- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
سُورَةُ
الرَّعْد مَكّيّة وعَدَدُ آياتِها ثلاث وَأَرْبَعُون آية
|
|
سورة الرعد |
|
محتوى
السّورة
|
|
كما قلنا سابقاً، بما أنّ السور المكيّة
كان نزولها في بداية دعوة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وأثناء محاربته
للمشركين، فإنّها غالباً ما كانت تتحدّث عن المسائل العقائدية وخصوصاً الدعوة
إلى التوحيد والمعاد ومحاربة الشرك. في الوقت الذي نرى
فيه أنّ السور المدنية نزلت بعد إنتشار الإسلام وقيام الحكومة الإسلامية،
فقد تناولت الأحكام والمسائل المتعلّقة بالنظام الإجتماعي وإحتياجات المجتمع. |
|
الآيات(1) (4) المر تِلْكَ ءَايَتُ الْكِتَبِ وَالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ
مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ (1)
|
|
المر تِلْكَ
ءَايَتُ الْكِتَبِ وَالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ (1) اللهُ الَّذِى رَفَعَ السَّمَوَتِ
بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لاَِجَل مُّسَمّىً يُدَبِّرُ الاَْمْرَ يُفَصِّلُ
الاَْيَتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِى مَدَّ
الاَْرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَسِىَ وَأَنْهَراً وَمِن كُلِّ الَّثمَرَتِ جَعَلَ
فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاََيَت لِّقَوْم
يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِى الاَْرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَوِرَتٌ وَجَنَّتٌ مِّنْ
أَعْنَب وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَان يُسْقَى بِمَاء وَحِد
وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْض فِى الاُْكُلِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاََيَت
لِّقَوْم يَعْقِلُونَ (4) |
|
التّفسير |
|
آيات الله في السّماء والأرض وعالم النّبات:
|
|
مرّةً أُخرى نواجه الحروف
المقطّعة في بداية هذه السورة، والتي وردت في (29) سورة أُخرى، ولكن الحروف المقطّعة المذكورة هنا تتكوّن من (الم) التي وردت في بداية عدّة سور، و (الر) والتي وردت في بداية سور أُخرى، وفي الواقع إنّ هذه السورة
تنفرد عن غيرها من السور بـ(المر). |
|
هناك عدّة نقاط:
|
|
1
ـ ما هي وجه العلاقة بين التوحيد والمعاد؟
|
|
كان الحديث في بداية الآية عن
التوحيد وأسرار الكون، ولكن نقرأ في نهايتها (يفصّل الآيات لعلّكم بلقاء ربّكم توقنون) فما هي وجه
العلاقة بين التوحيد والمعاد حتّى تكون الواحدة نتيجة للاُخرى؟ |
|
2
ـ الإعجاز العلمي للقرآن
|
|
هناك آيات كثيرة في القرآن
المجيد أزاحت الستار عن مجموعة من الأسرار العلمية التي كانت خافية على العلماء
في ذلك الوقت. وهذه واحدة من دلائل إعجاز وعظمة القرآن، وغالباً ما كان يشير
إليها كثير من المحقّقين في مسألة الإعجاز. |
|
3
ـ تسخير الشمس والقمر
|
|
قرأنا في الآيات السابقة أنّ
الله سخّر الشمس والقمر، كما نقرأ في آيات كثيرة أُخرى عن تسخير السّماء والأرض
والليل والنهار للإنسان. فنقرأ في آية (وسخّر لكم
الأنهار)( إبراهيم، 32.) وفي آية أُخرى (وسخّر لكم الفلك)( إبراهيم،
32.)(سخّر لكم الليل والنهار)( النحل، 12.) (وسخّر لكم
الشمس والقمر)( إبراهيم، 33.) (وهوالذي سخّر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً)( النحل، 14.) (ألم تر أنّ
الله سخّر لكم ما في الأرض)( الحجّ، 65.)
(وسخّر لكم ما في السّماوات وما في الأرض جميعاً منه)( الجاثية، 13.). |
|
من مجموع هذه الآيات يمكن أن نستفيد ما يلي:
|
|
من مجموع هذه
الآيات يمكن أن نستفيد ما يلي: أوّلا: إنّ الإنسان أكمل من جميع الموجودات في هذا العالم، فمن
وجهة إسلامية نرى أنّ الشريعة الإسلامية تعطي للإنسان القيمة الكبيرة بحيث تسخّر
له كلّ ما في الكون، فهو خليفة الله، وقلبه مستودع نوره! |
|
الآيتان(5) (6) وَإِن
تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءِذَا كُنَّا تُرَباً أَءِنَّا لَفِى خَلْق
جَدِيد
|
|
وَإِن تَعْجَبْ
فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءِذَا كُنَّا تُرَباً أَءِنَّا لَفِى خَلْق جَدِيد
أُوْلَئِك الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الاَْغْلَلُ فِى
أَعْنَاقِهِم وَأُوْلَئِكَ أَصْحَبُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ (5)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن
قَبْلِهِمُ الْمَثُلَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَة لِّلنَّاسِ عَلَى
ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6) |
|
التّفسير |
|
تعجّب الكفّار من المعاد:
|
|
بعد ما إنتهينا من البحث
السابق عن عظمة الله ودلائله، تتطرّق الآية الأُولى من
هذه المجموعة إلى مسألة المعاد التي لها علاقة خاصّة بمسألة المبدأ،
ويؤكّد القرآن الكريم هذا المعنى حيث يقول: (وإن تعجب
فعجب قوله أءِذا كنّا تراباً أَءِنّا لفي خلق جديد)( ويحتمل في تفسير جملة (إن تعجب فعجبُ قولهم) إنّ المقصود منه
إن تعجب من عبادتهم للأصنام فالأعجب أن ينكروا المعاد، ولكن هذا الإحتمال غير
وارد، والصحيح ما هو ظاهر الآية المذكور في المتن.) أي إذا أردت أن
تتعجّب من قولهم هذا فتعجب لقولهم في المعاد. |
|
ملاحظتان
|
|
1 ـ لماذا التعجّب في الخلق الجديد؟
|
يستفاد من خلال آيات متعدّدة
في القرآن الكريم أنّ من جملة مشاكل الأنبياء مع المشركين إثبات «المعاد
الجسماني» لأنّهم كانوا يتعجّبون دائماً من هذا الموضوع
وهو: كيف يبعث الإنسان من جديد بعد أن صار تُراباً؟ كما أشارت إليه الآية
السابقة (أءِذا كنّا تراباً أءِنّا لفي خلق جديد)
وهناك سبع آيات أُخرى تشير إلى هذا الموضوع (الآية 35 و
82 من سورة المؤمنون ـ 27 النمل ـ 16 و53 الصافات ـ 3ق ـ 47 الواقعة). |
|
2 ـ هل إنّ الله يعفو عن الظالمين؟
|
|
قرأنا في الآيات المتقدّمة
أنّ الله يعفو ويغفر للذين ظلموا، وهذا الغفران غير لازم لمن يصرّ على ظلمه،
ولكنّه من باب إعطاء الفرصة لهم لأن يصلحوا أنفسهم، وإلاّ فهو تعالى شديد
العقاب. |
|
|
الآية(7) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ
مِّن رَّبِّهِ
|
|
وَيَقُولُ
الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا
أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هَاد (7) |
|
التّفسير |
|
ذريعة أُخرى!
|
|
بعد ما أشرنا في الآيات
السابقة إلى مسألة «التوحيد» و «المعاد»، تتطرّق هذه الآية إلى واحدة من
إعتراضات المشركين المعاندين حول مسألة النبوّة: (ويقول
الذين كفروا لولا أُنزل عليه آية من ربّه). |
|
بحثان هنا يرد سؤالان:
|
|
1
ـ هل الآية «إنّما أنت منذر...» جواب للكفّار؟
|
|
كيف يمكن لجملة (إنّما أنت منذر ولكلّ قوم هاد) أن تكون جواباً
للكفّار عند طلبهم المعجزة؟ |
|
2 ـ ما هو
المقصود من جملة (لكلّ قوم هاد)؟
|
|
قال بعض المفسّرين: إنّ هاتين الصفتين (منذر) و (هاد) صفتان للرسول، فأصل الجملة تكون
(أنت منذر وهاد لكلّ قوم). نقول في جواب هذا
السؤال: إنّ الإنذار للذين أضلّوا الطريق ودعوتهم تكون إلى الصراط
المستقيم، ولكن الهداية والإستقامة للذين آمنوا. |
|
الآيات(8) (10) اللهُ
يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الاَْرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ
|
اللهُ يَعْلَمُ مَا
تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الاَْرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَىء
عِندَهُ بِمِقْدَار (8) علِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَدَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ
(9) سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ
مُسْتَخْف بِالَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) |
|
التّفسير |
|
عِلمِ
الله المطلق:
|
|
نقرأ في هذه الآيات قسماً من
صفات الخالق، والتي تكمل بحث التوحيد والمعاد، فالحديث عن علمه الواسع ومعرفته
بكلّ شيء، هو ذاك العلم الذي يقوم عليه نظام التكوين وعجائب الخلقة وآيات
التوحيد، وهو العلم الذي يكون أساساً للمعاد والعدالة الإلهيّة يوم القيامة وهذه الآيات إستندت إلى هذين القسمين: (العلم بنظام التكوين، والعلم بأعمال العباد). |
|
|
في
تفسير هذه الجمل الثلاث هناك آراء مختلفة بين المفسّرين:
|
|
يعتقد البعض ـ أنّها تشير ـ كما ذكرنا آنفاً ـ إلى وقت الولادة، وهي على ثلاثة أنواع: فمرّة يولد المولود قبل موعده. ومرّة في موعده،
وأُخرى بعد الموعد المقرّر. فالله يعلم كلّ ذلك
ويعلم لحظة الولادة بالتحديد، وهذه من الأُمور التي لا يستطيع أي أحد أو جهاز أن
يحدّد موعده، وهذا العلم خاص بذات الله المنزّهة، وسببه واضح لأنّ إستعدادات
الأرحام والأجنّة مختلفة، ولا أحد يعلم بهذا التفاوت. |
|
بحوث
|
|
1 ـ القرآن وعلم
الأجنّة
|
|
أشار القرآن المجيد مراراً
إلى مسألة الجنين وعجائب تكوينه ليكون أحد الأدلّة على التوحيد ومعرفة الله
وعلمه المطلق، وبالطبع فإنّ علم الأجنّة واحد من العلوم الحديثة وكان سابقاً
عبارة عن معلومات أوّليّة محدودة ثمّ توسعت في هذا العصر. ولكن بتقدّم العلم
والمعرفة حدثت قفزة في هذا المجال كشفت عن كثير من أسرار هذا العالم الساكن
والهادىء وعن كثير من عجائبه بحيث نستطيع أن نقول:
إنّ أكبر درس للتوحيد ومعرفة الله كامنٌ في تكوين الجنين ومراحل تكامله. |
|
2 ـ كلّ شيء له
مقدار
|
|
نحن نقرأ في آيات
مختلفة من القرآن الكريم أنّ كلّ شيء له
حدّ محدود ولا يتجاوزه، ففي الآية (3) من سورة الطلاق يقول تعالى: (قد جعل الله لكلّ شيء قدراً)وفي الآية 21 سورة الحجر
يقول تعالى: (وإن من شيء إلاّ عندنا خزائنه وما ننزله
إلاّ بقدر معلوم) والآية التي نحن بصددها (وكلّ
شيء عنده بمقدار). |
|
3 ـ الغيب
والشهادة سواء عند الله
|
|
إستندت هذه الآيات إلى أنّ
الغيب والشهادة معلومان عند الله، فهما مفهومان
نسبيان وتستخدمان للكائن الذي علمه ووجوده محدود، وعلى سبيل المثال نحن نمتلك حواساً ذات مدى نسبي،
فمتى ما كان الشيء داخلا في هذا المدى فهو شاهد بالنسبة لنا، وما كان خارجاً عنه
فهو غيب، فلو فرضنا أنّ أبصارنا لها قدرة غير محدودة ويمكنها النفوذ في باطن
الأشياء وإدراكها، فإنّ كلّ شيء يعتبر شاهد عندنا. |
|
4 ـ الآثار التربوية
في إدراكنا لعلم الله
|
|
أثناء قراءتنا
للآيات الماضية التي تقول: إنّ الله يعلم
السرّ والجهر من القول وحركاتكم في الليل والنهار وكلّها مشهودة عنده، هل نجد في
أنفسنا إيماناً بهذه الحقيقة؟.. لو كنّا مؤمنين بذلك حقّاً ونشعر بأنّ الله
تعالى مطّلع علينا فانّ هذا الإيمان والإحساس الباطني يبعث على تغيير عميق في
روحنا وفكرنا وقولنا وضمائرنا؟. |
|
الآية(11) لَهُ
مُعَقِّبَتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ
اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْم
|
|
لَهُ مُعَقِّبَتٌ
مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ
اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْم حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا
أَرَادَ اللهُ بِقَوْم سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن
وَال (11) |
|
التّفسير |
|
المعقّبات
الغيبية!
