- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
سُورَة
الإِسراء مكيّة وعَدَدُ آيَاتِها مائة وَاحدى عشرة آية
|
|
«سورة
الإِسراء» |
|
قبل الدّخول في تفسير هَذِه
السورة مِن المفيد الإِنتباه إلى النقاط الآتية: |
|
أوّلاً:
أسماء السّورة ومكان النّزول:
|
|
بالرّغم من أنَّ
الإِسم المشهور لهَذه السورة هو «بني إِسرائيل» إِلاّ أنَّ لها أسماء أُخرى مثل «الإِسراء» و«سبحان»(
تفسير الآلوسي، ج 15، ص 2.). |
|
ثانياً:
فضيلة سورة الإِسراء:
|
|
وَردت في فضيلة
سورة الإِسراء وأجرها أحاديث كثيرة عن الرّسول(ص)وَعن الإِمام الصادق(عليه
السلام). |
|
ثالثاً:
خطوط عامّة في محتوى السورة:
|
|
لقد أشرنا إِلى مكّية السورة وفق القول
المشهور بين المفسّرين، لذا فإِنَّ محتوى السورة يُوافق خصوصيات السور
المكّية، من قبيل تركيزها على قضية التوحيد والمعاد، ومواجهة إِشكاليات الشرك
والظلم والإِنحراف. |
|
الآية(1) سُبْحنَ
الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِّنَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلى المَسْجِدِ
الأَْقْصا الَّذِى برَكْنا حَوْلَهُ
|
|
سُبْحنَ الَّذِى أَسْرَى
بِعَبْدِهِ لَيْلا مِّنَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلى المَسْجِدِ الأَْقْصا
الَّذِى برَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايتِنآ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ(1) |
|
التّفسير |
|
معراج
النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم):
|
|
الآية الأُولى في
سورة الإِسراء تتحدَّث عن إِسراء النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، أي سفره ليلا من المسجد الحرام في مكّة المكرمة إِلى المسجد الأقصى (في القدس الشريف). وقد كان هذا السفر «الإِسراء» مقدمة لمعراجه(صلى
الله عليه وآله وسلم) إِلى السماء. وقد لوحظ في
هذا السفر أنّه تمَّ في زمن قياسي حيث أنّه لم
يستغرق سوى ليلة واحدة بالنسبة الى وسائل نقل
ذلك الزمن ولهذا كان أمراً اعجازياً وخارقاً للعادة. |
|
المعراج
،المعراج
في القرآن والحديث:
|
|
المعراج: المعراج في القرآن والحديث: في كتاب اللّه سورتان تتحدثان عن
المعراج: |
|
هل
كان المعراج جسدياً أم روحياً؟
|
إِن ظاهر الآيات القرآنية الواردة في أوائل سورة الإِسراء، وكذلك
سورة النجم (كما فصلنا أعلاه) تدلل على وقوع
المعراج في اليقظة، ويؤكّد هذا الأمر كبار علماء
الإِسلام من الشيعة والسنة. |
|
هدف
المعراج:
|
|
اتّضح لنا من خلال
البحوث الماضية، أنّ هدف المعراج
لم يكن تجوالا للرّسول(ص) في السماوات للقاء اللّه كما يعتقد السذج، وكما نقل
بعض العلماء الغربيين ـ ومع الأسف ـ لجهلهم أو
لمحاولتهم تحريف الإِسلام أمام الآخرين، ومنهم (غيور
غيف) الذي يقول في كتاب (محمد رسول ينبغي معرفته من جديد، ص 120)، (بلغ محمد في سفر معراجه
إِلى مكان كان يسمع فيه صوت قلم اللّه، ويفهم أنّ اللّه منهمك في تدوين حساب
البشر! ومع أنّه كان يسمع صوت قلم اللّه إِلاّ أنّه لم يكن يراه! لأنّ أحداً لا
يستطيع رؤية اللّه وإِن كان رسولا). وهناك رواية أيضاً منقولة عن الإِمام الصادق(ع) في
جوابه على سبب المعراج. أنّه قال(ع): «إِن اللّه لا يوصف بمكان، ولا يجري
عليه زمان، ولكنّه عزَّ وجلّ أراد أن يشرف به ملائكته وسكان سماواته، ويكرمهم
بمشاهدته، ويريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه»(
تفسير البرهان، المجلد2، ص 200.). |
|
|
المعراج
والعلوم العصرية:
|
|
كان بعض الفلاسفة القدماء
يعتقد بنظرية «الأفلاك البطليموسية التسعة»
والتي تكون على شكل طبقات البصل في إِحاطتها بالأرض، لذلك فقد أُنكر المعراج
بمزاعم علمية تقوم على أساس الإِيمان بنظرية الهيئة البطليموسية والتي بموجبها
يُلزَم خرق هذه الأفلاك ومِن ثمّ التئامها ليكون المعراج ممكناً(بعض القدماء يعتقد بعدم إِمكان خرق هذه الأفلاك ثمّ التئامها.). |
|
الآيات(2) (8)
وَءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتبَ وَجَعَلْنهُ هُدىً لِّبَنِى إِسْرآءيلَ أَلاَّ
تَتَّخِذُوا مِن دُونِى وَكِيلا(2)
|
|
وَءَاتَيْنَا مُوسَى
الْكِتبَ وَجَعَلْنهُ هُدىً لِّبَنِى إِسْرآءيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِن دُونِى
وَكِيلا(2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح إِنَّهُ كَانَ عَبْداً
شَكُوراً(3) وَقَضَيْنَآ إِلى بَنِى إِسْرَآءِيلَ فِى الْكِتبِ لَتُفْسِدُنَّ
فِى الأَْرض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً(4) فَإِذَا جَاءَ
وَعْدُ أُولَهُما بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُولى بَأس شَدِيد
فَجَاسُوا خِللَ الدِّيَارَ وَكانَ وَعْداً مَّفْعُولا(5) ثمّ رَدَدْنَا لَكُمُ
الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنكُم بِأَمْول وَبَنِينَ وَجَعَلْنكُمْ
أَكْثَرَ نَفِيراً(6) إِنْ أَحْسَنتُم أَحْسَنتُمْ لأَِنفُسِكُمْ وَإِنْ
أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الأَْخِرَةِ لِيَسُؤُا وُجُوهَكُمْ
وَلِيدَخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مرّة وَلِيُتَبِّرُوا مَا
عَلَوْا تَتْبِيراً(7) عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا
وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكفِرِينَ حَصِيراً(8) |
|
التّفسير |
|
بعد أن أشارت الآية الأُولى
في السورة إِلى معجزة إسراء النّبي(ص) ليلا مِن المسجد
الحرام إِلى المسجد الأقصى، كشفت آيات
السورة الأُخرى، عن موقف المشركين والمعارضين لمثل هذه
الأحداث، وأبانت إِستنكارهم لها، وعنادهم إِزاء
الحق، في هذا الإِتجاه انعطفت الآية الأُولى ـ مِن الآيات مورد البحث ـ
على قوم موسى، ليقول لرسول اللّه(ص): إِنّ تأريخ النبوات واحد، وإِنَّ موقف المعاندين واحد أيضاً، وأنَّهُ
ليس مِن الجديد أن يقف الشرك القرشي موقفه هذا منك، وبين يديك الآن تأريخ بني
إِسرائيل في موقفهم مِن موسى(عليه السلام). |
|
ملاحظات:
|
|
الأُولى:
الإِفسادان التأريخيان لبني إِسرائيل:
|
|
تحدثت الآيات أعلاه
عن فسادَين إجتماعيين كبيرين لبني إِسرائيل، يقود كل مِنهما إِلى الطغيان والعلو، وقد لاحظنا أنَّ اللّه سلَّط على بني
إِسرائيل عقب كل فساد رجال أشدّاء شُجعاناً يذيقونهم جزاء فسادهم وعلوهم
وطغيانهم، هذا مع استثناء الجزاء الأخروي الذي أعدَّه
اللّه لهم. خامساً: الإِحتمال الأخير الذي ورده البعض في تفسير الإِفسادَيْن الكبيريْن لبني
إِسرائيل، يرتبط بأحداث ما بعد الحرب العالمية الثّانية، حيثُ يقول هؤلاء: إِن قيام الحزب الصهيوني وتشكيل دولة
لليهود باسم «إِسرائيل» في قلب العالم الإِسلامي مثَّل الإِفساد والطغيان والعلو
الأوّل لهم، وبذلك فإِنَّ وعي البلاد الإِسلامية لخطر هؤلاء الشعوب الإِسلامية
في ذلك الوقت إِلى التوحدّ و تطهير بيت المقدس وقسماً آخر من مدن وقرى فلسطين،
حتى أصبح المسجد الأقصى خارج نطاق احتلالهم بشكل كامل. |
|
الثّانية:
تحمّل الإِنسان لتبعات أعماله:
|
|
الآيات الآنفة تشير إِلى قاعدة مهمّة، وهي
أنَّ أعمال الإِنسان سواء كانت حسنة أم قبيحة فإِنَّ مردودها يعود إِليه. صحيح
أنَّ الآيات تتحدَّث عن بني إِسرائيل، ولكن القاعدة
مِن الشمول والعموم بحيث تشمل كافة البشر على مر التاريخ(نقرأ في الآية: (إِن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإِن أسأتم فلها)
بينما كان ينبغي أن يكون التعبير «عليها» لأنَّ الإِساءة لا تكون في فائدة ونفع
الإِنسان بل هي في ضرره! إِنَّ السبب في ذلك يعود إِلى ضرورات التنسيق بين قسمي
الجملة، أو قد يكون ذلك بسبب أنّ اللام هنا استخدمت بمعنى التخصيص لا بمعنى
النفع والضرر. بعض المفسّرين احتمل أيضاً أن تكون اللام بمعنى «إِلى».). |
|
الثّالثة:
تطبيق الآيات على أحداث التاريخ الإِسلامي:
|
|
في روايات عدّة نرى انطباق الآيات
أعلاه على بعض أحداث التاريخ الإِسلامي حيث يشير بعضها
إِلى أنَّ الفساد الأوّل والثّاني هو قتل الإِمام علي بن أبي طالب(عليه
السلام)، والعدوان على جنازة الإِمام الحسن(ع). وبعضها تشير إِلى أنَّ المقصود مِن قوله تعالى: (بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد) هو الإِشارة
إِلى الإِمام المهدي(عليه السلام) وأصحابه. وهكذا
ننتهي إِلى نتيجة مؤدّاها أنّ الآيات وإِن تحدّثت عن خصوصيات بني إِسرائيل، إِلاّ
أنّها تتسع في مفهومها لترتفع إِلى مستوى القاعدة
الكلية، والسنَّة المستمرّة في تأريخ البشرية بما يطويه من حياة شعوب
وأُمم. |
|
الآيات(9) (12) إِنَّ
هذَا الْقُرءَانَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ
الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّلِحتِ
|
|
إِنَّ هذَا
الْقُرءَانَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ
الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّلِحتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً(9) وَأَنَّ
الَّذِينَ لاَيُؤْمِنُونَ بِالأَْخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً
أَلِيماً(10) وَيَدْعُ الإِْنَسنُ بِالشَّرِّ دُعَآءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ
الإِْنَسنُ عَجُولا(11) وَجَعَلْنَا الَّيْلَ وَالنَّهارَ ءَايَتَيْنِ
فَمَحَوْنآ ءَايَةَ الَّيلِ وَجَعَلْنَآ ءَايَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً
لِّتَبْتَغُوا فَضْلا مِن رَّبِّكُم وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ
وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَىْء فَصَّلْنهُ تَفْصِيلا(12) |
التّفسير |
|
أقصر الطرق للهداية والسعادة:
|
|
الآيات السابقة
تحدثَّت عن بني إِسرائيل وكتابهم السماوي «التوراة» وكيف تخلفوا عن برنامج الهداية الإِلهية ليلقوا بعض جزائهم في هذه الحياة
الدنيا، والباقي مدخرٌ ليوم القيامة. |
|
بحوث
|
|
|
أوّلاً: هل الإِنسان عجول ذاتاً؟
|
|
إِنَّ الإِنسان لا يوصف في
القرآن بوصف «العجول» وَحسب، وإِنّما هناك أوصاف أُخرى
أطلقها على الإِنسان مثل «ظلوم» و«جهول» و«كفور»
و«هلوع» و«مغرور». |
|
ثانياً:
أضرار العجلة
|
|
إنَّ تعلق الإِنسان واندفاعه
نحو موضوع معين، والتفكير السطحي المحدود، والهوى والإِضطراب، وحسن الظن أكثر من
الحد الطبيعي إِزاء أمر ما، كُلّها عوامل للعجلة في الأعمال. ثمّ إِنَّ الإقتصار
على بحث المقدمات بشكل سطحي سريع ومرتجل لا يكفي في التوصل إِلى حقيقة الأمر،
وعادة تؤدي العجلة والتسرع في الأعمال إِلى الخسران والندامة! |
|
ثالثاً:
دور العدد والحساب في حياة الإِنسان:
|
|
كل عالم الوجود
يدور حول محور العدد والحساب، ولا نظام في هذا العالم بدون حساب، وطبيعي أنَّ
الإِنسان الذي هو جزء مِن هذه المجموعة لا يستطيع العيش مِن دون حساب وكتاب. |
|
الآيات(13) (15)
وَكُلَّ إِنسن أَلْزَمْنهُ طَئِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَومَ
الْقِيمَةِ كِتَباً يَلْقَهُ مَنْشُوراً
|
|
وَكُلَّ إِنسن
أَلْزَمْنهُ طَئِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَومَ الْقِيمَةِ كِتَباً
يَلْقَهُ مَنْشُوراً(13) اقْرَأْ كِتبَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَومَ عَلَيْكَ
حَسِيباً(14) مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّما يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ
فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخرى وَمَا كُنَّا
مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا(15) |
|
التّفسير |
|
أربعة
أُصول إِسلامية مهمّة:
|
|
لقد تحدَّثت الآيات القرآنية
السابقة عن القضايا التي تتصل بالمعادِ والحساب، لذلك
فإِنَّ الآيات التي نبحثها الآن تتحدَّث عن قضية «حساب الأعمال» التي
يتعرض لها البشر، وكيفية ومراحل إِنجاز ذلك في يوم
المعاد والقيامة حيثُ يقول تعالى: (وكلَّ إِنسان
ألزمناهُ طائرهُ في عنقه). |
|
بحوث
|
|
1 ـ التفؤل
والتطيُّر
|
|
التفؤل والتطيُّر كانا موجودين بين جميع الأمم ولا
يزالان كذلك. ويظهر أنَّ مصدرهما هو عدم القدرة على اكتشاف الحقائق،
والغفلة عن علل الحوادث. وعلى أية حال، ليست هناك آثار
طبيعية فعلية لِهذين الأمرين، ولكن لهما آثاراً
نفسية; إِذ (التفاؤل) يبعثُ على الأمل
بينما «التطيُّر» يُؤدي إِلى اليأس والعجز. |
|
2 ـ صحيفة أعمال
الإِنسان العجيبة:
|
|
لقد تحدَّثت آيات قرآنية
وروايات عديدة عن صحيفة أعمال الإِنسان. وكلَّ هذه
الآيات والرّوايات تؤكِّد على أنَّ جميع الأعمال وجزئياتها وتفصيلاتها تكون مُدوَّنة في صحيفة الأعمال، وفي يوم البعث
والقيامة، يستلم الإِنسان صحيفة عمله بيمينه إِذا كان مُحسناً ويتناولها بشماله
إِذا كان مسيئاً. ففي الآية (19) مِن سورة الحاقة نقرأ! (فأما مَن أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه) وفي الآية
(25) مِن نفس السورة نقرأ قوله تعالى حكاية عن
الإِنسان الخاسر: (وأمّا مَن أوتي كتابه بشماله فيقول
يا ليتني لم أوت كتابيه). وفي الآية (49) مِن سورة الكهف نقرأ قوله
تعالى: (ووضع الكتاب فترى المجرمين مُشفقين ممّا فيه
ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إِلاّ أحصاها،
ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربّك أحداً). |
|
3 ـ البريء لا
يؤخذ بجريرة المذنب:
|
|
في منطق العقل وتوجيهات
الأنبياء(عليهم السلام) لا يمكن مُعاقبة البريء بسبب
جريمة المذنب، وهذا تماماً عكس ما هو شائع بين عامّة الناس مِن خلال المثل الذي يقول (يحرق الأخضر واليابس معاً)،
وكمثل على ذلك، نرى أنَّ في كل المدن والمناطق التي كانت في حدود نبوة النّبي
لوط(عليه السلام)، لم تكن هناك سوى عائلة مؤمنة واحدة، ولكن عندما نزل العذاب
على قوم لوط(عليه السلام) أنجى اللّه تلك العائلة، وكتب لها سبيل الخلاص مِن
العذاب العام، وهكذا لم تؤخذ هذه العائلة المؤمنة البريئة بجريرة القوم
المذنبين. |
|
4 ـ قاعدة «أصل
البراءة» وآية! ما كُنّا معذبين:
|
|
في علم الأصول، وفي بحث
«البراءة» إِستدلوا بقوله تعالى: (وما كُنّا معذبين حتى
...) على أن فهم الآية يُوَضِّح أنَّ المسائل التي لا يمكن للعقل
إِدراكها أو القطع بها، لا يُعاقب عليها الإِنسان حتى يبعث اللّه الرسل
والأنبياء ليبيّنوا الأحكام والتكاليف والوظائف. وهذا بحد ذاته دليل على عدم
العقاب في الأُمور التي لم تُقم الحجة عليها; وقاعدة «أصل البراءة» لا تعني
شيئاً غير هذا; أي لا عقاب بدون حجة مِن العقل أو
النقل. |
|
الآيتان(16) (17)
وَإِذَا أَرَدْنآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا
فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
|
|
وَإِذَا أَرَدْنآ
أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ
عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنها تَدْمِيراً(16) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ
الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوح وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً
بَصِيراً(17) |
|
التّفسير |
|
مراحل
العقاب الإِلهي:
|
|
إِنَّ موضوع البحث في هذه
الآيات يُكمِّل ما كُنّا بصددِ بحثه في نهاية الآيات السابقة، ولكن بصورة أُخرى،
إِذ تقول الآية الكريمة: (وإِذا أردنا أن نهلك قريةً
أمرنا مُترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً)( بالرغم مِن أنّ
كلمة «قول» لها معنى واسع، ولكنّها هُنا تعني إِعطاء الأمر بالعذاب.). إِنَّ
الآيات التي كُنّا قبل قليل بصدد بحثها، كانت تتحدَّث عن أنَّ العقاب الإِلهي لا
يمكن أن ينزل بساحة شخص أو مجموعة أو أُمّة، مِن دون أن تكون هناك حجة وبيان
للتكليف مِن قبل الرسل والأنبياء(عليهم السلام)، والآية التي نحنُ بصددها الآن،
تتحدث عن نفس هذا الأصل، ولكن بطريقة أُخرى. |
|
الآيات(18) (21) مَنْ
كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ
|
|
مَنْ كَانَ يُرِيدُ
العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثمّ جَعَلْنَا
لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً(18) وَمَنْ أَرادَ الأَْخِرَةَ
وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم
مَّشْكُوراً(19) كُلا نُّمِدُّ هؤُلآَءِ وَهؤُلآَءِ مَنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا
كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً(20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ
عَلَى بَعْض وَلَلأَْخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجت وَأكْبَرُ تَفْضِيلا(21) |
|
التّفسير |
|
طلاب
الدنيا والآخرة:
|
|
لقد تحدّثت الآيات السابقة عن
الذين عصوا أوامر اللّه تعالى، وكيفية هلاكهم، لذا فإِنَّ هذه الآيات ـ التي
نحنُ بصددها الآن ـ تشير إِلى سبب التمرُّد على شريعة اللّه، والعصيان لأوامره، وهذا السبب هو حب الدُنيا، إِذ يقول تعالى: (مَن كانَ يريّد العاجلة عجّلنا لُه فيها ما نشاءُ لمن نريد
ثمّ جعلنا لهُ جهنَّم يصلها مذموماً مدحوراً). «العاجلة»
تعني النعم الزائلة; أو الدنيا الزائلة. |
|
بحوث
|
|
أوّلاً:
هل الدنيا والآخرة تقعان على طرفي نقيض؟
|
|
في الواقع إِنّنا نرى في كثير
مِن الآيات القرآنية مدحاً وتمجيداً للدنيا وبإِمكاناتها المادية، ففي بعض
الآيات اعتبر المال خيراً (سورة البقرة آية 180).
وفي آيات كثيرة وصفت العطايا والمواهب المادية بأنّها فضل اللّه (وابتغوا مِن
فضل اللّه)( الجمعة، 10.). وفي مكان آخر نقرأ
قوله تعالى: (خلق لكم ما في الأرض جميعاً)( البقرة،
29.). وفي آيات كثيرة أُخرى وصفت نعم الدنيا بأنها مسخّرة لنا (سخر لكم). |
|
ثانياً:
دور السعي في تحقيق المكاسب:
|
|
هذه ليست المرّة الأُولى التي
يشيد فيها القرآن بالسعي والجهد ودورهما في تحقيق المكاسب، وبعكسه يُحذَّر
الأشخاص العاطلين والكُسالى بأنَّ السعادة الأخروية لا يمكن ضمانها بالكلام
المجرد، والتظاهر بالإِيمان، بل الطريق يتمثل بالسعي وبذل الجهود. |
|
ثالثاً:
الإِمدادات الإِلهية:
|
|
«نمدّ» مشتقّة
مِن كلمة «إِمداد» وهي تعني إِيصال المعونة، يقول الراغب الأصفهاني في كتاب
«المفردات» أن: كلمة «إِمداد» غالباً ما تُستعمل في المساعدات المفيدة
والمؤثِّرة. أما كلمة «مدَّ» فإِنها تستعمل في الأشياء المكروهة وغير المقبولة. |
|
الآيات(22) (25) لاَّ
تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً ءَاخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً
مَّخْذُولا(22)وقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا
|
|
لاَّ تَجْعَلْ مَعَ
اللَّهِ إِلهاً ءَاخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولا(22)وقَضَى رَبُّكَ
أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلآَّ إِيَّاهُ وَبِالْولِدَيْنِ إِحْسناً إِمَّا
يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل
لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَّهُمَا قَولا كَرِيماً(23)
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا
كَما رَبَّيانِى صَغِيراً(24) رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِى نُفُوسِكُمْ إِنْ
تَكُونُوا صلِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَْوّبِينَ غَفُوراً(25) |
|
التّفسير |
|
أحكام إِسلامية مهمّة: التوحيد والإِيمان; التوحيد الذي يعتبر
الأساس و الأهمية لاحترام الوالدين:
|
|
الآيات التي نحنُ بصدد بحثها
هي بداية لسلسلة مِن الأحكام الإِسلامية الأساسية، والتي تبدأ بالدعوة إِلى
التوحيد والإِيمان; التوحيد الذي يعتبر الأساس والأصل لكل النشاطات الإِيمانية،
والأعمال الحسنة والبنّاءة. والآيات عندما تنحو هذا
المنحى فهي بذلك تتصل مع مضمون البحث في الآيات السابقة، التي كانت تتحدث عن
الناس السُعداء الذين أقاموا حياتهم على دعائم ثلاث هي: الإِيمان، السعي والعمل ووضع الآخرة ومنازلها
نصب أعينهم. |
|
بحوث
|
|
أوّلاً:
إِحترام الوالدين في المنطق الإِسلامي
|
|
بالرغم مِن أنَّ العاطفة
الإِنسانية ومعرفة الحقائق، يكفيان لوحدهما لاحترام ورعاية حقوق الوالدين، إِلاّ
أنَّ الإِسلام لا يلتزم الصمت في القضايا التي يمكن للعقل أن يتوصل فيها بشكل
مستقل، أو أن تدلُّ عليها العاطفة الإِنسانية المحضة، لذلك تراه يُعطي التعليمات
اللازمة إِزاء قضية احترام الوالدين ورعاية حقوقهما، بحيث لا يمكن لنا أن نلمس
مثل هذه التأكيدات في الإِسلام إِلاّ في قضايا نادرة أُخرى. و ـ عن الرّسول(ص) قال: «إِيّاك وعقوق الوالدين فإِنَّ ريح
الجنّة توجد مِن ميسرة ألف عام ولا يجدها عاقّ»( جامع
السعادات، ج 2، ص 257.). |
|
ثانياً:
بحثٌ حول كلمة «قضى»:
|
|
«قضى» أصلها
مِن كلمة «قضاء» بمعنى الفصل في شيء ما، إِمّا بالعمل
وإِمّا بالكلام. وقال بعض: إِنَّ معناها هو وضع
نهاية لشيء ما، وفي الواقع فإِنَّ المعنيين
مُتقاربان. وبما أنَّ الفصل ووضع النهاية لهما معاني واسعة، لذا فإِنَّ
هذه الكلمة لها استخدامات في مفاهيم مُختلفة، فالقرطبي
في تفسيره مثلا ذكر لها ستة معان هي: (
تفسير القرطبي، ج 6، ص 3853.). |
|
ثالثاً:
بحثٌ حول معنى كلمة «أف»:
|
|
أصل «أف» كلّ مستقذر مِن وَسخ وقُلامةِ ظفر وما يجري مجراهما،
ويقالُ ذلك لكلِّ مُستَخف به إِستقذاراً له.
