- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
المستشرقون
ونهج البلاغة
|
|
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
|
|
مدخل عام في تناول
موضوع (المستشرقين ونهج البلاغة)
|
|
إن البحث في نتاجات المستشرقين التي اهتمت بالتراث الإسلامي يعد من الابحاث الصعبة وذلك لعدة اسباب
منها : ١ـ
تعدد لغات المستشرقين ، إذ ان دراساتهم لم تكتب بلغة ـ اجنبية ـ واحدة . ٢ـ
الكم الهائل مما كتبوه ، وألفوه ، وحققوه حول التراث الإسلامي ، مضافاً لها بحوث
ومقالات كتبت في مجلات وصحف ودوريات مختلفة وكثيرة لا يمكن الوقوف على احصائيات
دقيقة لها . ٣ـ كثرة المستشرقين مما لا يمكن لأحد الإحاطة بعددهم ، بل ان
الموجود مجرد احصائيات أولية وليس أكثر . ٤ـ عدم ترجمة جميع التراث الاستشراقي المعروف ، بل ان ما ترجم منه
إلى اللغة العربية ـ قد ـ لا يتجاوز العشر على أحسن التقادير [يراجع لذلك كتاب : التشيع و الاستشراق
، الدكتور عبد الجبار الناجي .] . ٥ـ عدم وجود منهجية معينة ـ خاصة ـ للتعامل مع الكتابات
الاستشراقية القديمة والحديثة ، إذ لا يوجد تخصص في البلاد الإسلامية يعنى
بالاستشراق ولا توجد معاهد تهتم بذلك ، على عكس الدول الأوربية التي كانت ولا
زالت تحتفظ بمعاهد خاصة وكراسي خاصة لدراسة التراث الإسلامي وكل ما يتعلق به ،
بل انهم يولونه أهمية كبيرة جداً . لا يخفى الاهتمام الذي أولي لدراسة شخصية النبي محمد ( ص ) من قبل
المستشرقين ، وبالخصوص كونه ( ص ) شخصية انهت هيمنة الديانة المسيحية والتي دانت
قروناً . بل إنها الشخصية التي اطاحت بحصون كبرى للمسيحية في البلاد العربية ،
والتي سحبت من تحت يد المسيحية جميع الأراضي التي كانت تابعة لها في بلاد العرب
. يقول المستشرق ( مونتغمري وات ) [مونتغمري وات : اسكتلندي الأصل ,
أمريكي الجنسية , من رجال اللاهوت المسيحي , له ( عوامل أنتشار الإسلام ) و (
محمد في مكة ) و ( محمد في المدينة ) و ( محمد النبي و رجل الدولة ) .] بهذا الصدد : ( ليس بين رجال العالم
رجل كثر شانئوه كمحمد ... فلقد كان الإسلام خلال قرون عدة العدوالأكبر للمسيحية
... وأخذت الدعاية الكبرى في القرون الوسطى تعمل على إقرار فكرة "
العدوالأكبر " في الأذهان , حتى ولوكانت تلك الدعاية خالية من كل موضوعية
... حتى إذا ما حل القرن الحادي عشر كان للأفكار الخرافية ... في أذهان
الصليبيين أثر يؤسف له ... ) [محمد في المدينة , مونتغمري وات , ص ٤٩٣ .] . كل ذلك أثار حفيظة الكنيسة لتتجه نحوالتعرف على كل شيء عن ذلك
الشخص الذي فعل بها ما فعل ، وكذلك لتعرف خصوصياته ، وأقرب المقربين له من أقارب
وأصحاب . فكان الاهتمام في أوربا منصباً على دراسة سيرته ( ص ) وسيرة أهل بيته (
عليهم السلام ) ، فكانت المطاعن نفس المطاعن ، والانتقادات نفس الانتقادات من
جانب ، والمديح نفس المديح ، والانبهار نفس الانبهار من جانب آخر . إن الشخصية الثانية من شخصيات أهل بيت النبي ( ص ) التي خضعت للدراسة
؛ هي شخصية الإمام علي بن أبي طالب ( ع ) ،فقد تناول دراسة سيرة حياته جملة من المستشرقين بكل تفاصيلها سواء من خلال المؤلفات الشيعية المشهورة ، أومن خلال
كتب التاريخ السنية . نعم ، ان جملة من المستشرقين قد اخذوا ما كتب من طعن وتشويه بشخصية الإمام علي ( ع ) في كتب
العامة أخذ المسلمات بلا ادنى تحليل ، أو مقارنة نصوص ، وذلك اما لجهلٍ أو لتعمدٍ في ذلك . ثم كان لكتاب ( نهج البلاغة ) الذي احتوى على خطب ورسائل وكلمات
الإمام علي ( ع ) ـ والذي جمعه الشريف الرضي ـ اهتماماً خاصاً به ، كونه سفر بلاغي عظيم ، وكونه يحتوي على أحاديث
وحوادث وردت على لسان الإمام علي ( ع ) وقضايا لم تك معروفة من قبل قد تعرض لها أمير المؤمنين ( ع ) ، وأخبار وإخبارات أوقفت
عقول كل من يقرئها ، مما أثار في داخل البعض ـ المعادي والحاسد والحاقد ـ ان
يطعن بها جهلاً وعدواناً . |
|
تشكيك بعض الكتاب
والمستشرقين بنهج البلاغة
|
|
تعرّض بعض القدامى لجهل أو لسوء نية ، وكذلك تعرّض بعض المحدثين
ممن انطلت عليهم أكاذيب المستشرقين وسمومهم ، وكذلك تعرّض المستشرقون للتشكيك في
نهج البلاغة ، كما كان هدفهم دائما التشكيك في كل أثر إسلامي . |
|
من تشكيكاتهم :
|
|
[
١ ] ليس فيه أسانيد : [ ٨ ] فيه ما ينافي زهده في الدّنيا |
|
المستر كربنكو
الإنكليزي ونهج البلاغة
|
|
ومن الجدير بالملاحظة والانتباه
ماقاله المستر كربنكو الإنكليزي[أستاذ الآداب العربية في كلية (عليكده) الهندية . ] الجنسية والأستاذ في احدى الجامعات
الهندية بشأن كتاب نهج البلاغة الذي عدّه أخا صغيرا للقران عندما إجتمع الأساتذة
والأدباء حوله في حفلة وسألوه عن إعجاز القران فأجابهم : "إنّ للقرآن أخاً
صغيراً يُسمّى (نهج البلاغة)، فهل في إمكان أحد أن يأتي بمثل هذا الصغير حتّى
يسوغ لنا البحث عن الأخ الكبير" [نقلا من كتاب صوت الإمام علي في نهج البلاغة: ٣٦ . ] . وقال أيضاً في مقال آخر له : وإذا طلبت البلاغة في أتم مظاهرها،
والفصاحة التي لم تشبها عجمة، فعليك بنهج البلاغة الذي فيه خطب أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب ورسائله إلى عمّاله [مجلة المجمع العلمي السوري، مج: ١٨/٢٧٠ . ونقله بيضون , لبيب (الدكتور)
, الإعجاز العددي في القران , مؤسسة الأعلمي للمطبوعات , ( بيروت – ١٤٢٥ هـ / ٢٠٠٥م) .] . |
|
المستشرق الإنكليزي
(سيمون اوكلي) ونهج البلاغة
|
|
لقد كتب المستشرق الانكليزي ( سيمون أوكلي )[ سيمون أوكلي ( ١٦٧٨ ـ ١٧٢٠ م ) .] كتاباً بعنون ( تاريخ المسلمين )
ضمنه فصلاً في ( كلمات قصار لعلي بن أبي طالب ) اقتبسها من كتاب اسماه بـ( ربيع
الأخبار )[
ربما يكون كتاب ( ربيع الأبرار و نصوص الأخبار ) لجار الله الزمخشري ( ت ٥٣٨ هـ
) .] و ترجمها إلى الانكليزية ، و قدم
لهذا الفصل بمقدمة انتقد فيها بعض
المظاهر السائدة في المجتمع البريطاني آنذاك من قبيل الانغماس في المظاهر المعاشية و الامور الكمالية كموضة
الزي و الأثاث و غيرها ، و اشاد بالشرق و خاصة العرب لعنايتهم بالكلام ، و خاصة
( الحكم و الأمثال ) ، و التي تعكس عمق تجربتهم . لقد تطرق إلى ( سيمون أوكلي ) إلى ( الحكم العلوية ) قائلاً : ( إن في هذه الكلمات القصار ما يكفي
لتخليص العرب من تهمة الجهل التي الصقتها بهم التقليعات الحديثة ) [Semon
Ockley , Sentences of Ali ( Wisdom of The East ) , Lahore , National Book
Society , N.D,P ١٠ .] نقول : أولاً : ليتخلص جل العرب من التشكيك بالحِكم
التي قالها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( ع ) . و ثانياً : لينصفوا علي بن أبي طالب ( ع ) ، و
بالخصوص تجاه الهجمة التي شرعت ضده قديماً و حديثاً . و ثالثاً : ليدرسوا و يعرفوا مكانته ( ع ) في
المنظومة الإسلامية . بعد ذلك عليهم ـ أي العرب ـ التوجه
نحو كلامه و حكمه ( ع ) ليتخلصوا بفضلها من تهمة الجهل ـ بحسب تعبير اوكلي ـ التي وصموا بها . فهو القائل (ع ) : ( ... أَنْ
مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ اَلْقُطْبِ مِنَ اَلرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي
اَلسَّيْلُ وَ لاَ يَرْقَى إِلَيَّ اَلطَّيْرُ ...) الخطبة الشقشقية . يقول ( البيهقي )[
البيهقي : ظهير الدين علي بن زيد البيهقي ( ٤٩٩ ـ ٥٦٥ هـ ) من مشايخ ابن شهر
آشوب .] : ( ... ما ظنك بكلام علي بن أبي
طالب " ع " ، و هو كلام إذا لحظه الطرف رأى حقائق العلم المكنون ، و
إذا تصفحه الخاطر جنى ثمرات السر المخزون . حتى قال عمرو بن بحر الجاحظ : وددت أني أعطيت جميع مصنفاتي ، و قطعت أنسابها عّني ، و أخذت
بدلها ثلاث كلمات منسوبة إلى علي بن أبي طالب و صارت منسوبة إلي )[
معارج نهج البلاغة ، البيهقي ، ص ١١٠ .] . |
|
كارل بروكلمان ونهج
البلاغة
|
|
ان ما أثاره المستشرق الألماني (
كارل بروكلمان ) و الذي يتحدث عن أدب الإمام علي ( ع ) الموجود في كتاب ( نهج
البلاغة ) و يعبر عنه بأنه : ( أدب علوي منحول )[ تاريخ الأدب العربي ،
كارل بروكلمان ، ترجمة : عبد الحليم النجار ، ج١ ، ص ٢٤٥ ، و كذلك في ج٢ ، ص ٦٤
، و ج٢ ، ص ٣٨١ .] ، يحتاج الى وقفة تأمل ، و رد علمي
يتوافق مع اخلاق اهل البيت عليهم السلام . لذلك نقول : ان كلام ( بروكلمان ) قائم على
ركيزتين رئيسيتين تتبعهما غاية مبيتة لذلك . فالركيزتان اللذان يعتمد عليهما ( بروكلمان ) في كلامه المتقدم ـ و
غيره ـ هما : ١ـ اعتماده على التراث أبناء العامة
فقط ، و الذي فيه طعن كبير بكل ما يتعلق بأهل البيت ( عليهم السلام ) و بالخصوص
الإمام علي ( ع ) ، فإن للشبهات و التشكيكات التي أثارها ( ابن خلكان ) ـ على
سبيل المثال و غيره ـ وقعها و أثرها الذي يسيل له لعاب أمثال ( بروكلمان ) و ما
عليه إلا أن يوقد عود الثقاب إذ أن ( الحطب صالح للاشتعال ) . ٢ـ اعتماده على خلفية استشراقية و
كنسية و صليبية لها عدائها الجلي و الواضح للإسلام و المسلمين ـ كدين و جماعات ـ
، فكيف إذا كان أمير المؤمنين ( ع ) و هو الحامي و المدافع عن الإسلام ، إذ قام
الإسلام بسيفه . أما الغاية المبيتة لأمثال ( بروكلمان
) فهي ؛ الطعن بالإسلام و
بكل وسيلة ممكنة ، و هنا يمكن أن نورد قلة لأحد كبار الشخصيات الألمانية و التي
يقول فيها مادحاً معاوية بن أبي سفيان : ( ينبغي لنا أن نُقيّم تمثالاً من الذهب
لمعاوية بن أبي سفيان في ميدان كذا من عاصمتنا برلين . فقال له : لماذا ؟ قال :
لأنه هو الذي حول نظام الحكم الإسلامي عن قاعدته الديمقراطية إلى عصبية , و لولا
ذلك لعم الإسلام العالم كله . إذن لكنا نحن الألمان و سائر شعوب أوربا عرباً
مسلمين )[
شيخ المضيرة ، محمود أبو رية ، ص ١٨٥ .] . كما و يقول ( شوقي أبو خليل )[
شوقي ابو خليل ( ١٩٤١ ـ ٢٠١٠ م ) كاتب فلسطيني .] عن كارل بروكلمان موضحاً طريقته و
