- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
الفصل الثامن و الأربعون العمل للآخرة
|
|
( 373 ) هل الدنيا و الآخرة ضرّتان ؟
|
|
مدخل : |
|
اذا كان العمل في الدنيا للدنيا كانت الدنيا عدوة للآخرة ،
و أمّا إذا كان العمل فيها للآخرة كانت حسنة و محمودة . و الناس في الدنيا
يعملون وفق ثلاثة خطوط : |
|
النصّ : |
|
قال الامام علي ( ع ) : |
|
( 374 ) الدنيا و الآخرة العمل و التزوّد و
الاستعداد للآخرة سرعة نفاد العمر
|
|
مدخل : |
|
لحياة الانسان جانبان : جانب مادي و جانب روحي ، و الجانب المادي هو « الحياة
الدنيا » . و الدنيا شأن جميع الأشياء المادية ، و إن أعجبتنا بمظاهرها الخلاّبة
، فانّ نهايتها الى الفناء و الزوال . و ما أشبه هذه الدنيا بالنبات و حبّاته ،
فاذا نزل عليها المطر و اختلط بترابها ، نمت و كبرت و ازدهت و ازدهرت ، بأصناف
الألوان و الأزهار ، و الاكمام و الثمار . ثمّ لا تلبث أن تجف و تصفرّ ، فتأتيها
الرياح فتحطمها و تنفثها في الفضاء ، فتنتثر و تندثر و كأنها لم تكن . و هذا مؤدّى قول الامام ( ع ) في صفة المتّقين : « شاركوا أهل الدّنيا في دنياهم ، و لم يشاركهم أهل الدّنيا
في آخرتهم » . يراجع المبحث ( 37 ) الدنيا دار
ابتلاء و اختبار . |
|
النصوص : |
|
من خطبة له ( ع ) يقسم الناس فيها الى ثلاثة
أقسام بحسب عملهم : شغل من الجنّة و
النّار أمامه . ساع سريع نجا ( القسم الأول : و هو
الملتزم بالشريعة كليّا ، لا تشغله فرائضها عن نوافلها ) ، و طالب بطي ء
رجا ( القسم الثاني : و هو المتجاذب بين الخير و الشر ،
يكتفي بأداء الفرائض راجيا المغفرة ) ، و مقصّر في النّار هوى ( القسم الثالث : و هو المقصر الذي لا تنهاه صلاته عن الفحشاء
) . اليمين و الشّمال مضلّة ( أي القسم الثاني و
الثالث ) و الطّريق الوسطى هي الجادّة ( أي
القسم الأول ) ، عليها باقي الكتاب ، و آثار النّبوّة ، و منها منفذ
السّنّة ، و إليها مصير العاقبة . ( الخطبة 16 ، 57 ) فإنّ الغاية
أمامكم ، و إنّ وراءكم السّاعة تحدوكم . تخفّفوا تلحقوا . فإنّما ينتظر بأوّلكم
آخركم . ( الخطبة 21 ، 65 ) و إنّ المال و
البنين حرث الدّنيا ، و العمل الصّالح حرث الآخرة ، و قد يجمعهما اللّه تعالى
لأقوام . فاحذروا من اللّه ما حذّركم من نفسه ، و اخشوه خشية ليست بتعذير . أمّا بعد ، فإنّ
الدّنيا قد أدبرت ، و آذنت بوداع . و إنّ الآخرة قد أقبلت ، و أشرفت باطّلاع . ( الخطبة 28 ، 78 ) ألا عامل لنفسه
قبل يوم بؤسه . ألا و إنّكم في أيّام أمل ، من ورائه أجل ، فمن عمل في أيّام
أمله قبل حضور أجله ، فقد نفعه عمله ، و لم يضرره أجله . و من قصّر في أيّام
أمله قبل حضور أجله ، فقد خسر عمله ، و ضرّه أجله . ألا فاعملوا في الرّغبة كما
تعملون في الرّهبة . ألا و إنّي لم أر كالجنّة نام طالبها ، و لا كالنّار نام
هاربها . . . ألا و إنّكم قد أمرتم بالظّعن ، و
دللتم على الزّاد ، و إنّ أخوف ما أخاف عليكم : اتّباع الهوى ، و طول الأمل . فتزوّدوا في الدّنيا من الدّنيا ، ما تحرزون به أنفسكم
غدا . ( الخطبة 28 ، 79 ) و منهم من يطلب الدّنيا بعمل الآخرة ، و لا يطلب الآخرة
بعمل الدّنيا . ( الخطبة 32 ، 86 ) ألا و إنّ
الدّنيا قد ولّت حذّاء ، فلم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء اصطبّها صابّها
. و موتات الدّنيا أهون
عليّ من موتات الآخرة . ( الخطبة 54 ، 111 ) ألا و إنّ الدّنيا دار . . .
ابتلي النّاس بها فتنة ، فما أخذوه منها لها ، أخرجوا منه و حوسبوا عليه ، و ما
أخذوه منها لغيرها قدموا عليه و أقاموا فيه . ( الخطبة
61 ، 116 ) فاتّقوا اللّه
عباد اللّه ، و بادروا آجالكم بأعمالكم ، و ابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم ،
و ترحّلوا فقد جدّبكم ، و استعدّوا للموت فقد أظلّكم ، و كونوا قوما صيح بهم
فانتبهوا ، و علموا أنّ الدّنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا ، فإنّ اللّه سبحانه لم
يخلقكم عبثا ، و لم يترككم سدى ، و ما بين أحدكم و بين الجنّة أو النّار إلاّ
الموت أن ينزل به . رحم اللّه امرءا سمع حكما فوعى ، و دعي إلى رشاد فدنا ، و
أخذ بحجزة هاد فنجا . راقب ربّه ، و خاف ذنبه . قدّم خالصا ، و عمل صالحا .
اكتسب مذخورا ، و اجتنب محذورا ، و رمى غرضا ، و أحرز عوضا . كابر هواه ، و كذّب
مناه . جعل الصّبر مطيّة نجاته ، و التّقوى عدّة وفاته . ركب الطّريقة الغرّاء ،
و لزم المحجّة البيضاء . اغتنم المهل ، و بادر الأجل ، و تزوّد من العمل . ( الخطبة 74 ، 130 ) فاتّقوا اللّه
تقيّة من . . . عمّر معادا ، و استظهر زادا ،
ليوم رحيله و وجه سبيله ، و حال حاجته ، و موطن فاقته ، و قدّم أمامه لدار مقامه
فاتّقوا اللّه . . . و استحقّوا منه ما أعدّ لكم
بالتّنجّز لصدق ميعاده ، و الحذر من هول معاده . (
الخطبة 81 ، 2 ، 141 ) لم يمهدوا في
سلامة الأبدان . ( الخطبة 81 ، 2 ، 142 ) . . . و قدّم زاد الآجلة سعيدا ، و بادر من وجل ، و أكمش في
مهل ، و رغب في طلب ، و ذهب عن هرب ، و راقب في يومه غده ، و نظر قدما أمامه . ( الخطبة 81 ، 2 ، 145 ) كادحا سعيا
لدنياه . . . لم يفد عوضا ، و لم يقض مفترضا . ( الخطبة 81 ، 3 ، 146 ) فليعمل العامل منكم في أيّام مهله ، قبل إرهاق أجله ، و
في فراغه قبل أو ان شغله ، و في متنفّسه قبل أن يؤخذ بكظمه ، و ليمهّد لنفسه و
قدمه ، و ليتزوّد من دار ظعنه لدار إقامته . ( الخطبة
84 ، 151 ) و أعدّ القرى
ليومه النّازل به ، فقرّب على نفسه البعيد و هوّن الشّديد . ( الخطبة 85 ، 153 ) عباد اللّه ،
زنوا أنفسكم من قبل أن توزنوا ، و حاسبوها من قبل أن تحاسبوا ، و تنفّسوا قبل
ضيق الخناق ، و انقادوا قبل عنف السّياق . ( الخطبة 88
، 160 ) اعملوا ، رحمكم
اللّه ، على أعلام بيّنة ، فالطّريق نهج ( أي واضح قويم
) يدعو إلى دار السّلام ، و أنتم في دار مستعتب على مهل و فراغ ، و
الصّحف منشورة ، و الأقلام جارية ،و الأبدان صحيحة ، و الألسن مطلقة ، و التّوبة
مسموعة ، و الأعمال مقبولة . الخطبة 92 ، 186 ) إن دعي إلى حرث
الدّنيا عمل ، و إن دعي إلى حرث الآخرة كسل . ( الخطبة
101 ، 197 ) اجعلوا ما افترض
اللّه عليكم من طلبكم ، و اسألوه من أداء حقّه ما سألكم . ( الخطبة 111 ، 218 ) و كلّ شي ء من
الدّنيا سماعه أعظم من عيانه ، و كلّ شي ء من الآخرة عيانه أعظم من سماعه .
فليكفكم من العيان السّماع ، و من الغيب الخبر . و اعلموا أنّ ما نقص من الدّنيا
و زاد في الآخرة خير ممّا نقص من الآخرة و زاد في الدّنيا . فكم من منقوص رابح و
مزيد خاسر . ( الخطبة 112
، 221 ) قد تكفّل لكم
بالرّزق و أمرتم بالعمل ، فلا يكوننّ المضمون لكم طلبه أولى بكم من المفروض
عليكم عمله ، مع أنّه و اللّه لقد اعترض الشّكّ و دخل اليقين ، حتّى كأنّ الّذي
ضمن لكم قد فرض عليكم ، و كأنّ الّذي قد فرض عليكم قد وضع عنكم . فبادروا العمل
، و خافوا بغتة الأجل ، فإنّه لا يرجى من رجعة العمر ما يرجى من رجعة الرّزق . اعملوا ليوم تذخر
له الذّخائر ، و تبلى فيه السّرائر . ( الخطبة 118 ،
228 ) أجل منقوص ، و عمل محفوظ . فربّ دائب مضيّع ، و ربّ كادح
خاسر . ( الخطبة 127 ، 240 ) فمن أشعر التّقوى
قلبه ، برّز مهله و فاز عمله . فاهتبلوا هبلها ، و اعملوا للجنّة عملها . فإنّ
الدّنيا لم تخلق لكم دار مقام ، بل خلقت لكم مجازا لتزوّدوا منها الأعمال إلى
دار القرار . فكونوا منها على أوفاز ( أي على استعجال )
، و قرّبوا الظّهور للزّيال . ( الخطبة 130 ، 244 ) و من خطبة له ( ع ) يقول فيها : و إنّما الدّنيا منتهى
بصر الأعمى ، لا يبصر ممّا وراءها شيئا ، و البصير ينفذها بصره ، و يعلم أنّ
الدّار وراءها . فالبصير منها شاخص ، و الأعمى إليها شاخص . و البصير منها
متزوّد ، و الأعمى لها متزوّد . . . . و اذكر قبرك ، فإنّ عليه ممرّك ، و كما تدين تدان ، و
كما تزرع تحصد . و ما قدّمت اليوم تقدم عليه غدا . فامهد لقدمك ، و قدّم ليومك .
( الخطبة 151 ، 269 ) فتزوّدوا في
أيّام الفناء لأيّام البقاء . فقد دللتم على الزّاد و أمرتم بالظّعن ( أي السفر ) . و حثثتم على المسير . فإنّما أنتم كركب
وقوف ، لا يدرون متى يؤمرون بالسّير . ( الخطبة 155 ،
277 ) عباد اللّه ،
احذروا يوما تفحص فيه الأعمال ، و يكثر فيه الزّلزال ، و تشيب فيه الأطفال . ( الخطبة 155 ، 277 ) بادروا أمر
العامّة ، و خاصّة أحدكم و هو الموت . فإنّ النّاس أمامكم ، و إنّ السّاعة
تحدوكم من خلفكم ، تخفّفوا تلحقوا . فإنّما ينتظر بأوّلكم آخركم . ( الخطبة 165 ، 301 ) و سابقوا فيها
إلى الدّار الّتي دعيتم إليها ، و انصرفوا بقلوبكم عنها . . . ألا و إنّه لا يضرّكم تضييع شي ء من دنياكم بعد حفظكم قائمة
دينكم . ألا و إنّه لا ينفعكم بعد تضييع دينكم شي ء حافظتم عليه من أمر دنياكم .
الخطبة 171 ، 309 ) و اعلموا عباد
اللّه أنّ المؤمن لا يصبح و لا يمسي إلاّ و نفسه ظنون عنده . فلا يزال زاريا
عليها و مستزيدا لها ( أي المؤمن يظن في نفسه دائما
النقص و التقصير في الطاعة ) . فكونوا كالسّابقين قبلكم ، و الماضين
أمامكم . قوّضوا من الدّنيا تقويض الرّاحل ، و طوؤها طيّ المنازل . ( الخطبة 174 ، 312 ) العمل العمل ،
ثمّ النّهاية النّهاية ، و الإستقامة الإستقامة ، ثمّ الصّبر الصّبر ، و الورع
الورع إنّ لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم . و إنّ لكم علما ( يقصد به القرآن ) فاهتدوا بعلمكم . فبادروا المعاد ، و سابقوا الآجال . فإنّ النّاس يوشك أن
ينقطع بهم الأمل ، و يرهقهم الأجل ، و يسدّ عنهم باب التّوبة . فقد أصبحتم في
مثل ما سأل إليه الرّجعة من كان قبلكم . و أنتم بنو سبيل على سفر من دار ليست
بداركم . و قد أوذنتم منها بالارتحال ، و أمرتم فيها بالزّاد . و اعلموا أنّه
ليس لهذا الجلد الرّقيق صبر على النّار ، فارحموا نفوسكم فإنّكم قد جرّبتموها في
مصائب الدّنيا . ( الخطبة 181 ، 331 ) أفرأيتم جزع أحدكم من الشّوكة تصيبه ، و العثرة تدميه ، و
الرّمضاء تحرقه ؟ فكيف إذا كان بين طابقين من نار ، ضجيع حجر و قرين شيطان .
أعلمتم أنّ مالكا إذا غضب على النّار حطم بعضها بعضا لغضبه ، و إذا زجرها توثّبت
بين أبوابها جزعا من زجرته . أيّها اليفن الكبير ( أي الشيخ
المسن ) الّذي قد لهزه القتير ( أي خالطه الشيب
) كيف أنت إذا التحمت أطواق النّار بعظام الأعناق ، و نشبت الجوامع حتّى
أكلت لحوم السّواعد ؟ فاللّه اللّه معشر العباد و أنتم سالمون ، في الصّحّة قبل
السّقم ، و في الفسحة قبل الضّيق . فاسعوا في فكاك رقابكم من قبل أن تغلق
رهائنها . أسهروا عيونكم و أضمروا بطونكم ، و استعملوا أقدامكم و أنفقوا أموالكم
. و خذوا من أجسادكم فجودوا بها على أنفسكم ، و لا تبخلوا بها عنها ، فقد قال اللّه سبحانه إنْ تَنْصُرُوا اللّهَ
يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ و قال تعالى مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ
اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ ، وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ . فلم يستنصركم من ذلّ ، و لم يستقرضكم من قلّ .