ويمكن أن نشتق مِنهُ فعلا، كمثل قولنا: قد أففت لكذا، إِذا قلت ذلك إِستقذاراً
له. (مفردات الراغب صفحة 19). |
|
الآيات(26) (30)
وَءَاتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ
تُبَذِّرْ تَبْذِيراً
|
|
وَءَاتِ ذَا
الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ
تَبْذِيراً(26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْونَ الشَّيطِينِ وَكَانَ
الشَّيْطنُ لِرَبِّهِ كَفُوراً(27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَآءَ
رَحْمَة مِّن رَبِّكَ ترْجُوها فَقُل لَّهُمْ قَولا مَّيْسُوراً(28) وَلاَ
تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ
فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً(29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن
يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرَا بَصيِراً(30) |
|
التّفسير |
|
رعاية
الإِعتدال في الإِنفاق والهبات:
|
|
مع هذه الآيات يبدأ الحديث عن
فصل آخر مِن سلسلة الأحكام الإِسلامية الأساسية، التي لها علاقة بحقوق القربى
والفقراء والمساكين، والإِنفاق بشكل عام ينبغي أن يكون بعيداً عن كل نوع مِن
أنواع الإِسراف والتبذير، حيث تقول الآية (وآت ذا
القربى حقّه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً). «تبذير» مِن
«بذر» وهي تعني بذر البذور، إِلاّ أنّها هنا تخص
الحالات التي يصرف فيها الإِنسان أمواله بشكل غير منطقي وفاسد. بتعبير آخر: إِنَّ التبذير هو هدر المال في غير موقعه
ولو كانَ قليلا، بينما إِذا صُرِفَ في محلِّه
فلا يعتبر تبذيراً ولو كان كثيراً. ففي تفسير
العياشي، عن الإِمام الصادق(عليه السلام)، نقرأ قوله: «مَن أنفق شيئاً في غير
طاعة اللّه فهو مُبذر ومَن أنفق في سبيل اللّه فهو مُقتصد»( يراجع تفسير الصافي عند بحث هذه الآية.). الجواب: تعتبر الآية الأخيرة بمثابة
جواب على هذا السؤال: (إِنَّ ربّك يبسط الرزق
لمن يشاء ويقدر إِنَّه كان بعباده خبيراً بصيراً). إِنَّهُ اختبارٌ لنا،
فالله قادر على كل شيء، ولكنَّهُ يريد بهذا الطريق تربيتنا على روح السخاء والتضحية
والعطاء. إِضافة إِلى ذلك، إِذا أصبح أكثر الناس في حالة الكفاية وعدم الحاجة
فإِنَّ ذلك يقود إِلى الطغيان والتمرد (إِنَّ الإِنسان
ليطغى أن رآه استغنى)، لذلك مِن المفيد أن يبقوا في حد معين مِن الحاجة.
هذا الحد لا يسبب الفقر ولا الطغيان. مِن ناحية أُخرى يرتبط التقدير والبسط في
رزق الإِنسان بمقدار السعي وبذل الجهد (باستثناء بعض
الموارد من قبيل العجزة والمعلولين)، وهكذا تقتضي المشيئة الإِلهية ببسط
الرزق وتقديره لمن يشاءَ، وهذا دليل الحكمة، إِذ تقضي الحكمة بزيادة رزق مَن
يسعى ويبذل الجهد، بينما تقضي بتضييقه لمن هو أقل جهداً وسعياً. |
|
بحوث
|
|
أوّلاً:
مَن هم المقصودون بذي القربى؟
|
|
كلمة (ذي القربى) تعني
الأرحام والمقربين، وهناك كلام بين المفسّرين، حول المقصود بها، إِذ هل هو
المعنى العام أو الخاص؟ ويمكن أن نلاحظ هنا بعض هذه الآراء: |
|
ثانياً:
مصائب الإِسراف والتبذير:
|
|
لا ريب في أنَّ النعم
الموجودة على الكرة الأرضية كافية لساكنيها، بشرط واحد، هو أن لا يبذروا هذه
النعم بلا سبب، بل عليهم استثمارها بشكل معقول وبلا إِفراط أو تفريط، والاّ
فإِنَّ هذه النعم ليست غير متناهيه حتى لو أُسيء استثمارها والتصرف بها. وقد
يؤدي الإِسراف والتبذير في منطقة معينة الى الفقر في منطقة أُخرى، أو إِنَّ
إِسراف وتبذير الناس في هذا الزمان يسبِّب فقر الأجيال القادمة. |
|
ثالثاً:
الفرق بين الإِسراف والتبذير:
|
|
في الواقع لا يوجد هناك بحث
واضح عند المفسّرين في التفاوت الموجود بين الإِسراف والتبذير، ولكن عند
التأمُّل بأصل هذه الكلمات في اللغة، يتبيَّن أنَّ الإِسراف هو الخروج عن حدّ
الإِعتدال، ولكن دون أن نخسر شيئاً، فمثلا نلبس ثياباً ثميناً بحيث أنَّ ثمنهُ
يُعادل أضعاف سعر الملبس الذي نحتاجه، أو أنّنا نأكل طعاماً غالياً بحيث يمكننا
إِطعام عدد كبير مِن الفقراء بثمنه. كل هذه أمثلة على الإِسراف، وهي تُمثَّل
خروجنا عن حدَّ الإِعتدال، ولكن مِن دون أن نخسر شيئاً. |
|
رابعاً:
هل ثمّة تعارض بين الإِعتدال في الإِنفاق والإِيثار؟
|
|
مع الأخذ ـ بنظر الإِعتبار ـ
الآيات أعلاه والتي تؤكّد ضرورة الإِعتدال في الإِنفاق، يثار سؤال مؤدّاه، إِنَّ
في سورة الدهر مثلا، وآيات أُخرى، وفي مجموعة مِن الأحاديث والرّوايات، ثمّة
إشادة بالمؤثرين الذين يؤثرون غيرهم على أنفسهم في أحلك الساعات وأشدّ الظروف
ويعطون ما يملكون للآخرين، فكيف يا تُرى نوفّق بين هذين المفهومين؟ |
|
الآيات31) (35) وَلاَ
تَقْتُلُوآ أَوْلدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَق نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ
إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْأً كَبِيراً
|
|
وَلاَ تَقْتُلُوآ
أَوْلدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَق نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ
قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْأً كَبِيراً(31) وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ
فحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلا(32) وَلاَ تَقْتُلُوا الْنَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ
اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا
لِوَلِيَّهِ سُلْطَناً فَلاَ يُسْرِف فِى الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ
مَنْصُوراً(33) وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ
أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ
كَانَ مَسْئُولا(34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا
بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا(35) |
|
التّفسير |
|
ستةُ
أحكام مهمّة:
|
|
في متابعة للأحكام الإِسلامية
التي أثارتها الآيات السابقة، تتحدَّث هذه الآيات عن ستةِ أحكام إِسلامية أُخرى وردت في ست آيات، بعبارات قصيرة ومعان كبيرة، تأخذُ بلباب
القلوب. أوّلاً: تشير الآية إِلى عمل قبيح وجاهلي هو مِن أعظم الذنوب،
فتنهى عنهُ: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إِملاق) فرزق هؤلاء ليس عليكم (نحنُ نرزقكم وإِيّاهم) أمّا علّة الحكم فهي: (إِنَّ قتلهم كان خطأ كبيراً). كذلك فإِنَّ الخلوة
بالأجنبية (يعني خلوة المرأة والرجل
الأجنبي عليها في مكان واحد ولوحدهما) يعتبر عاملا في
إِثارة الشهوة. |
|
فلسفة
تحريم الزنا:
|
|
يمكن الإِشارة إِلى
خمسة عوامل في فلسفة تحريم الزنا، وهي: |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ أضرار
التطفيف في الكيل:
|
|
أوّل ملاحظة ينبغي
الإِنتباه إِليها هنا، هي أنَّ القرآن
الكريم أكدّ مِراراً على ضرورة الوزن للناس بالقسطاس، وحذَّر مِن البخس والتطفيف
في الميزان حتى أنَّهُ اعتبر ذلك في موضع، مُرادفاً لنظام الخلق في عالم الوجود،
حيثُ نقرأ في الآيتين (7، 8) مِن سورة الرحمن،
قوله تعالى: (والسماء رفعها ووضع الميزان، أن لا تطغوا
في الميزان). والآية تشير إِلى أنَّ مسألة بخس الناس والتطفيف في الميزان
ليست مسألة صغيرة، بل هي كبيرة وتدخل في صميم أصول العدالة والنظام المهيمن على
عالم الوجود برمته. |
|
2 ـ ما هو حكم
التطفيف وبخس الكيل؟
|
|
الجدير بالملاحظة
أن حكم التطفيف وبخس الكيل، قد يعمَّم بحيث
يشمل كل أشكال التقصير المتعمد في الأعمال والوظائف المختلفة، فمن التطفيف مَن
لا ينجِز عمله كاملا، والمعلم الذي لا يدرِّس بشكل جيد، والموظف الذي لا يلتزم
بأوقات عمله وهو غير حريص عليه. ولكن الألفاظ المستخدمة في هذه الآيه لا تفيد
معنى هذا التعميم، فهي من التوسعة العقلية إِلاّ أنَّ قوله تعالى: (والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان)
يشير إِلى هذا التعميم. |
|
3 ـ ما هو
معنى «قسطاس»؟
|
|
«قِسطاس»
بكسر القاف أو ضمها على وزن
«مِقياس» وأحياناً تقاس على وزن «قُرآن» بمعنى «الميزان» والبعض يعتبرها
كلمة رومية، بينما البعض يرى بأنّها كلمة عربية. وهناك مَن يقول بأنّها مركبة
مِن كلمتين هما «قسط» بمعنى العدل و«طاس» بمعنى كفة الميزان. أمّا البعض الآخر فيقول بأنَّ كلمة «قسطاس» تطلق على الميزان الكبير، بينما كلمة
«ميزان» تطلق على الموازين الصغيرة(تلاحظ تفاسير
الميزان، والفخر الرازي، ومجمع البيان في تفسير الآية مورد البحث.). |
|
الآيات( 36) ( 40)
وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ
وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ
|
|
وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ
عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ
مَسْؤُولاً ( 36) وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ
وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً ( 37)
كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38)
ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ
اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا ( 39)
أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثًا
إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيمًا ( 40) |
|
المجَلّد التّاسع
|
|
الآيات(41) (44)
ولَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هَذَا الْقُرْءَانِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ
إِلاَّ نُفُوراً
|
|
ولَقَدْ صَرَّفْنَا
فِى هَذَا الْقُرْءَانِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً(41)
قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ ءَالِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذَاً لاَّبْتَغَوْا إِلَىْ
ذِى الْعَرْشِ سَبِيلا (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوَّاً
كَبِيراً(43)تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوتُ السَّبْعُ وَالاَْرْضُ وَمَن فِيهِنَّ
وَإِن مِّن شَىْء إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ
تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً(44) |
|
التّفسير |
|
كيف
يفرّون من الحق؟
|
|
كان الحديث في الآيات السابقة
يتعلّق بقضيتي التوحيد والشرك، لذا فإنَّ هَذهِ الآيات تتابع هذا الموضوع بوضوح
وَقاطعية أكبر. ففي البداية تتحدث عن لجاجة بعض المشركين وعنادهم في قبال أدلة
التوحيد فتقول: (وَلَقد صرَّفنا في هَذا القرآن ليذكروا
وما يزيدهم إِلاَّ نفوراً). |
|
دَليل
التمانع:
|
|
الآية التي بعدها تشير إِلى
واحد من أدلة التوحيد والذي يعرف بين العلماء والفلاسفة بعنوان «دليل التمانع» إذ الآية تقول للنّبي(ص): قل لهم: (قل لو كانَ مَعهُ آلهة كما يقولون إِذاً لا بتغوا إِلى ذي
العرش سبيلا). |
|
تسبيح
الكائنات:
|
|
تذكر الآيات القرآنية
المُختلفة تسبيح وَحمد جميع موجودات عالم الوجود لله تعالى، وإِنَّ أكثر الآيات
صراحة بهذا الخصوص هي الآية التي نبحثها والتي تذكر لنا ـ بدون استثناء ـ أنَّ
جميع الموجودات في العالم، الأرض والسماء، النجوم والفضاء، الأناس والحيوانات
وأوراق الشجر، وَحتى الذرات الصغيرة، تشترك جميعاً في هَذا التسبيح والحمد
العام. جانب من روايات
العترة الطاهرة: |
|
الآيات(45) (48)
وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ
يُؤْمِنُونَ بِالاَْخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً
|
|
وَإِذَا قَرَأْتَ
الْقُرْءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ
بِالاَْخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً(45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ
أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِى ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ
فِى الْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلى أَدْبَرِهِمْ نُفُوراً(46) نَّحْنُ
أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذَ هُمْ
نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلا
مَّسْحُوراً(47) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الاَْمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا
يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا(48) |
|
سبب
النّزول
|
|
تحدَّث مجموعة مِن المفسّرين
مِثل الطبرسي في «مجمع البيان» والفخر الرازي في
«التّفسير الكبير» وآخرون، في شأن نزول هذهِ الآيات،
فقالوا: إِنَّها نزلت في مجموعة مِن المشركين
كانوا يؤذون النّبي(ص) بالليل إِذا تلا القرآن وَصَلى عِندَ الكعبة، وَكانوا
يرمونه بالحجارة وَيمنعونه عن دعوة الناس إِلى الدين، فحالَ اللهُ سبحانُه بينُه
وَبينهم حتى لا يؤذوه. وقد احتمل
الطبرسي أن يكون الله منع المشركين عن رسول الله عن طريق إِلقاء الخوف
والرعب في قلوبهم (مجمع البيان، المجلد الثّالث، صفحة
418.). |
|
التّفسير |
|
المغرورون
وَموانع المعرفة:
|
|
بعد الآيات السابقة
قد يطرح الكثيرون هَذا السؤال: رغم وضوح
قضية التوحيد بحيث أنَّ جميع مخلوقات العالم تشهد بذلك; فلماذا ـ اذن ـ لا يقبل المشركون هَذِهِ الحقيقة وَلا ينصاعون
للآيات القرآنية بالرغم مِن سماعهم لها؟ |
|
بحوث
|
|
1 ـ خلاصة عامّة
للآيات
|
|
الآيات الآنفة ترسم لنا بدقة
أحوال الضالين والموانع التي تحول دون معرفتهم للهدى، وَبشكل عام تقول الآيات:
إِنَّ ثمّة ثلاثة موانع لمعرفة هَؤلاء للحق، بالرغم من
سهولة رؤية طريق الحق، هَذِهِ الموانع هي: ثانياً: اللجوء إِلى توجيهات خاطئة لِتبرير انحرافهم، حيثُ كانوا
يصفون الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بتهم مُختلفة كالساحر والشاعر والمجنون.
وَبِذلك تكون عاقبة كل أعداء الحق أنَّ أعمالهم الرذيلة تكون حجاباً لهم دون
الحق والهدى. |
|
2 ـ لماذا تُنسب
الحجب للخالق؟
|
|
الآيات تنسب الحجب إِلى
الخالق، حيثُ قوله تعالى: (وَجَعَلْنا على قلوبهم
أكنّةً أن يفقهوه وَفي آذانهم وَقراً). كذلك هُناك آيات قرآنية أُخرى
بنفس المضمون. وَهَذِهِ التعابير قد يستشم منها رائحة
«الجبر» في حين أنّها لم تكن سوى صدى لأعمالهم. وَلكن هَذِهِ الحجب ـ في الواقع ـ هي بسبب الذنوب والصفات الرّذيلة لنفس
الإنسان، وإن هي إلاَّ آثار الأعمال. وَنسبة هَذِهِ الأُمور إِلَى الخالق يعود
إِلى أنَّهُ سبحانه وَتعالى هو الذي خلق خواص الأُمور، فإنّ تلك الأعمال
الرّذيلة والصفات القبيحة لها هَذِهِ الخواص. وَقد تحدَّثنا عن هَذِهِ الفكرة في
البحوث السابقة مستفيدين مِن الشواهد القرآنية الكثيرة. |
|
3 ـ ما معنى
الحجاب المستور؟!
|
|
هُناك آراء كثيرة
للمفسّرين حول الحجاب المستور، مِنها: |
|
4 ـ «أكنّة» و
«وَقر» ماذا يعنيان؟
|
|
(أكنّة) جمع «كنان» وَهي على وَزن «لسان» وَفي الأصل تعني أي
غطاء يمكن أن يستر شيئاً ما، أمّا «كِن» على وزن «جِن» فتعني الوعاء الذي يمكن
أن نحفظ في داخله شيئاً ما. أمّا جمع «كن» فهو «أكنان»
وَقد توسع هَذا المعنى لِيشمل أي شيء يؤدي إِلى التستُّر، كالأستار والبيت
والأجسام التي يتستر الإنسان خلفها. |
|
5 ـ تفسير جملة
(مايستمعون به)
|
|
في معنى هَذِهِ
الجملة ذُكِرَ تفسيرين: |
|
6 ـ لماذا اتهموا
النّبي بأنَّهُ مسحور؟
|
|
إنّ اتّهام النّبي العظيم(ص)
من قبل المشركين بأنّه (مسحور) لأَنَّهُم أرادوا رَميه بالجنون، وأنَّ السحرة
أثروا على عقله وفكره بحيث أصيب في حواسه، وأخذ يُظهر ما يظهر ـ العياذ بالله!! |
|
7 ـ تخوّف
المشركين مِن نداء التوحيد
|
|
في الآيات السابقة عرفنا كيف
أنَّ المشركين كانوا يتخوفون مِن نداء التوحيد وَكانوا يفرون مِنهُ، لأنَّ أساس
حياتهم قائم على الشرك وَعبادة الأصنام، وَكل النظم التي كانت تحكم مجتمعاتهم
كانت تقوم على أساس قواعد الشرك وأُصوله. |
|
الآيات(49) (52)
وَقَالُوا أَءَذِا كُنَّا عِظَماً وَرُفتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً
جَدِيداً
|
|
وَقَالُوا أَءَذِا
كُنَّا عِظَماً وَرُفتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً(49) قُل
كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً(50) أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِى
صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِى فَطَرَكُمْ أَوَّلَ
مَرَّة فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ
عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً(51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ
بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلا(52) |
|
التّفسير |
|
حتمية
البعثْ وَيوم الحساب
|
|
الآيات السابقة تحدَّثت عن
التوحيد وَحاربت الشرك، أمّا الآيات التي نبحثها الآن فتتحدّث عن المعاد والذي
يعتبر مكملا للتوحيد. |
|
الآيات(53) (57)
وَقُلْ لِّعِبَادِى يَقُولُوا الَّتِي هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَنَ يَنزَغُ
بَيْنَهُمْ إِنَّ
|
|
وَقُلْ لِّعِبَادِى
يَقُولُوا الَّتِي هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ
الشَّيْطَن كَانَ لِلاِْنْسَانَ عَدُوَّاً مُّبِيناً(53) رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ
بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَآ
أَرْسَلْنكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلا(54) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِى السَّمَوتِ
وَالاَْرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْض وَءَاتَيْنَا
دَاوُد زَبُوراً(55) قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ
يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلا(56) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ
يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ
وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ
مَحْذُوراً(57) |
|
التّفسير |
|
التعامل
المنطقي مَع المعارضيين:
|
|
الآيات السابقة عرضت لقضية
المبدأ والمعاد، أمّا الآيات التي نحنُ بصددها فهي توضح أسلوب المحادثة
والإِستدلال مَع المعارضين وَخصوصاً المشركين،لأنَّهُ مهما كانَ المذهب عالي
المستوى، والمنطق قوياً، فإنَّ ذلك لا تأثير له ما دامَ لا يتزامن مَع أُسلوب
صحيح للبحث والمجادلة مُرفقاً بالمحبّة بدلا مِن الخشونة. لذا فإنَّ أوّل آية
مِن هَذِهِ المجموعة تقول: (وَقل لعبادي يقولوا التي هي
أحسن). الأحسن مِن حيثُ المحتوى وَالبيان، والأحسن مِن حيث التلازم بين
الدليل وَمكارم الأخلاق والأساليب الإنسانية، وَلكن لماذا يستعمل هَذا الأُسلوب
مَع المعارضين؟ الآية التي بعدها تضيف: (ربّكم أعلمُ بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبّكم).
