- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
نبذة عن شرح
نهج البلاغة لأبن أبي الحديد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
ابراهيم الابياري
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
التعريف :ابن أبي
الحديد راجع:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
الحوادث الجامعة لابن القوطي (٧٢٣ هـ) - مجمع الآداب في معجم الأسماء والألقاب لأبن القوطى أيضاً – سير أعلام النبلاء الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان (٧٤٨) هـ (ج ١٣ ص ٣١٦) – عيون التاريخ لأبن شاكر فخر الدين محمد (٧٦٤ هـ) (وفيات ٦٥٦ هـ) – فوات الوفيات لأبن شاكر ايضاً (٣١٧:١) – البداية والنهاية لابن كثير أبي الفدا إسماعيل بن عمر (٧٧٤ هـ) (١٣:١٩٨ – ١٩٩ مطبعة السعادة) – درة الأسلاك في دولة الاتراك لابن حبيب بدر الدين حسن (٧٧٩ هـ) (وفيات ٦٥٥ هـ) – عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان اللعيني بد الدين محمود بن أحمد (٨٥٥ هـ) (وفيات ٦٥٦ هـ) – نسمة السحر في ذكر من تشيع وشعر للصنعاني يوسف بن يحيى (١١٢١ هـ) (٢٦٠ – ٢٦٢) – روضات الجنات لمحمد باقر (١٢٨٧ هـ) (٤٠٦ - ٤٠٩) – شرح نهج البلاغة (١: المقدمة، ٢: ٥٤٦، ٣٧١، ٣: ١٩٦ – ١٩٨، ٤: ٢٩ – ٣٠) – كشف الظنون – مجمع البحرين ومطلع النيرين للطريحي فخر الدين بن محمد (١٠٨٥ هـ) – مقامات النجاة في شرح أسماء الله الحسنى لنعمة الله الجزائري – الخميس في أحوال أنفس نفيس للديار بكري حسن بن محمد (٩٦٦ هـ) حوادث سنة ٦٥٦ هـ - معجم الدمياطي أبي محمد عبد المؤمن بن خلف (٧٠٥ هـ). |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
المعروف بهذه الكنية
رجلان أخوان هما موفق الدين ثم عزالدين، وثاني الرجلين هوالمقصود بالترجمة.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
والمؤرخون الذين ترجموا لعزالدين يكادون يجمعون على أنه: أبوحامد عبد الحميد بن أبي الحسن
هبة الله بن محمد بن الحسين بن أبي الحديد يذكر هذا الذهبي وابن شاكر وابن كثير والعيني والصنعاني ومحمد باقر، غير أن ابن شاكر بعد ما وافق
الجماعة في كتابه « فوات الوفيات » يعود فيخالفهم في كتابه (عيون التواريخ) فيسقط الجد الثاني « محمداً» فيقول: عبد الحميد بن هبة الله بن
محمد بن الحسين. كما يجمد ابن حبيب عند الجد الاول لا
يعدوه فيقول: عبد الحميد بن هبة الله بن محمد. ويزيد محمد باقر شيئاً ويسقط
شيئاً فيقول: عز الدين بن عبد الحميد بن أبي الحسن بهاء الدين محمد. ثم يمضي في النسب إلى أخره. وإلى جده الأعلى أبي الحديد عُزى «
عزالدين »، كما عُزى أخوه موفق الدين، فيقال لكل منها: ابن أبي الحديد، وهم يعنون عزالدين أوموفق الدين. وهذه الكتب التي ترجمت لهذا الأخ أوذاك لم تذكر شيئاً عن هذا الجد الأعلى
الذي أضفى كنيته على عقبه البعيد وظل العقب البعيد متمسكاً بها. وإن انّتهاء النسب إلى هذا الجد لا
يعدوه، والأجتزاء بذكر كنيته لا اسمه تلك الكنية التي تشعر بشيء يكاد هذا وذاك
يمليان أن هذا الجد كان على شيء، وأن هذا الشيء كان يتصل بالفتوة والبأس. وفي المدائن – مدينة بينها وبين بغداد ستة فراسخ – ولد عبد الحميد سنة ٥٨٦ – ويزيد الصنعاني فيجعل ميلاده مسّهل ذي الحجة من تلك السنة – فنسب إليها ولقب بالمدائني. على هذا جميع من أرخوا لابن أبي الحديد عز الدين. غير أن الصنعاني في « نسمة السحر »
يقول: الأنباري المولد، وهويعني أن بالأنبار – مدينة بينها وبين بغداد عشرة فراسخ – لا بالمدائن كان مولد عز الدين بن أبي الحديد. ويكاد يكون لا خلاف بين الذين أرخوا
لعز الدين في أن وفاته كانت ببغداد، وأنها كانت سنة ٦٥٦ هـ. هذا إذا استثنينا حاجي خليفة في « كشف الظنون » فهويكرر مع تكرار
كتب عز الدين أن وفاته كانت سنة ٦٥٥ هـ. ولا يعرض الكثير منهم للشهر الذي مات
فيه، مثل ابن كثير وابن شاكر والعيني وابن حبيب، غير أن الذهبي في كتابه « سير أعلام النبلاء » يجعل وفاته في جمادي الآخرة من تلك
السنة فيقول: فمات الوزير ابن العلقمي، فتوفى بعده الموفق بأربع ليال في
نحوالخامس من جمادي الآخرة سنة ست وخمسين ومائة، فرثاه أخوه العز فقال:
فما عاش العز بعد أخيه إلا أربعة عشر
يوماً. ويكاد قول الذهبي لا يبعد كثيراً عن
قول ابن القوطي، يقول ابن القوطي وهويذكر أحداث سنة ٦٥٦هـ: فتوفى الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي
في مسّهل جمادي الآخرة. ثم يعود فيقول، وهويذكر المتوفين في
تلك السنة: توفى الوزير مؤيد
الدين محمد بن العلقمي في جمادي الآخرة ببغداد، والقاضي موفق الدين
أبوالمعالي القاسم بن أبي الحديد المدائني في
جمادي الآخرة، فرثاه أخوه عز الدين عبد الحميد بقوله – وذكر الأبيات – فعاش عز الدين بعد أخيه أربعة عشر يوماً. فابن القوطي والذهبي متفقان على أن
وفاة العز كانت في جمادي الآخرة بعد وفاة الموفق بأربعة عشر يوماً، وقد عين ابن القوطي اليوم الذي توفى فيه ابن العلقمي وأنه توفي في مستهل جمادي الآخرة، كما قد عين الذهبي اليوم الذي توفي فيه الموفق أخوالعز، وأنه توفى في نحوالخامس من هذا الشهر، أعني جمادي الآخرة. ونستطيع نحن في ضوء هذا التعيين وذاك أن نعين اليوم الذي توفي فيه عز الدين، ونرى أنه توفى في نحوالعشرين من جمادي
الآخرة. غيرأن ثمة ما يثير شكا حول هذا الذي
قدمناه، فالذهبي ينقل عن معجم شيخه الدمياطي فيقول: وفي معجم شيخنا الدمياطي أن موت الموفق في رجب، ولكنه – أعنى الذهبي – لا يترك هذا الرأي يمر دون أن يعقب عليه فيقول: والأول أصح، وهويعني ما ساقه وسقناه نحن عنه من أن
موت الموفق كان في الخامس من جمادي الآخرة. وبعد الذهبي نجد صاحب كتاب « نسمة السحر » يقول: «وذكرالديار بكري والذهبي أن الشيخ أبا حامد المذكور توفي قبل دخول التتار بغداد بنحوسبعة عشر يوماً وسلمه الله من شرهم، رحمه الله تعالى ». والمعروف أن دخول التتار
بغداد كان في الحرم من سنة ٦٥٦ هـ، وأنهم قتلوا المستعصم:
آخرالخلفاء العباسين في صفر، وأنهم أبقوا على
وزيره ابن العلقمي. ثم لا
خلاف بين المؤرخين على أن الموفق مات بعد ابن
العلقمي. وبعد هذا فيكاد شعر عزالدين يرد على صاحب «نسمة السحر » ما ادعى.
ففي هذا الشعر الذي رثى به عز الدين
أخاه الموفق ذكرلابن العلقمي وأنه توفي قبل أخيه بقليل، حيث يقول: ووفيت للمولى الوزير فلم تعش من بعده
شهراً ولا اسبوعاً وغير هذا فإن الديار بكري في كتابه « الخميس في أحوال كل نفيس » (٢: ٣٧٧)لم
يذكر شيئاً عن وفاة أبي حامد وإنما قصر الحديث على وفاة ابن العلقمي وأنه مات مقتولا قتله هولاكو في أوائل سنة سبع وخمسين وستمائة. وهذا الذي قاله الديار بكري قاله من قبله ابن شاكر في « الفوات »
(٢: ١٨٨) وهويترجم لابن
العلقمي، وكذا ابن تغرى بردى (٨٧٤ هـ) في كتابه (المنهل الصافي). فهذا أحد رجلين يذكر صاحب «نسمة السحر » أنه نقل عنهما ما نقل من أن وفاة
أبي حامد كانت قبل دخول
التتار بغداد، وهوالديار بكري وهذا ما عنده. أما ثاني الرجلين اللذين يذكر صاحب « النسمة السحر» أنه نقل عنهما، فهوالذهبي. وقد سقنا إليك ما قاله الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء،
وثمة كتابان آخران للذهبي في التاريخ هما: تاريخ الإسلام، ومخطوطته تفقد هذه
الحقبة الزمنية، وثاني الكتابين « العبر في تاريخ من غبر ». وبين يدي المجلد الأول منه طبعة
الكويت وينتهّي إلى حوادث
سنة ٥٠٠ هـ. وما نظن الذهبي قال في هاتين غير ما قاله في كتابه الأول:
سير أعلام النبلاء. وبعد هذا فالقول بأن عز الدين مات قبل دخول التتار بغداد قول مردود، ولكنه نقلنا
إلى جديد، وهوأن وفاة العز كانت في سنة ٦٥٧
هـ، إن كنا نميل إلى ذاك الترتيب في الوفيات: سبق ابن العلقمي، ثم ثنى الموفق، ثم جاء في إثرها عز
الدين. غير أننا نرجح ما ساقه مؤرخان سابقان أقرب إلى عصر صاحب الترجمة وهما ابن القوطي « ٧٢٣ هـ » والذهبي
«٧٤٨» لا سيما أن هذا الأخير ساق شيئاً عن شيخه
الدمياطي في معجمه ثم أبطله، مما
يؤكد أنه متثبت مما يقول. وماندري كم كانت أعوام ابن أبي حديد
بالدينور مسقط رأسه. ولكنا نكاد نعرف أنه لم يغادرها إلى بغداد قبل عام أحد عشر
وسّتمائة، وهوالعام الذي ألف
في شهوره القصائد السبع العلويات. وفي العام ذلك يقول ابن القوطي: نظمها في صباه وهوبالمدائن في شهور سنة إحدى عشرة وسّتمائة. وما ندري هل بقي ابن أبي حديد في المدائن مرة أخرى أم تركها إلى بغداد دون أن يلبَّث. إن المراجع التي بين أيدينا لاتكاد
تعطي شيئا. ولكنا نجد ابن أبي الحديد نفسه في
مقدمته لكتابة « الفلك على المثل السائر (يقول: إن جماعة من أكابر الموصل قد حسن ظنهم في هذا الكتاب جداً)
– يعني: (المثل السائر) لابن الأثير الموصلى - وتعصبوا له حتى فضلوه
على أكثر الكتب المصنفة في هذا الفن وأوصلوا منه نسخاً معدودة إلى مدينة السلام،
بغداد، وأشاعوه وتداوله كثير من أهلها، فأعترضت عليه بهذا الكتاب وتقربت به إلى
الخزانة الشريفة المقدسة النبوية الإمامية المستنصرية - وهويعنى خلافه المستنصر الذي ولى الخلافه سنة
ثلاث وعشرين وستّمائة ومات سنة أربعين وستّمائة. ولكن ابن أبي الحديد يزيدنا بياناً في المقدمة بعد هذا فيقول: وهذا الكتاب وقع إلى في غرة ذي الحجة من سنة ثلاث وثلاثين وستّمائة فتصفحته أولا في ضمن الأشغال
الديوانية التي أنا بصددها. إذن فلقد كان أبي الحديد في بغداد في هذا العام عام ٦٣٣ هـ
وكان عندها صاحب وظيفة في الديوان. وحديث ابن أبي الحديد قبلُ، الذي
يشير فيه إلى أنه بغى من تأليفه الكتاب التقرب إلى الخزانة الشريفة، يكاد يشعر
بأنه كان قريب عهد بالديوان الخليفي، ولكنه لا يدلنا على أنه كان قريب عهد ببغداد،
فقد يكون بلغها قبل ذلك العالم بأعوام. والمقطوع به أن أبي
الحديد لم يبرح المدائن إلا بعد أن بلغ الخامسة
والعشرين، فأنت تعرف أن مولده كان سنة ٥٨٦ هـ وأنه نظم
قصائده السبع بالمدائن في شهور ستة إحدى عشرة
وستّمائة، أي أن سنه كانت عندها تبلغ الخامسة والعشرين أوتزيد عنها شيئاً. وما ندري بعدها – كما حدثتك – كم لبث ابن أبي الحديد بالمدائن، وهوعلى كل حال لم يترك المدائن
إلا بعد إن جاوز سن التحصيل. ثم يقربنا ابن أبي حديد شيئاً مما نريد فيقول في شرحه لنهج البلاغة (٤: ٤١) وكنت كاتباً بديوان الخلافة – يعنى خلافة المستنصر – والوزير حيئنذ نصر الدين أبوالأزهر أحمد بن الناقد فوصل إلى حضرة الديوان في سنة الاثنتين
وثلاثين وستّمائة. ونجد ابن القوطي في كتابه « الحوادث
الجامعة » يذكر أن أبا الأزهر هذا وزر للمستنصر سنة تسع وعشرين وستّمائة، وأنه في شوال من سنة ٦٣٠ هـ كان فَتْح إربل، وأن الشعراء حضروا
إلى الديوان. ثم عد من الشعراء للقاضي أبا المعالي القاسم بن أبي الحديد المدائني. وذكر له
