- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
اعلام الهداية
الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)
|
|
أعلام
الهداية الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) قم المقدسة |
|
أهل
البيت في القرآن الكريم (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ
الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) الأحزاب: 33
/ 33 |
|
أهل
البيت في الُسنّة النبويّة (إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن
تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً) (الصحاح
والمسانيد) |
|
الفهرس إجمالي
|
|
الباب الأول: الباب الثاني: الباب الثالث: الباب الرابع: |
|
المقدمة
|
|
الحمد
لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، ثم الصلاة والسلام على من اختارهم هداةً
لعباده، لا سيَّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمد
(صلَّى الله عليه وآله) وعلى آله الميامين النجباء. (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)(الأنعام
(6): 71). (وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(البقرة
(2): 213). (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)(الأحزاب
(33): 4). (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ)(آل عمران (3): 101). (قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الْحَقِّ
أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ
كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(يونس (10): 35). (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ
مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إلى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(سبأ
(34): 6). (ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من الله)(القصص
(28):50). فالله
تعالى هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان
إلى الصراط المستقيم وإلى الحقّ القويم. وهذه الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم. ولقد
أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى
الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال، ومن هنا قال تعالى: (وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ)(الذاريات
(51): 56). وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، كانت المعرفة
والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال. وبعد
أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال;
لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة; والهوى الناشئ منهما، والملازم لهما فمن
هنا احتاج الإنسان ـ بالإضافة إلى عقله وسائر أدوات المعرفة
ـ إلى ما يضمن له سلامة البصيرة والرؤية; كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة
الهداية، وتتوفّر لديه كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو
طريق الشرّ والشقاء بملء إرادته. ويتولّى أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم الهداة المهديّون مهمّة الهداية
بجميع مراتبها، والتي تتلخّص في: 1
ـ تلقِّي الوحي بشكل كامل واستيعاب الرسالة الإلهية بصورة دقيقة. وهذه المرحلة
تتطلّب الاستعداد التام لتلقّي الرسالة، ومن هنا يكون الاصطفاء الإلهي لرسله
شأناً من شؤونه، كما أفصح بذلك الذكر الحكيم قائلاً:
(اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)(الأنعام (6): 124) و(اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ)(آل
عمران (3): 179). 2
ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى البشرية ولمن أرسلوا إليه، ويتوقّف الإبلاغ على
الكفاءة التامّة التي تتمثّل في (الاستيعاب والإحاطة اللازمة) بتفاصيل الرسالة
وأهدافها ومتطلّباتها، و (العصمة) عن الخطأ والانحراف معاً، قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ
النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)(البقرة
(2): 213). 3
ـ تكوين أُمة مؤمنة بالرسالة الإلهية، وإعدادها لدعم القيادة الهادية من أجل
تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في الحياة، وقد صرّحت آيات الذكر الحكيم بهذه
المهمّة مستخدمةً عنواني التزكية والتعليم، قال تعالى:
(يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)(الجمعة(62): 2)
والتزكية هي التربية باتجاه الكمال اللائق بالإنسان. وتتطلّب التربية القدوة
الصالحة التي تتمتّع بكلّ عناصر الكمال، كما قال تعالى:
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(الأحزاب(33):
21). ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري: ويختصّ
هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام موسى بن جعفر، التاسع من أعلام الهداية الذي جسّد
الكمالات النبوية في العلم والهداية والعمل والتربية وتوسعت بجهوده العلمية
الجبارة مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) واتضحت معالمها وأينعث ثمارها ولا زلنا
نتفيّأ ظلالها حتى عصرنا هذا. المجمع
العالمي لأهل البيت عليهم السلام قم المقدسة |
|
الباب الأول:
|
|
وفيه فصول: |
|
الفصل الأول: الإمام موسى
الكاظم(عليه السلام) في سطور
|
|
الإمام موسى بن جعفر المعروف بـ (الكاظم الغيظ)
سابع أئمة المسلمين بعد رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) وأحد أعلام الهداية
الربّانية في دنيا الإسلام وشمس من شموس المعرفة في دنيا البشرية التي لا زالت
تشع نوراً وبهاءً في هذا الوجود. إنه من العترة الطاهرة الذين قرنهم الرسول
الأعظم(صلَّى الله عليه وآله) بمحكم التنزيل وجعلهم قدوة لأولي الألباب وسفناً للنجاة
وأمناً للعباد وأركاناً للبلاد. إنه من شجرة النبوة الباسقة والدوحة العلوية
اليانعة ومحطّ علم الرسول وباب من أبواب الوحي والإيمان ومعدن من معادن علم
الله. ولد الإمام موسى بن جعفر في نهاية العهد الأموي سنة (128 هـ)
وعاصر أيّام انهيار هذا البيت الذي عاث باسم الخلافة النبويّة في أرض الإسلام
فساداً. وعاصر أيضاً بدايات نشوء الحكم العبّاسي الذي استولى على مركز القيادة
في العالم الإسلامي تحت شعار الدعوة إلى الرضا من آل محمد(صلَّى الله عليه
وآله). وعاش في ظلّ أبيه الصادق (عليه السلام) عقدين من عمره المبارك
وتفيّأ بظلال علوم والده الكريم ومدرسته الربّانية التي استقطبت بأشعتها النافذة
العالم الإسلامي بل الإنساني أجمع. فعاصر حكم السفّاح ثم حكم المنصور الذي اغتال أباه في الخامس
والعشرين من شوال سنة (148 هـ) وتصدّى لمنصب الإمامة بعد أبيه
الصادق(عليه السلام) في ظروف حرجة كان يخشى فيها على حياته. |
|
الفصل الثّاني: انطباعات عن شخصية
الإمام موسى الكاظم(عليه السلام)
|
|
أجمع
المسلمون ـ على اختلاف نحلهم ومذاهبهم ـ على أفضلية
أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، وأعلميّتهم ، وسموّ مقامهم ، ورفعة
منزلتهم، وقدسيّة ذواتهم وقرب مكانتهم من الرسول الأعظم(صلَّى الله عليه وآله)
حتّى تنافسوا في الكتابة عنهم، وذكر أحاديث الرسول الأعظم(صلَّى الله عليه وآله)
فيهم، وبيان سيرهم، وأخلاقهم، وذكر ما ورد من حكمهم وتعاليمهم. وقال
له أيضاً: يا بنيّ هذا وارث علم النبيين، هذا موسى بن جعفر، إن أردت العلم
الصحيح فعند هذا(أمالي
الشيخ الصدوق: 307 والمناقب: 4 / 310.). 3 ـ قال المأمون العباسي في وصفه:
قد أنهكته العبادة، كأنه شنّ بال، قد كلم السجود وجهه وأنفه(الأنوار البهية: 193 عن
عيون أخبار الرضا(عليه السلام): 1/88 ح 11 ب 7.). |
الفصل الثالث: مظاهر من شخصية الإمام الكاظم (عليه السلام)
|
|
1 ـ وفور علمه:
|
|
|
لقد
شهد للإمام موسى الكاظم(عليه السلام) بوفور علمه أبوه
الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) إذ قال عنه: (إنّ ابني هذا لو سألته عمّا بين دفتي المصحف لأجابك فيه
بعلم). وقال
أيضاً: (وعنده علم الحكمة، والفهم، والسخاء، والمعرفة
بما يحتاج إليه الناس فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم). ويكفي لمعرفة وفور
علومه رواية العلماء عنه جميع الفنون من علوم الدين وغيرها مما ملأوا به الكتب،
وألّفوا المؤلّفات الكثيرة، حتى عرف بين الرواة بالعالم. وقال الشيخ المفيد:
وقد روى الناس عن أبي الحسن موسى فأكثروا، وكان أفقه أهل زمانه(الإرشاد: 2/225.). |
|
2 ـ عبادته وتقواه:
|
|
نشأ
الإمام موسى (عليه السلام) في بيت القداسة والتقوى، وترعرع في معهد العبادة
والطاعة، بالإضافة إلى أنه قد ورث من آبائه حب الله والإيمان به والإخلاص له فقد
قدموا نفوسهم قرابين في سبيله ، وبذلوا جميع إمكانياتهم في نشر دينه والقضاء على
كلمة الشرك والضلال فأهل البيت أساس التقوى ومعدن الإيمان والعقيدة، فلولاهم ما
عبد الله عابد ولا وحّده موحّد. وما تحقّقت فريضة، ولا أقيمت سنة ، ولا ساغت في
الإسلام شريعة. ب ـ صومه: كان الإمام(عليه السلام) يصوم في
النهار ويقوم مصلّياً في الليل، خصوصاً لمّا سجنه هارون فإنه لم يبارح العبادة
الاستحبابية بجميع أنواعها من صوم وغيره، وهو يشكر الله ويحمده على هذا الفراغ
الذي قضاه في عبادته. ج ـ حجّه: وما من شيء يحبه الله وندب إليه إلاّ
فعله الإمام عن رغبة وإخلاص، فمن ذلك أنه حج بيت الله ماشياً على قدميه،
والنجائب تقاد بين يديه، وقد حج معه أخوه علي بن جعفر وجميع عياله أربع مرات،
وحدّث علي بن جعفر عن الوقت الذي قطعوا به طريقهم فقال: كانت السفرة الأُولى
ستاً وعشرين يوماً، والثانية كانت خمساً وعشرين يوماً، والثالثة كانت أربعاً
وعشرين يوماً، والرابعة كانت إحدى وعشرين يوماً(بحار الأنوار: 48/100 ح 2 عن قرب الإسناد.). د ـ تلاوته للقرآن: كان الذكر الحكيم رفيق الإمام
في خلواته، وصاحبه في وحشته وكان يتلوه بإمعان وتدبر، وكان من أحسن الناس صوتا
به، فإذا قرأ يحزن، ويبكي السامعون لتلاوته(المناقب: 4 / 348.). هـ ـ عتقه للعبيد: ومن مظاهر طاعة الإمام(عليه
السلام) عطفه وإحسانه على الرقيق فقد أعتق ألف مملوك(عن (الدر النظيم) في مناقب الأئمة ليوسف بن حاتم الشامي،
مخطوط في مكتبة الإمام الحكيم العامة (النجف الأشرف).) كل ذلك لوجه الله، وابتغاء مرضاته، والتقرب
إليه. |
|
3 ـ زهده:
|
|
كان الإمام في طليعة الزاهدين في الدنيا والمعرضين
عن نعيمها وزخارفها فقد اتجه إلى الله ورغب فيما أعدّه له في دار الخلود من
النعيم والكرامة، وقد حدثنا عن مدى زهده إبراهيم بن عبد
الحميد فقال: دخلت عليه في بيته الذي كان يصلي فيه، فإذا ليس في البيت شيء سوى
خصفة، وسيف معلق، ومصحف(بحار الأنوار: 48/100، ح1 عن قرب الإسناد.)، لقد كان عيشه زهيداً، وبيته بسيطاً فلم يحتو
على شيء حتى من الأمتعة البسيطة التي تضمها بيوت الفقراء الأمر الذي دل على
تجرده من الدنيا، وإعراضه عنها. على أنه كانت تجبى له الأموال الطائلة، والحقوق
الشرعية من العالم الشيعي، بالإضافة إلى أنه كان يملك البسرية وغيرها من الأراضي
الزراعية التي تدر عليه بالأموال الخطيرة، وقد أنفق جميع ذلك بسخاء على البائسين
والمحرومين في سبيل الله وابتغاء مرضاته، وكان(عليه السلام) دوماً يتلو على
أصحابه سيرة أبي ذر الصحابي العظيم الذي ضرب المثل الأعلى لنكران الذات والتجرد
عن الدنيا والزهد في ملاذها، فقال (عليه السلام): (رحم الله أبا ذر. فلقد كان
يقول : جزى الله الدنيا عني مذمة بعد رغيفين من الشعير، أتغدى بأحدهما، وأتعشى
بالآخر، وبعد شملتي الصوف أءتزر بأحدهما وأرتدي بالأخرى...)( أصول الكافي: 2 / 134.). |
|
4 ـ جوده وسخاؤه:
|
|
لقد تجلّى الكرم الواقعي، والسخاء الحقيقي في
الإمام فكان مضرب المثل في الكرم والمعروف، فقد فزع إليه البائسون والمحرومون
لينقذهم من كابوس الفقر وجحيم البؤس وقد أجمع المؤرخون أنه أنفق(عليه السلام)
جميع ما عنده عليهم كل ذلك في سبيل الله لم يبتغ من أحد جزاءاً أو شكورا،
وكان(عليه السلام) في صِلاته يتطلب الكتمان وعدم الذيوع لئلا يشاهد على الآخذ
ذلة الحاجة، وكان يلتمس في ذلك وجه الله ورضاه، ولهذا كان يخرج في غلس الليل
البهيم فيصل الطبقة الضعيفة ببرّه وإحسانه وهي لا تعلم من أيّ جهة تصلها تلك
المبرة، وكان يوصلهم بصراره التي تتراوح ما بين المئتي دينار إلى الأربعمئة
دينار(تأريخ بغداد:
13 / 28.) وكان يضرب المثل بتلك
الصرار فكان أهله يقولون: (عجباً لمن جاءته صرار موسى وهو يشتكي القلة والفقر!!)( عمدة الطالب: 185.) |
|
5 ـ حلمه:
|
|
وكان
الحلم من أبرز صفات الإمام موسى(عليه السلام) فقد كان مضرب المثل في حلمه وكظمه
للغيظ، وكان يعفو عمن أساء إليه، ويصفح عمن اعتدى عليه، ولم يكتف بذلك وإنما كان
يحسن لهم ويغدق عليهم بالمعروف ليمحو بذلك روح الشر والأنانية من نفوسهم، وقد
ذكر المؤرخون بوادر كثيرة من حلمه فقد رووا: (أن
شخصاً من أحفاد عمر بن الخطاب كان يسيء للإمام، ويكيل السب والشتم لجده أمير
المؤمنين(عليه السلام) فأراد بعض شيعة الإمام اغتياله فنهاهم (عليه السلام) عن
ذلك ورأى أن يعالجه بغير ذلك فسأل عن مكانه فقيل: أنه يزرع في بعض نواحي
المدينة، فركب(عليه السلام) بغلته ومضى إليه متنكراً، فوجده في مزرعته فأقبل
نحوه، فصاح به: لا تطأ زرعنا واستمر الإمام حتى وصل إليه، ولمّا انتهى إليه جلس
إلى جنبه وأخذ يلاطفه ويحدّثه بأطيب الحديث، وقال له بلطف ولين: ـ كم غرمت في زرعك هذا ؟ |
|
6 ـ إرشاده وتوجيهه:
|
|
إنّ إرشاد الناس إلى الحق وهدايتهم إلى الصواب من
أهم الأمور الإصلاحية التي كان الإمام يعنى بها، فقد قام بدور مهم في إنقاذ
جماعة ممن أغرّتهم الدنيا وجرفتهم بتيّاراتها. وببركة إرشاده ووعظه لهم تركوا ما
هم فيه من الغيّ والضلال وصاروا من عيون المؤمنين. وقد ذكر المؤرخون بوادر كثيرة
له في هذا المجال فقد رووا قصته مع بشر الحافي، إذ كان في بداية أمره ـ فيما
يقول الرواة ـ يتعاطى الشراب ويقضي لياليه وأيامه في المجون والدعارة فتاب ببركة
إرشاد الإمام(عليه السلام) وتوجيهه كما سوف نشير إلى قصّته مع الإمام (عليه
السلام) فيما سيأتي(راجع تمام القصة في الفصل الثّاني من الباب الثّالث: 80.). |
7 ـ إحسانه إلى الناس:
|
|
وكان الإمام بارّاً بالمسلمين محسناً إليهم، فما
قصده أحد في حاجة إلاّ قام بقضائها، فلا ينصرف منه إلاّ وهو ناعم الفكر مثلوج
القلب، وكان(عليه السلام) يرى أن إدخال الغبطة على الناس وقضاء حوائجهم من أهم
أفعال الخير فلذا لم مبرّراً له، وقد فزع إليه جماعة من المنكوبين فكشف آلامهم
وملأ قلوبهم رجاءاً ورحمة. |
|
الباب الثاني:
|
|
وفيه فصول: |
|
|
الفصل الأوّل: نشأة الإمام موسى
الكاظم (عليه السلام)
|
|
هو
سابع أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، الكبير القدر العظيم الشأن، الجاد في
العبادة المشهور بالكرامات، الكاظم الغيظ والعافي عن الناس، العبد الصالح وباب
الحوائج إلى الله كما هو المعروف عند أهل العراق. 1 ـ الأب: هو سادس أئمة أهل البيت بعد
الرسول(صلَّى الله عليه وآله) أبو عبد الله جعفر ابن محمد الصادق معجزة الإسلام
ومفخرة الإنسانية على مرّ العصور وعبر الأجيال، لم تسمع الدنيا بمثله فضلا ونبلا
وعلماً وكمالا. 2 ـ الأم: لقد كانت أم الإمام موسى الكاظم(عليه
السلام) من تلكم النسوة اللاتي جلبن لأسواق يثرب وقد خصّها الله بالفضل وعناها
بالشرف فصارت وعاءً للإمامة والكرامة وتزوّج بها أبو عبد الله، فكانت من أعزّ
نسائه وأحبهن إليه، وآثرهن عنده. 3 ـ الوليد المبارك: وامتدّ الزمن
بعد زواج الإمام بها، وسافر الإمام أبو عبد الله إلى بيت الله الحرام لأداء
فريضة الحج، فحملها معه، وبعد الانتهاء من مراسيمه قفلوا راجعين إلى يثرب، فلمّا
انتهوا إلى (الأبواء)( الأبواء: بالفتح ثم السكون ، وواو وألف ممدودة، قرية من
أعمال الفرع بالمدينة، وبه قبر الزاكية آمنة بنت وهب أم النبي العظيم(صلَّى الله
عليه وآله).). أحسّت حميدة بالطلق
فأرسلت خلف الإمام تخبره بالأمر، لأنه قد عهد إليها أن لا تسبقه بشأن وليده،
وكان أبو عبد الله يتناول طعام الغداء مع جماعة من أصحابه، فلما وافاه النبأ
المسرّ قام مبادراً إليها فلم يلبث قليلاً حتى وضعت حميدة سيداً من سادات
المسلمين، وإماماً من أئمة أهل البيت(ع). 4 ـ حب وتكريم: وقطع الإمام موسى شوطاً من طفولته
وهو ناعم البال يستقبل الحياة كل يوم بحفاوة وتكريم، فأبوه يغدق عليه بعطفه
المستفيض ، وجماهير المسلمين تقابله بالعناية والتكريم ، وقد قدمه الإمام
الصادق(عليه السلام) على بقية ولده، وحمل له من الحب ما لا يحمله لغيره، فمن
مظاهر ودّه أنه وهب له قطعة من أرض تسمى البسرية، كان قد اشتراها بست وعشرين ألف
دينار () دلائل
الإمامة: 49 ـ 50.). 5 ـ صفته: كان أسمر شديد السمرة(الفصول المهمة لابن
الصباغ المالكي: 222 ، أخبار الدول: 112.)،
ربع القامة، كث اللحية(مناقب آل أبي طالب: 4 / 348.)
ووصفه شقيق البلخي فقال: كان حسن الوجه ، شديد السمرة، نحيف الجسم. وإذا كنت للشريف غلاماً =
فأنا الحر والزمان غلامي (أخبار الدول: 113.) الوفي: لأنه أوفى
إنسان خلق في عصره، فقد كان وفيّاً بارّاً بإخوانه وشيعته وبارّاً حتى بأعدائه
والحاقدين عليه. |
|
الفصل الثّاني: مراحل حياة الإمام
الكاظم (عليه السلام)
|
|
تبعاً لطبيعة الظروف التي مرّ بها الإمام الكاظم (عليه السلام) في
حياته تنقسم الدراسة عن حياته إلى ثلاث مراحل متميّزة: ولكن
الإمام باشر مهامه بكل إحكام وإتقان وأوصى إلى ابنه الرضا وضمن للجماعة الصالحة
استمرار المسيرة، وقضى مسموماً صابراً محتسباً. مكللاً جهاده بالشهادة في سبيل
الله تعالى. |
|
الفصل الثّالث: الإمام موسى الكاظم
في ظلّ أبيه (عليهما السلام)
|
|
لقد تميّزت المرحلة التي نشأ فيها
الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) وعاصرها مع أبيه
ـ منذ ولادته سنة (128 هـ) حتى وفاة أبيه سنة (148 هـ)
بعدّة منعطفات تاريخيّة ونشاطات نوعية من قبل الإمام الصادق (عليه السلام) حيث
استطاع بقدراته الإلهيّة وحنكته الربانيّة أن يتجاوز تلك التحدّيات ، ويرسم الخط
الإلهي الأصيل ويُنجز مهامّ الإمامة ويهيئ لولده الإمام الكاظم (عليه السلام)
الطريق لكي يمارس دوره المستقبلي. وهذه
الظاهرة أتاحت للإمام الصادق (عليه السلام) أن ينفذ من خلالها لتطبيق برنامجه ما
دامت السلطة مشغولة بالاضطرابات التي خلّفتها الثورة الحسينية. ب ـ وفي الوقت الذي كان الإمام(عليه السلام) يطور هذا التيّار الفكري
كان يهيئ الأذهان الخاصّة لقبول قيادة الإمام الكاظم(عليه السلام) والإيمان
بإمامته فقد جاء عن المفضّل بن عمر أنه قال: كنت عند أبي
عبد الله (عليه السلام) فدخل أبو إبراهيم موسى وهو غلام فقال لي أبو عبد الله
(عليه السلام): استوص به وضَعْ أمره عند من تثق به من
أصحابك(أصول
الكافي: 1 / 308، ح 4، والإرشاد: 2/216.). |
|
نصوص الإمام
الصادق(عليه السلام) على إمامة موسى الكاظم(عليه السلام)
|
|
1 ـ عن يعقوب السراج قال:
دخلت
على أبي عبد الله(عليه السلام) وهو واقف على رأس أبي الحسن موسى وهو في المهد،
فجعل يسارّه طويلاً، فجلست حتى فرغ، فقمت إليه فقال لي:
(ادن من مولاك فسلّم، فدنوت فسلمت عليه فردّ عليّ السلام بلسان فصيح، ثم قال لي:
اذهب فغيّر اسم ابنتك التي سميتها أمس، فإنه اسم يبغضه الله، وكان ولدت لي ابنة
سمّيتها بالحميراء. فقال أبو عبد الله: انته إلى أمره ترشد، فغيّرت اسمها)( أصول الكافي: 1 / 310،
ح 11.). |
|
الباب الثالث:
|
|
وفيه فصول: |
|
الفصل الأوّل: ملامح عصر الإمام
الكاظم(عليه السلام)
|
|
لم
يغيّر المنصور من سياسته ضد العلويين بعد قتله للإمام الصادق(ع)، وبعد قضائه على
الثورات العلوية في زمانه، بل بقي هاجس الخوف والقلق يلاحقه، ولم تهدأ ذاته
المليئة بالحقد عليهم، فاستمر في اضطهادهم، فزجّ الأبرياء في السجون المظلمة
وهدمها عليهم، ودفن البعض وهم أحياء في اسطوانات البناء، وبثّ الجواسيس، لأجل أن
يحيط علماً بكل نشاطهم، وأخذت عيونه ترصد كل حركة بعد تحويرها وتحريفها بالكذب
لتنسجم مع رغبات الخليفة فكانوا يرفعونها له مكتوبة كما سمح للتيّارات الإلحادية
كالغلاة والزنادقة في أن تأخذ طريقها بين عامة الناس لإضلالهم. كما استعمل بعض العلماء واستغلّهم لتأييد سياسته وإسباغ
الطابع الشرعي على حكمه. ويمكن استجلاء هذا الوضع ضمن عدة نقاط: |
|
النقطة الأولى:
|
|
إنّ
وصية الإمام الصادق(عليه السلام) التي عهد بها أمام الناس لخمسة أشخاص، هم أبو
جعفر المنصور، محمد بن سليمان، وعبد الله، وموسى، وحميدة، مع كتابة المنصور
لعامله في المدينة بأن يقتل وصيّ الإمام الصادق (عليه السلام) إن كان معيناً،
يتضح ـ من هذه الوصية مع أوامر المنصور بقتل الوصيّ ـ نوع الطريقة التي كان
يتحرك بها المنصور تجاه الإمام موسى(عليه السلام) ثم يتضح أيضاً حجم النشاط وحجم
الاهتمام الذي كان يعطيه المنصور للإمام(عليه السلام) لمراقبة حركته. قال: أوصى إلى ابنه عبد الله وإلى ابنه موسى، وإلى المنصور.
فقال: الحمد لله الذي لم يُضلّنا، دلّ على الصغير وبيّن على الكبير، وستر الأمر
العظيم. ووثب إلى قبر أمير المؤمنين(ع) فصلَّى وصلّينا.
