- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
سُورَة إبراهيم مَكّيّة
وعَدَدُ آياتِها إثنان وخمسُون آية
|
|
سورة إبراهيم |
|
تحتوي على (52) آية، السورة مكّية بإستثناء الآيات (28) و(29) طبقاً لما قاله كثير من المفسّرين أنّها نزلت بالمدينة في قتلى المشركين في بدر. |
|
محتوى السورة
|
|
المعلوم من اسم
السورة أنّ قسماً منها نازل بشأن بطل التوحيد ومحطّم الأصنام
سيّدنا إبراهيم (عليه السلام) (قسمٌ من أدعيته). |
|
فضيلة السورة
|
|
روي عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «من قرأ سورة إبراهيم
والحجر اُعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من عبد الأصنام وبعدد من لم يعبدها»( مجمع البيان، ونور الثقلين، في بداية السورة.). |
|
الآيات(1) (3) الر
كِتَبٌ أَنزَلْنَهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَتِ إِلَى النُّورِ
بِإِذْنِ رَبِّهِمْ
|
|
الر كِتَبٌ
أَنزَلْنَهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَتِ إِلَى النُّورِ
بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللهِ الَّذِى لَهُ
مَا فِى السَّمَوَتِ وَمَا فِى الاَْرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَفِرِينَ مِنْ عَذَاب
شَدِيد(2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا عَلَى الاَْخِرَةِ
وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَئِكَ فِي ضَلَل
بَعِيد(3) |
|
التّفسير
|
|
الخروج
من الظّلمات إلى النّور!
|
|
شرعت هذه السورة ـ كبعض السور
القرآنية الأُخرى ـ بالحروف المقطّعة، التي ذكرنا تفسيرها في بداية سورة البقرة
وآل عمران، والنقطة التي يجب ملاحظتها هنا أنّ من بين 29 مورداً لسور القرآن التي إبتدأت بالحروف المقطّعة هناك 24
مورد ذكر بعدها مباشرةً القرآن الكريم، والتي تُبيّن أنّ هناك علاقة بين الإثنين، أي بين الحروف المقطّعة
والقرآن، ولعلّ هذه العلاقة هي نفسها التي ذكرناها في بداية سورة البقرة، فالله
سبحانه وتعالى يريد أن يوضّح من خلال هذا البيان أنّ هذا الكتاب السّماوي العظيم
المتعّهد لقيادة الإنسانيّة يتكوّن من مواد بسيطة تسمّى بحروف الألفباء، وهذه تشير إلى أهميّة هذا الإعجاز، حيث يوجد أصدق بيان
من أبسط بيان. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ مثل الإيمان وطريق الله مثل النّور
|
|
بالنظر إلى أنّ النّور ألطف
الموجودات الماديّة في العالم، وسرعة مسيره أعلى سرعة، وبركته من أكبر البركات،
ويمكن أن يقال أنّه أصل لكلّ المواهب والبركات، فإنّه يتّضح إلى أي مدى يشتمل
النّور على معنىً كبير بحيث أنّ القرآن شبّه الإيمان والسير في طريق الله
بالنّور. |
|
2 ـ التعبير بـ«لتخرج» في الآية الأُولى تشير إلى نقطتين:
|
|
الأُولى: بما أنّ القرآن الكريم كتاب هداية ونجاة للبشر، لكنّه
بحاجة إلى من يطبقه ويجريه، فيجب أن يكون هناك قائد كالرّسول لكي يستطيع أن يخرج
الضالّين عن الحقيقة من ظلمات الشقاء وهدايتهم إلى نور السعادة، ولهذا فالقرآن
الكريم بعظمته لا يمكن له أن يحلّ جميع المشاكل بدون وجود القائد والمنفّذ لهذه
الأحكام. |
|
3
ـ الملفت للنظر أنّ بداية هذه السورة
|
|
3 ـ الملفت للنظر
أنّ بداية هذه السورة شرعت بمسألة
هداية الناس من الظّلمات إلى النّور، ونهايتها خُتِمت بمسألة إبلاغ وإنذار
الناس، وهذه توضّح أنّ الهدف الأصلي في كلّ الأحوال هو الناس ومصيرهم وهدايتهم،
فإنزال الكتب السّماوية وبعث الأنبياء في الواقع هو للوصول إلى هذا الهدف. |
الآيات(4) (7) وَمَا
أَرْسَلْنَا مِن رَّسُول إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ
فَيُضِلُّ اللهُ مَن يَشَاءُ
|
|
وَمَا أَرْسَلْنَا
مِن رَّسُول إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَن
يَشَاءُ وَيَهْدِى مَن يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَتِ إِلَى
النُّورِ وَذَكِّرْهُم بَأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاََيَت لِّكُلِّ
صَبَّار شَكُور(5) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ
عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ
الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِى
ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن
شَكَرْتُمْ لاََزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ (7) |
|
|
التّفسير |
|
الأيّام الحسّاسة في الحياة:
|
|
كان الحديث في الآيات السابقة
عن القرآن الكريم وآثاره الروحية، وتتابع الآية الأُولى من هذه المجموعة نفس
الموضوع، لكن في بُعد خاص وهو أنّ دعوة الأنبياء وكتبهم السّماوية نزلت بلسان
أوّل قوم بُعِثوا إليهم. يقول تعالى: (وما أرسلنا من
رسول إلاّ بلسان قومه). ومن الطريف أنّه في حالة الشكر يقول بصراحة (لأزيدنّكم) أمّا في حالة كفران النعم فلا يقول (اُعذّبكم) بل يقول: (إنّ
عذابي لشديد) وهذا التفاوت دليل على سموّ اللطف الإلهي. |
|
بحوث
|
|
1
ـ التذكّر لأيام الله
|
|
كما قلنا في تفسير
الآية أعلاه، فإنّ إضافة «أيّام» إلى
«الله» إشارة إلى الأيّام المصيرية والمهمّة في حياة
الناس، فإنّها بسبب عظمتها اُضيفت إليها كلمة «الله»، وكذلك لأنّ واحدة
من النعم الإلهيّة الكبيرة شملت حال قوم أو اُمّة، أو إحدى العقوبات الكبرى
أصابت قوماً طاغين بالعذاب الإلهي، وقد أراد الله تعالى أن يجعل هذه الأيّام
تذكرة باقية للناس. |
|
2
ـ طريقة الجبّارين في التعامل
|
|
نقرأ مراراً في آيات القرآن
الكريم أنّ الفراعنة كانوا يذبحون أبناء بني إسرائيل ويحتفظون بنسائهم، وهذا العمل لا يقتصر على فرعون، بل كان على طول
التاريخ طريقة كلّ المستعمرين حيث كانوا يبيدون قسماً من القوى الفاعلة
والمقاومة، ويضعفون قسماً آخر منها ويستخدمونها في منافعهم الخاصّة، وبدون هذا
العمل لا يمكنهم الإستمرار في إستعمارهم. |
|
3
ـ الحرية من أفضل النعم
|
|
من الطريف أنّ الآية أعلاه
بعد أن ذكرت «أيّام الله» أشارت بصراحة إلى يوم واحد
منها، وهو يوم نجاة بني إسرائيل من قبضة الفراعنة (إذ أنجاكم من آل فرعون) إنّ تاريخ بني إسرائيل مليء
بالأيّام العظيمة التي وهبهم الله فيها النعم الكبيرة تحت ظلّ هداية موسى، ولكن
ذكر (يوم النجاة) في الآية أعلاه دليل على أهميّة الحرية والإستقلال في مصير الاُمم. |
|
4
ـ الشكر سبب لزيادة النعم والكفر سبب للفناء
|
ممّا لا شكّ فيه أنّ الله
سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلى شكرنا في مقابل نعمه علينا، وإذا أمرنا بالشكر فذاك
لنستوجب نعمة أُخرى وهي واحدة من المبادىء السامية في التربية. |
|
هناك عدّة نقاط في مجال شكر النعمة:
|
|
1 ـ
قال الإمام علي (عليه السلام) في إحدى حكمه: «إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلّة الشكر»( نهج البلاغة الكلمات القصار، رقم 13.). |
|
الآيات (8) (10)
وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِى الاَْرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ
اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ
|
|
|
وَقَالَ مُوسَى إِن
تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِى الاَْرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ
حَمِيدٌ (8) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوح
وَعَاد وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ
جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِى أَفْوَهِهِمْ
وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِى شَكٍّ
مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيب (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى اللهِ شَكٌّ
فَاطِرِ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ
وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَل مُّسَمّىً قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ
مِّثْلُنَا تُرِيُدونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا
فَأْتُونَا بِسُلْطَن مُّبِين (10) |
|
التّفسير |
|
أفي الله شكّ؟
|
|
الآية الأُولى من هذه
المجموعة تؤيّد وتُكمل البحث السابق في الشكر والكفران، وذلك ضمن الكلام الذي
نقل عن لسان موسى (ع) (وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في
الأرض جميعاً فإنّ الله لغني حميد)( «إن تكفروا» جملة شرطيّة تقديرها محذوف،
وجملة «إنّ الله لغني حميد» تدلّ على ذلك وكان التقدير «إن تكفروا ... لا تضرّوا
الله شيئاً».). وعن الإمام الصادق
أيضاً: «إنّ الرجل يذنب فيحرم صلاة الليل، وإنّ العمل السيء
أسرع في صاحبه من السكّين في اللحم»( سفينة البحار،
المجلد الأوّل، ص488.). |
|
الآيتان(11) (12) قَالَتْ
لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللهَ
يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ
|
|
قَالَتْ لَهُمْ
رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلَى
مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَن
إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا
لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَينَا سُبُلَنَا
وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا ءَاذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُتَوَكِّلُونَ (12) |
|
التّفسير |
|
التوكّل على الله وحده:
|
|
نقرأ في هاتين
الآيتين جواب الرسل على حجج المخالفين المعاندين، وإعتراضهم على بشرية الرسل، فكان جوابهم: (قالت لهم رسلهم
إن نحن إلاّ بشر مثلكم ولكنّ الله يمنّ على من يشاء من عباده) يعني لو
إفترضنا أنّ الله تعالى أرسل لكم ملائكة بدل البشر، فهي لا تمتلك شيئاً لذاتها،
فكلّ المواهب ومن جملتها موهبة الرسالة والقيادة هي من عند الله، فالذي يستطيع
أن يهب الملائكة هذا المقام قادر أن يعطيها للإنسان. |
|
ملاحظات |
|
1
ـ ما هو معنى التوكّل؟
|
|
قرأنا في الآية الأُولى (فليتوكّل المؤمنون) وفي الآية الثانية (فليتوكّل المتوكّلون) وكأنّ الجملة الثانية تشير إلى
مرحلة أوسع وأعمّ من الجملة الأُولى، يعني أنّ توكّل المؤمنون ممّا لا شكّ فيه ـ
لأنّ الإيمان بالله غير منفصل عن الإيمان بقدرته وحمايته والتوكّل عليه ـ بل حتّى
غير المؤمنين ملجأهم إلى الله ولا يجدون سبيلا غيره، لأنّ غيره فاقد للأشياء،
وكلّ ما في الوجود ملك لذاته المقدّسة، ولذلك يجب أن يجعلوه وليّاً لهم، ويطلبوا
منه أن يهديهم توكّلهم هذا للإيمان بالله. |
|
2
ـ المعاجز بيد اللّه تعالى
|
|
أجابت الآيات أعلاه ـ بشكل واضح ـ الأشخاص الذين كانوا ينكرون إعجاز
الرسل. أو ينكرون معاجز رسول الإسلام غير
القرآن، وتُعلّمنا هذه الآيات أنّ الرسل لم يقولوا
أبداً: نحن لا نأتي بالمعاجز، بل إنّ الأوامر الإلهيّة كانت تمنعهم من
ذلك، لأنّ الإعجاز بيده وفي إختياره، وكلّ ما يراه مصلحة يأمرنا به. |
|
3
ـ ما هي حقيقة وفلسفة التوكّل؟
|
|
«التوكّل» في الأصل من «الوكالة» وكما قال الراغب: التوكيل أن تعتمد على غيرك وتجعله نائباً عنك.