|
|
علمنا في الآيات السابقة أنّ
الله بما أنّه عالم الغيب والشهادة فإنّه يعلم أسرار الناس وخفاياهم، وتضيف هذه
الآية أنّه مع حفظ وحراسة الله لعبادة فإنّ (له معقّبات من بين يديه ومن خلفه
يحفظونه من أمر الله)( هناك حديث بين المفسّرين في أنّ
الضمير (له) لمن يعود، وكما تشير الآية فإنّه يعود للإنسان كما تؤكّد عليه
الآيات السابقة، ولكن بعضهم قال: يعود للنبي أو لله. وهذا يخالف ما جاء في ذيل
الآية[فتأمّل].). |
|
بحوث
|
|
1 ـ ما هي
المعقّبات؟
|
|
«المعقّبات»
كما جاء في مجمع البيان للعلاّمة الطبرسي وكما قاله بعض المفسّرين جمع (معقبة)
وهي بدورها جمع (معقّب) ومعناه المجموعة التي تعمل بشكل متناوب ومستمر. والظاهر من الآية أنّ
الله سبحانه وتعالى أمر مجموعة من الملائكة بأن يحفظوا الإنسان في الليل والنهار
ومن بين يديه ومن خلفه. |
|
2 ـ التغيير يبدأ
من النفس (قانون عام)
|
|
تبيّن الجملة (إنّ الله لا يغيّر ما بقوم) والتي جاءت في موردين
متفاوتين في القرآن الكريم، أنّها قانون عام، قانون حاسم ومنذر! هذا القانون الذي
هو واحد من القوانين الأساسيّة لعلم الإجتماع في الإسلام، يقول لنا: إنّ ما يصيبكم هو من عند أنفسكم، وما أصاب القوم من
السعادة والشقاء هو ممّا عملت أيديهم، وما يقال من الحظّ والصدفة وما يحتمله
المنجّمون ليس له أساس من الصحّة، فالأساس والقاعدة هي إرادة الأُمّة إذا أرادت
العزّة والإفتخار والتقدّم، أو العكس إن أرادت هي الذلّة والهزيمة، حتّى اللطف
الإلهي أو العقاب لا يكون إلاّ بمقدّمة. فتلك إرادة الاُمم في تغيير ما بأنفسهم
حتّى يشملهم اللطف أو العذاب الإلهي. هناك كتب ومؤلّفات
كثيرة كتبت عن عوامل إنتصار المسلمين الأوائل ثمّ تضعضع سلطانهم بعد حين، وكثير من تلك الأبحاث ظلّت تتعثّر في الطرق الملتوية،
ولكن إذا ما أردنا أن نستلهم من الأصل أعلاه والصادر من منبع الوحي فيجب أن نبحث
عن ذاك النصر أو تلك الهزيمة وعن عواملها الفكرية والعقائدية والأخلاقية في
المسلمين. ففي الثورات المعاصرة ومن جملتها الثورة الإسلامية في إيران، أو ثورة
الجزائر أو ثورة المسلمين الأفغان، نشاهد بوضوح إنطباق
هذا الأصل القرآني عليها. فقبل أن تغيّر الدول المستعمرة والمستكبرة
طريقتها في التعامل معنا، غيّرنا نحن ما بأنفسنا فتغيّر كلّ شيء. |
|
الآيات(12) (15) هُوَ
الَّذِى يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ
|
|
هُوَ الَّذِى
يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12)
وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ
الصَّوَعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَدِلُونَ فِى اللهِ وَهُوَ
شَدِيدُ الِْمحَالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن
دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَىْء إِلاَّ كَبَسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى
الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَلِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَفِرِينَ
إِلاَّ فِى ضَلَل (14) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِى السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ
طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلَلُهُم بِالْغُدُوِّ وَالاَْصَالِ(15) |
|
التّفسير |
|
قسمٌ
آخر من دلائل عظمة الله:
|
|
يتطرّق القرآن
الكريم مرّةً ثانية إلى آيات التوحيد وعلائم العظمة وأسرار الخلقة. فهذه الآيات تحاول أن تقرّب العلاقة بين الإنسان وربّه
من خلال الإشارة إلى بعض الظواهر الطبيعيّة بشكل موجز وعميق المعنى لكي يشعّ نور
الإيمان في قلوب الناس، فتشير أوّلا إلى البرق (هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً)فالبرق بشعاعه يبهر
العيون من جانب، ويحدث صوتاً مخيفاً وهو الرعد من جانب آخر، وقد يسبّب أحياناً
الحرائق للناس وخصوصاً في المناطق الصحراوية فيبعث على خوفهم ومن جانب آخر فإنّه
يسبّب هطول الأمطار ويروي ظمأ الصحراء ويسقي المزروعات فيطمع فيه الناس، وبين
هذا الخوف والرجاء تمرّ عليهم لحظات حسّاسة. ثمّ تضيف الآية (وينشيء السحاب الثقال)القادرة على أرواء ظمأ الأراضي
الزراعية. |
|
بركات
الرعد والبرق:
|
|
نحن نعلم أنّ ظاهرة
البرق في المفهوم العلمي هي إقتراب سحابتين إحداهما من الأُخرى، وهما تحملان
شحنات سالبة وموجبة، فيتمّ تفريغ
الشحنات بين السحابتين فتحدث شرارة عظيمة، ويحدث مثل ذلك عند إقتراب سلكين
أحدهما سالب والآخر موجب، وإذا كنّا قريبين منهما فإنّنا نسمع صوتاً خفيفاً،
ولكن لإحتواء الغيوم على شحنات هائلة من الألكترونات فانّهما تحدثان صوتاً
شديداً يسمّى الرعد. ويمكن أن تكون الجملة (وينشىء السحاب الثقال) لها علاقة بالبرق الذي
يصنع هذه الغيوم المليئة بالمياه. |
|
بحوث
|
|
1 ـ ما هو
المقصود من سجود الكائنات؟
|
|
السجدة في هذه الموارد تعني الخضوع
والتسليم، فإنّ جميع الملائكة والناس ذوي العقول والأفكار متواضعين لله وخاضعين
لأوامره، وهناك نوعان من السجود، سجود تكويني وهو أنّ الكلّ خاضعون ومسلّمون
للقوانين الطبيعيّة مثل الحياة والممات والمرض و.. و..، والبعض منهم له سجود
تشريعي بالإضافة إلى السجود التكويني، فهم بميلهم وإرادتهم يسجدون لله. |
|
2 ـ ما هو معنى
(طوعاً وكرهاً)؟
|
|
عبارة (طوعاً وكُرهاً) يمكن أن تكون إشارة إلى أنّ المؤمنين
خاضعون لله بميلهم وإرادتهم، وأمّا غير المؤمنين فهم خاضعون كذلك للقوانين
الطبيعيّة التي تسير بأمر الله إن شاؤوا وإن أبوا. |
|
3 ـ ما هو معنى
كلمة (الظِّلال)؟
|
|
«الظِّلال» جمع «ظِل» وإستعمال هذه الكلمة في الآية يشير إلى أنّ
المقصود في السجود ليس فقط السجود التشريعي، فظِلال الكائنات ليست خاضعة
لإرادتهم وإختيارهم، بل هو تسليم لقانون الضوء، وعلى هذا يكون سجودهم تكويني،
يعني التسليم لقوانين الطبيعيّة. وطبيعي ليس المقصود من «الظلال» أنّ جميع ما في السّماوات والأرض لها وجود
مادّي كي يكون لها ظلال، ولكن الآية تشير إلى
تلك الأشياء التي لها ظلال، فمثلا يُقال: إنّ
جمعاً من العلماء وأبنائهم شاركوا في المجلس الكذائي، وليس المقصود هنا أنّ لكلّ
العلماء أبناء «فتدبّر». |
|
4 ـ ما هو معنى
كلوة (الآصال)؟
|
|
«الآصال» جمع «أُصل» وهي جمع «أصيل»
ومعناه آخر وقت من النهار، ولذلك يعتبر أوّل الليل، والغدو
جمع غداة بمعنى أوّل
النهار. |
|
الآية(16) قُلْ مَن
رَّبُّ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِن دُونِهِ
أَوْلِيَاءَ
|
|
قُلْ مَن رَّبُّ
السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِن دُونِهِ
أَوْلِيَاءَ لاَ يَمْلِكُونَ لاَِنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ
يَسْتَوِى الاَْعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِى الظُّلُمَتُ وَالنُّورُ
أَمْ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَبَهَ الْخَلْقُ
عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَلِقُ كُلِّ شَىْء وَهُوَ الْوَحِدُ الْقَهَّرُ (16) |
|
التّفسير |
|
لماذا
عبادة الأصنام؟
|
|
كان البيان في
الآيات السابقة عن معرفة الله وإثبات وجوده،
وهذه الآية تبحث عن ضلال المشركين والوثنيين
وتتناوله من عدّة جهات، حيث تخاطب ـ أوّلا ـ
النّبي (ص) حيث تقول: (قل من ربّ السموات والأرض).
ثمّ تأمر النّبي أن يجيب على السؤال قبل أن ينتظر جوابهم (قل الله) ثمّ إنّه يلومهم ويوبّخهم بهذه الجملة (قل أفاتّخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا
ضرّاً). |
|
بحوث |
|
1 ـ الخالقية
والرّبوبية يتطلبّان العبادة
|
|
يمكن أن يستفاد من
الآية أعلاه أنّ الخالق هو الربّ
المدبّر، لأنّ الخلقة أمرٌ مستمر ودائمي، وليس من خلق الكائنات يتركهم وشأنهم،
بل إنّه تعالى يفيض بالوجود عليهم بإستمرار وكلّ شيء يأخذ وجوده من ذاته
المقدّسة، وعلى هذا فنظام الخلقة وتدبير العالم كلّها بيد الله، ولهذا السبب
يكون هو النافع والضارّ. وغيره لا يملك شيء إلاّ منه، فهل يوجد أحدٌ غير الله
أحقّ بالعبادة؟ |
|
2 ـ كيف يسأل
ويجيب بنفسه؟
|
|
بالنظر إلى الآية
أعلاه يطرح هذا السؤال: كيف أمر الله نبيّه
أن يسأل المشركين: من خلق السماوات والأرض؟ وبعدها بدون أن ينتظر منهم الجواب
يأمر النّبي أن يجيب هو على السؤال ... وبدون فاصلة
يوبّخ المشركين على عبادتهم الأصنام، أي طراز هذا في السؤال والجواب؟ |
|
3 ـ العين
المبصرة ونور الشمس شرطان ضروريان
|
|
يشير ظاهر المثالين (الأعمى والبصير)
و (الظّلمات والنّور) إلى هذه الحقيقة،
وهي أنّ النظر يحتاج إلى شيئين: العين المبصرة،
وشعاع الشمس، بحيث لو إنتفى واحد منهما فإنّ الرؤية لا
تتحقّق، والآن يجب أن نفكّر: كيف حال الأفراد المحرومين من البصر
والنّور؟ المشركون المصداق الواقعي لهذا، فقلوبهم عُميٌ ومحيطهم مليءٌ بالكفر
وعبادة الأصنام، ولهذا السبب فهم في تيه وضياع.
وعلى العكس فالمؤمنون بنظرهم إلى الحقّ، وإستلهامهم من نور الوحي وإرشادات
الأنبياء عرفوا مسيرة حياتهم بوضوح. |
|
4 ـ هل أنّ خلق
الله لكلّ شيء دليل على الجبر؟
|
|
إستدلّ جمعٌ من أتباع مدرسة
الجبر أنّ جملة (الله خالق كلّ شيء) في الآية
أعلاه لها من السعة بحيث تشمل حتّى عمل الأفراد، فالله خالق أعمالنا ونحن غير
مختارين. |
|
الآية(17) أَنزَلَ
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ
زَبَداً
|
|
أَنزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ
زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ
حِلْيَة أَوْ مَتَع زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ
وَالْبَطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ
النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الاَْرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الاَْمْثَالَ (17) |
|
التّفسير |
|
وصف
دقيق لمنظر الحقّ والباطل:
|
|
يستند القرآن الكريم ـ الذي يعتبر كتاب هداية وتربية ـ في طريقته إلى
الوقائع العينيّة لتقريب المفاهيم الصعبة إلى أذهان الناس من خلال ضرب الأمثال
الحسّية الرائعة من حياة الناس، وهنا ـ أيضاً ـ لأجل أن يُجسّم حقائق الآيات
السابقة التي كانت تدور حول التوحيد والشرك، الإيمان والكفر، الحقّ والباطل،
يضرب مثلا واضحاً جدّاً لذلك .. |
|
بحوث
|
|
هذا المثال البليغ الذي عبّر
عنه القرآن الكريم بألفاظ موزونة وعبارات منظّمة. وصوّر فيها الحقّ والباطل
بأروع صورة، فيه حقائق مخفيّة كثيرة ونشير هنا إلى قسم
منها: |
|
1 ـ ما هي علائم
معرفة الحق والباطل؟
|
|
يحتاج الإنسان في بعض الأحيان
لمعرفة الحقّ والباطل ـ إذا أشكل عليه الأمر ـ إلى علائم وأمثال حتّى يتعرّف من
خلالها على الحقائق والأوهام. وقد بيّن القرآن الكريم هذه العلامات من خلال
المثال أعلاه: |
|
2 ـ ما هو
الزّبد؟
|
|
«الزبد» بمعنى الرغوة التي تطفوا على
السائل، والماء الصافي أقلّ رغوة، لأنّ
الزبد يتكوّن بسبب إختلاط الأجسام الخارجية مع الماء،
ومن هنا يتّضح أنّ الحقّ لو بقي على صفائه ونقائه لم يظهر فيه الخبث
أبداً، ولكن لإمتزاجه بالمحيط الخارجي الملوّث
فإنّه يكتسب منه شيئاً، فتختلط الحقيقة مع الخرافة،
والحقّ بالباطل، والصافي
بالخابط. فيظهر الزبد الباطل إلى جانب الحقّ. |
|
3 ـ الإستفادة
تكون بقدر الإستعداد واللياقة!