ثم أقبلت عليه وقلت له: فسّر لي ما قلته ؟ قال:
بيّن أن الكبير ذو عاهة ودلّ على الصغير أن أدخل يده مع الكبير، وستر الأمر العظيم
بالمنصور حتى إذا سأل المنصور: من وصيّه؟ قيل : أنت. قال
الخراساني: فلم أفهم جواب ما قاله(عوالم العلوم ، الإمام الكاظم: 175.). فذهب بعد ذلك إلى المدينة ليطّلع بنفسه على الوصي من بعد الإمام جعفر بن محمد(ع). |
|
النقطة الثانية:
|
|
لقد
شدّدت السلطات في المراقبة على الشيعة بعد استشهاد الإمام الصادق(عليه السلام)
وعمّ الارتباك أوساطهم وشحنت الأجواء بالحذر والتحسّب. |
|
النقطة الثالثة:
|
|
من
الحقائق التاريخية التي تكشف سياسة المنصور القائمة على الخنق والإبادة والقتل
للعلويين هو حديث الخزانة. (لمّا عزم المنصور على الحج دعا ريطة بنت
أبي العباس امرأة المهدي وكان المهدي بالري قبل شخوص أبي جعفر فأوصاها بما
أراد)، وعهد إليها ودفع إليها مفاتيح الخزائن، وتقدّم
إليها وأحلفها ووكّد الإيمان أن لا تفتح بعض تلك الخزائن، ولا تطلع عليها أحداً
إلاّ المهدي، ولا هي إلاّ أن يصح عندها موته، فإذا صح ذلك اجتمعت هي والمهدي
وليس معهما ثالث حتى يفتحا الخزانة، فلمّا قدم المهدي من الري إلى مدينة السلام
دفعت إليه المفاتيح وأخبرته أنه تقدم إليها أن لا تفتحه ولا تُطلع عليه أحداً
حتى يصح عندها موته فلما انتهى إلى المهدي موت المنصور وولي الخلافة فتح الباب
ومعه ريطة، فإذا أزج كبير فيه جماعة من قتلى الطالبيين، وفي آذانهم رقاع فيها
أنسابهم وإذا فيهم أطفال، ورجال شباب، ومشايخ عدة كثيرة، فلما رأى ذلك المهدي
ارتاع لما رأى وأمر فحفرت لهم حفيرة فدفنوا فيها، وعمل عليهم دكاناً) (الطبري: 6 / 343 و 344
مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.). |
|
النقطة الرابعة:
|
|
ومن المشاكل التي أثيرت في مطلع تسلّم الإمام
موسى(ع) لمسؤولية الإمامة ، والتي كانت تهدف لتمزيق الطائفة الشيعية وإثارة
البلبلة والتخريب في صفوفها، هي التشكيك في مسألة القيادة فإنها لمن تكون بعد
الإمام الصادق (عليه السلام) بسبب ما ادّعاه (عبد الله
الأفطح) أخو الإمام موسى الأكبر بعد إسماعيل، وهذا بطبيعة الحال يُضيف
معاناة أُخرى للإمام ؛ لأن أجهزة المنصور العدوانيّة كانت تعدّ عليه الأنفاس وتشك
في أيّ حركة تصدر منه (سيرة الأئمة الاثني عشر: 2/325 فصل حياة الإمام موسى بن جعفر
الكاظم(ع) ط دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت، والإرشاد: 2/209 ذكر أولاد أبي عبد
الله(عليه السلام) وعددهم وأسمائهم وطرف من أخبارهم، ط مؤسسة آل البيت لإحياء
التراث ـ قم المقدسة.). |
|
النقطة الخامسة:
|
|
ومن
الأساليب التي استخدمتها السلطات العبّاسية عامة والمنصور بشكل خاص، سياسة
اتّخاذ (وعّاظ السلاطين) بعد أن غيّب الإمام
موسى الكاظم(عليه السلام) عن المسرح السياسي والفكري ، وظاهرة وعّاظ السلاطين هي
بديل يرعاه الخليفة ويدعمه بما أوتي من قوة ليغطّي له الفراغ من جانب وتؤيد له
سياسته من جانب آخر إذ يوحي للأمة بأنه مع الخط الإسلامي السائر على نهج السنة
النبويّة، ووجد من (مالك بن أنس) وأمثاله ممن تناغم معه في الاختيار العقائدي الذي لا يصطدم مع سياسته، ووجد من تجاوب مع رغبته وكال
له ولأسرته المديح والثناء، الأمر الذي دفع بالمنصور أن
يفرض (الموطأ) على الناس بالسيف ثم جعل لمالك السلطة في الحجاز على الولاة وجميع
موظّفي الدولة فازدحم الناس على بابه وهابته الولاة والحكّام وحينما وفد
الشافعي عليه فشفّع بالوالي لكي يسهّل له أمر الدخول عليه فقال له الوالي: إني أمشي من المدينة إلى مكة حافياً
راجلاً أهون عليّ من أن أمشي إلى باب مالك. ولست أرى
الذل حتى أقف على باب داره (الأئمة الأربعة لمصطفى الشكعة: 2/100، حياة مالك بن أنس،
الفصل الخامس، باب 6 مهابة مالك، سيرة الأئمة الاثني عشر، هاشم معروف الحسني:
2/326، حياة الإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليهما السلام).). |
|
النقطة السادسة:
|
|
انتشرت في هذه المرحلة عقائد خاطئة وتأسّست فرق منحرفة من الإلحاد
والزندقة والغلوّ والجبرية والإرجاء ، عقائد خاطئة ذات أصحاب تدافع عنها ،
ولم تكن كل هذه الاعتقادات وليدة هذا الظرف بالذات، وإنما نشطت في هذا الجوّ
المساعد لنموها، حيث كان بعض الخلفاء يتبنى بعضاً منها ويسمح لانتشار البعض
الآخر. |
|
الفصل الثّاني: مواقف الإمام
الكاظم (عليه السلام) في عهد المنصور
|
|
إنّ
حركة الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) ونشاطه إزاء هذه الظروف التي تحدثنا عنها
لم يسعفنا التاريخ بتفاصيلها ولم يحدّد لنا بالأرقام بشكل واضح حركة الإمام
فيها، إلاّ أنّ بعض الروايات التاريخية تشير إلى أن الإمام(ع) قد مارس أُموراً
في سنوات حكم المنصور العشرة بعد استشهاد الإمام الصادق(عليه السلام). |
|
الاتّجاه الأوّل:
الإمام الكاظم (عليه السلام) وإحكام المواقع
|
|
ونتناول
في هذا الاتجاه دور الإمام(عليه السلام) في إبرازه للقدرات الغيبية التي تميّز
الإمام عن غيره من الأدعياء وزعماء الفرق والطوائف الضالّة في زمانه، وبهذا قد
لفت أنظار الأمة وأعطاها حسّاً تقارن وتحاكم به هذه التيّارات وتفرز بين الحق
والباطل بما أمتلكته من مقاييس مستلهمة من مشاهد مثيرة حسية كان قد حققها
الإمام(عليه السلام). النشاط
الأول: إخبار الإمام موسى(عليه السلام) لعامة الناس ببعض الغيبيات التي لا يمكن
للإنسان العادي أن يتوصّل إليها، والروايات التي تتضمّن هذا النوع من الإخبار
كثيرة جداً ننقل بعضاً منها: المثال الأول: عن إسحاق بن عمار قال: (سمعت العبد
الصالح(عليه السلام) ينعى إلى رجل من شيعته نفسه، فقلت في نفسي: وإنه ليعلم متى
يموت الرجل من شيعته ! فالتفت إلي شبه المغضَب فقال:
يا إسحاق قد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا والإمام أولى بعلم ذلك،
ثم قال: يا إسحاق اصنع ما أنت صانع فإنّ عمرك قد فنى
وقد بقي منه دون سنتين ... فلم يلبث إسحاق بعد هذا المجلس إلاّ يسيراً
حتى مات)( أصول
الكافي: 1/484، ح 7، وفي الخرائج والجرائح: 1/310، ح 3: إسحاق بن منصور، وفي
إثبات الهداة: 5/541، ح 78: إسماعيل بن منصور عن أبيه. وفي بحار الأنوار: 48/68،
ح 90 ـ 91 عن الكافي والخرائج.). المثال الثاني: قال خالد بن نجيح: قلت
لموسى(عليه السلام) إنّ أصحابنا قدموا من الكوفة وذكروا أن المفضّل شديد الوجع،
فادع الله له. فقال(عليه السلام): (قد استراح)،
وكان هذا الكلام بعد موته بثلاثة أيّام(بصائر الدرجات: 264 ح 10، واخبار معرفة الرجال: 329 ح 597،
والخرائج والجرائح: 2/715 ح 13، وعنه في بحار الأنوار: 48 / 72.). المثال الثالث: قال ابن نافع التفليسي: خلّفت
والدي مع الحرم في الموسم وقصدت موسى بن جعفر(عليه السلام) فلما أن قربت منه
هممت بالسلام عليه فأقبل عليّ بوجهه وقال: (برّ حجك
يا ابن نافع، آجرك الله في أبيك فإنّه قد قبضه إليه في هذه الساعة، فارجع فخذ في
جهازه)، فبقيت متحيراً عند قوله، وقد كنت خلّفته وما به علّة، فقال: يا ابن نافع أفلا تؤمن؟ فرجعت فإذا أنا بالجواري
يلطمن خدودهنّ فقلت: ما وراكنّ؟ قلن: أبوك فارق الدنيا، قال ابن نافع: فجئت إليه
أسأله عمّا أخفاه ورائي فقال لي: أبداً ما أخفاه وراءك، ثم قال: يا ابن
نافع إن كان في أمنيتك كذا وكذا أن تسأل عنه فأنا جنب الله وكلمته الباقية وحجته
البالغة)(
مناقب آل أبي طالب: 4/311 وعنه في بحار الأنوار: 48/72.). النشاط
الثاني: ومن قدرات الإمام(ع) الخارقة للعادة والتي تميّزه أيضاً عن غيره هي
تكلّمه بعدّة لغات من غير أن يتعلّمها بالطرق الطبيعية للتعلّم، وإنّما
بالإلهام. وفي هذا المجال تطالعنا مجموعة من الشواهد: الشاهد الأول: عن أبي بصير قال: دخلت على أبي الحسن
الماضي(ع)، ما لبثت أن دخل علينا رجل من أهل خراسان فتكلّم الخراساني بالعربية،
فأجابه هو بالفارسية. فقال له الخراساني: أصلحك الله ما منعني أن أكلمك بكلامي
إلاّ أني ظننت أنك لا تحسن ، فقال: (سبحان الله! إذا
كنت لا أحسن أن أجيبك فما فضلي عليك؟!)، ثم
قال: (يا أبا محمد ، إنّ الإمام لا يخفى عليه كلام
أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه روح . بهذا يعرف الإمام ، فإذا لم تكن
فيه هذه الخصال فليس هو بإمام)( قرب الإسناد: 265، ح 1263 وعنه في بحار الأنوار: 25/133، ح
5، واثبات الهداة: 5/535 ح 72.). الشاهد الثاني: روي عن أبي حمزة أنه قال: كنت عند
أبي الحسن موسى(ع) إذ دخل عليه ثلاثون مملوكاً من الحبشة اُشتروا له، فتكلم غلام
منهم ـ وكان جميلاً ـ بكلام فأجابه موسى (ع) بلغته فتعجّب الغلام وتعجّبوا
جميعاً وظنوا أنه لا يفهم كلامهم. فقال له موسى(ع): (إني
أدفع إليك مالاً، فادفع إلى كل (واحد) منهم ثلاثين درهماً). فخرجوا وبعضهم يقول لبعض:
(إنّه أفصح منا بلغتنا، وهذه نعمة من الله علينا. قال علي بن أبي حمزة: فلما
خرجوا قلت: يا ابن رسول الله! رأيتك تكلم هؤلاء الحبشيين بلغاتهم ! قال: نعم. وأمرت ذلك الغلام من بينهم بشيء دونهم؟ قال: نعم أمرته أن يستوصي بأصحابه خيراً وأن يُعطي كل واحد منهم
في كل شهر ثلاثين درهماً، لأنّه لمّا تكلم كان أعلمهم، فإنه من أبناء ملوكهم،
فجعلته عليهم، وأوصيته بما يحتاجون إليه، وهو مع هذا غلام صدق. ثم قال: لعلك عجبت من
كلامي إياهم الحبشية ؟ قلت: إي والله. قال(عليه السلام): (لا تعجب فما خفي عليك من أمري أعجب وأعجب)( قرب الإسناد: 262، ح
1257 وعنه في بحار الأنوار: 26/190 و 48 / 100، ودلائل الإمامة: 169، والخرائج
والجرائح: 1/312، ح 5 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 70.). الشاهد الثالث: قال بدر ـ مولى الإمام
الرضا(عليه السلام) ـ: (إنّ إسحاق بن عمار دخل على موسى بن جعفر (ع) فجلس عنده
إذ استأذن عليه رجل خراساني يكلّمه بكلام لم يسمع مثله قطّ كأنه كلام الطير. |
|
الاتّجاه الثاني:
الإمام الكاظم (عليه السلام) ومعالجة الانهيار الأخلاقي
|
|
لقد أصاب القيم الإسلامية ـ بفعل الأسباب التي
ذكرناها ـ اهتزاز كبير وتعرّضت الأمة إلى هبوط معنوي وتميّع مشهود، تغذّيه
وتحركه أيد سلطانية هادفة، هنا سلك الإمام الكاظم(عليه
السلام) سبيلين من أجل أن يحدّ من هذا الانهيار
الذي تعرّضت له الأمة. |
|
الاتّجاه الثالث:
الإمام الكاظم والتحدّيات الداخلية
|
|
وهنا
ندرس بعض مواقف الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) من جملة من التحدّيات الداخلية
التي كان لها تأثير سلبي مباشر على المذهب، ومنها تحدّيات السلطة لمرجعية الإمام
العلمية. وقال الإمام الكاظم في موضع آخر: (مالكم والقياس؟! إنمّا هلك من هلك من قبلكم بالقياس)( أصول الكافي: 1/57، ح
16 وعنه في وسائل الشيعة: 27/42 ح 15.). |
|
الاتّجاه الرابع:
الإمام الكاظم (عليه السلام) وتركيز القيادة الشرعية السياسيّة
|
|
ركّز
الإمام موسى الكاظم(ع) على مسألة القيادة والولاية الشرعية المتمثّلة بالإمام
المعصوم والموقف من القيادة السياسية المنحرفة، وتعريف الخواص بالإمامة والقيادة
الحقة عبر أساليب تربويّة. النشاط الأوّل: في المجال الفكري النشاط الثاني: في المجال العملي كان الإمام(ع)
يحاسب شيعته وأتباعه المتعاطفين مع الحكّام والولاة ولا يسمح لهم بالانخراط في
دائرة الظالمين وأعوان الظالمين إلاّ في موارد خاصة كان هو الذي يأمر بها ويشرف
على سيرها وتصرّفاتها. |
|
الإمام موسى بن جعفر
(عليه السلام) يخبر بموت المنصور
|
|
وأراد أبو جعفر المنصور
الذهاب إلى مكة ـ وذلك قبيل وفاته ـ فأخبر الإمام(عليه السلام) بعض خواص الشيعة
بموته قبل أن يصل إليها. وفعلاً مات قبل الوصول إليها كما أخبر به الإمام(عليه
السلام). |
|
الفصل الثّالث: الإمام الكاظم
(عليه السلام) وحكومة المهدي العبّاسي
|
|
ملامح عهد المهديّ
العباسيّ
|
|
ويمكن أن نوجز ملامح حكومته وعهده فيما يلي: ثانياً: إنّ المرونة التي طرأت على سياسة
المهدي العبّاسي مع العلويين كانت في بداية حكمه وتمثلت فيما أصدره من عفو عام
عن جميع المسجونين وفي ردّ جميع الأموال المنقولة وغير المنقولة والتي كان قد
صادرها أبوه ظلماً وعدواناً إلى أهلها، فردّ على الإمام موسى الكاظم(ع) ما صادره
أبوه من أموال الإمام الصادق(عليه السلام). ثالثاً: بعد أن نشط الإمام(ع) وذاع
صيته خلال حكم المهدي استخدم المهدي سياسة التشدد على الإمام موسى الكاظم(ع)،
فلقد استدعاه إلى بغداد وحبسه فيها ثم ردّه إلى المدينة(قرب الإسناد: 140 ، البحار: 48 / 228 ح 32 وأخرجه المالكي في
الفصول المهمة: 216 والشبلنجي في نور الأبصار: 165.). رابعاً: شجّع المهدي الوضّاعين في زمنه فقام
هؤلاء بدور إعلامي تضليلي فأحاطوا السلاطين بهالة من التقديس وأبرزوهم في
المجتمع على أنهم يمثلون إرادة الله في الأرض وأن الخطأ لا يمسّهم فمثل غياث بن إبراهيم الذي عرف هوى المهدي في الحَمام وعشقه
لها فحدّثه عن أبي هريرة أنه قال: لا سبق
إلاّ في حافر أو نصل ـ وزاد فيه ـ أو جناح. فأمر له المهدي عوض افتعاله للحديث بعشرة آلاف درهم، ولمّا ولّى عنه قال لجلسائه: أشهد أنه كذب على رسول الله (ص) ما قال رسول الله ذلك
ولكنه أراد أن يتقرب إليَّ (تاريخ بغداد: 2 / 193.). يا ابن الذي ورث النبي محمداً = دون الأقارب من ذوى الأرحام فأجازه
المهدي على ذلك بسبعين ألف درهم تشجيعاً له ولغيره على انتقاص أهل البيت(عليهم
السلام).
(الاحتجاج للطبرسي: 2/167،
168.) خامساً: لقد شاع اللهو وانتشر المجون وسادت
الميوعة والتحلّل في حكم المهدي العباسي. وبلغ المهدي حسن صوت إبراهيم الموصلي
وجودة غنائه فقرّبه إليه وأعلى من شأنه(الأغاني: 5 / 5.). خليفة يزني بعمّاته = يلعب بالدف وبالصولجان (شذرات الذهب: 1 / 365.) سادساً: إنّ جميع ما أخذه المنصور من أبناء
الأمة ظلماً وعدواناً وجمعه في خزانته وبخل عن بذله لإعمار البلاد وإصلاح حال
الأمة قد بذله المهدي على شهواته حتى أسرف في ذلك بالرغم من كل ما شاهد من البؤس
والفقر التي كانت حاضرة أمام الناظرين أيّام حكومته. سابعاً: إن السفّاح والمنصور لم يسمحا
لنسائهما بالتدخل في شؤون الدولة ولكن المهدي لمّا استولى على الحكم بدأ سلطان المرأة ينفذ إلى البلاط فزوجته الخيزران أصبحت ذات
نفوذ قوي على القصر تقرب من تشاء وتبعّد من تشاء. ومن هذا العصر أخذ نفوذ
المرأة يزداد ويقوى في بلاط الحكّام العباسيين حتى بلغ نهايته في أواسط العهد
العباسي واستمر حتى نهاية حكمهم(حياة الإمام موسى بن جعفر: 1 / 441.). ثامناً: إن انشغال المهدي باللهو من جانب
وحاجته إلى الأموال من جانب آخر شجّع عمّاله على نهب الأموال وسلب ثروات الأمة
حتى انتشرت الرشوة عند الموظّفين وتشدّد ولاته في أخذ الخراج. بل عمد المهدي
نفسه إلى الاجحاف بالناس فأمر بجباية أسواق بغداد وجعل الأجرة عليها(تاريخ اليعقوبي: 2 /
399.). |
|
النشاط العام للإمام الكاظم (عليه السلام)
|
|
كان الغالب على حياة الإمام موسى الكاظم (ع) عدم
الانفتاح على الأُمة في حركته العامة. |
|
1 ـ المجال السياسي: |
|
قام
الإمام (عليه السلام) بتوضيح موقفه تجاه الخلفاء والخلافة للأمة، وان كلفه
الموقف ثمناً قد يؤدّي بحياته. الموقف الأول: لقد ذكرنا بأن المهدي العباسي عند
تسلّمه زمام الحكم من أبيه المنصور أبدى سياسة مرنة مع العلويين أراد بها كسبهم
وحاول أن ينسب من خلالها المظالم العبّاسية إلى العهد البائد، ويوحي من جانب قوة
الخلافة وشرعيتها وعدالتها عندما أعلن إعادة حقوق العلويين لهم وأصدر عفواً
عاماً للمسجونين، وأرجع أموال الإمام الصادق(ع) إلى الإمام الكاظم (ع). من هنا وجد الإمام (ع) فرصته الذهبية لاستغلال هذه البادرة
فبادر بمطالبة المهدي بإرجاع فدك باعتبارها تحمل
قيمة سياسية ورمزاً للصراع التأريخي بين خط السقيفة وخط أهل البيت (عليهم السلام). الموقف الثاني: في هذه المرحلة كان الإمام(ع)
حريصاً على تماسك الوجود الشيعي في وسط المجتمع الإسلامي ووحدة صفه، لأن الظروف
الصعبة، تشكّل فرصة لنفوذ النفوس الضعيفة والحاقدة بقصد التخريب. |
|
2 ـ المجال الأخلاقي والتربوي:
|
|
لقد أشاع الحكّام العبّاسيون أخلاقاً وممارسات
جاهلية أصابت القيم والأخلاق الإسلامية بالاهتزاز وعرّضت المثل العليا للضياع. النموذج الثاني:
خرج عبد الصمد بن علي ومعه جماعة فبصر بأبي الحسن(ع) مقبلاً راكباً بغلاً، فقال لمن معه: مكانكم حتى أضحككم من موسى بن جعفر،
فلما دنا منه قال له: ما هذه الدابّة التي لا تدرك عليها الثأر، ولا تصلح عند
النزال؟ فقال له أبو الحسن (تطأطأت عن سموّ الخيل
وتجاوزت قموء العير، وخير الأمور أوسطها) . فافحم عبد الصمد فما أحار
جواباً (بحار
الأنوار: 48 / 154 / ح26 عن فروع الكافي: 6/540.). النموذج الثالث:
عن الحسن بن محمد: أن رجلاً من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذي أبا
الحسن(ع) فكان يسبّه إذا رآه ويشتم علياً(ع). وقد لاحظنا حسن تعامل الإمام معه
وكيف أدّى ذلك إلى صلاح رؤيته وتعامله مع الإمام (ع)
( راجع الفصل الثالث من الباب الأوّل، مبحث
حلمه(عليه السلام) ص 34 من هذا الكتاب.). |
|
3 ـ المجال العلمي
|
|
1 ـ
قال أبو يوسف للمهدي ـ وعنده موسى بن جعفر(عليه السلام) ـ: (تأذن لي أن أسأله عن
مسائل ليس عنده فيها شيء؟ فقال له: نعم. فقال لموسى بن جعفر(عليه السلام) أسألك
؟ قال: نعم. فقال
المهدي لأبي يوسف: ما أراك صنعت شيئاً ؟! قال: رماني بحجر دامغ)( عيون أخبار الرضا: 1 /
78 وعنه في بحار الأنوار: 81 / 108. ونقله في المناقب: 4/338 عن الفقيه، وليس
فيه لا في الحيض ولا في التظليل! وفي الكنى والألقاب: 1/188 عن الكليني. ونقل
نحوه المفيد في الإرشاد: 2/235 عن محمّد بن الحسن الشيباني بمحضر الرشيد،
ورواهما في الاحتجاج: 2 / 168.). |
|
الإمام الكاظم (عليه
السلام) وبناء الجماعة الصالحة
|
|
كرّس الإمام الكاظم(عليه السلام) جهده لإكمال بناء
الجماعة الصالحة التي يهدف من خلالها إلى الحفاظ على الشريعة من الضياع ويطرح
النموذج الصالح الذي يتولّى عملية التغيير والبناء في الأُمة، حيث مارس
الإمام(ع) تحرّكاً مشهوداً في هذا المجال وقدّم للأمة النموذج الصالح الذي صنعته
مدرسة أهل البيت (ع). |
|
أولاً: تركيز
الانتماء لخط أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
1 ـ الانتماء السياسي:
|
|
ركّز الإمام(عليه السلام) على بعد الانتماء لخطّ
أهل البيت(عليهم السلام) ولا سيّما الانتماء السياسي لهم وتحرك الإمام على مستوى
تجويز اندساس بعض أتباعه في جهاز السلطة الحاكمة، وأبرز
مثال لذلك توظيف علي بن يقطين ووصوله إلى مركز الوزارة; وذلك لتحقيق عدّة أهداف
في هذه المرحلة السياسية الحرجة وهي كما يلي:
|
|
ثانياً: التثقيف
السياسي
|
|
إنّ النشاط السياسي الذي يقوم به أصحاب الإمام(عليه
السلام) في هذه المرحلة ولما يمتاز به من صعوبات كان يحتاج إلى لون خاص من الوعي
ودقة في الملاحظة وعمق في الإيمان، ممّا دفع بالإمام(عليه السلام) إلى أن يرعى
ويشجع الخواص ويعمق في نفوسهم روح التديّن ويمنحهم سقفاً خاصاً من المستوى
الإيماني ويدفعهم إلى أفق سياسي يتحرّكون به ضد الخصوم بشكل سليم ويوفّر لهم قوة
تمنحهم قدرة المواصلة وسموّ النفس. |
|
ثالثاً: البناء
العملي والانتماء الفكري:
|
|
ركّز الإمام الكاظم(ع) في تربيته للجماعة الصالحة
على ضرورة الانتماء الفكري والمعرفي لمدرسة أهل البيت (ع)، وتحرك الإمام(ع) بهذا
الاتّجاه مستغلاً للنهضة الفكرية التي حقّقها الإمام الصادق(ع) من قبل ، فقام
بإكمال عمل أبيه في بناء الكادر المتخصص فامتدّت قواعده من هذا النوع حتى ذكر له
(319) صحابياً(الإمام
موسى الكاظم لباقر شريف القرشى: 2 / 223.)
كل منهم تلقى العلم والمعرفة من الإمام الكاظم(عليه السلام) وقد خضعت هذه
الجماعة بانتمائها الفكري إلى برمجة متقنة يمكنها مواجهة التحديات الثقافية
والفقهية والإبداع في ميدانها الخاص. وفيما يلي نشير
إلى جانب من نشاط الإمام(عليه السلام) بهذا الاتّجاه: |
|
اعتقال الإمام الكاظم
(عليه السلام)
|
|
لقد عرفنا عداء المهدي للعلويين بشكل عام بل لمن
يتولاّهم، وما كان إخراجهم من السجون إلاّ لأنه أحسّ بأن حكومته لا تدوم لو
استمرّ على سيرة أبيه المنصور في التضييق عليهم، وقد أعرب عن سياسته بقوله: إني
أرى التأديب بالصفح أبلغ منه بالعقوبة، والسلامة مع العفو أكثر منها مع العاجلة،
والقلوب لا تبقى لوال لا يعطف إذا استعطف ، ولا يعفو إذا قدر، ولا يغفر إذا ظفر،
ولا يرحم إذا استرحم، من قلّت رحمته واشتدّت سطوته وجب مقته وكثر مبغضوه(تاريخ اليعقوبي: 2 / 399
ـ 400.). |
|
الإمام الكاظم (عليه
السلام) في حكومة موسى الهادي العباسي
|
|
ثم استولى على الحكم موسى
الهادي بعد وفاة أبيه المهدي في العشر الأخير من محرم سنة (169 هـ) وتوفي في
السنة (170 هـ) وكان عمره (26) سنة (تاريخ اليعقوبي: 2 / 401 ـ 406.) وبالرغم من قصر المدّة التي حكم فيها موسى الهادي إلاّ أنها قد تركت آثاراً سيّئة على الشيعة وامتازت بحدث مهم في التاريخ الإسلامي وهو (واقعة فخ) التي قال عنها الإمام الجواد(عليه
السلام): (لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ)( الإمام موسى الكاظم: 2
/ 457.) فكانت سياسة الهادي قد
امتازت بنزعات شريرة ظهرت في سلوكه حتى نقم عليه القريب والبعيد وأبغضه الناس
جميعاً وقد حقدت عليه أمه الخيزران حتى بلغ بها
الغيظ له نهايته، قيل إنها هي التي قتلته (عمدة الطالب في أنساب
آل أبي طالب: 172 عن سر السلسلة العلوية: 14. ونقل القول الأصفهاني في مقاتل
الطالبيين وعنه في بحار الأنوار: 48/165.). |
|
ثورة فخ |
|
إنّ الذي فجّر الثورة على الحاكم العبّاسي هو
(الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب(ع)). |
|
نتائج الثورة
|
|
بعد
أن انتهت الثورة باستشهاد (الحسين صاحب فخ) وصحبه أخذ الهادي يتوعّد الأحياء
منهم، وقد ذكر سيدهم الإمام موسى قائلاً: والله ما خرج حسين إلاّ عن أمره، ولا
اتّبع إلاّ محبته، لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت. قتلني الله إن أبقيت عليه(بحار الأنوار: 48 / 150
ـ 153 عن ابن طاووس في مهج الدعوات: 217.). زعمت سخينة أن ستغلب ربّها = فليغلبنَّ مغالب الغلاب وأقبل الإمام نحو القبلة ودعا بدعاء الجوشن الصغير
المعروف الوارد عنه(عليه السلام) ثم قال(عليه السلام): (قد ـ وحرمة هذا القبر ـ مات في يومه هذا والله و(إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ
مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)( الذاريات (51): 23.)). |
|
تحليل ثورة فخ وموقف
الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) منها
|
|
لقد استعرضنا فيما سبق نشاط الإمام لإكمال بناء
الجماعة الصالحة لإيصالها إلى المستوى العالي من العقيدة والإيمان والوعي
السياسي الذي يُهيّء الأرضية لانجاز المشروع التغييري الإسلامي الكبير. يمكن أن نلخّص موقف الإمام موسى من واقعة
(فخ) بما يلي: |
|
موسى الهادي يحاول
عزل الرشيد من ولاية العهد:
|
|
قال اليعقوبي:
وشجرت بين موسى وأخيه الوحشة فعزم على خلعه وتصيير ابنه جعفر وليّ العهد، ودعا
القوّاد إلى ذلك، فتوقف عامتهم وأشاروا عليه أن لا يفعل ، وسارع بعضهم وقووا
عزيمته في ذلك وأعلموه أن الملك لا يصلح إن صار إلى هارون، فكان ممن سعى في خلعه
أبو هريرة محمد بن فرّوخ الأزدي القائد من الأزد ، وقد كان موسى وجّه به في جيش
كثير يستنفر من بالجزيرة والشام ومصر والمغرب ويدعو الناس إلى خلع هارون، فمن
أبى جرّد فيهم السيف فسار حتى صار إلى الرقة فأتاه الخبر بوفاة موسى(تأريخ اليعقوبي: 2 /
405.). |
|
الباب الرابع:
|
|
وفيه فصول: |
|
الفصل الأوّل:
ملامح عهد الرشيد وسياسته مع الإمام الكاظم(عليه السلام)
|
|
تعتبر السنوات الأخيرة من عمر
الإمام موسى الكاظم(عليه السلام) من أعقد مراحل حياته
وأشدّها صعوبة وأذىً على الإمام(عليه السلام) بالقياس إلى المراحل الأخرى التي سبقتها،
وقد عاصر فيها هارون الرشيد لمدة (14) سنة وأشهراً (إعلام الورى: 2/7 وعنه
في بحار الأنوار: 48 / 1، ح1.) وكانت
حافلة بالآلام والمصاعب. البحث الأول: ملامح عهد الرشيد: بأبي من كان في قلبي له = مرة حب قليل فسرق وغنّاه
إبراهيم الموصلي بها فأعطى كل واحد منهما مئة
ألف درهم ومئة ثوب (الاغاني: 4 / 74.). |
|
البحث
الثاني: موقف الرشيد من الإمام الكاظم(عليه السلام)
|
|
كان الرشيد شديد الحساسية والحقد على الإمام موسى
الكاظم(عليه السلام) بالنسبة إلى الخلفاء العبّاسيين الذين سبقوه، من هنا بدأ
بمحاصرة الإمام ومراقبته بغية شل حركته ونشاطه، بطرق وأساليب متعددة وملتوية
ومتطوّرة تمثّلت في الاستدعاءات المتعدّدة للبلاط ثم الاعتقالات المتكرّرة،
ومحاولات الاغتيال بتصفية أتباع الإمام(عليه السلام) وشيعته، وزجّ البعض في
السجون بعد بثّه للجواسيس بشكل مكثّف ورصد ومُتابعة كل حركة تصدر من الإمام
وأصحابه وإكرام الوشاة وتشجيعهم فيما إذا جاءوا بمعلومة سرّية عن الإمام حتى إنه
كانت تقدم رؤوس العلويين كهدايا للرشيد باعتبارها من الأمور الثمينة عنده. |
|
الطائفة الأولى:
|
|
تتضمّن
أساليب الرشيد مع الإمام والتي تدور بين إكرام الإمام مرة والتخطيط لقتله مرّة
أخرى، والاعتراف بكونه الإمام المفترض الطاعة مرّة ثالثة. قال
الفضل بن الربيع: فرأيته وقد أدار يده يلوح بها على رأسه ثلاث مرات. فدخلت
على الرشيد، فإذا هو كأنه امرأة ثكلى قائم حيران فلمّا رآني قال لي: يا فضل.
