- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
اعلام
الهداية
|
|
الإمام
محمد بن علي الباقر (عليه السلام)
|
|
أعلام
الهداية المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) |
|
أهل البيت في القرآن الكريم |
|
أهل البيت في السنة النبويّة |
|
فهرس إجمالي
|
|
الباب الأول: |
|
المقدمة
|
|
الحمد
لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، ثم الصلاة والسلام على من اختارهم هداةً
لعباده، لا سيَّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمد
(صلَّى الله عليه وآله) وعلى آله الميامين النجباء. (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)(الأنعام
(6): 71). (وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(البقرة
(2): 213). (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)(الأحزاب
(33): 4). (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ)(آل عمران (3): 101). (قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ
أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ
كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(يونس (10): 35). (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ
مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(سبأ
(34): 6). (ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من الله)(القصص
(28):50). فالله
تعالى هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان
إلى الصراط المستقيم وإلى الحقّ القويم. وهذه الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم. ولقد
أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى
الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال، ومن هنا قال تعالى:(وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ)(الذاريات
(51): 56). وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، كانت المعرفة
والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال. وبعد
أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال;
لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة; والهوى الناشئ منهما، والملازم لهما فمن
هنا احتاج الإنسان ـ بالإضافة إلى عقله وسائر أدوات المعرفة ـ إلى ما يضمن له
سلامة البصيرة والرؤية; كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة الهداية، وتتوفّر لديه
كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو طريق الشرّ والشقاء بملء
إرادته. 2 ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى البشرية
ولمن أرسلوا إليه، ويتوقّف الإبلاغ على الكفاءة التامّة التي تتمثّل في
(الاستيعاب والإحاطة اللازمة) بتفاصيل الرسالة وأهدافها ومتطلّباتها، و (العصمة) عن الخطأ والانحراف معاً، قال تعالى:(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ
النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)(البقرة
(2): 213). وقد
سلك الأنبياء السابقون وأوصياؤهم المصطفون طريق الهداية الدامي، واقتحموا سبيل
التربية الشاقّ، وتحمّلوا في سبيل أداء المهامّ الرسالية كلّ صعب، وقدّموا في
سبيل تحقيق أهداف الرسالات الإلهية كلّ ما يمكن أن يقدّمه الإنسان المتفاني في
مبدئه وعقيدته، ولم يتراجعوا لحظة، ولم يتلكّأوا طرفة عين. أ ـ أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق
الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين يتربّصون بها الدوائر. ب ـ أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة
باستمرار الأجيال; على يد مربٍّ كفوء علمياً ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في
الخلق والسلوك كالرسول (صلَّى الله عليه وآله)،
يستوعب الرسالة ويجسّدها في كل حركاته وسكناته. فأخذ الأئمة
المعصومون (عليهم السلام) يعملون على توعية الأمة وتحريك طاقتها باتجاه إيجاد
وتصعيد الوعي الرساليِّ للشريعة ولحركة الرسول (صلَّى الله عليه وآله) وثورته
المباركة، غير خارجين عن مسار السنن الكونية التي تتحكّم في سلوك القيادة والأمة
جمعاء. وتبلورت
حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم على نهج الرسول العظيم وانفتاح الأمة عليهم
والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم،
فكانوا هم الأدلاّء على الله وعلى مرضاته، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين
في محبّته، والذائبين في الشوق إليه، والسابقين إلى تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ المنشود. ولا
يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا بجميع زوايا حياتهم العطرة ويدّعوا دراستها
بشكل كامل، ومن هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما هي إعطاء قبسات من حياتهم، ولقطات
من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها المؤرّخون واستطعنا اكتشافها من خلال
مصادر الدراسة والتحقيق، عسى الله أن ينفع بها إنّه وليّ التوفيق. إنّ
دراستنا لحركة أهل البيت (ع) الرسالية تبدأ برسول الإسلام وخاتم الأنبياء محمد
بن عبد الله (ص) وتنتهي بخاتم الأوصياء، محمد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر
عجّل الله تعالى فرجه وأنار الأرض بعدله. ويختصّ هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام محمد بن علي الباقر(عليه
السلام)، خامس أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وهو المعصوم السابع من أعلام
الهداية الذي جسد الكمالات النبوية في العلم والهداية
والعمل والتربية وتوسّعت بجهوده العلمية الجبارة مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)
واتّضحت معالمها وأينعت ثمارها ولا زلنا نتفيّأ ظلالها حتى عصرنا هذا. ولا
بدَّ لنا من تقديم الشكر إلى كل الإخوة الأعزّاء الذين بذلوا جهداً وافراً
وشاركوا في إنجاز هذا المشروع المبارك وإخراجه إلى عالم النور، لا سيَّما أعضاء
لجنة التأليف بإشراف سماحة السيد منذر الحكيم (حفظه الله تعالى). للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) قم
المقدسة |
|
الباب
الأول:
|
|
فيه فصول: |
|
الفصل
الأول:
الإمام محمد الباقر (عليه السلام) في سطور
|
|
* الإمام محمد الباقر (ع) هو خامس الأئمة الأطهار
الذين نصّ عليهم رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) ليخلفوه في قيادة الأمة
الإسلامية ويسيروا بها إلى شاطئ الأمن والسلام الذي قدّر الله لها في ظلال قيادة
المعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. * لقد عاش الإمام محمّد الباقر(عليه السلام) طيلة حياته في المدينة
يفيض من علمه على الأمة المسلمة، ويرعى شؤون
الجماعة الصالحة التي بذر بذرتها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وربّاها
الإمام علي ثمّ الإمامان الحسن والحسين(عليهم السلام) كما غذّاها من بعدهم أبوه
علي بن الحسين (عليهما السلام) مقدّماً لها كل مقوّمات تكاملها وأسباب رشدها
وسموّها. لقد عانى الإمام الباقر من ظلم الأمويين منذ أن ولد وحتى استشهد،
ما عدا فترة قصيرة جدّاً هي مدّة خلافة عمر بن عبد
العزيز التي ناهزت السنتين والنصف. |
|
الفصل
الثاني:
انطباعات عن شخصية الإمام محمّد الباقر(عليه السلام)
|
|
1 ـ قال له الأبرش الكلبي : أنت ابن رسول
الله حقاً. ثم صار إلى هشام فقال: دَعُونا منكم يا بني أمية; إن هذا أعلم أهل
الأرض بما في السماء والأرض، فهذا ولد رسول الله(المناقب: 2 / 286.). يا باقر العلم لأهل التقى = وخير من لبّى على الأجبُل (الأئمة الاثنا عشر: 81 .) 10 ـ قال محمد بن طلحة الشافعي:
هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه، ومنمّق درّه وواضعه. صفا قلبه، وزكا
علمه، وطهرت نفسه، وشرفت أخلاقه، وعمرت بطاعة الله أوقاته، ورسخت في مقام التقوى
قدمه، وظهرت عليه سمات الازدلاف، وطهارة الاجتباء(مطالب السؤول: 80، كشف الغمة: 2/329 والصواعق المحرقة: 304 مع
اختلاف يسير.). |
|
الفصل
الثالث:
مظاهر من شخصية الإمام محمد الباقر(عليه السلام)
|
|
لقد توفرت في شخصية الإمام أبي جعفر (ع) جميع
الصفات الكريمة التي أهّلته لزعامة هذه الأمة. |
حلمه:
|
|
كان الحلم من أبرز صفات الإمام أبي جعفر (عليه
السلام) فقد أجمع المؤرخون على أنه لم يسيء إلى من ظلمه واعتدى عليه، وإنما كان
يقابله بالبر والمعروف، ويعامله بالصفح والإحسان، وقد رووا صوراً كثيرة عن عظيم
حلمه، كان منها: |
|
صبره:
|
|
|
لقد كان الصبر من الصفات الذاتية للأئمة الطاهرين من أهل البيت(ع) فقد صبروا على مكاره الدهر، ونوائب
الأيام، وصبروا على تجرّع الخطوب التي تعجز عن حملها الجبال، فقد استقبل الإمام
الحسين على صعيد كربلاء أمواجاً من المحن الشاقة التي تذهل كل كائن حي، مترنّماً
بقوله(ع): (صبراً على قضائك يا رب، لا معبود سواك). |
|
كرمه وسخاؤه:
|
|
الكرم من أوضح الفضائل والمكارم لأئمة أهل البيت (ع)
فقد بسطوا أيديهم بسخاء نادر إلى الفقراء والسائلين، وفيهم
يقول الشاعر: لو كان يوجد عرف مجد قبلهم =
لوجدته منهم على أميال (الفصول المهمة: 227.) لقد فطر الإمام محمّد الباقر(عليه
السلام) على حب الخير وصلة الناس وإدخال السرور عليهم. |
|
عبادته:
|
|
كان الإمام أبو جعفر الباقر (ع) من أئمة
المتقين في الإسلام، فقد عرف الله معرفة استوعبت دخائل
نفسه، فأقبل على ربه بقلب منيب، وأخلص في طاعته كأعظم ما يكون الإخلاص. أما
مظاهر عبادته فيمكن الإشارة إلى بعضها كما يلي: أ ـ خشوعه في صلاته:
فقد عرف عنه أنه كان إذا أقبل على الصلاة اصفرّ لونه(راجع تاريخ ابن عساكر: 51 / 44.) خوفاً من الله وخشية منه، ولا غرو في ذلك فقد
عرف عظمة الله تعالى، الذي فطر الكون ووهب الحياة، فعبده عبادة المتقين
المنيبين. |
|
حجه:
|
|
وكان الإمام أبو جعفر (عليه السلام)
إذا حجّ البيت الحرام انقطع إلى الله وأناب إليه وظهرت عليه آثار الخشوع
والطاعة، وقد قال مولاه أفلح: حججت مع أبي جعفر محمد الباقر فلما دخل إلى المسجد
رفع صوته بالبكاء فقلت له: (بأبي أنت وأمي إن الناس ينتظرونك فلو خفضت صوتك
قليلاً). وحج (عليه السلام) مرة وقد احتفّ به الحجيج، وازدحموا
عليه وهم يستفتونه عن مناسكهم ويسألونه عن أمور دينهم، والإمام يجيبهم. وبهر
الناس من سعة علومه حتّى أخذ بعضهم يسأل بعضاً عنه فانبرى إليهم واحد من أصحابه
فعرّفه قائلاً: (ألا إنّ هذا باقر علم الرسل، وهذا
مبيّن السبل، وهذا خير من رسخ في أصلاب أصحاب السفينة، هذا ابن فاطمة الغرّاء
العذراء الزهراء، هذا بقية الله في أرضه، هذا ناموس الدهر، هذا ابن محمّد وخديجة
وعلي وفاطمة، هذا منار الدين القائمة)( مناقب ابن شهرآشوب: 4 / 183.). |
|
مناجاته مع الله
تعالى:
|
|
كان الإمام (ع) يناجي الله تعالى في غَلَس الليل
البهيم، وكان مما يقوله في مناجاته: (أمرتني فلم
أئتمر، وزجرتني فلم أزدجر، هذا عبدك بين يديك)( حلية الأولياء: 3 / 186، ترجمة محمّد بن علي الباقر(ع)، رقم
235; صفة الصفوة: 2 / 63.). |
|
ذكره لله تعالى: |
|
لقد كان دائم الذكر لله تعالى، وكان لسانه يلهج
بذكر الله في أكثر أوقاته، فكان يمشي ويذكر الله، ويحدّث القوم وما يشغله ذلك عن
ذكره تعالى. وكان يجمع ولده ويأمرهم بذكر الله حتى تطلع الشمس، كما كان يأمرهم
بقراءة القرآن، ومن كان لا يقرأ منهم كان يأمره بذكر الله تعالى(في رحاب أئمة أهل البيت
(عليهم السلام): 4 / 6.). |
زهده في الدنيا:
|
|
وزهد الإمام أبو جعفر (ع)
في جميع مباهج الحياة وأعرض عن زينتها فلم يتخذ الرياش في داره، وإنما كان يفرش
في مجلسه حصيراً (دعائم
الإسلام: 2 / 158.). |
|
الباب
الثاني:
|
|
فيه فصول: |
|
|
الفصل
الأول:
نشأة الإمام محمّد بن علي الباقر (عليه السلام)
|
|
لقد
ازدهرت الحياة الفكرية والعلمية في الإسلام بهذا الإمام العظيم الذي التقت فيه
عناصر الشخصيّة من السبطين الحسن والحسين (عليهما السلام)، وامتزجت به تلك
الأصول الكريمة والأصلاب الشامخة، والأرحام المطهَّرة، التي تفرّع منها. وكانت
من سيدات نساء بني هاشم، وكان الإمام زين العابدين (ع)
يسميها الصديقة (عن الدر النظيم من مصورات مكتبة
الإمام أمير المؤمنين تسلسل (2879).)
ويقول فيها الإمام أبو عبد الله الصادق(عليه السلام):
(كانت صديقة لم تدرك في آل الحسن مثلها)( أصول الكافي: 1 / 469.) وحسبها سموّاً أنها بضعة من ريحانة رسول الله،
وأنها نشأت في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، ففي حجرها الطاهر تربى الإمام الباقر (ع). |
|
المولود المبارك:
|
|
وأشرقت
الدنيا بمولد الإمام الزكي محمد الباقر (ع) الذي
بشّر به النبي (ص) قبل ولادته، وكان أهل البيت (ع)
ينتظرونه بفارغ الصبر لأنه من أئمة المسلمين الذين نص عليهم النبي (صلَّى
الله عليه وآله) وجعلهم قادة لاُمته، وقرنهم بمحكم التنزيل وكانت ولادته في يثرب في اليوم الثالث من شهر صفر سنة ( 56 هـ
)( وفيات الأعيان:
3 / 314، تذكرة الحفاظ: 1 / 124.)
وقيل سنة ( 57 هـ ) في غرة رجب يوم الجمعة(دلائل
الإمامة: 94.)وقد ولد قبل استشهاد جده الإمام الحسين (عليه السلام) بثلاث
سنين(أخبار الدول:
111، وفيات الأعيان: 3 / 314.) وقيل
بأربع سنين كما أدلى (عليه السلام) بذلك(تأريخ اليعقوبي: 2 / 320.)
وقيل بسنتين وأشهر(عن
عيون المعجزات للحسين بن عبد الوهاب من مخطوطات مكتبة الإمام الحكيم تسلسل
(975).). |
|
ألقابه الشريفة:
|
|
وقد دلّت على ملامح من شخصيته العظيمة وهي: 1
ـ الأمين. وهذا من أكثر ألقابه ذيوعاً وانتشاراً، وقد لقب هو
وولده الإمام الصادق بـ ( الباقرين ) كما لقبا بـ ( الصادقين ) من باب التغليب(عن جامع المقال للشيخ
الطريحي.). |
|
ملامحه:
|
|
كانت ملامح الإمام محمّد الباقر(ع)
كملامح رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وشمائله(أصول الكافي: 1 / 469.)
وكما شابه جده النبيّ (ص) في معالي أخلاقه التي امتاز بها على سائر النبيين فقد
شابهه في هذه الناحية أيضاً. |
|
الفصل
الثاني:
مراحل حياة الإمام محمّد الباقر (عليه السلام)
|
|
تنقسم حياة الإمام محمد الباقر(ع) ـ على
غرار سائر الأئمة المعصومين(ع) ـ إلى مرحلتين متميزتين: |
|
الفصل
الثالث:
الإمام محمّد الباقر (ع) في ظلّ جدّه وأبيه (عليهما السلام)
|
|
مرّ الإمام الباقر (عليه السلام) بمرحلة رافقت
الكثير من الأحداث والظواهر في ظلّ جده وأبيه (ع)
ويمكن تلخيصها بالشكل التالي: 1 ـ عاش الإمام الباقر (عليه السلام) في ظلّ جدّه الحسين (عليه
السلام) منذ ولادته وحتى الرابعة
من عمره الشريف وقد مكنه ذلك من الإطلاع على الأحداث والوقائع الاجتماعية
والسياسية وإدراك طبيعة سيرها وفهم اتجاه حركتها بما أوتي من ذكاء وفهم منذ
صباه. 2 ـ وعاصر الإمام الباقر (عليه السلام) في سنة ( 63 هـ ) واقعة الحرّة التي ثار فيها أهل المدينة على
حكم يزيد وهو في السادسة من عمره الشريف، حيث شاهد نقض أكابر أهل المدينة
وفقهائها لبيعة يزيد الفاجر(تاريخ الخميس: 2 / 300.)
ورأى مدينة جدّه عندما أباحها يزيد لجيشه الجاهلي ثلاثة أيّام متواليات يقتلون
أهلها، وينهبون أموالهم ويهتكون أعراضهم(الكامل في التاريخ: 4 / 113 .). 3 ـ عاصر الإمام الباقر (عليه السلام) في هذه المرحلة من حياته الانحرافَ
الفكريَ الذي تسبب الأمويون في إيجاده مثل بثّهم
للعقائد الباطلة كالجبر والتفويض والإرجاء خدمةً لسلطانهم; لأن هذه المفاهيم
تستطيع أن تجعل الأمة مستسلمة للحكام الطغاة ما دامت تبررّ طغيانهم وعصيانهم
لأوامر الله ورسوله. 4 ـ ومن الظواهر التي عاصرها الإمام محمّد الباقر(عليه السلام) وهو في ظلّ أبيه السجّاد (عليه السلام) ظاهرة الانحراف السياسي وتتمثل
في تحويل الأمويين للخلافة إلى ملك عضوض يتوارثه الأبناء عن الآباء، ويوزّعون
فيه المناصب الحكومية على ذويهم وأقاربهم.لقد عاش (عليه
السلام) محنة عداء الأمويين للعلويين والذي تمثل في ظاهرة سبّهم لجدّه الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) على المنابر طيلة
ستة عقود. |
|
الباب
الثالث
|
|
فيه فصول: |
|
الفصل
الأول:
جهاد أهل البيت (عليهم السلام) ودور الإمام الباقر (عليه السلام)
|
|
ترتكز
العملية التربوية على ثلاثة عناصر أساسية هي: المربي والنظام التربوي والمتربّي.
وحينما تفتقد العملية التربوية المربّي الكفوء أو النظام التربوي الصالح فإنها
سوف تنحرف ولا تؤتي ثمارها الصالحة. والخطّان الرئيسان اللذان عمل الأئمة(عليهم السلام) عليهما وكان
عليهم أن يوظّفوا لذلك نشاطهم يتمثّلان في: 1 ـ خط تحصين الأمة ضد الانهيار بعد وقوع
التجربة، بأيدي أناس غير مؤهّلين لقيادتها، وإعطائها القدر الكافي من المقومات
لكي تواصل مسيرتها في الاتجاه الصحيح، وبقدم راسخة . 2 ـ
خط محاولة تسلّم زمام التجربة وزمام الدولة ومحو آثار الانحراف وإرجاع القيادة
الكفوءة إلى موضعها الطبيعي لتكتمل عناصر التربية ولتتلاحم الأمة والمجتمع مع
الدولة والقيادة الرشيدة(أهل البيت، تنوع أدوار ووحدة هدف: 59.). |
|
مراحل حركة الأئمة من
أهل البيت (عليهم السلام):
|
|
وإذا
رجعنا إلى تاريخ أهل البيت (عليهم
السلام) والظروف المحيطة بهم ولاحظنا سلوكهم ومواقفهم العامة والخاصة استطعنا أن
نصنّف ظروفهم ومواقفهم إلى مراحل وعصور ثلاثة يتميز بعضها عن بعض بالرغم من
اشتراكهم في كثير من الظروف والمواقف ولكن الأدوار تتنوع باعتبار مجموعة الظواهر
العامة التي تشكل خطّاً فاصلاً ومميّزاً لكل عصر. |
|
الفصل
الثاني:
وقائع وأحداث هامة في عصر الإمام الباقر (عليه السلام)
|
|
إذا
أردنا أن نقف على ملامح المرحلة التي مارس فيها الإمام الباقر(عليه السلام)
قيادته للأمة الإسلامية بعد والده الإمام زين العابدين(عليهما السلام) وجب أن نقف
على أهم الأحداث التي مهّدت لتلك المرحلة ونلاحظ مدى علاقتها بالإمام
الباقر(عليه السلام) كمرشّح للقيادة في حياة والده وممارس لها بعد ذلك. وقال المؤرخون:
إن خير وسيلة للتقرب إلى الحجاج كانت انتقاص الإمام أمير المؤمنين(ع) عنده فقد
أقبل إليه بعض المرتزقة من أوغاد الناس وأجلافهم وهو
رافع عقيرته قائلاً: أنا ابن جلا وطلاع الثنايا = متى أضع العمامة تعرفوني ومن جرائم هذا الطاغية:
أنه قاد جيشاً مكثفاً إلى مكة لمحاربة ابن الزبير، وقد حاصر البيت الحرام ستة
أشهر وسبع عشرة ليلة، وقد أمر برمي الكعبة المشرفة فرميت من جبل أبي قبيس
بالمنجنيق(تهذيب
تاريخ دمشق لابن عساكر: 4/50، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 84، تاريخ ابن كثير: 9/63.). |
|
الإمام الباقر(عليه
السلام) مع عبد الملك بن مروان:
|
|
أوعز عبد الملك إلى عامله على يثرب باعتقال الإمام
محمّد الباقر(عليه السلام) وإرساله إليه مخفوراً، وتردد عامله في إجابته ورأى أن
من الحكمة إغلاق ما أمر به فأجابه بما يلي: |
|
الإمام الباقر(عليه
السلام) وتحرير النقد الإسلامي:
|
|
قام الإمام أبو جعفر(عليه السلام) بأسمى خدمة
للعالم الإسلامي، فقد حرّر النقد من التبعية للإمبراطورية الرومية، حيث كان
النقد يصنع هناك ويحمل شعار الروم النّصارى، وقد جعله الإمام(عليه السلام)
مستقلاً بنفسه يحمل الشعار الإسلامي، وقطع الصلة بينه وبين الروم. |
|
الوليد بن عبد الملك
|
|
واستولى
الوليد بن عبد الملك على الحكم بعد هلاك أبيه في النصف من شوال سنة (86 هـ ) ولم تكن
فيه أية صفة من صفات النبل بحيث تؤهله للخلافة،
وإنما كان جباراً ظالماً (تاريخ الخلفاء: 223.)
