- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
سُورَة
يُوسُفْ مكيّة وعَدَدُ آيَاتَها مَائة وَاحدى عشرة آية
|
|
«سُورة يوسف» |
|
«بداية سورة
يوسف»
|
|
قبل الدخول في تفسير آيات هذه
السورة ينبغي ذكر عدّة أمور: |
|
قبل الدخول في تفسير آيات هذه السورة ينبغي
ذكر عدّة أمور: 1 ـ لا إِشكال بين المفسّرين في أنّ هذه
السورة نزلت في مكّة، سوى ما نُقل عن ابن عباس
أنّ أربع آيات مدنية (الآيات
الثلاث في أوّل السورة والآية السّابعة منها). |
|
محتوى
هذه السورة
|
|
ـ على خلاف سور
القرآن الأُخرى ـ مرتبط بعضه
ببعض، ويبيّن جوانب مختلفة من قصّة واحدة وردت
في أكثر من عشرة فصول، مع بيان أخاذ موجز، عميق،
وطريف ومثير. 4 ـ
قصّة يوسف قبل الإِسلام وبعده وعلى كل حال فإنّ هذه القصّة ـ بعد الإِسلام
ـ تناقلتها أقلام مؤرخي الشرق والغرب ...
وأحياناً مع أغصان وأوراق إِضافية. أمّا في قصّة يوسف فلا كلام عن هذا الموضوع، بل
أكثر ما فيها بيان حياة يوسف نفسه ونجاته من المزالق الخطيرة التي تنتهي أخيراً الى استلامه سدّة الحكم، وهي في حدّ ذاتها «أنموذج» خاص. ولكن سند هذه
الرّوايات بشكل عام لا يُعتمد عليه، إِضافة الى ذلك فقد ورد في بعض الرّوايات الأُخرى
خلاف ذلك حيث ترغّب في تعليم هذه السورة للعائلة. وبعد هذا كلّه فإنّه
التدقيق في آيات هذه السورة يكشف أنّ هذه السورة، ليس
فيها أيّة نقطة سلبية بالنسبة للنساء، وليس هذا فحسب، بل إِن ماجرى
لإمرأة عزيز مصر، درسٌ فيه عبرة لجميع النسوة اللائي
يبتلين بالوساوس الشيطانيّة. |
|
الآيات (1) (3) الر
تِلْك ءَايَتُ الْكِتَبِ الْمُبِينِ
|
|
(1) إِنَّآ أَنزَلْنَهُ
قُرْءَناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ
أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْءَانَ وَإِن كُنتَ
مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَفِلِينَ(3) |
|
التّفسير |
|
أحسن
القصص بين يديك:
|
|
تبدأ هذه السورة بالحروف
المقطعة «ألف. لام. راء» وهي دلالة على عظمة
القرآن، وإِنّ تركيب هذه الآيات ذات المحتوى العميق متكوّن من أبسط الأجزاء، وهي حروف الهجاء «ألف ـ باء .. الخ» وقد تحدثنا عن
الحروف المقطعة في القرآن ـ حتى الآن ـ في ثلاثة مواضع
«بداية سورة البقرة، وآل عِمران، والأعراف» بقدر كاف ... فلا ضرورة للتكرار،
وأثبتنا دلالتها على عظمة القرآن. |
|
أثر
القصّة في حياة الناس
|
|
مع ملاحظة أنّ القسم المهمّ
من القرآن قد جاء على صورة تأريخ للأُمم السابقة وقصص الماضين، فقد يتساءل
البعض: لِمَ يحملُ هذا الكتاب التربوي كل هذا «التأريخ» والقصص؟! 3 ـ
القصّة والتاريخ مفهومان عند كل أحد، على خلاف الإِستدلالات العقلية، فإنّ الناس
في فهمها ليسوا سواسية ... وعلى هذا فإنّ
الكتاب الشامل الذي يريد أن يستفيد منه البدوي الأُمّي والمتوحش ... إلى
الفيلسوف والمفكر الكبير، يجب أن يكون معتمداً على التاريخ والقصص والأمثلة. |
|
الآيات(4) (6) إِذْ
قَالَ يُوسُفُ لاَِبِيهِ يَأَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
|
|
إِذْ قَالَ يُوسُفُ
لاَِبِيهِ يَأَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَجِدِينَ(4) قَالَ يَبُنَىَّ لاَ تَقْصُصْ
رُءْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَنَ
لِلاِْنسَنِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ(5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ
مِن تَأْوِيلِ الاَْحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِ
يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَهِيمَ وَإِسْحَقَ
إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(6) |
|
التّفسير |
بارقة
الأمل وبداية المشاكل:
|
|
بدأ القرآن بذكر قصّة يوسف من
رؤياه العجيبة ذات المعنى الكبير، لأنّ هذه الرؤيا في الواقع تعدّ أوّل فصل من
فصول حياة يوسف المتلاطمة. |
|
ملاحظات
|
|
|
1 ـ الرّؤيا
والحُلم
|
|
إِنّ مسألة الرؤيا في المنام
من المسائل التي تستقطب أفكار الأفراد العاديين من الناس والعلماء في الوقت
نفسه. بُشرى من الله، وتحزين من
الشيطان، والذي يحدث به الإِنسان نفسه فيراه في منامه»(
بحار الأنوار، ج 14، ص 44 ويضيف بعض العلماء قسماً رابعاً على هذه الأقسام، هو
الرؤيا التي تكون نتيجةً مباشرة عن الوضع المزاجي والجسماني للإِنسان، وسيشار
إِليها في البحوث المقبلة ... إِن شاء الله.). |
|
النظرات
المختلفة في حقيقة الرؤيا،
|
|
وعلى كل حال يلزمنا هنا أن
نبيّن النظرات المختلفة في حقيقة الرؤيا، ونشير إِليها بأسلوب مكثف مضغوط. |
|
2 ـ التّفسير
المعنوي
|
|
وأمّا الفلاسفة
الميتافيزقيون فلهم تفسير آخر للرؤيا، حيث يقولون: إِنّ الرؤيا والأحلام على
أقسام: |
|
الآيات(7) (10)
لَّقَدْ كَانَ فِى يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ءَايَتٌ لِّلسَّآئِلِينَ
|
|
لَّقَدْ كَانَ فِى
يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ءَايَتٌ لِّلسَّآئِلِينَ(7) إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ
وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا
لَفِى ضَلَل مُّبِين(8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ
لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَلِحِينَ(9) قَالَ
قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِى غَيَبَتِ الْجُبِّ
يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَعِلِينَ(10) |
|
التّفسير |
|
المؤامرة:
|
من هنا تبدأ قصّة
مواجهة إِخوة يوسف واشتباكهم معه: |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ
«الجبّ» معناه «البئر» التي لم تنضّد
بالطابوق والصخور، ولعلّ أغلب آبار الصحراء على هذه الشاكلة. 2 ـ ونقرأ حديثاً للإِمام الصادق(عليه السلام) يقول: «آفة
الدين الحسد والعجب والمفاخرة» كما نقرأ له حديثاً يقول: «إِنّ المؤمن يغبط ولا
يحسد، والمنافق يحسد ولا يغبط»( المصدر نفسه.). وفي هذا الصدد نقرأ
في الرّوايات الإِسلامية أن الإِمام
الباقر(عليه السلام) قال يوماً: «والله إِنّي لأصانع بعض ولدي، وأجلسه على فخذي،
وأنكز له المخّ، وأكسر له الكسر، وإِن الحقّ لغيره من ولدي، ولكن مخافة عليه منه
ومن غيره، لا يصنعوا به ما فعل بيوسف اخوتُه، وما أنزل الله سورة إِلاّ أمثالا
لكي لا يجد بعضنا بعضاً كما حسد يوسفَ إِخوتُه، وبغوا عليه، فجعلها رحمةً على من
تولاّنا، ودان بحبّنا وحجّة على أعدائنا ومن نصب لنا الحرب والعداوة»( بحار الأنوار، ج 74، ص 78.) |
|
الآيات(11) (14)
قَالُوا يَأَبَانَا مَا لَكَ لاَتَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ،
لَنَصِحُونَ
|
|
|
قَالُوا يَأَبَانَا
مَا لَكَ لاَتَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ، لَنَصِحُونَ(11)
أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَفِظُونَ(12)
قَالَ إِنِّى لَيَحْزُنُنِى أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ
الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَفِلُونَ(13) قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ
وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذاً لَّخَسِرُونَ(14) |
|
التّفسير |
|
المؤامرة
المشؤومة!
|
|
بعد أن صوّب إِخوة يوسف
إِقتراحَ أخيهم في عدم قتل يوسف، وإِلقائه في الجبّ، أخذوا يفكرون في كيفية فصل
يوسف عن أبيه لذلك أقدموا على تخطيط آخر، فجاؤوا الى أبيهم بلسان ليّن يدعو إلى
الترحم، وفي شكل يتظاهرون به أنهم مخلصون له وحدثوا أباهم و(قالوا يا أبانا ما
لك لا تأمنّا على يوسف وإِنا له لناصحون). |
|
بحوث
|
|
وينبغي هنا
الإِلتفات الى عدة دروس حيّة تستلهم من هذه القصّة: |
|
1 ـ مؤامرات
الأعداء في ثياب الأصدقاء
|
|
من الطبيعي أنّ الأعداء لا
يدخلون الميادين ـ عند الهجوم ـ بصراحة ودون استتار أبداً. |
|
2 ـ حاجة
الإِنسان الفطرية والطبيعية الى التنزّه والإِرتياح
|
|
من الطريف أن يعقوب(عليه
السلام) لم يردّ على كلام إِخوة يوسف واستدلالهم على أنّه بحاجة الى التنزه
والإِرتياح، بل وافق على ذلك عمليّاً، وهذا دليل
كاف على أن أيّ عقل سليم لا يستطيع أن يُنكر هذه الحاجة الفطرية والطبيعيّة ...
فالإِنسان ليس آلة تستعمل في أي وقت كان وكيف كان، بل له روح ونفس ينالهما
التعَبُ والنَصُب كما ينالان الجسم. فكما أن الجسم يحتاج
الى الراحة والنوم، كذلك الرّوح والنَّفس بحاجة
الى التنزّه والإِرتياح السليم. |
|
3 ـ الولد في ظلّ
الوالد
|
|
إِذا كانت محبّة الأب الشديدة
أو الأُم بالنسبة للولد تستوجب أن يحفظ الى جانبهما، إِلاّ أن من الواضح أن
فلسفة هذه المحبة من وجهة نظر قانون الخلقة هي المحافظة التامة على الولد عند
الحاجة إِليها، وعلى هذا الأساس ينبغي أن تقل هذه المحافظة كلّما تقدّمت به
السن، ويُمنح الولد الإِجازة ليخطوُ في حياته نحو الإِستقلال، والاّ فسيكون كمثل
غرسة النّورس تحت ظل الشجرة القوية دائماً لا تنمو كما يلزم. |
|
4 ـ لا قصاص ولا
اتهام قبل الجناية
|
|
نشاهد في هذا الفصل من القصّة
أنّ يعقوب بالرغم من علمه بما سيقدم عليه إِخوة يوسف ... وتحذيره ولَدَهُ يوسف ألاّ يقصص رؤياه على إِخوته، وأن يكتم الأمر، إِلاّ
أنّه لم يكن مستعداً لأنّ يتّهمهم بقصد الإِساءة الى يوسف، بل كان عذره إِليهم
أنّه يحزنه فراقه، ويخاف أن يأكله الذئب في الصحراء. |
|
5 ـ تلقين العدوّ
|
|
المسألة الأُخرى أننا نقرأ ـ
في ذيل الآيات المتقدمة ـ رواية عن النّبي(ص)أنّه قال: «لا تلقّنوا الكذّاب
فيكذب فإنّ بني يعقوب(عليه السلام) لم يعلموا أن الذئب يأكل الإِنسان حتى لقّنهم
أبوهم»( نور الثقلين، ج 2، ص 415.). إِشارة الى
أنه قد يحدث أحياناً أن لا يلتفت الطرف الآخر
الى الحيلة والى طريق الإِعتذار وانتخاب طريق الإِنحراف، فعليكم أن تحذروا من ذكر الإِحتمالات المختلفة التي تبيّن له
طرق الإِنحراف. |
|
الآيات(15) (18)
فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِى غَيَبَتِ الْجُبِّ
وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ
|
|
فَلَمَّا ذَهَبُوا
بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِى غَيَبَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ
إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ
يَشْعُرُونَ(15)وَجَآءُو أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ(16) قَالُوا يَأَبَانَآ
إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَعِنَا فَأَكَلَهُ
الذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بُمُؤْمِن لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَدِقِينَ(17) وَجَآءُو
عَلَى قَمِيصِهِ بِدَم كَذِب قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً
فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ(18) |
|
التّفسير |
|
الكذب
المفضوح:
|
|
وأخيراً إنتصر إِخوة يوسف
وأقنعوا أباهم أن يرسل معهم أخاهم يوسف، فباتوا ليلتهم مطمئني البال بانتظار
الصبح لتنفيذ خطتهم وإِزاحة أخاهم الذي يقف عائقاً في طريقهم ... وكان قلقهم الوحيد
أن يندم أبوهم ويسحب كلامه ووعده بإِرسال يوسف معهم. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ حول الترك
«الأَولى»
|
|
ينقل أبو حمزة
الثمالي عن الإِمام السجاد فيقول: كنت يوم
الجمعة في المدينة وصليت الغداة مع الإِمام السجاد (عليه السلام) فلمّا فرغ من
صلاته وتسبيحه نهض الى منزله وأنا معه، فدعا مولاة له تُسمى سكينة فقال لها: «لا
يعبر على بابي سائل إِلاّ أطعمتموه فإنّ اليوم يوم الجمعة». |
|
2 ـ دعاء يوسف
البليغ الجذّاب
|
|
ترد في روايات أهل البيت(ع) وروايات أهل السنة، أن يوسف حين
استقرّ في قعر الجبّ انقطع أمله من كل شيء، وصرف كلِّ توجهه الى ذات الله
المقدسة يناجي ربّه، وكانت لديه حوائج ذكرها بتلقين جبرئيل إِياه ... |
|
3 ـ جملة
(وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجبّ)
|
|
تدلّ على أنّهم لم يرموه في
البئر، أنزلوه على مكان يشبه الرصيف لمن يريد النّزول الى سطح الماء، وقد شدوه
يحبل حتى إذا نزل ووصل الى غيابة الجبّ تركوه وحده. |
|
4 ـ تسويل النفس
|
|
جملة «سوّلت» مشتقّة من «التسويل» ومعناه
«التزيين» وقد يأتي بمعنى
«الترغيب» وقد يأتي بمعنى «الوسوسة» كما
في بعض التفاسير ... جميع هذه المعاني ترجع الى شيء
واحد ... أي إِنّ هوى النفس زيّن لكم هذا العمل. |
|
5 ـ الكذاب عديم
الحافظة
|
|
قصّة يوسف ـ وما
جرى له مع إِخوته ـ تثبت مرّة أُخرى هذا الأصل المعروف الذي يقول: إِنّ الكذاب لا يستطيع أن يكتم سرّه دائماً، لأنّ
الواقعيات العينية حين تظهر الى الوجود الخارجي تظهر ومعها روابط ـ أكثر من أن
تعدّ ـ مع موضوعات أُخرى تدور حولها، وإِذا أراد الكاذب أن يهيىء مناخاً لمسألة
غير واقعية فإنّه لا يستطيع أن يحفظ هذه الروابط مهما كان دقيقاً. |
|
6 ـ ما هو الصبر
الجميل؟
|
|
الصبر أمام الحوادث الصعبة
والأزمات الشديدة يدلّ على قوة شخصية الإِنسان، وعلى سعة روحه بسعة ما تتركه هذه
الحوادث فلا يتأثر ولا يهتز لها. ربّما يحرك النسيم العليل ماء الحوض الصغير، ولكن
المحيطات العظيمة كالمحيط الهادي ـ مثلا ـ يستوعب حتى الاعصار الذي يتلاشى أمام
هدوئه وسعته. |
|
الآيتان(19) (20)
وَجَآءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ
يَبُشْرَى هَذَا غُلَمٌ
|
|
وَجَآءَتْ
سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَبُشْرَى هَذَا
غُلَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَعَةً وَاللهُ عَلِيمُ بِمَا يَعْمَلُونَ(19) وَشَرَوْهُ
بِثَمَن بَخْس دَرَهِمَ مَعْدُودَة وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّهِدِينَ(20) |
|
التّفسير |
|
نحو
أرض مصر:
|
|
قضى يوسف في ظلمة الجب
الموحشة والوحدة القاتلة ساعات مرّةً، ولكنّه بإِيمانه بالله وسكينته المنبثقة
عن الإِيمان شع في قلبه نور الأمل، وألهمه الله تعالى القوة والقدرة على تحمّل
الوحدة الموحشة، وأن ينجح في هذا الإِمتحان. |
|
الآيتان(21) (22)
وَقَالَ الَّذِى اشْتَرَهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِى مَثْوَهُ عَسَى
أَن يَنفَعَنَآ
|
|
وَقَالَ الَّذِى
اشْتَرَهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِى مَثْوَهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَآ
أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الاَْرْضِ
وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الاَْحَادِيثِ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَيَعْلَمُونَ(21) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ
ءَاتَيْنَهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِى الُْمحْسِنِينَ(22) |
|
التّفسير |
|
في
قصر عزيز مصر:
|
|
إنتهت حكاية يوسف مع إِخوته
الذين ألقوه في غيابة الجبّ وبيّناها تفصيلا، بدأ فصل جديد من حياة هذا الغلام
الحدث في مصر ... فقد جيء بيوسف الى مصر وعرض للبيع، ولما كان تحفة نفيسة فقد
صار من نصيب «عزيز مصر» الذي كان وزيراً لفرعون أو رئيساً لوزرائه، لأنّه كان
يستطيع أن يدفع قيمة أعلى لغلام ممتاز من جميع الجهات، والآن لنَر ما الذي حدث
له في بيت عزيز مصر. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ
ما هو اسم «عزيز» مصر؟ يقال أنّ ابن سيربن
أصبح ذكيّاً بعد هذه الحادثة ورزق موهبة عظيمة في تفسير الأحلام، وذكروا قصصاً عجيبة عنه في الكتب التي تتناول تفسير الأحلام
تدل على عمق اطلاعه في هذا المجال! |
|
الآيتان(23) (24)
وَرَوَدَتْهُ الَّتِى هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الاَْبْوَبَ
وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ
|
|
وَرَوَدَتْهُ
الَّتِى هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الاَْبْوَبَ وَقَالَتْ
هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَ إِنَّهُ لاَ
يُفْلِحُ الظَّلِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَن
رَّءَا بُرْهَنَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَآءَ
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الُْمخْلَصِينَ (24) |
|
التّفسير |
|
العشق
الملتهب:
|
|
لم يأسر جمال يوسف
الملكوتي عزيز مصر فحسب، بل أسر قلب امرأة العزيز كذلك وأصبح متيّماً بجماله!. |
|
(وغلّقت
الأبواب وقالت هيتَ لك).
|
|
يقول القرآن
الكريم: (وغلّقت الأبواب وقالت هيتَ لك). وفي هذه الحال، حين
رأى يوسف أنّ هذه الأُمور تجري نحو الإثم، ولم ير طريقاً لخلاصه منها، توجّه يوسف إلى زليخا و (قال
معاذ الله) وبهذا الكلام رفض يوسف طلب امرأة العزيز غير المشروع ..