اسلوبه في الكتابة عن التاريخ و الأدب العربي : ( فكيف ببروكلمان ، و قد كتب
تاريخنا منطلقاً من التشكيك ، و الرفض العشوائي ، معتمداً على الروايات الضعيفة الشاذة ، و التي رفضها
النقاد الباحثون ، و استغربها العلماء المطلعون ، بل و اشاروا إلى نشوزها ، لكن
بروكلمان ـ كغيره من المستشرقين الذين قدموا ما يرضي رجال الكنيسة و لم يكتبوا
حقائق تثيرهم ـ بنى فكره و رأيه مسبقاً في نفسه ، ثم جاء إلى وقائع التاريخ
العربي الإسلامي يطوعها لما يؤيد فكرته و خطته المرسومة ، يطمس ، و يضعف ، و
يمرض ما دون ذلك ، فقدم بروكلمان تاريخنا موسعاً الجزئية متغاضياً عن الكلية ،
مع تفسيرات عجيبة ، و مواقف غريبة ، و أقوال ينبو عنها الذوق السليم ، و الفكر
الموضوعي ، لا العميق و الشامل ، بل و حتى غير العميق ، و غير الشامل )[
كارل بروكلمان في الميزان ، شوقي أبو خليل ، ص ١١ _ ١٢ .] . |
|
المستشرق الفرنسي
لويس ماسينيون ونهج البلاغة
|
|
نُقل عن المستشرق الفرنسي ( لويس
ماسينيون )[
لويس ماسينيون: (١٨٨٣ ـ ١٩٦٢م) مستشرق فرنسي من مؤسسي دائرة المعارف الإسلامية
في مصر, والتي كان هدفها تشويه الإسلام ونشر المسيحية, وكان ماسينيون من كبار
المنصرين والطاعنين في الإسلام والقران, وصف بأنه من المستشرقين الخطرين .] انتقادات وجهها لكتاب ( نهج البلاغة
) منها قوله : ( أن فيه حشواً )[
شروح نهج البلاغة ٢١٠ شرح ، الشيخ حسين جمعة العاملي ، ص ٣٣ .] . وقد رد عليه السيد ( محسن الأمين )[
آية الله العظمى السيد محسن الأمين الحسيني العاملي ( ١٨٦٥ ـ ١٩٥٢ م ) .] في كتاب ( أعيان الشيعة ) بقوله : ( ومن الغريب ما حكاه بعض أهل العصر
ـ ممن يروق لهم الاستشهاد بكلام الغربيين صحيحه و سقيمه ـ عن الأستاذ المستشرق
المسيو ماسينيون الفرنسوي انه مع اعتقاده بان نهج البلاغة من كلام علي و انه لا
يمكن ان يكون من وضع الشريف الرضي لأسباب ذكرها . فهو يعتقد ان الكتب التي أخذ عنها
الشريف الرضي هي كتب الزيدية لا الامامية لأسباب أهمها ان الامامية لا يعترفون
بخلافة الشيخين بعكس الزيدية الذين يقولون بصحة خلافتهما وان كان علي أحق منهما بتولي أمور
المسلمين فالزيدية إذن واسطة تفاهم وتوفيق بين السنيين والشيعيين لذلك كانوا
يعتنون بجمع كلام علي ونشره بين الناس وكان غرضهم من هذا الجمع ليس كغرض
المؤرخين بل ان عليا كان بنظرهم مثلا أعلى يجب ان يحتذي و صاحب أخلاق سامية يجب
ان تخلد و طريقه في الحكم والادارة وحل المشاكل يجب ان تعرف وما كان مثل هذه
الحاجة يعرض للشيعيين لان كتاب هؤلاء هو امامهم الذي يعيش في عصرهم لذلك لما
اضطر الشيعة إلى جمع كلام علي نقلوا عن كتب الزيدية " اه " وهو اعتقاد
فاسد فان عليا إذا كان بنظر الزيدية مثلا أعلى يجب ان يقتدى به وصاحب أخلاق
سامية يجب ان تخلد و طريقه في الحكم والادارة يجب ان تعرف فهو عند الشيعة
الامامية لا ينقص عن ذلك بل يزيد وان الشيعة الامامية تعتقد ان قوله وفعله و
تقريره حجة. وتعليله ذلك بان كتاب الامامية هو امامهم الذي
يعيش في عصرهم قد أخطأ فيه فالإمامية لا فرق عندهم بين امامهم الذي يعيش في
عصرهم وغيره في ان كلام الجميع و فعلهم و تقريرهم حجة وان كان علي أفضلهم.
والزيدية وان قال البترية منهم بإمامة الشيخين الا ان الباقين و البترية بعد
الشيخين يشترطون في الامام ان يكون من ولد علي وفاطمة ولا فرق بينهم من هذه
الجهة وبين الامامية. فقد تعاطى الأستاذ ماسينيون في ذلك ما ليس من صنعته وما لم
تصل اليه معلوماته . وتساءل الأستاذ ماسينيون فيما حكاه عنه هذا البعض عن الشيء
الذي كان يقود الشريف الرضي في اختياره لنصوص النهج أهو الذوق الادبي أم النزعة
الامامية وزعم ان النزعة الامامية كان لها أثرها في اختيار قطع النهج بدليل وجود
خطب اخرى تنسب لعلي كانت معروفة قبل عصر الرضي ولم تدخل في الكتاب لمخالفتها
لعقيدة الامامية بل ربما دخل في النهج كلام ليس لعلي بتأثير هذه النزعة وتصرف
ببعض الخطب وحذف و قصر فيها وضمنت بعض الحشو . ولكن كل هذا لم يمنعه من الاعتراف
بان كلام علي ظل في الكتاب محترما لم يمس . |
|
ماقاله المستشرق
الفرنسي (هنري كوربان) في نهج البلاغة
|
|
أن كتاب نهج البلاغة يأتي في الأهمية
بعد القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ، ليس على المستوى الإسلامي الشيعي
فحسب ، بل على المستويين الإسلامي والعربي عموماً. ولذلك فإن الكثير من المفكرين
والأدباء والباحثين المسيحيين يعتقدون اليوم أن كتاب النهج البلاغة ليس إلا
أثراً بسيطاً من الآثار اللغوية والبلاغية للإمام علي عليه السلام الذي أعطى
اللغة العربية صيغتها النهائية وألبسها ثوب البلاغة البديع فلعل من أجمل ما نختم به الحديث عن
نهج البلاغة أن نقرأ فقرات مما كتبه المستشرق الفرنسي الشهير (هنري كوربان) عن هذا الكتاب العظيم إذ قال: (وتأتي أهمية هذا الكتاب في الدرجة
الأولى، بعد القرآن وأحاديث النبي، ليس بالنسبة للحياة الدينية في التشيع عموماً
وحسب، بل بالنسبة لما في التشيع من فكر فلسفي. ويمكن اعتبار نهج البلاغة منهلاً من
أهم المناهل التي استقى منه المفكرون الشيعة... وانّك لتشعر بتأثير هذا الكتاب بصورة
جمة من الترابط المنطقي في الكلام؛ ومن استنتاج النتائج السليمة؛ وخلق بعض
المصطلحات التقنية العربية التي أدخلت على اللغة الأدبية والفلسفية فأضفت عليها
غنى وطلاوة، وذلك انها نشأت مستقلة عن تعريب النصوص اليونانية ) .[
تاريخ الفلسفة الاسلامية: ٨٠ - ٨١] |
|
المستشرقة
الإيطالية لورة فيتشيا فالييري ونهج البلاغة
|
|
بقلم المستشرقة الايطالية : لورة فيتشيا
فالييري laura veccia vaglieri
|
|
بطلب من جمعية أحباء ايطاليا القت
الاستاذة لورة فيتشيا فالييري بقاعة القنصلية الايطالية منذ بعض أسابيع محاضرة عن كتاب نهج
البلاغة حضرها جمع كبير من العلماء والادباء والطلبة السيدة الفاضلة أستاذة للآ
داب واللغة العربية بالمعهد العالي للدراسات الشرقية بنابلي بايطاليا وقد قدمها
الاستاذ الشيخ الفاضل بن عاشور فتحدث عن منزلة الاستشراق بايطاليا وتجاوب
المستشرقين فيها مع الذوق العربي والفكر الشرقي، ومما قال في تقديمها: «قد اختارت الاستاذة في محاضرتها
موضوعا من المواضيع التي تثقفت فيها؛ فقد كانت هذه الاستاذة متخصصة في دراسة العهد العلوي ودراسة شخصية
الامام علي بن أبي طالب،رضي الله عنه، وخلافته وآدابه ، وهي اليوم تتولى عرض بحث يرجع الى
تمييز القيمة الفنية لكتاب نهج البلاغة وتمحيص ما فيه من النصوص التي تفضل أنها صحيحة النسبة للامام علي والنصوص التي تخول كغيرها
من الباحثين العرب والمستعربين القدماء والمحدثين الى انها ليست صحيحة النسبة
الى الامام علي». وقد تفضلت الاستاذة وسلمتنا مشكورة نص
المحاضرة لنشره على صفحات «الفكر».كم كان سروري عندما دعاني حضرة صاحب السعادة سفيرنا المفوض الى
القاء محاضرة بين حضراتكم، تلك هي فرصة سنحت لزيارة بلدكم الذي يهواه نفسي وان
اعتلاني الخجل واحاطني الوجل من الخطابة بلغة تنطقونها بكيفية تتعسر على امثالي
غير ان لطافتكم التي احاطتني قد ازالت عني كل خجل ووجل، فاشكر كم من اعماق نفسي
على حفاوتكم ومجاملتكم. وها انا ذي احدثكم عن نهج البلاغة، احدثكم بكل بساطة
حذرا من ان يطبق علي قول الشاعر: (كالهر يحكي انتفاخا سورة الاسد). فقبل ان استهل الموضوع التمس من
حضراتكم الاصغاء الى ذكر
الاسباب التي دعتني الى الاهتمام بالبحث عن كتاب قد لاتستساغ قراءته. ولا ندري أكان ذلك من صعوبة ادراكه، او من كثرة المواعظ الموجودة فيه. وكما تعلمون ان الناس قد لا تحب ان توعظ او تذكرالاخرة
وما ينتظر المذنبين فيها من سوء الوعيد ، كنت اعلم ان الشيعة اعتبرت (كتاب نهج البلاغة) كتالي القرآن الكريم والحديث النبوي وكما كنت اعلم ان اهل السنة يعظمونه وخصوصا بعد ان اهتم الامام الشيخ محمد
عبده ببعثه من مرقده وها قد اصبح الشبان
في المدارس يحفظون منه نبذا. ومن جهة اخرى، كنت اجد هذا الكتاب مهملا في مؤلفات
المستشرقين وبحوثهم باعتباره مزّورا ثم قرأت ما كتبه الاستاذ عبد الجليل القائل: ليس هناك اسباب تحمل على رفض كل ما انطوى عليه الكتاب رفضا قاطعا
, وان بحثا دقيقا منصفا قد يؤدي الى تمييز المزور والاكتشاف الحقيقي فاثرت عليَّ هذه الكلمة واخذت تطارح خلدي. وبينما كنت مشغولة بالتنقيب عن
الحوادث الواقعة في عهد خلافة ابي الحسن علي بن ابي طالب اذ عثرت على صحف شتى من الكتاب فلاحظت انطباقها على نصوص المؤرخين القدماء. فقلت لنفسي ان وثقنا بهؤلاء المؤرخين وقبلنا ما
ذكروه لنا فلم لا نعتبر هذه الصحف من الحقيقي ايضا؟وتساءلت في نفسي: لم لا أحاول دراسة ما
في الكتاب؟ فلو ثبتت صحة جزء منه على الاقل لكان ذلك نجاحا في العثور على شاهد
كبير في النثر العربي يعد الثاني بعد القرآن الكريم. فشرعت في دراسة الكتاب مباشرة واذ ذاك علمت ان مشكلة صحته قد شغلت اذهان علماء المسلمين من قبل وان الجدال والنزاع كان قد قسمهم الى ثلائة فرق. فكان فريق يدافع بحماسة عن صحة نسبة الكتاب الى الامام علي ولا يجيزون محاولة
الجدال في امر صحته وفريق لا يعترف الا بصحة جزء منه وفريق بت في عدم صحة الكتاب باسره ويعتبره مختلقا. ثم اطلعت على بحث اجراه باللغة
الفرنسية احد علماء المسلمين حديثا. غير اني لا بد ان اصرح بعدم قبولي لاسلوبه الذي يختلف عن اسلوبنا معشر المستشرقين، وحتى
لو وجدنا فيه ملاحظات تقتبس لاهميتها ودقتها. ثم وضعت الكتاب امامي وقمت بترجمته. لان عملية الترجمة هي
حيلة تساعد الباحث على فهم فكرة المؤلف الاجنبي وخصوصا ان كان النص معقدا فانها
تجبر على التعمق. غير اني قد اخطات في بادىء الامر: فلقد اعتاد كل مصنف ان يستهل موضوعه
بمقدمة كما اعتاد كل قارىء اهمالها وعدم الالتفات اليها. وكنت من بين هؤلاء الذين اهملوا مقدمة
كتاب نهج البلاغة في بادىء الامر ولنا الآن ان نسلك سواء السبيل معا ونحلل هذه المقدمة. ولكن قبل ان نبدأ استاذن حضراتكم في