|
|
يستفاد من هذه
الآية ـ أيضاً ـ أنّ مبدأ الفيض
الإلهي لا يقوم على البخل والحدود الممنوعة، كما أنّ السحاب يسقط أمطاره في كلّ
مكان بدون قيد أو شرط، وتستفيد الأرض والوديان منها على قدر وسعها، فالأرض الصغيرة تستفيد أقلّ والأرض الواسعة تستفيد أكثر، وهكذا
قلوب الناس في مقابل الفيض
الإلهي. |
|
4 ـ الباطل
والأوضاع المضطربة
|
|
عندما يصل الماء إلى السهل أو
الصحراء ويستقرّ فيها، تبدأ المواد المختلطة مع الماء بالترشّح ويذهب الزبد
فيظهر الماء النقي مرّةً ثانية، وعلى هذا النحو فالباطل
يبحث عن سوق مضطربة حتّى يستفيد منها، ولكن بعد إستقرار السوق وجلوس كلّ
تاجر في مكانه المناسب وتحقّق الإلتزامات والضوابط في المجتمع، لا يجد الباطل له
مكاناً فينسحب بسرعة! |
|
5 ـ الباطل
يتشكّل بأشكال مختلفة
|
|
إنّ واحدة من خصائص الباطل هي
أنّه يغيّر لباسه من حين لآخر، حتّى إذا عرفوه بلباسه يستطيع أن يخفي وجهه بلباس
آخر، وفي الآية أعلاه إشارة لطيفة لهذه المسألة،
حيث تقول: لا يظهر الزبد في الماء فقط، بل يظهر حتّى في الأفران المخصوصة لصهر
الفلزات بشكل ولباس آخر، وبعبارة أُخرى فإنّ
الحقّ والباطل موجودان في كلّ مكان كما يظهر الزبد في السوائل بالشكل المناسب
لها. وعلى هذا يجب أن لا نُخدع بتنوّع الوجوه وأن نعرف أوجه الباطل ونطرحه
جانباً. |
|
6 ـ إرتباط
البقاء بالنفع
|
|
تقول الآية: (وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) ليس الماء فقط
يبقى ويذهب الزبد الطافي عليه، بل حتّى الفلزات تلك التي تستعمل للزينة أو
للمتاع يبقى الخالص منها ويذهب خبثه. وعلى هذا النحو فالناس والمدارس والمبادىء
لهم حقّ الحياة على قدر منفعتهم، وإذا ما رأينا بقاء أصحاب المباديء الباطلة
لفترة فانّ ذلك بسبب وجود ذلك المقدار من الحقّ الذي إختلط فيه، وبهذا المقدار
له حقّ الحياة. |
|
7 ـ كيف يطرد
الحقّ الباطل؟
|
|
«الجفاء» بمعنى الإلقاء والإخراج، ولهذا نكتة
لطيفة وهي أنّ الباطل يصل إلى درجة لا يمكن فيها
أن يحفظ نفسه، وفي هذه اللحظة يُلقى خارج
المجتمع، وهذه العملية تتمّ في حالة هيجان الحقّ،
فعند غليان الحقّ يظهر الزبد ويطفو على سطح ماء القدر ويُقذف إلى الخارج، وهذا دليل على أنّ الحقّ يجب أن يكون في حالة هيجان
وغليان دائماً حتّى يُبعد الباطل عنه. |
|
8 ـ الباطل مدينٌ
للحقّ ببقائه
|
|
كما قلنا في تفسير
الآية، فلو لم يكن الماء لما وجد الزبد، ولا يمكن له أن يستمر،
كما أنّه لولا وجود الحقّ فانّ الباطل لا معنى له ولو لم يكن هناك أشخاص صادقون
لما وقع أحد تحت تأثير الأفراد الخونة ولما صدّق بمكرهم، فالشعاع الكاذب للباطل
مدين في بقائه لنور الحقّ. |
|
9 ـ صراع الحقّ
والباطل مستمر
|
|
المثال الذي ضربهُ لنا القرآن
الكريم في تجسيم الحقّ والباطل ليس مثالا محدوداً في زمان ومكان معينين، فهذا
المنظر يراه الناس في جميع مناطق العالم المختلفة، وهذا يبيّن أنّ عمل الحقّ
والباطل ليس مؤقتاً وآنياً. وجريان الماء العذب والمالح مستمر إلى نفخ الصور، إلاّ إذا تحوّل المجتمع إلى مجتمع مثالي (كمجتمع عصر الظهور
وقيام الإمام المهدي (عليه السلام)) فعنده ينتهي هذا الصراع، وينتصر
الحقّ ويطوي بساط الباطل، وتدخل البشرية مرحلة جديدة من تاريخها، وإلى أن نصل
إلى هذه المرحلة فالصراع مستمر بين الحقّ والباطل، ويجب أن نحدّد موقفنا في هذا
الصراع. |
|
10 ـ تزامن
الحياة مع السعي والجهاد
|
|
المثال الرائع أعلاه يوضّح
هذا الأساس لحياة الناس، وهو أنّ الحياة بدون جهاد غير ممكنة، والعزّة بدون سعي
غير ممكنة أيضاً، لأنّه يقول: يجب أن يذهب الناس إلى المناجم لتهيئة مستلزمات
حياتهم في المتاع والزينة (إبتغاء حلية أو متاع).
وللحصول على هذين الشيئين يجب تنقية المواد الخام من الشوائب بواسطة نيران
الأفران للحصول على الفلز الخالص الصالح للإستعمال، وهذا لا يتمّ إلاّ من خلال
السعي والمجاهدة والعناء. |
|
الأمثال
في القرآن:
|
|
إنّ دور المثال في توضيح
وتفسير الغايات له أهميّة كبيرة غير قابلة للإنكار، ولهذا السبب لا يوجد أي علم
يستغني عن ذكر المثال لإثبات وتوضيح الحقائق وتقريب معناها إلى الأذهان، وتارةً
ينطبق المثال مع المقصود بشكل يجعل المعاني الصعبة تنزل من السّماء إلى الأرض
وتكون مفهومة للجميع، فيمكن أن يقال: إنّ المثال له دور مؤثّر في مختلف الأبحاث
العلمية والتربوية والإجتماعية والأخلاقية وغيرها، ومن
جملة تأثيراته: وبالنسبة إلى
المنافقين الذين يقضون في ظلّ نفاقهم أيّاماً مريحة ظاهراً، فانّ القرآن الكريم
يضرب مثالا رائعاً عن حالهم، فيشبهّهم بالمسافرين في الصحراء فيقول (يكاد البرق يخطف أبصارهم
كلّما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم
وأبصارهم إنّ الله على كلّ شيء قدير).( البقرة، 20.) |
|
الآية(18) لِلَّذِينَ
اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى
|
|
لِلَّذِينَ
اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ
أَنَّ لَهُم مَّا فِى الاَْرْضِ جَمِيعَاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ
أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَيهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ
الْمِهَادُ (18) |
|
التّفسير |
|
الذين
استجابوا لدعوة الحقّ:
|
|
بعد ما كشفت الآيات السابقة
عن وجهي الحقّ والباطل من خلال مثال واضح وبليغ، أشارت هذه الآية إلى مصير الذين
إستجابوا لربّهم والذين لم يستجيبوا لهذه الدعوة واتّجهوا صوب الباطل. تقول أوّلا: (للذين إستجابوا
لربّهم الحسنى). |
|
فما
هو المقصود من سوء الحساب؟
|
|
للمفسّرين آراء
مختلفة حيث يعتقد البعض أنّه الحساب الدقيق بدون أي عفو أو
مسامحة، فسوء الحساب ليس بمفهوم الظلم، لأنّ الله سبحانه وتعالى هو العدل
المطلق، ويؤيّد هذا المعنى الحديث الوارد عن الإمام الصادق (ع) أنّه قال لرجل:
«يافلان مالك ولأخيك؟» قال: جعلت فداك كان لي عليه حقّ فأستقصيت منه حقّي إلى
آخره، وعنده سماع الإمام لهذا الجواب غضب وجلس ثمّ قال: «كأنّك إذا استقصيت حقّك
لم تسيء إليه! أرأيت ما حكى الله عزّوجلّ (ويخافون سوء
الحساب) أتراهم يخافون الله أن يجور عليهم؟! لا والله ما خافوا إلاّ
الإستقصاء فسمّاه الله عزّوجلّ سوء الحساب، فمن إستقصى فقد أساءه»( تفسير البرهان، المجلّد الثّاني، صفحة 288.). |
|
بحث
|
|
يستفاد من الآيات القرآنية
أنّ الناس في يوم القيامة ينقسمون إلى مجموعتين، فمجموعة يحاسبهم الله بيسر
وسهولة وبغير تدقيق (فأمّا من اُوتي كتابه بيمينه فسوف
يحاسب حساباً يسيراً).( الإنشقاق، 8.) |
|
الآيات(19) (24)
أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ
أَعْمَى
|
|
أَفَمَن يَعْلَمُ
أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا
يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الاَْلْبَبِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلاَ
يَنقُضُونَ الْمِيثَقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن
يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ
صَبَرُواْ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَوةَ وَأَنفَقُواْ
مِمَّا رَزَقْنَهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ
السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّتُ عَدْن
يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ ءَابَآئِهِمْ وَأَزْوَجِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ
وَالْمَلَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَاب (23) سَلَمٌ عَلَيْكُم
بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) |
|
التّفسير |
|
الأبواب
الثّمانية للجنّة وصفات اُولي الألباب:
|
|
تتحدّث هذه الآيات عن سيرة
اُولي الألباب وصفاتهم الحسنة، وفيها تكميل للبحث السابق. |
|
بحوث
|
|
1 ـ لماذا ذكر
الصبر فقط؟
|
|
جملة (سلام عليكم بما صبرتم) تشير إلى مسألة الصبر فقط، في الوقت الذي
نرى فيه الآيات السابقة أشارت إلى ثمانية صفات لاُولي الألباب، فما هو السرّ في
ذلك؟ |
|
2 ـ أبواب الجنّة
|
|
يستفاد من آيات
القرآن الكريم والأحاديث الشريفة أنّ للجنّة عدّة أبواب، ولكن هذا التعدّد للأبواب ليس لكثرة الداخلين إلى الجنّة
فيضيق عليهم الباب الواحد، وليس كذلك للتفاوت الطبقي حتّى تدخل كلّ مجموعة من
باب، ولا لبعد المسافة أو قربها، ولا لجمال الأبواب وكثرتها، فأبواب الجنّة ليست كأبواب القصور والبساتين في الدنيا،
بل تعدّدت هذه الأبواب بسبب الأعمال المختلفة للأفراد. ولذا
نقرأ في بعض الأخبار أنّ للأبواب أسماء مختلفة، فهناك باب يسمّى باب
المجاهدين، والمجاهدون يدخلون بسلاحهم من ذلك الباب إلى الجنّة، والملائكة
تحييهم(منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، المجلّد
الثّالث، ص995.)! |
|
3 ـ يلحق بأهل
الجنّة أقرباؤهم
|
|
الآية أعلاه وآيات أُخرى من
القرآن الكريم تصرّح أنّ من بين أهل الجنّة آباؤهم
وأزواجهم وأبناؤهم الصالحون، وهذا إنّما هو لإتمام النعمة عليهم، وكي لا
يشعروا بفراق أحبّائهم، وبما أنّ تلك الدار متكاملة وكلّ شيء يتجدّد فيها، فإنّ
أصحابها يدخلون فيها بوجوه جديدة وأكثر محبّة وإلفة. المحبّة التي تضاعف من نعم
الجنّة لهم. |
|
4 ـ ما هي جنّات
عدن؟
|
|
«العدن»
الإستقرار، وهنا جاءت الكلمة بمعنى الخلود، ومنه المعدن لمستقرّ العناصر الفلزية. ويستفاد من مختلف آيات القرآن أنّ
الجنّة دار خلود لأهلها، ولكن ـ كما قلنا في ذيل الآية
(72) من سورة التوبة ـ جنّات عدن هي محلّ خاص في الجنّة، ولها صفات
ومنازل عالية، ولا يدخلها إلاّ ثلاثة: الأنبياء
والصدّيقون والشهداء (للتوضيح أكثر راجع ما ذكر ذيل
الآية (72) من سورة التوبة.). |
|
5 ـ التطهير من
آثار الذنوب
|
|
ممّا لا شكّ فيه أنّ الحسنات
والسيئات لها أثر متقابل في النفس ونحن نرى في حياتنا
اليوميّة كثيراً من النماذج بخصوص هذا الموضوع، فمرّةً يتحمّل الإنسان
مشاق سنين كثيرة ويسعى للحصول على الثروة، ولكن يفقدها بعمل بسيط ناتج عن
اللامبالاة، أو ليس هذا إحباطاً للحسنات المادية. ومرّةً
أُخرى على العكس حيث يرتكب الإنسان كثيراً من الأخطاء في حياته ويتحمّل
الخسارة الكبيرة، ولكن يسترجعها من خلال عمل شجاع ومحسوب. |
|
الآيتان(25) (26)
وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا
أَمَرَ اللهُ بِهِ
|
|
وَالَّذِينَ
يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ
بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى الاَْرْضِ أُوْلئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ
وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ
وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَا فِي
الاَْخِرَةِ إِلاَّ مَتَعٌ(26) |
|
التّفسير |
|
المفسدون
في الأرض!
|
|
بعد ما ذكرت الآيات السابقة صفات اُولي الألباب ودعاة الحقّ، أشارت هذه الآيات إلى قسم من الصفات الأصليّة للمفسدين الذين
فقدوا حظّهم من العلم والمعرفة حيث يقول جلّ وعلا: (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به
أن يوصل ويفسدون في الأرض أُولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار). 1 ـ
نقض العهود الإلهيّة: وتشمل المواثيق الفطرية
والعقليّة والتشريعيّة. |
|
بحثان
|
|
1 ـ من هو المفسد
في الأرض؟
|
|
الفساد يقابله الإصلاح، ويطلق
على كلّ عمل تخريبي، ويقول الراغب في مفرداته: «الفساد خروج الشيء عن الإعتدال قليلا كان أو كثيراً، ويضادّه
الصلاح، ويستعمل ذلك في النفس والبدن والأشياء الخارجة عن الإستقامة» وعلى
ذلك فكلّ عمل فيه نقص، وكلّ إفراط وتفريط في المسائل الفردية والإجتماعية هو
مصداق للفساد! |
|
2 ـ الرزق بيد
الله سبحانه وتعالى ولكن ...!