استنصركم وَ لَهُ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَ الأَرْضِ وَ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ
. و استقرضكم وَ لَهُ خَزَائنُ السَّماوَاتِ وَ الأَرْضَ ، وَ هُوَ الغَنِيُّ
الحَمِيْدُ . و إنّما أراد أن يبلوكم أيّكم أحسن عملا . فبادروا بأعمالكم تكونوا
مع جيران اللّه في داره . رافق بهم رسله ، و أزارهم ملائكته . و أكرم أسماعهم أن
تسمع حسيس نار أبدا . و صان أجسادهم أن تلقى لغوبا و نصبا ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ
يُؤْتيهِ مَنْ يَشَاءُ وَ اللّهُ ذُو الفَضْلِ الْعَظِيمِ . فسابقوا رحمكم
اللّه إلى منازلكم الّتي أمرتم أن تعمروها ، و الّتي رغبتم فيها و دعيتم إليها . . . فإنّ غدا من اليوم قريب . ما أسرع السّاعات في
اليوم ، و أسرع الأيّام في الشّهر ، و أسرع الشّهور في السّنة ، و أسرع السّنين
في العمر . ( الخطبة 186 ، 348 ) فاللّه اللّه
عباد اللّه فإنّ الدّنيا ماضية بكم على سنن ، و أنتم و السّاعة في قرن . و
كأنّها قد جاءت بأشراطها ، و أزفت بأفراطها ، و وقفت بكم على صراطها . و كأنّها
قد أشرفت بزلازلها ، و أناخت بكلاكلها . و انصرمت الدّنيا بأهلها ، و أخرجتهم من
حضنها . و بادروا آجالكم
بأعمالكم ، فإنّكم مرتهنون بما أسلفتم ، و مدينون بما قدّمتم . و كأن قد نزل بكم
المخوف . فلا رجعة تنالون ، و لا عثرة تقالون . (
الخطبة 188 ، 352 ) عباد اللّه ، الآن فاعلموا ، و الألسن مطلقة ، و الأبدان
صحيحة ، و الأعضاء لدنة . و المنقلب
فسيح ، و المجال عريض . قبل إرهاق الفوت و حلول الموت . فحقّقوا عليكم نزوله و
لا تنتظروا قدومه . ( الخطبة 194 ، 385 ) أيّها النّاس .
إنّما الدّنيا دار مجاز ، و الآخرة دار قرار . فخذوا من ممرّكم لمقرّكم . تجهّزوا رحمكم
اللّه ، فقد نودي فيكم بالرّحيل . و أقلّوا العرجة على الدّنيا . و انقلبوا
بصالح ما بحضرتكم من الزّاد . فإنّ أمامكم عقبة كؤودا ، و منازل مخوفة مهولة .
لا بدّ من الورود عليها و الوقوف عندها . و اعلموا أنّ ملاحظ المنيّة نحوكم
دانية . و كأنّكم بمخالبها و قد نشبت فيكم . و قد دهمتكم فيها مفظعات الأمور ، و
معضلات المحذور . و من كلام له ( ع ) بالبصرة و قد دخل على العلاء بن زياد
الحارثي يعوده ، فلمّا رأى سعة داره قال : ما كنت تصنع بسعة هذه الدّار
في الدّنيا ؟ و أنت إليها في الآخرة كنت أحوج ؟ و بلى إن شئت بلغت بها الآخرة :
تقري فيها الضّيف ، و تصل فيها الرّحم ، و تطلع منها الحقوق مطالعها ، فإذا أنت
قد بلغت بها الآخرة . ( الخطبة 207 ، 400 ) فليقبل امرؤ
كرامة ( أي نصيحة ) بقبولها ، و ليحذر قارعة قبل
حلولها ، و لينظر امرؤ في قصير أيّامه ، و قليل مقامه . في منزل حتّى يستبدل به
منزلا . فليصنع لمتحوّله ، و معارف منتقله . فطوبى لذي قلب سليم . أطاع من يهديه
، و تجنّب من يرديه . و أصاب سبيل السّلامة ببصر من بصّره ، و طاعة هاد أمره . و
بادر الهدى قبل أن تغلق أبوابه ، و تقطّع أسبابه . و استفتح التّوبة ، و أماط
الحوبة . فقد أقيم على الطّريق ، و هدي نهج السّبيل . (
الخطبة 212 ، 408 ) فتحرّ من أمرك ما
يقوم به عذرك ، و تثبت به حجّتك . و خذ ما يبقى لك ممّا لا تبقى له . و تيسّر
لسفرك . و شم برق النّجاة ، و ارحل مطايا التّشمير ( أي
ضع على المطيّة رحل السفر الذي فيه زادك و مؤونتك ) . ( الخطبة 221 ، 425 ) فاعملوا و العمل
يرفع ، و التّوبة تنفع ، و الدّعاء يسمع . و الحال هادئة ، و الأقلام جارية . فعليكم بالجدّ و
الإجتهاد ، و التّأهّب و الإستعداد ، و التّزوّد في منزل الزّاد . و لا تغرّنّكم
. . . الخطبة 228 ، 432
) فاعملوا و أنتم
في نفس البقاء . و الصّحف منشورة ، و التّوبة مبسوطة . و المدبر يدعى ، و المسي
ء يرجى . قبل أن يخمد العمل ، و ينقطع المهل ، و ينقضي الأجل . و يسدّ باب
التّوبة ، و تصعد الملائكة . فأخذ امرؤ من نفسه لنفسه . و أخذ من حيّ لميّت ، و
من فان لباق ، و من ذاهب لدائم . آمرؤ خاف اللّه و هو معمّر إلى أجله ، و منظور
إلى عمله . امرؤ ألجم نفسه بلجامها ، و زمّها بزمامها . فأمسكها بلجامها عن
معاصي اللّه ، و قادها بزمامها إلى طاعة اللّه . (
الخطبة 235 ، 437 ) و من
كتاب له ( ع ) لابن عباس : أمّا بعد ، فإنّ
المرء قد يسرّه درك ما لم يكن ليفوته ، و يسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه . فليكن
سرورك بما نلت من آخرتك ، و ليكن أسفك على ما فاتك منها . و ما نلت من دنياك فلا
تكثر به فرحا ، و ما فاتك منها فلا تأس عليه جزعا . و ليكن همّك فيما بعد الموت
. ( الخطبة 261 ، 458 ) و قال ( ع ) من وصيّته لابنه الحسن ( ع ) : يا بنيّ
إنّي قد أنبأتك عن الدّنيا و حالها و زوالها و انتقالها . و أنبأتك عن الآخرة و
ما أعدّ لأهلها فيها . و ضربت لك فيهما الأمثال لتعتبر بها ، و تحذو عليها .
إنّما مثل من خبر الدّنيا كمثل قوم سفر نبا بهم منزل جديب ، فأمّوا منزلا خصيبا
و جنابا مريعا . فاحتملوا و عثاء ( أي مشقة )
الطّريق ، و فراق الصّديق . و اعلم أنّ أمامك
طريقا ذا مسافة بعيدة و مشقّة شديدة . و إنّه لا غنى بك فيه عن حسن الإرتياد ، و
قدر بلاغك من الزّاد مع خفّة الظّهر . فلا تحملنّ على ظهرك فوق طاقتك ، فيكون
ثقل ذلك وبالا عليك . و إذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك إلى يوم القيامة
، فيوافيك به غدا حيث تحتاج إليه ، فاغتنمه و حمّله إيّاه ، و أكثر من تزويده و
أنت قادر عليه ، فلعلّك تطلبه فلا تجده . و اغتنم من استقرضك في حال غناك ،
ليجعل قضاءه لك في يوم عسرتك . و اعلم أنّ أمامك
عقبة كؤودا . المخفّ فيها أحسن حالا من المثقل . و المبطى ء عليها أقبح حالا من
المسرع . و أنّ مهبطك بها لا محالة إمّا على جنّة أو على نار . فارتد لنفسك قبل
نزولك ، و وطّى ء المنزل قبل حلولك . فليس بعد الموت مستعتب ، و لا إلى الدّنيا
منصرف . ( الخطبة 270 ، 2 ، 481 ) و اعلم يا بنيّ
أنّك إنّما خلقت للآخرة لا للدّنيا ، و للفناء لا للبقاء ، و للموت لا للحياة . و من الفساد إضاعة الزّاد ( زاد
التقوى ) و مفسدة المعاد . ( الخطبة 270 ، 3 ،
486 ) الصّدقة دواء
منجح ، و أعمال العباد في عاجلهم ، نصب أعينهم في آجلهم . ( 6 ح ، 566 ) و قال
( ع ) و قد لقيه عند مسيره الى الشام دهاقين الأنبار ،
فترجّلوا له و اشتدوا بين يديه ، فقال : ما هذا
الّذي صنعتموه ؟ فقالوا : خلق منّا نعظّم به أمراءنا . فقال
( ع ) : و اللّه ما ينتفع بهذا أمراؤكم و إنّكم لتشقّون على أنفسكم في
دنياكم ، و تشقون به في آخرتكم . و ما أخسر المشقّة وراءها العقاب ، و أربح
الدّعة معها الأمان من النّار . ( 37 ح ، 572 ) طوبى لمن ذكر
المعاد ، و عمل للحساب ، و قنع بالكفاف ، و رضي عن اللّه . ( 44 ح ، 574 ) كلّ معدود منقض ، و كلّ متوقّع آت . ( 75 ح ، 577 ) آه من قلّة الزّاد ، و طول الطّريق ، و بعد السّفر ، و
عظيم المورد . ( 77 ح ، 578 ) إنّ الدّنيا و
الآخرة عدوّان متفاوتان ، و سبيلان مختلفان . فمن أحبّ الدّنيا و تولاّها أبغض
الآخرة و عاداها . و هما بمنزلة المشرق و المغرب ، و ماش بينهما ، كلّما قرب من
واحد بعد من الآخر . و هما بعد ضرّتان . ( 103 ح ، 583
) شتّان ما بين عملين : عمل تذهب لذّته و تبقى تبعته ، و
عمل تذهب مؤونته و يبقى أجره . ( 121 ح ، 587 ) . . . و عجبت لعامر دار الفناء و تارك دار البقاء . ( 126 ح ، 589 ) الأمر قريب و
الإصطحاب قليل . ( 168 ح ، 599 ) الرّحيل وشيك . ( 187 ح ، 600 ) و بادروا الموت
الّذي إن هربتم منه أدرككم ، و إن أقمتم أخذكم ، و إن نسيتموه ذكركم . ( 203 ح ، 603 ) بئس الزّاد إلى
المعاد ، العدوان على العباد . ( 221 ح ، 606 ) النّاس في الدّنيا عاملان : عامل عمل في الدّنيا للدّنيا ، قد شغلته دنياه عن آخرته
. من تذكّر بعد
السّفر استعدّ . ( 280 ح ، 623 ) و روي
أنه ( ع ) قلّما اعتدل به المنبر ، الا قال أمام الخطبة : أيّها النّاس ، اتّقوا اللّه فما خلق امرؤ عبثا فيلهو ، و
لا ترك سدى فيلغوا . و ما دنياه الّتي تحسّنت له بخلف من الآخرة الّتي قبّحها
سوء النّظر عنده . و ما المغرور الّذي ظفر من الدّنيا بأعلى همّته كالآخر الّذي
ظفر من الآخرة بأدنى سهمته . ( 370 ح ، 640 ) و قال
( ع ) لجابر بن عبد اللّه الأنصاري : يا جابر ، قوام الدّين و الدّنيا بأربعة : عالم مستعمل علمه ، و جاهل لا
يستنكف أن يتعلّم ، و جواد لا يبخل بمعروفه ، و فقير لا يبيع آخرته بدنياه .
فإذا ضيّع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلّم ، و إذا بخل الغنيّ بمعروفه باع
الفقير آخرته بدنياه . ( 372 ح ، 641 ) . . . و من عمل لدينه كفاه اللّه أمر دنياه . ( 423 ح ،
652 ) الدّنيا خلقت
لغيرها ، و لم تخلق لنفسها . ( 463 ح ، 659 ) |
|
( 375 ) الحياة و الاحتضار و الموت و القبر و صفة الموتى
|
|
يراجع المبحث ( 134 ) جهاد الامام ( ع ) و
شجاعته . فهل ينتظر أهل بضاضة الشّباب إلاّ حواني الهرم ؟ و أهل
غضارة الصّحّة إلاّ نوازل السّقم ؟ و أهل مدّة البقاء إلاّ آونة الفناء ؟ مع قرب
الزّيال ، و أزوف الإنتقال ، و علز ( أي هلع )
القلق ، و ألم المضض ، و غصص الجرض ( أي الريق )
، و تلّفّت الإستغاثة ، بنصرة الحفدة و الأقرباء ، و الأعزّة و القرناء ، فهل
دفعت الأقارب ، أو نفعت النّواحب ؟ و قال ( ع ) في الخطبة الغراء عن المغتر بالدنيا :
دهمته فجعات المنيّة في غبّر جماحه ، و سنن مراحه . فظلّ سادرا ، و بات ساهرا .