بناءً على الرأيين السابقين في تفسير مَن المخاطَب في تعبير (عبادي) فإنَّ
هَذِهِ الآيه أيضاً ـ وَتبعاً لما سبق ـ تَحتَمِلُ تفسيرين هما: وباختصار: لقد فضل
الله بعض النّبيين على بعض لموازين يعلمها هو وَتختص بها حكمتُه جلَّ وَعلا. أمّا الراغب
الأصفهاني في كتاب المفردات فيقول: «الزعم حكاية قول يكون مظنَّة للكذب». لذا فإنَّ هَذِهِ الكلمة وَردت
مذمومة في جميع الموارد التي ذكرت في القرآن الكريم. |
|
ماهي
الوسيلة؟
|
|
هَذِهِ الكلمة استخدمت في موضعين في القرآن الكريم، الموضع الأوّل في هَذِهِ
الآية، والآخر في الآية (35) مِن سورة المائدة في قوله تعالى: (يا أيّها الذين آمنوا اتقوا اللهَ وابتغوا إِليه الوسيلة
وَجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون). وَقد قُلنا هُناك: إِنَّ (الوسيلة) تعني (التقرب) أو الشيء الذي يبعث على
التقرُّب (أو النتيجة التي يمكن الحصول عليها مِن
التقرُّب). على هذا الأساس فإنَّ هُناك مفهوماً واسعاً جدّاً لكلمة (الوسيلة) يشمل كل
عمل جميل ولائق، وتدخل في مفهومها كل صفة بارزة أُخرى، لأنَّ كل هَذِهِ الأُمور
تكون سبباً في التقرب مِن الله. |
|
الآيات(58) (60)
وَإِن مِّن قَرْيَة إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيمَةِ أَوْ
مُعَذِّبُوهَا
|
|
وَإِن مِّن قَرْيَة
إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيمَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا
عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِى الْكِتَبِ مَسْطُوراً(58) وَمَا مَنَعَنَآ
أَن نُّرْسِلَ بِالاْيَتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الاَْوَّلُونَ وَءَاتَيْنَا
ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالاْيَتِ
إِلاَّ تَخْوِيفاً(59) وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ
وَمَا جَعَلْنَا الرُّءيَا الَّتي أَرَيْنَكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ
وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْءَانِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا
يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَناً كَبِيراً(60) |
|
التّفسير |
|
بعد أنَّ تحدثت الآيات
السابقة مَع المشركين في قضايا التوحيد والمعاد، تبدأ أوّل آية من هَذِهِ الآيات
بكلام على شكل نصيحة لِتوعيتهم، حيثُ تُجسّم هَذِهِ الآية النهائية الفانية
لِهَذِهِ الدنيا أمام عقولهم حتى يعرفوا أنَّ هَذِهِ الدنيا دار زوال وأنَّ
البقاء الأبدي في مكان آخر، لذلك ما عليهم إِلاَّ تهيئة أنفسهم لمواجهة نتائج
أعمالهم، حيثُ تقول الآية: (وإن من قرية إِلاَّ نحنُ
مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذاباً شديداً). وَعادة فإنَّه ليس مِن
مُقتضيات البرنامج الإِلهي أن يستجيب لأي معجزة يقترحها إنسان، أو أن ينصاع إِلى
تنفيذها الرّسول، وَلكن الهدف هو: (وَما نرسل بالآيات
إِلاَّ تخويفاً). إِنَّ أنبياء الله ليسوا أفراداً خارقي العادة حتى
يجلسوا وَينفذوا أيَّ اقتراح يُقترح عليهم وإنّما مسؤوليتهم إبلاغ دعوة الله
والتعليم والتربية وإقامة الحكومة العادلة، إِلاَّ أنّهم يظهرون المعجزات مِن
أجل إثبات علاقتهم بالخالق جلاَّ وَعلا، وَبالقدر الذي يُناسب هَذا الإِثبات
ليسَ أكثر. |
|
بحوث
|
|
1 ـ رؤيا النّبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) والشّجرة الملعونة
|
|
كَثُرَ الكلام بين
المفسّرين عن المقصود بالرؤيا ونجمل هَذِهِ الأقوال بما يلي: |
|
2 ـ أعذار مُنكري
الإعجاز
|
|
إِنَّ بعض الجهلة والغافلين
في عصرنا الحاضر، يقولون: إِنَّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لم تكن لديه
مِن معجزة سوى القرآن الكريم، ويقدمون مُختلف الحجج مِن أجل إِثبات أقوالهم
وَدعاواهم، وَممّا يحتجون به قوله تعالى: (وَما منعنا
أن نرسل بالآيات إِلاَّ أن كذَّب بها الأولون) حيثُ يعتبرونها دليلا على
أنَّ الرّسول(ص) لم يأتِ بمعجزة، بخلاف باقي الأنبياء السابقين. |
|
3 ـ ما العلاقة
بين المنكرين سابقاً والمنكرين لاحقاً؟
|
|
قد يطرح أحياناً
هَذا السؤال حيثُ يبيّن القرآن ـ في
الآيات أعلاه ـ أنَّ السابقين اقترحوا معجزات معيّنة ثمّ لم يؤمنوا بعد وقوعها،
بل استمروا في تكذيبهم وإنكارهم وَعِنادهم، لذا فقد أصبح هَذا سبباً لعدم إِجابة
مقترحاتكم. |
|
الآيات(61) (65)
وَإذْ قُلْنَا لِلْمَلَئِكَةِ اسْجُدُوا لاَِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ
|
|
وَإذْ قُلْنَا
لِلْمَلَئِكَةِ اسْجُدُوا لاَِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ ءَأسْجُدُ
لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً(61) قَالَ أَرَءَيْتَكَ هَذَا الَّذِى كَرَّمْتَ عَلَىَّ
لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيمَةِ لاََحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ
إِلاَّ قَلِيلا(62)قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ
جَزَآؤُكُمْ جَزَآءً مَّوْفُوراً(63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم
بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِى
الاَْمْوَلِ وَالاَْوْلَدِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَنُ إِلاَّ
غُرُوراً(64) إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَنٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ
وَكِيلا(65) |
|
التّفسير |
|
مكر
إِبليس:
|
|
هَذِهِ الآيات تُشير إِلَى
قضية امتناع إِبليس عن إطاعة أمر الله في السجود لآدم(عليه السلام)، والعاقبة
السيئة التي انتهى إِليها. ثمّ اعلم أيّها الشيطان: (إِن
عبادي لَيس لك عليهم سلطان...) (وَكفى بربّك وكيلا). |
|
بحوث
|
|
1
ـ في معاني الكلمات
|
|
«إِستفزز»
مُشتقة مِن «استفزاز» وَهي تعني الإِثارة; الإِثارة السريعة والعادية، وَلكنَّ
الكلمة في الأصل تعني قطع شيء ما، فالعرب تقول «تفزَّز الثوب» إِذا تقطّع أو
انفصلت منهُ قطعة. |
|
2
ـ وَسائل الشيطان المختلفة في الوسوسة والإِغواء
|
|
بالرغم مِن أنَّ المخاطب في
الآيات أعلاه هو الشيطان، وأنَّ الله جلَّ جلاله يتوعده وَيقول له: افعل كل ما
تريده في سبيل غواية الناس، واستخدم كل طرقك في ذلك، إِلاَّ
أنَّ هَذا الوعيد ـ في الواقع ـ هو تهديد وَتنبيه لنا نحنُ بني الإِنسان
حتى نعرف الطرق التي ينفذ مِنها الشيطان والوسائل التي يستخدمها في وساوسه
وإغوائه. |
|
الآيات(66) (69)
رَّبُّكُمُ الَّذِى يُزْجِى لَكُمُ الْفُلْكَ فِى الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِن
فَضْلِهِ
|
|
رَّبُّكُمُ الَّذِى
يُزْجِى لَكُمُ الْفُلْكَ فِى الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ
كَانَ بِكُمْ رَحِيماً(66) وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِى الْبَحْرِ ضَلَّ مَن
تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّيكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ
وَكَانَ الاِْنْسَانُ كَفُوراً(67) أَفَأَمِنتُمْ أن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ
الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ
وَكِيلا(68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ
عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ
تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً(69) |
|
التّفسير |
|
لماذا
الكفران مَع كلِّ هَذِهِ النعم؟
|
|
هَذِهِ الآيات تابعت البحوث
السابقة في مجال التوحيد ومحاربة الشرك، وَدخلت في البحث مِن خلال طريقين
مُختلفين، هما: طريق الإِستدلال والبرهان،
وَطريق الوجدان وَمخاطبة الإِنسان مِن الداخل. |
|
بحوث:
1 ـ الشّخصية المتقلّبة ،2 ـ لا يمكن
الهروب مِن حكومة الله، ثالثاً: معاني الكلمات |
|
1 ـ الشّخصية المتقلّبة إِنَّ الكثير مِن الناس لا
يذكرون الله إِلاَّ عِندَ بروز المشاكل. وَينسونه في الرخاء، إِنَّ نسيان الله
في حياة هؤلاء هو القاعدة والأصل، أي أنّه صار طبيعة، ثانية لهؤلاء، لذا فإنَّ
ذكر الله بالنسبة لهؤلاء والإِلتفات إِلى وَقائع الحياة الحقَّة تعتبر حالة
إستثنائية في وجودهم، تحتاج في حضورها إِلى عوامل إضافية، فما دامت هَذِهِ
العوامل الإِضافية موجودة فهم يذكرون الله، أمّا إِذا زالت فسوف يرجعون إِلى
طبيعتهم المنحرفة وَينسون الله. والخلاصة، أنّنا لا نجد من الناس بصورة عامّة مَن لا يلجأ إِلى الله وَلا يخضع له
عِندما تضغطه المشاكل الحادَّة والصعبة، وَلكن ينبغي أن نعرف أن الوعي وذكر الله
تعالى في مثل هذه الظروف في مثل هذه والذي نستطيع أن نصفهُ بالوعي الإِجباري، هو
وعي عديم الفائدة. |
|
الآيات(70) (72)
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَآدَمَ وَحَمَلْنَهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
وَرَزَقْنهُم مِّنَ الطَّيِّبَتِ
|
|
وَلَقَدْ
كَرَّمْنَا بَنِى ءَآدَمَ وَحَمَلْنَهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنهُم
مِّنَ الطَّيِّبَتِ وَفَضَّلْنَهُمْ عَلَى كَثِير مِّمَّنْ خَلَقْنَا
تَفْضِيلا(70) يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاس بِإِمَمِهِمْ فَمَنْ أُوتِىَ
كِتَبَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَبَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ
فَتِيلا(71) وَمَنْ كَانَ فِى هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِى الاَْخِرَةِ أَعْمَى
وَأَضَلُّ سَبِيلا(72) |
|
التّفسير |
|
الإِنسان
سيِّد الموجودات:
|
|
إِنَّ واحدة مِن أبرز طرق
الهداية والتربية، هي التنويه بشخصية الإِنسان وَمكانته وَمواهبه، لذا فإِنَّ
القرآن الكريم وَبعد بحوثه عن المشركين والمنحرفين في الآيات السابقة، يقوم هُنا
بتبيان الشخصية الممتازة للإِنسان والمواهب التي منحها إِيّاها ربّ العالمين،
لكي لا يلوّث الإِنسان جوهره الثمين، وَلا يبيع نفسهُ بثمن بخس، حيث يقول تعالى
(وَلقد كرَّمنا بني آدم). |
|
بحوث: أوّلا: وسيلة النقل أوّل نعمة
للإِنسان ثانياً، تكريم الإِنسان مِن قبل الخالق ،ثالثاً: (كرَّمنا) و (فضَّلنا)
|
|
أوّلا: وسيلة النقل
أوّل نعمة للإِنسان |
|
بحوث:1 ـ دَور القيادة في حياة البشر،2 ـ تكريم بني آدم،3 ـ دَور القيادة في الإِسلام،4 ـ عميان القلوب
|
|
1 ـ
دَور القيادة في حياة البشر |
|
الآيات(73) (75) وَ
إِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِىَ
عَلَيْنَا غَيْرَهُ
|
|
وَ إِن كَادُوا
لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِىَ عَلَيْنَا
غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلا(73) وَلَوْلآَ أَنْ ثَبَّتْنكَ لَقَدْ
كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلَيلا(74) إِذاً لأََذَقْنكَ ضِعْفَ
الْحَيوةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً(75) |
|
سبب النّزول |
|
لقد ذكرت أسباب
مُختلفة لِنزول هذه الآيات، إِلاَّ أَنَّ
بعض هذه الأسباب لا يتلائم مع تأريخ النّزول، وبما أن أسباب النّزول هذه قد أفاد
مِنها بعض المنحرفين لأغراض خاصّة، لذلك سوف نقوم هنا
بذكرها جميعاً: الرأي الأوّل:
قالت قريش للرّسول(ص): لا ندعك تلمس الحجر
الأسود حتى تحترم آلهتنا، وقال الرّسول في قلبه: إِنَّ الله يعلم نفرتي مِن
أصنامهم وإِنكاري لها، فما المانع مِن أن أنظر إِلى هذه الآلة باحترام ظاهراً
حتى يسمحوا لي باستلام الحجر الأسود. وهنا أنزل الله تبارك وتعالى الآيات أعلاه
التي نهت الرّسول عن هذا الأمر. الرأي الثّاني: اقترحت قريش على رسول اللّه(ص)
أن يترك الإِستهانة بآلهتهم والإِستخفاف بعقولهم، وأن يبعد عنهُ العبيد مِن
أصحابه وذوي الأُصول المتواضعة، والرائحة الكريهة، لكي تحضر قريش
مجلسهُ(صويستمعون إِليه، فطمع الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في إِسلامهم،
فنزلت الآيات أعلاه تحذّر مِن هذا الأمر. وهناك أسباب أُخرى
للنزول تشبه الآراءِ التي ذكرناها. |
|
التّفسير |
|
بما أنَّ الآيات السابقة كانت
تبحث حول الشرك والمشركين، لذا فإِنَّ الآيات التي نبحثها تحذَّر الرّسول(ص) مِن
وساوس وإِغواءات هذه المجموعة، حيث لا يجوز أن يُبدي أدنى ضعف في محاربة الشرك
وعبادة الأصنام، بل يجب الإِستمرار بصلابة أكبر. |
|
بحوث
|
|
1 ـ هل أبدى
الرّسول ليونة إِزاء المشركين؟
|
|
بالرغم مِن أنَّ بعض السطحيين
أرادوا الإِستفادة مِن هذه الآيات لِنفي العصمة عن الأنبياء، وقالوا أنّه طبقاً
للآيات أعلاه وأسباب النّزول المرتبطة بها إِنَّ الرّسول(ص) قد أبدى ليونة إِزاء
عبدة الأصنام، وأنَّ الله عاتبه على ذلك. إِلاَّ أنَّ هذه الآيات صريحة في افهام
مقصودها بحيث لا تحتاج إِلى شواهد أُخرى على بطلان هذا النوع مِن التفكير، لأنَّ الآية الثّانية تقول وبصراحة: (ولولا أن ثبّتناك لقد كدت تركن إِليهم شيئاً قليلا).
ومفهوم التثبيت الإِلهي (والذي نعتبرهُ بأَنَّهُ العصمة) أنَّهُ منع رسول
الله(ص) مِن التوجه إِلى مزالق عبدة الأصنام، ولا يعني ظاهر الآية ـ في حال ـ
أنَّهُ(ص) مال إِلى المشركين، ثمّ نُهي عن ذلك بوحي من اللّه تعالى. وهذا التعبير نفسهُ نقرأهُ في سورة يوسف حيث جاءَ البرهان الإِلهي في أدق
اللحظات وأخطرها، في مقابل الإِغواء الخطير وغير الإِعتيادي لامرأة العزيز، حيث
قوله تعالى في الآية (24) مِن سورة يوسف: (ولقد هَمَّت بِهِ وَهمَّ لولا أن رأى برهان ربّه، كذلك لنصرف
عنهُ السوء والفحشاء إِنَّهُ مِن عبادنا المخلصين). |
|
2 ـ لماذا العذاب
المضاعف؟
|
|
مِن الواضح أنَّهُ كلما زاد
مقام الإِنسان مِن حيث العلم والوعي والمعرفة والإِيمان، ازدادت قيمة وعمق
الأعمال الخيرة التي يقوم بها، وبدرجة نسبة الوعي العلم والمعرفة، وطبعاً سيكون
ثوابها أكثر، لذا فإِنّنا نقرأ في بعض الرّوايات: (إِنَّ الثواب على قدر العقل)( أصول الكافي، ج 1، كتاب العقل والجهل، ص 9، حديث 8.). |
|
3 ـ معنى
(الضِعف) 4 ـ تفسير جملة (إِذاً لا تخذوك خليلا) 5 ـ إِلهي لا تكلني إِلى نفسي
|
|
3 ـ
معنى (الضِعف) |
|
الآيتان(76) (77)
وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَْرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا
|
|
وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ
مِنَ الأَْرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلفَكَ إِلاَّ
قَلِيلا(76) سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ
لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلا(77) |
|
أسباب النّزول |
|
المشهور أنَّ هذه الآيات نزلت
في أهل مكّة بعد أن قرروا إِخراج النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)مِنها. ثمّ
بدَّلوا رأيهم بعد ذلك وقرروا قتلهُ(صلى الله عليه وآله وسلم)، فحاصروا
بيتهُ(صلى الله عليه وآله وسلم) ولكنَّ الله أنجاه مِن هذه المكيدة بشكل إِعجازي
واستطاع أن يهاجر إِلى المدينة المنوَّرة. |
|
التّفسير |
|
مُؤامرة
خبيثة أُخرى:
|
|
في الآيات السابقة رأينا كيف
أنَّ المشركين أرادوا مِن خلال مكائدهم المختلفة أن يحرفوا رسول الله(ص) عن
الطريق المستقيم، لكن الله أنجاه بلطفه له ورعايته إِيّاه، وبذلك فشلت خطط
المشركين. حيث أنَّ هؤلاء القوم لا
يشكرون النعم، ويحطمون مصباح هدايتهم ومنبع النور إِليهم بأيديهم، إنَّ مِثل
هؤلاء الأقوام لا يستحقون رحمة الخالق، وإِنَّ العقاب سيشملهم. ونعلم هُنا أنَّ
الله تبارك وتعالى لا يفرق بين عباده، وبذلك فإِنَّ الأعمال المتشابهة في الظروف
المتشابهة لها عقاب مُتشابه، وهذا هو معنى عدم اختلاف سنن الخالق جلَّ وعلا. |
|
الآيات(78) (81)
أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ الَّيْلِ وَقُرْءَانَ
الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ
|
|
أَقِمِ الصَّلَوةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ الَّيْلِ وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ
قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً(78) وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ
نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً(79) وَقُل
رَّبِّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقً وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْق وَاجْعَلَ
لِّى مِن لَّدُنكَ سُلْطناً نَّصِيراً(80) وَقُلْ جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ
الْبطِلُ إِنَّ الْبطِلَ كَانَ زَهُوقاً(81) |
|
التّفسير |
|
الفناء نهاية الباطل:
|
|
بعد سلسلة الآيات التي تحدثت
عن التوحيد والشرك وعن مكائد المشركين ومؤامراتهم، تبحث هذه الآيات عن الصلاة
والدعاء والإِرتباط بالله والتي تعتبر عوامل مؤثِّرة في مجاهدة الشرك، ووسيلة
لطرد إِغواءات الشيطان مِن قلب وروح الإِنسان، إِذ تقول الآيات في البداية (أقم الصلاة لدلوك الشمس إِلى غسق الليل وقرآن الفجر إِنَّ
قرآن الفجر كانَ مشهوداً). |
|
بحوث
|
|
1
ـ صلاة اللّيل عبادة روحية عظيمة
|
|
إِنَّ التأثيرات المختلفة
لضوضاء الحياة اليومية تؤثر على الإِنسان وعلى أفكاره وتجرّه إِلى وديان مُختلفة
بحيث يصعب معها تهدئة الخاطر، وصفاء الذهن، والحضور الكامل للقلب في مثل هذا
الوضع. أمّا في منتصف الليل وعند السحر عندما تهدأ هذه ضوضاء حياتيه المادية،
ويرتاح جسم الإِنسان، وتهدأ روحه بعد فترة مِن النوم، فإِنَّ
حالةً مِن التوَّجه والنشاط الخاص تُخالج الإِنسان، في مثل هذا المحيط الهاديء
والبعيد عن كل أنواع الرياء، مع حضور القلب، يعيش
الإِنسان حالة خاصّة قادرة على تربيته وتكامل روحه. |
|
2
ـ ما هو المقام المحمود؟
|
|
المقام المحمود ـ كما هو واضح مِن اسمه ـ لهُ معنى واسع بحيث يشمل كل
مقام يستحق الحمد، ولكن من المسلّم بأن المقصود بهِ هنا، هو الإِشارة إِلى
المقام الممتاز والخاص الذي اختص بهِ رسول الله(ص) وبسبب عباداته الليلية ودعائه
في وقت السحر. |
|
3 ـ العوامل
الثّلاثة للإِنتصار
|
|
في ميادين الصراع بين الحق
والباطل يكون جيش الباطل ـ عادةً ـ ذا عدّة وعدد أكثر،
إِلاَّ أن جيش الحق ـ بالرغم مِن قلّة أفراده ووسائله الظاهرية ـ يحصل
على انتصارات عظيمة. ويمكن مشاهدة نماذج مِن ذلك في غزوات بدر والأحزاب وحنين،
وفي عصرنا الحاضر يمكن مُشاهدة ذلك في الثورات المُنتصرة للأُمم المستضعفة في
مقابل الدول المستكبرة. |
|
4 ـ حتمية انتصار
الحق وهزيمة الباطل
|
|
نواجه في الآيات أعلاه أصلا
تاماً، وأساساً آخر، وسنة إِلهية خالدة تزرع الأمل في قلوب أنصار الحق، هذا
الأصل هو أنَّ عاقبة الحق الإِنتصار، وعاقبة الباطل الإِندحار، وأنَّ للباطل
صولة وبرق ورعد، وله كر وفر، إِلاَّ أن عمره قصير، وفي النهاية يكون مآلهُ
السقوط والزوال .. الباطل كما يقول القرآن: (فأمّا
الزبد فيذهب جفاء وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)( ـ الرعد، 17.). |
|
5 ـ آية جاءَ
الحق ... وقيام المهدي (عليه السلام)
|
|
في بعض الرّوايات تمّ تفسير
قوله (جاء الحق وزهق الباطل) بقيام دولة المهدي(ع)، فالإِمام الباقر يبيّن أنَّ
مفهوم الكلام الإِلهي هو: «إِذا قام القائم ذهبت دولة الباطل»( نور الثقلين، ج 3، ص 212 و 213.). |
|
الآية(82)
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنينَ
وَلاََ يزِيدُ الظَّلِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً
|
|
وَنُنَزِّلُ مِنَ
الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنينَ وَلاََ يزِيدُ
الظَّلِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً(82) |
|
التّفسير |
|
القرآن
وصفة للشفاء
|
|
الآية التي نبحثها الآن تُشير
إِلى التأثير الكبير للقرآن الكريم ودوره البنّاء في هذا المجال حيث تقول: (وننزل مِن القرآن ما هو شفاء
ورحمة للمؤمنين) أمّا الظالمون فإِنّهم بدلا مِن أن يستفيدوا مِن هذا
الكتاب العظيم، فإِنَّهمُ يتمسكون بما لا ينتج لهم سوى الذل والهوان (ولا يزيد الظالمين إِلاَّ خساراً). |
|
بحوث
|
|
1 ـ مفهوم كلمة
(مِن) 2 ـ الشّفاء والرّحمة 3 ـ الظّالمون 4 ـ القرآن دواء ناجع
|
|
نعرف أنَّ كلمة (مِن) في مثل
هذه الموارد تأتي للتبعيض، إِلاَّ أنَّ الشفاء
والرحمة لا تخص قسماً من القرآن، بل هي صفة لكل آياته، لذا فإِنَّ كبار المفسّرين يميلون إِلى اعتبار (مِن) هُنا بيانية.