فتح قوس: لقد اخبرنا ابن خلكان عن اختلاف الآراء حول من جمع كلام
الامام هل كان الشريف الرضي
ام الشريف المرتضى؛ غير ان الشك في الجامع لا مبرر له فلقد كان الجامع بلا شك هوالشريف الرضي وليس اخاه الشريف المرتضى. وسوف اعرض هذا وابسطه في مقالة سانشرها عما قريب ان شاء الله
تعالى، ولذا سوف لا اقصد من
ذكر الجامع اثناء حديثي سوى الرضي. فلنقفل القوس ولنعد الى مقدمة الكتاب . فالشريف الرضي – وهوالشاعر المشهور، الاديب المأثور عاش في النصف الثاني من القرن
الرابع للهجرة – ذكر في سابقة الذكر انه قد ابتدا في عنفوان شبابه في تاليف كتاب
في خصائص الائمة يشتمل على محاسن اخبارهم وجواهر كلامهم غير انه ما اتم من هذه
الخصائص سوى ما يخص امير المؤمنين علي بن ابي طالب فجاء في اخرها فصل يتضمن محاسن ما نقل
عنه من الكلام القصير دون الخطب الطويلة والكتب المبسوطة فاستحسن جماعة من
اصدقائه ما اشتمل عليه هذا الفصل المذكور معجين ببدائعه متعجبين من نواصعه فسالوه ان يؤلف كتابا يحتوي على
المختار من كلام امير المؤمنين في جميع فنونه ومتشعبات غصونه من خطب ومواعظ
وآداب علما أن ذلك يتضمن
من عجائب البلاغة وغرائب الفصاحة وجواهر العربية وثواقب الكلم الدينية
والدنياوية ما لا يوجد مجتمعا في كلام ولا مجموع الاطراف في كتاب الخ. فاجاب الرضي مسالة هؤلاء معتمدا تبيين عظيم قدر امير المؤمنين في هذه الفضيلة فلنستخرج الآن زبدة ما ذكر... |
|
ما كان مراد الرضي من
تاليف كتابه هذا؟
|
|
(اولا) كان غرضه ان يجمع نبذا . وما اهتم
بجمع كل ما نقل عن ابن ابي طالب فاننا نجد خطبا ورسائل منسوبة اليه في بطون كتب
اخرى فاذن قد اخطأ من قال ان كتاب نهج البلاغة يضم كل ما نقل عنه . (ثانيا) لم يكن غرض الشريف الرضي الا تاليف مجموعة للفصاحة العلوية ويؤيد هذا عنوان الكتاب نفسه (نهج
البلاغة) كما تشير الى ذلك بعض العبارات التي تلي ما لخصناه من المقدمة يذكر
فيها الجامع انه قد اجمع على اختيار محاسن الخطب فمحاسن الكتب ثم محاسن الحكم والاداب وان الغرض من هذه العملية هو ان يورد النكت واللمع لا التتالي والنسق. وبهذه الكيفية قد خطط الرضي حدود عمله، اذ ليس بمجموعة نصوص الامام تتخذها
الشيعة اساسا لمبادئهم المذهبية ومطامعهم السياسية، كلا بل هو كتاب ادبي محض. ولو قمنا فيما بعد بمطالعة صحائف
الكتاب لوجدنا في طيه من الادلة ما يزيد وضوحا في ان الجامع قد اقتطف ما طاب له
سواء كان ذلك من الطويل او القصير او الاقصر بحيث لا يكون خارجا عن حدود عمله
وحيز غرضه فقد نرى كل قطعة من
هذه المقتطفات متوجة باحد هذه العناوين وهي «من خطبة له عليه السلام» او«من كلام له عليه السلام» الخ كما
نراها متمنطقة الوسط بقول الجامع.. «ومنها» او«ومنه» وذلك بعد سطور معدودات من القطعة
نفسها.. واخيرا قد لاحظ ابن ابي الحديد الشارح المشهور قطعا قدمت كقطع ذات عنصر واحد وهي في الحقيقة مركبة من عنصرين او اكثر ثم قال ان الجامع قد ذهب الى ذكر البليغ من
كلام امير المؤمنين ولا غير. فكانت كلمة الشارح للجامع كتزكية. إن كان كشف النقاب عن كل هذا امرا ضرورياً؟ نعم كان ضروريا لانه بمساعدة ما ذكرته قد نستطيع معرفة سبب غرابة هذا الكتاب وغموض بعض
مواضيعه. ان العصر الذي عاش فيه الرضي لهو القرن الرابع للهجرة ومما عرف عن ادبائه انهم كانوا
يتسابقون الى النسق ودقة الصناعة والزخرفة اكثر من التفاتهم الى اشباع الموضوع.
ذلك القرن شاهد موكب النثر المزخرف اثناء سيره في طريق الانتصار. فبهذا قد اتضح لنا السبب الذي حمل مؤلفنا على جمع وثائق
لغوية عتيقة غنية بزخارف البلاغة وعجائب الفصاحة ان ذلك لهو المبدأ الذي تحكم في كتاب
نهج البلاغة وسيطر عليه، هو العثور على رشيق الاسلوب وجميل الصيغة وغريب المفردات ونادر
الجمل وبديع المجاز. سبق ان نوهت بغرابة الكتاب وربما ظن بعض حضراتكم اني لم انصف ، فما هي علامات تلك الغرابة ؟ ان عدم وجود ترتيب وتعقيب اول ما،
يلاحظ اللهم الا ما كان من
فصل الجامع للخطب عن غيرها كالرسائل والحكم، ففي هذا انه لرتب وعقب. وما سوى ذلك فكان ممزوجا؛ فقد مزج طويل انبذ بقصيرها واقصرها كما مزجت السياسة بالوعظ والوصف. كذا لم يلتفت الجامع الى سابقية الحوادث. فمخاصمة امير المؤمنين لاعدائه قد سبقت مثلا رثاءه لفاطمة الزهراء حين دفنها وهلم
جرا وقد ذكر في آخر الكتاب ان الرضي انتهى من جمعه سنة اربعمائة للهجرة ثم توفاه الله سنة ست وار بعمائة واشتغل خلال هذه السنوات الستة الاخيرة بما قد وكل اليه من المناصب فتساءلت عما اذا كان الكتاب قد أُتم عند مماته ام لا. فلننقل الان الى بحث الكتاب من الباطن بعد ان فحصناه من الظاهر . ذكرت ان ابن خلكان قد شك فيمن جمع الكتاب. غير اني لم اذكر انه أضاف الى ذلك الشك مخبرا عن اتهام علماء وقتئذ لصحته (صحة نسبته الى امير المؤمنين) «فقد قيل انما الذي جمعه ونسبه اليه هو الذى وضعه والله اعلم» . فتبين ان اعظم الشكوك هو الشك في صحة
نسبته وخاصة من اهل السنة قد وقع . واما الشيعة فقد اجمعوا على صحته بتمامه أو أعترفوا عن غير رضى بوجود المدسوس فيه مما لاصلة له بعليّ وقد تسرب ذلك الى نهج البلاغة بقدر
الى الحديث لشريف . فلنفتح الكتاب ونستهل قراءته: الحمد لله الذي يبلغ مدحتَه
القائلون . ولا يحْص نَعماءه العادون . ولا يؤدي حقه المجتهدون. الذي يدركه بعْد
الهمْم. ولا يناله غَوْص الفطن. الذي ليس لصفته حد محدود . ولا نعت موجود. ولا
وقت معدود ولا اجل ممدود. الخ... رحماك ربي قد بدأ الشك يتسرب الينا
ايضا ويسري في قلوبنا. فما اوقع هذا السجع وما اضبطه. فلنواصل قراءتنا أول دينه معرفته. وكمال معرفته التصديق
به وكمال التصديق به توحيده. وكمال توحيده الاخلاص له. وكمال الخلاص له نفي
الصفات عنه. لشهادة كل صفة انها غير الصفة. فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه. ومن
قرنه فقد ثنّاه. ومن ثناه فقد جزّأه . الخ... أهذه القطعة شهدت عهد عليّ؟ كلا، ان هذه القطعة الكلامية في توحيد الله
لم تُخلق في عهده مطلقا وما ولدت الا بعده غير ان ما قرأناه هو اول ما في الكتاب فقد نعتبره كمقدمة اضيفت الى الاصل
فيما بعد. فلنترك هذا ونقرأ قطعة اخرى: الحمد لله الذي لم يسبق له حال حالا.
فيكون اولا قبل ان يكون آخرا، ويكون ظاهرا قبل ان يكون باطنا. الخ... فما اكثر الافكار الفيلسوفية في هذا
القطعة ولنقرأ نبذة اخرى: وبسطتم يدي وكففتُها. ومددتموها
فقبضتُها . وتداككتم علي تداكَ الابل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى انقطعت
النعل. وسقط الرداء. ووُطىء الضعيف وبلغ من سرور الناس بيعتهم اياي ان ابتهج بها
الصغير . وهدج اليها الكبير . وتحامل نحوها العليل. وحسرت اليها الكعاب.. فاين السجع هنا؟ اللهم الا ما كان عفوا عن غير قصد
مما لا يعرف النسق والمبالغة بحال وما وجد في هذه القطعة سوى وصف بسيط ولم لا نصرح بقدم مثل هذه القطعة؟ فربما صحت ايضا نسبتها الى الامام علي . لم لا؟ قد تشيع بعض الباحثين ومنهم نفس الشارح ابن ابي الحديد لوحدة الاسلوب (اسلوب الكتاب من اوله الى آخره) اما رايي فهوعدم وحدة الاسلوب. فاصغوا الى هذه القطعة التالية التي
يقرأها الدكتور روستكو نيابة عني: كبس الارض على موْر امواج مستفحلة ، ولجج بحار زاخرة تلتطم اواذيّ
امواجها وتصطفق متقادفات اثباجها وترعو زبدا كالفحول عند هياجها ، فخضع جماح
الماء المتلاطم لثقل حملها ، وسكن هيج ارتمائه اذ وطئته بكلكلها ، وذل مستخذيا
اذ تمعكت عليه بكواهلها فاصبح بعد اصطخاب امواجه ساجيا مقهورا، وفي حَكَمة الذُل
منقادا اسيرا وسكنت الارض مدحوّة في لجة تياره ، ورَدّت من نخوة بأوه واعتلائه
وشموخ انفه وسموغلوائه وكعمته على كُظُة جريته فهمد بعد نزقاته ولبد بعد زيفان
وثباته ولما سكن هياج الماء من تحت اكنافها وحَمْل شواهق الجبال الشُمّخ على
اكتافها فجّر ينابيع العيون من عرانين انوفها ، وفرّقها في سهوب بيدها واخاديدها
وعَدَلَ حركاتها بالراسيات من جلاميدها وذوات الشناخيب الشمّ من صياخيدها وسكنت من الميدان لرسوب الجبال في
قطع اديمها وتغلغلها متسربة في حبوبات خياشيمها وركوبها اعناق سهول الارضين
وجرائيمها وفسح بين الجو بينها واعد الهواء متنسما لساكنها وأخرج اليها اهلها
على تمام مرافقها ثم لم يدع جُرُز الارض التي تقصرمياه العيون عن روابيها ولا
تجد جداول الانهار ذريعةً الى بلوغها حتى أنشأ لها ناشئة سحاب تُحْيي مواتها
وتستخرج نباتها ، الفّ غمامها بعد افتراق لمعه وتبايُن قزعه حتى اذا تمخضت لجة
المزن فيه والتمع برقه في كففه، ولم ينم وميضه في كنهور ربابه ومتراكم سحابه،
ارسله سحَّا متداركا قد اسفّ هْيْدبهُ تمريه الجنوب درر اهاضيبه ودقع شآبيبه الخ... واظنكم توافقوني ومَن حكم على حداثة
امثال هذه القطعة لاحكام صناعتها ودقتها. يقول ناكرو النسبة ان الطريقة العددية في شرح المسائل كتقسيم الفضائل والرذائل الى عدة عناصر لم يلتفت اليها ادباء الصدر الاول وفي
كتاب نهج البلاغة امثلة عديدة لهذه الطريقة واذكر
منها قوله: الايمان على اربعة دعائم على الصبر
واليقين والعدل والجهاد والصبر منها على اربع شعب الخ... ثم يقول ناكروالنسبة ان في الكتاب ما يشمّ منه ريح ادعاء صاحبه علم الغيب وان اعتقدت الشيعة في اهلية الامام لعلم الغيب, فاهل السنة افردوا الله بذلك بدليل ما ورد في
القرآن (لا يعلم الغيب الا الله) فلقد قرأت هذه التنبؤات فوجدتها في غاية من الغموض فتساءلت عما اذا
كانت تنبؤات حقا ام لا. وبما قد سبق من الامثلة والكلام قدّمُت اليكم الحجج الاساسية التي كانت في متناول المتنازعين. وعند وصولنا الى هذه النقطة من كلمتي
لعل احدكم يقول في نفسه: لقد جاءت هذه المحاضرة باشياء قد
عرفناها من قبل ، فما تقصد؟ فجوابي على حضرة المتسائل هذا اني قد حضرت لا طرح شيئا جديدا على
