- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
محاسن الاخلاق
|
|
وانما
بعثت لا تمم مكارم الأخلاق ذاك قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله، اما قول علي
أميرالمؤمنين عليه السلام. ولا قرين لحسن الخلق. [الكلمات
القصار: ١١٣.] وأكرم
الحسب حسن الخلق [الكلمات القصار:
٣٨.] . عندما
نتصفح نهج البلاغة نلتقي بهذهِ الروائع الخالدة. إذا
قَدَرْت على عَدُوِّك فاجْعَلِ العَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقدرة عليه [الكلمات
القصار: ١٠.] فأفضل
الأخلاق هو العفو عنه المقدرة. ويقول أميرالمؤمنين في الرذائل وآثارها
الاجتماعية والنفسية والاقتصادية البخلُ عارٌ، والجُبْنُ منقصة، والفقر يُخْرِسُ
الفَطِنَ عن حُجّتهِ والمُقلُّ غريبٌ في بلدتِهِ، والفجرُ آفةٌ، والصَّبْ
شجاعَةٌ والزُهْدُ ثروةٌ، والوَرَعُ جُنّةٌ [الكلمات
القصار: ٣.] وعن
أم الرذائل وأى الأخلاق الذميمة يقول الامام البخلُ جَامع لمساوئ العُيوب وهو
زِمامٌ يُقادُ به الى كُلِّ سوء. [الكلمات
القصار: ٣٧٨.] ويسخف
الامام أميرالمؤمنين عليه السلام افتخار الانسان بنفسه يقول الامام: ما لابن
آدمَ والفَخْر، أولُهُ نطفَةٌ، وآخِرَهُ جيفةٌ، ولا يَرزُقُ نفسَهُ ولا يَدْفعُ
حنفه [الكلمات
القصار: ٤٥٤.] . يقول
أميرالمؤمنين عليه السلام: أزجُرِ المُسي ءَ بثوابِ المُحسن [الكلمات
القصار: ١٧٧.] . ويقول
أيضاً: احصدِ الشر من صدر غيرك بقلعهِ في صداك. ثم يقول لأحد أصحابه: يا كميل
مُر أهلك أن يَروحوا في كسب المكارم ويُدلجوا في حاجة من هو نائم [الكلمات
القصار: ٢٥٧.] .
|
|
تهذيب الأخلاق، الحجر
الأساس في حياة الإنسان
|
|
عِبادَاللَّهِ، إِنَّ مِنْ أَحَبَّ
عِبادِاللَّهِ إِلَيْهِ عَبْداً أَعانَهُ اللَّهُ عَلى نَفْسِهِ، فَاسْتَشْعَرَ [استشعر: لبس الشعار؛ وهو مايلي البدن من اللباس وتجلبب: لبس الجلباب
وهو مايكون فوق جميع الثياب.] الْحُزْنَ، وَتَجَلْبَبَ الْخَوْفَ، فَزَهَرَ مِصْباحُ الْهُدى [زهر مصباح الهدى: تلألأ وأضاء.] فِي قَلْبِهِ، وَأَعَدَّ الْقِرى [القِرى- بالكسر- مايُهيأ للضيف، وهو هنا العمل الصالح يهيؤه للقاء
الموت وحلول الأجل.] لِيَوْمِهِ النّازِلِ بِهِ، فَقَرَّبَ على نَفْسِهِ الْبَعِيدَ،
وَهَوَّنَ الشَّدِيدَ: نَظَرَ فَأَبْصَرَ، وَذَكَرَ فَاسْتَكْثَرَ، وَارْتَوى
مِنْ عَذْبٍ فُراتٍ سُهِّلَتْ لَهُ مَوارِدُهُ فَشَرِبَ نَهَلاً، [النهل: اوّل الشرب والمراد أخذ حظّاً لا يحتاج معه الى العمل، وهو
الشرب الثاني.] وَسَلكَ سَبِيلاً جَدَداً. [الجَدَد- بالتحريك- الأرض الغليظة،اي
الصّلبة المستوية، ومثلها يسهل السير فيه.] قَدْ خَلَعَ سَرابِيلَ الشَّهَواتِ،
وَتَخَلّى مِنَ الْهُمُومِ إِلاَّ هَمّاً واحِداً انْفَرَدَ بِهِ، فَخَرَجَ مِنْ
صِفَةِ الْعَمى، وَمُشاركَةِ أَهْلِ الْهَوى، وَصارَ مِنْ مَفاتِيحِ أَبْوابِ
الْهُدى، وَمَغالِيق أَبْوابِ الرَّدى قَد أَبْصَرَ طَرِيقَهُ، وَسَلَكَ
سَبِيلَهُ، وَعَرَفَ مَنارَهُ، وَقَطَعَ غِمارهُ، [الغِمار: جمع غَمر- بالفتح- وهو معظم البحر، والمراد أنه عبر بحار
المهالك الى سواحل النجاة.] وَاسْتَمْسَكَ مِنَ الْعُرى بِأوْثَقِها، وَمِنَ الْحِبالِ
بِأَمْتَنِها. فَهُوَ مِنَ الْيَقِينِ عَلى مِثْلِ
ضَوْءِ الشَّمْسِ قَدْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلّهِ سُبْحانَهُ. فِي أرْفَعِ
الْأُمُورِ مِنْ إِصْدارِ كُلِّ وارِدٍ عَلَيْهِ، وَتَصْيِيرِ كُلِّ فَرْعٍ إِلى
أَصْلِهِ، مِصْباحُ ظُلُماتٍ، كَشّافُ عَشَواتٍ، [عشوات: جمع عشوة- بالحركات الثلاث- وهي
الأمر الملتبس.] مِفْتاحُ مُبْهَماتٍ، دَفّاعُ مُعْضِلاتٍ، دَلِيلُ فَلَواتٍ [الفلوات: جمع فلاة، وهي الصحراء الواسعة، مجاز عن مجالات العقول في
الوصول الى الحقائق.] ، يَقولُ فَيُفْهِمُ، وَيَسْكُتُ فَيَسْلَمُ، قَدْ أَخْلَصَ لِلّهِ
فَاسْتَخْلَصَهُ... [الخطبة: '٨٧' ربيع الابرار: "باب العز والشرف" للزمخشري.] |
|
عليكم انفسكم
|
|
فاتقوا اللَّه عباد اللَّه! وبادروا
آجالكم باعمالكم، ['بادروا
آجالكم باعمالكم' أي: سابقوها وعاجلوها بها.] وابتاعوا [ابتاعوا: اشتروا ما يبقى من النعيم الأبدي بما يفنى من لذة الحياة
الدّنيا وشهواتها المنقضية.] ما يبقى لكم، بما يزول عنكم... وكونوا قوماً صيح بهم فانتبهوا
وعلموا انّ الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا، فَاِنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ لَمْ
يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً، وَلَمْ يَترُكْكُمْ سُدًى... [سُدى: مهملين.] فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيا ما
تَحْرُزُونَ [ما تحرزون به انفسكم' أي: تحفظونها به.] بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَدًا"،
فَاتَّقى عَبْدٌ مرَبَّهُ نَصَحَ نَفْسَهُ وَقَدَّمَ تَوْبَتَهُ، وَغَلَبَ
شَهْوَتَهُ، فَإنَّ أَجَلَهُ مَسْتُورٌ عَنْهُ، وَأَمَلَهُ خادِعٌ لَهُ،
وَالشَّيْطانَ مُوَكَّلٌ بِهِ، يُزَيِّنُ لَهُ الْمَعْصِيَةَ لِيَرْكَبَها،
وَيُمَنِّيهِ التَّوْبَةَ لِيُسَوِّفَها [يسوّفها: يؤجّلها ويؤخرها.] ، [الخطبة: '٦٤' تذكرة الخواص ص ١٤٥ للسبط ابن الجوزي.] . |
|
المغبون من غبن نفسه
|
|
فَاللَّهَ اللَّهَ أَيُّهَا النّاسُ
فِيمَا اسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتابِهِ، وَاسْتَوْدَعَكُمْ مِنْ حُقُوقِهِ...