ونحن نعلم أنّ الوكيل الصالح له أربع خصال رئيسيّة:
العلم الكافي، والأمانة، والقدرة، والمبالغة في رعاية مصلحة موكّله. فإنتخاب
الوكيل المحامي يتمّ في الأعمال التي لا يستطيع الإنسان نفسه أن يدافع عنها،
فيستفيد من مساعدة قوّة الآخرين في حلّ مشاكله. |
|
فلسفة التوكّل
|
|
نستفيد ممّا ذكرناه أنّه: |
|
أوّلا: إنّ الإنسان سوف تزداد مقاومته للمشاكل الصعبة لتوكّله
على الله الذي هو منبع جميع القدرات والإستطاعات. وفي الآية (159) آل عمران (فاعف عنهم واستغفر
لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على الله إنّ الله يحبّ المتوكّلين). |
|
الآيات(13) (17) وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلَهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ
لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا
|
|
وَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لِرُسُلَهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى
مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّلِمِينَ
(13)وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الاَْرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِى
وَخَافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّار عَنِيد (15) مِّن
وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيد (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ
يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَان وَمَا هُو بِمَيِّت
وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17) |
|
التّفسير |
|
خطط الجبّارين المعاندين ومصيرهم!
|
|
عندما يعلم الظالمون بضعف
منطقهم وعقيدتهم، يتركون الإستدلال، ويلجأون إلى القوّة والعنف، ونقرأ هنا أنّ
الأقوام الكافرة العنيدة عندما سمعوا منطق الأنبياء المتين والواضح قالوا
لرسلهم: (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنّكم من أرضنا أو لتعودنّ في ملّتنا)
وكأنّ هؤلاء القوم يعتبرون جميع ما في الأرض ملكهم، حتّى أنّهم لم يمنحوا لرسلهم
حقوق المواطنة، ولذلك يقولون «أرضنا». وفي الحقيقة فإنّ الله سبحانه وتعالى خلق
الأرض وكلّ مواهبها للصالحين، وهؤلاء الجبابرة في الواقع ليس لهم أي حقّ فيها. |
|
بحوث
|
|
1 ـ
ماذا يعني مقام الربّ؟ قرأنا في الآيات أعلاه أنّ
النصر على الظالمين وإسكان الأرض للذين يخافون مقام ربّهم، فما هو المقصود من
«المقام»؟ هناك عدّة إحتمالات: |
|
الآية(18) مَّثَلُ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَلُهُمْ كَرَمَاد اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ
فِى يَوْم عَاصِف
|
|
مَّثَلُ الَّذِينَ
كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَلُهُمْ كَرَمَاد اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِى يَوْم
عَاصِف لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْء ذَلِكَ هُوَ الضَّلَلُ
الْبَعِيدُ (18) |
|
التّفسير |
|
رمادٌ إشتدّت به الريح:
|
|
ضربت هذه الآية مثالا واضحاً
وبليغاً لأعمال الكفّار، وبذلك تكمل بحث الآيات السابقة في مجال عاقبة أمرهم. |
|
بحوث:
|
|
1 ـ
لماذا شبّهت أعمالهم كرماد إشتدّت به الريح؟ الجواب: |
|
2
ـ لماذا فرغت أعمالهم من المحتوى؟
|
|
يجب أن نرى لماذا كانت أعمال
الكفّار غير ذات قيمة وغير ثابتة؟ ولماذا لا يستطيع الكفّار الإستفادة من نتائج
أعمالهم؟ |
|
3
ـ مسألة الإحباط
|
|
هناك جدل كبير بين علماء المسلمين في مسألة
«حبط الأعمال» فهل معناه ذهاب عمل الخير بسبب عمل الشرّ، أو بسبب الكفر وعدم الإيمان، ولكن
الحقّ ما قلناه في ذيل الآية (217) من سورة البقرة، من أنّ الإصرار على الكفر والعناد وأيضاً بعض
الأعمال الأُخرى كالحسد والغيبة وقتل النفس
لها آثار سيّئة كبيرة بحيث تذهب بأعمال الخير والحسنات. |
|
4
ـ هل للمخترعين والمكتشفين ثواب إلهي؟
|
|
بالنظر للبحوث الآنفة الذكر يرد سؤال مهمّ، وهو أنّنا من خلال مطالعتنا في تأريخ
العلوم والإختراعات والإكتشافات نرى أنّ هناك مجموعة من العلماء إستطاعوا أن
يقدّموا خدمات جليلة للبشرية وتحمّلوا في سبيل خدمة البشرية منتهى الشدّة
والصعوبة ليقدّموا إختراعاتهم وإكتشافاتهم للناس، فعلى
سبيل المثال مخترع الكهرباء «أديسون» تحمّل الصعاب ويُقال فقد حياته في
هذا الطريق لكنّه أضاء العالم، وحرّك المعامل، وببركة إختراعه وجدت الآبار
العميقة حيث اخضّرت الأرض وتغيّرت الدنيا. و «باستور»
الذي إكتشف المكروب، وأنقذ ملايين الناس من
الموت المحتوم .. فهؤلاء وعشرات مثلهم كيف
يجعلهم الله في جهنّم لكونهم غير مؤمنين؟ مع أنّ
هناك أفراداً لم يقدّموا أيّة خدمة للإنسانية طول
حياتهم، ويدخلون الجنّة! |
|
الآيتان(19) (20) أَلَمْ
تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضَ بِالْحَقِّ
|
|
إِن يَشَأْ
يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْق جَدِيد (19) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيز
(20) |
|
التّفسير |
|
الخلق على أساس الحقّ:
|
|
بعد ما بحثنا عن الباطل وأنّه
كالرماد المتناثر إذا إشتدّت به الريح، نبحث في هذه الآية عن الحقّ وإستقراره.
يقول الله تعالى مخاطباً النّبي بإعتباره الاُسوة لكلّ دعاة الحقّ (ألم تر أنّ الله خلق السّماوات والأرض بالحقّ). |
|
الآيات (21) (23) وَبَرَزُوا لِلَّهِ
جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَؤُا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ
تَبَعاً
|
|
وَبَرَزُوا لِلَّهِ
جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَؤُا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ
تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَاب اللهِ مِن شَىْء قَالُوا
لَوْ هَدَينَا اللهُ لَهَدَيْنَكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ
صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيص (21) وَقَالَ الشَّيْطَنُ لَمَّا قُضِىَ
الاَْمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ
فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَن إِلاَّ أَن
دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى فَلاَ تَلُومُونِى وَلُومُوا أَنفُسَكُم مَّا
أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِىَّ إِنِّى كَفَرْتُ بِمَا
أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)
وَأُدْخِلَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ جَنَّت تَجْرِى مِن
تَحْتَهِا الاَْنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ
فِيهَا سَلَمٌ (23) |
|
التّفسير |
|
المحادثة الصريحة بين الشيطان وأتباعه:
|
|
أشارت الآيات السابقة إلى
العقاب الشديد للمخالفين والمعاندين والكافرين، وهذه
الآيات تكمل ذاك البحث. |
|
ملاحظات |
|
1
ـ ما هو المراد من ( وبرزوا لله جميعاً )؟
|
|
أوّل سؤال يطرح بخصوص هذه
الآية هو: هل أنّ الناس في هذه الدنيا غير ظاهرين في علم الله لكي تقول الآية: (وبرزوا لله
جميعاً)؟ |
|
2 ـ ما هو
المقصود من جملة ( لو هدانا الله لهديناكم )؟
|
|
يعتقد كثير من
المفسّرين أنّ المقصود الهداية عن طريق
النجاة من العقاب الإلهي في ذلك العالم، لأنّ هذا الحديث قاله المستكبرون
لأتباعهم حينما طلبوا منهم أن يغنوا عنهم قسماً من العذاب، فالسؤال والجواب متناسبان
ويوحيان أنّ المقصود هو هدايتهم للنجاة من العذاب. |
|
3
ـ أوضح بيان في ذمّ التقليد الأعمى يتّضح لنا من الآية أعلاه ما يلي:
|
|
أوّلا: الأشخاص
الذين يضعون زمام اُمورهم بيد الآخرين هم ضعفاء الشخصيّة، وقد عبّر عنهم القرآن الكريم بـ(الضعفاء). |
|
بحوث
|
|
1
ـ جواب الشيطان الحاسم لأتباعه
|
|
مع أنّ كلمة
«الشيطان»( للتوضيح أكثر في معنى
الشيطان في القرآن راجع تفسير الآية 36 من سورة البقرة
من تفسيرنا هذا.) لها مفهوم واسع وتشمل كلّ الطواغيت
ووساوس الجنّ والإنس، ولكن في قراءتنا لهذه الآية وما قبلها علمنا أنّ
المقصود هنا هو شخص إبليس الذي يعتبر رئيساً
للشياطين، ولذلك إنتخب جميع المفسّرين هذا
التّفسير أيضاً. |
|
2
ـ كيف إستطاع الشيطان أن يلتقي باتّباعه ويلومهم في ذاك الموقف الكبير؟
|
|
الجواب: هو أنّ الله تعالى يمنحه القدرة على ذلك، وهذا في الواقع
نوع من العقاب النفسي لأتباع الشيطان، وإنذار لكلّ السائرين في طريقه في هذه
الدنيا، لكي يعلموا من الآن مصيرهم ومصير قادتهم، وعلى أيّة حال فالله تعالى
بطريقة ما يهيىء وسيلة الإرتباط بين الشيطان وأتباعه. |
|
3 ـ الإغاثة وطلب
المساعدة
|
|
3 ـ
«المصرخ» من مادّة «إصراخ» وفي الأصل من مادّة «صرخ»، وهي بمعنى الإغاثة وطلب المساعدة، ولذلك فالمصرخ بمعنى المغيث، والمستصرخ طالب
الإستغاثة. |
|
4
ـ القصد من إتّخاذ الكفّار الشيطان شريكاً في الآية أعلاه شرك الطاعة وليس شرك
العبادة.
|
|
5 ـ (إنّ
الظالمين لهم عذاب أليم)
|
|
5 ـ في أنّ جملة (إنّ الظالمين لهم عذاب أليم) تابعة لحديث
الشيطان أم كلام مستقل من الله تعالى، هناك آراء مختلفة عند المفسّرين، لكن التّفسير الأقرب هو أنّ الجملة مستقلّة ومن كلام
الله حيث قالها في نهاية حديث الشيطان مع أتباعه لتكون درساً تربويّاً. |
|
الآيات(24) (27) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ
ضَرَبَ اللهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَة طَيِّبَة أَصْلُهَا ثَابِتٌ
وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاءِ
|
|
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ
ضَرَبَ اللهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَة طَيِّبَة أَصْلُهَا ثَابِتٌ
وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاءِ (24) تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينِ بِإِذْنِ
رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الاَْمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
(25) وَمَثَلُ كَلِمَة خَبِيثَة كَشَجَرَة خَبِيثَة اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ
الاَْرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَار (26) يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا
بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَفِى الاَْخِرَةِ وَيُضِلُّ
اللهُ الظَّلِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ(27) |
|
التّفسير |
|
الشّجرة الطيّبة والشّجرة الخبيثة!