وأعلمها أنّه لن يستسلم لإرادتها. وأفهمها ضمناً ـ كما أفهم كلّ إنسان ـ أنّه في
مثل هذه الظروف الصعبة لا سبيل إلى النجاة من وساوس الشيطان وإغراءاته إلاّ
بالإلتجاء إلى الله .. الله الذي لا فرق عنده بين السرّ والعلن، بين الخلوة والإجتماع،
فهو مطّلع ومهيمن على كلّ شيء، ولا شيء إلاّ وهو طوع أمره وإرادته! |
|
المراد
من كلمة «ربّي»
|
|
هناك أقوال كثيرة
بين المفسّرين في المراد من قوله: (إنّه
ربّي) فأكثر المفسّرين، كالعلاّمة الطبرسي في مجمع البيان وكاتب المنار
في تفسير المنار وغيرهما، قالوا: إنّ كلمة «ربّ»
هنا إستعملت في معناها الواسع، وقالوا: إنّ المراد من كلمة «ربّ» هنا هو
«عزيز مصر» الذي لم يألُ جهداً في إكرام يوسف، وكان يوصي امرأته من البداية
بالإهتمام به وقال لها: (أكرمي مثواه). كما نلاحظ هذا
الإستعمال على لسان يوسف ـ أيضاً ـ حين جاءه مبعوث فرعون مصر، إذ يقول القرآن الكريم في هذا الصدد: (فلمّا
جاءه الرّسول قال ارجع إلى ربّك فاسأله ما بال
النسوة اللاتي قطعن أيديهن) (الآية 50). |
|
(ولقد همّت به
وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه).
|
|
وهنا يبلغ أمر يوسف وامرأة
العزيز إلى أدقّ مرحلة وأخطرها، حيث يعبّر القرآن عنه تعبيراً ذا مغزى كبير (ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ جهاد النفس
|
|
نحن نعرف أنّ أعظم الجهاد في
الإسلام هو جهاد النفس، الذي عُبّر عنه في حديث عن النّبي الأكرم (ص) بـ«الجهاد
الأكبر» أي هو جهاد أعظم من جهاد العدوّ الذي عبّر عنه بالجهاد الأصغر .. وإذا
لم يتوفّر في الإنسان الجهاد الأكبر بالمعنى الواقعي ـ أساساً ـ فلن ينتصر في
جهاده على أعدائه. |
|
2 ـ ثواب الإخلاص
|
|
كما أشرنا في تفسير الآيات
المتقدّمة، فإنّ القرآن المجيد عزا نجاة يوسف ـ من هذه الأزمة الخطرة التي
أوقعته امرأة العزيز فيها ـ إلى الله، إذ قال: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء). |
|
3 ـ العفّة
والمتانة في البيان
|
|
من عجائب القرآن وواحدة من
أدلّة الإعجاز، أنّه لا يوجد في تعبيره ركّة وإبتذال وعدم العفّة وما إلى ذلك،
كما أنّه لا يتناسب مع اُسلوب الفرد العادي الاُمّي الذي تربّى في محيط
الجاهليّة، مع أنّ حديث كلّ أحد يتناسب مع محيطه وأفكاره!. |
|
الآيات(25) (29)
وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُر وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا
لَدَا الْبَابِ
|
|
وَاسْتَبَقَا
الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُر وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الْبَابِ
قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِىَ رَوَدَتْنِى عَن نَّفْسِى وَشَهِدَ شَاهِدٌ
مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُل فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ
الْكَذِبِينَ(26) وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُر فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ
الصَّدِقِينَ (27) فَلَمَّا رَءَا قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُر قَالَ إِنَّهُ مِن
كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ(28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا
وَاسْتَغْفِرِى لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29) |
|
التّفسير |
|
فضيحة
امرأة العزيز!!
|
|
المقاومة الشديدة التي أبداها
يوسف جعلت امرأة العزيز آيسة منه تقريباً .. ولكن يوسف الذي إنتصر في هذا الدور
على تلك المرأة المعاندة أحسّ أنّ بقاءه في بيتها ـ في هذا المزلق الخطر ـ غير
صالح، وينبغي أن يبتعد عنه، ولذلك أسرع نحو باب القصر ليفتحه ويخرج، ولم تقف
امرأة العزيز مكتوفة الأيدي، بل أسرعت خلفه لتمنعه من الخروج، وسحبت قميصه من
خلفه فقدّته (واستبقا الباب فقدّت قميصه من دُبُر). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ من كان
الشاهد؟!
|
|
هناك أقوال في الشاهد الذي
ختم «ملفّ يوسف وامرأة العزيز» بسرعة، وأوضح البريء من المسيء من هو؟ قال بعضهم: هو أحد أقارب امرأة العزيز، وكلمة «من أهلها» دليل على ذلك
.. وعلى القاعدة فهو رجل حكيم وعارف ذكي بحيث إستطاع أن يستنبط الحكم من قدّ
الثوب دون أن يكون لديه شاهد أو بيّنة. بل إكتشف حقيقة الحال .. ويقال: إنّ هذا الرجل كان من مشاوري عزيز مصر وكان
معه. |
|
2 ـ الموقف
الضعيف لعزيز مصر
|
|
من جملة المسائل التي تستجلب
الإنتباه في هذه القصّة أنّ في مثل هذه المسألة المهمّة التي طُعن فيها بناموس
عزيز مصر وعرضه، كيف يكتفي قانعاً بالقول (واستغفري
لذنبك إنّك كنت من الخاطئين) وربّما كانت هذه المسألة سبباً لأنّ تدعو
امرأة العزيز نساء الأشراف إلى مجلسها الخاص، وتكاشفهنّ بقصّة حبّها وغرامها
بجلاء. |
|
3 ـ حماية الله
في الأزمات
|
|
الدرس الكبير الآخر
الذي نتعلّمه من قصّة يوسف، هو حماية الله
ورعايته للإنسان الأكيدة في أشدّ الحالات، وبمقتضى قوله: (يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) ـ فمن جهة كان يوسف لا يُصدّق أبداً أنّ نافذة من الأمل
ستفتح له، ويكون قدُّ القميص سنداً للطهارة والبراءة، ذلك القميص الذي يصنع
الحوادث، فيوماً يفضح إخوة يوسف لأنّهم جاؤوا
أباهم وهو غير ممزّق، ويوماً يفضح امرأة العزيز
لأنّه قدّ من دُبر، ويوماً آخر يهب البصر
والنّور ليعقوب، وريحه المعروف يسافر مع نسيم الصباح من مصر إلى أرض كنعان
ويبشّر العجوز «الكنعاني» بقدوم موكب البشير!. وعلى كلّ حال فإنّ لله ألطافاً خفيّة لا يسبر غورها أحد، وحين يهبّ
نسيم هذه الألطاف تتغيّر الأسباب والمسبّبات بشكل لا يمكن حتّى لأذكى الأفراد أن
يتنبّأ عنها!. |
|
4 ـ خطّة امرأة
العزيز
|
|
في الآيات المتقدّمة إشارة
إلى مكر النسوة (طبعاً النساء اللائي لا إرتباط لهنّ بشيء إلاّ هواهنّ كامرأة
العزيز) وهذا المكر والتحيّل الموصوف بالعظمة (إنّ كيدكنّ عظيم) يوجد منه في
التاريخ والقصص التاريخيّة أمثلة كثيرة، حيث تكشف إجمالا أنّ النساء اللائي
يسوقهنّ هواهنّ يرسمن خططاً لا نظير لها من نوعها. |
|
الآيات(30) (34)
وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَوِدُ فَتَهَا عَن نَّفْسِهِ
قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً
|
|
وَقَالَ نِسْوَةٌ
فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَوِدُ فَتَهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ
شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَل مُّبِين (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ
بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً
وَءَاتَتْ كُلَّ وَحِدَة مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ
فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَشَ
لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)قَالَتْ
فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِى فِيهِ وَلَقَدْ رَوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ
فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ ءَامُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً
مِّنَ الصَّغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا
يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ
وَأَكُن مِّنَ الْجَهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ
كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(34) |
|
التّفسير |
|
مؤامرة
أُخرى:
|
|
بالرغم من أنّ عشق امرأة
العزيز المذكور آنفاً كان ـ مسألة خصوصية ـ بحيث أكّد حتّى العزيز على كتمانها،
ولكن حيث أنّ هذه الأسرار لا تبقى خافية، ولا سيّما في قصور الملوك وأصحاب المال
والقوّة ـ التي في حيطانها آذان صاغية ـ فسوف تتسرّب إلى خارج القصر كما يقول
القرآن في هذا الشأن: (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه
قد شغفها حبّاً) ثمّ لُمْنَها وعَنَّفنها بهذه الجملة (إنّا
لنراها في ضلال مبين). وواضح أنّ المتحدّث بمثل هذا الكلام كنّ نساء
أشراف مصر حيث كانت أخبار القصور المفعمة بفساد الفراعنة والمستكبرين مثيرةً
لهنّ وكنّ يستقصينها دائماً. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ كما رأينا
من قبلُ فإنّ امرأة العزيز ونسوة مصر، استفدن من اُمور مختلفة في سبيل الوصول
إلى مرادهن، فمرّة بإظهار العشق والعلاقة الشديدة والتسليم المحض، ومرّة بالترغيب
والطمع، ثمّ بالتهديد، أو بتعبير آخر: توسلن بالشهوة والمال والقوّة!! 4 ـ جملة (يدعونني إليه) وجملة (تصرف
عنّي كيدهن) تدلاّن جيّداً على أنّ نسوة مصر ـ ذوات الهوى ـ بعد ما جرى
لهنّ من تقطيع الأيدي والإنبهار بجمال يوسف، وردن هذا الميدان أيضاً وطلبن من
يوسف أن يستسلم لهنّ أو لامرأة العزيز، ولكن يوسف أبى عليهنّ جميعاً، وهذا يعني
أنّ امرأة العزيز لم تكن وحدها في الجريمة بل كان لها شريكات في ذلك. |
|
الآيات(35) (38)
ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الاَْيَتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى
حِين
|
|
ثُمَّ بَدَا لَهُم
مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الاَْيَتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِين (35)وَدَخَلَ
مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّى أَرَنِى أَعْصِرُ خَمْراً
وَقَالَ الاَْخَرُ إِنِّى أَرَنِى أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِى خُبْزاً تَأْكُلُ
الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الُْمحْسِنِينَ
(36) قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا
بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مَمَّا عَلَّمَنِي رَبِّى
إِنِّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْم لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُم بِالاَْخِرَةِ
هُمْ كَفِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءَابَآءِى إبْرَهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ
مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللهِ مِن شَىْء ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللهِ
عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ (38) |
|
التّفسير |
|
السّجن
بسبب البراءة:
|
|
إنتهى المجلس العجيب لنسوة
مصر مع يوسف في قصر العزيز في تلك الغوغاء والهياج، ولكنّ خبره ـ بالطبع ـ وصلَ
إلى سمع العزيز .. ومن مجموع هذه المجريات إتّضح أنّ يوسف لم يكن شابّاً
عادّياً، بل كان طاهراً لدرجة لا يمكن لأي قوّة أن تجرّه إلى الإنحراف والتلوّث،
واتّضحت علامات هذه الظاهرة من جهات مختلفة، فتمزّق قميصه من دُبر، ومقاومته
أمام وساوس نسوة مصر، وإستعداده لدخول السجن وعدم الإستسلام لتهديدات امرأة
العزيز بالسجن والعذاب الأليم، كلّ هذه الأُمور أدلّة على طهارته لا يمكن لأحد
أن يسدل عليها الستار أو ينكرها!. |
|
الآيات(39) (42)
يَصَحِبَىَ السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَحِدُ
الْقَهَّارُ
|
|
يَصَحِبَىَ
السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَحِدُ الْقَهَّارُ
(39) مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ
وَءَابَاؤُكُم مَّا أَنَزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَن إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ
لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ(40) يَصَحِبَىِ السِّجْنِ أَمَّا
أَحَدُكُمَا فَيَسْقِى رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الأَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ
الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِىَ الاَْمْرُ الَّذِى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41)
وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاج مِّنْهُمَا اذْكُرْنِى عِندَ رَبِّكَ
فَأَنسَهُ الشَّيْطَنُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِى السِّجْنِ بِضْعَ
سِنِينَ(42) |
|
التّفسير |
|
السّجن
أو مركز التّربية:
|
|
حين هيّأ يوسف في البحث
السابق قلوب السجينين لقبول حقيقة التوحيد، توجّه إليهما وقال: (ياصاحبي السجن أأرباب متفرّقون خير أم الله الواحد القهّار). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ السّجن مركز
للإرشاد أو بؤرة للفساد
|
|
للسجن تأريخ مؤلم
ومثير للغمّ جدّاً في هذا العالم، فأسوأ
المجرمين وأحسن الناس كلاهما دخل السجن، ولهذا السبب كان مركزاً دائماً لأفضل
الدروس البنّاءة أو لأسوأ الإختبارات. |
|
2 ـ حين يُصلبُ
المصلحون!
|
|
من الطريف أنّنا نقرأ في هذه
القصّة أنّ الذي رأى في منامه أنّه يعصر خمراً ويقدّمه للملك قد تحرّر وأطلق من
السجن، وأنّ الذي رأى أنّه يحمل فوق رأسه خبزاً تأكل الطير منه قد صعد عود
المشنقة. |
|
3 ـ أكبر دروس
الحريّة
|
|
رأينا أنّ أكبر درس علّمه
يوسف للسجناء هو درس التوحيد وعبادة الله الواحد الأحد، ذلك الدرس الذي حصيلته
الحريّة والتحرّر. |
|
4 ـ إستغلال شعار
بنّاء بشكل سيىء
|
|
شعار (إنّ الحكم إلاّ لله) الذي هو شعار قرآني إيجابي مثبت، ينفي أيّة
حكومة كانت سوى حكومة الله أو ما تنتهي إليه حكومة الله، إلاّ أنّه ـ وللأسف ـ استُغلّ على إمتداد التاريخ بشكل عجيب،
ومن ذلك إستغلال الخوارج لهذا الشعار في واقعة «النهروان» حيث كانوا أُناساً
جامدين حمقى قشريين منحرفين جدّاً .. فتمسكوا بهذا الشعار لنفي التحكيم في حرب صفين وقالوا: لا يصحّ الحكم لنهاية الحرب أو
الخليفة لأنّ الله يقول: (إنّ الحكم إلاّ لله). |
|
5 ـ التوجّه لغير
الله
|
|
التوحيد لا يتلخّص في أنّ
الله تعالى أحد فرد، بل ينبغي أن يتجسّد في جميع شؤون الحياة، وأحد أبرز علائمه
أنّ الإنسان الموحّد لا يعتمد على غير الله ولا يلتجىء إلاّ إليه. |
|
الآيات(43) (49)
وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّى أَرَى سَبْعَ بَقَرَت سِمَان يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ
عِجَافٌ
|
|
وَقَالَ الْمَلِكُ
إِنِّى أَرَى سَبْعَ بَقَرَت سِمَان يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ
سُنْبُلَت خُضْر وَأُخَرَ يَابِسَت يَأَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِى فِي رُءْيَىَ
إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ (43) قَالُواْ أَضْغَثُ أَحْلَم وَمَا
نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الاَْحْلَمِ بِعَلِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِى نَجَا
مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّة أَنَاْ أُنْبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ
فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَت
سِمَان يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَت خُضْر وَأُخَرَ
يَابِسَت لَّعَلِّى أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ(46)قَالَ
تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنْبُلِهِ
إِلاَّ قَلِيلا مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذَلِكَ
سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلا مِّمَّا
تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِهىِ يُغَاثُ النَّاسُ
وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) |
|
التّفسير |
|
رؤيا
ملك مصر وما جرى له:
|
|
بقي يوسف سنين في السجن
المظلم كأي إنسان منسيّ، ولم يكن لديه من عمل إلاّ بناء شخصيته، وإرشاد السجناء
وعيادة مرضاهم وتسلية الموجَعين منهم. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ
كم كان تعبير يوسف لهذه الرؤيا دقيقاً ومحسوباً، حيث كانت البقرة في الأساطير القديمة مظهر «السنة» .. وكون البقرات سماناً
دليل على كثرة النعمة، وكونها عجافاً دليل على الجفاف والقحط، وهجوم السبع
العجاف على السبع السّمان كان دليلا على أن يُستفاد من ذخائر السنوات السابقة. |
|
الآيات(50) (53)
وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِى بِهِ فَلَمَّا جَآءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ
إِلَى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ
|
|
وَقَالَ الْمَلِكُ
ائْتُونِى بِهِ فَلَمَّا جَآءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ
فَسْئَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ الَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّى
بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَوَدتُّنَ يُوسُفَ عَن
نَّفْسِهِ قُلْنَ حَشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوء قَالَتِ
امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْئَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَوَدتُّهُ عَن
نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّدِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّى لَمْ
أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لاَ يَهْدِى كَيْدَ الْخَآئِنِينَ (52) وَمَا
أُبَرِّئُ نَفْسِى إِنَّ النَّفْسَ لاََمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ
رَبِّى إِنَّ رَبِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ (53) |
|
التّفسير |
|
تبرئة
يوسف من كلّ إتّهام!
|
|
لقد كان تعبير يوسف لرؤيا
الملك ـ كما قُلنا ـ دقيقاً ومدروساً ومنطقياً إلى درجة أنّه جذب الملك وحاشيته
إليه، إذ كان يرى أنّ سجيناً مجهولا عبّر رؤياه بأحسن تعبير وتحليل، دون أن
ينتظر أيّ أجر أو يتوقّع أمراً ما .. كما أنّه أعطى للمستقبل خطّة مدروسة أيضاً. أوّلا: كلمة «ذلك» التي ذكرت في بداية الآية هي بعنوان ذكر
العلّة، أي علّة الكلام المتقدّم الذي لم يكن سوى كلام امرأة العزيز فحسب، وربط
هذا التذييل بكلام يوسف الوارد في الآيات السابقة أمر عجيب. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ هذه عاقبة
التقوى
|
|
رأينا في هذا القسم من قصّة
يوسف أنّ عدوّته المعاندة «زليخا» إعترفت أخيراً بطهارته، كما إعترفت بذنبها
وخطئها .. وببراءته .. وهذه عاقبة التقوى وطهارة الثوب، وهذا معنى قوله تعالى: (ومن يتّق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب). |
|
2 ـ الهزائم التي
تكون سبباً للتيقّظ
|
|
لا تكون الهزائم هزائم
دائماً، بل ـ في كثير من الأحيان ـ تعدّ الهزيمة هزيمةً في الظاهر إلاّ أنّها في
الباطن نوع من الإنتصار المعنوي، وهذه هي الهزائم التي تكون سبباً لتيقّظ
الإنسان، وتشقّ حجب الغفلة والغرور عنه، وتعدّ نقطة إنعطاف جديدة في حياته. |
|
3 ـ الحفاظ على
الشرف خير من الحرية الظاهرية
|
|
رأينا أنّ يوسف لم يدخل السجن
لطهارة ثوبه فحسب، بل لم يكن مستعدّاً للخروج من السجن حتّى يعود مبعوث الملك
ويجري التحقيقات حول النسوة اللائي قطّعن أيديهن لتثبت براءته ويخرج من السجن
مرفوع الرأس ... لا أن يخرج كأي مجرم ملوّث يشمله عفو الملك!! وذلك ذلّ وأي ذلّ!