وكان يغلب عليه اللحن، وقد خطب في المسجد النبوي، فقال:
يا أهل المدينة ـ بالضم ـ مع أن القاعدة تقتضي نصبه لأنه منادى مضاف. ليس فيما بدا لنا منك عيب = عابه الناس غير أنّك فاني فكانت هذه الأبيات كالصاعقة على رأسه،
فقد تبدد جبروته وإعجابه بنفسه، ولم يمكث إلا زمناً يسيراً حتى هلك (مروج الذهب: 3/113.) وكانت خلافته سنتين
وخمسة أشهر وخمسة أيام، وتوفى يوم الجمعة لعشر ليال بقين من صفر سنة (99 هـ )( تاريخ ابن الأثير: 4/151.). |
|
عمر بن عبد العزيز
|
|
ثم تقلّد الحكم الأُموي عمر بن عبد العزيز بعهد من
سليمان بن عبد الملك في يوم الجمعة لعشر خلون من صفر سنة (99 هـ )( نهاية الإرب: 21/355.) ولمس الناس في عهده القصير الأمن، والرفاه، بشكل
نسبي، فقد أزال عنهم شيئاً من جور بني مروان وطغيانهم، وكان محنكاً، قد هذبته
التجارب، وقد ساس المسلمين سياسة لم يألفوها ممّن قبله. 1 ـ إدانة سب الإمام علي(عليه السلام) ولعنه:
كانت الحكومة الأُموية منذ تأسيسها قد تبنت بصورة جادّة سب الإمام أمير
المؤمنين(عليه السلام) وانتقاصه، فان معاوية كان يرى ان هذا السبّ هو السبب في
بقاء دولتهم وسلطانهم(تاريخ دمشق: 2/47، تاريخ الأمم والملوك: 5/167 ـ 168.)، لأن مبادئ الإمام(عليه السلام) كانت تطاردهم
وتفتح أبواب النضال الشعبي ضد سياستهم القائمة على الظلم والجور والطغيان فكان
لابدّ من إسقاط شخصيّته، واعتباره. |
|
الإمام محمّد
الباقر(عليه السلام) وعمر بن عبد العزيز
|
|
وكانت للإمام أبي جعفر(عليه السلام) عدة مواقف مع عمر بن عبد العزيز: إن الذين بعثت في أقطارها = نبذوا كتابك واستحل المحرم (حياة الإمام موسى بن جعفر:
1/350.) ومنها: أنه أقر العطاء الذي كان للأشراف، فلم يغيره
في حين أنه كان يتنافى مع المبادئ الإسلامية التي ألزمت بالمساواة بين المسلمين،
وألغت التمايز بينهم. |
|
يزيد بن عبد الملك
|
|
واستولى يزيد بن عبد الملك
على الحكم بعهد من أخيه سليمان، وأقام أربعين يوماً يسير بين الناس بسياسة عمر بن عبد العزيز، فشق ذلك على
بني أمية، فأتوه بأربعين شيخاً فشهدوا بأنه ليس
على الخلفاء حساب ولا عقاب (المصدر
السابق: 9/232.). فعدل عن سياسة عمر،
وساس الناس سياسة عنف وجبروت، وعمد إلى عزل جميع ولاة
عمر، وكتب مرسوماً إلى عماله جاء فيه: |
|
هشام بن عبد الملك
|
|
استولى هشام بن عبد الملك على الحكم في اليوم الذي
هلك فيه أخوه يزيد لخمس بقين من شوال وهو المعروف بأحول بني أمية وكان حقوداً
على ذوي الأحساب العريقة، ومبغضاً لكل شريف. |
|
حمل الإمام الباقر(عليه السلام) إلى دمشق واعتقاله: |
|
لقد أمر الطاغية هشام عاملَه على
المدينة بحمل الإمام إلى دمشق وقد روى المؤرخون في ذلك
روايتين: قال هشام: آنس الله وحشتهم برجوعك إليهم، فلا
تقم وسر من يومك)(
دلائل الإمامة: 104 ـ 106.). |
|
الإمام الباقر(عليه
السلام) مع قسّيس نصراني
|
|
والتقى الإمام أبو جعفر(عليه السلام) في
الشام مع قسيس من كبار علماء النصارى جرت بينهما
مناظرة اعترف القسيس فيها بعجزه، وعدم استطاعته على محاججة الإمام ومناظرته. |
|
محاولة اغتيال الإمام
الباقر(عليه السلام)
|
|
وهنا أمر الطاغية بمغادرة الإمام أبي جعفر(عليه
السلام) لمدينة دمشق خوفاً من أن يفتتن الناس به، وينقلب الرأي العام ضد بني
أمية، ولكنه أوعز إلى أسواق المدن والمحلات التجارية الواقعة في الطريق أن تغلق
محلاتها بوجهه، ولا تبيع عليه أية بضاعة، وأراد بذلك هلاك الإمام (عليه السلام)
والقضاء عليه. |
|
أهم ملامح عصر الإمام
محمد الباقر (عليه السلام)
|
|
1 ـ
في الفترة الواقعة بين سنة ( 95 هـ ـ 97 هـ )
وفي بداية تصدّي الإمام محمد الباقر للإمامة كان
الحاكم الأُموي الوليدُ بن عبد الملك قد بدأ
باتخاذ بعض الأساليب لامتصاص النقمة الشعبية التي خلقتها السياسة الإرهابية التي
انتهجها السفّاك الأثيم الحجّاج بن يوسف وبعض الولاة الآخرين(المنتظم في تاريخ الأمم
والملوك: 7 / 3.). |
|
مظاهر الانحراف في
عصر الإمام الباقر(عليه السلام):
|
|
إن إقصاء أهل البيت (ع)
عن موقع القيادة وإمامة المسلمين أدّى إلى الانحراف في جميع مجالات الحياة، وترك
تأثيره السلبي على جميع مقومات الشخصية، في الفكر والعاطفة والسلوك، فعمّ
الانحراف الدولة والأمة معاً، كما عمّ التصورات والمبادئ، والموازين والقيم،
والأوضاع والتقاليد، والعلاقات والممارسات العملية جميعاً. |
|
أوّلاً: الانحراف
الفكري والعقائدي
|
|
ازداد
الانحراف في عهود الملوك المتعاقبين على الحكم، وكان للأفكار والعقائد نصيبها
الأكبر من هذا الانحراف، ولم يكترث الحكّام بهذا الانحراف بل شجّعوا عليه; لأنه
كان يخدم مصالح الحكم القائم، ويشغل المسلمين عن همومهم الأساسية وبخاصة التفكير
في مجال تغيير الأوضاع وإعادتها إلى ما كانت عليه في عهد رسول الله (صلَّى الله
عليه وآله) وعهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام). |
|
ثانياً: الانحراف
السياسي
|
|
اتّبع الحكّام الأمويون سياسة من سبقهم في تحويل
الخلافة إلى ملك يتوارثه الأبناء عن الآباء دون سابقة علم أو تقوى، وتوزيع
المناصب المهمّة والحسّاسة في الدولة على أبنائهم وأقربائهم والمتملقين لهم،
واستبدوا بالأمر فلا شورى ولا استشارة إلاّ مع المنحرفين والفسّاق من بطانتهم.
ولشعورهم بعدم الأحقية بالخلافة استمروا على نهج من سبقهم في اتخاذ الإرهاب
والتنكيل وسيلة لتثبيت سلطانهم، فحينما وجد الوليد بن عبد الملك أنّ ولاية عمر
بن عبد العزيز على مكة والمدينة قد أصبحت ملجأً للهاربين من ظلم بقية الولاة،
قام بعزله(الكامل
في التاريخ: 4 / 577.) تنكيلاً منه
بالمعارضين وارهابهم وغلق منافذ السلامة أمامهم. |
|
ثالثاً: الانحراف
الأخلاقي
|
|
لقد حوّل الأمويون الأنظار
إلى الغزوات، وحشّدوا جميع الطاقات البشريّة والمادّية باتجاه الغزوات; وذلك من
أجل إشغال المسلمين عن التحدّث حول الأوضاع المنحرفة، وعن التفكير في العمل
السياسي أو الثوري لاستبدال نظام الحكم بغيره، ولم يكن
هدفهم نشر مفاهيم وقيم الإسلام كما يتصوّر البعض ذلك، لأنّهم كانوا قد خالفوا
هذه المفاهيم والقيم في سياستهم الداخلية، وداسوا كثيراً من المقدسات الإسلامية،
وشجّعوا على الانحرافات الفكرية. |
|
رابعاً:
الانحراف في الميدان الاقتصادي
|
|
لقد تصرّف الحكّام بالأموال العامّة
وكأنّها ملك شخصي لهم، فكانوا ينفقونها حسب رغباتهم وأهوائهم، على ملذاتهم
وشهواتهم وكان للجواري والمغنيين نصيب كبير في بيت المال، كما كانوا ينفقون
الأموال لشراء الذمم والضمائر، ويمنحونها لمن يشترك في تثبيت سلطانهم أو مدحهم
والثناء عليهم، فقد مدح النابغة الشيباني يزيد بن عبد الملك فأمر له بمائة ناقة،
وكساه وأجزل صلته(الأغاني:
7 / 109.). |
|
الفصل
الثالث:
دور الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) في إصلاح الواقع الفاسد
|
|
على
الرغم من انحراف الحكّام وأجهزتهم الإدارية والسياسية عن المبادئ الثابتة التي
أرسى دعائمها القرآن الكريم والسنّة النبويّة; إلاّ أنّ القاعدة الفكرية
والتشريعية للدولة بقيت متبنّاةً من قبل الحاكم وأجهزته في مظاهرها العامة، وعلى ضوء ذلك فإنّ دور الإمام (عليه السلام) كان دوراً
إصلاحياً لإعادة الحاكم وأجهزته وإعادة الأمة إلى الاستقامة في العقيدة
والشريعة، وجعل الإسلام بمفاهيمه وقيمه هو الحاكم على الأفكار والعواطف
والمواقف. |
|
محاور الحركة
الإصلاحية العامّة للإمام الباقر(عليه السلام)
|
|
أوّلاً:
الإصلاح الفكري والعقائدي
|
|
من الأزمات التي خلّفتها سيرة الحكّام
السابقين هي أزمة ارتباك المفاهيم وما رافقها من تقليد وسطحية في الفكر، فلم
تتجلّ حقيقة التصور الإسلامي عند الكثير من المسلمين لكثرة التيارات الهدّامة
ونشاطها في تحريف المفاهيم السليمة وتزييف الحقائق، فكان
دور الإمام (عليه السلام) هو حمل النفوس على التمحيص لتمييز ما هو أصيل
من العقيدة عمّا هو زيف، وعلى تحكيم الأفكار والمفاهيم الأصيلة في عالم الضمير
وعالم السلوك على حد سواء، والاستقامة على المنهج الذي يريده الله تعالى
للإنسان. |
|
1
ـ الردّ على الأفكار والعقائد الهدّامة والمذاهب المنحرفة
|
|
وجد المنحرفون لأفكارهم وعقائدهم
الهدّامة أوساطاً تتقبّلها وتروّج لها ـ جهلاً أو طمعاً أو تآمراً على الإسلام
الخالد ـ وفي عهد الإمام الباقر(عليه السلام) نشطت حركة الغلاة بقيادة المغيرة
بن سعيد العجلي. قال (عليه السلام):
(لو أن عبداً عمل عملاً يطلب به وجه الله عزّ جلّ
والدار الآخرة، فأدخل فيه رضى أحد من الناس كان مشركاً) ( المصدر السابق: 69 /
297.). |
|
2
ـ الحوار مع المذاهب والرموز المنحرفة
|
|
يعتبر الحوار إحدى الوسائل التي تقع في
طريق إصلاح الناس، حيث تزعزع المناظرة الهادفة والحوار السليم الأفكار والمفاهيم
المنحرفة. من هنا قام الإمام (عليه السلام)
بمحاورة بعض رؤوس المخالفين، لتأثيرهم الكبير على أتباعهم لو صلحوا واستقاموا
على الحقّ. وإليك بعض مناظراته: |
|
مع علماء النصارى:
|
|
حينما أخرج هشام
بن عبد الملك الإمام (عليه السلام) من المدينة إلى الشام كان(عليه
السلام) يجلس مع أهل الشام في مجالسهم، فبينا هو جالس وعنده جماعة من الناس
يسألونه، اذ نظر إلى النصارى يدخلون في جبل هناك، فسأل عن حالهم، فأُخبر أنهم
يأتون عالماً لهم في كل سنة في هذا اليوم يسألون عمّا يريدون وعمّا يكون في
عامهم، وقد أدرك هذا العالم أصحاب الحوارييّن من أصحاب عيسى (عليه السلام)، فقال الإمام (ع): فهلمّ
نذهب إليه؟ فذهب (عليه السلام) إلى مكانهم، فقال له النصراني: أسألك أو
تسألني؟ قال (ع): تسألني،
فسأله عن مسائل عديدة حول الوقت، وحول أهل الجنّة، وحول عزرة وعزير، فأجابه
(عليه السلام) عن كل مسألة. مع الحسن البصري:
قال له الحسن البصري: جئت لأسألك عن أشياء من كتاب الله تعالى. |
|
3 ـ إدانة فقهاء البلاط
|
|
جاء قتادة بن دعامة البصري إلى الإمام (عليه
السلام) وقد هيّأ له أربعين مسألة ليمتحنه بها، فقال له
(ع): أنت فقيه أهل البصرة؟ قال قتادة:
نعم، فقال (عليه السلام): (ويحك يا قتادة إن الله
عَزَّ وجَلَّ خلق خلقاً، فجعلهم حججاً على خلقه، فهم أوتاد في أرضه، قوّام
بأمره، نجباء في علمه اصطفاهم قبل خلقه)، فسكت قتادة طويلاً، ثم قال:
أصلحك الله، والله لقد جلست بين يدي الفقهاء، وقدّام ابن عباس، فما اضطرب قلبي
قدّام أحد منهم ما اضطرب قدّامك(بحار الأنوار: 46 / 357.). |
|
4 ـ الدعوة إلى أخذ الفكر من مصادره
النقيّة
|
|
لقد حذّر الإمام (عليه السلام) الناس من الوقوع في
شراك الأفكار والآراء والعقائد المنحرفة، وحذّر من البدع وجعلها أحد مصاديق
الشرك فقال: (أدنى الشرك أن يبتدع الرجل رأياً
فيُحَبّ عليه ويبغَض)( المحاسن: 207.). ومن هنا كان يدعو الناس إلى أخذ العلم والفكر من
منابعه النقية وهم أهل البيت المعصومون من كل زيغ وانحراف. قال(عليه السلام) لسلمة بن كهيل وللحكم بن عتيبة: (شرّقا وغرِّبا فلا تجدان علماً صحيحاً إلاّ شيئاً خرج من
عندنا)(
الكافي: 1 / 399.). |
|
5 ـ نشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
لقد فتح الإمام (عليه السلام) أبواب مدرسته العلمية
لعامة أبناء الأمة الإسلامية، حتى وفد إليها طلاب العلم من مختلف البقاع
الإسلامية، وأخذ عنه العلم عدد كبير من المسلمين بشتى اتّجاهاتهم وميولهم، منهم:
عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، والزهري، وربيعة الرأي، وابن جريج،
والأوزاعي، وبسام الصيرفي(سير أعلام النبلاء: 4 / 401.)،
وأبو حنيفة وغيرهم(تاريخ
المذاهب الإسلامية: 361.). |
|
ثانياً: تأسيس
المدرسة الفقهية النموذجية
|
|
راجع حياة الإمام محمد الباقر (عليه
السلام)، باقر شريف القرشي 1/215 ـ 226. فأهل البلاد الإسلامية لم يعرفوا شؤون دينهم معرفة
كافية، وقد كان يوجد في بلاد الشام من لا يعرف عدد الصلوات المفروضة، حتى راحوا
يسألون الصحابة عن ذلك(سنن النسائي: 1 / 42.). |
|
مميّزات مدرسة أهل
البيت (عليهم السلام) الفقهيّة
|
|
1 ـ الاتصال بالنبي (صلَّى
الله عليه وآله): والشيء المهم
في فقه أهل البيت (ع) هو أنه يتصل اتصالاً مباشراً بالنبي (ص) فطريقه
إليه أئمة أهل البيت (ع) الذين اذهب الله عنهم
الرجس وطهرهم تطهيرا، وجعلهم النبي (صلَّى الله عليه وآله) سفن النجاة، وأمن
العباد، وعدلاء الذكر الحكيم حسبما تواترت الأخبار بذلك. قال السيد رشيد رضا:
(ولا نعرف في ترك الاجتهاد منفعة ما، وأمّا مضارّه فكثيرة، وكلها ترجع إلى إهمال
العقل، وقطع طريق العلم، والحرمان من استغلال الفكر، وقد أهمل المسلمون كل علم
بترك الاجتهاد، فصاروا إلى ما نرى) ( الوحدة الإسلامية: 99.). |
|
ثالثاً:
الإصلاح السياسي
|
|
استثمر الإمام (عليه السلام)
بعض ظروف الانفراج السياسي النسبي من أجل بناء
وتوسعة القاعدة الشعبية، وتسليحها بالفكر السياسي السليم المنسجم مع رؤية أهل
البيت (ع)، وتعبئة الطاقات لاتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب، ولهذا لم
تنطلق أي ثورة علوية في عهده، لعدم اكتمال شروطها من حيث العدة والعدد. |
|
1 ـ الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر
|
|
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحرّران
الإنسان والمجتمع من ألوان الانحراف في الفكر والعاطفة والسلوك، ويحوّلان
المفاهيم والقيم الإسلامية الثابتة إلى ممارسات سلوكية واضحة المعالم، تترجم
فيها الآراء والنصوص إلى مشاعر وعواطف وأعمال وحركات وعلاقات متجسدة في الواقع
لكي تكون الأمة والدولة بمستوى المسؤولية في الحياة، والمسؤولية هي حمل الأمانة
الإلهية وخلافة الله تعالى في الأرض. |
|
2 ـ نشر المفاهيم السياسية السليمة
|
|
وجّه الإمام (عليه السلام) الأنظار إلى دور أهل البيت (ع) في قيادة الأمة، وتوجيهها نحو
الاستقامة والرشاد فقال: (نحن ولاة أمر الله وخزائن
علم الله، وورثة وحي الله، وحملة كتاب الله، طاعتنا فريضة، وحبّنا إيمان، وبغضنا
كفر، محبّنا في الجنة، ومبغضنا في النار) ( مناقب آل أبي طالب: 4 / 223.). |
|
3
ـ فضح الواقع الأُموي
|
|
كشف الإمام (ع) حقيقة الحكم الأُموي وكيفية وصوله
إلى الحكم، وما مارسه من أعمال لإدامة السيطرة على رقاب المسلمين، ووضّح الجرائم
التي ارتكبها سلف هؤلاء الحكّام في حق أهل البيت (عليهم السلام) وأنصارهم، فبعد
أن بيّن ملابسات الخلافة، وكيفية الاستحواذ عليها وإقصاء أهل البيت (عليهم
السلام) عن موقعهم فيها، قال: (... وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن
(عليه السلام) فَقُتِلَتْ شيعتنا بكل بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنّة،
وكان من يذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سُجِن أو نُهِبَ ماله، أو هُدِمَت داره، ثم
لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين (عليه
السلام) ثم جاء الحجّاج فقتلهم كل قتلة، وأخذهم بكل ظنٍّ وتهمة، حتى أنّ الرجل
ليقال له: زنديق أو كافر، أحبُّ إليه من أن يقال: شيعة عليّ، وحتى صار الرجل
الذي يذكر بالخير ـ ولعلّه يكون ورعاً صدوقاً ـ يحدّث بأحاديث عظيمة عجيبة، من
تفضيل بعض من قد سَلَفَ من الولاة، ولم يخلق الله تعالى شيئاً منها، ولا كانت
ولا وقعت وهو يحسب أنها حقٌّ لكثرة من قد رواها ممّن لم يعرف بكذب، ولا بقلة
ورع)( شرح نهج
البلاغة: 11 / 42، 44.). |
|
4 ـ الدعوة إلى مقاطعة الحكم القائم
|
|
دعا (عليه السلام) إلى مقاطعة الحكم
الجائر ونهى عن إسناده بأي شكل من أشكال المساندة وإن كانت لا تتعلق بسياستهم،
فقال (عليه السلام) ـ في معرض جوابه عن العمل معهم ـ:
(ولا مدة قلم، إنّ أحدهم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلاّ أصابوا من دينه مثله)( الكافي: 5 / 107.). |
|
5 ـ مواقفه المباشرة من الحكّام المنحرفين
|
|
إن دور الإمام الحقيقي هو دور القدوة،
ومن أهم المسؤوليات الملقاة على عاتقه إصلاح الحاكم والأمة معاً، والقضاء على
الانحراف في مهده. أو الحيلولة دون التمادي فيه، وهذا الدور تختلف أساليبه
وبرامجه تبعاً للعوامل والظروف السياسية المحيطة
بالإمام، وتتغيّر المواقف تبعاً للمقومات التالية: |
|
6 ـ موقفه من الثورة المسلحة
|
|
وقف الإمام (ع) موقف الحياد من الثورات التي قادها
الخوارج، فلم يصدر منه تأييد ولا معارضة، لكي لا يستثمر قادة الثورات أو الحكّام
موقف الإمام (عليه السلام) لصالحهم، ولكي تستمر روح الثورة في النفوس. وكان
(عليه السلام)يحذِّر من خذلان زيد ومحاربته فيقول: (إن
أخي زيد بن علي خارج فمقتول على الحق، فالويل لمن خذله، والويل لمن حاربه،
والويل لمن قاتله)( مقتل الخوارزمي: 2 / 113.). فمن لي سوى جعفر بعده = إمام الورى الأوحد الأمجد (مناقب آل أبي طالب: 4 / 213.) فتأجلت الثورة المسلحة إلى وقتها
المناسب وتفجّرت بعد أقلّ من عشر سنين من استشهاد الإمام محمد الباقر). |
|
رابعاً: الإصلاح
الأخلاقي والاجتماعي
|
|
بذل الإمام (عليه السلام) عناية فائقة لإصلاح
الأخلاق وتغيير الأوضاع الاجتماعية باتجاه القواعد والموازين والقيم العليا
الثابتة في الشريعة الإسلامية، وكانت مهمته التركيز على إصلاح جميع الوجودات
القائمة، بدءً بالمقربين منه ثم الأوساط الاجتماعية ثم المؤسسات الحكومية واتباع
الحاكم. |
|
1 ـ الدعوة لتطبيق السنّة النبوية
|
|
قام الإمام (عليه السلام) بنشر الأحاديث الشريفة
النبوية المرتبطة بالجوانب الأخلاقية والاجتماعية لكي تكون هي الحاكمة على
الممارسات السلوكية والعلاقات الاجتماعية، ولكي تكون نبراساً لأفراد المجتمع
بمختلف طبقاتهم في مسيرتهم الإنسانية، تنطلق بهم نحو السمو والتكامل، والارتقاء
للوصول إلى المقامات العالية التي وصل إليها الصالحون والأولياء. وقال (عليه السلام): (إن رسول الله (ص) نهى عن القيل والقال، وفساد المال، وكثرة
السؤال)(
الكافي: 1 / 60.). |
|
2
ـ الدعوة إلى مكارم الأخلاق
|
|
كثّف الإمام (عليه السلام) دعوته إلى
إصلاح مكارم الأخلاق لتكون هي العلامة الفارقة لتعامل المسلمين فيما بينهم، فكان
(عليه السلام) يدعو إلى إفشاء السلام وهو مظهر من مظاهر روح الإخاء والودّ
والمحبة والصفاء في العلاقات الاجتماعية حتى قال (عليه السلام): (إن الله يحب إفشاء السلام)( تحف العقول: 220.). |
|
خامساً: الإصلاح
الاقتصادي
|
|
لم
يكن الإمام (عليه السلام) على رأس سلطة حتى يستطيع إصلاح الأوضاع الاقتصادية
إصلاحاً عملياً وجذريّاً، ولذا اقتصر (عليه السلام) على نشر المفاهيم الإسلامية
المرتبطة بالحياة الاقتصادية السليمة متمثّلة في النظام الاقتصادي الإسلامي،
والتي تعصم مراعاتها الإنسان والمجتمع من الانحراف الاقتصادي التي من أسبابها:
الانسياق وراء إشباع الشهوات إشباعاً مخلاً بالتوازن الاقتصادي، فحدّد الإمام
(عليه السلام) الأهداف المتوخاة من التصرّف بالأموال، إذ جعل الله المال وسيلة
لتحقيق الهدف الذي خلق الإنسان من أجله، وهو الوصول إلى عبادة الله تعالى،
وتطبيق منهجه في الحياة، قال(ع): (نعم العون الدنيا
على طلب الآخرة)( الكافي: 5 / 73.). وأوضح الأهداف المشروعة التي يبتغي طلب المال من
أجلها، فقال(ع): (من طلب الرزق في الدنيا استعفافاً
عن الناس، وتوسيعاً على أهله، وتعطفاً على جاره ; لقي الله عَزَّ وجَلَّ يوم
القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر) ( المصدر السابق: 5 / 78.). |
|
الباب
الرابع:
|
|
فيه فصول: |
|
الفصل الأول: الإمام الباقر (عليه السلام) وبناء الجماعة الصالحة
|
|
اعتمدنا في هذا البحث بشكل أساسي على الكتاب القيّم الذي نشره المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) (دور
أهل البيت (عليهم السلام) في بناء الجماعة الصالحة) لسماحة السيد محمد
باقر الحكيم (دام عزه) واستخلصنا منه ما يناسب حياة الإمام محمد الباقر(عليه السلام) بشكل خاص من
هذه الموسوعة. عادت له السلطة، وكان لتلك الكتلة الصالحة دور كبير
في إخماد الفتن الداخلية وتقرير منهج أهل البيت (عليهم السلام) في الواقع
العملي. وفيما يلي سوف نستعرض بعض مظاهر حركة
الإمام (عليه السلام) في بناء الجماعة الصالحة، وإعدادها إعداداً شمولياً بشمول
الإسلام وشمول منهج أهل البيت (عليهم السلام) لجميع مرافق الحياة الإنسانية.
