هذه السورة من السور المكية إِلاّ قوله تعالى: (واسألهم
عن القرية) ـ إِلى ـ (بما كانوا يفسقون)، الذي نزل في المدينة.
عدد آيات هذه السورة (206) آية أو (205) كما
عليه البعض.
لمحة سريعة عن محتويات هذه السّورة:
إِن أكثر السور القرآنية (80 إِلى 90 سورة) ـ
كما نعلم ـ نزلت في مكّة، ونظراً إِلى الأوضاع التي كانت سائدة في المحيط
المكّي، وحالة المسلمين خلال 13 عاماً، وكذا
بالإِمعان في صفحات التّأريخ الإِسلامي بعد الهجرة، يتضح
بجلاء أن هناك فرقاً بين لحن السور المكية والسور المدنية. ففي السّور المكية يدور الحديث ـ غالباً ـ حول
المبدأ والمعاد، وحول إِثبات التوحيد، ويوم القيامة، ومكافحة الشرك والوثنية، وتقوية مكانة الإِنسان ودعم موقعه في عالم الخلق، لأنّ الفترة المكّية كانت تشكل فترة بناء المسلمين من
حيث العقيدة، وتقوية أُسس الإِيمان كأسس وقواعد لـ «نهضة متجذرة». ففي الفترة المكية كان على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يطهّر العقول والأذهان
من جميع الأفكار الوثنية الخرافية، ويغرس محلّها روحَ التوحيد، والعبودية لله
تعالى، والإِحساس بالمسؤولية لأفراد الطبقة المسحوقة والمحقّرة في اطار العهد
الوثني بشخصيتهم الحضارية وهويتهم وكرامتهم الإِنسانية، وحقيقة موقعهم في نظام
الوجود، وعالم الخلق، ليصنع ـ بالتالي ـ من ذلك
الشعب الوضيع المشحون بالخرافة، أُمة ذات شخصية قوية، وذات إِرادة صلبة، وإِيمان
فاعل، وقد كان هذا البناء العقائدي القوي الذي
تم على يد رسول الإِسلام في هدي القرآن في مكّة، هو
السبب في تقدم الإِسلام المطّرد في المدينة. إِن آيات السور المكية كذلك تتناسب جميعها مع هذا الهدف الخاص. أمّا الفترة المدينة، فقد كانت فترة تشكيل
وتأسيس الحكومة الإِسلامية، فترة الجهاد في مقابل الأعداء، فترة تأسيس وبناء
مجتمع سليم على أساس القيم الإِنسانية، والعدالة
الإِجتماعية.
ولهذا تهتم السور المدنية في كثير من آياتها بتفاصيل القضايا الحقوقية،
والأخلاقية والاقتصادية، والجزائية، وغير ذلك من الحاجات الفردية والإِجتماعية. وإِذا أراد المسلمون اليوم أن يستعيدوا عظمتهم
الغابرة، ومجدهم القديم، وجب عليهم أن ينفّذوا هذا البرنامج بالذات، وأن يطووا
هاتين الفترتين بصورة كاملة، فإِنّه ما لم تتوطد الأُسس
العقائدية، وما لم يتم بناؤها بشكل محكَم لم تحظ اللّبنات الفوقية والبناء
الحضاري للمجتمع بالمتانة والقوة اللازمة.
وعلى كل حال فحيث أن سورة الأعراف من السور المكية،
لذلك تجلّت فيها جميع خصائص
السورة المكية ولهذا نرى:
كيف أنّها أشارت في البدء إِلى مسألة «المبدأ والمعاد». ثمّ بهدف إِحياء شخصية الإِنسان شرحت ـ
باهتمام وعناية كبيرة ـ قصّة خلق آدم. ثمّ عدّدت ـ بعد ذلك ـ المواثيق التي أخذها الله
تعالى من أبناء آدم في مسير الهداية والصلاح،
واحداً واحداً. ثمّ للتدليل على هزيمة وخسران الجماعات التي تحيد عن سبيل التوحيد والعدالة والتقوى. وكذا للتدليل
على نجاح المؤمنين الصادقين وانتصارهم، ذكرت قصص
كثير من الاقوام الغابرة والأنبياء السابقين مثل «نوح»
و«لوط» و«شعيب» وختمت ذلك ببيان قصة بني
إِسرائيل، وجهاد «موسى» ضدّ فرعون، بصورة مفصّلة.