فَاسْتَدْرِكُوْا بَقِيَّةَ أَيّامِكُمْ، وَاصبِروُا لَها أَنفُسَكُمْ ['اصبروا
أنفسكم': إجعلوا لأنفسكم صبراً فيها.].فَاِنَّها قَلِيلٌ فِي
كَثِيرِ الْأَيّامِ الَّتِي تَكوُنُ مِنْكُمْ فِيهَا الْغَفْلَةُ، وَالتَّشاغُلُ
عَنِ الْمَوْعِظَةِ... عِبادَاللَّهِ، إِنَّ أَنصَحَ الناسِ
لِنَفْسِهِ أَطْوَعُهُمْ لِرَبِّهِ، وَإِنَّ أَغَشَّهُمْ لِنَفْسِهِ أَعْصاهُمْ
لِرَبِّهِ، وَالْمَغْبُونُ [المغبون:المخدوع.] مَنْ غَبَنَ نَفْسَهُ، والْمَغْبُوطُ [المغبوط: المستحق لتطلع النفوس إليه والرغبة في نيل مثل نعمته.] مَنْ سَلِمَ لَهُ دِينُهُ، وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ،
وَالشَّقِيٌّ مَنِ انْخَدَعَ لِهَواهُ "وَغُرُورِهِ". وَاعْلَمُوا أَنَّ يَسِيَر الرِّياءِ [الرياء: أن تعمل ليراك الناس، وقلبك غير راغب فيه.] شِرْكٌ، وَمُجالَسَةَ أَهْلِ الْهَوى مَنساةٌ لِلْإِيمانِ، ['منساة
للايمان': موضع لنسيانه، وداعية للذهول عنه.] وَمَحْضَرَةٌ لِلْشَّيْطانِ ['محضرة
للشيطان' مكان لحضوره، وداع له.]. جانِبُوا الْكَذِبَ فَإنَّهُ مُجانِبٌ
لِلْإِيمانِ. الصّادِقُ عَلى شَفا مَنجاةٍ
وَكَرامَةٍ، وَالْكاذِبُ عَلى شَرَفِ مَهْواةٍ وَمَهانَةٍ. وَلاتَح اسَدوُا
فَإنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْإِيمانَ كَما تَأْكُلُ النّارُ الْحَطَبَ، وَلا
تَباغضُوا فِإنَّهَا الْحالِقَةُ. ['فانّها' أي: المباغضة،
'الحالقة' أي الماحية لكل خير وبركة.] وَاعْلَمُوا أَنَّ الْأَمَلَ يُسْهِي
الْعَقْلَ، وَيُنْسِي الذِّكْرَ، فَأَكْذِبُوا الْأَمَلَ فَإنَّهُ غُرُورٌ،
وَصاحِبُهُ مَغْرُورٌ. [الخطبة: '٨٦'- المجالس: ص ١٢٠ للشيخ المفيد- من لا يحضره الفقيه:
١٣٢:١.] |
|
اصلاح النفس قبل
اصلاح الغير
|
|
يا أَيُّهَا النّاسُ، طُوبى لِمَنْ
شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النّاسِ، وَطُوبى لِمَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ،
وَأَكَلَ قُوتَهُ، وَاشْتَغَلَ بِطاعَةِ رَبَّهِ، وَبَكى عَلى خَطِيئِتِه،
فَكانَ مِنْ نَفْسِهِ فِي شُغلٍ، وَالنّاسُ مِنْهُ فِي راحَةٍ [الخطبة: '١٧٦'- الكافي: ٤٤٣:٢- امالي الصدوق: ص ١٥٣.] . يا عَبْدَاللّهِ لاتَعْجَلْ في عَيْبِ
أَحَدٍ بِذَنْبِهِ فَلَعَلَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ، وَلاتَأْمَنْ عَلى نَفْسِكَ
صَغِيرَ مَعْصِيَةٍ فَلَعَلَّكَ مُعَذَّبٌ عَلَيْهِ فَلْيَكْفُفْ مَنْ عَلِمَ
مِنْكُمْ عَيْبَ غَيْرِهِ لِما يَعْلَمُ مِنْ عَيْبِ نَفْسِهِ، وَلْيَكُنِ
الشُّكْرُ شاغِلاً لَهُ عَلى مُعافاتِهِ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ غَيْرُهُ [الخطبة: '١٤٠'- غرر الحكم: ص ١٣٥ و ص ٣٥٩.] . |
|
احفظوا لسانكم
|
|
أَيُّهَا النّاسُ، مَنْ عَرَفَ مِنْ
أَخِيهِ وَثِيقَةَ دِينٍ وَسَدادَ طَرِيقٍ فَلايَسْمَعَنَّ فِيهِ أَقاوِيلَ
الرِّجالِ، أَما إِنَّهُ قَدْيَرْمِي الرّامِي وَتُخْطِي ءُ السِّهامُ،
وَيُحْيِلُ الْكَلامُ، [يُحيل: يتغيّر عن وجه الحق.] وَباطِلُ ذلِكَ يَبُورُ، وَاللّهُ
سَمِيعٌ وَشَهيدٌ. [الخطبة: '١٤١'- الخصال: ١١٠:١، للشيخ الصدوق.]. أَما وَشَرُّالْقَوْلِ الْكَذِبُ-
اِنَّهُ لَيَقُولُ فَيَكْذِبُ، وَيَعِدُ فَيُخْلِفُ، وَيَسْأَلُ فَيُلْحِفُ، [يُلحف: أي يلح.] وَيُسْأَلُ فَيَبْخَلُ، وَيَخُونُ الْعَهْدَ... [الخطبة '٨٤'- عيون الاخبار: ١٦٤:١ و ١٠:٣، لابن قتيبة- العقد
الفريد: ٢٨٧:٢.] أَلا إنَّ اللِّسانَ بَضْعَةٌ [بضعة: قطعة.] مِنَ الْإنُسانِ، فَلايُسْعِدُهُ الْقَوْلُ إذَا امْتَنَعَ، وَلا
يُمْهِلُهُ النُّطْقُ إذَا اتَّسَعَ... [الخطبة: '٢٣٣' الروضة من الكافي: ص
٣٩٦.] وَاجْعَلُواْ اللَّسانَ واحِداً
وَلْيَخْتَزِنِ الرَّجُلُ لِسانَهُ، [ليخزن: كينصر- اي ليحفظ لسانه.] فَإِنَّ هذَا اللَسانَ جَمُوحٌ [الجموح: من جمح الفرس إذا غلب فارسه
فيوشك أن يطرح به في مهلكة فيرديه.] بِصاحِبِهِ، وَاللَّهِ ما أَرى
عَبْدًا يَتَّقِي تَقْوى تَنْفَعُهُ حَتّى يَخْتَزِنَ لِسانَهُ، وَإِنَّ لِسانَ
الْمُؤُمِنِ مِنْ وَراءِ قَلْبِهِ، [لسان المؤمن من وراء قلبه: لسان المؤمن
تابع لاعتقاده، لا يقول إلّا ما يعتقد.] وَإِنَّ قَلْبَ الْمُنافِقِ مِنْ
وَرَاءِ لِسانِهِ. لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذا أَرادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلامٍ
تَدَبَّرَهُ فِي نَفْسِهِ، فَإِنْ كانَ خَيْراً أَبْداهُ، وَإِنْ كانَ شَرًّ
اواراهُ. وَإِنَّ الْمُنافِقَ يَتَكَلَّمُ بِما أَتى عَلى لِسانِهِ، لايَدْرِي
ماذا لَهُ وَماذا عَلَيْهِ وَقَدْ قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَالِهِ: 'لايَسْتَقِيمُ إِيْمانُ عَبْدٍ حَتّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ،
وَلايَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسانُهُ' فَمَنِ اسْتَطاعَ