ولكن البعض احتمل أن تكون تبعيضية كذلك، وهي بذلك تشير إلى النزول التدريجي
للقرآن ـ خاصّة وأنّ (ننزل) فعل مضارع ـ لذا فإنّ معنى الجملة يكون: (إِنّنا ننزل القرآن وكل قسم ينزل منهُ، هو بحدِّ ذاته
ولوحده يُعتبر شفاءً ورحمة) (فتدبرّ جيداً). أمّا هذا الدواء
الشافي، كتاب الله الأعظم، فليست لهُ أي آثار عرضية على الروح
والأفكار الإِنسانية، بل على عكس ذلك كله خير وبركة ورحمة. |
|
الآيتان(83) (84)
وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسنِ أَعْرَضَ وَنَئَا بِجَانِبِه وَإِذَا
مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً
|
|
وَإِذَآ
أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسنِ أَعْرَضَ وَنَئَا بِجَانِبِه وَإِذَا مَسَّهُ
الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً(83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ
أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلا(84) |
|
التّفسير |
|
كلٌ
يتصرف وفق فطرته:
|
|
بعد أن تحدَّثت الآية السابقة
عن شفاء القرآن، تشير الآية التي بين أيدينا إِلى أحدِ أكثر الأمراض تجذراً
فتقول: (وإِذا أنعمنا على الإِنسان أعرض ونأى بجانبه). ولكن عندما نسلب منه
النعمة ويتضرر من ذلك ولو قليلا: (وإِذا مسهُ الشرّ كان
يؤساً). |
|
بحوث
|
|
1 ـ الغرور
واليأس،2
ـ ما معني (شاكلة)؟
|
|
1 ـ
الغرور واليأس أمّا أولياء الحق
وعباد الله المخلصون الحقيقيون فلا
ييأسون عندما يقعون في المشاكل والمحن، بل تزيدهم الصعوبات استقامة وصلابة على
طريق الهدى، وبسبب اعتمادهم على الله وعلى أنفسهم فإِنّهم يتمتعون بقوّة لمواجهة
المشاكل ولا معنى لليأس في وجودهم. |
|
الآية(85)
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَا
أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلا
|
|
وَيَسْئَلُونَكَ
عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ
إِلاَّ قَلِيلا(85) |
|
التّفسير |
|
ما
هي الرّوح؟
|
|
تبدأ هذه الآية في
الإِجابة على بعض الأسئلة المهمّة للمشركين ولأهل الكتاب، إِذ تقول: (ويسألونك عن الروحِ
قل الروحُ مِن أمرِ ربّي وما أوتيتم مِن العلم إِلاَّ قليلا). 3 ـ والآن لنر مِن خلال هذه النقطة ما هو المقصود بالروح في
الآية التي نبحثها؟ وفي الرّوايات
المتعدِّدة التي بين أيدينا من طرق الشيعة وأهل السنّة نقرأ أنّ هذا السؤال عن الروح أخذهُ المشركون مِن علماء
أهل الكتاب الذين يعيشون مع قريش، كي يختبروا به رسول الله(ص)، إِذ قالوا لهم:
إِذا أعطاكم الرّسول(ص)معلومات كثيرة عن الروح فهذا دليل على عدم صدقه، لذلك
نراهم قد تعجبوا مِن إِجابة الرّسول(ص) المليئة بالمعاني رغم قصرها وقلّة
كلماتها. |
|
أصالة
واستقلال الرّوح:
|
|
يُظهر تأريخ العلم والمعرفة
الإِنسانية أنَّ قضية الروح وأسرارها الخاصّة كانت محط توجَّه العلماء، حيث حاول
كل عالم الوصول إِلى محيط الروح السري. ولهذا السبب ذكر العلماء آراء مُختلفة
وكثيرة حول الروح. |
|
الفلاسفة
الماديون
|
|
في المقابل هُناك
الفلاسفة الماديون الذين يقولون: إِنّنا
لا نعرف موجوداً مستقلا عن المادة يسمى بالروح، أو أي اسم آخر، وإِنَّ كل ما
موجود هو هذه المادة الجسمية و آثارها الفيزيائية أو الكيميائية. |
|
دلائل
الماديين على عدم استقلال الروح
|
|
لقد أورد الماديون
شواهد لإِثبات دعواهم بأنَّ الروح
والفكر وسائر الظواهر الروحية هي قضايا مادية، أي تكون انعكاساً للخواص
الفيزيائية والكيميائية للخلايا العصبية والدماغية، ونستطيع
أن نشير هُنا إِلى هذه الشواهد مِن خلال هذه النقاط: |
|
نقد
هذه النظرية:
|
|
الخطأ الكبير الذي
وقع فيه الماديون في أدلتهم واستنتاجاتهم، أنّهم خلطوا بين (وسائل العمل) و
(القائم بالعمل). |
|
أدلة
استقلال الروح
|
|
أوّلا:
ادراك الواقع الخارجي
|
|
كان الكلام حتى الآن عن
الماديين الذين يصرّون على أنَّ الظواهر الروحية هي افرازات لخلايا الدماغ،
ويعتبرون الفكر والإِبداع والحب والتنفر والغضب وجميع العلوم، مِثل القضايا
المادية التي تخضع لأسلوب العمل المختبري وتشملها قوانين المادة، إِلاَّ أنَّ الفلاسفة
الذي يعتقدون باستقلالية الروح ذكروا أدلة قاطعة على نفي هذه العقيدة، منها: |
|
ثانياً:
وحدة الشخصية
|
|
الدليل الآخر على
استقلال الروح وتمايزها هو مسألة وحدة الشخصية في طول عمر الإِنسان. |
|
الحذر
مِن هذا الإِشتباه!
|
|
البعض يتصوّر أن الخلايا
الدماغية لا تتغَّير، ويقولون: لقد قرأنا في الكتب الفسيولوجية أنَّ عدد الخلايا
الدماغية واحد وثابت مُنذ البداية وحتى نهاية العمر، وهي لا تزيد ولا تنقص
وإِنّما تكبر. لذلك إِذا أصيبت بخلل فلن تكون قابلة للعلاج. وعلى هذا الأساس
فإِنّنا نملك وحدة ثابتة في مجموع بدننا، هذه الوحدة هي الخلايا الدماغية التي
تحفظ لنا وحدة شخصيتنا. |
|
ثالثاً:
عدم تطابق الكبير مَع الصغير
|
|
افترضوا أنّنا جلسنا على ساحل
البحر، وشاهدنا أمامنا عدداً مِن الزَوارق معَ باخرة كبيرة، ثمّ نظرنا إِلى جانب
الشمس فرأيناها تميل للغروب، بينما القمر بدأ يبزغ مِن الجانب الآخر. وعلى
الشاطىء هُناك صفوف مِن طيور الماء الجميلة وقد اقترب بعضها نحو الماء. ونشاهد
على الطرف الآخر جبلا عظيماً تناطح قمتهُ السماء علواً. والآن، إِزاء هذا
المنظر، لِنغمض عيوننا بُرهة مِن الزمَن ونتخيل ما شاهدناه: جبل عظيم، بحرٌ
واسع، سفينة كبيرة، كل هذه الأُمور ترتسم في مخيلتنا كاللوحة الكبيرة للغاية في
مقابل روحنا، أو في داخل روحنا. سؤال مهم: إِنَّ روحنا تُظهر خلاقية
عجيبة اتجاه الصور، وفي لحظة واحدة وبدون أي مقدمة يمكن رسم صور معينة في
أذهاننا كالكرات السماوية والمجرات والكائنات الأرضية والجبال وما شابهها. إِنَّ
هذه الخاصية ليست لكائن مادي، بل هي دليل لكائن ما فوق المادة. |
|
الآيتان(86) (87)
وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ
لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلا
|
|
وَلَئِنْ شِئْنَا
لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ
عَلَيْنَا وَكِيلا(86) إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ
عَلَيْكَ كَبِيراً(87) |
|
التّفسير |
|
ما
عِندكَ هو مِن رحمته وبركته:
|
|
تحدثت الآيات السابقة عن
القرآن، أمّا الآيتان اللتان نبحثهما الآن فهما أيضاً ينصبان في نفس الإِتجاه. |
|
الآيتان(88) (89) قُل
لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِْنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا
الْقُرْءَانِ
|
|
قُل لَّئِنِ
اجْتَمَعَتِ الإِْنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا
الْقُرْءَانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض
ظَهِيراً (88)وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِى هَذَا الْقُرْءَانِ مِن كُلِّ
مَثَل فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً(89) |
|
التّفسير |
|
معجزة
القرآن:
|
|
الآيات التي بين
أيدينا تتحدث عن إِعجاز القرآن، ولأنَّ
الآيات اللاحقة تتحدَّث عن حجج المشركين في مجال المعجزات، فإِنَّ الآية التي
بين أيدينا ـ في الحقيقة ـ مقدمة للبحث القادم حول المعجزات. |
|
الآيات(91) (93)
وَقَالُوا لَنْ نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَْرْضِ يَنْبُوعاً
|
|
وَقَالُوا لَنْ
نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَْرْضِ يَنْبُوعاً(90) أَوْ
تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيل وَعِنَب فَتُفَجِّرَ الأَْنْهَرَ خِلَلَهَا
تَفْجِيراً(91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ
تَأْتِىَ بِاللَّهِ وَ الْمَلَئِكَةِ قَبِيلا(92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن
زُخْرُف أَوْ تَرْقَى فِى السَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى
تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّى هَلْ كُنتُ
إِلاَّ بَشَراً رَّسُولا(93) |
|
سبب النّزول |
|
لقد ذكرَ المفسّرون استناداً للروايات الواردة أسباباً
عديدة لنزول هذه الآيات، وفيما يلي سنتعرض بشكل موجز إِلى هذه الأسباب
معتمدين بشكل مُباشر على تفسير مجمع البيان الذي قال: وقال أبوجهل: إِنَّهُ أبى إِلاَّ سبّ الآلهة وشتم الآباء، وأنا أُعاهد
الله لأحملن حجراً فإِذا سجد ضربت بهِ رأسهُ. |
|
التّفسير |
|
أعذار
وذرائع مُختلفة:
|
|
بعد الآيات السابقة التي
تحدثت عن عظمة وإِعجاز القرآن، جاءت هذه الآيات تشير إِلى ذرائع المشركين، هذه
الذرائع تُثبت أنَّ مواقف هؤلاء المشركين إِزاء دعوة الرّسولالتي جاءت أصلا
لإِحيائهم، لم تكن إِلاَّ للعناد والمُكابرة، حيثُ أنّهم كانوا يُطالبون بأشياء
غير معقولة في مقابل اقتراح الرّسول(ص)المنطقي وإِعجاز القوي. 2 ـ قولهم كما
في الآية: (أو تكون لك جنّة مِن نخيل وعنب فتفجّر
الأنهار خلالها تفجيراً). |
|
بحوث
|
|
1 ـ جواب الرّسول
للمتذرعين
|
|
لقد تبيّن مِن خلال الآيات
أعلاه والحديث الوارد في أسباب النّزول، أنَّ طلبات المشركين العجيبة والغريبة
لم تكن تنع مِن روح نشدان الحقيقة، بل كان هدفهم البقاء على الشرك وعبادة
الأصنام لأنّه كان يمثل الدعامة الأساسية والقوّة المادية لزعماء مكّة، وكذلك
منع النّبي(ص) من الاستمرار في طريق الدعوة الى التوحيد بأي صورة ممكنة. إِنَّ مسؤولية
الرّسول(ص) هي إثبات إرتباطه بالخالق عن
طريق المعجزة، وعندما يأتي بالقدر الكافي مِن المعاجز، فليست عليه أية مسؤولية
أُخرى. |
|
2 ـ الأفكار
المحدودة والطلبات غير المعقولة
|
|
كل إِنسان يتكلم بحدود فكره،
ولهذا السبب فإنَّ حديث أي شخص هو دليل على مقدار عمق أفكاره. فهؤلاء لو كانوا
ينظرون بعين الحقيقة لكانوا قد
شاهدوا هذا التطوَّر المعنوي العظيم في هذا الدين، وكذلك الإِنتصارات المادية
المنظورة حيث يضمن القرآن سعادة الإِنسان في المجالين الدنيوي والأُخروي. |
|
3 ـ ذريعة أُخرى
لِنفي الإِعجاز
|
|
بالرغم مِن وضوح الآيات
أعلاه، وأنّها غير معقَّدة، وأنَّ طلبات المشركين من رسول اللهواضحة، وكذلك سبب
تعامل رسول الله(ص) السلبي مع هؤلاء معلوم أيضاً، إِلاَّ أنَّ الآيات أصبحت
ذريعة بيد بعض المتذرعين في عصرنا الذين يصرّون على نفي أي معجزة لرسول الله(ص). البعض الآخر
مما طلبوا، فيها أجابهم رسول اللّه(ص) إليه، سوف لن يبقى أثر لهم، وبالتالي لن
تكون قضية المعجزة ذات أثر في إيمانهم أو عدمه، مثل قولهم أن يسقط عليهم كسفاً
من السماء، أي أن تنزل عليهم صخور من السماء. |
|
الآيتان(94) (95)
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَآءَهُمُ الْهُدَى
|
|
وَمَا مَنَعَ
النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَآءَهُمُ الْهُدَى إِلآَّ أَن قَالُوا أَبَعَثَ
اللَّهُ بَشَراً رَّسُولا(94) قُل لَّوْ كَانَ فِى الاَْرْضِ مَلَئِكَةٌ
يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِّنَ السَّمَآءِ مَلَكاً
رَّسُولا(95) |
|
التّفسير |
|
ذريعة
عامّة:
|
|
الآيات السابقة تحدَّثت عن تذرُّع المشركين ـ أو قسم منهم ـ في قضية
التوحيد، أمّا الآيات التي نبحثها فإِنّها تشير
إِلى ذريعة عامّة في مقابل دعوة الأنبياء، حيثُ تقول: (وما
منعَ الناس أن يؤمنوا إِذ جاءهم الهُدى إِلاَّ أن قالوا أبَعَثَ اللَّهُ بشراً
رسولا). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ
قوله تعالى: (وما منع الناس ...) يعني إِن سبب عدم إِيمانهم هو هذا التذرُّع، إِلاَّ أنَّ
هذا التعبير ليس دليلا على الحصر، بل هو للتأكيد
وبيان أهمية الموضوع. |
|
الآيتان(96) (97) قُل
كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدَاً بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ
خَبِيَراً بَصِيراً
|
|
قُل كَفَى
بِاللَّهِ شَهِيدَاً بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيَراً
بَصِيراً(96) وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَنْ
تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيمَةِ عَلَى
وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ
زِدْنهُمْ سَعِيراً(97) |
|
التّفسير |
|
المهتدون
الحقيقيون:
|
|
بعد أن قطعت الآيات السابقة
أشواطاً في مجال التوحيد والنّبوة وعرض حديث المعارضين والمشركين، فإِنَّ هذه
الآيات عبارة عن خاتمة المطاف في هذا الحديث، إِذ تضع النتيجة الأخيرة لكل ذلك.
ففي البداية تقول الآية إِذا لم يقبل أُولئك أدلتك الواضحة حول التوحيد والنّبوة
والمعاد فقل لهم: (قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم
إِنّه كان بعباده خبيراً بصيراً)( مِن حيث
التركيب: إِنَّ «الباء» في (كفى بالله) زائدة، و«الله» فاعل «كفى» و«شهيداً»
تمييز، أو حال كما يقول البعض.). |
|
الآيات(98) (100)
ذلِكَ جَزَآؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِئَايتِنَا
|
|
ذلِكَ جَزَآؤُهُمْ
بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِئَايتِنَا وَقَالُوا أَءِذَا كُنَّا عِظماً وَرُفتاً
أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً(98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ
الَّذِى خَلَقَ السَّموتِ وَالأَْرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ
وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلا لاَّرَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّلِمُونَ إِلاَّ
كُفُوراً(99) قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّى إِذاً
لأََّمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِْنفَاقِ وَكَانَ الإِْنسنُ قَتُوراً(100) |
|
التّفسير |
|
كيف
يكون المعاد مُمكناً؟
|
|
في الآيات السابقة رأينا كيف
أنَّ يوماً سيئاً ينتظُر المجرمين في العالم الآخر. هذه العاقبة التي تجعل أي
عاقل يفكّر في هذا المصير، لذلك فإِنَّ الآيات التي بين
أيدينا تقف على هذا الموضوع بشكل آخر. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ المعاد
الجسماني،2
ـ أيّ الآيات؟، 3
ـ ما هو الغرض مِن «مثلهم»؟،4
ـ ما هو (الأجل)؟
|
|
1 ـ
المعاد الجسماني 6 ـ
هل أن جميع البشر بُخلاء؟ |
|
الآيات(101) (104)
وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ ءَايت بَيِّنت فَسْئَلْ بَنِى إِسْرءِيَلَ
|
|
وَلَقَدْ
ءَاتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ ءَايت بَيِّنت فَسْئَلْ بَنِى إِسْرءِيَلَ إِذْ
جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّى لأََظُنُّكَ يمُوسَى مَسْحُوراً (101)قَالَ
لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنْزَلَ هَؤُلآَءِ إِلاَّ رَبُّ السَّموتِ وَالأَْرْضِ
بَصَآئِرَ وَإِنِّى لأََظُنُّكَ يفِرْعَونُ مَثْبُوراً(102) فَأَرَادَ أَنْ
يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الأَْرْضِ فَأَغْرَقْنهُ وَمَنْ مَّعَهُ جَمِيعاً(103)
وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِى إِسْرءِيلَ اسْكُنُوا الأَْرْضَ فَإِذَا جَآءَ
وَعْدُ الأَْخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً(104) |
|
التّفسير |
|
لم
يُؤمنوا رغم الآيات:
|
|
قبل بضعة آيات عرفنا كيف أنَّ
المشركين طلبوا أُموراً عجبية غريبة من الرّسول(ص)، وبما أنَّ هدفهم ـ باعترافهم
هم أنفسهم ـ لم يكن لأجل الحق وطلباً له، بل لأجل التذرُّع والتحجج والتعجيز،
لذا فإِنَّ الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ردّ عليهم ورفض الإِنصياع إِلى
طلباتهم. وهذه الآيات ـ التي نبحثها ـ
في الحقيقة تقف على نماذج للأُمم السابقة ممَّن شاهدوا أنواع المعاجز والأعمال
غير العادية، إِلاَّ أنّهم استمروا في الإِنكار وعدم الإِيمان. |
|
بحوث
|
|
1 ـ المقصود مِن
الآيات التسع
|
|
لقد ذكر القرآن
الكريم آيات ومعجزات كثيرة لموسى(عليه السلام) مِنها ما يلي: |
|
2 ـ هل أنّ
السائل هو الرّسول نفسه؟
|
|
ظاهر الآيات أعلاه يدل على
أنَّ الرّسول(ص) كانَ قدَ أُمِرَ بسؤال بني إِسرائيل حول الآيات التسع التي نزلت
على موسى، وكيف أنَّ فرعون وقومه صدّوا عن حقانية موسى(ع) بُمختلف الذرائع رغم
الآيات. |
|
3 ـ ما المراد بـ
(الأرض) المذكورة في الآيات؟
|
|
قرأنا في الآيات أعلاه أنَّ
الله أمر بني إِسرائيل بعد أن انتصروا على فرعون وجنوده أن يسكنوا الأرض، فهل
الغرض مِن الأرض هي مصر (نفس الكلمة وردت في الآية
السابقة والتي بيّنت أنَّ فرعون أراد أن يخرجهم مِن تلك الأرض. وبنفس المعنى أشارت آيات أُخرى إِلى أنَّ بني إِسرائيل
ورثوا فرعون وقومه) أو أنّها إِشارة إِلى الأرض المقدَّسة فلسطين، لأنَّ بني
إِسرائيل بعد هذه الحادثة اتجهوا نحو أرض فلسطين وأمروا أن يدخلوها. |
|
4 ـ هل تعني كلمة
(وعد الآخرة) يوم البعث والآخرة؟
|
|
ظاهراً ... إِنَّ الإِجابة
بالإِيجاب، حيث أنَّ جملة (جئنا بكم لفيفاً)
قرينة على هذا الموضوع، ومُؤَيِّدة لهذا الرأي. إِلاَّ
أنَّ بعض المفسّرين احتملوا أنَّ (وعد الآخرة) إِشارة إِلى ما أشرنا إِليه
في بداية هذه السورة، مِن أنَّ الله تبارك وتعالى قد تَوَعَّد بني إِسرائيل
بالنصر والهزيمة مرَّتين، وقد سمى الأُولى بـ «وعد الأُولى» والثّانية بـ «وعد
الآخرة»، إِلاَّ أنَّ هذا الإِحتمال ضعيف مع وجود قوله تعالى: (جئنا بكم لفيفاً) (فدقق في ذلك). |
|
الآيات(105) (109)
وَبِالْحَقّ ِ أَنْزَلْنهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَآ أَرْسَلْنكَ إِلاَّ
مُبَشِّراً وَنَذِيراً
|
|
وَبِالْحَقّ ِ
أَنْزَلْنهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَآ أَرْسَلْنكَ إِلاَّ مُبَشِّراً
وَنَذِيراً(105) وَقُرْءَاناً فَرَقْنهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى
مُكْث وَنَزَّلْنهُ تَنْزِيلا(106) قُلْ ءَامِنُوا بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا
إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ
يَخِرُّونَ لِلأَْذْقَانِ سُجَّداً (107)وَيَقُولُونَ سُبْحنَ رَبِّنَآ إِن
كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا(108) وَيَخِرُّونَ لِلأَْذْقَانِ يَبْكُونَ
ويَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) |
|
التّفسير |
|
عُشاق
الحق
|
|
مرّة أُخرى يشير القرآن
العظيم إِلى أهمية وعظمة هذا الكتاب السماوي ويُجيب على بعض ذرائع المعارضين. لقد ذكر المفسّرون
آراء مُختلفة في الفرق بين الجملة الأُولى: (وبالحق أنزلناه) والجملة الثّانية:
(وبالحق نزل) مِنها: لذا كيف يُمكن
لكتاب يتحدث عن حوادث (23) سنة متزامناً لها أن ينزل في يوم واحد؟ |
|
ملاحظات
|
|
في
هذه الآية ينبغي الإِلتفات إِلى الملاحظات الآتية:
|
|
أوّلا: يعتقد المفسّرون أنَّ جملة (آمنوا به أَو لا تؤمنوا)
يتبعها جملة محذوفة قدّروها بأوجة مُتعدِّدة، إِذ قال
بعضهم: إِن المعنى هو: سواء آمنتم أم لم تؤمنوا فلا يضر ذلك بإِعجاز
القرآن ونسبته إِلى الخالق. |
|
بحثان:
|
|
1 ـ التخطيط
للتربية والتعلم
|
|
مِن الدروس المهمّة التي
نستفيدها مِن الآيات أعلاه، هو ضرورة التخطيط لأي ثورة أو نهضة ثقافية أو فكرية
أو اجتماعية أو تربوية، فإِذا لم يتمّ تنظيم مثل هذا البرنامج فالفشل سيكون
النتيجة الحتمية لمثل هذه الجهود. إِنَّ القرآن الكريم لم ينزل على رسول
الله(صلى الله عليه وآله وسلم) مرّة واحدة بالرغم مِن أنَّهُ كان موجوداً في
مخزون علم الله كاملا، وقد تمَّ عرضه في ليلة القدر على رسول الله(صلى الله عليه
وآله وسلم) دفعة واحدة، إِلاَّ أنَّ النّزول التدريجي استمرّ طوال (23) سنة،
وضمن مراحل زمنية مُختلفة وفي إِطار برنامج عملي دَقيق. |
|
2 ـ علاقة العلم
بالإِيمان
|
|
الموضوع الآخر الذي
يُمكن أن نستفيدهُ مِن الآيات أعلاه هو علاقة العلم بالإِيمان، إِذ تقول الآيات: إِنّكم سواء آمنتم بالله أو لم
تؤمنوا فإِنَّ العلماء سيؤمنون بالله إِلى درجة أنّهم يعشقون الخالق ويسقطون
أرضاً ساجدين مِن شدّة الوله والحبّ، وتجري الدّموع مِن أعينهم، وإِنّ هذا الخشوع
والتأدُّب يتصف بالإِستمرار في كل عصر وزمان. |
|
الآيتان(110) (111)
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيَّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ
الأَْسْمَآءُ الْحُسْنَى
|
|
قُلِ ادْعُوا
اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيَّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَْسْمَآءُ
الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ
ذلِكَ سَبِيلا(110) وقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً
وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِى الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِىٌّ مِنَ
الذُّلِ وَكَبِّرْهُ وتَكْبِيراً(111) |
|
سبب
النّزول
|
|
وردت آراء مُتعدِّدة في سبب
نزول هاتين الآيتين مِنها ما نقلهُ صاحب مجمع البيان عن ابن عباس الذي قال: كانَ
رسول الله(ص) ساجداً ذات ليلة بمكّة يدعو: يا رحمن يا رحيم، فقال المشركون
مُتهمين رسول الله(ص): إنَّهُ يدعونا إِلى إِله واحد، بينما يدعو هو مثنى مثنى.