فقلت: لبيك. فقال: جئتني بابن عمّي؟ قلت: نعم. قال: لا تكون أزعجته؟ فقلت: لا.
قال: لا تكون أعلمته أني عليه غضبان؟ فإني قد هيّجت على نفسي ما لم أرده، أئذن
له بالدخول. فأذنت له. فلمّا
رآه وثب إليه قائماً وعانقه وقال له: مرحباً بابن عمي وأخي ووارث نعمتي ، ثم
أجلسه على مِخَدّة وقال له: ما الذي قطعك عن زيارتنا؟ فقال(عليه السلام): سعة ملكك وحبّك للدنيا. فقال:
ائتوني بحقة الغالية(الغالية: جمعها غوال: اخلاط من الطيب وتغلّى: تطيّب بالغالية.) فأتي بها فغلفه بيده، ثم أمر أن يحمل بين يديه
خلع وبدرتان دنانير. قال
الفضل: فتبعته(عليه السلام) فقلت له: ما الذي قلت حتى كُفيت أمر الرشيد ؟ فقال:
دعاء جدي علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان إذا دعا
به، ما برز إلى عسكر إلاّ هزمه ولا إلى فارس إلاّ قهره، وهو دعاء كفاية البلاء. قلت:
وما هو ؟ قال:
قل: اللهم بك أساور، وبك أُحاول (وبك أحاور) ، وبك أصول،
وبك انتصر، وبك أموت، وبك أحيا، أسلمت نفسي إليك، وفوّضت أمري إليك، لا حول ولا
قوّة إلاّ بالله العلي العظيم. اللهم انك خلقتني ورزقتني وسترتني، وعن العباد
بلطف ما خوّلتني أغنيتني، وإذا هويت رددتني، وإذا عثرت قوّمتني، وإذا مرضت
شفيتني، وإذا دعوت أجبتني يا سيدي ارض عني فقد أرضيتني)( عيون أخبار الرضا: 1 /
76، ح 5 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 215، ح16.). 2 ـ يصوّر لنا عبد الله المأمون بن الرشيد ذلك المستوى من الفهم الذي
يمتلكه الرشيد إزاء الإمام. والذي اعترف به من خلال
الإكرام والإجلال الذي قام به الرشيد للإمام الكاظم(ع) والذي يستبطن مدى الحقد
والبغض، ويكشف هذا المشهد ثقل الإمام الشعبي الذي دفع بالرشيد إلى أن يفتعل هذا
المشهد من أجل إضلال الجماهير. 3 ـ قال المأمون: فلمّا خلا المجلس قلت: يا أمير
المؤمنين من هذا الرجل الذي عظمته وأجللته، وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته،
وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له ؟ ! 4 ـ قال المأمون: فلما أراد الرشيد الرحيل من
المدينة إلى مكة أمر بصرّة فيها مئتا دينار، ثم أقبل على الفضل بن الربيع فقال
له: اذهب بهذه إلى موسى بن جعفر(عليه السلام) وقل له: يقول لك أمير المؤمنين نحن
في ضيق وسيأتيك برّنا بعد هذا الوقت. |
|
الطائفة الثانية:
|
|
نختار في هذه الطائفة ما يصوّر لنا أساليب الرشيد
مع الإمام والتي يبتغي من ورائها إحراج الإمام مرّة والاستهانة به مرّة أُخرى
لعله يعجزه أمام الناس ويثبت لهم فشله وعدم جدارته. |
|
ولنرى موقف الإمام(عليه السلام) إزاء هذه الإحراجات والاستهانات وكيف
تخلّص منها منتصراً. وإليك نصّ ما دار بين الإمام(عليه السلام) وبين الرشيد كما رواه
الصدوق: فقلت: ما كان علمه عندي فإنّي مُخبرك به إن أنت آمنتني؟ قال: لك
الأمان إن صدقتني وتركت التقيّة التي تعرفون بها معشر بني فاطمة. فقلت : ليسأل أمير المؤمنين عمّا شاء؟ قال: أخبرني لم فضّلتم علينا
ونحن وأنتم من شجرة واحدة وبنو عبد المطلب ونحن وأنتم واحد، أنّا بنو العبّاس
وأنتم ولد أبي طالب، وهما عمّا رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) وقرابتهما منه
سواء ؟ فقلت: نحن أقرب. قال: وكيف ذلك ؟ قلت: لأن عبد الله وأبا طالب لأب وأمّ وأبوكم العبّاس ليس هو من أم
عبد الله، ولا من أمّ أبي طالب . قال: فلم ادّعيتم أنّكم ورثتم النبي(صلَّى الله عليه وآله) ؟
والعمّ يحجب ابن العمّ ، وقبض رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) وقد توفي أبو
طالب قبله، والعبّاس عمه حيّ؟ فقلت له: إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني من هذه المسألة ويسألني
عن كلّ باب سواه يريده . فقال: لا أو تجيب. فقلت: فآمنّي؟ قال: قد آمنتك قبل الكلام. فقلت: إنّ في قول علي بن أبي طالب(عليه السلام) إذن ليس مع ولد
الصّلب ذكراً كان أو أنثى لأحد سهم إلاّ للأبوين والزوج والزوجة، ولم يثبت للعم
مع ولد الصلب ميراث، ولم ينطق به الكتاب، إلاّ أنّ تيماً وعدياً وبني أمية
قالوا: العم والد رأياً منهم بلا حقيقة، ولا أثر عن النبي(صلَّى الله عليه
وآله). ومن قال بقول علي(عليه السلام) من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء، هذا
نوح بن درّاج يقول في هذه المسألة بقول علي(عليه السلام) وقد حكم به، وقد ولاّه
أمير المؤمنين المصرين الكوفة والبصرة، وقد قضى به فأنهي إلى أمير المؤمنين فأمر
بإحضاره وإحضار من يقول بخلاف قوله منهم سفيان الثوري، وإبراهيم المدني والفضيل
بن عيّاض فشهدوا أنه قول علي(عليه السلام) في هذه المسألة فقال لهم ـ فيما
أبلغني بعض العلماء من أهل الحجاز ـ: فلم لا تفتون به وقد قضى به نوح بن درّاج؟
فقالوا جسر نوح وجبنا وقد أمضى أمير المؤمنين قضّيته بقول قدماء العامة عن
النبي(صلَّى الله عليه وآله) أنّه قال: علي أقضاكم، وكذلك قال عمر بن الخطاب :
علي أقضانا، وهو اسم جامع لأن جميع ما مدح به النبي(صلَّى الله عليه وآله)
أصحابه من القراءة والفرائض والعلم داخل في القضاء. قال: زدني يا موسى. قلت: المجالس بالأمانات وخاصّة مجلسك؟ فقال: لا بأس عليك. فقال: ما حجّتك فيه؟ قلت: قول الله تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى
يُهَاجِرُوا)( الأنفال (8): 72.) وإنّ عمّي العبّاس لم يُهاجر. فقال لي: أسألك يا موسى هل أفتيت بذلك أحداً من أعدائنا؟ أم أخبرت
أحداً من الفقهاء في هذه المسألة بشيء ؟ فقلت: اللهم لا، وما سألني عنها إلاّ أمير المؤمنين. ثم قال: لم جوّزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله(صلَّى
الله عليه وآله) ويقولون لكم: يا بني رسول الله، وأنتم بنو علي وإنما يُنسب
المرء إلى أبيه وفاطمة إنما هي وعاء، والنبي(صلَّى الله عليه وآله) جدّكم من قبل
أمكم؟ فقلت: يا أمير المؤمنين لو أن النبي(صلَّى الله عليه وآله) نُشر
فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقلت: لكنّه (صلَّى الله عليه وآله) لا يخطب إلي ولا أزوجه. فقال: ولم ؟ فقال: أحسنت يا موسى. ثم قال: كيف قلتم إنا ذريّة النبي، والنبي(صلَّى الله عليه وآله)
لم يعقب؟ وإنما العقب للذكر لا للأنثى، وأنتم ولد الابنة، ولا يكون لها عقب؟ فقلت: أسألك بحق القرابة والقبر ومن فيه إلاّ ما أعفيتني عن هذه
المسألة. فقال: لا أوتخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي، وأنت يا موسى يعسوبهم ،
وإمام زمانهم، كذا أُنهي إليَّ، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه، حتى تأتيني فيه
بحجة من كتاب الله، فأنتم تدّعون معشر ولد علي أنّه لا يسقط عنكم منه شيء (ألف
ولا واو) إلاّ وتأويله عندكم، واحتججتم بقوله عَزَّ وجَلَّ : (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)( الانعام (6): 38.) وقد
استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم. فقلت: تأذن لي في الجواب؟ قال: هات. فقال: ليس لعيسى أب. قال: هات. فقال: أحسنت يا موسى ارفع إلينا حوائجك. فقلت له: أوّل حاجة أن تأذن لابن عمك أن يرجع إلى حرم جدّه(عليه
السلام) وإلى عياله. فقال: ننظر إن شاء الله)( عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1 / 81.). 2 ـ اتّهام الإمام بانحرافات فكرية لكسر هيبة الإمام(عليه السلام)
وتبرير اضطهاده. 3 ـ هناك محاولة أخرى لإحراج الإمام(عليه السلام) والاستهانة به
وكانت في مجلس هارون الرشيد حينما حضره حكيم هندي، ويبدو
أن الرشيد قد قصد حضور هذا الحكيم الهندي مع الإمام وخطط لإدانة الإمام عمليّاً.
كما يبدو ذلك من خلال تعليقة الرشيد بعد استسلام الحكيم الهندي لعلم الإمام(ع). 4 ـ يُبرز لنا هذا المشهد إحدى محاولات الاغتيال التي كان قد أعدّها
الرشيد للإمام موسى(ع) وفشلها بالتسديد الإلهي. |
|
الفصل الثّاني: موقف الإمام الكاظم
(عليه السلام) من حكم الرشيد
|
|
لقد استعرضنا أساليب الرشيد وسياسته الظالمة مع
الإمام(ع)، والآن نريد الحديث عن موقف الإمام (ع) قبال هذه السياسة. |
|
الإمام(عليه السلام)
وسياسة الرشيد
|
|
إنّ
سيرة الإمام(ع) ومواقفه من الرشيد لم تكن استسلامية بل كان الإمام(ع) صلباً في
مواقفه يتحدّى بها الرشيد، وان كان في بعضها شيء من المرونة في بعض الأحيان وذلك
لمعرفة الإمام(ع) به وبنواياه فكان يراعي في مواقفه المصالح العليا. المشهد الأوّل: عن محمد بن طلحة الأنصاري قال:
كان مما قال هارون لأبي الحسن(عليه السلام) حين أُدخل عليه: (ما هذه الدار؟
فقال(عليه السلام): هذه دار الفاسقين، قال الله
تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ
يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا
يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا
وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً)( الأعراف (7): 146.). فقال له هارون: فدار من هي؟ قال(عليه السلام): هي لشيعتنا فترة ولغيرهم فتنة. قال: فما بال صاحب
الدار لا يأخذها؟ فقال: أخذت منه عامرة ولا يأخذها
إلا معمورة. قال: فأين شيعتك ؟ فقرأ أبو الحسن(عليه السلام): (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ)( البينة (98): 1.). قال: فقال له: فنحن كفار؟ قال(عليه السلام): لا ، ولكن كما قال الله:
(الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ
الْبَوَارِ)( إبراهيم (14): 28.). فغضب عند
ذلك وغلظ عليه إذ قد لقيه أبو الحسن(عليه السلام) بمثل هذه المقالة، وما رهبه
وهذا خلاف قول من زعم أنه هرب منه من الخوف(تفسير العياشي: 2/29 الأذيلة وعنه في بحار الأنوار: 48/138، ح
13 والاختصاص: 256، بحار الأنوار: 48 / 156.).
المشهد الثاني: عن الإمام الكاظم(عليه السلام)
قال: (قال لي هارون: أتقولون أن الخمس لكم؟ المشهد الثالث: إنّ هارون الرشيد كان يقول
لموسى بن جعفر(ع): (حُدّ فدكاً حتى أردّها إليك، فيأبى حتى ألحّ عليه. المشهد الرابع: ولمّا دخل هارون الرشيد
المدينة توجّه لزيارة النبي(صلَّى الله عليه وآله) ومعه الناس فتقدم الرشيد إلى
قبر رسول الله(صلَّى الله عليه وآله)وقال: السلام عليك يا رسول الله يا ابن عمّ،
مفتخراً بذلك على غيره . فتقدم أبو الحسن(ع) فقال: (السلام
عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبه) فتغير وجه الرشيد وتبيّن الغيظ
فيه)( كامل
الزيارات: 18 ب 3 وعنه في بحار الأنوار: 48/136، وفي مناقب آل أبي طالب: 4/345.). |
|
الإمام(عليه السلام)
والجماعة الصالحة
|
|
بعد أن عرفنا موقف الإمام موسى(عليه السلام) من
الرشيد، بقي أن نعرف نشاطه ولا سيّما فيما يخصّ الجماعة الصالحة حيث كان الإمام(ع)
قد قطع أشواطاً في منهجه التربوي في مراحل سابقة، فلابد أن يواصل بناءه في هذه
المرحلة، لتعميق ما أسس له سابقاً، ولتوجيه الطاقات باتجاه الأهداف الكبرى التي
كان يسعى لها الأئمة(ع) من تأصيل الامتداد الشيعي فيوسط الأُمة، وامتلاكه القدرة
على مواجهة التحدّيات والوقوف أمام عمليات الإبادة التي بدأ الخلفاء بالتخطيط
لها كلما شعروا بتوسيع دائرة أتباع الأئمة(ع) وقد لاحظنا هارون يصرّح بأنه لو
أعطى الإمام عطاءه اللائق به لم يأمن أن يشهر الإمام ضدّه مائة ألف سيف لإزالة
ملكه. |
|
المجال السياسي:
|
|
قام الإمام موسى(عليه السلام) بعدة خطوات تربوية مع شيعته في هذا
المجال. الخطوة الأولى: تأكيد الانتماء السياسي لخطّ أهل البيت: إنّ
خطّ أهل البيت(عليهم السلام) ومنهجهم هو خط الرفض للظلم والظالمين، ولقد
تشدد(عليه السلام) على محبيه وشيعته وحرّم عليهم الانفتاح أو التعاون مع السلطات
العباسية الظالمة، وأخذ يعمّق في نفوسهم النزاهة والدقة في رفض الظلم، ليمتلكوا
وعياً سياسياً يحصّنهم من الانجراف مع التيار الحاكم أو
الاستجابة لمخططات الاحتواء بشكل وآخر. دخل صفوان بن مهران الأسدي على الإمام موسى الكاظم(عليه السلام) فقال
له: (يا صفوان، كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً).
قال: جعلت فداك، أي شيء هو؟ قال(عليه السلام): إكراؤك
جمالك من هذا الرجل ، يعني هارون الرشيد! قال: والله ما أكريته أشراً ولا
بطراً، ولا للصيد، ولا للهو ، ولكن لهذا الطريق ـ يعني طريق مكة ـ ولا أتولاّه
بنفسي ولكن أبعث معه غلماني. قال(عليه السلام): يا
صفوان أيقع كراك عليهم؟ قال: نعم جعلت فداك. قال(عليه السلام): أتحب بقاءهم حتى يخرج كراك؟ قال: نعم. قال(عليه
السلام): من أحب بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم فهو
وارد للنار. وقام صفوان في الوقت فباع جماله وأعرض عن مهنته فبلغ ذلك
هارون فأرسل خلفه، فلما مثل عنده قال له ـ وهو يتميّز من الغيظ ـ: يا صفوان!
بلغني أنك بعت جمالك، قال: نعم قال: ولم؟ قال: أنا شيخ كبير ، وإنّ الغلمان لا
يفون بالأعمال. قال: هيهات هيهات !! إني لأعلم من أشار عليك بهذا، أشار عليك
موسى بن جعفر. قال: مالي ولموسى بن جعفر. قال: دع عنك هذا، فوالله لولا حسن
صحبتك لقتلتك)(
رجال النجاشي: 198 برقم 525، وكان من موالي بني أسد بالكوفة. والخبر من اختيار
معرفة الرجال: 440 ح 828.). فالآن صرت إلى أمية = والأمور إلى مصائر فقال الكميت: قد قلت ذلك ، والله ما رجعت عن
إيماني، وإني لكم لموال ولعدوكم لقال، ولكن قد قلته على التقية فقال(عليه
السلام): (إن التقية لتجوز على شرب الخمر)( اختيار معرفة الرجال:
1/465، ح 364.). |
|
المجال التربوي:
|
|
إنّ
وصايا الإمام الكاظم(عليه السلام) وتوجيهاته لشيعته تلاحظ حاجة الواقع الموجود
لإكمال بناء هذه الجماعة الصالحة باتّجاه الأهداف النهائية التي رسمها أهل
البيت(عليهم السلام) لها. ولهذا المجال يمكن أن نستشهد بعدّة أمثلة: المثال الثالث: تسديد الإمام(عليه السلام) لمهمة علي بن يقطين ودعمه
له: |
|
المجال العلمي
والفكري:
|
|
لقد
كان عهد الصادقين(عليهما السلام) عهد الانفراج النسبي لمدرسة أهل البيت(عليهم
السلام) حيث استطاعت أن تنشر علوم أهل البيت(عليهم السلام) وتخرّج الأساتذة
والعلماء المسؤولين والأمناء على حفظ تراث هذا الخطّ الرسالي بين أبناء الأمة
الإسلامية. وكان هارون جرئياً في الإقدام على سجن الإمام وعزله عن قواعده.
ولكنّ أصحاب الإمام(ع) كانوا على اتصال مستمر به وهو في قيد السجن. وكان هذا
التخطيط يعدّ تطوراً واضحاً في التعامل مع الأحداث واستغلالاً للظروف الحرجة
أحسن استغلال لإكمال المسيرة الربّانية إلى حيث الأهداف المبتغاة منها. |
|
منهج الاستنباط
والتفقه في الدين:
|
|
ونلتقي في تراث الإمام الكاظم(ع) بنصوص ترتبط بحرمة
القول بغير علم وحجية الظواهر وحجية خبر الواحد ونصوص ترتبط بعلاج حالات التعارض
بين الأحاديث ونصوص ترتبط بالمنع من القياس ونصوص ترتبط بأصالة البراءة ووجوب
الموافقة القطعية في أطراف العلم الإجمالي والاستصحاب وعدم جواز الرجوع إلى
الأصل قبل الفحص عن الدليل.. وهذه النصوص تشير إلى أن الإمام(ع) كان بصدد إرساء
قواعد ومنهج الاستنباط والتفقه في دين الله. |
|
المناظرات في عصر الإمام الكاظم (عليه السلام) |
|
من
الأنشطة الفكرية الواسعة الصيت في عصر الإمام الكاظم(عليه السلام) والمؤثرة في
تبلور فكر الأمة هي المناظرة العلمية، وكان الإمام الصادق(عليه السلام) ثم
الإمام الكاظم(عليه السلام) من بعده قد استثمرا هذه الظاهرة وأعدّا لها نخبة من
العلماء المتخصصين في هذا الميدان تعاهدوا للدفاع عن مذهب أهل البيت(ع) وتعريفه
للناس واستطاعوا رغم المنع السلطوي والحصار الفكري ضدهم أن يروّجوا للمذهب
ويحققوا انتصارات مشهودة. كما قد نشطوا من جانب في دحض الشبهات والاتهامات التي
كانت تثار ضد الفكر الإسلامي أو الشيعي واستطاعوا أن يقفوا بوجه الموجات الفكرية
الانحرافية والحركات الإلحادية. |
|
الفصل الثّالث: اعتقالات الإمام
(عليه السلام) حتى استشهاده
|
|
التخطيط لسجن الإمام
(عليه السلام)
|
|
لسنا
الآن بصدد التعرض إلى تفاصيل أسباب سجن الإمام من قبل الرشيد. لأن سلوك الإمام
وتأثيره في الأمة كما عرفت كان كافياً لأن يدفع بالرشيد الذي لا يتبنى حكمه على
أصول مشروعة ليخطط لسجن الإمام(ع) وبالتالي اغتياله، هذا فضلاً عن كون الرشيد قد
قطع على نفسه بداية تسلّمه للحكم بأن سوف يستأصل الوجود العلوي فإذا كان هذا
شعاره أول الأمر مع كل العلويين فكيف بزعيم العلويين وقائدهم وسيدهم. |
|
اعتقال الإمام (عليه
السلام)
|
|
وبعد زيارة الرشيد لقبر الرسول(صلَّى الله عليه
وآله) ولقائه بالإمام(ع) أمر الطاغية هارون باعتقال الإمام (عليه السلام) وفعلاً
أُلقي القبض على الإمام وهو قائم يصلي عند رأس جدّه النبي(صلَّى الله عليه وآله)
ولم يمهلوه لإتمامها. |
|
الإمام(عليه السلام)
في سجن البصرة:
|
|
كان
المأمور بحراسة الإمام(عليه السلام) أثناء الطريق من المدينة إلى البصرة حسان
السروي(عيون أخبار
الرضا: 1/85 ح 10.) وقبل أن يصل إلى
البصرة تشرّف بالمثول بين يديه عبد الله بن مرحوم الأزدي فدفع له الإمام كتباً
وأمره بإيصالها إلى وليّ عهده الإمام الرضا وعرّفه بأنه الإمام من بعده(عيون أخبار الرضا: 1/27
ح 13.) وسارت القافلة تطوي البيداء
حتى وصلت البصرة، وأخذ حسّان الإمام ودفعه إلى عيسى بن أبي جعفر فحبسه في بيت من
بيوت المحبس وأقفل عليه أبواب السجن فكان لا يفتحها إلا
في حالتين: أمّا نشاطه(عليه السلام) في داخل السجن: فلقد انقطع(عليه السلام) إلى الله في عبادته فكان
يصوم النهار ويقوم الليل وكان يقضي وقته في الصلاة والسجود والدعاء، ولم يضجر
ولم يسأم من السجن واعتبر التفرّغ للعبادة من أعظم النعم، وكان يقول في دعائه: (اللهم إنك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهم
وقد فعلت فلك الحمد)( المناقب: 4 / 343.). |
|
الإيعاز لعيسى
باغتيال الإمام(عليه السلام)
|
|
وأوعز الرشيد إلى عيسى يطلب منه فوراً القيام
باغتيال الإمام لكن لمّا وصلت أوامر الرشيد لعيسى باغتيال الإمام(عليه السلام)
ثقل عليه الأمر، وجمع خواصّه وثقته فعرض عليهم الأمر فأشاروا عليه بالتحذير من
ارتكاب الجريمة فاستصوب رأيهم، وكتب إلى الرشيد رسالة يطلب فيها إعفاءه عن ذلك. |
|
حمل الإمام(عليه
السلام) إلى بغداد
|
|
واستجاب الرشيد لطلب عيسى وخاف من عدم تنفيذه لطلبه
أن يساهم في إطلاق سراح الإمام(عليه السلام) ويخلّي سبيله، فأمره بحمله إلى
بغداد وفرح عيسى بذلك، ولمّا وصل الإمام إلى بغداد أمر الرشيد باعتقاله عند
الفضل فأخذه وحبسه في بيته. |
|
دعاء الإمام (عليه
السلام) وإطلاق سراحه
|
|
ولمّا طالت مدة الحبس على الإمام(عليه السلام) وهو
رهين السجون، قام في غلس الليل البهيم فجدّد طهوره وصلَّى لربه أربع ركعات وأخذ
يدعو بهذا الدعاء: |
|
الاعتقال الثاني
للإمام (عليه السلام)
|
|
ولمّا شاع ذكر الإمام(عليه السلام) وانتشرت فضائله
ومآثره في بغداد، ضاق الرشيد من ذلك ذرعاً، وخاف منه فاعتقله ثانية فأودعه في
بيت الفضل بن يحيى. ولما رأى الفضل عبادة الإمام(ع) وإقباله على الله وانشغاله
بذكره أكبر الإمام، ولم يضيّق عليه وكان في كل يوم يبعث إليه بمائدة فاخرة من
الطعام، وقد رأى (عليه السلام) من السعة في سجن الفضل ما لم يرها في بقية
السجون. |
|
الإمام (عليه السلام)
في سجن السّندي بن شاهك
|
|
وبعد سجن الفضل أمر هارون بنقل الإمام(عليه السلام)
إلى سجن السندي بن شاهك وأمره بالتضييق عليه فاستجاب هذا الأثيم لذلك فقابل
الإمام(ع) بكل جفوة وقسوة، والإمام صابر محتسب فأمره الطاغية أن يقيّد
الإمام(عليه السلام) بثلاثين رطلاً من الحديد ويقفل الباب فيوجهه ولا يدعه يخرج
إلا للوضوء. |
|
نشاط الإمام (عليه
السلام) داخل السّجن
|
|
وقام الإمام بنشاط متميّز من داخل السجن، وفيما يلي نلخّص ذلك ضمن
عدة نقاط: وبعد ما مكث الإمام(ع) زمناً طويلاً في سجن هارون
تكلّم معه جماعة من خواصّ شيعته فطلبوا منه أن يتكلم مع بعض الشخصيات المقرّبة
عند الرشيد ليتوسط في إطلاق سراحه، فامتنع(ع) وترفّع عن ذلك وقال لهم: (حدثني أبي عن آبائه أن الله عزّ وجلّ أوحى إلى داود، يا
داود إنه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني، وعرفت ذلك منه إلا قطعت عنه
أسباب السماء، وأسخت الأرض من تحته)( تاريخ اليعقوبي: 2/361، وفاة موسى بن جعفر، تحقيق عبد الأمير
مهنا. ط بيروت منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.). |
|
الإمام الكاظم(عليه
السلام) يتحدّى كبرياء هارون
|
|
لقد
تنوعت ضغوط هارون على الإمام هو في السجن، ونجد الإمام(عليه السلام) وهو في أوج
المحنة يتحدّى كبرياء هارون بكل صلابة وشدّة حتى فشل هارون بكل ما أوتي من حول
وقوّة ولم يجد أمامه حلاًّ ينسجم مع نزعاته إلاّ سمّ الإمام(ع) واغتياله. وإليك جملة من ضغوط هارون على الإمام الكاظم(ع) وهو في السجن: فجيئ بها إليه، وهي ترتعد قد شخصت ببصرها نحو
السماء وهي تذكر الله وتمجّده ، فقال لها هارون: ما شأنك ؟! قالت: شأني الشأن
البديع، إني كنت عنده واقفة وهو قائم يصلّي ليله ونهاره، فلمّا انصرف من صلاته
قلت له: هل لك حاجة أُعطيكها؟ فقال الإمام(عليه السلام): وما حاجتي إليك ؟ قلت: إني أدخلت عليك لحوائجك. فقال
الإمام(عليه السلام): فما بال هؤلاء ، وأشار
بيده إلى جهة ، فالتفتُّ فإذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظري ، ولا