في غمرات الآلام ، و طوارق الأوجاع و الأسقام . بين أخ شقيق ، و والد شفيق . و
داعية بالويل جزعا ، و لادمة للصّدر قلقا . و من
كلام له ( ع ) في عمرو بن العاص : أما و
اللّه إنّي ليمنعني من اللّعب ذكر الموت ، و إنّه ليمنعه من قول الحقّ نسيان
الآخرة . ( الخطبة 82 ، 149 ) فكأن قد علقتكم
مخالب المنيّة ، و انقطعت منكم علائق الأمنيّة ، و دهمتكم مفظعات الأمور ، و
السّياقة إلى الورد المورود . ف كُلُّ نَفسٍ مَعَهَا سَائقٌ وَ شَهِيدٌ : سائق
يسوقها إلى محشرها ، و شاهد يشهد عليها بعملها . (
الخطبة 83 ، 150 ) و خلق الآجال
فأطالها و قصّرها ، و قدّمها و أخرها ، و وصل بالموت أسبابها ، و جعله خالجا
لأشطانها ( أي جاذبا لحبالها الطويلة ) ، و
قاطعا لمرائر أقرانها ( أي لحبالها القوية ) . ( الخطبة 89 ، 4 ، 175 ) أو لستم ترون أهل الدّنيا يصبحون و يمسون على أحوال شتّى
: فميت يبكى ، و آخر يعزّى ، و صريع مبتلى . و عائد يعود ، و آخر بنفسه يجود . و
طالب للدّنيا و الموت يطلبه ، و غافل و ليس بمغفول عنه . و على أثر الماضي ما
يمضي الباقي ألا فاذكروا هادم اللّذّات ، و منغّص الشّهوات ، و قاطع الأمنيات ،
عند المساورة للأعمال القبيحة . الخطبة 97 ، 192 ) و هو يرى
المأخوذين على الغرّة ( أي بغتة ) ، حيث لا
إقالة و لا رجعة ، كيف نزل بهم ما كانوا يجهلون ، و جاءهم من فراق الدّنيا ما
كانوا يأمنون ، و قدموا من الآخرة على ما كانوا يوعدون ، فغير موصوف ما نزل بهم
. اجتمعت عليهم سكرة الموت و حسرة الفوت . ففترت لها أطرافهم ، و تغيّرت لها
ألوانهم . ثمّ ازداد الموت فيهم ولوجا . فحيل بين أحدهم و بين منطقه . و أنّه
لبين أهله ينظر ببصره ، و يسمع بأذنه ، على صحّة من عقله ، و بقاء من لبّه .
يفكّر فيم أفنى عمره ، و فيم أذهب دهره و يتذكّر أموالا جمعها ، أغمض في مطالبها
، و أخذها من مصرّحاتها و مشتبهاتها . قد لزمته تبعات جمعها ، و أشرف على فراقها
. تبقى لمن وراءه ينعمون فيها ، و يتمتّعون بها . فيكون المهنأ لغيره ، و العب ء
على ظهره . و المرء قد غلقت رهونه بها ، فهو يعضّ يده ندامة على ما أصحر له ( أي ما ظهر له و أنكشف ) عند الموت من أمره ، و يزهد
فيما كان يرغب فيه أيّام عمره ، و يتمنّى أنّ الّذي كان يغبطه بها و يحسده عليها
قد حازها دونه فلم يزل الموت يبالغ في جسده حتّى خالط لسانه سمعه . فصار بين
أهله لا ينطق بلسانه ، و لا يسمع بسمعه . يردّد طرفه بالنّظر في وجوههم . يرى
حركات ألسنتهم ، و لا يسمع رجع كلامهم . ثمّ ازداد الموت التياطا به ، فقبض بصره
كما قبض سمعه ، و خرجت الرّوح من جسده ، فصار جيفة بين أهله . قد أوحشوا من
جانبه ، و تباعدوا من قربه . لا يسعد باكيا ، و لا يجيب داعيا . ثمّ حملوه إلى
مخطّ في الأرض ، فأسلموه فيه إلى عمله ، و انقطعوا عن زورته . ( الخطبة 107 ، 210 ) و قال
( ع ) عن صفة الموتى : حملوا إلى
قبورهم فلا يدعون ركبانا ، و أنزلوا الأجداث فلا يدعون ضيفانا . و جعل لهم من
الصّفيح أجنان ، و من التّراب أكفان ، و من الرّفات جيران . فهم جيرة لا يجيبون
داعيا ، و لا يمنعون ضيما ، و لا يبالون مندبة . إن جيدوا ( أي أصابهم المطر ) لم يفرحوا ، و إن قحطوا لم يقنطوا
. جميع و هم آحاد ، و جيرة و هم أبعاد . متدانون لا يتزاورون ، و قريبون لا
يتقاربون . حلماء قد ذهبت أضغانهم ، و جهلاء قد ماتت أحقادهم . لا يخشى فجعهم ،
و لا يرجى دفعهم . استبدلوا بظهر الأرض بطنا ، و بالسّعة ضيقا . و بالأهل غربة ،
و بالنّور ظلمة . فجاؤوها كما فارقوها ، حفاة عراة . و أسمعوا دعوة
الموت آذانكم قبل أن يدعى بكم . ( الخطبة 111 ، 218 ) ثمّ إنّ الدّنيا
دار فناء و عناء ، و غير و عبر ، فمن الفناء أنّ الدّهر موتر قوسه ، لا تخطى ء
سهامه ، و لا تؤسى جراحه . يرمي الحيّ بالموت ، و الصّحيح بالسّقم ، و النّاجي
بالعطب . ( الخطبة 112 ، 220 ) فسبحان اللّه ،
ما أقرب الحيّ من الميّت للحاقه به ، و أبعد الميّت من الحيّ لانقطاعه عنه . ( الخطبة 112 ، 221 ) إنّ الموت طالب حثيث ، لا يفوته المقيم ، و لا يعجزه
الهارب . إنّ أكرم الموت القتل . و الّذي نفس ابن أبي طالب بيده ، لألف ضربة
بالسّيف أهون عليّ من ميتة على الفراش ، في غير طاعة اللّه . ( الخطبة 121 ، 232 ) فإنّه و اللّه
الجدّ لا اللّعب ، و الحقّ لا الكذب . و ما هو إلاّ الموت ، أسمع داعيه ، و أعجل
حاديه . فلا يغرّنّك سواد النّاس من نفسك . فقد رأيت من كان قبلك ممّن جمع المال
، و حذر الإقلال ، و أمن العواقب طول أمل و استبعاد أجل كيف نزل به الموت فأزعجه
عن وطنه ، و أخذه من مأمنه . محمولا على أعواد المنايا . يتعاطى به الرّجال
الرّجال ، حملا على المناكب و إمساكا بالأنامل . (
الخطبة 130 ، 243 ) و قال
( ع ) قبيل وفاته يصور حاله بعد وفاته : ليعظكم هدوّي و خفوت إطراقي و سكون أطرافي ، فإنّه أوعظ للمعتبرين من
المنطق البليغ و القول المسموع . ( الخطبة 147 ، 262 ) و بالإيمان يعمر العلم ، و بالعلم يرهب الموت ، و بالموت
تختم الدّنيا ، و بالدّنيا تحرز الآخرة . ( الخطبة 154
، 274 ) يذهب اليوم بما
فيه ، و يجي ء الغد لاحقا به . فكأنّ كلّ امرى ء منكم قد بلغ من الأرض منزل
وحدته ، و مخطّ حفرته : فيا له من بيت وحدة ، و منزل وحشة ، و مفرد غربة . و
كأنّ الصّيحة قد أتتكم ، و السّاعة قد غشيتكم . و برزتم لفصل القضاء . و أوصيكم بذكر
الموت و إقلال الغفلة عنه . و كيف غفلتكم عمّا ليس يغفلكم ، و طمعكم فيمن ليس
يمهلكم . فكفى واعظا بموتى عاينتموهم . حملوا إلى قبورهم غير راكبين ، و أنزلوا
فيها غير نازلين . فكأنّهم لم يكونوا للدّنيا عمّارا ، و كأنّ الآخرة لم تزل لهم
دارا . أوحشوا ما كانوا يوطنون ، و أوطنوا ما كانوا يوحشون . و اشتغلوا بما
فارقوا ، و أضاعوا ما إليه انتقلوا . لا عن قبيح يستطيعون انتقالا ، و لا في حسن
يستطيعون ازديادا . و بادروا الموت و
غمراته . و امهدوا له قبل حلوله ، و أعدّوا له قبل نزوله . فإنّ الغاية القيامة
. و كفى بذلك واعظا لمن عقل ، و معتبرا لمن جهل . و قبل بلوغ الغاية ما تعلمون
من ضيق الأرماس ، و شدّة الإبلاس . و هول المطّلع ، و روعات الفزع . و اختلاف
الأضلاع ، و إستكاك الأسماع . و ظلمة اللّحد ، و خيفة الوعد . و غمّ الضّريح ، و
ردم الصّفيح . ( الخطبة 188 ، 351 ) و اعلموا أنّ
ملاحظ المنيّة نحوكم دانية ، و كأنّكم بمخالبها و قد نشبت فيكم ، و قد دهمتكم
فيها مفظعات الأمور ، و معضلات المحذور . فقطّعوا علائق الدّنيا و استظهروا بزاد
التّقوى . الخطبة 202 ، 397 ) أولئكم سلف غايتكم و فرّاط مناهلكم . الّذين كانت لهم
مقاوم العزّ و حلبات الفخر ،ملوكا و سوقا . سلكوا في بطون البرزخ سبيلا . سلّطت
الأرض عليهم فيه ، فأكلت من لحومهم ، و شربت من دمائهم . فأصبحوا في فجوات
قبورهم جمادا لا ينمون ، و ضمارا لا يوجدون . لا يفزعهم ورود الأهوال ، و لا
يحزنهم تنكّر الأحوال . و لا يحفلون بالرّواجف و لا يأذنون ( أي يستمعون ) للقواصف . غيّبا لا ينتظرون ، و شهودا
لا يحضرون . و إنّما كانوا جميعا فتشتّتوا ، و آلافا فافترقوا . و ما عن طول
عهدهم و لا بعد محلّهم عميت أخبارهم ، و صمّت ديارهم ، و لكنّهم سقوا كأسا
بدّلتهم بالنّطق خرسا ، و بالسّمع صمما ، و بالحركات سكونا . فكأنّهم في ارتجال
الصّفة صرعى سبات . جيران لا يتأنّسون ، و أحبّاء لا يتزاورون . بليت بينهم عرى
التّعارف . و انقطعت منهم أسباب الإخاء . فكلّهم وحيد و هم جميع . و بجانب الهجر
و هم أخلاّء . لا يتعارفون لليل صباحا ، و لا لنهار مساء . أيّ الجديدين
ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا . شاهدوا من أخطار دارهم أفظع ممّا خافوا ، و رأوا من
آياتها أعظم ممّا قدّروا ، فكلتا الغايتين مدّت لهم إلى مباءة ، فأتت مبالغ
الخوف و الرّجاء . فلو كانوا ينطقون بها لعيّوا بصفة ما شاهدوا و ما عاينوا . و
لئن عميت آثارهم ، و انقطعت أخبارهم . لقد رجعت فيهم أبصار العبر ، و سمعت عنهم
آذان العقول . و تكلّموا من غير جهات النّطق . فقالوا : كلحت الوجوه النّواضر ،
و خوت الأجسام النّواعم . و لبسنا أهدام البلى ، و تكاءدنا ( أي شقّ علينا ) ضيق المضجع ، و توارثنا الوحشة ، و
تهكّمت علينا الرّبوع الصّموت . فانمحت محاسن أجسادنا ، و تنكّرت معارف صورنا ،
و طالت في مساكن الوحشة إقامتنا . ( الخطبة 219 ، 416 ) فكم أكلت الأرض
من عزيز جسد ، و أنيق لون . كان في الدّنيا غذيّ ترف ، و ربيب شرف . يتعلّل
بالسّرور في ساعة حزنه ، و يفزع إلى السّلوة إن مصيبة نزلت به . ضنّا بغضارة
عيشه ( أي بخلا بطيب عيشه ) ، و شحاحة بلهوه و
لعبه ؟ فبينا هو يضحك إلى الدّنيا و تضحك إليه ، في ظلّ عيش غفول ، إذ وطى ء
الدّهر به حسكه ، و نقضت الأيّام قواه ، و نظرت إليه الحتوف من كثب . فخالطه بثّ
لا يعرفه ، و نجيّ همّ ما كان يجده . . . . أصبحت أصواتهم هامدة ، و رياحهم راكدة ، و أجسادهم بالية
، و ديارهم خالية ، و آثارهم عافية ( أي مندرسة )
. فاستبدلوا بالقصور المشيّدة ، و النّمارق ( الوسائد )
الممهّدة ، الصّخور و الأحجار المسنّدة ، و القبور اللاّطئة الملحدة . الّتي قد
بني على الخراب فناؤها ، و شيّد بالتّراب بناؤها . فمحلّها مقترب ، و ساكنها
مغترب . بين أهل محلّة موحشين ، و أهل فراغ متشاغلين . لا يستأنسون بالأوطان ، و
لا يتواصلون تواصل الجيران ، على ما بينهم من قرب الجوار و دنوّ الدّار . و كيف
يكون بينهم تزاور ، و قد طحنهم بكلكله البلى ، و أكلتهم الجنادل و الثّرى و كأن
قد صرتم إلى ما صاروا إليه ، و ارتهنكم ذلك المضجع ، و ضمّكم ذلك المستودع .
فكيف بكم لو تناهت بكم الأمور ، و بعثرت القبور هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ
مَا أَسْلَفَتْ ، وَ رُدُّوا إلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الحَقِّ ، وَ ضَلَّ عَنْهُمْ
مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ . ( الخطبة 224 ، 428 ) . . . فإنّ الموت هادم لذّاتكم ، و مكدّر شهواتكم ، و مباعد
طيّاتكم . زائر غير محبوب و قرن غير مغلوب ، و واتر غير مطلوب . قد أعلقتكم
حبائله ، و تكنّفتكم غوائله ، و أقصدتكم معابله ( جمع
معبلة و هي النصل الطويل العريض . و أقصده : رماه بسهم فقتله ) . و عظمت
فيكم سطوته . و تتابعت عليكم عدوته ، و قلّت عنكم نبوته ( هو الخطأ في الرمي ) . فيوشك أن تغشاكم دواجي ظلله ، و احتدام
علله . و حنادس غمراته ، و غواشي سكراته . و أليم إزهاقه ، و دجوّ إطباقه ، و
جشوبة مذاقه . فكأن قد أتاكم بغتة فأسكت نجيّكم ، و فرّق نديّكم ( أي جماعتكم ) . و عفّى آثاركم ، و عطّل دياركم . . . . فاحذروا عباد اللّه الموت و قربه ، و أعدّوا له عدّته .
فإنّه يأتي بأمر عظيم و خطب جليل . بخير لا يكون معه شرّ أبدا ، أو شرّ لا يكون
معه خير أبدا . فمن أقرب إلى الجنّة من عاملها و من أقرب إلى النّار من عاملها .