وهذا درس لكلّ الناس في الماضي والحاضر والمستقبل. |
|
4 ـ النفس
الأمّارة «المتمردّة»
|
|
يقسّم علماء النفس
والأخلاق النفس «وهي الإحساسات والغرائز والعواطف الإنسانية» إلى ثلاثة مراحل،
وقد أشار إليها القرآن المجيد: |
|
الآيات(54) (57)
وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِى بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى
|
|
وَقَالَ الْمَلِكُ
ائْتُونِى بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ
الْيَومَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ
الاَْرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي
الاَْرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ
وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الُْمحْسِنِينَ (56) وَلاََجْرُ الاَْخِرَةِ خَيْرٌ
لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ(57) |
|
التّفسير |
|
يوسف
أميناً على خزائن مصر:
|
|
رأينا أنّ يوسف ـ هذا النّبي
العظيم ـ ثبتت براءته أخيراً للجميع، وحتّى الأعداء شهدوا بطهارته ونزاهته، وظهر
لهم أنّ الذنب الوحيد الذي أودع من أجله السجن لم يكن غير التقوى والأمانة التي
كان يتحلّى بهما. نعم إنّ الله سبحانه وتعالى
ينزل رحمته وبركاته ونعمه المادية والمعنوية على من يشاء من عباده الذين يراهم
أهلا لذلك (نصيب برحمتنا من نشاء). |
|
بحوث
|
|
1 ـ كيف إستجاب
يوسف لطلب طاغوت زمانه؟
|
|
بالنسبة للآيات المتقدّمة
فإنّ أوّل ما يجلب إليها النظر هو أنّه كيف لبّى يوسف ـ هذا النّبي العظيم ـ طلب
طاغوت زمانه وتعاون معه وتحمّل منصب الوزارة أو الإشراف على خزينة الدولة؟ لكن هذا الموضوع ـ التعاون مع الظالم ـ من الاُمور التي يقترب فيها
حدود الحلال من الحرام، وكثيراً ما يؤدّي تهاون صغير من الشخص المتصدّي إلى
وقوعه في أشراك النظام وإرتكاب جريمة تعدّ من أكبر الجرائم وأفظعها ـ وهي
التعاون مع الظالم ـ في حين يتصوّر أنّه يقوم بعبادة وخدمة إنسانية مشكورة. |
|
2 ـ أهميّة
المسائل الإقتصادية والإدارية
|
|
رغم أنّنا لا نتّفق مع الرؤية
التي تنظر إلى الأُمور بمنظار واحد وتحصر جميع الأُمور في القضايا الإقتصادية
دون إعطاء أي دور للإنسان، ولكن برغم ذلك فإنّه لا يمكن غضّ النظر عن أهمية
القضايا الإقتصادية ودورها في المجتمعات، والآيات السابقة تشير إلى هذه الحقيقة،
والملاحظ أنّ يوسف ركّز من بين جميع مناصب الدولة على منصب الإشراف على الخزانة،
وذلك لعلمه أنّه إذا نجح في ترتيب إقتصاد مصر، فإنّه يتمكّن من إصلاح كثير من
المفاسد الإجتماعية، كما أنّ تنفيذه للعدالة الإقتصادية يؤدّي إلى سيطرته على
سائر دوائر الدولة وجعلها تحت إمرته. |
|
3 ـ الرقابة على
الإستهلاك
|
|
الملاحظ في القضايا الإقتصادية
أنّه قد لا تكون (زيادة الإنتاج) بمكان من الأهميّة بقدر أهميّة (الرقابة على
الإستهلاك) ومن هنا نشاهد أنّ يوسف في أيّام حكومته، حاول ـ بشدّة ـ أن يسيطر
على الإستهلاك الداخلي في سنوات الوفرة لكي يتمكّن من الإحتفاظ بجزء كبير من
المنتوجات الزراعية لسنوات القحط والمجاعة القادمة، وفي الحقيقة أنّ زيادة
الإنتاج والرقابة متلازمان لا يفترقان، فالزيادة في الإنتاج لا تثمر إلاّ إذا
أعقبتها رقابة صحيحة، كما أنّ الرقابة تكون أكثر فائدة إذا أعقبتها زيادة في
الإنتاج. والملفت للنظر أنّه
يستفاد من بعض الرّوايات الواردة كما ورد
عن الإمام علي بن موسى الرّضا(عليهما السلام) «وأقبل يوسف على جمع الطعام فجمع
في السبع سنين المخصبة فكبسه في الخزائن، فلمّا مضت تلك السنون وأقبلت المجدية
أقبل يوسف على بيع الطعام فباعهم في السنة الاُولى
بالدراهم والدنانير حتى لم يبق بمصر وما حولها
دنيار ولا درهم إلاّ صار في مملكة يوسف، وباعهم في السنة
الثّانية بالحلي والجواهر حتى لم يبق بمصر وما
حولها حلي ولا جواهر إلاّ صار في ملكة يوسف، وباعهم في السنة الثّالثة بالدّواب والمواشي حتى لم يبق بمصر وما حولها دابة ولا ماشية إلاّ صار في
ملكية يوسف، وباعهم في السنة الرّابعة بالعبيد
والإماء حتى لم يبق بمصر ومن حولها عبد ولا أمة
إلاّ صار في ملكية يوسف، وباعهم في السنة الخامسة
بالدّور والعقار حتى لم يبق بمصر وما حولها دار
ولا عقار إلاّ صار في ملكية يوسف، وباعهم في السنة
السّادسة بالمزارع والأنهار حتى لم يبق بمصر وما
حولها نهر ولا مزرعة إلاّ صار في ملكية يوسف، وباعهم في السنة السّابعة برقابهم حتى لم
يبق بمصر وما حولها عبد ولا حرّ إلاّ صار عبد يوسف، فملك أحرارهم وعبيدهم
وأموالهم وقال النّاس: ما رأينا ولا سمعنا بملك أعطاه اللّه من الملك ما أعطى
هذا الملك حكماً وعلماً وتدبيراً، ثمّ قال يوسف للملك:
أيّها الملك ما ترى فيما خولني ربّي من ملك مصر وأهلها أشر علينا برأيك، فإنّي
لم أصلحهم لأفسدهم، ولم أنجهم من البلاء ليكون وبالاً عليهم ولكن اللّه نجاهم
على يدي، قال له الملك: الرأي رأيك، قال يوسف: إنّي أشهد اللّه وأشهدك أيّها الملك أنّي
اعتقت أهل مصر كلّهم، ورددت اليهم أموالهم وعبيدهم، ورددت إليك أيّها الملك
خاتمك وسريرك وتاجك على أن لا تسير إلاّ بسيرتي ولا تحكم إلاّ بحكمي قال له الملك: إنّ ذلك لشرفي وفخري لا أسير إلاّ
بسيرتك ولا أحكم إلاّ بحكمك، ولولاك ما قويت عليه ولا اهتديت له، ولقد جعلت
سلطاني عزيزاً ما يرام، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، وأنت
رسوله فاقم على ما وليتك فإنّك لدينا مكين أمين»( مجمع
البيان، المجلّد الثّالث، صفحة 244، تفسير نور الثقلين، ج2، ص435.). |
|
4 ـ مدح النفس
|
|
لا شكّ في أنّ مدح الإنسان
نفسه يعدّ من الأُمور القبيحة، ولكن ليست هذه قاعدة عامّة، بل قد تقتضي الأُمور
بأن يقوم الإنسان بعرض نفسه على المجتمع والإعلان عن خبراته وتجاربه، لكي يتعرّف
عليه الناس ويستفيدوا من خبراته ولا يبقى كنزاً مستوراً. |
|
5 ـ أفضليّة الجزاء
المعنوي على سواه
|
|
برغم أنّ كثيراً من المؤمنين
الخيرين يلقون في هذه الدنيا جزاء أعمالهم الخيرة، كما هو الحال بالنسبة ليوسف
حيث جوزي جزاءً حسناً، لعفافه وتقواه وصبره على البلاء، إذ لو كان آثماً لما
اعتلى هذا المنصب، ولكن هذا لا يعني أنّ على الإنسان أن ينتظر الجزاء في هذه
الدنيا ويتوهّم أنّ الجزاء يجب أن يكون ماديّاً وملموساً وفي هذه الدنيا ويرى
تأخير الجزاء ظلماً في حقّه، لكن هذا التصوّر بعيد عن الواقع، لأنّ الجزاء
الأوفى هو ما يوافي الإنسان في حياته القادمة. |
|
6 ـ الدفاع عن
المسجونين
|
|
برغم أنّ السجن لم يكن دائماً
محلا للأخيار، بل يستضيف تارةً الأبرياء وتارةً المجرمين، لكنّ القواعد
الإنسانية تستوجب التعامل الحسن مع السجناء، حتّى ولو كانوا مجرمين. |
|
الآيات(58) (62)
وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ
مُنكِرُونَ
|
|
وَجَاءَ إِخْوَةُ
يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ(58) وَلَمَّا
جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِى بِأَخ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ
تَرَوْنَ أَنِّى أُوفِى الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ (59) فَإِن
لَّمْ تَأْتُونِى بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِى وَلاَ تَقْرَبُونِ (60)
قَالُواْ سَنُرَوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَعِلُونَ (61) وَقَالَ
لِفِتْيَنِهِ اجْعَلُواْ بِضَعَتَهُمْ فِى رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ
يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(62) |
|
التّفسير |
|
إقتراح جديد من يوسف
لاُخوته:
|
|
وكما كان متوقّعاً، فقد
تحسّنت الزراعة في مصر خلال سبع سنوات متتالية وذلك على أثر توالي الأمطار ووفرة
ماء النيل وكثرته، ويوسف الذي كان مسؤولا عن الشؤون الإقتصادية في مصر ومشرفاً
على خزائنها، أمر ببناء المخازن الكبيرة والصغيرة التي تستوعب الكميّات الكبيرة
من المواد الغذائية وتحفظها عن الفساد، وقد أجبر أبناء الشعب على أن يبيعوا
للدولة الفائض عن حاجتهم من الإنتاج الزراعي، وهكذا امتلأت المخازن بالمنتوجات
الزراعية والإستهلاكية ومرّت سبع سنوات من الرخاء والوفرة، وبدأ القحط والجفاف
يُظهر وجهه الكريه، ومنعت السّماء قطرها، فلم تينع ثمرة، ولم تحمل نخلة. |
|
بحوث
|
|
1 ـ لماذا لم
يظهر يوسف حقيقته لإخوته
|
|
بالنسبة للآيات السابقة فإنّ
أوّل ما يتبادر إلى الذهن هو إنّه لماذا لم يعرّف يوسف نفسه لإخوته، حتّى يقفوا
على حقيقة حاله ويرجعوا إلى أبيهم ويخبرونه عن مصير يوسف، وبذلك تنتهي آلامه
لأجل فراق يوسف؟ |
|
2 ـ لماذا أرجع
يوسف الأموال إلى إخوته
|
|
السؤال الذي يطرح نفسه هو
أنّه لماذا أمر يوسف أن تردّ أموال إخوته التي دفعوها ثمناً للحبوب، وتوضع في
رحالهم؟ |
|
3 ـ كيف وهب يوسف
إلى إخوته أموال بيت المال؟
|
|
السؤال الآخر الذي
يطرح نفسه هنا هو أنّه كيف وهب
يوسف الأموال من بيت المال لإخوته دون أي تعويض؟ |
|
الآيات(63) (66)
فَلَمَّا رَجَعُواْ إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَأبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ
فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ
|
|
فَلَمَّا رَجَعُواْ
إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَأبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا
أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَفِظُونَ (63) قَالَ هَلْ ءَامَنُكُمْ
عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ
حَفِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّحِمِينَ (64) وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَعَهُمْ
وَجَدُواْ بِضَعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَأَبَانَا مَا نَبْغِى
هَذِهِ بِضَعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا
وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِير ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ
مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِى بِهِ إِلاَّ
أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا ءَاتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللهُ عَلَى مَا
نَقُولُ وَكِيلٌ (66) |
|
التّفسير |
|
موافقة
يعقوب:
|
|
رجع اُخوة يوسف إلى كنعان
فرحين حاملين معهم المتاع الثمين، لكنّهم كانوا يفكّرون بمصيرهم في المستقبل
وأنّه لو رفض الأب ولم يوافق على سفر أخيهم الصغير (بنيامين) فإنّ عزيز مصر سوف
لن يستقبلهم، كما إنّه لا يعطيهم حصّتهم من الحبوب والمؤن. |
|
بحوث
|
|
1 ـ
بالنسبة للآيات السابقة فإنّ أوّل ما
يتبادر إلى الذهن، هو أنّه كيف وافق يعقوب على سفر بنيامين مع اُخوته برغم ما أظهروه
في المرّة السابقة من سوء المعاملة مع يوسف، إضافة إلى هذا فإنّنا نعلم أنّهم
كانوا يبطنون الحقد والحسد لبنيامين ـ وإن كان أخفّ من حقدهم وحسدهم على يوسف ـ
حيث وردت في الآيات الإفتتاحية لهذه السورة قوله تعالى: (إذ قالوا ليوسف وأخوه
أحبّ إلى أبينا منّا ونحن عصبة) أي أنّ يوسف وأخاه أحبّ إلى أبينا برغم ما نملكه
نحن من قوّة وكثرة. |
|
الآيتان(67) (68)
وَقَالَ يَبَنِىَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَاب وَحِد وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَب
مُّتَفَرِّقَة
|
|
وَقَالَ يَبَنِىَّ
لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَاب وَحِد وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَب مُّتَفَرِّقَة وَمَا
أُغْنِى عَنكُم مِّنَ اللهِ مِن شَىْء إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ
تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا
دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِى عَنْهُم مِّنَ
اللهِ مِن شَىْء إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَهَا وَإِنَّهُ لَذُو
عِلْم لِّمَا عَلَّمْنَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (68) |
|
التّفسير |
|
وأخيراً توجّه إخوة يوسف صوب
مصر للمرّة الثانية بعد إذن أبيهم وموافقته على
إصطحاب أخيهم الصغير معهم، وحينما أرادوا الخروج ودعهم أبوهم موصياً إيّاهم
بقوله: (وقال يابني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من
أبواب متفرّقة) ثمّ أضاف: إنّه ليس في مقدوري أن أمنع ما قد قدّر لكم في
علم الله سبحانه وتعالى (وما اُغني عنكم من الله من
شيء) ولكن هناك بعض الأُمور التي يمكن للإنسان أن يجتنب عنها حيث لم يثبت
في حقّها القدر الإلهي المحتوم، وما أسديته لكم من النصيحة هو في الواقع لدفع
هذه الأُمور الطارئة والتي بإمكان الإنسان أن يدفعها عن نفسه ثمّ قال: أخيراً (إنّ الحكم إلاّ لله عليه وتوكّلت وعليه فليتوكّل
المتوكّلون). |
|
الآيات(69) (76)
وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ ءَاوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ
أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ
|
|
وَلَمَّا دَخَلُواْ
عَلَى يُوسُفَ ءَاوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ
تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (69) فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ
جَعَلَ السِّقَايَةَ فِى رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا
الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَرِقُونَ(70) قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِم مَّاذَا
تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ
بَعِير وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا
جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِى الاَْرْضِ وَمَا كُنَّا سَرِقِينَ (73)قَالُواْ فَمَا
جَزَؤُهُ إِن كُنتُمْ كَذِبِينَ (74) قَالُواْ جَزَؤُهُ مَن وُجِدَ فِى رَحْلِهِ
فَهُوَ جَزَؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِى الظَّلِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ
قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ
كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِى دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن
يَشَاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجَت مَّن نَّشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْم عَلِيمٌ
(76) |
|
التّفسير |
|
يوسف
يخطّط للإحتفاظ بأخيه:
|
|
وأخيراً دخل الاُخوة على يوسف
وأعلموه بأنّهم قد نفّذوا طلبته واصطحبوا معهم أخاهم الصغير برغم إمتناع الأب في
البداية، ولكنّهم أصرّوا عليه وإنتزعوا منه الموافقة لكي يثبتوا لك إنّهم قد
وفوا بالعهد، أمّا يوسف فإنّه قد إستقبلهم بحفاوة وكرم بالغين ودعاهم لتناول
الطعام على مائدته، فأمر أن يجلس كلّ إثنين منهم على طبق من الطعام، ففعلوا وجلس
كلّ واحد منهم بجنب أخيه على الطعام، وبقي بنيامين وحيداً فتألّم من وحدته وبكى
وقال: لو كان أخي يوسف حيّاً لعطف عليّ ولأجلسني إلى جنبه على المائدة لأنّنا
إخوة من أب واحد واُمّ واحدة، قال يوسف مخاطباً إيّاهم: إنّ أخاكم بقي وحيداً وإنّني
سأجلسه بجنبي على المائدة ونأكل سويّة من الطعام، ثمّ بعد ذلك أمر يوسف بأن
تهيّأ لهم الغرف ليستريحوا فيها ويناموا، ومرّة أُخرى بقي بنيامين وحيداً،
فاستدعاه يوسف إلى غرفته وبسط له الفراش إلى جنبه، لكنّه لاحظ في تقاسيم وجهه
الحزن والألم وسمعه يذكر أخاه المفقود (يوسف) متأوّهاً، عند ذاك نفذ صبر يوسف
وكشف عن حقيقة نفسه، والقرآن الكريم يصف هذه الوقائع بقوله: (ولمّا دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إنّي أنا أخوك فلا
تبتئس بما كانوا يعملون). |
|
بحوث
|
|
الآيات السابقة
تثير أسئلة كثيرة فلابدّ من الإجابة عليها: |
|
1 ـ لماذا لم
يعترف يوسف بالحقيقة
|
|
لماذا لم يعترف يوسف بالحقيقة
لاُخوته لينهي ـ وفي أسرع وقت ممكن ـ مأساة أبيه وينجيه من العذاب الذي كان
يعيشه؟ |
|
2 ـ لماذا اتّهم يوسف أخاه؟
|
|
هل يجوز شرعاً أن يتّهم
الإنسان بريئاً لم يرتكب ذنباً، ولم تقتصر آثار هذه التّهمة على
البريء وحده، بل تشمل الآخرين من قريب أو بعيد؟ كما هو الحال في يوسف حيث شمل
اتّهامه الاُخوة وسبب لهم مشاكل عديدة. |
|
3 ـ لماذا اتّهام
الجميع بالسرقة؟
|
|
مرّ علينا في الآية الشريفة
قوله تعالى: (إنّكم سارقون) وهذه في الواقع تهمة موجّهة إلى الجميع وهي تهمة
كاذبة، فما المسوغ والمجوّز الشرعي لمثل هذا الإتّهام الباطل؟ |
|
4 ـ عقوبة السرقة
في تلك الأزمنة
|
|
يستفاد من الآيات السابقة أنّ
عقوبة السرقة عند المصريين كانت تختلف عنها عند الكنعانيين، فعند اُخوة يوسف (آل
يعقوب) ولعلّه عند الكنعانيين كانت العقوبة هي عبودية السارق (بصورة دائمة أو
مؤقتة) لأجل الذنب الذي إقترفه(يقول الطبرسي في مجمع
البيان ـ ذيل الآية ـ إنّ السنّة المتّبعة لدى بعض المجتمعات في ذلك الزمان هو
أن يصير السارق عبداً لمدّة سنة كاملة، وذكر أيضاً أنّ اُسرة يعقوب كانت ترى
عبودية السارق بمقدار ما سرق (أي يعمل عندهم بذلك المقدار).). |
|
5 ـ السقاية أو
الصواع
|
|
يلاحظ في الآيات السابقة أنّ
الله سبحانه وتعالى يعبّر عن الكيل تارةً بـ(الصواع) وأُخرى بـ(السقاية)،
والظاهر أنّهما صفتان لشيء واحد، حيث ورد في بعض المصادر أنّ هذا الصاع كان في
أوّل الأمر كأساً يسقى به الملك، ثمّ حينما عمّ القحط والغلاء في مصر وصار
الطعام والحبوب يوزّع على الناس حسب الحصص، إستعمل هذا الكأس الثمين لكيل الطعام
وتوزيعه، وذلك إظهاراً لأهميّة الحبوب وترغيباً للناس في القناعة وعدم الإسراف
في الطعام. |
|
الآيات(77) (79) قَالُواْ
إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِى
نَفْسِهِ
|
|
قَالُواْ إِن
يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِى
نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَاللهُ
أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ(77) قَالُواْ يَأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً
شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَيكَ مِنَ
الُْمحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا
مَتَعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَّظَلِمُونَ (79) |
|
التّفسير |
|
موقف
إخوة يوسف:
|
|
وأخيراً إقتنع
اُخوة يوسف بأنّ أخاهم (بنيامين) قد
إرتكب فعلا شنيعاً وقبيحاً وإنّه قد شوّه سمعتهم وخذلهم عند عزيز مصر، فأرادوا
أن يبرّأوا أنفسهم ويعيدوا ماء وجههم قالوا: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) أي
إنّه لو قام بالسرقة فهذا ليس بأمر عجيب منه فإنّ أخاه يوسف وهو أخوه لأبويه قد
إرتكب مثل هذا العمل القبيح، ونحن نختلف عنهما في النسب، وهكذا أرادوا أن يفصلوا
بينهم وبين بنيامين ويربطوه بأخيه يوسف. وحينما سمع يوسف كلامهم تأثّر
بشدّة لكنّه كتم ما في نفسه (فأسرّها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم) لأنّه كان
عالماً بأنّهم قد افتروا عليه واتّهموه كذباً، إلاّ أنّه لم يرد عليهم وقال لهم
بإختصار وإقتضاب (قال أنتم شرّ مكاناً) أي إنّكم أحقر وأشرّ مكاناً ممّن
تتّهمونه وتنسبون إليه السرقة، أو أنتم أحقر الناس عندي. |
|
الآيات(80) (82)
فَلَمَّا اسْتَيْئَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ
تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ
|
|
فَلَمَّا
اسْتَيْئَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا
أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقاً مِّنَ اللهِ وَمِن قَبْلُ مَا
فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الاَْرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِى أَبِى
أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَكِمِينَ (80) ارْجِعُواْ إِلَى
أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَأَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ
بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَفِظِينَ (81)وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ
الَّتِى كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِى أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا
لَصَدِقُونَ (82) |
|
التّفسير |
|
رجوع
الإخوة إلى أبيهم خائبين:
|
|
حاول الإخوة أن يستنقذوا
أخاهم بنيامين بشتّى الطرق، إلاّ أنّهم فشلوا في ذلك، ورأوا أنّ جميع سبل النجاة
قد سدّت في وجوههم، فبعد أن فشلوا في تبرئة أخيهم وبعد أن رفض العزيز إستعباد
أحدهم بدل بنيامين، إستولى عليهم اليأس وصمّموا على الرجوع والعودة إلى كنعان
لكي يخبروا أباهم، يقول القرآن واصفاً إيّاهم (فلمّا استيئسوا منه خلصوا نجيّاً)
أي إنّهم بعد أن يئسوا من عزيز مصر أو من إنقاذ أخيهم، إبتعدوا عن الآخرين
وإجتمعوا في جانب وبدأوا بالتشاور والنجوى فيما بينهم. ثمّ أمرهم الأخ
الأكبر أن يرجعوا إلى أبيهم ويخبروه بما جرى عليهم (ارجعوا إلى أبيكم فقولوا ياأبانا إنّ ابنك سرق) وهذه شهادة
نشهدها بمقدار علمنا عن الواقعة حيث سمعنا بفقد صواع الملك، ثمّ عثر عليه عند
أخينا، وظهر للجميع إنّه قد سرقها (وما شهدنا إلاّ بما علمنا) ولكن نحن لا نعلم
إلاّ ما شهدناه بأعيننا وهذا غاية معرفتنا (وما كنّا للغيب حافظين). |
|
بحوث
|
|
1 ـ من هو أكبر
الإخوة؟
|
|
ذهب بعض المفسّرين إلى أنّه كان روبين (روبيل) وقال
آخرون: إنّه (شمعون) واحتمل البعض أن يكون أكبرهم هو (يهودا). |
|
2 ـ الحكم وفق
الدلائل الظاهرة:
|
|
ويستفاد من مدلول
الآية الشريفة أنّه يحقّ للقاضي والحاكم أن
يحكم في الواقعة المرفوعة إليه على ما يستفيده من القرائن والشواهد القطعيّة،
وأن يقرّ المتّهم أو يشهد الشهود عنده، لأنّنا لاحظنا في قضيّة إخوة يوسف أنّه
بمجرّد أن عثر على الصاع في متاع بنيامين عُدّ مذنباً وحكم عليه بالسرقة من دون
شهادة أو إقرار، لأنّنا حينما نتحرّى عن القضيّة نرى أنّ كلّ شخص كان مسؤولا عن
حمل متاعه من الحبوب بنفسه، أو انّه كان حاضراً على الأقل عند تحميل العمال
لمتاعه، ومن جهة أُخرى لم يكن يتصوّر أحد أنّ
هناك خطّة في البين، وهؤلاء الإخوة لم يعاديهم أحد في مصر، فجميع القرائن
والشواهد تورث اليقين بأنّ هذا الفعل (السرقة) قد صدر عمّن وجد عنده الصاع. |
|
3 ـ يستفاد من
الآيات السابقة أنّ إخوة يوسف كانت طبائعهم مختلفة،
|
|
يستفاد من الآيات
السابقة أنّ إخوة يوسف كانت طبائعهم مختلفة، أمّا الأخ الأكبر فإنّه كان وفيّاً بميثاقه وحافظاً لوعده الذي واعد به
أباه، أمّا بقيّة الإخوة فإنّهم بعد أن شاهدوا فشل جميع محاولاتهم في إقناع
العزيز، تراجعوا عن موقفهم وعدّوا أنفسهم معذورين، ومن الطبيعي إنّ ما قام به
الأخ الأكبر كان هو الاُسلوب المجدي والصحيح، لأنّه ببقائه في مصر والإعتصام بها
وعلى مقربة من بلاط العزيز وقصره كان باعثاً للأمل في أن يترحّم العزيز على
الإخوة وعلى أبيهم الشّيخ الكبير، ويعفو عن هذا الغريب ولا يجازيه من أجل صاع
سرقه ثمّ عثر عليه العمّال، فعلى هذا وأملا في استجداء عطف العزيز، بقي في مصر
وبعث بإخوته إلى أبيهم في كنعان ليبلغوه الخبر ويطلبوا منه أن يدلّهم على الطريق
الصحيح لإنقاذ أخيهم. |
|
الآيات(83) (86)
قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ
|
|
قَالَ بَلْ
سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَن
يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)
وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ
مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)قَالُواْ تَاللهِ تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ
حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهلِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا
أَشْكُواْ بَثِّى وَحُزْنِى إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ
تَعْلَمُونَ (86) |
|
التّفسير |
|
يعقوب
والألطاف الإلهية:
|
|
وأخيراً غادروا مصر متّجهين
إلى كنعان في حين تخلّف أخواهم الكبير والصغير، ووصلوا إلى بيتهم منهوكي القوى
وذهبوا لمقابلة أبيهم، وحينما رأى الأب الحزن والألم مستولياً على وجوههم
(خلافاً للسفرة السابقة والتي كانوا فيها في غاية الفرح) علم أنّهم يحملون إليه
أخباراً محزنة وخاصّة حينما إفتقد بينهم بنيامين وأخاه الأكبر، وحينما أخبروه عن
الواقعة بالتفصيل، إستولى عليه الغضب وقال مخاطباً إيّاهم بنفس العبارة التي
خاطبهم بها حينما أرادوا أن يشرحوا له خديعتهم مع يوسف (قل
بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً) أي إنّ أهواءكم الشيطانية هي التي إستولت
عليكم وزيّنت لكم الأمر بهذه الصورة التي أنتم تصفونه. أمّا الإخوة فكانوا
متألّمين من جميع ما جرى لهم، فمن جهة كان عذاب الوجدان لا يتركهم ممّا أحدثوه
ليوسف، ـ وفي قضيّة بنيامين ـ شاهدوا
أنفسهم في وضع صعب وامتحان جديد، ومن جهة ثالثة كان يصعب عليهم أن يشاهدوا أباهم
يتجرّع غصص المرارة والألم ويواصل بكاؤه الليل بالنهار، توجّهوا إلى أبيهم
وخاطبوه معاتبين (قالوا تالله تفتئوا تذكر يوسف حتّى تكون حرضاً أو تكون من
الهالكين)( (حرض) على وزن مرض بمعنى الشيء الفاسد
والمؤلم، والمقصود منه هنا هو المريض الذي ضعف جسمه وصار مشرفاً على الموت.)