أولها من آخرها ، فيها مجالس مفروشة بالوشي والديباج ، وعليها وصفاء ووصايف لم
أر مثل وجوههنّ حسناً، ولا مثل لباسهنّ لباساً، عليهن الحرير الأخضر، والأكاليل
والدر والياقوت، وفي أيديهن الأباريق والمناديل، ومن كل الطعام، فخررت ساجدة حتى
أقامني هذا الخادم، فرأيت نفسي حيث كنت. فقال لها هارون وقد أترعت نفسه بالحقد:
يا خبيثة لعلّك سجدت، فنمت فرأيت هذا في منامك! قالت: لا والله يا سيدي، رأيت
هذا قبل سجودي ، فسجدت من أجل ذلك. فالتفت الرشيد إلى خادمه ، وأمره باعتقالها
وإخفاء الحادث لئلاّ يسمعه أحد من الناس، فأخذها الخادم، واعتقلها عنده، فأقبلت
على العبادة والصلاة، فإذا سئلت عن ذلك قالت: هكذا رأيت العبد الصالح) ( الحلبي في مناقب آل أبي
طالب: 4/322 عن العامري في كتاب الأنوار.). 2 ـ محاولة سم الإمام (عليه السلام) فلما
مثل يحيى عنده وأخبره بمقالة الرشيد. فقال له الإمام(عليه السلام): (أولاً سيجري عليك أنت وأسرتك من زوال النعمة على يد هارون،
وحذّره من بطشه) ثم ردّ ثانياً على مقالة الرشيد قائلاً: |
|
اغتيال الإمام
موسى الكاظم (عليه السلام)
|
|
لقد عانى الإمام الكاظم(عليه السلام) أقسى ألوان
الخطوب والتنكيل، فتكبيل بالقيود، وتضييق شديد في التعامل معه ومنعه من الاتصال
بالناس، وأذى مرهق، وبعد ما صبّ الرشيد عليه جميع أنواع الأذى أقدم على قتله
بشكل لم يسبق له نظير محاولاً التخلص من مسؤولية قتله وذهب أكثر المؤرخين
والمترجمين للإمام إلى أن الرشيد أوعز إلى السندي بن شاهك الأثيم بقتل
الإمام(عليه السلام) فاستجابت نفسه الخبيثة لذلك وأقدم على تنفيذ أفضع جريمة في
الإسلام فاغتال حفيد النبي العظيم(صلَّى الله عليه وآله). |
|
إلى الرفيق الأعلى
|
|
وبعد أكله للرطب سرى السمّ في جميع أجزاء بدن
الإمام(عليه السلام) وقد علم أنّ لقاءه بربّه قد حان فاستدعى السندي. (فلمّا مثل
عنده أمره أن يحضر مولى له ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولى
غسله، وسأله السندي أن يأذن له في تكفينه فأبى وقال(عليه السلام): إنّا أهل بيت مهور نسائنا وحجّ صرورتنا وأكفان موتانا من
طاهر أموالنا، وعندي كفني(مقاتل الطالبيين: 333 وعنه في الغيبة للطوسي: 26 ـ 31 وعنه في
بحار الأنوار: 48/234 ح 38.). |
|
التّحقيق في قتل
الإمام (عليه السلام)
|
|
بعد قتل الإمام (عليه السلام) حاول
هارون أن يتخلّى عن مسؤولية قتله للإمام وأشاع بين
الناس بأن الإمام قد مات حتف أنفه ، وأنّ هارون وأجهزته لا علاقة لهما
بالحادث وذلك ضمن خطوتين: |
|
الخطوة الأولى:
|
|
قام
السندي بن شاهك بالخطوة الأولى من مسلسل التخلي ليمهّد الأجواء لسيده هارون في
أن يتخلّى فيما بعد بنفسه عن مسؤولية هذه الجريمة. يحدثنا عمر بن واقد عن تحرك
السندي وكيفية تنصّله عن الحادث، قال: أرسل إليَّ السندي بن شاهك في بعض الليل
وأنا ببغداد يستحضرني، فخشيت أن يكون ذلك لسوء يريده بي، فأوصيت عيالي بما احتجت
إليه، وقلت: إنّا لله وإنا إليه راجعون، ثم ركبت إليه. فلما رآني مقبلاً، قال:
يا أبا حفص لعلّنا أرعبناك وأفزعناك ؟ قلت: نعم قال: فليس هناك إلاّ خير. قلت:
فرسول تبعثه إلى منزلي يخبرهم خبري. فقال نعم. ثم
قال: يا أبا حفص أتدري لم أرسلت إليك ؟ فقلت: لا. فقال: أتعرف موسى بن جعفر ؟
فقلت: إي والله، إني لأعرفه، وبيني وبينه صداقة منذ دهر. فقال: من هاهنا ببغداد
يعرفه ممن يُقبل قوله ؟ فسميت ، وجاء بهم كما جاء بي ، فقال: هل تعرفون قوماً
يعرفون موسى بن جعفر؟ فسموا له قوماً، فجاء بهم ، فأصبحنا ونحن في الدار نيفاً
وخمسين رجلاً ممن يعرفون موسى بن جعفر(عليه السلام) قد صحبه. |
|
الخطوة الثّانية:
|
|
وفي الخطوة الثانية قام هارون بنفسه ليعلن أمام
حشد من وجوه الشيعة بأنه بريء من جريمة قتل الإمام. عن
محمد بن صدفة العنبري، قال: لمّا توفي أبو إبراهيم موسى بن جعفر(عليه
السلام) جمع هارون الرشيد شيوخ الطالبيّة وبنى العباس وسائر أهل المملكة
والحكّام واحضر أبا إبراهيم موسى بن جعفر(ع) فقال: هذا موسى بن جعفر قد مات حتف
أنفه، وما كان بيني وبينه ما استغفر الله منه في أمره ـ يعني في قتله ـ فانظروا
إليه. |
|
وضع الإمام على الجسر
|
|
وحسب
الأوامر المعدّة سلفاً من قبل هارون كما تدل عليها القرائن، لأجل أن يتنصل عن
قتله للإمام، ليس أمام الشيعة فحسب وإنما أمام الأمة الإسلامية كلّها، وأن تكون
طريقة التخلّي من مسؤولية الحادث بأن يستبطن أن المقتول ما هو إلاّ رجل عادي لا
وزن له، فعلام هذا التضخيم والتهويل والتشكيك بموته ؟ متى
قالت الشيعة إنّ الإمام موسى لا يموت ؟ نعم، قالت الواقفية
بذلك والشيعة منهم براء ، وهارون وجلاوزته أعلم من غيرهم بهذه الحقيقة. لكنه
وسيلة من وسائل التشهير وإلصاق التهم بالشيعة بسبب أن الواقفية تذهب إلى أن
الإمام موسى حي لم يمت وأنه رفع إلى السماء كما رفع المسيح عيسى بن مريم . |
|
تشييع الإمام(عليه
السلام) ودفنه
|
|
وبعد الغسل هرعت جماهير بغداد إلى تشييع الإمام فكان
يوماً مشهوداً لم تر مثله في أيّامها فقد خرج البر والفاجر لتشييع جثمان
الإمام(عليه السلام) والفوز بحمل جثمانه، وسارت المواكب وهي تجوب شوارع بغداد
وتردد أهازيج الحزن واللوعة، متّجهة نحو باب التبن يتقدمهم سليمان حافياً حاسراً
متسلّباً (أي
متسلّباً من الملابس الرسمية الفاخرة لابساً لباس الحداد، كما في اللغة.) مشقوق الجيب إلى مقابر قريش، وحفر له قبر فيها
وأنزله سليمان بن أبي جعفر. |
|
الفصل الرابع: تراث الإمام الكاظم
(عليه السلام)
|
|
لقد
ورث الإمام موسى الكاظم(عليه السلام) مدرسة أبيه الصادق(عليه السلام) وحظيت منه
بالتوجيه والرعاية الشاملة لتلامذته وأصحابه بالرغم من قساوة الظروف وتغيّرها
خلال ثلاثة عقود ونصف من العمل العلمي الدؤوب وتربية مستمرة للنابهين من صحابته
وطلاّب المعرفة من أتباعه وشيعته. وفيما
يخصّ مسند الإمام الكاظم (ع) إذا مررنا عليه مروراً عابراً وسريعاً أيضاً كفى
ذلك لنقف على عظمة الدور الفكري والعطاء العلمي الذي قدّمه هذا الإمام العظيم
إلى الأمة الإسلامية بشكل عام والى الجماعة الصالحة وطلاّب المعرفة المؤمنين بخط
أهل البيت (ع) بشكل خاص، لا سيَّما إذا لاحظنا قساوة الظروف السياسية
والاجتماعية التي مرّ بها الإمام موسى(ع) وأصحابه وشيعته
خلال ثلاثة عقود ونصف تقريباً. كما تضمن الجزء الثاني: كتاب القرآن
بأبوابه الـ (51 باباً) ، وكتاب الدعاء (في 51 باباً) ، والاحتجاجات (في 8 أبواب)
ومعظم كتب الفقه ، فكتاب الطهارة (في73 باباً) ، وكتاب الصلاة (في41 باباً) ،
وكتاب الصوم (في 25 باباً) ، وكتاب الزكاة (في 28 باباً) ، وكتاب المعيشة (في 59
باباً) ، وكتاب السفر (في 8 أبواب) ، وكتاب الحج (في 68 باباً) ، وكتاب الزيارة
(في 7 أبواب) ، وكتاب الجهاد (في 5 أبواب) ، وكتاب النكاح (في 40 باباً) ، وكتاب
الطلاق (في 30 باباً). |
|
وإليك بعض النصوص
المختارة من هذا التراث العظيم في الأبواب التالية:
|
|
أصول العلم ومراتب
المعرفة:
|
|
1 ـ قال الإمام موسى بن جعفر (ع): (وجدت علم الناس في أربع، أولها: أن تعرف ربك، والثانية: أن
تعرف ما صنع بك، والثالثة: أن تعرف ما أراد منك، والرابعة: أن تعرف ما يخرجك من
دينك)( كشف
الغمة: 2/255.). |
|
مصادر المعرفة
ومنهجها:
|
|
1 ـ عن سماعة، عن أبي الحسن موسى(عليه السلام)، قال: قلت له:
أكلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيّه (ص) ؟ أو تقولون فيه؟ قال: (بل كلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيه(صلَّى الله عليه وآله)( الكافي: 1 / 62.). قال
هشام: فقلت له: فإن وجدت رجلاً طالباً له غير أن عقله لا يتّسع لضبط ما ألقي
إليه ؟ قلت:
فإن لم أجد من يعقل السؤال عنها؟ قال
(عليه السلام): فاغتنم جهله عن السؤال حتى تسلم من
فتنة القول وعظيم فتنة الردّ. واعلم أن الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم
ولكن رفعهم بقدر عظمته ومجده. ولم يؤمنّ الخائفين بقدر خوفهم ولكن آمنهم بقدر
كرمه وجوده.ولم يفرّح المحزونين بقدر حزنهم ولكن بقدر رأفته ورحمته، فما ظنك
بالرؤوف الرحيم الذي يتودّد إلى من يؤذيه بأوليائه فكيف بمن يؤذى فيه ، وما ظنك
بالتواب الرحيم الذي يتوب على من يعاديه، فكيف بمن يترضاه(يترضّاه: أي يطلب رضاه.) ويختار عداوة الخلق
فيه. قال
هشام: فقلت له فأَيّ الأعداء أوجبهم مجاهدة ؟ قال
(عليه السلام): أقربهم إليك وأعداهم لك وأضرّهم بك وأعظمهم لك عداوة وأخفاهم لك
شخصاً مع دنوه منك، ومن يحرّض أعداءك عليك وهو إبليس الموكّل بوسواس القلوب فله
فلتشتد عداوتك ولا يكونن أصبر على مجاهدته لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته، فإنّه
أضعف منك ركناً في قوّته(الركن: العزّ والمنعة. وأيضاً: ما يقوى به. والأمر العظيم. أي
لا يكن صبره في المجاهدة أقوى منك. فإنك إذا كنت على الاستقامة في مخالفته يكون
مع قوّته أضعف منك ركناً وضرراً.)
وأقلّ منك ضرراً في كثرة شرّه. إذا أنت اعتصمت بالله فقد هديت إلى صراط مسقيم. قال
هشام: فقلت: جعلت فداك لا نعرف إلاّ ما عرّفتنا. يا هشام إن الله خلق العقل وهو أوّل خلق خلقه الله من الروحانيّين(أي هو أول مخلوق من
المنسوبين إلى الروح في مدينة بنية الإنسان المتمركزين بأمر الربّ والسلطان في
مقرّ الحكومة العقلية. فهو أولّها ورأسها ثم يوجد بعده وبسببه جنداً فجنداً إلى
أن يكمل للإنسان جودة العقل.) عن يمين العرش من نوره فقال له: أدبر، فأدبر ثم قال له:
أقبل فأقبل. فقال الله جلّ وعزّ: خلقتك خلقاً (عظيماً) وكرّمتك على جميع خلقي.
ثم خلق الجهل من البحر الأجاج الظلماني، فقال له: أدبر، فأدبر ثم قال له: أقبل
،فلم يقبل فقال له: استكبرت فلعنه، ثم جعل للعقل خمسة وسبعين جنداً، فلمّا رأى
الجهل ما كرّم الله به العقل وما أعطاه أضمر له العداوة، فقال الجهل: يا ربّ هذا
خلق مثلي خلقته و كرّمته وقوّيته وأنا ضده ولا قوّة لى به أعطني من الجند مثل ما
أعطيته فقال تبارك وتعالى، نعم ، فإن عصيتني بعد ذلك أخرجتك وجندك من جواري ومن
رحمتي، فقال: قد رضيت. فأعطاه الله خمسة وسبعين جنداً فكان مما أعطى العقل من
الخمسة والسبعين جنداً: الخير وهو وزير العقل وجعل ضدّه الشر وهو وزير الجهل.
الإيمان، الكفر. التصديق، التكذيب. الإخلاص، النفاق. الرجاء، القنوط. العدل،
الجور. الرضى، السخط. الشكر، الكفران. اليأس، الطمع. التوكل، الحرص. الرأفة،
الغلظة. العلم، الجهل. العفة، التهتك. الزهد، الرغبة. الرفق، الخرق. الرهبة،
الجرأة. التواضع، الكبر. التؤدة، العجلة. الحلم، السفه. الصمت، الهذر.
الاستسلام، الاستكبار. التسليم، التجبر. العفو، الحقد. الرحمة، القسوة. اليقين،
الشك. الصبر، الجزع. الصفح، الانتقام. الغنى، الفقر. التفكّر، السهو. الحفظ،
النسيان. التواصل، القطيعة. القناعة، الشره. المؤاساة، المنع. المودة، العداوة.
الوفاء، الغدر. الطاعة، المعصية. الخضوع، التطاول. السلامة، البلاء. الفهم،
الغباوة. المعرفة، الإنكار. المداراة، المكاشفة . سلامة الغيب، المماكرة.
الكتمان، الإفشاء. البرّ، العقوق. الحقيقة، التسويف. المعروف، المنكر. التقية،
الإذاعة. الإصاف، الظلم. التقى، الحسد. النظافة، القذر. الحياء، القحة. القصد،
الإسراف. الراحة، التعب. السهولة، الصعوبة. العافية، البلوى. القوام، المكاثرة.
الحكمة، الهوى. الوقار، الخفة. السعادة، الشقاء. التوبة، الإصرار. المحافظة،
التهاون. الدعاء، الاستنكاف.
النشاط، الكسل. الفرح، الحزن. الألفة، الفرقة. السخاء، البخل. الخشوع، العجب.
صون الحديث النميمة. الاستغفار، الاغترار. الكياسة، الحمق. يا هشام
لا تُجمعُ هذه الخصال إلاّ لنبيّ أو وصيّ أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان. وأما
ساير ذلك من المؤمنين فإنّ أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود من
أجناد العقل حتى يستكمل العقل ويتخلص من جنود الجهل. فعند ذلك يكون في الدرجة
العليا مع الأنبياء والأوصياء(عليهم السلام) وفّقنا الله وإيّاكم لطاعته(بحار
الأنوار: 75 / 296 ـ 319.). |
|
التوحيد وأُسس
التدبير الإلهي:
|
|
1 ـ عن محمد بن أبي عمير، قال: دخلت على
سيدي موسى بن جعفر (عليهما السلام)، فقلت له: يا ابن رسول الله علّمني التوحيد
فقال: (يا أبا أحمد ، لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره
الله تعالى ذكره في كتابه فتهلك . واعلم أن الله تعالى واحد، أحدٌ ، صمدٌ، لم
يلد فيورث، ولم يولد فيشارك، ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولا شريكاً، وأنه الحي
الذي لا يموت ، والقادر الذي لا يعجز، والقاهر الذي لا يغلب، والحليم الذي لا
يعجل، والدائم الذي لا يبيد، والباقي الذي لا يفنى، والثابت الذي لا يزول،
والغني الذي لا يفتقر، والعزيز الذي لا يذل. والعالم الذي لا يجهل، والعدل الذي
لا يجور، والجواد الذي لا يبخل، وأنه لا تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام،
ولا تحيط به الأقطار، ولا يحويه مكان، ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو
اللطيف الخبير، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير . (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ
رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ
وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا) وهو الأوّل الذي لا شيء قبله ، والآخر الذي لا شيء بعده ،
وهو القديم وما سواه مخلوق محدث ، تعالى عن صفات المخلوقين علوّاً كبيراً)( بحار الأنوار: 75/296 ـ
319 ، التوحيد: 76.) . |
|
من سيرة الرّسول
(صلَّى الله عليه وآله) وتاريخ حياته:
|
|
1 ـ روى ابن طاووس في كتاب الطرف نقلاً من كتاب الوصية للشيخ
عيسى بن المستفاد الضرير عن موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) قال: (لمّا حضرت رسول الله(ص) الوفاة دعا الأنصار وقال: يا معشر
الأنصار! قد حان الفراق، وقد دعيت وأنا مجيب الداعي، وقد جاورتم فأحسنتم الجوار،
ونصرتم فأحسنتم النصرة، وواسيتم في الأموال، ووسعتم في المسلمين، وبذلتم لله مهج
النفوس والله يجزيكم بما فعلتم الجزاء الأوفى، وقد بقيت واحدة وهي تمام الأمر
وخاتمة العمل العمل معها مقرون إني أرى أن لا أفترق بينهما جميعاً لو قيس بينهما
بشعرة ما انقاست، من أتى بواحدة وترك الأخرى كان جاحداً للأولى ولا يقبل الله
منه صرفاً و لا عدلاً قالوا: يا رسول الله فأين لنا بمعرفتها، فلا تمسك عنها
فنضل ونرتد عن الإسلام، والنعمة من الله ومن رسوله علينا، فقد أنقذنا الله بك من
الهلكة يا رسول الله، وقد بلّغت ونصحت وأديت وكنت بنا رؤوفاً رحيماً شفيقاً. أيها الناس هذا علي بن أبي طالب كنز الله اليوم وما بعد اليوم، من
أحبه وتولاه اليوم وما بعد اليوم فقد أوفى بما عاهد عليه الله، وأدى ما وجب
عليه، ومن عاداه اليوم وما بعد اليوم جاء يوم القيامة أعمى وأصم، لا حجة له عند
الله، أيّها الناس لا تأتوني غداً بالدنيا تزفونها زفاً،ويأتي أهل بيتي شعثاً
غبراً مقهورين مظلومين، تسيل دماؤهم أمامكم وبيعات الضلالة والشورى للجهالة. أيها الناس! الله الله في أهل بيتي، فإنهم أركان الدين، ومصابيح
الظلم، ومعدن العلم ، عليّ أخي ووارثي، ووزيري وأميني والقائم بأمري والموفي
بعهدي على سنتي. |
|
الإمامة والأئمة:
|
|
1 ـ عن داود الرقي، عن العبد الصالح(عليه
السلام) قال: (إنّ الحجة لا تقوم لله على خلقه إلاّ
بإمام حيّ يُعرف)( خصائص الأئمة للشريف الرضي: 73 ـ 75 وعنه في الطُرف: 29 ـ
34 وعنه في بحار الأنوار: 22 / 484 ـ 487. والخبر كسابقه عن رسالة الوصية لعيسى
بن المستفاد أبي موسى الضرير البجلي البغدادي المضعّف في النجاشي: 297 برقم 809). |
|
الوصيّ بعد الإمام
الكاظم(عليه السلام):
|
|
1 ـ عن الحسين بن نعيم الصحّاف قال: كنت
أنا وهشام بن الحكم وعلي بن يقطين ببغداد، فقال علي بن يقطين: كنت عند العبد
الصالح جالساً فدخل عليه ابنه علي، فقال لي: (يا علي
بن يقطين هذا علي سيد ولدي. أما إني قد نحلته كنيتي). فضرب هشام بن الحكم
براحة جبهته، ثم قال: ويحك كيف قلت ؟ فقال علي بن يقطين: سمعت والله منه كما
قلت. فقال هشام: أخبرك أنّ الأمر فيه من بعده(أصول الكافي: 1 / 311.). |
|
الإمام المهدي
المنتظر(عجّل الله فرجه):
|
|
1 ـ عن علي بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر
بن محمّد(عليهم السلام)، قال: (لا يكون القائم إلاّ
إمام ابن إمام ووصي ابن وصي)( عيون الأخبار: 2 / 131.). |
|
صحابة الرسول (صلَّى
الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام)
|
|
عن أسباط بن سالم، قال: قال أبو الحسن موسى بن
جعفر(عليهما السلام): (إذا كان يوم القيامة نادى
مناد: أين حواري محمد بن عبد الله رسول الله الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه؟
فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر. |
|
الإيمان والكفر
والشّكّ
|
|
1 ـ عن حماد بن عمرو النصيبي، قال: سأل رجل
العالم(عليه السلام) فقال: أيها العالم أخبرني أي الأعمال أفضل عند الله؟ قال: (ما لا يقبل عمل إلاّ به) ، فقال: وما ذلك؟ قال: (الإيمان بالله، الذي هو أعلى الأعمال درجة وأسناها حظاً
وأشرفها منزلة)، قلت: أخبرني عن الإيمان أقولٌ وعمل أَمْ قولٌ بلا عمل؟
قال: (الإيمان عمل
كله، والقول بعض ذلك العمل بفرض من الله بيّنة في كتابه، واضح نوره، ثابتة حجته،
يشهد به الكتاب ويدعو إليه)، قلت: صف لي ذلك حتى أفهمه. |
|
الذنوب
|
|
1 ـ عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: (حق على الله أن لا يعصى في دار إلاّ أضحاها للشمس حتى
تطهرها)(
أصول الكافي: 2 /272.). (حرّمت الجنة على ثلاثة النمام، ومدمن الخمر،
والديوث وهو الفاجر)( معاني الأخبار: 243.). |
|
حفظ اللسان
|
|
1 ـ عن عثمان بن عيسى، عن أبي الحسن صلوات
الله عليه، قال: (إن كان في يدك هذه شيء فإن استطعت
أن لا تعلم هذه فافعل); قال: (وكان عنده إنسان
فتذاكروا الإذاعة)، فقال: (احفظ لسانك تعزّ،
ولا تمكّن الناس من قياد رقبتك فتذّل)( أصول الكافي: 2 / 225.). |
|
الأمر بالمعروف
والنّهي عن المنكر
|
|
1 ـ عن محمد بن عمر بن عرفة، قال: سمعت أبا
الحسن(ع) يقول: (لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر
أو ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم)( أصول الكافي: 5 / 56 ،
والتهذيب: 6 / 176.). |
|
الشّهيد والمجاهد في
سبيل الله
|
|
1 ـ عن موسى بن جعفر، عن آبائه(عليهم
السلام)، قال: قال رسول الله(ص): (إنّ فوق كلّ بر
برّاً حتى يقتل الرجل شهيداً في سبيل الله، وفوق كلّ عقوق عقوقاً حتى يقتل الرجل
أحد والديه)( بحار الأنوار: 100 / 15.). |
|
الغنائم
|
|
1 ـ عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: (يؤخذ الخمس من الغنائم فيجعل لمن جعله الله عز وجل ويقسّم
أربعة أخماس بين من قاتل عليه وولي ذلك، قال: وللإمام
صفو المال أن يأخذ الجارية الفارهة والدابّة الفارهة والثوب والمتاع ممّا يحب
ويشتهي فذلك له قبل قسمة المال وقبل اخراج الخمس، قال: وليس لمن قاتل شيء من الأرضين ولا ما غلبوا عليه الاّ ما
احتوى عليه العسكر وليس للأعراب من الغنيمة شيء وإن قاتلوا مع الإمام لأن رسول
الله(صلَّى الله عليه وآله) صالح الأعراب أن يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا على
أنه إن دهم رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) من عدوّه دهم أن يستفزّهم فيقاتل
بهم وليس لهم في الغنيمة نصيب وسنّة جارية فيهم وفي غيرهم والأرض التي أخذت عنوة
بخيل أو ركاب فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمرها ويحييها ويقوم عليها على ما
يصالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الحق النصف والثلث والثلثين، على قدر ما يكون
لهم صالحاً ولا يضرهم)( أصول الكافي: 5 / 44.). |
|
العمل والمعيشة:
|
|
1 ـ عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه،
قال: (رأيت أبا الحسن(عليه السلام) يعمل في
أرض له قد استنقعت قدماه في العرق، فقلت له: جعلت فداك أين الرجال؟ فقال: يا علي قد عمل باليد من هو خير منّي في أرضه ومن أبي،
فقلت له: ومن هو؟ فقال: رسول الله(ص) وأمير المؤمنين
وآبائي(ع) كلّهم كانوا قد عملوا بأيديهم وهو من عمل النبيّين والمرسلين
والأوصياء والصالحين)( أصول الكافي: 5 / 75 ، والفقيه: 3 / 162.). |
|
الدّعاء والزّيارة:
|
|
1 ـ عن أبي الحسن موسى(عليه السلام) قال: (عليكم بالدعاء; فإن الدعاء والطلب إلى الله عَزَّ وجَلَّ
يردّ البلاء وقد قدر وقضى فلم يبق إلاّ إمضاؤه، فإنه إذا دعا الله وسأله صرف
البلاء صرفاً)( مكارم الأخلاق: 316.). |
|
من مواعظ وحكم الإمام
الكاظم(عليه السلام):
|
|
روي
عن الكاظم(عليه السلام) أنه قال: (صلاة النوافل
قربانٌ إلى الله لكل مؤمن. الزهو: الفخر والكبر قال الشاعر: لا تهين الفقير علّك أن = تركع يوماً والدهر قد رفعه ثم
قال(عليه السلام): (نواصل من لا
يستحق وصالنا
= مخافة أن نبقى بغير صديق) ( تحف العقول: 412 ـ 413.) وإلى هنا نكتفي بهذه الجولة السريعة في تراث الإمام
الكاظم(عليه السلام) راجين من الله التوفيق للسير على هدي أهل البيت(عليهم
السلام) الذي يمثل النبع الصافي والهديّ الرباني السليم في ظلمات الهوى والوهم.