وفي آخر السورة عادت مرّة أُخرى إِلى مسألة المبدأ
والمعاد، بهذا تتناغم البداية والخاتمة.
أهمية هذه السّورة:
جاء في تفسير العياشي عن الإِمام الصادق أنّه
قال: «من قرأ سورة الأعراف في كل شهر كان يوم القيامة من الذين لا خوف عليهم ولا
هم يحزنون ... فإِن قرأها في كل جمعة كان ممن لا يحاسب يوم القيامة (وكذا قال:) أمّا أن يكون فيها محكماً فلا تدعوا
قراءتها والقيام بها فإِنّها تشهد يوم القيامة لمن قرأها». تفسير البرهان،
المجلد الثاني، الصفحة 2 ونور الثقلين، المجلد الثاني، الصفحة 2.
إِن ما يستفاد من الحديث الحاضر بوضوح هو أن هذه الرّوايات والأحاديث
الواردة في فضل السور لا تعني أن مجرّد قراءتها
تنطوي على كل تلك النتائج، والثمرات الكبرى، بل إِنّ ما
يعطي هذه القراءة القيمة النهائية هو الإِيمان بمضامين السورة، ثمّ العمل
على طبقها. ولهذا جاء في الرواية الحاضرة: قراءتها وتلاوتها
والقيام بها. كما أنّنا نقرأ في هذه الرواية أنّه(عليه السلام) قال: «من قرأ هذه
السورة كان يوم القيامة من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون». وفي الحقيقة فإِنّ هذه إِشارة لطيفة إِلى الآية (35) من هذه السورة، التي يقول فيها سبحانه: (فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون).
فهذه المنزلة ـ مخصوصة بالذين اتقوا، وسلكوا سبيل الصلاح، هذا مضافاً إِلى أنّ القرآن الكريم كتاب «عقيدة»
و«عمل» والقراءة والتلاوة تعتبران مقدمة لهذا الموضوع. قال الراغب في كتاب «المفردات» في مادة: تلاوة:
قوله: (يتلونه حق تلاوته) : إِتباع القرآن بالعلم
والعمل. 1 ـ البقرة، 121.
وهذا يعني أنّ للتلاوة مفهوماً أعلى من مفهوم القراءة، فهي مقرونة بنوع من التدبر والتفكر والعمل.
هذه السورة من السور المكية إِلاّ قوله تعالى: (واسألهم
عن القرية) ـ إِلى ـ (بما كانوا يفسقون)، الذي نزل في المدينة.
عدد آيات هذه السورة (206) آية أو (205) كما
عليه البعض.
لمحة سريعة عن محتويات هذه السّورة:
إِن أكثر السور القرآنية (80 إِلى 90 سورة) ـ
كما نعلم ـ نزلت في مكّة، ونظراً إِلى الأوضاع التي كانت سائدة في المحيط
المكّي، وحالة المسلمين خلال 13 عاماً، وكذا
بالإِمعان في صفحات التّأريخ الإِسلامي بعد الهجرة، يتضح
بجلاء أن هناك فرقاً بين لحن السور المكية والسور المدنية. ففي السّور المكية يدور الحديث ـ غالباً ـ حول
المبدأ والمعاد، وحول إِثبات التوحيد، ويوم القيامة، ومكافحة الشرك والوثنية، وتقوية مكانة الإِنسان ودعم موقعه في عالم الخلق، لأنّ الفترة المكّية كانت تشكل فترة بناء المسلمين من
حيث العقيدة، وتقوية أُسس الإِيمان كأسس وقواعد لـ «نهضة متجذرة». ففي الفترة المكية كان على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يطهّر العقول والأذهان
من جميع الأفكار الوثنية الخرافية، ويغرس محلّها روحَ التوحيد، والعبودية لله
تعالى، والإِحساس بالمسؤولية لأفراد الطبقة المسحوقة والمحقّرة في اطار العهد
الوثني بشخصيتهم الحضارية وهويتهم وكرامتهم الإِنسانية، وحقيقة موقعهم في نظام
الوجود، وعالم الخلق، ليصنع ـ بالتالي ـ من ذلك
الشعب الوضيع المشحون بالخرافة، أُمة ذات شخصية قوية، وذات إِرادة صلبة، وإِيمان
فاعل، وقد كان هذا البناء العقائدي القوي الذي
تم على يد رسول الإِسلام في هدي القرآن في مكّة، هو
السبب في تقدم الإِسلام المطّرد في المدينة. إِن آيات السور المكية كذلك تتناسب جميعها مع هذا الهدف الخاص. أمّا الفترة المدينة، فقد كانت فترة تشكيل
وتأسيس الحكومة الإِسلامية، فترة الجهاد في مقابل الأعداء، فترة تأسيس وبناء
مجتمع سليم على أساس القيم الإِنسانية، والعدالة
الإِجتماعية.