و أنتم طرداء الموت . إن أقمتم له أخذكم ، و إن فررتم منه أدرككم ، و هو ألزم
لكم من ظلّكم . الموت معقود بنواصيكم ، و الدّنيا تطوى من خلفكم . فاحذروا نارا . . . ( الخطبة 266 ، 465 ) و قال ( ع ) في وصيته لابنه الحسن ( ع ) : فتفهّم يا
بنيّ وصيّتي ، و اعلم أنّ مالك الموت هو مالك الحياة ، و أنّ الخالق هو المميت ،
و أنّ المفني هو المعيد ، و أنّ المبتلي هو المعافي . (
الخطبة 270 ، 2 ، 478 ) و قال ( ع ) : و اعلم يا بنيّ . . . أنّك طريد الموت الّذي لا ينجو منه هاربه ، و لا يفوته طالبه
، و لا بدّ أنّه مدركه . فكن منه على حذر أن يدركك و أنت على حال سيّئة ، قد كنت
تحدّث نفسك منها بالتّوبة ، فيحول بينك و بين ذلك ، فإذا أنت قد أهلكت نفسك . ( الخطبة 270 ، 3 ، 483 ) ثم قال
( ع ) : يا بنيّ أكثر من ذكر الموت ، و ذكر ما تهجم عليه ، و
تفضي بعد الموت إليه . فكأنّك قد بلغت
المدى ، و دفنت تحت الثّرى ، و عرضت عليك أعمالك بالمحلّ الّذي ينادي الظّالم
فيه بالحسرة ، و يتمنّى المضيّع فيه الرّجعة ، و لات حين مناص . ( الخطبة 280 ، 499 ) و قال
( ع ) في كتابه لعثمان بن حنيف الأنصاري : و ما أصنع بفدك و غير فدك ، و النّفس مظانّها في غد جدث ، تنقطع في ظلمته
آثارها و تغيب أخبارها . و حفرة لو زيد في فسحتها ، و أوسعت يدا حافرها ،
لأضغطها الحجر و المدر ، و سدّ فرجها التّراب المتراكم . ( الخطبة 284 ، 506 ) و من
كتاب له ( ع ) الى الحارث الهمذاني : . . . و أكثر ذكر الموت و ما بعد الموت ، و
لا تتمنّ الموت إلاّ بشرط وثيق ( أي لا تخاطر بنفسك
إلاّ اذا علمت أن الغاية أشرف من بذل الروح ) . (
الخطبة 308 ، 556 ) نفس المرء خطاه
إلى أجله . ( 74 ح ، 577 ) و تبع
( ع ) جنازة فسمع رجلا يضحك ، فقال : كأنّ الموت فيها على غيرنا كتب . و كأنّ الحقّ فيها على غيرنا وجب . و كأنّ
الّذي نرى من الأموات سفر عمّا قليل إلينا راجعون نبوّئهم أجداثهم ، و نأكل
تراثهم . كأنّا مخلّدون بعدهم . ثمّ قد نسينا كلّ واعظ و واعظة ، و رمينا بكلّ
جائحة ( أي آفة ) . ( 122 ح ، 587 ) . . . و عجبت لمن نسي الموت و هو يرى الموتى . ( 216 ح ، 589 ) و قال
( ع ) و قد رجع من صفين ، فأشرف على القبور بظاهر الكوفة : يا أهل الدّيار الموحشة ، و المحالّ المقفرة ، و القبور
المظلمة . يا أهل التّربة ، يا أهل الغربة . يا أهل الوحدة ، يا أهل الوحشة .
أنتم لنا فرط ( أي متقدّمون ) سابق ، و نحن لكم
تبع لاحق . أمّا الدّور فقد سكنت ، و أمّا الأزواج فقد نكحت ، و أمّا الأموال
فقد قسمت . هذا خبر ما عندنا ، فما خبر ما عندكم ؟ ثم التفت الى أصحابه ( ع ) فقال : أما لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم : أنّ خير الزّاد
التّقوى . 130 ح ، 589 ) لو رأى العبد الأجل و مصيره ، لأبغض الأمل و غروره . ( 334 ح ، 633 ) و من أكثر من ذكر
الموت رضي من الدّنيا باليسير . ( 349 ح ، 636 ) |
|
( 376 ) مواعظ متعددة الأغراض
|
|
قال الامام علي ( ع ) : يا أيّها النّاس
، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب النّاس . و طوبى لمن لزم بيته ، و أكل قوته ، و
اشتغل بطاعة ربّه ، و بكى على خطيئته . فكان من نفسه في شغل ، و النّاس منه في
راحة . ( الخطبة 174 ، 317 ) و من وصية له ( ع ) لابنه الحسن ( ع ) كتبها إليه بحاضرين عند
انصرافه من صفين : أحي قلبك بالموعظة ، و أمته بالزّهادة ، و قوّة
باليقين . و نوّره بالحكمة ، و ذلّله بذكر الموت ، و قرّره بالفناء . و بصّره
فجائع الدّنيا ، و حذّره صولة الدّهر ، و فحش تقلّب اللّيالي و الأيّام . . . فأصلح مثواك ، و لا تبع آخرتك بدنياك . و دع
القول فيما لا تعرف ، و الخطاب فيما لم تكلّف . و أمسك عن طريق إذا خفت ضلالته ،
فإنّ الكفّ عند حيرة الضّلال خير من ركوب الأهوال . و أمر بالمعروف تكن من أهله
، و أنكر المنكر بيدك و لسانك ، و باين من فعله بجهدك . و جاهد في اللّه حقّ
جهاده ، و لا تأخذك في اللّه لومة لائم . و خض الغمرات للحقّ حيث كان . و تفقّه
في الدّين . و عوّد نفسك التّصبّر على المكروه ، و نعم الخلق التّصبّر في الحقّ
. و ألجى نفسك في أمورك كلّها إلى إلهك ، فإنّك تلجئها إلى كهف حريز و مانع عزيز
. و أخلص في المسألة لربّك ، فإنّ بيده العطاء و الحرمان ، و أكثر الإستخارة ( أي إجالة الرأي في الأمر لاختيار أفضل الوجوه ) . و
تفهّم وصيّتي ، لا تذهبنّ عنك صفحا . فإنّ خير القول ما نفع . و اعلم أنّه لا
خير في علم لا ينفع ، و لا ينتفع بعلم لا يحقّ تعلّمه . ( الخطبة 270 ، 1 ، 475 ) . . . و أكرم نفسك عن كلّ دنيّة و إن ساقتك إلى الرّغائب ،
فإنّك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا . و لا تكن عبد غيرك و قد جعلك اللّه حرّا
. و ما خير خير لا ينال إلاّ بشرّ ، و يسر لا ينال إلاّ بعسر . و إيّاك أن توجف
بك مطايا الطّمع ، فتوردك مناهل الهلكة . و تلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك
. و حفظ ما في الوعاء بشدّ الوكاء ( الوكاء : رباط
القربة ) . و حفظ ما في يديك أحبّ إليّ من طلب ما في يدي غيرك . و مرارة
اليأس خير من الطّلب إلى النّاس . و الحرفة مع العفّة خير من الغنى مع الفجور .
و المرء أحفظ لسرّه . و ربّ ساع فيما يضرّه من أكثر أهجر ، و من تفكّر أبصر .
قارن أهل الخير تكن منهم ، و باين أهل الشّرّ تبن عنهم . بئس الطّعام الحرام و
ظلم الضّعيف أفحش الظّلم . إذا كان الرّفق خرقا كان الخرق ( أي العنف ) رفقا . ربّما كان الدّواء داء ، و الدّاء
دواء . و ربّما نصح غير النّاصح ، و غشّ المستنصح . و إيّاك و الإتّكال على
المنى فإنّها بضائع النوكى ( و في رواية : النوكى ، جمع
أنوك و هو الأحمق ) . و العقل حفظ التّجارب ، و خير ما جرّبت ما وعظك .
بادر الفرصة قبل أن تكون غصّة . ليس كلّ طالب يصيب ، و لا كلّ غائب يؤوب . و من
الفساد إضاعة الزّاد ، و مفسدة المعاد . و لكلّ أمر عاقبة ، سوف يأتيك ما قدّر لك
. التّاجر مخاطر . و ربّ يسير أنمى من كثير لا خير في معين مهين ، و لا في صديق
ظنين . و اعلم يا بنيّ أنّ الرّزق رزقان : رزق تطلبه ، و رزق
يطلبك ، فإن أنت لم تأته أتاك . و الصّاحب مناسب . و الصّديق من صدق غيبه . و الهوى شريك
العمى . و ربّ بعيد أقرب من قريب ، و قريب أبعد من بعيد . و الغريب من لم يكن له
حبيب . من تعدّى الحقّ ضاق مذهبه ، و من اقتصر على قدره كان أبقى له . و أوثق
سبب أخذت به سبب بينك و بين اللّه سبحانه . و من لم يبالك ( أي يهتم بك ) فهو عدوّك . قد يكون اليأس إدراكا ،
إذا كان الطّمع هلاكا . ليس كلّ عورة تظهر ، و لا كلّ فرصة تصاب . و ربّما أخطأ
البصير قصده ، و أصاب الأعمى رشده . أخّر الشّرّ فإنّك إذا شئت تعجّلته . و
قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل . من أمن الزّمان خانه ، و من أعظمه أهانه . ليس
كلّ من رمى أصاب . إذا تغيّر السّلطان تغيّر الزّمان . سل عن الرّفيق قبل
الطّريق ، و عن الجار قبل الدّار . إيّاك أن تذكر من الكلام ما يكون مضحكا ، و
إن حكيت ذلك عن غيرك . ( الخطبة 270 ، 4 ، 488 ) و من
كتاب له ( ع ) الى الحارث الهمذاني : و تمسّك بحبل القرآن و استنصحه ، و أحلّ حلاله ، و حرّم حرامه . و صدّق بما
سلف من الحقّ ، و اعتبر بما مضى من الدّنيا ما بقي منها ، فإنّ بعضها يشبه بعضا
، و آخرها لاحق بأوّلها . و كلّها حائل مفارق . و عظّم اسم اللّه أن تذكره إلاّ
على حقّ . و أكثر ذكر الموت و ما بعد الموت ، و لا تتمنّ الموت إلاّ بشرط وثيق .
و احذر كلّ عمل يرضاه صاحبه لنفسه و يكره لعامّة المسلمين . و احذر كلّ عمل يعمل
به في السّرّ ، و يستحى منه في العلانيّة . و احذر كلّ عمل إذا سئل عنه صاحبه
أنكره أو اعتذر منه . و لا تجعل عرضك غرضا لنبال القول . و لا تحدّث النّاس بكلّ
ما سمعت به ، فكفى بذلك كذبا . و لا تردّ على النّاس كلّ ما حدّثوك به ، فكفى بذلك
جهلا . و اكظم الغيظ ، و تجاوز عند المقدرة . و احلم عند الغضب ، و اصفح مع
الدّولة ( أي السلطة ) ، تكن لك العاقبة . و
استصلح كلّ نعمة أنعمها اللّه عليك ، و لا تضيّعنّ نعمة من نعم اللّه عندك . و
لير عليك أثر ما أنعم اللّه به عليك . و قال ( ع ) : أوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الإبل لكانت
لذلك أهلا : لا يرجونّ أحد منكم إلاّ ربّه ، و لا يخافنّ إلاّ ذنبه . و
لا يستحينّ أحد منكم إذا سئل عمّا لا يعلم أن يقول لا أعلم ، و لا يستحينّ أحد
إذا لم يعلم الشّي ء أن يتعلّمه . و عليكم بالصّبر فإنّ الصّبر من الإيمان
كالرّأس من الجسد ، و لا خير في جسد لا رأس معه ، و لا في إيمان لا صبر معه . ( 82 ح ، 579 ) لا مال أعود من
العقل ، و لا وحدة أوحش من العجب ، و لا عقل كالتّدبير ، و لا كرم كالتّقوى ، و
لا قرين كحسن الخلق ، و لا ميراث كالأدب ، و لا قائد كالتّوفيق ، و لا تجارة
كالعمل الصّالح ، و لا ربح كالثّواب ، و لا ورع كالوقوف عند الشّبهة ، و لا زهد
كالزّهد في الحرام ، و لا علم كالتّفكّر ، و لا عبادة كأداء الفرائض ، و لا
إيمان كالحياء و الصّبر ، و لا حسب كالتّواضع ، و لا شرف كالعلم ، و لا عزّ
كالحلم ، و لا مظاهرة أوثق من المشاورة . ( 113 ح ، 586
) طوبى لمن ذلّ في
نفسه ، و طاب كسبه ، و صلحت سريرته ، و حسنت خليقته ، و أنفق الفضل من ماله ، و
أمسك الفضل من لسانه ، و عزل عن النّاس شرّه ، و وسعته السّنّة ، و لم ينسب إلى
البدعة . 123 ح ، 588 ) الجود حارس
الأعراض ، و الحلم فدام السّفيه ، و العفو زكاة الظّفر ، و السّلوّ عوضك ممّن
غدر ، و الإستشارة عين الهداية . و قد خاطر من استغنى برأيه ، و الصّبر يناضل
الحدثان ، و الجزع من أعوان الزّمان . و أشرف الغنى ترك المنى . و كم من عقل
أسير تحت هوى أمير . و من التّوفيق حفظ التّجربة . و المودّة قرابة مستفادة ، و
لا تأمننّ ملولا . ( 211 ح ، 605 ) بكثرة الصّمت
تكون الهيبة ، و بالنّصفة يكثر المواصلون ، و بالإفضال تعظم الأقدار ، و
بالتّواضع تتمّ النّعمة ، و باحتمال المؤن يجب السّؤدد ، و بالسّيرة العادلة
يقهر المناوئ ، و بالحلم عن السّفيه تكثر الأنصار عليه . ( 224 ح ، 606 ) من نظر في عيب
نفسه اشتغل عن عيب غيره ، و من رضي برزق اللّه لم يحزن على ما فاته ، و من سلّ
سيف البغي قتل به ، و من كابد الأمور عطب ، و من اقتحم اللّجج غرق ، و من دخل
مداخل السّوء اتّهم . و من كثر كلامه كثر خطؤه ، و من كثر خطؤه قلّ حياؤه ، و من
قلّ حياؤه قلّ ورعه ، و من قلّ ورعه مات قلبه ، و من مات قلبه دخل النار و من
نظر في عيوب النّاس فأنكرها ، ثمّ رضيها لنفسه ، فذلك الأحمق بعينه . و القناعة
مال لا ينفد . و من أكثر من ذكر الموت رضي من الدّنيا باليسير ، و من علم أنّ
كلامه من عمله قلّ كلامه إلاّ فيما يعنيه . ( 349 ح ،
635 ) لا شرف أعلى من
الإسلام ، و لا عزّ أعزّ من التّقوى ، و لا معقل أحسن من الورع ، و لا شفيع أنجح
من التّوبة ، و لا كنز أغنى من القناعة ، و لا مال أذهب للفاقة من الرّضى بالقوت
. |
|
الفصل الثامن و الأربعون العمل للآخرة
|
|