يقصدون بذلك قول رسول الله(ص): يا رحمن يا رحيم. فنزلت الآية الكريمة أعلاه(يُراجع مجمع البيان أثناء تفسير الآية.). |
|
التّفسير |
|
آخر
الذرائع والأغذار
|
|
بعد سلسلة من
الذرائع التي تشبث بها المشركون امام دعوة الرّسول(ص)، نصل مع الآيات التي بين أيدينا إِلى آخر ذريعة لهم، وهي
قولهم: لماذا يذكر رسول الله(ص) الخالق بأسماء مُتعدِّدة بالرغم من أنَّهُ يدّعي
التوحيد. القرآن ردَّ على هؤلاء بقوله: (قل ادعوا الله
أو ادعوا الرحمن أيّاً ما تدعوا فلهُ الأسماء الحسنى). إنَّ هؤلاء عُميان
البصيرة والقلب، غافلون عن أحداث ووقائع حياتهم اليومية حيثُ كانوا يذكرون أسماء
مُختلفة لشخص واحد أو لمكان واحد، وكل اسم مِن هذه الأسماء كان يُعرِّف بشطر أو
بصفة مِن صفات ذلك الشخص أو المكان. |
|
ملاحظة
|
|
هذا الحكم الإِسلامي في
الدعوة إلى الإِعتدال بين الجهر والإِخفات يعطينا فهماً
وإِدراكاً من جهتين: في الآيات أعلاه تمّت
الإِشارة إِلى ثلاث صفات مِن صفات الله، ثمّ بملاحظة
الأمر الوارد في نهاية الآية تكتمل الى اربع صفات. نهاية سورة
الإِسراء |
|
|
|
|
سُورَة
الإِسراء مكيّة وعَدَدُ آيَاتِها مائة وَاحدى عشرة آية
|
|
«سورة
الإِسراء» |
|
قبل الدّخول في تفسير هَذِه
السورة مِن المفيد الإِنتباه إلى النقاط الآتية: |
|
أوّلاً:
أسماء السّورة ومكان النّزول:
|
|
بالرّغم من أنَّ
الإِسم المشهور لهَذه السورة هو «بني إِسرائيل» إِلاّ أنَّ لها أسماء أُخرى مثل «الإِسراء» و«سبحان»(
تفسير الآلوسي، ج 15، ص 2.). |
|
ثانياً:
فضيلة سورة الإِسراء:
|
|
وَردت في فضيلة
سورة الإِسراء وأجرها أحاديث كثيرة عن الرّسول(ص)وَعن الإِمام الصادق(عليه
السلام). |
|
ثالثاً:
خطوط عامّة في محتوى السورة:
|
|
لقد أشرنا إِلى مكّية السورة وفق القول
المشهور بين المفسّرين، لذا فإِنَّ محتوى السورة يُوافق خصوصيات السور
المكّية، من قبيل تركيزها على قضية التوحيد والمعاد، ومواجهة إِشكاليات الشرك
والظلم والإِنحراف. |
|
الآية(1) سُبْحنَ
الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِّنَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلى المَسْجِدِ
الأَْقْصا الَّذِى برَكْنا حَوْلَهُ
|
|
سُبْحنَ الَّذِى أَسْرَى
بِعَبْدِهِ لَيْلا مِّنَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلى المَسْجِدِ الأَْقْصا
الَّذِى برَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايتِنآ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ(1) |
|
التّفسير |
|
معراج
النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم):
|
|
الآية الأُولى في
سورة الإِسراء تتحدَّث عن إِسراء النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، أي سفره ليلا من المسجد الحرام في مكّة المكرمة إِلى المسجد الأقصى (في القدس الشريف). وقد كان هذا السفر «الإِسراء» مقدمة لمعراجه(صلى
الله عليه وآله وسلم) إِلى السماء. وقد لوحظ في
هذا السفر أنّه تمَّ في زمن قياسي حيث أنّه لم
يستغرق سوى ليلة واحدة بالنسبة الى وسائل نقل
ذلك الزمن ولهذا كان أمراً اعجازياً وخارقاً للعادة. |
|
المعراج
،المعراج
في القرآن والحديث:
|
|
المعراج: المعراج في القرآن والحديث: في كتاب اللّه سورتان تتحدثان عن
المعراج: |
|
هل
كان المعراج جسدياً أم روحياً؟
|
إِن ظاهر الآيات القرآنية الواردة في أوائل سورة الإِسراء، وكذلك
سورة النجم (كما فصلنا أعلاه) تدلل على وقوع
المعراج في اليقظة، ويؤكّد هذا الأمر كبار علماء
الإِسلام من الشيعة والسنة. |
|
هدف
المعراج:
|
|
اتّضح لنا من خلال
البحوث الماضية، أنّ هدف المعراج
لم يكن تجوالا للرّسول(ص) في السماوات للقاء اللّه كما يعتقد السذج، وكما نقل
بعض العلماء الغربيين ـ ومع الأسف ـ لجهلهم أو
لمحاولتهم تحريف الإِسلام أمام الآخرين، ومنهم (غيور
غيف) الذي يقول في كتاب (محمد رسول ينبغي معرفته من جديد، ص 120)، (بلغ محمد في سفر معراجه
إِلى مكان كان يسمع فيه صوت قلم اللّه، ويفهم أنّ اللّه منهمك في تدوين حساب
البشر! ومع أنّه كان يسمع صوت قلم اللّه إِلاّ أنّه لم يكن يراه! لأنّ أحداً لا
يستطيع رؤية اللّه وإِن كان رسولا). وهناك رواية أيضاً منقولة عن الإِمام الصادق(ع) في
جوابه على سبب المعراج. أنّه قال(ع): «إِن اللّه لا يوصف بمكان، ولا يجري
عليه زمان، ولكنّه عزَّ وجلّ أراد أن يشرف به ملائكته وسكان سماواته، ويكرمهم
بمشاهدته، ويريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه»(
تفسير البرهان، المجلد2، ص 200.). |
|
|
المعراج
والعلوم العصرية:
|
|
كان بعض الفلاسفة القدماء
يعتقد بنظرية «الأفلاك البطليموسية التسعة»
والتي تكون على شكل طبقات البصل في إِحاطتها بالأرض، لذلك فقد أُنكر المعراج
بمزاعم علمية تقوم على أساس الإِيمان بنظرية الهيئة البطليموسية والتي بموجبها
يُلزَم خرق هذه الأفلاك ومِن ثمّ التئامها ليكون المعراج ممكناً(بعض القدماء يعتقد بعدم إِمكان خرق هذه الأفلاك ثمّ التئامها.). |
|
الآيات(2) (8)
وَءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتبَ وَجَعَلْنهُ هُدىً لِّبَنِى إِسْرآءيلَ أَلاَّ
تَتَّخِذُوا مِن دُونِى وَكِيلا(2)
|
|
وَءَاتَيْنَا مُوسَى
الْكِتبَ وَجَعَلْنهُ هُدىً لِّبَنِى إِسْرآءيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِن دُونِى
وَكِيلا(2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح إِنَّهُ كَانَ عَبْداً
شَكُوراً(3) وَقَضَيْنَآ إِلى بَنِى إِسْرَآءِيلَ فِى الْكِتبِ لَتُفْسِدُنَّ
فِى الأَْرض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً(4) فَإِذَا جَاءَ
وَعْدُ أُولَهُما بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُولى بَأس شَدِيد
فَجَاسُوا خِللَ الدِّيَارَ وَكانَ وَعْداً مَّفْعُولا(5) ثمّ رَدَدْنَا لَكُمُ
الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنكُم بِأَمْول وَبَنِينَ وَجَعَلْنكُمْ
أَكْثَرَ نَفِيراً(6) إِنْ أَحْسَنتُم أَحْسَنتُمْ لأَِنفُسِكُمْ وَإِنْ
أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الأَْخِرَةِ لِيَسُؤُا وُجُوهَكُمْ
وَلِيدَخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مرّة وَلِيُتَبِّرُوا مَا
عَلَوْا تَتْبِيراً(7) عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا
وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكفِرِينَ حَصِيراً(8) |
|
التّفسير |
|
بعد أن أشارت الآية الأُولى
في السورة إِلى معجزة إسراء النّبي(ص) ليلا مِن المسجد
الحرام إِلى المسجد الأقصى، كشفت آيات
السورة الأُخرى، عن موقف المشركين والمعارضين لمثل هذه
الأحداث، وأبانت إِستنكارهم لها، وعنادهم إِزاء
الحق، في هذا الإِتجاه انعطفت الآية الأُولى ـ مِن الآيات مورد البحث ـ
على قوم موسى، ليقول لرسول اللّه(ص): إِنّ تأريخ النبوات واحد، وإِنَّ موقف المعاندين واحد أيضاً، وأنَّهُ
ليس مِن الجديد أن يقف الشرك القرشي موقفه هذا منك، وبين يديك الآن تأريخ بني
إِسرائيل في موقفهم مِن موسى(عليه السلام). |
|
ملاحظات:
|
|
الأُولى:
الإِفسادان التأريخيان لبني إِسرائيل:
|
|
تحدثت الآيات أعلاه
عن فسادَين إجتماعيين كبيرين لبني إِسرائيل، يقود كل مِنهما إِلى الطغيان والعلو، وقد لاحظنا أنَّ اللّه سلَّط على بني
إِسرائيل عقب كل فساد رجال أشدّاء شُجعاناً يذيقونهم جزاء فسادهم وعلوهم
وطغيانهم، هذا مع استثناء الجزاء الأخروي الذي أعدَّه
اللّه لهم. خامساً: الإِحتمال الأخير الذي ورده البعض في تفسير الإِفسادَيْن الكبيريْن لبني
إِسرائيل، يرتبط بأحداث ما بعد الحرب العالمية الثّانية، حيثُ يقول هؤلاء: إِن قيام الحزب الصهيوني وتشكيل دولة
لليهود باسم «إِسرائيل» في قلب العالم الإِسلامي مثَّل الإِفساد والطغيان والعلو
الأوّل لهم، وبذلك فإِنَّ وعي البلاد الإِسلامية لخطر هؤلاء الشعوب الإِسلامية
في ذلك الوقت إِلى التوحدّ و تطهير بيت المقدس وقسماً آخر من مدن وقرى فلسطين،
حتى أصبح المسجد الأقصى خارج نطاق احتلالهم بشكل كامل. |
|
الثّانية:
تحمّل الإِنسان لتبعات أعماله:
|
|
الآيات الآنفة تشير إِلى قاعدة مهمّة، وهي
أنَّ أعمال الإِنسان سواء كانت حسنة أم قبيحة فإِنَّ مردودها يعود إِليه. صحيح
أنَّ الآيات تتحدَّث عن بني إِسرائيل، ولكن القاعدة
مِن الشمول والعموم بحيث تشمل كافة البشر على مر التاريخ(نقرأ في الآية: (إِن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإِن أسأتم فلها)
بينما كان ينبغي أن يكون التعبير «عليها» لأنَّ الإِساءة لا تكون في فائدة ونفع
الإِنسان بل هي في ضرره! إِنَّ السبب في ذلك يعود إِلى ضرورات التنسيق بين قسمي
الجملة، أو قد يكون ذلك بسبب أنّ اللام هنا استخدمت بمعنى التخصيص لا بمعنى
النفع والضرر. بعض المفسّرين احتمل أيضاً أن تكون اللام بمعنى «إِلى».). |
|
الثّالثة:
تطبيق الآيات على أحداث التاريخ الإِسلامي:
|
|
في روايات عدّة نرى انطباق الآيات
أعلاه على بعض أحداث التاريخ الإِسلامي حيث يشير بعضها
إِلى أنَّ الفساد الأوّل والثّاني هو قتل الإِمام علي بن أبي طالب(عليه
السلام)، والعدوان على جنازة الإِمام الحسن(ع). وبعضها تشير إِلى أنَّ المقصود مِن قوله تعالى: (بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد) هو الإِشارة
إِلى الإِمام المهدي(عليه السلام) وأصحابه. وهكذا
ننتهي إِلى نتيجة مؤدّاها أنّ الآيات وإِن تحدّثت عن خصوصيات بني إِسرائيل، إِلاّ
أنّها تتسع في مفهومها لترتفع إِلى مستوى القاعدة
الكلية، والسنَّة المستمرّة في تأريخ البشرية بما يطويه من حياة شعوب
وأُمم. |
|
الآيات(9) (12) إِنَّ
هذَا الْقُرءَانَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ
الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّلِحتِ
|
|
إِنَّ هذَا
الْقُرءَانَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ
الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّلِحتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً(9) وَأَنَّ
الَّذِينَ لاَيُؤْمِنُونَ بِالأَْخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً
أَلِيماً(10) وَيَدْعُ الإِْنَسنُ بِالشَّرِّ دُعَآءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ
الإِْنَسنُ عَجُولا(11) وَجَعَلْنَا الَّيْلَ وَالنَّهارَ ءَايَتَيْنِ
فَمَحَوْنآ ءَايَةَ الَّيلِ وَجَعَلْنَآ ءَايَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً
لِّتَبْتَغُوا فَضْلا مِن رَّبِّكُم وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ
وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَىْء فَصَّلْنهُ تَفْصِيلا(12) |
التّفسير |
|
أقصر الطرق للهداية والسعادة:
|
|
الآيات السابقة
تحدثَّت عن بني إِسرائيل وكتابهم السماوي «التوراة» وكيف تخلفوا عن برنامج الهداية الإِلهية ليلقوا بعض جزائهم في هذه الحياة
الدنيا، والباقي مدخرٌ ليوم القيامة. |
|
بحوث
|
|
|
أوّلاً: هل الإِنسان عجول ذاتاً؟
|
|
إِنَّ الإِنسان لا يوصف في
القرآن بوصف «العجول» وَحسب، وإِنّما هناك أوصاف أُخرى
أطلقها على الإِنسان مثل «ظلوم» و«جهول» و«كفور»
و«هلوع» و«مغرور». |
|
ثانياً:
أضرار العجلة
|
|
إنَّ تعلق الإِنسان واندفاعه
نحو موضوع معين، والتفكير السطحي المحدود، والهوى والإِضطراب، وحسن الظن أكثر من
الحد الطبيعي إِزاء أمر ما، كُلّها عوامل للعجلة في الأعمال. ثمّ إِنَّ الإقتصار
على بحث المقدمات بشكل سطحي سريع ومرتجل لا يكفي في التوصل إِلى حقيقة الأمر،
وعادة تؤدي العجلة والتسرع في الأعمال إِلى الخسران والندامة! |
|
ثالثاً:
دور العدد والحساب في حياة الإِنسان:
|
|
كل عالم الوجود
يدور حول محور العدد والحساب، ولا نظام في هذا العالم بدون حساب، وطبيعي أنَّ
الإِنسان الذي هو جزء مِن هذه المجموعة لا يستطيع العيش مِن دون حساب وكتاب. |
|
الآيات(13) (15)
وَكُلَّ إِنسن أَلْزَمْنهُ طَئِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَومَ
الْقِيمَةِ كِتَباً يَلْقَهُ مَنْشُوراً
|
|
وَكُلَّ إِنسن
أَلْزَمْنهُ طَئِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَومَ الْقِيمَةِ كِتَباً
يَلْقَهُ مَنْشُوراً(13) اقْرَأْ كِتبَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَومَ عَلَيْكَ
حَسِيباً(14) مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّما يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ
فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخرى وَمَا كُنَّا
مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا(15) |
|
التّفسير |
|
أربعة
أُصول إِسلامية مهمّة:
|
|
لقد تحدَّثت الآيات القرآنية
السابقة عن القضايا التي تتصل بالمعادِ والحساب، لذلك
فإِنَّ الآيات التي نبحثها الآن تتحدَّث عن قضية «حساب الأعمال» التي
يتعرض لها البشر، وكيفية ومراحل إِنجاز ذلك في يوم
المعاد والقيامة حيثُ يقول تعالى: (وكلَّ إِنسان
ألزمناهُ طائرهُ في عنقه). |
|
بحوث
|
|
1 ـ التفؤل
والتطيُّر
|
|
التفؤل والتطيُّر كانا موجودين بين جميع الأمم ولا
يزالان كذلك. ويظهر أنَّ مصدرهما هو عدم القدرة على اكتشاف الحقائق،
والغفلة عن علل الحوادث. وعلى أية حال، ليست هناك آثار
طبيعية فعلية لِهذين الأمرين، ولكن لهما آثاراً
نفسية; إِذ (التفاؤل) يبعثُ على الأمل
بينما «التطيُّر» يُؤدي إِلى اليأس والعجز. |
|
2 ـ صحيفة أعمال
الإِنسان العجيبة:
|
|
لقد تحدَّثت آيات قرآنية
وروايات عديدة عن صحيفة أعمال الإِنسان. وكلَّ هذه
الآيات والرّوايات تؤكِّد على أنَّ جميع الأعمال وجزئياتها وتفصيلاتها تكون مُدوَّنة في صحيفة الأعمال، وفي يوم البعث
والقيامة، يستلم الإِنسان صحيفة عمله بيمينه إِذا كان مُحسناً ويتناولها بشماله
إِذا كان مسيئاً. ففي الآية (19) مِن سورة الحاقة نقرأ! (فأما مَن أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه) وفي الآية
(25) مِن نفس السورة نقرأ قوله تعالى حكاية عن
الإِنسان الخاسر: (وأمّا مَن أوتي كتابه بشماله فيقول
يا ليتني لم أوت كتابيه). وفي الآية (49) مِن سورة الكهف نقرأ قوله
تعالى: (ووضع الكتاب فترى المجرمين مُشفقين ممّا فيه
ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إِلاّ أحصاها،
ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربّك أحداً). |
|
3 ـ البريء لا
يؤخذ بجريرة المذنب:
|
|
في منطق العقل وتوجيهات
الأنبياء(عليهم السلام) لا يمكن مُعاقبة البريء بسبب
جريمة المذنب، وهذا تماماً عكس ما هو شائع بين عامّة الناس مِن خلال المثل الذي يقول (يحرق الأخضر واليابس معاً)،
وكمثل على ذلك، نرى أنَّ في كل المدن والمناطق التي كانت في حدود نبوة النّبي
لوط(عليه السلام)، لم تكن هناك سوى عائلة مؤمنة واحدة، ولكن عندما نزل العذاب
على قوم لوط(عليه السلام) أنجى اللّه تلك العائلة، وكتب لها سبيل الخلاص مِن
العذاب العام، وهكذا لم تؤخذ هذه العائلة المؤمنة البريئة بجريرة القوم
المذنبين. |
|
4 ـ قاعدة «أصل
البراءة» وآية! ما كُنّا معذبين:
|
|
في علم الأصول، وفي بحث
«البراءة» إِستدلوا بقوله تعالى: (وما كُنّا معذبين حتى
...) على أن فهم الآية يُوَضِّح أنَّ المسائل التي لا يمكن للعقل
إِدراكها أو القطع بها، لا يُعاقب عليها الإِنسان حتى يبعث اللّه الرسل
والأنبياء ليبيّنوا الأحكام والتكاليف والوظائف. وهذا بحد ذاته دليل على عدم
العقاب في الأُمور التي لم تُقم الحجة عليها; وقاعدة «أصل البراءة» لا تعني
شيئاً غير هذا; أي لا عقاب بدون حجة مِن العقل أو
النقل. |
|
الآيتان(16) (17)
وَإِذَا أَرَدْنآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا
فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
|
|
وَإِذَا أَرَدْنآ
أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ
عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنها تَدْمِيراً(16) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ
الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوح وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً
بَصِيراً(17) |
|
التّفسير |
|
مراحل
العقاب الإِلهي:
|
|
إِنَّ موضوع البحث في هذه
الآيات يُكمِّل ما كُنّا بصددِ بحثه في نهاية الآيات السابقة، ولكن بصورة أُخرى،
إِذ تقول الآية الكريمة: (وإِذا أردنا أن نهلك قريةً
أمرنا مُترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً)( بالرغم مِن أنّ
كلمة «قول» لها معنى واسع، ولكنّها هُنا تعني إِعطاء الأمر بالعذاب.). إِنَّ
الآيات التي كُنّا قبل قليل بصدد بحثها، كانت تتحدَّث عن أنَّ العقاب الإِلهي لا
يمكن أن ينزل بساحة شخص أو مجموعة أو أُمّة، مِن دون أن تكون هناك حجة وبيان
للتكليف مِن قبل الرسل والأنبياء(عليهم السلام)، والآية التي نحنُ بصددها الآن،
تتحدث عن نفس هذا الأصل، ولكن بطريقة أُخرى. |
|
الآيات(18) (21) مَنْ
كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ
|
|
مَنْ كَانَ يُرِيدُ
العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثمّ جَعَلْنَا
لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً(18) وَمَنْ أَرادَ الأَْخِرَةَ
وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم
مَّشْكُوراً(19) كُلا نُّمِدُّ هؤُلآَءِ وَهؤُلآَءِ مَنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا
كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً(20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ
عَلَى بَعْض وَلَلأَْخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجت وَأكْبَرُ تَفْضِيلا(21) |
|
التّفسير |
|
طلاب
الدنيا والآخرة:
|
|
لقد تحدّثت الآيات السابقة عن
الذين عصوا أوامر اللّه تعالى، وكيفية هلاكهم، لذا فإِنَّ هذه الآيات ـ التي
نحنُ بصددها الآن ـ تشير إِلى سبب التمرُّد على شريعة اللّه، والعصيان لأوامره، وهذا السبب هو حب الدُنيا، إِذ يقول تعالى: (مَن كانَ يريّد العاجلة عجّلنا لُه فيها ما نشاءُ لمن نريد
ثمّ جعلنا لهُ جهنَّم يصلها مذموماً مدحوراً). «العاجلة»
تعني النعم الزائلة; أو الدنيا الزائلة. |
|
بحوث
|
|
أوّلاً:
هل الدنيا والآخرة تقعان على طرفي نقيض؟
|
|
في الواقع إِنّنا نرى في كثير
مِن الآيات القرآنية مدحاً وتمجيداً للدنيا وبإِمكاناتها المادية، ففي بعض
الآيات اعتبر المال خيراً (سورة البقرة آية 180).
وفي آيات كثيرة وصفت العطايا والمواهب المادية بأنّها فضل اللّه (وابتغوا مِن
فضل اللّه)( الجمعة، 10.). وفي مكان آخر نقرأ
قوله تعالى: (خلق لكم ما في الأرض جميعاً)( البقرة،
29.). وفي آيات كثيرة أُخرى وصفت نعم الدنيا بأنها مسخّرة لنا (سخر لكم). |
|
ثانياً:
دور السعي في تحقيق المكاسب:
|
|
هذه ليست المرّة الأُولى التي
يشيد فيها القرآن بالسعي والجهد ودورهما في تحقيق المكاسب، وبعكسه يُحذَّر
الأشخاص العاطلين والكُسالى بأنَّ السعادة الأخروية لا يمكن ضمانها بالكلام
المجرد، والتظاهر بالإِيمان، بل الطريق يتمثل بالسعي وبذل الجهود. |
|
ثالثاً:
الإِمدادات الإِلهية:
|
|
«نمدّ» مشتقّة
مِن كلمة «إِمداد» وهي تعني إِيصال المعونة، يقول الراغب الأصفهاني في كتاب
«المفردات» أن: كلمة «إِمداد» غالباً ما تُستعمل في المساعدات المفيدة
والمؤثِّرة. أما كلمة «مدَّ» فإِنها تستعمل في الأشياء المكروهة وغير المقبولة. |
|
الآيات(22) (25) لاَّ
تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً ءَاخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً
مَّخْذُولا(22)وقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا
|
|
لاَّ تَجْعَلْ مَعَ
اللَّهِ إِلهاً ءَاخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولا(22)وقَضَى رَبُّكَ
أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلآَّ إِيَّاهُ وَبِالْولِدَيْنِ إِحْسناً إِمَّا
يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل
لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَّهُمَا قَولا كَرِيماً(23)
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا
كَما رَبَّيانِى صَغِيراً(24) رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِى نُفُوسِكُمْ إِنْ
تَكُونُوا صلِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَْوّبِينَ غَفُوراً(25) |
|
التّفسير |
|
أحكام إِسلامية مهمّة: التوحيد والإِيمان; التوحيد الذي يعتبر
الأساس و الأهمية لاحترام الوالدين:
|
|
الآيات التي نحنُ بصدد بحثها
هي بداية لسلسلة مِن الأحكام الإِسلامية الأساسية، والتي تبدأ بالدعوة إِلى
التوحيد والإِيمان; التوحيد الذي يعتبر الأساس والأصل لكل النشاطات الإِيمانية،
والأعمال الحسنة والبنّاءة. والآيات عندما تنحو هذا
المنحى فهي بذلك تتصل مع مضمون البحث في الآيات السابقة، التي كانت تتحدث عن
الناس السُعداء الذين أقاموا حياتهم على دعائم ثلاث هي: الإِيمان، السعي والعمل ووضع الآخرة ومنازلها
نصب أعينهم. |
|
بحوث
|
|
أوّلاً:
إِحترام الوالدين في المنطق الإِسلامي
|
|
بالرغم مِن أنَّ العاطفة
الإِنسانية ومعرفة الحقائق، يكفيان لوحدهما لاحترام ورعاية حقوق الوالدين، إِلاّ
أنَّ الإِسلام لا يلتزم الصمت في القضايا التي يمكن للعقل أن يتوصل فيها بشكل
مستقل، أو أن تدلُّ عليها العاطفة الإِنسانية المحضة، لذلك تراه يُعطي التعليمات
اللازمة إِزاء قضية احترام الوالدين ورعاية حقوقهما، بحيث لا يمكن لنا أن نلمس
مثل هذه التأكيدات في الإِسلام إِلاّ في قضايا نادرة أُخرى. و ـ عن الرّسول(ص) قال: «إِيّاك وعقوق الوالدين فإِنَّ ريح
الجنّة توجد مِن ميسرة ألف عام ولا يجدها عاقّ»( جامع
السعادات، ج 2، ص 257.). |
|
ثانياً:
بحثٌ حول كلمة «قضى»:
|
|
«قضى» أصلها
مِن كلمة «قضاء» بمعنى الفصل في شيء ما، إِمّا بالعمل
وإِمّا بالكلام. وقال بعض: إِنَّ معناها هو وضع
نهاية لشيء ما، وفي الواقع فإِنَّ المعنيين
مُتقاربان. وبما أنَّ الفصل ووضع النهاية لهما معاني واسعة، لذا فإِنَّ
هذه الكلمة لها استخدامات في مفاهيم مُختلفة، فالقرطبي
في تفسيره مثلا ذكر لها ستة معان هي: (
تفسير القرطبي، ج 6، ص 3853.). |
|
ثالثاً:
بحثٌ حول معنى كلمة «أف»:
|
|
أصل «أف» كلّ مستقذر مِن وَسخ وقُلامةِ ظفر وما يجري مجراهما،
ويقالُ ذلك لكلِّ مُستَخف به إِستقذاراً له.