|
|
لا نستفيد من الآية أعلاه فقط
أنّ الرزق في زيادته ونقصانه بيد الله، بل نستفيد من آيات اُخر أنّ الله سبحانه
وتعالى يبسط الرزق لمن يشاء وينقصه لمن يشاء، ولكن ليس كما يعتقده بعض الجهلاء
من عدم الكسب والجلوس في زاوية البيت حتّى يبعث الله لهم الرزق، إن هؤلاء
الأفراد ـ الذين يُعتبر تفكيرهم السلبي ذريعة لمن يقول بأنّ الدين أفيون الشعوب
ـ قد غفلوا عن نقطتين أساسيتين هما: |
|
الآيات(27) (29)
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ
|
|
وَيَقُولُ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ
اللهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ
ءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ
تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ طُوبَى
لَهُمْ وَحُسْنُ مَآب(29) |
|
التّفسير |
|
ألا
بذكر الله تطمنّ القلوب:
|
|
في سورة الرعد ـ كما أشرنا
سابقاً ـ بحوث كثيرة حول التوحيد والمعاد والنبوّة، فالآية الأُولى من هذه
المجموعة تبحث مرّةً أُخرى في دعوة الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وتبيّن
واحداً من أعذار المشركين المعاندين حيث يقول تعالى: (ويقول
الذين كفروا لولا اُنزل عليه آية من ربّه). |
|
بحوث
|
|
1 ـ كيف يطمئن
القلب بذكر الله؟
|
|
إنّ الإضطراب والقلق من أكبر
المصاعب في حياة الناس، والنتائج الحاصلة منهما في حياة الفرد والمجتمع واضحة
للعيان، والإطمئنان واحد من أهمّ إهتمامات البشر، وإذا حاولنا أن نجمع سعي وجهاد
الإنسانية على طول التأريخ في بحثهم للحصول على الإطمئنان بالطرق الصحيحة غير
الصحيحة، فسوف تتكوّن لدينا كتب كثيرة ومختلفة تعرض تلك الجهود. |
|
2 ـ الطمأنينة
والخوف من الله
|
|
طرح بعض المفسّرين
هنا هذا السؤال، وخلاصته: نحن قرأنا في
الآية أعلاه (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ومن
جانب آخر فإنّ الآية 2 من سورة الأنفال تقول: (إنّما
المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) فهل إنّ هاتين الآيتين متناقضتين؟ |
|
3 ـ ما هو ذكر
الله، وكيف يتمّ؟
|
|
«الذكر» كما يقول الراغب في مفرداته:
حفظ المعاني والعلوم، ويُستعمل الحفظ للبدء به، بينما الذكر للإستمرار فيه، ويأتي في معنى آخر هو ذكر الشيء باللسان أو القلب، لذلك قالوا: إنّ الذكر نوعين «ذكر القلب» و «ذكر اللسان» وكلّ واحد
منها على نوعين: بعد النسيان أو بدونه. |
|
الآيات (30) (32)
كَذَلِكَ أَرْسَلْنَكَ فِي أُمَّة قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ
لِّتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ
|
|
كَذَلِكَ أَرْسَلْنَكَ
فِي أُمَّة قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِى
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّى لاَ
إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30) وَلَوْ أَنَّ
قُرْءَاناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الاَْرْضُ أَوْ
كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلَّهِ الاَْمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَايْئَسِ
الَّذِينَ ءَامَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ
يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ
قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِىَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يُخْلِفُ
الْمِيعَادَ(31) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُل مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32) |
|
أسباب النّزول
|
|
قال بعض المفسّرين: إنّ الآية الأُولى نزلت في صلح
الحديبيّة في السنة السادسة للهجرة، وذلك عندما أرادوا كتابة معاهدة
الصلح، قال النّبي (ص) لعلي (ع): «اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم ...» قال سهيل بن
عمرو ومعه المشركون: نحن لا نعرف
الرحمان! وإنّما هناك رحمان واحد في اليمامة «وكان
قصدهم مسيلمة الكذّاب» بل اكتب «باسمك اللّهم»
كما كانوا يكتبونه في الجاهلية، ثمّ قال النّبي (صلى
الله عليه وآله وسلم) لعلي (ع): «اُكتب: هذا ما اتّفق عليه محمّد رسول
الله ...» فقال المشركون: إذا كنت رسول الله
فإنّه لظلمٌ كبير أن نقاتلك ونمنعك من الحجّ، ولكن اُكتب: هذا ما اتّفق عليه
محمّد بن عبدالله!... |
|
التّفسير |
|
لا
أمل في إيمان أهل العناد:
|
|
تبحث هذه الآيات مرّةً ثانية
مسألة النبوّة، والآيات أعلاه تكشف عن قسم آخر من جدال المشركين في النبوّة
وجواب القرآن عليهم فيقول الآية: كما أنّنا أرسلنا رسلا
إلى الأقوام السالفة لهدايتهم: (كذلك أرسلناك في
اُمّة قد خلت من قبلها اُمم) والهدف من ذلك (لتتلوا عليهم الذي أوحينا
إليك). في الوقت الذي (وهم يكفرون بالرحمن) يكفرون
بالله الذي عمّت رحمته كلّ مكان، وشمل فيضه المؤمن والكافر. |
|
بحوث
|
|
1 ـ لماذا
التركيز على كلمة «الرحمان»؟
|
|
توضّح الآية أعلاه، وما
ذكرناه في أسباب النّزول، أنّ كفّار قريش لم يوافقوا على وصف الله بالرحمن، وبما
أنّ ذلك لم يكن سائداً لديهم، فانّهم كانوا يستهزئون به، في الوقت الذي نرى فيه
الآيات السابقة تصرّ وتؤكّد على ذلك، لأنّ في هذه
الكلمة لطفاً خاصّاً، ونحن نعلم أنّ صفة الرحمانية تعمّ وتشمل المؤمن
والكافر، الصديق والعدو، في الوقت نفسه فانّ صفة الرحيم خاصّة بعباده المؤمنين. |
|
2 ـ لماذا لم
يستجب النّبي لمطاليبهم
|
|
ومرّة أُخرى نواجه
هنا ما يقوله البعض من أنّ النّبي
(ص) لم تكن لديه معجزة غير القرآن الكريم، ويستندون في ذلك إلى الآية أعلاه
وأمثالها، لأنّ ظاهر هذه الآيات أنّ النّبي لم يستجب إلى طلبهم في إظهار المعاجز
المختلفة من قبيل تسيير الجبال أو شقّ الأرض وإظهار العيون وإحياء الموتى
والتكلّم معهم. |
|
3 ـ ما هي
القارعة؟
|
|
«القارعة» مأخوذة من مادّة «قرع»
بمعنى طرقَ، وعلى ذلك تكون القارعة بمعنى الطارقة، وتشير هنا إلى الأحداث التي
تقرع الإنسان وتنذره وإذا كان مستعدّاً للنهوض أيقظته. |
|
الآيتان(33) (34)
أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ
شُرَكَاءَ
|
|
أَفَمَنْ هُوَ
قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ
سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى الاَْرْضِ أَم بِظَهِر
مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ
السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد (33) لَّهُمْ عَذَابٌ فِى
الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الاَْخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللهِ
مِن وَاق (34) |
|
التّفسير |
|
كيف
تجعلون الأصنام شركاء مع الله؟!
|
|
نعود مرّةً أُخرى في هذه
الآيات إلى البحث حول التوحيد والشرك، وهي تخاطب
الناس من خلال دليل واضح حيث يقول تعالى: (أفمن هو قائم
على كلّ نفس بما كسبت)( الجملة أعلاه مبتدأ لخبر
محذوف تقديره (أمّن هو قائم على كلّ نفس بما كسبت كمن ليس كذلك).) وهذه
الجملة تريد أن تقول بوضوح إنّ الله سبحانه وتعالى وكأنّه واقف على رأس كلّ شخص
ويعلم بما يفعلونه ويجازي عليه وبيده تدبير الأُمور، ولذلك فإنّ كلمة «قائم» لها
معنىً واسع يشمل كلّ هذه الأُمور، مع أنّ مجموعة من
المفسّرين يرى لها أبعاداً خاصّة. |
|
الآية (35) مَّثَلُ
الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَرُ
|
|
مَّثَلُ الْجَنَّةِ
الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَرُ أُكُلُهَا
دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا وَّعُقْبَى الْكَفِرِينَ
النَّارُ (35) |
|
التّفسير |
|
بالنظر إلى تناوب آيات هذه
السورة في بيان التوحيد والمعاد وسائر المعارف الإسلامية الأُخرى، تحدّثت هذه الآية مرّةً أُخرى
حول المعاد وخصوصاً نِعَمِ الجنّة وعذاب الجحيم. يقول
تعالى أوّلا: (مثل الجنّة التي وعد المتّقون
تجري من تحتها الأنهار)( هناك نقاش بين
المفسّرين حول تركيب هذه الجملة فقال البعض: إنّ «مثل» مبتدأ و «تجري» خبرها،
وقال بعض آخر: إنّ «مثل» مبتدأ وخبره محذوف تقديره «فيما نقص عليكم مثل الجنّة».). الوصف الثّاني
للجنّة هو (أكلها دائم). |
|
الآية(36)
وَالَّذِينَ ءَاتَيْنَهُمُ الْكِتَبَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ
|
|
وَالَّذِينَ
ءَاتَيْنَهُمُ الْكِتَبَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الاَْحْزَابِ
مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمْرِتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلاَ
أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) |
|
التّفسير |
|
المؤمنون
والأحزاب!
|
|
أشارت هذه الآية إلى ردّ
الفعل المتفاوت للناس في مقابل نزول الآيات القرآنية، فالأفراد الذين يبحثون عن
الحقيقة يفرحون بما أُنزل على الرّسول، بينما المعاندون يخالفون ذلك. |
|
بحث
|
|
الإيمان والإئتلاف
الحزبي:
|
|
رأينا في الآية كيف أنّ الله
سبحانه وتعالى عبّر عن المؤمنين من اليهود والنصارى بأهل الكتاب، وعبّر عن
أُولئك التابعين للعصبية والأهواء بالأحزاب، وهذا غير
منحصر في تاريخ صدر الإسلام، بل إنّ هذا التفاوت موجود دائماً بين المؤمنين
الحقيقيين والذين يدّعون الإيمان، فالمؤمنون الحقيقيون يقولون بالتسليم
المطلق لكلّ الأوامر الإلهيّة، ولا يقولون بالتبعيض، ويجعلون ميلهم تحت ذاك
الشعاع، فهم أهل لأن يسمّيهم القرآن أهل الكتاب والإيمان. |
|
الآيات(37) (40)
وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم
بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ
|
|
وَكَذَلِكَ
أَنزَلْنَهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا
جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِىٍّ وَلاَ وَاق (37)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَجاً
وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُول أَن يَأْتِىَ بِآيَة إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ
لِكُلِّ أَجَل كِتَابٌ (38) يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ
أُمُّ الْكِتَبِ (39) وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِى نَعِدُهُمْ أَوْ
نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) |
|
التّفسير |
|
الحوادث
«الثّابتة» و «المتغيّرة»:
|
|
تتابع هذه الآيات المسائل
المتعلّقة بالنبوّة، ففي الآية الأُولى يقول تعالى: (وكذلك أنزلناه حكماً
عربياً). |
|
ومن
جملة هذه الإشكالات:
|
|
أوّلا: كان البعض يقول: هل من الممكن أن يكون الرّسول من جنس
البشر، يتزوّج وتكون له ذرّية؟ فالآية تجيبهم وتقول ليس هذا بالأمر الغريب: (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرّية)( يقول بعض المفسّرين في سبب نزول هذه الآية: إنّها جواب لما
كان يورده البعض من تعدّد أزواج الرّسول، في الوقت الذي نرى أنّ سورة الرعد
مكّية وتعدّد الزوجات لم يكن حينذاك.). |
|
نقطتان
يجب الإنتباه إلى هاتين النقطتين:
|
|
1 ـ لوح المحو
والإثبات واُمّ الكتاب
|
|
مع أنّ جملة (يمحو الله ما يشاء ...) نزلت في مجال المعاجز والكتب
السّماوية إلى الأنبياء، لكنّها تبيّن قانوناً عامّاً وشاملا وقد اُشير إليه في
مختلف المصادر الإسلامية، وهو أنّ تحقّق وصيرورة الحوادث المختلفة للعالم لها
مرحلتين: الأُولى المرحلة القطعيّة أو الثابتة، ولا سبيل للتغيير فيها (والتي أشارت إليها الآية أعلاه باُمّ الكتاب)
والأُخرى المرحلة المتغيّرة أو بعبارة أُخرى «المشروطة»
والتي يجد التغيير سبيلا إليها، وقد عبّر عنها بالمحو والإثبات. وأحياناً يُقال عن المرحلتين: «اللوح المحفوظ» و
«لوح المحو والإثبات» كأنّ ما كُتب في اللوح الأوّل محفوظ لا يتغيّر، أمّا
الثّاني فمن الممكن محو ما كتب فيه وتغييره. |
|
2 ـ ما هو
البداء؟
|
|
«البداء» أحد
البحوث العويصة بين الشيعة والسنّة. |
|
يقول الرازي في تفسيره الكبير في ذيل الآية ـ محلّ البحث ـ: «يعتقد الشيعة أنّ البداء جائز على الله، وحقيقة
البداء عندهم أنّ الشخص يعتقد بشيء ثمّ يظهر له
خلاف ذلك الإعتقاد، ولإثبات ذلك يتمسكون بالآية
(يمحو الله ما يشاء ويثبت)ثمّ يضيف الرازي: إنّ
هذه العقيدة باطلة، لأنّ علم الله من لوازم ذاته، ومحال
التغيير والتبديل فيه». |
|
الآيات(41) (43) أَوَ
لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِى الاَْرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا
|
|
أَوَ لَمْ يَرَوْا
أَنَّا نَأْتِى الاَْرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللهُ يَحْكُمُ لاَ
مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ
مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْس
وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّرُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسلا قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدَا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ
وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَبِ (43) |
|
التّفسير |
|
البشرية
فانية ووجه الله باق:
|
|
بما أنّ الآيات السابقة كانت
تتحدّث مع منكري رسالة النّبي (ص)، فقد تابعت هذه الآيات كذلك نفس البحث. والهدف
هو دعوتهم إلى التفكّر، ثمّ الإصلاح عن طريق الإنذار والإستدلال وغيرها. وأمّا ما إحتمله
بعض المفسّرين من أنّ المقصود بالنقصان هو
نقض أرض الكفّار وإضافتها إلى أرض المسلمين، فلا نراه
صحيحاً إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار أنّ السورة مكّية، لأنّ الفتوحات في
ذلك الوقت لم تكن موجودة حتّى يراها الكفّار أو يشير إليها القرآن الكريم. وبناءاً على ما
قلناه أعلاه فإنّ المقصود بـ(من عنده علم الكتاب) هم
العالمون بمحتوى القرآن الكريم. |
|
|
|
|
سُورَةُ
الرَّعْد مَكّيّة وعَدَدُ آياتِها ثلاث وَأَرْبَعُون آية
|
|
سورة الرعد |
|
محتوى
السّورة
|
|
كما قلنا سابقاً، بما أنّ السور المكيّة
كان نزولها في بداية دعوة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وأثناء محاربته
للمشركين، فإنّها غالباً ما كانت تتحدّث عن المسائل العقائدية وخصوصاً الدعوة
إلى التوحيد والمعاد ومحاربة الشرك. في الوقت الذي نرى
فيه أنّ السور المدنية نزلت بعد إنتشار الإسلام وقيام الحكومة الإسلامية،
فقد تناولت الأحكام والمسائل المتعلّقة بالنظام الإجتماعي وإحتياجات المجتمع. |
|
الآيات(1) (4) المر تِلْكَ ءَايَتُ الْكِتَبِ وَالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ
مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ (1)
|
|
المر تِلْكَ
ءَايَتُ الْكِتَبِ وَالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ (1) اللهُ الَّذِى رَفَعَ السَّمَوَتِ
بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لاَِجَل مُّسَمّىً يُدَبِّرُ الاَْمْرَ يُفَصِّلُ
الاَْيَتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِى مَدَّ
الاَْرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَسِىَ وَأَنْهَراً وَمِن كُلِّ الَّثمَرَتِ جَعَلَ
فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاََيَت لِّقَوْم
يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِى الاَْرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَوِرَتٌ وَجَنَّتٌ مِّنْ
أَعْنَب وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَان يُسْقَى بِمَاء وَحِد
وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْض فِى الاُْكُلِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاََيَت
لِّقَوْم يَعْقِلُونَ (4) |
|
التّفسير |
|
آيات الله في السّماء والأرض وعالم النّبات:
|
|
مرّةً أُخرى نواجه الحروف
المقطّعة في بداية هذه السورة، والتي وردت في (29) سورة أُخرى، ولكن الحروف المقطّعة المذكورة هنا تتكوّن من (الم) التي وردت في بداية عدّة سور، و (الر) والتي وردت في بداية سور أُخرى، وفي الواقع إنّ هذه السورة
تنفرد عن غيرها من السور بـ(المر). |
|
هناك عدّة نقاط:
|
|
1
ـ ما هي وجه العلاقة بين التوحيد والمعاد؟
|
|
كان الحديث في بداية الآية عن
التوحيد وأسرار الكون، ولكن نقرأ في نهايتها (يفصّل الآيات لعلّكم بلقاء ربّكم توقنون) فما هي وجه
العلاقة بين التوحيد والمعاد حتّى تكون الواحدة نتيجة للاُخرى؟ |
|
2
ـ الإعجاز العلمي للقرآن
|
|
هناك آيات كثيرة في القرآن
المجيد أزاحت الستار عن مجموعة من الأسرار العلمية التي كانت خافية على العلماء
في ذلك الوقت. وهذه واحدة من دلائل إعجاز وعظمة القرآن، وغالباً ما كان يشير
إليها كثير من المحقّقين في مسألة الإعجاز. |
|
3
ـ تسخير الشمس والقمر
|
|
قرأنا في الآيات السابقة أنّ
الله سخّر الشمس والقمر، كما نقرأ في آيات كثيرة أُخرى عن تسخير السّماء والأرض
والليل والنهار للإنسان. فنقرأ في آية (وسخّر لكم
الأنهار)( إبراهيم، 32.) وفي آية أُخرى (وسخّر لكم الفلك)( إبراهيم،
32.)(سخّر لكم الليل والنهار)( النحل، 12.) (وسخّر لكم
الشمس والقمر)( إبراهيم، 33.) (وهوالذي سخّر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً)( النحل، 14.) (ألم تر أنّ
الله سخّر لكم ما في الأرض)( الحجّ، 65.)