|
|
|
|
|
اعلام الهداية
الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)
|
|
أعلام
الهداية الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) قم المقدسة |
|
أهل
البيت في القرآن الكريم (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ
الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) الأحزاب: 33
/ 33 |
|
أهل
البيت في الُسنّة النبويّة (إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن
تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً) (الصحاح
والمسانيد) |
|
الفهرس إجمالي
|
|
الباب الأول: الباب الثاني: الباب الثالث: الباب الرابع: |
|
المقدمة
|
|
الحمد
لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، ثم الصلاة والسلام على من اختارهم هداةً
لعباده، لا سيَّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمد
(صلَّى الله عليه وآله) وعلى آله الميامين النجباء. (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)(الأنعام
(6): 71). (وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(البقرة
(2): 213). (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)(الأحزاب
(33): 4). (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ)(آل عمران (3): 101). (قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الْحَقِّ
أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ
كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(يونس (10): 35). (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ
مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إلى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(سبأ
(34): 6). (ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من الله)(القصص
(28):50). فالله
تعالى هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان
إلى الصراط المستقيم وإلى الحقّ القويم. وهذه الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم. ولقد
أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى
الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال، ومن هنا قال تعالى: (وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ)(الذاريات
(51): 56). وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، كانت المعرفة
والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال. وبعد
أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال;
لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة; والهوى الناشئ منهما، والملازم لهما فمن
هنا احتاج الإنسان ـ بالإضافة إلى عقله وسائر أدوات المعرفة
ـ إلى ما يضمن له سلامة البصيرة والرؤية; كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة
الهداية، وتتوفّر لديه كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو
طريق الشرّ والشقاء بملء إرادته. ويتولّى أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم الهداة المهديّون مهمّة الهداية
بجميع مراتبها، والتي تتلخّص في: 1
ـ تلقِّي الوحي بشكل كامل واستيعاب الرسالة الإلهية بصورة دقيقة. وهذه المرحلة
تتطلّب الاستعداد التام لتلقّي الرسالة، ومن هنا يكون الاصطفاء الإلهي لرسله
شأناً من شؤونه، كما أفصح بذلك الذكر الحكيم قائلاً:
(اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)(الأنعام (6): 124) و(اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ)(آل
عمران (3): 179). 2
ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى البشرية ولمن أرسلوا إليه، ويتوقّف الإبلاغ على
الكفاءة التامّة التي تتمثّل في (الاستيعاب والإحاطة اللازمة) بتفاصيل الرسالة
وأهدافها ومتطلّباتها، و (العصمة) عن الخطأ والانحراف معاً، قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ
النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)(البقرة
(2): 213). 3
ـ تكوين أُمة مؤمنة بالرسالة الإلهية، وإعدادها لدعم القيادة الهادية من أجل
تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في الحياة، وقد صرّحت آيات الذكر الحكيم بهذه
المهمّة مستخدمةً عنواني التزكية والتعليم، قال تعالى:
(يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)(الجمعة(62): 2)
والتزكية هي التربية باتجاه الكمال اللائق بالإنسان. وتتطلّب التربية القدوة
الصالحة التي تتمتّع بكلّ عناصر الكمال، كما قال تعالى:
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(الأحزاب(33):
21). ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري: ويختصّ
هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام موسى بن جعفر، التاسع من أعلام الهداية الذي جسّد
الكمالات النبوية في العلم والهداية والعمل والتربية وتوسعت بجهوده العلمية
الجبارة مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) واتضحت معالمها وأينعث ثمارها ولا زلنا
نتفيّأ ظلالها حتى عصرنا هذا. المجمع
العالمي لأهل البيت عليهم السلام قم المقدسة |
|
الباب الأول:
|
|
وفيه فصول: |
|
الفصل الأول: الإمام موسى
الكاظم(عليه السلام) في سطور
|
|
الإمام موسى بن جعفر المعروف بـ (الكاظم الغيظ)
سابع أئمة المسلمين بعد رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) وأحد أعلام الهداية
الربّانية في دنيا الإسلام وشمس من شموس المعرفة في دنيا البشرية التي لا زالت
تشع نوراً وبهاءً في هذا الوجود. إنه من العترة الطاهرة الذين قرنهم الرسول
الأعظم(صلَّى الله عليه وآله) بمحكم التنزيل وجعلهم قدوة لأولي الألباب وسفناً للنجاة
وأمناً للعباد وأركاناً للبلاد. إنه من شجرة النبوة الباسقة والدوحة العلوية
اليانعة ومحطّ علم الرسول وباب من أبواب الوحي والإيمان ومعدن من معادن علم
الله. ولد الإمام موسى بن جعفر في نهاية العهد الأموي سنة (128 هـ)
وعاصر أيّام انهيار هذا البيت الذي عاث باسم الخلافة النبويّة في أرض الإسلام
فساداً. وعاصر أيضاً بدايات نشوء الحكم العبّاسي الذي استولى على مركز القيادة
في العالم الإسلامي تحت شعار الدعوة إلى الرضا من آل محمد(صلَّى الله عليه
وآله). وعاش في ظلّ أبيه الصادق (عليه السلام) عقدين من عمره المبارك
وتفيّأ بظلال علوم والده الكريم ومدرسته الربّانية التي استقطبت بأشعتها النافذة
العالم الإسلامي بل الإنساني أجمع. فعاصر حكم السفّاح ثم حكم المنصور الذي اغتال أباه في الخامس
والعشرين من شوال سنة (148 هـ) وتصدّى لمنصب الإمامة بعد أبيه
الصادق(عليه السلام) في ظروف حرجة كان يخشى فيها على حياته. |
|
الفصل الثّاني: انطباعات عن شخصية
الإمام موسى الكاظم(عليه السلام)
|
|
أجمع
المسلمون ـ على اختلاف نحلهم ومذاهبهم ـ على أفضلية
أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، وأعلميّتهم ، وسموّ مقامهم ، ورفعة
منزلتهم، وقدسيّة ذواتهم وقرب مكانتهم من الرسول الأعظم(صلَّى الله عليه وآله)
حتّى تنافسوا في الكتابة عنهم، وذكر أحاديث الرسول الأعظم(صلَّى الله عليه وآله)
فيهم، وبيان سيرهم، وأخلاقهم، وذكر ما ورد من حكمهم وتعاليمهم. وقال
له أيضاً: يا بنيّ هذا وارث علم النبيين، هذا موسى بن جعفر، إن أردت العلم
الصحيح فعند هذا(أمالي
الشيخ الصدوق: 307 والمناقب: 4 / 310.). 3 ـ قال المأمون العباسي في وصفه:
قد أنهكته العبادة، كأنه شنّ بال، قد كلم السجود وجهه وأنفه(الأنوار البهية: 193 عن
عيون أخبار الرضا(عليه السلام): 1/88 ح 11 ب 7.). |
الفصل الثالث: مظاهر من شخصية الإمام الكاظم (عليه السلام)
|
|
1 ـ وفور علمه:
|
|
|
لقد
شهد للإمام موسى الكاظم(عليه السلام) بوفور علمه أبوه
الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) إذ قال عنه: (إنّ ابني هذا لو سألته عمّا بين دفتي المصحف لأجابك فيه
بعلم). وقال
أيضاً: (وعنده علم الحكمة، والفهم، والسخاء، والمعرفة
بما يحتاج إليه الناس فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم). ويكفي لمعرفة وفور
علومه رواية العلماء عنه جميع الفنون من علوم الدين وغيرها مما ملأوا به الكتب،
وألّفوا المؤلّفات الكثيرة، حتى عرف بين الرواة بالعالم. وقال الشيخ المفيد:
وقد روى الناس عن أبي الحسن موسى فأكثروا، وكان أفقه أهل زمانه(الإرشاد: 2/225.). |
|
2 ـ عبادته وتقواه:
|
|
نشأ
الإمام موسى (عليه السلام) في بيت القداسة والتقوى، وترعرع في معهد العبادة
والطاعة، بالإضافة إلى أنه قد ورث من آبائه حب الله والإيمان به والإخلاص له فقد
قدموا نفوسهم قرابين في سبيله ، وبذلوا جميع إمكانياتهم في نشر دينه والقضاء على
كلمة الشرك والضلال فأهل البيت أساس التقوى ومعدن الإيمان والعقيدة، فلولاهم ما
عبد الله عابد ولا وحّده موحّد. وما تحقّقت فريضة، ولا أقيمت سنة ، ولا ساغت في
الإسلام شريعة. ب ـ صومه: كان الإمام(عليه السلام) يصوم في
النهار ويقوم مصلّياً في الليل، خصوصاً لمّا سجنه هارون فإنه لم يبارح العبادة
الاستحبابية بجميع أنواعها من صوم وغيره، وهو يشكر الله ويحمده على هذا الفراغ
الذي قضاه في عبادته. ج ـ حجّه: وما من شيء يحبه الله وندب إليه إلاّ
فعله الإمام عن رغبة وإخلاص، فمن ذلك أنه حج بيت الله ماشياً على قدميه،
والنجائب تقاد بين يديه، وقد حج معه أخوه علي بن جعفر وجميع عياله أربع مرات،
وحدّث علي بن جعفر عن الوقت الذي قطعوا به طريقهم فقال: كانت السفرة الأُولى
ستاً وعشرين يوماً، والثانية كانت خمساً وعشرين يوماً، والثالثة كانت أربعاً
وعشرين يوماً، والرابعة كانت إحدى وعشرين يوماً(بحار الأنوار: 48/100 ح 2 عن قرب الإسناد.). د ـ تلاوته للقرآن: كان الذكر الحكيم رفيق الإمام
في خلواته، وصاحبه في وحشته وكان يتلوه بإمعان وتدبر، وكان من أحسن الناس صوتا
به، فإذا قرأ يحزن، ويبكي السامعون لتلاوته(المناقب: 4 / 348.). هـ ـ عتقه للعبيد: ومن مظاهر طاعة الإمام(عليه
السلام) عطفه وإحسانه على الرقيق فقد أعتق ألف مملوك(عن (الدر النظيم) في مناقب الأئمة ليوسف بن حاتم الشامي،
مخطوط في مكتبة الإمام الحكيم العامة (النجف الأشرف).) كل ذلك لوجه الله، وابتغاء مرضاته، والتقرب
إليه. |
|
3 ـ زهده:
|
|
كان الإمام في طليعة الزاهدين في الدنيا والمعرضين
عن نعيمها وزخارفها فقد اتجه إلى الله ورغب فيما أعدّه له في دار الخلود من
النعيم والكرامة، وقد حدثنا عن مدى زهده إبراهيم بن عبد
الحميد فقال: دخلت عليه في بيته الذي كان يصلي فيه، فإذا ليس في البيت شيء سوى
خصفة، وسيف معلق، ومصحف(بحار الأنوار: 48/100، ح1 عن قرب الإسناد.)، لقد كان عيشه زهيداً، وبيته بسيطاً فلم يحتو
على شيء حتى من الأمتعة البسيطة التي تضمها بيوت الفقراء الأمر الذي دل على
تجرده من الدنيا، وإعراضه عنها. على أنه كانت تجبى له الأموال الطائلة، والحقوق
الشرعية من العالم الشيعي، بالإضافة إلى أنه كان يملك البسرية وغيرها من الأراضي
الزراعية التي تدر عليه بالأموال الخطيرة، وقد أنفق جميع ذلك بسخاء على البائسين
والمحرومين في سبيل الله وابتغاء مرضاته، وكان(عليه السلام) دوماً يتلو على
أصحابه سيرة أبي ذر الصحابي العظيم الذي ضرب المثل الأعلى لنكران الذات والتجرد
عن الدنيا والزهد في ملاذها، فقال (عليه السلام): (رحم الله أبا ذر. فلقد كان
يقول : جزى الله الدنيا عني مذمة بعد رغيفين من الشعير، أتغدى بأحدهما، وأتعشى
بالآخر، وبعد شملتي الصوف أءتزر بأحدهما وأرتدي بالأخرى...)( أصول الكافي: 2 / 134.). |
|
4 ـ جوده وسخاؤه:
|
|
لقد تجلّى الكرم الواقعي، والسخاء الحقيقي في
الإمام فكان مضرب المثل في الكرم والمعروف، فقد فزع إليه البائسون والمحرومون
لينقذهم من كابوس الفقر وجحيم البؤس وقد أجمع المؤرخون أنه أنفق(عليه السلام)
جميع ما عنده عليهم كل ذلك في سبيل الله لم يبتغ من أحد جزاءاً أو شكورا،
وكان(عليه السلام) في صِلاته يتطلب الكتمان وعدم الذيوع لئلا يشاهد على الآخذ
ذلة الحاجة، وكان يلتمس في ذلك وجه الله ورضاه، ولهذا كان يخرج في غلس الليل
البهيم فيصل الطبقة الضعيفة ببرّه وإحسانه وهي لا تعلم من أيّ جهة تصلها تلك
المبرة، وكان يوصلهم بصراره التي تتراوح ما بين المئتي دينار إلى الأربعمئة
دينار(تأريخ بغداد:
13 / 28.) وكان يضرب المثل بتلك
الصرار فكان أهله يقولون: (عجباً لمن جاءته صرار موسى وهو يشتكي القلة والفقر!!)( عمدة الطالب: 185.) |
|
5 ـ حلمه:
|
|
وكان
الحلم من أبرز صفات الإمام موسى(عليه السلام) فقد كان مضرب المثل في حلمه وكظمه
للغيظ، وكان يعفو عمن أساء إليه، ويصفح عمن اعتدى عليه، ولم يكتف بذلك وإنما كان
يحسن لهم ويغدق عليهم بالمعروف ليمحو بذلك روح الشر والأنانية من نفوسهم، وقد
ذكر المؤرخون بوادر كثيرة من حلمه فقد رووا: (أن
شخصاً من أحفاد عمر بن الخطاب كان يسيء للإمام، ويكيل السب والشتم لجده أمير
المؤمنين(عليه السلام) فأراد بعض شيعة الإمام اغتياله فنهاهم (عليه السلام) عن
ذلك ورأى أن يعالجه بغير ذلك فسأل عن مكانه فقيل: أنه يزرع في بعض نواحي
المدينة، فركب(عليه السلام) بغلته ومضى إليه متنكراً، فوجده في مزرعته فأقبل
نحوه، فصاح به: لا تطأ زرعنا واستمر الإمام حتى وصل إليه، ولمّا انتهى إليه جلس
إلى جنبه وأخذ يلاطفه ويحدّثه بأطيب الحديث، وقال له بلطف ولين: ـ كم غرمت في زرعك هذا ؟ |
|
6 ـ إرشاده وتوجيهه:
|
|
إنّ إرشاد الناس إلى الحق وهدايتهم إلى الصواب من
أهم الأمور الإصلاحية التي كان الإمام يعنى بها، فقد قام بدور مهم في إنقاذ
جماعة ممن أغرّتهم الدنيا وجرفتهم بتيّاراتها. وببركة إرشاده ووعظه لهم تركوا ما
هم فيه من الغيّ والضلال وصاروا من عيون المؤمنين. وقد ذكر المؤرخون بوادر كثيرة
له في هذا المجال فقد رووا قصته مع بشر الحافي، إذ كان في بداية أمره ـ فيما
يقول الرواة ـ يتعاطى الشراب ويقضي لياليه وأيامه في المجون والدعارة فتاب ببركة
إرشاد الإمام(عليه السلام) وتوجيهه كما سوف نشير إلى قصّته مع الإمام (عليه
السلام) فيما سيأتي(راجع تمام القصة في الفصل الثّاني من الباب الثّالث: 80.). |
7 ـ إحسانه إلى الناس:
|
|
وكان الإمام بارّاً بالمسلمين محسناً إليهم، فما
قصده أحد في حاجة إلاّ قام بقضائها، فلا ينصرف منه إلاّ وهو ناعم الفكر مثلوج
القلب، وكان(عليه السلام) يرى أن إدخال الغبطة على الناس وقضاء حوائجهم من أهم
أفعال الخير فلذا لم مبرّراً له، وقد فزع إليه جماعة من المنكوبين فكشف آلامهم
وملأ قلوبهم رجاءاً ورحمة. |
|
الباب الثاني:
|
|
وفيه فصول: |
|
|
الفصل الأوّل: نشأة الإمام موسى
الكاظم (عليه السلام)
|
|
هو
سابع أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، الكبير القدر العظيم الشأن، الجاد في
العبادة المشهور بالكرامات، الكاظم الغيظ والعافي عن الناس، العبد الصالح وباب
الحوائج إلى الله كما هو المعروف عند أهل العراق. 1 ـ الأب: هو سادس أئمة أهل البيت بعد
الرسول(صلَّى الله عليه وآله) أبو عبد الله جعفر ابن محمد الصادق معجزة الإسلام
ومفخرة الإنسانية على مرّ العصور وعبر الأجيال، لم تسمع الدنيا بمثله فضلا ونبلا
وعلماً وكمالا. 2 ـ الأم: لقد كانت أم الإمام موسى الكاظم(عليه
السلام) من تلكم النسوة اللاتي جلبن لأسواق يثرب وقد خصّها الله بالفضل وعناها
بالشرف فصارت وعاءً للإمامة والكرامة وتزوّج بها أبو عبد الله، فكانت من أعزّ
نسائه وأحبهن إليه، وآثرهن عنده. 3 ـ الوليد المبارك: وامتدّ الزمن
بعد زواج الإمام بها، وسافر الإمام أبو عبد الله إلى بيت الله الحرام لأداء
فريضة الحج، فحملها معه، وبعد الانتهاء من مراسيمه قفلوا راجعين إلى يثرب، فلمّا
انتهوا إلى (الأبواء)( الأبواء: بالفتح ثم السكون ، وواو وألف ممدودة، قرية من
أعمال الفرع بالمدينة، وبه قبر الزاكية آمنة بنت وهب أم النبي العظيم(صلَّى الله
عليه وآله).). أحسّت حميدة بالطلق
فأرسلت خلف الإمام تخبره بالأمر، لأنه قد عهد إليها أن لا تسبقه بشأن وليده،
وكان أبو عبد الله يتناول طعام الغداء مع جماعة من أصحابه، فلما وافاه النبأ
المسرّ قام مبادراً إليها فلم يلبث قليلاً حتى وضعت حميدة سيداً من سادات
المسلمين، وإماماً من أئمة أهل البيت(ع). 4 ـ حب وتكريم: وقطع الإمام موسى شوطاً من طفولته
وهو ناعم البال يستقبل الحياة كل يوم بحفاوة وتكريم، فأبوه يغدق عليه بعطفه
المستفيض ، وجماهير المسلمين تقابله بالعناية والتكريم ، وقد قدمه الإمام
الصادق(عليه السلام) على بقية ولده، وحمل له من الحب ما لا يحمله لغيره، فمن
مظاهر ودّه أنه وهب له قطعة من أرض تسمى البسرية، كان قد اشتراها بست وعشرين ألف
دينار () دلائل
الإمامة: 49 ـ 50.). 5 ـ صفته: كان أسمر شديد السمرة(الفصول المهمة لابن
الصباغ المالكي: 222 ، أخبار الدول: 112.)،
ربع القامة، كث اللحية(مناقب آل أبي طالب: 4 / 348.)
ووصفه شقيق البلخي فقال: كان حسن الوجه ، شديد السمرة، نحيف الجسم. وإذا كنت للشريف غلاماً =
فأنا الحر والزمان غلامي (أخبار الدول: 113.) الوفي: لأنه أوفى
إنسان خلق في عصره، فقد كان وفيّاً بارّاً بإخوانه وشيعته وبارّاً حتى بأعدائه
والحاقدين عليه. |
|
الفصل الثّاني: مراحل حياة الإمام
الكاظم (عليه السلام)
|
|
تبعاً لطبيعة الظروف التي مرّ بها الإمام الكاظم (عليه السلام) في
حياته تنقسم الدراسة عن حياته إلى ثلاث مراحل متميّزة: ولكن
الإمام باشر مهامه بكل إحكام وإتقان وأوصى إلى ابنه الرضا وضمن للجماعة الصالحة
استمرار المسيرة، وقضى مسموماً صابراً محتسباً. مكللاً جهاده بالشهادة في سبيل
الله تعالى. |
|
الفصل الثّالث: الإمام موسى الكاظم
في ظلّ أبيه (عليهما السلام)
|
|
لقد تميّزت المرحلة التي نشأ فيها
الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) وعاصرها مع أبيه
ـ منذ ولادته سنة (128 هـ) حتى وفاة أبيه سنة (148 هـ)
بعدّة منعطفات تاريخيّة ونشاطات نوعية من قبل الإمام الصادق (عليه السلام) حيث
استطاع بقدراته الإلهيّة وحنكته الربانيّة أن يتجاوز تلك التحدّيات ، ويرسم الخط
الإلهي الأصيل ويُنجز مهامّ الإمامة ويهيئ لولده الإمام الكاظم (عليه السلام)
الطريق لكي يمارس دوره المستقبلي. وهذه
الظاهرة أتاحت للإمام الصادق (عليه السلام) أن ينفذ من خلالها لتطبيق برنامجه ما
دامت السلطة مشغولة بالاضطرابات التي خلّفتها الثورة الحسينية. ب ـ وفي الوقت الذي كان الإمام(عليه السلام) يطور هذا التيّار الفكري
كان يهيئ الأذهان الخاصّة لقبول قيادة الإمام الكاظم(عليه السلام) والإيمان
بإمامته فقد جاء عن المفضّل بن عمر أنه قال: كنت عند أبي
عبد الله (عليه السلام) فدخل أبو إبراهيم موسى وهو غلام فقال لي أبو عبد الله
(عليه السلام): استوص به وضَعْ أمره عند من تثق به من
أصحابك(أصول
الكافي: 1 / 308، ح 4، والإرشاد: 2/216.). |
|
نصوص الإمام
الصادق(عليه السلام) على إمامة موسى الكاظم(عليه السلام)
|
|
1 ـ عن يعقوب السراج قال:
دخلت
على أبي عبد الله(عليه السلام) وهو واقف على رأس أبي الحسن موسى وهو في المهد،
فجعل يسارّه طويلاً، فجلست حتى فرغ، فقمت إليه فقال لي:
(ادن من مولاك فسلّم، فدنوت فسلمت عليه فردّ عليّ السلام بلسان فصيح، ثم قال لي:
اذهب فغيّر اسم ابنتك التي سميتها أمس، فإنه اسم يبغضه الله، وكان ولدت لي ابنة
سمّيتها بالحميراء. فقال أبو عبد الله: انته إلى أمره ترشد، فغيّرت اسمها)( أصول الكافي: 1 / 310،
ح 11.). |
|
الباب الثالث:
|
|
وفيه فصول: |
|
الفصل الأوّل: ملامح عصر الإمام
الكاظم(عليه السلام)
|
|
لم
يغيّر المنصور من سياسته ضد العلويين بعد قتله للإمام الصادق(ع)، وبعد قضائه على
الثورات العلوية في زمانه، بل بقي هاجس الخوف والقلق يلاحقه، ولم تهدأ ذاته
المليئة بالحقد عليهم، فاستمر في اضطهادهم، فزجّ الأبرياء في السجون المظلمة
وهدمها عليهم، ودفن البعض وهم أحياء في اسطوانات البناء، وبثّ الجواسيس، لأجل أن
يحيط علماً بكل نشاطهم، وأخذت عيونه ترصد كل حركة بعد تحويرها وتحريفها بالكذب
لتنسجم مع رغبات الخليفة فكانوا يرفعونها له مكتوبة كما سمح للتيّارات الإلحادية
كالغلاة والزنادقة في أن تأخذ طريقها بين عامة الناس لإضلالهم. كما استعمل بعض العلماء واستغلّهم لتأييد سياسته وإسباغ
الطابع الشرعي على حكمه. ويمكن استجلاء هذا الوضع ضمن عدة نقاط: |
|
النقطة الأولى:
|
|
إنّ
وصية الإمام الصادق(عليه السلام) التي عهد بها أمام الناس لخمسة أشخاص، هم أبو
جعفر المنصور، محمد بن سليمان، وعبد الله، وموسى، وحميدة، مع كتابة المنصور
لعامله في المدينة بأن يقتل وصيّ الإمام الصادق (عليه السلام) إن كان معيناً،
يتضح ـ من هذه الوصية مع أوامر المنصور بقتل الوصيّ ـ نوع الطريقة التي كان
يتحرك بها المنصور تجاه الإمام موسى(عليه السلام) ثم يتضح أيضاً حجم النشاط وحجم
الاهتمام الذي كان يعطيه المنصور للإمام(عليه السلام) لمراقبة حركته. قال: أوصى إلى ابنه عبد الله وإلى ابنه موسى، وإلى المنصور.
فقال: الحمد لله الذي لم يُضلّنا، دلّ على الصغير وبيّن على الكبير، وستر الأمر
العظيم. ووثب إلى قبر أمير المؤمنين(ع) فصلَّى وصلّينا.