أي إنّك تردّد ذكر يوسف وتتأسّف عليه حتّى تتمرّض وتشرف على الهلاك وتموت. |
|
الآيات(87) (93)
يَبَنِىَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَاْيْئَسُواْ
مِن رَّوْحِ اللهِ
|
|
يَبَنِىَّ
اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَاْيْئَسُواْ مِن
رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَاْيْئَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ
الْكَفِرُونَ (87)فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَأَيُّهَا الْعَزِيزُ
مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَعَة مُّزْجَة فَأَوْفِ لَنَا
الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللهَ يَجْزِى الْمُتَصَدِّقِينَ (88)
قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ
جَهِلُونَ (89) قَالُواْ أَءِنَّكَ لاََنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ
وَهَذَا أَخِى قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ
فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الُْمحْسِنِينَ (90) قَالُواْ تَاللهِ لَقَدْ
ءَاثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَطِئِينَ (91) قَالَ لاَ تَثْرِيبَ
عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّحِمِينَ (92)
اذْهَبُواْ بِقَمِيصِى هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيراً
وَأْتُونِى بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) |
|
التّفسير |
|
اليأس
علامة الكفر!
|
|
كان القحط والغلاء وشحّة
الطعام يشتدّ يوماً بعد آخر في مصر وما حولها ومنها كنعان، ومرّة أُخرى أمر
يعقوب أولاده بأن يتّجهوا صوب مصر للحصول على الطعام، لكنّه هذه المرّة طلب منهم
بالدرجة الأُولى أن يبحثوا عن يوسف وأخيه بنيامين، حيث قال لهم: (يابني اذهبوا
فتحسّسوا من يوسف وأخيه). |
|
بحوث
|
|
1
ـ من الذي حمل قميص يوسف؟ |
|
الآيات(94) (98)
وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّى لاََجِدُ رِيحَ يُوسُفَ
لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ
|
|
وَلَمَّا فَصَلَتِ
الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّى لاََجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن
تُفَنِّدُونِ (94) قَالُواْ تَاللهِ إِنَّكَ لَفِى ضَلَلِكَ الْقَدِيمِ (95)
فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً
قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّى أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
(96) قَالُواْ يَأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَطِئِينَ
(97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّى إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ (98) |
|
التّفسير |
|
وأخيراً
شملتهم رعاية الله ولطفه:
|
|
أمّا أولاد يعقوب فإنّهم بعد
أن واجهوا يوسف وجرى لهم ما جرى حملوا معهم قميص يوسف فرحين ومستبشرين وتوجّهوا
مع القوافل القادمة من مصر، وفيما كان الإخوة يقضون أسعد لحظات حياتهم، كان هناك
بيت في بلاد الشام وأرض كنعان ـ ألا وهو بيت يعقوب الطاعن في السنّ حيث كان يقضي
هو وعائلته أحرج اللحظات وأشدّها حزناً وبؤساً. لكن ـ مقارناً مع حركة القافلة من مصر ـ حدث في بيت يعقوب حادث
غريب بحيث أذهل الجميع وصار مثاراً للعجب والحيرة، حيث نشط يعقوب وتحرّك من
مكانه وتحدّث كالمطمئن والواثق بكلامه قال: لو لم تتحدّثوا عنّي بسوء ولم تنسبوا
كلامي إلى السفاهة والجهل والكذب لقلت لكم: (إنّي لأجد ريح يوسف) فإنّي أحسّ
بأنّ أيّام المحنة والآلام سوف تنصرم في القريب العاجل، وأنّه قد حان وقت النصر
واللقاء مع الحبيب، وأرى أنّ آل يعقوب قد نزعوا ثوب العزاء والمصيبة ولبسوا لباس
الفرح والسرور ـ لكن لا تصدّقون كلامي (ولمّا فصلت العير قال أبوهم إنّي لأجد
ريح يوسف لولا أن تفنّدون)( (تفنّدون) من مادّة
(الفَند) على زنة (الرَمَد) ومعناها العجز الفكري والسفاهة، ومضى بعض اللغويين
إلى أنّ معناها الكذب ومعناها في الأصل الفساد. فبناءً على ذلك فإنّ جملة (لولا
أن تفنّدون) معناها إذا لم تتّهموني بالسفاهة وفساد العقل.). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ كيف أحسّ
يعقوب برائحة قميص يوسف؟!
|
|
هذا سؤال أثاره
كثير من المفسّرين، واعتبروه معجزة
خارقة للعادة من قبل يعقوب أو يوسف. إلاّ أنّه ـ مع الأخذ بنظر الإعتبار سكوت
القرآن عن هذا الأمر ـ ولم يتناوله على أنّه أمر إعجازي
أو غير إعجازي فمن الهيّن أن نجد له توجيهاً علميّاً أيضاً. إذ أنّ حقيقة
«التليبائي» أو إنتقال الفكر من النقاط أو الأماكن البعيدة تُعدّ مسألة علميّة
قطعيّة مسلّماً بها ... وأنّها تحدث عند من تكون لديهم علاقة قريبة تربط بعضهم
ببعض، أو تكون لديهم قدرة روحيّة عالية. |
|
2 ـ إختلاف حالات
الأنبياء:
|
|
الإشكال المعروف
الآخر هنا هو ما أثاره بعضهم في شأن يعقوب من سؤال وهو: |
|
3 ـ كيف رُدّ على
يعقوب بصره؟!
|
|
احتمل بعض
المفسّرين أنّ يعقوب (عليه السلام) لم
يفقد بصره بصورة كليّة، وإنّما ضعف بصره، وعند حصول مقدّمات الوصال تبدّل تبدّلا
بحيث عاد ذلك البصر إلى حالته الطبيعيّة الأُولى، إلاّ أنّ ظاهر آيات القرآن
يدلّ على أنّه فقد بصره تماماً وابيضّت عيناه من الحزن، وعلى ذلك فإنّ بصره عاد
إليه عن طريق الإعجاز، حيث يقول القرآن الكريم: (فارتدّ بصيراً). |
|
4 ـ الوعد بالإستغفار:
|
|
نقرأ في الآيات ـ محل البحث ـ
أنّ يوسف (عليه السلام) قال لإخوته عندما أظهروا له ندامتهم: (يغفر الله لكم)
إلاّ أنّ يعقوب (عليه السلام) قال لهم عندما اعترفوا عنده بالذنب وأظهروا
الندامة: (سوف استغفر لكم) وكان هدفه ـ كما تقول الرّوايات ـ أن يؤخّر إستجابة
طلبهم الاستغفار إلى السحر (من ليلة الجمعة) الذي هو خير وقت لإستجابة الدعاء
وقبول التوبة(نقرأ في تفسير القرطبي أنّ هدفه كان
الإستغفار لهم في ليلة الجمعة الموافقة ليوم عاشوراء «لمزيد الإطلاع يراجع تفسير
القرطبي، ج6، ص3491».). |
|
5 ـ التوسّل
جائز:
|
|
يستفاد من الآيات ـ آنفة
الذكر ـ أنّ طلب الإستغفار من الآخرين غير مناف للتوحيد، بل هو سبيل إلى الوصول
إلى لطف الله سبحانه، وإلاّ فكيف كان يمكن ليعقوب أن يستجيب لطلب أبنائه في أن
يستغفر لهم وأن يجيبهم بالإيجاب على توسّلهم به. |
|
6 ـ نهاية الليلة
السوداء
|
|
إنّ الدرس الكبير الذي
نستلهمه من الآيات المتقدّمة هو أنّه مهما كانت المشاكل والحوادث صعبة وعسيرة،
ومهما كانت الأسباب والعلل الظاهرية غير تامّة ومحدودة، ومهما كان النصر أو
الفرج بطيئاً (أو غير متحقّق فعلا) فإنّ أيّاً من أُولئك لا يمنع من الرجاء
والأمل بلطف الله، فالله الذي أعاد البصر برائحة القميص ونقل رائحة ذلك القميص
من مسافة بعيدة، وردّ العزيز المفتقد بعد سنين طويلة، قادر على أن يضمّد القلوب
المجروحة من الفراق، وأن يشفي آلام النفوس. |
|
الآيات(99) (101)
فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ ءَاوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ
ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاءَ اللهُ ءَامِنِينَ
|
|
فَلَمَّا دَخَلُواْ
عَلَى يُوسُفَ ءَاوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاءَ
اللهُ ءَامِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ
سُجَّداً وَقَالَ يَأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُءْيَىَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا
رَبِّى حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِى إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ
بِكُمْ مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَنُ بَيْنِى وَبَيْنَ
إِخْوَتِى إِنَّ رَبِّى لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ (100) رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن
تَأْوِيلِ الاَْحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ أَنتَ وَلِىِّ فِى
الدُّنْيَا وَالاَْخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِى
بِالصَّلِحِينَ(101) |
|
التّفسير |
|
عاقبة
أمر يوسف وأبيه وإخوته:
|
|
مع وصول القافلة التي تحمل
أعظم بشارة من مصر إلى كنعان، وعودة البصر إلى يعقوب، إرتفعت أهازيج في كنعان.
فالبيت الذي لم يخلع أهله عنهم ثياب الحزن والأسى لسنين عديدة، أصبح غارقاً في
السرور والحبور، فلم يكتموا رضاهم عن هذه النعم الإلهيّة أبداً. |
|
بحوث
|
|
1 ـ هل السجود لغير
الله جائز؟!
|
|
كما بيّنا في الجزء الأوّل من
هذا التّفسير عند بحثنا في شأن سجود الملائكة لآدم، فقلنا: إنّ السجود بمعنى
العبادة يختص بالله تعالى ولا تجوز العبادة لأي أحد في أيّ مذهب إلاّ لله سبحانه
وهذا هو المراد من توحيد العبادة الذي هو قسم مهمّ من التوحيد الذي دعا إليه
جميع الأنبياء. فبناءً على هذا لم يكن يوسف
وهو نبيّ الله يسمح لأحد أن يسجد له ويعبده من دون الله، ولا النّبي العظيم
يعقوب كان يقدّم على مثل هذا الأمر، ولا القرآن الكريم كان يعبّر عنه بأنّه عمل
جدير أو على الأقل عمل مجاز. |
|
2 ـ وساوس
الشيطان:
|
|
إنّ جملة (نزغ الشيطان بيني
وبين إخوتي) مع ملاحظة أنّ نزغ بمعنى الدخول في أمرّ ما بقصد الفساد أو الإفساد
تدلّ على أنّ لوساوس الشيطان في مثل هذه الحوادث أثراً مهمّاً دائماً، إلاّ
أنّنا نوّهنا من قبل بأنّ هذه الوساوس لوحدها لا تعمل شيئاً، فالمصمّم الأخير هو
الإنسان نفسه، بل هو الذي يفتح أبواب قلبه للشيطان ويسمح له بالدخول. |
|
3 ـ الأمن نعمة
الله الكبرى؟
|
|
لقد أشار يوسف إلى مسألة
الأمن من بين جميع المواهب والنِعم بمصر، وقال لأبويه وإخوته (ادخلوا مصر إن شاء
الله آمنين) وهذا الأمر يدلّ على أنّ نعمة الأمن أساس جميع النعم، والحقّ أنّها
كذلك، لأنّه متى ذهبت نعمة الأمن، فإنّ سائر مسائل الرفاه والمواهب المادية
والمعنوية يحدق بها الخطر. |
|
4 ـ أهميّة مقام
العلم:
|
|
ومرّة أُخرى يعوّل يوسف (عليه
السلام) في إنتهاء عمله وأمره على مسألة علم تعبير الرؤيا، ويجعل هذا العلم
البسيط ـ ظاهراً ـ إلى جانب تلك الحكومة العظمى ومن دون منازع، وهذا يكشف عن
تأكيده على أهميّة العلم مهما كان بسيطاً، فيقول: (ربّ قد آتيتني من الملك
وعلّمتني من تأويل الأحاديث). |
|
5 ـ حسن العاقبة:
|
|
قد يتقلّب الإنسان في طول
عمره في أشكال مختلفة متعدّدة، إلاّ أنّ من المسلّم به أنّ الصفحات الأخيرة من
حياته أهمّ من جميع ما مضى عليه، لأنّ سجل عمره ينتهي بانتهائها ويتعلّق الحكم
النهائي، لذا فإنّ الرجال المؤمنين يطلبون من الله دائماً أن تكون هذه الصفحات
من العمر مشرقة نيّرة، وأن يختم لهم بالخير. |
|
6 ـ هل جاءت اُمّ
يوسف إلى مصر
|
|
يستفاد من ظاهر الآيات ـ آنفة
الذكر ـ بصورة جيّدة أنّ أُمّ يوسف كانت يومئذ حيّة، وقد جاءت مع يعقوب وأبنائها
إلى مصر، وسجدت شاكرةً هذه النعمة. إلاّ أنّ بعض المفسّرين يصرّون على أنّ اُمّ
يوسف «راحيل» كانت قد إنتقلت من الدنيا يومئذ، وإنّما التي جاءت إلى مصر خالته
التي تعدّ بمثابة اُمّه. |
|
7 ـ عدم ذكر
القصّة للأب:
|
|
نقرأ في رواية عن الإمام
الصادق (عليه السلام) أنّه قال (عليه السلام): «قال يعقوب ليوسف: |
|
الآيات(102) (107)
ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ
أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ
|
|
ذَلِكَ مِنْ
أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ
أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ
بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر إِنْ هُوَ إِلاَّ
ذِكْرٌ لِّلْعَلَمِينَ(104) وَكَأَيِّن مِّنْ ءَايَة فِى السَّمَوَتِ
وَالاَْرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا
يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللهِ إلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ(106) أَفَأَمِنُواْ أَن
تَأْتِيَهُمْ غَشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ
بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ (107) |
|
التّفسير |
|
الأدعياء
مشركون غالباً!
|
|
بعد ما إنتهت قصّة يوسف (عليه
السلام) بكلّ دروسها التربوية ونتائجها الغزيرة والقيّمة والخالية من جزاف القول
والخرافات التاريخيّة .. إنتقل الكلام إلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)حيث
يقول القرآن الكريم: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا
أمرهم ...). إنّ هذه المعلومات الدقيقة لا
يعلمها إلاّ الله، أو واحدٌ من الذين كانوا حاضرين هناك، وبما أنّك لم تكن
حاضراً لديهم فالوحي الإلهي فقط هو الذي جاءك بهذه الأخبار. |
|
الآيات(108) (111)
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُواْ إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَة أَنَاْ وَمَنِ
اتَّبَعَنِى
|
|
قُلْ هَذِهِ
سَبِيلِى أَدْعُواْ إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَة أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِى
وَسُبْحَنَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن
قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالا نُّوحِى إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ
يَسِيرُواْ فِى الاَْرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَقِبَةُ الَّذِينَ مِن
قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الاَْخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَوْاْ أَفَلاَ
تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ
قَدْ كُذِبُواْ جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّىَ مَن نَّشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ
بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الُْمجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ
عِبْرَةٌ لاُِّوْلِى الاَْلْبَبِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن
تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْء وَهُدىً وَرَحْمَةً
لِّقَوْم يُؤْمِنُونَ (111) |
|
التّفسير |
|
أصدق
الدروس والعبر:
|
|
في الآية الأُولى من هذه
المجموعة يتلقّى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) الأوامر لتحديد الطريق والمنهج
الذي يتّبعه، فيقول القرآن الكريم: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله) ثمّ يضيف: (على
بصيرة أنا ومن اتّبعني). تشير هذه الآية إلى أدقّ
وأصعب لحظة في حياة الأنبياء فنقول: إنّ الأنبياء يواجهون دائماً مقاومة عنيفة
من قبل أقوامهم وطواغيت زمانهم حتّى يصل الحال بالأنبياء إلى اليأس إلى حدّ
يظنّون أنّ أتباعهم المؤمنين القليلين قد كذبوا عليهم وتركوهم وحدهم في مسيرتهم
في الدعوة إلى الحقّ، وفي هذه الأثناء حيث إنقطع أملهم في كلّ شيء أتاهم نصرنا.
