- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
أعلام
الهداية
|
|
الإمام الحسن
المجتبى (عليه السلام)
|
|
أعلام الهداية |
|
فهرس إجمالي
|
|
مقدمة المجمع
العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) الباب الأول: الباب الثاني: الباب الثالث: |
|
المقدمة
|
|
الحمد
لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، ثم الصلاة والسلام على من اختارهم هداةً
لعباده، لا سيَّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمد
(صلَّى الله عليه وآله) وعلى آله الميامين النجباء. (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)(الأنعام
(6): 71). (وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(البقرة
(2): 213). (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)(الأحزاب
(33): 4). (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(آل
عمران (3): 101). (قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الْحَقِّ
أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ
كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(يونس (10): 35). (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ
مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إلى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(سبأ
(34): 6). (ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من الله)(القصص
(28):50). فالله
تعالى هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان
إلى الصراط المستقيم وإلى الحقّ القويم. وهذه
الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم. ولقد
أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى
الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال، ومن هنا قال تعالى: (وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ)(الذاريات
(51): 56). وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، كانت المعرفة
والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال. وبعد
أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال; لم
يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة; والهوى الناشئ منهما، والملازم لهما فمن هنا
احتاج الإنسان ـ بالإضافة إلى عقله وسائر أدوات المعرفة ـ إلى ما يضمن له سلامة
البصيرة والرؤية; كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة الهداية، وتتوفّر لديه كلّ
الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو طريق الشرّ والشقاء بملء
إرادته. ويتولّى
أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم الهداة المهديّون مهمّة الهداية بجميع مراتبها،
والتي تتلخّص في: 1
ـ تلقِّي الوحي بشكل كامل واستيعاب الرسالة الإلهية بصورة دقيقة. وهذه المرحلة
تتطلّب الاستعداد التام لتلقّي الرسالة، ومن هنا يكون الاصطفاء الإلهي لرسله
شأناً من شؤونه، كما أفصح بذلك الذكر الحكيم قائلاً:
(اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)(الأنعام (6): 124) و(اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ)(آل
عمران (3): 179). 2
ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى البشرية ولمن أرسلوا إليه، ويتوقّف الإبلاغ على
الكفاءة التامّة التي تتمثّل في (الاستيعاب والإحاطة اللازمة) بتفاصيل الرسالة
وأهدافها ومتطلّباتها، و (العصمة) عن الخطأ والانحراف معاً، قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ
النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)(البقرة (2): 213). 3
ـ تكوين اُمة مؤمنة بالرسالة الإلهية، وإعدادها لدعم القيادة الهادية من أجل
تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في الحياة، وقد صرّحت آيات الذكر الحكيم بهذه
المهمّة مستخدمةً عنواني التزكية والتعليم، قال تعالى:
(يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)(الجمعة(62): 2)
والتزكية هي التربية باتجاه الكمال اللائق بالإنسان. وتتطلّب التربية القدوة