|
|
هنا مشهد آخر في
تجسيم الحقّ والباطل، الكفر والإيمان، الطيّب والخبيث ضمن مثال واحد جميل وعميق المعنى ... يُكمل البحوث
السابقة في هذا الباب. ومن البديهي أنّ مثل هذه
الشجرة ليس لها أصل، ولا نمو ولا تكامل ولا ثمار ولا ظلّ ولا ثبات ولا إستقرار،
بل هي قطعة خشبيّة لا تصلح إلاّ للإشتعال ... بل أكثر من ذلك هي قاطعة للطريق
وتزاحم السائرين وأحياناً تؤذي الناس! |
|
بحوث
|
|
1
ـ هل القصد من الآخرة في الآية هو القبر؟
|
|
نقرأ في روايات متعدّدة أنّ
الله يثبت الإنسان على خطّ الإيمان عندما يواجه أسئلة الملائكة في القبر، وهذا
معنى الآية (يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي
الآخرة). |
|
2
ـ دور الثبات والإستقامة
|
|
من بين جميع الصفات التي
ذكرتها الآيات أعلاه للشجرة الطيّبة والخبيثة، وردت مسألة الثبات وعدم الثبات
بشكل أكثر، وحتّى في بيان ثمار هذه الشجرة يقول تعالى: (يثبّت
الله الذين آمنوا) وبهذا الترتيب تتّضح لنا أهميّة الثبات ودوره في حياة
الإنسان. |
|
3
ـ الشجرة الطيّبة والخبيثة في الرّوايات الإسلامية
|
|
كما قلنا أعلاه فإنّ كلمة
«الطيّبة» و «الخبيثة» التي شبّهت الشجرتان بها، لها مفهوم واسع بحيث تشمل كلّ
شخص وبرنامج ومبدأ وفكر وعلم وقول وعمل، ولكن وردت في
بعض الرّوايات في موارد خاصّة ولكن لا تنحصر بها. وفي بعضها الآخر فسّرت الشجرة الطيّبة بالنخل
والخبيثة بالحنظلة. |
|
الآيات(28) (30)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا
قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ
|
|
أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ
الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعِلُوا
لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّوا عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ
مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) |
|
التّفسير |
|
نهاية كفران النعم:
|
|
الخطاب في هذه الآيات موجّه للرسول (ص) وهو في الحقيقة عرض لواحد من موارد
«الشجرة الخبيثة». |
|
بحوث
|
|
1 ـ
يقال في العبارات الدارجة: إنّ الشخص
الفلاني كفر بنعمة الله، ولكن الآية أعلاه تقول: (الذين
بدّلوا نعمت الله كفراً) إنّ هذا التعبير الخاص
يدلّ على أحد أمرين: |
|
الآيات(31) (34) قُل
لِّعِبَادِىَ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَوةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا
رَزَقْنَهُمْ سِرَّاً وَعَلاَنِيَةً
|
|
قُل لِّعِبَادِىَ
الَّذِينَ ءَامَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَوةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَهُمْ
سِرَّاً وَعَلاَنِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ
خِلَلٌ (31) اللهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الَّثمَرَتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ
لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِىَ فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ
الاَْنْهَرَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ
لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33)وَءَاتَيكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلُْتمُوهُ وَإِن
تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَنَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) |
|
التّفسير |
|
عظمة الإنسان من وجهة نظر القرآن:
|
|
تعقيباً للآيات السابقة في
الحديث عن برنامج المشركين والذين كفروا بأنعم الله وكون مصيرهم إلى دار البوار،
تتحدّث هذه الآيات عن برنامج عباد الله المخلصين والنعم النازلة عليهم، يقول
تعالى: (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا ممّا رزقناهم سرّاً
وعلانية) قبل أن يأتي ذلك اليوم الذي لا يستطيع فيه الإنسان من التخلّص من
العذاب بشراء السعادة والنعيم الخالد، ولا تنفع الصداقة حينئذ (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال). |
|
بحوث
|
|
1
ـ الصلة بالخالق والصلة بالخلق
|
|
نواجه في هذه الآيات مرّةً أُخرى وفي تنظيم برنامج المؤمنين الصادقين مسألة «الصلاة» و «الإنفاق»،
وفي البداية قد يطرح هذا السؤال، وهو: كيف أشار
القرآن الكريم لهاتين المسألتين من بين جميع البرامج العمليّة للإسلام؟ العلّة
في ذلك أنّ للإسلام أبعاد مختلفة يمكن تلخيصها في ثلاث نقاط: علاقة الإنسان
بربّه، وعلاقته بخلق الله، وعلاقته بنفسه، وهذا القسم الأخير في الحقيقة نتيجة
للقسم الأوّل والثاني، فالصلاة والإنفاق كلّ واحدة منهما رمز للعلاقة الأُولى
والثانية. |
|
2
ـ لماذا السرّ والعلانية؟
|
|
نقرأ مراراً في آيات القرآن
أنّ المؤمنين ينفقون أو يتصدّقون في السرّ والعلانية، وبهذا الترتيب فإنّه تعالى
مع ذكره للإنفاق يذكر كيفيّة الإنفاق، لأنّه يكون مرّةً في السرّ أكثر تأثيراً
وكرامة، ويكون مرّةً أُخرى في الجهر سبباً في تشجيع الآخرين وإقتدائهم في إقامة
الشعائر الدينيّة. |
|
3
ـ يومٌ لا بيع فيه ولا خلال
|
|
من المعلوم أنّ يوم
القيامة هو يوم إستلام النتائج ومتابعة جزاء الأعمال، وبهذا الترتيب لا يستطيع أحد هناك أن ينجو من العذاب
بفدية، حتّى لو إفترضنا أنّه ينفق جميع ما في الأرض فإنّه لا يمكن أن يمحو ذرّةً
من جزاء أعماله، لأنّ صحيفته في «دار العمل» أي
الدنيا مليئة بالأخطاء والذنوب وهناك «دار الحساب». |
|
4
ـ كلّ الموجودات تحت إمرة الإنسان!
|
|
نواجه في هذه الآيات
مرّةً أُخرى تسخير مختلف الموجودات في
الأرض والسّماء للإنسان، وقد قسمت إلى ستّة أقسام:
تسخير الفلك، والأنهار، والشمس، والقمر، والليل، والنهار. ونرى أنّ قسماً من هذه
المسخّرات من السّماء، وقسماً آخر من الأرض، وقسماً ثالثاً من الظواهر بين
الإثنين (الليل والنهار). ونستفيد أيضاً من
هذا البيان أنّ للتسخير في لغة القرآن معنيان: |
|
5
ـ دائبين
|
|
قلنا أنّ «دائب» من مادّة «الدؤوب» بمعنى إستمرار العمل طبقاً للعادة
والسنّة، فالشمس لا تدور حول الأرض، بل الأرض تدور حول الشمس، ونحن نظنّ أنّ
الشمس تدور حولنا، وهذه الحركة ليست المقصودة في معنى «دائب» بل الإستمرار في إنجاز العمل يدخل في مفهوم الدؤوب،
ونحن نعلم أنّ الشمس والقمر لهما برنامج في إنبعاث النّور وما يتبعه من توقّف
الحياة على الأرض عليه بشكل مستمر وفي غاية من الدقّة (وهناك
حركات أُخرى للشمس كما يقوله العلماء، منها الحركة حول نفسها، وحركتها مع
المجموعة الشمسية). |
|
6
ـ هل يُعطينا الله كلّ ما نطلب منه؟
|
|
قرأنا في الآيات أعلاه أنّ
الله عزّوجلّ لطف بكم وأعطاكم من كلّ ما سألتموه («من» في الآية تبعيضيّة) وذلك
بسبب أنّ كثيراً ممّا يطلبه الإنسان من ربّه قد يعود عليه بالضرر والهلاك، ولكنّ
الله حكيم وعالم ورحيم فلا يستجيب لمثل هذه الطلبات، وفي المقابل نرى في أكثر
الأحيان أنّ الإنسان لا يطلب شيئاً بلسانه، ولكن يتمنّاه بفطرته ووجدانه فيستجيب
الله له، وليس هناك مانع من أن يكون السؤال في جملة (ما
سألتموه) شاملا للسؤال باللسان والسؤال بالفطرة والوجدان. |
|
7
ـ لماذا لا تُحصى نعماؤه؟
|
|
نعم الله ـ في الحقيقة ـ تعمّ
كلّ وجودنا، وإذا ما طالعنا الكتب المختلفة في العلوم الطبيعيّة والإنسانيّة
والنفسيّة وأمثالها فسوف نرى إلى أي مدى تتّسع أطراف هذه النعم، وفي الحقيقة إنّ
لكلّ نَفَس يتنفّسه الإنسان نعمتان، ولكلّ نعمة شكر واجب. |
|
8
ـ أسفاً .. إنّ الإنسان ظلومٌ وكفّار
|
|
توصّلنا في البحوث السابقة
إلى هذه الحقيقة، وهي أنّ الله سخّر للإنسان جميع الموجودات، وهيّأ له كلّ هذه
النعم بحيث سدّ جميع إحتياجاته، ولكن الإنسان بسبب إبتعاده عن نور الإيمان
والتربية، نراه يخطو في طريق الظلم والطغيان ويكفرُ بالنعم. |
|
الآيات(35) (41)
وَإِذْ قَالَ إِبْرَهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ ءَامِناً وَاجْنُبْنِى
وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الاَْصْنَامَ
|
|
وَإِذْ قَالَ
إِبْرَهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ ءَامِناً وَاجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن
نَّعْبُدَ الاَْصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ
النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنِّى وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ (36) رَّبَّنَا إِنِّى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَاد غَيْرِ ذِى
زَرْع عِندَ بَيْتِكَ الُْمحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَوةَ فَاجْعَلْ
أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّن الَّثمَرَتِ
لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِى وَمَا
نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللهِ مِن شَىْء فِي الاَْرْضِ وَلاَ فِى السَّمَاءِ
(38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَعِيلَ
وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّى لَسَمِيعُ الدُّعَآءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِى مُقِيمَ
الصَّلَوةِ وَمِن ذُرِّيَّتِى رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ (40) رَبَّنَا
اغْفِرْ لِى وَلِوَلِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) |
|
التّفسير |
|
دعاء إبراهيم (عليه السلام):
|
|
لمّا كان الحديث في الآيات
السابقة عن المؤمنين الصادقين والشاكرين لأنعم الله، عقّبت هذه الآيات في بحث
بعض أدعية وطلبات العبد المجاهد والشاكر لله إبراهيم (عليه السلام) ليكون هذا
البحث تكملة للبحث السابق ونموذجاً حيّاً للذين يريدون أن يستفيدوا من النعم
الإلهيّة أفضل إستفادة. |
|
بحوث
|
|
1
ـ هل كانت مكّة في ذلك الوقت مدينة؟
|
|
رأينا في الآيات السابقة أنّ
إبراهيم قال: (ربّ إنّي أسكنت من ذرّيتي بواد غير ذي
زرع) وهذه إشارة إلى أوّل دخوله أرض مكّة والتي كانت غير مزروعة ولا
معمورة ولا ساكن فيها سوى أسّس بيت الله الحرام، ومجموعة من الجبال الجرداء. |
|
2
ـ أمان أرض مكّة
|
|
من الطريف أنّ أوّل ما سأل
إبراهيم من ربّه في هذه الأرض هو الأمان، وهذا
يوضّح أنّ نعمة الأمن هي من الشروط الأُولى لحياة
الإنسان وسكنه في منطقة ما، فالمكان غير الآمن لا يمكن السكن فيه، حتّى
لو إجتمعت كلّ النعم الدنيويّة فيه، وفي الحقيقة أي
مدينة أو بلد فاقد لنعمة الأمن سوف يفقد جميع النعم! |
|
3
ـ دعاء إبراهيم لإجتناب عبادة الأصنام؟
|
|
ممّا لا شكّ فيه أنّ إبراهيم
(عليه السلام) كان نبيّاً معصوماً، وكذلك إبناه إسماعيل وإسحاق كانا نبيّين معصومين، لأنّهما داخلان في كلمة «بنيّ» في الآية قطعاً، ومع
ذلك يدعو الله أن يجنّبهم عبادة الأصنام! |
|
4
ـ من هم أتباع إبراهيم؟
|
|
قرأنا في الآيات
أنّ إبراهيم قال: (فمن تبعني فإنّه منّي) فهل أنّ أتباع إبراهيم من كان
في عصره فقط، أم الذين كانوا على دينه في العصور اللاحقة، أو يشمل كلّ الموحدين
والمؤمنين في العالم ـ بإعتبار إبراهيم (ع) مثالا في التوحيد ومحطّماً للأصنام
ـ؟ |
|
5
ـ واد غير ذي زرع والحرم الآمن
|
|
الذين سافروا إلى مكّة يعلمون
جيداً أنّها تقع بين جبال صخرية يابسة لا ماء فيها ولا كلأ، وكأنّ الصخور وضعت
في أفران حارّة ثمّ صبّت في أماكنها. وفي نفس الوقت فهي أكبر مركز للعبادة وأقدم
قاعدة للتوحيد على وجه المعمورة، وكذلك هي حرم الله الآمن. |
|
6
ـ الدعوات السبعة لإبراهيم
|
|
دعا إبراهيم (عليه
السلام) في هذه الآيات سبع دعوات في مجال التوحيد والمناجاة ومحاربة الأصنام
وعبادتها ومحاربة الظالمين: |
|
7
ـ هل يدعو إبراهيم لأبيه؟
|
|
ممّا لا شكّ فيه أنّ «آزر»
كان يعبد الأصنام، وكما يشير إليه القرآن فإنّ إبراهيم سعى جاهداً لأن يهديه لكن
خاب سعيه، وإذا سلّمنا أنّ آزر كان أباً لإبراهيم،
فلماذا يدعو إبراهيم أن يغفر الله له في الوقت الذي نرى أنّ القرآن يقول: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا
اُولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم).( التوبة، 113.) |
|
الآيات(42) (45)
وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَفِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّلِمُونَ إِنَّمَا
يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْم تَشْخَصُ
|
|
وَلاَ تَحْسَبَنَّ
اللهَ غَفِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّلِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْم
تَشْخَصُ فِيهِ الاَْبْصَرُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءُوسِهِمْ لاَ
يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) وَأَنذِرِ
النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا
أَخِّرْنَا إِلَى أَجَل قَرِيب نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَ
لَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَال (44) وَسَكَنتُمْ
فِي مَسَكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ
فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الاَْمْثَالَ (45) |
|
التّفسير |
|
اليوم الذي تشخّص فيه الأبصار!