وفي نهايتها تشير إلى عاقبة المجرمين (ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين). |
|
في
تفسير هذه الجملة من الآية: (ظنّوا أنّهم قد كذبوا) ومن المقصود بها، هناك عدّة
آراء للمفسرين:
|
|
1 ـ
إنّ كثيراً من علماء التّفسير يرون ما قلناه سابقاً، وخلاصته: إنّ عمل الأنبياء يصل إلى درجة يعتقدون فيها أنّ كلّ
الناس سوف يكذبوهم، حتّى تلك المجموعة التي تظهر إيمانها ولكنّها غير راسخة في
عقيدتها. |
|
«نهاية سورة
يوسف»
|
|
اللهمّ! امنحنا
البصر في أعيننا والسمع في آذاننا والعلم في قلوبنا، حتّى نستطيع أن نحصل من
سيرة السابقين على طرقاً للنجاة من المشاكل التي نغوص الآن فيها. |
|
|
|
|
سُورَة
يُوسُفْ مكيّة وعَدَدُ آيَاتَها مَائة وَاحدى عشرة آية
|
|
«سُورة يوسف» |
|
«بداية سورة
يوسف»
|
|
قبل الدخول في تفسير آيات هذه
السورة ينبغي ذكر عدّة أمور: |
|
قبل الدخول في تفسير آيات هذه السورة ينبغي
ذكر عدّة أمور: 1 ـ لا إِشكال بين المفسّرين في أنّ هذه
السورة نزلت في مكّة، سوى ما نُقل عن ابن عباس
أنّ أربع آيات مدنية (الآيات
الثلاث في أوّل السورة والآية السّابعة منها). |
|
محتوى
هذه السورة
|
|
ـ على خلاف سور
القرآن الأُخرى ـ مرتبط بعضه
ببعض، ويبيّن جوانب مختلفة من قصّة واحدة وردت
في أكثر من عشرة فصول، مع بيان أخاذ موجز، عميق،
وطريف ومثير. 4 ـ
قصّة يوسف قبل الإِسلام وبعده وعلى كل حال فإنّ هذه القصّة ـ بعد الإِسلام
ـ تناقلتها أقلام مؤرخي الشرق والغرب ...
وأحياناً مع أغصان وأوراق إِضافية. أمّا في قصّة يوسف فلا كلام عن هذا الموضوع، بل
أكثر ما فيها بيان حياة يوسف نفسه ونجاته من المزالق الخطيرة التي تنتهي أخيراً الى استلامه سدّة الحكم، وهي في حدّ ذاتها «أنموذج» خاص. ولكن سند هذه
الرّوايات بشكل عام لا يُعتمد عليه، إِضافة الى ذلك فقد ورد في بعض الرّوايات الأُخرى
خلاف ذلك حيث ترغّب في تعليم هذه السورة للعائلة. وبعد هذا كلّه فإنّه
التدقيق في آيات هذه السورة يكشف أنّ هذه السورة، ليس
فيها أيّة نقطة سلبية بالنسبة للنساء، وليس هذا فحسب، بل إِن ماجرى
لإمرأة عزيز مصر، درسٌ فيه عبرة لجميع النسوة اللائي
يبتلين بالوساوس الشيطانيّة. |
|
الآيات (1) (3) الر
تِلْك ءَايَتُ الْكِتَبِ الْمُبِينِ
|
|
(1) إِنَّآ أَنزَلْنَهُ
قُرْءَناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ
أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْءَانَ وَإِن كُنتَ
مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَفِلِينَ(3) |
|
التّفسير |
|
أحسن
القصص بين يديك:
|
|
تبدأ هذه السورة بالحروف
المقطعة «ألف. لام. راء» وهي دلالة على عظمة
القرآن، وإِنّ تركيب هذه الآيات ذات المحتوى العميق متكوّن من أبسط الأجزاء، وهي حروف الهجاء «ألف ـ باء .. الخ» وقد تحدثنا عن
الحروف المقطعة في القرآن ـ حتى الآن ـ في ثلاثة مواضع
«بداية سورة البقرة، وآل عِمران، والأعراف» بقدر كاف ... فلا ضرورة للتكرار،
وأثبتنا دلالتها على عظمة القرآن. |
|
أثر
القصّة في حياة الناس
|
|
مع ملاحظة أنّ القسم المهمّ
من القرآن قد جاء على صورة تأريخ للأُمم السابقة وقصص الماضين، فقد يتساءل
البعض: لِمَ يحملُ هذا الكتاب التربوي كل هذا «التأريخ» والقصص؟! 3 ـ
القصّة والتاريخ مفهومان عند كل أحد، على خلاف الإِستدلالات العقلية، فإنّ الناس
في فهمها ليسوا سواسية ... وعلى هذا فإنّ
الكتاب الشامل الذي يريد أن يستفيد منه البدوي الأُمّي والمتوحش ... إلى
الفيلسوف والمفكر الكبير، يجب أن يكون معتمداً على التاريخ والقصص والأمثلة. |
|
الآيات(4) (6) إِذْ
قَالَ يُوسُفُ لاَِبِيهِ يَأَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
|
|
إِذْ قَالَ يُوسُفُ
لاَِبِيهِ يَأَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَجِدِينَ(4) قَالَ يَبُنَىَّ لاَ تَقْصُصْ
رُءْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَنَ
لِلاِْنسَنِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ(5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ
مِن تَأْوِيلِ الاَْحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِ
يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَهِيمَ وَإِسْحَقَ
إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(6) |
|
التّفسير |
بارقة
الأمل وبداية المشاكل:
|
|
بدأ القرآن بذكر قصّة يوسف من
رؤياه العجيبة ذات المعنى الكبير، لأنّ هذه الرؤيا في الواقع تعدّ أوّل فصل من
فصول حياة يوسف المتلاطمة. |
|
ملاحظات
|
|
|
1 ـ الرّؤيا
والحُلم
|
|
إِنّ مسألة الرؤيا في المنام
من المسائل التي تستقطب أفكار الأفراد العاديين من الناس والعلماء في الوقت
نفسه. بُشرى من الله، وتحزين من
الشيطان، والذي يحدث به الإِنسان نفسه فيراه في منامه»(
بحار الأنوار، ج 14، ص 44 ويضيف بعض العلماء قسماً رابعاً على هذه الأقسام، هو
الرؤيا التي تكون نتيجةً مباشرة عن الوضع المزاجي والجسماني للإِنسان، وسيشار
إِليها في البحوث المقبلة ... إِن شاء الله.). |
|
النظرات
المختلفة في حقيقة الرؤيا،
|
|
وعلى كل حال يلزمنا هنا أن
نبيّن النظرات المختلفة في حقيقة الرؤيا، ونشير إِليها بأسلوب مكثف مضغوط. |
|
2 ـ التّفسير
المعنوي
|
|
وأمّا الفلاسفة
الميتافيزقيون فلهم تفسير آخر للرؤيا، حيث يقولون: إِنّ الرؤيا والأحلام على
أقسام: |
|
الآيات(7) (10)
لَّقَدْ كَانَ فِى يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ءَايَتٌ لِّلسَّآئِلِينَ
|
|
لَّقَدْ كَانَ فِى
يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ءَايَتٌ لِّلسَّآئِلِينَ(7) إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ
وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا
لَفِى ضَلَل مُّبِين(8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ
لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَلِحِينَ(9) قَالَ
قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِى غَيَبَتِ الْجُبِّ
يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَعِلِينَ(10) |
|
التّفسير |
|
المؤامرة:
|
من هنا تبدأ قصّة
مواجهة إِخوة يوسف واشتباكهم معه: |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ
«الجبّ» معناه «البئر» التي لم تنضّد
بالطابوق والصخور، ولعلّ أغلب آبار الصحراء على هذه الشاكلة. 2 ـ ونقرأ حديثاً للإِمام الصادق(عليه السلام) يقول: «آفة
الدين الحسد والعجب والمفاخرة» كما نقرأ له حديثاً يقول: «إِنّ المؤمن يغبط ولا
يحسد، والمنافق يحسد ولا يغبط»( المصدر نفسه.). وفي هذا الصدد نقرأ
في الرّوايات الإِسلامية أن الإِمام
الباقر(عليه السلام) قال يوماً: «والله إِنّي لأصانع بعض ولدي، وأجلسه على فخذي،
وأنكز له المخّ، وأكسر له الكسر، وإِن الحقّ لغيره من ولدي، ولكن مخافة عليه منه
ومن غيره، لا يصنعوا به ما فعل بيوسف اخوتُه، وما أنزل الله سورة إِلاّ أمثالا
لكي لا يجد بعضنا بعضاً كما حسد يوسفَ إِخوتُه، وبغوا عليه، فجعلها رحمةً على من
تولاّنا، ودان بحبّنا وحجّة على أعدائنا ومن نصب لنا الحرب والعداوة»( بحار الأنوار، ج 74، ص 78.) |
|
الآيات(11) (14)
قَالُوا يَأَبَانَا مَا لَكَ لاَتَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ،
لَنَصِحُونَ
|
|
|
قَالُوا يَأَبَانَا
مَا لَكَ لاَتَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ، لَنَصِحُونَ(11)
أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَفِظُونَ(12)
قَالَ إِنِّى لَيَحْزُنُنِى أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ
الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَفِلُونَ(13) قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ
وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذاً لَّخَسِرُونَ(14) |
|
التّفسير |
|
المؤامرة
المشؤومة!
|
|
بعد أن صوّب إِخوة يوسف
إِقتراحَ أخيهم في عدم قتل يوسف، وإِلقائه في الجبّ، أخذوا يفكرون في كيفية فصل
يوسف عن أبيه لذلك أقدموا على تخطيط آخر، فجاؤوا الى أبيهم بلسان ليّن يدعو إلى
الترحم، وفي شكل يتظاهرون به أنهم مخلصون له وحدثوا أباهم و(قالوا يا أبانا ما
لك لا تأمنّا على يوسف وإِنا له لناصحون). |
|
بحوث
|
|
وينبغي هنا
الإِلتفات الى عدة دروس حيّة تستلهم من هذه القصّة: |
|
1 ـ مؤامرات
الأعداء في ثياب الأصدقاء
|
|
من الطبيعي أنّ الأعداء لا
يدخلون الميادين ـ عند الهجوم ـ بصراحة ودون استتار أبداً. |
|
2 ـ حاجة
الإِنسان الفطرية والطبيعية الى التنزّه والإِرتياح
|
|
من الطريف أن يعقوب(عليه
السلام) لم يردّ على كلام إِخوة يوسف واستدلالهم على أنّه بحاجة الى التنزه
والإِرتياح، بل وافق على ذلك عمليّاً، وهذا دليل
كاف على أن أيّ عقل سليم لا يستطيع أن يُنكر هذه الحاجة الفطرية والطبيعيّة ...
فالإِنسان ليس آلة تستعمل في أي وقت كان وكيف كان، بل له روح ونفس ينالهما
التعَبُ والنَصُب كما ينالان الجسم. فكما أن الجسم يحتاج
الى الراحة والنوم، كذلك الرّوح والنَّفس بحاجة
الى التنزّه والإِرتياح السليم. |
|
3 ـ الولد في ظلّ
الوالد
|
|
إِذا كانت محبّة الأب الشديدة
أو الأُم بالنسبة للولد تستوجب أن يحفظ الى جانبهما، إِلاّ أن من الواضح أن
فلسفة هذه المحبة من وجهة نظر قانون الخلقة هي المحافظة التامة على الولد عند
الحاجة إِليها، وعلى هذا الأساس ينبغي أن تقل هذه المحافظة كلّما تقدّمت به
السن، ويُمنح الولد الإِجازة ليخطوُ في حياته نحو الإِستقلال، والاّ فسيكون كمثل
غرسة النّورس تحت ظل الشجرة القوية دائماً لا تنمو كما يلزم. |
|
4 ـ لا قصاص ولا
اتهام قبل الجناية
|
|
نشاهد في هذا الفصل من القصّة
أنّ يعقوب بالرغم من علمه بما سيقدم عليه إِخوة يوسف ... وتحذيره ولَدَهُ يوسف ألاّ يقصص رؤياه على إِخوته، وأن يكتم الأمر، إِلاّ
أنّه لم يكن مستعداً لأنّ يتّهمهم بقصد الإِساءة الى يوسف، بل كان عذره إِليهم
أنّه يحزنه فراقه، ويخاف أن يأكله الذئب في الصحراء. |
|
5 ـ تلقين العدوّ
|
|
المسألة الأُخرى أننا نقرأ ـ
في ذيل الآيات المتقدمة ـ رواية عن النّبي(ص)أنّه قال: «لا تلقّنوا الكذّاب
فيكذب فإنّ بني يعقوب(عليه السلام) لم يعلموا أن الذئب يأكل الإِنسان حتى لقّنهم
أبوهم»( نور الثقلين، ج 2، ص 415.). إِشارة الى
أنه قد يحدث أحياناً أن لا يلتفت الطرف الآخر
الى الحيلة والى طريق الإِعتذار وانتخاب طريق الإِنحراف، فعليكم أن تحذروا من ذكر الإِحتمالات المختلفة التي تبيّن له
طرق الإِنحراف. |
|
الآيات(15) (18)
فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِى غَيَبَتِ الْجُبِّ
وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ
|
|
فَلَمَّا ذَهَبُوا
بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِى غَيَبَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ
إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ
يَشْعُرُونَ(15)وَجَآءُو أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ(16) قَالُوا يَأَبَانَآ
إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَعِنَا فَأَكَلَهُ
الذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بُمُؤْمِن لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَدِقِينَ(17) وَجَآءُو
عَلَى قَمِيصِهِ بِدَم كَذِب قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً
فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ(18) |
|
التّفسير |
|
الكذب
المفضوح:
|
|
وأخيراً إنتصر إِخوة يوسف
وأقنعوا أباهم أن يرسل معهم أخاهم يوسف، فباتوا ليلتهم مطمئني البال بانتظار
الصبح لتنفيذ خطتهم وإِزاحة أخاهم الذي يقف عائقاً في طريقهم ... وكان قلقهم الوحيد
أن يندم أبوهم ويسحب كلامه ووعده بإِرسال يوسف معهم. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ حول الترك
«الأَولى»
|
|
ينقل أبو حمزة
الثمالي عن الإِمام السجاد فيقول: كنت يوم
الجمعة في المدينة وصليت الغداة مع الإِمام السجاد (عليه السلام) فلمّا فرغ من
صلاته وتسبيحه نهض الى منزله وأنا معه، فدعا مولاة له تُسمى سكينة فقال لها: «لا
يعبر على بابي سائل إِلاّ أطعمتموه فإنّ اليوم يوم الجمعة». |
|
2 ـ دعاء يوسف
البليغ الجذّاب
|
|
ترد في روايات أهل البيت(ع) وروايات أهل السنة، أن يوسف حين
استقرّ في قعر الجبّ انقطع أمله من كل شيء، وصرف كلِّ توجهه الى ذات الله
المقدسة يناجي ربّه، وكانت لديه حوائج ذكرها بتلقين جبرئيل إِياه ... |
|
3 ـ جملة
(وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجبّ)
|
|
تدلّ على أنّهم لم يرموه في
البئر، أنزلوه على مكان يشبه الرصيف لمن يريد النّزول الى سطح الماء، وقد شدوه
يحبل حتى إذا نزل ووصل الى غيابة الجبّ تركوه وحده. |
|
4 ـ تسويل النفس
|
|
جملة «سوّلت» مشتقّة من «التسويل» ومعناه
«التزيين» وقد يأتي بمعنى
«الترغيب» وقد يأتي بمعنى «الوسوسة» كما
في بعض التفاسير ... جميع هذه المعاني ترجع الى شيء
واحد ... أي إِنّ هوى النفس زيّن لكم هذا العمل. |
|
5 ـ الكذاب عديم
الحافظة
|
|
قصّة يوسف ـ وما
جرى له مع إِخوته ـ تثبت مرّة أُخرى هذا الأصل المعروف الذي يقول: إِنّ الكذاب لا يستطيع أن يكتم سرّه دائماً، لأنّ
الواقعيات العينية حين تظهر الى الوجود الخارجي تظهر ومعها روابط ـ أكثر من أن
تعدّ ـ مع موضوعات أُخرى تدور حولها، وإِذا أراد الكاذب أن يهيىء مناخاً لمسألة
غير واقعية فإنّه لا يستطيع أن يحفظ هذه الروابط مهما كان دقيقاً. |
|
6 ـ ما هو الصبر
الجميل؟
|
|
الصبر أمام الحوادث الصعبة
والأزمات الشديدة يدلّ على قوة شخصية الإِنسان، وعلى سعة روحه بسعة ما تتركه هذه
الحوادث فلا يتأثر ولا يهتز لها. ربّما يحرك النسيم العليل ماء الحوض الصغير، ولكن
المحيطات العظيمة كالمحيط الهادي ـ مثلا ـ يستوعب حتى الاعصار الذي يتلاشى أمام
هدوئه وسعته. |
|
الآيتان(19) (20)
وَجَآءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ
يَبُشْرَى هَذَا غُلَمٌ
|
|
وَجَآءَتْ
سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَبُشْرَى هَذَا
غُلَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَعَةً وَاللهُ عَلِيمُ بِمَا يَعْمَلُونَ(19) وَشَرَوْهُ
بِثَمَن بَخْس دَرَهِمَ مَعْدُودَة وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّهِدِينَ(20) |
|
التّفسير |
|
نحو
أرض مصر:
|
|
قضى يوسف في ظلمة الجب
الموحشة والوحدة القاتلة ساعات مرّةً، ولكنّه بإِيمانه بالله وسكينته المنبثقة
عن الإِيمان شع في قلبه نور الأمل، وألهمه الله تعالى القوة والقدرة على تحمّل
الوحدة الموحشة، وأن ينجح في هذا الإِمتحان. |
|
الآيتان(21) (22)
وَقَالَ الَّذِى اشْتَرَهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِى مَثْوَهُ عَسَى
أَن يَنفَعَنَآ
|
|
وَقَالَ الَّذِى
اشْتَرَهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِى مَثْوَهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَآ
أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الاَْرْضِ
وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الاَْحَادِيثِ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَيَعْلَمُونَ(21) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ
ءَاتَيْنَهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِى الُْمحْسِنِينَ(22) |
|
التّفسير |
|
في
قصر عزيز مصر:
|
|
إنتهت حكاية يوسف مع إِخوته
الذين ألقوه في غيابة الجبّ وبيّناها تفصيلا، بدأ فصل جديد من حياة هذا الغلام
الحدث في مصر ... فقد جيء بيوسف الى مصر وعرض للبيع، ولما كان تحفة نفيسة فقد
صار من نصيب «عزيز مصر» الذي كان وزيراً لفرعون أو رئيساً لوزرائه، لأنّه كان
يستطيع أن يدفع قيمة أعلى لغلام ممتاز من جميع الجهات، والآن لنَر ما الذي حدث
له في بيت عزيز مصر. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ
ما هو اسم «عزيز» مصر؟ يقال أنّ ابن سيربن
أصبح ذكيّاً بعد هذه الحادثة ورزق موهبة عظيمة في تفسير الأحلام، وذكروا قصصاً عجيبة عنه في الكتب التي تتناول تفسير الأحلام
تدل على عمق اطلاعه في هذا المجال! |
|
الآيتان(23) (24)
وَرَوَدَتْهُ الَّتِى هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الاَْبْوَبَ
وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ
|
|
وَرَوَدَتْهُ
الَّتِى هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الاَْبْوَبَ وَقَالَتْ
هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَ إِنَّهُ لاَ
يُفْلِحُ الظَّلِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَن
رَّءَا بُرْهَنَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَآءَ
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الُْمخْلَصِينَ (24) |
|
التّفسير |
|
العشق
الملتهب:
|
|
لم يأسر جمال يوسف
الملكوتي عزيز مصر فحسب، بل أسر قلب امرأة العزيز كذلك وأصبح متيّماً بجماله!. |
|
(وغلّقت
الأبواب وقالت هيتَ لك).
|
|
يقول القرآن
الكريم: (وغلّقت الأبواب وقالت هيتَ لك). وفي هذه الحال، حين
رأى يوسف أنّ هذه الأُمور تجري نحو الإثم، ولم ير طريقاً لخلاصه منها، توجّه يوسف إلى زليخا و (قال
معاذ الله) وبهذا الكلام رفض يوسف طلب امرأة العزيز غير المشروع ..