الصالحة التي تتمتّع بكلّ عناصر الكمال، كما قال تعالى:
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(الأحزاب(33):
21). ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري: أ
ـ أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين
يتربّصون بها الدوائر. ب
ـ أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة باستمرار الأجيال; على يد مربٍّ كفوء علمياً
ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في الخلق والسلوك كالرسول (صلَّى الله عليه وآله)،
يستوعب الرسالة ويجسّدها في كل حركاته وسكناته. وتبلورت
حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم على نهج الرسول العظيم وانفتاح الأمة عليهم
والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم،
فكانوا هم الأدلاّء على الله وعلى مرضاته، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين
في محبّته، والذائبين في الشوق إليه، والسابقين إلى تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ
المنشود. ولا
يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا بجميع زوايا حياتهم العطرة ويدّعوا دراستها
بشكل كامل، ومن هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما هي إعطاء قبسات من حياتهم، ولقطات
من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها المؤرّخون واستطعنا اكتشافها من خلال
مصادر الدراسة والتحقيق، عسى الله أن ينفع بها إنّه وليّ التوفيق. إنّ
دراستنا لحركة أهل البيت (عليهم السلام) الرسالية تبدأ برسول الإسلام وخاتم
الأنبياء محمد بن عبد الله (صلَّى الله عليه وآله) وتنتهي بخاتم الأوصياء، محمد
بن الحسن العسكري المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه وأنار الأرض بعدله. ويختص
هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام الحسن بن علي المجتبى (عليه السلام) ثاني أئمة
أهل البيت (عليهم السلام) بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وهو المعصوم الرابع
من أعلام الهداية، والذي جسَّد الإسلام في جوانب حياته الشريفة . إنه سبط رسول
الله (صلَّى الله عليه وآله) وسيد شباب أهل الجنة وأَحد اثنين انحصرت بهما ذريّة
رسول الله(صلَّى الله عليه وآله)، ومن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس
وطهّرهم تطهيراً. فكان مثلاً أعلى، ونبراساً مضيئاً يشعُّ إيماناً وطهراً
وبهاءً. ولا
بدَّ لنا من تقديم الشكر إلى كل الإخوة الأعزّاء الذين بذلوا جهداً وافراً
وشاركوا في إنجاز هذا المشروع المبارك وإخراجه إلى عالم النور، لا سيَّما أعضاء
لجنة التأليف بإشراف سماحة السيد منذر الحكيم (حفظه الله تعالى). المجمع
العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) قم
المقدسة |
|
الباب الأول
|
|
فيه
فصول: |
|
الفصل الأول:
|
|
الإمام الحسن
المجتبى(عليه السلام) في سطور
|
|
* الإمام أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب المجتبى، ثاني أئمة
أهل البيت بعد رسول الله (ص)، وسيّد شباب أهل الجنة بإجماع المحدّثين، وأحد
اثنين انحصرت بهما ذريّة رسول الله، وأحد الأربعة الذين باهى بهم رسول الله
(صلَّى الله عليه وآله) نصارى نجران، ومن المطهّرين الذين أذهب الله عنهم الرجس،
ومن القربى الذين أمر الله بموّدتهم، وأحد الثقلين الذين من تمسّك بهما نجا ومن
تخلّف عنهما ضلّ وغوى . |
|
الفصل الثاني: انطباعات عن
شخصيّة الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام)
|
|
1 ـ مكانة الإمام المجتبى في آيات الذكر
الحكيم :
|
|
لم
تتّفق كلمة المسلمين في شيء كاتّفاقهم على فضل أهل البيت وعلوّ مقامهم العلمي
والروحي وانطوائهم على مجموعة الكمالات التي أراد الله للإنسانية أن تتحلّى بها
. |
|
2 ـ مكانته (عليه
السلام) لدى خاتم المرسلين(صلَّى الله عليه وآله) :
|
|
لقد خصّ الرسول الأعظم حفيديه الحسن والحسين(ع)
بأوصاف تنبئ عن عظيم منزلتهما لديه، فهما : |
3 ـ مكانته (عليه السلام) لدى معاصريه :
|
|