|
|
كان الحديث في الآيات السابقة
عن يوم الحساب، وبهذه المناسبة تجسّم هذه الآيات حال الظالمين والمتجبّرين في
ذلك اليوم، ثمّ تبيّن المسائل المتعلّقة بالمعاد وتكمل الحديث السابق حول
التوحيد وتبدأ في تهديد الظالمين: (ولا تحسبنّ الله
غافلا عمّا يعمل الظالمون). وهذا في الواقع
جواب لاُولئك الذين يقولون: إذا كان لهذا
العالم إله عادل فلماذا يترك الظالمين وحالهم؟ هل هو غافل عنهم أم لا يستطيع أن
يمنعهم وهو يعلم بظلمهم؟ |
|
بحوث
|
|
1
ـ لماذا وجّه الخطاب هنا إلى الرّسول الأكرم؟
|
|
ممّا لا شكّ فيه أنّ النّبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) لا يتصوّر أبداً أنّ الله غافلا عن الظالمين، ومع ذلك
نرى الآيات أعلاه توجّه خطابها إلى النّبي وتقول له: (ولا
تحسبنّ الله غافلا عمّا يعمل الظالمون). وعلى أي حال فأساس الحياة يقوم على إعطاء المهلة الكافية للأفراد
حتّى ينفقوا ممّا عندهم، ولكي لا يبقى عذر لأحد تعطى
المهلة الكافية قبل ساعة الإمتحان، وإعطاء المهلة الكافية للرجوع
والإصلاح للجميع. |
|
2
ـ ما هو المقصود من ( يوم يأتيهم العذاب )؟
|
|
لقد أمر النّبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) أن ينذر الناس بهذا اليوم الذي ينزل عليهم فيه العذاب الإلهي، ولكن أي يوم هذا؟ ذكر المفسّرون له ثلاث إحتمالات: |
|
3
ـ لماذا لا تُقبل المهلة؟
|
|
نقرأ في آيات مختلفة من
القرآن الكريم أنّ الظالمين والمذنبين في مواقف متعدّدة، يطلبون الرجوع إلى
الحياة لتصحيح مسيرتهم، فبعض هذه المواقف مرتبط بيوم
القيامة كما أشرنا في الآية (28) من سورة الأنعام، وبعض آخر مرتبط بساعة
الموت كما تشير إليه الآية (99) من سورة المؤمنون (حتّى
إذا جاء أحدهم الموت قال ربّ ارجعون لعلّي أعمل صالحاً فيما تركت) والبعض
الآخر يطلب الرجوع عند نزول العذاب المهلك ـ كما في هذه الآية ـ حيث يقول
الظالمون عند رؤيتهم للعذاب (ربّنا أخّرنا إلى أجل قريب
نجب دعوتك) ومن الطريف أنّ الجواب في جميع هذه المواقف يكون بالنفي. |
|
الآيات(46(52) وَقَدْ
مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ
|
|
وَقَدْ مَكَرُوا
مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ
الْجِبَالُ (46) فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ
اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَام (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الاَْرْضُ غَيْرَ الاَْرْضِ
وَالسَّمَوَتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى
الُْمجْرِمِينَ يَوْمَئِذ مُّقَرَّنِينَ فِى الاَْصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُم
مِّن قَطِرَان وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِىَ اللهُ كُلَّ
نَفْس مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلَغٌ
لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَحِدٌ
وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الاَْلْبَبِ (52) |
|
التّفسير |
|
لا فائدة من مكرهم!
|
|
أشارت الآيات
السابقة إلى نوع من عقاب الظالمين، وفي هذه الآيات أيضاً أشارت ـ أوّلا ـ إلى جزء من أفعالهم، ومن ثمّ إلى قسم آخر من جزائهم الشديد وعقابهم الأليم. تقول الآية
الاُولى: (وقد مكروا مكرهم). «قطران» بفتح القاف وسكون الطاء أو بكسر القاف وسكون الطاء، وهي مادّةً تؤخذ من شجرة الأبهل ثمّ تُغلى فتثخن وتُطلى بها الإبل عند إصابتها بمرض الجرب، وكانوا
يعتقدون أنّ المرض يزول بسبب وجود الحرقة في هذه المادّة، وعلى أي حال فهي مادّة
سوداء نتنة وقابلة للإشتغال(يقول فريد وجدي في دائرة
المعارف في مادّة (القطران) مائع ناتج من تقطير الفحم الحجري، والقطران النباتي
يتمّ الحصول عليه من بعض الأشجار.). |
|
بحوث
|
|
1
ـ تبديل الأرض غير الأرض والسماوات
|
|
قرأنا في الآيات أعلاه أنّ في
يوم القيامة تبدّل الأرض غير هذه الأرض وكذلك السّماوات، فهل التبديل تبديل
ذاتي، أي أن تفنى هذه الأرض وتُخلق مكانها أرض أُخرى للقيامة؟ أم المقصود هو
تبديل الصفات، يعني دمار ما في الأرض والسّماوات وخلق أرض وسماوات جديدة على
أنقاضها؟ حيث تكون النسبة بينهما أنّ الثانية أكمل من الأُولى. |
|
2
ـ بداية وختام سورة إبراهيم
|
|
وكما رأينا فإنّ سورة إبراهيم
ابتدأت في بيان دور القرآن الكريم في إخراج
الناس من الظّلمات إلى نور العلم والتوحيد، وإنتهت في
بيان دور القرآن في إنذار الناس وتعليمهم التوحيد. |
|
3 ـ التوحيد هو
البداية والنهاية
|
|
الفائدة الأُخرى
التي علّمتنا إيّاها الآية أعلاه، هي التأكيد على التوحيد بعنوان الحديث الأخير،
وعلى اُولي الألباب بعنوان التذكّر الأخير. |
|
حياة النّبي إبراهيم (عليه السلام)
|
|
مع أنّ سورة إبراهيم هي
السورة الوحيدة في القرآن سمّيت بهذا الاسم، رأينا من المناسب أن نفهرس حياة هذا
الرجل العظيم ومحطّم الأصنام في نهايتها ـ مع العلم أنّها لا تذكر حالات إبراهيم
الأُخرى التي وردت في آيات أُخرى من القرآن ـ لكي يكون القارىء العزيز على علم
كاف بحياة هذا الرجل العظيم التي تذكرها الآيات الأُخرى إن شاء تعالى. |
|
ولادته وطفولته
|
|
ولد إبراهيم (عليه السلام) في
أرض «بابل» التي كانت من بلدان العالم المهمّة، وتحكّمها حكومة قويّة وجائرة،
وفتح عينيه على العالم في الوقت الذي كان نمرود بن كنعان الملك الجبّار الظالم
يحكم أرض بابل ويعتبر نفسه الربّ الأعلى(ذكر بعض
المؤرخّين أنّ ولادته (عليه السلام) ـ في مدينة (أور) التابعة لدولة بابل.). |
|
محاربته للمجاميع المختلفة من الوثنيين
|
|
وفي هذه الأثناء التي كان
يعبد فيها شعب بابل ـ بالإضافة إلى الأصنام ـ الموجودات السّماوية كالشمس والقمر
والنّجوم، صمّم إبراهيم (عليه السلام) على أن يوقظ وجدانهم عن طريق المنطق
والأدلّة الواضحة، ويزيل عن فطرتهم النقيّة ستار الظّلمات حتّى يشعّ في نفوسهم
نور الفطرة ويسلكوا في طريق التوحيد. |
|
الجهاد المنطقي مع الوثنيين
|
|
واجه إبراهيم أوّلا عبّاد
النّجوم ووقف مع مجموعة ممّن يعبدون الزهرة، التي تظهر بعد غروب الشمس مباشرةً،
حيث كانوا منشغلين في عبادتها، نادى إبراهيم ـ إمّا من باب الإستفهام الإنكاري،
أو من باب التنسيق مع الطرف المقابل بعنوان المقدّمة، لإثبات إشتباههم ـ (هذا
ربّي) وحينما أفل قال (إنّي لا أحبّ الآفلين). |
|
الحديث مع آزر
|
|
وفي مرحلة أُخرى بدأ حديثه مع
عمّه آزر بعبارات محكمة جدّاً وواضحة مقترنة بالمحبّة، وأحياناً يوبّخه وينذره
من مغبّة عبادة الأصنام ويقول له: لماذا تعبد شيئاً لا يسمع ولا يرى ولا يغني
عنك شيئاً؟ |
|
نبوّة إبراهيم (عليه السلام)
|
|
ليس عندنا دليل
واضح على عمر إبراهيم (عليه السلام) حينما تقلّد مقام النبوّة، ولكن نستفيد من الآيات في سورة مريم، أنّه أثناء
محاورته لعمّه كان من الأنبياء، حيث يقول تعالى: (واذكر
في الكتاب إبراهيم إنّه كان صدّيقاً نبيّاً إذ قال لأبيه ياأبت لِمَ تعبد ما لا
يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً). |
|
الجهاد العملي مع الوثنيين
|
|
على أي حال إزداد صدامه مع
الوثنيين يوماً بعد يوم حتّى إنتهى إلى قيامه بكسر الأصنام في معبد بابل (إلاّ
كبيرهم) بالإستفادة من الفرصة الملائمة! |
|
هجرة
إبراهيم
|
|
لقد أحسّت حكومة نمرود
الجبّارة بخطر هذا الشاب على دولته وأنّ من الممكن أن يسبّب يقظة الشعب الرازح
تحت ظلمه، وأن يحطّم القيود الإستعمارية المتسلّطة على رقاب الشعب، فصمّم على
الإيقاع بإبراهيم من خلال إحراقه بالنّار التي أجّجها جهل الناس وإرهاب النظام
الحاكم. |
|
المرحلة الأخيرة للرسالة
|
|
أمضى إبراهيم (ع) عمره في
جهاد الوثنيين وخصوصاً صنمية الإنسان، وإستطاع أن ينير قلوب المؤمنين بنور
التوحيد، ويبعث فيهم روحاً جديدة، ويحرّر مجاميع أُخرى من قيود المتسلّطين. وفي النهاية وبعد أن أبلى بلاءً حسناً نال كبير درجة من المقامات
التي يمكن للإنسان أن يصل إليها حيث يقول القرآن الكريم: (وإذا ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمّهنّ قال إنّي جاعلك
للناس إماماً قال من ذرّيتي قال لا ينال عهدي الظالمين). |
|
منزلته (عليه السلام)
في القرآن
|
|
توضّح الآيات
القرآنية أنّ الله سبحانه وتعالى أعطى لإبراهيم مقاماً لم يعطه لأحد من الأنبياء
من قبله، ويمكن ترتيب الآيات كما يلي: آمين ربّ
العالمين نهاية المجلد السّابع |
|
|
|
|
سُورَة إبراهيم مَكّيّة
وعَدَدُ آياتِها إثنان وخمسُون آية
|
|
سورة إبراهيم |
|
تحتوي على (52) آية، السورة مكّية بإستثناء الآيات (28) و(29) طبقاً لما قاله كثير من المفسّرين أنّها نزلت بالمدينة في قتلى المشركين في بدر. |
|
محتوى السورة
|
|
المعلوم من اسم
السورة أنّ قسماً منها نازل بشأن بطل التوحيد ومحطّم الأصنام
سيّدنا إبراهيم (عليه السلام) (قسمٌ من أدعيته). |
|
فضيلة السورة
|
|
روي عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «من قرأ سورة إبراهيم
والحجر اُعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من عبد الأصنام وبعدد من لم يعبدها»( مجمع البيان، ونور الثقلين، في بداية السورة.). |
|
الآيات(1) (3) الر
كِتَبٌ أَنزَلْنَهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَتِ إِلَى النُّورِ
بِإِذْنِ رَبِّهِمْ
|
|
الر كِتَبٌ
أَنزَلْنَهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَتِ إِلَى النُّورِ
بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللهِ الَّذِى لَهُ
مَا فِى السَّمَوَتِ وَمَا فِى الاَْرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَفِرِينَ مِنْ عَذَاب
شَدِيد(2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا عَلَى الاَْخِرَةِ
وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَئِكَ فِي ضَلَل
بَعِيد(3) |
|
التّفسير
|
|
الخروج
من الظّلمات إلى النّور!
