنا عن أصحاب الكهف: إِنَّ مجموعة
مِن قريش قرَّرت اختبار الرّسول الأكرم(ص)،
وقامت هذه المجموعة بالتنسيق مع اليهود واستشارتهم بطرح
ثلاث قضايا هى: تأريخ الفتية مِن أصحاب الكهف. ولأنَّ «السين» في (سأتلوا) تستخدم عادة للمستقبل القريب، والرّسول
هنا يتحدَّث مُباشرة إِليهم عن ذي القرنين، فمن المحتمل
أن يكون ذلك مِنهُ(ص)احتراماً ومراعاة للأدب; الأدب الممزوج بالهدوء والتروي،
الأدب الذي يعني استلهامه للعلم مِن الله تبارك وتعالى، ونقلهُ إِلى الناس. |
|
الآيات(92) (98)
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً(92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن
دُونِهِمَا قَوْماً
|
|
ثُمَّ أَتْبَعَ
سَبَباً(92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا
قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا(93) قَالُوا يذَا الْقَرْنَيْنِ
إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِى الأَْرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ
خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدَّاً(94) قَالَ مَا
مَكَّنِّى فِيهِ رَبِّى خَيْرٌ فَأَعِينُونِى بِقُوَّة أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ
وبَيْنَهُمْ رَدْماً(95) ءَاتُونِى زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى
بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ
ءَاتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً(96) فَمَا اسْطَعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ
وَمَا اسْتَطعُوا لَهُ نَقْباً(97) قَالَ هذَا رَحْمَةٌ مِّنْ رَّبِّى فَإِذَا
جَآءَ وَعْدُ رَبِّى جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّى حَقَّاً(98) |
|
التّفسير |
|
كيف تمّ بناء سد ذي القرنين؟
|
|
الآيات أعلاه تشير إِلى سفرة
أُخرى مِن أسفار ذي القرنين حيثُ تقول: (ثمّ أتبع
سبباً). أي بعد هذه الحادثة استفاد مِن الوسائل المهمّة التي كانت تحت
تصرفه ومضى في سفره حتى وصل إِلى موضع بين جبلين: (حتى
إِذا بلغَ بين السدين وجد مِن دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولا). |
|
بحوث
|
|
أوّلاً ـ الملاحظات التربوية في هذه القصة التأريخية
|
|
سنبحث فيما بعد ـ إِن شاء
الله ـ ما يتعلق بذي القرنين; مَن هو؟ وكيف تمّ سفره للشرق والغرب; وأين كان
السد الذي أنشأه؟ وغير ذلك، ولكن بصرف النظر عن الجونب التأريخية، فإِنَّ القصّة بشكل عام تحوي على دروس تربوية كثيرة من
الضروري الإِلتفات إِليها والإِفادة مِنها، وفي الواقع أنّها هي الهدف القرآني
مِن إيرادها. ويمكن تلخيص هذه الدروس بالشكل الآتي: 8 ـ الدرس الآخر الذي يمكن أن
نتعلمهُ مِن هذه القصّة، هو أنَّ أصحاب المشكلة الأصليين معنيين بالدرجة الأُولى
في الإِشتراك في الجهد المبذول لحل مُشكلتهم، لذا فإِنَّ «ذو القرنين» أعطى أمراً إِلى الفئة التي اشتكت إِليه
أمر يأجوج ومأجوج بأن يجلبوا قطع الحديد، ثمّ
أعطاهم الأمر بإِشعال النار في أطراف السد لدمج القطع فيما بينها، ثمّ أمرهم
بتهيئة النحاس المذاب. وعادة فإن العمل الذي يتمّ بمساهمة وحضور الأطراف
الأصليين في المشكلة يؤدي إِلى إِظهار استعداداتهم ويعطي قيمة خاصّة للنتائج
الحاصلة منه، وللجهود المبذولة فيه، ومِن ثمّ يحرص الجميع للحفاظ عليه وإِدامته
بحكم تحملهم لمجهودات إِنشائه. |
|
ثانياً: مَن هو ذو القرنين؟
|
|
ذكر المفسّرون كلاماً كثيراً عن شخصية ذي القرنين الوارد في القرآن
الكريم، فمن هو؟ وعلى أي واحد من الشخصيات
التأريخية المعروفة تنطبق أوصافه ويمكن أن نرجع الآراء
إِلى ثلاث نظريات أساسية هي: ويقول البعض: إِنَّهُ لم يُعمِّر أكثر مِن (36) سنة، أمّا جسده فقد
ذهبوا بهِ إِلى الإِسكندرية ودفنوه هناك(يمكن ملاحظة
ذلك في تفسير الفخر الرازي، والكامل لابن الأثير (الجملد الأوّل صفحة 287).