( 373 ) هل الدنيا و الآخرة ضرّتان ؟
|
|
مدخل : |
|
اذا كان العمل في الدنيا للدنيا كانت الدنيا عدوة للآخرة ،
و أمّا إذا كان العمل فيها للآخرة كانت حسنة و محمودة . و الناس في الدنيا
يعملون وفق ثلاثة خطوط : |
|
النصّ : |
|
قال الامام علي ( ع ) : |
|
( 374 ) الدنيا و الآخرة العمل و التزوّد و
الاستعداد للآخرة سرعة نفاد العمر
|
|
مدخل : |
|
لحياة الانسان جانبان : جانب مادي و جانب روحي ، و الجانب المادي هو « الحياة
الدنيا » . و الدنيا شأن جميع الأشياء المادية ، و إن أعجبتنا بمظاهرها الخلاّبة
، فانّ نهايتها الى الفناء و الزوال . و ما أشبه هذه الدنيا بالنبات و حبّاته ،
فاذا نزل عليها المطر و اختلط بترابها ، نمت و كبرت و ازدهت و ازدهرت ، بأصناف
الألوان و الأزهار ، و الاكمام و الثمار . ثمّ لا تلبث أن تجف و تصفرّ ، فتأتيها
الرياح فتحطمها و تنفثها في الفضاء ، فتنتثر و تندثر و كأنها لم تكن . و هذا مؤدّى قول الامام ( ع ) في صفة المتّقين : « شاركوا أهل الدّنيا في دنياهم ، و لم يشاركهم أهل الدّنيا
في آخرتهم » . يراجع المبحث ( 37 ) الدنيا دار
ابتلاء و اختبار . |
|
النصوص : |
|
من خطبة له ( ع ) يقسم الناس فيها الى ثلاثة
أقسام بحسب عملهم : شغل من الجنّة و
النّار أمامه . ساع سريع نجا ( القسم الأول : و هو
الملتزم بالشريعة كليّا ، لا تشغله فرائضها عن نوافلها ) ، و طالب بطي ء
رجا ( القسم الثاني : و هو المتجاذب بين الخير و الشر ،
يكتفي بأداء الفرائض راجيا المغفرة ) ، و مقصّر في النّار هوى ( القسم الثالث : و هو المقصر الذي لا تنهاه صلاته عن الفحشاء
) . اليمين و الشّمال مضلّة ( أي القسم الثاني و
الثالث ) و الطّريق الوسطى هي الجادّة ( أي
القسم الأول ) ، عليها باقي الكتاب ، و آثار النّبوّة ، و منها منفذ
السّنّة ، و إليها مصير العاقبة . ( الخطبة 16 ، 57 ) فإنّ الغاية
أمامكم ، و إنّ وراءكم السّاعة تحدوكم . تخفّفوا تلحقوا . فإنّما ينتظر بأوّلكم
آخركم . ( الخطبة 21 ، 65 ) و إنّ المال و
البنين حرث الدّنيا ، و العمل الصّالح حرث الآخرة ، و قد يجمعهما اللّه تعالى
لأقوام . فاحذروا من اللّه ما حذّركم من نفسه ، و اخشوه خشية ليست بتعذير . أمّا بعد ، فإنّ
الدّنيا قد أدبرت ، و آذنت بوداع . و إنّ الآخرة قد أقبلت ، و أشرفت باطّلاع . ( الخطبة 28 ، 78 ) ألا عامل لنفسه
قبل يوم بؤسه . ألا و إنّكم في أيّام أمل ، من ورائه أجل ، فمن عمل في أيّام
أمله قبل حضور أجله ، فقد نفعه عمله ، و لم يضرره أجله . و من قصّر في أيّام
أمله قبل حضور أجله ، فقد خسر عمله ، و ضرّه أجله . ألا فاعملوا في الرّغبة كما
تعملون في الرّهبة . ألا و إنّي لم أر كالجنّة نام طالبها ، و لا كالنّار نام
هاربها . . . ألا و إنّكم قد أمرتم بالظّعن ، و
دللتم على الزّاد ، و إنّ أخوف ما أخاف عليكم : اتّباع الهوى ، و طول الأمل . فتزوّدوا في الدّنيا من الدّنيا ، ما تحرزون به أنفسكم
غدا . ( الخطبة 28 ، 79 ) و منهم من يطلب الدّنيا بعمل الآخرة ، و لا يطلب الآخرة
بعمل الدّنيا . ( الخطبة 32 ، 86 ) ألا و إنّ
الدّنيا قد ولّت حذّاء ، فلم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء اصطبّها صابّها
. و موتات الدّنيا أهون
عليّ من موتات الآخرة . ( الخطبة 54 ، 111 ) ألا و إنّ الدّنيا دار . . .
ابتلي النّاس بها فتنة ، فما أخذوه منها لها ، أخرجوا منه و حوسبوا عليه ، و ما
أخذوه منها لغيرها قدموا عليه و أقاموا فيه . ( الخطبة
61 ، 116 ) فاتّقوا اللّه
عباد اللّه ، و بادروا آجالكم بأعمالكم ، و ابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم ،
و ترحّلوا فقد جدّبكم ، و استعدّوا للموت فقد أظلّكم ، و كونوا قوما صيح بهم
فانتبهوا ، و علموا أنّ الدّنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا ، فإنّ اللّه سبحانه لم
يخلقكم عبثا ، و لم يترككم سدى ، و ما بين أحدكم و بين الجنّة أو النّار إلاّ
الموت أن ينزل به . رحم اللّه امرءا سمع حكما فوعى ، و دعي إلى رشاد فدنا ، و
أخذ بحجزة هاد فنجا . راقب ربّه ، و خاف ذنبه . قدّم خالصا ، و عمل صالحا .
اكتسب مذخورا ، و اجتنب محذورا ، و رمى غرضا ، و أحرز عوضا . كابر هواه ، و كذّب
مناه . جعل الصّبر مطيّة نجاته ، و التّقوى عدّة وفاته . ركب الطّريقة الغرّاء ،
و لزم المحجّة البيضاء . اغتنم المهل ، و بادر الأجل ، و تزوّد من العمل . ( الخطبة 74 ، 130 ) فاتّقوا اللّه
تقيّة من . . . عمّر معادا ، و استظهر زادا ،
ليوم رحيله و وجه سبيله ، و حال حاجته ، و موطن فاقته ، و قدّم أمامه لدار مقامه
فاتّقوا اللّه . . . و استحقّوا منه ما أعدّ لكم
بالتّنجّز لصدق ميعاده ، و الحذر من هول معاده . (
الخطبة 81 ، 2 ، 141 ) لم يمهدوا في
سلامة الأبدان . ( الخطبة 81 ، 2 ، 142 ) . . . و قدّم زاد الآجلة سعيدا ، و بادر من وجل ، و أكمش في
مهل ، و رغب في طلب ، و ذهب عن هرب ، و راقب في يومه غده ، و نظر قدما أمامه . ( الخطبة 81 ، 2 ، 145 ) كادحا سعيا
لدنياه . . . لم يفد عوضا ، و لم يقض مفترضا . ( الخطبة 81 ، 3 ، 146 ) فليعمل العامل منكم في أيّام مهله ، قبل إرهاق أجله ، و
في فراغه قبل أو ان شغله ، و في متنفّسه قبل أن يؤخذ بكظمه ، و ليمهّد لنفسه و
قدمه ، و ليتزوّد من دار ظعنه لدار إقامته . ( الخطبة
84 ، 151 ) و أعدّ القرى
ليومه النّازل به ، فقرّب على نفسه البعيد و هوّن الشّديد . ( الخطبة 85 ، 153 ) عباد اللّه ،
زنوا أنفسكم من قبل أن توزنوا ، و حاسبوها من قبل أن تحاسبوا ، و تنفّسوا قبل
ضيق الخناق ، و انقادوا قبل عنف السّياق . ( الخطبة 88
، 160 ) اعملوا ، رحمكم
اللّه ، على أعلام بيّنة ، فالطّريق نهج ( أي واضح قويم
) يدعو إلى دار السّلام ، و أنتم في دار مستعتب على مهل و فراغ ، و
الصّحف منشورة ، و الأقلام جارية ،و الأبدان صحيحة ، و الألسن مطلقة ، و التّوبة
مسموعة ، و الأعمال مقبولة . الخطبة 92 ، 186 ) إن دعي إلى حرث
الدّنيا عمل ، و إن دعي إلى حرث الآخرة كسل . ( الخطبة
101 ، 197 ) اجعلوا ما افترض
اللّه عليكم من طلبكم ، و اسألوه من أداء حقّه ما سألكم . ( الخطبة 111 ، 218 ) و كلّ شي ء من
الدّنيا سماعه أعظم من عيانه ، و كلّ شي ء من الآخرة عيانه أعظم من سماعه .
فليكفكم من العيان السّماع ، و من الغيب الخبر . و اعلموا أنّ ما نقص من الدّنيا
و زاد في الآخرة خير ممّا نقص من الآخرة و زاد في الدّنيا . فكم من منقوص رابح و
مزيد خاسر . ( الخطبة 112
، 221 ) قد تكفّل لكم
بالرّزق و أمرتم بالعمل ، فلا يكوننّ المضمون لكم طلبه أولى بكم من المفروض
عليكم عمله ، مع أنّه و اللّه لقد اعترض الشّكّ و دخل اليقين ، حتّى كأنّ الّذي
ضمن لكم قد فرض عليكم ، و كأنّ الّذي قد فرض عليكم قد وضع عنكم . فبادروا العمل
، و خافوا بغتة الأجل ، فإنّه لا يرجى من رجعة العمر ما يرجى من رجعة الرّزق . اعملوا ليوم تذخر
له الذّخائر ، و تبلى فيه السّرائر . ( الخطبة 118 ،
228 ) أجل منقوص ، و عمل محفوظ . فربّ دائب مضيّع ، و ربّ كادح
خاسر . ( الخطبة 127 ، 240 ) فمن أشعر التّقوى
قلبه ، برّز مهله و فاز عمله . فاهتبلوا هبلها ، و اعملوا للجنّة عملها . فإنّ
الدّنيا لم تخلق لكم دار مقام ، بل خلقت لكم مجازا لتزوّدوا منها الأعمال إلى
دار القرار . فكونوا منها على أوفاز ( أي على استعجال )
، و قرّبوا الظّهور للزّيال . ( الخطبة 130 ، 244 ) و من خطبة له ( ع ) يقول فيها : و إنّما الدّنيا منتهى
بصر الأعمى ، لا يبصر ممّا وراءها شيئا ، و البصير ينفذها بصره ، و يعلم أنّ
الدّار وراءها . فالبصير منها شاخص ، و الأعمى إليها شاخص . و البصير منها
متزوّد ، و الأعمى لها متزوّد . . . . و اذكر قبرك ، فإنّ عليه ممرّك ، و كما تدين تدان ، و
كما تزرع تحصد . و ما قدّمت اليوم تقدم عليه غدا . فامهد لقدمك ، و قدّم ليومك .
( الخطبة 151 ، 269 ) فتزوّدوا في
أيّام الفناء لأيّام البقاء . فقد دللتم على الزّاد و أمرتم بالظّعن ( أي السفر ) . و حثثتم على المسير . فإنّما أنتم كركب
وقوف ، لا يدرون متى يؤمرون بالسّير . ( الخطبة 155 ،
277 ) عباد اللّه ،
احذروا يوما تفحص فيه الأعمال ، و يكثر فيه الزّلزال ، و تشيب فيه الأطفال . ( الخطبة 155 ، 277 ) بادروا أمر
العامّة ، و خاصّة أحدكم و هو الموت . فإنّ النّاس أمامكم ، و إنّ السّاعة
تحدوكم من خلفكم ، تخفّفوا تلحقوا . فإنّما ينتظر بأوّلكم آخركم . ( الخطبة 165 ، 301 ) و سابقوا فيها
إلى الدّار الّتي دعيتم إليها ، و انصرفوا بقلوبكم عنها . . . ألا و إنّه لا يضرّكم تضييع شي ء من دنياكم بعد حفظكم قائمة
دينكم . ألا و إنّه لا ينفعكم بعد تضييع دينكم شي ء حافظتم عليه من أمر دنياكم .
الخطبة 171 ، 309 ) و اعلموا عباد
اللّه أنّ المؤمن لا يصبح و لا يمسي إلاّ و نفسه ظنون عنده . فلا يزال زاريا
عليها و مستزيدا لها ( أي المؤمن يظن في نفسه دائما
النقص و التقصير في الطاعة ) . فكونوا كالسّابقين قبلكم ، و الماضين
أمامكم . قوّضوا من الدّنيا تقويض الرّاحل ، و طوؤها طيّ المنازل . ( الخطبة 174 ، 312 ) العمل العمل ،
ثمّ النّهاية النّهاية ، و الإستقامة الإستقامة ، ثمّ الصّبر الصّبر ، و الورع
الورع إنّ لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم . و إنّ لكم علما ( يقصد به القرآن ) فاهتدوا بعلمكم . فبادروا المعاد ، و سابقوا الآجال . فإنّ النّاس يوشك أن
ينقطع بهم الأمل ، و يرهقهم الأجل ، و يسدّ عنهم باب التّوبة . فقد أصبحتم في
مثل ما سأل إليه الرّجعة من كان قبلكم . و أنتم بنو سبيل على سفر من دار ليست
بداركم . و قد أوذنتم منها بالارتحال ، و أمرتم فيها بالزّاد . و اعلموا أنّه
ليس لهذا الجلد الرّقيق صبر على النّار ، فارحموا نفوسكم فإنّكم قد جرّبتموها في
مصائب الدّنيا . ( الخطبة 181 ، 331 ) أفرأيتم جزع أحدكم من الشّوكة تصيبه ، و العثرة تدميه ، و
الرّمضاء تحرقه ؟ فكيف إذا كان بين طابقين من نار ، ضجيع حجر و قرين شيطان .
أعلمتم أنّ مالكا إذا غضب على النّار حطم بعضها بعضا لغضبه ، و إذا زجرها توثّبت
بين أبوابها جزعا من زجرته . أيّها اليفن الكبير ( أي الشيخ
المسن ) الّذي قد لهزه القتير ( أي خالطه الشيب
) كيف أنت إذا التحمت أطواق النّار بعظام الأعناق ، و نشبت الجوامع حتّى
أكلت لحوم السّواعد ؟ فاللّه اللّه معشر العباد و أنتم سالمون ، في الصّحّة قبل
السّقم ، و في الفسحة قبل الضّيق . فاسعوا في فكاك رقابكم من قبل أن تغلق
رهائنها . أسهروا عيونكم و أضمروا بطونكم ، و استعملوا أقدامكم و أنفقوا أموالكم
. و خذوا من أجسادكم فجودوا بها على أنفسكم ، و لا تبخلوا بها عنها ، فقد قال اللّه سبحانه إنْ تَنْصُرُوا اللّهَ
يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ و قال تعالى مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ
اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ ، وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ . فلم يستنصركم من ذلّ ، و لم يستقرضكم من قلّ .