|
|
شرعت هذه السورة ـ كبعض السور
القرآنية الأُخرى ـ بالحروف المقطّعة، التي ذكرنا تفسيرها في بداية سورة البقرة
وآل عمران، والنقطة التي يجب ملاحظتها هنا أنّ من بين 29 مورداً لسور القرآن التي إبتدأت بالحروف المقطّعة هناك 24
مورد ذكر بعدها مباشرةً القرآن الكريم، والتي تُبيّن أنّ هناك علاقة بين الإثنين، أي بين الحروف المقطّعة
والقرآن، ولعلّ هذه العلاقة هي نفسها التي ذكرناها في بداية سورة البقرة، فالله
سبحانه وتعالى يريد أن يوضّح من خلال هذا البيان أنّ هذا الكتاب السّماوي العظيم
المتعّهد لقيادة الإنسانيّة يتكوّن من مواد بسيطة تسمّى بحروف الألفباء، وهذه تشير إلى أهميّة هذا الإعجاز، حيث يوجد أصدق بيان
من أبسط بيان. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ مثل الإيمان وطريق الله مثل النّور
|
|
بالنظر إلى أنّ النّور ألطف
الموجودات الماديّة في العالم، وسرعة مسيره أعلى سرعة، وبركته من أكبر البركات،
ويمكن أن يقال أنّه أصل لكلّ المواهب والبركات، فإنّه يتّضح إلى أي مدى يشتمل
النّور على معنىً كبير بحيث أنّ القرآن شبّه الإيمان والسير في طريق الله
بالنّور. |
|
2 ـ التعبير بـ«لتخرج» في الآية الأُولى تشير إلى نقطتين:
|
|
الأُولى: بما أنّ القرآن الكريم كتاب هداية ونجاة للبشر، لكنّه
بحاجة إلى من يطبقه ويجريه، فيجب أن يكون هناك قائد كالرّسول لكي يستطيع أن يخرج
الضالّين عن الحقيقة من ظلمات الشقاء وهدايتهم إلى نور السعادة، ولهذا فالقرآن
الكريم بعظمته لا يمكن له أن يحلّ جميع المشاكل بدون وجود القائد والمنفّذ لهذه
الأحكام. |
|
3
ـ الملفت للنظر أنّ بداية هذه السورة
|
|
3 ـ الملفت للنظر
أنّ بداية هذه السورة شرعت بمسألة
هداية الناس من الظّلمات إلى النّور، ونهايتها خُتِمت بمسألة إبلاغ وإنذار
الناس، وهذه توضّح أنّ الهدف الأصلي في كلّ الأحوال هو الناس ومصيرهم وهدايتهم،
فإنزال الكتب السّماوية وبعث الأنبياء في الواقع هو للوصول إلى هذا الهدف. |
الآيات(4) (7) وَمَا
أَرْسَلْنَا مِن رَّسُول إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ
فَيُضِلُّ اللهُ مَن يَشَاءُ
|
|
وَمَا أَرْسَلْنَا
مِن رَّسُول إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَن
يَشَاءُ وَيَهْدِى مَن يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَتِ إِلَى
النُّورِ وَذَكِّرْهُم بَأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاََيَت لِّكُلِّ
صَبَّار شَكُور(5) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ
عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ
الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِى
ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن
شَكَرْتُمْ لاََزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ (7) |
|
|
التّفسير |
|
الأيّام الحسّاسة في الحياة:
|
|
كان الحديث في الآيات السابقة
عن القرآن الكريم وآثاره الروحية، وتتابع الآية الأُولى من هذه المجموعة نفس
الموضوع، لكن في بُعد خاص وهو أنّ دعوة الأنبياء وكتبهم السّماوية نزلت بلسان
أوّل قوم بُعِثوا إليهم. يقول تعالى: (وما أرسلنا من
رسول إلاّ بلسان قومه). ومن الطريف أنّه في حالة الشكر يقول بصراحة (لأزيدنّكم) أمّا في حالة كفران النعم فلا يقول (اُعذّبكم) بل يقول: (إنّ
عذابي لشديد) وهذا التفاوت دليل على سموّ اللطف الإلهي. |
|
بحوث
|
|
1
ـ التذكّر لأيام الله
|
|
كما قلنا في تفسير
الآية أعلاه، فإنّ إضافة «أيّام» إلى
«الله» إشارة إلى الأيّام المصيرية والمهمّة في حياة
الناس، فإنّها بسبب عظمتها اُضيفت إليها كلمة «الله»، وكذلك لأنّ واحدة
من النعم الإلهيّة الكبيرة شملت حال قوم أو اُمّة، أو إحدى العقوبات الكبرى
أصابت قوماً طاغين بالعذاب الإلهي، وقد أراد الله تعالى أن يجعل هذه الأيّام
تذكرة باقية للناس. |
|
2
ـ طريقة الجبّارين في التعامل
|
|
نقرأ مراراً في آيات القرآن
الكريم أنّ الفراعنة كانوا يذبحون أبناء بني إسرائيل ويحتفظون بنسائهم، وهذا العمل لا يقتصر على فرعون، بل كان على طول
التاريخ طريقة كلّ المستعمرين حيث كانوا يبيدون قسماً من القوى الفاعلة
والمقاومة، ويضعفون قسماً آخر منها ويستخدمونها في منافعهم الخاصّة، وبدون هذا
العمل لا يمكنهم الإستمرار في إستعمارهم. |
|
3
ـ الحرية من أفضل النعم
|
|
من الطريف أنّ الآية أعلاه
بعد أن ذكرت «أيّام الله» أشارت بصراحة إلى يوم واحد
منها، وهو يوم نجاة بني إسرائيل من قبضة الفراعنة (إذ أنجاكم من آل فرعون) إنّ تاريخ بني إسرائيل مليء
بالأيّام العظيمة التي وهبهم الله فيها النعم الكبيرة تحت ظلّ هداية موسى، ولكن
ذكر (يوم النجاة) في الآية أعلاه دليل على أهميّة الحرية والإستقلال في مصير الاُمم. |
|
4
ـ الشكر سبب لزيادة النعم والكفر سبب للفناء
|
ممّا لا شكّ فيه أنّ الله
سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلى شكرنا في مقابل نعمه علينا، وإذا أمرنا بالشكر فذاك
لنستوجب نعمة أُخرى وهي واحدة من المبادىء السامية في التربية. |
|
هناك عدّة نقاط في مجال شكر النعمة:
|
|
1 ـ
قال الإمام علي (عليه السلام) في إحدى حكمه: «إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلّة الشكر»( نهج البلاغة الكلمات القصار، رقم 13.). |
|
الآيات (8) (10)
وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِى الاَْرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ
اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ
|
|
|
وَقَالَ مُوسَى إِن
تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِى الاَْرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ
حَمِيدٌ (8) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوح
وَعَاد وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ
جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِى أَفْوَهِهِمْ
وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِى شَكٍّ
مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيب (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى اللهِ شَكٌّ
فَاطِرِ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ
وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَل مُّسَمّىً قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ
مِّثْلُنَا تُرِيُدونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا
فَأْتُونَا بِسُلْطَن مُّبِين (10) |
|
التّفسير |
|
أفي الله شكّ؟
|
|
الآية الأُولى من هذه
المجموعة تؤيّد وتُكمل البحث السابق في الشكر والكفران، وذلك ضمن الكلام الذي
نقل عن لسان موسى (ع) (وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في
الأرض جميعاً فإنّ الله لغني حميد)( «إن تكفروا» جملة شرطيّة تقديرها محذوف،
وجملة «إنّ الله لغني حميد» تدلّ على ذلك وكان التقدير «إن تكفروا ... لا تضرّوا
الله شيئاً».). وعن الإمام الصادق
أيضاً: «إنّ الرجل يذنب فيحرم صلاة الليل، وإنّ العمل السيء
أسرع في صاحبه من السكّين في اللحم»( سفينة البحار،
المجلد الأوّل، ص488.). |
|
الآيتان(11) (12) قَالَتْ
لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللهَ
يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ
|
|
قَالَتْ لَهُمْ
رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلَى
مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَن
إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا
لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَينَا سُبُلَنَا
وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا ءَاذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُتَوَكِّلُونَ (12) |
|
التّفسير |
|
التوكّل على الله وحده:
|
|
نقرأ في هاتين
الآيتين جواب الرسل على حجج المخالفين المعاندين، وإعتراضهم على بشرية الرسل، فكان جوابهم: (قالت لهم رسلهم
إن نحن إلاّ بشر مثلكم ولكنّ الله يمنّ على من يشاء من عباده) يعني لو
إفترضنا أنّ الله تعالى أرسل لكم ملائكة بدل البشر، فهي لا تمتلك شيئاً لذاتها،
فكلّ المواهب ومن جملتها موهبة الرسالة والقيادة هي من عند الله، فالذي يستطيع
أن يهب الملائكة هذا المقام قادر أن يعطيها للإنسان. |
|
ملاحظات |
|
1
ـ ما هو معنى التوكّل؟
|
|
قرأنا في الآية الأُولى (فليتوكّل المؤمنون) وفي الآية الثانية (فليتوكّل المتوكّلون) وكأنّ الجملة الثانية تشير إلى
مرحلة أوسع وأعمّ من الجملة الأُولى، يعني أنّ توكّل المؤمنون ممّا لا شكّ فيه ـ
لأنّ الإيمان بالله غير منفصل عن الإيمان بقدرته وحمايته والتوكّل عليه ـ بل حتّى
غير المؤمنين ملجأهم إلى الله ولا يجدون سبيلا غيره، لأنّ غيره فاقد للأشياء،
وكلّ ما في الوجود ملك لذاته المقدّسة، ولذلك يجب أن يجعلوه وليّاً لهم، ويطلبوا
منه أن يهديهم توكّلهم هذا للإيمان بالله. |
|
2
ـ المعاجز بيد اللّه تعالى
|
|
أجابت الآيات أعلاه ـ بشكل واضح ـ الأشخاص الذين كانوا ينكرون إعجاز
الرسل. أو ينكرون معاجز رسول الإسلام غير
القرآن، وتُعلّمنا هذه الآيات أنّ الرسل لم يقولوا
أبداً: نحن لا نأتي بالمعاجز، بل إنّ الأوامر الإلهيّة كانت تمنعهم من
ذلك، لأنّ الإعجاز بيده وفي إختياره، وكلّ ما يراه مصلحة يأمرنا به. |
|
3
ـ ما هي حقيقة وفلسفة التوكّل؟
|
|
«التوكّل» في الأصل من «الوكالة» وكما قال الراغب: التوكيل أن تعتمد على غيرك وتجعله نائباً عنك.