شعراً، ثم أخاه عزالدين عبد الحميد الكاتب وذكر له شعراً. وهذا يفيدنا أن عبد
الحميد كان كاتباً في الديوان في ذلك العالم –
أعني ٦٣٠ هـ - وإلا ما أطلق عليه ابن القوطي لقب
الكاتب. ولكن ابن القوطي يعود فيقول، وهويودع
أيام المستنصر: فلما استوزر نصر الدين بن الناقد تولى الأمور بنفسه ورتب بين يديه كاتباً: العدل ناصر الدين ابن رشيد
المخزومي، ثم بعد الجمال عبدالله بن جعفر، ثم
العدل أبا المعالي القاسم بن أبي الحديد المدائني إلى آخر أيامه، أي إلى سنة ٦٤٢ هـ وهي السنة التي مات فيها. ولم يذكر عزالدين عبدالحميد بين كتاب
الوزير نصيرالدين بن الناقد. غير أن هذا لا يدفع ما صرح به عزالدين من أنه كان كتاباً للوزير نصير الدين، ولي الكتابة مبكراً في
سنة ٦٣٠ هـ كما قلنا، والمرجح أنه بقى موصولا
بالديوان وبالوزير نصير الدين إلى مؤيد الدين أبوطالب محمد بن أحمد في الوزارة
نصيرالدين وصل عزالدين ابن أبي الحديد حبله بحبله ورأيناه يهدي إليه كتابه «شرح نهج البلاغة » الذي كان عن تكليف من ابن
العلقمي فيما يظهر، إذ يقول ابن أبي الحديد في مقدمته، وهويخاطب ابن العلقمي: (لما شرفت عبد
دولته، وربيب نعمته، بالأهتمام بشرح نهج البلاغة). وكان هذا التكليف في غرة رجب من سنة أربع وأربعين وستّمائة أي بعد تولي ابن العلقمي الوزارة بنحوعام. وما نظن ابن أبي الحديد
خرج عن الديوان الخليفي إلا مع خروج ابن العلقمي
حين مات، كما أشرت إلى ذلك من قبل. ولقد كان لابن أبي الحديد عزالدين شيوخ ذكر منهم صاحب « نسمة السحر » اثنين وهما: عبدالوهاب ابن سكينة البغدادي، وعمر
بن عبدالله الدباس، وذكر الذهبي له تلميذين هما: علي بن أنجب المعروف بابن الساعي (٦٤٧ هـ) صاحب الجامع المختصر في عنوان
التاريخ وعيون السير. وقد ذكر ابن كثير
وهويترجم لابن أبي الحديد (١٣: ١٩٩ – ٢٠٠) أن ابن الساعي هذا أورد له كثيراً من مدائحه وأشعاره الفائقة
الرائقة. غير أن جل هذا الكتاب – أعني كتاب ابن الساعي لايزال
إلى اليوم مفقوداً ولم يعثر منه إلا على قطعة صغيرة تضم
حوادث عشرين سنة من سنة ٥٩٧ هـ ٦٠٦ هـ وثاني
التلميذين اللذين ذكرهما الذهبي هوالدمياطي
أبومحمد عبدالمؤمن بن خلف، وكان شيخاً للذهبي،
وله معجم كان
أبي الحديد من بين من انتظمهم هذا المعجم ترجمة وتعريفاً. ونستطيع أن نضم إلى شيوخ ابن أبي
الحديد شيخاً آخر كان بمنزلة الأستاذ الروحي
لابن أبي الحديد وهذا الشيخ الروحي هوابن العلقمي الوزير، فلقد كان على حظ من علم
وأدب وكان له أثر فيمن حوله من أدباء وعلماء
وشعراء إنعاشاً واحياءاً بهباتها ورأيه. وكان
صاحب مكتبة كبيرة أنشأها في داره وكانت تضم نحواً من عشرة آلاف مجلد من نفائس الكتب كان يفيد منها المختلفون إليها لا شك. وفي ذلك يقول موفق الدين القاسم بن
أبي الحديد، أخوعزالدين:
وما نظن ابن أبي الحديد عزالدين إلا قد وصل حبله بحبل ابن العلقمي منذ حل بغداد هووأخوه، وما نظن عزالدين وموفق الدين إلا انتفعا بجاه ابن العلقمي كما انتفعا بعلمه منذ أن حلا بغداد، فلقد كان ابن العلقمي موصولا بالديوان الخليفي
قبل أن يكون وزيراً، فقد كانت إليه
أستاذية منذ ولى نصير الدين الوزارة سنة ٦٢٩ هـ. فقد رأينا الأخوين ابني أبي الحديد لا ينفكان يهنئانه ويثنيان عليه مع المناسبات، فحين أهدى الخليفة إلى ابن العلقمي بغلة انبرى موفق الدين
أخوعزالدين يقول:
(دلّدل:
بلغة الرسول صلى الله عليه وسلم). وحين ردت جيوش التتار عن بغداد سنة ٦٤٣ هـ وكان الوزير ابن العلقمي
قال عزالدين:
وهذا البيت الثالث يدلك على قدم صلة
عزالدين بابن العلقمي من قديم كما قلنا. وقد مر بك طرف مما كتبه عزالدين في مقدمته على شرح نهج البلاغة مشيراً إلى ابن العلقمي، وثمة شيء آخر كان أقوى من جاه ابن العلقمي وعونه وصل
بينه وبين عزالدين، وهو الرأي الذي دان به ابن العلقمي ودان به معه عز الدين، فقد كان ابن العلقمي شيعياً رافضيا، أي من الذين رفضوا زيد بن على حين أبي عليهم أن يبرأ من الشيخين. وكان عزالدين
شيعياً أول أمره. وفي ذلك يقول ابن كثير: وكان حظيّا – يعني عزالدين – عند الوزير ابن العلقمي لما بينهما من المناسبة والمقاربة والمشابهة في التشيع. وذكر هذا ايضاً العيني
في (عقد الجمان). وما خالف ابن أبي الحديد ولي نعمته كثيراً حين أصبح ابن أبي الحديد معتّزلياً جاحظياً، فمن المعتزلة من يجعلون أفضل الأمة بعد نبيها أميرالمؤمنين علي بن ابي طالب، يقولون أن علياً كان على الصواب وأن من حاربه فهوضال. والجاحظ الذي تنسب إليه
الجاحظية من القائلين بأن
الإمامة لا يستحقها إلا
الفاضل على كل حال ولاّ يجوز أن تصرف إلى المفضول ما وجد الفاضل. ويفسر لك هذا أبيات عزالدين التى قالها
في ابن العلقمي، حين فرغ من تصنيف الكتاب وأنفذه على يد أخيه موفق
الدين، ولم يحمله هوإليه، لا ندري لم، فبعث له ابن
العلقمي بمائّة دينار وخلعة سنية وفرس، فكتب
عزالدين:
فعز الدين هنا يصرح بما ناله من فضل وخير من العلقمي وآله كان له أثره في توثيق ما بينه
وبين ابن العلقمي، كما يشير إلى صلة وثقى هي الرأي الجامع على حب علي وآله. والأشعري الذي يذكره ابن
أبي الحديد هوعلي ابن إسماعيل بن إسحاق أبوالحسن
الأشعري (٣٢٤ هـ) مؤسس مذهب الأشاعرة، وكان من قبل ذلك معتّزليا ثم خرج عليهم.
وكتابه « إمامة الصديق » ينبئك بما كان ينادي
به رأي من يخالف رأي الشيعة والمعتزله في إمامة علي. ويكاد ابن أبى الحديد في بيته «وزيغ الأشعري»، يعطينا الدليل على تلك التلمذة التي أدعيناها من قبل حين ضممنا ابن العلقمي إلى شيوخ ان
أبى الحديد. وهكذا لم يُبعد ابن أبى الحديد اعتّزالُه عن ابن العلقمي
في تشيعه، فالمعتزلة والشيعة سواء في تفضيل « علي » كما لم
تبعد جاحظية ابن أبى الحديد به عن ابن العلقمي في
رافضيته، إذ الرافضة كما علمت يرفضون زيد بن علي لأنه لم يرفض الشيخين والجاحظية لا ترفضه، ولكنها
– أعني الرافضية والجاحظية – متفقان على علي [الحور العين لنشوان الحميري.]. وهكذا كان عزالدين محبأ لآل البيت. خرج بهذا الحب من المدائن يعمر به
قلبه ويلهج به لسانه وحسبك قصائده السبع العلويات التي أتم نظمها سنة ٦١١ هـ ومما يدل على غلوه في تشيعه قوله في الإمام علي:
بهذا المعتقد خرج عزالدين من المدائن، وحين لقى ببغداد ابن العلقمي ورآه يدين
بما دان به لف حبله بحبله يفيد من رأيه ويفيد
من جاهه ويفيد من مكتبته. وهذا الاعتزال الذي عرف بابن ابى الحديد قديم
قدم تشيعه، صرح به فى قصيدته العينية من القصائد السبع العلويات
التى نظمها سنة ٦١١ هـ قبل أن يصرح به في أبياته
التي وجهها إلى ابن العلقمي سنة تسع وأربعين
وستمائة، وهي السنة التي فرغ فيها من تأليف
كتابه شرح نهج البلاغة، فلقد قال في عينيته: ورأيت دين الاعتزال وأني أهوى لأجلك كل
من يتشيع. ويكاد ابن أبي الحديد يشير في قصيدته تلك إلى أن هذا كان
رأى بيته وبه يدين أهله ومن أجله عاشوا مجاهدين، وذلك حين يقول:
ويقول عنه محمد باقر:كان موالياً لأهل بيت العصمة
والطهارة وإن كان في زي أهل السنة والجماعة منصفاً غاية الإنصاف في المحاكمة بين
الفريقين ومعترفاً في ذلك المصاف بأن الحق يدور مع والد الحسنين. ويقول الطريحي: وابن أبى الحديد في الأصل معتزلي يستند إلى المعتزلة مدعياً أنهم يستندون إلى شيخهم أمير المؤمنين علي في العدل والتوحيد. ولقد كان ابن أبي الحديد ورعا أشد
الورع يكثر من مناجاته لربه، وله في ذلك
أشعار كثيرة منها:
ومنها:
ثم هوبعد ذلك كان عالماً متبحراً له
مؤلفات انفرد بذكر أكثرها ابن القوطي، ونقل عنه محمد باقر وزاد ابن شاكر شيئاً وحاجي
خليفة شيئاً آخر، وها هي ذي كتبه مستقاة من تلك المصادر: ١- الاعتبار على كتاب الذريعة في
أصول الشريعة للمرتضى أبي القاسم علي بن الحسين (٤٣٩ هـ)، ذكره ابن القوطي وذكر أنه في ثلاث
مجلدات ونقله عنه هذا محمد باقر. ٢- انتقاد المستصفى للغزالي أبي حامد محمد بن محمد (٥٠٥
هـ)، وكتابه المستصفى هذا في أصول الفقه
عنى به بعد الغزالي أكثر من واحد شرحاً وتعلبقاً واختصاراً. وقد ذكر« الانتقاد »
هذا ابن القوطي، وتبعه محمد باقر. ولم يعرض له حاجي خليفة وهو يعرض (المستصفى). ٣- الحواشي على كتاب المفصل، في
النحوللزمخشري أبي القاسم محمود بن عمر (٥٣٨
هـ). ذكره ابن القوطي وحده ولم يعرض له
حاجي خليفة فيما عرض من شروح وتعليقات وتحشيات على كتاب المفصل ذاك. ٤- شرح المحصل للرازي. ذكره ابن
القوطي ونقله عنه محمد باقر، وهوكما في كشف الظنون: محصل أفكار المتقدمين
والمتأخرين من الحكماء والمتكلمين للإمام فخر الدين محمد بن عمر الرازي (٦٠٦ هـ). والكتاب كما يشير عنوانه يشتمل على
أحكام الأصول والقواعد. ذكر هذا الشرح ابن القوطي ونقل عنه محمد باقر. وذكره
حاجي خليفة وقال: وعليه تعليقة لعزالدين عبد الحميد. ٥- شرح مشكلات الغرر لأبي الحسن محمد بن علي البصري (٤٦٣
هـ). ذكره ابن القوطي ونقله عنه محمد
باقر. كما ذكره حاجي خليفة باسم « غرر الأدلة » ولم يشر إلى شرح مشكلته. ٦- شرح بالوفيات لابن نوبخت، في
الكلام. ذكره ابن القوطي ونقل عنه محمد باقر. ٧- العبقري الحسان. ذكره ابن القوطي
فقال: وهوكتاب غريب الوضح قد اختار فيه قطعة وافرة من الكلام والتواريخ والأشعار
وأودعه شيئاً من إنشاء ومنظوماته. وقد نقل عنه محمد باقر. ٨- الفلك الدائر على المثل السائر
لابن الأثير. ذكره ابن القوطي وابن شاكر وابن حبيب ونقله عنهما محمد باقر. والكتاب اسمه: المثل السائر في أدب
الكاتب والشاعر، لضياء الدين نصر الله بن محمد بن محمد ابن محمد بن عبدالكريم بن
الأثير الجزري (٦٣٧ هـ) وقد ذكر حاجي خليفة وهويعرف بكتاب ابن الأثير كتاب
عزالدين هذا فقال: وصف عزالدين وهوعبد الحميد بن هبة الدين محمد المدائني
المعتزلي الشيعي أن لأبي الحديد كتاباً سماه الفلك الدائرعلى المثل السائر ثم
ذكر شيئاً من أوله. وكتاب ابن أبي الحديد هذا مطبوع.وهوكتاب صغير. وقد سقنا
شيئاً من مقدمته، وأنه ألفه للمستنصر بدأ فيه في ذي الحجة سنة ٦٣٣ هـ وفرغ منه
في خمسة عشرة يوماً. ٩- القصائد السبع العلويات. ذكرها ابن القوطي وحده، وقد طبعت
ومعها القصيدة الأزرقية لمحمد كاظم. ١٠- نظم فصيح ثعلب أبي العباس أحمد
بن يحيى (٢٩١ هـ). ذكره ابن شاكر وابن حبيب كما ذكره حاجي خليفه وهويعرض فصيح
ثعلب فقال: ونظمه القاضي شهاب الدين محمد بن أحمد الخولي المتوفى سنة ٦٩٣ هـ
وعزالدين عبد الحميد بن هبة الله المدائني. ١١- نقض المحصول في علم الأصول. كذا
ذكره ابن القوطي وكما ذكره ابن القوطي نقله محمد باقر. وذكره حاجي خليفة باسم:
المحصول في أصول الفقه لفخر الدين محمد بن عبدالله الرازي (٦٠٦ هـ). ثم قال:
وعلق عليه أحمد بن عثمان بن ضبيع الجوزجاني (٧٤٤ هـ) وكذا عز الدين عبدالحميد بن
هبة الله المدائني المعتزلي. ١٢- الوشاح الذهبي في العلم الأبي.