(وسخّر لكم ما في السّماوات وما في الأرض جميعاً منه)( الجاثية، 13.). |
|
من مجموع هذه الآيات يمكن أن نستفيد ما يلي:
|
|
من مجموع هذه
الآيات يمكن أن نستفيد ما يلي: أوّلا: إنّ الإنسان أكمل من جميع الموجودات في هذا العالم، فمن
وجهة إسلامية نرى أنّ الشريعة الإسلامية تعطي للإنسان القيمة الكبيرة بحيث تسخّر
له كلّ ما في الكون، فهو خليفة الله، وقلبه مستودع نوره! |
|
الآيتان(5) (6) وَإِن
تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءِذَا كُنَّا تُرَباً أَءِنَّا لَفِى خَلْق
جَدِيد
|
|
وَإِن تَعْجَبْ
فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءِذَا كُنَّا تُرَباً أَءِنَّا لَفِى خَلْق جَدِيد
أُوْلَئِك الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الاَْغْلَلُ فِى
أَعْنَاقِهِم وَأُوْلَئِكَ أَصْحَبُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ (5)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن
قَبْلِهِمُ الْمَثُلَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَة لِّلنَّاسِ عَلَى
ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6) |
|
التّفسير |
|
تعجّب الكفّار من المعاد:
|
|
بعد ما إنتهينا من البحث
السابق عن عظمة الله ودلائله، تتطرّق الآية الأُولى من
هذه المجموعة إلى مسألة المعاد التي لها علاقة خاصّة بمسألة المبدأ،
ويؤكّد القرآن الكريم هذا المعنى حيث يقول: (وإن تعجب
فعجب قوله أءِذا كنّا تراباً أَءِنّا لفي خلق جديد)( ويحتمل في تفسير جملة (إن تعجب فعجبُ قولهم) إنّ المقصود منه
إن تعجب من عبادتهم للأصنام فالأعجب أن ينكروا المعاد، ولكن هذا الإحتمال غير
وارد، والصحيح ما هو ظاهر الآية المذكور في المتن.) أي إذا أردت أن
تتعجّب من قولهم هذا فتعجب لقولهم في المعاد. |
|
ملاحظتان
|
|
1 ـ لماذا التعجّب في الخلق الجديد؟
|
يستفاد من خلال آيات متعدّدة
في القرآن الكريم أنّ من جملة مشاكل الأنبياء مع المشركين إثبات «المعاد
الجسماني» لأنّهم كانوا يتعجّبون دائماً من هذا الموضوع
وهو: كيف يبعث الإنسان من جديد بعد أن صار تُراباً؟ كما أشارت إليه الآية
السابقة (أءِذا كنّا تراباً أءِنّا لفي خلق جديد)
وهناك سبع آيات أُخرى تشير إلى هذا الموضوع (الآية 35 و
82 من سورة المؤمنون ـ 27 النمل ـ 16 و53 الصافات ـ 3ق ـ 47 الواقعة). |
|
2 ـ هل إنّ الله يعفو عن الظالمين؟
|
|
قرأنا في الآيات المتقدّمة
أنّ الله يعفو ويغفر للذين ظلموا، وهذا الغفران غير لازم لمن يصرّ على ظلمه،
ولكنّه من باب إعطاء الفرصة لهم لأن يصلحوا أنفسهم، وإلاّ فهو تعالى شديد
العقاب. |
|
|
الآية(7) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ
مِّن رَّبِّهِ
|
|
وَيَقُولُ
الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا
أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هَاد (7) |
|
التّفسير |
|
ذريعة أُخرى!
|
|
بعد ما أشرنا في الآيات
السابقة إلى مسألة «التوحيد» و «المعاد»، تتطرّق هذه الآية إلى واحدة من
إعتراضات المشركين المعاندين حول مسألة النبوّة: (ويقول
الذين كفروا لولا أُنزل عليه آية من ربّه). |
|
بحثان هنا يرد سؤالان:
|
|
1
ـ هل الآية «إنّما أنت منذر...» جواب للكفّار؟
|
|
كيف يمكن لجملة (إنّما أنت منذر ولكلّ قوم هاد) أن تكون جواباً
للكفّار عند طلبهم المعجزة؟ |
|
2 ـ ما هو
المقصود من جملة (لكلّ قوم هاد)؟
|
|
قال بعض المفسّرين: إنّ هاتين الصفتين (منذر) و (هاد) صفتان للرسول، فأصل الجملة تكون
(أنت منذر وهاد لكلّ قوم). نقول في جواب هذا
السؤال: إنّ الإنذار للذين أضلّوا الطريق ودعوتهم تكون إلى الصراط
المستقيم، ولكن الهداية والإستقامة للذين آمنوا. |
|
الآيات(8) (10) اللهُ
يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الاَْرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ
|
اللهُ يَعْلَمُ مَا
تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الاَْرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَىء
عِندَهُ بِمِقْدَار (8) علِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَدَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ
(9) سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ
مُسْتَخْف بِالَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) |
|
التّفسير |
|
عِلمِ
الله المطلق:
|
|
نقرأ في هذه الآيات قسماً من
صفات الخالق، والتي تكمل بحث التوحيد والمعاد، فالحديث عن علمه الواسع ومعرفته
بكلّ شيء، هو ذاك العلم الذي يقوم عليه نظام التكوين وعجائب الخلقة وآيات
التوحيد، وهو العلم الذي يكون أساساً للمعاد والعدالة الإلهيّة يوم القيامة وهذه الآيات إستندت إلى هذين القسمين: (العلم بنظام التكوين، والعلم بأعمال العباد). |
|
|
في
تفسير هذه الجمل الثلاث هناك آراء مختلفة بين المفسّرين:
|
|
يعتقد البعض ـ أنّها تشير ـ كما ذكرنا آنفاً ـ إلى وقت الولادة، وهي على ثلاثة أنواع: فمرّة يولد المولود قبل موعده. ومرّة في موعده،
وأُخرى بعد الموعد المقرّر. فالله يعلم كلّ ذلك
ويعلم لحظة الولادة بالتحديد، وهذه من الأُمور التي لا يستطيع أي أحد أو جهاز أن
يحدّد موعده، وهذا العلم خاص بذات الله المنزّهة، وسببه واضح لأنّ إستعدادات
الأرحام والأجنّة مختلفة، ولا أحد يعلم بهذا التفاوت. |
|
بحوث
|
|
1 ـ القرآن وعلم
الأجنّة
|
|
أشار القرآن المجيد مراراً
إلى مسألة الجنين وعجائب تكوينه ليكون أحد الأدلّة على التوحيد ومعرفة الله
وعلمه المطلق، وبالطبع فإنّ علم الأجنّة واحد من العلوم الحديثة وكان سابقاً
عبارة عن معلومات أوّليّة محدودة ثمّ توسعت في هذا العصر. ولكن بتقدّم العلم
والمعرفة حدثت قفزة في هذا المجال كشفت عن كثير من أسرار هذا العالم الساكن
والهادىء وعن كثير من عجائبه بحيث نستطيع أن نقول:
إنّ أكبر درس للتوحيد ومعرفة الله كامنٌ في تكوين الجنين ومراحل تكامله. |
|
2 ـ كلّ شيء له
مقدار
|
|
نحن نقرأ في آيات
مختلفة من القرآن الكريم أنّ كلّ شيء له
حدّ محدود ولا يتجاوزه، ففي الآية (3) من سورة الطلاق يقول تعالى: (قد جعل الله لكلّ شيء قدراً)وفي الآية 21 سورة الحجر
يقول تعالى: (وإن من شيء إلاّ عندنا خزائنه وما ننزله
إلاّ بقدر معلوم) والآية التي نحن بصددها (وكلّ
شيء عنده بمقدار). |
|
3 ـ الغيب
والشهادة سواء عند الله
|
|
إستندت هذه الآيات إلى أنّ
الغيب والشهادة معلومان عند الله، فهما مفهومان
نسبيان وتستخدمان للكائن الذي علمه ووجوده محدود، وعلى سبيل المثال نحن نمتلك حواساً ذات مدى نسبي،
فمتى ما كان الشيء داخلا في هذا المدى فهو شاهد بالنسبة لنا، وما كان خارجاً عنه
فهو غيب، فلو فرضنا أنّ أبصارنا لها قدرة غير محدودة ويمكنها النفوذ في باطن
الأشياء وإدراكها، فإنّ كلّ شيء يعتبر شاهد عندنا. |
|
4 ـ الآثار التربوية
في إدراكنا لعلم الله
|
|
أثناء قراءتنا
للآيات الماضية التي تقول: إنّ الله يعلم
السرّ والجهر من القول وحركاتكم في الليل والنهار وكلّها مشهودة عنده، هل نجد في
أنفسنا إيماناً بهذه الحقيقة؟.. لو كنّا مؤمنين بذلك حقّاً ونشعر بأنّ الله
تعالى مطّلع علينا فانّ هذا الإيمان والإحساس الباطني يبعث على تغيير عميق في
روحنا وفكرنا وقولنا وضمائرنا؟. |
|
الآية(11) لَهُ
مُعَقِّبَتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ
اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْم
|
|
لَهُ مُعَقِّبَتٌ
مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ
اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْم حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا
أَرَادَ اللهُ بِقَوْم سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن
وَال (11) |
|
التّفسير |
|
المعقّبات
الغيبية!