ونحن نعلم أنّ الوكيل الصالح له أربع خصال رئيسيّة:
العلم الكافي، والأمانة، والقدرة، والمبالغة في رعاية مصلحة موكّله. فإنتخاب
الوكيل المحامي يتمّ في الأعمال التي لا يستطيع الإنسان نفسه أن يدافع عنها،
فيستفيد من مساعدة قوّة الآخرين في حلّ مشاكله. |
|
فلسفة التوكّل
|
|
نستفيد ممّا ذكرناه أنّه: |
|
أوّلا: إنّ الإنسان سوف تزداد مقاومته للمشاكل الصعبة لتوكّله
على الله الذي هو منبع جميع القدرات والإستطاعات. وفي الآية (159) آل عمران (فاعف عنهم واستغفر
لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على الله إنّ الله يحبّ المتوكّلين). |
|
الآيات(13) (17) وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلَهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ
لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا
|
|
وَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لِرُسُلَهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى
مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّلِمِينَ
(13)وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الاَْرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِى
وَخَافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّار عَنِيد (15) مِّن
وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيد (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ
يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَان وَمَا هُو بِمَيِّت
وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17) |
|
التّفسير |
|
خطط الجبّارين المعاندين ومصيرهم!
|
|
عندما يعلم الظالمون بضعف
منطقهم وعقيدتهم، يتركون الإستدلال، ويلجأون إلى القوّة والعنف، ونقرأ هنا أنّ
الأقوام الكافرة العنيدة عندما سمعوا منطق الأنبياء المتين والواضح قالوا
لرسلهم: (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنّكم من أرضنا أو لتعودنّ في ملّتنا)
وكأنّ هؤلاء القوم يعتبرون جميع ما في الأرض ملكهم، حتّى أنّهم لم يمنحوا لرسلهم
حقوق المواطنة، ولذلك يقولون «أرضنا». وفي الحقيقة فإنّ الله سبحانه وتعالى خلق
الأرض وكلّ مواهبها للصالحين، وهؤلاء الجبابرة في الواقع ليس لهم أي حقّ فيها. |
|
بحوث
|
|
1 ـ
ماذا يعني مقام الربّ؟ قرأنا في الآيات أعلاه أنّ
النصر على الظالمين وإسكان الأرض للذين يخافون مقام ربّهم، فما هو المقصود من
«المقام»؟ هناك عدّة إحتمالات: |
|
الآية(18) مَّثَلُ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَلُهُمْ كَرَمَاد اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ
فِى يَوْم عَاصِف
|
|
مَّثَلُ الَّذِينَ
كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَلُهُمْ كَرَمَاد اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِى يَوْم
عَاصِف لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْء ذَلِكَ هُوَ الضَّلَلُ
الْبَعِيدُ (18) |
|
التّفسير |
|
رمادٌ إشتدّت به الريح:
|
|
ضربت هذه الآية مثالا واضحاً
وبليغاً لأعمال الكفّار، وبذلك تكمل بحث الآيات السابقة في مجال عاقبة أمرهم. |
|
بحوث:
|
|
1 ـ
لماذا شبّهت أعمالهم كرماد إشتدّت به الريح؟ الجواب: |
|
2
ـ لماذا فرغت أعمالهم من المحتوى؟
|
|
يجب أن نرى لماذا كانت أعمال
الكفّار غير ذات قيمة وغير ثابتة؟ ولماذا لا يستطيع الكفّار الإستفادة من نتائج
أعمالهم؟ |
|
3
ـ مسألة الإحباط
|
|
هناك جدل كبير بين علماء المسلمين في مسألة
«حبط الأعمال» فهل معناه ذهاب عمل الخير بسبب عمل الشرّ، أو بسبب الكفر وعدم الإيمان، ولكن
الحقّ ما قلناه في ذيل الآية (217) من سورة البقرة، من أنّ الإصرار على الكفر والعناد وأيضاً بعض
الأعمال الأُخرى كالحسد والغيبة وقتل النفس
لها آثار سيّئة كبيرة بحيث تذهب بأعمال الخير والحسنات. |
|
4
ـ هل للمخترعين والمكتشفين ثواب إلهي؟
|
|
بالنظر للبحوث الآنفة الذكر يرد سؤال مهمّ، وهو أنّنا من خلال مطالعتنا في تأريخ
العلوم والإختراعات والإكتشافات نرى أنّ هناك مجموعة من العلماء إستطاعوا أن
يقدّموا خدمات جليلة للبشرية وتحمّلوا في سبيل خدمة البشرية منتهى الشدّة
والصعوبة ليقدّموا إختراعاتهم وإكتشافاتهم للناس، فعلى
سبيل المثال مخترع الكهرباء «أديسون» تحمّل الصعاب ويُقال فقد حياته في
هذا الطريق لكنّه أضاء العالم، وحرّك المعامل، وببركة إختراعه وجدت الآبار
العميقة حيث اخضّرت الأرض وتغيّرت الدنيا. و «باستور»
الذي إكتشف المكروب، وأنقذ ملايين الناس من
الموت المحتوم .. فهؤلاء وعشرات مثلهم كيف
يجعلهم الله في جهنّم لكونهم غير مؤمنين؟ مع أنّ
هناك أفراداً لم يقدّموا أيّة خدمة للإنسانية طول
حياتهم، ويدخلون الجنّة! |
|
الآيتان(19) (20) أَلَمْ
تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضَ بِالْحَقِّ
|
|
إِن يَشَأْ
يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْق جَدِيد (19) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيز
(20) |
|
التّفسير |
|
الخلق على أساس الحقّ:
|
|
بعد ما بحثنا عن الباطل وأنّه
كالرماد المتناثر إذا إشتدّت به الريح، نبحث في هذه الآية عن الحقّ وإستقراره.
يقول الله تعالى مخاطباً النّبي بإعتباره الاُسوة لكلّ دعاة الحقّ (ألم تر أنّ الله خلق السّماوات والأرض بالحقّ). |
|
الآيات (21) (23) وَبَرَزُوا لِلَّهِ
جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَؤُا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ
تَبَعاً
|
|
وَبَرَزُوا لِلَّهِ
جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَؤُا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ
تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَاب اللهِ مِن شَىْء قَالُوا
لَوْ هَدَينَا اللهُ لَهَدَيْنَكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ
صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيص (21) وَقَالَ الشَّيْطَنُ لَمَّا قُضِىَ
الاَْمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ
فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَن إِلاَّ أَن
دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى فَلاَ تَلُومُونِى وَلُومُوا أَنفُسَكُم مَّا
أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِىَّ إِنِّى كَفَرْتُ بِمَا
أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)
وَأُدْخِلَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ جَنَّت تَجْرِى مِن
تَحْتَهِا الاَْنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ
فِيهَا سَلَمٌ (23) |
|
التّفسير |
|
المحادثة الصريحة بين الشيطان وأتباعه:
|
|
أشارت الآيات السابقة إلى
العقاب الشديد للمخالفين والمعاندين والكافرين، وهذه
الآيات تكمل ذاك البحث. |
|
ملاحظات |
|
1
ـ ما هو المراد من ( وبرزوا لله جميعاً )؟
|
|
أوّل سؤال يطرح بخصوص هذه
الآية هو: هل أنّ الناس في هذه الدنيا غير ظاهرين في علم الله لكي تقول الآية: (وبرزوا لله
جميعاً)؟ |
|
2 ـ ما هو
المقصود من جملة ( لو هدانا الله لهديناكم )؟
|
|
يعتقد كثير من
المفسّرين أنّ المقصود الهداية عن طريق
النجاة من العقاب الإلهي في ذلك العالم، لأنّ هذا الحديث قاله المستكبرون
لأتباعهم حينما طلبوا منهم أن يغنوا عنهم قسماً من العذاب، فالسؤال والجواب متناسبان
ويوحيان أنّ المقصود هو هدايتهم للنجاة من العذاب. |
|
3
ـ أوضح بيان في ذمّ التقليد الأعمى يتّضح لنا من الآية أعلاه ما يلي:
|
|
أوّلا: الأشخاص
الذين يضعون زمام اُمورهم بيد الآخرين هم ضعفاء الشخصيّة، وقد عبّر عنهم القرآن الكريم بـ(الضعفاء). |
|
بحوث
|
|
1
ـ جواب الشيطان الحاسم لأتباعه
|
|
مع أنّ كلمة
«الشيطان»( للتوضيح أكثر في معنى
الشيطان في القرآن راجع تفسير الآية 36 من سورة البقرة
من تفسيرنا هذا.) لها مفهوم واسع وتشمل كلّ الطواغيت
ووساوس الجنّ والإنس، ولكن في قراءتنا لهذه الآية وما قبلها علمنا أنّ
المقصود هنا هو شخص إبليس الذي يعتبر رئيساً
للشياطين، ولذلك إنتخب جميع المفسّرين هذا
التّفسير أيضاً. |
|
2
ـ كيف إستطاع الشيطان أن يلتقي باتّباعه ويلومهم في ذاك الموقف الكبير؟
|
|
الجواب: هو أنّ الله تعالى يمنحه القدرة على ذلك، وهذا في الواقع
نوع من العقاب النفسي لأتباع الشيطان، وإنذار لكلّ السائرين في طريقه في هذه
الدنيا، لكي يعلموا من الآن مصيرهم ومصير قادتهم، وعلى أيّة حال فالله تعالى
بطريقة ما يهيىء وسيلة الإرتباط بين الشيطان وأتباعه. |
|
3 ـ الإغاثة وطلب
المساعدة
|
|
3 ـ
«المصرخ» من مادّة «إصراخ» وفي الأصل من مادّة «صرخ»، وهي بمعنى الإغاثة وطلب المساعدة، ولذلك فالمصرخ بمعنى المغيث، والمستصرخ طالب
الإستغاثة. |
|
4
ـ القصد من إتّخاذ الكفّار الشيطان شريكاً في الآية أعلاه شرك الطاعة وليس شرك
العبادة.
|
|
5 ـ (إنّ
الظالمين لهم عذاب أليم)
|
|
5 ـ في أنّ جملة (إنّ الظالمين لهم عذاب أليم) تابعة لحديث
الشيطان أم كلام مستقل من الله تعالى، هناك آراء مختلفة عند المفسّرين، لكن التّفسير الأقرب هو أنّ الجملة مستقلّة ومن كلام
الله حيث قالها في نهاية حديث الشيطان مع أتباعه لتكون درساً تربويّاً. |
|
الآيات(24) (27) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ
ضَرَبَ اللهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَة طَيِّبَة أَصْلُهَا ثَابِتٌ
وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاءِ
|
|
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ
ضَرَبَ اللهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَة طَيِّبَة أَصْلُهَا ثَابِتٌ
وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاءِ (24) تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينِ بِإِذْنِ
رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الاَْمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
(25) وَمَثَلُ كَلِمَة خَبِيثَة كَشَجَرَة خَبِيثَة اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ
الاَْرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَار (26) يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا
بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَفِى الاَْخِرَةِ وَيُضِلُّ
اللهُ الظَّلِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ(27) |
|
التّفسير |
|
الشّجرة الطيّبة والشّجرة الخبيثة!