وقد أوضحنا أن المهمّة الأساسية للإمام الباقر(ع)
بعد العقود الثلاثة من النشاط المستمر للإمام زين العابدين(ع) بهذا الاتجاه هي
رسم المعالم التفصيلية للجماعة الصالحة وبيان كل ما يلزم لتكوين المجتمع
الإسلامي النموذجي في وسط التيارات المنحرفة التي ملأت الساحة الإسلامية
العامّة، وهي إلى جانب كونها النموذج المطلوب للأمة المسلمة الرائدة تكون الذراع
الحقيقي للأئمة(عليهم السلام) لإقرار الإسلام الشامل في المجتمع الإسلامي الآخذ
بالتمادي في الانحراف والانهيار; إذ من خلالها يكون النشاط الحقيقي للإمام
الباقر(عليه السلام) في مرحلته الخاصة التي تجلّت في رسم هذه المعالم وإقرارها
وتربية الأجيال عليها. وهي المهمة التي اشترك فيها أبوه
الإمام زين العابدين وابنه الإمام الصادق وحفيده الإمام الكاظم(عليهم السلام). |
|
أولاً: الإمام الباقر
(عليه السلام) ومقومات الجماعة الصالحة
|
|
1 ـ العقيدة السليمة
|
|
في خضم الأحداث والمواقف المتباينة
والمتناقضة جراء تعدد التيارات الفكرية والعقائدية، واضطراب عقول الكثير من
المسلمين، لابتعادهم عن إدراك أسس العقيدة السليمة، قام الإمام (عليه السلام)
بدور كبير في بيان العقيدة السليمة للجماعة الصالحة ; لتقوم بدورها في إصلاح
المفاهيم والأفكار، ونشر عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) في مختلف الأوساط وعلى
جميع المستويات.لقد بيّن (عليه السلام) الأسس العامة للتوحيد، فعن حريز بن عبد
الله، وعبد الله بن مسكان قالا: قال أبو جعفر (عليه السلام): (لا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلاّ بهذه الخصال
السبعة: بمشيّة، وإرادة، وقضاء، وإذن، وكتاب، وأجل، فمن زعم أنه يقدر على نقض
واحدة منهنَّ فقد كفر)( المحاسن: 244.). |
|
2 ـ مرجعية أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
إن
المنهج الإسلامي هو منهج واقعي للحياة، بكل ما للحياة من تشكيلات وتنظيمات
وأوضاع وقيم وأخلاق وآداب وعبادات وشعائر، وهو كمنهج نظري يراد تطبيقه في الواقع
بحاجة إلى قدوة تجسّده في الواقع كي يقتدي بها الناس ليندفعوا أشواطاً إلى
الأمام في مسيرة التنفيذ والتطبيق، ولهذا ركّز الإمام (عليه السلام) على القدوة
الناطقة بالكتاب والسنّة وهم أهل البيت (عليهم السلام) تمييزاً عن غيرهم من
الذين تنكبوا طريق الاستقامة وانحرفوا عن المنهج انطلاقاً من أهوائهم ومصالحهم
التي تخدم السلاطين والحكّام وانفلاتاً من قيود العقيدة والشريعة. فقد أكّد
الإمام (عليه السلام) على الولاية باعتبارها أهم أركان الإسلام فقال: (بني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج
والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية)( المصدر السابق: 2 / 18.)،
التي أوضحها في نص آخر بأنها الولاية لأهل البيت(عليهم السلام)( الخصال: 1 / 278 .). وفسرّ
الآيات النازلة في حق أهل البيت (عليهم السلام) وبيّن مؤدّاها بشكل دقيق وهو
مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) في جميع شؤون الحياة فكرية وعاطفية وسلوكية. ففي
قوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)( النحل (16): 43.)، قال (ع):
نحن أهل الذكر. وفي
قوله تعالى: (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)( البقرة (2): 143.)، قال (عليه السلام): نحن
هم. وفي
قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً
وَسَطاً)(
البقرة (2): 143.)، قال (عليه
السلام): نحن الأمة الوسط. وفي
قوله تعالى: (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)( التوبة (9): 119.)، قال (عليه السلام):
أي مع آل محمد(مناقب آل أبي طالب: 4 / 194، 195 .). وأمّا أحاديثه التي رواها عن رسول الله
حول ولاية أهل البيت (ع) ومرجعيتهم للأمة فمنها قوله (ص): (أنا رسول
الله إلى النّاس أجمعين ولكن سيكون بعدي أئمة على الناس من أهل بيتي من الله،
يقومون في الناس فيكذّبونهم ويظلمونهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم، ألا فمن
والاهم واتّبعهم وصدّقهم فهو منّي ومعي وسيلقاني، ألا ومن ظلمهم وأعان على ظلمهم
وكذّبهم، فليس مني ولا معي وأنا منه بريء)( المحاسن: 155.). |
|
3 ـ خصائص الانتماء لأهل البيت(عليهم
السلام)
|
|
وبيّن الخصائص الولائية والسلوكية للجماعة الصالحة
من حيث علاقاتهم فيما بينهم وعلاقاتهم مع الآخرين. فقال(عليه السلام): (إنما شيعة عليّ: المتباذلون في ولايتنا . المتحابّون في
مودّتنا . المتزاورون لإحياء أمرنا.الذين إذا اغضبوا لم يظلموا . وإذا رضوا لم
يسرفوا . بركة على من جاوروا . سلم لمن خالطوا)( تحف العقول: 220.). وقال: (إنما شيعة عليّ:
الحلماء العلماء، الذبل الشفاه، تعرف الرهبانية على وجوههم)( بحار الأنوار: 65 /
189.). |
|
ثانياً: الإمام
الباقر (عليه السلام) والتزكية
|
|
1 ـ مقوّمات التزكية عند الإمام
الباقر(عليه السلام):
|
|
لا تتحقق التزكية إلاّ بعد أن تنطلق من القلب
والضمير وتتفاعل مع الشعور بخشية مستمرة وحذر دائم وتوقٍّ من الرغائب والشهوات،
والمطامع والمطامح، فلا بد وأن تكون شعوراً في الضمير، وحالة في الوجدان، وضعاً
في المشاعر لتتهيأ النفوس لتلقي أسسها وتقريرها في الواقع، ولهذا ركّز
الإمام(عليه السلام) في الجانب النظري على أهم المقومات التي تدفع النفس للتزكية
وهي: |
|
2 ـ منهج التزكية عند الإمام الباقر (عليه
السلام)
|
|
رسم الإمام (عليه السلام) للجماعة
الصالحة منهجاً واقعياً متكاملاً وشاملاً لتزكية النفس وتربيتها بحيث يكون
كفيلاً بتحقيقها عند مراعاته بشكل دقيق. |
|
أ ـ الارتباط الدائم بالله تعالى |
|
الارتباط بالله تعالى والاستسلام له
والعزم على طاعته من شأنه أن يمحّص القلوب، ويطهّر النفوس، لأنه ينقل الإنسان من
مرحلة التفكّر والتدبّر في عظمة الله تعالى وهيمنته ورقابته إلى مرحلة العمل
الصالح في ظلّ هذا التدبر، فالعزم يتبعه العون منه تعالى، ويتبعه التثبيت على
المضي في طريق تزكية النفس. |
|
ب ـ الإقرار بالذنب والتوبة
|
|
إن
منهج أهل البيت (عليهم السلام) يهدف إلى علاج النفوس البشرية، واستجاشة عناصر
الخير فيها، وإلى مطاردة عوامل الشر والضعف والغفلة. والطبيعة البشرية قد تستقيم
مرة وتنحرف مرة أُخرى، ولهذا فإنّ العودة إلى الاستقامة تقتضي محاسبة النفس
باستمرار، والإقرار بالأخطاء، ثم التوبة، والعزم على عدم العود، ولذا أكّد
الإمام (ع) على هذه المقومات، وبدأ بالإقرار بالذنب كمقدمة للنجاة منه، فقال
(عليه السلام): (والله ما ينجو من الذنب إلاّ من أقرّ
به)(
الكافي: 2 / 311.). وقال (ع): (كفى بالندم توبة)( وسائل الشيعة: 16 / 59.).
والإقرار يتبعه الغفران بعد طلبه من الله تعالى،
قال (ع): (لقد غفر
الله لرجل من أهل البادية بكلمتين دعا بهما قال: اللهم إن تعذبني فأهل ذلك أنا،
وإن تغفر لي فأهل ذلك أنت، فغفر له)( المصدر السابق: 16 / 60.). |
|
ج ـ الحذر من التورّط
بالذنوب
|
|
الحذر والحيطة من الذنوب ضرورة ملحة في
تزكية النفس، وهي تتطلب الدقة في تناول كل خالجة وكل حركة وكل موقف، وتتطلب
التحليل الشامل للأسباب والظواهر، والعوامل المسبّبة للموقف، والتعالي بالنفس في
ميادينها الباطنية، ولهذا دعا الإمام (عليه السلام) إلى الحذر والحيطة من جميع
الممارسات فقال: (إن الله خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة
أشياء: خبأ رضاه في طاعته، فلا تحقرن من الطاعة شيئاً فلعلّ رضاه فيه، وخبأ سخطه
في معصيته فلا تحقرن من المعصية شيئاً فلعلّ سخطه فيه، وخبأ أولياءه في خلقه،
فلا تحقرنّ أحداً فلعلّه ذلك الولي)( كشف الغمة: 2 / 148.). |
|
د
ـ تعميق الحياء الداخلي
|
|
إن
موجبات التزكية كامنة في النفس ذاتها، قبل التأثر بالعوامل الخارجية، والتزكية
ليست مجرد كلمات ورؤى نظرية بل هي ممارسة وسلوك عملي، يجب ان تنطلق من داخل
النفس الإنسانية، ولا بد أن يتسلّح الإنسان بالواعز الذاتي الذي يصدّه عن فعل
القبيح، ولذا أكّد الإمام (ع) على الحياء لأنه حصن حصين يردع الأهواء والشهوات
من الانطلاق اللامحدود، قال: (الحياء والإيمان
مقرونان في قرن، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه)
( تحف العقول: 217.). |
|
هـ ـ كسر الأُلفة بين
الإنسان وسلوكه الجاهلي
|
|
حينما يعتاد الإنسان على السلوك الجاهلي فإنه سيأنس
به، ويألفه حتى يصبح وكأنه جزء من كيانه، ترضاه نفسه، ويقبله قلبه، ولهذا فهو
بحاجة إلى كسر هذه الألفة وهذا الأُنس إن أراد أن يزكّي نفسه ويسمو بها إلى
مشارف الكمال، ولذا أكّد الإمام (عليه السلام) على بعض الخطوات التي تكسر هذه
الألفة، فقال: (إن الله يبغض الفاحش المتفحّش)( الكافي: 2 / 245.). |
|
و ـ إزالة الحاجز
النفسي بين الإنسان والسلوك السليم
|
|
قد يحدث حاجز نفسي بين الإنسان والسلوك
السليم بسبب ضغط الأهواء والشهوات، أو بسبب الهواجس والوساوس المطبقة عليه، وسوء
التصور، ورواسب الجاهلية، والضعف البشري، فلا بد من إزالة هذه الحواجز أولاً ثم
التمرين على ممارسة السلوك السليم ثانياً. |
|
ثالثاً: المنهج التثقيفي عند الإمام الباقر (عليه
السلام) |
|
العلم خير وسيلة لتجلية حقيقة التصور الإسلامي،
والمنهج الإلهي في الحياة الإنسانية. وهو الوسيلة المُثلى لتوجيه الجماعة
الصالحة للارتفاع بها إلى مستوى الأمانة العظيمة التي ناطها الله بها. ولذا كان
أهل البيت (عليهم السلام) يتشدّدون مع الجماعة الصالحة في أمر تلقي العلوم
المرتبطة بالعقيدة والشريعة من مصادرها الأصيلة وهي القرآن والسنة الشريفة. وفي
منهج الإمام الباقر (ع) التثقيفي والتعليمي
المعد للجماعة الصالحة نلاحظ التأكيد على الأمور
التالية: |
|
1
ـ الحث على طلب العلم
|
|
حثّ الإمام (عليه السلام) على طلب العلم، وخصوصاً
علم الفقه فقال: (الكمال كل الكمال: التفقه في الدين،
والصبر على النائبة وتقدير المعيشة)( الكافي: 1 / 32 .). |
|
2 ـ موقع العلماء المتميّز وفضلهم |
|
بيّن الإمام
الباقر (عليه السلام) فضل العالم وقدّمه على العابد، لأن العلم الحقيقي
يجعل الإنسان على وعي كامل بالحقائق والتصورات وبالأحداث والمواقف، فلا يختلط
عليه أمر بأمر ولا موقف بموقف فيكون قادراً على التمييز والتشخيص، وإصابة الواقع
في جميع مجالاته، قال (ع): (عالم ينتفع بعلمه أفضل من ألف عابد)( المصدر السابق: 3 /
183.). |
|
3
ـ الإخلاص في طلب العلم
|
|
حث (عليه السلام) على إخلاص النية في
طلب العلم، بأن يكون الهدف النهائي من طلبه للعلم هو الوصول إلى الحقّ، وتقريره
في عقول الناس وقلوبهم تقرباً إلى الله تعالى، وتجسيداً لمنهجه في الحياة. |
|
4 ـ ضرورة نشر العلم وتثقيف الناس |
|
حث الإمام (عليه السلام)
على نشر العلم وتعليمه للناس، وإشاعته في الأوساط المختلفة، نهي عن كتمانه، بقوله (ع): (من علّم باب
هدى فله أجر من عمل به، ولا ينقص أولئك من أجورهم شيئاً ...)( الكافي: 1 / 35.). |
|
5 ـ مزالق وآفات المتعلّمين
|
|
إن الإنسان مهما أوتي من علم فإنه يبقى
بحاجة إلى المزيد، ويبقى في كثير من الأحيان جاهلاً ببعض الحقائق، لذا حثّ
الإمام (ع) على الاحتياط في الإجابة لكي يأمن الانحراف، ولا تؤدي إلى تغرير
الآخرين، قال (ع): (الوقوف
عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، وتركك حديثاً لم تروه خير من روايتك
حديثاً لم تحصه)( المصدر السابق: 1 / 50.). |
|
6 ـ المرجعية العلمية
|
|
من الحقائق المشهورة عند المسلمين أنّ علياً (ع) أعلم الصحابة بكتاب الله وسنة رسوله
(ص)، وهو باب علم الرسول (ص)، وقد علّم أبناءه ما تعلّمه من رسول الله (صلَّى
الله عليه وآله) وكانوا يتوارثون العلم فيما بينهم، من هنا كان أهل البيت (ع)
أعلم الناس بالقرآن والسنّة، ولهذا أكّد الإمام الباقر (ع) على مرجعية أهل البيت
(ع) العلمية، وبيّن أن علمهم موروث منذ آدم إلى يومه هذا، فقال: (إن العلم الذي نزل مع آدم (عليه السلام) لم يرفع، والعلم
يتوارث، وكان عليّ (عليه السلام) عالم هذه الأمة، وانه لم يهلك منّا عالم قط
إلاّ خلفه من أهله من علم مثل علمه، أو ما شاء الله)( المصدر السابق: 1 /
222.). |
|
7 ـ المؤسسات الثقافية
|
|
للإمام الباقر(ع) دور كبير في توسيع المؤسسات الثقافية، فقد أسس عدة
مدارس في أهم الأمصار الإسلامية: مدرسة المدينة: وكان يشرف عليها مباشرة،
وينتقي منها الفقهاء ليواصلوا حمل العلم ونشره. مدرسة الكوفة: وكان يشرف عليها من تتلمذ على يديه،
وتخرّج من مدرسته، وقد أثمرت هذه المدرسة في نشر علوم أهل
البيت (ع) وإرجاع الناس إليهم، حتى اعترف الحاكم الأُموي هشام بن عبد
الملك بهذه الحقيقة، فقد أشار إلى الإمام (ع)
قائلاً: هذا المفتون به أهل العراق(مختصر تاريخ دمشق: 23 / 79.).
ولذا أمر الأمويون بمنع أهل العراق من الالتقاء بالإمام
(ع)( المصدر السابق: 23 / 83.). مدرسة قم:
وكان يشرف عليها بعض من تتلّمذ على يدي الإمام (ع)، وهي متفرعة من مدرسة
الكوفة.وتأثرت بمدرسة الكوفة وقم مدارس أُخرى في الشرق الإسلامي، كمدرسة الري
وخراسان(دور أهل
البيت (ع) في بناء الجماعة الصالحة: 1 / 133 .).
وهنالك مدارس جوّالة كان يؤسسها طلابه أينما حلّوا وهي محدودة بحدود عدد الأفراد
المشرفين وبمقدار الاستجابة لهم من قبل الناس. والمؤسسات الثقافية كان لها دور
كبير في تخريج الفقهاء والمبلغين من مختلف الأمصار. وكانت أساليب الإمام
التثقيفية متنوعة، بعضها ذو طابع فردي والآخر ذو طابع جماعي. كما كان التثقيف
يتم عن طريق التدريس، وأخرى عن طريق الرسائل والوصايا. |
|
رابعاً:
الإمام الباقر (عليه السلام) وإحياء الروح الثورية في الأمة
|
|
كانت ثورة الإمام الحسين
(عليه السلام) ذات دور كبير في إحياء الروح الثورية،
وإلهاب الحماس في النفوس المؤمنة بالله ورسوله ضدّ الحكّام الظالمين، ولهذا نشط الإمام الباقر (ع) ليجعل الثورة حيّة تمنح الناس طاقة
ثورية لخوض المواجهة في وقتها وظرفها المناسب.وقد تجسد
إحياؤه للروح الثورية هذه في مظهرين: |
|
الأول: إقامة الشعائر
الحسينية
|
|
كان
الإمام (عليه السلام) يقوم بنفسه بإحياء الشعائر الحسينية، حيث كان يقيم مجالس
العزاء في منزله، دون معارضة من قبل الحكّام الأمويين لأنهم لا يستطيعون منع
مجلس عزاء يقيمه الإمام (عليه السلام) على جدِّه، ولأنهم كانوا يحاولون إلقاء
اللوم في قتل الحسين وأهل بيته وصحبه على آل أبي سفيان. |
|
الثاني: إحياء
الإيمان بقضية الإمام المهدي (عليه السلام)
|
|
إن الصراع بين الإسلام والجاهلية، وبين الحق
والباطل لا ينتهي ما دام كل منهما موجوداً وله كيان وقيادة وأنصار . ويستمر
الصراع إلى أن ينتصر الحق على الباطل في نهاية الشوط . ويمثل ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وثورته ضد الظلم العالمي
الشامل آخر حلقة من حلقات الصراع المستمرة حيث يختفي الباطل ولا يبقى له كيان
مستقل. |
|
خامساً: الإمام
الباقر (عليه السلام) وتشخيص هوية الجماعة الصالحة
|
|
اهتم الإمام الباقر (عليه السلام) بتشخيص هوية
الجماعة الصالحة، وتمييزها عن غيرها من الهويات التي ترافق سائر الوجودات
والكيانات والتيارات القائمة في الواقع. والإسلام هو الانتماء الأرحب الذي يضم جميع من نطق
بالشهادتين، فهو في رأي الإمام الباقر (عليه السلام):
(... والإسلام ما عليه التناكح والتوارث وحقنت به
الدماء)(
تحف العقول: 217 ـ 218.). |
|
مشخصات الهوية
|
|
الأول: الاسم |
|
الثاني:
الصفات
|
|
وصف الإمام الباقر (ع)
أفراد الجماعة الصالحة بمواصفات خاصة تشخصهم بها عن غيرهم(المصدر السابق: 65 / 29،
30، 58، 44 .) ومنها: 4
ـ شُرَط الله. 5 ـ أعوان الله. |
|
الثالث: منزلة
الجماعة الصالحة
|
|
ذكر الإمام (ع) للجماعة الصالحة التي
تحمل اسم شيعة أهل البيت (ع) منزلة ومرتبة في كلتا الحياتين: الدنيا والآخرة. ودخل الإمام المسجد الحرام فوجد فيه
جماعة من أصحابه، فدنا منهم وسلَّم ثم قال لهم: (والله
إني لأحبُّ ريحكم وأرواحكم ... أنتم شُرط الله، وأنتم أعوان الله، وأنتم أنصار
الله، وأنتم السابقون الأولوّن والسابقون الآخرون ... قال أمير المؤمنين (ع) ألا
وإنّ لكل شيء شرفاً، وشرف الدين الشيعة، ألا وإنَّ لكل شيء عماداً وعماد الدين
الشيعة، ألا وإنّ لكل شيء سيداً وسيّد المجالس مجلس شيعتنا ...)( بشارة المصطفى: 16 .). |
|
سادساً: الإمام
الباقر (عليه السلام) والعلاقات في نظام الجماعة الصالحة
|
|
الجماعة الصالحة لها قيادة وطليعة وقاعدة
ترتبط فيما بينها بعلاقات تحددّها المفاهيم والقيم الحاكمة على جميع الأفراد ومن
مختلف المستويات. ب ـ العلاقة بين القيادة والقاعدة:
كانت للإمام (ع) علاقات مباشرة وغير مباشرة مع قواعده في المدينة، وفي مختلف الأمصار،
وكان أهل المدينة وغيرهم يلتقون به ويزورونه، وكان يقوم (ع) بزيارتهم والالتقاء بهم، أما المقيمون في بلدان أُخرى فكانوا
يلتقون به في موسم الحج وغيره، وكان (ع) يراسل
بعضهم، لتدوم العلاقة بينه وبينهم، وقد رسم لهم منهاجاً في العلاقات، وجعل عليهم
أن يزوروه، حين قال (ع): (إنّما أُمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار، فيطوفوا بها، ثم
يأتونا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرهم)( الكافي: 4 / 549.). |
|
أسس العلاقات
الداخلية
|
|
أ ـ طاعة الإمام (عليه السلام): الإمام
المعصوم هو القائد الربّاني للجماعة الصالحة، وهو المشرف على جميع شؤونها، وان
جميع البرامج والخطط لا يمكن تحقيقها بالصورة المشروعة إلاّ بالرجوع إليه
وامتثال أوامره والإخلاص له في النصيحة، وقد روى الإمام الباقر(ع) عن رسول الله
(صلَّى الله عليه وآله) أنه قال: (ما نظر الله عَزَّ
وجَلَّ إلى وليّ له يجهد نفسه بالطاعة لإمامه والنصيحة إلاّ كان معنا في الرفيق
الأعلى)(
الكافي: 1 / 404.). و ـ التناصر والتآزر ز ـ إدامة العلاقة: قال (ع): (ثلاثة من مكارم الدنيا والآخرة: أن تعفو عمّن ظلمك، وتصل
من قطعك، وتحلم إذا جهل عليك)( تحف العقول: 214.).
وقال (ع): (إن المؤمن أخ المؤمن لا يشتمه ولا يحرمه
ولا يسيء به الظن)( المصدر السابق: 216.). 2 ـ العلاقات مع الجماعات الإسلامية الأخرى |
|
3
ـ العلاقة مع أهل الذمة
|
|
رسم الإمام (عليه السلام) منهجاً
لعلاقة الجماعة الصالحة مع أهل الذمّة، على أساس المعايشة وعدم الاعتداء، قال
(عليه السلام): (... فإذا قبلوا الجزية على أنفسهم
حرم علينا سبيهم، وحرمت أموالهم وحلّت لنا مناكحهم) ( تحف العقول: 210،
والمعروف عند علماء مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) أن النكاح الجائز مع أهل
الذمّة هو النكاح المؤقت فحسب.). |
|
4 ـ العلاقة مع الكفّار
|
|
إنّ العلاقة مع الكفّار قائمة على أساس
قاعدة البراءة، وهي المفاصلة بين الإسلام والكفر، فلا تجوز المعاونة لهم بأي
لون، ويحرم إسنادهم بأي شكل من أشكال الإسناد.والبراءة تستدعي المقاومة بل
المواجهة معهم أحياناً، ولذا كان يشجع على بيع السلاح لمن يحارب به الكفّار وان
كان مخالفاً أو معادياً لأهل البيت (ع) وللجماعة الصالحة; فإنّ هذا العمل في رأي
الإمام (ع) يتم به دفع العدو المشترك، وإبعاد خطره الذي يهدّد الكيان الإسلامي. |
|
سابعاً:
الإمام الباقر (عليه السلام) والنظام الأمني للجماعة الصالحة
|
|
أولى الإمام (عليه السلام) اهتماماً
خاصاً بالنظام الأمني للجماعة الصالحة، حفاظاً على سلامة أفرادها وكيانها من
التصدّع أو التصفية الجسدية، ليبقى أفرادها أحراراً في حركتهم الإصلاحية
والتغييرية. والاحتياط والحذر الأمني له آثار ايجابية على سلامة العقيدة وسلامة
الشريعة وسلامة القيم الإسلامية، فإنّ أي خلل في الوضع الأمني يؤدي إلى سجن أو
قتل أو تهجير من له تأثير ايجابي في الأمة، وبالتالي يكون خير فرصة للمنحرفين
لنشر عقائدهم وأفكارهم لبلبلة الأفكار وخلق الاضطراب في العقول والقلوب والنفوس،
بعد خلو الميدان من المصلحين الذين ينتمون إلى الجماعة الصالحة. |
|
1 ـ التقيّة
|
|
التقية عملية مشروعة لما لها من آثار
ايجابية على سير الجماعة الصالحة وتوجيه حركتها نحو إصلاح الواقع وتغييره دون
عرقلة أو منع أو تحجيم. |
|
ومن موارد التقيّة:
|
|
أ ـ كتمان
المعتقد بالإسلام إذا كان المجتمع مجتمعاً غير إسلامي محارباً للمسلمين، وكتمان
المعتقد بمذهب أهل البيت (ع) إذا كان المجتمع مخالفاً أو معادياً لهم، ويستحل
قتل أو تعذيب من يروّج له أو يعلن الانتماء إليه. ج ـ كتمان البرامج والخطط المعدّة لإصلاح
الواقع وتغييره. والتقية قد تكون بكتمان هذه الموارد، أو
التظاهر بغيرها . وبعبارة أُخرى: إن التقيّة هي المصانعة مع المخالفين أو
المعادين للجماعة الصالحة تخلّصاً من عدوانهم وأذاهم، أو إضرارهم بالعمل. |
|
2
ـ كتمان الأسرار
|
|
إن
الظروف المحيطة بالإمام (عليه السلام) وبالجماعة الصالحة جعلت الإمام (عليه
السلام) يأمر بكتمان الأسرار، قال (عليه السلام): (اكتموا
أسرارنا ولا تحمّلوا الناس على أعناقنا)( المصدر السابق: 71 / 225 .).