ذكره ابن القوطي ونقله عنه محمد باقر. ١٣- ديوان الشعر. ذكره ابن شاكر. ١٤- المستنصريات – جاءت في مقدمة الطبعة الجديدة من شرح النهج. وفيها: كتبها برسم
الخليفة المستنصر. ومنها نسخة بمكتبة النجف. ١٥- زيادات النقيضين (زيادات
التقصير) – جاء ذكره على لسان ابن أبي الحديد (انظر ص ١٣٧ من هذا المقال). ولم يذكره مرجع من المراجع. وبعد هذه كلها: شرح نهج البلاغة. وهوما
سنتحدث عنه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
شرح نهج البلاغة يعد أجل عمل قام به ابن أبي الحديد عز الدين عبد الحميد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
وهذا الكتاب يعد أجل عمل قام به عز الدين عبد الحميد. لم
يسكت عنه واحد ممن أرخوا له، هذا إذا استثنينا الذهبي في كتابه « سيرأعلام
النبلاء» فإنه لم يعرض لمؤلفات ابن أبي الحديد من قرب أومن بعد، وابن حبيب في «درة
الأسلاك » فإنه لم يذكر « غير الفلك الدائر »، ثم هم حين ذكروا هذا المؤلف
أفردوه بالإعجاب من بين كتبه الأخرى. يقول ابن القوطي في كتابه (معجز الآداب):وقد
احتوى هذا الشرح على ما لم يحنوعليه كتاب من جنسه. ويقول ابن يحيى في كتابه « نسمة السحر»: جمع
فيه العجائب ودلّ على فضله وغزارة مادته. ويقول محمد باقر في كتابه روضات الجنات: وحسب
الدلالة على علومنزلته في الدين وغلوه في ولاية أمير المؤمنين شرحه الشريف
الجامع لكل نفيسة وغريب الحاوي لكل نافحة ذات طيب من الأحاديث النادرة والأقاصيص
الفاخرة والمعارف الحقانية والعوارف الإيمانية. والكتاب مجزأ إلى عشرين جزاً. ذكر ذلك ابن القوطي وابن
شاكر في كتابه الفوات وعيون التواريخ والعيني في كتابه عقد الجمان، وتبعهم حاجي
خليفة في كتابه كشف الظنون. غير أنهم جميعاً جعلوه عشرين مجلداُ لا عشرين جزءا، على حين نجد المؤلف ابن أبي الحديد يسمى التقسمة أجزاء لا
مجلدات. فيقول: انتهى الجزء الأول، وحين
يختم كتابه يقول: آخر الجزء العشرين وبه تم
الكتاب. وثم مؤرخ متأخر وهوصاحب « نسمة السحر » يخرج على
هذا الإجماع فيقول:
في نحوأربع مجلدات. وظاهر أن ثمة صلة بين هذه التجزئة والتجزئة التي يخرج بها
الكتاب مطبوعاً في مصر سنة ١٣٢٩ هـ، على حين أن
هذه الطبعة المصرية جاءت لاحقة لطبعة حجر في فارس كانت سنة ١٢٧١ هـ خرجت في
مجلدين. وقد ذكر ابن أبي الحديد في مقدمة كتابه (١: ٢) أنه لم يشرح هذا الكتاب – يعني: نهج البلاغة – قبله فيما يعلم غير واحد. هو سعيد بن هبة الله
بن الحسن، المعروف بالقطب الراوندي (٥٧٣ هـ). |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
الشيخ هبة الدين
الشهرستاني الحسيني يذكر شراحاً سبعة سبقوا
ابن أبي الحديد وهم كما ذكرهم:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
ولكن الشيخ هبة الدين الشهرستاني الحسيني يذكر في كتابه « ما هونهج
البلاغة » نقلا عن شيخه النوري (١٣٢٠ هـ). شراحاً سبعة سبقوا ابن أبي الحديد وهم كما ذكرهم: ١- أبوالحسن البيهقي على بن زيد بن محمد (٥٦٥ هـ). ٢- الإمام فخر الدين الرازي محمد بن عمر بن الحسين (٦٠٦ هـ)
ذكر له القفطي في كتابه تاريخ الحكماء هذا الشرح وهويترجم له وقال: إنه لم يتمه. ٣- القطب الراوندي. وقد سمى شرحه: منهاج البراعة، في مجلدين. ٤- القاضي عبد الجبار. ٥- الحسن بن علي بن أحمد الماهابادي، شيخ الشيخ منتجب الدين
صاحب الفهرست. ٦- أبوالحسن محمد بن الحسين بن الحسن البهقي الكيدري. واسم
شرحه: الإصباح. فرغ من تأليفه سنة ٥٧٦ هـ. ٧- شرح آخر قبل شرح الكيدري يسمى: المعراج. ولقد أحصى الشيخ النوري من شروح هذا الكتاب ستاً وعشرين بما
فيها شرح ابن
أبي الحديد، وزاد عليه تلميذه هبة
الدين تسعة عشر
شرحاً، منها ماهوبالفارسية، وهو
شرح فتح الله بن شكر الله الكاساني. وقد سماه: تنبيه
الغافلين وتذكرة العارفين. والكتاب كما يملي عنوانه شرح لكتاب آخر هونهج البلاغة الرضي محمد بن الحسين (٤٠٦ هـ)، لا للشريف المرتضى أخيه، كما
يتوهم البعض. ولقد وقع في هذا الخطأ جملة من الذين شغلوا بفهرسة الكتب العربية
منهم إدوارد فانديك في كتابه: اكتفاء القنوع. وحاجي
خليفة في كتابه كشف الظنون. فقد نسبه هوالآخر للشريف المرتضى مع شك في هذه النسبة، وأثبت بعض فهارس دور الكتب العامة هذا الخطاء منها فهارس دار الكتب المصرية. ومرد هذا الخطأ إلى أن الشريف الرضي كان يلقب هوالآخر بالمرتضى، احتفاظاً بلقب الجد إبراهيم بن موسى بن جعفر، الذي كان يلقب بالمرتضى، وبقى الأخوان
محمد وعلي يلقب كل منهما بالمرتضى إلى أن أصبح محمد نقيباً
على نقباء العلويين فلقبوه الرضي ليتميز عن بقية آل
المرتضى. هذا والأسانيد متواترة على صحة نسبته إليه – أعني التي كتبت بخطه لا تزال موجودة[ما
هونهج البلاغة » (ص ٨).] ولقد
جمع الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فاستوعب مائتين واثنتين
وأربعين (٢٤٢) خطبة، وثمانية وسبعين كتاباً، وثمانية وتسعين وأربعمائة (٤٩٨)
حكمة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
الرضي جمع ذلك كله عن
مؤلفين سبقوه إلى جمع الكثير من هذه الخطب، منهم:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
١- الكليني محمد بن يعقوب (٣٢٨ هـ) في
كتابيه: الكافي والرسائل. ٢- محمد بن بابويه القمي (٣٨١ هـ). ٣- أحمد بن عبد ربه (٣٢٧ هـ) في
كتابه: العقد الفريد. ٤-الآبي أبوسعيد منصور (٤٢٢ هـ) في
كتابه: نثر الدرر. وقد ذكر المسعودي (٣٤٦ هـ) أن الخطب المنقولة عن أمير
المؤمنين علي عليه السلام هي أربعمائة ونيف وثمانون خطبة. والطاعنون
في نسبة هذه الخطب كلها أوبعضها إلى الإمام علي، وعلى
رأسهم الذهبي أبوعبدالله محمد بن أحمد (٧٤٨) حيث يقول في
كتابه: « ميزان الاعتدال » ومن طالع كتاب نهج البلاغة جزم بأنه
مكذوب على أميرالمؤمنين علي رضي الله تعالى عنه، فإنه فيه السب
الصريح للسيدين: أبي بكر وعمر. ويشير الذهبي بهذا – مع غيره من المتشككين في نسبة الكتاب – إلى الخطبة
الشقشقية التي تحدث فيها على عن الخلافة وتولي أبي بكر لها ثم عمر وما فيها
من صراحة ألفت عن علي حين كان يرى الحق في جانبه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
هذه الخطبة (الشقشقية)
رواها
قبل الرضي جملة منهم:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
١- شيخ المعتزلة أبوالقاسم البلخي (٣١٧
هـ). وقد
ذكره ابن أبي الحديد في شرحه للشقشقية. ٢- أبوجعفر بن قبة (المائة الثالثة) وقد
ذكره ابن أبي الحديد كذلك في شرحه للشقشقية. ٣- أحمد بن محمد البرقي (٢٧٤ هـ) وقد
أورد هذه الخطبة في كتابه: علل الشرائع، وهومطبوع. ٤- عبد العزيز بن يحيى الجلودي (القرن
الثالث) في كتابه: معاني الأخبار. وهومطبوع. ٥- أبوعبدالله محمد بن محمد بن النعمان المفيد، وهومن شيوخ
الرضي، وروى هذه الخطبة في كتابه: الإرشاد، وهومطبوع. ٦- الجبائي محمد بن عبد الوهاب (٣٠٣ ه) في
كتابة الفرقة الناجية وقد عرض ابن أبي الحديد لدفع
هذا الطعن في شرحه (ج: ٥٤٦ هـ) بكلام
طويل نقتطع منه: كثير من أرباب الهوى يقولون: إن
كثيراً من نهج البلاغة كلام محدث صنعه قوم من فصحاء الشيعة وربما عزوا بعضه إلى
الرضي أبي الحسن وغيره. وهؤلاء قوم أعمت العصبية أعينهم فضلوا
عن النهج الواضح ». والكلام في هذا كثير إن شئت عنه تفصيلا فارجع
إلى كتاب « ما هونهج البلاغة » لهبة الدين الشهرستاني، و«علي »
للأستاذ أحمد صفوت. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
مقدمة ابن الحديد : يشير إلى ذلك حين يقول:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
وهذا الشرح – شرع فيه
أبي الحديد بتوجيه الوزير ابن العلقمي في غرة شهر رجب من
سنة أربع وأربعين وستمائة (٦٤٤ هـ) وفرغ منه في سلخ شهر صفر من سنة تسع
وأربعين وستمائة (٦٤٩ هـ) أي إنه أتمه في نحومن
خمس سنين وهي مقدار مدة خلافة أمير المؤمنين
عليه السلام، كما يقول ابن أبي الحديد. وظاهر أن ابي الحديد كان مشغولا بنهج البلاغة صغيراً وأنه
كانت له حوله محاولات ضئيلة لا تعدوذكر الغريب، يدل على ذلك قوله في مقدمته: وشرع فيه
– وهو
يعني نفسه – بادي
الرأي شروع مختصر، وعلى ذلك الغريب والمعنى مقتصر. غير أنه رأى هذا لا يجزئ ولا يتفق، وذاك
التكليف تكليف ابن العلقمي، فعدل عنه إلى غيره مما فيه إطالة
وبيان، وهويشير إلى ذلك في مقدمته حين يقول: فرأى أن هذه النغبة – الجرعة – لا تشفي أواما، ولا تزيد الحائم إلا
حياما، فتنكب ذلك المسلك، ورفض ذلك النهج وبسط القول في شرحه بسطاً، اشتمل على:
الغريب، والمعاني، وعلم البيان، وما عساه يشتبه ويشكل من إلاعراب والتصريف،
وأورد في كل موضع ما يطابقه من النظائر والأشباه نثراً ونظماً، وذكر ما يتضمن
السير والوقائع والأحداث فصلا فصلا، وأشار إلى ما ينطوي عليه من دقائق علم
التوحيد والعدل إِشارة خفية، ولوح إلى ما يستدعي الشرح ذكره من الأنساب والأمثال
والنكت تلويحات لطيفة، ورصعه من المواعظ الزهدية والزواجر الدينية والحكم
النفسية وآداب الخليقة المناسبة لفقره والمشاكلة لدرره والمنظمة مع معانيه في
سمط. وأوضح ما يومىء إليه من المسائل الفقهية، وكشف عن مقاصده عليه السلام في
لفظة يرسلها ومعضلة يكنى عنها وغامضة يعرض عنها . كل هذا ضمنه ابن أبي الحديد شرحه
معقباً في مواضع منه عى القطب الراوندي سعيد بن هبة الله بن
الحسن في
شرحه، وهوالشرح الذي يقول ابن أبي الحديد: أنه
لم يسبق إلا به وذلك حين يقول في مقدمته: وقد تعرضت في هذا الشرح
لمناقضته في مواضع يسيرة اقتضت الحال ذكرها، وأعرضت عن كثير مما قاله لم أر في
ذكره ونقضه كثير فائدة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
تمهيد
ابن أبي الحديد لشرحه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
وابن أبي الحديد قبل أن يأخذ في الشرح مهد بذكر: ١- أقوال أصحابه في الإمامة والتفضيل والبغاة والخوارج. ٢- نسب
أمير المؤمنين عليه السلام ولمع يسيرة من فضائله. ٣- نسب الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين وبعض خصائه ومناقبه. ٤- شرح خطبة نهج البلاغة التي هي من كلام الرضي. ثم أخذ في شرح كلام أميرالمؤمنين علي عليه السلام في ضوء
هذا النهج الذي رسمه يجمع تلك المعاني كلها التي أشارإليها لا يفوته شيء، مجزئاً
النص فقرا، ثم يعقب على الفقر بشرحه مشيراً إلى النص بكلمة « الأصل » وإلى كلامه
على النص بكلمة « الشرح » وفي ذلك يقول: ونجعل ترجمة الفصل الذي نروم شرحه «
الأصل » فأذا أنهيناه قلنا « الشرح » فذكرنا ما عندنا فيه. وحسبك بعد ذلك هذا
النموذج من عمل ابن أبي الحديد لتتعرف مدى جهده. ومدى
إفاضته، فهوحين يشرح خطبة للإمام علي يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق
آدم لا
تعدوكلمات هذه الخطبة تسعمائة كلمة بشرحها ابن أبي الحديد في نحوأربعين صفحة لا
تقل كلمات كل صفحة عن سبعمائة كلمة، وإذا
هويسوق الحديث عن: ١- معنى الحمد والمدح والشكر. ٢- رؤية الباري تعالى في الاخرة والرد على الأشاعرة. ٣- كمال معرفة الباري والتصديق به. ٤- خلق السموات والأرض وبيان ما قيل في ترتيب خلقها. ٥- تعريف الملائكة وأنسابهم. ٦- رؤساء الملائكة عند أهل الملة والفلاسفة وصفة خلق آدم. ٧- خلق آدم عليه السلام وسجود الملائكة الإ إبليس. ٨- اختلاف المسلمين واليهود والنصارى والهنود والمجوس في
ابتداء خلق البشر. ٩- بطلان تصويب إبليس والاختلاف في خلق الجنة والنار. ١٠- تفضيل الملائكة على البشر وأن إبليس من الملائكة أم لا. ١١- الميثاق المأخوذ من الأنبياء. ١٢- بيان اختلاف الناس وخصوصاً العرب في الملل والنحل. ١٣- بيان ما اشتمل عليه القرآن من الحلال والحرام والخاص
والعام. ١٤- فضل الكعبة وزائريها. فيقول: (الأصل): فمن خطبة له عليه السلام يذكر فيها ابتداء خلق السماء
والأرض وخلق آدم: (الحمدلله الذي لا يبلغ مدحه القائلون، ولا يحصى نعماءه
العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص
الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود،
فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته. ووتد بالصخور ميدان أرضه). (الشرح). الذي عليه أكثر الأدباء والتكلمين أن الحمد والمدح أخوان،
لا فرق بينهما. تقول: حمدت زيداً على إنعامه، ومدحته على إنعامه، وحمدته على
شجاعته وفهما سولء يدخلان فيما كان من فعل الأنسان، وفيما ليس من فعله، كما
ذكرناه من المثالين. فأما الشكر فأخص من المدح. لأنه لا يكون الإ على النعمة
خاصة، ولا يكون إلا صادراً من منعم، فلا يجوز أن يقال: شكر زيد عمراً لنعمة أنعمها
عمروعلى إنسان غير زيد. إن قيل: الاستعمال خلاف ذلك، لأنهم يقولون:
حضرنا عند فلان فوجدناه يشكر الأمير على معروفه عند زيد. قيل: ذلك
إنما يصح إذا كان إنعام الأمير على زيد أوجب سرور فلان، فيكون شكر إنعام الأمير
على زيد شكراً على السرور الداخل على قلبه بالإنعام على زيد، وتكون لفطة « زيد »
التي استعمرت ظاهراً لاستناد الشكر إلى مسماها كناية لا حقيقة، ويكون ذلك الشكر
شكراً باعتبار السرور المذكور ومدحا باعتبار آخر وهوالمناداة على ذلك والثناء
الواقع بجنسه. ثم إن هولاء المتكلمين الذين حكينا قولهم يزعمون أن الحمد والمدح
والشكر لا يكون إلا باللسان مع انطواء القلب على الثناء والتعظيم، فإن استعمل
شيء من ذلك في الأفعال بالجوارح كان مجازاً. وبقي الحديث عن اشتراطهم مطابقة
القلب للسان، فإن الاستعمال لا يساعدهم، لأن أهل الاصطلاح يقولون لمن مدح غيره
وشكره رياء ومسمعة: إنه قد مدحه وشكره، وأن كان منافقاً عندهم. ونظير هذا الموضع الإيمان، فإن أكثر المكتلمين لا يطلقونه
على مجرد النطق اللساني، بل يشترطون فيه الاعتقاد القلبي، فأما أن يقصروا به
عليه، كما هومذهب الأشعرية والإمامية، أوتؤخذ معه أمور
أخرى، وهي فعل الواجب وتجنب القبيح، كما هومذهب المعتزلة، ولا
يخالف جمهور المتكلمين في هذه المسألة إلا الكرامية، فأن المنافق عندهم يسمى
مومناً، ونظروا إلى مجرد الظاهر، فجعلوا النطق اللساني وحده إثماً. والمدحة: هيئة المدح: كالركبة في هيئة الركوب، وجلسة، في
هيئة الجلوس، والمعنى مطروق جد. ومنه في الكتاب العزيز كثير، كقوله تعالى « وإن
تعدوا نعمة الله لا تحصوها ». وفي الأثر النبوي: لا احصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على
نفسك. وقال الكتاب من ذلك ما يطول ذكره. فمن جيد قول بعضهم:
الحمدلله على نعمة التي منها إقدارنا على الاجتهاد في حمدها، وإن عجزنا عن إحصائها
وعدها. وقالت الخنساء بنت عمروبن الشريد:
ومن مستحسن ما وقفت عليه من تعظيم الباري عز وجل بلفظ «
الحمد » قول بعض الفضلاء في خطبة أرجوزة علمية:
فإنما ينكر من يصوره وأما قوله « الذي لا يدركه » فيريد أن
همم النظار وأصحاب الفكر، وإن علت وبعدت، فإنها لا تدركه تعالى ولا تحيط به.