|
|
علمنا في الآيات السابقة أنّ
الله بما أنّه عالم الغيب والشهادة فإنّه يعلم أسرار الناس وخفاياهم، وتضيف هذه
الآية أنّه مع حفظ وحراسة الله لعبادة فإنّ (له معقّبات من بين يديه ومن خلفه
يحفظونه من أمر الله)( هناك حديث بين المفسّرين في أنّ
الضمير (له) لمن يعود، وكما تشير الآية فإنّه يعود للإنسان كما تؤكّد عليه
الآيات السابقة، ولكن بعضهم قال: يعود للنبي أو لله. وهذا يخالف ما جاء في ذيل
الآية[فتأمّل].). |
|
بحوث
|
|
1 ـ ما هي
المعقّبات؟
|
|
«المعقّبات»
كما جاء في مجمع البيان للعلاّمة الطبرسي وكما قاله بعض المفسّرين جمع (معقبة)
وهي بدورها جمع (معقّب) ومعناه المجموعة التي تعمل بشكل متناوب ومستمر. والظاهر من الآية أنّ
الله سبحانه وتعالى أمر مجموعة من الملائكة بأن يحفظوا الإنسان في الليل والنهار
ومن بين يديه ومن خلفه. |
|
2 ـ التغيير يبدأ
من النفس (قانون عام)
|
|
تبيّن الجملة (إنّ الله لا يغيّر ما بقوم) والتي جاءت في موردين
متفاوتين في القرآن الكريم، أنّها قانون عام، قانون حاسم ومنذر! هذا القانون الذي
هو واحد من القوانين الأساسيّة لعلم الإجتماع في الإسلام، يقول لنا: إنّ ما يصيبكم هو من عند أنفسكم، وما أصاب القوم من
السعادة والشقاء هو ممّا عملت أيديهم، وما يقال من الحظّ والصدفة وما يحتمله
المنجّمون ليس له أساس من الصحّة، فالأساس والقاعدة هي إرادة الأُمّة إذا أرادت
العزّة والإفتخار والتقدّم، أو العكس إن أرادت هي الذلّة والهزيمة، حتّى اللطف
الإلهي أو العقاب لا يكون إلاّ بمقدّمة. فتلك إرادة الاُمم في تغيير ما بأنفسهم
حتّى يشملهم اللطف أو العذاب الإلهي. هناك كتب ومؤلّفات
كثيرة كتبت عن عوامل إنتصار المسلمين الأوائل ثمّ تضعضع سلطانهم بعد حين، وكثير من تلك الأبحاث ظلّت تتعثّر في الطرق الملتوية،
ولكن إذا ما أردنا أن نستلهم من الأصل أعلاه والصادر من منبع الوحي فيجب أن نبحث
عن ذاك النصر أو تلك الهزيمة وعن عواملها الفكرية والعقائدية والأخلاقية في
المسلمين. ففي الثورات المعاصرة ومن جملتها الثورة الإسلامية في إيران، أو ثورة
الجزائر أو ثورة المسلمين الأفغان، نشاهد بوضوح إنطباق
هذا الأصل القرآني عليها. فقبل أن تغيّر الدول المستعمرة والمستكبرة
طريقتها في التعامل معنا، غيّرنا نحن ما بأنفسنا فتغيّر كلّ شيء. |
|
الآيات(12) (15) هُوَ
الَّذِى يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ
|
|
هُوَ الَّذِى
يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12)
وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ
الصَّوَعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَدِلُونَ فِى اللهِ وَهُوَ
شَدِيدُ الِْمحَالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن
دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَىْء إِلاَّ كَبَسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى
الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَلِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَفِرِينَ
إِلاَّ فِى ضَلَل (14) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِى السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ
طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلَلُهُم بِالْغُدُوِّ وَالاَْصَالِ(15) |
|
التّفسير |
|
قسمٌ
آخر من دلائل عظمة الله:
|
|
يتطرّق القرآن
الكريم مرّةً ثانية إلى آيات التوحيد وعلائم العظمة وأسرار الخلقة. فهذه الآيات تحاول أن تقرّب العلاقة بين الإنسان وربّه
من خلال الإشارة إلى بعض الظواهر الطبيعيّة بشكل موجز وعميق المعنى لكي يشعّ نور
الإيمان في قلوب الناس، فتشير أوّلا إلى البرق (هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً)فالبرق بشعاعه يبهر
العيون من جانب، ويحدث صوتاً مخيفاً وهو الرعد من جانب آخر، وقد يسبّب أحياناً
الحرائق للناس وخصوصاً في المناطق الصحراوية فيبعث على خوفهم ومن جانب آخر فإنّه
يسبّب هطول الأمطار ويروي ظمأ الصحراء ويسقي المزروعات فيطمع فيه الناس، وبين
هذا الخوف والرجاء تمرّ عليهم لحظات حسّاسة. ثمّ تضيف الآية (وينشيء السحاب الثقال)القادرة على أرواء ظمأ الأراضي
الزراعية. |
|
بركات
الرعد والبرق:
|
|
نحن نعلم أنّ ظاهرة
البرق في المفهوم العلمي هي إقتراب سحابتين إحداهما من الأُخرى، وهما تحملان
شحنات سالبة وموجبة، فيتمّ تفريغ
الشحنات بين السحابتين فتحدث شرارة عظيمة، ويحدث مثل ذلك عند إقتراب سلكين
أحدهما سالب والآخر موجب، وإذا كنّا قريبين منهما فإنّنا نسمع صوتاً خفيفاً،
ولكن لإحتواء الغيوم على شحنات هائلة من الألكترونات فانّهما تحدثان صوتاً
شديداً يسمّى الرعد. ويمكن أن تكون الجملة (وينشىء السحاب الثقال) لها علاقة بالبرق الذي
يصنع هذه الغيوم المليئة بالمياه. |
|
بحوث
|
|
1 ـ ما هو
المقصود من سجود الكائنات؟
|
|
السجدة في هذه الموارد تعني الخضوع
والتسليم، فإنّ جميع الملائكة والناس ذوي العقول والأفكار متواضعين لله وخاضعين
لأوامره، وهناك نوعان من السجود، سجود تكويني وهو أنّ الكلّ خاضعون ومسلّمون
للقوانين الطبيعيّة مثل الحياة والممات والمرض و.. و..، والبعض منهم له سجود
تشريعي بالإضافة إلى السجود التكويني، فهم بميلهم وإرادتهم يسجدون لله. |
|
2 ـ ما هو معنى
(طوعاً وكرهاً)؟
|
|
عبارة (طوعاً وكُرهاً) يمكن أن تكون إشارة إلى أنّ المؤمنين
خاضعون لله بميلهم وإرادتهم، وأمّا غير المؤمنين فهم خاضعون كذلك للقوانين
الطبيعيّة التي تسير بأمر الله إن شاؤوا وإن أبوا. |
|
3 ـ ما هو معنى
كلمة (الظِّلال)؟
|
|
«الظِّلال» جمع «ظِل» وإستعمال هذه الكلمة في الآية يشير إلى أنّ
المقصود في السجود ليس فقط السجود التشريعي، فظِلال الكائنات ليست خاضعة
لإرادتهم وإختيارهم، بل هو تسليم لقانون الضوء، وعلى هذا يكون سجودهم تكويني،
يعني التسليم لقوانين الطبيعيّة. وطبيعي ليس المقصود من «الظلال» أنّ جميع ما في السّماوات والأرض لها وجود
مادّي كي يكون لها ظلال، ولكن الآية تشير إلى
تلك الأشياء التي لها ظلال، فمثلا يُقال: إنّ
جمعاً من العلماء وأبنائهم شاركوا في المجلس الكذائي، وليس المقصود هنا أنّ لكلّ
العلماء أبناء «فتدبّر». |
|
4 ـ ما هو معنى
كلوة (الآصال)؟
|
|
«الآصال» جمع «أُصل» وهي جمع «أصيل»
ومعناه آخر وقت من النهار، ولذلك يعتبر أوّل الليل، والغدو
جمع غداة بمعنى أوّل
النهار. |
|
الآية(16) قُلْ مَن
رَّبُّ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِن دُونِهِ
أَوْلِيَاءَ
|
|
قُلْ مَن رَّبُّ
السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِن دُونِهِ
أَوْلِيَاءَ لاَ يَمْلِكُونَ لاَِنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ
يَسْتَوِى الاَْعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِى الظُّلُمَتُ وَالنُّورُ
أَمْ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَبَهَ الْخَلْقُ
عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَلِقُ كُلِّ شَىْء وَهُوَ الْوَحِدُ الْقَهَّرُ (16) |
|
التّفسير |
|
لماذا
عبادة الأصنام؟
|
|
كان البيان في
الآيات السابقة عن معرفة الله وإثبات وجوده،
وهذه الآية تبحث عن ضلال المشركين والوثنيين
وتتناوله من عدّة جهات، حيث تخاطب ـ أوّلا ـ
النّبي (ص) حيث تقول: (قل من ربّ السموات والأرض).
ثمّ تأمر النّبي أن يجيب على السؤال قبل أن ينتظر جوابهم (قل الله) ثمّ إنّه يلومهم ويوبّخهم بهذه الجملة (قل أفاتّخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا
ضرّاً). |
|
بحوث |
|
1 ـ الخالقية
والرّبوبية يتطلبّان العبادة
|
|
يمكن أن يستفاد من
الآية أعلاه أنّ الخالق هو الربّ
المدبّر، لأنّ الخلقة أمرٌ مستمر ودائمي، وليس من خلق الكائنات يتركهم وشأنهم،
بل إنّه تعالى يفيض بالوجود عليهم بإستمرار وكلّ شيء يأخذ وجوده من ذاته
المقدّسة، وعلى هذا فنظام الخلقة وتدبير العالم كلّها بيد الله، ولهذا السبب
يكون هو النافع والضارّ. وغيره لا يملك شيء إلاّ منه، فهل يوجد أحدٌ غير الله
أحقّ بالعبادة؟ |
|
2 ـ كيف يسأل
ويجيب بنفسه؟
|
|
بالنظر إلى الآية
أعلاه يطرح هذا السؤال: كيف أمر الله نبيّه
أن يسأل المشركين: من خلق السماوات والأرض؟ وبعدها بدون أن ينتظر منهم الجواب
يأمر النّبي أن يجيب هو على السؤال ... وبدون فاصلة
يوبّخ المشركين على عبادتهم الأصنام، أي طراز هذا في السؤال والجواب؟ |
|
3 ـ العين
المبصرة ونور الشمس شرطان ضروريان
|
|
يشير ظاهر المثالين (الأعمى والبصير)
و (الظّلمات والنّور) إلى هذه الحقيقة،
وهي أنّ النظر يحتاج إلى شيئين: العين المبصرة،
وشعاع الشمس، بحيث لو إنتفى واحد منهما فإنّ الرؤية لا
تتحقّق، والآن يجب أن نفكّر: كيف حال الأفراد المحرومين من البصر
والنّور؟ المشركون المصداق الواقعي لهذا، فقلوبهم عُميٌ ومحيطهم مليءٌ بالكفر
وعبادة الأصنام، ولهذا السبب فهم في تيه وضياع.
وعلى العكس فالمؤمنون بنظرهم إلى الحقّ، وإستلهامهم من نور الوحي وإرشادات
الأنبياء عرفوا مسيرة حياتهم بوضوح. |
|
4 ـ هل أنّ خلق
الله لكلّ شيء دليل على الجبر؟
|
|
إستدلّ جمعٌ من أتباع مدرسة
الجبر أنّ جملة (الله خالق كلّ شيء) في الآية
أعلاه لها من السعة بحيث تشمل حتّى عمل الأفراد، فالله خالق أعمالنا ونحن غير
مختارين. |
|
الآية(17) أَنزَلَ
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ
زَبَداً
|
|
أَنزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ
زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ
حِلْيَة أَوْ مَتَع زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ
وَالْبَطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ
النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الاَْرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الاَْمْثَالَ (17) |
|
التّفسير |
|
وصف
دقيق لمنظر الحقّ والباطل:
|
|
يستند القرآن الكريم ـ الذي يعتبر كتاب هداية وتربية ـ في طريقته إلى
الوقائع العينيّة لتقريب المفاهيم الصعبة إلى أذهان الناس من خلال ضرب الأمثال
الحسّية الرائعة من حياة الناس، وهنا ـ أيضاً ـ لأجل أن يُجسّم حقائق الآيات
السابقة التي كانت تدور حول التوحيد والشرك، الإيمان والكفر، الحقّ والباطل،
يضرب مثلا واضحاً جدّاً لذلك .. |
|
بحوث
|
|
هذا المثال البليغ الذي عبّر
عنه القرآن الكريم بألفاظ موزونة وعبارات منظّمة. وصوّر فيها الحقّ والباطل
بأروع صورة، فيه حقائق مخفيّة كثيرة ونشير هنا إلى قسم
منها: |
|
1 ـ ما هي علائم
معرفة الحق والباطل؟
|
|
يحتاج الإنسان في بعض الأحيان
لمعرفة الحقّ والباطل ـ إذا أشكل عليه الأمر ـ إلى علائم وأمثال حتّى يتعرّف من
خلالها على الحقائق والأوهام. وقد بيّن القرآن الكريم هذه العلامات من خلال
المثال أعلاه: |
|
2 ـ ما هو
الزّبد؟
|
|
«الزبد» بمعنى الرغوة التي تطفوا على
السائل، والماء الصافي أقلّ رغوة، لأنّ
الزبد يتكوّن بسبب إختلاط الأجسام الخارجية مع الماء،
ومن هنا يتّضح أنّ الحقّ لو بقي على صفائه ونقائه لم يظهر فيه الخبث
أبداً، ولكن لإمتزاجه بالمحيط الخارجي الملوّث
فإنّه يكتسب منه شيئاً، فتختلط الحقيقة مع الخرافة،
والحقّ بالباطل، والصافي
بالخابط. فيظهر الزبد الباطل إلى جانب الحقّ. |
|
3 ـ الإستفادة
تكون بقدر الإستعداد واللياقة!