ثم أقبلت عليه وقلت له: فسّر لي ما قلته ؟ قال:
بيّن أن الكبير ذو عاهة ودلّ على الصغير أن أدخل يده مع الكبير، وستر الأمر العظيم
بالمنصور حتى إذا سأل المنصور: من وصيّه؟ قيل : أنت. قال
الخراساني: فلم أفهم جواب ما قاله(عوالم العلوم ، الإمام الكاظم: 175.). فذهب بعد ذلك إلى المدينة ليطّلع بنفسه على الوصي من بعد الإمام جعفر بن محمد(ع). |
|
النقطة الثانية:
|
|
لقد
شدّدت السلطات في المراقبة على الشيعة بعد استشهاد الإمام الصادق(عليه السلام)
وعمّ الارتباك أوساطهم وشحنت الأجواء بالحذر والتحسّب. |
|
النقطة الثالثة:
|
|
من
الحقائق التاريخية التي تكشف سياسة المنصور القائمة على الخنق والإبادة والقتل
للعلويين هو حديث الخزانة. (لمّا عزم المنصور على الحج دعا ريطة بنت
أبي العباس امرأة المهدي وكان المهدي بالري قبل شخوص أبي جعفر فأوصاها بما
أراد)، وعهد إليها ودفع إليها مفاتيح الخزائن، وتقدّم
إليها وأحلفها ووكّد الإيمان أن لا تفتح بعض تلك الخزائن، ولا تطلع عليها أحداً
إلاّ المهدي، ولا هي إلاّ أن يصح عندها موته، فإذا صح ذلك اجتمعت هي والمهدي
وليس معهما ثالث حتى يفتحا الخزانة، فلمّا قدم المهدي من الري إلى مدينة السلام
دفعت إليه المفاتيح وأخبرته أنه تقدم إليها أن لا تفتحه ولا تُطلع عليه أحداً
حتى يصح عندها موته فلما انتهى إلى المهدي موت المنصور وولي الخلافة فتح الباب
ومعه ريطة، فإذا أزج كبير فيه جماعة من قتلى الطالبيين، وفي آذانهم رقاع فيها
أنسابهم وإذا فيهم أطفال، ورجال شباب، ومشايخ عدة كثيرة، فلما رأى ذلك المهدي
ارتاع لما رأى وأمر فحفرت لهم حفيرة فدفنوا فيها، وعمل عليهم دكاناً) (الطبري: 6 / 343 و 344
مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.). |
|
النقطة الرابعة:
|
|
ومن المشاكل التي أثيرت في مطلع تسلّم الإمام
موسى(ع) لمسؤولية الإمامة ، والتي كانت تهدف لتمزيق الطائفة الشيعية وإثارة
البلبلة والتخريب في صفوفها، هي التشكيك في مسألة القيادة فإنها لمن تكون بعد
الإمام الصادق (عليه السلام) بسبب ما ادّعاه (عبد الله
الأفطح) أخو الإمام موسى الأكبر بعد إسماعيل، وهذا بطبيعة الحال يُضيف
معاناة أُخرى للإمام ؛ لأن أجهزة المنصور العدوانيّة كانت تعدّ عليه الأنفاس وتشك
في أيّ حركة تصدر منه (سيرة الأئمة الاثني عشر: 2/325 فصل حياة الإمام موسى بن جعفر
الكاظم(ع) ط دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت، والإرشاد: 2/209 ذكر أولاد أبي عبد
الله(عليه السلام) وعددهم وأسمائهم وطرف من أخبارهم، ط مؤسسة آل البيت لإحياء
التراث ـ قم المقدسة.). |
|
النقطة الخامسة:
|
|
ومن
الأساليب التي استخدمتها السلطات العبّاسية عامة والمنصور بشكل خاص، سياسة
اتّخاذ (وعّاظ السلاطين) بعد أن غيّب الإمام
موسى الكاظم(عليه السلام) عن المسرح السياسي والفكري ، وظاهرة وعّاظ السلاطين هي
بديل يرعاه الخليفة ويدعمه بما أوتي من قوة ليغطّي له الفراغ من جانب وتؤيد له
سياسته من جانب آخر إذ يوحي للأمة بأنه مع الخط الإسلامي السائر على نهج السنة
النبويّة، ووجد من (مالك بن أنس) وأمثاله ممن تناغم معه في الاختيار العقائدي الذي لا يصطدم مع سياسته، ووجد من تجاوب مع رغبته وكال
له ولأسرته المديح والثناء، الأمر الذي دفع بالمنصور أن
يفرض (الموطأ) على الناس بالسيف ثم جعل لمالك السلطة في الحجاز على الولاة وجميع
موظّفي الدولة فازدحم الناس على بابه وهابته الولاة والحكّام وحينما وفد
الشافعي عليه فشفّع بالوالي لكي يسهّل له أمر الدخول عليه فقال له الوالي: إني أمشي من المدينة إلى مكة حافياً
راجلاً أهون عليّ من أن أمشي إلى باب مالك. ولست أرى
الذل حتى أقف على باب داره (الأئمة الأربعة لمصطفى الشكعة: 2/100، حياة مالك بن أنس،
الفصل الخامس، باب 6 مهابة مالك، سيرة الأئمة الاثني عشر، هاشم معروف الحسني:
2/326، حياة الإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليهما السلام).). |
|
النقطة السادسة:
|
|
انتشرت في هذه المرحلة عقائد خاطئة وتأسّست فرق منحرفة من الإلحاد
والزندقة والغلوّ والجبرية والإرجاء ، عقائد خاطئة ذات أصحاب تدافع عنها ،
ولم تكن كل هذه الاعتقادات وليدة هذا الظرف بالذات، وإنما نشطت في هذا الجوّ
المساعد لنموها، حيث كان بعض الخلفاء يتبنى بعضاً منها ويسمح لانتشار البعض
الآخر. |
|
الفصل الثّاني: مواقف الإمام
الكاظم (عليه السلام) في عهد المنصور
|
|
إنّ
حركة الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) ونشاطه إزاء هذه الظروف التي تحدثنا عنها
لم يسعفنا التاريخ بتفاصيلها ولم يحدّد لنا بالأرقام بشكل واضح حركة الإمام
فيها، إلاّ أنّ بعض الروايات التاريخية تشير إلى أن الإمام(ع) قد مارس أُموراً
في سنوات حكم المنصور العشرة بعد استشهاد الإمام الصادق(عليه السلام). |
|
الاتّجاه الأوّل:
الإمام الكاظم (عليه السلام) وإحكام المواقع
|
|
ونتناول
في هذا الاتجاه دور الإمام(عليه السلام) في إبرازه للقدرات الغيبية التي تميّز
الإمام عن غيره من الأدعياء وزعماء الفرق والطوائف الضالّة في زمانه، وبهذا قد
لفت أنظار الأمة وأعطاها حسّاً تقارن وتحاكم به هذه التيّارات وتفرز بين الحق
والباطل بما أمتلكته من مقاييس مستلهمة من مشاهد مثيرة حسية كان قد حققها
الإمام(عليه السلام). النشاط
الأول: إخبار الإمام موسى(عليه السلام) لعامة الناس ببعض الغيبيات التي لا يمكن
للإنسان العادي أن يتوصّل إليها، والروايات التي تتضمّن هذا النوع من الإخبار
كثيرة جداً ننقل بعضاً منها: المثال الأول: عن إسحاق بن عمار قال: (سمعت العبد
الصالح(عليه السلام) ينعى إلى رجل من شيعته نفسه، فقلت في نفسي: وإنه ليعلم متى
يموت الرجل من شيعته ! فالتفت إلي شبه المغضَب فقال:
يا إسحاق قد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا والإمام أولى بعلم ذلك،
ثم قال: يا إسحاق اصنع ما أنت صانع فإنّ عمرك قد فنى
وقد بقي منه دون سنتين ... فلم يلبث إسحاق بعد هذا المجلس إلاّ يسيراً
حتى مات)( أصول
الكافي: 1/484، ح 7، وفي الخرائج والجرائح: 1/310، ح 3: إسحاق بن منصور، وفي
إثبات الهداة: 5/541، ح 78: إسماعيل بن منصور عن أبيه. وفي بحار الأنوار: 48/68،
ح 90 ـ 91 عن الكافي والخرائج.). المثال الثاني: قال خالد بن نجيح: قلت
لموسى(عليه السلام) إنّ أصحابنا قدموا من الكوفة وذكروا أن المفضّل شديد الوجع،
فادع الله له. فقال(عليه السلام): (قد استراح)،
وكان هذا الكلام بعد موته بثلاثة أيّام(بصائر الدرجات: 264 ح 10، واخبار معرفة الرجال: 329 ح 597،
والخرائج والجرائح: 2/715 ح 13، وعنه في بحار الأنوار: 48 / 72.). المثال الثالث: قال ابن نافع التفليسي: خلّفت
والدي مع الحرم في الموسم وقصدت موسى بن جعفر(عليه السلام) فلما أن قربت منه
هممت بالسلام عليه فأقبل عليّ بوجهه وقال: (برّ حجك
يا ابن نافع، آجرك الله في أبيك فإنّه قد قبضه إليه في هذه الساعة، فارجع فخذ في
جهازه)، فبقيت متحيراً عند قوله، وقد كنت خلّفته وما به علّة، فقال: يا ابن نافع أفلا تؤمن؟ فرجعت فإذا أنا بالجواري
يلطمن خدودهنّ فقلت: ما وراكنّ؟ قلن: أبوك فارق الدنيا، قال ابن نافع: فجئت إليه
أسأله عمّا أخفاه ورائي فقال لي: أبداً ما أخفاه وراءك، ثم قال: يا ابن
نافع إن كان في أمنيتك كذا وكذا أن تسأل عنه فأنا جنب الله وكلمته الباقية وحجته
البالغة)(
مناقب آل أبي طالب: 4/311 وعنه في بحار الأنوار: 48/72.). النشاط
الثاني: ومن قدرات الإمام(ع) الخارقة للعادة والتي تميّزه أيضاً عن غيره هي
تكلّمه بعدّة لغات من غير أن يتعلّمها بالطرق الطبيعية للتعلّم، وإنّما
بالإلهام. وفي هذا المجال تطالعنا مجموعة من الشواهد: الشاهد الأول: عن أبي بصير قال: دخلت على أبي الحسن
الماضي(ع)، ما لبثت أن دخل علينا رجل من أهل خراسان فتكلّم الخراساني بالعربية،
فأجابه هو بالفارسية. فقال له الخراساني: أصلحك الله ما منعني أن أكلمك بكلامي
إلاّ أني ظننت أنك لا تحسن ، فقال: (سبحان الله! إذا
كنت لا أحسن أن أجيبك فما فضلي عليك؟!)، ثم
قال: (يا أبا محمد ، إنّ الإمام لا يخفى عليه كلام
أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه روح . بهذا يعرف الإمام ، فإذا لم تكن
فيه هذه الخصال فليس هو بإمام)( قرب الإسناد: 265، ح 1263 وعنه في بحار الأنوار: 25/133، ح
5، واثبات الهداة: 5/535 ح 72.). الشاهد الثاني: روي عن أبي حمزة أنه قال: كنت عند
أبي الحسن موسى(ع) إذ دخل عليه ثلاثون مملوكاً من الحبشة اُشتروا له، فتكلم غلام
منهم ـ وكان جميلاً ـ بكلام فأجابه موسى (ع) بلغته فتعجّب الغلام وتعجّبوا
جميعاً وظنوا أنه لا يفهم كلامهم. فقال له موسى(ع): (إني
أدفع إليك مالاً، فادفع إلى كل (واحد) منهم ثلاثين درهماً). فخرجوا وبعضهم يقول لبعض:
(إنّه أفصح منا بلغتنا، وهذه نعمة من الله علينا. قال علي بن أبي حمزة: فلما
خرجوا قلت: يا ابن رسول الله! رأيتك تكلم هؤلاء الحبشيين بلغاتهم ! قال: نعم. وأمرت ذلك الغلام من بينهم بشيء دونهم؟ قال: نعم أمرته أن يستوصي بأصحابه خيراً وأن يُعطي كل واحد منهم
في كل شهر ثلاثين درهماً، لأنّه لمّا تكلم كان أعلمهم، فإنه من أبناء ملوكهم،
فجعلته عليهم، وأوصيته بما يحتاجون إليه، وهو مع هذا غلام صدق. ثم قال: لعلك عجبت من
كلامي إياهم الحبشية ؟ قلت: إي والله. قال(عليه السلام): (لا تعجب فما خفي عليك من أمري أعجب وأعجب)( قرب الإسناد: 262، ح
1257 وعنه في بحار الأنوار: 26/190 و 48 / 100، ودلائل الإمامة: 169، والخرائج
والجرائح: 1/312، ح 5 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 70.). الشاهد الثالث: قال بدر ـ مولى الإمام
الرضا(عليه السلام) ـ: (إنّ إسحاق بن عمار دخل على موسى بن جعفر (ع) فجلس عنده
إذ استأذن عليه رجل خراساني يكلّمه بكلام لم يسمع مثله قطّ كأنه كلام الطير. |
|
الاتّجاه الثاني:
الإمام الكاظم (عليه السلام) ومعالجة الانهيار الأخلاقي
|
|
لقد أصاب القيم الإسلامية ـ بفعل الأسباب التي
ذكرناها ـ اهتزاز كبير وتعرّضت الأمة إلى هبوط معنوي وتميّع مشهود، تغذّيه
وتحركه أيد سلطانية هادفة، هنا سلك الإمام الكاظم(عليه
السلام) سبيلين من أجل أن يحدّ من هذا الانهيار
الذي تعرّضت له الأمة. |
|
الاتّجاه الثالث:
الإمام الكاظم والتحدّيات الداخلية
|
|
وهنا
ندرس بعض مواقف الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) من جملة من التحدّيات الداخلية
التي كان لها تأثير سلبي مباشر على المذهب، ومنها تحدّيات السلطة لمرجعية الإمام
العلمية. وقال الإمام الكاظم في موضع آخر: (مالكم والقياس؟! إنمّا هلك من هلك من قبلكم بالقياس)( أصول الكافي: 1/57، ح
16 وعنه في وسائل الشيعة: 27/42 ح 15.). |
|
الاتّجاه الرابع:
الإمام الكاظم (عليه السلام) وتركيز القيادة الشرعية السياسيّة
|
|
ركّز
الإمام موسى الكاظم(ع) على مسألة القيادة والولاية الشرعية المتمثّلة بالإمام
المعصوم والموقف من القيادة السياسية المنحرفة، وتعريف الخواص بالإمامة والقيادة
الحقة عبر أساليب تربويّة. النشاط الأوّل: في المجال الفكري النشاط الثاني: في المجال العملي كان الإمام(ع)
يحاسب شيعته وأتباعه المتعاطفين مع الحكّام والولاة ولا يسمح لهم بالانخراط في
دائرة الظالمين وأعوان الظالمين إلاّ في موارد خاصة كان هو الذي يأمر بها ويشرف
على سيرها وتصرّفاتها. |
|
الإمام موسى بن جعفر
(عليه السلام) يخبر بموت المنصور
|
|
وأراد أبو جعفر المنصور
الذهاب إلى مكة ـ وذلك قبيل وفاته ـ فأخبر الإمام(عليه السلام) بعض خواص الشيعة
بموته قبل أن يصل إليها. وفعلاً مات قبل الوصول إليها كما أخبر به الإمام(عليه
السلام). |
|
الفصل الثّالث: الإمام الكاظم
(عليه السلام) وحكومة المهدي العبّاسي
|
|
ملامح عهد المهديّ
العباسيّ
|
|
ويمكن أن نوجز ملامح حكومته وعهده فيما يلي: ثانياً: إنّ المرونة التي طرأت على سياسة
المهدي العبّاسي مع العلويين كانت في بداية حكمه وتمثلت فيما أصدره من عفو عام
عن جميع المسجونين وفي ردّ جميع الأموال المنقولة وغير المنقولة والتي كان قد
صادرها أبوه ظلماً وعدواناً إلى أهلها، فردّ على الإمام موسى الكاظم(ع) ما صادره
أبوه من أموال الإمام الصادق(عليه السلام). ثالثاً: بعد أن نشط الإمام(ع) وذاع
صيته خلال حكم المهدي استخدم المهدي سياسة التشدد على الإمام موسى الكاظم(ع)،
فلقد استدعاه إلى بغداد وحبسه فيها ثم ردّه إلى المدينة(قرب الإسناد: 140 ، البحار: 48 / 228 ح 32 وأخرجه المالكي في
الفصول المهمة: 216 والشبلنجي في نور الأبصار: 165.). رابعاً: شجّع المهدي الوضّاعين في زمنه فقام
هؤلاء بدور إعلامي تضليلي فأحاطوا السلاطين بهالة من التقديس وأبرزوهم في
المجتمع على أنهم يمثلون إرادة الله في الأرض وأن الخطأ لا يمسّهم فمثل غياث بن إبراهيم الذي عرف هوى المهدي في الحَمام وعشقه
لها فحدّثه عن أبي هريرة أنه قال: لا سبق
إلاّ في حافر أو نصل ـ وزاد فيه ـ أو جناح. فأمر له المهدي عوض افتعاله للحديث بعشرة آلاف درهم، ولمّا ولّى عنه قال لجلسائه: أشهد أنه كذب على رسول الله (ص) ما قال رسول الله ذلك
ولكنه أراد أن يتقرب إليَّ (تاريخ بغداد: 2 / 193.). يا ابن الذي ورث النبي محمداً = دون الأقارب من ذوى الأرحام فأجازه
المهدي على ذلك بسبعين ألف درهم تشجيعاً له ولغيره على انتقاص أهل البيت(عليهم
السلام).
(الاحتجاج للطبرسي: 2/167،
168.) خامساً: لقد شاع اللهو وانتشر المجون وسادت
الميوعة والتحلّل في حكم المهدي العباسي. وبلغ المهدي حسن صوت إبراهيم الموصلي
وجودة غنائه فقرّبه إليه وأعلى من شأنه(الأغاني: 5 / 5.). خليفة يزني بعمّاته = يلعب بالدف وبالصولجان (شذرات الذهب: 1 / 365.) سادساً: إنّ جميع ما أخذه المنصور من أبناء
الأمة ظلماً وعدواناً وجمعه في خزانته وبخل عن بذله لإعمار البلاد وإصلاح حال
الأمة قد بذله المهدي على شهواته حتى أسرف في ذلك بالرغم من كل ما شاهد من البؤس
والفقر التي كانت حاضرة أمام الناظرين أيّام حكومته. سابعاً: إن السفّاح والمنصور لم يسمحا
لنسائهما بالتدخل في شؤون الدولة ولكن المهدي لمّا استولى على الحكم بدأ سلطان المرأة ينفذ إلى البلاط فزوجته الخيزران أصبحت ذات
نفوذ قوي على القصر تقرب من تشاء وتبعّد من تشاء. ومن هذا العصر أخذ نفوذ
المرأة يزداد ويقوى في بلاط الحكّام العباسيين حتى بلغ نهايته في أواسط العهد
العباسي واستمر حتى نهاية حكمهم(حياة الإمام موسى بن جعفر: 1 / 441.). ثامناً: إن انشغال المهدي باللهو من جانب
وحاجته إلى الأموال من جانب آخر شجّع عمّاله على نهب الأموال وسلب ثروات الأمة
حتى انتشرت الرشوة عند الموظّفين وتشدّد ولاته في أخذ الخراج. بل عمد المهدي
نفسه إلى الاجحاف بالناس فأمر بجباية أسواق بغداد وجعل الأجرة عليها(تاريخ اليعقوبي: 2 /
399.). |
|
النشاط العام للإمام الكاظم (عليه السلام)
|
|
كان الغالب على حياة الإمام موسى الكاظم (ع) عدم
الانفتاح على الأُمة في حركته العامة. |
|
1 ـ المجال السياسي: |
|
قام
الإمام (عليه السلام) بتوضيح موقفه تجاه الخلفاء والخلافة للأمة، وان كلفه
الموقف ثمناً قد يؤدّي بحياته. الموقف الأول: لقد ذكرنا بأن المهدي العباسي عند
تسلّمه زمام الحكم من أبيه المنصور أبدى سياسة مرنة مع العلويين أراد بها كسبهم
وحاول أن ينسب من خلالها المظالم العبّاسية إلى العهد البائد، ويوحي من جانب قوة
الخلافة وشرعيتها وعدالتها عندما أعلن إعادة حقوق العلويين لهم وأصدر عفواً
عاماً للمسجونين، وأرجع أموال الإمام الصادق(ع) إلى الإمام الكاظم (ع). من هنا وجد الإمام (ع) فرصته الذهبية لاستغلال هذه البادرة
فبادر بمطالبة المهدي بإرجاع فدك باعتبارها تحمل
قيمة سياسية ورمزاً للصراع التأريخي بين خط السقيفة وخط أهل البيت (عليهم السلام). الموقف الثاني: في هذه المرحلة كان الإمام(ع)
حريصاً على تماسك الوجود الشيعي في وسط المجتمع الإسلامي ووحدة صفه، لأن الظروف
الصعبة، تشكّل فرصة لنفوذ النفوس الضعيفة والحاقدة بقصد التخريب. |
|
2 ـ المجال الأخلاقي والتربوي:
|
|
لقد أشاع الحكّام العبّاسيون أخلاقاً وممارسات
جاهلية أصابت القيم والأخلاق الإسلامية بالاهتزاز وعرّضت المثل العليا للضياع. النموذج الثاني:
خرج عبد الصمد بن علي ومعه جماعة فبصر بأبي الحسن(ع) مقبلاً راكباً بغلاً، فقال لمن معه: مكانكم حتى أضحككم من موسى بن جعفر،
فلما دنا منه قال له: ما هذه الدابّة التي لا تدرك عليها الثأر، ولا تصلح عند
النزال؟ فقال له أبو الحسن (تطأطأت عن سموّ الخيل
وتجاوزت قموء العير، وخير الأمور أوسطها) . فافحم عبد الصمد فما أحار
جواباً (بحار
الأنوار: 48 / 154 / ح26 عن فروع الكافي: 6/540.). النموذج الثالث:
عن الحسن بن محمد: أن رجلاً من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذي أبا
الحسن(ع) فكان يسبّه إذا رآه ويشتم علياً(ع). وقد لاحظنا حسن تعامل الإمام معه
وكيف أدّى ذلك إلى صلاح رؤيته وتعامله مع الإمام (ع)
( راجع الفصل الثالث من الباب الأوّل، مبحث
حلمه(عليه السلام) ص 34 من هذا الكتاب.). |
|
3 ـ المجال العلمي
|
|
1 ـ
قال أبو يوسف للمهدي ـ وعنده موسى بن جعفر(عليه السلام) ـ: (تأذن لي أن أسأله عن
مسائل ليس عنده فيها شيء؟ فقال له: نعم. فقال لموسى بن جعفر(عليه السلام) أسألك
؟ قال: نعم. فقال
المهدي لأبي يوسف: ما أراك صنعت شيئاً ؟! قال: رماني بحجر دامغ)( عيون أخبار الرضا: 1 /
78 وعنه في بحار الأنوار: 81 / 108. ونقله في المناقب: 4/338 عن الفقيه، وليس
فيه لا في الحيض ولا في التظليل! وفي الكنى والألقاب: 1/188 عن الكليني. ونقل
نحوه المفيد في الإرشاد: 2/235 عن محمّد بن الحسن الشيباني بمحضر الرشيد،
ورواهما في الاحتجاج: 2 / 168.). |
|
الإمام الكاظم (عليه
السلام) وبناء الجماعة الصالحة
|
|
كرّس الإمام الكاظم(عليه السلام) جهده لإكمال بناء
الجماعة الصالحة التي يهدف من خلالها إلى الحفاظ على الشريعة من الضياع ويطرح
النموذج الصالح الذي يتولّى عملية التغيير والبناء في الأُمة، حيث مارس
الإمام(ع) تحرّكاً مشهوداً في هذا المجال وقدّم للأمة النموذج الصالح الذي صنعته
مدرسة أهل البيت (ع). |
|
أولاً: تركيز
الانتماء لخط أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
1 ـ الانتماء السياسي:
|
|
ركّز الإمام(عليه السلام) على بعد الانتماء لخطّ
أهل البيت(عليهم السلام) ولا سيّما الانتماء السياسي لهم وتحرك الإمام على مستوى
تجويز اندساس بعض أتباعه في جهاز السلطة الحاكمة، وأبرز
مثال لذلك توظيف علي بن يقطين ووصوله إلى مركز الوزارة; وذلك لتحقيق عدّة أهداف
في هذه المرحلة السياسية الحرجة وهي كما يلي:
|
|
ثانياً: التثقيف
السياسي
|
|
إنّ النشاط السياسي الذي يقوم به أصحاب الإمام(عليه
السلام) في هذه المرحلة ولما يمتاز به من صعوبات كان يحتاج إلى لون خاص من الوعي
ودقة في الملاحظة وعمق في الإيمان، ممّا دفع بالإمام(عليه السلام) إلى أن يرعى
ويشجع الخواص ويعمق في نفوسهم روح التديّن ويمنحهم سقفاً خاصاً من المستوى
الإيماني ويدفعهم إلى أفق سياسي يتحرّكون به ضد الخصوم بشكل سليم ويوفّر لهم قوة
تمنحهم قدرة المواصلة وسموّ النفس. |
|
ثالثاً: البناء
العملي والانتماء الفكري:
|
|
ركّز الإمام الكاظم(ع) في تربيته للجماعة الصالحة
على ضرورة الانتماء الفكري والمعرفي لمدرسة أهل البيت (ع)، وتحرك الإمام(ع) بهذا
الاتّجاه مستغلاً للنهضة الفكرية التي حقّقها الإمام الصادق(ع) من قبل ، فقام
بإكمال عمل أبيه في بناء الكادر المتخصص فامتدّت قواعده من هذا النوع حتى ذكر له
(319) صحابياً(الإمام
موسى الكاظم لباقر شريف القرشى: 2 / 223.)
كل منهم تلقى العلم والمعرفة من الإمام الكاظم(عليه السلام) وقد خضعت هذه
الجماعة بانتمائها الفكري إلى برمجة متقنة يمكنها مواجهة التحديات الثقافية
والفقهية والإبداع في ميدانها الخاص. وفيما يلي نشير
إلى جانب من نشاط الإمام(عليه السلام) بهذا الاتّجاه: |
|
اعتقال الإمام الكاظم
(عليه السلام)
|
|
لقد عرفنا عداء المهدي للعلويين بشكل عام بل لمن
يتولاّهم، وما كان إخراجهم من السجون إلاّ لأنه أحسّ بأن حكومته لا تدوم لو
استمرّ على سيرة أبيه المنصور في التضييق عليهم، وقد أعرب عن سياسته بقوله: إني
أرى التأديب بالصفح أبلغ منه بالعقوبة، والسلامة مع العفو أكثر منها مع العاجلة،
والقلوب لا تبقى لوال لا يعطف إذا استعطف ، ولا يعفو إذا قدر، ولا يغفر إذا ظفر،
ولا يرحم إذا استرحم، من قلّت رحمته واشتدّت سطوته وجب مقته وكثر مبغضوه(تاريخ اليعقوبي: 2 / 399
ـ 400.). |
|
الإمام الكاظم (عليه
السلام) في حكومة موسى الهادي العباسي
|
|
ثم استولى على الحكم موسى
الهادي بعد وفاة أبيه المهدي في العشر الأخير من محرم سنة (169 هـ) وتوفي في
السنة (170 هـ) وكان عمره (26) سنة (تاريخ اليعقوبي: 2 / 401 ـ 406.) وبالرغم من قصر المدّة التي حكم فيها موسى الهادي إلاّ أنها قد تركت آثاراً سيّئة على الشيعة وامتازت بحدث مهم في التاريخ الإسلامي وهو (واقعة فخ) التي قال عنها الإمام الجواد(عليه
السلام): (لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ)( الإمام موسى الكاظم: 2
/ 457.) فكانت سياسة الهادي قد
امتازت بنزعات شريرة ظهرت في سلوكه حتى نقم عليه القريب والبعيد وأبغضه الناس
جميعاً وقد حقدت عليه أمه الخيزران حتى بلغ بها
الغيظ له نهايته، قيل إنها هي التي قتلته (عمدة الطالب في أنساب
آل أبي طالب: 172 عن سر السلسلة العلوية: 14. ونقل القول الأصفهاني في مقاتل
الطالبيين وعنه في بحار الأنوار: 48/165.). |
|
ثورة فخ |
|
إنّ الذي فجّر الثورة على الحاكم العبّاسي هو
(الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب(ع)). |
|
نتائج الثورة
|
|
بعد
أن انتهت الثورة باستشهاد (الحسين صاحب فخ) وصحبه أخذ الهادي يتوعّد الأحياء
منهم، وقد ذكر سيدهم الإمام موسى قائلاً: والله ما خرج حسين إلاّ عن أمره، ولا
اتّبع إلاّ محبته، لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت. قتلني الله إن أبقيت عليه(بحار الأنوار: 48 / 150
ـ 153 عن ابن طاووس في مهج الدعوات: 217.). زعمت سخينة أن ستغلب ربّها = فليغلبنَّ مغالب الغلاب وأقبل الإمام نحو القبلة ودعا بدعاء الجوشن الصغير
المعروف الوارد عنه(عليه السلام) ثم قال(عليه السلام): (قد ـ وحرمة هذا القبر ـ مات في يومه هذا والله و(إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ
مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)( الذاريات (51): 23.)). |
|
تحليل ثورة فخ وموقف
الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) منها
|
|
لقد استعرضنا فيما سبق نشاط الإمام لإكمال بناء
الجماعة الصالحة لإيصالها إلى المستوى العالي من العقيدة والإيمان والوعي
السياسي الذي يُهيّء الأرضية لانجاز المشروع التغييري الإسلامي الكبير. يمكن أن نلخّص موقف الإمام موسى من واقعة
(فخ) بما يلي: |
|
موسى الهادي يحاول
عزل الرشيد من ولاية العهد:
|
|
قال اليعقوبي:
وشجرت بين موسى وأخيه الوحشة فعزم على خلعه وتصيير ابنه جعفر وليّ العهد، ودعا
القوّاد إلى ذلك، فتوقف عامتهم وأشاروا عليه أن لا يفعل ، وسارع بعضهم وقووا
عزيمته في ذلك وأعلموه أن الملك لا يصلح إن صار إلى هارون، فكان ممن سعى في خلعه
أبو هريرة محمد بن فرّوخ الأزدي القائد من الأزد ، وقد كان موسى وجّه به في جيش
كثير يستنفر من بالجزيرة والشام ومصر والمغرب ويدعو الناس إلى خلع هارون، فمن
أبى جرّد فيهم السيف فسار حتى صار إلى الرقة فأتاه الخبر بوفاة موسى(تأريخ اليعقوبي: 2 /
405.). |
|
الباب الرابع:
|
|
وفيه فصول: |
|
الفصل الأوّل:
ملامح عهد الرشيد وسياسته مع الإمام الكاظم(عليه السلام)
|
|
تعتبر السنوات الأخيرة من عمر
الإمام موسى الكاظم(عليه السلام) من أعقد مراحل حياته
وأشدّها صعوبة وأذىً على الإمام(عليه السلام) بالقياس إلى المراحل الأخرى التي سبقتها،
وقد عاصر فيها هارون الرشيد لمدة (14) سنة وأشهراً (إعلام الورى: 2/7 وعنه
في بحار الأنوار: 48 / 1، ح1.) وكانت
حافلة بالآلام والمصاعب. البحث الأول: ملامح عهد الرشيد: بأبي من كان في قلبي له = مرة حب قليل فسرق وغنّاه
إبراهيم الموصلي بها فأعطى كل واحد منهما مئة
ألف درهم ومئة ثوب (الاغاني: 4 / 74.). |
|
البحث
الثاني: موقف الرشيد من الإمام الكاظم(عليه السلام)
|
|
كان الرشيد شديد الحساسية والحقد على الإمام موسى
الكاظم(عليه السلام) بالنسبة إلى الخلفاء العبّاسيين الذين سبقوه، من هنا بدأ
بمحاصرة الإمام ومراقبته بغية شل حركته ونشاطه، بطرق وأساليب متعددة وملتوية
ومتطوّرة تمثّلت في الاستدعاءات المتعدّدة للبلاط ثم الاعتقالات المتكرّرة،
ومحاولات الاغتيال بتصفية أتباع الإمام(عليه السلام) وشيعته، وزجّ البعض في
السجون بعد بثّه للجواسيس بشكل مكثّف ورصد ومُتابعة كل حركة تصدر من الإمام
وأصحابه وإكرام الوشاة وتشجيعهم فيما إذا جاءوا بمعلومة سرّية عن الإمام حتى إنه
كانت تقدم رؤوس العلويين كهدايا للرشيد باعتبارها من الأمور الثمينة عنده. |
|
الطائفة الأولى:
|
|
تتضمّن
أساليب الرشيد مع الإمام والتي تدور بين إكرام الإمام مرة والتخطيط لقتله مرّة
أخرى، والاعتراف بكونه الإمام المفترض الطاعة مرّة ثالثة. قال
الفضل بن الربيع: فرأيته وقد أدار يده يلوح بها على رأسه ثلاث مرات. فدخلت
على الرشيد، فإذا هو كأنه امرأة ثكلى قائم حيران فلمّا رآني قال لي: يا فضل.