وهذا حق، لأن
كل متصور فلا بد أن يكون محسوساً أومتخيلا أوموجودا من فطرة النفس. والاستقراء
يشهد بذلك. مثال المحسوس السواد والحموضة، مثال المتخيل إنسان يطير أوبحر من دم. مثال الموجود من فطرة النفس تصور الألم واللذة. ولما كان البارى سبحانه خارجاً عن هذا أجمع لم يكن متصوراً. فأما قوله « الذي ليس لصفته حد محمدود » فإنه يعني بصفته ها
هنا كنهه وحقيقته. يقول: ليس لكنهه حد فيعرف بذلك الحمد، قياساً على الأشياء
المحدودة لأنه ليس بمركب، وكل محدود مركب. ثم قال « ولا نعت موجود » أي ولا يدرك بالرسم كما تدرك
الأشياء برسومها، وهوأن تعرف بلازم من لوازمها، وصفة من صفائها. ثم قال: « ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود » فيه إشارة إلى
الرد على من قال: إنا نعلم كنه الباري سبحانه لا في هذه الدنيا بل في آخرة. فإن
القائلين برؤيته في الاخرة يقولون: أنما نعرف كنهه. فهوعليه السلام رد قولهم
وقال: إنه لا وقت أبداً على الإطلاق تعرف فيه حقيقته وكنهه لا الآن ولا بعد
الآن، وهوالحق، لأنه لورأيناه في الآخرة وعرفنا كنهه لتشخص تشخصاً يمنع من حمله
على كثيرين، ولا يتصور أن يتشخص هذا التشخص إلا ما يشار إلى جهته ولا جهة له سبحانه.
وقد شرحت هذا الموضوع في كتابي المعروف بزيادات النقيضين. وبينت أن الرؤية المنزهة عن الكيفية التي يزعمها أصحاب
الأشعري لا بد فيها من إثبات الجهة، وأنها لا تجري مجرى العلم لأن العلم لا يشخص
المعلوم، والرؤية تشخص المرئي، والتشخيص لا يمكن إلا مع كون المتشخص ذا جهة. واعلم أن نفي الإحاطة مذكور في الكتاب العزيز في مواضع،
منها قوله تعالى (ولا يحيطون به علماً) ومنها قوله (ينقلب إليك البصر خاشعاً
وهوحسير). وقال بعض الصحابة: العجز عن درك الإدراك إدراك.
وقد غلا محمد بن هانيء المغربي فقال في ممدوحه المعز أبي تميم معد بن المنصور
العلوي: أتبعته فكري حتى إذا بلغت غاياتها بين تصويب وتصعيد رأيت موضع برهان يلوح وما رأيت موضع تكييف وتحديد وهذا مدح يليق بالخالق تعالى ولا يليق بالمخلوق. فأما قوله « فطرالخلائق... (إلى آخر الفصل، فهوتقسيم مشتق
من الكتاب العزيز بقوله « فطر الخلائق بقدرته) من قوله تعالى (قال رب السموات
والأرض وما بينهما). وقوله « نشر الرياح برحمته » من قوله (يرسل الرياح بشراً
بين يدي رحمته). وقوله « ووتد بالصخور ميدان أرضه » من قوله (والجبال
أوتاداً). والميدان: التحرك والتموج. وبعد هذا الذي أورده ابن ابي الحديد يفسح لرأي المتكلمين
فوق إفساحه لرأي اللغويين، ثم بكل هذا وذاك بسوق أمثله من الأدب نثراً وشعراً، تراه
يعرض لما قاله الراوندي ليناقضه. كما أشار إلى ذلك في مقدمته، وها نحن نعرض ما
قاله من ذلك لتكتمل الصورة: |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
ابن ابي
الحديد
والقطب الراوندي رحمه الله نموذجا
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
يقول: فأما القطب الراوندي رحمه الله فإنه
قال:إنه
عليه السلام أخبر عن نفسه بأول هذا الفصل أنه يحمد الله. وذلك من
ظاهر كلامه. ثم أمر غيره، من فحوى كلامه أن يحمدالله. وأخبر عليه السلام أنه ثابت على ذلك مدة حياته، وأنه يجب
على المكلفين ثبوتهم عليه ما بقوا. ولوقال أحمدلله، لم يعلم منه جميع ذلك. ثم
قال: والحمدلله أعم من الشكر. والله أخص من الإله. قال: فأما قوله: الذي لا يبلغ مدحته القائلون. فأنه أظهر
العجز عن القيام بواجب مدائحه فكيف بمحامده. والمعنى أن الحمد كل الحمد ثابت
للمعبود الذي حققت العبادة له في الأزل واستحقها حين خلق الخلق: وأنعم بأصول
النعم التي يستحق بها العبادة. ولقائل أن يقول: إنه ليس في فحوى كلامه أنه
أمر لغيره أن يحمد الله. وليس يفهم من قوله بعض رعية الملك لغيره منهم: العظمة
والجلال لهذا الملك، أنه قد أمرهم بتعظيمه وإجلاله. ولا أيضاً في الكلام ما يدل
على أنه ثابت على ذلك مدة حياته، وأنه يجب على المكلفين ثبوتهم عليه ما بقوا. وبعد هذا العرض لقول الراوندي يأخذ
ابن أبي الحديد في الرد على الراوندي فيقول: ولا
أعلم كيف قد وقع ذلك للراوندي، فأنه زعم أن العقل يقتضي ذاك فحق، ولكنه ليس
مسفتاداً من الكلام، وهو أنه قال: إن ذلك موجود في الكلام. فأما قوله: لوكان قال: أحمد لله لم يعلم معه جميع ذلك، فأنه
لا فرق في انتفاء دلالة « أحمدلله» على ذلك، ودلالة « أحمد لله»، وهما سواء في
أنها لا يدلان على شيء من أحوال غير القائل، فضلا عن دلالتهما على ثبوت ذلك
ودوامه في حق غير القائل. وأما قوله: الله أخص من الإله، فإن أراد في أصل اللغة، فلا
فرق، بل الله هوالإله، وفخم بعد حذف الهمزة. هذا قول كافة البصريين. وإن أراد أن
أهل الجاهلية كانوا يطلقون على الأصنام لفظة الآلهة ولا يسمونها الله فحق. وذلك
عائد إلى عرفهم واصطلاحهم لا إلى أصل اللغة والاشتقاق، ألا ترى أن الدابة في
العرف لا تطلق على القلملة وأن كانت في أصل اللغة دابة. فأما قوله: قد أظهر العجز عن القيام بواجب مدائحه فكيف
بمحامده. فكلام يقتضي أن المدح غير الحمد. ونحن لا نعرف فرقاً بينهما. وأيضاً فإن الكلام لا يقتضي العجز عن القيام بالواجب لا من
المادح ولا من المحامد ولا فيه تعرض لذكر الوجوب وإنما نفي أن يبلغ القائلون
مدحته. لم يقل غير ذلك. وأما قوله: الذي حقت العبادة له في الأزل واستحقها حين خلق
الخلق وأنعم بأصول النعم فكلام ظاهره متناقض. لأنه إذا كان إنما استحقها حين خلق
الخلق. فكيف يقال: إنه استحقها في الأزل. وهل يكون في الأزل مخلوق
ليستحق عليه العبادة. واعلم أن المتكلمين لا يطلقون على البارى سبحانه أنه معبود
في الأزل أومستحق للعبادة في الأزل إلا بالقوة لا بالفعل، لأنه ليس في الأزل
مكلف يعبده تعالى ولا أنعم على أحد في الأزل بنعمة يستحق بها العبادة حتى أنهم
قالوا في الأثر الوارد: يا قديم الإحسان: إن معناه أن إحسانه متقادم العهد لا
أنه قديم حقيقة كما جاء في الكتاب العزيز (حتى عاد كالعرجون القديم) أي الذي قد
توالت عليه الأزمنة المتطاولة. وعلى هذا النحو يمضى ابن أبي الحديد
يعرض شرح الراوندي جزءاً جزءاً وينقض هذا الشرح جزءاً جزءاً. وهذه المناقضة لا شك تثير حول الأصل نقطاً
يتولاها بالجلاء والوضوح، فهي على هذا جزء مكمل
لشرح ابن أبي الحديد. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
ابن أبي
الحديد : الاستطراد حول آراء نقدية أوآراء للمتكلمين ترى مثله حول الوقائع
والأيام والرجال
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
فحين يعرض ابن أبي الحديد لشرح كلمة من كلام علي بن أبي
طالب لأبنه محمد بن الحنيفة لما أعطاه الراية يوم الجمل. يتكلم
عن يوم الجمل، كما يترجم لمحمد بن الحنيفة ترجمة طويلة، كما يستطرد فيذكر شيئاً
عن يزيد بن الملهب لأنه خطب أصحابه يوم واسط فاقتبس كلمة من كلام علي لابنه محمد
بن الحنفية. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
شرح ابن أبي الحديد : يعد
موسوعة جامعة لشتى المعارف اللغوية والأدبية والكلامية والتاريخية والأيام وسير
الرجال.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
وبعد فإن محمد باقر يتناسى في
كتابه « روضات الجنات » جميع الشروح التي عرضت لشرح النهج ويقصر
حديثه على اثنين منها، يوازن
بينهما وبين شرح ابن أبي الحديد ناقلا عن شيخ من شيوخه:
فيقول: شرح ابن أبي الحديد على مذاق المتكلمين مع ضغث من التصوف وضغث من الحكمة. وشرح الميثم – وهويعني كمال الدين ميثم بن علي ابن
ميثم البحراني ٦٧٩ هـ. وهومطبوع – على مذاق الحكماء وأهل العرفان. وشرح الميرزا علاء الدين الحسيني الأصفهاني الملقب بكلستانه – واسم شرحه: بهجة الحدائق، وهومختصر
– على
مذاق الإخباريين. ثم قال: ابن أبي الحديد متكلم
كتب على طرز الكلام وابن ميثم حكيم كتب
على قانون الحكمة وكثيراً ما يسلط يد التأويل على
الظواهر فيما مجال لا للتأويل فيه، وابن أبي الحديد مع تسننه قد
يتوهم من شرحه تشيعه وابن الميثم بالعكس. وشرح ابن ابي الحديد كما قلت لك طبعت طبعته الأولى طبع حجر في
فارس سنة ١٢٧١ هـ في مجلدين وطبعت طبعة الثانية في مصر بمطبعة مصطفى الحلبي سنة
١٣٢٩ هـ في أربعة مجلدات يضم كل مجلد منها خمسة أجزاء من تجزئة المؤلف. وقد شرعت دارإحياء الكتب العربية في
طبعه طبعة ثالثة أخذت فيها منذ سنة ١٣٧٨ هـ ١٩٥٨ م على
تجزئة جديدة صغيرة لا ندري كم ستستوعب من أجزاء. ولشرح ابن أبي الحديد هذا مختصر اختصره الفقيه
الجامع المولى سلطان محمود ابن غلام الطبسي. ذكر ذلك النوري شيخ هبة الدين
في مستدركه على الرسائل (ص ٨٠٥). انتهى. |
|
نبذة عن شرح
نهج البلاغة لأبن أبي الحديد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
ابراهيم الابياري
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
التعريف :ابن أبي
الحديد راجع:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
الحوادث الجامعة لابن القوطي (٧٢٣ هـ) - مجمع الآداب في معجم الأسماء والألقاب لأبن القوطى أيضاً – سير أعلام النبلاء الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان (٧٤٨) هـ (ج ١٣ ص ٣١٦) – عيون التاريخ لأبن شاكر فخر الدين محمد (٧٦٤ هـ) (وفيات ٦٥٦ هـ) – فوات الوفيات لأبن شاكر ايضاً (٣١٧:١) – البداية والنهاية لابن كثير أبي الفدا إسماعيل بن عمر (٧٧٤ هـ) (١٣:١٩٨ – ١٩٩ مطبعة السعادة) – درة الأسلاك في دولة الاتراك لابن حبيب بدر الدين حسن (٧٧٩ هـ) (وفيات ٦٥٥ هـ) – عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان اللعيني بد الدين محمود بن أحمد (٨٥٥ هـ) (وفيات ٦٥٦ هـ) – نسمة السحر في ذكر من تشيع وشعر للصنعاني يوسف بن يحيى (١١٢١ هـ) (٢٦٠ – ٢٦٢) – روضات الجنات لمحمد باقر (١٢٨٧ هـ) (٤٠٦ - ٤٠٩) – شرح نهج البلاغة (١: المقدمة، ٢: ٥٤٦، ٣٧١، ٣: ١٩٦ – ١٩٨، ٤: ٢٩ – ٣٠) – كشف الظنون – مجمع البحرين ومطلع النيرين للطريحي فخر الدين بن محمد (١٠٨٥ هـ) – مقامات النجاة في شرح أسماء الله الحسنى لنعمة الله الجزائري – الخميس في أحوال أنفس نفيس للديار بكري حسن بن محمد (٩٦٦ هـ) حوادث سنة ٦٥٦ هـ - معجم الدمياطي أبي محمد عبد المؤمن بن خلف (٧٠٥ هـ). |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