والجماعة الصالحة محاطة بجماعات وتيارات وأجهزة
أمنية تتابع أقوالها وأفعالها وممارساتها العملية، وتستثمر الثغرات والفرص
المتاحة لتشويه سمعتها في عقيدتها وفي أحكامها وفي سلوكها، وتحجيم دورها في
الحياة ; ولهذا فهي بحاجة إلى عناية إضافية بكتمان الأسرار، سواء كانت ممّا
يتعلق بفضائل ومكارم أهل البيت (ع) التي لا تتحملها عقول المخالفين، أو ممّا
يتعلق بتنظيم الجماعة الصالحة من حيث العدّة والعدد، وأسماء الوكلاء، أو الطليعة
المؤثرة على سير الأحداث، أو كانت من أسرار العلاقات واللقاءات، أو الأسرار
السياسية المتعلقة بالبرامج والخطط الموضوعة لإصلاح وتغيير الواقع السياسي
والاجتماعي، أو الأسرار المتعلقة بساعات التنفيذ وما شابه ذلك. |
|
3ـ التوازن في العلاقة مع الحكّام
|
|
إنّ
مقاطعة الحاكم الجائر هي إحدى الخصائص التي اختص بها أئمة أهل البيت (عليهم
السلام)، وقد كانت إرشادات وأوامر الإمام الباقر (عليه السلام) إلى أفراد
الجماعة الصالحة تؤكد على المقاطعة في جميع صورها، لأنّ
العمل مع الجائر يؤدي إلى احتمالات واقعية، هي: |
|
4 ـ مراعاة المستويات المختلفة
|
|
راعى الإمام (عليه السلام) في أوامره وتعليماته،
وفي إشراك أفراد الجماعة الصالحة في النشاطات والأعمال المختلفة، تفاوت مستويات
الأفراد المختلفة من حيث الطاقات والإمكانيات، ومن حيث الوعي والإدراك، ودرجة
التحمّل، والقدرة على أداء الواجب أو الاستمرار في الأعمال، وحدّد لكل فرد
مستواه ; لكي يكلّف بقدر مستواه. |
|
ثامناً: الإمام
الباقر (عليه السلام) والنظام الاقتصادي للجماعة الصالحة
|
|
للاقتصاد دور كبير في حركة الأمم والجماعات، من حيث
النمو والثبات والتكامل، ومدّها بالقدرة على مواجهة الصعاب التي تقع في طريق
النمو والتكامل، فهو أحد العوامل الأساسية في بناء الحضارات ورفدها بأسس البقاء
والاستمرار، حتى إن الإسلام في جميع مراحله لم يحقق أهدافه القريبة أو البعيدة
إلاّ بالاستعانة بالاقتصاد، وبالمال الذي هو العصب الأساسي له. وأكّد الإمام الباقر (عليه السلام) في
توجيهاته وإرشاداته للجماعة الصالحة على أهمية المال في نجاح أعمالها، واستقامة
شؤونها، وقوة كيانها، فقال (عليه السلام): (... هي
الدنانير والدراهم خواتيم الله في أرضه، جعلها الله مصلحة لخلقه، وبه تستقيم
شؤونهم ومطالبهم)( أمالي الطوسي: 2 / 123.). |
|
التأكيد على أهمية
العامل الاقتصادي
|
|
وحثّ الإمام (عليه السلام) على العمل
لكسب الرزق، والاستغناء عن الناس، حين حثّ على التجارة والزراعة والصناعة وعلى
تعلم الحرفة، وكان (عليه السلام) يعمل بنفسه ويرى أن في العمل طاعة لله، فعن
الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: إنَّ محمّد بن
المنكدر كان يقول: ما كنت أرى أنّ عليّ بن الحسين (عليه السلام) يدع خلفاً أفضل
منه، حتى رأيت ابنه محمد بن عليّ (عليه السلام) فأردت أن أعظه فوعظني، فقال له
أصحابه: بأي شيء وعظك ؟ قال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة، فلقيني
أبو جعفر محمد بن عليّ، وكان رجلاً بادناً ثقيلاً وهو متكئ على غلامين أسودين أو
موليين، فقلت في نفسي: سبحان الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال
في طلب الدنيا، أما والله لأعظنه، فدنوت منه فسلّمت عليه فردّ عليّ بنهر، وهو
يتصبّب عرقاً، فقلت: أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال
في طلب الدنيا أرأيت لو جاء أجلك وأنت على هذه الحال ما كنت تصنع ؟ |
|
التوازن بين طلب
الرزق وطلب المكارم
|
|
حثّ الإمام (ع) على العمل وطلب الرزق
كمقدمة للاستغناء عن الناس، وإشباع النفس والعيال لكي
يتفرغوا للهدف الكبير الذي خُلقوا من أجله وهو حمل الأمانة الإلهية، وتبليغها
للناس جميعاً، وتقرير أسسها وقواعدها في الواقع، فقد أراد من أتباعه التطلع إلى
أفق أعلى، والى اهتمامات أرفع لتكون القيم المعنوية هي الحاكمة على جميع
تصرفاتهم المالية، ولكي لا ينساقوا وراء الشهوات وينشغلوا بإشباعها، قال (ع): (إن أهل التقوى هم الأغنياء، أغناهم القليل من الدنيا،
فمؤنتهم يسيرة ... أخّروا شهواتهم ولذاتهم خلفهم)( تحف العقول: 209.). |
|
الموارد المالية
للجماعة الصالحة
|
|
الأول: الزكاة
|
|
الزكاة هي أحد الموارد المالية للجماعة الصالحة،
وهي عبادة اقتصادية أمر الله تعالى بها لإشباع الجياع وكسوتهم ورفع المستوى
المعاشي للفقراء والمحتاجين، وإيجاد التوازن بين الطبقات لكي لا يحدث تفاوت فاحش
بين مستويات الناس الاقتصادية، ولكي لا تتكدس الأموال عند طبقة معيّنة. |
|
الثاني: الخمس
|
|
حثّ الإمام (عليه السلام) على إعطاء الخمس لأنّه
فريضة ثابتة في الشريعة الإسلامية، وهي حقّ ثابت فمن لم يعطه فقد أكل حقاً، ومن
تصرّف به فقد تصرف بأموال ليست له، قال (عليه السلام): (من
اشترى شيئاً من الخمس لم يعذره الله، اشترى ما لا يحلّ له)( تهذيب الأحكام: 4 /
136.). |
|
التكافل داخل الجماعة
الصالحة
|
|
الجماعة
الصالحة لها كيانها المستقل ومواردها المستقلة التي سبق ذكرها، وإن إنفاق
الأموال في مواردها التي وضعها الله تعالى تؤدي إلى التكافل داخل الجماعة
الصالحة . أمّا مصرف الخمس فهو عائد للإمام قال (ع) : (والخمس لله وللرسول ولنا)( المصدر السابق : 1 /
539 .). والخمس ملك للإمام (عليه
السلام) باعتبار منصبه ، وليست ملكاً شخصياً له ، وقد دلت سيرة الإمام الباقر
(عليه السلام) وسيرة من سبقه من الأئمة (عليهم السلام) على ذلك ، فكانوا يأخذونه
وينفقونه لا على أنفسهم ، حيث كان ما ينفق على أنفسهم وعيالهم شيئاً يسيراً ،
بالقياس إلى ضخامة الأموال التي تُجبى إليهم ، ومع ذلك كان بعضهم محتاجاً ،
لأنّه كان ملكاً للمنصب وليس للشخص . |
|
تاسعاً : الإمام
الباقر (عليه السلام) والنظام الاجتماعي للجماعة الصالحة
|
|
النظام الاجتماعي للجماعة الصالحة هو
مصداق حقيقي للنظام الاجتماعي الإسلامي الذي أرسى دعائمه القرآن الكريم، وخاتم
المرسلين(صلَّى الله عليه وآله)، وهو قائم على أسس خلقية في التعامل والعلاقات،
وعلى رأسها حسن الخُلق، قال الإمام الباقر (عليه السلام): (إنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً)( الكافي : 2 / 99 .). |
|
1 ـ الأسرة
|
|
الأسرة هي المؤسسة الأولى والأساسية من بين
المؤسسات الاجتماعية المتعددة ، وهي المسؤولة عن رفد المجتمع بالعناصر الصالحة ،
وهي نقطة البدء التي تزاول إنشاء وتنشئة العنصر الإنساني . وقد وضع القواعد
الأساسية في تنظيمها وضبط شؤونها ، ابتداءً باختيار شريك الحياة المناسب على
أساس التديّن وحسن الخلق والانحدار من أسرة صالحة ، كما وضع برنامجاً للحقوق
والواجبات على كل من الزوجين، ومراعاتهما من قبلهما كفيل بإشاعة الاستقرار
والطمأنينة في أجواء الأسرة . |
|
2
ـ الأرحام
|
|
الأرحام هم كل من يرتبط بالأسرة بعلاقة نسبية وهم
الإخوان والأخوات والأعمام والأخوال، والأجداد، وسائر أفراد العشيرة القريبين
بالنسب أو البعيدين. لقد حثّ الإمام (عليه السلام) على صلتهم بزيارة أو لقاء،
وما يترتّب على هذه العلاقات من حقوق . وهم مقدّمون على غيرهم في الإحسان إليهم،
وإدخال السرور في قلوبهم، ومساعدتهم في حلّ مشاكلهم. |
|
3
ـ الجيران
|
|
أكّد الإمام (عليه السلام) على حسن التعامل مع
الجيران فقال: (قرأت في كتاب عليّ (عليه السلام): أن
رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) كتب بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من
أهل يثرب، أن الجار كالنفس غير مضار ولا إثم، وحرمة الجار على الجار كحرمة أمه)( وسائل الشيعة: 12 /
126.). |
|
4
ـ أفراد الجماعة الصالحة
|
|
النظام الاجتماعي في داخل الجماعة الصالحة يقوم على
أساس وحدة التصورات والمبادئ، ووحدة الموازين والقيم، ووحدة الشرائع والقوانين،
ووحدة الأوضاع والتقاليد، لأنّ مجموع الجماعة الصالحة تتلقى منهج حياتها من جهة
واحدة وهي أهل البيت (عليهم السلام)، وتجمعها وحدة الطريقة التي تتلقى بها،
ووحدة المنهج الذي تفهم به ما تتلقى من أفكار وعواطف وممارسات. |
|
5 ـ مجتمع المسلمين
|
|
الإسلام هو الأفق الواسع الجامع لمن
شهد الشهادتين، وهو الميدان الرحب لتجميع الطاقات وتوحيد الإمكانات لتنطلق في
مصالح واحدة ومصير واحد، ولهذا فالإسلام محوره وحدوده مجتمع المسلمين جميعاً. |
|
عاشراً: الإمام
الباقر (عليه السلام) ومستقبل الجماعة الصالحة
|
|
من أهم مقومات نجاح مسيرة الجماعات
وجود قيادة تقوم بالإشراف على حركتها التكاملية، وتتبنى التغيير الشامل، وتقوم
بتنسيق البرامج والخطط، وتشرف على تنفيذها في الواقع، وتمدّها بالقوة الروحية
والشحنة المعنوية للوصول إلى أهدافها وآمالها، والقيادة في منهج أهل البيت
(عليهم السلام) هي قيادة ربّانية نصّ عليها الله تعالى وأبلغها لرسوله (صلَّى
الله عليه وآله) وأبلغها رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه
السلام) وتتدرج الوصية من إمام إلى إمام حتى تصل إلى خاتم الأوصياء والأئمة
(عليهم السلام). |
|
الفصل
الثاني:
اغتيال الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) واستشهاده
|
|
ولم يمت الإمام أبو جعفر (عليه السلام) حتف أنفه،
وإنما اغتالته بالسم أيد أموية أثيمة لا تؤمن بالله، ولا باليوم الآخر، وقد
اختلف المؤرخون في الأثيم الذي أقدم على اقتراف هذه الجريمة. |
|
دوافع اغتيال الإمام
الباقر (عليه السلام):
|
|
أما الأسباب التي أدت بالأمويين إلى
اغتيال الإمام (عليه السلام) فهي: |
|
1 ـ سمو شخصية الإمام الباقر (عليه
السلام):
|
|
لقد كان الإمام أبو جعفر (عليه السلام)
أسمى شخصية في العالم الإسلامي فقد أجمع المسلمون على تعظيمه، والاعتراف له
بالفضل، وكان مقصد العلماء من جميع البلاد الإسلامية. |
|
2
ـ أحداث دمشق:
|
|
لا يستبعد الباحثون والمؤرخون أن تكون
أحداث دمشق سبباً من الأسباب التي دعت الأمويين إلى اغتياله (ع) وذلك لما يلي: |
|
نصّه
على الإمام الصادق (عليه السلام):
|
|
ونصّ الإمام أبو جعفر (ع)
على الإمام من بعده قبيل استشهاده فعيّن الإمام
الصادق(ع) مفخرة هذه الدنيا، ورائد الفكر والعلم في الإسلام، وجعله مرجعاً عاماً
للأمة من بعده، وأوصى شيعته بلزوم اتباعه وطاعته. |
|
وصاياه:
|
|
وأوصى الإمام محمد الباقر (ع) إلى ولده الإمام جعفر الصادق (عليه
السلام) بعدة وصايا كان من بينها ما يلي: |
|
تعزية المسلمين
للإمام الصادق (عليه السلام):
|
|
هرع
المسلمون وقد قطع الحزن قلوبهم إلى الإمام الصادق (ع) وهم يعزونه بمصابه الأليم،
ويشاركونه اللوعة والأسى بفقد أبيه، وممن وفد عليه
يعزيه سالم بن أبي حفصة، قال: لما توفي أبو جعفر
محمد بن علي الباقر (ع) قلت لأصحابي انتظروني حتى أدخل على أبي عبد الله
جعفر بن محمد فأعزيه به، فدخلت عليه فعزيته، وقلت له: إنا لله وإنا إليه راجعون،
ذهب والله من كان يقول [قال:] رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، فلا يسأل عمن
بينه وبين رسول الله (ص)، والله لا يرى مثله أبداً ! قال: وسكت الإمام أبو عبد الله (ع) ساعة، ثم التفت إلى أصحابه
فقال لهم: قال الله تعالى: إن من عبادي من يتصدق بشق
من تمرة فاربيها له، كما يربي أحدكم فلوه)( الفلو بفتح الفاء، وضم اللام وتشديد الواو ـ المهر الصغير،
والاثنى فلوة، والجمع أفلا.). |
|
الفصل
الثالث:
تراث الإمام محمّد الباقر (عليه السلام)
|
|
علمنا أن الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) قد
تنبّأ بأن حفيده محمد بن علي ابن الحسين (عليه السلام) سوف يبقر العلم بقراً
ويفجره تفجيراً. |
|
التراث التفسيري
للإمام محمد الباقر (عليه السلام)
|
|
لا
ريب في أن القرآن الكريم هو أول مصادر التشريع الإسلامي وأهم مصادر الثقافة
الإسلامية التي تعطي للأمة الإسلامية وللرسالة الإلهية هويّتها الخاصة وتسير
بالأمة إلى حيث الكمال الإنساني المنشود. وقال السيد حسن الصدر: وقد رواه عنه
أيام استقامته جماعة من ثقاة الشيعة منهم أبو
بصير يحيى بن القاسم الأسدي، وقد أخرجه علي بن إبراهيم بن هاشم القمي في تفسيره
من طريق أبي بصير(تأسيس
الشيعة لعلوم الإسلام: 327، الفهرست للشيخ الطوسي: 98، وحقق هذا التفسير المحامي
السيد شاكر الغرباوي إلاّ إنه لم يقدمه للنشر .). |
|
نماذج
من تفسيره:
|
|
1 ـ فسّر
الإمام الباقر(عليه السلام) الهداية في قوله تعالى:
(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى)( طه (20): 82.) بالولاية لأئمة أهل البيت حين قال: فو الله لو أن رجلاً عبد الله عمره ما بين الركن والمقام،
ولم يجيء بولايتنا إلاّ أكبه الله في النار على وجهه)( مجمع البيان: 7 / 23
طبع بيروت.). |
|
التراث الحديثي للإمام الباقر (عليه السلام): |
|
يعدّ الحديث النبوي الشريف المصدر الثاني من مصادر
التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، وله أهميته البالغة ودوره الكبير في بناء
الصرح الثقافي للأمة الإسلامية بشكل عام وبناء الصرح الفقهي والتشريع العملي
للحياة الإنسانية بشكل خاص. |
|
التراث الكلامي عند
الإمام الباقر (عليه السلام):
|
|
وبحث الإمام أبو جعفر في كثير من
محاضراته المسائل الكلامية، وسئل عن أعقد المسائل وأدقها في بحوث هذا العلم
فأجاب عنها. |
|
1 ـ عجز العقول عن إدراك حقيقة الله:
|
|
سئل
(ع) عن قوله تعالى: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ
وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ)( الأنعام (6): 103.)فقال
(عليه السلام): (أوهام القلوب أدق من أبصار العيون،
أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها، ولا تدركها ببصرك.
وأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون ؟!)( نسب هذا الحديث إلى الإمام الجواد (ع).). |
|
2 ـ أزلية واجب الوجود:
|
|
سأله رجل فقال له: أخبرني عن ربك متى كان ؟ فأجابه الإمام(عليه
السلام): (ويلك! إنما يقال لشيء لم يكن، متى كان
؟ إن ربي تبارك وتعالى كان ولم يزل حياً بلا كيف، ولم يكن له كان، ولا كان لكونه
كون. كيف! ولا كان له أين، ولا كان في شيء، ولا كان على شيء، ولا ابتدع لمكانه
مكاناً، ولا قوي بعدما كوّن الأشياء، ولا كان ضعيفاً قبل أن يكوّن شيئاً، ولا
كان مستوحشاً قبل أن يبتدع شيئاً، ولا يشبه شيئاً مذكوراً، ولا كان خلواً من
الملك قبل إنشائه، ولا يكون منه خلواً بعد ذهابه، لم يزل حياً بلا حياة، وملكاً
قادراً قبل أن ينشىء شيئاً، وملكاً جباراً بعد إنشائه للكون، فليس لكونه كيف ولا
له أين، ولا له حد، ولا يعرف بشيء يشبهه، ولا يهرم لطول البقاء، ولا يصعق(يصعق: أي يهلك، ويضعف.) لشيء، بل لخوفه تصعق
الأشياء كلها. كان حياً بلا حياة حادثة، ولا كون موصوف ولا كيف محدود، ولا أين
موقوف عليه، ولا مكان جاور شيئاً، بل حي يعرف، وملك لم يزل له القدرة والملك،
أنشأ ما شاء حين شاء بمشيئته، لا يحد ولا يبعض، ولا يفنى، كان أولاً بلا كيف،
ويكون آخراً بلا أين، وكل شيء هالك إلاّ وجهه، له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين. |
|
3 ـ وجوب طاعة الإمام (عليه السلام):
|
|
طاعة الإمام واجب ديني أعلنه القرآن
الكريم بقوله تعالى: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)( النساء (4): 59.)