|
|
هنا مشهد آخر في
تجسيم الحقّ والباطل، الكفر والإيمان، الطيّب والخبيث ضمن مثال واحد جميل وعميق المعنى ... يُكمل البحوث
السابقة في هذا الباب. ومن البديهي أنّ مثل هذه
الشجرة ليس لها أصل، ولا نمو ولا تكامل ولا ثمار ولا ظلّ ولا ثبات ولا إستقرار،
بل هي قطعة خشبيّة لا تصلح إلاّ للإشتعال ... بل أكثر من ذلك هي قاطعة للطريق
وتزاحم السائرين وأحياناً تؤذي الناس! |
|
بحوث
|
|
1
ـ هل القصد من الآخرة في الآية هو القبر؟
|
|
نقرأ في روايات متعدّدة أنّ
الله يثبت الإنسان على خطّ الإيمان عندما يواجه أسئلة الملائكة في القبر، وهذا
معنى الآية (يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي
الآخرة). |
|
2
ـ دور الثبات والإستقامة
|
|
من بين جميع الصفات التي
ذكرتها الآيات أعلاه للشجرة الطيّبة والخبيثة، وردت مسألة الثبات وعدم الثبات
بشكل أكثر، وحتّى في بيان ثمار هذه الشجرة يقول تعالى: (يثبّت
الله الذين آمنوا) وبهذا الترتيب تتّضح لنا أهميّة الثبات ودوره في حياة
الإنسان. |
|
3
ـ الشجرة الطيّبة والخبيثة في الرّوايات الإسلامية
|
|
كما قلنا أعلاه فإنّ كلمة
«الطيّبة» و «الخبيثة» التي شبّهت الشجرتان بها، لها مفهوم واسع بحيث تشمل كلّ
شخص وبرنامج ومبدأ وفكر وعلم وقول وعمل، ولكن وردت في
بعض الرّوايات في موارد خاصّة ولكن لا تنحصر بها. وفي بعضها الآخر فسّرت الشجرة الطيّبة بالنخل
والخبيثة بالحنظلة. |
|
الآيات(28) (30)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا
قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ
|
|
أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ
الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعِلُوا
لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّوا عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ
مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) |
|
التّفسير |
|
نهاية كفران النعم:
|
|
الخطاب في هذه الآيات موجّه للرسول (ص) وهو في الحقيقة عرض لواحد من موارد
«الشجرة الخبيثة». |
|
بحوث
|
|
1 ـ
يقال في العبارات الدارجة: إنّ الشخص
الفلاني كفر بنعمة الله، ولكن الآية أعلاه تقول: (الذين
بدّلوا نعمت الله كفراً) إنّ هذا التعبير الخاص
يدلّ على أحد أمرين: |
|
الآيات(31) (34) قُل
لِّعِبَادِىَ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَوةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا
رَزَقْنَهُمْ سِرَّاً وَعَلاَنِيَةً
|
|
قُل لِّعِبَادِىَ
الَّذِينَ ءَامَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَوةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَهُمْ
سِرَّاً وَعَلاَنِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ
خِلَلٌ (31) اللهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الَّثمَرَتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ
لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِىَ فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ
الاَْنْهَرَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ
لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33)وَءَاتَيكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلُْتمُوهُ وَإِن
تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَنَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) |
|
التّفسير |
|
عظمة الإنسان من وجهة نظر القرآن:
|
|
تعقيباً للآيات السابقة في
الحديث عن برنامج المشركين والذين كفروا بأنعم الله وكون مصيرهم إلى دار البوار،
تتحدّث هذه الآيات عن برنامج عباد الله المخلصين والنعم النازلة عليهم، يقول
تعالى: (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا ممّا رزقناهم سرّاً
وعلانية) قبل أن يأتي ذلك اليوم الذي لا يستطيع فيه الإنسان من التخلّص من
العذاب بشراء السعادة والنعيم الخالد، ولا تنفع الصداقة حينئذ (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال). |
|
بحوث
|
|
1
ـ الصلة بالخالق والصلة بالخلق
|
|
نواجه في هذه الآيات مرّةً أُخرى وفي تنظيم برنامج المؤمنين الصادقين مسألة «الصلاة» و «الإنفاق»،
وفي البداية قد يطرح هذا السؤال، وهو: كيف أشار
القرآن الكريم لهاتين المسألتين من بين جميع البرامج العمليّة للإسلام؟ العلّة
في ذلك أنّ للإسلام أبعاد مختلفة يمكن تلخيصها في ثلاث نقاط: علاقة الإنسان
بربّه، وعلاقته بخلق الله، وعلاقته بنفسه، وهذا القسم الأخير في الحقيقة نتيجة
للقسم الأوّل والثاني، فالصلاة والإنفاق كلّ واحدة منهما رمز للعلاقة الأُولى
والثانية. |
|
2
ـ لماذا السرّ والعلانية؟
|
|
نقرأ مراراً في آيات القرآن
أنّ المؤمنين ينفقون أو يتصدّقون في السرّ والعلانية، وبهذا الترتيب فإنّه تعالى
مع ذكره للإنفاق يذكر كيفيّة الإنفاق، لأنّه يكون مرّةً في السرّ أكثر تأثيراً
وكرامة، ويكون مرّةً أُخرى في الجهر سبباً في تشجيع الآخرين وإقتدائهم في إقامة
الشعائر الدينيّة. |
|
3
ـ يومٌ لا بيع فيه ولا خلال
|
|
من المعلوم أنّ يوم
القيامة هو يوم إستلام النتائج ومتابعة جزاء الأعمال، وبهذا الترتيب لا يستطيع أحد هناك أن ينجو من العذاب
بفدية، حتّى لو إفترضنا أنّه ينفق جميع ما في الأرض فإنّه لا يمكن أن يمحو ذرّةً
من جزاء أعماله، لأنّ صحيفته في «دار العمل» أي
الدنيا مليئة بالأخطاء والذنوب وهناك «دار الحساب». |
|
4
ـ كلّ الموجودات تحت إمرة الإنسان!
|
|
نواجه في هذه الآيات
مرّةً أُخرى تسخير مختلف الموجودات في
الأرض والسّماء للإنسان، وقد قسمت إلى ستّة أقسام:
تسخير الفلك، والأنهار، والشمس، والقمر، والليل، والنهار. ونرى أنّ قسماً من هذه
المسخّرات من السّماء، وقسماً آخر من الأرض، وقسماً ثالثاً من الظواهر بين
الإثنين (الليل والنهار). ونستفيد أيضاً من
هذا البيان أنّ للتسخير في لغة القرآن معنيان: |
|
5
ـ دائبين
|
|
قلنا أنّ «دائب» من مادّة «الدؤوب» بمعنى إستمرار العمل طبقاً للعادة
والسنّة، فالشمس لا تدور حول الأرض، بل الأرض تدور حول الشمس، ونحن نظنّ أنّ
الشمس تدور حولنا، وهذه الحركة ليست المقصودة في معنى «دائب» بل الإستمرار في إنجاز العمل يدخل في مفهوم الدؤوب،
ونحن نعلم أنّ الشمس والقمر لهما برنامج في إنبعاث النّور وما يتبعه من توقّف
الحياة على الأرض عليه بشكل مستمر وفي غاية من الدقّة (وهناك
حركات أُخرى للشمس كما يقوله العلماء، منها الحركة حول نفسها، وحركتها مع
المجموعة الشمسية). |
|
6
ـ هل يُعطينا الله كلّ ما نطلب منه؟
|
|
قرأنا في الآيات أعلاه أنّ
الله عزّوجلّ لطف بكم وأعطاكم من كلّ ما سألتموه («من» في الآية تبعيضيّة) وذلك
بسبب أنّ كثيراً ممّا يطلبه الإنسان من ربّه قد يعود عليه بالضرر والهلاك، ولكنّ
الله حكيم وعالم ورحيم فلا يستجيب لمثل هذه الطلبات، وفي المقابل نرى في أكثر
الأحيان أنّ الإنسان لا يطلب شيئاً بلسانه، ولكن يتمنّاه بفطرته ووجدانه فيستجيب
الله له، وليس هناك مانع من أن يكون السؤال في جملة (ما
سألتموه) شاملا للسؤال باللسان والسؤال بالفطرة والوجدان. |
|
7
ـ لماذا لا تُحصى نعماؤه؟
|
|
نعم الله ـ في الحقيقة ـ تعمّ
كلّ وجودنا، وإذا ما طالعنا الكتب المختلفة في العلوم الطبيعيّة والإنسانيّة
والنفسيّة وأمثالها فسوف نرى إلى أي مدى تتّسع أطراف هذه النعم، وفي الحقيقة إنّ
لكلّ نَفَس يتنفّسه الإنسان نعمتان، ولكلّ نعمة شكر واجب. |
|
8
ـ أسفاً .. إنّ الإنسان ظلومٌ وكفّار
|
|
توصّلنا في البحوث السابقة
إلى هذه الحقيقة، وهي أنّ الله سخّر للإنسان جميع الموجودات، وهيّأ له كلّ هذه
النعم بحيث سدّ جميع إحتياجاته، ولكن الإنسان بسبب إبتعاده عن نور الإيمان
والتربية، نراه يخطو في طريق الظلم والطغيان ويكفرُ بالنعم. |
|
الآيات(35) (41)
وَإِذْ قَالَ إِبْرَهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ ءَامِناً وَاجْنُبْنِى
وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الاَْصْنَامَ
|
|
وَإِذْ قَالَ
إِبْرَهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ ءَامِناً وَاجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن
نَّعْبُدَ الاَْصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ
النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنِّى وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ (36) رَّبَّنَا إِنِّى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَاد غَيْرِ ذِى
زَرْع عِندَ بَيْتِكَ الُْمحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَوةَ فَاجْعَلْ
أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّن الَّثمَرَتِ
لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِى وَمَا
نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللهِ مِن شَىْء فِي الاَْرْضِ وَلاَ فِى السَّمَاءِ
(38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَعِيلَ
وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّى لَسَمِيعُ الدُّعَآءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِى مُقِيمَ
الصَّلَوةِ وَمِن ذُرِّيَّتِى رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ (40) رَبَّنَا
اغْفِرْ لِى وَلِوَلِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) |
|
التّفسير |
|
دعاء إبراهيم (عليه السلام):
|
|
لمّا كان الحديث في الآيات
السابقة عن المؤمنين الصادقين والشاكرين لأنعم الله، عقّبت هذه الآيات في بحث
بعض أدعية وطلبات العبد المجاهد والشاكر لله إبراهيم (عليه السلام) ليكون هذا
البحث تكملة للبحث السابق ونموذجاً حيّاً للذين يريدون أن يستفيدوا من النعم
الإلهيّة أفضل إستفادة. |
|
بحوث
|
|
1
ـ هل كانت مكّة في ذلك الوقت مدينة؟
|
|
رأينا في الآيات السابقة أنّ
إبراهيم قال: (ربّ إنّي أسكنت من ذرّيتي بواد غير ذي
زرع) وهذه إشارة إلى أوّل دخوله أرض مكّة والتي كانت غير مزروعة ولا
معمورة ولا ساكن فيها سوى أسّس بيت الله الحرام، ومجموعة من الجبال الجرداء. |
|
2
ـ أمان أرض مكّة
|
|
من الطريف أنّ أوّل ما سأل
إبراهيم من ربّه في هذه الأرض هو الأمان، وهذا
يوضّح أنّ نعمة الأمن هي من الشروط الأُولى لحياة
الإنسان وسكنه في منطقة ما، فالمكان غير الآمن لا يمكن السكن فيه، حتّى
لو إجتمعت كلّ النعم الدنيويّة فيه، وفي الحقيقة أي
مدينة أو بلد فاقد لنعمة الأمن سوف يفقد جميع النعم! |
|
3
ـ دعاء إبراهيم لإجتناب عبادة الأصنام؟
|
|
ممّا لا شكّ فيه أنّ إبراهيم
(عليه السلام) كان نبيّاً معصوماً، وكذلك إبناه إسماعيل وإسحاق كانا نبيّين معصومين، لأنّهما داخلان في كلمة «بنيّ» في الآية قطعاً، ومع
ذلك يدعو الله أن يجنّبهم عبادة الأصنام! |
|
4
ـ من هم أتباع إبراهيم؟
|
|
قرأنا في الآيات
أنّ إبراهيم قال: (فمن تبعني فإنّه منّي) فهل أنّ أتباع إبراهيم من كان
في عصره فقط، أم الذين كانوا على دينه في العصور اللاحقة، أو يشمل كلّ الموحدين
والمؤمنين في العالم ـ بإعتبار إبراهيم (ع) مثالا في التوحيد ومحطّماً للأصنام
ـ؟ |
|
5
ـ واد غير ذي زرع والحرم الآمن
|
|
الذين سافروا إلى مكّة يعلمون
جيداً أنّها تقع بين جبال صخرية يابسة لا ماء فيها ولا كلأ، وكأنّ الصخور وضعت
في أفران حارّة ثمّ صبّت في أماكنها. وفي نفس الوقت فهي أكبر مركز للعبادة وأقدم
قاعدة للتوحيد على وجه المعمورة، وكذلك هي حرم الله الآمن. |
|
6
ـ الدعوات السبعة لإبراهيم
|
|
دعا إبراهيم (عليه
السلام) في هذه الآيات سبع دعوات في مجال التوحيد والمناجاة ومحاربة الأصنام
وعبادتها ومحاربة الظالمين: |
|
7
ـ هل يدعو إبراهيم لأبيه؟
|
|
ممّا لا شكّ فيه أنّ «آزر»
كان يعبد الأصنام، وكما يشير إليه القرآن فإنّ إبراهيم سعى جاهداً لأن يهديه لكن
خاب سعيه، وإذا سلّمنا أنّ آزر كان أباً لإبراهيم،
فلماذا يدعو إبراهيم أن يغفر الله له في الوقت الذي نرى أنّ القرآن يقول: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا
اُولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم).( التوبة، 113.) |
|
الآيات(42) (45)
وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَفِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّلِمُونَ إِنَّمَا
يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْم تَشْخَصُ
|
|
وَلاَ تَحْسَبَنَّ
اللهَ غَفِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّلِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْم
تَشْخَصُ فِيهِ الاَْبْصَرُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءُوسِهِمْ لاَ
يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) وَأَنذِرِ
النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا
أَخِّرْنَا إِلَى أَجَل قَرِيب نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَ
لَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَال (44) وَسَكَنتُمْ
فِي مَسَكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ
فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الاَْمْثَالَ (45) |
|
التّفسير |
|
اليوم الذي تشخّص فيه الأبصار!