المعروف بهذه الكنية
رجلان أخوان هما موفق الدين ثم عزالدين، وثاني الرجلين هوالمقصود بالترجمة.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
والمؤرخون الذين ترجموا لعزالدين يكادون يجمعون على أنه: أبوحامد عبد الحميد بن أبي الحسن
هبة الله بن محمد بن الحسين بن أبي الحديد يذكر هذا الذهبي وابن شاكر وابن كثير والعيني والصنعاني ومحمد باقر، غير أن ابن شاكر بعد ما وافق
الجماعة في كتابه « فوات الوفيات » يعود فيخالفهم في كتابه (عيون التواريخ) فيسقط الجد الثاني « محمداً» فيقول: عبد الحميد بن هبة الله بن
محمد بن الحسين. كما يجمد ابن حبيب عند الجد الاول لا
يعدوه فيقول: عبد الحميد بن هبة الله بن محمد. ويزيد محمد باقر شيئاً ويسقط
شيئاً فيقول: عز الدين بن عبد الحميد بن أبي الحسن بهاء الدين محمد. ثم يمضي في النسب إلى أخره. وإلى جده الأعلى أبي الحديد عُزى «
عزالدين »، كما عُزى أخوه موفق الدين، فيقال لكل منها: ابن أبي الحديد، وهم يعنون عزالدين أوموفق الدين. وهذه الكتب التي ترجمت لهذا الأخ أوذاك لم تذكر شيئاً عن هذا الجد الأعلى
الذي أضفى كنيته على عقبه البعيد وظل العقب البعيد متمسكاً بها. وإن انّتهاء النسب إلى هذا الجد لا
يعدوه، والأجتزاء بذكر كنيته لا اسمه تلك الكنية التي تشعر بشيء يكاد هذا وذاك
يمليان أن هذا الجد كان على شيء، وأن هذا الشيء كان يتصل بالفتوة والبأس. وفي المدائن – مدينة بينها وبين بغداد ستة فراسخ – ولد عبد الحميد سنة ٥٨٦ – ويزيد الصنعاني فيجعل ميلاده مسّهل ذي الحجة من تلك السنة – فنسب إليها ولقب بالمدائني. على هذا جميع من أرخوا لابن أبي الحديد عز الدين. غير أن الصنعاني في « نسمة السحر »
يقول: الأنباري المولد، وهويعني أن بالأنبار – مدينة بينها وبين بغداد عشرة فراسخ – لا بالمدائن كان مولد عز الدين بن أبي الحديد. ويكاد يكون لا خلاف بين الذين أرخوا
لعز الدين في أن وفاته كانت ببغداد، وأنها كانت سنة ٦٥٦ هـ. هذا إذا استثنينا حاجي خليفة في « كشف الظنون » فهويكرر مع تكرار
كتب عز الدين أن وفاته كانت سنة ٦٥٥ هـ. ولا يعرض الكثير منهم للشهر الذي مات
فيه، مثل ابن كثير وابن شاكر والعيني وابن حبيب، غير أن الذهبي في كتابه « سير أعلام النبلاء » يجعل وفاته في جمادي الآخرة من تلك
السنة فيقول: فمات الوزير ابن العلقمي، فتوفى بعده الموفق بأربع ليال في
نحوالخامس من جمادي الآخرة سنة ست وخمسين ومائة، فرثاه أخوه العز فقال:
فما عاش العز بعد أخيه إلا أربعة عشر
يوماً. ويكاد قول الذهبي لا يبعد كثيراً عن
قول ابن القوطي، يقول ابن القوطي وهويذكر أحداث سنة ٦٥٦هـ: فتوفى الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي
في مسّهل جمادي الآخرة. ثم يعود فيقول، وهويذكر المتوفين في
تلك السنة: توفى الوزير مؤيد
الدين محمد بن العلقمي في جمادي الآخرة ببغداد، والقاضي موفق الدين
أبوالمعالي القاسم بن أبي الحديد المدائني في
جمادي الآخرة، فرثاه أخوه عز الدين عبد الحميد بقوله – وذكر الأبيات – فعاش عز الدين بعد أخيه أربعة عشر يوماً. فابن القوطي والذهبي متفقان على أن
وفاة العز كانت في جمادي الآخرة بعد وفاة الموفق بأربعة عشر يوماً، وقد عين ابن القوطي اليوم الذي توفى فيه ابن العلقمي وأنه توفي في مستهل جمادي الآخرة، كما قد عين الذهبي اليوم الذي توفي فيه الموفق أخوالعز، وأنه توفى في نحوالخامس من هذا الشهر، أعني جمادي الآخرة. ونستطيع نحن في ضوء هذا التعيين وذاك أن نعين اليوم الذي توفي فيه عز الدين، ونرى أنه توفى في نحوالعشرين من جمادي
الآخرة. غيرأن ثمة ما يثير شكا حول هذا الذي
قدمناه، فالذهبي ينقل عن معجم شيخه الدمياطي فيقول: وفي معجم شيخنا الدمياطي أن موت الموفق في رجب، ولكنه – أعنى الذهبي – لا يترك هذا الرأي يمر دون أن يعقب عليه فيقول: والأول أصح، وهويعني ما ساقه وسقناه نحن عنه من أن
موت الموفق كان في الخامس من جمادي الآخرة. وبعد الذهبي نجد صاحب كتاب « نسمة السحر » يقول: «وذكرالديار بكري والذهبي أن الشيخ أبا حامد المذكور توفي قبل دخول التتار بغداد بنحوسبعة عشر يوماً وسلمه الله من شرهم، رحمه الله تعالى ». والمعروف أن دخول التتار
بغداد كان في الحرم من سنة ٦٥٦ هـ، وأنهم قتلوا المستعصم:
آخرالخلفاء العباسين في صفر، وأنهم أبقوا على
وزيره ابن العلقمي. ثم لا
خلاف بين المؤرخين على أن الموفق مات بعد ابن
العلقمي. وبعد هذا فيكاد شعر عزالدين يرد على صاحب «نسمة السحر » ما ادعى.
ففي هذا الشعر الذي رثى به عز الدين
أخاه الموفق ذكرلابن العلقمي وأنه توفي قبل أخيه بقليل، حيث يقول: ووفيت للمولى الوزير فلم تعش من بعده
شهراً ولا اسبوعاً وغير هذا فإن الديار بكري في كتابه « الخميس في أحوال كل نفيس » (٢: ٣٧٧)لم
يذكر شيئاً عن وفاة أبي حامد وإنما قصر الحديث على وفاة ابن العلقمي وأنه مات مقتولا قتله هولاكو في أوائل سنة سبع وخمسين وستمائة. وهذا الذي قاله الديار بكري قاله من قبله ابن شاكر في « الفوات »
(٢: ١٨٨) وهويترجم لابن
العلقمي، وكذا ابن تغرى بردى (٨٧٤ هـ) في كتابه (المنهل الصافي). فهذا أحد رجلين يذكر صاحب «نسمة السحر » أنه نقل عنهما ما نقل من أن وفاة
أبي حامد كانت قبل دخول
التتار بغداد، وهوالديار بكري وهذا ما عنده. أما ثاني الرجلين اللذين يذكر صاحب « النسمة السحر» أنه نقل عنهما، فهوالذهبي. وقد سقنا إليك ما قاله الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء،
وثمة كتابان آخران للذهبي في التاريخ هما: تاريخ الإسلام، ومخطوطته تفقد هذه
الحقبة الزمنية، وثاني الكتابين « العبر في تاريخ من غبر ». وبين يدي المجلد الأول منه طبعة
الكويت وينتهّي إلى حوادث
سنة ٥٠٠ هـ. وما نظن الذهبي قال في هاتين غير ما قاله في كتابه الأول:
سير أعلام النبلاء. وبعد هذا فالقول بأن عز الدين مات قبل دخول التتار بغداد قول مردود، ولكنه نقلنا
إلى جديد، وهوأن وفاة العز كانت في سنة ٦٥٧
هـ، إن كنا نميل إلى ذاك الترتيب في الوفيات: سبق ابن العلقمي، ثم ثنى الموفق، ثم جاء في إثرها عز
الدين. غير أننا نرجح ما ساقه مؤرخان سابقان أقرب إلى عصر صاحب الترجمة وهما ابن القوطي « ٧٢٣ هـ » والذهبي
«٧٤٨» لا سيما أن هذا الأخير ساق شيئاً عن شيخه
الدمياطي في معجمه ثم أبطله، مما
يؤكد أنه متثبت مما يقول. وماندري كم كانت أعوام ابن أبي حديد
بالدينور مسقط رأسه. ولكنا نكاد نعرف أنه لم يغادرها إلى بغداد قبل عام أحد عشر
وسّتمائة، وهوالعام الذي ألف
في شهوره القصائد السبع العلويات. وفي العام ذلك يقول ابن القوطي: نظمها في صباه وهوبالمدائن في شهور سنة إحدى عشرة وسّتمائة. وما ندري هل بقي ابن أبي حديد في المدائن مرة أخرى أم تركها إلى بغداد دون أن يلبَّث. إن المراجع التي بين أيدينا لاتكاد
تعطي شيئا. ولكنا نجد ابن أبي الحديد نفسه في
مقدمته لكتابة « الفلك على المثل السائر (يقول: إن جماعة من أكابر الموصل قد حسن ظنهم في هذا الكتاب جداً)
– يعني: (المثل السائر) لابن الأثير الموصلى - وتعصبوا له حتى فضلوه
على أكثر الكتب المصنفة في هذا الفن وأوصلوا منه نسخاً معدودة إلى مدينة السلام،
بغداد، وأشاعوه وتداوله كثير من أهلها، فأعترضت عليه بهذا الكتاب وتقربت به إلى
الخزانة الشريفة المقدسة النبوية الإمامية المستنصرية - وهويعنى خلافه المستنصر الذي ولى الخلافه سنة
ثلاث وعشرين وستّمائة ومات سنة أربعين وستّمائة. ولكن ابن أبي الحديد يزيدنا بياناً في المقدمة بعد هذا فيقول: وهذا الكتاب وقع إلى في غرة ذي الحجة من سنة ثلاث وثلاثين وستّمائة فتصفحته أولا في ضمن الأشغال
الديوانية التي أنا بصددها. إذن فلقد كان أبي الحديد في بغداد في هذا العام عام ٦٣٣ هـ
وكان عندها صاحب وظيفة في الديوان. وحديث ابن أبي الحديد قبلُ، الذي
يشير فيه إلى أنه بغى من تأليفه الكتاب التقرب إلى الخزانة الشريفة، يكاد يشعر
بأنه كان قريب عهد بالديوان الخليفي، ولكنه لا يدلنا على أنه كان قريب عهد ببغداد،
فقد يكون بلغها قبل ذلك العالم بأعوام. والمقطوع به أن أبي
الحديد لم يبرح المدائن إلا بعد أن بلغ الخامسة
والعشرين، فأنت تعرف أن مولده كان سنة ٥٨٦ هـ وأنه نظم
قصائده السبع بالمدائن في شهور ستة إحدى عشرة
وستّمائة، أي أن سنه كانت عندها تبلغ الخامسة والعشرين أوتزيد عنها شيئاً. وما ندري بعدها – كما حدثتك – كم لبث ابن أبي الحديد بالمدائن، وهوعلى كل حال لم يترك المدائن
إلا بعد إن جاوز سن التحصيل. ثم يقربنا ابن أبي حديد شيئاً مما نريد فيقول في شرحه لنهج البلاغة (٤: ٤١) وكنت كاتباً بديوان الخلافة – يعنى خلافة المستنصر – والوزير حيئنذ نصر الدين أبوالأزهر أحمد بن الناقد فوصل إلى حضرة الديوان في سنة الاثنتين
وثلاثين وستّمائة. ونجد ابن القوطي في كتابه « الحوادث
الجامعة » يذكر أن أبا الأزهر هذا وزر للمستنصر سنة تسع وعشرين وستّمائة، وأنه في شوال من سنة ٦٣٠ هـ كان فَتْح إربل، وأن الشعراء حضروا
إلى الديوان. ثم عد من الشعراء للقاضي أبا المعالي القاسم بن أبي الحديد المدائني. وذكر له
شعراً، ثم أخاه عزالدين عبد الحميد الكاتب وذكر له شعراً. وهذا يفيدنا أن عبد
الحميد كان كاتباً في الديوان في ذلك العالم –
أعني ٦٣٠ هـ - وإلا ما أطلق عليه ابن القوطي لقب
الكاتب. ولكن ابن القوطي يعود فيقول، وهويودع
أيام المستنصر: فلما استوزر نصر الدين بن الناقد تولى الأمور بنفسه ورتب بين يديه كاتباً: العدل ناصر الدين ابن رشيد
المخزومي، ثم بعد الجمال عبدالله بن جعفر، ثم
العدل أبا المعالي القاسم بن أبي الحديد المدائني إلى آخر أيامه، أي إلى سنة ٦٤٢ هـ وهي السنة التي مات فيها. ولم يذكر عزالدين عبدالحميد بين كتاب
الوزير نصيرالدين بن الناقد. غير أن هذا لا يدفع ما صرح به عزالدين من أنه كان كتاباً للوزير نصير الدين، ولي الكتابة مبكراً في