وتواترت الأخبار بذلك، وروى زرارة عن أبي جعفر (ع) أنه قال: (ذروة الأمر وسنامه، ومفتاحه، وباب الأشياء، ورضا الرحمن
تبارك وتعالى، الطاعة للإمام بعد معرفته ... إن الله تبارك وتعالى يقول: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ
تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً))( أصول الكافي: 1 / 185.). |
|
التراث التاريخي
للإمام الباقر (عليه السلام)
|
|
وتحدث الإمام أبو جعفر الباقر (ع) كثيراً عن حكم
الأنبياء وسننهم ولا سيَّما السيرة النبوية المباركة وتأريخ العصر النبوي، وقد
نقل عنه المختصون بهذه البحوث الشيء الكثير، وفيما يلي
بعضها: |
|
1 ـ من وحي الله لآدم:
|
|
عرض الإمام (عليه السلام) لأصحابه ما أوحى الله به
لآدم من الحكم ومعالي الأخلاق فقال (عليه السلام): (أوحى
الله تبارك وتعالى لآدم إني أجمع لك الخير كله في أربع كلمات: واحدة منهن لي،
وواحدة لك، وواحدة فيما بيني وبينك، وواحدة فيما بينك وبين الناس، فأما التي لي
فتعبدني، ولا تشرك بي شيئاً، وأما التي لك فأجازيك بعملك في وقت أحوج ما تكون
إليه وأما التي بيني وبينك فعليك الدعاء وعليَّ الإجابة، وأما التي بينك وبين
الناس فترضى للناس ما ترضى لنفسك)( أمالي الصدوق: 544 .) |
|
2 ـ حكمة لسليمان:
|
|
وحكي (ع) لأصحابه حكمة رائعة لنبي الله
سليمان بن داود فقال (ع): (قال سليمان بن داود:
أوتينا ما أوتي الناس، وما لم يؤتوا، وعلمنا ما علم الناس وما لم يعلموا، فلم
نجد شيئاً أفضل من خشية الله في الغيب والمشهد، والقصد في الغنى والفقر، وكلمة
الحق في الرضا والغضب، والتضرع إلى الله عَزَّ وجَلَّ في كل حال)( الخصال: 219.). |
|
3
ـ حكمة في التوراة:
|
|
ونقل (عليه السلام) لأصحابه حكمة
مكتوبة في التوراة فقال (عليه السلام): (إنّ في
التوراة مكتوباً يا موسى إني خلقتك، واصطفيتك، وقويتك، وأمرتك بطاعتي ونهيتك عن
معصيتي فإن أطعتني أعنتك على طاعتي، وان عصيتني لم أعنك على معصيتي، يا موسى ولي
المنة عليك في طاعتك لي، ولي الحجة عليك في معصيتك لي)( أمالي الصدوق: 274.). |
|
4 ـ تسمية نوح بالعبد الشكور:
|
|
روى محمد بن مسلم عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام)
أنه قال: (إنّ نوحاً إنما سمي عبداً شكوراً لأنه كان
يقول إذا أمسى وأصبح: اللهم إني أشهدك أنه ما أُمسي وأصبح بي من نعمة أو عافية
في دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد والشكر بها عليّ حتى ترضى)( علل الشرائع: 29.). |
|
5 ـ دعاء نوح على قومه:
|
|
سأل سدير الإمام أبا جعفر (عليه
السلام) عن دعاء نوح على قومه فقال له: |
|
6 ـ إسماعيل أول من تكلم بالعربية:
|
|
ونقل الإمام أبو جعفر (عليه السلام) لأصحابه أنّ
نبيّ الله إسماعيل هو أول من فتق لسانه باللغة العربية، بقوله (ع): (أول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل، وهو ابن عشر
سنة)(
البيان والتبيين: 3 / 290.). |
|
7 ـ نفي الأُمية عن النبي الأكرم(صلَّى
الله عليه وآله):
|
|
روى علي بن أسباط فقال: قلت لأبي
جعفر(عليه السلام): إن الناس يزعمون أن رسول الله (ص) لم يكتب، ولم يقرأ! فأنكر
(عليه السلام) ذلك وقال: |
|
مع السيرة النبوّية
المبارك:
|
|
1 ـ استعارة النبي(صلَّى
الله عليه وآله) السلاح من صفوان: |
|
مع سيرة الإمام عليّ
(عليه السلام):
|
|
رائد الحق والعدالة بعد رسول الله(صلَّى الله عليه
وآله) وإليك نموذجاً من ما رواه: |
|
من الملاحم التي أخبر
عنها الإمام الباقر (عليه السلام):
|
|
1 ـ قال أبو جعفر الدوانيقي:
كنت هارباً من بني أمية أنا وأخي أبو العباس فمررنا بمسجد النبي(صلَّى الله عليه
وآله) ومحمد بن علي جالس، فقال(عليه السلام) لرجل إلى جانبه: كأني بهذا الأمر قد
صار إلى هذين، وأشار إلينا، فجاء الرجل وأخبرنا بمقالته، فملنا إليه وقلنا له:
يابن رسول الله! ما الذي قلت ؟ فقال (عليه السلام): (هذا
الأمر صائر إليكم عن قريب ولكنكم تسيئون إلى ذريتي، وعترتي فالويل لكم)( دلائل الإمامة: 96.). فكان كما أخبر (عليه السلام) وقد أساء المنصور
حينما ولّي الخلافة إلى ذريّة رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) وعترته، فنكّل
بهم كأفظع ما يكون التنكيل وقد قاست عترة رسول الله(ص) في عهد هذا الطاغية من
صنوف العذاب ما لم تره عين في عهد الأمويين فقد كانت أيامه عليهم كلها محنة
وألماً وعذاباً. |
|
من التراث الفقهي
للإمام الباقر(عليه السلام)
|
|
وتحدث الإمام أبو جعفر (عليه السلام)عن
حكم القتال والحرب في الإسلام حينما سأله رجل من شيعته عن حروب الإمام أمير
المؤمنين علي(عليه السلام) فقال له: |
|
المسح على الخفين:
|
|
الكتاب المسح على الخفين)( روضة الواعظين: 243، وهذا النصّ يفيد أنّ الكتاب لا يوافق المسح على
الخفّين.). مس الفرج لا ينقض الوضوء: وذهب
الشافعي إلى أنّ مسّ الفرج من نواقض الوضوء، وتمسّك بذلك بما روي عن ابن عمر
وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وعائشة وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار من أن مسّ
الفرج من نواقض الوضوء. أما الإمام أبو جعفر (عليه السلام) وسائر أئمة أهل البيت
(عليهم السلام) فإنهم لا يرون ذلك، فقد روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه
قال: (ليس في القُبلة ولا المباشرة، ولا مس الفرج
وضوء)(
الخلاف: 1 / 23.). |
|
من وصايا الإمام
الباقر (عليه السلام)
|
|
وزوّد
الإمام أبو جعفر (عليه السلام) تلميذه العالم جابر بن يزيد الجعفي بهذه الوصية
الخالدة الحافلة بجميع القيم الكريمة والمثل العليا التي يسمو بها الإنسان فيما
لو طبقها على واقع حياته، وهذا بعض ما جاء فيها: |
|
|
|
|
اعلام
الهداية
|
|
الإمام
محمد بن علي الباقر (عليه السلام)
|
|
أعلام
الهداية المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) |
|
أهل البيت في القرآن الكريم |
|
أهل البيت في السنة النبويّة |
|
فهرس إجمالي
|
|
الباب الأول: |
|
المقدمة
|
|
الحمد
لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، ثم الصلاة والسلام على من اختارهم هداةً
لعباده، لا سيَّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمد
(صلَّى الله عليه وآله) وعلى آله الميامين النجباء. (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)(الأنعام
(6): 71). (وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(البقرة
(2): 213). (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)(الأحزاب
(33): 4). (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ)(آل عمران (3): 101). (قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ
أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ
كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(يونس (10): 35). (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ
مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(سبأ
(34): 6). (ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من الله)(القصص
(28):50). فالله
تعالى هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان
إلى الصراط المستقيم وإلى الحقّ القويم. وهذه الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم. ولقد
أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى
الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال، ومن هنا قال تعالى:(وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ)(الذاريات
(51): 56). وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، كانت المعرفة
والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال. وبعد
أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال;
لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة; والهوى الناشئ منهما، والملازم لهما فمن
هنا احتاج الإنسان ـ بالإضافة إلى عقله وسائر أدوات المعرفة ـ إلى ما يضمن له
سلامة البصيرة والرؤية; كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة الهداية، وتتوفّر لديه
كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو طريق الشرّ والشقاء بملء
إرادته. 2 ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى البشرية
ولمن أرسلوا إليه، ويتوقّف الإبلاغ على الكفاءة التامّة التي تتمثّل في
(الاستيعاب والإحاطة اللازمة) بتفاصيل الرسالة وأهدافها ومتطلّباتها، و (العصمة) عن الخطأ والانحراف معاً، قال تعالى:(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ
النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)(البقرة
(2): 213). وقد
سلك الأنبياء السابقون وأوصياؤهم المصطفون طريق الهداية الدامي، واقتحموا سبيل
التربية الشاقّ، وتحمّلوا في سبيل أداء المهامّ الرسالية كلّ صعب، وقدّموا في
سبيل تحقيق أهداف الرسالات الإلهية كلّ ما يمكن أن يقدّمه الإنسان المتفاني في
مبدئه وعقيدته، ولم يتراجعوا لحظة، ولم يتلكّأوا طرفة عين. أ ـ أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق
الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين يتربّصون بها الدوائر. ب ـ أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة
باستمرار الأجيال; على يد مربٍّ كفوء علمياً ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في
الخلق والسلوك كالرسول (صلَّى الله عليه وآله)،
يستوعب الرسالة ويجسّدها في كل حركاته وسكناته. فأخذ الأئمة
المعصومون (عليهم السلام) يعملون على توعية الأمة وتحريك طاقتها باتجاه إيجاد
وتصعيد الوعي الرساليِّ للشريعة ولحركة الرسول (صلَّى الله عليه وآله) وثورته
المباركة، غير خارجين عن مسار السنن الكونية التي تتحكّم في سلوك القيادة والأمة
جمعاء. وتبلورت
حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم على نهج الرسول العظيم وانفتاح الأمة عليهم
والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم،
فكانوا هم الأدلاّء على الله وعلى مرضاته، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين
في محبّته، والذائبين في الشوق إليه، والسابقين إلى تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ المنشود. ولا
يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا بجميع زوايا حياتهم العطرة ويدّعوا دراستها
بشكل كامل، ومن هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما هي إعطاء قبسات من حياتهم، ولقطات
من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها المؤرّخون واستطعنا اكتشافها من خلال
مصادر الدراسة والتحقيق، عسى الله أن ينفع بها إنّه وليّ التوفيق. إنّ
دراستنا لحركة أهل البيت (ع) الرسالية تبدأ برسول الإسلام وخاتم الأنبياء محمد
بن عبد الله (ص) وتنتهي بخاتم الأوصياء، محمد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر
عجّل الله تعالى فرجه وأنار الأرض بعدله. ويختصّ هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام محمد بن علي الباقر(عليه
السلام)، خامس أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وهو المعصوم السابع من أعلام
الهداية الذي جسد الكمالات النبوية في العلم والهداية
والعمل والتربية وتوسّعت بجهوده العلمية الجبارة مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)
واتّضحت معالمها وأينعت ثمارها ولا زلنا نتفيّأ ظلالها حتى عصرنا هذا. ولا
بدَّ لنا من تقديم الشكر إلى كل الإخوة الأعزّاء الذين بذلوا جهداً وافراً
وشاركوا في إنجاز هذا المشروع المبارك وإخراجه إلى عالم النور، لا سيَّما أعضاء
لجنة التأليف بإشراف سماحة السيد منذر الحكيم (حفظه الله تعالى). للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) قم
المقدسة |
|
الباب
الأول:
|
|
فيه فصول: |
|
الفصل
الأول:
الإمام محمد الباقر (عليه السلام) في سطور
|
|
* الإمام محمد الباقر (ع) هو خامس الأئمة الأطهار
الذين نصّ عليهم رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) ليخلفوه في قيادة الأمة
الإسلامية ويسيروا بها إلى شاطئ الأمن والسلام الذي قدّر الله لها في ظلال قيادة
المعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. * لقد عاش الإمام محمّد الباقر(عليه السلام) طيلة حياته في المدينة
يفيض من علمه على الأمة المسلمة، ويرعى شؤون
الجماعة الصالحة التي بذر بذرتها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وربّاها
الإمام علي ثمّ الإمامان الحسن والحسين(عليهم السلام) كما غذّاها من بعدهم أبوه
علي بن الحسين (عليهما السلام) مقدّماً لها كل مقوّمات تكاملها وأسباب رشدها
وسموّها. لقد عانى الإمام الباقر من ظلم الأمويين منذ أن ولد وحتى استشهد،
ما عدا فترة قصيرة جدّاً هي مدّة خلافة عمر بن عبد
العزيز التي ناهزت السنتين والنصف. |
|
الفصل
الثاني:
انطباعات عن شخصية الإمام محمّد الباقر(عليه السلام)
|
|
1 ـ قال له الأبرش الكلبي : أنت ابن رسول
الله حقاً. ثم صار إلى هشام فقال: دَعُونا منكم يا بني أمية; إن هذا أعلم أهل
الأرض بما في السماء والأرض، فهذا ولد رسول الله(المناقب: 2 / 286.). يا باقر العلم لأهل التقى = وخير من لبّى على الأجبُل (الأئمة الاثنا عشر: 81 .) 10 ـ قال محمد بن طلحة الشافعي:
هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه، ومنمّق درّه وواضعه. صفا قلبه، وزكا
علمه، وطهرت نفسه، وشرفت أخلاقه، وعمرت بطاعة الله أوقاته، ورسخت في مقام التقوى
قدمه، وظهرت عليه سمات الازدلاف، وطهارة الاجتباء(مطالب السؤول: 80، كشف الغمة: 2/329 والصواعق المحرقة: 304 مع
اختلاف يسير.). |
|
الفصل
الثالث:
مظاهر من شخصية الإمام محمد الباقر(عليه السلام)
|
|
لقد توفرت في شخصية الإمام أبي جعفر (ع) جميع
الصفات الكريمة التي أهّلته لزعامة هذه الأمة. |
حلمه:
|
|
كان الحلم من أبرز صفات الإمام أبي جعفر (عليه
السلام) فقد أجمع المؤرخون على أنه لم يسيء إلى من ظلمه واعتدى عليه، وإنما كان
يقابله بالبر والمعروف، ويعامله بالصفح والإحسان، وقد رووا صوراً كثيرة عن عظيم
حلمه، كان منها: |
|
صبره:
|
|
|
لقد كان الصبر من الصفات الذاتية للأئمة الطاهرين من أهل البيت(ع) فقد صبروا على مكاره الدهر، ونوائب
الأيام، وصبروا على تجرّع الخطوب التي تعجز عن حملها الجبال، فقد استقبل الإمام
الحسين على صعيد كربلاء أمواجاً من المحن الشاقة التي تذهل كل كائن حي، مترنّماً
بقوله(ع): (صبراً على قضائك يا رب، لا معبود سواك). |
|
كرمه وسخاؤه:
|
|
الكرم من أوضح الفضائل والمكارم لأئمة أهل البيت (ع)
فقد بسطوا أيديهم بسخاء نادر إلى الفقراء والسائلين، وفيهم
يقول الشاعر: لو كان يوجد عرف مجد قبلهم =
لوجدته منهم على أميال (الفصول المهمة: 227.) لقد فطر الإمام محمّد الباقر(عليه
السلام) على حب الخير وصلة الناس وإدخال السرور عليهم. |
|
عبادته:
|
|
كان الإمام أبو جعفر الباقر (ع) من أئمة
المتقين في الإسلام، فقد عرف الله معرفة استوعبت دخائل
نفسه، فأقبل على ربه بقلب منيب، وأخلص في طاعته كأعظم ما يكون الإخلاص. أما
مظاهر عبادته فيمكن الإشارة إلى بعضها كما يلي: أ ـ خشوعه في صلاته:
فقد عرف عنه أنه كان إذا أقبل على الصلاة اصفرّ لونه(راجع تاريخ ابن عساكر: 51 / 44.) خوفاً من الله وخشية منه، ولا غرو في ذلك فقد
عرف عظمة الله تعالى، الذي فطر الكون ووهب الحياة، فعبده عبادة المتقين
المنيبين. |
|
حجه:
|
|
وكان الإمام أبو جعفر (عليه السلام)
إذا حجّ البيت الحرام انقطع إلى الله وأناب إليه وظهرت عليه آثار الخشوع
والطاعة، وقد قال مولاه أفلح: حججت مع أبي جعفر محمد الباقر فلما دخل إلى المسجد
رفع صوته بالبكاء فقلت له: (بأبي أنت وأمي إن الناس ينتظرونك فلو خفضت صوتك
قليلاً). وحج (عليه السلام) مرة وقد احتفّ به الحجيج، وازدحموا
عليه وهم يستفتونه عن مناسكهم ويسألونه عن أمور دينهم، والإمام يجيبهم. وبهر
الناس من سعة علومه حتّى أخذ بعضهم يسأل بعضاً عنه فانبرى إليهم واحد من أصحابه
فعرّفه قائلاً: (ألا إنّ هذا باقر علم الرسل، وهذا
مبيّن السبل، وهذا خير من رسخ في أصلاب أصحاب السفينة، هذا ابن فاطمة الغرّاء
العذراء الزهراء، هذا بقية الله في أرضه، هذا ناموس الدهر، هذا ابن محمّد وخديجة
وعلي وفاطمة، هذا منار الدين القائمة)( مناقب ابن شهرآشوب: 4 / 183.). |
|
مناجاته مع الله
تعالى:
|
|
كان الإمام (ع) يناجي الله تعالى في غَلَس الليل
البهيم، وكان مما يقوله في مناجاته: (أمرتني فلم
أئتمر، وزجرتني فلم أزدجر، هذا عبدك بين يديك)( حلية الأولياء: 3 / 186، ترجمة محمّد بن علي الباقر(ع)، رقم
235; صفة الصفوة: 2 / 63.). |
|
ذكره لله تعالى: |
|
لقد كان دائم الذكر لله تعالى، وكان لسانه يلهج
بذكر الله في أكثر أوقاته، فكان يمشي ويذكر الله، ويحدّث القوم وما يشغله ذلك عن
ذكره تعالى. وكان يجمع ولده ويأمرهم بذكر الله حتى تطلع الشمس، كما كان يأمرهم
بقراءة القرآن، ومن كان لا يقرأ منهم كان يأمره بذكر الله تعالى(في رحاب أئمة أهل البيت
(عليهم السلام): 4 / 6.). |
زهده في الدنيا:
|
|
وزهد الإمام أبو جعفر (ع)
في جميع مباهج الحياة وأعرض عن زينتها فلم يتخذ الرياش في داره، وإنما كان يفرش
في مجلسه حصيراً (دعائم
الإسلام: 2 / 158.). |
|
الباب
الثاني:
|
|
فيه فصول: |
|
|
الفصل
الأول:
نشأة الإمام محمّد بن علي الباقر (عليه السلام)
|
|
لقد
ازدهرت الحياة الفكرية والعلمية في الإسلام بهذا الإمام العظيم الذي التقت فيه
عناصر الشخصيّة من السبطين الحسن والحسين (عليهما السلام)، وامتزجت به تلك
الأصول الكريمة والأصلاب الشامخة، والأرحام المطهَّرة، التي تفرّع منها. وكانت
من سيدات نساء بني هاشم، وكان الإمام زين العابدين (ع)
يسميها الصديقة (عن الدر النظيم من مصورات مكتبة
الإمام أمير المؤمنين تسلسل (2879).)
ويقول فيها الإمام أبو عبد الله الصادق(عليه السلام):
(كانت صديقة لم تدرك في آل الحسن مثلها)( أصول الكافي: 1 / 469.) وحسبها سموّاً أنها بضعة من ريحانة رسول الله،
وأنها نشأت في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، ففي حجرها الطاهر تربى الإمام الباقر (ع). |
|
المولود المبارك:
|
|
وأشرقت
الدنيا بمولد الإمام الزكي محمد الباقر (ع) الذي
بشّر به النبي (ص) قبل ولادته، وكان أهل البيت (ع)
ينتظرونه بفارغ الصبر لأنه من أئمة المسلمين الذين نص عليهم النبي (صلَّى
الله عليه وآله) وجعلهم قادة لاُمته، وقرنهم بمحكم التنزيل وكانت ولادته في يثرب في اليوم الثالث من شهر صفر سنة ( 56 هـ
)( وفيات الأعيان:
3 / 314، تذكرة الحفاظ: 1 / 124.)
وقيل سنة ( 57 هـ ) في غرة رجب يوم الجمعة(دلائل
الإمامة: 94.)وقد ولد قبل استشهاد جده الإمام الحسين (عليه السلام) بثلاث
سنين(أخبار الدول:
111، وفيات الأعيان: 3 / 314.) وقيل
بأربع سنين كما أدلى (عليه السلام) بذلك(تأريخ اليعقوبي: 2 / 320.)
وقيل بسنتين وأشهر(عن
عيون المعجزات للحسين بن عبد الوهاب من مخطوطات مكتبة الإمام الحكيم تسلسل
(975).). |
|
ألقابه الشريفة:
|
|
وقد دلّت على ملامح من شخصيته العظيمة وهي: 1
ـ الأمين. وهذا من أكثر ألقابه ذيوعاً وانتشاراً، وقد لقب هو
وولده الإمام الصادق بـ ( الباقرين ) كما لقبا بـ ( الصادقين ) من باب التغليب(عن جامع المقال للشيخ
الطريحي.). |
|
ملامحه:
|
|
كانت ملامح الإمام محمّد الباقر(ع)
كملامح رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وشمائله(أصول الكافي: 1 / 469.)
وكما شابه جده النبيّ (ص) في معالي أخلاقه التي امتاز بها على سائر النبيين فقد
شابهه في هذه الناحية أيضاً. |
|
الفصل
الثاني:
مراحل حياة الإمام محمّد الباقر (عليه السلام)
|
|
تنقسم حياة الإمام محمد الباقر(ع) ـ على
غرار سائر الأئمة المعصومين(ع) ـ إلى مرحلتين متميزتين: |
|
الفصل
الثالث:
الإمام محمّد الباقر (ع) في ظلّ جدّه وأبيه (عليهما السلام)
|
|
مرّ الإمام الباقر (عليه السلام) بمرحلة رافقت
الكثير من الأحداث والظواهر في ظلّ جده وأبيه (ع)
ويمكن تلخيصها بالشكل التالي: 1 ـ عاش الإمام الباقر (عليه السلام) في ظلّ جدّه الحسين (عليه
السلام) منذ ولادته وحتى الرابعة
من عمره الشريف وقد مكنه ذلك من الإطلاع على الأحداث والوقائع الاجتماعية
والسياسية وإدراك طبيعة سيرها وفهم اتجاه حركتها بما أوتي من ذكاء وفهم منذ
صباه. 2 ـ وعاصر الإمام الباقر (عليه السلام) في سنة ( 63 هـ ) واقعة الحرّة التي ثار فيها أهل المدينة على
حكم يزيد وهو في السادسة من عمره الشريف، حيث شاهد نقض أكابر أهل المدينة
وفقهائها لبيعة يزيد الفاجر(تاريخ الخميس: 2 / 300.)
ورأى مدينة جدّه عندما أباحها يزيد لجيشه الجاهلي ثلاثة أيّام متواليات يقتلون
أهلها، وينهبون أموالهم ويهتكون أعراضهم(الكامل في التاريخ: 4 / 113 .). 3 ـ عاصر الإمام الباقر (عليه السلام) في هذه المرحلة من حياته الانحرافَ
الفكريَ الذي تسبب الأمويون في إيجاده مثل بثّهم
للعقائد الباطلة كالجبر والتفويض والإرجاء خدمةً لسلطانهم; لأن هذه المفاهيم
تستطيع أن تجعل الأمة مستسلمة للحكام الطغاة ما دامت تبررّ طغيانهم وعصيانهم
لأوامر الله ورسوله. 4 ـ ومن الظواهر التي عاصرها الإمام محمّد الباقر(عليه السلام) وهو في ظلّ أبيه السجّاد (عليه السلام) ظاهرة الانحراف السياسي وتتمثل
في تحويل الأمويين للخلافة إلى ملك عضوض يتوارثه الأبناء عن الآباء، ويوزّعون
فيه المناصب الحكومية على ذويهم وأقاربهم.لقد عاش (عليه
السلام) محنة عداء الأمويين للعلويين والذي تمثل في ظاهرة سبّهم لجدّه الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) على المنابر طيلة
ستة عقود. |
|
الباب
الثالث
|
|
فيه فصول: |
|
الفصل
الأول:
جهاد أهل البيت (عليهم السلام) ودور الإمام الباقر (عليه السلام)
|
|
ترتكز
العملية التربوية على ثلاثة عناصر أساسية هي: المربي والنظام التربوي والمتربّي.
وحينما تفتقد العملية التربوية المربّي الكفوء أو النظام التربوي الصالح فإنها
سوف تنحرف ولا تؤتي ثمارها الصالحة. والخطّان الرئيسان اللذان عمل الأئمة(عليهم السلام) عليهما وكان
عليهم أن يوظّفوا لذلك نشاطهم يتمثّلان في: 1 ـ خط تحصين الأمة ضد الانهيار بعد وقوع
التجربة، بأيدي أناس غير مؤهّلين لقيادتها، وإعطائها القدر الكافي من المقومات
لكي تواصل مسيرتها في الاتجاه الصحيح، وبقدم راسخة . 2 ـ
خط محاولة تسلّم زمام التجربة وزمام الدولة ومحو آثار الانحراف وإرجاع القيادة
الكفوءة إلى موضعها الطبيعي لتكتمل عناصر التربية ولتتلاحم الأمة والمجتمع مع
الدولة والقيادة الرشيدة(أهل البيت، تنوع أدوار ووحدة هدف: 59.). |
|
مراحل حركة الأئمة من
أهل البيت (عليهم السلام):
|
|
وإذا
رجعنا إلى تاريخ أهل البيت (عليهم
السلام) والظروف المحيطة بهم ولاحظنا سلوكهم ومواقفهم العامة والخاصة استطعنا أن
نصنّف ظروفهم ومواقفهم إلى مراحل وعصور ثلاثة يتميز بعضها عن بعض بالرغم من
اشتراكهم في كثير من الظروف والمواقف ولكن الأدوار تتنوع باعتبار مجموعة الظواهر
العامة التي تشكل خطّاً فاصلاً ومميّزاً لكل عصر. |
|
الفصل
الثاني:
وقائع وأحداث هامة في عصر الإمام الباقر (عليه السلام)
|
|
إذا
أردنا أن نقف على ملامح المرحلة التي مارس فيها الإمام الباقر(عليه السلام)
قيادته للأمة الإسلامية بعد والده الإمام زين العابدين(عليهما السلام) وجب أن نقف
على أهم الأحداث التي مهّدت لتلك المرحلة ونلاحظ مدى علاقتها بالإمام
الباقر(عليه السلام) كمرشّح للقيادة في حياة والده وممارس لها بعد ذلك. وقال المؤرخون:
إن خير وسيلة للتقرب إلى الحجاج كانت انتقاص الإمام أمير المؤمنين(ع) عنده فقد
أقبل إليه بعض المرتزقة من أوغاد الناس وأجلافهم وهو
رافع عقيرته قائلاً: أنا ابن جلا وطلاع الثنايا = متى أضع العمامة تعرفوني ومن جرائم هذا الطاغية:
أنه قاد جيشاً مكثفاً إلى مكة لمحاربة ابن الزبير، وقد حاصر البيت الحرام ستة
أشهر وسبع عشرة ليلة، وقد أمر برمي الكعبة المشرفة فرميت من جبل أبي قبيس
بالمنجنيق(تهذيب
تاريخ دمشق لابن عساكر: 4/50، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 84، تاريخ ابن كثير: 9/63.). |
|
الإمام الباقر(عليه
السلام) مع عبد الملك بن مروان:
|
|
أوعز عبد الملك إلى عامله على يثرب باعتقال الإمام
محمّد الباقر(عليه السلام) وإرساله إليه مخفوراً، وتردد عامله في إجابته ورأى أن
من الحكمة إغلاق ما أمر به فأجابه بما يلي: |
|
الإمام الباقر(عليه
السلام) وتحرير النقد الإسلامي:
|
|
قام الإمام أبو جعفر(عليه السلام) بأسمى خدمة
للعالم الإسلامي، فقد حرّر النقد من التبعية للإمبراطورية الرومية، حيث كان
النقد يصنع هناك ويحمل شعار الروم النّصارى، وقد جعله الإمام(عليه السلام)
مستقلاً بنفسه يحمل الشعار الإسلامي، وقطع الصلة بينه وبين الروم. |
|
الوليد بن عبد الملك
|
|
واستولى
الوليد بن عبد الملك على الحكم بعد هلاك أبيه في النصف من شوال سنة (86 هـ ) ولم تكن
فيه أية صفة من صفات النبل بحيث تؤهله للخلافة،
وإنما كان جباراً ظالماً (تاريخ الخلفاء: 223.)