بساط البحث وذلك لاعتقادي ان العميل الذي قمت به لم يقم به احد سواي فقد استخرجت من الكتاب كل ما يحتوي عليه من المواضيع السياسية
المتعلقة بالحوادث التاريخية ثم ترجمتها فادرجتها حسب التسلسل التاريخي ثم درستها. فهذا عمل قد تبينت لي اهميته وان لم اتممه حتى الآن. لانه مكنني من ايجاد بعض الملاحظات مثلا: أول شيء لاحظته ان الذي يرجع الى اقدم عهد من حياة ابن ابي طالب ما هو الا القليل
النادر وهذا ان لم يكن
بمقدار حجة تامة على صحة النسبة فقد يكون شبه حجة على الاقل. لانه لو اراد احد تزوير هذه الوثائق لقام بتزوير كل ما انطوى عليه عهد الامام. وانما كثرة ما ورد من قطع تتعلق بما
حصل بعد ان بويع له بالخلافة تدل على ان اهتمام الناس بحفظ كلامه نشأ ونما حسب
ارتفاع منزلته. ولي ان اقول ايضا: ان ترتيب المقتطفات حسب تسلسل
التاريخ قد جعلني أسقط بعضا
من تعاليل مَن ذهب على عدم الصحة القائلين : وكيف يمكن وقوع الطعن في بعض صحابة
رسول الله بما لا يليق من مثل الامام عليّ؟ وقالوا: لو ان عليّا لم يستحسن كيفية بيعة من سبقوه بالخلافة – كما ورد في الخطبة المسماة بالشقشقية – فكيف له ان يمدح عمر بن الخطاب ويتغالى في رفعة شانه كما ورد في خطبة اخرى، فاذن تضاد هذه المقتطفات، مما يحرضنا على الشك في صحتها ، ولكن، ايها السادة، الزمان وتطوراته هي حقيقة واقعية ولا بد للباحث من ان يقدر تغير
الظروف فيجب فحص مقتطفات نهج البلاغة بعد ان وضعت مسلسلة حسب تطورات الحوادث
التاريخية اعني بعبارة اخرى ان عليّا بعد ان بويع له بالخلافة
وبعد ان اضطر الى مواجهة
معارضيه بحد السيف تمكن من التصريح بما كان كامنا في نفسه او بما لم يتكون في باله قبل. ثم من المعروف النزاع السياسي قد يدفع الى العنف لفظا وخّطا وقد اخبرنا المؤرخون من العرب عن مقدار الاهواء التي انطلقت من
عقالها في عهدي خلافة عثمان
وعليّ وقد وصلنا ما حفظوه لنا من الوثائق
وان اختبرنا تلك النبذ على ضياء التاريخ فيتلاشى التضاد في الواقع وعندما عاودت قراءة هذه النبذ درسا تبين لي جليا ما قد احسست به اثناء سرادتي الاولى
وهو رجوعها الى عهد قديم جدا. فان وجدنا بعض جمل تثير الشك في قدمها فمن المحتمل ان تكون من التحشية وهذا لا يجيزنا على رد القطعة باسرها باعتبارها مستحدثة . وقد صرح جرجي زيدان بان المقتطفات السياسية في كتاب نهج البلاغة ترجع الى علي غير انه لم يبرز ادلة على صحة ما تبين له. ثم من ذوات الاهمية ان ما يتوسم بالطابع الشيعي من النصوص في نهج البلاغة – وهذا القليل النادر – لهو من المبهم الغامض، ولعل سبب هذا هو اهتمام الجامع بعرض الفصيح
كما ذكرنا، غير اني اعتقد انه من داع آخر، وهو قدم المقتفطات نفسها. قد لاحظ الباحث الحديث الذي اومأت اليه بان الكتاب يضم قطعا تنطوي على اراء تتماشى مع اراء
الامامية والاسماعيلية واهل السنة وغيرهم ثم قال «ان لهذه الاراء اصلا في مذهب الامامية او في مذهب
الاسماعيلية او في مذهب «السنة» وما الذي يستنتج من هذا القول لا بد ان يستنتج منه ان القطع التي تضم لم تتكون في عهد علي وما انشقت وتفرعت الا فيما بعد فكانما كانت لبا ثم نمت وتطورت وتميز
بعضها عن بعض وضبطت. لذا نجد ان الاراء الموجودة في نهج البلاغة لا تسن اتجاها معينا لانها سابقة لتكوين المذاهب نفسها. والاسلوب الذي يجب ان يتخذه نقاد
التاريخ هو اعتبار الآراء
وقت حدوثها وعدم تطبيق ما حدث فيما تاخر على ما وقع فيما
تقدم. ومما ينبغي علينا ان نذكره هو ان الرضي كان شيعيا يعيش في عهد بني بويه وهم
ايضا من الشيعة وكان بايديهم مقاليد الامور باستئثارهم على الخلفاء انفسهم ولذا كان في وسع الرضي ادراج ما يتماشى
مع قومه مذهبا ومطمعا ولكنه لم يفعل ولماذا لم يفعل.؟ لانه رجل نزيه وما وجده منقولا عن
الامام من تصريحات سياسية انما كانت بصيغة التخصيص. ولامانته ونزاهته تعفف عن تبديله وادراج ما يرضي قومه فيه. ويمكنكم ان تسألوني عن الثقة التي بيني
وبين الشريف الرضي وعن سببها وهي تخالف وجهة شك ابن خلكان وعادة بعض الرواة من العرب فيما مضى وهي تاليفهم للشعر وتنميته الى بعض شعراء الجاهلية مثلا. كما انهم يختلقون الاحاديث حسب شهواتهم
ثم ينسبونها الى رسول الله. نعم لقد كان كذلك حقا غير انه كان دائما لغرض ما . |
|
وما هو غرض الشريف
الرضي؟
|
|
ساقص عليكم بعضا من خصائصه التي بها
يمكنكم الحكم لشخصيته : كان الرضي ينحدر من سلالة علوية كريمة تنتمي الى الامام السابع الا
وهو(موسى الكاظم)عليه السلام وهذا من جهة ابيه واما نسبه من جهة امه فكان علويا ايضا وكان احد اجداده
ملكا في القوقاز. فلقد استلم الرضي ما كان بيد والده من
المناصب رغم حداثة سنه وصغره عن اخيه المرتضى. فكان نقيب
الطالبيين وناظر المظالم وامير الحج وكرمه بهاء الدولة البويهي ورفع منزلته فاتحفه بانبل الالقاب كما صاحبه واخلص له الخليفتان الطائع والقادر. وحاصل
هذا ان الرضي قد وصل الى اعلى القمم فتمكن من نظم هذه الابيات: عطفا اميرالمؤمنين فاننا ***** في دوحة العلياء لا نتفرق ما بيننا يوم الفخار تفاوت***** ابدا كلانا في العلاء معرق الا الخلافة شرفتك فانني ***** انا عاطل منها وانت مطوق فرد عليها الخليفة بقوله : على رغم انف الشريف وكان الرضي ثريا وتحمله لنفقات دار العلوم التي اسست في بغداد دليل على ثروته. وكان مشهورا لنبوغه في الشعر. الم يذكر معاصره الثعالبي انه (الرضي) اشعر الطالبيين وربما اشعر قريش؟ وكان معززا بكثرة الاتباع والاصحاب. ألا يدل على ذلك بقاؤه في المناصب رغم اضطراب الآونة؟ غير ان الذي اريد احياءه هوعلو همته وحرصه على استقلال ذمته وارائه فانه لم يقبل صلات من احد حتى من بني بويه. ولما خلع بهاء الدولة الخليفة الطائع عنفا تجاسر الرضي على اظهار حزنه وذم السلطان وما اجسره عندما رثى
الخليفة بعد وفاته بالحبس اذ كان الظالم هو بهاء الدولة حاميه وكان
حريصا على تنفيذ ما كان عليه من الواجبات وكان يوصف بالافراط في عقاب المذنب من
اهله وله حكايات في ذلك منها ان امراة علوية شكت اليه زوجها وكان مقامرا فامر الرضي بضربه مئة جلدة.
فصاحت المراة يتم اولادي فاجابها بقوله: اظننت ان افعل به كما يفعل المؤدب مع اطفاله؟ اذن كان الرضي قادرا غنيا اعتلى قمة
الشهرة لنبوغه الشعري، رقيق الحس كريم
الخلق. لا يشف عنه اي غرض
سياسي مما قام بجمعه في كتابه بل بالعكس فقد نجد فيه ما يخالف اراء الروافض الذين ينتمي اليهم الرضي بعينه واضف الى هذا ان كثيرا من النصوص التي اقتطفها كانت
معروفة في بيئته وحينه. فهل كان في ارادته واستطاعته ان يبدل شيئا منها؟ كلا ، ثم هناك تغيرات كثيرة في النصوص التقطها الرضي ودونها. ولاي داع كانت هذه المشقة ؟ اني لأرى سر مسألة نهج البلاغة كامنا في جملة قصيرة تُقرأ في مقدمة الرضي حيث يتكلم عن كتابه الاول في خصائص
الائمة فقد اخبرنا انه جمع محاسن ما نقل عنه عليه
السلام من الكلام القصير. اذن جمع الرضي ولم ينتقد ولو اخذ ينتقد ما تواتر النقل فيه
فعلى ايّ يقف؟ اذ تيسرت التحشية وخاصة في السجع. فان الجملة تدعو اختها والاسم يدعو ما يرادفه والنعت يبقى على خشونته ان انفرد فيسعى الى تهذيب نفسه بما يوافق طبعه فقد
اندفع الرواة الى تنميق النصوص الصحيحة او القديمة بتنوعات ابتدعوها واستعذبها
الجمهور ومن اعسر الامورالقيام بتمييز
صحيح النسبة او العتيق مما زيد عليه. وان كنت اعتقد ان في استطاعتي القيام
بهذه العملية فيما يخص الجزء السياسي وذلك بمساعدة الرجوع الى ما نعرفه من الحوادث التاريخية فالباقي من الكتاب اسلّمه الى من هو
اقدر مني على تلك المهمة مقتصرة على الاشارة الى مبدا واحد وهو كل رواية هي صحيحة بصفة عامة
حتى يتبين انها باطلة. (لا تبتسموا من بساطة
هذا المبدأ فانه من المُودة ان يشك في بادىء الامر ثم يفتش عن الحجج لتثبيت
الصحة). وبتطبيق المبدأ المذكور ارى ان الباحث يجْبر على حذف صحف كثيرة من كتاب نهج البلاغة رغم ملوسته وخصوصا المطول منه. ثم بعد الحذف يبتدىء ذلك العمل الدقيق الذي لا
تمامه لا بد من معرفة
عميقة بالنثر العربي وتطوره دراسة وذوقاً وقد سبق انه مما خرج من وسعي وفي اثناء العمل لن ينْسى شيء مهم
جدا وهو ان شهرة فصاحة وبلاغة امير
المؤمنين علي بن ابي طالب لا يُثبتها تواتر الاخبار فحسب بل كانت تُركّز على
نصوص دارت بين الادباء وكفى بنا شهيدا ما حكى الجهشياري عن عبد الحميد الكاتب الشهير في اواخر عهد بني أمية احد واضعي فن الرسائل العربي وما يحكى عنه هو انه ابتدع اسلوبه بما درسه من بليغ ابن ابي طالب كما ان ابن نباتة ذلك الخطيب الذي شاعت شهرته لنبوغه في الخطابة قد اكتفى خطب عليّ واخذ منها , اذن لم تكن شهرة فصاحة علي توسيعا للاعجاب به لكونه ابن عم رسول
الله وسابقيه في الاسلام وجهاده وامامته للمسلمين بل كانت اعجابا نشأ من وثائق تدرس
وتقتدى. فحري ان يجتهد في اكتشاف ما في نهج
البلاغة من النصوص القديمة. هذه النصوص التي في استطاعتها ان
تزود الاداب العربية باثمن الوثائق واعظم البراهين – بجانب القرآن العظيم – على مقدرتها وثروتها ونضوجها السابق لعهد اختلاط العرب بغيرهم من
الامم . وبالختام اضيف الى ما قد قلت انه على الباحث ألا يقيس ما يجده في
كتاب نهج البلاغة من الافكار والآراء المتداولة في المدينة لما كانت المركز السياسي لسكان جزيرة العرب فقط بل عليه ان يقيسها على بيئة المدينة التي ضمت عليا في نضوجه اعني في الوقت الذي اصبحت فيه المدينة عاصمة دولة كبرى؛ فلقد تحولت بيئتها وتغيرت عما كانت
عليه واتسعت الافكار بفضل التحنيك الديني والسياسي والعسكري فلا عجب اذن من وجود اراء جديدة وافكار
فريدة لان ذلك وليد تلك الزلازل وذلك الضجيج التي
عرفها اهل المدينة مدة زادت على ربع قرن تلك هي الفترة التي بين البعثة ووفاة
ابن ابي طالب. مقتبس من مجلة الفكر التونسية العدد/ ٢ السنة ١٩٥٨
.