سنة ٦٣٠ هـ كما قلنا، والمرجح أنه بقى موصولا
بالديوان وبالوزير نصير الدين إلى مؤيد الدين أبوطالب محمد بن أحمد في الوزارة
نصيرالدين وصل عزالدين ابن أبي الحديد حبله بحبله ورأيناه يهدي إليه كتابه «شرح نهج البلاغة » الذي كان عن تكليف من ابن
العلقمي فيما يظهر، إذ يقول ابن أبي الحديد في مقدمته، وهويخاطب ابن العلقمي: (لما شرفت عبد
دولته، وربيب نعمته، بالأهتمام بشرح نهج البلاغة). وكان هذا التكليف في غرة رجب من سنة أربع وأربعين وستّمائة أي بعد تولي ابن العلقمي الوزارة بنحوعام. وما نظن ابن أبي الحديد
خرج عن الديوان الخليفي إلا مع خروج ابن العلقمي
حين مات، كما أشرت إلى ذلك من قبل. ولقد كان لابن أبي الحديد عزالدين شيوخ ذكر منهم صاحب « نسمة السحر » اثنين وهما: عبدالوهاب ابن سكينة البغدادي، وعمر
بن عبدالله الدباس، وذكر الذهبي له تلميذين هما: علي بن أنجب المعروف بابن الساعي (٦٤٧ هـ) صاحب الجامع المختصر في عنوان
التاريخ وعيون السير. وقد ذكر ابن كثير
وهويترجم لابن أبي الحديد (١٣: ١٩٩ – ٢٠٠) أن ابن الساعي هذا أورد له كثيراً من مدائحه وأشعاره الفائقة
الرائقة. غير أن جل هذا الكتاب – أعني كتاب ابن الساعي لايزال
إلى اليوم مفقوداً ولم يعثر منه إلا على قطعة صغيرة تضم
حوادث عشرين سنة من سنة ٥٩٧ هـ ٦٠٦ هـ وثاني
التلميذين اللذين ذكرهما الذهبي هوالدمياطي
أبومحمد عبدالمؤمن بن خلف، وكان شيخاً للذهبي،
وله معجم كان
أبي الحديد من بين من انتظمهم هذا المعجم ترجمة وتعريفاً. ونستطيع أن نضم إلى شيوخ ابن أبي
الحديد شيخاً آخر كان بمنزلة الأستاذ الروحي
لابن أبي الحديد وهذا الشيخ الروحي هوابن العلقمي الوزير، فلقد كان على حظ من علم
وأدب وكان له أثر فيمن حوله من أدباء وعلماء
وشعراء إنعاشاً واحياءاً بهباتها ورأيه. وكان
صاحب مكتبة كبيرة أنشأها في داره وكانت تضم نحواً من عشرة آلاف مجلد من نفائس الكتب كان يفيد منها المختلفون إليها لا شك. وفي ذلك يقول موفق الدين القاسم بن
أبي الحديد، أخوعزالدين:
وما نظن ابن أبي الحديد عزالدين إلا قد وصل حبله بحبل ابن العلقمي منذ حل بغداد هووأخوه، وما نظن عزالدين وموفق الدين إلا انتفعا بجاه ابن العلقمي كما انتفعا بعلمه منذ أن حلا بغداد، فلقد كان ابن العلقمي موصولا بالديوان الخليفي
قبل أن يكون وزيراً، فقد كانت إليه
أستاذية منذ ولى نصير الدين الوزارة سنة ٦٢٩ هـ. فقد رأينا الأخوين ابني أبي الحديد لا ينفكان يهنئانه ويثنيان عليه مع المناسبات، فحين أهدى الخليفة إلى ابن العلقمي بغلة انبرى موفق الدين
أخوعزالدين يقول:
(دلّدل:
بلغة الرسول صلى الله عليه وسلم). وحين ردت جيوش التتار عن بغداد سنة ٦٤٣ هـ وكان الوزير ابن العلقمي
قال عزالدين:
وهذا البيت الثالث يدلك على قدم صلة
عزالدين بابن العلقمي من قديم كما قلنا. وقد مر بك طرف مما كتبه عزالدين في مقدمته على شرح نهج البلاغة مشيراً إلى ابن العلقمي، وثمة شيء آخر كان أقوى من جاه ابن العلقمي وعونه وصل
بينه وبين عزالدين، وهو الرأي الذي دان به ابن العلقمي ودان به معه عز الدين، فقد كان ابن العلقمي شيعياً رافضيا، أي من الذين رفضوا زيد بن على حين أبي عليهم أن يبرأ من الشيخين. وكان عزالدين
شيعياً أول أمره. وفي ذلك يقول ابن كثير: وكان حظيّا – يعني عزالدين – عند الوزير ابن العلقمي لما بينهما من المناسبة والمقاربة والمشابهة في التشيع. وذكر هذا ايضاً العيني
في (عقد الجمان). وما خالف ابن أبي الحديد ولي نعمته كثيراً حين أصبح ابن أبي الحديد معتّزلياً جاحظياً، فمن المعتزلة من يجعلون أفضل الأمة بعد نبيها أميرالمؤمنين علي بن ابي طالب، يقولون أن علياً كان على الصواب وأن من حاربه فهوضال. والجاحظ الذي تنسب إليه
الجاحظية من القائلين بأن
الإمامة لا يستحقها إلا
الفاضل على كل حال ولاّ يجوز أن تصرف إلى المفضول ما وجد الفاضل. ويفسر لك هذا أبيات عزالدين التى قالها
في ابن العلقمي، حين فرغ من تصنيف الكتاب وأنفذه على يد أخيه موفق
الدين، ولم يحمله هوإليه، لا ندري لم، فبعث له ابن
العلقمي بمائّة دينار وخلعة سنية وفرس، فكتب
عزالدين:
فعز الدين هنا يصرح بما ناله من فضل وخير من العلقمي وآله كان له أثره في توثيق ما بينه
وبين ابن العلقمي، كما يشير إلى صلة وثقى هي الرأي الجامع على حب علي وآله. والأشعري الذي يذكره ابن
أبي الحديد هوعلي ابن إسماعيل بن إسحاق أبوالحسن
الأشعري (٣٢٤ هـ) مؤسس مذهب الأشاعرة، وكان من قبل ذلك معتّزليا ثم خرج عليهم.
وكتابه « إمامة الصديق » ينبئك بما كان ينادي
به رأي من يخالف رأي الشيعة والمعتزله في إمامة علي. ويكاد ابن أبى الحديد في بيته «وزيغ الأشعري»، يعطينا الدليل على تلك التلمذة التي أدعيناها من قبل حين ضممنا ابن العلقمي إلى شيوخ ان
أبى الحديد. وهكذا لم يُبعد ابن أبى الحديد اعتّزالُه عن ابن العلقمي
في تشيعه، فالمعتزلة والشيعة سواء في تفضيل « علي » كما لم
تبعد جاحظية ابن أبى الحديد به عن ابن العلقمي في
رافضيته، إذ الرافضة كما علمت يرفضون زيد بن علي لأنه لم يرفض الشيخين والجاحظية لا ترفضه، ولكنها
– أعني الرافضية والجاحظية – متفقان على علي [الحور العين لنشوان الحميري.]. وهكذا كان عزالدين محبأ لآل البيت. خرج بهذا الحب من المدائن يعمر به
قلبه ويلهج به لسانه وحسبك قصائده السبع العلويات التي أتم نظمها سنة ٦١١ هـ ومما يدل على غلوه في تشيعه قوله في الإمام علي:
بهذا المعتقد خرج عزالدين من المدائن، وحين لقى ببغداد ابن العلقمي ورآه يدين
بما دان به لف حبله بحبله يفيد من رأيه ويفيد
من جاهه ويفيد من مكتبته. وهذا الاعتزال الذي عرف بابن ابى الحديد قديم
قدم تشيعه، صرح به فى قصيدته العينية من القصائد السبع العلويات
التى نظمها سنة ٦١١ هـ قبل أن يصرح به في أبياته
التي وجهها إلى ابن العلقمي سنة تسع وأربعين
وستمائة، وهي السنة التي فرغ فيها من تأليف
كتابه شرح نهج البلاغة، فلقد قال في عينيته: ورأيت دين الاعتزال وأني أهوى لأجلك كل
من يتشيع. ويكاد ابن أبي الحديد يشير في قصيدته تلك إلى أن هذا كان
رأى بيته وبه يدين أهله ومن أجله عاشوا مجاهدين، وذلك حين يقول:
ويقول عنه محمد باقر:كان موالياً لأهل بيت العصمة
والطهارة وإن كان في زي أهل السنة والجماعة منصفاً غاية الإنصاف في المحاكمة بين
الفريقين ومعترفاً في ذلك المصاف بأن الحق يدور مع والد الحسنين. ويقول الطريحي: وابن أبى الحديد في الأصل معتزلي يستند إلى المعتزلة مدعياً أنهم يستندون إلى شيخهم أمير المؤمنين علي في العدل والتوحيد. ولقد كان ابن أبي الحديد ورعا أشد
الورع يكثر من مناجاته لربه، وله في ذلك
أشعار كثيرة منها:
ومنها:
ثم هوبعد ذلك كان عالماً متبحراً له
مؤلفات انفرد بذكر أكثرها ابن القوطي، ونقل عنه محمد باقر وزاد ابن شاكر شيئاً وحاجي
خليفة شيئاً آخر، وها هي ذي كتبه مستقاة من تلك المصادر: ١- الاعتبار على كتاب الذريعة في
أصول الشريعة للمرتضى أبي القاسم علي بن الحسين (٤٣٩ هـ)، ذكره ابن القوطي وذكر أنه في ثلاث
مجلدات ونقله عنه هذا محمد باقر. ٢- انتقاد المستصفى للغزالي أبي حامد محمد بن محمد (٥٠٥
هـ)، وكتابه المستصفى هذا في أصول الفقه
عنى به بعد الغزالي أكثر من واحد شرحاً وتعلبقاً واختصاراً. وقد ذكر« الانتقاد »
هذا ابن القوطي، وتبعه محمد باقر. ولم يعرض له حاجي خليفة وهو يعرض (المستصفى). ٣- الحواشي على كتاب المفصل، في
النحوللزمخشري أبي القاسم محمود بن عمر (٥٣٨
هـ). ذكره ابن القوطي وحده ولم يعرض له
حاجي خليفة فيما عرض من شروح وتعليقات وتحشيات على كتاب المفصل ذاك. ٤- شرح المحصل للرازي. ذكره ابن
القوطي ونقله عنه محمد باقر، وهوكما في كشف الظنون: محصل أفكار المتقدمين
والمتأخرين من الحكماء والمتكلمين للإمام فخر الدين محمد بن عمر الرازي (٦٠٦ هـ). والكتاب كما يشير عنوانه يشتمل على
أحكام الأصول والقواعد. ذكر هذا الشرح ابن القوطي ونقل عنه محمد باقر. وذكره
حاجي خليفة وقال: وعليه تعليقة لعزالدين عبد الحميد. ٥- شرح مشكلات الغرر لأبي الحسن محمد بن علي البصري (٤٦٣
هـ). ذكره ابن القوطي ونقله عنه محمد
باقر. كما ذكره حاجي خليفة باسم « غرر الأدلة » ولم يشر إلى شرح مشكلته. ٦- شرح بالوفيات لابن نوبخت، في
الكلام. ذكره ابن القوطي ونقل عنه محمد باقر. ٧- العبقري الحسان. ذكره ابن القوطي
فقال: وهوكتاب غريب الوضح قد اختار فيه قطعة وافرة من الكلام والتواريخ والأشعار
وأودعه شيئاً من إنشاء ومنظوماته. وقد نقل عنه محمد باقر. ٨- الفلك الدائر على المثل السائر
لابن الأثير. ذكره ابن القوطي وابن شاكر وابن حبيب ونقله عنهما محمد باقر. والكتاب اسمه: المثل السائر في أدب
الكاتب والشاعر، لضياء الدين نصر الله بن محمد بن محمد ابن محمد بن عبدالكريم بن
الأثير الجزري (٦٣٧ هـ) وقد ذكر حاجي خليفة وهويعرف بكتاب ابن الأثير كتاب
عزالدين هذا فقال: وصف عزالدين وهوعبد الحميد بن هبة الدين محمد المدائني
المعتزلي الشيعي أن لأبي الحديد كتاباً سماه الفلك الدائرعلى المثل السائر ثم
ذكر شيئاً من أوله. وكتاب ابن أبي الحديد هذا مطبوع.وهوكتاب صغير. وقد سقنا
شيئاً من مقدمته، وأنه ألفه للمستنصر بدأ فيه في ذي الحجة سنة ٦٣٣ هـ وفرغ منه
في خمسة عشرة يوماً. ٩- القصائد السبع العلويات. ذكرها ابن القوطي وحده، وقد طبعت
ومعها القصيدة الأزرقية لمحمد كاظم. ١٠- نظم فصيح ثعلب أبي العباس أحمد
بن يحيى (٢٩١ هـ). ذكره ابن شاكر وابن حبيب كما ذكره حاجي خليفه وهويعرض فصيح
ثعلب فقال: ونظمه القاضي شهاب الدين محمد بن أحمد الخولي المتوفى سنة ٦٩٣ هـ
وعزالدين عبد الحميد بن هبة الله المدائني. ١١- نقض المحصول في علم الأصول. كذا
ذكره ابن القوطي وكما ذكره ابن القوطي نقله محمد باقر. وذكره حاجي خليفة باسم:
المحصول في أصول الفقه لفخر الدين محمد بن عبدالله الرازي (٦٠٦ هـ). ثم قال:
وعلق عليه أحمد بن عثمان بن ضبيع الجوزجاني (٧٤٤ هـ) وكذا عز الدين عبدالحميد بن
هبة الله المدائني المعتزلي. ١٢- الوشاح الذهبي في العلم الأبي.