ويعتقد البعض أن أوّل مَن قال بهذه النظرية هو الشيخ ابن سينا في كتابه الشفاء.). ثمّ إِنَّ أنصار
هذا الرأي يقولون: إِنَّ الأوصاف
المذكورة في القرآن الكريم حول «ذو القرنين» تتطابق مع الأوصاف التأريخية لكورش. |
|
ثالثاً: أين يقع سد ذي القرنين؟
|
|
بالرغم من محاولة البعض
المطابقة بين سد ذي القرنين وبين جدار الصين
الذي لا يزال موجوداً ويبلغ طوله مئات الكيلومترات، إِلاَّ
أنَّ الواضح أنَّ جدار الصين لا يَدخل في بنائه الحديد ولا النحاس،
ومضافاً إِلى ذلك لا يقع في مضيق جبلي ضيق، بل
هو جدار مبني مِن مواد البناء العادية ويبلغ طول مئات الكيلومترات، وما زال
موجوداً حتى الآن. |
|
الآيات(99) (102)
وَتَرَكْنَا بَعضَهُمْ يَوْمَئِذ يَمُوجُ فِى بَعْض وَنُفِخَ فِى الصُّورِ
فَجَمَعْنهُمْ جَمْعاً
|
|
وَتَرَكْنَا
بَعضَهُمْ يَوْمَئِذ يَمُوجُ فِى بَعْض وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَجَمَعْنهُمْ
جَمْعاً(99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذ لِّلْكَفِرينَ عَرْضَاً(100)
الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِى غِطَآء عَنْ ذِكْرِى وَكَانُوا لاَ
يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً(101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا
عِبَادِى مِن دُونِى أَوْلِيَآءَ إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَفِرِينَ
نَزُلا(102) |
|
التّفسير |
|
عاقبة الكافرين:
|
|
لقد تناولت الآية السابقة سد
يأجوج ومأجوج وانهدامه عند البعث، وهذه الآيات تستمر في قضايا القيامة، فتقول أوّلا: إِنّنا سنترك في ذلك اليوم ـ الذي ينتهي
فيه العالم ـ بعضهم يموج ببعض: (وتركنا بعضهم يومئذ
يموج في بعض). طبعاً لا يوجد
تناقض بين المعنيين، ويمكن أن يشمل تعبير الآية كلا الحالتين. هل يملك هؤلاء المعبودون ـ
كالمسيح والملائكة ـ شيئاً للدفاع عن الآخرين بالرغم مِن مكانتهم العالية، أو
أنَّ الأمر بالعكس إِذ كل ما عندَ هؤلاء هو مِن الله، وأنّهم أنفسهم يحتاجون
إِلى هدايته؟ |
|
الآيات(103) (108)
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَْخْسَرِينَ أَعْملا
|
|
قُلْ هَلْ
نُنَبِّئُكُمْ بِالأَْخْسَرِينَ أَعْملا(103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى
الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104)
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِئَايتِ رَبِّهِمْ وَلِقَآئِهِ فَحَبِطَتْ
أَعْملُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيمَةِ وَزْناً(105) ذلِكَ جَزَآؤُهُمْ
جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَُذُوا ءَايتِى وَرُسُلِى هُزُواً(106) إِنَّ
الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّتُ
الْفِرْدَوْسِ نُزُلا(107) خلِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا(108) |
|
التّفسير |
|
أخسر الناس:
|
|
هذه الآيات والآيات اللاحقة ـ
إِلى نهاية السورة المباركة ـ في الوقت الذي تتحدَّث فيه عن صفات غير المؤمنين،
فإِنّها تُعتبر نوعاً مِن التلخيص لكافة البحوث التي وردت في هذه السورة، خاصةً
البحوث المتعلقة بقصة أصحاب الكهف وموسى والخضر وذي القرنين، وما بذلوه مِن جهود
إِزاء معارضيهم. فالآيات تكشف أوّلا عن أخسر
الناس، ولكنّها ـ بهدف إِثارة حب الإَستطلاع لدى المستمع إزاء هذه القضية ـ تعمد
إِلى إِثارتها على شكل سؤال مُوَّجه إِلى رسول الله(ص)، فتقول: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا). |
|
بحوث
|
|
1
ـ مَن هم الأخسرون أعمالا؟
|
|
نلاحظ في حياتنا وحياة
الآخرين، أنَّ الإِنسان عندما يقوم بعمل خاطىء ويعتقد أنَّهُ صحيح، فإِنَّ جهلهُ