استنصركم وَ لَهُ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَ الأَرْضِ وَ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ
. و استقرضكم وَ لَهُ خَزَائنُ السَّماوَاتِ وَ الأَرْضَ ، وَ هُوَ الغَنِيُّ
الحَمِيْدُ . و إنّما أراد أن يبلوكم أيّكم أحسن عملا . فبادروا بأعمالكم تكونوا
مع جيران اللّه في داره . رافق بهم رسله ، و أزارهم ملائكته . و أكرم أسماعهم أن
تسمع حسيس نار أبدا . و صان أجسادهم أن تلقى لغوبا و نصبا ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ
يُؤْتيهِ مَنْ يَشَاءُ وَ اللّهُ ذُو الفَضْلِ الْعَظِيمِ . فسابقوا رحمكم
اللّه إلى منازلكم الّتي أمرتم أن تعمروها ، و الّتي رغبتم فيها و دعيتم إليها . . . فإنّ غدا من اليوم قريب . ما أسرع السّاعات في
اليوم ، و أسرع الأيّام في الشّهر ، و أسرع الشّهور في السّنة ، و أسرع السّنين
في العمر . ( الخطبة 186 ، 348 ) فاللّه اللّه
عباد اللّه فإنّ الدّنيا ماضية بكم على سنن ، و أنتم و السّاعة في قرن . و
كأنّها قد جاءت بأشراطها ، و أزفت بأفراطها ، و وقفت بكم على صراطها . و كأنّها
قد أشرفت بزلازلها ، و أناخت بكلاكلها . و انصرمت الدّنيا بأهلها ، و أخرجتهم من
حضنها . و بادروا آجالكم
بأعمالكم ، فإنّكم مرتهنون بما أسلفتم ، و مدينون بما قدّمتم . و كأن قد نزل بكم
المخوف . فلا رجعة تنالون ، و لا عثرة تقالون . (
الخطبة 188 ، 352 ) عباد اللّه ، الآن فاعلموا ، و الألسن مطلقة ، و الأبدان
صحيحة ، و الأعضاء لدنة . و المنقلب
فسيح ، و المجال عريض . قبل إرهاق الفوت و حلول الموت . فحقّقوا عليكم نزوله و
لا تنتظروا قدومه . ( الخطبة 194 ، 385 ) أيّها النّاس .
إنّما الدّنيا دار مجاز ، و الآخرة دار قرار . فخذوا من ممرّكم لمقرّكم . تجهّزوا رحمكم
اللّه ، فقد نودي فيكم بالرّحيل . و أقلّوا العرجة على الدّنيا . و انقلبوا
بصالح ما بحضرتكم من الزّاد . فإنّ أمامكم عقبة كؤودا ، و منازل مخوفة مهولة .
لا بدّ من الورود عليها و الوقوف عندها . و اعلموا أنّ ملاحظ المنيّة نحوكم
دانية . و كأنّكم بمخالبها و قد نشبت فيكم . و قد دهمتكم فيها مفظعات الأمور ، و
معضلات المحذور . و من كلام له ( ع ) بالبصرة و قد دخل على العلاء بن زياد
الحارثي يعوده ، فلمّا رأى سعة داره قال : ما كنت تصنع بسعة هذه الدّار
في الدّنيا ؟ و أنت إليها في الآخرة كنت أحوج ؟ و بلى إن شئت بلغت بها الآخرة :
تقري فيها الضّيف ، و تصل فيها الرّحم ، و تطلع منها الحقوق مطالعها ، فإذا أنت
قد بلغت بها الآخرة . ( الخطبة 207 ، 400 ) فليقبل امرؤ
كرامة ( أي نصيحة ) بقبولها ، و ليحذر قارعة قبل
حلولها ، و لينظر امرؤ في قصير أيّامه ، و قليل مقامه . في منزل حتّى يستبدل به
منزلا . فليصنع لمتحوّله ، و معارف منتقله . فطوبى لذي قلب سليم . أطاع من يهديه
، و تجنّب من يرديه . و أصاب سبيل السّلامة ببصر من بصّره ، و طاعة هاد أمره . و
بادر الهدى قبل أن تغلق أبوابه ، و تقطّع أسبابه . و استفتح التّوبة ، و أماط
الحوبة . فقد أقيم على الطّريق ، و هدي نهج السّبيل . (
الخطبة 212 ، 408 ) فتحرّ من أمرك ما
يقوم به عذرك ، و تثبت به حجّتك . و خذ ما يبقى لك ممّا لا تبقى له . و تيسّر
لسفرك . و شم برق النّجاة ، و ارحل مطايا التّشمير ( أي
ضع على المطيّة رحل السفر الذي فيه زادك و مؤونتك ) . ( الخطبة 221 ، 425 ) فاعملوا و العمل
يرفع ، و التّوبة تنفع ، و الدّعاء يسمع . و الحال هادئة ، و الأقلام جارية . فعليكم بالجدّ و
الإجتهاد ، و التّأهّب و الإستعداد ، و التّزوّد في منزل الزّاد . و لا تغرّنّكم
. . . الخطبة 228 ، 432
) فاعملوا و أنتم
في نفس البقاء . و الصّحف منشورة ، و التّوبة مبسوطة . و المدبر يدعى ، و المسي
ء يرجى . قبل أن يخمد العمل ، و ينقطع المهل ، و ينقضي الأجل . و يسدّ باب
التّوبة ، و تصعد الملائكة . فأخذ امرؤ من نفسه لنفسه . و أخذ من حيّ لميّت ، و
من فان لباق ، و من ذاهب لدائم . آمرؤ خاف اللّه و هو معمّر إلى أجله ، و منظور
إلى عمله . امرؤ ألجم نفسه بلجامها ، و زمّها بزمامها . فأمسكها بلجامها عن
معاصي اللّه ، و قادها بزمامها إلى طاعة اللّه . (
الخطبة 235 ، 437 ) و من
كتاب له ( ع ) لابن عباس : أمّا بعد ، فإنّ
المرء قد يسرّه درك ما لم يكن ليفوته ، و يسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه . فليكن
سرورك بما نلت من آخرتك ، و ليكن أسفك على ما فاتك منها . و ما نلت من دنياك فلا
تكثر به فرحا ، و ما فاتك منها فلا تأس عليه جزعا . و ليكن همّك فيما بعد الموت
. ( الخطبة 261 ، 458 ) و قال ( ع ) من وصيّته لابنه الحسن ( ع ) : يا بنيّ
إنّي قد أنبأتك عن الدّنيا و حالها و زوالها و انتقالها . و أنبأتك عن الآخرة و
ما أعدّ لأهلها فيها . و ضربت لك فيهما الأمثال لتعتبر بها ، و تحذو عليها .
إنّما مثل من خبر الدّنيا كمثل قوم سفر نبا بهم منزل جديب ، فأمّوا منزلا خصيبا
و جنابا مريعا . فاحتملوا و عثاء ( أي مشقة )
الطّريق ، و فراق الصّديق . و اعلم أنّ أمامك
طريقا ذا مسافة بعيدة و مشقّة شديدة . و إنّه لا غنى بك فيه عن حسن الإرتياد ، و
قدر بلاغك من الزّاد مع خفّة الظّهر . فلا تحملنّ على ظهرك فوق طاقتك ، فيكون
ثقل ذلك وبالا عليك . و إذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك إلى يوم القيامة
، فيوافيك به غدا حيث تحتاج إليه ، فاغتنمه و حمّله إيّاه ، و أكثر من تزويده و
أنت قادر عليه ، فلعلّك تطلبه فلا تجده . و اغتنم من استقرضك في حال غناك ،
ليجعل قضاءه لك في يوم عسرتك . و اعلم أنّ أمامك
عقبة كؤودا . المخفّ فيها أحسن حالا من المثقل . و المبطى ء عليها أقبح حالا من
المسرع . و أنّ مهبطك بها لا محالة إمّا على جنّة أو على نار . فارتد لنفسك قبل
نزولك ، و وطّى ء المنزل قبل حلولك . فليس بعد الموت مستعتب ، و لا إلى الدّنيا
منصرف . ( الخطبة 270 ، 2 ، 481 ) و اعلم يا بنيّ
أنّك إنّما خلقت للآخرة لا للدّنيا ، و للفناء لا للبقاء ، و للموت لا للحياة . و من الفساد إضاعة الزّاد ( زاد
التقوى ) و مفسدة المعاد . ( الخطبة 270 ، 3 ،
486 ) الصّدقة دواء
منجح ، و أعمال العباد في عاجلهم ، نصب أعينهم في آجلهم . ( 6 ح ، 566 ) و قال
( ع ) و قد لقيه عند مسيره الى الشام دهاقين الأنبار ،
فترجّلوا له و اشتدوا بين يديه ، فقال : ما هذا
الّذي صنعتموه ؟ فقالوا : خلق منّا نعظّم به أمراءنا . فقال
( ع ) : و اللّه ما ينتفع بهذا أمراؤكم و إنّكم لتشقّون على أنفسكم في
دنياكم ، و تشقون به في آخرتكم . و ما أخسر المشقّة وراءها العقاب ، و أربح
الدّعة معها الأمان من النّار . ( 37 ح ، 572 ) طوبى لمن ذكر
المعاد ، و عمل للحساب ، و قنع بالكفاف ، و رضي عن اللّه . ( 44 ح ، 574 ) كلّ معدود منقض ، و كلّ متوقّع آت . ( 75 ح ، 577 ) آه من قلّة الزّاد ، و طول الطّريق ، و بعد السّفر ، و
عظيم المورد . ( 77 ح ، 578 ) إنّ الدّنيا و
الآخرة عدوّان متفاوتان ، و سبيلان مختلفان . فمن أحبّ الدّنيا و تولاّها أبغض
الآخرة و عاداها . و هما بمنزلة المشرق و المغرب ، و ماش بينهما ، كلّما قرب من
واحد بعد من الآخر . و هما بعد ضرّتان . ( 103 ح ، 583
) شتّان ما بين عملين : عمل تذهب لذّته و تبقى تبعته ، و
عمل تذهب مؤونته و يبقى أجره . ( 121 ح ، 587 ) . . . و عجبت لعامر دار الفناء و تارك دار البقاء . ( 126 ح ، 589 ) الأمر قريب و
الإصطحاب قليل . ( 168 ح ، 599 ) الرّحيل وشيك . ( 187 ح ، 600 ) و بادروا الموت
الّذي إن هربتم منه أدرككم ، و إن أقمتم أخذكم ، و إن نسيتموه ذكركم . ( 203 ح ، 603 ) بئس الزّاد إلى
المعاد ، العدوان على العباد . ( 221 ح ، 606 ) النّاس في الدّنيا عاملان : عامل عمل في الدّنيا للدّنيا ، قد شغلته دنياه عن آخرته
. من تذكّر بعد
السّفر استعدّ . ( 280 ح ، 623 ) و روي
أنه ( ع ) قلّما اعتدل به المنبر ، الا قال أمام الخطبة : أيّها النّاس ، اتّقوا اللّه فما خلق امرؤ عبثا فيلهو ، و
لا ترك سدى فيلغوا . و ما دنياه الّتي تحسّنت له بخلف من الآخرة الّتي قبّحها
سوء النّظر عنده . و ما المغرور الّذي ظفر من الدّنيا بأعلى همّته كالآخر الّذي
ظفر من الآخرة بأدنى سهمته . ( 370 ح ، 640 ) و قال
( ع ) لجابر بن عبد اللّه الأنصاري : يا جابر ، قوام الدّين و الدّنيا بأربعة : عالم مستعمل علمه ، و جاهل لا
يستنكف أن يتعلّم ، و جواد لا يبخل بمعروفه ، و فقير لا يبيع آخرته بدنياه .
فإذا ضيّع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلّم ، و إذا بخل الغنيّ بمعروفه باع
الفقير آخرته بدنياه . ( 372 ح ، 641 ) . . . و من عمل لدينه كفاه اللّه أمر دنياه . ( 423 ح ،
652 ) الدّنيا خلقت
لغيرها ، و لم تخلق لنفسها . ( 463 ح ، 659 ) |
|
( 375 ) الحياة و الاحتضار و الموت و القبر و صفة الموتى
|
|
يراجع المبحث ( 134 ) جهاد الامام ( ع ) و
شجاعته . فهل ينتظر أهل بضاضة الشّباب إلاّ حواني الهرم ؟ و أهل
غضارة الصّحّة إلاّ نوازل السّقم ؟ و أهل مدّة البقاء إلاّ آونة الفناء ؟ مع قرب
الزّيال ، و أزوف الإنتقال ، و علز ( أي هلع )
القلق ، و ألم المضض ، و غصص الجرض ( أي الريق )
، و تلّفّت الإستغاثة ، بنصرة الحفدة و الأقرباء ، و الأعزّة و القرناء ، فهل
دفعت الأقارب ، أو نفعت النّواحب ؟ و قال ( ع ) في الخطبة الغراء عن المغتر بالدنيا :
دهمته فجعات المنيّة في غبّر جماحه ، و سنن مراحه . فظلّ سادرا ، و بات ساهرا .