|
|
المستشرقون
ونهج البلاغة
|
|
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
|
|
مدخل عام في تناول
موضوع (المستشرقين ونهج البلاغة)
|
|
إن البحث في نتاجات المستشرقين التي اهتمت بالتراث الإسلامي يعد من الابحاث الصعبة وذلك لعدة اسباب
منها : ١ـ
تعدد لغات المستشرقين ، إذ ان دراساتهم لم تكتب بلغة ـ اجنبية ـ واحدة . ٢ـ
الكم الهائل مما كتبوه ، وألفوه ، وحققوه حول التراث الإسلامي ، مضافاً لها بحوث
ومقالات كتبت في مجلات وصحف ودوريات مختلفة وكثيرة لا يمكن الوقوف على احصائيات
دقيقة لها . ٣ـ كثرة المستشرقين مما لا يمكن لأحد الإحاطة بعددهم ، بل ان
الموجود مجرد احصائيات أولية وليس أكثر . ٤ـ عدم ترجمة جميع التراث الاستشراقي المعروف ، بل ان ما ترجم منه
إلى اللغة العربية ـ قد ـ لا يتجاوز العشر على أحسن التقادير [يراجع لذلك كتاب : التشيع و الاستشراق
، الدكتور عبد الجبار الناجي .] . ٥ـ عدم وجود منهجية معينة ـ خاصة ـ للتعامل مع الكتابات
الاستشراقية القديمة والحديثة ، إذ لا يوجد تخصص في البلاد الإسلامية يعنى
بالاستشراق ولا توجد معاهد تهتم بذلك ، على عكس الدول الأوربية التي كانت ولا
زالت تحتفظ بمعاهد خاصة وكراسي خاصة لدراسة التراث الإسلامي وكل ما يتعلق به ،
بل انهم يولونه أهمية كبيرة جداً . لا يخفى الاهتمام الذي أولي لدراسة شخصية النبي محمد ( ص ) من قبل
المستشرقين ، وبالخصوص كونه ( ص ) شخصية انهت هيمنة الديانة المسيحية والتي دانت
قروناً . بل إنها الشخصية التي اطاحت بحصون كبرى للمسيحية في البلاد العربية ،
والتي سحبت من تحت يد المسيحية جميع الأراضي التي كانت تابعة لها في بلاد العرب
. يقول المستشرق ( مونتغمري وات ) [مونتغمري وات : اسكتلندي الأصل ,
أمريكي الجنسية , من رجال اللاهوت المسيحي , له ( عوامل أنتشار الإسلام ) و (
محمد في مكة ) و ( محمد في المدينة ) و ( محمد النبي و رجل الدولة ) .] بهذا الصدد : ( ليس بين رجال العالم
رجل كثر شانئوه كمحمد ... فلقد كان الإسلام خلال قرون عدة العدوالأكبر للمسيحية
... وأخذت الدعاية الكبرى في القرون الوسطى تعمل على إقرار فكرة "
العدوالأكبر " في الأذهان , حتى ولوكانت تلك الدعاية خالية من كل موضوعية
... حتى إذا ما حل القرن الحادي عشر كان للأفكار الخرافية ... في أذهان
الصليبيين أثر يؤسف له ... ) [محمد في المدينة , مونتغمري وات , ص ٤٩٣ .] . كل ذلك أثار حفيظة الكنيسة لتتجه نحوالتعرف على كل شيء عن ذلك
الشخص الذي فعل بها ما فعل ، وكذلك لتعرف خصوصياته ، وأقرب المقربين له من أقارب
وأصحاب . فكان الاهتمام في أوربا منصباً على دراسة سيرته ( ص ) وسيرة أهل بيته (
عليهم السلام ) ، فكانت المطاعن نفس المطاعن ، والانتقادات نفس الانتقادات من
جانب ، والمديح نفس المديح ، والانبهار نفس الانبهار من جانب آخر . إن الشخصية الثانية من شخصيات أهل بيت النبي ( ص ) التي خضعت للدراسة
؛ هي شخصية الإمام علي بن أبي طالب ( ع ) ،فقد تناول دراسة سيرة حياته جملة من المستشرقين بكل تفاصيلها سواء من خلال المؤلفات الشيعية المشهورة ، أومن خلال
كتب التاريخ السنية . نعم ، ان جملة من المستشرقين قد اخذوا ما كتب من طعن وتشويه بشخصية الإمام علي ( ع ) في كتب
العامة أخذ المسلمات بلا ادنى تحليل ، أو مقارنة نصوص ، وذلك اما لجهلٍ أو لتعمدٍ في ذلك . ثم كان لكتاب ( نهج البلاغة ) الذي احتوى على خطب ورسائل وكلمات
الإمام علي ( ع ) ـ والذي جمعه الشريف الرضي ـ اهتماماً خاصاً به ، كونه سفر بلاغي عظيم ، وكونه يحتوي على أحاديث
وحوادث وردت على لسان الإمام علي ( ع ) وقضايا لم تك معروفة من قبل قد تعرض لها أمير المؤمنين ( ع ) ، وأخبار وإخبارات أوقفت
عقول كل من يقرئها ، مما أثار في داخل البعض ـ المعادي والحاسد والحاقد ـ ان
يطعن بها جهلاً وعدواناً . |
|
تشكيك بعض الكتاب
والمستشرقين بنهج البلاغة
|
|
تعرّض بعض القدامى لجهل أو لسوء نية ، وكذلك تعرّض بعض المحدثين
ممن انطلت عليهم أكاذيب المستشرقين وسمومهم ، وكذلك تعرّض المستشرقون للتشكيك في
نهج البلاغة ، كما كان هدفهم دائما التشكيك في كل أثر إسلامي . |
|
من تشكيكاتهم :
|
|
[
١ ] ليس فيه أسانيد : [ ٨ ] فيه ما ينافي زهده في الدّنيا |
|
المستر كربنكو
الإنكليزي ونهج البلاغة
|
|
ومن الجدير بالملاحظة والانتباه
ماقاله المستر كربنكو الإنكليزي[أستاذ الآداب العربية في كلية (عليكده) الهندية . ] الجنسية والأستاذ في احدى الجامعات
الهندية بشأن كتاب نهج البلاغة الذي عدّه أخا صغيرا للقران عندما إجتمع الأساتذة
والأدباء حوله في حفلة وسألوه عن إعجاز القران فأجابهم : "إنّ للقرآن أخاً
صغيراً يُسمّى (نهج البلاغة)، فهل في إمكان أحد أن يأتي بمثل هذا الصغير حتّى
يسوغ لنا البحث عن الأخ الكبير" [نقلا من كتاب صوت الإمام علي في نهج البلاغة: ٣٦ . ] . وقال أيضاً في مقال آخر له : وإذا طلبت البلاغة في أتم مظاهرها،
والفصاحة التي لم تشبها عجمة، فعليك بنهج البلاغة الذي فيه خطب أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب ورسائله إلى عمّاله [مجلة المجمع العلمي السوري، مج: ١٨/٢٧٠ . ونقله بيضون , لبيب (الدكتور)
, الإعجاز العددي في القران , مؤسسة الأعلمي للمطبوعات , ( بيروت – ١٤٢٥ هـ / ٢٠٠٥م) .] . |
|
المستشرق الإنكليزي
(سيمون اوكلي) ونهج البلاغة
|
|
لقد كتب المستشرق الانكليزي ( سيمون أوكلي )[ سيمون أوكلي ( ١٦٧٨ ـ ١٧٢٠ م ) .] كتاباً بعنون ( تاريخ المسلمين )
ضمنه فصلاً في ( كلمات قصار لعلي بن أبي طالب ) اقتبسها من كتاب اسماه بـ( ربيع
الأخبار )[
ربما يكون كتاب ( ربيع الأبرار و نصوص الأخبار ) لجار الله الزمخشري ( ت ٥٣٨ هـ
) .] و ترجمها إلى الانكليزية ، و قدم
لهذا الفصل بمقدمة انتقد فيها بعض
المظاهر السائدة في المجتمع البريطاني آنذاك من قبيل الانغماس في المظاهر المعاشية و الامور الكمالية كموضة
الزي و الأثاث و غيرها ، و اشاد بالشرق و خاصة العرب لعنايتهم بالكلام ، و خاصة
( الحكم و الأمثال ) ، و التي تعكس عمق تجربتهم . لقد تطرق إلى ( سيمون أوكلي ) إلى ( الحكم العلوية ) قائلاً : ( إن في هذه الكلمات القصار ما يكفي
لتخليص العرب من تهمة الجهل التي الصقتها بهم التقليعات الحديثة ) [Semon
Ockley , Sentences of Ali ( Wisdom of The East ) , Lahore , National Book
Society , N.D,P ١٠ .] نقول : أولاً : ليتخلص جل العرب من التشكيك بالحِكم
التي قالها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( ع ) . و ثانياً : لينصفوا علي بن أبي طالب ( ع ) ، و
بالخصوص تجاه الهجمة التي شرعت ضده قديماً و حديثاً . و ثالثاً : ليدرسوا و يعرفوا مكانته ( ع ) في
المنظومة الإسلامية . بعد ذلك عليهم ـ أي العرب ـ التوجه
نحو كلامه و حكمه ( ع ) ليتخلصوا بفضلها من تهمة الجهل ـ بحسب تعبير اوكلي ـ التي وصموا بها . فهو القائل (ع ) : ( ... أَنْ
مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ اَلْقُطْبِ مِنَ اَلرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي
اَلسَّيْلُ وَ لاَ يَرْقَى إِلَيَّ اَلطَّيْرُ ...) الخطبة الشقشقية . يقول ( البيهقي )[
البيهقي : ظهير الدين علي بن زيد البيهقي ( ٤٩٩ ـ ٥٦٥ هـ ) من مشايخ ابن شهر
آشوب .] : ( ... ما ظنك بكلام علي بن أبي
طالب " ع " ، و هو كلام إذا لحظه الطرف رأى حقائق العلم المكنون ، و
إذا تصفحه الخاطر جنى ثمرات السر المخزون . حتى قال عمرو بن بحر الجاحظ : وددت أني أعطيت جميع مصنفاتي ، و قطعت أنسابها عّني ، و أخذت
بدلها ثلاث كلمات منسوبة إلى علي بن أبي طالب و صارت منسوبة إلي )[
معارج نهج البلاغة ، البيهقي ، ص ١١٠ .] . |
|
كارل بروكلمان ونهج
البلاغة
|
|
ان ما أثاره المستشرق الألماني (
كارل بروكلمان ) و الذي يتحدث عن أدب الإمام علي ( ع ) الموجود في كتاب ( نهج
البلاغة ) و يعبر عنه بأنه : ( أدب علوي منحول )[ تاريخ الأدب العربي ،
كارل بروكلمان ، ترجمة : عبد الحليم النجار ، ج١ ، ص ٢٤٥ ، و كذلك في ج٢ ، ص ٦٤
، و ج٢ ، ص ٣٨١ .] ، يحتاج الى وقفة تأمل ، و رد علمي
يتوافق مع اخلاق اهل البيت عليهم السلام . لذلك نقول : ان كلام ( بروكلمان ) قائم على
ركيزتين رئيسيتين تتبعهما غاية مبيتة لذلك . فالركيزتان اللذان يعتمد عليهما ( بروكلمان ) في كلامه المتقدم ـ و
غيره ـ هما : ١ـ اعتماده على التراث أبناء العامة
فقط ، و الذي فيه طعن كبير بكل ما يتعلق بأهل البيت ( عليهم السلام ) و بالخصوص
الإمام علي ( ع ) ، فإن للشبهات و التشكيكات التي أثارها ( ابن خلكان ) ـ على
سبيل المثال و غيره ـ وقعها و أثرها الذي يسيل له لعاب أمثال ( بروكلمان ) و ما
عليه إلا أن يوقد عود الثقاب إذ أن ( الحطب صالح للاشتعال ) . ٢ـ اعتماده على خلفية استشراقية و
كنسية و صليبية لها عدائها الجلي و الواضح للإسلام و المسلمين ـ كدين و جماعات ـ
، فكيف إذا كان أمير المؤمنين ( ع ) و هو الحامي و المدافع عن الإسلام ، إذ قام
الإسلام بسيفه . أما الغاية المبيتة لأمثال ( بروكلمان
) فهي ؛ الطعن بالإسلام و
بكل وسيلة ممكنة ، و هنا يمكن أن نورد قلة لأحد كبار الشخصيات الألمانية و التي
يقول فيها مادحاً معاوية بن أبي سفيان : ( ينبغي لنا أن نُقيّم تمثالاً من الذهب
لمعاوية بن أبي سفيان في ميدان كذا من عاصمتنا برلين . فقال له : لماذا ؟ قال :
لأنه هو الذي حول نظام الحكم الإسلامي عن قاعدته الديمقراطية إلى عصبية , و لولا
ذلك لعم الإسلام العالم كله . إذن لكنا نحن الألمان و سائر شعوب أوربا عرباً
مسلمين )[
شيخ المضيرة ، محمود أبو رية ، ص ١٨٥ .] . كما و يقول ( شوقي أبو خليل )[
شوقي ابو خليل ( ١٩٤١ ـ ٢٠١٠ م ) كاتب فلسطيني .] عن كارل بروكلمان موضحاً طريقته و
اسلوبه في الكتابة عن التاريخ و الأدب العربي : ( فكيف ببروكلمان ، و قد كتب