ذكره ابن القوطي ونقله عنه محمد باقر. ١٣- ديوان الشعر. ذكره ابن شاكر. ١٤- المستنصريات – جاءت في مقدمة الطبعة الجديدة من شرح النهج. وفيها: كتبها برسم
الخليفة المستنصر. ومنها نسخة بمكتبة النجف. ١٥- زيادات النقيضين (زيادات
التقصير) – جاء ذكره على لسان ابن أبي الحديد (انظر ص ١٣٧ من هذا المقال). ولم يذكره مرجع من المراجع. وبعد هذه كلها: شرح نهج البلاغة. وهوما
سنتحدث عنه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
شرح نهج البلاغة يعد أجل عمل قام به ابن أبي الحديد عز الدين عبد الحميد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
وهذا الكتاب يعد أجل عمل قام به عز الدين عبد الحميد. لم
يسكت عنه واحد ممن أرخوا له، هذا إذا استثنينا الذهبي في كتابه « سيرأعلام
النبلاء» فإنه لم يعرض لمؤلفات ابن أبي الحديد من قرب أومن بعد، وابن حبيب في «درة
الأسلاك » فإنه لم يذكر « غير الفلك الدائر »، ثم هم حين ذكروا هذا المؤلف
أفردوه بالإعجاب من بين كتبه الأخرى. يقول ابن القوطي في كتابه (معجز الآداب):وقد
احتوى هذا الشرح على ما لم يحنوعليه كتاب من جنسه. ويقول ابن يحيى في كتابه « نسمة السحر»: جمع
فيه العجائب ودلّ على فضله وغزارة مادته. ويقول محمد باقر في كتابه روضات الجنات: وحسب
الدلالة على علومنزلته في الدين وغلوه في ولاية أمير المؤمنين شرحه الشريف
الجامع لكل نفيسة وغريب الحاوي لكل نافحة ذات طيب من الأحاديث النادرة والأقاصيص
الفاخرة والمعارف الحقانية والعوارف الإيمانية. والكتاب مجزأ إلى عشرين جزاً. ذكر ذلك ابن القوطي وابن
شاكر في كتابه الفوات وعيون التواريخ والعيني في كتابه عقد الجمان، وتبعهم حاجي
خليفة في كتابه كشف الظنون. غير أنهم جميعاً جعلوه عشرين مجلداُ لا عشرين جزءا، على حين نجد المؤلف ابن أبي الحديد يسمى التقسمة أجزاء لا
مجلدات. فيقول: انتهى الجزء الأول، وحين
يختم كتابه يقول: آخر الجزء العشرين وبه تم
الكتاب. وثم مؤرخ متأخر وهوصاحب « نسمة السحر » يخرج على
هذا الإجماع فيقول:
في نحوأربع مجلدات. وظاهر أن ثمة صلة بين هذه التجزئة والتجزئة التي يخرج بها
الكتاب مطبوعاً في مصر سنة ١٣٢٩ هـ، على حين أن
هذه الطبعة المصرية جاءت لاحقة لطبعة حجر في فارس كانت سنة ١٢٧١ هـ خرجت في
مجلدين. وقد ذكر ابن أبي الحديد في مقدمة كتابه (١: ٢) أنه لم يشرح هذا الكتاب – يعني: نهج البلاغة – قبله فيما يعلم غير واحد. هو سعيد بن هبة الله
بن الحسن، المعروف بالقطب الراوندي (٥٧٣ هـ). |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
الشيخ هبة الدين
الشهرستاني الحسيني يذكر شراحاً سبعة سبقوا
ابن أبي الحديد وهم كما ذكرهم:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
ولكن الشيخ هبة الدين الشهرستاني الحسيني يذكر في كتابه « ما هونهج
البلاغة » نقلا عن شيخه النوري (١٣٢٠ هـ). شراحاً سبعة سبقوا ابن أبي الحديد وهم كما ذكرهم: ١- أبوالحسن البيهقي على بن زيد بن محمد (٥٦٥ هـ). ٢- الإمام فخر الدين الرازي محمد بن عمر بن الحسين (٦٠٦ هـ)
ذكر له القفطي في كتابه تاريخ الحكماء هذا الشرح وهويترجم له وقال: إنه لم يتمه. ٣- القطب الراوندي. وقد سمى شرحه: منهاج البراعة، في مجلدين. ٤- القاضي عبد الجبار. ٥- الحسن بن علي بن أحمد الماهابادي، شيخ الشيخ منتجب الدين
صاحب الفهرست. ٦- أبوالحسن محمد بن الحسين بن الحسن البهقي الكيدري. واسم
شرحه: الإصباح. فرغ من تأليفه سنة ٥٧٦ هـ. ٧- شرح آخر قبل شرح الكيدري يسمى: المعراج. ولقد أحصى الشيخ النوري من شروح هذا الكتاب ستاً وعشرين بما
فيها شرح ابن
أبي الحديد، وزاد عليه تلميذه هبة
الدين تسعة عشر
شرحاً، منها ماهوبالفارسية، وهو
شرح فتح الله بن شكر الله الكاساني. وقد سماه: تنبيه
الغافلين وتذكرة العارفين. والكتاب كما يملي عنوانه شرح لكتاب آخر هونهج البلاغة الرضي محمد بن الحسين (٤٠٦ هـ)، لا للشريف المرتضى أخيه، كما
يتوهم البعض. ولقد وقع في هذا الخطأ جملة من الذين شغلوا بفهرسة الكتب العربية
منهم إدوارد فانديك في كتابه: اكتفاء القنوع. وحاجي
خليفة في كتابه كشف الظنون. فقد نسبه هوالآخر للشريف المرتضى مع شك في هذه النسبة، وأثبت بعض فهارس دور الكتب العامة هذا الخطاء منها فهارس دار الكتب المصرية. ومرد هذا الخطأ إلى أن الشريف الرضي كان يلقب هوالآخر بالمرتضى، احتفاظاً بلقب الجد إبراهيم بن موسى بن جعفر، الذي كان يلقب بالمرتضى، وبقى الأخوان
محمد وعلي يلقب كل منهما بالمرتضى إلى أن أصبح محمد نقيباً
على نقباء العلويين فلقبوه الرضي ليتميز عن بقية آل
المرتضى. هذا والأسانيد متواترة على صحة نسبته إليه – أعني التي كتبت بخطه لا تزال موجودة[ما
هونهج البلاغة » (ص ٨).] ولقد
جمع الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فاستوعب مائتين واثنتين
وأربعين (٢٤٢) خطبة، وثمانية وسبعين كتاباً، وثمانية وتسعين وأربعمائة (٤٩٨)
حكمة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
الرضي جمع ذلك كله عن
مؤلفين سبقوه إلى جمع الكثير من هذه الخطب، منهم:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
١- الكليني محمد بن يعقوب (٣٢٨ هـ) في
كتابيه: الكافي والرسائل. ٢- محمد بن بابويه القمي (٣٨١ هـ). ٣- أحمد بن عبد ربه (٣٢٧ هـ) في
كتابه: العقد الفريد. ٤-الآبي أبوسعيد منصور (٤٢٢ هـ) في
كتابه: نثر الدرر. وقد ذكر المسعودي (٣٤٦ هـ) أن الخطب المنقولة عن أمير
المؤمنين علي عليه السلام هي أربعمائة ونيف وثمانون خطبة. والطاعنون
في نسبة هذه الخطب كلها أوبعضها إلى الإمام علي، وعلى
رأسهم الذهبي أبوعبدالله محمد بن أحمد (٧٤٨) حيث يقول في
كتابه: « ميزان الاعتدال » ومن طالع كتاب نهج البلاغة جزم بأنه
مكذوب على أميرالمؤمنين علي رضي الله تعالى عنه، فإنه فيه السب
الصريح للسيدين: أبي بكر وعمر. ويشير الذهبي بهذا – مع غيره من المتشككين في نسبة الكتاب – إلى الخطبة
الشقشقية التي تحدث فيها على عن الخلافة وتولي أبي بكر لها ثم عمر وما فيها
من صراحة ألفت عن علي حين كان يرى الحق في جانبه. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
هذه الخطبة (الشقشقية)
رواها
قبل الرضي جملة منهم:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
١- شيخ المعتزلة أبوالقاسم البلخي (٣١٧
هـ). وقد
ذكره ابن أبي الحديد في شرحه للشقشقية. ٢- أبوجعفر بن قبة (المائة الثالثة) وقد
ذكره ابن أبي الحديد كذلك في شرحه للشقشقية. ٣- أحمد بن محمد البرقي (٢٧٤ هـ) وقد
أورد هذه الخطبة في كتابه: علل الشرائع، وهومطبوع. ٤- عبد العزيز بن يحيى الجلودي (القرن
الثالث) في كتابه: معاني الأخبار. وهومطبوع. ٥- أبوعبدالله محمد بن محمد بن النعمان المفيد، وهومن شيوخ
الرضي، وروى هذه الخطبة في كتابه: الإرشاد، وهومطبوع. ٦- الجبائي محمد بن عبد الوهاب (٣٠٣ ه) في
كتابة الفرقة الناجية وقد عرض ابن أبي الحديد لدفع
هذا الطعن في شرحه (ج: ٥٤٦ هـ) بكلام
طويل نقتطع منه: كثير من أرباب الهوى يقولون: إن
كثيراً من نهج البلاغة كلام محدث صنعه قوم من فصحاء الشيعة وربما عزوا بعضه إلى
الرضي أبي الحسن وغيره. وهؤلاء قوم أعمت العصبية أعينهم فضلوا
عن النهج الواضح ». والكلام في هذا كثير إن شئت عنه تفصيلا فارجع
إلى كتاب « ما هونهج البلاغة » لهبة الدين الشهرستاني، و«علي »
للأستاذ أحمد صفوت. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
مقدمة ابن الحديد : يشير إلى ذلك حين يقول:
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
وهذا الشرح – شرع فيه
أبي الحديد بتوجيه الوزير ابن العلقمي في غرة شهر رجب من
سنة أربع وأربعين وستمائة (٦٤٤ هـ) وفرغ منه في سلخ شهر صفر من سنة تسع
وأربعين وستمائة (٦٤٩ هـ) أي إنه أتمه في نحومن
خمس سنين وهي مقدار مدة خلافة أمير المؤمنين
عليه السلام، كما يقول ابن أبي الحديد. وظاهر أن ابي الحديد كان مشغولا بنهج البلاغة صغيراً وأنه
كانت له حوله محاولات ضئيلة لا تعدوذكر الغريب، يدل على ذلك قوله في مقدمته: وشرع فيه
– وهو
يعني نفسه – بادي
الرأي شروع مختصر، وعلى ذلك الغريب والمعنى مقتصر. غير أنه رأى هذا لا يجزئ ولا يتفق، وذاك
التكليف تكليف ابن العلقمي، فعدل عنه إلى غيره مما فيه إطالة
وبيان، وهويشير إلى ذلك في مقدمته حين يقول: فرأى أن هذه النغبة – الجرعة – لا تشفي أواما، ولا تزيد الحائم إلا
حياما، فتنكب ذلك المسلك، ورفض ذلك النهج وبسط القول في شرحه بسطاً، اشتمل على:
الغريب، والمعاني، وعلم البيان، وما عساه يشتبه ويشكل من إلاعراب والتصريف،
وأورد في كل موضع ما يطابقه من النظائر والأشباه نثراً ونظماً، وذكر ما يتضمن
السير والوقائع والأحداث فصلا فصلا، وأشار إلى ما ينطوي عليه من دقائق علم
التوحيد والعدل إِشارة خفية، ولوح إلى ما يستدعي الشرح ذكره من الأنساب والأمثال
والنكت تلويحات لطيفة، ورصعه من المواعظ الزهدية والزواجر الدينية والحكم
النفسية وآداب الخليقة المناسبة لفقره والمشاكلة لدرره والمنظمة مع معانيه في
سمط. وأوضح ما يومىء إليه من المسائل الفقهية، وكشف عن مقاصده عليه السلام في
لفظة يرسلها ومعضلة يكنى عنها وغامضة يعرض عنها . كل هذا ضمنه ابن أبي الحديد شرحه
معقباً في مواضع منه عى القطب الراوندي سعيد بن هبة الله بن
الحسن في
شرحه، وهوالشرح الذي يقول ابن أبي الحديد: أنه
لم يسبق إلا به وذلك حين يقول في مقدمته: وقد تعرضت في هذا الشرح
لمناقضته في مواضع يسيرة اقتضت الحال ذكرها، وأعرضت عن كثير مما قاله لم أر في
ذكره ونقضه كثير فائدة. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
تمهيد
ابن أبي الحديد لشرحه
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
وابن أبي الحديد قبل أن يأخذ في الشرح مهد بذكر: ١- أقوال أصحابه في الإمامة والتفضيل والبغاة والخوارج. ٢- نسب
أمير المؤمنين عليه السلام ولمع يسيرة من فضائله. ٣- نسب الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين وبعض خصائه ومناقبه. ٤- شرح خطبة نهج البلاغة التي هي من كلام الرضي. ثم أخذ في شرح كلام أميرالمؤمنين علي عليه السلام في ضوء
هذا النهج الذي رسمه يجمع تلك المعاني كلها التي أشارإليها لا يفوته شيء، مجزئاً
النص فقرا، ثم يعقب على الفقر بشرحه مشيراً إلى النص بكلمة « الأصل » وإلى كلامه
على النص بكلمة « الشرح » وفي ذلك يقول: ونجعل ترجمة الفصل الذي نروم شرحه «
الأصل » فأذا أنهيناه قلنا « الشرح » فذكرنا ما عندنا فيه. وحسبك بعد ذلك هذا
النموذج من عمل ابن أبي الحديد لتتعرف مدى جهده. ومدى
إفاضته، فهوحين يشرح خطبة للإمام علي يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق
آدم لا
تعدوكلمات هذه الخطبة تسعمائة كلمة بشرحها ابن أبي الحديد في نحوأربعين صفحة لا
تقل كلمات كل صفحة عن سبعمائة كلمة، وإذا
هويسوق الحديث عن: ١- معنى الحمد والمدح والشكر. ٢- رؤية الباري تعالى في الاخرة والرد على الأشاعرة. ٣- كمال معرفة الباري والتصديق به. ٤- خلق السموات والأرض وبيان ما قيل في ترتيب خلقها. ٥- تعريف الملائكة وأنسابهم. ٦- رؤساء الملائكة عند أهل الملة والفلاسفة وصفة خلق آدم. ٧- خلق آدم عليه السلام وسجود الملائكة الإ إبليس. ٨- اختلاف المسلمين واليهود والنصارى والهنود والمجوس في
ابتداء خلق البشر. ٩- بطلان تصويب إبليس والاختلاف في خلق الجنة والنار. ١٠- تفضيل الملائكة على البشر وأن إبليس من الملائكة أم لا. ١١- الميثاق المأخوذ من الأنبياء. ١٢- بيان اختلاف الناس وخصوصاً العرب في الملل والنحل. ١٣- بيان ما اشتمل عليه القرآن من الحلال والحرام والخاص
والعام. ١٤- فضل الكعبة وزائريها. فيقول: (الأصل): فمن خطبة له عليه السلام يذكر فيها ابتداء خلق السماء
والأرض وخلق آدم: (الحمدلله الذي لا يبلغ مدحه القائلون، ولا يحصى نعماءه
العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص
الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود،
فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته. ووتد بالصخور ميدان أرضه). (الشرح). الذي عليه أكثر الأدباء والتكلمين أن الحمد والمدح أخوان،
لا فرق بينهما. تقول: حمدت زيداً على إنعامه، ومدحته على إنعامه، وحمدته على
شجاعته وفهما سولء يدخلان فيما كان من فعل الأنسان، وفيما ليس من فعله، كما
ذكرناه من المثالين. فأما الشكر فأخص من المدح. لأنه لا يكون الإ على النعمة
خاصة، ولا يكون إلا صادراً من منعم، فلا يجوز أن يقال: شكر زيد عمراً لنعمة أنعمها
عمروعلى إنسان غير زيد. إن قيل: الاستعمال خلاف ذلك، لأنهم يقولون:
حضرنا عند فلان فوجدناه يشكر الأمير على معروفه عند زيد. قيل: ذلك
إنما يصح إذا كان إنعام الأمير على زيد أوجب سرور فلان، فيكون شكر إنعام الأمير
على زيد شكراً على السرور الداخل على قلبه بالإنعام على زيد، وتكون لفطة « زيد »
التي استعمرت ظاهراً لاستناد الشكر إلى مسماها كناية لا حقيقة، ويكون ذلك الشكر
شكراً باعتبار السرور المذكور ومدحا باعتبار آخر وهوالمناداة على ذلك والثناء
الواقع بجنسه. ثم إن هولاء المتكلمين الذين حكينا قولهم يزعمون أن الحمد والمدح
والشكر لا يكون إلا باللسان مع انطواء القلب على الثناء والتعظيم، فإن استعمل
شيء من ذلك في الأفعال بالجوارح كان مجازاً. وبقي الحديث عن اشتراطهم مطابقة
القلب للسان، فإن الاستعمال لا يساعدهم، لأن أهل الاصطلاح يقولون لمن مدح غيره
وشكره رياء ومسمعة: إنه قد مدحه وشكره، وأن كان منافقاً عندهم. ونظير هذا الموضع الإيمان، فإن أكثر المكتلمين لا يطلقونه
على مجرد النطق اللساني، بل يشترطون فيه الاعتقاد القلبي، فأما أن يقصروا به
عليه، كما هومذهب الأشعرية والإمامية، أوتؤخذ معه أمور
أخرى، وهي فعل الواجب وتجنب القبيح، كما هومذهب المعتزلة، ولا
يخالف جمهور المتكلمين في هذه المسألة إلا الكرامية، فأن المنافق عندهم يسمى
مومناً، ونظروا إلى مجرد الظاهر، فجعلوا النطق اللساني وحده إثماً. والمدحة: هيئة المدح: كالركبة في هيئة الركوب، وجلسة، في
هيئة الجلوس، والمعنى مطروق جد. ومنه في الكتاب العزيز كثير، كقوله تعالى « وإن
تعدوا نعمة الله لا تحصوها ». وفي الأثر النبوي: لا احصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على
نفسك. وقال الكتاب من ذلك ما يطول ذكره. فمن جيد قول بعضهم:
الحمدلله على نعمة التي منها إقدارنا على الاجتهاد في حمدها، وإن عجزنا عن إحصائها
وعدها. وقالت الخنساء بنت عمروبن الشريد:
ومن مستحسن ما وقفت عليه من تعظيم الباري عز وجل بلفظ «
الحمد » قول بعض الفضلاء في خطبة أرجوزة علمية:
فإنما ينكر من يصوره وأما قوله « الذي لا يدركه » فيريد أن
همم النظار وأصحاب الفكر، وإن علت وبعدت، فإنها لا تدركه تعالى ولا تحيط به.