وأعلمها أنّه لن يستسلم لإرادتها. وأفهمها ضمناً ـ كما أفهم كلّ إنسان ـ أنّه في
مثل هذه الظروف الصعبة لا سبيل إلى النجاة من وساوس الشيطان وإغراءاته إلاّ
بالإلتجاء إلى الله .. الله الذي لا فرق عنده بين السرّ والعلن، بين الخلوة والإجتماع،
فهو مطّلع ومهيمن على كلّ شيء، ولا شيء إلاّ وهو طوع أمره وإرادته! |
|
المراد
من كلمة «ربّي»
|
|
هناك أقوال كثيرة
بين المفسّرين في المراد من قوله: (إنّه
ربّي) فأكثر المفسّرين، كالعلاّمة الطبرسي في مجمع البيان وكاتب المنار
في تفسير المنار وغيرهما، قالوا: إنّ كلمة «ربّ»
هنا إستعملت في معناها الواسع، وقالوا: إنّ المراد من كلمة «ربّ» هنا هو
«عزيز مصر» الذي لم يألُ جهداً في إكرام يوسف، وكان يوصي امرأته من البداية
بالإهتمام به وقال لها: (أكرمي مثواه). كما نلاحظ هذا
الإستعمال على لسان يوسف ـ أيضاً ـ حين جاءه مبعوث فرعون مصر، إذ يقول القرآن الكريم في هذا الصدد: (فلمّا
جاءه الرّسول قال ارجع إلى ربّك فاسأله ما بال
النسوة اللاتي قطعن أيديهن) (الآية 50). |
|
(ولقد همّت به
وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه).
|
|
وهنا يبلغ أمر يوسف وامرأة
العزيز إلى أدقّ مرحلة وأخطرها، حيث يعبّر القرآن عنه تعبيراً ذا مغزى كبير (ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ جهاد النفس
|
|
نحن نعرف أنّ أعظم الجهاد في
الإسلام هو جهاد النفس، الذي عُبّر عنه في حديث عن النّبي الأكرم (ص) بـ«الجهاد
الأكبر» أي هو جهاد أعظم من جهاد العدوّ الذي عبّر عنه بالجهاد الأصغر .. وإذا
لم يتوفّر في الإنسان الجهاد الأكبر بالمعنى الواقعي ـ أساساً ـ فلن ينتصر في
جهاده على أعدائه. |
|
2 ـ ثواب الإخلاص
|
|
كما أشرنا في تفسير الآيات
المتقدّمة، فإنّ القرآن المجيد عزا نجاة يوسف ـ من هذه الأزمة الخطرة التي
أوقعته امرأة العزيز فيها ـ إلى الله، إذ قال: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء). |
|
3 ـ العفّة
والمتانة في البيان
|
|
من عجائب القرآن وواحدة من
أدلّة الإعجاز، أنّه لا يوجد في تعبيره ركّة وإبتذال وعدم العفّة وما إلى ذلك،
كما أنّه لا يتناسب مع اُسلوب الفرد العادي الاُمّي الذي تربّى في محيط
الجاهليّة، مع أنّ حديث كلّ أحد يتناسب مع محيطه وأفكاره!. |
|
الآيات(25) (29)
وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُر وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا
لَدَا الْبَابِ
|
|
وَاسْتَبَقَا
الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُر وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الْبَابِ
قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِىَ رَوَدَتْنِى عَن نَّفْسِى وَشَهِدَ شَاهِدٌ
مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُل فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ
الْكَذِبِينَ(26) وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُر فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ
الصَّدِقِينَ (27) فَلَمَّا رَءَا قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُر قَالَ إِنَّهُ مِن
كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ(28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا
وَاسْتَغْفِرِى لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29) |
|
التّفسير |
|
فضيحة
امرأة العزيز!!
|
|
المقاومة الشديدة التي أبداها
يوسف جعلت امرأة العزيز آيسة منه تقريباً .. ولكن يوسف الذي إنتصر في هذا الدور
على تلك المرأة المعاندة أحسّ أنّ بقاءه في بيتها ـ في هذا المزلق الخطر ـ غير
صالح، وينبغي أن يبتعد عنه، ولذلك أسرع نحو باب القصر ليفتحه ويخرج، ولم تقف
امرأة العزيز مكتوفة الأيدي، بل أسرعت خلفه لتمنعه من الخروج، وسحبت قميصه من
خلفه فقدّته (واستبقا الباب فقدّت قميصه من دُبُر). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ من كان
الشاهد؟!
|
|
هناك أقوال في الشاهد الذي
ختم «ملفّ يوسف وامرأة العزيز» بسرعة، وأوضح البريء من المسيء من هو؟ قال بعضهم: هو أحد أقارب امرأة العزيز، وكلمة «من أهلها» دليل على ذلك
.. وعلى القاعدة فهو رجل حكيم وعارف ذكي بحيث إستطاع أن يستنبط الحكم من قدّ
الثوب دون أن يكون لديه شاهد أو بيّنة. بل إكتشف حقيقة الحال .. ويقال: إنّ هذا الرجل كان من مشاوري عزيز مصر وكان
معه. |
|
2 ـ الموقف
الضعيف لعزيز مصر
|
|
من جملة المسائل التي تستجلب
الإنتباه في هذه القصّة أنّ في مثل هذه المسألة المهمّة التي طُعن فيها بناموس
عزيز مصر وعرضه، كيف يكتفي قانعاً بالقول (واستغفري
لذنبك إنّك كنت من الخاطئين) وربّما كانت هذه المسألة سبباً لأنّ تدعو
امرأة العزيز نساء الأشراف إلى مجلسها الخاص، وتكاشفهنّ بقصّة حبّها وغرامها
بجلاء. |
|
3 ـ حماية الله
في الأزمات
|
|
الدرس الكبير الآخر
الذي نتعلّمه من قصّة يوسف، هو حماية الله
ورعايته للإنسان الأكيدة في أشدّ الحالات، وبمقتضى قوله: (يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) ـ فمن جهة كان يوسف لا يُصدّق أبداً أنّ نافذة من الأمل
ستفتح له، ويكون قدُّ القميص سنداً للطهارة والبراءة، ذلك القميص الذي يصنع
الحوادث، فيوماً يفضح إخوة يوسف لأنّهم جاؤوا
أباهم وهو غير ممزّق، ويوماً يفضح امرأة العزيز
لأنّه قدّ من دُبر، ويوماً آخر يهب البصر
والنّور ليعقوب، وريحه المعروف يسافر مع نسيم الصباح من مصر إلى أرض كنعان
ويبشّر العجوز «الكنعاني» بقدوم موكب البشير!. وعلى كلّ حال فإنّ لله ألطافاً خفيّة لا يسبر غورها أحد، وحين يهبّ
نسيم هذه الألطاف تتغيّر الأسباب والمسبّبات بشكل لا يمكن حتّى لأذكى الأفراد أن
يتنبّأ عنها!. |
|
4 ـ خطّة امرأة
العزيز
|
|
في الآيات المتقدّمة إشارة
إلى مكر النسوة (طبعاً النساء اللائي لا إرتباط لهنّ بشيء إلاّ هواهنّ كامرأة
العزيز) وهذا المكر والتحيّل الموصوف بالعظمة (إنّ كيدكنّ عظيم) يوجد منه في
التاريخ والقصص التاريخيّة أمثلة كثيرة، حيث تكشف إجمالا أنّ النساء اللائي
يسوقهنّ هواهنّ يرسمن خططاً لا نظير لها من نوعها. |
|
الآيات(30) (34)
وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَوِدُ فَتَهَا عَن نَّفْسِهِ
قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً
|
|
وَقَالَ نِسْوَةٌ
فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَوِدُ فَتَهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ
شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَل مُّبِين (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ
بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً
وَءَاتَتْ كُلَّ وَحِدَة مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ
فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَشَ
لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)قَالَتْ
فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِى فِيهِ وَلَقَدْ رَوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ
فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ ءَامُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً
مِّنَ الصَّغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا
يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ
وَأَكُن مِّنَ الْجَهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ
كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(34) |
|
التّفسير |
|
مؤامرة
أُخرى:
|
|
بالرغم من أنّ عشق امرأة
العزيز المذكور آنفاً كان ـ مسألة خصوصية ـ بحيث أكّد حتّى العزيز على كتمانها،
ولكن حيث أنّ هذه الأسرار لا تبقى خافية، ولا سيّما في قصور الملوك وأصحاب المال
والقوّة ـ التي في حيطانها آذان صاغية ـ فسوف تتسرّب إلى خارج القصر كما يقول
القرآن في هذا الشأن: (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه
قد شغفها حبّاً) ثمّ لُمْنَها وعَنَّفنها بهذه الجملة (إنّا
لنراها في ضلال مبين). وواضح أنّ المتحدّث بمثل هذا الكلام كنّ نساء
أشراف مصر حيث كانت أخبار القصور المفعمة بفساد الفراعنة والمستكبرين مثيرةً
لهنّ وكنّ يستقصينها دائماً. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ كما رأينا
من قبلُ فإنّ امرأة العزيز ونسوة مصر، استفدن من اُمور مختلفة في سبيل الوصول
إلى مرادهن، فمرّة بإظهار العشق والعلاقة الشديدة والتسليم المحض، ومرّة بالترغيب
والطمع، ثمّ بالتهديد، أو بتعبير آخر: توسلن بالشهوة والمال والقوّة!! 4 ـ جملة (يدعونني إليه) وجملة (تصرف
عنّي كيدهن) تدلاّن جيّداً على أنّ نسوة مصر ـ ذوات الهوى ـ بعد ما جرى
لهنّ من تقطيع الأيدي والإنبهار بجمال يوسف، وردن هذا الميدان أيضاً وطلبن من
يوسف أن يستسلم لهنّ أو لامرأة العزيز، ولكن يوسف أبى عليهنّ جميعاً، وهذا يعني
أنّ امرأة العزيز لم تكن وحدها في الجريمة بل كان لها شريكات في ذلك. |
|
الآيات(35) (38)
ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الاَْيَتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى
حِين
|
|
ثُمَّ بَدَا لَهُم
مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الاَْيَتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِين (35)وَدَخَلَ
مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّى أَرَنِى أَعْصِرُ خَمْراً
وَقَالَ الاَْخَرُ إِنِّى أَرَنِى أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِى خُبْزاً تَأْكُلُ
الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الُْمحْسِنِينَ
(36) قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا
بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مَمَّا عَلَّمَنِي رَبِّى
إِنِّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْم لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُم بِالاَْخِرَةِ
هُمْ كَفِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءَابَآءِى إبْرَهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ
مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللهِ مِن شَىْء ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللهِ
عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ (38) |
|
التّفسير |
|
السّجن
بسبب البراءة:
|
|
إنتهى المجلس العجيب لنسوة
مصر مع يوسف في قصر العزيز في تلك الغوغاء والهياج، ولكنّ خبره ـ بالطبع ـ وصلَ
إلى سمع العزيز .. ومن مجموع هذه المجريات إتّضح أنّ يوسف لم يكن شابّاً
عادّياً، بل كان طاهراً لدرجة لا يمكن لأي قوّة أن تجرّه إلى الإنحراف والتلوّث،
واتّضحت علامات هذه الظاهرة من جهات مختلفة، فتمزّق قميصه من دُبر، ومقاومته
أمام وساوس نسوة مصر، وإستعداده لدخول السجن وعدم الإستسلام لتهديدات امرأة
العزيز بالسجن والعذاب الأليم، كلّ هذه الأُمور أدلّة على طهارته لا يمكن لأحد
أن يسدل عليها الستار أو ينكرها!. |
|
الآيات(39) (42)
يَصَحِبَىَ السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَحِدُ
الْقَهَّارُ
|
|
يَصَحِبَىَ
السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَحِدُ الْقَهَّارُ
(39) مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ
وَءَابَاؤُكُم مَّا أَنَزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَن إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ
لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ(40) يَصَحِبَىِ السِّجْنِ أَمَّا
أَحَدُكُمَا فَيَسْقِى رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الأَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ
الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِىَ الاَْمْرُ الَّذِى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41)
وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاج مِّنْهُمَا اذْكُرْنِى عِندَ رَبِّكَ
فَأَنسَهُ الشَّيْطَنُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِى السِّجْنِ بِضْعَ
سِنِينَ(42) |
|
التّفسير |
|
السّجن
أو مركز التّربية:
|
|
حين هيّأ يوسف في البحث
السابق قلوب السجينين لقبول حقيقة التوحيد، توجّه إليهما وقال: (ياصاحبي السجن أأرباب متفرّقون خير أم الله الواحد القهّار). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ السّجن مركز
للإرشاد أو بؤرة للفساد
|
|
للسجن تأريخ مؤلم
ومثير للغمّ جدّاً في هذا العالم، فأسوأ
المجرمين وأحسن الناس كلاهما دخل السجن، ولهذا السبب كان مركزاً دائماً لأفضل
الدروس البنّاءة أو لأسوأ الإختبارات. |
|
2 ـ حين يُصلبُ
المصلحون!
|
|
من الطريف أنّنا نقرأ في هذه
القصّة أنّ الذي رأى في منامه أنّه يعصر خمراً ويقدّمه للملك قد تحرّر وأطلق من
السجن، وأنّ الذي رأى أنّه يحمل فوق رأسه خبزاً تأكل الطير منه قد صعد عود
المشنقة. |
|
3 ـ أكبر دروس
الحريّة
|
|
رأينا أنّ أكبر درس علّمه
يوسف للسجناء هو درس التوحيد وعبادة الله الواحد الأحد، ذلك الدرس الذي حصيلته
الحريّة والتحرّر. |
|
4 ـ إستغلال شعار
بنّاء بشكل سيىء
|
|
شعار (إنّ الحكم إلاّ لله) الذي هو شعار قرآني إيجابي مثبت، ينفي أيّة
حكومة كانت سوى حكومة الله أو ما تنتهي إليه حكومة الله، إلاّ أنّه ـ وللأسف ـ استُغلّ على إمتداد التاريخ بشكل عجيب،
ومن ذلك إستغلال الخوارج لهذا الشعار في واقعة «النهروان» حيث كانوا أُناساً
جامدين حمقى قشريين منحرفين جدّاً .. فتمسكوا بهذا الشعار لنفي التحكيم في حرب صفين وقالوا: لا يصحّ الحكم لنهاية الحرب أو
الخليفة لأنّ الله يقول: (إنّ الحكم إلاّ لله). |
|
5 ـ التوجّه لغير
الله
|
|
التوحيد لا يتلخّص في أنّ
الله تعالى أحد فرد، بل ينبغي أن يتجسّد في جميع شؤون الحياة، وأحد أبرز علائمه
أنّ الإنسان الموحّد لا يعتمد على غير الله ولا يلتجىء إلاّ إليه. |
|
الآيات(43) (49)
وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّى أَرَى سَبْعَ بَقَرَت سِمَان يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ
عِجَافٌ
|
|
وَقَالَ الْمَلِكُ
إِنِّى أَرَى سَبْعَ بَقَرَت سِمَان يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ
سُنْبُلَت خُضْر وَأُخَرَ يَابِسَت يَأَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِى فِي رُءْيَىَ
إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ (43) قَالُواْ أَضْغَثُ أَحْلَم وَمَا
نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الاَْحْلَمِ بِعَلِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِى نَجَا
مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّة أَنَاْ أُنْبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ
فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَت
سِمَان يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَت خُضْر وَأُخَرَ
يَابِسَت لَّعَلِّى أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ(46)قَالَ
تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنْبُلِهِ
إِلاَّ قَلِيلا مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذَلِكَ
سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلا مِّمَّا
تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِهىِ يُغَاثُ النَّاسُ
وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) |
|
التّفسير |
|
رؤيا
ملك مصر وما جرى له:
|
|
بقي يوسف سنين في السجن
المظلم كأي إنسان منسيّ، ولم يكن لديه من عمل إلاّ بناء شخصيته، وإرشاد السجناء
وعيادة مرضاهم وتسلية الموجَعين منهم. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ
كم كان تعبير يوسف لهذه الرؤيا دقيقاً ومحسوباً، حيث كانت البقرة في الأساطير القديمة مظهر «السنة» .. وكون البقرات سماناً
دليل على كثرة النعمة، وكونها عجافاً دليل على الجفاف والقحط، وهجوم السبع
العجاف على السبع السّمان كان دليلا على أن يُستفاد من ذخائر السنوات السابقة. |
|
الآيات(50) (53)
وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِى بِهِ فَلَمَّا جَآءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ
إِلَى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ
|
|
وَقَالَ الْمَلِكُ
ائْتُونِى بِهِ فَلَمَّا جَآءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ
فَسْئَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ الَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّى
بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَوَدتُّنَ يُوسُفَ عَن
نَّفْسِهِ قُلْنَ حَشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوء قَالَتِ
امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْئَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَوَدتُّهُ عَن
نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّدِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّى لَمْ
أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لاَ يَهْدِى كَيْدَ الْخَآئِنِينَ (52) وَمَا
أُبَرِّئُ نَفْسِى إِنَّ النَّفْسَ لاََمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ
رَبِّى إِنَّ رَبِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ (53) |
|
التّفسير |
|
تبرئة
يوسف من كلّ إتّهام!
|
|
لقد كان تعبير يوسف لرؤيا
الملك ـ كما قُلنا ـ دقيقاً ومدروساً ومنطقياً إلى درجة أنّه جذب الملك وحاشيته
إليه، إذ كان يرى أنّ سجيناً مجهولا عبّر رؤياه بأحسن تعبير وتحليل، دون أن
ينتظر أيّ أجر أو يتوقّع أمراً ما .. كما أنّه أعطى للمستقبل خطّة مدروسة أيضاً. أوّلا: كلمة «ذلك» التي ذكرت في بداية الآية هي بعنوان ذكر
العلّة، أي علّة الكلام المتقدّم الذي لم يكن سوى كلام امرأة العزيز فحسب، وربط
هذا التذييل بكلام يوسف الوارد في الآيات السابقة أمر عجيب. |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ هذه عاقبة
التقوى
|
|
رأينا في هذا القسم من قصّة
يوسف أنّ عدوّته المعاندة «زليخا» إعترفت أخيراً بطهارته، كما إعترفت بذنبها
وخطئها .. وببراءته .. وهذه عاقبة التقوى وطهارة الثوب، وهذا معنى قوله تعالى: (ومن يتّق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب). |
|
2 ـ الهزائم التي
تكون سبباً للتيقّظ
|
|
لا تكون الهزائم هزائم
دائماً، بل ـ في كثير من الأحيان ـ تعدّ الهزيمة هزيمةً في الظاهر إلاّ أنّها في
الباطن نوع من الإنتصار المعنوي، وهذه هي الهزائم التي تكون سبباً لتيقّظ
الإنسان، وتشقّ حجب الغفلة والغرور عنه، وتعدّ نقطة إنعطاف جديدة في حياته. |
|
3 ـ الحفاظ على
الشرف خير من الحرية الظاهرية
|
|
رأينا أنّ يوسف لم يدخل السجن
لطهارة ثوبه فحسب، بل لم يكن مستعدّاً للخروج من السجن حتّى يعود مبعوث الملك
ويجري التحقيقات حول النسوة اللائي قطّعن أيديهن لتثبت براءته ويخرج من السجن
مرفوع الرأس ... لا أن يخرج كأي مجرم ملوّث يشمله عفو الملك!! وذلك ذلّ وأي ذلّ!