فقلت: لبيك. فقال: جئتني بابن عمّي؟ قلت: نعم. قال: لا تكون أزعجته؟ فقلت: لا.
قال: لا تكون أعلمته أني عليه غضبان؟ فإني قد هيّجت على نفسي ما لم أرده، أئذن
له بالدخول. فأذنت له. فلمّا
رآه وثب إليه قائماً وعانقه وقال له: مرحباً بابن عمي وأخي ووارث نعمتي ، ثم
أجلسه على مِخَدّة وقال له: ما الذي قطعك عن زيارتنا؟ فقال(عليه السلام): سعة ملكك وحبّك للدنيا. فقال:
ائتوني بحقة الغالية(الغالية: جمعها غوال: اخلاط من الطيب وتغلّى: تطيّب بالغالية.) فأتي بها فغلفه بيده، ثم أمر أن يحمل بين يديه
خلع وبدرتان دنانير. قال
الفضل: فتبعته(عليه السلام) فقلت له: ما الذي قلت حتى كُفيت أمر الرشيد ؟ فقال:
دعاء جدي علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان إذا دعا
به، ما برز إلى عسكر إلاّ هزمه ولا إلى فارس إلاّ قهره، وهو دعاء كفاية البلاء. قلت:
وما هو ؟ قال:
قل: اللهم بك أساور، وبك أُحاول (وبك أحاور) ، وبك أصول،
وبك انتصر، وبك أموت، وبك أحيا، أسلمت نفسي إليك، وفوّضت أمري إليك، لا حول ولا
قوّة إلاّ بالله العلي العظيم. اللهم انك خلقتني ورزقتني وسترتني، وعن العباد
بلطف ما خوّلتني أغنيتني، وإذا هويت رددتني، وإذا عثرت قوّمتني، وإذا مرضت
شفيتني، وإذا دعوت أجبتني يا سيدي ارض عني فقد أرضيتني)( عيون أخبار الرضا: 1 /
76، ح 5 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 215، ح16.). 2 ـ يصوّر لنا عبد الله المأمون بن الرشيد ذلك المستوى من الفهم الذي
يمتلكه الرشيد إزاء الإمام. والذي اعترف به من خلال
الإكرام والإجلال الذي قام به الرشيد للإمام الكاظم(ع) والذي يستبطن مدى الحقد
والبغض، ويكشف هذا المشهد ثقل الإمام الشعبي الذي دفع بالرشيد إلى أن يفتعل هذا
المشهد من أجل إضلال الجماهير. 3 ـ قال المأمون: فلمّا خلا المجلس قلت: يا أمير
المؤمنين من هذا الرجل الذي عظمته وأجللته، وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته،
وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له ؟ ! 4 ـ قال المأمون: فلما أراد الرشيد الرحيل من
المدينة إلى مكة أمر بصرّة فيها مئتا دينار، ثم أقبل على الفضل بن الربيع فقال
له: اذهب بهذه إلى موسى بن جعفر(عليه السلام) وقل له: يقول لك أمير المؤمنين نحن
في ضيق وسيأتيك برّنا بعد هذا الوقت. |
|
الطائفة الثانية:
|
|
نختار في هذه الطائفة ما يصوّر لنا أساليب الرشيد
مع الإمام والتي يبتغي من ورائها إحراج الإمام مرّة والاستهانة به مرّة أُخرى
لعله يعجزه أمام الناس ويثبت لهم فشله وعدم جدارته. |
|
ولنرى موقف الإمام(عليه السلام) إزاء هذه الإحراجات والاستهانات وكيف
تخلّص منها منتصراً. وإليك نصّ ما دار بين الإمام(عليه السلام) وبين الرشيد كما رواه
الصدوق: فقلت: ما كان علمه عندي فإنّي مُخبرك به إن أنت آمنتني؟ قال: لك
الأمان إن صدقتني وتركت التقيّة التي تعرفون بها معشر بني فاطمة. فقلت : ليسأل أمير المؤمنين عمّا شاء؟ قال: أخبرني لم فضّلتم علينا
ونحن وأنتم من شجرة واحدة وبنو عبد المطلب ونحن وأنتم واحد، أنّا بنو العبّاس
وأنتم ولد أبي طالب، وهما عمّا رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) وقرابتهما منه
سواء ؟ فقلت: نحن أقرب. قال: وكيف ذلك ؟ قلت: لأن عبد الله وأبا طالب لأب وأمّ وأبوكم العبّاس ليس هو من أم
عبد الله، ولا من أمّ أبي طالب . قال: فلم ادّعيتم أنّكم ورثتم النبي(صلَّى الله عليه وآله) ؟
والعمّ يحجب ابن العمّ ، وقبض رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) وقد توفي أبو
طالب قبله، والعبّاس عمه حيّ؟ فقلت له: إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني من هذه المسألة ويسألني
عن كلّ باب سواه يريده . فقال: لا أو تجيب. فقلت: فآمنّي؟ قال: قد آمنتك قبل الكلام. فقلت: إنّ في قول علي بن أبي طالب(عليه السلام) إذن ليس مع ولد
الصّلب ذكراً كان أو أنثى لأحد سهم إلاّ للأبوين والزوج والزوجة، ولم يثبت للعم
مع ولد الصلب ميراث، ولم ينطق به الكتاب، إلاّ أنّ تيماً وعدياً وبني أمية
قالوا: العم والد رأياً منهم بلا حقيقة، ولا أثر عن النبي(صلَّى الله عليه
وآله). ومن قال بقول علي(عليه السلام) من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء، هذا
نوح بن درّاج يقول في هذه المسألة بقول علي(عليه السلام) وقد حكم به، وقد ولاّه
أمير المؤمنين المصرين الكوفة والبصرة، وقد قضى به فأنهي إلى أمير المؤمنين فأمر
بإحضاره وإحضار من يقول بخلاف قوله منهم سفيان الثوري، وإبراهيم المدني والفضيل
بن عيّاض فشهدوا أنه قول علي(عليه السلام) في هذه المسألة فقال لهم ـ فيما
أبلغني بعض العلماء من أهل الحجاز ـ: فلم لا تفتون به وقد قضى به نوح بن درّاج؟
فقالوا جسر نوح وجبنا وقد أمضى أمير المؤمنين قضّيته بقول قدماء العامة عن
النبي(صلَّى الله عليه وآله) أنّه قال: علي أقضاكم، وكذلك قال عمر بن الخطاب :
علي أقضانا، وهو اسم جامع لأن جميع ما مدح به النبي(صلَّى الله عليه وآله)
أصحابه من القراءة والفرائض والعلم داخل في القضاء. قال: زدني يا موسى. قلت: المجالس بالأمانات وخاصّة مجلسك؟ فقال: لا بأس عليك. فقال: ما حجّتك فيه؟ قلت: قول الله تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى
يُهَاجِرُوا)( الأنفال (8): 72.) وإنّ عمّي العبّاس لم يُهاجر. فقال لي: أسألك يا موسى هل أفتيت بذلك أحداً من أعدائنا؟ أم أخبرت
أحداً من الفقهاء في هذه المسألة بشيء ؟ فقلت: اللهم لا، وما سألني عنها إلاّ أمير المؤمنين. ثم قال: لم جوّزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله(صلَّى
الله عليه وآله) ويقولون لكم: يا بني رسول الله، وأنتم بنو علي وإنما يُنسب
المرء إلى أبيه وفاطمة إنما هي وعاء، والنبي(صلَّى الله عليه وآله) جدّكم من قبل
أمكم؟ فقلت: يا أمير المؤمنين لو أن النبي(صلَّى الله عليه وآله) نُشر
فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقلت: لكنّه (صلَّى الله عليه وآله) لا يخطب إلي ولا أزوجه. فقال: ولم ؟ فقال: أحسنت يا موسى. ثم قال: كيف قلتم إنا ذريّة النبي، والنبي(صلَّى الله عليه وآله)
لم يعقب؟ وإنما العقب للذكر لا للأنثى، وأنتم ولد الابنة، ولا يكون لها عقب؟ فقلت: أسألك بحق القرابة والقبر ومن فيه إلاّ ما أعفيتني عن هذه
المسألة. فقال: لا أوتخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي، وأنت يا موسى يعسوبهم ،
وإمام زمانهم، كذا أُنهي إليَّ، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه، حتى تأتيني فيه
بحجة من كتاب الله، فأنتم تدّعون معشر ولد علي أنّه لا يسقط عنكم منه شيء (ألف
ولا واو) إلاّ وتأويله عندكم، واحتججتم بقوله عَزَّ وجَلَّ : (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)( الانعام (6): 38.) وقد
استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم. فقلت: تأذن لي في الجواب؟ قال: هات. فقال: ليس لعيسى أب. قال: هات. فقال: أحسنت يا موسى ارفع إلينا حوائجك. فقلت له: أوّل حاجة أن تأذن لابن عمك أن يرجع إلى حرم جدّه(عليه
السلام) وإلى عياله. فقال: ننظر إن شاء الله)( عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1 / 81.). 2 ـ اتّهام الإمام بانحرافات فكرية لكسر هيبة الإمام(عليه السلام)
وتبرير اضطهاده. 3 ـ هناك محاولة أخرى لإحراج الإمام(عليه السلام) والاستهانة به
وكانت في مجلس هارون الرشيد حينما حضره حكيم هندي، ويبدو
أن الرشيد قد قصد حضور هذا الحكيم الهندي مع الإمام وخطط لإدانة الإمام عمليّاً.
كما يبدو ذلك من خلال تعليقة الرشيد بعد استسلام الحكيم الهندي لعلم الإمام(ع). 4 ـ يُبرز لنا هذا المشهد إحدى محاولات الاغتيال التي كان قد أعدّها
الرشيد للإمام موسى(ع) وفشلها بالتسديد الإلهي. |
|
الفصل الثّاني: موقف الإمام الكاظم
(عليه السلام) من حكم الرشيد
|
|
لقد استعرضنا أساليب الرشيد وسياسته الظالمة مع
الإمام(ع)، والآن نريد الحديث عن موقف الإمام (ع) قبال هذه السياسة. |
|
الإمام(عليه السلام)
وسياسة الرشيد
|
|
إنّ
سيرة الإمام(ع) ومواقفه من الرشيد لم تكن استسلامية بل كان الإمام(ع) صلباً في
مواقفه يتحدّى بها الرشيد، وان كان في بعضها شيء من المرونة في بعض الأحيان وذلك
لمعرفة الإمام(ع) به وبنواياه فكان يراعي في مواقفه المصالح العليا. المشهد الأوّل: عن محمد بن طلحة الأنصاري قال:
كان مما قال هارون لأبي الحسن(عليه السلام) حين أُدخل عليه: (ما هذه الدار؟
فقال(عليه السلام): هذه دار الفاسقين، قال الله
تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ
يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا
يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا
وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً)( الأعراف (7): 146.). فقال له هارون: فدار من هي؟ قال(عليه السلام): هي لشيعتنا فترة ولغيرهم فتنة. قال: فما بال صاحب
الدار لا يأخذها؟ فقال: أخذت منه عامرة ولا يأخذها
إلا معمورة. قال: فأين شيعتك ؟ فقرأ أبو الحسن(عليه السلام): (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ)( البينة (98): 1.). قال: فقال له: فنحن كفار؟ قال(عليه السلام): لا ، ولكن كما قال الله:
(الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ
الْبَوَارِ)( إبراهيم (14): 28.). فغضب عند
ذلك وغلظ عليه إذ قد لقيه أبو الحسن(عليه السلام) بمثل هذه المقالة، وما رهبه
وهذا خلاف قول من زعم أنه هرب منه من الخوف(تفسير العياشي: 2/29 الأذيلة وعنه في بحار الأنوار: 48/138، ح
13 والاختصاص: 256، بحار الأنوار: 48 / 156.).
المشهد الثاني: عن الإمام الكاظم(عليه السلام)
قال: (قال لي هارون: أتقولون أن الخمس لكم؟ المشهد الثالث: إنّ هارون الرشيد كان يقول
لموسى بن جعفر(ع): (حُدّ فدكاً حتى أردّها إليك، فيأبى حتى ألحّ عليه. المشهد الرابع: ولمّا دخل هارون الرشيد
المدينة توجّه لزيارة النبي(صلَّى الله عليه وآله) ومعه الناس فتقدم الرشيد إلى
قبر رسول الله(صلَّى الله عليه وآله)وقال: السلام عليك يا رسول الله يا ابن عمّ،
مفتخراً بذلك على غيره . فتقدم أبو الحسن(ع) فقال: (السلام
عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبه) فتغير وجه الرشيد وتبيّن الغيظ
فيه)( كامل
الزيارات: 18 ب 3 وعنه في بحار الأنوار: 48/136، وفي مناقب آل أبي طالب: 4/345.). |
|
الإمام(عليه السلام)
والجماعة الصالحة
|
|
بعد أن عرفنا موقف الإمام موسى(عليه السلام) من
الرشيد، بقي أن نعرف نشاطه ولا سيّما فيما يخصّ الجماعة الصالحة حيث كان الإمام(ع)
قد قطع أشواطاً في منهجه التربوي في مراحل سابقة، فلابد أن يواصل بناءه في هذه
المرحلة، لتعميق ما أسس له سابقاً، ولتوجيه الطاقات باتجاه الأهداف الكبرى التي
كان يسعى لها الأئمة(ع) من تأصيل الامتداد الشيعي فيوسط الأُمة، وامتلاكه القدرة
على مواجهة التحدّيات والوقوف أمام عمليات الإبادة التي بدأ الخلفاء بالتخطيط
لها كلما شعروا بتوسيع دائرة أتباع الأئمة(ع) وقد لاحظنا هارون يصرّح بأنه لو
أعطى الإمام عطاءه اللائق به لم يأمن أن يشهر الإمام ضدّه مائة ألف سيف لإزالة
ملكه. |
|
المجال السياسي:
|
|
قام الإمام موسى(عليه السلام) بعدة خطوات تربوية مع شيعته في هذا
المجال. الخطوة الأولى: تأكيد الانتماء السياسي لخطّ أهل البيت: إنّ
خطّ أهل البيت(عليهم السلام) ومنهجهم هو خط الرفض للظلم والظالمين، ولقد
تشدد(عليه السلام) على محبيه وشيعته وحرّم عليهم الانفتاح أو التعاون مع السلطات
العباسية الظالمة، وأخذ يعمّق في نفوسهم النزاهة والدقة في رفض الظلم، ليمتلكوا
وعياً سياسياً يحصّنهم من الانجراف مع التيار الحاكم أو
الاستجابة لمخططات الاحتواء بشكل وآخر. دخل صفوان بن مهران الأسدي على الإمام موسى الكاظم(عليه السلام) فقال
له: (يا صفوان، كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً).
قال: جعلت فداك، أي شيء هو؟ قال(عليه السلام): إكراؤك
جمالك من هذا الرجل ، يعني هارون الرشيد! قال: والله ما أكريته أشراً ولا
بطراً، ولا للصيد، ولا للهو ، ولكن لهذا الطريق ـ يعني طريق مكة ـ ولا أتولاّه
بنفسي ولكن أبعث معه غلماني. قال(عليه السلام): يا
صفوان أيقع كراك عليهم؟ قال: نعم جعلت فداك. قال(عليه السلام): أتحب بقاءهم حتى يخرج كراك؟ قال: نعم. قال(عليه
السلام): من أحب بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم فهو
وارد للنار. وقام صفوان في الوقت فباع جماله وأعرض عن مهنته فبلغ ذلك
هارون فأرسل خلفه، فلما مثل عنده قال له ـ وهو يتميّز من الغيظ ـ: يا صفوان!
بلغني أنك بعت جمالك، قال: نعم قال: ولم؟ قال: أنا شيخ كبير ، وإنّ الغلمان لا
يفون بالأعمال. قال: هيهات هيهات !! إني لأعلم من أشار عليك بهذا، أشار عليك
موسى بن جعفر. قال: مالي ولموسى بن جعفر. قال: دع عنك هذا، فوالله لولا حسن
صحبتك لقتلتك)(
رجال النجاشي: 198 برقم 525، وكان من موالي بني أسد بالكوفة. والخبر من اختيار
معرفة الرجال: 440 ح 828.). فالآن صرت إلى أمية = والأمور إلى مصائر فقال الكميت: قد قلت ذلك ، والله ما رجعت عن
إيماني، وإني لكم لموال ولعدوكم لقال، ولكن قد قلته على التقية فقال(عليه
السلام): (إن التقية لتجوز على شرب الخمر)( اختيار معرفة الرجال:
1/465، ح 364.). |
|
المجال التربوي:
|
|
إنّ
وصايا الإمام الكاظم(عليه السلام) وتوجيهاته لشيعته تلاحظ حاجة الواقع الموجود
لإكمال بناء هذه الجماعة الصالحة باتّجاه الأهداف النهائية التي رسمها أهل
البيت(عليهم السلام) لها. ولهذا المجال يمكن أن نستشهد بعدّة أمثلة: المثال الثالث: تسديد الإمام(عليه السلام) لمهمة علي بن يقطين ودعمه
له: |
|
المجال العلمي
والفكري:
|
|
لقد
كان عهد الصادقين(عليهما السلام) عهد الانفراج النسبي لمدرسة أهل البيت(عليهم
السلام) حيث استطاعت أن تنشر علوم أهل البيت(عليهم السلام) وتخرّج الأساتذة
والعلماء المسؤولين والأمناء على حفظ تراث هذا الخطّ الرسالي بين أبناء الأمة
الإسلامية. وكان هارون جرئياً في الإقدام على سجن الإمام وعزله عن قواعده.
ولكنّ أصحاب الإمام(ع) كانوا على اتصال مستمر به وهو في قيد السجن. وكان هذا
التخطيط يعدّ تطوراً واضحاً في التعامل مع الأحداث واستغلالاً للظروف الحرجة
أحسن استغلال لإكمال المسيرة الربّانية إلى حيث الأهداف المبتغاة منها. |
|
منهج الاستنباط
والتفقه في الدين:
|
|
ونلتقي في تراث الإمام الكاظم(ع) بنصوص ترتبط بحرمة
القول بغير علم وحجية الظواهر وحجية خبر الواحد ونصوص ترتبط بعلاج حالات التعارض
بين الأحاديث ونصوص ترتبط بالمنع من القياس ونصوص ترتبط بأصالة البراءة ووجوب
الموافقة القطعية في أطراف العلم الإجمالي والاستصحاب وعدم جواز الرجوع إلى
الأصل قبل الفحص عن الدليل.. وهذه النصوص تشير إلى أن الإمام(ع) كان بصدد إرساء
قواعد ومنهج الاستنباط والتفقه في دين الله. |
|
المناظرات في عصر الإمام الكاظم (عليه السلام) |
|
من
الأنشطة الفكرية الواسعة الصيت في عصر الإمام الكاظم(عليه السلام) والمؤثرة في
تبلور فكر الأمة هي المناظرة العلمية، وكان الإمام الصادق(عليه السلام) ثم
الإمام الكاظم(عليه السلام) من بعده قد استثمرا هذه الظاهرة وأعدّا لها نخبة من
العلماء المتخصصين في هذا الميدان تعاهدوا للدفاع عن مذهب أهل البيت(ع) وتعريفه
للناس واستطاعوا رغم المنع السلطوي والحصار الفكري ضدهم أن يروّجوا للمذهب
ويحققوا انتصارات مشهودة. كما قد نشطوا من جانب في دحض الشبهات والاتهامات التي
كانت تثار ضد الفكر الإسلامي أو الشيعي واستطاعوا أن يقفوا بوجه الموجات الفكرية
الانحرافية والحركات الإلحادية. |
|
الفصل الثّالث: اعتقالات الإمام
(عليه السلام) حتى استشهاده
|
|
التخطيط لسجن الإمام
(عليه السلام)
|
|
لسنا
الآن بصدد التعرض إلى تفاصيل أسباب سجن الإمام من قبل الرشيد. لأن سلوك الإمام
وتأثيره في الأمة كما عرفت كان كافياً لأن يدفع بالرشيد الذي لا يتبنى حكمه على
أصول مشروعة ليخطط لسجن الإمام(ع) وبالتالي اغتياله، هذا فضلاً عن كون الرشيد قد
قطع على نفسه بداية تسلّمه للحكم بأن سوف يستأصل الوجود العلوي فإذا كان هذا
شعاره أول الأمر مع كل العلويين فكيف بزعيم العلويين وقائدهم وسيدهم. |
|
اعتقال الإمام (عليه
السلام)
|
|
وبعد زيارة الرشيد لقبر الرسول(صلَّى الله عليه
وآله) ولقائه بالإمام(ع) أمر الطاغية هارون باعتقال الإمام (عليه السلام) وفعلاً
أُلقي القبض على الإمام وهو قائم يصلي عند رأس جدّه النبي(صلَّى الله عليه وآله)
ولم يمهلوه لإتمامها. |
|
الإمام(عليه السلام)
في سجن البصرة:
|
|
كان
المأمور بحراسة الإمام(عليه السلام) أثناء الطريق من المدينة إلى البصرة حسان
السروي(عيون أخبار
الرضا: 1/85 ح 10.) وقبل أن يصل إلى
البصرة تشرّف بالمثول بين يديه عبد الله بن مرحوم الأزدي فدفع له الإمام كتباً
وأمره بإيصالها إلى وليّ عهده الإمام الرضا وعرّفه بأنه الإمام من بعده(عيون أخبار الرضا: 1/27
ح 13.) وسارت القافلة تطوي البيداء
حتى وصلت البصرة، وأخذ حسّان الإمام ودفعه إلى عيسى بن أبي جعفر فحبسه في بيت من
بيوت المحبس وأقفل عليه أبواب السجن فكان لا يفتحها إلا
في حالتين: أمّا نشاطه(عليه السلام) في داخل السجن: فلقد انقطع(عليه السلام) إلى الله في عبادته فكان
يصوم النهار ويقوم الليل وكان يقضي وقته في الصلاة والسجود والدعاء، ولم يضجر
ولم يسأم من السجن واعتبر التفرّغ للعبادة من أعظم النعم، وكان يقول في دعائه: (اللهم إنك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهم
وقد فعلت فلك الحمد)( المناقب: 4 / 343.). |
|
الإيعاز لعيسى
باغتيال الإمام(عليه السلام)
|
|
وأوعز الرشيد إلى عيسى يطلب منه فوراً القيام
باغتيال الإمام لكن لمّا وصلت أوامر الرشيد لعيسى باغتيال الإمام(عليه السلام)
ثقل عليه الأمر، وجمع خواصّه وثقته فعرض عليهم الأمر فأشاروا عليه بالتحذير من
ارتكاب الجريمة فاستصوب رأيهم، وكتب إلى الرشيد رسالة يطلب فيها إعفاءه عن ذلك. |
|
حمل الإمام(عليه
السلام) إلى بغداد
|
|
واستجاب الرشيد لطلب عيسى وخاف من عدم تنفيذه لطلبه
أن يساهم في إطلاق سراح الإمام(عليه السلام) ويخلّي سبيله، فأمره بحمله إلى
بغداد وفرح عيسى بذلك، ولمّا وصل الإمام إلى بغداد أمر الرشيد باعتقاله عند
الفضل فأخذه وحبسه في بيته. |
|
دعاء الإمام (عليه
السلام) وإطلاق سراحه
|
|
ولمّا طالت مدة الحبس على الإمام(عليه السلام) وهو
رهين السجون، قام في غلس الليل البهيم فجدّد طهوره وصلَّى لربه أربع ركعات وأخذ
يدعو بهذا الدعاء: |
|
الاعتقال الثاني
للإمام (عليه السلام)
|
|
ولمّا شاع ذكر الإمام(عليه السلام) وانتشرت فضائله
ومآثره في بغداد، ضاق الرشيد من ذلك ذرعاً، وخاف منه فاعتقله ثانية فأودعه في
بيت الفضل بن يحيى. ولما رأى الفضل عبادة الإمام(ع) وإقباله على الله وانشغاله
بذكره أكبر الإمام، ولم يضيّق عليه وكان في كل يوم يبعث إليه بمائدة فاخرة من
الطعام، وقد رأى (عليه السلام) من السعة في سجن الفضل ما لم يرها في بقية
السجون. |
|
الإمام (عليه السلام)
في سجن السّندي بن شاهك
|
|
وبعد سجن الفضل أمر هارون بنقل الإمام(عليه السلام)
إلى سجن السندي بن شاهك وأمره بالتضييق عليه فاستجاب هذا الأثيم لذلك فقابل
الإمام(ع) بكل جفوة وقسوة، والإمام صابر محتسب فأمره الطاغية أن يقيّد
الإمام(عليه السلام) بثلاثين رطلاً من الحديد ويقفل الباب فيوجهه ولا يدعه يخرج
إلا للوضوء. |
|
نشاط الإمام (عليه
السلام) داخل السّجن
|
|
وقام الإمام بنشاط متميّز من داخل السجن، وفيما يلي نلخّص ذلك ضمن
عدة نقاط: وبعد ما مكث الإمام(ع) زمناً طويلاً في سجن هارون
تكلّم معه جماعة من خواصّ شيعته فطلبوا منه أن يتكلم مع بعض الشخصيات المقرّبة
عند الرشيد ليتوسط في إطلاق سراحه، فامتنع(ع) وترفّع عن ذلك وقال لهم: (حدثني أبي عن آبائه أن الله عزّ وجلّ أوحى إلى داود، يا
داود إنه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني، وعرفت ذلك منه إلا قطعت عنه
أسباب السماء، وأسخت الأرض من تحته)( تاريخ اليعقوبي: 2/361، وفاة موسى بن جعفر، تحقيق عبد الأمير
مهنا. ط بيروت منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.). |
|
الإمام الكاظم(عليه
السلام) يتحدّى كبرياء هارون
|
|
لقد
تنوعت ضغوط هارون على الإمام هو في السجن، ونجد الإمام(عليه السلام) وهو في أوج
المحنة يتحدّى كبرياء هارون بكل صلابة وشدّة حتى فشل هارون بكل ما أوتي من حول
وقوّة ولم يجد أمامه حلاًّ ينسجم مع نزعاته إلاّ سمّ الإمام(ع) واغتياله. وإليك جملة من ضغوط هارون على الإمام الكاظم(ع) وهو في السجن: فجيئ بها إليه، وهي ترتعد قد شخصت ببصرها نحو
السماء وهي تذكر الله وتمجّده ، فقال لها هارون: ما شأنك ؟! قالت: شأني الشأن
البديع، إني كنت عنده واقفة وهو قائم يصلّي ليله ونهاره، فلمّا انصرف من صلاته
قلت له: هل لك حاجة أُعطيكها؟ فقال الإمام(عليه السلام): وما حاجتي إليك ؟ قلت: إني أدخلت عليك لحوائجك. فقال
الإمام(عليه السلام): فما بال هؤلاء ، وأشار
بيده إلى جهة ، فالتفتُّ فإذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظري ، ولا