وهذا حق، لأن
كل متصور فلا بد أن يكون محسوساً أومتخيلا أوموجودا من فطرة النفس. والاستقراء
يشهد بذلك. مثال المحسوس السواد والحموضة، مثال المتخيل إنسان يطير أوبحر من دم. مثال الموجود من فطرة النفس تصور الألم واللذة. ولما كان البارى سبحانه خارجاً عن هذا أجمع لم يكن متصوراً. فأما قوله « الذي ليس لصفته حد محمدود » فإنه يعني بصفته ها
هنا كنهه وحقيقته. يقول: ليس لكنهه حد فيعرف بذلك الحمد، قياساً على الأشياء
المحدودة لأنه ليس بمركب، وكل محدود مركب. ثم قال « ولا نعت موجود » أي ولا يدرك بالرسم كما تدرك
الأشياء برسومها، وهوأن تعرف بلازم من لوازمها، وصفة من صفائها. ثم قال: « ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود » فيه إشارة إلى
الرد على من قال: إنا نعلم كنه الباري سبحانه لا في هذه الدنيا بل في آخرة. فإن
القائلين برؤيته في الاخرة يقولون: أنما نعرف كنهه. فهوعليه السلام رد قولهم
وقال: إنه لا وقت أبداً على الإطلاق تعرف فيه حقيقته وكنهه لا الآن ولا بعد
الآن، وهوالحق، لأنه لورأيناه في الآخرة وعرفنا كنهه لتشخص تشخصاً يمنع من حمله
على كثيرين، ولا يتصور أن يتشخص هذا التشخص إلا ما يشار إلى جهته ولا جهة له سبحانه.
وقد شرحت هذا الموضوع في كتابي المعروف بزيادات النقيضين. وبينت أن الرؤية المنزهة عن الكيفية التي يزعمها أصحاب
الأشعري لا بد فيها من إثبات الجهة، وأنها لا تجري مجرى العلم لأن العلم لا يشخص
المعلوم، والرؤية تشخص المرئي، والتشخيص لا يمكن إلا مع كون المتشخص ذا جهة. واعلم أن نفي الإحاطة مذكور في الكتاب العزيز في مواضع،
منها قوله تعالى (ولا يحيطون به علماً) ومنها قوله (ينقلب إليك البصر خاشعاً
وهوحسير). وقال بعض الصحابة: العجز عن درك الإدراك إدراك.
وقد غلا محمد بن هانيء المغربي فقال في ممدوحه المعز أبي تميم معد بن المنصور
العلوي: أتبعته فكري حتى إذا بلغت غاياتها بين تصويب وتصعيد رأيت موضع برهان يلوح وما رأيت موضع تكييف وتحديد وهذا مدح يليق بالخالق تعالى ولا يليق بالمخلوق. فأما قوله « فطرالخلائق... (إلى آخر الفصل، فهوتقسيم مشتق
من الكتاب العزيز بقوله « فطر الخلائق بقدرته) من قوله تعالى (قال رب السموات
والأرض وما بينهما). وقوله « نشر الرياح برحمته » من قوله (يرسل الرياح بشراً
بين يدي رحمته). وقوله « ووتد بالصخور ميدان أرضه » من قوله (والجبال
أوتاداً). والميدان: التحرك والتموج. وبعد هذا الذي أورده ابن ابي الحديد يفسح لرأي المتكلمين
فوق إفساحه لرأي اللغويين، ثم بكل هذا وذاك بسوق أمثله من الأدب نثراً وشعراً، تراه
يعرض لما قاله الراوندي ليناقضه. كما أشار إلى ذلك في مقدمته، وها نحن نعرض ما
قاله من ذلك لتكتمل الصورة: |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
ابن ابي
الحديد
والقطب الراوندي رحمه الله نموذجا
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
يقول: فأما القطب الراوندي رحمه الله فإنه
قال:إنه
عليه السلام أخبر عن نفسه بأول هذا الفصل أنه يحمد الله. وذلك من
ظاهر كلامه. ثم أمر غيره، من فحوى كلامه أن يحمدالله. وأخبر عليه السلام أنه ثابت على ذلك مدة حياته، وأنه يجب
على المكلفين ثبوتهم عليه ما بقوا. ولوقال أحمدلله، لم يعلم منه جميع ذلك. ثم
قال: والحمدلله أعم من الشكر. والله أخص من الإله. قال: فأما قوله: الذي لا يبلغ مدحته القائلون. فأنه أظهر
العجز عن القيام بواجب مدائحه فكيف بمحامده. والمعنى أن الحمد كل الحمد ثابت
للمعبود الذي حققت العبادة له في الأزل واستحقها حين خلق الخلق: وأنعم بأصول
النعم التي يستحق بها العبادة. ولقائل أن يقول: إنه ليس في فحوى كلامه أنه
أمر لغيره أن يحمد الله. وليس يفهم من قوله بعض رعية الملك لغيره منهم: العظمة
والجلال لهذا الملك، أنه قد أمرهم بتعظيمه وإجلاله. ولا أيضاً في الكلام ما يدل
على أنه ثابت على ذلك مدة حياته، وأنه يجب على المكلفين ثبوتهم عليه ما بقوا. وبعد هذا العرض لقول الراوندي يأخذ
ابن أبي الحديد في الرد على الراوندي فيقول: ولا
أعلم كيف قد وقع ذلك للراوندي، فأنه زعم أن العقل يقتضي ذاك فحق، ولكنه ليس
مسفتاداً من الكلام، وهو أنه قال: إن ذلك موجود في الكلام. فأما قوله: لوكان قال: أحمد لله لم يعلم معه جميع ذلك، فأنه
لا فرق في انتفاء دلالة « أحمدلله» على ذلك، ودلالة « أحمد لله»، وهما سواء في
أنها لا يدلان على شيء من أحوال غير القائل، فضلا عن دلالتهما على ثبوت ذلك
ودوامه في حق غير القائل. وأما قوله: الله أخص من الإله، فإن أراد في أصل اللغة، فلا
فرق، بل الله هوالإله، وفخم بعد حذف الهمزة. هذا قول كافة البصريين. وإن أراد أن
أهل الجاهلية كانوا يطلقون على الأصنام لفظة الآلهة ولا يسمونها الله فحق. وذلك
عائد إلى عرفهم واصطلاحهم لا إلى أصل اللغة والاشتقاق، ألا ترى أن الدابة في
العرف لا تطلق على القلملة وأن كانت في أصل اللغة دابة. فأما قوله: قد أظهر العجز عن القيام بواجب مدائحه فكيف
بمحامده. فكلام يقتضي أن المدح غير الحمد. ونحن لا نعرف فرقاً بينهما. وأيضاً فإن الكلام لا يقتضي العجز عن القيام بالواجب لا من
المادح ولا من المحامد ولا فيه تعرض لذكر الوجوب وإنما نفي أن يبلغ القائلون
مدحته. لم يقل غير ذلك. وأما قوله: الذي حقت العبادة له في الأزل واستحقها حين خلق
الخلق وأنعم بأصول النعم فكلام ظاهره متناقض. لأنه إذا كان إنما استحقها حين خلق
الخلق. فكيف يقال: إنه استحقها في الأزل. وهل يكون في الأزل مخلوق
ليستحق عليه العبادة. واعلم أن المتكلمين لا يطلقون على البارى سبحانه أنه معبود
في الأزل أومستحق للعبادة في الأزل إلا بالقوة لا بالفعل، لأنه ليس في الأزل
مكلف يعبده تعالى ولا أنعم على أحد في الأزل بنعمة يستحق بها العبادة حتى أنهم
قالوا في الأثر الوارد: يا قديم الإحسان: إن معناه أن إحسانه متقادم العهد لا
أنه قديم حقيقة كما جاء في الكتاب العزيز (حتى عاد كالعرجون القديم) أي الذي قد
توالت عليه الأزمنة المتطاولة. وعلى هذا النحو يمضى ابن أبي الحديد
يعرض شرح الراوندي جزءاً جزءاً وينقض هذا الشرح جزءاً جزءاً. وهذه المناقضة لا شك تثير حول الأصل نقطاً
يتولاها بالجلاء والوضوح، فهي على هذا جزء مكمل
لشرح ابن أبي الحديد. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
ابن أبي
الحديد : الاستطراد حول آراء نقدية أوآراء للمتكلمين ترى مثله حول الوقائع
والأيام والرجال
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
فحين يعرض ابن أبي الحديد لشرح كلمة من كلام علي بن أبي
طالب لأبنه محمد بن الحنيفة لما أعطاه الراية يوم الجمل. يتكلم
عن يوم الجمل، كما يترجم لمحمد بن الحنيفة ترجمة طويلة، كما يستطرد فيذكر شيئاً
عن يزيد بن الملهب لأنه خطب أصحابه يوم واسط فاقتبس كلمة من كلام علي لابنه محمد
بن الحنفية. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
شرح ابن أبي الحديد : يعد
موسوعة جامعة لشتى المعارف اللغوية والأدبية والكلامية والتاريخية والأيام وسير
الرجال.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
وبعد فإن محمد باقر يتناسى في
كتابه « روضات الجنات » جميع الشروح التي عرضت لشرح النهج ويقصر
حديثه على اثنين منها، يوازن
بينهما وبين شرح ابن أبي الحديد ناقلا عن شيخ من شيوخه:
فيقول: شرح ابن أبي الحديد على مذاق المتكلمين مع ضغث من التصوف وضغث من الحكمة. وشرح الميثم – وهويعني كمال الدين ميثم بن علي ابن
ميثم البحراني ٦٧٩ هـ. وهومطبوع – على مذاق الحكماء وأهل العرفان. وشرح الميرزا علاء الدين الحسيني الأصفهاني الملقب بكلستانه – واسم شرحه: بهجة الحدائق، وهومختصر
– على
مذاق الإخباريين. ثم قال: ابن أبي الحديد متكلم
كتب على طرز الكلام وابن ميثم حكيم كتب
على قانون الحكمة وكثيراً ما يسلط يد التأويل على
الظواهر فيما مجال لا للتأويل فيه، وابن أبي الحديد مع تسننه قد
يتوهم من شرحه تشيعه وابن الميثم بالعكس. وشرح ابن ابي الحديد كما قلت لك طبعت طبعته الأولى طبع حجر في
فارس سنة ١٢٧١ هـ في مجلدين وطبعت طبعة الثانية في مصر بمطبعة مصطفى الحلبي سنة
١٣٢٩ هـ في أربعة مجلدات يضم كل مجلد منها خمسة أجزاء من تجزئة المؤلف. وقد شرعت دارإحياء الكتب العربية في
طبعه طبعة ثالثة أخذت فيها منذ سنة ١٣٧٨ هـ ١٩٥٨ م على
تجزئة جديدة صغيرة لا ندري كم ستستوعب من أجزاء. ولشرح ابن أبي الحديد هذا مختصر اختصره الفقيه
الجامع المولى سلطان محمود ابن غلام الطبسي. ذكر ذلك النوري شيخ هبة الدين
في مستدركه على الرسائل (ص ٨٠٥). انتهى. |