تاريخنا منطلقاً من التشكيك ، و الرفض العشوائي ، معتمداً على الروايات الضعيفة الشاذة ، و التي رفضها
النقاد الباحثون ، و استغربها العلماء المطلعون ، بل و اشاروا إلى نشوزها ، لكن
بروكلمان ـ كغيره من المستشرقين الذين قدموا ما يرضي رجال الكنيسة و لم يكتبوا
حقائق تثيرهم ـ بنى فكره و رأيه مسبقاً في نفسه ، ثم جاء إلى وقائع التاريخ
العربي الإسلامي يطوعها لما يؤيد فكرته و خطته المرسومة ، يطمس ، و يضعف ، و
يمرض ما دون ذلك ، فقدم بروكلمان تاريخنا موسعاً الجزئية متغاضياً عن الكلية ،
مع تفسيرات عجيبة ، و مواقف غريبة ، و أقوال ينبو عنها الذوق السليم ، و الفكر
الموضوعي ، لا العميق و الشامل ، بل و حتى غير العميق ، و غير الشامل )[
كارل بروكلمان في الميزان ، شوقي أبو خليل ، ص ١١ _ ١٢ .] . |
|
المستشرق الفرنسي
لويس ماسينيون ونهج البلاغة
|
|
نُقل عن المستشرق الفرنسي ( لويس
ماسينيون )[
لويس ماسينيون: (١٨٨٣ ـ ١٩٦٢م) مستشرق فرنسي من مؤسسي دائرة المعارف الإسلامية
في مصر, والتي كان هدفها تشويه الإسلام ونشر المسيحية, وكان ماسينيون من كبار
المنصرين والطاعنين في الإسلام والقران, وصف بأنه من المستشرقين الخطرين .] انتقادات وجهها لكتاب ( نهج البلاغة
) منها قوله : ( أن فيه حشواً )[
شروح نهج البلاغة ٢١٠ شرح ، الشيخ حسين جمعة العاملي ، ص ٣٣ .] . وقد رد عليه السيد ( محسن الأمين )[
آية الله العظمى السيد محسن الأمين الحسيني العاملي ( ١٨٦٥ ـ ١٩٥٢ م ) .] في كتاب ( أعيان الشيعة ) بقوله : ( ومن الغريب ما حكاه بعض أهل العصر
ـ ممن يروق لهم الاستشهاد بكلام الغربيين صحيحه و سقيمه ـ عن الأستاذ المستشرق
المسيو ماسينيون الفرنسوي انه مع اعتقاده بان نهج البلاغة من كلام علي و انه لا
يمكن ان يكون من وضع الشريف الرضي لأسباب ذكرها . فهو يعتقد ان الكتب التي أخذ عنها
الشريف الرضي هي كتب الزيدية لا الامامية لأسباب أهمها ان الامامية لا يعترفون
بخلافة الشيخين بعكس الزيدية الذين يقولون بصحة خلافتهما وان كان علي أحق منهما بتولي أمور
المسلمين فالزيدية إذن واسطة تفاهم وتوفيق بين السنيين والشيعيين لذلك كانوا
يعتنون بجمع كلام علي ونشره بين الناس وكان غرضهم من هذا الجمع ليس كغرض
المؤرخين بل ان عليا كان بنظرهم مثلا أعلى يجب ان يحتذي و صاحب أخلاق سامية يجب
ان تخلد و طريقه في الحكم والادارة وحل المشاكل يجب ان تعرف وما كان مثل هذه
الحاجة يعرض للشيعيين لان كتاب هؤلاء هو امامهم الذي يعيش في عصرهم لذلك لما
اضطر الشيعة إلى جمع كلام علي نقلوا عن كتب الزيدية " اه " وهو اعتقاد
فاسد فان عليا إذا كان بنظر الزيدية مثلا أعلى يجب ان يقتدى به وصاحب أخلاق
سامية يجب ان تخلد و طريقه في الحكم والادارة يجب ان تعرف فهو عند الشيعة
الامامية لا ينقص عن ذلك بل يزيد وان الشيعة الامامية تعتقد ان قوله وفعله و
تقريره حجة. وتعليله ذلك بان كتاب الامامية هو امامهم الذي
يعيش في عصرهم قد أخطأ فيه فالإمامية لا فرق عندهم بين امامهم الذي يعيش في
عصرهم وغيره في ان كلام الجميع و فعلهم و تقريرهم حجة وان كان علي أفضلهم.
والزيدية وان قال البترية منهم بإمامة الشيخين الا ان الباقين و البترية بعد
الشيخين يشترطون في الامام ان يكون من ولد علي وفاطمة ولا فرق بينهم من هذه
الجهة وبين الامامية. فقد تعاطى الأستاذ ماسينيون في ذلك ما ليس من صنعته وما لم
تصل اليه معلوماته . وتساءل الأستاذ ماسينيون فيما حكاه عنه هذا البعض عن الشيء
الذي كان يقود الشريف الرضي في اختياره لنصوص النهج أهو الذوق الادبي أم النزعة
الامامية وزعم ان النزعة الامامية كان لها أثرها في اختيار قطع النهج بدليل وجود
خطب اخرى تنسب لعلي كانت معروفة قبل عصر الرضي ولم تدخل في الكتاب لمخالفتها
لعقيدة الامامية بل ربما دخل في النهج كلام ليس لعلي بتأثير هذه النزعة وتصرف
ببعض الخطب وحذف و قصر فيها وضمنت بعض الحشو . ولكن كل هذا لم يمنعه من الاعتراف
بان كلام علي ظل في الكتاب محترما لم يمس . |
|
ماقاله المستشرق
الفرنسي (هنري كوربان) في نهج البلاغة
|
|
أن كتاب نهج البلاغة يأتي في الأهمية
بعد القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ، ليس على المستوى الإسلامي الشيعي
فحسب ، بل على المستويين الإسلامي والعربي عموماً. ولذلك فإن الكثير من المفكرين
والأدباء والباحثين المسيحيين يعتقدون اليوم أن كتاب النهج البلاغة ليس إلا
أثراً بسيطاً من الآثار اللغوية والبلاغية للإمام علي عليه السلام الذي أعطى
اللغة العربية صيغتها النهائية وألبسها ثوب البلاغة البديع فلعل من أجمل ما نختم به الحديث عن
نهج البلاغة أن نقرأ فقرات مما كتبه المستشرق الفرنسي الشهير (هنري كوربان) عن هذا الكتاب العظيم إذ قال: (وتأتي أهمية هذا الكتاب في الدرجة
الأولى، بعد القرآن وأحاديث النبي، ليس بالنسبة للحياة الدينية في التشيع عموماً
وحسب، بل بالنسبة لما في التشيع من فكر فلسفي. ويمكن اعتبار نهج البلاغة منهلاً من
أهم المناهل التي استقى منه المفكرون الشيعة... وانّك لتشعر بتأثير هذا الكتاب بصورة
جمة من الترابط المنطقي في الكلام؛ ومن استنتاج النتائج السليمة؛ وخلق بعض
المصطلحات التقنية العربية التي أدخلت على اللغة الأدبية والفلسفية فأضفت عليها
غنى وطلاوة، وذلك انها نشأت مستقلة عن تعريب النصوص اليونانية ) .[
تاريخ الفلسفة الاسلامية: ٨٠ - ٨١] |
|
المستشرقة
الإيطالية لورة فيتشيا فالييري ونهج البلاغة
|
|
بقلم المستشرقة الايطالية : لورة فيتشيا
فالييري laura veccia vaglieri
|
|
بطلب من جمعية أحباء ايطاليا القت
الاستاذة لورة فيتشيا فالييري بقاعة القنصلية الايطالية منذ بعض أسابيع محاضرة عن كتاب نهج
البلاغة حضرها جمع كبير من العلماء والادباء والطلبة السيدة الفاضلة أستاذة للآ
داب واللغة العربية بالمعهد العالي للدراسات الشرقية بنابلي بايطاليا وقد قدمها
الاستاذ الشيخ الفاضل بن عاشور فتحدث عن منزلة الاستشراق بايطاليا وتجاوب
المستشرقين فيها مع الذوق العربي والفكر الشرقي، ومما قال في تقديمها: «قد اختارت الاستاذة في محاضرتها
موضوعا من المواضيع التي تثقفت فيها؛ فقد كانت هذه الاستاذة متخصصة في دراسة العهد العلوي ودراسة شخصية
الامام علي بن أبي طالب،رضي الله عنه، وخلافته وآدابه ، وهي اليوم تتولى عرض بحث يرجع الى
تمييز القيمة الفنية لكتاب نهج البلاغة وتمحيص ما فيه من النصوص التي تفضل أنها صحيحة النسبة للامام علي والنصوص التي تخول كغيرها
من الباحثين العرب والمستعربين القدماء والمحدثين الى انها ليست صحيحة النسبة
الى الامام علي». وقد تفضلت الاستاذة وسلمتنا مشكورة نص
المحاضرة لنشره على صفحات «الفكر».كم كان سروري عندما دعاني حضرة صاحب السعادة سفيرنا المفوض الى
القاء محاضرة بين حضراتكم، تلك هي فرصة سنحت لزيارة بلدكم الذي يهواه نفسي وان
اعتلاني الخجل واحاطني الوجل من الخطابة بلغة تنطقونها بكيفية تتعسر على امثالي
غير ان لطافتكم التي احاطتني قد ازالت عني كل خجل ووجل، فاشكر كم من اعماق نفسي
على حفاوتكم ومجاملتكم. وها انا ذي احدثكم عن نهج البلاغة، احدثكم بكل بساطة
حذرا من ان يطبق علي قول الشاعر: (كالهر يحكي انتفاخا سورة الاسد). فقبل ان استهل الموضوع التمس من
حضراتكم الاصغاء الى ذكر
الاسباب التي دعتني الى الاهتمام بالبحث عن كتاب قد لاتستساغ قراءته. ولا ندري أكان ذلك من صعوبة ادراكه، او من كثرة المواعظ الموجودة فيه. وكما تعلمون ان الناس قد لا تحب ان توعظ او تذكرالاخرة
وما ينتظر المذنبين فيها من سوء الوعيد ، كنت اعلم ان الشيعة اعتبرت (كتاب نهج البلاغة) كتالي القرآن الكريم والحديث النبوي وكما كنت اعلم ان اهل السنة يعظمونه وخصوصا بعد ان اهتم الامام الشيخ محمد
عبده ببعثه من مرقده وها قد اصبح الشبان
في المدارس يحفظون منه نبذا. ومن جهة اخرى، كنت اجد هذا الكتاب مهملا في مؤلفات
المستشرقين وبحوثهم باعتباره مزّورا ثم قرأت ما كتبه الاستاذ عبد الجليل القائل: ليس هناك اسباب تحمل على رفض كل ما انطوى عليه الكتاب رفضا قاطعا
, وان بحثا دقيقا منصفا قد يؤدي الى تمييز المزور والاكتشاف الحقيقي فاثرت عليَّ هذه الكلمة واخذت تطارح خلدي. وبينما كنت مشغولة بالتنقيب عن
الحوادث الواقعة في عهد خلافة ابي الحسن علي بن ابي طالب اذ عثرت على صحف شتى من الكتاب فلاحظت انطباقها على نصوص المؤرخين القدماء. فقلت لنفسي ان وثقنا بهؤلاء المؤرخين وقبلنا ما
ذكروه لنا فلم لا نعتبر هذه الصحف من الحقيقي ايضا؟وتساءلت في نفسي: لم لا أحاول دراسة ما
في الكتاب؟ فلو ثبتت صحة جزء منه على الاقل لكان ذلك نجاحا في العثور على شاهد
كبير في النثر العربي يعد الثاني بعد القرآن الكريم. فشرعت في دراسة الكتاب مباشرة واذ ذاك علمت ان مشكلة صحته قد شغلت اذهان علماء المسلمين من قبل وان الجدال والنزاع كان قد قسمهم الى ثلائة فرق. فكان فريق يدافع بحماسة عن صحة نسبة الكتاب الى الامام علي ولا يجيزون محاولة
الجدال في امر صحته وفريق لا يعترف الا بصحة جزء منه وفريق بت في عدم صحة الكتاب باسره ويعتبره مختلقا. ثم اطلعت على بحث اجراه باللغة
الفرنسية احد علماء المسلمين حديثا. غير اني لا بد ان اصرح بعدم قبولي لاسلوبه الذي يختلف عن اسلوبنا معشر المستشرقين، وحتى
لو وجدنا فيه ملاحظات تقتبس لاهميتها ودقتها. ثم وضعت الكتاب امامي وقمت بترجمته. لان عملية الترجمة هي
حيلة تساعد الباحث على فهم فكرة المؤلف الاجنبي وخصوصا ان كان النص معقدا فانها
تجبر على التعمق. غير اني قد اخطات في بادىء الامر: فلقد اعتاد كل مصنف ان يستهل موضوعه
بمقدمة كما اعتاد كل قارىء اهمالها وعدم الالتفات اليها. وكنت من بين هؤلاء الذين اهملوا مقدمة
كتاب نهج البلاغة في بادىء الامر ولنا الآن ان نسلك سواء السبيل معا ونحلل هذه المقدمة. ولكن قبل ان نبدأ استاذن حضراتكم في