|
|
كان الحديث في الآيات السابقة
عن يوم الحساب، وبهذه المناسبة تجسّم هذه الآيات حال الظالمين والمتجبّرين في
ذلك اليوم، ثمّ تبيّن المسائل المتعلّقة بالمعاد وتكمل الحديث السابق حول
التوحيد وتبدأ في تهديد الظالمين: (ولا تحسبنّ الله
غافلا عمّا يعمل الظالمون). وهذا في الواقع
جواب لاُولئك الذين يقولون: إذا كان لهذا
العالم إله عادل فلماذا يترك الظالمين وحالهم؟ هل هو غافل عنهم أم لا يستطيع أن
يمنعهم وهو يعلم بظلمهم؟ |
|
بحوث
|
|
1
ـ لماذا وجّه الخطاب هنا إلى الرّسول الأكرم؟
|
|
ممّا لا شكّ فيه أنّ النّبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) لا يتصوّر أبداً أنّ الله غافلا عن الظالمين، ومع ذلك
نرى الآيات أعلاه توجّه خطابها إلى النّبي وتقول له: (ولا
تحسبنّ الله غافلا عمّا يعمل الظالمون). وعلى أي حال فأساس الحياة يقوم على إعطاء المهلة الكافية للأفراد
حتّى ينفقوا ممّا عندهم، ولكي لا يبقى عذر لأحد تعطى
المهلة الكافية قبل ساعة الإمتحان، وإعطاء المهلة الكافية للرجوع
والإصلاح للجميع. |
|
2
ـ ما هو المقصود من ( يوم يأتيهم العذاب )؟
|
|
لقد أمر النّبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) أن ينذر الناس بهذا اليوم الذي ينزل عليهم فيه العذاب الإلهي، ولكن أي يوم هذا؟ ذكر المفسّرون له ثلاث إحتمالات: |
|
3
ـ لماذا لا تُقبل المهلة؟
|
|
نقرأ في آيات مختلفة من
القرآن الكريم أنّ الظالمين والمذنبين في مواقف متعدّدة، يطلبون الرجوع إلى
الحياة لتصحيح مسيرتهم، فبعض هذه المواقف مرتبط بيوم
القيامة كما أشرنا في الآية (28) من سورة الأنعام، وبعض آخر مرتبط بساعة
الموت كما تشير إليه الآية (99) من سورة المؤمنون (حتّى
إذا جاء أحدهم الموت قال ربّ ارجعون لعلّي أعمل صالحاً فيما تركت) والبعض
الآخر يطلب الرجوع عند نزول العذاب المهلك ـ كما في هذه الآية ـ حيث يقول
الظالمون عند رؤيتهم للعذاب (ربّنا أخّرنا إلى أجل قريب
نجب دعوتك) ومن الطريف أنّ الجواب في جميع هذه المواقف يكون بالنفي. |
|
الآيات(46(52) وَقَدْ
مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ
|
|
وَقَدْ مَكَرُوا
مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ
الْجِبَالُ (46) فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ
اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَام (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الاَْرْضُ غَيْرَ الاَْرْضِ
وَالسَّمَوَتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى
الُْمجْرِمِينَ يَوْمَئِذ مُّقَرَّنِينَ فِى الاَْصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُم
مِّن قَطِرَان وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِىَ اللهُ كُلَّ
نَفْس مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلَغٌ
لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَحِدٌ
وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الاَْلْبَبِ (52) |
|
التّفسير |
|
لا فائدة من مكرهم!
|
|
أشارت الآيات
السابقة إلى نوع من عقاب الظالمين، وفي هذه الآيات أيضاً أشارت ـ أوّلا ـ إلى جزء من أفعالهم، ومن ثمّ إلى قسم آخر من جزائهم الشديد وعقابهم الأليم. تقول الآية
الاُولى: (وقد مكروا مكرهم). «قطران» بفتح القاف وسكون الطاء أو بكسر القاف وسكون الطاء، وهي مادّةً تؤخذ من شجرة الأبهل ثمّ تُغلى فتثخن وتُطلى بها الإبل عند إصابتها بمرض الجرب، وكانوا
يعتقدون أنّ المرض يزول بسبب وجود الحرقة في هذه المادّة، وعلى أي حال فهي مادّة
سوداء نتنة وقابلة للإشتغال(يقول فريد وجدي في دائرة
المعارف في مادّة (القطران) مائع ناتج من تقطير الفحم الحجري، والقطران النباتي
يتمّ الحصول عليه من بعض الأشجار.). |
|
بحوث
|
|
1
ـ تبديل الأرض غير الأرض والسماوات
|
|
قرأنا في الآيات أعلاه أنّ في
يوم القيامة تبدّل الأرض غير هذه الأرض وكذلك السّماوات، فهل التبديل تبديل
ذاتي، أي أن تفنى هذه الأرض وتُخلق مكانها أرض أُخرى للقيامة؟ أم المقصود هو
تبديل الصفات، يعني دمار ما في الأرض والسّماوات وخلق أرض وسماوات جديدة على
أنقاضها؟ حيث تكون النسبة بينهما أنّ الثانية أكمل من الأُولى. |
|
2
ـ بداية وختام سورة إبراهيم
|
|
وكما رأينا فإنّ سورة إبراهيم
ابتدأت في بيان دور القرآن الكريم في إخراج
الناس من الظّلمات إلى نور العلم والتوحيد، وإنتهت في
بيان دور القرآن في إنذار الناس وتعليمهم التوحيد. |
|
3 ـ التوحيد هو
البداية والنهاية
|
|
الفائدة الأُخرى
التي علّمتنا إيّاها الآية أعلاه، هي التأكيد على التوحيد بعنوان الحديث الأخير،
وعلى اُولي الألباب بعنوان التذكّر الأخير. |
|
حياة النّبي إبراهيم (عليه السلام)
|
|
مع أنّ سورة إبراهيم هي
السورة الوحيدة في القرآن سمّيت بهذا الاسم، رأينا من المناسب أن نفهرس حياة هذا
الرجل العظيم ومحطّم الأصنام في نهايتها ـ مع العلم أنّها لا تذكر حالات إبراهيم
الأُخرى التي وردت في آيات أُخرى من القرآن ـ لكي يكون القارىء العزيز على علم
كاف بحياة هذا الرجل العظيم التي تذكرها الآيات الأُخرى إن شاء تعالى. |
|
ولادته وطفولته
|
|
ولد إبراهيم (عليه السلام) في
أرض «بابل» التي كانت من بلدان العالم المهمّة، وتحكّمها حكومة قويّة وجائرة،
وفتح عينيه على العالم في الوقت الذي كان نمرود بن كنعان الملك الجبّار الظالم
يحكم أرض بابل ويعتبر نفسه الربّ الأعلى(ذكر بعض
المؤرخّين أنّ ولادته (عليه السلام) ـ في مدينة (أور) التابعة لدولة بابل.). |
|
محاربته للمجاميع المختلفة من الوثنيين
|
|
وفي هذه الأثناء التي كان
يعبد فيها شعب بابل ـ بالإضافة إلى الأصنام ـ الموجودات السّماوية كالشمس والقمر
والنّجوم، صمّم إبراهيم (عليه السلام) على أن يوقظ وجدانهم عن طريق المنطق
والأدلّة الواضحة، ويزيل عن فطرتهم النقيّة ستار الظّلمات حتّى يشعّ في نفوسهم
نور الفطرة ويسلكوا في طريق التوحيد. |
|
الجهاد المنطقي مع الوثنيين
|
|
واجه إبراهيم أوّلا عبّاد
النّجوم ووقف مع مجموعة ممّن يعبدون الزهرة، التي تظهر بعد غروب الشمس مباشرةً،
حيث كانوا منشغلين في عبادتها، نادى إبراهيم ـ إمّا من باب الإستفهام الإنكاري،
أو من باب التنسيق مع الطرف المقابل بعنوان المقدّمة، لإثبات إشتباههم ـ (هذا
ربّي) وحينما أفل قال (إنّي لا أحبّ الآفلين). |
|
الحديث مع آزر
|
|
وفي مرحلة أُخرى بدأ حديثه مع
عمّه آزر بعبارات محكمة جدّاً وواضحة مقترنة بالمحبّة، وأحياناً يوبّخه وينذره
من مغبّة عبادة الأصنام ويقول له: لماذا تعبد شيئاً لا يسمع ولا يرى ولا يغني
عنك شيئاً؟ |
|
نبوّة إبراهيم (عليه السلام)
|
|
ليس عندنا دليل
واضح على عمر إبراهيم (عليه السلام) حينما تقلّد مقام النبوّة، ولكن نستفيد من الآيات في سورة مريم، أنّه أثناء
محاورته لعمّه كان من الأنبياء، حيث يقول تعالى: (واذكر
في الكتاب إبراهيم إنّه كان صدّيقاً نبيّاً إذ قال لأبيه ياأبت لِمَ تعبد ما لا
يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً). |
|
الجهاد العملي مع الوثنيين
|
|
على أي حال إزداد صدامه مع
الوثنيين يوماً بعد يوم حتّى إنتهى إلى قيامه بكسر الأصنام في معبد بابل (إلاّ
كبيرهم) بالإستفادة من الفرصة الملائمة! |
|
هجرة
إبراهيم
|
|
لقد أحسّت حكومة نمرود
الجبّارة بخطر هذا الشاب على دولته وأنّ من الممكن أن يسبّب يقظة الشعب الرازح
تحت ظلمه، وأن يحطّم القيود الإستعمارية المتسلّطة على رقاب الشعب، فصمّم على
الإيقاع بإبراهيم من خلال إحراقه بالنّار التي أجّجها جهل الناس وإرهاب النظام
الحاكم. |
|
المرحلة الأخيرة للرسالة
|
|
أمضى إبراهيم (ع) عمره في
جهاد الوثنيين وخصوصاً صنمية الإنسان، وإستطاع أن ينير قلوب المؤمنين بنور
التوحيد، ويبعث فيهم روحاً جديدة، ويحرّر مجاميع أُخرى من قيود المتسلّطين. وفي النهاية وبعد أن أبلى بلاءً حسناً نال كبير درجة من المقامات
التي يمكن للإنسان أن يصل إليها حيث يقول القرآن الكريم: (وإذا ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمّهنّ قال إنّي جاعلك
للناس إماماً قال من ذرّيتي قال لا ينال عهدي الظالمين). |
|
منزلته (عليه السلام)
في القرآن
|
|
توضّح الآيات
القرآنية أنّ الله سبحانه وتعالى أعطى لإبراهيم مقاماً لم يعطه لأحد من الأنبياء
من قبله، ويمكن ترتيب الآيات كما يلي: آمين ربّ
العالمين نهاية المجلد السّابع |
|
|
|