مِنْكُمْ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ سْبْحانَهُ وَهُوَ نَقِيٌّ الرّاحَةِ مِنْ دِماءِ
الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوالِهِمْ، سَلِيمُ اللَّسانِ مِنْ أَعْراضِهِمْ
فَلْيَفْعَلْ. [الخطبة: '١٧٦' الكافي: ٤٤٣:٢- امالي الصدوق: ص ١٥٣.] اللّهُمَّ اغْفِرْ لِي ما أَنْتَ
أَعْلَمُ بِهِ مِنَّي، فَإنْ عُدْتُ فَعُدْ عَلىَّ بِالْمَغْفِرَةِ اللّهُمَّ
اغْفِرْ لِي ما وَأَيْتُ [وأيت: وعدت، وَأى- كوَعَى- وَعَدَ وضَمنَ.] مِنْ نَفْسِي وَلَمْ تَجِدْ لَهُ
وَفاءٌ عِندِي اللَّهُمَّ اغْفِرْلِي ما تَقَرَّبْتُ بِهِ إلَيْكَ
"بِلِسانِي" ثُمَّ خالَفَهُ قَلْبِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْلِي رَمَزاتِ
الْأَلْحاظِ، [رَمَزات الألحاظ: الإشارة بها، والألحاظ جمع لحظ، وهو باطن العين،
او مؤخّر العين.] وَسَقَطاتِ الْأَلْفاظِ، [سقطات الألفاظ : لغوها.] وَشَهَواتِ الْجَنانِ، [شَهوات الجنان: القلب، واللّب،
وشهواته: ما يكون من ميل منه إلى غير الفضيلة.] وَهَفَواتِ اللِّسان [هفوات اللسان: زلّاته.] ، [الخطبة: '٧٨' المائة المختارة: للجاحظ-
المناقب:ص ٢٧٢ للخوارزمي.] . |
|
محاسبة النفس
وتهذيبها
|
|
عِبادَاللَّهِ، زِنُوا أَنفُسَكُمْ
مِنْ قَبْلِ أَنْ تُوزَنُوا، وَحاسِبُوها مِنْ قَبْلِ أَنْ تُحاسَبُوا، وَتَنَفَّسُواْ
قَبْلَ ضِيقِ الْخِناقِ، وَانْقادُوا قَبْلَ عُنْفِ [العنف: ضد الرفق، ويقال عَنُفَ عليه وَعَنُفَ به- من باب كرم فيهما،
واصل العنيف الذي لا رفق له بركوب الخيل وجمعه عُنُف، والسياق هنا مصدر ساق-
يسوق.] السِّياق، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ لَمْ يُعَنْ ['من
لم يُعَن على نفسه'- مبني للمجهول- أي: من لم يساعده اللَّه على نفسه حتىَّ يكون
لها من وجدانها مُنَبّهٌ، لم ينفعه تنبيه غيره.] عَلى نَفْسِهِ حَتّى يُكُونَ لَهُ
مِنْها واعِظٌ وَزاجِرٌ لَّمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ غَيْرِها زاجِرٌ وَلا واعِظٌ... [الخطبة: '٩٠' النهاية: ٣٤٥:٢، لابن الأثير.]. فَحاسِبْ نَفْسَكَ لِنَفْسِكَ، فَإنَّ
غَيْرَها مِنَ الْأَنفُسِ لَها حَسِيبٌ غَيْرُكَ. [الخطبة: '٢٢٢' عزر الحكم للامدي.] رَحِمَ اللَّهُ
عَبْداً سَمِعَ حُكْماً [الحكم هنا: الحكمة، قال اللَّه تعالى: "وآتيناه الحكم
صبياً" مريم: ١٢، وعى: حَفِظَ وفهم المراد.] فَوَعى، وَدُعِيَ إلى رَشادٍ فَدَنا، [ دنا: قرب من الرّشاد الذي دعا
إليه.] وَأَخَذَ بِحُجْزَةِ [الحُجزة- بالضم- معقد الإزار، والمراد الاقتداء والتمسك، يقال: أخذ
فلان بحجزة فلان، إذا اعتصم به ولجأ إليه.] هادٍ فَنَجا راقَبَ رَبَّهُ، وَخافَ
ذَنْبَهُ، قَدَّمَ خالِصاً، وَعَمِلَ صالِحاً اكْتَسَبَ مَذْخُوراً، [اكتسب مذخوراً: كسب بالعمل الجليل ثواباً يذخره ويُعدّه لوقت حاجته.] وَاجْتَنَبَ مَحْذُوراً، رَمى غَرَضاً، وَأَحْرَزَ عِوَضاً، كابَرَ
هَواهُ، [كابَرَ هواه: غالبه، ويروى 'كاثر' بالمثلّثة أي: غالبه بكثرة افكاره
الصائبة فغلبه.] وَكَذَّبَ مُناهُ، جَعَلَ الصَّبْرَ مَطِيَّةَ نَجاتِهِ،
وَالتَّقْوى عُدَّةَ وَفاتِهِ. رَكِبَ الطَّرِيقَةَ الْغَرّاءَ [الغَرّاء: السيرة الواضحة.] وَلَزِمَ الْمَحَجَّةَ [المحجّة: جادة الطريق ومُعظَمه.] الْبَيْضاءَ، اغْتَنَمَ الْمَهَلَ، [المَهَل هنا: مدّة الحياة مع العافية، فانّه أُمهل فيها دون أن
يُؤخذ بالموت أو تَحُلُّ به بائقة العذاب.] وَبادَرَ الْأَجَلَ، وَتَزَوَّدَ مِنَ
الْعَمَلِ [الخطبة: '٧٦' الروضة من الكافي: ص ١٧٢.] . انتَفِعُوا بِبَيانِ اللَّهِ،
وَاتَّعِظُوا بِمَواعِظِ اللَّهِ، وَاقْبَلُوا نَصِيحَةَ اللَّهِ، فَإِنَّ
اللَّهَ قَدْ أَعْذَرَ إِلَيْكُمْ بِالْجَلِيَّةِ [أعذر اليكم بالجلية: أي بالأعذار الجليّة، والعذر هنا مجاز عن سبب
العقاب في المؤاخذة عند مخالفة الأوامر الالهية.] وَأَخَذَ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ،
وَبَيَّنَ لَكُمْ مَحابَّهُ مِنَ الْإَعْمالِ وَمَكارِهَهُ مِنْها لِتَتَّبِعُوا
هذِهِ وَتَجْتَنِبوُا هذِهِ. فَإِنَّ رَسوُلَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَالِهِ كانَ يَقوُلُ: 'إِنَّ الْجَنَّةَ حُفَّتْ بِالْمَكارِهِ، وَإِنَّ
النّارَ حُفَّتْ بِالشَّهَواتِ'. وَاعْلَمُواْ أَنَّهُ ما مِنْ طاعَةِ اللَّهِ
شَيْءُ إِلاّ يَأْتِي فِي كُرْهٍ، وَما مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ شَىْءٌ إِلاّ
يَأْتِي فِي شَهْوَةٍ، فَرَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً نَزَعَ [نزع عنه: انتهى وأقلع.] عَنْ شَهْوَتِهِ، وَقَمَعَ هَوى
نَفْسِهِ، فَإِنَّ هذِهِ النَّفْس أَبْعَدُ شَىْ ءٍ مَنزَعاً، [أبعد منزعاً: أي نزوعاً بمعنى الإنتهاء والكفّ عن المعاصي.] وَإنَّها لاتَزالُ تَنْزِعُ إِلى مَعْصِيَةٍ فِي هَوىً.