|
|
يستفاد من هذه
الآية ـ أيضاً ـ أنّ مبدأ الفيض
الإلهي لا يقوم على البخل والحدود الممنوعة، كما أنّ السحاب يسقط أمطاره في كلّ
مكان بدون قيد أو شرط، وتستفيد الأرض والوديان منها على قدر وسعها، فالأرض الصغيرة تستفيد أقلّ والأرض الواسعة تستفيد أكثر، وهكذا
قلوب الناس في مقابل الفيض
الإلهي. |
|
4 ـ الباطل
والأوضاع المضطربة
|
|
عندما يصل الماء إلى السهل أو
الصحراء ويستقرّ فيها، تبدأ المواد المختلطة مع الماء بالترشّح ويذهب الزبد
فيظهر الماء النقي مرّةً ثانية، وعلى هذا النحو فالباطل
يبحث عن سوق مضطربة حتّى يستفيد منها، ولكن بعد إستقرار السوق وجلوس كلّ
تاجر في مكانه المناسب وتحقّق الإلتزامات والضوابط في المجتمع، لا يجد الباطل له
مكاناً فينسحب بسرعة! |
|
5 ـ الباطل
يتشكّل بأشكال مختلفة
|
|
إنّ واحدة من خصائص الباطل هي
أنّه يغيّر لباسه من حين لآخر، حتّى إذا عرفوه بلباسه يستطيع أن يخفي وجهه بلباس
آخر، وفي الآية أعلاه إشارة لطيفة لهذه المسألة،
حيث تقول: لا يظهر الزبد في الماء فقط، بل يظهر حتّى في الأفران المخصوصة لصهر
الفلزات بشكل ولباس آخر، وبعبارة أُخرى فإنّ
الحقّ والباطل موجودان في كلّ مكان كما يظهر الزبد في السوائل بالشكل المناسب
لها. وعلى هذا يجب أن لا نُخدع بتنوّع الوجوه وأن نعرف أوجه الباطل ونطرحه
جانباً. |
|
6 ـ إرتباط
البقاء بالنفع
|
|
تقول الآية: (وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) ليس الماء فقط
يبقى ويذهب الزبد الطافي عليه، بل حتّى الفلزات تلك التي تستعمل للزينة أو
للمتاع يبقى الخالص منها ويذهب خبثه. وعلى هذا النحو فالناس والمدارس والمبادىء
لهم حقّ الحياة على قدر منفعتهم، وإذا ما رأينا بقاء أصحاب المباديء الباطلة
لفترة فانّ ذلك بسبب وجود ذلك المقدار من الحقّ الذي إختلط فيه، وبهذا المقدار
له حقّ الحياة. |
|
7 ـ كيف يطرد
الحقّ الباطل؟
|
|
«الجفاء» بمعنى الإلقاء والإخراج، ولهذا نكتة
لطيفة وهي أنّ الباطل يصل إلى درجة لا يمكن فيها
أن يحفظ نفسه، وفي هذه اللحظة يُلقى خارج
المجتمع، وهذه العملية تتمّ في حالة هيجان الحقّ،
فعند غليان الحقّ يظهر الزبد ويطفو على سطح ماء القدر ويُقذف إلى الخارج، وهذا دليل على أنّ الحقّ يجب أن يكون في حالة هيجان
وغليان دائماً حتّى يُبعد الباطل عنه. |
|
8 ـ الباطل مدينٌ
للحقّ ببقائه
|
|
كما قلنا في تفسير
الآية، فلو لم يكن الماء لما وجد الزبد، ولا يمكن له أن يستمر،
كما أنّه لولا وجود الحقّ فانّ الباطل لا معنى له ولو لم يكن هناك أشخاص صادقون
لما وقع أحد تحت تأثير الأفراد الخونة ولما صدّق بمكرهم، فالشعاع الكاذب للباطل
مدين في بقائه لنور الحقّ. |
|
9 ـ صراع الحقّ
والباطل مستمر
|
|
المثال الذي ضربهُ لنا القرآن
الكريم في تجسيم الحقّ والباطل ليس مثالا محدوداً في زمان ومكان معينين، فهذا
المنظر يراه الناس في جميع مناطق العالم المختلفة، وهذا يبيّن أنّ عمل الحقّ
والباطل ليس مؤقتاً وآنياً. وجريان الماء العذب والمالح مستمر إلى نفخ الصور، إلاّ إذا تحوّل المجتمع إلى مجتمع مثالي (كمجتمع عصر الظهور
وقيام الإمام المهدي (عليه السلام)) فعنده ينتهي هذا الصراع، وينتصر
الحقّ ويطوي بساط الباطل، وتدخل البشرية مرحلة جديدة من تاريخها، وإلى أن نصل
إلى هذه المرحلة فالصراع مستمر بين الحقّ والباطل، ويجب أن نحدّد موقفنا في هذا
الصراع. |
|
10 ـ تزامن
الحياة مع السعي والجهاد
|
|
المثال الرائع أعلاه يوضّح
هذا الأساس لحياة الناس، وهو أنّ الحياة بدون جهاد غير ممكنة، والعزّة بدون سعي
غير ممكنة أيضاً، لأنّه يقول: يجب أن يذهب الناس إلى المناجم لتهيئة مستلزمات
حياتهم في المتاع والزينة (إبتغاء حلية أو متاع).
وللحصول على هذين الشيئين يجب تنقية المواد الخام من الشوائب بواسطة نيران
الأفران للحصول على الفلز الخالص الصالح للإستعمال، وهذا لا يتمّ إلاّ من خلال
السعي والمجاهدة والعناء. |
|
الأمثال
في القرآن:
|
|
إنّ دور المثال في توضيح
وتفسير الغايات له أهميّة كبيرة غير قابلة للإنكار، ولهذا السبب لا يوجد أي علم
يستغني عن ذكر المثال لإثبات وتوضيح الحقائق وتقريب معناها إلى الأذهان، وتارةً
ينطبق المثال مع المقصود بشكل يجعل المعاني الصعبة تنزل من السّماء إلى الأرض
وتكون مفهومة للجميع، فيمكن أن يقال: إنّ المثال له دور مؤثّر في مختلف الأبحاث
العلمية والتربوية والإجتماعية والأخلاقية وغيرها، ومن
جملة تأثيراته: وبالنسبة إلى
المنافقين الذين يقضون في ظلّ نفاقهم أيّاماً مريحة ظاهراً، فانّ القرآن الكريم
يضرب مثالا رائعاً عن حالهم، فيشبهّهم بالمسافرين في الصحراء فيقول (يكاد البرق يخطف أبصارهم
كلّما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم
وأبصارهم إنّ الله على كلّ شيء قدير).( البقرة، 20.) |
|
الآية(18) لِلَّذِينَ
اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى
|
|
لِلَّذِينَ
اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ
أَنَّ لَهُم مَّا فِى الاَْرْضِ جَمِيعَاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ
أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَيهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ
الْمِهَادُ (18) |
|
التّفسير |
|
الذين
استجابوا لدعوة الحقّ:
|
|
بعد ما كشفت الآيات السابقة
عن وجهي الحقّ والباطل من خلال مثال واضح وبليغ، أشارت هذه الآية إلى مصير الذين
إستجابوا لربّهم والذين لم يستجيبوا لهذه الدعوة واتّجهوا صوب الباطل. تقول أوّلا: (للذين إستجابوا
لربّهم الحسنى). |
|
فما
هو المقصود من سوء الحساب؟
|
|
للمفسّرين آراء
مختلفة حيث يعتقد البعض أنّه الحساب الدقيق بدون أي عفو أو
مسامحة، فسوء الحساب ليس بمفهوم الظلم، لأنّ الله سبحانه وتعالى هو العدل
المطلق، ويؤيّد هذا المعنى الحديث الوارد عن الإمام الصادق (ع) أنّه قال لرجل:
«يافلان مالك ولأخيك؟» قال: جعلت فداك كان لي عليه حقّ فأستقصيت منه حقّي إلى
آخره، وعنده سماع الإمام لهذا الجواب غضب وجلس ثمّ قال: «كأنّك إذا استقصيت حقّك
لم تسيء إليه! أرأيت ما حكى الله عزّوجلّ (ويخافون سوء
الحساب) أتراهم يخافون الله أن يجور عليهم؟! لا والله ما خافوا إلاّ
الإستقصاء فسمّاه الله عزّوجلّ سوء الحساب، فمن إستقصى فقد أساءه»( تفسير البرهان، المجلّد الثّاني، صفحة 288.). |
|
بحث
|
|
يستفاد من الآيات القرآنية
أنّ الناس في يوم القيامة ينقسمون إلى مجموعتين، فمجموعة يحاسبهم الله بيسر
وسهولة وبغير تدقيق (فأمّا من اُوتي كتابه بيمينه فسوف
يحاسب حساباً يسيراً).( الإنشقاق، 8.) |
|
الآيات(19) (24)
أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ
أَعْمَى
|
|
أَفَمَن يَعْلَمُ
أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا
يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الاَْلْبَبِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلاَ
يَنقُضُونَ الْمِيثَقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن
يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ
صَبَرُواْ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَوةَ وَأَنفَقُواْ
مِمَّا رَزَقْنَهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ
السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّتُ عَدْن
يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ ءَابَآئِهِمْ وَأَزْوَجِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ
وَالْمَلَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَاب (23) سَلَمٌ عَلَيْكُم
بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) |
|
التّفسير |
|
الأبواب
الثّمانية للجنّة وصفات اُولي الألباب:
|
|
تتحدّث هذه الآيات عن سيرة
اُولي الألباب وصفاتهم الحسنة، وفيها تكميل للبحث السابق. |
|
بحوث
|
|
1 ـ لماذا ذكر
الصبر فقط؟
|
|
جملة (سلام عليكم بما صبرتم) تشير إلى مسألة الصبر فقط، في الوقت الذي
نرى فيه الآيات السابقة أشارت إلى ثمانية صفات لاُولي الألباب، فما هو السرّ في
ذلك؟ |
|
2 ـ أبواب الجنّة
|
|
يستفاد من آيات
القرآن الكريم والأحاديث الشريفة أنّ للجنّة عدّة أبواب، ولكن هذا التعدّد للأبواب ليس لكثرة الداخلين إلى الجنّة
فيضيق عليهم الباب الواحد، وليس كذلك للتفاوت الطبقي حتّى تدخل كلّ مجموعة من
باب، ولا لبعد المسافة أو قربها، ولا لجمال الأبواب وكثرتها، فأبواب الجنّة ليست كأبواب القصور والبساتين في الدنيا،
بل تعدّدت هذه الأبواب بسبب الأعمال المختلفة للأفراد. ولذا
نقرأ في بعض الأخبار أنّ للأبواب أسماء مختلفة، فهناك باب يسمّى باب
المجاهدين، والمجاهدون يدخلون بسلاحهم من ذلك الباب إلى الجنّة، والملائكة
تحييهم(منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، المجلّد
الثّالث، ص995.)! |
|
3 ـ يلحق بأهل
الجنّة أقرباؤهم
|
|
الآية أعلاه وآيات أُخرى من
القرآن الكريم تصرّح أنّ من بين أهل الجنّة آباؤهم
وأزواجهم وأبناؤهم الصالحون، وهذا إنّما هو لإتمام النعمة عليهم، وكي لا
يشعروا بفراق أحبّائهم، وبما أنّ تلك الدار متكاملة وكلّ شيء يتجدّد فيها، فإنّ
أصحابها يدخلون فيها بوجوه جديدة وأكثر محبّة وإلفة. المحبّة التي تضاعف من نعم
الجنّة لهم. |
|
4 ـ ما هي جنّات
عدن؟
|
|
«العدن»
الإستقرار، وهنا جاءت الكلمة بمعنى الخلود، ومنه المعدن لمستقرّ العناصر الفلزية. ويستفاد من مختلف آيات القرآن أنّ
الجنّة دار خلود لأهلها، ولكن ـ كما قلنا في ذيل الآية
(72) من سورة التوبة ـ جنّات عدن هي محلّ خاص في الجنّة، ولها صفات
ومنازل عالية، ولا يدخلها إلاّ ثلاثة: الأنبياء
والصدّيقون والشهداء (للتوضيح أكثر راجع ما ذكر ذيل
الآية (72) من سورة التوبة.). |
|
5 ـ التطهير من
آثار الذنوب
|
|
ممّا لا شكّ فيه أنّ الحسنات
والسيئات لها أثر متقابل في النفس ونحن نرى في حياتنا
اليوميّة كثيراً من النماذج بخصوص هذا الموضوع، فمرّةً يتحمّل الإنسان
مشاق سنين كثيرة ويسعى للحصول على الثروة، ولكن يفقدها بعمل بسيط ناتج عن
اللامبالاة، أو ليس هذا إحباطاً للحسنات المادية. ومرّةً
أُخرى على العكس حيث يرتكب الإنسان كثيراً من الأخطاء في حياته ويتحمّل
الخسارة الكبيرة، ولكن يسترجعها من خلال عمل شجاع ومحسوب. |
|
الآيتان(25) (26)
وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا
أَمَرَ اللهُ بِهِ
|
|
وَالَّذِينَ
يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ
بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى الاَْرْضِ أُوْلئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ
وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ
وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَا فِي
الاَْخِرَةِ إِلاَّ مَتَعٌ(26) |
|
التّفسير |
|
المفسدون
في الأرض!
|
|
بعد ما ذكرت الآيات السابقة صفات اُولي الألباب ودعاة الحقّ، أشارت هذه الآيات إلى قسم من الصفات الأصليّة للمفسدين الذين
فقدوا حظّهم من العلم والمعرفة حيث يقول جلّ وعلا: (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به
أن يوصل ويفسدون في الأرض أُولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار). 1 ـ
نقض العهود الإلهيّة: وتشمل المواثيق الفطرية
والعقليّة والتشريعيّة. |
|
بحثان
|
|
1 ـ من هو المفسد
في الأرض؟
|
|
الفساد يقابله الإصلاح، ويطلق
على كلّ عمل تخريبي، ويقول الراغب في مفرداته: «الفساد خروج الشيء عن الإعتدال قليلا كان أو كثيراً، ويضادّه
الصلاح، ويستعمل ذلك في النفس والبدن والأشياء الخارجة عن الإستقامة» وعلى
ذلك فكلّ عمل فيه نقص، وكلّ إفراط وتفريط في المسائل الفردية والإجتماعية هو
مصداق للفساد! |
|
2 ـ الرزق بيد
الله سبحانه وتعالى ولكن ...!