وهذا درس لكلّ الناس في الماضي والحاضر والمستقبل. |
|
4 ـ النفس
الأمّارة «المتمردّة»
|
|
يقسّم علماء النفس
والأخلاق النفس «وهي الإحساسات والغرائز والعواطف الإنسانية» إلى ثلاثة مراحل،
وقد أشار إليها القرآن المجيد: |
|
الآيات(54) (57)
وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِى بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى
|
|
وَقَالَ الْمَلِكُ
ائْتُونِى بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ
الْيَومَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ
الاَْرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي
الاَْرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ
وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الُْمحْسِنِينَ (56) وَلاََجْرُ الاَْخِرَةِ خَيْرٌ
لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ(57) |
|
التّفسير |
|
يوسف
أميناً على خزائن مصر:
|
|
رأينا أنّ يوسف ـ هذا النّبي
العظيم ـ ثبتت براءته أخيراً للجميع، وحتّى الأعداء شهدوا بطهارته ونزاهته، وظهر
لهم أنّ الذنب الوحيد الذي أودع من أجله السجن لم يكن غير التقوى والأمانة التي
كان يتحلّى بهما. نعم إنّ الله سبحانه وتعالى
ينزل رحمته وبركاته ونعمه المادية والمعنوية على من يشاء من عباده الذين يراهم
أهلا لذلك (نصيب برحمتنا من نشاء). |
|
بحوث
|
|
1 ـ كيف إستجاب
يوسف لطلب طاغوت زمانه؟
|
|
بالنسبة للآيات المتقدّمة
فإنّ أوّل ما يجلب إليها النظر هو أنّه كيف لبّى يوسف ـ هذا النّبي العظيم ـ طلب
طاغوت زمانه وتعاون معه وتحمّل منصب الوزارة أو الإشراف على خزينة الدولة؟ لكن هذا الموضوع ـ التعاون مع الظالم ـ من الاُمور التي يقترب فيها
حدود الحلال من الحرام، وكثيراً ما يؤدّي تهاون صغير من الشخص المتصدّي إلى
وقوعه في أشراك النظام وإرتكاب جريمة تعدّ من أكبر الجرائم وأفظعها ـ وهي
التعاون مع الظالم ـ في حين يتصوّر أنّه يقوم بعبادة وخدمة إنسانية مشكورة. |
|
2 ـ أهميّة
المسائل الإقتصادية والإدارية
|
|
رغم أنّنا لا نتّفق مع الرؤية
التي تنظر إلى الأُمور بمنظار واحد وتحصر جميع الأُمور في القضايا الإقتصادية
دون إعطاء أي دور للإنسان، ولكن برغم ذلك فإنّه لا يمكن غضّ النظر عن أهمية
القضايا الإقتصادية ودورها في المجتمعات، والآيات السابقة تشير إلى هذه الحقيقة،
والملاحظ أنّ يوسف ركّز من بين جميع مناصب الدولة على منصب الإشراف على الخزانة،
وذلك لعلمه أنّه إذا نجح في ترتيب إقتصاد مصر، فإنّه يتمكّن من إصلاح كثير من
المفاسد الإجتماعية، كما أنّ تنفيذه للعدالة الإقتصادية يؤدّي إلى سيطرته على
سائر دوائر الدولة وجعلها تحت إمرته. |
|
3 ـ الرقابة على
الإستهلاك
|
|
الملاحظ في القضايا الإقتصادية
أنّه قد لا تكون (زيادة الإنتاج) بمكان من الأهميّة بقدر أهميّة (الرقابة على
الإستهلاك) ومن هنا نشاهد أنّ يوسف في أيّام حكومته، حاول ـ بشدّة ـ أن يسيطر
على الإستهلاك الداخلي في سنوات الوفرة لكي يتمكّن من الإحتفاظ بجزء كبير من
المنتوجات الزراعية لسنوات القحط والمجاعة القادمة، وفي الحقيقة أنّ زيادة
الإنتاج والرقابة متلازمان لا يفترقان، فالزيادة في الإنتاج لا تثمر إلاّ إذا
أعقبتها رقابة صحيحة، كما أنّ الرقابة تكون أكثر فائدة إذا أعقبتها زيادة في
الإنتاج. والملفت للنظر أنّه
يستفاد من بعض الرّوايات الواردة كما ورد
عن الإمام علي بن موسى الرّضا(عليهما السلام) «وأقبل يوسف على جمع الطعام فجمع
في السبع سنين المخصبة فكبسه في الخزائن، فلمّا مضت تلك السنون وأقبلت المجدية
أقبل يوسف على بيع الطعام فباعهم في السنة الاُولى
بالدراهم والدنانير حتى لم يبق بمصر وما حولها
دنيار ولا درهم إلاّ صار في مملكة يوسف، وباعهم في السنة
الثّانية بالحلي والجواهر حتى لم يبق بمصر وما
حولها حلي ولا جواهر إلاّ صار في ملكة يوسف، وباعهم في السنة الثّالثة بالدّواب والمواشي حتى لم يبق بمصر وما حولها دابة ولا ماشية إلاّ صار في
ملكية يوسف، وباعهم في السنة الرّابعة بالعبيد
والإماء حتى لم يبق بمصر ومن حولها عبد ولا أمة
إلاّ صار في ملكية يوسف، وباعهم في السنة الخامسة
بالدّور والعقار حتى لم يبق بمصر وما حولها دار
ولا عقار إلاّ صار في ملكية يوسف، وباعهم في السنة
السّادسة بالمزارع والأنهار حتى لم يبق بمصر وما
حولها نهر ولا مزرعة إلاّ صار في ملكية يوسف، وباعهم في السنة السّابعة برقابهم حتى لم
يبق بمصر وما حولها عبد ولا حرّ إلاّ صار عبد يوسف، فملك أحرارهم وعبيدهم
وأموالهم وقال النّاس: ما رأينا ولا سمعنا بملك أعطاه اللّه من الملك ما أعطى
هذا الملك حكماً وعلماً وتدبيراً، ثمّ قال يوسف للملك:
أيّها الملك ما ترى فيما خولني ربّي من ملك مصر وأهلها أشر علينا برأيك، فإنّي
لم أصلحهم لأفسدهم، ولم أنجهم من البلاء ليكون وبالاً عليهم ولكن اللّه نجاهم
على يدي، قال له الملك: الرأي رأيك، قال يوسف: إنّي أشهد اللّه وأشهدك أيّها الملك أنّي
اعتقت أهل مصر كلّهم، ورددت اليهم أموالهم وعبيدهم، ورددت إليك أيّها الملك
خاتمك وسريرك وتاجك على أن لا تسير إلاّ بسيرتي ولا تحكم إلاّ بحكمي قال له الملك: إنّ ذلك لشرفي وفخري لا أسير إلاّ
بسيرتك ولا أحكم إلاّ بحكمك، ولولاك ما قويت عليه ولا اهتديت له، ولقد جعلت
سلطاني عزيزاً ما يرام، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، وأنت
رسوله فاقم على ما وليتك فإنّك لدينا مكين أمين»( مجمع
البيان، المجلّد الثّالث، صفحة 244، تفسير نور الثقلين، ج2، ص435.). |
|
4 ـ مدح النفس
|
|
لا شكّ في أنّ مدح الإنسان
نفسه يعدّ من الأُمور القبيحة، ولكن ليست هذه قاعدة عامّة، بل قد تقتضي الأُمور
بأن يقوم الإنسان بعرض نفسه على المجتمع والإعلان عن خبراته وتجاربه، لكي يتعرّف
عليه الناس ويستفيدوا من خبراته ولا يبقى كنزاً مستوراً. |
|
5 ـ أفضليّة الجزاء
المعنوي على سواه
|
|
برغم أنّ كثيراً من المؤمنين
الخيرين يلقون في هذه الدنيا جزاء أعمالهم الخيرة، كما هو الحال بالنسبة ليوسف
حيث جوزي جزاءً حسناً، لعفافه وتقواه وصبره على البلاء، إذ لو كان آثماً لما
اعتلى هذا المنصب، ولكن هذا لا يعني أنّ على الإنسان أن ينتظر الجزاء في هذه
الدنيا ويتوهّم أنّ الجزاء يجب أن يكون ماديّاً وملموساً وفي هذه الدنيا ويرى
تأخير الجزاء ظلماً في حقّه، لكن هذا التصوّر بعيد عن الواقع، لأنّ الجزاء
الأوفى هو ما يوافي الإنسان في حياته القادمة. |
|
6 ـ الدفاع عن
المسجونين
|
|
برغم أنّ السجن لم يكن دائماً
محلا للأخيار، بل يستضيف تارةً الأبرياء وتارةً المجرمين، لكنّ القواعد
الإنسانية تستوجب التعامل الحسن مع السجناء، حتّى ولو كانوا مجرمين. |
|
الآيات(58) (62)
وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ
مُنكِرُونَ
|
|
وَجَاءَ إِخْوَةُ
يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ(58) وَلَمَّا
جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِى بِأَخ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ
تَرَوْنَ أَنِّى أُوفِى الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ (59) فَإِن
لَّمْ تَأْتُونِى بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِى وَلاَ تَقْرَبُونِ (60)
قَالُواْ سَنُرَوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَعِلُونَ (61) وَقَالَ
لِفِتْيَنِهِ اجْعَلُواْ بِضَعَتَهُمْ فِى رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ
يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(62) |
|
التّفسير |
|
إقتراح جديد من يوسف
لاُخوته:
|
|
وكما كان متوقّعاً، فقد
تحسّنت الزراعة في مصر خلال سبع سنوات متتالية وذلك على أثر توالي الأمطار ووفرة
ماء النيل وكثرته، ويوسف الذي كان مسؤولا عن الشؤون الإقتصادية في مصر ومشرفاً
على خزائنها، أمر ببناء المخازن الكبيرة والصغيرة التي تستوعب الكميّات الكبيرة
من المواد الغذائية وتحفظها عن الفساد، وقد أجبر أبناء الشعب على أن يبيعوا
للدولة الفائض عن حاجتهم من الإنتاج الزراعي، وهكذا امتلأت المخازن بالمنتوجات
الزراعية والإستهلاكية ومرّت سبع سنوات من الرخاء والوفرة، وبدأ القحط والجفاف
يُظهر وجهه الكريه، ومنعت السّماء قطرها، فلم تينع ثمرة، ولم تحمل نخلة. |
|
بحوث
|
|
1 ـ لماذا لم
يظهر يوسف حقيقته لإخوته
|
|
بالنسبة للآيات السابقة فإنّ
أوّل ما يتبادر إلى الذهن هو إنّه لماذا لم يعرّف يوسف نفسه لإخوته، حتّى يقفوا
على حقيقة حاله ويرجعوا إلى أبيهم ويخبرونه عن مصير يوسف، وبذلك تنتهي آلامه
لأجل فراق يوسف؟ |
|
2 ـ لماذا أرجع
يوسف الأموال إلى إخوته
|
|
السؤال الذي يطرح نفسه هو
أنّه لماذا أمر يوسف أن تردّ أموال إخوته التي دفعوها ثمناً للحبوب، وتوضع في
رحالهم؟ |
|
3 ـ كيف وهب يوسف
إلى إخوته أموال بيت المال؟
|
|
السؤال الآخر الذي
يطرح نفسه هنا هو أنّه كيف وهب
يوسف الأموال من بيت المال لإخوته دون أي تعويض؟ |
|
الآيات(63) (66)
فَلَمَّا رَجَعُواْ إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَأبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ
فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ
|
|
فَلَمَّا رَجَعُواْ
إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَأبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا
أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَفِظُونَ (63) قَالَ هَلْ ءَامَنُكُمْ
عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ
حَفِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّحِمِينَ (64) وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَعَهُمْ
وَجَدُواْ بِضَعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَأَبَانَا مَا نَبْغِى
هَذِهِ بِضَعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا
وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِير ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ
مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِى بِهِ إِلاَّ
أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا ءَاتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللهُ عَلَى مَا
نَقُولُ وَكِيلٌ (66) |
|
التّفسير |
|
موافقة
يعقوب:
|
|
رجع اُخوة يوسف إلى كنعان
فرحين حاملين معهم المتاع الثمين، لكنّهم كانوا يفكّرون بمصيرهم في المستقبل
وأنّه لو رفض الأب ولم يوافق على سفر أخيهم الصغير (بنيامين) فإنّ عزيز مصر سوف
لن يستقبلهم، كما إنّه لا يعطيهم حصّتهم من الحبوب والمؤن. |
|
بحوث
|
|
1 ـ
بالنسبة للآيات السابقة فإنّ أوّل ما
يتبادر إلى الذهن، هو أنّه كيف وافق يعقوب على سفر بنيامين مع اُخوته برغم ما أظهروه
في المرّة السابقة من سوء المعاملة مع يوسف، إضافة إلى هذا فإنّنا نعلم أنّهم
كانوا يبطنون الحقد والحسد لبنيامين ـ وإن كان أخفّ من حقدهم وحسدهم على يوسف ـ
حيث وردت في الآيات الإفتتاحية لهذه السورة قوله تعالى: (إذ قالوا ليوسف وأخوه
أحبّ إلى أبينا منّا ونحن عصبة) أي أنّ يوسف وأخاه أحبّ إلى أبينا برغم ما نملكه
نحن من قوّة وكثرة. |
|
الآيتان(67) (68)
وَقَالَ يَبَنِىَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَاب وَحِد وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَب
مُّتَفَرِّقَة
|
|
وَقَالَ يَبَنِىَّ
لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَاب وَحِد وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَب مُّتَفَرِّقَة وَمَا
أُغْنِى عَنكُم مِّنَ اللهِ مِن شَىْء إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ
تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا
دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِى عَنْهُم مِّنَ
اللهِ مِن شَىْء إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَهَا وَإِنَّهُ لَذُو
عِلْم لِّمَا عَلَّمْنَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (68) |
|
التّفسير |
|
وأخيراً توجّه إخوة يوسف صوب
مصر للمرّة الثانية بعد إذن أبيهم وموافقته على
إصطحاب أخيهم الصغير معهم، وحينما أرادوا الخروج ودعهم أبوهم موصياً إيّاهم
بقوله: (وقال يابني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من
أبواب متفرّقة) ثمّ أضاف: إنّه ليس في مقدوري أن أمنع ما قد قدّر لكم في
علم الله سبحانه وتعالى (وما اُغني عنكم من الله من
شيء) ولكن هناك بعض الأُمور التي يمكن للإنسان أن يجتنب عنها حيث لم يثبت
في حقّها القدر الإلهي المحتوم، وما أسديته لكم من النصيحة هو في الواقع لدفع
هذه الأُمور الطارئة والتي بإمكان الإنسان أن يدفعها عن نفسه ثمّ قال: أخيراً (إنّ الحكم إلاّ لله عليه وتوكّلت وعليه فليتوكّل
المتوكّلون). |
|
الآيات(69) (76)
وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ ءَاوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ
أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ
|
|
وَلَمَّا دَخَلُواْ
عَلَى يُوسُفَ ءَاوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ
تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (69) فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ
جَعَلَ السِّقَايَةَ فِى رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا
الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَرِقُونَ(70) قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِم مَّاذَا
تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ
بَعِير وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا
جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِى الاَْرْضِ وَمَا كُنَّا سَرِقِينَ (73)قَالُواْ فَمَا
جَزَؤُهُ إِن كُنتُمْ كَذِبِينَ (74) قَالُواْ جَزَؤُهُ مَن وُجِدَ فِى رَحْلِهِ
فَهُوَ جَزَؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِى الظَّلِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ
قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ
كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِى دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن
يَشَاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجَت مَّن نَّشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْم عَلِيمٌ
(76) |
|
التّفسير |
|
يوسف
يخطّط للإحتفاظ بأخيه:
|
|
وأخيراً دخل الاُخوة على يوسف
وأعلموه بأنّهم قد نفّذوا طلبته واصطحبوا معهم أخاهم الصغير برغم إمتناع الأب في
البداية، ولكنّهم أصرّوا عليه وإنتزعوا منه الموافقة لكي يثبتوا لك إنّهم قد
وفوا بالعهد، أمّا يوسف فإنّه قد إستقبلهم بحفاوة وكرم بالغين ودعاهم لتناول
الطعام على مائدته، فأمر أن يجلس كلّ إثنين منهم على طبق من الطعام، ففعلوا وجلس
كلّ واحد منهم بجنب أخيه على الطعام، وبقي بنيامين وحيداً فتألّم من وحدته وبكى
وقال: لو كان أخي يوسف حيّاً لعطف عليّ ولأجلسني إلى جنبه على المائدة لأنّنا
إخوة من أب واحد واُمّ واحدة، قال يوسف مخاطباً إيّاهم: إنّ أخاكم بقي وحيداً وإنّني
سأجلسه بجنبي على المائدة ونأكل سويّة من الطعام، ثمّ بعد ذلك أمر يوسف بأن
تهيّأ لهم الغرف ليستريحوا فيها ويناموا، ومرّة أُخرى بقي بنيامين وحيداً،
فاستدعاه يوسف إلى غرفته وبسط له الفراش إلى جنبه، لكنّه لاحظ في تقاسيم وجهه
الحزن والألم وسمعه يذكر أخاه المفقود (يوسف) متأوّهاً، عند ذاك نفذ صبر يوسف
وكشف عن حقيقة نفسه، والقرآن الكريم يصف هذه الوقائع بقوله: (ولمّا دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إنّي أنا أخوك فلا
تبتئس بما كانوا يعملون). |
|
بحوث
|
|
الآيات السابقة
تثير أسئلة كثيرة فلابدّ من الإجابة عليها: |
|
1 ـ لماذا لم
يعترف يوسف بالحقيقة
|
|
لماذا لم يعترف يوسف بالحقيقة
لاُخوته لينهي ـ وفي أسرع وقت ممكن ـ مأساة أبيه وينجيه من العذاب الذي كان
يعيشه؟ |
|
2 ـ لماذا اتّهم يوسف أخاه؟
|
|
هل يجوز شرعاً أن يتّهم
الإنسان بريئاً لم يرتكب ذنباً، ولم تقتصر آثار هذه التّهمة على
البريء وحده، بل تشمل الآخرين من قريب أو بعيد؟ كما هو الحال في يوسف حيث شمل
اتّهامه الاُخوة وسبب لهم مشاكل عديدة. |
|
3 ـ لماذا اتّهام
الجميع بالسرقة؟
|
|
مرّ علينا في الآية الشريفة
قوله تعالى: (إنّكم سارقون) وهذه في الواقع تهمة موجّهة إلى الجميع وهي تهمة
كاذبة، فما المسوغ والمجوّز الشرعي لمثل هذا الإتّهام الباطل؟ |
|
4 ـ عقوبة السرقة
في تلك الأزمنة
|
|
يستفاد من الآيات السابقة أنّ
عقوبة السرقة عند المصريين كانت تختلف عنها عند الكنعانيين، فعند اُخوة يوسف (آل
يعقوب) ولعلّه عند الكنعانيين كانت العقوبة هي عبودية السارق (بصورة دائمة أو
مؤقتة) لأجل الذنب الذي إقترفه(يقول الطبرسي في مجمع
البيان ـ ذيل الآية ـ إنّ السنّة المتّبعة لدى بعض المجتمعات في ذلك الزمان هو
أن يصير السارق عبداً لمدّة سنة كاملة، وذكر أيضاً أنّ اُسرة يعقوب كانت ترى
عبودية السارق بمقدار ما سرق (أي يعمل عندهم بذلك المقدار).). |
|
5 ـ السقاية أو
الصواع
|
|
يلاحظ في الآيات السابقة أنّ
الله سبحانه وتعالى يعبّر عن الكيل تارةً بـ(الصواع) وأُخرى بـ(السقاية)،
والظاهر أنّهما صفتان لشيء واحد، حيث ورد في بعض المصادر أنّ هذا الصاع كان في
أوّل الأمر كأساً يسقى به الملك، ثمّ حينما عمّ القحط والغلاء في مصر وصار
الطعام والحبوب يوزّع على الناس حسب الحصص، إستعمل هذا الكأس الثمين لكيل الطعام
وتوزيعه، وذلك إظهاراً لأهميّة الحبوب وترغيباً للناس في القناعة وعدم الإسراف
في الطعام. |
|
الآيات(77) (79) قَالُواْ
إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِى
نَفْسِهِ
|
|
قَالُواْ إِن
يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِى
نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَاللهُ
أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ(77) قَالُواْ يَأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً
شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَيكَ مِنَ
الُْمحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا
مَتَعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَّظَلِمُونَ (79) |
|
التّفسير |
|
موقف
إخوة يوسف:
|
|
وأخيراً إقتنع
اُخوة يوسف بأنّ أخاهم (بنيامين) قد
إرتكب فعلا شنيعاً وقبيحاً وإنّه قد شوّه سمعتهم وخذلهم عند عزيز مصر، فأرادوا
أن يبرّأوا أنفسهم ويعيدوا ماء وجههم قالوا: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) أي
إنّه لو قام بالسرقة فهذا ليس بأمر عجيب منه فإنّ أخاه يوسف وهو أخوه لأبويه قد
إرتكب مثل هذا العمل القبيح، ونحن نختلف عنهما في النسب، وهكذا أرادوا أن يفصلوا
بينهم وبين بنيامين ويربطوه بأخيه يوسف. وحينما سمع يوسف كلامهم تأثّر
بشدّة لكنّه كتم ما في نفسه (فأسرّها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم) لأنّه كان
عالماً بأنّهم قد افتروا عليه واتّهموه كذباً، إلاّ أنّه لم يرد عليهم وقال لهم
بإختصار وإقتضاب (قال أنتم شرّ مكاناً) أي إنّكم أحقر وأشرّ مكاناً ممّن
تتّهمونه وتنسبون إليه السرقة، أو أنتم أحقر الناس عندي. |
|
الآيات(80) (82)
فَلَمَّا اسْتَيْئَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ
تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ
|
|
فَلَمَّا
اسْتَيْئَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا
أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقاً مِّنَ اللهِ وَمِن قَبْلُ مَا
فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الاَْرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِى أَبِى
أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَكِمِينَ (80) ارْجِعُواْ إِلَى
أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَأَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ
بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَفِظِينَ (81)وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ
الَّتِى كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِى أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا
لَصَدِقُونَ (82) |
|
التّفسير |
|
رجوع
الإخوة إلى أبيهم خائبين:
|
|
حاول الإخوة أن يستنقذوا
أخاهم بنيامين بشتّى الطرق، إلاّ أنّهم فشلوا في ذلك، ورأوا أنّ جميع سبل النجاة
قد سدّت في وجوههم، فبعد أن فشلوا في تبرئة أخيهم وبعد أن رفض العزيز إستعباد
أحدهم بدل بنيامين، إستولى عليهم اليأس وصمّموا على الرجوع والعودة إلى كنعان
لكي يخبروا أباهم، يقول القرآن واصفاً إيّاهم (فلمّا استيئسوا منه خلصوا نجيّاً)
أي إنّهم بعد أن يئسوا من عزيز مصر أو من إنقاذ أخيهم، إبتعدوا عن الآخرين
وإجتمعوا في جانب وبدأوا بالتشاور والنجوى فيما بينهم. ثمّ أمرهم الأخ
الأكبر أن يرجعوا إلى أبيهم ويخبروه بما جرى عليهم (ارجعوا إلى أبيكم فقولوا ياأبانا إنّ ابنك سرق) وهذه شهادة
نشهدها بمقدار علمنا عن الواقعة حيث سمعنا بفقد صواع الملك، ثمّ عثر عليه عند
أخينا، وظهر للجميع إنّه قد سرقها (وما شهدنا إلاّ بما علمنا) ولكن نحن لا نعلم
إلاّ ما شهدناه بأعيننا وهذا غاية معرفتنا (وما كنّا للغيب حافظين). |
|
بحوث
|
|
1 ـ من هو أكبر
الإخوة؟
|
|
ذهب بعض المفسّرين إلى أنّه كان روبين (روبيل) وقال
آخرون: إنّه (شمعون) واحتمل البعض أن يكون أكبرهم هو (يهودا). |
|
2 ـ الحكم وفق
الدلائل الظاهرة:
|
|
ويستفاد من مدلول
الآية الشريفة أنّه يحقّ للقاضي والحاكم أن
يحكم في الواقعة المرفوعة إليه على ما يستفيده من القرائن والشواهد القطعيّة،
وأن يقرّ المتّهم أو يشهد الشهود عنده، لأنّنا لاحظنا في قضيّة إخوة يوسف أنّه
بمجرّد أن عثر على الصاع في متاع بنيامين عُدّ مذنباً وحكم عليه بالسرقة من دون
شهادة أو إقرار، لأنّنا حينما نتحرّى عن القضيّة نرى أنّ كلّ شخص كان مسؤولا عن
حمل متاعه من الحبوب بنفسه، أو انّه كان حاضراً على الأقل عند تحميل العمال
لمتاعه، ومن جهة أُخرى لم يكن يتصوّر أحد أنّ
هناك خطّة في البين، وهؤلاء الإخوة لم يعاديهم أحد في مصر، فجميع القرائن
والشواهد تورث اليقين بأنّ هذا الفعل (السرقة) قد صدر عمّن وجد عنده الصاع. |
|
3 ـ يستفاد من
الآيات السابقة أنّ إخوة يوسف كانت طبائعهم مختلفة،
|
|
يستفاد من الآيات
السابقة أنّ إخوة يوسف كانت طبائعهم مختلفة، أمّا الأخ الأكبر فإنّه كان وفيّاً بميثاقه وحافظاً لوعده الذي واعد به
أباه، أمّا بقيّة الإخوة فإنّهم بعد أن شاهدوا فشل جميع محاولاتهم في إقناع
العزيز، تراجعوا عن موقفهم وعدّوا أنفسهم معذورين، ومن الطبيعي إنّ ما قام به
الأخ الأكبر كان هو الاُسلوب المجدي والصحيح، لأنّه ببقائه في مصر والإعتصام بها
وعلى مقربة من بلاط العزيز وقصره كان باعثاً للأمل في أن يترحّم العزيز على
الإخوة وعلى أبيهم الشّيخ الكبير، ويعفو عن هذا الغريب ولا يجازيه من أجل صاع
سرقه ثمّ عثر عليه العمّال، فعلى هذا وأملا في استجداء عطف العزيز، بقي في مصر
وبعث بإخوته إلى أبيهم في كنعان ليبلغوه الخبر ويطلبوا منه أن يدلّهم على الطريق
الصحيح لإنقاذ أخيهم. |
|
الآيات(83) (86)
قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ
|
|
قَالَ بَلْ
سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَن
يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)
وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ
مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)قَالُواْ تَاللهِ تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ
حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهلِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا
أَشْكُواْ بَثِّى وَحُزْنِى إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ
تَعْلَمُونَ (86) |
|
التّفسير |
|
يعقوب
والألطاف الإلهية:
|
|
وأخيراً غادروا مصر متّجهين
إلى كنعان في حين تخلّف أخواهم الكبير والصغير، ووصلوا إلى بيتهم منهوكي القوى
وذهبوا لمقابلة أبيهم، وحينما رأى الأب الحزن والألم مستولياً على وجوههم
(خلافاً للسفرة السابقة والتي كانوا فيها في غاية الفرح) علم أنّهم يحملون إليه
أخباراً محزنة وخاصّة حينما إفتقد بينهم بنيامين وأخاه الأكبر، وحينما أخبروه عن
الواقعة بالتفصيل، إستولى عليه الغضب وقال مخاطباً إيّاهم بنفس العبارة التي
خاطبهم بها حينما أرادوا أن يشرحوا له خديعتهم مع يوسف (قل
بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً) أي إنّ أهواءكم الشيطانية هي التي إستولت
عليكم وزيّنت لكم الأمر بهذه الصورة التي أنتم تصفونه. أمّا الإخوة فكانوا
متألّمين من جميع ما جرى لهم، فمن جهة كان عذاب الوجدان لا يتركهم ممّا أحدثوه
ليوسف، ـ وفي قضيّة بنيامين ـ شاهدوا
أنفسهم في وضع صعب وامتحان جديد، ومن جهة ثالثة كان يصعب عليهم أن يشاهدوا أباهم
يتجرّع غصص المرارة والألم ويواصل بكاؤه الليل بالنهار، توجّهوا إلى أبيهم
وخاطبوه معاتبين (قالوا تالله تفتئوا تذكر يوسف حتّى تكون حرضاً أو تكون من
الهالكين)( (حرض) على وزن مرض بمعنى الشيء الفاسد
والمؤلم، والمقصود منه هنا هو المريض الذي ضعف جسمه وصار مشرفاً على الموت.)