ويمكن أن نشتق مِنهُ فعلا، كمثل قولنا: قد أففت لكذا، إِذا قلت ذلك إِستقذاراً
له. (مفردات الراغب صفحة 19). |
|
الآيات(26) (30)
وَءَاتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ
تُبَذِّرْ تَبْذِيراً
|
|
وَءَاتِ ذَا
الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ
تَبْذِيراً(26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْونَ الشَّيطِينِ وَكَانَ
الشَّيْطنُ لِرَبِّهِ كَفُوراً(27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَآءَ
رَحْمَة مِّن رَبِّكَ ترْجُوها فَقُل لَّهُمْ قَولا مَّيْسُوراً(28) وَلاَ
تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ
فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً(29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن
يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرَا بَصيِراً(30) |
|
التّفسير |
|
رعاية
الإِعتدال في الإِنفاق والهبات:
|
|
مع هذه الآيات يبدأ الحديث عن
فصل آخر مِن سلسلة الأحكام الإِسلامية الأساسية، التي لها علاقة بحقوق القربى
والفقراء والمساكين، والإِنفاق بشكل عام ينبغي أن يكون بعيداً عن كل نوع مِن
أنواع الإِسراف والتبذير، حيث تقول الآية (وآت ذا
القربى حقّه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً). «تبذير» مِن
«بذر» وهي تعني بذر البذور، إِلاّ أنّها هنا تخص
الحالات التي يصرف فيها الإِنسان أمواله بشكل غير منطقي وفاسد. بتعبير آخر: إِنَّ التبذير هو هدر المال في غير موقعه
ولو كانَ قليلا، بينما إِذا صُرِفَ في محلِّه
فلا يعتبر تبذيراً ولو كان كثيراً. ففي تفسير
العياشي، عن الإِمام الصادق(عليه السلام)، نقرأ قوله: «مَن أنفق شيئاً في غير
طاعة اللّه فهو مُبذر ومَن أنفق في سبيل اللّه فهو مُقتصد»( يراجع تفسير الصافي عند بحث هذه الآية.). الجواب: تعتبر الآية الأخيرة بمثابة
جواب على هذا السؤال: (إِنَّ ربّك يبسط الرزق
لمن يشاء ويقدر إِنَّه كان بعباده خبيراً بصيراً). إِنَّهُ اختبارٌ لنا،
فالله قادر على كل شيء، ولكنَّهُ يريد بهذا الطريق تربيتنا على روح السخاء والتضحية
والعطاء. إِضافة إِلى ذلك، إِذا أصبح أكثر الناس في حالة الكفاية وعدم الحاجة
فإِنَّ ذلك يقود إِلى الطغيان والتمرد (إِنَّ الإِنسان
ليطغى أن رآه استغنى)، لذلك مِن المفيد أن يبقوا في حد معين مِن الحاجة.
هذا الحد لا يسبب الفقر ولا الطغيان. مِن ناحية أُخرى يرتبط التقدير والبسط في
رزق الإِنسان بمقدار السعي وبذل الجهد (باستثناء بعض
الموارد من قبيل العجزة والمعلولين)، وهكذا تقتضي المشيئة الإِلهية ببسط
الرزق وتقديره لمن يشاءَ، وهذا دليل الحكمة، إِذ تقضي الحكمة بزيادة رزق مَن
يسعى ويبذل الجهد، بينما تقضي بتضييقه لمن هو أقل جهداً وسعياً. |
|
بحوث
|
|
أوّلاً:
مَن هم المقصودون بذي القربى؟
|
|
كلمة (ذي القربى) تعني
الأرحام والمقربين، وهناك كلام بين المفسّرين، حول المقصود بها، إِذ هل هو
المعنى العام أو الخاص؟ ويمكن أن نلاحظ هنا بعض هذه الآراء: |
|
ثانياً:
مصائب الإِسراف والتبذير:
|
|
لا ريب في أنَّ النعم
الموجودة على الكرة الأرضية كافية لساكنيها، بشرط واحد، هو أن لا يبذروا هذه
النعم بلا سبب، بل عليهم استثمارها بشكل معقول وبلا إِفراط أو تفريط، والاّ
فإِنَّ هذه النعم ليست غير متناهيه حتى لو أُسيء استثمارها والتصرف بها. وقد
يؤدي الإِسراف والتبذير في منطقة معينة الى الفقر في منطقة أُخرى، أو إِنَّ
إِسراف وتبذير الناس في هذا الزمان يسبِّب فقر الأجيال القادمة. |
|
ثالثاً:
الفرق بين الإِسراف والتبذير:
|
|
في الواقع لا يوجد هناك بحث
واضح عند المفسّرين في التفاوت الموجود بين الإِسراف والتبذير، ولكن عند
التأمُّل بأصل هذه الكلمات في اللغة، يتبيَّن أنَّ الإِسراف هو الخروج عن حدّ
الإِعتدال، ولكن دون أن نخسر شيئاً، فمثلا نلبس ثياباً ثميناً بحيث أنَّ ثمنهُ
يُعادل أضعاف سعر الملبس الذي نحتاجه، أو أنّنا نأكل طعاماً غالياً بحيث يمكننا
إِطعام عدد كبير مِن الفقراء بثمنه. كل هذه أمثلة على الإِسراف، وهي تُمثَّل
خروجنا عن حدَّ الإِعتدال، ولكن مِن دون أن نخسر شيئاً. |
|
رابعاً:
هل ثمّة تعارض بين الإِعتدال في الإِنفاق والإِيثار؟
|
|
مع الأخذ ـ بنظر الإِعتبار ـ
الآيات أعلاه والتي تؤكّد ضرورة الإِعتدال في الإِنفاق، يثار سؤال مؤدّاه، إِنَّ
في سورة الدهر مثلا، وآيات أُخرى، وفي مجموعة مِن الأحاديث والرّوايات، ثمّة
إشادة بالمؤثرين الذين يؤثرون غيرهم على أنفسهم في أحلك الساعات وأشدّ الظروف
ويعطون ما يملكون للآخرين، فكيف يا تُرى نوفّق بين هذين المفهومين؟ |
|
الآيات31) (35) وَلاَ
تَقْتُلُوآ أَوْلدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَق نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ
إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْأً كَبِيراً
|
|
وَلاَ تَقْتُلُوآ
أَوْلدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَق نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ
قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْأً كَبِيراً(31) وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ
فحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلا(32) وَلاَ تَقْتُلُوا الْنَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ
اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا
لِوَلِيَّهِ سُلْطَناً فَلاَ يُسْرِف فِى الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ
مَنْصُوراً(33) وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ
أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ
كَانَ مَسْئُولا(34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا
بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا(35) |
|
التّفسير |
|
ستةُ
أحكام مهمّة:
|
|
في متابعة للأحكام الإِسلامية
التي أثارتها الآيات السابقة، تتحدَّث هذه الآيات عن ستةِ أحكام إِسلامية أُخرى وردت في ست آيات، بعبارات قصيرة ومعان كبيرة، تأخذُ بلباب
القلوب. أوّلاً: تشير الآية إِلى عمل قبيح وجاهلي هو مِن أعظم الذنوب،
فتنهى عنهُ: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إِملاق) فرزق هؤلاء ليس عليكم (نحنُ نرزقكم وإِيّاهم) أمّا علّة الحكم فهي: (إِنَّ قتلهم كان خطأ كبيراً). كذلك فإِنَّ الخلوة
بالأجنبية (يعني خلوة المرأة والرجل
الأجنبي عليها في مكان واحد ولوحدهما) يعتبر عاملا في
إِثارة الشهوة. |
|
فلسفة
تحريم الزنا:
|
|
يمكن الإِشارة إِلى
خمسة عوامل في فلسفة تحريم الزنا، وهي: |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ أضرار
التطفيف في الكيل:
|
|
أوّل ملاحظة ينبغي
الإِنتباه إِليها هنا، هي أنَّ القرآن
الكريم أكدّ مِراراً على ضرورة الوزن للناس بالقسطاس، وحذَّر مِن البخس والتطفيف
في الميزان حتى أنَّهُ اعتبر ذلك في موضع، مُرادفاً لنظام الخلق في عالم الوجود،
حيثُ نقرأ في الآيتين (7، 8) مِن سورة الرحمن،
قوله تعالى: (والسماء رفعها ووضع الميزان، أن لا تطغوا
في الميزان). والآية تشير إِلى أنَّ مسألة بخس الناس والتطفيف في الميزان
ليست مسألة صغيرة، بل هي كبيرة وتدخل في صميم أصول العدالة والنظام المهيمن على
عالم الوجود برمته. |
|
2 ـ ما هو حكم
التطفيف وبخس الكيل؟
|
|
الجدير بالملاحظة
أن حكم التطفيف وبخس الكيل، قد يعمَّم بحيث
يشمل كل أشكال التقصير المتعمد في الأعمال والوظائف المختلفة، فمن التطفيف مَن
لا ينجِز عمله كاملا، والمعلم الذي لا يدرِّس بشكل جيد، والموظف الذي لا يلتزم
بأوقات عمله وهو غير حريص عليه. ولكن الألفاظ المستخدمة في هذه الآيه لا تفيد
معنى هذا التعميم، فهي من التوسعة العقلية إِلاّ أنَّ قوله تعالى: (والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان)
يشير إِلى هذا التعميم. |
|
3 ـ ما هو
معنى «قسطاس»؟
|
|
«قِسطاس»
بكسر القاف أو ضمها على وزن
«مِقياس» وأحياناً تقاس على وزن «قُرآن» بمعنى «الميزان» والبعض يعتبرها
كلمة رومية، بينما البعض يرى بأنّها كلمة عربية. وهناك مَن يقول بأنّها مركبة
مِن كلمتين هما «قسط» بمعنى العدل و«طاس» بمعنى كفة الميزان. أمّا البعض الآخر فيقول بأنَّ كلمة «قسطاس» تطلق على الميزان الكبير، بينما كلمة
«ميزان» تطلق على الموازين الصغيرة(تلاحظ تفاسير
الميزان، والفخر الرازي، ومجمع البيان في تفسير الآية مورد البحث.). |
|
الآيات( 36) ( 40)
وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ
وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ
|
|
وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ
عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ
مَسْؤُولاً ( 36) وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ
وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً ( 37)
كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38)
ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ
اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا ( 39)
أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثًا
إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيمًا ( 40) |
|
المجَلّد التّاسع
|
|
الآيات(41) (44)
ولَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هَذَا الْقُرْءَانِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ
إِلاَّ نُفُوراً
|
|
ولَقَدْ صَرَّفْنَا
فِى هَذَا الْقُرْءَانِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً(41)
قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ ءَالِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذَاً لاَّبْتَغَوْا إِلَىْ
ذِى الْعَرْشِ سَبِيلا (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوَّاً
كَبِيراً(43)تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوتُ السَّبْعُ وَالاَْرْضُ وَمَن فِيهِنَّ
وَإِن مِّن شَىْء إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ
تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً(44) |
|
التّفسير |
|
كيف
يفرّون من الحق؟
|
|
كان الحديث في الآيات السابقة
يتعلّق بقضيتي التوحيد والشرك، لذا فإنَّ هَذهِ الآيات تتابع هذا الموضوع بوضوح
وَقاطعية أكبر. ففي البداية تتحدث عن لجاجة بعض المشركين وعنادهم في قبال أدلة
التوحيد فتقول: (وَلَقد صرَّفنا في هَذا القرآن ليذكروا
وما يزيدهم إِلاَّ نفوراً). |
|
دَليل
التمانع:
|
|
الآية التي بعدها تشير إِلى
واحد من أدلة التوحيد والذي يعرف بين العلماء والفلاسفة بعنوان «دليل التمانع» إذ الآية تقول للنّبي(ص): قل لهم: (قل لو كانَ مَعهُ آلهة كما يقولون إِذاً لا بتغوا إِلى ذي
العرش سبيلا). |
|
تسبيح
الكائنات:
|
|
تذكر الآيات القرآنية
المُختلفة تسبيح وَحمد جميع موجودات عالم الوجود لله تعالى، وإِنَّ أكثر الآيات
صراحة بهذا الخصوص هي الآية التي نبحثها والتي تذكر لنا ـ بدون استثناء ـ أنَّ
جميع الموجودات في العالم، الأرض والسماء، النجوم والفضاء، الأناس والحيوانات
وأوراق الشجر، وَحتى الذرات الصغيرة، تشترك جميعاً في هَذا التسبيح والحمد
العام. جانب من روايات
العترة الطاهرة: |
|
الآيات(45) (48)
وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ
يُؤْمِنُونَ بِالاَْخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً
|
|
وَإِذَا قَرَأْتَ
الْقُرْءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ
بِالاَْخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً(45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ
أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِى ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ
فِى الْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلى أَدْبَرِهِمْ نُفُوراً(46) نَّحْنُ
أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذَ هُمْ
نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلا
مَّسْحُوراً(47) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الاَْمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا
يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا(48) |
|
سبب
النّزول
|
|
تحدَّث مجموعة مِن المفسّرين
مِثل الطبرسي في «مجمع البيان» والفخر الرازي في
«التّفسير الكبير» وآخرون، في شأن نزول هذهِ الآيات،
فقالوا: إِنَّها نزلت في مجموعة مِن المشركين
كانوا يؤذون النّبي(ص) بالليل إِذا تلا القرآن وَصَلى عِندَ الكعبة، وَكانوا
يرمونه بالحجارة وَيمنعونه عن دعوة الناس إِلى الدين، فحالَ اللهُ سبحانُه بينُه
وَبينهم حتى لا يؤذوه. وقد احتمل
الطبرسي أن يكون الله منع المشركين عن رسول الله عن طريق إِلقاء الخوف
والرعب في قلوبهم (مجمع البيان، المجلد الثّالث، صفحة
418.). |
|
التّفسير |
|
المغرورون
وَموانع المعرفة:
|
|
بعد الآيات السابقة
قد يطرح الكثيرون هَذا السؤال: رغم وضوح
قضية التوحيد بحيث أنَّ جميع مخلوقات العالم تشهد بذلك; فلماذا ـ اذن ـ لا يقبل المشركون هَذِهِ الحقيقة وَلا ينصاعون
للآيات القرآنية بالرغم مِن سماعهم لها؟ |
|
بحوث
|
|
1 ـ خلاصة عامّة
للآيات
|
|
الآيات الآنفة ترسم لنا بدقة
أحوال الضالين والموانع التي تحول دون معرفتهم للهدى، وَبشكل عام تقول الآيات:
إِنَّ ثمّة ثلاثة موانع لمعرفة هَؤلاء للحق، بالرغم من
سهولة رؤية طريق الحق، هَذِهِ الموانع هي: ثانياً: اللجوء إِلى توجيهات خاطئة لِتبرير انحرافهم، حيثُ كانوا
يصفون الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بتهم مُختلفة كالساحر والشاعر والمجنون.
وَبِذلك تكون عاقبة كل أعداء الحق أنَّ أعمالهم الرذيلة تكون حجاباً لهم دون
الحق والهدى. |
|
2 ـ لماذا تُنسب
الحجب للخالق؟
|
|
الآيات تنسب الحجب إِلى
الخالق، حيثُ قوله تعالى: (وَجَعَلْنا على قلوبهم
أكنّةً أن يفقهوه وَفي آذانهم وَقراً). كذلك هُناك آيات قرآنية أُخرى
بنفس المضمون. وَهَذِهِ التعابير قد يستشم منها رائحة
«الجبر» في حين أنّها لم تكن سوى صدى لأعمالهم. وَلكن هَذِهِ الحجب ـ في الواقع ـ هي بسبب الذنوب والصفات الرّذيلة لنفس
الإنسان، وإن هي إلاَّ آثار الأعمال. وَنسبة هَذِهِ الأُمور إِلَى الخالق يعود
إِلى أنَّهُ سبحانه وَتعالى هو الذي خلق خواص الأُمور، فإنّ تلك الأعمال
الرّذيلة والصفات القبيحة لها هَذِهِ الخواص. وَقد تحدَّثنا عن هَذِهِ الفكرة في
البحوث السابقة مستفيدين مِن الشواهد القرآنية الكثيرة. |
|
3 ـ ما معنى
الحجاب المستور؟!
|
|
هُناك آراء كثيرة
للمفسّرين حول الحجاب المستور، مِنها: |
|
4 ـ «أكنّة» و
«وَقر» ماذا يعنيان؟
|
|
(أكنّة) جمع «كنان» وَهي على وَزن «لسان» وَفي الأصل تعني أي
غطاء يمكن أن يستر شيئاً ما، أمّا «كِن» على وزن «جِن» فتعني الوعاء الذي يمكن
أن نحفظ في داخله شيئاً ما. أمّا جمع «كن» فهو «أكنان»
وَقد توسع هَذا المعنى لِيشمل أي شيء يؤدي إِلى التستُّر، كالأستار والبيت
والأجسام التي يتستر الإنسان خلفها. |
|
5 ـ تفسير جملة
(مايستمعون به)
|
|
في معنى هَذِهِ
الجملة ذُكِرَ تفسيرين: |
|
6 ـ لماذا اتهموا
النّبي بأنَّهُ مسحور؟
|
|
إنّ اتّهام النّبي العظيم(ص)
من قبل المشركين بأنّه (مسحور) لأَنَّهُم أرادوا رَميه بالجنون، وأنَّ السحرة
أثروا على عقله وفكره بحيث أصيب في حواسه، وأخذ يُظهر ما يظهر ـ العياذ بالله!! |
|
7 ـ تخوّف
المشركين مِن نداء التوحيد
|
|
في الآيات السابقة عرفنا كيف
أنَّ المشركين كانوا يتخوفون مِن نداء التوحيد وَكانوا يفرون مِنهُ، لأنَّ أساس
حياتهم قائم على الشرك وَعبادة الأصنام، وَكل النظم التي كانت تحكم مجتمعاتهم
كانت تقوم على أساس قواعد الشرك وأُصوله. |
|
الآيات(49) (52)
وَقَالُوا أَءَذِا كُنَّا عِظَماً وَرُفتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً
جَدِيداً
|
|
وَقَالُوا أَءَذِا
كُنَّا عِظَماً وَرُفتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً(49) قُل
كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً(50) أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِى
صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِى فَطَرَكُمْ أَوَّلَ
مَرَّة فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ
عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً(51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ
بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلا(52) |
|
التّفسير |
|
حتمية
البعثْ وَيوم الحساب
|
|
الآيات السابقة تحدَّثت عن
التوحيد وَحاربت الشرك، أمّا الآيات التي نبحثها الآن فتتحدّث عن المعاد والذي
يعتبر مكملا للتوحيد. |
|
الآيات(53) (57)
وَقُلْ لِّعِبَادِى يَقُولُوا الَّتِي هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَنَ يَنزَغُ
بَيْنَهُمْ إِنَّ
|
|
وَقُلْ لِّعِبَادِى
يَقُولُوا الَّتِي هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ
الشَّيْطَن كَانَ لِلاِْنْسَانَ عَدُوَّاً مُّبِيناً(53) رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ
بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَآ
أَرْسَلْنكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلا(54) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِى السَّمَوتِ
وَالاَْرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْض وَءَاتَيْنَا
دَاوُد زَبُوراً(55) قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ
يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلا(56) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ
يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ
وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ
مَحْذُوراً(57) |
|
التّفسير |
|
التعامل
المنطقي مَع المعارضيين:
|
|
الآيات السابقة عرضت لقضية
المبدأ والمعاد، أمّا الآيات التي نحنُ بصددها فهي توضح أسلوب المحادثة
والإِستدلال مَع المعارضين وَخصوصاً المشركين،لأنَّهُ مهما كانَ المذهب عالي
المستوى، والمنطق قوياً، فإنَّ ذلك لا تأثير له ما دامَ لا يتزامن مَع أُسلوب
صحيح للبحث والمجادلة مُرفقاً بالمحبّة بدلا مِن الخشونة. لذا فإنَّ أوّل آية
مِن هَذِهِ المجموعة تقول: (وَقل لعبادي يقولوا التي هي
أحسن). الأحسن مِن حيثُ المحتوى وَالبيان، والأحسن مِن حيث التلازم بين
الدليل وَمكارم الأخلاق والأساليب الإنسانية، وَلكن لماذا يستعمل هَذا الأُسلوب
مَع المعارضين؟ الآية التي بعدها تضيف: (ربّكم أعلمُ بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبّكم).