وَاعْلَمُوْا عِبادَ اللَّهِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لايُمْسِي وَلايُصْبِحُ إِلاّ
وَنَفْسُهُ ظَنوُنٌ [ظنون- كصبور- الضعيف والقليل الحيلة.] عِنْدَهُ، فَلايَزالُ زارِياً [زارياً عليها:أي عائباً.] عَلَيْها، وَمُسْتَزِيداً لَها،
فَكوُنُواْ كَالسّابِقِينَ قَبْلَكُمْ وَالْماضِينَ أمامَكُمْ، قَوَّضوا [المسافر منازل سفره أي مراحله ومسافاته.] مِنَ الدُّنْيا تَقْوِيضَ الرّاحِلِ،
وَطَوَوْها طَىَّ الْمَنازِلِ... [الخطبة: '١٧٦'.] نَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحانَهُ أَنْ
يَجْعَلَنا وَإِيّاكُمْ مِمَّن لا تُبْطِرُهُ [لا تُبْطِره النعمة:أي لا تطغيه، لا
تسدل على بصيرته حجاب الغفلة عما هو صائر اليه.] نِعْمَةٌ، وَلاتُقَصِّرُ بِه عَن
طاعَةِ رَبِّهِ غايَةٌ، وَلاتَحِلُّ بِه بَعْدَ الْمَوْتِ نَدامَةٌ وَلاكَآبَةٌ [الخطبة: '٦٤'- تذكرة الخواص: ص ١٤٥ للسبط ابن الجوزي.] . |
|
محاسن الاخلاق
|
|
وانما
بعثت لا تمم مكارم الأخلاق ذاك قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله، اما قول علي
أميرالمؤمنين عليه السلام. ولا قرين لحسن الخلق. [الكلمات
القصار: ١١٣.] وأكرم
الحسب حسن الخلق [الكلمات القصار:
٣٨.] . عندما
نتصفح نهج البلاغة نلتقي بهذهِ الروائع الخالدة. إذا
قَدَرْت على عَدُوِّك فاجْعَلِ العَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقدرة عليه [الكلمات
القصار: ١٠.] فأفضل
الأخلاق هو العفو عنه المقدرة. ويقول أميرالمؤمنين في الرذائل وآثارها
الاجتماعية والنفسية والاقتصادية البخلُ عارٌ، والجُبْنُ منقصة، والفقر يُخْرِسُ
الفَطِنَ عن حُجّتهِ والمُقلُّ غريبٌ في بلدتِهِ، والفجرُ آفةٌ، والصَّبْ
شجاعَةٌ والزُهْدُ ثروةٌ، والوَرَعُ جُنّةٌ [الكلمات
القصار: ٣.] وعن
أم الرذائل وأى الأخلاق الذميمة يقول الامام البخلُ جَامع لمساوئ العُيوب وهو
زِمامٌ يُقادُ به الى كُلِّ سوء. [الكلمات
القصار: ٣٧٨.] ويسخف
الامام أميرالمؤمنين عليه السلام افتخار الانسان بنفسه يقول الامام: ما لابن
آدمَ والفَخْر، أولُهُ نطفَةٌ، وآخِرَهُ جيفةٌ، ولا يَرزُقُ نفسَهُ ولا يَدْفعُ
حنفه [الكلمات
القصار: ٤٥٤.] . يقول
أميرالمؤمنين عليه السلام: أزجُرِ المُسي ءَ بثوابِ المُحسن [الكلمات
القصار: ١٧٧.] . ويقول
أيضاً: احصدِ الشر من صدر غيرك بقلعهِ في صداك. ثم يقول لأحد أصحابه: يا كميل
مُر أهلك أن يَروحوا في كسب المكارم ويُدلجوا في حاجة من هو نائم [الكلمات
القصار: ٢٥٧.] .
|
|
تهذيب الأخلاق، الحجر
الأساس في حياة الإنسان
|
|
عِبادَاللَّهِ، إِنَّ مِنْ أَحَبَّ
عِبادِاللَّهِ إِلَيْهِ عَبْداً أَعانَهُ اللَّهُ عَلى نَفْسِهِ، فَاسْتَشْعَرَ [استشعر: لبس الشعار؛ وهو مايلي البدن من اللباس وتجلبب: لبس الجلباب
وهو مايكون فوق جميع الثياب.] الْحُزْنَ، وَتَجَلْبَبَ الْخَوْفَ، فَزَهَرَ مِصْباحُ الْهُدى [زهر مصباح الهدى: تلألأ وأضاء.] فِي قَلْبِهِ، وَأَعَدَّ الْقِرى [القِرى- بالكسر- مايُهيأ للضيف، وهو هنا العمل الصالح يهيؤه للقاء
الموت وحلول الأجل.] لِيَوْمِهِ النّازِلِ بِهِ، فَقَرَّبَ على نَفْسِهِ الْبَعِيدَ،