ولهذا تهتم السور المدنية في كثير من آياتها بتفاصيل القضايا الحقوقية،
والأخلاقية والاقتصادية، والجزائية، وغير ذلك من الحاجات الفردية والإِجتماعية. وإِذا أراد المسلمون اليوم أن يستعيدوا عظمتهم
الغابرة، ومجدهم القديم، وجب عليهم أن ينفّذوا هذا البرنامج بالذات، وأن يطووا
هاتين الفترتين بصورة كاملة، فإِنّه ما لم تتوطد الأُسس
العقائدية، وما لم يتم بناؤها بشكل محكَم لم تحظ اللّبنات الفوقية والبناء
الحضاري للمجتمع بالمتانة والقوة اللازمة.
وعلى كل حال فحيث أن سورة الأعراف من السور المكية،
لذلك تجلّت فيها جميع خصائص
السورة المكية ولهذا نرى:
كيف أنّها أشارت في البدء إِلى مسألة «المبدأ والمعاد». ثمّ بهدف إِحياء شخصية الإِنسان شرحت ـ
باهتمام وعناية كبيرة ـ قصّة خلق آدم. ثمّ عدّدت ـ بعد ذلك ـ المواثيق التي أخذها الله
تعالى من أبناء آدم في مسير الهداية والصلاح،
واحداً واحداً. ثمّ للتدليل على هزيمة وخسران الجماعات التي تحيد عن سبيل التوحيد والعدالة والتقوى. وكذا للتدليل
على نجاح المؤمنين الصادقين وانتصارهم، ذكرت قصص
كثير من الاقوام الغابرة والأنبياء السابقين مثل «نوح»
و«لوط» و«شعيب» وختمت ذلك ببيان قصة بني
إِسرائيل، وجهاد «موسى» ضدّ فرعون، بصورة مفصّلة.
وفي آخر السورة عادت مرّة أُخرى إِلى مسألة المبدأ
والمعاد، بهذا تتناغم البداية والخاتمة.
أهمية هذه السّورة:
جاء في تفسير العياشي عن الإِمام الصادق أنّه
قال: «من قرأ سورة الأعراف في كل شهر كان يوم القيامة من الذين لا خوف عليهم ولا
هم يحزنون ... فإِن قرأها في كل جمعة كان ممن لا يحاسب يوم القيامة (وكذا قال:) أمّا أن يكون فيها محكماً فلا تدعوا
قراءتها والقيام بها فإِنّها تشهد يوم القيامة لمن قرأها». تفسير البرهان،
المجلد الثاني، الصفحة 2 ونور الثقلين، المجلد الثاني، الصفحة 2.
إِن ما يستفاد من الحديث الحاضر بوضوح هو أن هذه الرّوايات والأحاديث
الواردة في فضل السور لا تعني أن مجرّد قراءتها
تنطوي على كل تلك النتائج، والثمرات الكبرى، بل إِنّ ما
يعطي هذه القراءة القيمة النهائية هو الإِيمان بمضامين السورة، ثمّ العمل
على طبقها. ولهذا جاء في الرواية الحاضرة: قراءتها وتلاوتها
والقيام بها. كما أنّنا نقرأ في هذه الرواية أنّه(عليه السلام) قال: «من قرأ هذه
السورة كان يوم القيامة من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون». وفي الحقيقة فإِنّ هذه إِشارة لطيفة إِلى الآية (35) من هذه السورة، التي يقول فيها سبحانه: (فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون).
فهذه المنزلة ـ مخصوصة بالذين اتقوا، وسلكوا سبيل الصلاح، هذا مضافاً إِلى أنّ القرآن الكريم كتاب «عقيدة»
و«عمل» والقراءة والتلاوة تعتبران مقدمة لهذا الموضوع. قال الراغب في كتاب «المفردات» في مادة: تلاوة:
قوله: (يتلونه حق تلاوته) : إِتباع القرآن بالعلم
والعمل. 1 ـ البقرة، 121.
وهذا يعني أنّ للتلاوة مفهوماً أعلى من مفهوم القراءة، فهي مقرونة بنوع من التدبر والتفكر والعمل.