بناءً على الرأيين السابقين في تفسير مَن المخاطَب في تعبير (عبادي) فإنَّ
هَذِهِ الآيه أيضاً ـ وَتبعاً لما سبق ـ تَحتَمِلُ تفسيرين هما: وباختصار: لقد فضل
الله بعض النّبيين على بعض لموازين يعلمها هو وَتختص بها حكمتُه جلَّ وَعلا. أمّا الراغب
الأصفهاني في كتاب المفردات فيقول: «الزعم حكاية قول يكون مظنَّة للكذب». لذا فإنَّ هَذِهِ الكلمة وَردت
مذمومة في جميع الموارد التي ذكرت في القرآن الكريم. |
|
ماهي
الوسيلة؟
|
|
هَذِهِ الكلمة استخدمت في موضعين في القرآن الكريم، الموضع الأوّل في هَذِهِ
الآية، والآخر في الآية (35) مِن سورة المائدة في قوله تعالى: (يا أيّها الذين آمنوا اتقوا اللهَ وابتغوا إِليه الوسيلة
وَجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون). وَقد قُلنا هُناك: إِنَّ (الوسيلة) تعني (التقرب) أو الشيء الذي يبعث على
التقرُّب (أو النتيجة التي يمكن الحصول عليها مِن
التقرُّب). على هذا الأساس فإنَّ هُناك مفهوماً واسعاً جدّاً لكلمة (الوسيلة) يشمل كل
عمل جميل ولائق، وتدخل في مفهومها كل صفة بارزة أُخرى، لأنَّ كل هَذِهِ الأُمور
تكون سبباً في التقرب مِن الله. |
|
الآيات(58) (60)
وَإِن مِّن قَرْيَة إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيمَةِ أَوْ
مُعَذِّبُوهَا
|
|
وَإِن مِّن قَرْيَة
إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيمَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا
عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِى الْكِتَبِ مَسْطُوراً(58) وَمَا مَنَعَنَآ
أَن نُّرْسِلَ بِالاْيَتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الاَْوَّلُونَ وَءَاتَيْنَا
ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالاْيَتِ
إِلاَّ تَخْوِيفاً(59) وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ
وَمَا جَعَلْنَا الرُّءيَا الَّتي أَرَيْنَكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ
وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْءَانِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا
يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَناً كَبِيراً(60) |
|
التّفسير |
|
بعد أنَّ تحدثت الآيات
السابقة مَع المشركين في قضايا التوحيد والمعاد، تبدأ أوّل آية من هَذِهِ الآيات
بكلام على شكل نصيحة لِتوعيتهم، حيثُ تُجسّم هَذِهِ الآية النهائية الفانية
لِهَذِهِ الدنيا أمام عقولهم حتى يعرفوا أنَّ هَذِهِ الدنيا دار زوال وأنَّ
البقاء الأبدي في مكان آخر، لذلك ما عليهم إِلاَّ تهيئة أنفسهم لمواجهة نتائج
أعمالهم، حيثُ تقول الآية: (وإن من قرية إِلاَّ نحنُ
مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذاباً شديداً). وَعادة فإنَّه ليس مِن
مُقتضيات البرنامج الإِلهي أن يستجيب لأي معجزة يقترحها إنسان، أو أن ينصاع إِلى
تنفيذها الرّسول، وَلكن الهدف هو: (وَما نرسل بالآيات
إِلاَّ تخويفاً). إِنَّ أنبياء الله ليسوا أفراداً خارقي العادة حتى
يجلسوا وَينفذوا أيَّ اقتراح يُقترح عليهم وإنّما مسؤوليتهم إبلاغ دعوة الله
والتعليم والتربية وإقامة الحكومة العادلة، إِلاَّ أنّهم يظهرون المعجزات مِن
أجل إثبات علاقتهم بالخالق جلاَّ وَعلا، وَبالقدر الذي يُناسب هَذا الإِثبات
ليسَ أكثر. |
|
بحوث
|
|
1 ـ رؤيا النّبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) والشّجرة الملعونة
|
|
كَثُرَ الكلام بين
المفسّرين عن المقصود بالرؤيا ونجمل هَذِهِ الأقوال بما يلي: |
|
2 ـ أعذار مُنكري
الإعجاز
|
|
إِنَّ بعض الجهلة والغافلين
في عصرنا الحاضر، يقولون: إِنَّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لم تكن لديه
مِن معجزة سوى القرآن الكريم، ويقدمون مُختلف الحجج مِن أجل إِثبات أقوالهم
وَدعاواهم، وَممّا يحتجون به قوله تعالى: (وَما منعنا
أن نرسل بالآيات إِلاَّ أن كذَّب بها الأولون) حيثُ يعتبرونها دليلا على
أنَّ الرّسول(ص) لم يأتِ بمعجزة، بخلاف باقي الأنبياء السابقين. |
|
3 ـ ما العلاقة
بين المنكرين سابقاً والمنكرين لاحقاً؟
|
|
قد يطرح أحياناً
هَذا السؤال حيثُ يبيّن القرآن ـ في
الآيات أعلاه ـ أنَّ السابقين اقترحوا معجزات معيّنة ثمّ لم يؤمنوا بعد وقوعها،
بل استمروا في تكذيبهم وإنكارهم وَعِنادهم، لذا فقد أصبح هَذا سبباً لعدم إِجابة
مقترحاتكم. |
|
الآيات(61) (65)
وَإذْ قُلْنَا لِلْمَلَئِكَةِ اسْجُدُوا لاَِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ
|
|
وَإذْ قُلْنَا
لِلْمَلَئِكَةِ اسْجُدُوا لاَِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ ءَأسْجُدُ
لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً(61) قَالَ أَرَءَيْتَكَ هَذَا الَّذِى كَرَّمْتَ عَلَىَّ
لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيمَةِ لاََحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ
إِلاَّ قَلِيلا(62)قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ
جَزَآؤُكُمْ جَزَآءً مَّوْفُوراً(63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم
بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِى
الاَْمْوَلِ وَالاَْوْلَدِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَنُ إِلاَّ
غُرُوراً(64) إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَنٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ
وَكِيلا(65) |
|
التّفسير |
|
مكر
إِبليس:
|
|
هَذِهِ الآيات تُشير إِلَى
قضية امتناع إِبليس عن إطاعة أمر الله في السجود لآدم(عليه السلام)، والعاقبة
السيئة التي انتهى إِليها. ثمّ اعلم أيّها الشيطان: (إِن
عبادي لَيس لك عليهم سلطان...) (وَكفى بربّك وكيلا). |
|
بحوث
|
|
1
ـ في معاني الكلمات
|
|
«إِستفزز»
مُشتقة مِن «استفزاز» وَهي تعني الإِثارة; الإِثارة السريعة والعادية، وَلكنَّ
الكلمة في الأصل تعني قطع شيء ما، فالعرب تقول «تفزَّز الثوب» إِذا تقطّع أو
انفصلت منهُ قطعة. |
|
2
ـ وَسائل الشيطان المختلفة في الوسوسة والإِغواء
|
|
بالرغم مِن أنَّ المخاطب في
الآيات أعلاه هو الشيطان، وأنَّ الله جلَّ جلاله يتوعده وَيقول له: افعل كل ما
تريده في سبيل غواية الناس، واستخدم كل طرقك في ذلك، إِلاَّ
أنَّ هَذا الوعيد ـ في الواقع ـ هو تهديد وَتنبيه لنا نحنُ بني الإِنسان
حتى نعرف الطرق التي ينفذ مِنها الشيطان والوسائل التي يستخدمها في وساوسه
وإغوائه. |
|
الآيات(66) (69)
رَّبُّكُمُ الَّذِى يُزْجِى لَكُمُ الْفُلْكَ فِى الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِن
فَضْلِهِ
|
|
رَّبُّكُمُ الَّذِى
يُزْجِى لَكُمُ الْفُلْكَ فِى الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ
كَانَ بِكُمْ رَحِيماً(66) وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِى الْبَحْرِ ضَلَّ مَن
تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّيكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ
وَكَانَ الاِْنْسَانُ كَفُوراً(67) أَفَأَمِنتُمْ أن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ
الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ
وَكِيلا(68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ
عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ
تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً(69) |
|
التّفسير |
|
لماذا
الكفران مَع كلِّ هَذِهِ النعم؟
|
|
هَذِهِ الآيات تابعت البحوث
السابقة في مجال التوحيد ومحاربة الشرك، وَدخلت في البحث مِن خلال طريقين
مُختلفين، هما: طريق الإِستدلال والبرهان،
وَطريق الوجدان وَمخاطبة الإِنسان مِن الداخل. |
|
بحوث:
1 ـ الشّخصية المتقلّبة ،2 ـ لا يمكن
الهروب مِن حكومة الله، ثالثاً: معاني الكلمات |
|
1 ـ الشّخصية المتقلّبة إِنَّ الكثير مِن الناس لا
يذكرون الله إِلاَّ عِندَ بروز المشاكل. وَينسونه في الرخاء، إِنَّ نسيان الله
في حياة هؤلاء هو القاعدة والأصل، أي أنّه صار طبيعة، ثانية لهؤلاء، لذا فإنَّ
ذكر الله بالنسبة لهؤلاء والإِلتفات إِلى وَقائع الحياة الحقَّة تعتبر حالة
إستثنائية في وجودهم، تحتاج في حضورها إِلى عوامل إضافية، فما دامت هَذِهِ
العوامل الإِضافية موجودة فهم يذكرون الله، أمّا إِذا زالت فسوف يرجعون إِلى
طبيعتهم المنحرفة وَينسون الله. والخلاصة، أنّنا لا نجد من الناس بصورة عامّة مَن لا يلجأ إِلى الله وَلا يخضع له
عِندما تضغطه المشاكل الحادَّة والصعبة، وَلكن ينبغي أن نعرف أن الوعي وذكر الله
تعالى في مثل هذه الظروف في مثل هذه والذي نستطيع أن نصفهُ بالوعي الإِجباري، هو
وعي عديم الفائدة. |
|
الآيات(70) (72)
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَآدَمَ وَحَمَلْنَهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
وَرَزَقْنهُم مِّنَ الطَّيِّبَتِ
|
|
وَلَقَدْ
كَرَّمْنَا بَنِى ءَآدَمَ وَحَمَلْنَهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنهُم
مِّنَ الطَّيِّبَتِ وَفَضَّلْنَهُمْ عَلَى كَثِير مِّمَّنْ خَلَقْنَا
تَفْضِيلا(70) يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاس بِإِمَمِهِمْ فَمَنْ أُوتِىَ
كِتَبَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَبَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ
فَتِيلا(71) وَمَنْ كَانَ فِى هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِى الاَْخِرَةِ أَعْمَى
وَأَضَلُّ سَبِيلا(72) |
|
التّفسير |
|
الإِنسان
سيِّد الموجودات:
|
|
إِنَّ واحدة مِن أبرز طرق
الهداية والتربية، هي التنويه بشخصية الإِنسان وَمكانته وَمواهبه، لذا فإِنَّ
القرآن الكريم وَبعد بحوثه عن المشركين والمنحرفين في الآيات السابقة، يقوم هُنا
بتبيان الشخصية الممتازة للإِنسان والمواهب التي منحها إِيّاها ربّ العالمين،
لكي لا يلوّث الإِنسان جوهره الثمين، وَلا يبيع نفسهُ بثمن بخس، حيث يقول تعالى
(وَلقد كرَّمنا بني آدم). |
|
بحوث: أوّلا: وسيلة النقل أوّل نعمة
للإِنسان ثانياً، تكريم الإِنسان مِن قبل الخالق ،ثالثاً: (كرَّمنا) و (فضَّلنا)
|
|
أوّلا: وسيلة النقل
أوّل نعمة للإِنسان |
|
بحوث:1 ـ دَور القيادة في حياة البشر،2 ـ تكريم بني آدم،3 ـ دَور القيادة في الإِسلام،4 ـ عميان القلوب
|
|
1 ـ
دَور القيادة في حياة البشر |
|
الآيات(73) (75) وَ
إِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِىَ
عَلَيْنَا غَيْرَهُ
|
|
وَ إِن كَادُوا
لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِىَ عَلَيْنَا
غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلا(73) وَلَوْلآَ أَنْ ثَبَّتْنكَ لَقَدْ
كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلَيلا(74) إِذاً لأََذَقْنكَ ضِعْفَ
الْحَيوةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً(75) |
|
سبب النّزول |
|
لقد ذكرت أسباب
مُختلفة لِنزول هذه الآيات، إِلاَّ أَنَّ
بعض هذه الأسباب لا يتلائم مع تأريخ النّزول، وبما أن أسباب النّزول هذه قد أفاد
مِنها بعض المنحرفين لأغراض خاصّة، لذلك سوف نقوم هنا
بذكرها جميعاً: الرأي الأوّل:
قالت قريش للرّسول(ص): لا ندعك تلمس الحجر
الأسود حتى تحترم آلهتنا، وقال الرّسول في قلبه: إِنَّ الله يعلم نفرتي مِن
أصنامهم وإِنكاري لها، فما المانع مِن أن أنظر إِلى هذه الآلة باحترام ظاهراً
حتى يسمحوا لي باستلام الحجر الأسود. وهنا أنزل الله تبارك وتعالى الآيات أعلاه
التي نهت الرّسول عن هذا الأمر. الرأي الثّاني: اقترحت قريش على رسول اللّه(ص)
أن يترك الإِستهانة بآلهتهم والإِستخفاف بعقولهم، وأن يبعد عنهُ العبيد مِن
أصحابه وذوي الأُصول المتواضعة، والرائحة الكريهة، لكي تحضر قريش
مجلسهُ(صويستمعون إِليه، فطمع الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في إِسلامهم،
فنزلت الآيات أعلاه تحذّر مِن هذا الأمر. وهناك أسباب أُخرى
للنزول تشبه الآراءِ التي ذكرناها. |
|
التّفسير |
|
بما أنَّ الآيات السابقة كانت
تبحث حول الشرك والمشركين، لذا فإِنَّ الآيات التي نبحثها تحذَّر الرّسول(ص) مِن
وساوس وإِغواءات هذه المجموعة، حيث لا يجوز أن يُبدي أدنى ضعف في محاربة الشرك
وعبادة الأصنام، بل يجب الإِستمرار بصلابة أكبر. |
|
بحوث
|
|
1 ـ هل أبدى
الرّسول ليونة إِزاء المشركين؟
|
|
بالرغم مِن أنَّ بعض السطحيين
أرادوا الإِستفادة مِن هذه الآيات لِنفي العصمة عن الأنبياء، وقالوا أنّه طبقاً
للآيات أعلاه وأسباب النّزول المرتبطة بها إِنَّ الرّسول(ص) قد أبدى ليونة إِزاء
عبدة الأصنام، وأنَّ الله عاتبه على ذلك. إِلاَّ أنَّ هذه الآيات صريحة في افهام
مقصودها بحيث لا تحتاج إِلى شواهد أُخرى على بطلان هذا النوع مِن التفكير، لأنَّ الآية الثّانية تقول وبصراحة: (ولولا أن ثبّتناك لقد كدت تركن إِليهم شيئاً قليلا).
ومفهوم التثبيت الإِلهي (والذي نعتبرهُ بأَنَّهُ العصمة) أنَّهُ منع رسول
الله(ص) مِن التوجه إِلى مزالق عبدة الأصنام، ولا يعني ظاهر الآية ـ في حال ـ
أنَّهُ(ص) مال إِلى المشركين، ثمّ نُهي عن ذلك بوحي من اللّه تعالى. وهذا التعبير نفسهُ نقرأهُ في سورة يوسف حيث جاءَ البرهان الإِلهي في أدق
اللحظات وأخطرها، في مقابل الإِغواء الخطير وغير الإِعتيادي لامرأة العزيز، حيث
قوله تعالى في الآية (24) مِن سورة يوسف: (ولقد هَمَّت بِهِ وَهمَّ لولا أن رأى برهان ربّه، كذلك لنصرف
عنهُ السوء والفحشاء إِنَّهُ مِن عبادنا المخلصين). |
|
2 ـ لماذا العذاب
المضاعف؟
|
|
مِن الواضح أنَّهُ كلما زاد
مقام الإِنسان مِن حيث العلم والوعي والمعرفة والإِيمان، ازدادت قيمة وعمق
الأعمال الخيرة التي يقوم بها، وبدرجة نسبة الوعي العلم والمعرفة، وطبعاً سيكون
ثوابها أكثر، لذا فإِنّنا نقرأ في بعض الرّوايات: (إِنَّ الثواب على قدر العقل)( أصول الكافي، ج 1، كتاب العقل والجهل، ص 9، حديث 8.). |
|
3 ـ معنى
(الضِعف) 4 ـ تفسير جملة (إِذاً لا تخذوك خليلا) 5 ـ إِلهي لا تكلني إِلى نفسي
|
|
3 ـ
معنى (الضِعف) |
|
الآيتان(76) (77)
وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَْرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا
|
|
وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ
مِنَ الأَْرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلفَكَ إِلاَّ
قَلِيلا(76) سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ
لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلا(77) |
|
أسباب النّزول |
|
المشهور أنَّ هذه الآيات نزلت
في أهل مكّة بعد أن قرروا إِخراج النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)مِنها. ثمّ
بدَّلوا رأيهم بعد ذلك وقرروا قتلهُ(صلى الله عليه وآله وسلم)، فحاصروا
بيتهُ(صلى الله عليه وآله وسلم) ولكنَّ الله أنجاه مِن هذه المكيدة بشكل إِعجازي
واستطاع أن يهاجر إِلى المدينة المنوَّرة. |
|
التّفسير |
|
مُؤامرة
خبيثة أُخرى:
|
|
في الآيات السابقة رأينا كيف
أنَّ المشركين أرادوا مِن خلال مكائدهم المختلفة أن يحرفوا رسول الله(ص) عن
الطريق المستقيم، لكن الله أنجاه بلطفه له ورعايته إِيّاه، وبذلك فشلت خطط
المشركين. حيث أنَّ هؤلاء القوم لا
يشكرون النعم، ويحطمون مصباح هدايتهم ومنبع النور إِليهم بأيديهم، إنَّ مِثل
هؤلاء الأقوام لا يستحقون رحمة الخالق، وإِنَّ العقاب سيشملهم. ونعلم هُنا أنَّ
الله تبارك وتعالى لا يفرق بين عباده، وبذلك فإِنَّ الأعمال المتشابهة في الظروف
المتشابهة لها عقاب مُتشابه، وهذا هو معنى عدم اختلاف سنن الخالق جلَّ وعلا. |
|
الآيات(78) (81)
أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ الَّيْلِ وَقُرْءَانَ
الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ
|
|
أَقِمِ الصَّلَوةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ الَّيْلِ وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ
قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً(78) وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ
نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً(79) وَقُل
رَّبِّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقً وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْق وَاجْعَلَ
لِّى مِن لَّدُنكَ سُلْطناً نَّصِيراً(80) وَقُلْ جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ
الْبطِلُ إِنَّ الْبطِلَ كَانَ زَهُوقاً(81) |
|
التّفسير |
|
الفناء نهاية الباطل:
|
|
بعد سلسلة الآيات التي تحدثت
عن التوحيد والشرك وعن مكائد المشركين ومؤامراتهم، تبحث هذه الآيات عن الصلاة
والدعاء والإِرتباط بالله والتي تعتبر عوامل مؤثِّرة في مجاهدة الشرك، ووسيلة
لطرد إِغواءات الشيطان مِن قلب وروح الإِنسان، إِذ تقول الآيات في البداية (أقم الصلاة لدلوك الشمس إِلى غسق الليل وقرآن الفجر إِنَّ
قرآن الفجر كانَ مشهوداً). |
|
بحوث
|
|
1
ـ صلاة اللّيل عبادة روحية عظيمة
|
|
إِنَّ التأثيرات المختلفة
لضوضاء الحياة اليومية تؤثر على الإِنسان وعلى أفكاره وتجرّه إِلى وديان مُختلفة
بحيث يصعب معها تهدئة الخاطر، وصفاء الذهن، والحضور الكامل للقلب في مثل هذا
الوضع. أمّا في منتصف الليل وعند السحر عندما تهدأ هذه ضوضاء حياتيه المادية،
ويرتاح جسم الإِنسان، وتهدأ روحه بعد فترة مِن النوم، فإِنَّ
حالةً مِن التوَّجه والنشاط الخاص تُخالج الإِنسان، في مثل هذا المحيط الهاديء
والبعيد عن كل أنواع الرياء، مع حضور القلب، يعيش
الإِنسان حالة خاصّة قادرة على تربيته وتكامل روحه. |
|
2
ـ ما هو المقام المحمود؟
|
|
المقام المحمود ـ كما هو واضح مِن اسمه ـ لهُ معنى واسع بحيث يشمل كل
مقام يستحق الحمد، ولكن من المسلّم بأن المقصود بهِ هنا، هو الإِشارة إِلى
المقام الممتاز والخاص الذي اختص بهِ رسول الله(ص) وبسبب عباداته الليلية ودعائه
في وقت السحر. |
|
3 ـ العوامل
الثّلاثة للإِنتصار
|
|
في ميادين الصراع بين الحق
والباطل يكون جيش الباطل ـ عادةً ـ ذا عدّة وعدد أكثر،
إِلاَّ أن جيش الحق ـ بالرغم مِن قلّة أفراده ووسائله الظاهرية ـ يحصل
على انتصارات عظيمة. ويمكن مشاهدة نماذج مِن ذلك في غزوات بدر والأحزاب وحنين،
وفي عصرنا الحاضر يمكن مُشاهدة ذلك في الثورات المُنتصرة للأُمم المستضعفة في
مقابل الدول المستكبرة. |
|
4 ـ حتمية انتصار
الحق وهزيمة الباطل
|
|
نواجه في الآيات أعلاه أصلا
تاماً، وأساساً آخر، وسنة إِلهية خالدة تزرع الأمل في قلوب أنصار الحق، هذا
الأصل هو أنَّ عاقبة الحق الإِنتصار، وعاقبة الباطل الإِندحار، وأنَّ للباطل
صولة وبرق ورعد، وله كر وفر، إِلاَّ أن عمره قصير، وفي النهاية يكون مآلهُ
السقوط والزوال .. الباطل كما يقول القرآن: (فأمّا
الزبد فيذهب جفاء وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)( ـ الرعد، 17.). |
|
5 ـ آية جاءَ
الحق ... وقيام المهدي (عليه السلام)
|
|
في بعض الرّوايات تمّ تفسير
قوله (جاء الحق وزهق الباطل) بقيام دولة المهدي(ع)، فالإِمام الباقر يبيّن أنَّ
مفهوم الكلام الإِلهي هو: «إِذا قام القائم ذهبت دولة الباطل»( نور الثقلين، ج 3، ص 212 و 213.). |
|
الآية(82)
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنينَ
وَلاََ يزِيدُ الظَّلِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً
|
|
وَنُنَزِّلُ مِنَ
الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنينَ وَلاََ يزِيدُ
الظَّلِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً(82) |
|
التّفسير |
|
القرآن
وصفة للشفاء
|
|
الآية التي نبحثها الآن تُشير
إِلى التأثير الكبير للقرآن الكريم ودوره البنّاء في هذا المجال حيث تقول: (وننزل مِن القرآن ما هو شفاء
ورحمة للمؤمنين) أمّا الظالمون فإِنّهم بدلا مِن أن يستفيدوا مِن هذا
الكتاب العظيم، فإِنَّهمُ يتمسكون بما لا ينتج لهم سوى الذل والهوان (ولا يزيد الظالمين إِلاَّ خساراً). |
|
بحوث
|
|
1 ـ مفهوم كلمة
(مِن) 2 ـ الشّفاء والرّحمة 3 ـ الظّالمون 4 ـ القرآن دواء ناجع
|
|
نعرف أنَّ كلمة (مِن) في مثل
هذه الموارد تأتي للتبعيض، إِلاَّ أنَّ الشفاء
والرحمة لا تخص قسماً من القرآن، بل هي صفة لكل آياته، لذا فإِنَّ كبار المفسّرين يميلون إِلى اعتبار (مِن) هُنا بيانية.