في غمرات الآلام ، و طوارق الأوجاع و الأسقام . بين أخ شقيق ، و والد شفيق . و
داعية بالويل جزعا ، و لادمة للصّدر قلقا . و من
كلام له ( ع ) في عمرو بن العاص : أما و
اللّه إنّي ليمنعني من اللّعب ذكر الموت ، و إنّه ليمنعه من قول الحقّ نسيان
الآخرة . ( الخطبة 82 ، 149 ) فكأن قد علقتكم
مخالب المنيّة ، و انقطعت منكم علائق الأمنيّة ، و دهمتكم مفظعات الأمور ، و
السّياقة إلى الورد المورود . ف كُلُّ نَفسٍ مَعَهَا سَائقٌ وَ شَهِيدٌ : سائق
يسوقها إلى محشرها ، و شاهد يشهد عليها بعملها . (
الخطبة 83 ، 150 ) و خلق الآجال
فأطالها و قصّرها ، و قدّمها و أخرها ، و وصل بالموت أسبابها ، و جعله خالجا
لأشطانها ( أي جاذبا لحبالها الطويلة ) ، و
قاطعا لمرائر أقرانها ( أي لحبالها القوية ) . ( الخطبة 89 ، 4 ، 175 ) أو لستم ترون أهل الدّنيا يصبحون و يمسون على أحوال شتّى
: فميت يبكى ، و آخر يعزّى ، و صريع مبتلى . و عائد يعود ، و آخر بنفسه يجود . و
طالب للدّنيا و الموت يطلبه ، و غافل و ليس بمغفول عنه . و على أثر الماضي ما
يمضي الباقي ألا فاذكروا هادم اللّذّات ، و منغّص الشّهوات ، و قاطع الأمنيات ،
عند المساورة للأعمال القبيحة . الخطبة 97 ، 192 ) و هو يرى
المأخوذين على الغرّة ( أي بغتة ) ، حيث لا
إقالة و لا رجعة ، كيف نزل بهم ما كانوا يجهلون ، و جاءهم من فراق الدّنيا ما
كانوا يأمنون ، و قدموا من الآخرة على ما كانوا يوعدون ، فغير موصوف ما نزل بهم
. اجتمعت عليهم سكرة الموت و حسرة الفوت . ففترت لها أطرافهم ، و تغيّرت لها
ألوانهم . ثمّ ازداد الموت فيهم ولوجا . فحيل بين أحدهم و بين منطقه . و أنّه
لبين أهله ينظر ببصره ، و يسمع بأذنه ، على صحّة من عقله ، و بقاء من لبّه .
يفكّر فيم أفنى عمره ، و فيم أذهب دهره و يتذكّر أموالا جمعها ، أغمض في مطالبها
، و أخذها من مصرّحاتها و مشتبهاتها . قد لزمته تبعات جمعها ، و أشرف على فراقها
. تبقى لمن وراءه ينعمون فيها ، و يتمتّعون بها . فيكون المهنأ لغيره ، و العب ء
على ظهره . و المرء قد غلقت رهونه بها ، فهو يعضّ يده ندامة على ما أصحر له ( أي ما ظهر له و أنكشف ) عند الموت من أمره ، و يزهد
فيما كان يرغب فيه أيّام عمره ، و يتمنّى أنّ الّذي كان يغبطه بها و يحسده عليها
قد حازها دونه فلم يزل الموت يبالغ في جسده حتّى خالط لسانه سمعه . فصار بين
أهله لا ينطق بلسانه ، و لا يسمع بسمعه . يردّد طرفه بالنّظر في وجوههم . يرى
حركات ألسنتهم ، و لا يسمع رجع كلامهم . ثمّ ازداد الموت التياطا به ، فقبض بصره
كما قبض سمعه ، و خرجت الرّوح من جسده ، فصار جيفة بين أهله . قد أوحشوا من
جانبه ، و تباعدوا من قربه . لا يسعد باكيا ، و لا يجيب داعيا . ثمّ حملوه إلى
مخطّ في الأرض ، فأسلموه فيه إلى عمله ، و انقطعوا عن زورته . ( الخطبة 107 ، 210 ) و قال
( ع ) عن صفة الموتى : حملوا إلى
قبورهم فلا يدعون ركبانا ، و أنزلوا الأجداث فلا يدعون ضيفانا . و جعل لهم من
الصّفيح أجنان ، و من التّراب أكفان ، و من الرّفات جيران . فهم جيرة لا يجيبون
داعيا ، و لا يمنعون ضيما ، و لا يبالون مندبة . إن جيدوا ( أي أصابهم المطر ) لم يفرحوا ، و إن قحطوا لم يقنطوا
. جميع و هم آحاد ، و جيرة و هم أبعاد . متدانون لا يتزاورون ، و قريبون لا
يتقاربون . حلماء قد ذهبت أضغانهم ، و جهلاء قد ماتت أحقادهم . لا يخشى فجعهم ،
و لا يرجى دفعهم . استبدلوا بظهر الأرض بطنا ، و بالسّعة ضيقا . و بالأهل غربة ،
و بالنّور ظلمة . فجاؤوها كما فارقوها ، حفاة عراة . و أسمعوا دعوة
الموت آذانكم قبل أن يدعى بكم . ( الخطبة 111 ، 218 ) ثمّ إنّ الدّنيا
دار فناء و عناء ، و غير و عبر ، فمن الفناء أنّ الدّهر موتر قوسه ، لا تخطى ء
سهامه ، و لا تؤسى جراحه . يرمي الحيّ بالموت ، و الصّحيح بالسّقم ، و النّاجي
بالعطب . ( الخطبة 112 ، 220 ) فسبحان اللّه ،
ما أقرب الحيّ من الميّت للحاقه به ، و أبعد الميّت من الحيّ لانقطاعه عنه . ( الخطبة 112 ، 221 ) إنّ الموت طالب حثيث ، لا يفوته المقيم ، و لا يعجزه
الهارب . إنّ أكرم الموت القتل . و الّذي نفس ابن أبي طالب بيده ، لألف ضربة
بالسّيف أهون عليّ من ميتة على الفراش ، في غير طاعة اللّه . ( الخطبة 121 ، 232 ) فإنّه و اللّه
الجدّ لا اللّعب ، و الحقّ لا الكذب . و ما هو إلاّ الموت ، أسمع داعيه ، و أعجل
حاديه . فلا يغرّنّك سواد النّاس من نفسك . فقد رأيت من كان قبلك ممّن جمع المال
، و حذر الإقلال ، و أمن العواقب طول أمل و استبعاد أجل كيف نزل به الموت فأزعجه
عن وطنه ، و أخذه من مأمنه . محمولا على أعواد المنايا . يتعاطى به الرّجال
الرّجال ، حملا على المناكب و إمساكا بالأنامل . (
الخطبة 130 ، 243 ) و قال
( ع ) قبيل وفاته يصور حاله بعد وفاته : ليعظكم هدوّي و خفوت إطراقي و سكون أطرافي ، فإنّه أوعظ للمعتبرين من
المنطق البليغ و القول المسموع . ( الخطبة 147 ، 262 ) و بالإيمان يعمر العلم ، و بالعلم يرهب الموت ، و بالموت
تختم الدّنيا ، و بالدّنيا تحرز الآخرة . ( الخطبة 154
، 274 ) يذهب اليوم بما
فيه ، و يجي ء الغد لاحقا به . فكأنّ كلّ امرى ء منكم قد بلغ من الأرض منزل
وحدته ، و مخطّ حفرته : فيا له من بيت وحدة ، و منزل وحشة ، و مفرد غربة . و
كأنّ الصّيحة قد أتتكم ، و السّاعة قد غشيتكم . و برزتم لفصل القضاء . و أوصيكم بذكر
الموت و إقلال الغفلة عنه . و كيف غفلتكم عمّا ليس يغفلكم ، و طمعكم فيمن ليس
يمهلكم . فكفى واعظا بموتى عاينتموهم . حملوا إلى قبورهم غير راكبين ، و أنزلوا
فيها غير نازلين . فكأنّهم لم يكونوا للدّنيا عمّارا ، و كأنّ الآخرة لم تزل لهم
دارا . أوحشوا ما كانوا يوطنون ، و أوطنوا ما كانوا يوحشون . و اشتغلوا بما
فارقوا ، و أضاعوا ما إليه انتقلوا . لا عن قبيح يستطيعون انتقالا ، و لا في حسن
يستطيعون ازديادا . و بادروا الموت و
غمراته . و امهدوا له قبل حلوله ، و أعدّوا له قبل نزوله . فإنّ الغاية القيامة
. و كفى بذلك واعظا لمن عقل ، و معتبرا لمن جهل . و قبل بلوغ الغاية ما تعلمون
من ضيق الأرماس ، و شدّة الإبلاس . و هول المطّلع ، و روعات الفزع . و اختلاف
الأضلاع ، و إستكاك الأسماع . و ظلمة اللّحد ، و خيفة الوعد . و غمّ الضّريح ، و
ردم الصّفيح . ( الخطبة 188 ، 351 ) و اعلموا أنّ
ملاحظ المنيّة نحوكم دانية ، و كأنّكم بمخالبها و قد نشبت فيكم ، و قد دهمتكم
فيها مفظعات الأمور ، و معضلات المحذور . فقطّعوا علائق الدّنيا و استظهروا بزاد
التّقوى . الخطبة 202 ، 397 ) أولئكم سلف غايتكم و فرّاط مناهلكم . الّذين كانت لهم
مقاوم العزّ و حلبات الفخر ،ملوكا و سوقا . سلكوا في بطون البرزخ سبيلا . سلّطت
الأرض عليهم فيه ، فأكلت من لحومهم ، و شربت من دمائهم . فأصبحوا في فجوات
قبورهم جمادا لا ينمون ، و ضمارا لا يوجدون . لا يفزعهم ورود الأهوال ، و لا
يحزنهم تنكّر الأحوال . و لا يحفلون بالرّواجف و لا يأذنون ( أي يستمعون ) للقواصف . غيّبا لا ينتظرون ، و شهودا
لا يحضرون . و إنّما كانوا جميعا فتشتّتوا ، و آلافا فافترقوا . و ما عن طول
عهدهم و لا بعد محلّهم عميت أخبارهم ، و صمّت ديارهم ، و لكنّهم سقوا كأسا
بدّلتهم بالنّطق خرسا ، و بالسّمع صمما ، و بالحركات سكونا . فكأنّهم في ارتجال
الصّفة صرعى سبات . جيران لا يتأنّسون ، و أحبّاء لا يتزاورون . بليت بينهم عرى
التّعارف . و انقطعت منهم أسباب الإخاء . فكلّهم وحيد و هم جميع . و بجانب الهجر
و هم أخلاّء . لا يتعارفون لليل صباحا ، و لا لنهار مساء . أيّ الجديدين
ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا . شاهدوا من أخطار دارهم أفظع ممّا خافوا ، و رأوا من
آياتها أعظم ممّا قدّروا ، فكلتا الغايتين مدّت لهم إلى مباءة ، فأتت مبالغ
الخوف و الرّجاء . فلو كانوا ينطقون بها لعيّوا بصفة ما شاهدوا و ما عاينوا . و
لئن عميت آثارهم ، و انقطعت أخبارهم . لقد رجعت فيهم أبصار العبر ، و سمعت عنهم
آذان العقول . و تكلّموا من غير جهات النّطق . فقالوا : كلحت الوجوه النّواضر ،
و خوت الأجسام النّواعم . و لبسنا أهدام البلى ، و تكاءدنا ( أي شقّ علينا ) ضيق المضجع ، و توارثنا الوحشة ، و
تهكّمت علينا الرّبوع الصّموت . فانمحت محاسن أجسادنا ، و تنكّرت معارف صورنا ،
و طالت في مساكن الوحشة إقامتنا . ( الخطبة 219 ، 416 ) فكم أكلت الأرض
من عزيز جسد ، و أنيق لون . كان في الدّنيا غذيّ ترف ، و ربيب شرف . يتعلّل
بالسّرور في ساعة حزنه ، و يفزع إلى السّلوة إن مصيبة نزلت به . ضنّا بغضارة
عيشه ( أي بخلا بطيب عيشه ) ، و شحاحة بلهوه و
لعبه ؟ فبينا هو يضحك إلى الدّنيا و تضحك إليه ، في ظلّ عيش غفول ، إذ وطى ء
الدّهر به حسكه ، و نقضت الأيّام قواه ، و نظرت إليه الحتوف من كثب . فخالطه بثّ
لا يعرفه ، و نجيّ همّ ما كان يجده . . . . أصبحت أصواتهم هامدة ، و رياحهم راكدة ، و أجسادهم بالية
، و ديارهم خالية ، و آثارهم عافية ( أي مندرسة )
. فاستبدلوا بالقصور المشيّدة ، و النّمارق ( الوسائد )
الممهّدة ، الصّخور و الأحجار المسنّدة ، و القبور اللاّطئة الملحدة . الّتي قد
بني على الخراب فناؤها ، و شيّد بالتّراب بناؤها . فمحلّها مقترب ، و ساكنها
مغترب . بين أهل محلّة موحشين ، و أهل فراغ متشاغلين . لا يستأنسون بالأوطان ، و
لا يتواصلون تواصل الجيران ، على ما بينهم من قرب الجوار و دنوّ الدّار . و كيف
يكون بينهم تزاور ، و قد طحنهم بكلكله البلى ، و أكلتهم الجنادل و الثّرى و كأن
قد صرتم إلى ما صاروا إليه ، و ارتهنكم ذلك المضجع ، و ضمّكم ذلك المستودع .
فكيف بكم لو تناهت بكم الأمور ، و بعثرت القبور هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ
مَا أَسْلَفَتْ ، وَ رُدُّوا إلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الحَقِّ ، وَ ضَلَّ عَنْهُمْ
مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ . ( الخطبة 224 ، 428 ) . . . فإنّ الموت هادم لذّاتكم ، و مكدّر شهواتكم ، و مباعد
طيّاتكم . زائر غير محبوب و قرن غير مغلوب ، و واتر غير مطلوب . قد أعلقتكم
حبائله ، و تكنّفتكم غوائله ، و أقصدتكم معابله ( جمع
معبلة و هي النصل الطويل العريض . و أقصده : رماه بسهم فقتله ) . و عظمت
فيكم سطوته . و تتابعت عليكم عدوته ، و قلّت عنكم نبوته ( هو الخطأ في الرمي ) . فيوشك أن تغشاكم دواجي ظلله ، و احتدام
علله . و حنادس غمراته ، و غواشي سكراته . و أليم إزهاقه ، و دجوّ إطباقه ، و
جشوبة مذاقه . فكأن قد أتاكم بغتة فأسكت نجيّكم ، و فرّق نديّكم ( أي جماعتكم ) . و عفّى آثاركم ، و عطّل دياركم . . . . فاحذروا عباد اللّه الموت و قربه ، و أعدّوا له عدّته .
فإنّه يأتي بأمر عظيم و خطب جليل . بخير لا يكون معه شرّ أبدا ، أو شرّ لا يكون
معه خير أبدا . فمن أقرب إلى الجنّة من عاملها و من أقرب إلى النّار من عاملها .