المركب هذا لا يدوم أكثر مِن لحظة أو موقف أو حتى سنة، أمّا أن يدوم على امتداد
عمره فذلك هو سوء الحظ وهو الخسران المبين. |
|
2
ـ ماذا يعني لقاء الله؟
|
|
بالرغم مِن أنَّ
بعض أشباه العلماء يستفيدون مِن أمثال
هذه الآيات إِمكانية رؤية الخالق جلَّ وعلا في العالم الآخر، ويفسّرون لقاء الله باللقاء الحسي، إِلاَّ أنَّهُ مِن
المعلوم بداهة أنَّ اللقاء الحسي يقتضي تجسيم الخالق جلَّ وعلا، والتجسيم يقتضي
التحديد والحاجة، والمحدود المحتاج يكون قابلا للفناء، والكل يعرف ويؤمن بأنَّ
هذه الصفات لا تنطبق على الله تعالى. |
|
3
ـ وزن الأعمال
|
|
ليسَ بنا حاجة إِلى أن نفسّر
قضية وزن الأعمال عن طريق تجسيم الأعمال والقول بأنَّ عمل الإِنسان سيتحوَّل
هناك إِلى جسم وله وزن، ذلك لأنَّ الوزن لهُ معنى واسع يشمل أية مقايسة، فمثلا نقول للأشخاص عديمي الشخصية أنّهم أشخاص لا وزن لهم، أو أنّهم أشخاص خفيفون، ونعني بذلك ضعف شخصيتهم وليسَ القلّة في وزنهم الجسمي. |
|
5
ـ الفردوس لمن؟
|
|
قلنا: إِنَّ «الفردوس»( ذهب بعض إِلى أن هذه الكلمة مأخوذة من اللغة الرومية في
الأصل، وذهب آخرون الى أن جذورها حبشية انتقلت الى العربية (تفسير الفخر الرازي
وتفسير مجمع البيان).) أفضل مناطق الجنة، ولا يسكنهُ سوى المؤمنين وذوي
الأعمال الصالحة، إِذاً سيكون السؤال: مَن يسكن
الأقسام الأُخرى في الجنة، إِذا كانت الجنة مكاناً للمؤمنين وحسب وممنوعة على
غيرهم؟ |
|
الآيتان(109) (110)
قُلْ لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمتِ رَبِّى لَنَفِدَ الْبَحْرُ
قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمتُ رَبِّى
|
|
قُلْ لَّوْ كَانَ
الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمتِ رَبِّى لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ
كَلِمتُ رَبِّى وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً(109) قُلْ إِنَّمَآ أَنَا
بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلهُكُمْ إِلهٌ وحِدٌ فَمَنْ كَانَ
يَرْجُوا لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَلِحاً وَلاَ يُشْرِكْ
بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً(110) |
|
سبب النّزول
|
|
عن ابن عباس قال: «قالت اليهود لما قال لهم النّبي(ص) (وما أوتيتم مِن العلم إِلاَّ قليلا) قالوا: وكيف وقد
أوتينا التوراة وَمَن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً؟ فنزل قوله تعالى: (قل لو كانَ البحر مِداداً لكلمات ربّي لنفد البحر). |
|
التّفسير |
|
الذين يأملون لقاء الله:
|
|
الآيات أعلاه في نفس الوقت
الذي تبحث بحثاً مستقلا، إِلاَّ أنّها متصلة مع
بحوث هذه السورة، حيثُ أنَّ كل قصة مِن القصص الثلاث الواردة في السورة، تكشف الستار عن
مواضيع جديدة وعجيبة، وكأنّما القرآن يريد أن يقول في هذه الآيات: إِنَّ الإِطلاع على قصّة أصحاب الكهف، وموسى والخضر، وذي
القرنين، يعتبر لا شيء إِزاء علم الله غير المحدود، لأنَّ علمهُ سبحانه
وتعالى ومعرفتهُ تشمل كافة الكائنات وعالم الوجود في الماضي والحاضر والمستقبل. وفي الآية التي نبحثها فإِنَّ
(كلمة) قد استخدمت بهذا المعنى، أي إِشارة إِلى موجودات عالم الوجود التي تدل كل
واحدة فيه على الصفات المختلفة لله تبارك وتعالى. |
|
توضيح لمفهوم اللانهاية:
|
|
يقوم القرآن الكريم بتجسيد
العدد اللانهائي ويقرب معنى العلم المطلق غير المحدود لله تعالى، ويقرب سعة عالم
الوجود العظيم إِلى أفكارنا. وقد استخدم القرآن في ذلك توضيحاً بليغاً للغاية،
وذكر أرقاماً حيَّة وذات روح. |
|
الإِخلاص أو روح
العمل الصالح: |
|
أعطت الرّوايات الإِسلامية
مكانةً خاصّة لقضية «النية»، والإِسلام في العادة يقر بقبول الأعمال بملاحظة
النية والهدف مِن العمل. نهاية
سورة الكهف |
|
|
|