فتح قوس: لقد اخبرنا ابن خلكان عن اختلاف الآراء حول من جمع كلام
الامام هل كان الشريف الرضي
ام الشريف المرتضى؛ غير ان الشك في الجامع لا مبرر له فلقد كان الجامع بلا شك هوالشريف الرضي وليس اخاه الشريف المرتضى. وسوف اعرض هذا وابسطه في مقالة سانشرها عما قريب ان شاء الله
تعالى، ولذا سوف لا اقصد من
ذكر الجامع اثناء حديثي سوى الرضي. فلنقفل القوس ولنعد الى مقدمة الكتاب . فالشريف الرضي – وهوالشاعر المشهور، الاديب المأثور عاش في النصف الثاني من القرن
الرابع للهجرة – ذكر في سابقة الذكر انه قد ابتدا في عنفوان شبابه في تاليف كتاب
في خصائص الائمة يشتمل على محاسن اخبارهم وجواهر كلامهم غير انه ما اتم من هذه
الخصائص سوى ما يخص امير المؤمنين علي بن ابي طالب فجاء في اخرها فصل يتضمن محاسن ما نقل
عنه من الكلام القصير دون الخطب الطويلة والكتب المبسوطة فاستحسن جماعة من
اصدقائه ما اشتمل عليه هذا الفصل المذكور معجين ببدائعه متعجبين من نواصعه فسالوه ان يؤلف كتابا يحتوي على
المختار من كلام امير المؤمنين في جميع فنونه ومتشعبات غصونه من خطب ومواعظ
وآداب علما أن ذلك يتضمن
من عجائب البلاغة وغرائب الفصاحة وجواهر العربية وثواقب الكلم الدينية
والدنياوية ما لا يوجد مجتمعا في كلام ولا مجموع الاطراف في كتاب الخ. فاجاب الرضي مسالة هؤلاء معتمدا تبيين عظيم قدر امير المؤمنين في هذه الفضيلة فلنستخرج الآن زبدة ما ذكر... |
|
ما كان مراد الرضي من
تاليف كتابه هذا؟
|
|
(اولا) كان غرضه ان يجمع نبذا . وما اهتم
بجمع كل ما نقل عن ابن ابي طالب فاننا نجد خطبا ورسائل منسوبة اليه في بطون كتب
اخرى فاذن قد اخطأ من قال ان كتاب نهج البلاغة يضم كل ما نقل عنه . (ثانيا) لم يكن غرض الشريف الرضي الا تاليف مجموعة للفصاحة العلوية ويؤيد هذا عنوان الكتاب نفسه (نهج
البلاغة) كما تشير الى ذلك بعض العبارات التي تلي ما لخصناه من المقدمة يذكر
فيها الجامع انه قد اجمع على اختيار محاسن الخطب فمحاسن الكتب ثم محاسن الحكم والاداب وان الغرض من هذه العملية هو ان يورد النكت واللمع لا التتالي والنسق. وبهذه الكيفية قد خطط الرضي حدود عمله، اذ ليس بمجموعة نصوص الامام تتخذها
الشيعة اساسا لمبادئهم المذهبية ومطامعهم السياسية، كلا بل هو كتاب ادبي محض. ولو قمنا فيما بعد بمطالعة صحائف
الكتاب لوجدنا في طيه من الادلة ما يزيد وضوحا في ان الجامع قد اقتطف ما طاب له
سواء كان ذلك من الطويل او القصير او الاقصر بحيث لا يكون خارجا عن حدود عمله
وحيز غرضه فقد نرى كل قطعة من
هذه المقتطفات متوجة باحد هذه العناوين وهي «من خطبة له عليه السلام» او«من كلام له عليه السلام» الخ كما
نراها متمنطقة الوسط بقول الجامع.. «ومنها» او«ومنه» وذلك بعد سطور معدودات من القطعة
نفسها.. واخيرا قد لاحظ ابن ابي الحديد الشارح المشهور قطعا قدمت كقطع ذات عنصر واحد وهي في الحقيقة مركبة من عنصرين او اكثر ثم قال ان الجامع قد ذهب الى ذكر البليغ من
كلام امير المؤمنين ولا غير. فكانت كلمة الشارح للجامع كتزكية. إن كان كشف النقاب عن كل هذا امرا ضرورياً؟ نعم كان ضروريا لانه بمساعدة ما ذكرته قد نستطيع معرفة سبب غرابة هذا الكتاب وغموض بعض
مواضيعه. ان العصر الذي عاش فيه الرضي لهو القرن الرابع للهجرة ومما عرف عن ادبائه انهم كانوا
يتسابقون الى النسق ودقة الصناعة والزخرفة اكثر من التفاتهم الى اشباع الموضوع.
ذلك القرن شاهد موكب النثر المزخرف اثناء سيره في طريق الانتصار. فبهذا قد اتضح لنا السبب الذي حمل مؤلفنا على جمع وثائق
لغوية عتيقة غنية بزخارف البلاغة وعجائب الفصاحة ان ذلك لهو المبدأ الذي تحكم في كتاب
نهج البلاغة وسيطر عليه، هو العثور على رشيق الاسلوب وجميل الصيغة وغريب المفردات ونادر
الجمل وبديع المجاز. سبق ان نوهت بغرابة الكتاب وربما ظن بعض حضراتكم اني لم انصف ، فما هي علامات تلك الغرابة ؟ ان عدم وجود ترتيب وتعقيب اول ما،
يلاحظ اللهم الا ما كان من
فصل الجامع للخطب عن غيرها كالرسائل والحكم، ففي هذا انه لرتب وعقب. وما سوى ذلك فكان ممزوجا؛ فقد مزج طويل انبذ بقصيرها واقصرها كما مزجت السياسة بالوعظ والوصف. كذا لم يلتفت الجامع الى سابقية الحوادث. فمخاصمة امير المؤمنين لاعدائه قد سبقت مثلا رثاءه لفاطمة الزهراء حين دفنها وهلم
جرا وقد ذكر في آخر الكتاب ان الرضي انتهى من جمعه سنة اربعمائة للهجرة ثم توفاه الله سنة ست وار بعمائة واشتغل خلال هذه السنوات الستة الاخيرة بما قد وكل اليه من المناصب فتساءلت عما اذا كان الكتاب قد أُتم عند مماته ام لا. فلننقل الان الى بحث الكتاب من الباطن بعد ان فحصناه من الظاهر . ذكرت ان ابن خلكان قد شك فيمن جمع الكتاب. غير اني لم اذكر انه أضاف الى ذلك الشك مخبرا عن اتهام علماء وقتئذ لصحته (صحة نسبته الى امير المؤمنين) «فقد قيل انما الذي جمعه ونسبه اليه هو الذى وضعه والله اعلم» . فتبين ان اعظم الشكوك هو الشك في صحة
نسبته وخاصة من اهل السنة قد وقع . واما الشيعة فقد اجمعوا على صحته بتمامه أو أعترفوا عن غير رضى بوجود المدسوس فيه مما لاصلة له بعليّ وقد تسرب ذلك الى نهج البلاغة بقدر
الى الحديث لشريف . فلنفتح الكتاب ونستهل قراءته: الحمد لله الذي يبلغ مدحتَه
القائلون . ولا يحْص نَعماءه العادون . ولا يؤدي حقه المجتهدون. الذي يدركه بعْد
الهمْم. ولا يناله غَوْص الفطن. الذي ليس لصفته حد محدود . ولا نعت موجود. ولا
وقت معدود ولا اجل ممدود. الخ... رحماك ربي قد بدأ الشك يتسرب الينا
ايضا ويسري في قلوبنا. فما اوقع هذا السجع وما اضبطه. فلنواصل قراءتنا أول دينه معرفته. وكمال معرفته التصديق
به وكمال التصديق به توحيده. وكمال توحيده الاخلاص له. وكمال الخلاص له نفي
الصفات عنه. لشهادة كل صفة انها غير الصفة. فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه. ومن
قرنه فقد ثنّاه. ومن ثناه فقد جزّأه . الخ... أهذه القطعة شهدت عهد عليّ؟ كلا، ان هذه القطعة الكلامية في توحيد الله
لم تُخلق في عهده مطلقا وما ولدت الا بعده غير ان ما قرأناه هو اول ما في الكتاب فقد نعتبره كمقدمة اضيفت الى الاصل
فيما بعد. فلنترك هذا ونقرأ قطعة اخرى: الحمد لله الذي لم يسبق له حال حالا.
فيكون اولا قبل ان يكون آخرا، ويكون ظاهرا قبل ان يكون باطنا. الخ... فما اكثر الافكار الفيلسوفية في هذا
القطعة ولنقرأ نبذة اخرى: وبسطتم يدي وكففتُها. ومددتموها
فقبضتُها . وتداككتم علي تداكَ الابل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى انقطعت
النعل. وسقط الرداء. ووُطىء الضعيف وبلغ من سرور الناس بيعتهم اياي ان ابتهج بها
الصغير . وهدج اليها الكبير . وتحامل نحوها العليل. وحسرت اليها الكعاب.. فاين السجع هنا؟ اللهم الا ما كان عفوا عن غير قصد
مما لا يعرف النسق والمبالغة بحال وما وجد في هذه القطعة سوى وصف بسيط ولم لا نصرح بقدم مثل هذه القطعة؟ فربما صحت ايضا نسبتها الى الامام علي . لم لا؟ قد تشيع بعض الباحثين ومنهم نفس الشارح ابن ابي الحديد لوحدة الاسلوب (اسلوب الكتاب من اوله الى آخره) اما رايي فهوعدم وحدة الاسلوب. فاصغوا الى هذه القطعة التالية التي
يقرأها الدكتور روستكو نيابة عني: كبس الارض على موْر امواج مستفحلة ، ولجج بحار زاخرة تلتطم اواذيّ
امواجها وتصطفق متقادفات اثباجها وترعو زبدا كالفحول عند هياجها ، فخضع جماح
الماء المتلاطم لثقل حملها ، وسكن هيج ارتمائه اذ وطئته بكلكلها ، وذل مستخذيا
اذ تمعكت عليه بكواهلها فاصبح بعد اصطخاب امواجه ساجيا مقهورا، وفي حَكَمة الذُل
منقادا اسيرا وسكنت الارض مدحوّة في لجة تياره ، ورَدّت من نخوة بأوه واعتلائه
وشموخ انفه وسموغلوائه وكعمته على كُظُة جريته فهمد بعد نزقاته ولبد بعد زيفان
وثباته ولما سكن هياج الماء من تحت اكنافها وحَمْل شواهق الجبال الشُمّخ على
اكتافها فجّر ينابيع العيون من عرانين انوفها ، وفرّقها في سهوب بيدها واخاديدها
وعَدَلَ حركاتها بالراسيات من جلاميدها وذوات الشناخيب الشمّ من صياخيدها وسكنت من الميدان لرسوب الجبال في
قطع اديمها وتغلغلها متسربة في حبوبات خياشيمها وركوبها اعناق سهول الارضين
وجرائيمها وفسح بين الجو بينها واعد الهواء متنسما لساكنها وأخرج اليها اهلها
على تمام مرافقها ثم لم يدع جُرُز الارض التي تقصرمياه العيون عن روابيها ولا
تجد جداول الانهار ذريعةً الى بلوغها حتى أنشأ لها ناشئة سحاب تُحْيي مواتها
وتستخرج نباتها ، الفّ غمامها بعد افتراق لمعه وتبايُن قزعه حتى اذا تمخضت لجة
المزن فيه والتمع برقه في كففه، ولم ينم وميضه في كنهور ربابه ومتراكم سحابه،
ارسله سحَّا متداركا قد اسفّ هْيْدبهُ تمريه الجنوب درر اهاضيبه ودقع شآبيبه الخ... واظنكم توافقوني ومَن حكم على حداثة
امثال هذه القطعة لاحكام صناعتها ودقتها. يقول ناكرو النسبة ان الطريقة العددية في شرح المسائل كتقسيم الفضائل والرذائل الى عدة عناصر لم يلتفت اليها ادباء الصدر الاول وفي
كتاب نهج البلاغة امثلة عديدة لهذه الطريقة واذكر
منها قوله: الايمان على اربعة دعائم على الصبر
واليقين والعدل والجهاد والصبر منها على اربع شعب الخ... ثم يقول ناكروالنسبة ان في الكتاب ما يشمّ منه ريح ادعاء صاحبه علم الغيب وان اعتقدت الشيعة في اهلية الامام لعلم الغيب, فاهل السنة افردوا الله بذلك بدليل ما ورد في
القرآن (لا يعلم الغيب الا الله) فلقد قرأت هذه التنبؤات فوجدتها في غاية من الغموض فتساءلت عما اذا
كانت تنبؤات حقا ام لا. وبما قد سبق من الامثلة والكلام قدّمُت اليكم الحجج الاساسية التي كانت في متناول المتنازعين. وعند وصولنا الى هذه النقطة من كلمتي
لعل احدكم يقول في نفسه: لقد جاءت هذه المحاضرة باشياء قد
عرفناها من قبل ، فما تقصد؟ فجوابي على حضرة المتسائل هذا اني قد حضرت لا طرح شيئا جديدا على