و أنتم طرداء الموت . إن أقمتم له أخذكم ، و إن فررتم منه أدرككم ، و هو ألزم
لكم من ظلّكم . الموت معقود بنواصيكم ، و الدّنيا تطوى من خلفكم . فاحذروا نارا . . . ( الخطبة 266 ، 465 ) و قال ( ع ) في وصيته لابنه الحسن ( ع ) : فتفهّم يا
بنيّ وصيّتي ، و اعلم أنّ مالك الموت هو مالك الحياة ، و أنّ الخالق هو المميت ،
و أنّ المفني هو المعيد ، و أنّ المبتلي هو المعافي . (
الخطبة 270 ، 2 ، 478 ) و قال ( ع ) : و اعلم يا بنيّ . . . أنّك طريد الموت الّذي لا ينجو منه هاربه ، و لا يفوته طالبه
، و لا بدّ أنّه مدركه . فكن منه على حذر أن يدركك و أنت على حال سيّئة ، قد كنت
تحدّث نفسك منها بالتّوبة ، فيحول بينك و بين ذلك ، فإذا أنت قد أهلكت نفسك . ( الخطبة 270 ، 3 ، 483 ) ثم قال
( ع ) : يا بنيّ أكثر من ذكر الموت ، و ذكر ما تهجم عليه ، و
تفضي بعد الموت إليه . فكأنّك قد بلغت
المدى ، و دفنت تحت الثّرى ، و عرضت عليك أعمالك بالمحلّ الّذي ينادي الظّالم
فيه بالحسرة ، و يتمنّى المضيّع فيه الرّجعة ، و لات حين مناص . ( الخطبة 280 ، 499 ) و قال
( ع ) في كتابه لعثمان بن حنيف الأنصاري : و ما أصنع بفدك و غير فدك ، و النّفس مظانّها في غد جدث ، تنقطع في ظلمته
آثارها و تغيب أخبارها . و حفرة لو زيد في فسحتها ، و أوسعت يدا حافرها ،
لأضغطها الحجر و المدر ، و سدّ فرجها التّراب المتراكم . ( الخطبة 284 ، 506 ) و من
كتاب له ( ع ) الى الحارث الهمذاني : . . . و أكثر ذكر الموت و ما بعد الموت ، و
لا تتمنّ الموت إلاّ بشرط وثيق ( أي لا تخاطر بنفسك
إلاّ اذا علمت أن الغاية أشرف من بذل الروح ) . (
الخطبة 308 ، 556 ) نفس المرء خطاه
إلى أجله . ( 74 ح ، 577 ) و تبع
( ع ) جنازة فسمع رجلا يضحك ، فقال : كأنّ الموت فيها على غيرنا كتب . و كأنّ الحقّ فيها على غيرنا وجب . و كأنّ
الّذي نرى من الأموات سفر عمّا قليل إلينا راجعون نبوّئهم أجداثهم ، و نأكل
تراثهم . كأنّا مخلّدون بعدهم . ثمّ قد نسينا كلّ واعظ و واعظة ، و رمينا بكلّ
جائحة ( أي آفة ) . ( 122 ح ، 587 ) . . . و عجبت لمن نسي الموت و هو يرى الموتى . ( 216 ح ، 589 ) و قال
( ع ) و قد رجع من صفين ، فأشرف على القبور بظاهر الكوفة : يا أهل الدّيار الموحشة ، و المحالّ المقفرة ، و القبور
المظلمة . يا أهل التّربة ، يا أهل الغربة . يا أهل الوحدة ، يا أهل الوحشة .
أنتم لنا فرط ( أي متقدّمون ) سابق ، و نحن لكم
تبع لاحق . أمّا الدّور فقد سكنت ، و أمّا الأزواج فقد نكحت ، و أمّا الأموال
فقد قسمت . هذا خبر ما عندنا ، فما خبر ما عندكم ؟ ثم التفت الى أصحابه ( ع ) فقال : أما لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم : أنّ خير الزّاد
التّقوى . 130 ح ، 589 ) لو رأى العبد الأجل و مصيره ، لأبغض الأمل و غروره . ( 334 ح ، 633 ) و من أكثر من ذكر
الموت رضي من الدّنيا باليسير . ( 349 ح ، 636 ) |
|
( 376 ) مواعظ متعددة الأغراض
|
|
قال الامام علي ( ع ) : يا أيّها النّاس
، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب النّاس . و طوبى لمن لزم بيته ، و أكل قوته ، و
اشتغل بطاعة ربّه ، و بكى على خطيئته . فكان من نفسه في شغل ، و النّاس منه في
راحة . ( الخطبة 174 ، 317 ) و من وصية له ( ع ) لابنه الحسن ( ع ) كتبها إليه بحاضرين عند
انصرافه من صفين : أحي قلبك بالموعظة ، و أمته بالزّهادة ، و قوّة
باليقين . و نوّره بالحكمة ، و ذلّله بذكر الموت ، و قرّره بالفناء . و بصّره
فجائع الدّنيا ، و حذّره صولة الدّهر ، و فحش تقلّب اللّيالي و الأيّام . . . فأصلح مثواك ، و لا تبع آخرتك بدنياك . و دع
القول فيما لا تعرف ، و الخطاب فيما لم تكلّف . و أمسك عن طريق إذا خفت ضلالته ،
فإنّ الكفّ عند حيرة الضّلال خير من ركوب الأهوال . و أمر بالمعروف تكن من أهله
، و أنكر المنكر بيدك و لسانك ، و باين من فعله بجهدك . و جاهد في اللّه حقّ
جهاده ، و لا تأخذك في اللّه لومة لائم . و خض الغمرات للحقّ حيث كان . و تفقّه
في الدّين . و عوّد نفسك التّصبّر على المكروه ، و نعم الخلق التّصبّر في الحقّ
. و ألجى نفسك في أمورك كلّها إلى إلهك ، فإنّك تلجئها إلى كهف حريز و مانع عزيز
. و أخلص في المسألة لربّك ، فإنّ بيده العطاء و الحرمان ، و أكثر الإستخارة ( أي إجالة الرأي في الأمر لاختيار أفضل الوجوه ) . و
تفهّم وصيّتي ، لا تذهبنّ عنك صفحا . فإنّ خير القول ما نفع . و اعلم أنّه لا
خير في علم لا ينفع ، و لا ينتفع بعلم لا يحقّ تعلّمه . ( الخطبة 270 ، 1 ، 475 ) . . . و أكرم نفسك عن كلّ دنيّة و إن ساقتك إلى الرّغائب ،
فإنّك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا . و لا تكن عبد غيرك و قد جعلك اللّه حرّا
. و ما خير خير لا ينال إلاّ بشرّ ، و يسر لا ينال إلاّ بعسر . و إيّاك أن توجف
بك مطايا الطّمع ، فتوردك مناهل الهلكة . و تلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك
. و حفظ ما في الوعاء بشدّ الوكاء ( الوكاء : رباط
القربة ) . و حفظ ما في يديك أحبّ إليّ من طلب ما في يدي غيرك . و مرارة
اليأس خير من الطّلب إلى النّاس . و الحرفة مع العفّة خير من الغنى مع الفجور .
و المرء أحفظ لسرّه . و ربّ ساع فيما يضرّه من أكثر أهجر ، و من تفكّر أبصر .
قارن أهل الخير تكن منهم ، و باين أهل الشّرّ تبن عنهم . بئس الطّعام الحرام و
ظلم الضّعيف أفحش الظّلم . إذا كان الرّفق خرقا كان الخرق ( أي العنف ) رفقا . ربّما كان الدّواء داء ، و الدّاء
دواء . و ربّما نصح غير النّاصح ، و غشّ المستنصح . و إيّاك و الإتّكال على
المنى فإنّها بضائع النوكى ( و في رواية : النوكى ، جمع
أنوك و هو الأحمق ) . و العقل حفظ التّجارب ، و خير ما جرّبت ما وعظك .
بادر الفرصة قبل أن تكون غصّة . ليس كلّ طالب يصيب ، و لا كلّ غائب يؤوب . و من
الفساد إضاعة الزّاد ، و مفسدة المعاد . و لكلّ أمر عاقبة ، سوف يأتيك ما قدّر لك
. التّاجر مخاطر . و ربّ يسير أنمى من كثير لا خير في معين مهين ، و لا في صديق
ظنين . و اعلم يا بنيّ أنّ الرّزق رزقان : رزق تطلبه ، و رزق
يطلبك ، فإن أنت لم تأته أتاك . و الصّاحب مناسب . و الصّديق من صدق غيبه . و الهوى شريك
العمى . و ربّ بعيد أقرب من قريب ، و قريب أبعد من بعيد . و الغريب من لم يكن له
حبيب . من تعدّى الحقّ ضاق مذهبه ، و من اقتصر على قدره كان أبقى له . و أوثق
سبب أخذت به سبب بينك و بين اللّه سبحانه . و من لم يبالك ( أي يهتم بك ) فهو عدوّك . قد يكون اليأس إدراكا ،
إذا كان الطّمع هلاكا . ليس كلّ عورة تظهر ، و لا كلّ فرصة تصاب . و ربّما أخطأ
البصير قصده ، و أصاب الأعمى رشده . أخّر الشّرّ فإنّك إذا شئت تعجّلته . و
قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل . من أمن الزّمان خانه ، و من أعظمه أهانه . ليس
كلّ من رمى أصاب . إذا تغيّر السّلطان تغيّر الزّمان . سل عن الرّفيق قبل
الطّريق ، و عن الجار قبل الدّار . إيّاك أن تذكر من الكلام ما يكون مضحكا ، و
إن حكيت ذلك عن غيرك . ( الخطبة 270 ، 4 ، 488 ) و من
كتاب له ( ع ) الى الحارث الهمذاني : و تمسّك بحبل القرآن و استنصحه ، و أحلّ حلاله ، و حرّم حرامه . و صدّق بما
سلف من الحقّ ، و اعتبر بما مضى من الدّنيا ما بقي منها ، فإنّ بعضها يشبه بعضا
، و آخرها لاحق بأوّلها . و كلّها حائل مفارق . و عظّم اسم اللّه أن تذكره إلاّ
على حقّ . و أكثر ذكر الموت و ما بعد الموت ، و لا تتمنّ الموت إلاّ بشرط وثيق .
و احذر كلّ عمل يرضاه صاحبه لنفسه و يكره لعامّة المسلمين . و احذر كلّ عمل يعمل
به في السّرّ ، و يستحى منه في العلانيّة . و احذر كلّ عمل إذا سئل عنه صاحبه
أنكره أو اعتذر منه . و لا تجعل عرضك غرضا لنبال القول . و لا تحدّث النّاس بكلّ
ما سمعت به ، فكفى بذلك كذبا . و لا تردّ على النّاس كلّ ما حدّثوك به ، فكفى بذلك
جهلا . و اكظم الغيظ ، و تجاوز عند المقدرة . و احلم عند الغضب ، و اصفح مع
الدّولة ( أي السلطة ) ، تكن لك العاقبة . و
استصلح كلّ نعمة أنعمها اللّه عليك ، و لا تضيّعنّ نعمة من نعم اللّه عندك . و
لير عليك أثر ما أنعم اللّه به عليك . و قال ( ع ) : أوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الإبل لكانت
لذلك أهلا : لا يرجونّ أحد منكم إلاّ ربّه ، و لا يخافنّ إلاّ ذنبه . و
لا يستحينّ أحد منكم إذا سئل عمّا لا يعلم أن يقول لا أعلم ، و لا يستحينّ أحد
إذا لم يعلم الشّي ء أن يتعلّمه . و عليكم بالصّبر فإنّ الصّبر من الإيمان
كالرّأس من الجسد ، و لا خير في جسد لا رأس معه ، و لا في إيمان لا صبر معه . ( 82 ح ، 579 ) لا مال أعود من
العقل ، و لا وحدة أوحش من العجب ، و لا عقل كالتّدبير ، و لا كرم كالتّقوى ، و
لا قرين كحسن الخلق ، و لا ميراث كالأدب ، و لا قائد كالتّوفيق ، و لا تجارة
كالعمل الصّالح ، و لا ربح كالثّواب ، و لا ورع كالوقوف عند الشّبهة ، و لا زهد
كالزّهد في الحرام ، و لا علم كالتّفكّر ، و لا عبادة كأداء الفرائض ، و لا
إيمان كالحياء و الصّبر ، و لا حسب كالتّواضع ، و لا شرف كالعلم ، و لا عزّ
كالحلم ، و لا مظاهرة أوثق من المشاورة . ( 113 ح ، 586
) طوبى لمن ذلّ في
نفسه ، و طاب كسبه ، و صلحت سريرته ، و حسنت خليقته ، و أنفق الفضل من ماله ، و
أمسك الفضل من لسانه ، و عزل عن النّاس شرّه ، و وسعته السّنّة ، و لم ينسب إلى
البدعة . 123 ح ، 588 ) الجود حارس
الأعراض ، و الحلم فدام السّفيه ، و العفو زكاة الظّفر ، و السّلوّ عوضك ممّن
غدر ، و الإستشارة عين الهداية . و قد خاطر من استغنى برأيه ، و الصّبر يناضل
الحدثان ، و الجزع من أعوان الزّمان . و أشرف الغنى ترك المنى . و كم من عقل
أسير تحت هوى أمير . و من التّوفيق حفظ التّجربة . و المودّة قرابة مستفادة ، و
لا تأمننّ ملولا . ( 211 ح ، 605 ) بكثرة الصّمت
تكون الهيبة ، و بالنّصفة يكثر المواصلون ، و بالإفضال تعظم الأقدار ، و
بالتّواضع تتمّ النّعمة ، و باحتمال المؤن يجب السّؤدد ، و بالسّيرة العادلة
يقهر المناوئ ، و بالحلم عن السّفيه تكثر الأنصار عليه . ( 224 ح ، 606 ) من نظر في عيب
نفسه اشتغل عن عيب غيره ، و من رضي برزق اللّه لم يحزن على ما فاته ، و من سلّ
سيف البغي قتل به ، و من كابد الأمور عطب ، و من اقتحم اللّجج غرق ، و من دخل
مداخل السّوء اتّهم . و من كثر كلامه كثر خطؤه ، و من كثر خطؤه قلّ حياؤه ، و من
قلّ حياؤه قلّ ورعه ، و من قلّ ورعه مات قلبه ، و من مات قلبه دخل النار و من
نظر في عيوب النّاس فأنكرها ، ثمّ رضيها لنفسه ، فذلك الأحمق بعينه . و القناعة
مال لا ينفد . و من أكثر من ذكر الموت رضي من الدّنيا باليسير ، و من علم أنّ
كلامه من عمله قلّ كلامه إلاّ فيما يعنيه . ( 349 ح ،
635 ) لا شرف أعلى من
الإسلام ، و لا عزّ أعزّ من التّقوى ، و لا معقل أحسن من الورع ، و لا شفيع أنجح
من التّوبة ، و لا كنز أغنى من القناعة ، و لا مال أذهب للفاقة من الرّضى بالقوت
. |