|
|
لا نستفيد من الآية أعلاه فقط
أنّ الرزق في زيادته ونقصانه بيد الله، بل نستفيد من آيات اُخر أنّ الله سبحانه
وتعالى يبسط الرزق لمن يشاء وينقصه لمن يشاء، ولكن ليس كما يعتقده بعض الجهلاء
من عدم الكسب والجلوس في زاوية البيت حتّى يبعث الله لهم الرزق، إن هؤلاء
الأفراد ـ الذين يُعتبر تفكيرهم السلبي ذريعة لمن يقول بأنّ الدين أفيون الشعوب
ـ قد غفلوا عن نقطتين أساسيتين هما: |
|
الآيات(27) (29)
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ
|
|
وَيَقُولُ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ
اللهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ
ءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ
تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ طُوبَى
لَهُمْ وَحُسْنُ مَآب(29) |
|
التّفسير |
|
ألا
بذكر الله تطمنّ القلوب:
|
|
في سورة الرعد ـ كما أشرنا
سابقاً ـ بحوث كثيرة حول التوحيد والمعاد والنبوّة، فالآية الأُولى من هذه
المجموعة تبحث مرّةً أُخرى في دعوة الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وتبيّن
واحداً من أعذار المشركين المعاندين حيث يقول تعالى: (ويقول
الذين كفروا لولا اُنزل عليه آية من ربّه). |
|
بحوث
|
|
1 ـ كيف يطمئن
القلب بذكر الله؟
|
|
إنّ الإضطراب والقلق من أكبر
المصاعب في حياة الناس، والنتائج الحاصلة منهما في حياة الفرد والمجتمع واضحة
للعيان، والإطمئنان واحد من أهمّ إهتمامات البشر، وإذا حاولنا أن نجمع سعي وجهاد
الإنسانية على طول التأريخ في بحثهم للحصول على الإطمئنان بالطرق الصحيحة غير
الصحيحة، فسوف تتكوّن لدينا كتب كثيرة ومختلفة تعرض تلك الجهود. |
|
2 ـ الطمأنينة
والخوف من الله
|
|
طرح بعض المفسّرين
هنا هذا السؤال، وخلاصته: نحن قرأنا في
الآية أعلاه (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ومن
جانب آخر فإنّ الآية 2 من سورة الأنفال تقول: (إنّما
المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) فهل إنّ هاتين الآيتين متناقضتين؟ |
|
3 ـ ما هو ذكر
الله، وكيف يتمّ؟
|
|
«الذكر» كما يقول الراغب في مفرداته:
حفظ المعاني والعلوم، ويُستعمل الحفظ للبدء به، بينما الذكر للإستمرار فيه، ويأتي في معنى آخر هو ذكر الشيء باللسان أو القلب، لذلك قالوا: إنّ الذكر نوعين «ذكر القلب» و «ذكر اللسان» وكلّ واحد
منها على نوعين: بعد النسيان أو بدونه. |
|
الآيات (30) (32)
كَذَلِكَ أَرْسَلْنَكَ فِي أُمَّة قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ
لِّتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ
|
|
كَذَلِكَ أَرْسَلْنَكَ
فِي أُمَّة قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِى
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّى لاَ
إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30) وَلَوْ أَنَّ
قُرْءَاناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الاَْرْضُ أَوْ
كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلَّهِ الاَْمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَايْئَسِ
الَّذِينَ ءَامَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ
يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ
قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِىَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يُخْلِفُ
الْمِيعَادَ(31) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُل مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32) |
|
أسباب النّزول
|
|
قال بعض المفسّرين: إنّ الآية الأُولى نزلت في صلح
الحديبيّة في السنة السادسة للهجرة، وذلك عندما أرادوا كتابة معاهدة
الصلح، قال النّبي (ص) لعلي (ع): «اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم ...» قال سهيل بن
عمرو ومعه المشركون: نحن لا نعرف
الرحمان! وإنّما هناك رحمان واحد في اليمامة «وكان
قصدهم مسيلمة الكذّاب» بل اكتب «باسمك اللّهم»
كما كانوا يكتبونه في الجاهلية، ثمّ قال النّبي (صلى
الله عليه وآله وسلم) لعلي (ع): «اُكتب: هذا ما اتّفق عليه محمّد رسول
الله ...» فقال المشركون: إذا كنت رسول الله
فإنّه لظلمٌ كبير أن نقاتلك ونمنعك من الحجّ، ولكن اُكتب: هذا ما اتّفق عليه
محمّد بن عبدالله!... |
|
التّفسير |
|
لا
أمل في إيمان أهل العناد:
|
|
تبحث هذه الآيات مرّةً ثانية
مسألة النبوّة، والآيات أعلاه تكشف عن قسم آخر من جدال المشركين في النبوّة
وجواب القرآن عليهم فيقول الآية: كما أنّنا أرسلنا رسلا
إلى الأقوام السالفة لهدايتهم: (كذلك أرسلناك في
اُمّة قد خلت من قبلها اُمم) والهدف من ذلك (لتتلوا عليهم الذي أوحينا
إليك). في الوقت الذي (وهم يكفرون بالرحمن) يكفرون
بالله الذي عمّت رحمته كلّ مكان، وشمل فيضه المؤمن والكافر. |
|
بحوث
|
|
1 ـ لماذا
التركيز على كلمة «الرحمان»؟
|
|
توضّح الآية أعلاه، وما
ذكرناه في أسباب النّزول، أنّ كفّار قريش لم يوافقوا على وصف الله بالرحمن، وبما
أنّ ذلك لم يكن سائداً لديهم، فانّهم كانوا يستهزئون به، في الوقت الذي نرى فيه
الآيات السابقة تصرّ وتؤكّد على ذلك، لأنّ في هذه
الكلمة لطفاً خاصّاً، ونحن نعلم أنّ صفة الرحمانية تعمّ وتشمل المؤمن
والكافر، الصديق والعدو، في الوقت نفسه فانّ صفة الرحيم خاصّة بعباده المؤمنين. |
|
2 ـ لماذا لم
يستجب النّبي لمطاليبهم
|
|
ومرّة أُخرى نواجه
هنا ما يقوله البعض من أنّ النّبي
(ص) لم تكن لديه معجزة غير القرآن الكريم، ويستندون في ذلك إلى الآية أعلاه
وأمثالها، لأنّ ظاهر هذه الآيات أنّ النّبي لم يستجب إلى طلبهم في إظهار المعاجز
المختلفة من قبيل تسيير الجبال أو شقّ الأرض وإظهار العيون وإحياء الموتى
والتكلّم معهم. |
|
3 ـ ما هي
القارعة؟
|
|
«القارعة» مأخوذة من مادّة «قرع»
بمعنى طرقَ، وعلى ذلك تكون القارعة بمعنى الطارقة، وتشير هنا إلى الأحداث التي
تقرع الإنسان وتنذره وإذا كان مستعدّاً للنهوض أيقظته. |
|
الآيتان(33) (34)
أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ
شُرَكَاءَ
|
|
أَفَمَنْ هُوَ
قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ
سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى الاَْرْضِ أَم بِظَهِر
مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ
السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد (33) لَّهُمْ عَذَابٌ فِى
الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الاَْخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللهِ
مِن وَاق (34) |
|
التّفسير |
|
كيف
تجعلون الأصنام شركاء مع الله؟!
|
|
نعود مرّةً أُخرى في هذه
الآيات إلى البحث حول التوحيد والشرك، وهي تخاطب
الناس من خلال دليل واضح حيث يقول تعالى: (أفمن هو قائم
على كلّ نفس بما كسبت)( الجملة أعلاه مبتدأ لخبر
محذوف تقديره (أمّن هو قائم على كلّ نفس بما كسبت كمن ليس كذلك).) وهذه
الجملة تريد أن تقول بوضوح إنّ الله سبحانه وتعالى وكأنّه واقف على رأس كلّ شخص
ويعلم بما يفعلونه ويجازي عليه وبيده تدبير الأُمور، ولذلك فإنّ كلمة «قائم» لها
معنىً واسع يشمل كلّ هذه الأُمور، مع أنّ مجموعة من
المفسّرين يرى لها أبعاداً خاصّة. |
|
الآية (35) مَّثَلُ
الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَرُ
|
|
مَّثَلُ الْجَنَّةِ
الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَرُ أُكُلُهَا
دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا وَّعُقْبَى الْكَفِرِينَ
النَّارُ (35) |
|
التّفسير |
|
بالنظر إلى تناوب آيات هذه
السورة في بيان التوحيد والمعاد وسائر المعارف الإسلامية الأُخرى، تحدّثت هذه الآية مرّةً أُخرى
حول المعاد وخصوصاً نِعَمِ الجنّة وعذاب الجحيم. يقول
تعالى أوّلا: (مثل الجنّة التي وعد المتّقون
تجري من تحتها الأنهار)( هناك نقاش بين
المفسّرين حول تركيب هذه الجملة فقال البعض: إنّ «مثل» مبتدأ و «تجري» خبرها،
وقال بعض آخر: إنّ «مثل» مبتدأ وخبره محذوف تقديره «فيما نقص عليكم مثل الجنّة».). الوصف الثّاني
للجنّة هو (أكلها دائم). |
|
الآية(36)
وَالَّذِينَ ءَاتَيْنَهُمُ الْكِتَبَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ
|
|
وَالَّذِينَ
ءَاتَيْنَهُمُ الْكِتَبَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الاَْحْزَابِ
مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمْرِتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلاَ
أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) |
|
التّفسير |
|
المؤمنون
والأحزاب!
|
|
أشارت هذه الآية إلى ردّ
الفعل المتفاوت للناس في مقابل نزول الآيات القرآنية، فالأفراد الذين يبحثون عن
الحقيقة يفرحون بما أُنزل على الرّسول، بينما المعاندون يخالفون ذلك. |
|
بحث
|
|
الإيمان والإئتلاف
الحزبي:
|
|
رأينا في الآية كيف أنّ الله
سبحانه وتعالى عبّر عن المؤمنين من اليهود والنصارى بأهل الكتاب، وعبّر عن
أُولئك التابعين للعصبية والأهواء بالأحزاب، وهذا غير
منحصر في تاريخ صدر الإسلام، بل إنّ هذا التفاوت موجود دائماً بين المؤمنين
الحقيقيين والذين يدّعون الإيمان، فالمؤمنون الحقيقيون يقولون بالتسليم
المطلق لكلّ الأوامر الإلهيّة، ولا يقولون بالتبعيض، ويجعلون ميلهم تحت ذاك
الشعاع، فهم أهل لأن يسمّيهم القرآن أهل الكتاب والإيمان. |
|
الآيات(37) (40)
وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم
بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ
|
|
وَكَذَلِكَ
أَنزَلْنَهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا
جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِىٍّ وَلاَ وَاق (37)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَجاً
وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُول أَن يَأْتِىَ بِآيَة إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ
لِكُلِّ أَجَل كِتَابٌ (38) يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ
أُمُّ الْكِتَبِ (39) وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِى نَعِدُهُمْ أَوْ
نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) |
|
التّفسير |
|
الحوادث
«الثّابتة» و «المتغيّرة»:
|
|
تتابع هذه الآيات المسائل
المتعلّقة بالنبوّة، ففي الآية الأُولى يقول تعالى: (وكذلك أنزلناه حكماً
عربياً). |
|
ومن
جملة هذه الإشكالات:
|
|
أوّلا: كان البعض يقول: هل من الممكن أن يكون الرّسول من جنس
البشر، يتزوّج وتكون له ذرّية؟ فالآية تجيبهم وتقول ليس هذا بالأمر الغريب: (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرّية)( يقول بعض المفسّرين في سبب نزول هذه الآية: إنّها جواب لما
كان يورده البعض من تعدّد أزواج الرّسول، في الوقت الذي نرى أنّ سورة الرعد
مكّية وتعدّد الزوجات لم يكن حينذاك.). |
|
نقطتان
يجب الإنتباه إلى هاتين النقطتين:
|
|
1 ـ لوح المحو
والإثبات واُمّ الكتاب
|
|
مع أنّ جملة (يمحو الله ما يشاء ...) نزلت في مجال المعاجز والكتب
السّماوية إلى الأنبياء، لكنّها تبيّن قانوناً عامّاً وشاملا وقد اُشير إليه في
مختلف المصادر الإسلامية، وهو أنّ تحقّق وصيرورة الحوادث المختلفة للعالم لها
مرحلتين: الأُولى المرحلة القطعيّة أو الثابتة، ولا سبيل للتغيير فيها (والتي أشارت إليها الآية أعلاه باُمّ الكتاب)
والأُخرى المرحلة المتغيّرة أو بعبارة أُخرى «المشروطة»
والتي يجد التغيير سبيلا إليها، وقد عبّر عنها بالمحو والإثبات. وأحياناً يُقال عن المرحلتين: «اللوح المحفوظ» و
«لوح المحو والإثبات» كأنّ ما كُتب في اللوح الأوّل محفوظ لا يتغيّر، أمّا
الثّاني فمن الممكن محو ما كتب فيه وتغييره. |
|
2 ـ ما هو
البداء؟
|
|
«البداء» أحد
البحوث العويصة بين الشيعة والسنّة. |
|
يقول الرازي في تفسيره الكبير في ذيل الآية ـ محلّ البحث ـ: «يعتقد الشيعة أنّ البداء جائز على الله، وحقيقة
البداء عندهم أنّ الشخص يعتقد بشيء ثمّ يظهر له
خلاف ذلك الإعتقاد، ولإثبات ذلك يتمسكون بالآية
(يمحو الله ما يشاء ويثبت)ثمّ يضيف الرازي: إنّ
هذه العقيدة باطلة، لأنّ علم الله من لوازم ذاته، ومحال
التغيير والتبديل فيه». |
|
الآيات(41) (43) أَوَ
لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِى الاَْرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا
|
|
أَوَ لَمْ يَرَوْا
أَنَّا نَأْتِى الاَْرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللهُ يَحْكُمُ لاَ
مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ
مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْس
وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّرُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسلا قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدَا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ
وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَبِ (43) |
|
التّفسير |
|
البشرية
فانية ووجه الله باق:
|
|
بما أنّ الآيات السابقة كانت
تتحدّث مع منكري رسالة النّبي (ص)، فقد تابعت هذه الآيات كذلك نفس البحث. والهدف
هو دعوتهم إلى التفكّر، ثمّ الإصلاح عن طريق الإنذار والإستدلال وغيرها. وأمّا ما إحتمله
بعض المفسّرين من أنّ المقصود بالنقصان هو
نقض أرض الكفّار وإضافتها إلى أرض المسلمين، فلا نراه
صحيحاً إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار أنّ السورة مكّية، لأنّ الفتوحات في
ذلك الوقت لم تكن موجودة حتّى يراها الكفّار أو يشير إليها القرآن الكريم. وبناءاً على ما
قلناه أعلاه فإنّ المقصود بـ(من عنده علم الكتاب) هم
العالمون بمحتوى القرآن الكريم. |
|
|
|