وكان يغلب عليه اللحن، وقد خطب في المسجد النبوي، فقال:
يا أهل المدينة ـ بالضم ـ مع أن القاعدة تقتضي نصبه لأنه منادى مضاف. ليس فيما بدا لنا منك عيب = عابه الناس غير أنّك فاني فكانت هذه الأبيات كالصاعقة على رأسه،
فقد تبدد جبروته وإعجابه بنفسه، ولم يمكث إلا زمناً يسيراً حتى هلك (مروج الذهب: 3/113.) وكانت خلافته سنتين
وخمسة أشهر وخمسة أيام، وتوفى يوم الجمعة لعشر ليال بقين من صفر سنة (99 هـ )( تاريخ ابن الأثير: 4/151.). |
|
عمر بن عبد العزيز
|
|
ثم تقلّد الحكم الأُموي عمر بن عبد العزيز بعهد من
سليمان بن عبد الملك في يوم الجمعة لعشر خلون من صفر سنة (99 هـ )( نهاية الإرب: 21/355.) ولمس الناس في عهده القصير الأمن، والرفاه، بشكل
نسبي، فقد أزال عنهم شيئاً من جور بني مروان وطغيانهم، وكان محنكاً، قد هذبته
التجارب، وقد ساس المسلمين سياسة لم يألفوها ممّن قبله. 1 ـ إدانة سب الإمام علي(عليه السلام) ولعنه:
كانت الحكومة الأُموية منذ تأسيسها قد تبنت بصورة جادّة سب الإمام أمير
المؤمنين(عليه السلام) وانتقاصه، فان معاوية كان يرى ان هذا السبّ هو السبب في
بقاء دولتهم وسلطانهم(تاريخ دمشق: 2/47، تاريخ الأمم والملوك: 5/167 ـ 168.)، لأن مبادئ الإمام(عليه السلام) كانت تطاردهم
وتفتح أبواب النضال الشعبي ضد سياستهم القائمة على الظلم والجور والطغيان فكان
لابدّ من إسقاط شخصيّته، واعتباره. |
|
الإمام محمّد
الباقر(عليه السلام) وعمر بن عبد العزيز
|
|
وكانت للإمام أبي جعفر(عليه السلام) عدة مواقف مع عمر بن عبد العزيز: إن الذين بعثت في أقطارها = نبذوا كتابك واستحل المحرم (حياة الإمام موسى بن جعفر:
1/350.) ومنها: أنه أقر العطاء الذي كان للأشراف، فلم يغيره
في حين أنه كان يتنافى مع المبادئ الإسلامية التي ألزمت بالمساواة بين المسلمين،
وألغت التمايز بينهم. |
|
يزيد بن عبد الملك
|
|
واستولى يزيد بن عبد الملك
على الحكم بعهد من أخيه سليمان، وأقام أربعين يوماً يسير بين الناس بسياسة عمر بن عبد العزيز، فشق ذلك على
بني أمية، فأتوه بأربعين شيخاً فشهدوا بأنه ليس
على الخلفاء حساب ولا عقاب (المصدر
السابق: 9/232.). فعدل عن سياسة عمر،
وساس الناس سياسة عنف وجبروت، وعمد إلى عزل جميع ولاة
عمر، وكتب مرسوماً إلى عماله جاء فيه: |
|
هشام بن عبد الملك
|
|
استولى هشام بن عبد الملك على الحكم في اليوم الذي
هلك فيه أخوه يزيد لخمس بقين من شوال وهو المعروف بأحول بني أمية وكان حقوداً
على ذوي الأحساب العريقة، ومبغضاً لكل شريف. |
|
حمل الإمام الباقر(عليه السلام) إلى دمشق واعتقاله: |
|
لقد أمر الطاغية هشام عاملَه على
المدينة بحمل الإمام إلى دمشق وقد روى المؤرخون في ذلك
روايتين: قال هشام: آنس الله وحشتهم برجوعك إليهم، فلا
تقم وسر من يومك)(
دلائل الإمامة: 104 ـ 106.). |
|
الإمام الباقر(عليه
السلام) مع قسّيس نصراني
|
|
والتقى الإمام أبو جعفر(عليه السلام) في
الشام مع قسيس من كبار علماء النصارى جرت بينهما
مناظرة اعترف القسيس فيها بعجزه، وعدم استطاعته على محاججة الإمام ومناظرته. |
|
محاولة اغتيال الإمام
الباقر(عليه السلام)
|
|
وهنا أمر الطاغية بمغادرة الإمام أبي جعفر(عليه
السلام) لمدينة دمشق خوفاً من أن يفتتن الناس به، وينقلب الرأي العام ضد بني
أمية، ولكنه أوعز إلى أسواق المدن والمحلات التجارية الواقعة في الطريق أن تغلق
محلاتها بوجهه، ولا تبيع عليه أية بضاعة، وأراد بذلك هلاك الإمام (عليه السلام)
والقضاء عليه. |
|
أهم ملامح عصر الإمام
محمد الباقر (عليه السلام)
|
|
1 ـ
في الفترة الواقعة بين سنة ( 95 هـ ـ 97 هـ )
وفي بداية تصدّي الإمام محمد الباقر للإمامة كان
الحاكم الأُموي الوليدُ بن عبد الملك قد بدأ
باتخاذ بعض الأساليب لامتصاص النقمة الشعبية التي خلقتها السياسة الإرهابية التي
انتهجها السفّاك الأثيم الحجّاج بن يوسف وبعض الولاة الآخرين(المنتظم في تاريخ الأمم
والملوك: 7 / 3.). |
|
مظاهر الانحراف في
عصر الإمام الباقر(عليه السلام):
|
|
إن إقصاء أهل البيت (ع)
عن موقع القيادة وإمامة المسلمين أدّى إلى الانحراف في جميع مجالات الحياة، وترك
تأثيره السلبي على جميع مقومات الشخصية، في الفكر والعاطفة والسلوك، فعمّ
الانحراف الدولة والأمة معاً، كما عمّ التصورات والمبادئ، والموازين والقيم،
والأوضاع والتقاليد، والعلاقات والممارسات العملية جميعاً. |
|
أوّلاً: الانحراف
الفكري والعقائدي
|
|
ازداد
الانحراف في عهود الملوك المتعاقبين على الحكم، وكان للأفكار والعقائد نصيبها
الأكبر من هذا الانحراف، ولم يكترث الحكّام بهذا الانحراف بل شجّعوا عليه; لأنه
كان يخدم مصالح الحكم القائم، ويشغل المسلمين عن همومهم الأساسية وبخاصة التفكير
في مجال تغيير الأوضاع وإعادتها إلى ما كانت عليه في عهد رسول الله (صلَّى الله
عليه وآله) وعهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام). |
|
ثانياً: الانحراف
السياسي
|
|
اتّبع الحكّام الأمويون سياسة من سبقهم في تحويل
الخلافة إلى ملك يتوارثه الأبناء عن الآباء دون سابقة علم أو تقوى، وتوزيع
المناصب المهمّة والحسّاسة في الدولة على أبنائهم وأقربائهم والمتملقين لهم،
واستبدوا بالأمر فلا شورى ولا استشارة إلاّ مع المنحرفين والفسّاق من بطانتهم.
ولشعورهم بعدم الأحقية بالخلافة استمروا على نهج من سبقهم في اتخاذ الإرهاب
والتنكيل وسيلة لتثبيت سلطانهم، فحينما وجد الوليد بن عبد الملك أنّ ولاية عمر
بن عبد العزيز على مكة والمدينة قد أصبحت ملجأً للهاربين من ظلم بقية الولاة،
قام بعزله(الكامل
في التاريخ: 4 / 577.) تنكيلاً منه
بالمعارضين وارهابهم وغلق منافذ السلامة أمامهم. |
|
ثالثاً: الانحراف
الأخلاقي
|
|
لقد حوّل الأمويون الأنظار
إلى الغزوات، وحشّدوا جميع الطاقات البشريّة والمادّية باتجاه الغزوات; وذلك من
أجل إشغال المسلمين عن التحدّث حول الأوضاع المنحرفة، وعن التفكير في العمل
السياسي أو الثوري لاستبدال نظام الحكم بغيره، ولم يكن
هدفهم نشر مفاهيم وقيم الإسلام كما يتصوّر البعض ذلك، لأنّهم كانوا قد خالفوا
هذه المفاهيم والقيم في سياستهم الداخلية، وداسوا كثيراً من المقدسات الإسلامية،
وشجّعوا على الانحرافات الفكرية. |
|
رابعاً:
الانحراف في الميدان الاقتصادي
|
|
لقد تصرّف الحكّام بالأموال العامّة
وكأنّها ملك شخصي لهم، فكانوا ينفقونها حسب رغباتهم وأهوائهم، على ملذاتهم
وشهواتهم وكان للجواري والمغنيين نصيب كبير في بيت المال، كما كانوا ينفقون
الأموال لشراء الذمم والضمائر، ويمنحونها لمن يشترك في تثبيت سلطانهم أو مدحهم
والثناء عليهم، فقد مدح النابغة الشيباني يزيد بن عبد الملك فأمر له بمائة ناقة،
وكساه وأجزل صلته(الأغاني:
7 / 109.). |
|
الفصل
الثالث:
دور الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) في إصلاح الواقع الفاسد
|
|
على
الرغم من انحراف الحكّام وأجهزتهم الإدارية والسياسية عن المبادئ الثابتة التي
أرسى دعائمها القرآن الكريم والسنّة النبويّة; إلاّ أنّ القاعدة الفكرية
والتشريعية للدولة بقيت متبنّاةً من قبل الحاكم وأجهزته في مظاهرها العامة، وعلى ضوء ذلك فإنّ دور الإمام (عليه السلام) كان دوراً
إصلاحياً لإعادة الحاكم وأجهزته وإعادة الأمة إلى الاستقامة في العقيدة
والشريعة، وجعل الإسلام بمفاهيمه وقيمه هو الحاكم على الأفكار والعواطف
والمواقف. |
|
محاور الحركة
الإصلاحية العامّة للإمام الباقر(عليه السلام)
|
|
أوّلاً:
الإصلاح الفكري والعقائدي
|
|
من الأزمات التي خلّفتها سيرة الحكّام
السابقين هي أزمة ارتباك المفاهيم وما رافقها من تقليد وسطحية في الفكر، فلم
تتجلّ حقيقة التصور الإسلامي عند الكثير من المسلمين لكثرة التيارات الهدّامة
ونشاطها في تحريف المفاهيم السليمة وتزييف الحقائق، فكان
دور الإمام (عليه السلام) هو حمل النفوس على التمحيص لتمييز ما هو أصيل
من العقيدة عمّا هو زيف، وعلى تحكيم الأفكار والمفاهيم الأصيلة في عالم الضمير
وعالم السلوك على حد سواء، والاستقامة على المنهج الذي يريده الله تعالى
للإنسان. |
|
1
ـ الردّ على الأفكار والعقائد الهدّامة والمذاهب المنحرفة
|
|
وجد المنحرفون لأفكارهم وعقائدهم
الهدّامة أوساطاً تتقبّلها وتروّج لها ـ جهلاً أو طمعاً أو تآمراً على الإسلام
الخالد ـ وفي عهد الإمام الباقر(عليه السلام) نشطت حركة الغلاة بقيادة المغيرة
بن سعيد العجلي. قال (عليه السلام):
(لو أن عبداً عمل عملاً يطلب به وجه الله عزّ جلّ
والدار الآخرة، فأدخل فيه رضى أحد من الناس كان مشركاً) ( المصدر السابق: 69 /
297.). |
|
2
ـ الحوار مع المذاهب والرموز المنحرفة
|
|
يعتبر الحوار إحدى الوسائل التي تقع في
طريق إصلاح الناس، حيث تزعزع المناظرة الهادفة والحوار السليم الأفكار والمفاهيم
المنحرفة. من هنا قام الإمام (عليه السلام)
بمحاورة بعض رؤوس المخالفين، لتأثيرهم الكبير على أتباعهم لو صلحوا واستقاموا
على الحقّ. وإليك بعض مناظراته: |
|
مع علماء النصارى:
|
|
حينما أخرج هشام
بن عبد الملك الإمام (عليه السلام) من المدينة إلى الشام كان(عليه
السلام) يجلس مع أهل الشام في مجالسهم، فبينا هو جالس وعنده جماعة من الناس
يسألونه، اذ نظر إلى النصارى يدخلون في جبل هناك، فسأل عن حالهم، فأُخبر أنهم
يأتون عالماً لهم في كل سنة في هذا اليوم يسألون عمّا يريدون وعمّا يكون في
عامهم، وقد أدرك هذا العالم أصحاب الحوارييّن من أصحاب عيسى (عليه السلام)، فقال الإمام (ع): فهلمّ
نذهب إليه؟ فذهب (عليه السلام) إلى مكانهم، فقال له النصراني: أسألك أو
تسألني؟ قال (ع): تسألني،
فسأله عن مسائل عديدة حول الوقت، وحول أهل الجنّة، وحول عزرة وعزير، فأجابه
(عليه السلام) عن كل مسألة. مع الحسن البصري:
قال له الحسن البصري: جئت لأسألك عن أشياء من كتاب الله تعالى. |
|
3 ـ إدانة فقهاء البلاط
|
|
جاء قتادة بن دعامة البصري إلى الإمام (عليه
السلام) وقد هيّأ له أربعين مسألة ليمتحنه بها، فقال له
(ع): أنت فقيه أهل البصرة؟ قال قتادة:
نعم، فقال (عليه السلام): (ويحك يا قتادة إن الله
عَزَّ وجَلَّ خلق خلقاً، فجعلهم حججاً على خلقه، فهم أوتاد في أرضه، قوّام
بأمره، نجباء في علمه اصطفاهم قبل خلقه)، فسكت قتادة طويلاً، ثم قال:
أصلحك الله، والله لقد جلست بين يدي الفقهاء، وقدّام ابن عباس، فما اضطرب قلبي
قدّام أحد منهم ما اضطرب قدّامك(بحار الأنوار: 46 / 357.). |
|
4 ـ الدعوة إلى أخذ الفكر من مصادره
النقيّة
|
|
لقد حذّر الإمام (عليه السلام) الناس من الوقوع في
شراك الأفكار والآراء والعقائد المنحرفة، وحذّر من البدع وجعلها أحد مصاديق
الشرك فقال: (أدنى الشرك أن يبتدع الرجل رأياً
فيُحَبّ عليه ويبغَض)( المحاسن: 207.). ومن هنا كان يدعو الناس إلى أخذ العلم والفكر من
منابعه النقية وهم أهل البيت المعصومون من كل زيغ وانحراف. قال(عليه السلام) لسلمة بن كهيل وللحكم بن عتيبة: (شرّقا وغرِّبا فلا تجدان علماً صحيحاً إلاّ شيئاً خرج من
عندنا)(
الكافي: 1 / 399.). |
|
5 ـ نشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
لقد فتح الإمام (عليه السلام) أبواب مدرسته العلمية
لعامة أبناء الأمة الإسلامية، حتى وفد إليها طلاب العلم من مختلف البقاع
الإسلامية، وأخذ عنه العلم عدد كبير من المسلمين بشتى اتّجاهاتهم وميولهم، منهم:
عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، والزهري، وربيعة الرأي، وابن جريج،
والأوزاعي، وبسام الصيرفي(سير أعلام النبلاء: 4 / 401.)،
وأبو حنيفة وغيرهم(تاريخ
المذاهب الإسلامية: 361.). |
|
ثانياً: تأسيس
المدرسة الفقهية النموذجية
|
|
راجع حياة الإمام محمد الباقر (عليه
السلام)، باقر شريف القرشي 1/215 ـ 226. فأهل البلاد الإسلامية لم يعرفوا شؤون دينهم معرفة
كافية، وقد كان يوجد في بلاد الشام من لا يعرف عدد الصلوات المفروضة، حتى راحوا
يسألون الصحابة عن ذلك(سنن النسائي: 1 / 42.). |
|
مميّزات مدرسة أهل
البيت (عليهم السلام) الفقهيّة
|
|
1 ـ الاتصال بالنبي (صلَّى
الله عليه وآله): والشيء المهم
في فقه أهل البيت (ع) هو أنه يتصل اتصالاً مباشراً بالنبي (ص) فطريقه
إليه أئمة أهل البيت (ع) الذين اذهب الله عنهم
الرجس وطهرهم تطهيرا، وجعلهم النبي (صلَّى الله عليه وآله) سفن النجاة، وأمن
العباد، وعدلاء الذكر الحكيم حسبما تواترت الأخبار بذلك. قال السيد رشيد رضا:
(ولا نعرف في ترك الاجتهاد منفعة ما، وأمّا مضارّه فكثيرة، وكلها ترجع إلى إهمال
العقل، وقطع طريق العلم، والحرمان من استغلال الفكر، وقد أهمل المسلمون كل علم
بترك الاجتهاد، فصاروا إلى ما نرى) ( الوحدة الإسلامية: 99.). |
|
ثالثاً:
الإصلاح السياسي
|
|
استثمر الإمام (عليه السلام)
بعض ظروف الانفراج السياسي النسبي من أجل بناء
وتوسعة القاعدة الشعبية، وتسليحها بالفكر السياسي السليم المنسجم مع رؤية أهل
البيت (ع)، وتعبئة الطاقات لاتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب، ولهذا لم
تنطلق أي ثورة علوية في عهده، لعدم اكتمال شروطها من حيث العدة والعدد. |
|
1 ـ الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر
|
|
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحرّران
الإنسان والمجتمع من ألوان الانحراف في الفكر والعاطفة والسلوك، ويحوّلان
المفاهيم والقيم الإسلامية الثابتة إلى ممارسات سلوكية واضحة المعالم، تترجم
فيها الآراء والنصوص إلى مشاعر وعواطف وأعمال وحركات وعلاقات متجسدة في الواقع
لكي تكون الأمة والدولة بمستوى المسؤولية في الحياة، والمسؤولية هي حمل الأمانة
الإلهية وخلافة الله تعالى في الأرض. |
|
2 ـ نشر المفاهيم السياسية السليمة
|
|
وجّه الإمام (عليه السلام) الأنظار إلى دور أهل البيت (ع) في قيادة الأمة، وتوجيهها نحو
الاستقامة والرشاد فقال: (نحن ولاة أمر الله وخزائن
علم الله، وورثة وحي الله، وحملة كتاب الله، طاعتنا فريضة، وحبّنا إيمان، وبغضنا
كفر، محبّنا في الجنة، ومبغضنا في النار) ( مناقب آل أبي طالب: 4 / 223.). |
|
3
ـ فضح الواقع الأُموي
|
|
كشف الإمام (ع) حقيقة الحكم الأُموي وكيفية وصوله
إلى الحكم، وما مارسه من أعمال لإدامة السيطرة على رقاب المسلمين، ووضّح الجرائم
التي ارتكبها سلف هؤلاء الحكّام في حق أهل البيت (عليهم السلام) وأنصارهم، فبعد
أن بيّن ملابسات الخلافة، وكيفية الاستحواذ عليها وإقصاء أهل البيت (عليهم
السلام) عن موقعهم فيها، قال: (... وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن
(عليه السلام) فَقُتِلَتْ شيعتنا بكل بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنّة،
وكان من يذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سُجِن أو نُهِبَ ماله، أو هُدِمَت داره، ثم
لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين (عليه
السلام) ثم جاء الحجّاج فقتلهم كل قتلة، وأخذهم بكل ظنٍّ وتهمة، حتى أنّ الرجل
ليقال له: زنديق أو كافر، أحبُّ إليه من أن يقال: شيعة عليّ، وحتى صار الرجل
الذي يذكر بالخير ـ ولعلّه يكون ورعاً صدوقاً ـ يحدّث بأحاديث عظيمة عجيبة، من
تفضيل بعض من قد سَلَفَ من الولاة، ولم يخلق الله تعالى شيئاً منها، ولا كانت
ولا وقعت وهو يحسب أنها حقٌّ لكثرة من قد رواها ممّن لم يعرف بكذب، ولا بقلة
ورع)( شرح نهج
البلاغة: 11 / 42، 44.). |
|
4 ـ الدعوة إلى مقاطعة الحكم القائم
|
|
دعا (عليه السلام) إلى مقاطعة الحكم
الجائر ونهى عن إسناده بأي شكل من أشكال المساندة وإن كانت لا تتعلق بسياستهم،
فقال (عليه السلام) ـ في معرض جوابه عن العمل معهم ـ:
(ولا مدة قلم، إنّ أحدهم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلاّ أصابوا من دينه مثله)( الكافي: 5 / 107.). |
|
5 ـ مواقفه المباشرة من الحكّام المنحرفين
|
|
إن دور الإمام الحقيقي هو دور القدوة،
ومن أهم المسؤوليات الملقاة على عاتقه إصلاح الحاكم والأمة معاً، والقضاء على
الانحراف في مهده. أو الحيلولة دون التمادي فيه، وهذا الدور تختلف أساليبه
وبرامجه تبعاً للعوامل والظروف السياسية المحيطة
بالإمام، وتتغيّر المواقف تبعاً للمقومات التالية: |
|
6 ـ موقفه من الثورة المسلحة
|
|
وقف الإمام (ع) موقف الحياد من الثورات التي قادها
الخوارج، فلم يصدر منه تأييد ولا معارضة، لكي لا يستثمر قادة الثورات أو الحكّام
موقف الإمام (عليه السلام) لصالحهم، ولكي تستمر روح الثورة في النفوس. وكان
(عليه السلام)يحذِّر من خذلان زيد ومحاربته فيقول: (إن
أخي زيد بن علي خارج فمقتول على الحق، فالويل لمن خذله، والويل لمن حاربه،
والويل لمن قاتله)( مقتل الخوارزمي: 2 / 113.). فمن لي سوى جعفر بعده = إمام الورى الأوحد الأمجد (مناقب آل أبي طالب: 4 / 213.) فتأجلت الثورة المسلحة إلى وقتها
المناسب وتفجّرت بعد أقلّ من عشر سنين من استشهاد الإمام محمد الباقر). |
|
رابعاً: الإصلاح
الأخلاقي والاجتماعي
|
|
بذل الإمام (عليه السلام) عناية فائقة لإصلاح
الأخلاق وتغيير الأوضاع الاجتماعية باتجاه القواعد والموازين والقيم العليا
الثابتة في الشريعة الإسلامية، وكانت مهمته التركيز على إصلاح جميع الوجودات
القائمة، بدءً بالمقربين منه ثم الأوساط الاجتماعية ثم المؤسسات الحكومية واتباع
الحاكم. |
|
1 ـ الدعوة لتطبيق السنّة النبوية
|
|
قام الإمام (عليه السلام) بنشر الأحاديث الشريفة
النبوية المرتبطة بالجوانب الأخلاقية والاجتماعية لكي تكون هي الحاكمة على
الممارسات السلوكية والعلاقات الاجتماعية، ولكي تكون نبراساً لأفراد المجتمع
بمختلف طبقاتهم في مسيرتهم الإنسانية، تنطلق بهم نحو السمو والتكامل، والارتقاء
للوصول إلى المقامات العالية التي وصل إليها الصالحون والأولياء. وقال (عليه السلام): (إن رسول الله (ص) نهى عن القيل والقال، وفساد المال، وكثرة
السؤال)(
الكافي: 1 / 60.). |
|
2
ـ الدعوة إلى مكارم الأخلاق
|
|
كثّف الإمام (عليه السلام) دعوته إلى
إصلاح مكارم الأخلاق لتكون هي العلامة الفارقة لتعامل المسلمين فيما بينهم، فكان
(عليه السلام) يدعو إلى إفشاء السلام وهو مظهر من مظاهر روح الإخاء والودّ
والمحبة والصفاء في العلاقات الاجتماعية حتى قال (عليه السلام): (إن الله يحب إفشاء السلام)( تحف العقول: 220.). |
|
خامساً: الإصلاح
الاقتصادي
|
|
لم
يكن الإمام (عليه السلام) على رأس سلطة حتى يستطيع إصلاح الأوضاع الاقتصادية
إصلاحاً عملياً وجذريّاً، ولذا اقتصر (عليه السلام) على نشر المفاهيم الإسلامية
المرتبطة بالحياة الاقتصادية السليمة متمثّلة في النظام الاقتصادي الإسلامي،
والتي تعصم مراعاتها الإنسان والمجتمع من الانحراف الاقتصادي التي من أسبابها:
الانسياق وراء إشباع الشهوات إشباعاً مخلاً بالتوازن الاقتصادي، فحدّد الإمام
(عليه السلام) الأهداف المتوخاة من التصرّف بالأموال، إذ جعل الله المال وسيلة
لتحقيق الهدف الذي خلق الإنسان من أجله، وهو الوصول إلى عبادة الله تعالى،
وتطبيق منهجه في الحياة، قال(ع): (نعم العون الدنيا
على طلب الآخرة)( الكافي: 5 / 73.). وأوضح الأهداف المشروعة التي يبتغي طلب المال من
أجلها، فقال(ع): (من طلب الرزق في الدنيا استعفافاً
عن الناس، وتوسيعاً على أهله، وتعطفاً على جاره ; لقي الله عَزَّ وجَلَّ يوم
القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر) ( المصدر السابق: 5 / 78.). |
|
الباب
الرابع:
|
|
فيه فصول: |
|
الفصل الأول: الإمام الباقر (عليه السلام) وبناء الجماعة الصالحة
|
|
اعتمدنا في هذا البحث بشكل أساسي على الكتاب القيّم الذي نشره المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) (دور
أهل البيت (عليهم السلام) في بناء الجماعة الصالحة) لسماحة السيد محمد
باقر الحكيم (دام عزه) واستخلصنا منه ما يناسب حياة الإمام محمد الباقر(عليه السلام) بشكل خاص من
هذه الموسوعة. عادت له السلطة، وكان لتلك الكتلة الصالحة دور كبير
في إخماد الفتن الداخلية وتقرير منهج أهل البيت (عليهم السلام) في الواقع
العملي. وفيما يلي سوف نستعرض بعض مظاهر حركة
الإمام (عليه السلام) في بناء الجماعة الصالحة، وإعدادها إعداداً شمولياً بشمول
الإسلام وشمول منهج أهل البيت (عليهم السلام) لجميع مرافق الحياة الإنسانية.