بساط البحث وذلك لاعتقادي ان العميل الذي قمت به لم يقم به احد سواي فقد استخرجت من الكتاب كل ما يحتوي عليه من المواضيع السياسية
المتعلقة بالحوادث التاريخية ثم ترجمتها فادرجتها حسب التسلسل التاريخي ثم درستها. فهذا عمل قد تبينت لي اهميته وان لم اتممه حتى الآن. لانه مكنني من ايجاد بعض الملاحظات مثلا: أول شيء لاحظته ان الذي يرجع الى اقدم عهد من حياة ابن ابي طالب ما هو الا القليل
النادر وهذا ان لم يكن
بمقدار حجة تامة على صحة النسبة فقد يكون شبه حجة على الاقل. لانه لو اراد احد تزوير هذه الوثائق لقام بتزوير كل ما انطوى عليه عهد الامام. وانما كثرة ما ورد من قطع تتعلق بما
حصل بعد ان بويع له بالخلافة تدل على ان اهتمام الناس بحفظ كلامه نشأ ونما حسب
ارتفاع منزلته. ولي ان اقول ايضا: ان ترتيب المقتطفات حسب تسلسل
التاريخ قد جعلني أسقط بعضا
من تعاليل مَن ذهب على عدم الصحة القائلين : وكيف يمكن وقوع الطعن في بعض صحابة
رسول الله بما لا يليق من مثل الامام عليّ؟ وقالوا: لو ان عليّا لم يستحسن كيفية بيعة من سبقوه بالخلافة – كما ورد في الخطبة المسماة بالشقشقية – فكيف له ان يمدح عمر بن الخطاب ويتغالى في رفعة شانه كما ورد في خطبة اخرى، فاذن تضاد هذه المقتطفات، مما يحرضنا على الشك في صحتها ، ولكن، ايها السادة، الزمان وتطوراته هي حقيقة واقعية ولا بد للباحث من ان يقدر تغير
الظروف فيجب فحص مقتطفات نهج البلاغة بعد ان وضعت مسلسلة حسب تطورات الحوادث
التاريخية اعني بعبارة اخرى ان عليّا بعد ان بويع له بالخلافة
وبعد ان اضطر الى مواجهة
معارضيه بحد السيف تمكن من التصريح بما كان كامنا في نفسه او بما لم يتكون في باله قبل. ثم من المعروف النزاع السياسي قد يدفع الى العنف لفظا وخّطا وقد اخبرنا المؤرخون من العرب عن مقدار الاهواء التي انطلقت من
عقالها في عهدي خلافة عثمان
وعليّ وقد وصلنا ما حفظوه لنا من الوثائق
وان اختبرنا تلك النبذ على ضياء التاريخ فيتلاشى التضاد في الواقع وعندما عاودت قراءة هذه النبذ درسا تبين لي جليا ما قد احسست به اثناء سرادتي الاولى
وهو رجوعها الى عهد قديم جدا. فان وجدنا بعض جمل تثير الشك في قدمها فمن المحتمل ان تكون من التحشية وهذا لا يجيزنا على رد القطعة باسرها باعتبارها مستحدثة . وقد صرح جرجي زيدان بان المقتطفات السياسية في كتاب نهج البلاغة ترجع الى علي غير انه لم يبرز ادلة على صحة ما تبين له. ثم من ذوات الاهمية ان ما يتوسم بالطابع الشيعي من النصوص في نهج البلاغة – وهذا القليل النادر – لهو من المبهم الغامض، ولعل سبب هذا هو اهتمام الجامع بعرض الفصيح
كما ذكرنا، غير اني اعتقد انه من داع آخر، وهو قدم المقتفطات نفسها. قد لاحظ الباحث الحديث الذي اومأت اليه بان الكتاب يضم قطعا تنطوي على اراء تتماشى مع اراء
الامامية والاسماعيلية واهل السنة وغيرهم ثم قال «ان لهذه الاراء اصلا في مذهب الامامية او في مذهب
الاسماعيلية او في مذهب «السنة» وما الذي يستنتج من هذا القول لا بد ان يستنتج منه ان القطع التي تضم لم تتكون في عهد علي وما انشقت وتفرعت الا فيما بعد فكانما كانت لبا ثم نمت وتطورت وتميز
بعضها عن بعض وضبطت. لذا نجد ان الاراء الموجودة في نهج البلاغة لا تسن اتجاها معينا لانها سابقة لتكوين المذاهب نفسها. والاسلوب الذي يجب ان يتخذه نقاد
التاريخ هو اعتبار الآراء
وقت حدوثها وعدم تطبيق ما حدث فيما تاخر على ما وقع فيما
تقدم. ومما ينبغي علينا ان نذكره هو ان الرضي كان شيعيا يعيش في عهد بني بويه وهم
ايضا من الشيعة وكان بايديهم مقاليد الامور باستئثارهم على الخلفاء انفسهم ولذا كان في وسع الرضي ادراج ما يتماشى
مع قومه مذهبا ومطمعا ولكنه لم يفعل ولماذا لم يفعل.؟ لانه رجل نزيه وما وجده منقولا عن
الامام من تصريحات سياسية انما كانت بصيغة التخصيص. ولامانته ونزاهته تعفف عن تبديله وادراج ما يرضي قومه فيه. ويمكنكم ان تسألوني عن الثقة التي بيني
وبين الشريف الرضي وعن سببها وهي تخالف وجهة شك ابن خلكان وعادة بعض الرواة من العرب فيما مضى وهي تاليفهم للشعر وتنميته الى بعض شعراء الجاهلية مثلا. كما انهم يختلقون الاحاديث حسب شهواتهم
ثم ينسبونها الى رسول الله. نعم لقد كان كذلك حقا غير انه كان دائما لغرض ما . |
|
وما هو غرض الشريف
الرضي؟
|
|
ساقص عليكم بعضا من خصائصه التي بها
يمكنكم الحكم لشخصيته : كان الرضي ينحدر من سلالة علوية كريمة تنتمي الى الامام السابع الا
وهو(موسى الكاظم)عليه السلام وهذا من جهة ابيه واما نسبه من جهة امه فكان علويا ايضا وكان احد اجداده
ملكا في القوقاز. فلقد استلم الرضي ما كان بيد والده من
المناصب رغم حداثة سنه وصغره عن اخيه المرتضى. فكان نقيب
الطالبيين وناظر المظالم وامير الحج وكرمه بهاء الدولة البويهي ورفع منزلته فاتحفه بانبل الالقاب كما صاحبه واخلص له الخليفتان الطائع والقادر. وحاصل
هذا ان الرضي قد وصل الى اعلى القمم فتمكن من نظم هذه الابيات: عطفا اميرالمؤمنين فاننا ***** في دوحة العلياء لا نتفرق ما بيننا يوم الفخار تفاوت***** ابدا كلانا في العلاء معرق الا الخلافة شرفتك فانني ***** انا عاطل منها وانت مطوق فرد عليها الخليفة بقوله : على رغم انف الشريف وكان الرضي ثريا وتحمله لنفقات دار العلوم التي اسست في بغداد دليل على ثروته. وكان مشهورا لنبوغه في الشعر. الم يذكر معاصره الثعالبي انه (الرضي) اشعر الطالبيين وربما اشعر قريش؟ وكان معززا بكثرة الاتباع والاصحاب. ألا يدل على ذلك بقاؤه في المناصب رغم اضطراب الآونة؟ غير ان الذي اريد احياءه هوعلو همته وحرصه على استقلال ذمته وارائه فانه لم يقبل صلات من احد حتى من بني بويه. ولما خلع بهاء الدولة الخليفة الطائع عنفا تجاسر الرضي على اظهار حزنه وذم السلطان وما اجسره عندما رثى
الخليفة بعد وفاته بالحبس اذ كان الظالم هو بهاء الدولة حاميه وكان
حريصا على تنفيذ ما كان عليه من الواجبات وكان يوصف بالافراط في عقاب المذنب من
اهله وله حكايات في ذلك منها ان امراة علوية شكت اليه زوجها وكان مقامرا فامر الرضي بضربه مئة جلدة.
فصاحت المراة يتم اولادي فاجابها بقوله: اظننت ان افعل به كما يفعل المؤدب مع اطفاله؟ اذن كان الرضي قادرا غنيا اعتلى قمة
الشهرة لنبوغه الشعري، رقيق الحس كريم
الخلق. لا يشف عنه اي غرض
سياسي مما قام بجمعه في كتابه بل بالعكس فقد نجد فيه ما يخالف اراء الروافض الذين ينتمي اليهم الرضي بعينه واضف الى هذا ان كثيرا من النصوص التي اقتطفها كانت
معروفة في بيئته وحينه. فهل كان في ارادته واستطاعته ان يبدل شيئا منها؟ كلا ، ثم هناك تغيرات كثيرة في النصوص التقطها الرضي ودونها. ولاي داع كانت هذه المشقة ؟ اني لأرى سر مسألة نهج البلاغة كامنا في جملة قصيرة تُقرأ في مقدمة الرضي حيث يتكلم عن كتابه الاول في خصائص
الائمة فقد اخبرنا انه جمع محاسن ما نقل عنه عليه
السلام من الكلام القصير. اذن جمع الرضي ولم ينتقد ولو اخذ ينتقد ما تواتر النقل فيه
فعلى ايّ يقف؟ اذ تيسرت التحشية وخاصة في السجع. فان الجملة تدعو اختها والاسم يدعو ما يرادفه والنعت يبقى على خشونته ان انفرد فيسعى الى تهذيب نفسه بما يوافق طبعه فقد
اندفع الرواة الى تنميق النصوص الصحيحة او القديمة بتنوعات ابتدعوها واستعذبها
الجمهور ومن اعسر الامورالقيام بتمييز
صحيح النسبة او العتيق مما زيد عليه. وان كنت اعتقد ان في استطاعتي القيام
بهذه العملية فيما يخص الجزء السياسي وذلك بمساعدة الرجوع الى ما نعرفه من الحوادث التاريخية فالباقي من الكتاب اسلّمه الى من هو
اقدر مني على تلك المهمة مقتصرة على الاشارة الى مبدا واحد وهو كل رواية هي صحيحة بصفة عامة
حتى يتبين انها باطلة. (لا تبتسموا من بساطة
هذا المبدأ فانه من المُودة ان يشك في بادىء الامر ثم يفتش عن الحجج لتثبيت
الصحة). وبتطبيق المبدأ المذكور ارى ان الباحث يجْبر على حذف صحف كثيرة من كتاب نهج البلاغة رغم ملوسته وخصوصا المطول منه. ثم بعد الحذف يبتدىء ذلك العمل الدقيق الذي لا
تمامه لا بد من معرفة
عميقة بالنثر العربي وتطوره دراسة وذوقاً وقد سبق انه مما خرج من وسعي وفي اثناء العمل لن ينْسى شيء مهم
جدا وهو ان شهرة فصاحة وبلاغة امير
المؤمنين علي بن ابي طالب لا يُثبتها تواتر الاخبار فحسب بل كانت تُركّز على
نصوص دارت بين الادباء وكفى بنا شهيدا ما حكى الجهشياري عن عبد الحميد الكاتب الشهير في اواخر عهد بني أمية احد واضعي فن الرسائل العربي وما يحكى عنه هو انه ابتدع اسلوبه بما درسه من بليغ ابن ابي طالب كما ان ابن نباتة ذلك الخطيب الذي شاعت شهرته لنبوغه في الخطابة قد اكتفى خطب عليّ واخذ منها , اذن لم تكن شهرة فصاحة علي توسيعا للاعجاب به لكونه ابن عم رسول
الله وسابقيه في الاسلام وجهاده وامامته للمسلمين بل كانت اعجابا نشأ من وثائق تدرس
وتقتدى. فحري ان يجتهد في اكتشاف ما في نهج
البلاغة من النصوص القديمة. هذه النصوص التي في استطاعتها ان
تزود الاداب العربية باثمن الوثائق واعظم البراهين – بجانب القرآن العظيم – على مقدرتها وثروتها ونضوجها السابق لعهد اختلاط العرب بغيرهم من
الامم . وبالختام اضيف الى ما قد قلت انه على الباحث ألا يقيس ما يجده في
كتاب نهج البلاغة من الافكار والآراء المتداولة في المدينة لما كانت المركز السياسي لسكان جزيرة العرب فقط بل عليه ان يقيسها على بيئة المدينة التي ضمت عليا في نضوجه اعني في الوقت الذي اصبحت فيه المدينة عاصمة دولة كبرى؛ فلقد تحولت بيئتها وتغيرت عما كانت
عليه واتسعت الافكار بفضل التحنيك الديني والسياسي والعسكري فلا عجب اذن من وجود اراء جديدة وافكار
فريدة لان ذلك وليد تلك الزلازل وذلك الضجيج التي
عرفها اهل المدينة مدة زادت على ربع قرن تلك هي الفترة التي بين البعثة ووفاة
ابن ابي طالب. مقتبس من مجلة الفكر التونسية العدد/ ٢ السنة ١٩٥٨
.
|