أي إنّك تردّد ذكر يوسف وتتأسّف عليه حتّى تتمرّض وتشرف على الهلاك وتموت. |
|
الآيات(87) (93)
يَبَنِىَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَاْيْئَسُواْ
مِن رَّوْحِ اللهِ
|
|
يَبَنِىَّ
اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَاْيْئَسُواْ مِن
رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَاْيْئَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ
الْكَفِرُونَ (87)فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَأَيُّهَا الْعَزِيزُ
مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَعَة مُّزْجَة فَأَوْفِ لَنَا
الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللهَ يَجْزِى الْمُتَصَدِّقِينَ (88)
قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ
جَهِلُونَ (89) قَالُواْ أَءِنَّكَ لاََنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ
وَهَذَا أَخِى قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ
فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الُْمحْسِنِينَ (90) قَالُواْ تَاللهِ لَقَدْ
ءَاثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَطِئِينَ (91) قَالَ لاَ تَثْرِيبَ
عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّحِمِينَ (92)
اذْهَبُواْ بِقَمِيصِى هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيراً
وَأْتُونِى بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) |
|
التّفسير |
|
اليأس
علامة الكفر!
|
|
كان القحط والغلاء وشحّة
الطعام يشتدّ يوماً بعد آخر في مصر وما حولها ومنها كنعان، ومرّة أُخرى أمر
يعقوب أولاده بأن يتّجهوا صوب مصر للحصول على الطعام، لكنّه هذه المرّة طلب منهم
بالدرجة الأُولى أن يبحثوا عن يوسف وأخيه بنيامين، حيث قال لهم: (يابني اذهبوا
فتحسّسوا من يوسف وأخيه). |
|
بحوث
|
|
1
ـ من الذي حمل قميص يوسف؟ |
|
الآيات(94) (98)
وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّى لاََجِدُ رِيحَ يُوسُفَ
لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ
|
|
وَلَمَّا فَصَلَتِ
الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّى لاََجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن
تُفَنِّدُونِ (94) قَالُواْ تَاللهِ إِنَّكَ لَفِى ضَلَلِكَ الْقَدِيمِ (95)
فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً
قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّى أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
(96) قَالُواْ يَأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَطِئِينَ
(97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّى إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ (98) |
|
التّفسير |
|
وأخيراً
شملتهم رعاية الله ولطفه:
|
|
أمّا أولاد يعقوب فإنّهم بعد
أن واجهوا يوسف وجرى لهم ما جرى حملوا معهم قميص يوسف فرحين ومستبشرين وتوجّهوا
مع القوافل القادمة من مصر، وفيما كان الإخوة يقضون أسعد لحظات حياتهم، كان هناك
بيت في بلاد الشام وأرض كنعان ـ ألا وهو بيت يعقوب الطاعن في السنّ حيث كان يقضي
هو وعائلته أحرج اللحظات وأشدّها حزناً وبؤساً. لكن ـ مقارناً مع حركة القافلة من مصر ـ حدث في بيت يعقوب حادث
غريب بحيث أذهل الجميع وصار مثاراً للعجب والحيرة، حيث نشط يعقوب وتحرّك من
مكانه وتحدّث كالمطمئن والواثق بكلامه قال: لو لم تتحدّثوا عنّي بسوء ولم تنسبوا
كلامي إلى السفاهة والجهل والكذب لقلت لكم: (إنّي لأجد ريح يوسف) فإنّي أحسّ
بأنّ أيّام المحنة والآلام سوف تنصرم في القريب العاجل، وأنّه قد حان وقت النصر
واللقاء مع الحبيب، وأرى أنّ آل يعقوب قد نزعوا ثوب العزاء والمصيبة ولبسوا لباس
الفرح والسرور ـ لكن لا تصدّقون كلامي (ولمّا فصلت العير قال أبوهم إنّي لأجد
ريح يوسف لولا أن تفنّدون)( (تفنّدون) من مادّة
(الفَند) على زنة (الرَمَد) ومعناها العجز الفكري والسفاهة، ومضى بعض اللغويين
إلى أنّ معناها الكذب ومعناها في الأصل الفساد. فبناءً على ذلك فإنّ جملة (لولا
أن تفنّدون) معناها إذا لم تتّهموني بالسفاهة وفساد العقل.). |
|
ملاحظات
|
|
1 ـ كيف أحسّ
يعقوب برائحة قميص يوسف؟!
|
|
هذا سؤال أثاره
كثير من المفسّرين، واعتبروه معجزة
خارقة للعادة من قبل يعقوب أو يوسف. إلاّ أنّه ـ مع الأخذ بنظر الإعتبار سكوت
القرآن عن هذا الأمر ـ ولم يتناوله على أنّه أمر إعجازي
أو غير إعجازي فمن الهيّن أن نجد له توجيهاً علميّاً أيضاً. إذ أنّ حقيقة
«التليبائي» أو إنتقال الفكر من النقاط أو الأماكن البعيدة تُعدّ مسألة علميّة
قطعيّة مسلّماً بها ... وأنّها تحدث عند من تكون لديهم علاقة قريبة تربط بعضهم
ببعض، أو تكون لديهم قدرة روحيّة عالية. |
|
2 ـ إختلاف حالات
الأنبياء:
|
|
الإشكال المعروف
الآخر هنا هو ما أثاره بعضهم في شأن يعقوب من سؤال وهو: |
|
3 ـ كيف رُدّ على
يعقوب بصره؟!
|
|
احتمل بعض
المفسّرين أنّ يعقوب (عليه السلام) لم
يفقد بصره بصورة كليّة، وإنّما ضعف بصره، وعند حصول مقدّمات الوصال تبدّل تبدّلا
بحيث عاد ذلك البصر إلى حالته الطبيعيّة الأُولى، إلاّ أنّ ظاهر آيات القرآن
يدلّ على أنّه فقد بصره تماماً وابيضّت عيناه من الحزن، وعلى ذلك فإنّ بصره عاد
إليه عن طريق الإعجاز، حيث يقول القرآن الكريم: (فارتدّ بصيراً). |
|
4 ـ الوعد بالإستغفار:
|
|
نقرأ في الآيات ـ محل البحث ـ
أنّ يوسف (عليه السلام) قال لإخوته عندما أظهروا له ندامتهم: (يغفر الله لكم)
إلاّ أنّ يعقوب (عليه السلام) قال لهم عندما اعترفوا عنده بالذنب وأظهروا
الندامة: (سوف استغفر لكم) وكان هدفه ـ كما تقول الرّوايات ـ أن يؤخّر إستجابة
طلبهم الاستغفار إلى السحر (من ليلة الجمعة) الذي هو خير وقت لإستجابة الدعاء
وقبول التوبة(نقرأ في تفسير القرطبي أنّ هدفه كان
الإستغفار لهم في ليلة الجمعة الموافقة ليوم عاشوراء «لمزيد الإطلاع يراجع تفسير
القرطبي، ج6، ص3491».). |
|
5 ـ التوسّل
جائز:
|
|
يستفاد من الآيات ـ آنفة
الذكر ـ أنّ طلب الإستغفار من الآخرين غير مناف للتوحيد، بل هو سبيل إلى الوصول
إلى لطف الله سبحانه، وإلاّ فكيف كان يمكن ليعقوب أن يستجيب لطلب أبنائه في أن
يستغفر لهم وأن يجيبهم بالإيجاب على توسّلهم به. |
|
6 ـ نهاية الليلة
السوداء
|
|
إنّ الدرس الكبير الذي
نستلهمه من الآيات المتقدّمة هو أنّه مهما كانت المشاكل والحوادث صعبة وعسيرة،
ومهما كانت الأسباب والعلل الظاهرية غير تامّة ومحدودة، ومهما كان النصر أو
الفرج بطيئاً (أو غير متحقّق فعلا) فإنّ أيّاً من أُولئك لا يمنع من الرجاء
والأمل بلطف الله، فالله الذي أعاد البصر برائحة القميص ونقل رائحة ذلك القميص
من مسافة بعيدة، وردّ العزيز المفتقد بعد سنين طويلة، قادر على أن يضمّد القلوب
المجروحة من الفراق، وأن يشفي آلام النفوس. |
|
الآيات(99) (101)
فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ ءَاوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ
ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاءَ اللهُ ءَامِنِينَ
|
|
فَلَمَّا دَخَلُواْ
عَلَى يُوسُفَ ءَاوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاءَ
اللهُ ءَامِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ
سُجَّداً وَقَالَ يَأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُءْيَىَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا
رَبِّى حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِى إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ
بِكُمْ مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَنُ بَيْنِى وَبَيْنَ
إِخْوَتِى إِنَّ رَبِّى لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ (100) رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن
تَأْوِيلِ الاَْحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ أَنتَ وَلِىِّ فِى
الدُّنْيَا وَالاَْخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِى
بِالصَّلِحِينَ(101) |
|
التّفسير |
|
عاقبة
أمر يوسف وأبيه وإخوته:
|
|
مع وصول القافلة التي تحمل
أعظم بشارة من مصر إلى كنعان، وعودة البصر إلى يعقوب، إرتفعت أهازيج في كنعان.
فالبيت الذي لم يخلع أهله عنهم ثياب الحزن والأسى لسنين عديدة، أصبح غارقاً في
السرور والحبور، فلم يكتموا رضاهم عن هذه النعم الإلهيّة أبداً. |
|
بحوث
|
|
1 ـ هل السجود لغير
الله جائز؟!
|
|
كما بيّنا في الجزء الأوّل من
هذا التّفسير عند بحثنا في شأن سجود الملائكة لآدم، فقلنا: إنّ السجود بمعنى
العبادة يختص بالله تعالى ولا تجوز العبادة لأي أحد في أيّ مذهب إلاّ لله سبحانه
وهذا هو المراد من توحيد العبادة الذي هو قسم مهمّ من التوحيد الذي دعا إليه
جميع الأنبياء. فبناءً على هذا لم يكن يوسف
وهو نبيّ الله يسمح لأحد أن يسجد له ويعبده من دون الله، ولا النّبي العظيم
يعقوب كان يقدّم على مثل هذا الأمر، ولا القرآن الكريم كان يعبّر عنه بأنّه عمل
جدير أو على الأقل عمل مجاز. |
|
2 ـ وساوس
الشيطان:
|
|
إنّ جملة (نزغ الشيطان بيني
وبين إخوتي) مع ملاحظة أنّ نزغ بمعنى الدخول في أمرّ ما بقصد الفساد أو الإفساد
تدلّ على أنّ لوساوس الشيطان في مثل هذه الحوادث أثراً مهمّاً دائماً، إلاّ
أنّنا نوّهنا من قبل بأنّ هذه الوساوس لوحدها لا تعمل شيئاً، فالمصمّم الأخير هو
الإنسان نفسه، بل هو الذي يفتح أبواب قلبه للشيطان ويسمح له بالدخول. |
|
3 ـ الأمن نعمة
الله الكبرى؟
|
|
لقد أشار يوسف إلى مسألة
الأمن من بين جميع المواهب والنِعم بمصر، وقال لأبويه وإخوته (ادخلوا مصر إن شاء
الله آمنين) وهذا الأمر يدلّ على أنّ نعمة الأمن أساس جميع النعم، والحقّ أنّها
كذلك، لأنّه متى ذهبت نعمة الأمن، فإنّ سائر مسائل الرفاه والمواهب المادية
والمعنوية يحدق بها الخطر. |
|
4 ـ أهميّة مقام
العلم:
|
|
ومرّة أُخرى يعوّل يوسف (عليه
السلام) في إنتهاء عمله وأمره على مسألة علم تعبير الرؤيا، ويجعل هذا العلم
البسيط ـ ظاهراً ـ إلى جانب تلك الحكومة العظمى ومن دون منازع، وهذا يكشف عن
تأكيده على أهميّة العلم مهما كان بسيطاً، فيقول: (ربّ قد آتيتني من الملك
وعلّمتني من تأويل الأحاديث). |
|
5 ـ حسن العاقبة:
|
|
قد يتقلّب الإنسان في طول
عمره في أشكال مختلفة متعدّدة، إلاّ أنّ من المسلّم به أنّ الصفحات الأخيرة من
حياته أهمّ من جميع ما مضى عليه، لأنّ سجل عمره ينتهي بانتهائها ويتعلّق الحكم
النهائي، لذا فإنّ الرجال المؤمنين يطلبون من الله دائماً أن تكون هذه الصفحات
من العمر مشرقة نيّرة، وأن يختم لهم بالخير. |
|
6 ـ هل جاءت اُمّ
يوسف إلى مصر
|
|
يستفاد من ظاهر الآيات ـ آنفة
الذكر ـ بصورة جيّدة أنّ أُمّ يوسف كانت يومئذ حيّة، وقد جاءت مع يعقوب وأبنائها
إلى مصر، وسجدت شاكرةً هذه النعمة. إلاّ أنّ بعض المفسّرين يصرّون على أنّ اُمّ
يوسف «راحيل» كانت قد إنتقلت من الدنيا يومئذ، وإنّما التي جاءت إلى مصر خالته
التي تعدّ بمثابة اُمّه. |
|
7 ـ عدم ذكر
القصّة للأب:
|
|
نقرأ في رواية عن الإمام
الصادق (عليه السلام) أنّه قال (عليه السلام): «قال يعقوب ليوسف: |
|
الآيات(102) (107)
ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ
أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ
|
|
ذَلِكَ مِنْ
أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ
أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ
بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر إِنْ هُوَ إِلاَّ
ذِكْرٌ لِّلْعَلَمِينَ(104) وَكَأَيِّن مِّنْ ءَايَة فِى السَّمَوَتِ
وَالاَْرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا
يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللهِ إلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ(106) أَفَأَمِنُواْ أَن
تَأْتِيَهُمْ غَشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ
بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ (107) |
|
التّفسير |
|
الأدعياء
مشركون غالباً!
|
|
بعد ما إنتهت قصّة يوسف (عليه
السلام) بكلّ دروسها التربوية ونتائجها الغزيرة والقيّمة والخالية من جزاف القول
والخرافات التاريخيّة .. إنتقل الكلام إلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)حيث
يقول القرآن الكريم: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا
أمرهم ...). إنّ هذه المعلومات الدقيقة لا
يعلمها إلاّ الله، أو واحدٌ من الذين كانوا حاضرين هناك، وبما أنّك لم تكن
حاضراً لديهم فالوحي الإلهي فقط هو الذي جاءك بهذه الأخبار. |
|
الآيات(108) (111)
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُواْ إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَة أَنَاْ وَمَنِ
اتَّبَعَنِى
|
|
قُلْ هَذِهِ
سَبِيلِى أَدْعُواْ إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَة أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِى
وَسُبْحَنَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن
قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالا نُّوحِى إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ
يَسِيرُواْ فِى الاَْرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَقِبَةُ الَّذِينَ مِن
قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الاَْخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَوْاْ أَفَلاَ
تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ
قَدْ كُذِبُواْ جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّىَ مَن نَّشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ
بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الُْمجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ
عِبْرَةٌ لاُِّوْلِى الاَْلْبَبِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن
تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْء وَهُدىً وَرَحْمَةً
لِّقَوْم يُؤْمِنُونَ (111) |
|
التّفسير |
|
أصدق
الدروس والعبر:
|
|
في الآية الأُولى من هذه
المجموعة يتلقّى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) الأوامر لتحديد الطريق والمنهج
الذي يتّبعه، فيقول القرآن الكريم: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله) ثمّ يضيف: (على
بصيرة أنا ومن اتّبعني). تشير هذه الآية إلى أدقّ
وأصعب لحظة في حياة الأنبياء فنقول: إنّ الأنبياء يواجهون دائماً مقاومة عنيفة
من قبل أقوامهم وطواغيت زمانهم حتّى يصل الحال بالأنبياء إلى اليأس إلى حدّ
يظنّون أنّ أتباعهم المؤمنين القليلين قد كذبوا عليهم وتركوهم وحدهم في مسيرتهم
في الدعوة إلى الحقّ، وفي هذه الأثناء حيث إنقطع أملهم في كلّ شيء أتاهم نصرنا.
وفي نهايتها تشير إلى عاقبة المجرمين (ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين). |
|
في
تفسير هذه الجملة من الآية: (ظنّوا أنّهم قد كذبوا) ومن المقصود بها، هناك عدّة
آراء للمفسرين:
|
|
1 ـ
إنّ كثيراً من علماء التّفسير يرون ما قلناه سابقاً، وخلاصته: إنّ عمل الأنبياء يصل إلى درجة يعتقدون فيها أنّ كلّ
الناس سوف يكذبوهم، حتّى تلك المجموعة التي تظهر إيمانها ولكنّها غير راسخة في
عقيدتها. |
|
«نهاية سورة
يوسف»
|
|
اللهمّ! امنحنا
البصر في أعيننا والسمع في آذاننا والعلم في قلوبنا، حتّى نستطيع أن نحصل من
سيرة السابقين على طرقاً للنجاة من المشاكل التي نغوص الآن فيها. |
|
|
|