وَهَوَّنَ الشَّدِيدَ: نَظَرَ فَأَبْصَرَ، وَذَكَرَ فَاسْتَكْثَرَ، وَارْتَوى
مِنْ عَذْبٍ فُراتٍ سُهِّلَتْ لَهُ مَوارِدُهُ فَشَرِبَ نَهَلاً، [النهل: اوّل الشرب والمراد أخذ حظّاً لا يحتاج معه الى العمل، وهو
الشرب الثاني.] وَسَلكَ سَبِيلاً جَدَداً. [الجَدَد- بالتحريك- الأرض الغليظة،اي
الصّلبة المستوية، ومثلها يسهل السير فيه.] قَدْ خَلَعَ سَرابِيلَ الشَّهَواتِ،
وَتَخَلّى مِنَ الْهُمُومِ إِلاَّ هَمّاً واحِداً انْفَرَدَ بِهِ، فَخَرَجَ مِنْ
صِفَةِ الْعَمى، وَمُشاركَةِ أَهْلِ الْهَوى، وَصارَ مِنْ مَفاتِيحِ أَبْوابِ
الْهُدى، وَمَغالِيق أَبْوابِ الرَّدى قَد أَبْصَرَ طَرِيقَهُ، وَسَلَكَ
سَبِيلَهُ، وَعَرَفَ مَنارَهُ، وَقَطَعَ غِمارهُ، [الغِمار: جمع غَمر- بالفتح- وهو معظم البحر، والمراد أنه عبر بحار
المهالك الى سواحل النجاة.] وَاسْتَمْسَكَ مِنَ الْعُرى بِأوْثَقِها، وَمِنَ الْحِبالِ
بِأَمْتَنِها. فَهُوَ مِنَ الْيَقِينِ عَلى مِثْلِ
ضَوْءِ الشَّمْسِ قَدْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلّهِ سُبْحانَهُ. فِي أرْفَعِ
الْأُمُورِ مِنْ إِصْدارِ كُلِّ وارِدٍ عَلَيْهِ، وَتَصْيِيرِ كُلِّ فَرْعٍ إِلى
أَصْلِهِ، مِصْباحُ ظُلُماتٍ، كَشّافُ عَشَواتٍ، [عشوات: جمع عشوة- بالحركات الثلاث- وهي
الأمر الملتبس.] مِفْتاحُ مُبْهَماتٍ، دَفّاعُ مُعْضِلاتٍ، دَلِيلُ فَلَواتٍ [الفلوات: جمع فلاة، وهي الصحراء الواسعة، مجاز عن مجالات العقول في
الوصول الى الحقائق.] ، يَقولُ فَيُفْهِمُ، وَيَسْكُتُ فَيَسْلَمُ، قَدْ أَخْلَصَ لِلّهِ
فَاسْتَخْلَصَهُ... [الخطبة: '٨٧' ربيع الابرار: "باب العز والشرف" للزمخشري.] |
|
عليكم انفسكم
|
|
فاتقوا اللَّه عباد اللَّه! وبادروا
آجالكم باعمالكم، ['بادروا
آجالكم باعمالكم' أي: سابقوها وعاجلوها بها.] وابتاعوا [ابتاعوا: اشتروا ما يبقى من النعيم الأبدي بما يفنى من لذة الحياة
الدّنيا وشهواتها المنقضية.] ما يبقى لكم، بما يزول عنكم... وكونوا قوماً صيح بهم فانتبهوا
وعلموا انّ الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا، فَاِنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ لَمْ
يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً، وَلَمْ يَترُكْكُمْ سُدًى... [سُدى: مهملين.] فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيا ما
تَحْرُزُونَ [ما تحرزون به انفسكم' أي: تحفظونها به.] بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَدًا"،
فَاتَّقى عَبْدٌ مرَبَّهُ نَصَحَ نَفْسَهُ وَقَدَّمَ تَوْبَتَهُ، وَغَلَبَ
شَهْوَتَهُ، فَإنَّ أَجَلَهُ مَسْتُورٌ عَنْهُ، وَأَمَلَهُ خادِعٌ لَهُ،
وَالشَّيْطانَ مُوَكَّلٌ بِهِ، يُزَيِّنُ لَهُ الْمَعْصِيَةَ لِيَرْكَبَها،
وَيُمَنِّيهِ التَّوْبَةَ لِيُسَوِّفَها [يسوّفها: يؤجّلها ويؤخرها.] ، [الخطبة: '٦٤' تذكرة الخواص ص ١٤٥ للسبط ابن الجوزي.] . |
|
المغبون من غبن نفسه
|
|
فَاللَّهَ اللَّهَ أَيُّهَا النّاسُ
فِيمَا اسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتابِهِ، وَاسْتَوْدَعَكُمْ مِنْ حُقُوقِهِ...