وقد أوضحنا أن المهمّة الأساسية للإمام الباقر(ع)
بعد العقود الثلاثة من النشاط المستمر للإمام زين العابدين(ع) بهذا الاتجاه هي
رسم المعالم التفصيلية للجماعة الصالحة وبيان كل ما يلزم لتكوين المجتمع
الإسلامي النموذجي في وسط التيارات المنحرفة التي ملأت الساحة الإسلامية
العامّة، وهي إلى جانب كونها النموذج المطلوب للأمة المسلمة الرائدة تكون الذراع
الحقيقي للأئمة(عليهم السلام) لإقرار الإسلام الشامل في المجتمع الإسلامي الآخذ
بالتمادي في الانحراف والانهيار; إذ من خلالها يكون النشاط الحقيقي للإمام
الباقر(عليه السلام) في مرحلته الخاصة التي تجلّت في رسم هذه المعالم وإقرارها
وتربية الأجيال عليها. وهي المهمة التي اشترك فيها أبوه
الإمام زين العابدين وابنه الإمام الصادق وحفيده الإمام الكاظم(عليهم السلام). |
|
أولاً: الإمام الباقر
(عليه السلام) ومقومات الجماعة الصالحة
|
|
1 ـ العقيدة السليمة
|
|
في خضم الأحداث والمواقف المتباينة
والمتناقضة جراء تعدد التيارات الفكرية والعقائدية، واضطراب عقول الكثير من
المسلمين، لابتعادهم عن إدراك أسس العقيدة السليمة، قام الإمام (عليه السلام)
بدور كبير في بيان العقيدة السليمة للجماعة الصالحة ; لتقوم بدورها في إصلاح
المفاهيم والأفكار، ونشر عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) في مختلف الأوساط وعلى
جميع المستويات.لقد بيّن (عليه السلام) الأسس العامة للتوحيد، فعن حريز بن عبد
الله، وعبد الله بن مسكان قالا: قال أبو جعفر (عليه السلام): (لا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلاّ بهذه الخصال
السبعة: بمشيّة، وإرادة، وقضاء، وإذن، وكتاب، وأجل، فمن زعم أنه يقدر على نقض
واحدة منهنَّ فقد كفر)( المحاسن: 244.). |
|
2 ـ مرجعية أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
إن
المنهج الإسلامي هو منهج واقعي للحياة، بكل ما للحياة من تشكيلات وتنظيمات
وأوضاع وقيم وأخلاق وآداب وعبادات وشعائر، وهو كمنهج نظري يراد تطبيقه في الواقع
بحاجة إلى قدوة تجسّده في الواقع كي يقتدي بها الناس ليندفعوا أشواطاً إلى
الأمام في مسيرة التنفيذ والتطبيق، ولهذا ركّز الإمام (عليه السلام) على القدوة
الناطقة بالكتاب والسنّة وهم أهل البيت (عليهم السلام) تمييزاً عن غيرهم من
الذين تنكبوا طريق الاستقامة وانحرفوا عن المنهج انطلاقاً من أهوائهم ومصالحهم
التي تخدم السلاطين والحكّام وانفلاتاً من قيود العقيدة والشريعة. فقد أكّد
الإمام (عليه السلام) على الولاية باعتبارها أهم أركان الإسلام فقال: (بني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج
والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية)( المصدر السابق: 2 / 18.)،
التي أوضحها في نص آخر بأنها الولاية لأهل البيت(عليهم السلام)( الخصال: 1 / 278 .). وفسرّ
الآيات النازلة في حق أهل البيت (عليهم السلام) وبيّن مؤدّاها بشكل دقيق وهو
مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) في جميع شؤون الحياة فكرية وعاطفية وسلوكية. ففي
قوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)( النحل (16): 43.)، قال (ع):
نحن أهل الذكر. وفي
قوله تعالى: (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)( البقرة (2): 143.)، قال (عليه السلام): نحن
هم. وفي
قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً
وَسَطاً)(
البقرة (2): 143.)، قال (عليه
السلام): نحن الأمة الوسط. وفي
قوله تعالى: (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)( التوبة (9): 119.)، قال (عليه السلام):
أي مع آل محمد(مناقب آل أبي طالب: 4 / 194، 195 .). وأمّا أحاديثه التي رواها عن رسول الله
حول ولاية أهل البيت (ع) ومرجعيتهم للأمة فمنها قوله (ص): (أنا رسول
الله إلى النّاس أجمعين ولكن سيكون بعدي أئمة على الناس من أهل بيتي من الله،
يقومون في الناس فيكذّبونهم ويظلمونهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم، ألا فمن
والاهم واتّبعهم وصدّقهم فهو منّي ومعي وسيلقاني، ألا ومن ظلمهم وأعان على ظلمهم
وكذّبهم، فليس مني ولا معي وأنا منه بريء)( المحاسن: 155.). |
|
3 ـ خصائص الانتماء لأهل البيت(عليهم
السلام)
|
|
وبيّن الخصائص الولائية والسلوكية للجماعة الصالحة
من حيث علاقاتهم فيما بينهم وعلاقاتهم مع الآخرين. فقال(عليه السلام): (إنما شيعة عليّ: المتباذلون في ولايتنا . المتحابّون في
مودّتنا . المتزاورون لإحياء أمرنا.الذين إذا اغضبوا لم يظلموا . وإذا رضوا لم
يسرفوا . بركة على من جاوروا . سلم لمن خالطوا)( تحف العقول: 220.). وقال: (إنما شيعة عليّ:
الحلماء العلماء، الذبل الشفاه، تعرف الرهبانية على وجوههم)( بحار الأنوار: 65 /
189.). |
|
ثانياً: الإمام
الباقر (عليه السلام) والتزكية
|
|
1 ـ مقوّمات التزكية عند الإمام
الباقر(عليه السلام):
|
|
لا تتحقق التزكية إلاّ بعد أن تنطلق من القلب
والضمير وتتفاعل مع الشعور بخشية مستمرة وحذر دائم وتوقٍّ من الرغائب والشهوات،
والمطامع والمطامح، فلا بد وأن تكون شعوراً في الضمير، وحالة في الوجدان، وضعاً
في المشاعر لتتهيأ النفوس لتلقي أسسها وتقريرها في الواقع، ولهذا ركّز
الإمام(عليه السلام) في الجانب النظري على أهم المقومات التي تدفع النفس للتزكية
وهي: |
|
2 ـ منهج التزكية عند الإمام الباقر (عليه
السلام)
|
|
رسم الإمام (عليه السلام) للجماعة
الصالحة منهجاً واقعياً متكاملاً وشاملاً لتزكية النفس وتربيتها بحيث يكون
كفيلاً بتحقيقها عند مراعاته بشكل دقيق. |
|
أ ـ الارتباط الدائم بالله تعالى |
|
الارتباط بالله تعالى والاستسلام له
والعزم على طاعته من شأنه أن يمحّص القلوب، ويطهّر النفوس، لأنه ينقل الإنسان من
مرحلة التفكّر والتدبّر في عظمة الله تعالى وهيمنته ورقابته إلى مرحلة العمل
الصالح في ظلّ هذا التدبر، فالعزم يتبعه العون منه تعالى، ويتبعه التثبيت على
المضي في طريق تزكية النفس. |
|
ب ـ الإقرار بالذنب والتوبة
|
|
إن
منهج أهل البيت (عليهم السلام) يهدف إلى علاج النفوس البشرية، واستجاشة عناصر
الخير فيها، وإلى مطاردة عوامل الشر والضعف والغفلة. والطبيعة البشرية قد تستقيم
مرة وتنحرف مرة أُخرى، ولهذا فإنّ العودة إلى الاستقامة تقتضي محاسبة النفس
باستمرار، والإقرار بالأخطاء، ثم التوبة، والعزم على عدم العود، ولذا أكّد
الإمام (ع) على هذه المقومات، وبدأ بالإقرار بالذنب كمقدمة للنجاة منه، فقال
(عليه السلام): (والله ما ينجو من الذنب إلاّ من أقرّ
به)(
الكافي: 2 / 311.). وقال (ع): (كفى بالندم توبة)( وسائل الشيعة: 16 / 59.).
والإقرار يتبعه الغفران بعد طلبه من الله تعالى،
قال (ع): (لقد غفر
الله لرجل من أهل البادية بكلمتين دعا بهما قال: اللهم إن تعذبني فأهل ذلك أنا،
وإن تغفر لي فأهل ذلك أنت، فغفر له)( المصدر السابق: 16 / 60.). |
|
ج ـ الحذر من التورّط
بالذنوب
|
|
الحذر والحيطة من الذنوب ضرورة ملحة في
تزكية النفس، وهي تتطلب الدقة في تناول كل خالجة وكل حركة وكل موقف، وتتطلب
التحليل الشامل للأسباب والظواهر، والعوامل المسبّبة للموقف، والتعالي بالنفس في
ميادينها الباطنية، ولهذا دعا الإمام (عليه السلام) إلى الحذر والحيطة من جميع
الممارسات فقال: (إن الله خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة
أشياء: خبأ رضاه في طاعته، فلا تحقرن من الطاعة شيئاً فلعلّ رضاه فيه، وخبأ سخطه
في معصيته فلا تحقرن من المعصية شيئاً فلعلّ سخطه فيه، وخبأ أولياءه في خلقه،
فلا تحقرنّ أحداً فلعلّه ذلك الولي)( كشف الغمة: 2 / 148.). |
|
د
ـ تعميق الحياء الداخلي
|
|
إن
موجبات التزكية كامنة في النفس ذاتها، قبل التأثر بالعوامل الخارجية، والتزكية
ليست مجرد كلمات ورؤى نظرية بل هي ممارسة وسلوك عملي، يجب ان تنطلق من داخل
النفس الإنسانية، ولا بد أن يتسلّح الإنسان بالواعز الذاتي الذي يصدّه عن فعل
القبيح، ولذا أكّد الإمام (ع) على الحياء لأنه حصن حصين يردع الأهواء والشهوات
من الانطلاق اللامحدود، قال: (الحياء والإيمان
مقرونان في قرن، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه)
( تحف العقول: 217.). |
|
هـ ـ كسر الأُلفة بين
الإنسان وسلوكه الجاهلي
|
|
حينما يعتاد الإنسان على السلوك الجاهلي فإنه سيأنس
به، ويألفه حتى يصبح وكأنه جزء من كيانه، ترضاه نفسه، ويقبله قلبه، ولهذا فهو
بحاجة إلى كسر هذه الألفة وهذا الأُنس إن أراد أن يزكّي نفسه ويسمو بها إلى
مشارف الكمال، ولذا أكّد الإمام (عليه السلام) على بعض الخطوات التي تكسر هذه
الألفة، فقال: (إن الله يبغض الفاحش المتفحّش)( الكافي: 2 / 245.). |
|
و ـ إزالة الحاجز
النفسي بين الإنسان والسلوك السليم
|
|
قد يحدث حاجز نفسي بين الإنسان والسلوك
السليم بسبب ضغط الأهواء والشهوات، أو بسبب الهواجس والوساوس المطبقة عليه، وسوء
التصور، ورواسب الجاهلية، والضعف البشري، فلا بد من إزالة هذه الحواجز أولاً ثم
التمرين على ممارسة السلوك السليم ثانياً. |
|
ثالثاً: المنهج التثقيفي عند الإمام الباقر (عليه
السلام) |
|
العلم خير وسيلة لتجلية حقيقة التصور الإسلامي،
والمنهج الإلهي في الحياة الإنسانية. وهو الوسيلة المُثلى لتوجيه الجماعة
الصالحة للارتفاع بها إلى مستوى الأمانة العظيمة التي ناطها الله بها. ولذا كان
أهل البيت (عليهم السلام) يتشدّدون مع الجماعة الصالحة في أمر تلقي العلوم
المرتبطة بالعقيدة والشريعة من مصادرها الأصيلة وهي القرآن والسنة الشريفة. وفي
منهج الإمام الباقر (ع) التثقيفي والتعليمي
المعد للجماعة الصالحة نلاحظ التأكيد على الأمور
التالية: |
|
1
ـ الحث على طلب العلم
|
|
حثّ الإمام (عليه السلام) على طلب العلم، وخصوصاً
علم الفقه فقال: (الكمال كل الكمال: التفقه في الدين،
والصبر على النائبة وتقدير المعيشة)( الكافي: 1 / 32 .). |
|
2 ـ موقع العلماء المتميّز وفضلهم |
|
بيّن الإمام
الباقر (عليه السلام) فضل العالم وقدّمه على العابد، لأن العلم الحقيقي
يجعل الإنسان على وعي كامل بالحقائق والتصورات وبالأحداث والمواقف، فلا يختلط
عليه أمر بأمر ولا موقف بموقف فيكون قادراً على التمييز والتشخيص، وإصابة الواقع
في جميع مجالاته، قال (ع): (عالم ينتفع بعلمه أفضل من ألف عابد)( المصدر السابق: 3 /
183.). |
|
3
ـ الإخلاص في طلب العلم
|
|
حث (عليه السلام) على إخلاص النية في
طلب العلم، بأن يكون الهدف النهائي من طلبه للعلم هو الوصول إلى الحقّ، وتقريره
في عقول الناس وقلوبهم تقرباً إلى الله تعالى، وتجسيداً لمنهجه في الحياة. |
|
4 ـ ضرورة نشر العلم وتثقيف الناس |
|
حث الإمام (عليه السلام)
على نشر العلم وتعليمه للناس، وإشاعته في الأوساط المختلفة، نهي عن كتمانه، بقوله (ع): (من علّم باب
هدى فله أجر من عمل به، ولا ينقص أولئك من أجورهم شيئاً ...)( الكافي: 1 / 35.). |
|
5 ـ مزالق وآفات المتعلّمين
|
|
إن الإنسان مهما أوتي من علم فإنه يبقى
بحاجة إلى المزيد، ويبقى في كثير من الأحيان جاهلاً ببعض الحقائق، لذا حثّ
الإمام (ع) على الاحتياط في الإجابة لكي يأمن الانحراف، ولا تؤدي إلى تغرير
الآخرين، قال (ع): (الوقوف
عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، وتركك حديثاً لم تروه خير من روايتك
حديثاً لم تحصه)( المصدر السابق: 1 / 50.). |
|
6 ـ المرجعية العلمية
|
|
من الحقائق المشهورة عند المسلمين أنّ علياً (ع) أعلم الصحابة بكتاب الله وسنة رسوله
(ص)، وهو باب علم الرسول (ص)، وقد علّم أبناءه ما تعلّمه من رسول الله (صلَّى
الله عليه وآله) وكانوا يتوارثون العلم فيما بينهم، من هنا كان أهل البيت (ع)
أعلم الناس بالقرآن والسنّة، ولهذا أكّد الإمام الباقر (ع) على مرجعية أهل البيت
(ع) العلمية، وبيّن أن علمهم موروث منذ آدم إلى يومه هذا، فقال: (إن العلم الذي نزل مع آدم (عليه السلام) لم يرفع، والعلم
يتوارث، وكان عليّ (عليه السلام) عالم هذه الأمة، وانه لم يهلك منّا عالم قط
إلاّ خلفه من أهله من علم مثل علمه، أو ما شاء الله)( المصدر السابق: 1 /
222.). |
|
7 ـ المؤسسات الثقافية
|
|
للإمام الباقر(ع) دور كبير في توسيع المؤسسات الثقافية، فقد أسس عدة
مدارس في أهم الأمصار الإسلامية: مدرسة المدينة: وكان يشرف عليها مباشرة،
وينتقي منها الفقهاء ليواصلوا حمل العلم ونشره. مدرسة الكوفة: وكان يشرف عليها من تتلمذ على يديه،
وتخرّج من مدرسته، وقد أثمرت هذه المدرسة في نشر علوم أهل
البيت (ع) وإرجاع الناس إليهم، حتى اعترف الحاكم الأُموي هشام بن عبد
الملك بهذه الحقيقة، فقد أشار إلى الإمام (ع)
قائلاً: هذا المفتون به أهل العراق(مختصر تاريخ دمشق: 23 / 79.).
ولذا أمر الأمويون بمنع أهل العراق من الالتقاء بالإمام
(ع)( المصدر السابق: 23 / 83.). مدرسة قم:
وكان يشرف عليها بعض من تتلّمذ على يدي الإمام (ع)، وهي متفرعة من مدرسة
الكوفة.وتأثرت بمدرسة الكوفة وقم مدارس أُخرى في الشرق الإسلامي، كمدرسة الري
وخراسان(دور أهل
البيت (ع) في بناء الجماعة الصالحة: 1 / 133 .).
وهنالك مدارس جوّالة كان يؤسسها طلابه أينما حلّوا وهي محدودة بحدود عدد الأفراد
المشرفين وبمقدار الاستجابة لهم من قبل الناس. والمؤسسات الثقافية كان لها دور
كبير في تخريج الفقهاء والمبلغين من مختلف الأمصار. وكانت أساليب الإمام
التثقيفية متنوعة، بعضها ذو طابع فردي والآخر ذو طابع جماعي. كما كان التثقيف
يتم عن طريق التدريس، وأخرى عن طريق الرسائل والوصايا. |
|
رابعاً:
الإمام الباقر (عليه السلام) وإحياء الروح الثورية في الأمة
|
|
كانت ثورة الإمام الحسين
(عليه السلام) ذات دور كبير في إحياء الروح الثورية،
وإلهاب الحماس في النفوس المؤمنة بالله ورسوله ضدّ الحكّام الظالمين، ولهذا نشط الإمام الباقر (ع) ليجعل الثورة حيّة تمنح الناس طاقة
ثورية لخوض المواجهة في وقتها وظرفها المناسب.وقد تجسد
إحياؤه للروح الثورية هذه في مظهرين: |
|
الأول: إقامة الشعائر
الحسينية
|
|
كان
الإمام (عليه السلام) يقوم بنفسه بإحياء الشعائر الحسينية، حيث كان يقيم مجالس
العزاء في منزله، دون معارضة من قبل الحكّام الأمويين لأنهم لا يستطيعون منع
مجلس عزاء يقيمه الإمام (عليه السلام) على جدِّه، ولأنهم كانوا يحاولون إلقاء
اللوم في قتل الحسين وأهل بيته وصحبه على آل أبي سفيان. |
|
الثاني: إحياء
الإيمان بقضية الإمام المهدي (عليه السلام)
|
|
إن الصراع بين الإسلام والجاهلية، وبين الحق
والباطل لا ينتهي ما دام كل منهما موجوداً وله كيان وقيادة وأنصار . ويستمر
الصراع إلى أن ينتصر الحق على الباطل في نهاية الشوط . ويمثل ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وثورته ضد الظلم العالمي
الشامل آخر حلقة من حلقات الصراع المستمرة حيث يختفي الباطل ولا يبقى له كيان
مستقل. |
|
خامساً: الإمام
الباقر (عليه السلام) وتشخيص هوية الجماعة الصالحة
|
|
اهتم الإمام الباقر (عليه السلام) بتشخيص هوية
الجماعة الصالحة، وتمييزها عن غيرها من الهويات التي ترافق سائر الوجودات
والكيانات والتيارات القائمة في الواقع. والإسلام هو الانتماء الأرحب الذي يضم جميع من نطق
بالشهادتين، فهو في رأي الإمام الباقر (عليه السلام):
(... والإسلام ما عليه التناكح والتوارث وحقنت به
الدماء)(
تحف العقول: 217 ـ 218.). |
|
مشخصات الهوية
|
|
الأول: الاسم |
|
الثاني:
الصفات
|
|
وصف الإمام الباقر (ع)
أفراد الجماعة الصالحة بمواصفات خاصة تشخصهم بها عن غيرهم(المصدر السابق: 65 / 29،
30، 58، 44 .) ومنها: 4
ـ شُرَط الله. 5 ـ أعوان الله. |
|
الثالث: منزلة
الجماعة الصالحة
|
|
ذكر الإمام (ع) للجماعة الصالحة التي
تحمل اسم شيعة أهل البيت (ع) منزلة ومرتبة في كلتا الحياتين: الدنيا والآخرة. ودخل الإمام المسجد الحرام فوجد فيه
جماعة من أصحابه، فدنا منهم وسلَّم ثم قال لهم: (والله
إني لأحبُّ ريحكم وأرواحكم ... أنتم شُرط الله، وأنتم أعوان الله، وأنتم أنصار
الله، وأنتم السابقون الأولوّن والسابقون الآخرون ... قال أمير المؤمنين (ع) ألا
وإنّ لكل شيء شرفاً، وشرف الدين الشيعة، ألا وإنَّ لكل شيء عماداً وعماد الدين
الشيعة، ألا وإنّ لكل شيء سيداً وسيّد المجالس مجلس شيعتنا ...)( بشارة المصطفى: 16 .). |
|
سادساً: الإمام
الباقر (عليه السلام) والعلاقات في نظام الجماعة الصالحة
|
|
الجماعة الصالحة لها قيادة وطليعة وقاعدة
ترتبط فيما بينها بعلاقات تحددّها المفاهيم والقيم الحاكمة على جميع الأفراد ومن
مختلف المستويات. ب ـ العلاقة بين القيادة والقاعدة:
كانت للإمام (ع) علاقات مباشرة وغير مباشرة مع قواعده في المدينة، وفي مختلف الأمصار،
وكان أهل المدينة وغيرهم يلتقون به ويزورونه، وكان يقوم (ع) بزيارتهم والالتقاء بهم، أما المقيمون في بلدان أُخرى فكانوا
يلتقون به في موسم الحج وغيره، وكان (ع) يراسل
بعضهم، لتدوم العلاقة بينه وبينهم، وقد رسم لهم منهاجاً في العلاقات، وجعل عليهم
أن يزوروه، حين قال (ع): (إنّما أُمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار، فيطوفوا بها، ثم
يأتونا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرهم)( الكافي: 4 / 549.). |
|
أسس العلاقات
الداخلية
|
|
أ ـ طاعة الإمام (عليه السلام): الإمام
المعصوم هو القائد الربّاني للجماعة الصالحة، وهو المشرف على جميع شؤونها، وان
جميع البرامج والخطط لا يمكن تحقيقها بالصورة المشروعة إلاّ بالرجوع إليه
وامتثال أوامره والإخلاص له في النصيحة، وقد روى الإمام الباقر(ع) عن رسول الله
(صلَّى الله عليه وآله) أنه قال: (ما نظر الله عَزَّ
وجَلَّ إلى وليّ له يجهد نفسه بالطاعة لإمامه والنصيحة إلاّ كان معنا في الرفيق
الأعلى)(
الكافي: 1 / 404.). و ـ التناصر والتآزر ز ـ إدامة العلاقة: قال (ع): (ثلاثة من مكارم الدنيا والآخرة: أن تعفو عمّن ظلمك، وتصل
من قطعك، وتحلم إذا جهل عليك)( تحف العقول: 214.).
وقال (ع): (إن المؤمن أخ المؤمن لا يشتمه ولا يحرمه
ولا يسيء به الظن)( المصدر السابق: 216.). 2 ـ العلاقات مع الجماعات الإسلامية الأخرى |
|
3
ـ العلاقة مع أهل الذمة
|
|
رسم الإمام (عليه السلام) منهجاً
لعلاقة الجماعة الصالحة مع أهل الذمّة، على أساس المعايشة وعدم الاعتداء، قال
(عليه السلام): (... فإذا قبلوا الجزية على أنفسهم
حرم علينا سبيهم، وحرمت أموالهم وحلّت لنا مناكحهم) ( تحف العقول: 210،
والمعروف عند علماء مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) أن النكاح الجائز مع أهل
الذمّة هو النكاح المؤقت فحسب.). |
|
4 ـ العلاقة مع الكفّار
|
|
إنّ العلاقة مع الكفّار قائمة على أساس
قاعدة البراءة، وهي المفاصلة بين الإسلام والكفر، فلا تجوز المعاونة لهم بأي
لون، ويحرم إسنادهم بأي شكل من أشكال الإسناد.والبراءة تستدعي المقاومة بل
المواجهة معهم أحياناً، ولذا كان يشجع على بيع السلاح لمن يحارب به الكفّار وان
كان مخالفاً أو معادياً لأهل البيت (ع) وللجماعة الصالحة; فإنّ هذا العمل في رأي
الإمام (ع) يتم به دفع العدو المشترك، وإبعاد خطره الذي يهدّد الكيان الإسلامي. |
|
سابعاً:
الإمام الباقر (عليه السلام) والنظام الأمني للجماعة الصالحة
|
|
أولى الإمام (عليه السلام) اهتماماً
خاصاً بالنظام الأمني للجماعة الصالحة، حفاظاً على سلامة أفرادها وكيانها من
التصدّع أو التصفية الجسدية، ليبقى أفرادها أحراراً في حركتهم الإصلاحية
والتغييرية. والاحتياط والحذر الأمني له آثار ايجابية على سلامة العقيدة وسلامة
الشريعة وسلامة القيم الإسلامية، فإنّ أي خلل في الوضع الأمني يؤدي إلى سجن أو
قتل أو تهجير من له تأثير ايجابي في الأمة، وبالتالي يكون خير فرصة للمنحرفين
لنشر عقائدهم وأفكارهم لبلبلة الأفكار وخلق الاضطراب في العقول والقلوب والنفوس،
بعد خلو الميدان من المصلحين الذين ينتمون إلى الجماعة الصالحة. |
|
1 ـ التقيّة
|
|
التقية عملية مشروعة لما لها من آثار
ايجابية على سير الجماعة الصالحة وتوجيه حركتها نحو إصلاح الواقع وتغييره دون
عرقلة أو منع أو تحجيم. |
|
ومن موارد التقيّة:
|
|
أ ـ كتمان
المعتقد بالإسلام إذا كان المجتمع مجتمعاً غير إسلامي محارباً للمسلمين، وكتمان
المعتقد بمذهب أهل البيت (ع) إذا كان المجتمع مخالفاً أو معادياً لهم، ويستحل
قتل أو تعذيب من يروّج له أو يعلن الانتماء إليه. ج ـ كتمان البرامج والخطط المعدّة لإصلاح
الواقع وتغييره. والتقية قد تكون بكتمان هذه الموارد، أو
التظاهر بغيرها . وبعبارة أُخرى: إن التقيّة هي المصانعة مع المخالفين أو
المعادين للجماعة الصالحة تخلّصاً من عدوانهم وأذاهم، أو إضرارهم بالعمل. |
|
2
ـ كتمان الأسرار
|
|
إن
الظروف المحيطة بالإمام (عليه السلام) وبالجماعة الصالحة جعلت الإمام (عليه
السلام) يأمر بكتمان الأسرار، قال (عليه السلام): (اكتموا
أسرارنا ولا تحمّلوا الناس على أعناقنا)( المصدر السابق: 71 / 225 .).