أولها من آخرها ، فيها مجالس مفروشة بالوشي والديباج ، وعليها وصفاء ووصايف لم
أر مثل وجوههنّ حسناً، ولا مثل لباسهنّ لباساً، عليهن الحرير الأخضر، والأكاليل
والدر والياقوت، وفي أيديهن الأباريق والمناديل، ومن كل الطعام، فخررت ساجدة حتى
أقامني هذا الخادم، فرأيت نفسي حيث كنت. فقال لها هارون وقد أترعت نفسه بالحقد:
يا خبيثة لعلّك سجدت، فنمت فرأيت هذا في منامك! قالت: لا والله يا سيدي، رأيت
هذا قبل سجودي ، فسجدت من أجل ذلك. فالتفت الرشيد إلى خادمه ، وأمره باعتقالها
وإخفاء الحادث لئلاّ يسمعه أحد من الناس، فأخذها الخادم، واعتقلها عنده، فأقبلت
على العبادة والصلاة، فإذا سئلت عن ذلك قالت: هكذا رأيت العبد الصالح) ( الحلبي في مناقب آل أبي
طالب: 4/322 عن العامري في كتاب الأنوار.). 2 ـ محاولة سم الإمام (عليه السلام) فلما
مثل يحيى عنده وأخبره بمقالة الرشيد. فقال له الإمام(عليه السلام): (أولاً سيجري عليك أنت وأسرتك من زوال النعمة على يد هارون،
وحذّره من بطشه) ثم ردّ ثانياً على مقالة الرشيد قائلاً: |
|
اغتيال الإمام
موسى الكاظم (عليه السلام)
|
|
لقد عانى الإمام الكاظم(عليه السلام) أقسى ألوان
الخطوب والتنكيل، فتكبيل بالقيود، وتضييق شديد في التعامل معه ومنعه من الاتصال
بالناس، وأذى مرهق، وبعد ما صبّ الرشيد عليه جميع أنواع الأذى أقدم على قتله
بشكل لم يسبق له نظير محاولاً التخلص من مسؤولية قتله وذهب أكثر المؤرخين
والمترجمين للإمام إلى أن الرشيد أوعز إلى السندي بن شاهك الأثيم بقتل
الإمام(عليه السلام) فاستجابت نفسه الخبيثة لذلك وأقدم على تنفيذ أفضع جريمة في
الإسلام فاغتال حفيد النبي العظيم(صلَّى الله عليه وآله). |
|
إلى الرفيق الأعلى
|
|
وبعد أكله للرطب سرى السمّ في جميع أجزاء بدن
الإمام(عليه السلام) وقد علم أنّ لقاءه بربّه قد حان فاستدعى السندي. (فلمّا مثل
عنده أمره أن يحضر مولى له ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولى
غسله، وسأله السندي أن يأذن له في تكفينه فأبى وقال(عليه السلام): إنّا أهل بيت مهور نسائنا وحجّ صرورتنا وأكفان موتانا من
طاهر أموالنا، وعندي كفني(مقاتل الطالبيين: 333 وعنه في الغيبة للطوسي: 26 ـ 31 وعنه في
بحار الأنوار: 48/234 ح 38.). |
|
التّحقيق في قتل
الإمام (عليه السلام)
|
|
بعد قتل الإمام (عليه السلام) حاول
هارون أن يتخلّى عن مسؤولية قتله للإمام وأشاع بين
الناس بأن الإمام قد مات حتف أنفه ، وأنّ هارون وأجهزته لا علاقة لهما
بالحادث وذلك ضمن خطوتين: |
|
الخطوة الأولى:
|
|
قام
السندي بن شاهك بالخطوة الأولى من مسلسل التخلي ليمهّد الأجواء لسيده هارون في
أن يتخلّى فيما بعد بنفسه عن مسؤولية هذه الجريمة. يحدثنا عمر بن واقد عن تحرك
السندي وكيفية تنصّله عن الحادث، قال: أرسل إليَّ السندي بن شاهك في بعض الليل
وأنا ببغداد يستحضرني، فخشيت أن يكون ذلك لسوء يريده بي، فأوصيت عيالي بما احتجت
إليه، وقلت: إنّا لله وإنا إليه راجعون، ثم ركبت إليه. فلما رآني مقبلاً، قال:
يا أبا حفص لعلّنا أرعبناك وأفزعناك ؟ قلت: نعم قال: فليس هناك إلاّ خير. قلت:
فرسول تبعثه إلى منزلي يخبرهم خبري. فقال نعم. ثم
قال: يا أبا حفص أتدري لم أرسلت إليك ؟ فقلت: لا. فقال: أتعرف موسى بن جعفر ؟
فقلت: إي والله، إني لأعرفه، وبيني وبينه صداقة منذ دهر. فقال: من هاهنا ببغداد
يعرفه ممن يُقبل قوله ؟ فسميت ، وجاء بهم كما جاء بي ، فقال: هل تعرفون قوماً
يعرفون موسى بن جعفر؟ فسموا له قوماً، فجاء بهم ، فأصبحنا ونحن في الدار نيفاً
وخمسين رجلاً ممن يعرفون موسى بن جعفر(عليه السلام) قد صحبه. |
|
الخطوة الثّانية:
|
|
وفي الخطوة الثانية قام هارون بنفسه ليعلن أمام
حشد من وجوه الشيعة بأنه بريء من جريمة قتل الإمام. عن
محمد بن صدفة العنبري، قال: لمّا توفي أبو إبراهيم موسى بن جعفر(عليه
السلام) جمع هارون الرشيد شيوخ الطالبيّة وبنى العباس وسائر أهل المملكة
والحكّام واحضر أبا إبراهيم موسى بن جعفر(ع) فقال: هذا موسى بن جعفر قد مات حتف
أنفه، وما كان بيني وبينه ما استغفر الله منه في أمره ـ يعني في قتله ـ فانظروا
إليه. |
|
وضع الإمام على الجسر
|
|
وحسب
الأوامر المعدّة سلفاً من قبل هارون كما تدل عليها القرائن، لأجل أن يتنصل عن
قتله للإمام، ليس أمام الشيعة فحسب وإنما أمام الأمة الإسلامية كلّها، وأن تكون
طريقة التخلّي من مسؤولية الحادث بأن يستبطن أن المقتول ما هو إلاّ رجل عادي لا
وزن له، فعلام هذا التضخيم والتهويل والتشكيك بموته ؟ متى
قالت الشيعة إنّ الإمام موسى لا يموت ؟ نعم، قالت الواقفية
بذلك والشيعة منهم براء ، وهارون وجلاوزته أعلم من غيرهم بهذه الحقيقة. لكنه
وسيلة من وسائل التشهير وإلصاق التهم بالشيعة بسبب أن الواقفية تذهب إلى أن
الإمام موسى حي لم يمت وأنه رفع إلى السماء كما رفع المسيح عيسى بن مريم . |
|
تشييع الإمام(عليه
السلام) ودفنه
|
|
وبعد الغسل هرعت جماهير بغداد إلى تشييع الإمام فكان
يوماً مشهوداً لم تر مثله في أيّامها فقد خرج البر والفاجر لتشييع جثمان
الإمام(عليه السلام) والفوز بحمل جثمانه، وسارت المواكب وهي تجوب شوارع بغداد
وتردد أهازيج الحزن واللوعة، متّجهة نحو باب التبن يتقدمهم سليمان حافياً حاسراً
متسلّباً (أي
متسلّباً من الملابس الرسمية الفاخرة لابساً لباس الحداد، كما في اللغة.) مشقوق الجيب إلى مقابر قريش، وحفر له قبر فيها
وأنزله سليمان بن أبي جعفر. |
|
الفصل الرابع: تراث الإمام الكاظم
(عليه السلام)
|
|
لقد
ورث الإمام موسى الكاظم(عليه السلام) مدرسة أبيه الصادق(عليه السلام) وحظيت منه
بالتوجيه والرعاية الشاملة لتلامذته وأصحابه بالرغم من قساوة الظروف وتغيّرها
خلال ثلاثة عقود ونصف من العمل العلمي الدؤوب وتربية مستمرة للنابهين من صحابته
وطلاّب المعرفة من أتباعه وشيعته. وفيما
يخصّ مسند الإمام الكاظم (ع) إذا مررنا عليه مروراً عابراً وسريعاً أيضاً كفى
ذلك لنقف على عظمة الدور الفكري والعطاء العلمي الذي قدّمه هذا الإمام العظيم
إلى الأمة الإسلامية بشكل عام والى الجماعة الصالحة وطلاّب المعرفة المؤمنين بخط
أهل البيت (ع) بشكل خاص، لا سيَّما إذا لاحظنا قساوة الظروف السياسية
والاجتماعية التي مرّ بها الإمام موسى(ع) وأصحابه وشيعته
خلال ثلاثة عقود ونصف تقريباً. كما تضمن الجزء الثاني: كتاب القرآن
بأبوابه الـ (51 باباً) ، وكتاب الدعاء (في 51 باباً) ، والاحتجاجات (في 8 أبواب)
ومعظم كتب الفقه ، فكتاب الطهارة (في73 باباً) ، وكتاب الصلاة (في41 باباً) ،
وكتاب الصوم (في 25 باباً) ، وكتاب الزكاة (في 28 باباً) ، وكتاب المعيشة (في 59
باباً) ، وكتاب السفر (في 8 أبواب) ، وكتاب الحج (في 68 باباً) ، وكتاب الزيارة
(في 7 أبواب) ، وكتاب الجهاد (في 5 أبواب) ، وكتاب النكاح (في 40 باباً) ، وكتاب
الطلاق (في 30 باباً). |
|
وإليك بعض النصوص
المختارة من هذا التراث العظيم في الأبواب التالية:
|
|
أصول العلم ومراتب
المعرفة:
|
|
1 ـ قال الإمام موسى بن جعفر (ع): (وجدت علم الناس في أربع، أولها: أن تعرف ربك، والثانية: أن
تعرف ما صنع بك، والثالثة: أن تعرف ما أراد منك، والرابعة: أن تعرف ما يخرجك من
دينك)( كشف
الغمة: 2/255.). |
|
مصادر المعرفة
ومنهجها:
|
|
1 ـ عن سماعة، عن أبي الحسن موسى(عليه السلام)، قال: قلت له:
أكلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيّه (ص) ؟ أو تقولون فيه؟ قال: (بل كلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيه(صلَّى الله عليه وآله)( الكافي: 1 / 62.). قال
هشام: فقلت له: فإن وجدت رجلاً طالباً له غير أن عقله لا يتّسع لضبط ما ألقي
إليه ؟ قلت:
فإن لم أجد من يعقل السؤال عنها؟ قال
(عليه السلام): فاغتنم جهله عن السؤال حتى تسلم من
فتنة القول وعظيم فتنة الردّ. واعلم أن الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم
ولكن رفعهم بقدر عظمته ومجده. ولم يؤمنّ الخائفين بقدر خوفهم ولكن آمنهم بقدر
كرمه وجوده.ولم يفرّح المحزونين بقدر حزنهم ولكن بقدر رأفته ورحمته، فما ظنك
بالرؤوف الرحيم الذي يتودّد إلى من يؤذيه بأوليائه فكيف بمن يؤذى فيه ، وما ظنك
بالتواب الرحيم الذي يتوب على من يعاديه، فكيف بمن يترضاه(يترضّاه: أي يطلب رضاه.) ويختار عداوة الخلق
فيه. قال
هشام: فقلت له فأَيّ الأعداء أوجبهم مجاهدة ؟ قال
(عليه السلام): أقربهم إليك وأعداهم لك وأضرّهم بك وأعظمهم لك عداوة وأخفاهم لك
شخصاً مع دنوه منك، ومن يحرّض أعداءك عليك وهو إبليس الموكّل بوسواس القلوب فله
فلتشتد عداوتك ولا يكونن أصبر على مجاهدته لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته، فإنّه
أضعف منك ركناً في قوّته(الركن: العزّ والمنعة. وأيضاً: ما يقوى به. والأمر العظيم. أي
لا يكن صبره في المجاهدة أقوى منك. فإنك إذا كنت على الاستقامة في مخالفته يكون
مع قوّته أضعف منك ركناً وضرراً.)
وأقلّ منك ضرراً في كثرة شرّه. إذا أنت اعتصمت بالله فقد هديت إلى صراط مسقيم. قال
هشام: فقلت: جعلت فداك لا نعرف إلاّ ما عرّفتنا. يا هشام إن الله خلق العقل وهو أوّل خلق خلقه الله من الروحانيّين(أي هو أول مخلوق من
المنسوبين إلى الروح في مدينة بنية الإنسان المتمركزين بأمر الربّ والسلطان في
مقرّ الحكومة العقلية. فهو أولّها ورأسها ثم يوجد بعده وبسببه جنداً فجنداً إلى
أن يكمل للإنسان جودة العقل.) عن يمين العرش من نوره فقال له: أدبر، فأدبر ثم قال له:
أقبل فأقبل. فقال الله جلّ وعزّ: خلقتك خلقاً (عظيماً) وكرّمتك على جميع خلقي.
ثم خلق الجهل من البحر الأجاج الظلماني، فقال له: أدبر، فأدبر ثم قال له: أقبل
،فلم يقبل فقال له: استكبرت فلعنه، ثم جعل للعقل خمسة وسبعين جنداً، فلمّا رأى
الجهل ما كرّم الله به العقل وما أعطاه أضمر له العداوة، فقال الجهل: يا ربّ هذا
خلق مثلي خلقته و كرّمته وقوّيته وأنا ضده ولا قوّة لى به أعطني من الجند مثل ما
أعطيته فقال تبارك وتعالى، نعم ، فإن عصيتني بعد ذلك أخرجتك وجندك من جواري ومن
رحمتي، فقال: قد رضيت. فأعطاه الله خمسة وسبعين جنداً فكان مما أعطى العقل من
الخمسة والسبعين جنداً: الخير وهو وزير العقل وجعل ضدّه الشر وهو وزير الجهل.
الإيمان، الكفر. التصديق، التكذيب. الإخلاص، النفاق. الرجاء، القنوط. العدل،
الجور. الرضى، السخط. الشكر، الكفران. اليأس، الطمع. التوكل، الحرص. الرأفة،
الغلظة. العلم، الجهل. العفة، التهتك. الزهد، الرغبة. الرفق، الخرق. الرهبة،
الجرأة. التواضع، الكبر. التؤدة، العجلة. الحلم، السفه. الصمت، الهذر.
الاستسلام، الاستكبار. التسليم، التجبر. العفو، الحقد. الرحمة، القسوة. اليقين،
الشك. الصبر، الجزع. الصفح، الانتقام. الغنى، الفقر. التفكّر، السهو. الحفظ،
النسيان. التواصل، القطيعة. القناعة، الشره. المؤاساة، المنع. المودة، العداوة.
الوفاء، الغدر. الطاعة، المعصية. الخضوع، التطاول. السلامة، البلاء. الفهم،
الغباوة. المعرفة، الإنكار. المداراة، المكاشفة . سلامة الغيب، المماكرة.
الكتمان، الإفشاء. البرّ، العقوق. الحقيقة، التسويف. المعروف، المنكر. التقية،
الإذاعة. الإصاف، الظلم. التقى، الحسد. النظافة، القذر. الحياء، القحة. القصد،
الإسراف. الراحة، التعب. السهولة، الصعوبة. العافية، البلوى. القوام، المكاثرة.
الحكمة، الهوى. الوقار، الخفة. السعادة، الشقاء. التوبة، الإصرار. المحافظة،
التهاون. الدعاء، الاستنكاف.
النشاط، الكسل. الفرح، الحزن. الألفة، الفرقة. السخاء، البخل. الخشوع، العجب.
صون الحديث النميمة. الاستغفار، الاغترار. الكياسة، الحمق. يا هشام
لا تُجمعُ هذه الخصال إلاّ لنبيّ أو وصيّ أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان. وأما
ساير ذلك من المؤمنين فإنّ أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود من
أجناد العقل حتى يستكمل العقل ويتخلص من جنود الجهل. فعند ذلك يكون في الدرجة
العليا مع الأنبياء والأوصياء(عليهم السلام) وفّقنا الله وإيّاكم لطاعته(بحار
الأنوار: 75 / 296 ـ 319.). |
|
التوحيد وأُسس
التدبير الإلهي:
|
|
1 ـ عن محمد بن أبي عمير، قال: دخلت على
سيدي موسى بن جعفر (عليهما السلام)، فقلت له: يا ابن رسول الله علّمني التوحيد
فقال: (يا أبا أحمد ، لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره
الله تعالى ذكره في كتابه فتهلك . واعلم أن الله تعالى واحد، أحدٌ ، صمدٌ، لم
يلد فيورث، ولم يولد فيشارك، ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولا شريكاً، وأنه الحي
الذي لا يموت ، والقادر الذي لا يعجز، والقاهر الذي لا يغلب، والحليم الذي لا
يعجل، والدائم الذي لا يبيد، والباقي الذي لا يفنى، والثابت الذي لا يزول،
والغني الذي لا يفتقر، والعزيز الذي لا يذل. والعالم الذي لا يجهل، والعدل الذي
لا يجور، والجواد الذي لا يبخل، وأنه لا تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام،
ولا تحيط به الأقطار، ولا يحويه مكان، ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو
اللطيف الخبير، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير . (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ
رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ
وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا) وهو الأوّل الذي لا شيء قبله ، والآخر الذي لا شيء بعده ،
وهو القديم وما سواه مخلوق محدث ، تعالى عن صفات المخلوقين علوّاً كبيراً)( بحار الأنوار: 75/296 ـ
319 ، التوحيد: 76.) . |
|
من سيرة الرّسول
(صلَّى الله عليه وآله) وتاريخ حياته:
|
|
1 ـ روى ابن طاووس في كتاب الطرف نقلاً من كتاب الوصية للشيخ
عيسى بن المستفاد الضرير عن موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) قال: (لمّا حضرت رسول الله(ص) الوفاة دعا الأنصار وقال: يا معشر
الأنصار! قد حان الفراق، وقد دعيت وأنا مجيب الداعي، وقد جاورتم فأحسنتم الجوار،
ونصرتم فأحسنتم النصرة، وواسيتم في الأموال، ووسعتم في المسلمين، وبذلتم لله مهج
النفوس والله يجزيكم بما فعلتم الجزاء الأوفى، وقد بقيت واحدة وهي تمام الأمر
وخاتمة العمل العمل معها مقرون إني أرى أن لا أفترق بينهما جميعاً لو قيس بينهما
بشعرة ما انقاست، من أتى بواحدة وترك الأخرى كان جاحداً للأولى ولا يقبل الله
منه صرفاً و لا عدلاً قالوا: يا رسول الله فأين لنا بمعرفتها، فلا تمسك عنها
فنضل ونرتد عن الإسلام، والنعمة من الله ومن رسوله علينا، فقد أنقذنا الله بك من
الهلكة يا رسول الله، وقد بلّغت ونصحت وأديت وكنت بنا رؤوفاً رحيماً شفيقاً. أيها الناس هذا علي بن أبي طالب كنز الله اليوم وما بعد اليوم، من
أحبه وتولاه اليوم وما بعد اليوم فقد أوفى بما عاهد عليه الله، وأدى ما وجب
عليه، ومن عاداه اليوم وما بعد اليوم جاء يوم القيامة أعمى وأصم، لا حجة له عند
الله، أيّها الناس لا تأتوني غداً بالدنيا تزفونها زفاً،ويأتي أهل بيتي شعثاً
غبراً مقهورين مظلومين، تسيل دماؤهم أمامكم وبيعات الضلالة والشورى للجهالة. أيها الناس! الله الله في أهل بيتي، فإنهم أركان الدين، ومصابيح
الظلم، ومعدن العلم ، عليّ أخي ووارثي، ووزيري وأميني والقائم بأمري والموفي
بعهدي على سنتي. |
|
الإمامة والأئمة:
|
|
1 ـ عن داود الرقي، عن العبد الصالح(عليه
السلام) قال: (إنّ الحجة لا تقوم لله على خلقه إلاّ
بإمام حيّ يُعرف)( خصائص الأئمة للشريف الرضي: 73 ـ 75 وعنه في الطُرف: 29 ـ
34 وعنه في بحار الأنوار: 22 / 484 ـ 487. والخبر كسابقه عن رسالة الوصية لعيسى
بن المستفاد أبي موسى الضرير البجلي البغدادي المضعّف في النجاشي: 297 برقم 809). |
|
الوصيّ بعد الإمام
الكاظم(عليه السلام):
|
|
1 ـ عن الحسين بن نعيم الصحّاف قال: كنت
أنا وهشام بن الحكم وعلي بن يقطين ببغداد، فقال علي بن يقطين: كنت عند العبد
الصالح جالساً فدخل عليه ابنه علي، فقال لي: (يا علي
بن يقطين هذا علي سيد ولدي. أما إني قد نحلته كنيتي). فضرب هشام بن الحكم
براحة جبهته، ثم قال: ويحك كيف قلت ؟ فقال علي بن يقطين: سمعت والله منه كما
قلت. فقال هشام: أخبرك أنّ الأمر فيه من بعده(أصول الكافي: 1 / 311.). |
|
الإمام المهدي
المنتظر(عجّل الله فرجه):
|
|
1 ـ عن علي بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر
بن محمّد(عليهم السلام)، قال: (لا يكون القائم إلاّ
إمام ابن إمام ووصي ابن وصي)( عيون الأخبار: 2 / 131.). |
|
صحابة الرسول (صلَّى
الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام)
|
|
عن أسباط بن سالم، قال: قال أبو الحسن موسى بن
جعفر(عليهما السلام): (إذا كان يوم القيامة نادى
مناد: أين حواري محمد بن عبد الله رسول الله الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه؟
فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر. |
|
الإيمان والكفر
والشّكّ
|
|
1 ـ عن حماد بن عمرو النصيبي، قال: سأل رجل
العالم(عليه السلام) فقال: أيها العالم أخبرني أي الأعمال أفضل عند الله؟ قال: (ما لا يقبل عمل إلاّ به) ، فقال: وما ذلك؟ قال: (الإيمان بالله، الذي هو أعلى الأعمال درجة وأسناها حظاً
وأشرفها منزلة)، قلت: أخبرني عن الإيمان أقولٌ وعمل أَمْ قولٌ بلا عمل؟
قال: (الإيمان عمل
كله، والقول بعض ذلك العمل بفرض من الله بيّنة في كتابه، واضح نوره، ثابتة حجته،
يشهد به الكتاب ويدعو إليه)، قلت: صف لي ذلك حتى أفهمه. |
|
الذنوب
|
|
1 ـ عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: (حق على الله أن لا يعصى في دار إلاّ أضحاها للشمس حتى
تطهرها)(
أصول الكافي: 2 /272.). (حرّمت الجنة على ثلاثة النمام، ومدمن الخمر،
والديوث وهو الفاجر)( معاني الأخبار: 243.). |
|
حفظ اللسان
|
|
1 ـ عن عثمان بن عيسى، عن أبي الحسن صلوات
الله عليه، قال: (إن كان في يدك هذه شيء فإن استطعت
أن لا تعلم هذه فافعل); قال: (وكان عنده إنسان
فتذاكروا الإذاعة)، فقال: (احفظ لسانك تعزّ،
ولا تمكّن الناس من قياد رقبتك فتذّل)( أصول الكافي: 2 / 225.). |
|
الأمر بالمعروف
والنّهي عن المنكر
|
|
1 ـ عن محمد بن عمر بن عرفة، قال: سمعت أبا
الحسن(ع) يقول: (لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر
أو ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم)( أصول الكافي: 5 / 56 ،
والتهذيب: 6 / 176.). |
|
الشّهيد والمجاهد في
سبيل الله
|
|
1 ـ عن موسى بن جعفر، عن آبائه(عليهم
السلام)، قال: قال رسول الله(ص): (إنّ فوق كلّ بر
برّاً حتى يقتل الرجل شهيداً في سبيل الله، وفوق كلّ عقوق عقوقاً حتى يقتل الرجل
أحد والديه)( بحار الأنوار: 100 / 15.). |
|
الغنائم
|
|
1 ـ عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: (يؤخذ الخمس من الغنائم فيجعل لمن جعله الله عز وجل ويقسّم
أربعة أخماس بين من قاتل عليه وولي ذلك، قال: وللإمام
صفو المال أن يأخذ الجارية الفارهة والدابّة الفارهة والثوب والمتاع ممّا يحب
ويشتهي فذلك له قبل قسمة المال وقبل اخراج الخمس، قال: وليس لمن قاتل شيء من الأرضين ولا ما غلبوا عليه الاّ ما
احتوى عليه العسكر وليس للأعراب من الغنيمة شيء وإن قاتلوا مع الإمام لأن رسول
الله(صلَّى الله عليه وآله) صالح الأعراب أن يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا على
أنه إن دهم رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) من عدوّه دهم أن يستفزّهم فيقاتل
بهم وليس لهم في الغنيمة نصيب وسنّة جارية فيهم وفي غيرهم والأرض التي أخذت عنوة
بخيل أو ركاب فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمرها ويحييها ويقوم عليها على ما
يصالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الحق النصف والثلث والثلثين، على قدر ما يكون
لهم صالحاً ولا يضرهم)( أصول الكافي: 5 / 44.). |
|
العمل والمعيشة:
|
|
1 ـ عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه،
قال: (رأيت أبا الحسن(عليه السلام) يعمل في
أرض له قد استنقعت قدماه في العرق، فقلت له: جعلت فداك أين الرجال؟ فقال: يا علي قد عمل باليد من هو خير منّي في أرضه ومن أبي،
فقلت له: ومن هو؟ فقال: رسول الله(ص) وأمير المؤمنين
وآبائي(ع) كلّهم كانوا قد عملوا بأيديهم وهو من عمل النبيّين والمرسلين
والأوصياء والصالحين)( أصول الكافي: 5 / 75 ، والفقيه: 3 / 162.). |
|
الدّعاء والزّيارة:
|
|
1 ـ عن أبي الحسن موسى(عليه السلام) قال: (عليكم بالدعاء; فإن الدعاء والطلب إلى الله عَزَّ وجَلَّ
يردّ البلاء وقد قدر وقضى فلم يبق إلاّ إمضاؤه، فإنه إذا دعا الله وسأله صرف
البلاء صرفاً)( مكارم الأخلاق: 316.). |
|
من مواعظ وحكم الإمام
الكاظم(عليه السلام):
|
|
روي
عن الكاظم(عليه السلام) أنه قال: (صلاة النوافل
قربانٌ إلى الله لكل مؤمن. الزهو: الفخر والكبر قال الشاعر: لا تهين الفقير علّك أن = تركع يوماً والدهر قد رفعه ثم
قال(عليه السلام): (نواصل من لا
يستحق وصالنا
= مخافة أن نبقى بغير صديق) ( تحف العقول: 412 ـ 413.) وإلى هنا نكتفي بهذه الجولة السريعة في تراث الإمام
الكاظم(عليه السلام) راجين من الله التوفيق للسير على هدي أهل البيت(عليهم
السلام) الذي يمثل النبع الصافي والهديّ الرباني السليم في ظلمات الهوى والوهم.
|
|
|
|