فَاسْتَدْرِكُوْا بَقِيَّةَ أَيّامِكُمْ، وَاصبِروُا لَها أَنفُسَكُمْ ['اصبروا
أنفسكم': إجعلوا لأنفسكم صبراً فيها.].فَاِنَّها قَلِيلٌ فِي
كَثِيرِ الْأَيّامِ الَّتِي تَكوُنُ مِنْكُمْ فِيهَا الْغَفْلَةُ، وَالتَّشاغُلُ
عَنِ الْمَوْعِظَةِ... عِبادَاللَّهِ، إِنَّ أَنصَحَ الناسِ
لِنَفْسِهِ أَطْوَعُهُمْ لِرَبِّهِ، وَإِنَّ أَغَشَّهُمْ لِنَفْسِهِ أَعْصاهُمْ
لِرَبِّهِ، وَالْمَغْبُونُ [المغبون:المخدوع.] مَنْ غَبَنَ نَفْسَهُ، والْمَغْبُوطُ [المغبوط: المستحق لتطلع النفوس إليه والرغبة في نيل مثل نعمته.] مَنْ سَلِمَ لَهُ دِينُهُ، وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ،
وَالشَّقِيٌّ مَنِ انْخَدَعَ لِهَواهُ "وَغُرُورِهِ". وَاعْلَمُوا أَنَّ يَسِيَر الرِّياءِ [الرياء: أن تعمل ليراك الناس، وقلبك غير راغب فيه.] شِرْكٌ، وَمُجالَسَةَ أَهْلِ الْهَوى مَنساةٌ لِلْإِيمانِ، ['منساة
للايمان': موضع لنسيانه، وداعية للذهول عنه.] وَمَحْضَرَةٌ لِلْشَّيْطانِ ['محضرة
للشيطان' مكان لحضوره، وداع له.]. جانِبُوا الْكَذِبَ فَإنَّهُ مُجانِبٌ
لِلْإِيمانِ. الصّادِقُ عَلى شَفا مَنجاةٍ
وَكَرامَةٍ، وَالْكاذِبُ عَلى شَرَفِ مَهْواةٍ وَمَهانَةٍ. وَلاتَح اسَدوُا
فَإنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْإِيمانَ كَما تَأْكُلُ النّارُ الْحَطَبَ، وَلا
تَباغضُوا فِإنَّهَا الْحالِقَةُ. ['فانّها' أي: المباغضة،
'الحالقة' أي الماحية لكل خير وبركة.] وَاعْلَمُوا أَنَّ الْأَمَلَ يُسْهِي
الْعَقْلَ، وَيُنْسِي الذِّكْرَ، فَأَكْذِبُوا الْأَمَلَ فَإنَّهُ غُرُورٌ،
وَصاحِبُهُ مَغْرُورٌ. [الخطبة: '٨٦'- المجالس: ص ١٢٠ للشيخ المفيد- من لا يحضره الفقيه:
١٣٢:١.] |
|
اصلاح النفس قبل
اصلاح الغير
|
|
يا أَيُّهَا النّاسُ، طُوبى لِمَنْ
شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النّاسِ، وَطُوبى لِمَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ،
وَأَكَلَ قُوتَهُ، وَاشْتَغَلَ بِطاعَةِ رَبَّهِ، وَبَكى عَلى خَطِيئِتِه،
فَكانَ مِنْ نَفْسِهِ فِي شُغلٍ، وَالنّاسُ مِنْهُ فِي راحَةٍ [الخطبة: '١٧٦'- الكافي: ٤٤٣:٢- امالي الصدوق: ص ١٥٣.] . يا عَبْدَاللّهِ لاتَعْجَلْ في عَيْبِ
أَحَدٍ بِذَنْبِهِ فَلَعَلَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ، وَلاتَأْمَنْ عَلى نَفْسِكَ
صَغِيرَ مَعْصِيَةٍ فَلَعَلَّكَ مُعَذَّبٌ عَلَيْهِ فَلْيَكْفُفْ مَنْ عَلِمَ
مِنْكُمْ عَيْبَ غَيْرِهِ لِما يَعْلَمُ مِنْ عَيْبِ نَفْسِهِ، وَلْيَكُنِ
الشُّكْرُ شاغِلاً لَهُ عَلى مُعافاتِهِ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ غَيْرُهُ [الخطبة: '١٤٠'- غرر الحكم: ص ١٣٥ و ص ٣٥٩.] . |
|
احفظوا لسانكم
|
|
أَيُّهَا النّاسُ، مَنْ عَرَفَ مِنْ
أَخِيهِ وَثِيقَةَ دِينٍ وَسَدادَ طَرِيقٍ فَلايَسْمَعَنَّ فِيهِ أَقاوِيلَ
الرِّجالِ، أَما إِنَّهُ قَدْيَرْمِي الرّامِي وَتُخْطِي ءُ السِّهامُ،
وَيُحْيِلُ الْكَلامُ، [يُحيل: يتغيّر عن وجه الحق.] وَباطِلُ ذلِكَ يَبُورُ، وَاللّهُ
سَمِيعٌ وَشَهيدٌ. [الخطبة: '١٤١'- الخصال: ١١٠:١، للشيخ الصدوق.]. أَما وَشَرُّالْقَوْلِ الْكَذِبُ-
اِنَّهُ لَيَقُولُ فَيَكْذِبُ، وَيَعِدُ فَيُخْلِفُ، وَيَسْأَلُ فَيُلْحِفُ، [يُلحف: أي يلح.] وَيُسْأَلُ فَيَبْخَلُ، وَيَخُونُ الْعَهْدَ... [الخطبة '٨٤'- عيون الاخبار: ١٦٤:١ و ١٠:٣، لابن قتيبة- العقد
الفريد: ٢٨٧:٢.] أَلا إنَّ اللِّسانَ بَضْعَةٌ [بضعة: قطعة.] مِنَ الْإنُسانِ، فَلايُسْعِدُهُ الْقَوْلُ إذَا امْتَنَعَ، وَلا