والجماعة الصالحة محاطة بجماعات وتيارات وأجهزة
أمنية تتابع أقوالها وأفعالها وممارساتها العملية، وتستثمر الثغرات والفرص
المتاحة لتشويه سمعتها في عقيدتها وفي أحكامها وفي سلوكها، وتحجيم دورها في
الحياة ; ولهذا فهي بحاجة إلى عناية إضافية بكتمان الأسرار، سواء كانت ممّا
يتعلق بفضائل ومكارم أهل البيت (ع) التي لا تتحملها عقول المخالفين، أو ممّا
يتعلق بتنظيم الجماعة الصالحة من حيث العدّة والعدد، وأسماء الوكلاء، أو الطليعة
المؤثرة على سير الأحداث، أو كانت من أسرار العلاقات واللقاءات، أو الأسرار
السياسية المتعلقة بالبرامج والخطط الموضوعة لإصلاح وتغيير الواقع السياسي
والاجتماعي، أو الأسرار المتعلقة بساعات التنفيذ وما شابه ذلك. |
|
3ـ التوازن في العلاقة مع الحكّام
|
|
إنّ
مقاطعة الحاكم الجائر هي إحدى الخصائص التي اختص بها أئمة أهل البيت (عليهم
السلام)، وقد كانت إرشادات وأوامر الإمام الباقر (عليه السلام) إلى أفراد
الجماعة الصالحة تؤكد على المقاطعة في جميع صورها، لأنّ
العمل مع الجائر يؤدي إلى احتمالات واقعية، هي: |
|
4 ـ مراعاة المستويات المختلفة
|
|
راعى الإمام (عليه السلام) في أوامره وتعليماته،
وفي إشراك أفراد الجماعة الصالحة في النشاطات والأعمال المختلفة، تفاوت مستويات
الأفراد المختلفة من حيث الطاقات والإمكانيات، ومن حيث الوعي والإدراك، ودرجة
التحمّل، والقدرة على أداء الواجب أو الاستمرار في الأعمال، وحدّد لكل فرد
مستواه ; لكي يكلّف بقدر مستواه. |
|
ثامناً: الإمام
الباقر (عليه السلام) والنظام الاقتصادي للجماعة الصالحة
|
|
للاقتصاد دور كبير في حركة الأمم والجماعات، من حيث
النمو والثبات والتكامل، ومدّها بالقدرة على مواجهة الصعاب التي تقع في طريق
النمو والتكامل، فهو أحد العوامل الأساسية في بناء الحضارات ورفدها بأسس البقاء
والاستمرار، حتى إن الإسلام في جميع مراحله لم يحقق أهدافه القريبة أو البعيدة
إلاّ بالاستعانة بالاقتصاد، وبالمال الذي هو العصب الأساسي له. وأكّد الإمام الباقر (عليه السلام) في
توجيهاته وإرشاداته للجماعة الصالحة على أهمية المال في نجاح أعمالها، واستقامة
شؤونها، وقوة كيانها، فقال (عليه السلام): (... هي
الدنانير والدراهم خواتيم الله في أرضه، جعلها الله مصلحة لخلقه، وبه تستقيم
شؤونهم ومطالبهم)( أمالي الطوسي: 2 / 123.). |
|
التأكيد على أهمية
العامل الاقتصادي
|
|
وحثّ الإمام (عليه السلام) على العمل
لكسب الرزق، والاستغناء عن الناس، حين حثّ على التجارة والزراعة والصناعة وعلى
تعلم الحرفة، وكان (عليه السلام) يعمل بنفسه ويرى أن في العمل طاعة لله، فعن
الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: إنَّ محمّد بن
المنكدر كان يقول: ما كنت أرى أنّ عليّ بن الحسين (عليه السلام) يدع خلفاً أفضل
منه، حتى رأيت ابنه محمد بن عليّ (عليه السلام) فأردت أن أعظه فوعظني، فقال له
أصحابه: بأي شيء وعظك ؟ قال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة، فلقيني
أبو جعفر محمد بن عليّ، وكان رجلاً بادناً ثقيلاً وهو متكئ على غلامين أسودين أو
موليين، فقلت في نفسي: سبحان الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال
في طلب الدنيا، أما والله لأعظنه، فدنوت منه فسلّمت عليه فردّ عليّ بنهر، وهو
يتصبّب عرقاً، فقلت: أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال
في طلب الدنيا أرأيت لو جاء أجلك وأنت على هذه الحال ما كنت تصنع ؟ |
|
التوازن بين طلب
الرزق وطلب المكارم
|
|
حثّ الإمام (ع) على العمل وطلب الرزق
كمقدمة للاستغناء عن الناس، وإشباع النفس والعيال لكي
يتفرغوا للهدف الكبير الذي خُلقوا من أجله وهو حمل الأمانة الإلهية، وتبليغها
للناس جميعاً، وتقرير أسسها وقواعدها في الواقع، فقد أراد من أتباعه التطلع إلى
أفق أعلى، والى اهتمامات أرفع لتكون القيم المعنوية هي الحاكمة على جميع
تصرفاتهم المالية، ولكي لا ينساقوا وراء الشهوات وينشغلوا بإشباعها، قال (ع): (إن أهل التقوى هم الأغنياء، أغناهم القليل من الدنيا،
فمؤنتهم يسيرة ... أخّروا شهواتهم ولذاتهم خلفهم)( تحف العقول: 209.). |
|
الموارد المالية
للجماعة الصالحة
|
|
الأول: الزكاة
|
|
الزكاة هي أحد الموارد المالية للجماعة الصالحة،
وهي عبادة اقتصادية أمر الله تعالى بها لإشباع الجياع وكسوتهم ورفع المستوى
المعاشي للفقراء والمحتاجين، وإيجاد التوازن بين الطبقات لكي لا يحدث تفاوت فاحش
بين مستويات الناس الاقتصادية، ولكي لا تتكدس الأموال عند طبقة معيّنة. |
|
الثاني: الخمس
|
|
حثّ الإمام (عليه السلام) على إعطاء الخمس لأنّه
فريضة ثابتة في الشريعة الإسلامية، وهي حقّ ثابت فمن لم يعطه فقد أكل حقاً، ومن
تصرّف به فقد تصرف بأموال ليست له، قال (عليه السلام): (من
اشترى شيئاً من الخمس لم يعذره الله، اشترى ما لا يحلّ له)( تهذيب الأحكام: 4 /
136.). |
|
التكافل داخل الجماعة
الصالحة
|
|
الجماعة
الصالحة لها كيانها المستقل ومواردها المستقلة التي سبق ذكرها، وإن إنفاق
الأموال في مواردها التي وضعها الله تعالى تؤدي إلى التكافل داخل الجماعة
الصالحة . أمّا مصرف الخمس فهو عائد للإمام قال (ع) : (والخمس لله وللرسول ولنا)( المصدر السابق : 1 /
539 .). والخمس ملك للإمام (عليه
السلام) باعتبار منصبه ، وليست ملكاً شخصياً له ، وقد دلت سيرة الإمام الباقر
(عليه السلام) وسيرة من سبقه من الأئمة (عليهم السلام) على ذلك ، فكانوا يأخذونه
وينفقونه لا على أنفسهم ، حيث كان ما ينفق على أنفسهم وعيالهم شيئاً يسيراً ،
بالقياس إلى ضخامة الأموال التي تُجبى إليهم ، ومع ذلك كان بعضهم محتاجاً ،
لأنّه كان ملكاً للمنصب وليس للشخص . |
|
تاسعاً : الإمام
الباقر (عليه السلام) والنظام الاجتماعي للجماعة الصالحة
|
|
النظام الاجتماعي للجماعة الصالحة هو
مصداق حقيقي للنظام الاجتماعي الإسلامي الذي أرسى دعائمه القرآن الكريم، وخاتم
المرسلين(صلَّى الله عليه وآله)، وهو قائم على أسس خلقية في التعامل والعلاقات،
وعلى رأسها حسن الخُلق، قال الإمام الباقر (عليه السلام): (إنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً)( الكافي : 2 / 99 .). |
|
1 ـ الأسرة
|
|
الأسرة هي المؤسسة الأولى والأساسية من بين
المؤسسات الاجتماعية المتعددة ، وهي المسؤولة عن رفد المجتمع بالعناصر الصالحة ،
وهي نقطة البدء التي تزاول إنشاء وتنشئة العنصر الإنساني . وقد وضع القواعد
الأساسية في تنظيمها وضبط شؤونها ، ابتداءً باختيار شريك الحياة المناسب على
أساس التديّن وحسن الخلق والانحدار من أسرة صالحة ، كما وضع برنامجاً للحقوق
والواجبات على كل من الزوجين، ومراعاتهما من قبلهما كفيل بإشاعة الاستقرار
والطمأنينة في أجواء الأسرة . |
|
2
ـ الأرحام
|
|
الأرحام هم كل من يرتبط بالأسرة بعلاقة نسبية وهم
الإخوان والأخوات والأعمام والأخوال، والأجداد، وسائر أفراد العشيرة القريبين
بالنسب أو البعيدين. لقد حثّ الإمام (عليه السلام) على صلتهم بزيارة أو لقاء،
وما يترتّب على هذه العلاقات من حقوق . وهم مقدّمون على غيرهم في الإحسان إليهم،
وإدخال السرور في قلوبهم، ومساعدتهم في حلّ مشاكلهم. |
|
3
ـ الجيران
|
|
أكّد الإمام (عليه السلام) على حسن التعامل مع
الجيران فقال: (قرأت في كتاب عليّ (عليه السلام): أن
رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) كتب بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من
أهل يثرب، أن الجار كالنفس غير مضار ولا إثم، وحرمة الجار على الجار كحرمة أمه)( وسائل الشيعة: 12 /
126.). |
|
4
ـ أفراد الجماعة الصالحة
|
|
النظام الاجتماعي في داخل الجماعة الصالحة يقوم على
أساس وحدة التصورات والمبادئ، ووحدة الموازين والقيم، ووحدة الشرائع والقوانين،
ووحدة الأوضاع والتقاليد، لأنّ مجموع الجماعة الصالحة تتلقى منهج حياتها من جهة
واحدة وهي أهل البيت (عليهم السلام)، وتجمعها وحدة الطريقة التي تتلقى بها،
ووحدة المنهج الذي تفهم به ما تتلقى من أفكار وعواطف وممارسات. |
|
5 ـ مجتمع المسلمين
|
|
الإسلام هو الأفق الواسع الجامع لمن
شهد الشهادتين، وهو الميدان الرحب لتجميع الطاقات وتوحيد الإمكانات لتنطلق في
مصالح واحدة ومصير واحد، ولهذا فالإسلام محوره وحدوده مجتمع المسلمين جميعاً. |
|
عاشراً: الإمام
الباقر (عليه السلام) ومستقبل الجماعة الصالحة
|
|
من أهم مقومات نجاح مسيرة الجماعات
وجود قيادة تقوم بالإشراف على حركتها التكاملية، وتتبنى التغيير الشامل، وتقوم
بتنسيق البرامج والخطط، وتشرف على تنفيذها في الواقع، وتمدّها بالقوة الروحية
والشحنة المعنوية للوصول إلى أهدافها وآمالها، والقيادة في منهج أهل البيت
(عليهم السلام) هي قيادة ربّانية نصّ عليها الله تعالى وأبلغها لرسوله (صلَّى
الله عليه وآله) وأبلغها رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه
السلام) وتتدرج الوصية من إمام إلى إمام حتى تصل إلى خاتم الأوصياء والأئمة
(عليهم السلام). |
|
الفصل
الثاني:
اغتيال الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) واستشهاده
|
|
ولم يمت الإمام أبو جعفر (عليه السلام) حتف أنفه،
وإنما اغتالته بالسم أيد أموية أثيمة لا تؤمن بالله، ولا باليوم الآخر، وقد
اختلف المؤرخون في الأثيم الذي أقدم على اقتراف هذه الجريمة. |
|
دوافع اغتيال الإمام
الباقر (عليه السلام):
|
|
أما الأسباب التي أدت بالأمويين إلى
اغتيال الإمام (عليه السلام) فهي: |
|
1 ـ سمو شخصية الإمام الباقر (عليه
السلام):
|
|
لقد كان الإمام أبو جعفر (عليه السلام)
أسمى شخصية في العالم الإسلامي فقد أجمع المسلمون على تعظيمه، والاعتراف له
بالفضل، وكان مقصد العلماء من جميع البلاد الإسلامية. |
|
2
ـ أحداث دمشق:
|
|
لا يستبعد الباحثون والمؤرخون أن تكون
أحداث دمشق سبباً من الأسباب التي دعت الأمويين إلى اغتياله (ع) وذلك لما يلي: |
|
نصّه
على الإمام الصادق (عليه السلام):
|
|
ونصّ الإمام أبو جعفر (ع)
على الإمام من بعده قبيل استشهاده فعيّن الإمام
الصادق(ع) مفخرة هذه الدنيا، ورائد الفكر والعلم في الإسلام، وجعله مرجعاً عاماً
للأمة من بعده، وأوصى شيعته بلزوم اتباعه وطاعته. |
|
وصاياه:
|
|
وأوصى الإمام محمد الباقر (ع) إلى ولده الإمام جعفر الصادق (عليه
السلام) بعدة وصايا كان من بينها ما يلي: |
|
تعزية المسلمين
للإمام الصادق (عليه السلام):
|
|
هرع
المسلمون وقد قطع الحزن قلوبهم إلى الإمام الصادق (ع) وهم يعزونه بمصابه الأليم،
ويشاركونه اللوعة والأسى بفقد أبيه، وممن وفد عليه
يعزيه سالم بن أبي حفصة، قال: لما توفي أبو جعفر
محمد بن علي الباقر (ع) قلت لأصحابي انتظروني حتى أدخل على أبي عبد الله
جعفر بن محمد فأعزيه به، فدخلت عليه فعزيته، وقلت له: إنا لله وإنا إليه راجعون،
ذهب والله من كان يقول [قال:] رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، فلا يسأل عمن
بينه وبين رسول الله (ص)، والله لا يرى مثله أبداً ! قال: وسكت الإمام أبو عبد الله (ع) ساعة، ثم التفت إلى أصحابه
فقال لهم: قال الله تعالى: إن من عبادي من يتصدق بشق
من تمرة فاربيها له، كما يربي أحدكم فلوه)( الفلو بفتح الفاء، وضم اللام وتشديد الواو ـ المهر الصغير،
والاثنى فلوة، والجمع أفلا.). |
|
الفصل
الثالث:
تراث الإمام محمّد الباقر (عليه السلام)
|
|
علمنا أن الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) قد
تنبّأ بأن حفيده محمد بن علي ابن الحسين (عليه السلام) سوف يبقر العلم بقراً
ويفجره تفجيراً. |
|
التراث التفسيري
للإمام محمد الباقر (عليه السلام)
|
|
لا
ريب في أن القرآن الكريم هو أول مصادر التشريع الإسلامي وأهم مصادر الثقافة
الإسلامية التي تعطي للأمة الإسلامية وللرسالة الإلهية هويّتها الخاصة وتسير
بالأمة إلى حيث الكمال الإنساني المنشود. وقال السيد حسن الصدر: وقد رواه عنه
أيام استقامته جماعة من ثقاة الشيعة منهم أبو
بصير يحيى بن القاسم الأسدي، وقد أخرجه علي بن إبراهيم بن هاشم القمي في تفسيره
من طريق أبي بصير(تأسيس
الشيعة لعلوم الإسلام: 327، الفهرست للشيخ الطوسي: 98، وحقق هذا التفسير المحامي
السيد شاكر الغرباوي إلاّ إنه لم يقدمه للنشر .). |
|
نماذج
من تفسيره:
|
|
1 ـ فسّر
الإمام الباقر(عليه السلام) الهداية في قوله تعالى:
(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى)( طه (20): 82.) بالولاية لأئمة أهل البيت حين قال: فو الله لو أن رجلاً عبد الله عمره ما بين الركن والمقام،
ولم يجيء بولايتنا إلاّ أكبه الله في النار على وجهه)( مجمع البيان: 7 / 23
طبع بيروت.). |
|
التراث الحديثي للإمام الباقر (عليه السلام): |
|
يعدّ الحديث النبوي الشريف المصدر الثاني من مصادر
التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، وله أهميته البالغة ودوره الكبير في بناء
الصرح الثقافي للأمة الإسلامية بشكل عام وبناء الصرح الفقهي والتشريع العملي
للحياة الإنسانية بشكل خاص. |
|
التراث الكلامي عند
الإمام الباقر (عليه السلام):
|
|
وبحث الإمام أبو جعفر في كثير من
محاضراته المسائل الكلامية، وسئل عن أعقد المسائل وأدقها في بحوث هذا العلم
فأجاب عنها. |
|
1 ـ عجز العقول عن إدراك حقيقة الله:
|
|
سئل
(ع) عن قوله تعالى: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ
وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ)( الأنعام (6): 103.)فقال
(عليه السلام): (أوهام القلوب أدق من أبصار العيون،
أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها، ولا تدركها ببصرك.
وأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون ؟!)( نسب هذا الحديث إلى الإمام الجواد (ع).). |
|
2 ـ أزلية واجب الوجود:
|
|
سأله رجل فقال له: أخبرني عن ربك متى كان ؟ فأجابه الإمام(عليه
السلام): (ويلك! إنما يقال لشيء لم يكن، متى كان
؟ إن ربي تبارك وتعالى كان ولم يزل حياً بلا كيف، ولم يكن له كان، ولا كان لكونه
كون. كيف! ولا كان له أين، ولا كان في شيء، ولا كان على شيء، ولا ابتدع لمكانه
مكاناً، ولا قوي بعدما كوّن الأشياء، ولا كان ضعيفاً قبل أن يكوّن شيئاً، ولا
كان مستوحشاً قبل أن يبتدع شيئاً، ولا يشبه شيئاً مذكوراً، ولا كان خلواً من
الملك قبل إنشائه، ولا يكون منه خلواً بعد ذهابه، لم يزل حياً بلا حياة، وملكاً
قادراً قبل أن ينشىء شيئاً، وملكاً جباراً بعد إنشائه للكون، فليس لكونه كيف ولا
له أين، ولا له حد، ولا يعرف بشيء يشبهه، ولا يهرم لطول البقاء، ولا يصعق(يصعق: أي يهلك، ويضعف.) لشيء، بل لخوفه تصعق
الأشياء كلها. كان حياً بلا حياة حادثة، ولا كون موصوف ولا كيف محدود، ولا أين
موقوف عليه، ولا مكان جاور شيئاً، بل حي يعرف، وملك لم يزل له القدرة والملك،
أنشأ ما شاء حين شاء بمشيئته، لا يحد ولا يبعض، ولا يفنى، كان أولاً بلا كيف،
ويكون آخراً بلا أين، وكل شيء هالك إلاّ وجهه، له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين. |
|
3 ـ وجوب طاعة الإمام (عليه السلام):
|
|
طاعة الإمام واجب ديني أعلنه القرآن
الكريم بقوله تعالى: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)( النساء (4): 59.)
وتواترت الأخبار بذلك، وروى زرارة عن أبي جعفر (ع) أنه قال: (ذروة الأمر وسنامه، ومفتاحه، وباب الأشياء، ورضا الرحمن
تبارك وتعالى، الطاعة للإمام بعد معرفته ... إن الله تبارك وتعالى يقول: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ
تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً))( أصول الكافي: 1 / 185.). |
|
التراث التاريخي
للإمام الباقر (عليه السلام)
|
|
وتحدث الإمام أبو جعفر الباقر (ع) كثيراً عن حكم
الأنبياء وسننهم ولا سيَّما السيرة النبوية المباركة وتأريخ العصر النبوي، وقد
نقل عنه المختصون بهذه البحوث الشيء الكثير، وفيما يلي
بعضها: |
|
1 ـ من وحي الله لآدم:
|
|
عرض الإمام (عليه السلام) لأصحابه ما أوحى الله به
لآدم من الحكم ومعالي الأخلاق فقال (عليه السلام): (أوحى
الله تبارك وتعالى لآدم إني أجمع لك الخير كله في أربع كلمات: واحدة منهن لي،
وواحدة لك، وواحدة فيما بيني وبينك، وواحدة فيما بينك وبين الناس، فأما التي لي
فتعبدني، ولا تشرك بي شيئاً، وأما التي لك فأجازيك بعملك في وقت أحوج ما تكون
إليه وأما التي بيني وبينك فعليك الدعاء وعليَّ الإجابة، وأما التي بينك وبين
الناس فترضى للناس ما ترضى لنفسك)( أمالي الصدوق: 544 .) |
|
2 ـ حكمة لسليمان:
|
|
وحكي (ع) لأصحابه حكمة رائعة لنبي الله
سليمان بن داود فقال (ع): (قال سليمان بن داود:
أوتينا ما أوتي الناس، وما لم يؤتوا، وعلمنا ما علم الناس وما لم يعلموا، فلم
نجد شيئاً أفضل من خشية الله في الغيب والمشهد، والقصد في الغنى والفقر، وكلمة
الحق في الرضا والغضب، والتضرع إلى الله عَزَّ وجَلَّ في كل حال)( الخصال: 219.). |
|
3
ـ حكمة في التوراة:
|
|
ونقل (عليه السلام) لأصحابه حكمة
مكتوبة في التوراة فقال (عليه السلام): (إنّ في
التوراة مكتوباً يا موسى إني خلقتك، واصطفيتك، وقويتك، وأمرتك بطاعتي ونهيتك عن
معصيتي فإن أطعتني أعنتك على طاعتي، وان عصيتني لم أعنك على معصيتي، يا موسى ولي
المنة عليك في طاعتك لي، ولي الحجة عليك في معصيتك لي)( أمالي الصدوق: 274.). |
|
4 ـ تسمية نوح بالعبد الشكور:
|
|
روى محمد بن مسلم عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام)
أنه قال: (إنّ نوحاً إنما سمي عبداً شكوراً لأنه كان
يقول إذا أمسى وأصبح: اللهم إني أشهدك أنه ما أُمسي وأصبح بي من نعمة أو عافية
في دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد والشكر بها عليّ حتى ترضى)( علل الشرائع: 29.). |
|
5 ـ دعاء نوح على قومه:
|
|
سأل سدير الإمام أبا جعفر (عليه
السلام) عن دعاء نوح على قومه فقال له: |
|
6 ـ إسماعيل أول من تكلم بالعربية:
|
|
ونقل الإمام أبو جعفر (عليه السلام) لأصحابه أنّ
نبيّ الله إسماعيل هو أول من فتق لسانه باللغة العربية، بقوله (ع): (أول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل، وهو ابن عشر
سنة)(
البيان والتبيين: 3 / 290.). |
|
7 ـ نفي الأُمية عن النبي الأكرم(صلَّى
الله عليه وآله):
|
|
روى علي بن أسباط فقال: قلت لأبي
جعفر(عليه السلام): إن الناس يزعمون أن رسول الله (ص) لم يكتب، ولم يقرأ! فأنكر
(عليه السلام) ذلك وقال: |
|
مع السيرة النبوّية
المبارك:
|
|
1 ـ استعارة النبي(صلَّى
الله عليه وآله) السلاح من صفوان: |
|
مع سيرة الإمام عليّ
(عليه السلام):
|
|
رائد الحق والعدالة بعد رسول الله(صلَّى الله عليه
وآله) وإليك نموذجاً من ما رواه: |
|
من الملاحم التي أخبر
عنها الإمام الباقر (عليه السلام):
|
|
1 ـ قال أبو جعفر الدوانيقي:
كنت هارباً من بني أمية أنا وأخي أبو العباس فمررنا بمسجد النبي(صلَّى الله عليه
وآله) ومحمد بن علي جالس، فقال(عليه السلام) لرجل إلى جانبه: كأني بهذا الأمر قد
صار إلى هذين، وأشار إلينا، فجاء الرجل وأخبرنا بمقالته، فملنا إليه وقلنا له:
يابن رسول الله! ما الذي قلت ؟ فقال (عليه السلام): (هذا
الأمر صائر إليكم عن قريب ولكنكم تسيئون إلى ذريتي، وعترتي فالويل لكم)( دلائل الإمامة: 96.). فكان كما أخبر (عليه السلام) وقد أساء المنصور
حينما ولّي الخلافة إلى ذريّة رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) وعترته، فنكّل
بهم كأفظع ما يكون التنكيل وقد قاست عترة رسول الله(ص) في عهد هذا الطاغية من
صنوف العذاب ما لم تره عين في عهد الأمويين فقد كانت أيامه عليهم كلها محنة
وألماً وعذاباً. |
|
من التراث الفقهي
للإمام الباقر(عليه السلام)
|
|
وتحدث الإمام أبو جعفر (عليه السلام)عن
حكم القتال والحرب في الإسلام حينما سأله رجل من شيعته عن حروب الإمام أمير
المؤمنين علي(عليه السلام) فقال له: |
|
المسح على الخفين:
|
|
الكتاب المسح على الخفين)( روضة الواعظين: 243، وهذا النصّ يفيد أنّ الكتاب لا يوافق المسح على
الخفّين.). مس الفرج لا ينقض الوضوء: وذهب
الشافعي إلى أنّ مسّ الفرج من نواقض الوضوء، وتمسّك بذلك بما روي عن ابن عمر
وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وعائشة وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار من أن مسّ
الفرج من نواقض الوضوء. أما الإمام أبو جعفر (عليه السلام) وسائر أئمة أهل البيت
(عليهم السلام) فإنهم لا يرون ذلك، فقد روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه
قال: (ليس في القُبلة ولا المباشرة، ولا مس الفرج
وضوء)(
الخلاف: 1 / 23.). |
|
من وصايا الإمام
الباقر (عليه السلام)
|
|
وزوّد
الإمام أبو جعفر (عليه السلام) تلميذه العالم جابر بن يزيد الجعفي بهذه الوصية
الخالدة الحافلة بجميع القيم الكريمة والمثل العليا التي يسمو بها الإنسان فيما
لو طبقها على واقع حياته، وهذا بعض ما جاء فيها: |
|
|
|