ولكن البعض احتمل أن تكون تبعيضية كذلك، وهي بذلك تشير إلى النزول التدريجي
للقرآن ـ خاصّة وأنّ (ننزل) فعل مضارع ـ لذا فإنّ معنى الجملة يكون: (إِنّنا ننزل القرآن وكل قسم ينزل منهُ، هو بحدِّ ذاته
ولوحده يُعتبر شفاءً ورحمة) (فتدبرّ جيداً). أمّا هذا الدواء
الشافي، كتاب الله الأعظم، فليست لهُ أي آثار عرضية على الروح
والأفكار الإِنسانية، بل على عكس ذلك كله خير وبركة ورحمة. |
|
الآيتان(83) (84)
وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسنِ أَعْرَضَ وَنَئَا بِجَانِبِه وَإِذَا
مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً
|
|
وَإِذَآ
أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسنِ أَعْرَضَ وَنَئَا بِجَانِبِه وَإِذَا مَسَّهُ
الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً(83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ
أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلا(84) |
|
التّفسير |
|
كلٌ
يتصرف وفق فطرته:
|
|
بعد أن تحدَّثت الآية السابقة
عن شفاء القرآن، تشير الآية التي بين أيدينا إِلى أحدِ أكثر الأمراض تجذراً
فتقول: (وإِذا أنعمنا على الإِنسان أعرض ونأى بجانبه). ولكن عندما نسلب منه
النعمة ويتضرر من ذلك ولو قليلا: (وإِذا مسهُ الشرّ كان
يؤساً). |
|
بحوث
|
|
1 ـ الغرور
واليأس،2
ـ ما معني (شاكلة)؟
|
|
1 ـ
الغرور واليأس أمّا أولياء الحق
وعباد الله المخلصون الحقيقيون فلا
ييأسون عندما يقعون في المشاكل والمحن، بل تزيدهم الصعوبات استقامة وصلابة على
طريق الهدى، وبسبب اعتمادهم على الله وعلى أنفسهم فإِنّهم يتمتعون بقوّة لمواجهة
المشاكل ولا معنى لليأس في وجودهم. |
|
الآية(85)
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَا
أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلا
|
|
وَيَسْئَلُونَكَ
عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ
إِلاَّ قَلِيلا(85) |
|
التّفسير |
|
ما
هي الرّوح؟
|
|
تبدأ هذه الآية في
الإِجابة على بعض الأسئلة المهمّة للمشركين ولأهل الكتاب، إِذ تقول: (ويسألونك عن الروحِ
قل الروحُ مِن أمرِ ربّي وما أوتيتم مِن العلم إِلاَّ قليلا). 3 ـ والآن لنر مِن خلال هذه النقطة ما هو المقصود بالروح في
الآية التي نبحثها؟ وفي الرّوايات
المتعدِّدة التي بين أيدينا من طرق الشيعة وأهل السنّة نقرأ أنّ هذا السؤال عن الروح أخذهُ المشركون مِن علماء
أهل الكتاب الذين يعيشون مع قريش، كي يختبروا به رسول الله(ص)، إِذ قالوا لهم:
إِذا أعطاكم الرّسول(ص)معلومات كثيرة عن الروح فهذا دليل على عدم صدقه، لذلك
نراهم قد تعجبوا مِن إِجابة الرّسول(ص) المليئة بالمعاني رغم قصرها وقلّة
كلماتها. |
|
أصالة
واستقلال الرّوح:
|
|
يُظهر تأريخ العلم والمعرفة
الإِنسانية أنَّ قضية الروح وأسرارها الخاصّة كانت محط توجَّه العلماء، حيث حاول
كل عالم الوصول إِلى محيط الروح السري. ولهذا السبب ذكر العلماء آراء مُختلفة
وكثيرة حول الروح. |
|
الفلاسفة
الماديون
|
|
في المقابل هُناك
الفلاسفة الماديون الذين يقولون: إِنّنا
لا نعرف موجوداً مستقلا عن المادة يسمى بالروح، أو أي اسم آخر، وإِنَّ كل ما
موجود هو هذه المادة الجسمية و آثارها الفيزيائية أو الكيميائية. |
|
دلائل
الماديين على عدم استقلال الروح
|
|
لقد أورد الماديون
شواهد لإِثبات دعواهم بأنَّ الروح
والفكر وسائر الظواهر الروحية هي قضايا مادية، أي تكون انعكاساً للخواص
الفيزيائية والكيميائية للخلايا العصبية والدماغية، ونستطيع
أن نشير هُنا إِلى هذه الشواهد مِن خلال هذه النقاط: |
|
نقد
هذه النظرية:
|
|
الخطأ الكبير الذي
وقع فيه الماديون في أدلتهم واستنتاجاتهم، أنّهم خلطوا بين (وسائل العمل) و
(القائم بالعمل). |
|
أدلة
استقلال الروح
|
|
أوّلا:
ادراك الواقع الخارجي
|
|
كان الكلام حتى الآن عن
الماديين الذين يصرّون على أنَّ الظواهر الروحية هي افرازات لخلايا الدماغ،
ويعتبرون الفكر والإِبداع والحب والتنفر والغضب وجميع العلوم، مِثل القضايا
المادية التي تخضع لأسلوب العمل المختبري وتشملها قوانين المادة، إِلاَّ أنَّ الفلاسفة
الذي يعتقدون باستقلالية الروح ذكروا أدلة قاطعة على نفي هذه العقيدة، منها: |
|
ثانياً:
وحدة الشخصية
|
|
الدليل الآخر على
استقلال الروح وتمايزها هو مسألة وحدة الشخصية في طول عمر الإِنسان. |
|
الحذر
مِن هذا الإِشتباه!
|
|
البعض يتصوّر أن الخلايا
الدماغية لا تتغَّير، ويقولون: لقد قرأنا في الكتب الفسيولوجية أنَّ عدد الخلايا
الدماغية واحد وثابت مُنذ البداية وحتى نهاية العمر، وهي لا تزيد ولا تنقص
وإِنّما تكبر. لذلك إِذا أصيبت بخلل فلن تكون قابلة للعلاج. وعلى هذا الأساس
فإِنّنا نملك وحدة ثابتة في مجموع بدننا، هذه الوحدة هي الخلايا الدماغية التي
تحفظ لنا وحدة شخصيتنا. |
|
ثالثاً:
عدم تطابق الكبير مَع الصغير
|
|
افترضوا أنّنا جلسنا على ساحل
البحر، وشاهدنا أمامنا عدداً مِن الزَوارق معَ باخرة كبيرة، ثمّ نظرنا إِلى جانب
الشمس فرأيناها تميل للغروب، بينما القمر بدأ يبزغ مِن الجانب الآخر. وعلى
الشاطىء هُناك صفوف مِن طيور الماء الجميلة وقد اقترب بعضها نحو الماء. ونشاهد
على الطرف الآخر جبلا عظيماً تناطح قمتهُ السماء علواً. والآن، إِزاء هذا
المنظر، لِنغمض عيوننا بُرهة مِن الزمَن ونتخيل ما شاهدناه: جبل عظيم، بحرٌ
واسع، سفينة كبيرة، كل هذه الأُمور ترتسم في مخيلتنا كاللوحة الكبيرة للغاية في
مقابل روحنا، أو في داخل روحنا. سؤال مهم: إِنَّ روحنا تُظهر خلاقية
عجيبة اتجاه الصور، وفي لحظة واحدة وبدون أي مقدمة يمكن رسم صور معينة في
أذهاننا كالكرات السماوية والمجرات والكائنات الأرضية والجبال وما شابهها. إِنَّ
هذه الخاصية ليست لكائن مادي، بل هي دليل لكائن ما فوق المادة. |
|
الآيتان(86) (87)
وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ
لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلا
|
|
وَلَئِنْ شِئْنَا
لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ
عَلَيْنَا وَكِيلا(86) إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ
عَلَيْكَ كَبِيراً(87) |
|
التّفسير |
|
ما
عِندكَ هو مِن رحمته وبركته:
|
|
تحدثت الآيات السابقة عن
القرآن، أمّا الآيتان اللتان نبحثهما الآن فهما أيضاً ينصبان في نفس الإِتجاه. |
|
الآيتان(88) (89) قُل
لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِْنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا
الْقُرْءَانِ
|
|
قُل لَّئِنِ
اجْتَمَعَتِ الإِْنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا
الْقُرْءَانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض
ظَهِيراً (88)وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِى هَذَا الْقُرْءَانِ مِن كُلِّ
مَثَل فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً(89) |
|
التّفسير |
|
معجزة
القرآن:
|
|
الآيات التي بين
أيدينا تتحدث عن إِعجاز القرآن، ولأنَّ
الآيات اللاحقة تتحدَّث عن حجج المشركين في مجال المعجزات، فإِنَّ الآية التي
بين أيدينا ـ في الحقيقة ـ مقدمة للبحث القادم حول المعجزات. |
|
الآيات(91) (93)
وَقَالُوا لَنْ نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَْرْضِ يَنْبُوعاً
|
|
وَقَالُوا لَنْ
نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَْرْضِ يَنْبُوعاً(90) أَوْ
تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيل وَعِنَب فَتُفَجِّرَ الأَْنْهَرَ خِلَلَهَا
تَفْجِيراً(91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ
تَأْتِىَ بِاللَّهِ وَ الْمَلَئِكَةِ قَبِيلا(92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن
زُخْرُف أَوْ تَرْقَى فِى السَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى
تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّى هَلْ كُنتُ
إِلاَّ بَشَراً رَّسُولا(93) |
|
سبب النّزول |
|
لقد ذكرَ المفسّرون استناداً للروايات الواردة أسباباً
عديدة لنزول هذه الآيات، وفيما يلي سنتعرض بشكل موجز إِلى هذه الأسباب
معتمدين بشكل مُباشر على تفسير مجمع البيان الذي قال: وقال أبوجهل: إِنَّهُ أبى إِلاَّ سبّ الآلهة وشتم الآباء، وأنا أُعاهد
الله لأحملن حجراً فإِذا سجد ضربت بهِ رأسهُ. |
|
التّفسير |
|
أعذار
وذرائع مُختلفة:
|
|
بعد الآيات السابقة التي
تحدثت عن عظمة وإِعجاز القرآن، جاءت هذه الآيات تشير إِلى ذرائع المشركين، هذه
الذرائع تُثبت أنَّ مواقف هؤلاء المشركين إِزاء دعوة الرّسولالتي جاءت أصلا
لإِحيائهم، لم تكن إِلاَّ للعناد والمُكابرة، حيثُ أنّهم كانوا يُطالبون بأشياء
غير معقولة في مقابل اقتراح الرّسول(ص)المنطقي وإِعجاز القوي. 2 ـ قولهم كما
في الآية: (أو تكون لك جنّة مِن نخيل وعنب فتفجّر
الأنهار خلالها تفجيراً). |
|
بحوث
|
|
1 ـ جواب الرّسول
للمتذرعين
|
|
لقد تبيّن مِن خلال الآيات
أعلاه والحديث الوارد في أسباب النّزول، أنَّ طلبات المشركين العجيبة والغريبة
لم تكن تنع مِن روح نشدان الحقيقة، بل كان هدفهم البقاء على الشرك وعبادة
الأصنام لأنّه كان يمثل الدعامة الأساسية والقوّة المادية لزعماء مكّة، وكذلك
منع النّبي(ص) من الاستمرار في طريق الدعوة الى التوحيد بأي صورة ممكنة. إِنَّ مسؤولية
الرّسول(ص) هي إثبات إرتباطه بالخالق عن
طريق المعجزة، وعندما يأتي بالقدر الكافي مِن المعاجز، فليست عليه أية مسؤولية
أُخرى. |
|
2 ـ الأفكار
المحدودة والطلبات غير المعقولة
|
|
كل إِنسان يتكلم بحدود فكره،
ولهذا السبب فإنَّ حديث أي شخص هو دليل على مقدار عمق أفكاره. فهؤلاء لو كانوا
ينظرون بعين الحقيقة لكانوا قد
شاهدوا هذا التطوَّر المعنوي العظيم في هذا الدين، وكذلك الإِنتصارات المادية
المنظورة حيث يضمن القرآن سعادة الإِنسان في المجالين الدنيوي والأُخروي. |
|
3 ـ ذريعة أُخرى
لِنفي الإِعجاز
|
|
بالرغم مِن وضوح الآيات
أعلاه، وأنّها غير معقَّدة، وأنَّ طلبات المشركين من رسول اللهواضحة، وكذلك سبب
تعامل رسول الله(ص) السلبي مع هؤلاء معلوم أيضاً، إِلاَّ أنَّ الآيات أصبحت
ذريعة بيد بعض المتذرعين في عصرنا الذين يصرّون على نفي أي معجزة لرسول الله(ص). البعض الآخر
مما طلبوا، فيها أجابهم رسول اللّه(ص) إليه، سوف لن يبقى أثر لهم، وبالتالي لن
تكون قضية المعجزة ذات أثر في إيمانهم أو عدمه، مثل قولهم أن يسقط عليهم كسفاً
من السماء، أي أن تنزل عليهم صخور من السماء. |
|
الآيتان(94) (95)
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَآءَهُمُ الْهُدَى
|
|
وَمَا مَنَعَ
النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَآءَهُمُ الْهُدَى إِلآَّ أَن قَالُوا أَبَعَثَ
اللَّهُ بَشَراً رَّسُولا(94) قُل لَّوْ كَانَ فِى الاَْرْضِ مَلَئِكَةٌ
يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِّنَ السَّمَآءِ مَلَكاً
رَّسُولا(95) |
|
التّفسير |
|
ذريعة
عامّة:
|
|
الآيات السابقة تحدَّثت عن تذرُّع المشركين ـ أو قسم منهم ـ في قضية
التوحيد، أمّا الآيات التي نبحثها فإِنّها تشير
إِلى ذريعة عامّة في مقابل دعوة الأنبياء، حيثُ تقول: (وما
منعَ الناس أن يؤمنوا إِذ جاءهم الهُدى إِلاَّ أن قالوا أبَعَثَ اللَّهُ بشراً
رسولا). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ
قوله تعالى: (وما منع الناس ...) يعني إِن سبب عدم إِيمانهم هو هذا التذرُّع، إِلاَّ أنَّ
هذا التعبير ليس دليلا على الحصر، بل هو للتأكيد
وبيان أهمية الموضوع. |
|
الآيتان(96) (97) قُل
كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدَاً بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ
خَبِيَراً بَصِيراً
|
|
قُل كَفَى
بِاللَّهِ شَهِيدَاً بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيَراً
بَصِيراً(96) وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَنْ
تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيمَةِ عَلَى
وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ
زِدْنهُمْ سَعِيراً(97) |
|
التّفسير |
|
المهتدون
الحقيقيون:
|
|
بعد أن قطعت الآيات السابقة
أشواطاً في مجال التوحيد والنّبوة وعرض حديث المعارضين والمشركين، فإِنَّ هذه
الآيات عبارة عن خاتمة المطاف في هذا الحديث، إِذ تضع النتيجة الأخيرة لكل ذلك.
ففي البداية تقول الآية إِذا لم يقبل أُولئك أدلتك الواضحة حول التوحيد والنّبوة
والمعاد فقل لهم: (قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم
إِنّه كان بعباده خبيراً بصيراً)( مِن حيث
التركيب: إِنَّ «الباء» في (كفى بالله) زائدة، و«الله» فاعل «كفى» و«شهيداً»
تمييز، أو حال كما يقول البعض.). |
|
الآيات(98) (100)
ذلِكَ جَزَآؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِئَايتِنَا
|
|
ذلِكَ جَزَآؤُهُمْ
بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِئَايتِنَا وَقَالُوا أَءِذَا كُنَّا عِظماً وَرُفتاً
أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً(98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ
الَّذِى خَلَقَ السَّموتِ وَالأَْرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ
وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلا لاَّرَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّلِمُونَ إِلاَّ
كُفُوراً(99) قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّى إِذاً
لأََّمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِْنفَاقِ وَكَانَ الإِْنسنُ قَتُوراً(100) |
|
التّفسير |
|
كيف
يكون المعاد مُمكناً؟
|
|
في الآيات السابقة رأينا كيف
أنَّ يوماً سيئاً ينتظُر المجرمين في العالم الآخر. هذه العاقبة التي تجعل أي
عاقل يفكّر في هذا المصير، لذلك فإِنَّ الآيات التي بين
أيدينا تقف على هذا الموضوع بشكل آخر. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ المعاد
الجسماني،2
ـ أيّ الآيات؟، 3
ـ ما هو الغرض مِن «مثلهم»؟،4
ـ ما هو (الأجل)؟
|
|
1 ـ
المعاد الجسماني 6 ـ
هل أن جميع البشر بُخلاء؟ |
|
الآيات(101) (104)
وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ ءَايت بَيِّنت فَسْئَلْ بَنِى إِسْرءِيَلَ
|
|
وَلَقَدْ
ءَاتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ ءَايت بَيِّنت فَسْئَلْ بَنِى إِسْرءِيَلَ إِذْ
جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّى لأََظُنُّكَ يمُوسَى مَسْحُوراً (101)قَالَ
لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنْزَلَ هَؤُلآَءِ إِلاَّ رَبُّ السَّموتِ وَالأَْرْضِ
بَصَآئِرَ وَإِنِّى لأََظُنُّكَ يفِرْعَونُ مَثْبُوراً(102) فَأَرَادَ أَنْ
يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الأَْرْضِ فَأَغْرَقْنهُ وَمَنْ مَّعَهُ جَمِيعاً(103)
وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِى إِسْرءِيلَ اسْكُنُوا الأَْرْضَ فَإِذَا جَآءَ
وَعْدُ الأَْخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً(104) |
|
التّفسير |
|
لم
يُؤمنوا رغم الآيات:
|
|
قبل بضعة آيات عرفنا كيف أنَّ
المشركين طلبوا أُموراً عجبية غريبة من الرّسول(ص)، وبما أنَّ هدفهم ـ باعترافهم
هم أنفسهم ـ لم يكن لأجل الحق وطلباً له، بل لأجل التذرُّع والتحجج والتعجيز،
لذا فإِنَّ الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ردّ عليهم ورفض الإِنصياع إِلى
طلباتهم. وهذه الآيات ـ التي نبحثها ـ
في الحقيقة تقف على نماذج للأُمم السابقة ممَّن شاهدوا أنواع المعاجز والأعمال
غير العادية، إِلاَّ أنّهم استمروا في الإِنكار وعدم الإِيمان. |
|
بحوث
|
|
1 ـ المقصود مِن
الآيات التسع
|
|
لقد ذكر القرآن
الكريم آيات ومعجزات كثيرة لموسى(عليه السلام) مِنها ما يلي: |
|
2 ـ هل أنّ
السائل هو الرّسول نفسه؟
|
|
ظاهر الآيات أعلاه يدل على
أنَّ الرّسول(ص) كانَ قدَ أُمِرَ بسؤال بني إِسرائيل حول الآيات التسع التي نزلت
على موسى، وكيف أنَّ فرعون وقومه صدّوا عن حقانية موسى(ع) بُمختلف الذرائع رغم
الآيات. |
|
3 ـ ما المراد بـ
(الأرض) المذكورة في الآيات؟
|
|
قرأنا في الآيات أعلاه أنَّ
الله أمر بني إِسرائيل بعد أن انتصروا على فرعون وجنوده أن يسكنوا الأرض، فهل
الغرض مِن الأرض هي مصر (نفس الكلمة وردت في الآية
السابقة والتي بيّنت أنَّ فرعون أراد أن يخرجهم مِن تلك الأرض. وبنفس المعنى أشارت آيات أُخرى إِلى أنَّ بني إِسرائيل
ورثوا فرعون وقومه) أو أنّها إِشارة إِلى الأرض المقدَّسة فلسطين، لأنَّ بني
إِسرائيل بعد هذه الحادثة اتجهوا نحو أرض فلسطين وأمروا أن يدخلوها. |
|
4 ـ هل تعني كلمة
(وعد الآخرة) يوم البعث والآخرة؟
|
|
ظاهراً ... إِنَّ الإِجابة
بالإِيجاب، حيث أنَّ جملة (جئنا بكم لفيفاً)
قرينة على هذا الموضوع، ومُؤَيِّدة لهذا الرأي. إِلاَّ
أنَّ بعض المفسّرين احتملوا أنَّ (وعد الآخرة) إِشارة إِلى ما أشرنا إِليه
في بداية هذه السورة، مِن أنَّ الله تبارك وتعالى قد تَوَعَّد بني إِسرائيل
بالنصر والهزيمة مرَّتين، وقد سمى الأُولى بـ «وعد الأُولى» والثّانية بـ «وعد
الآخرة»، إِلاَّ أنَّ هذا الإِحتمال ضعيف مع وجود قوله تعالى: (جئنا بكم لفيفاً) (فدقق في ذلك). |
|
الآيات(105) (109)
وَبِالْحَقّ ِ أَنْزَلْنهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَآ أَرْسَلْنكَ إِلاَّ
مُبَشِّراً وَنَذِيراً
|
|
وَبِالْحَقّ ِ
أَنْزَلْنهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَآ أَرْسَلْنكَ إِلاَّ مُبَشِّراً
وَنَذِيراً(105) وَقُرْءَاناً فَرَقْنهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى
مُكْث وَنَزَّلْنهُ تَنْزِيلا(106) قُلْ ءَامِنُوا بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا
إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ
يَخِرُّونَ لِلأَْذْقَانِ سُجَّداً (107)وَيَقُولُونَ سُبْحنَ رَبِّنَآ إِن
كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا(108) وَيَخِرُّونَ لِلأَْذْقَانِ يَبْكُونَ
ويَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) |
|
التّفسير |
|
عُشاق
الحق
|
|
مرّة أُخرى يشير القرآن
العظيم إِلى أهمية وعظمة هذا الكتاب السماوي ويُجيب على بعض ذرائع المعارضين. لقد ذكر المفسّرون
آراء مُختلفة في الفرق بين الجملة الأُولى: (وبالحق أنزلناه) والجملة الثّانية:
(وبالحق نزل) مِنها: لذا كيف يُمكن
لكتاب يتحدث عن حوادث (23) سنة متزامناً لها أن ينزل في يوم واحد؟ |
|
ملاحظات
|
|
في
هذه الآية ينبغي الإِلتفات إِلى الملاحظات الآتية:
|
|
أوّلا: يعتقد المفسّرون أنَّ جملة (آمنوا به أَو لا تؤمنوا)
يتبعها جملة محذوفة قدّروها بأوجة مُتعدِّدة، إِذ قال
بعضهم: إِن المعنى هو: سواء آمنتم أم لم تؤمنوا فلا يضر ذلك بإِعجاز
القرآن ونسبته إِلى الخالق. |
|
بحثان:
|
|
1 ـ التخطيط
للتربية والتعلم
|
|
مِن الدروس المهمّة التي
نستفيدها مِن الآيات أعلاه، هو ضرورة التخطيط لأي ثورة أو نهضة ثقافية أو فكرية
أو اجتماعية أو تربوية، فإِذا لم يتمّ تنظيم مثل هذا البرنامج فالفشل سيكون
النتيجة الحتمية لمثل هذه الجهود. إِنَّ القرآن الكريم لم ينزل على رسول
الله(صلى الله عليه وآله وسلم) مرّة واحدة بالرغم مِن أنَّهُ كان موجوداً في
مخزون علم الله كاملا، وقد تمَّ عرضه في ليلة القدر على رسول الله(صلى الله عليه
وآله وسلم) دفعة واحدة، إِلاَّ أنَّ النّزول التدريجي استمرّ طوال (23) سنة،
وضمن مراحل زمنية مُختلفة وفي إِطار برنامج عملي دَقيق. |
|
2 ـ علاقة العلم
بالإِيمان
|
|
الموضوع الآخر الذي
يُمكن أن نستفيدهُ مِن الآيات أعلاه هو علاقة العلم بالإِيمان، إِذ تقول الآيات: إِنّكم سواء آمنتم بالله أو لم
تؤمنوا فإِنَّ العلماء سيؤمنون بالله إِلى درجة أنّهم يعشقون الخالق ويسقطون
أرضاً ساجدين مِن شدّة الوله والحبّ، وتجري الدّموع مِن أعينهم، وإِنّ هذا الخشوع
والتأدُّب يتصف بالإِستمرار في كل عصر وزمان. |
|
الآيتان(110) (111)
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيَّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ
الأَْسْمَآءُ الْحُسْنَى
|
|
قُلِ ادْعُوا
اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيَّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَْسْمَآءُ
الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ
ذلِكَ سَبِيلا(110) وقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً
وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِى الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِىٌّ مِنَ
الذُّلِ وَكَبِّرْهُ وتَكْبِيراً(111) |
|
سبب
النّزول
|
|
وردت آراء مُتعدِّدة في سبب
نزول هاتين الآيتين مِنها ما نقلهُ صاحب مجمع البيان عن ابن عباس الذي قال: كانَ
رسول الله(ص) ساجداً ذات ليلة بمكّة يدعو: يا رحمن يا رحيم، فقال المشركون
مُتهمين رسول الله(ص): إنَّهُ يدعونا إِلى إِله واحد، بينما يدعو هو مثنى مثنى.
يقصدون بذلك قول رسول الله(ص): يا رحمن يا رحيم. فنزلت الآية الكريمة أعلاه(يُراجع مجمع البيان أثناء تفسير الآية.). |
|
التّفسير |
|
آخر
الذرائع والأغذار
|
|
بعد سلسلة من
الذرائع التي تشبث بها المشركون امام دعوة الرّسول(ص)، نصل مع الآيات التي بين أيدينا إِلى آخر ذريعة لهم، وهي
قولهم: لماذا يذكر رسول الله(ص) الخالق بأسماء مُتعدِّدة بالرغم من أنَّهُ يدّعي
التوحيد. القرآن ردَّ على هؤلاء بقوله: (قل ادعوا الله
أو ادعوا الرحمن أيّاً ما تدعوا فلهُ الأسماء الحسنى). إنَّ هؤلاء عُميان
البصيرة والقلب، غافلون عن أحداث ووقائع حياتهم اليومية حيثُ كانوا يذكرون أسماء
مُختلفة لشخص واحد أو لمكان واحد، وكل اسم مِن هذه الأسماء كان يُعرِّف بشطر أو
بصفة مِن صفات ذلك الشخص أو المكان. |
|
ملاحظة
|
|
هذا الحكم الإِسلامي في
الدعوة إلى الإِعتدال بين الجهر والإِخفات يعطينا فهماً
وإِدراكاً من جهتين: في الآيات أعلاه تمّت
الإِشارة إِلى ثلاث صفات مِن صفات الله، ثمّ بملاحظة
الأمر الوارد في نهاية الآية تكتمل الى اربع صفات. نهاية سورة
الإِسراء |
|
|
|