يُمْهِلُهُ النُّطْقُ إذَا اتَّسَعَ... [الخطبة: '٢٣٣' الروضة من الكافي: ص
٣٩٦.] وَاجْعَلُواْ اللَّسانَ واحِداً
وَلْيَخْتَزِنِ الرَّجُلُ لِسانَهُ، [ليخزن: كينصر- اي ليحفظ لسانه.] فَإِنَّ هذَا اللَسانَ جَمُوحٌ [الجموح: من جمح الفرس إذا غلب فارسه
فيوشك أن يطرح به في مهلكة فيرديه.] بِصاحِبِهِ، وَاللَّهِ ما أَرى
عَبْدًا يَتَّقِي تَقْوى تَنْفَعُهُ حَتّى يَخْتَزِنَ لِسانَهُ، وَإِنَّ لِسانَ
الْمُؤُمِنِ مِنْ وَراءِ قَلْبِهِ، [لسان المؤمن من وراء قلبه: لسان المؤمن
تابع لاعتقاده، لا يقول إلّا ما يعتقد.] وَإِنَّ قَلْبَ الْمُنافِقِ مِنْ
وَرَاءِ لِسانِهِ. لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذا أَرادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلامٍ
تَدَبَّرَهُ فِي نَفْسِهِ، فَإِنْ كانَ خَيْراً أَبْداهُ، وَإِنْ كانَ شَرًّ
اواراهُ. وَإِنَّ الْمُنافِقَ يَتَكَلَّمُ بِما أَتى عَلى لِسانِهِ، لايَدْرِي
ماذا لَهُ وَماذا عَلَيْهِ وَقَدْ قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَالِهِ: 'لايَسْتَقِيمُ إِيْمانُ عَبْدٍ حَتّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ،
وَلايَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسانُهُ' فَمَنِ اسْتَطاعَ
مِنْكُمْ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ سْبْحانَهُ وَهُوَ نَقِيٌّ الرّاحَةِ مِنْ دِماءِ
الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوالِهِمْ، سَلِيمُ اللَّسانِ مِنْ أَعْراضِهِمْ
فَلْيَفْعَلْ. [الخطبة: '١٧٦' الكافي: ٤٤٣:٢- امالي الصدوق: ص ١٥٣.] اللّهُمَّ اغْفِرْ لِي ما أَنْتَ
أَعْلَمُ بِهِ مِنَّي، فَإنْ عُدْتُ فَعُدْ عَلىَّ بِالْمَغْفِرَةِ اللّهُمَّ
اغْفِرْ لِي ما وَأَيْتُ [وأيت: وعدت، وَأى- كوَعَى- وَعَدَ وضَمنَ.] مِنْ نَفْسِي وَلَمْ تَجِدْ لَهُ
وَفاءٌ عِندِي اللَّهُمَّ اغْفِرْلِي ما تَقَرَّبْتُ بِهِ إلَيْكَ
"بِلِسانِي" ثُمَّ خالَفَهُ قَلْبِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْلِي رَمَزاتِ
الْأَلْحاظِ، [رَمَزات الألحاظ: الإشارة بها، والألحاظ جمع لحظ، وهو باطن العين،
او مؤخّر العين.] وَسَقَطاتِ الْأَلْفاظِ، [سقطات الألفاظ : لغوها.] وَشَهَواتِ الْجَنانِ، [شَهوات الجنان: القلب، واللّب،
وشهواته: ما يكون من ميل منه إلى غير الفضيلة.] وَهَفَواتِ اللِّسان [هفوات اللسان: زلّاته.] ، [الخطبة: '٧٨' المائة المختارة: للجاحظ-
المناقب:ص ٢٧٢ للخوارزمي.] . |
|
محاسبة النفس
وتهذيبها
|
|
عِبادَاللَّهِ، زِنُوا أَنفُسَكُمْ
مِنْ قَبْلِ أَنْ تُوزَنُوا، وَحاسِبُوها مِنْ قَبْلِ أَنْ تُحاسَبُوا، وَتَنَفَّسُواْ
قَبْلَ ضِيقِ الْخِناقِ، وَانْقادُوا قَبْلَ عُنْفِ [العنف: ضد الرفق، ويقال عَنُفَ عليه وَعَنُفَ به- من باب كرم فيهما،
واصل العنيف الذي لا رفق له بركوب الخيل وجمعه عُنُف، والسياق هنا مصدر ساق-
يسوق.] السِّياق، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ لَمْ يُعَنْ ['من
لم يُعَن على نفسه'- مبني للمجهول- أي: من لم يساعده اللَّه على نفسه حتىَّ يكون
لها من وجدانها مُنَبّهٌ، لم ينفعه تنبيه غيره.] عَلى نَفْسِهِ حَتّى يُكُونَ لَهُ
مِنْها واعِظٌ وَزاجِرٌ لَّمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ غَيْرِها زاجِرٌ وَلا واعِظٌ... [الخطبة: '٩٠' النهاية: ٣٤٥:٢، لابن الأثير.]. فَحاسِبْ نَفْسَكَ لِنَفْسِكَ، فَإنَّ
غَيْرَها مِنَ الْأَنفُسِ لَها حَسِيبٌ غَيْرُكَ. [الخطبة: '٢٢٢' عزر الحكم للامدي.] رَحِمَ اللَّهُ
عَبْداً سَمِعَ حُكْماً [الحكم هنا: الحكمة، قال اللَّه تعالى: "وآتيناه الحكم
صبياً" مريم: ١٢، وعى: حَفِظَ وفهم المراد.] فَوَعى، وَدُعِيَ إلى رَشادٍ فَدَنا، [ دنا: قرب من الرّشاد الذي دعا
إليه.] وَأَخَذَ بِحُجْزَةِ [الحُجزة- بالضم- معقد الإزار، والمراد الاقتداء والتمسك، يقال: أخذ
فلان بحجزة فلان، إذا اعتصم به ولجأ إليه.] هادٍ فَنَجا راقَبَ رَبَّهُ، وَخافَ
ذَنْبَهُ، قَدَّمَ خالِصاً، وَعَمِلَ صالِحاً اكْتَسَبَ مَذْخُوراً، [اكتسب مذخوراً: كسب بالعمل الجليل ثواباً يذخره ويُعدّه لوقت حاجته.] وَاجْتَنَبَ مَحْذُوراً، رَمى غَرَضاً، وَأَحْرَزَ عِوَضاً، كابَرَ
هَواهُ، [كابَرَ هواه: غالبه، ويروى 'كاثر' بالمثلّثة أي: غالبه بكثرة افكاره
الصائبة فغلبه.] وَكَذَّبَ مُناهُ، جَعَلَ الصَّبْرَ مَطِيَّةَ نَجاتِهِ،
وَالتَّقْوى عُدَّةَ وَفاتِهِ. رَكِبَ الطَّرِيقَةَ الْغَرّاءَ [الغَرّاء: السيرة الواضحة.] وَلَزِمَ الْمَحَجَّةَ [المحجّة: جادة الطريق ومُعظَمه.] الْبَيْضاءَ، اغْتَنَمَ الْمَهَلَ، [المَهَل هنا: مدّة الحياة مع العافية، فانّه أُمهل فيها دون أن
يُؤخذ بالموت أو تَحُلُّ به بائقة العذاب.] وَبادَرَ الْأَجَلَ، وَتَزَوَّدَ مِنَ
الْعَمَلِ [الخطبة: '٧٦' الروضة من الكافي: ص ١٧٢.] . انتَفِعُوا بِبَيانِ اللَّهِ،
وَاتَّعِظُوا بِمَواعِظِ اللَّهِ، وَاقْبَلُوا نَصِيحَةَ اللَّهِ، فَإِنَّ
اللَّهَ قَدْ أَعْذَرَ إِلَيْكُمْ بِالْجَلِيَّةِ [أعذر اليكم بالجلية: أي بالأعذار الجليّة، والعذر هنا مجاز عن سبب
العقاب في المؤاخذة عند مخالفة الأوامر الالهية.] وَأَخَذَ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ،
وَبَيَّنَ لَكُمْ مَحابَّهُ مِنَ الْإَعْمالِ وَمَكارِهَهُ مِنْها لِتَتَّبِعُوا
هذِهِ وَتَجْتَنِبوُا هذِهِ. فَإِنَّ رَسوُلَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَالِهِ كانَ يَقوُلُ: 'إِنَّ الْجَنَّةَ حُفَّتْ بِالْمَكارِهِ، وَإِنَّ
النّارَ حُفَّتْ بِالشَّهَواتِ'. وَاعْلَمُواْ أَنَّهُ ما مِنْ طاعَةِ اللَّهِ
شَيْءُ إِلاّ يَأْتِي فِي كُرْهٍ، وَما مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ شَىْءٌ إِلاّ
يَأْتِي فِي شَهْوَةٍ، فَرَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً نَزَعَ [نزع عنه: انتهى وأقلع.] عَنْ شَهْوَتِهِ، وَقَمَعَ هَوى
نَفْسِهِ، فَإِنَّ هذِهِ النَّفْس أَبْعَدُ شَىْ ءٍ مَنزَعاً، [أبعد منزعاً: أي نزوعاً بمعنى الإنتهاء والكفّ عن المعاصي.] وَإنَّها لاتَزالُ تَنْزِعُ إِلى مَعْصِيَةٍ فِي هَوىً.
وَاعْلَمُوْا عِبادَ اللَّهِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لايُمْسِي وَلايُصْبِحُ إِلاّ
وَنَفْسُهُ ظَنوُنٌ [ظنون- كصبور- الضعيف والقليل الحيلة.] عِنْدَهُ، فَلايَزالُ زارِياً [زارياً عليها:أي عائباً.] عَلَيْها، وَمُسْتَزِيداً لَها،
فَكوُنُواْ كَالسّابِقِينَ قَبْلَكُمْ وَالْماضِينَ أمامَكُمْ، قَوَّضوا [المسافر منازل سفره أي مراحله ومسافاته.] مِنَ الدُّنْيا تَقْوِيضَ الرّاحِلِ،
وَطَوَوْها طَىَّ الْمَنازِلِ... [الخطبة: '١٧٦'.] نَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحانَهُ أَنْ
يَجْعَلَنا وَإِيّاكُمْ مِمَّن لا تُبْطِرُهُ [لا تُبْطِره النعمة:أي لا تطغيه، لا
تسدل على بصيرته حجاب الغفلة عما هو صائر اليه.] نِعْمَةٌ، وَلاتُقَصِّرُ بِه عَن
طاعَةِ رَبِّهِ غايَةٌ، وَلاتَحِلُّ بِه بَعْدَ الْمَوْتِ نَدامَةٌ وَلاكَآبَةٌ [الخطبة: '٦٤'- تذكرة الخواص: ص ١٤٥ للسبط ابن الجوزي.] . |