أ ـ عن جابر عن النبي (صلَّى الله عليه وآله) : "أنّ الله خلقني وخلق علياً نورين بين يدي العرش،
نسبّح الله ونقدّسه قبل أن يخلق آدم بألفي عام، فلمّا خلق الله آدم أسكننا في
صلبه، ثم نقلنا من صُلب طيّب وبطن طاهر حتى أسكننا في صلب إبراهيم، ثم نقلنا من
صُلب إبراهيم إلى صلب طيّب وبطن طاهر حتى أسكننا في صلب عبد المطلّب، ثم افترق
النور في عبد المطّلب، فصار ثلثاه في عبد الله وثلثه في أبي طالب، ثم اجتمع
النور منّي ومن علي في فاطمة، فالحسن والحسين نوران من نور ربّ العالمين"( نزهة المجالس : 2 / 206
.) . |
|
4 ـ مكانته (عليه السلام) لدى العلماء
والمؤرّخين :
|
|
|
أ ـ قال الحافظ أبو نعيم الإصبهاني ـ وهو من أعلام القرن الخامس ـ عن الإمام الحسن
المجتبى : سيّد الشباب، والمصلح بين الأقارب والأحباب، شبه رسول الله(ص) وحبيبه،
سليل الهدى، وحليف أهل التقى، خامس أهل الكساء، وابن سيّدة النساء، الحسن بن علي
بن أبي طالب رضي الله عنهما(أخبار إصبهان : 1 / 44، طبعة ليدن سنة 1931 .). |
|
الفصل الثالث:
من فضائل الإمام المجتبى (ع) ومظاهر شخصيته
|
|
عبادته (عليه السلام)
:
|
|
أ ـ روى المفضّل عن الإمام جعفر بن محمد
الصادق(عليه السلام) عن أبيه عن جدّه : "أنّ
الحسن بن علي بن أبي طالب كان أعبد الناس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا
حجّ حجّ ماشياً، وربّما مشى حافياً، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر
بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر الممرّ على الصراط بكى، وإذا ذكر
العرض على الله ـ تعالى ذكره ـ شهق شهقةً يغشى عليه منها . |
|
حلمه وعفوه :
|
|
لقد
عُرف الإمام الحسن المجتبى (ع) بعظيم حلمه، وأدلّ دليل على ذلك هو تحمّله لتوابع
صلحه مع معاوية الذي نازع علياً حقّه وتسلّق من خلال ذلك إلى منصب الحكم
بالباطل، وتحمّل (ع) بعد الصلح أشد أنواع التأنيب من خيرة أصحابه، فكان يواجههم
بعفوه وأناته، ويتحمّل منهم أنواع الجفاء في ذات الله صابراً محتسباً . |
|
كرمه وجوده :
|
|
إنّ
السخاء الحقيقي هو بذل الخير بداعي الخير، وبذل الإحسان بداعي الإحسان، وقد
تجلّت هذه الصفة الرفيعة بأجلى مظاهرها وأسمى معانيها في الإمام أبي محمد الحسن
المجتبى(عليه السلام) حتى لُقّب بكريم أهل البيت . |
|
تواضعه وزهده :
|
|
إنّ التواضع دليل على كمال النفس وسموّها وشرفها،
والتواضع لا يزيد العبد إلاّ رفعةً وعظمةً، وقد حذا الإمام الحسن (عليه السلام)
حذو جدّه وأبيه في أخلاقه الكريمة، وقد أثبت التاريخ بوادر كثيرة تشير إلى سموّ
الإمام في هذا الخلق الرفيع، نشير إلى شيء منها : |
الباب
الثاني:
|
|
فيه
فصول: |
|
الفصل الأول:
|
|
نشأة
الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام)
|
|
|
تاريخ ولادته :
|
|
أصحّ ما قيل في ولادته أُنه ولد بالمدينة في النصف
من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وكان والده (عليه السلام) قد بنى بالزهراء
فاطمة (عليها السلام) وتزوّجها في ذي الحجة من السنة الثانية، وكان الحسن
المجتبى (عليه السلام) أوّل أولادها(راجع كشف الغمة : 1 / 514، والبحار : 44 / 136، والعوالم
(الإمام الحسن) : 13 .) . |
|
كيفية ولادته :
|
|
عن جابر : لمّا حملت فاطمة(عليها السلام) بالحسن
فولدت كان النبي (صلَّى الله عليه وآله) قد أمرهم أن يلفّوه في خرقة بيضاء،
فلفّوه في صفراء، وقالت فاطمة(عليها السلام): يا علي
سمّه، فقال : ما كنت لأسبق باسمه رسول الله
(صلَّى الله عليه وآله)، فجاء النبيّ(صلَّى الله عليه وآله) فأخذه
وقبّله، وأدخل لسانه في فمه، فجعل الحسن(عليه السلام) يمصّه، ثم قال لهم رسول
الله(صلَّى الله عليه وآله) : ألم أتقدّم إليكم أن لا
تلفّوه في خرقة صفراء ؟! فدعا(صلَّى الله عليه وآله) بخرقة بيضاء فلفّه
فيها ورمى الصفراء، وأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثم قال لعلي (عليه
السلام): ما سمّيته؟ قال : ما كنت لأسبقك باسمه، فقال رسول الله (صلَّى الله
عليه وآله) : ما كنت لأسبق ربّي باسمه، قال :
فأوحى الله عزّ ذكره إلى جبرئيل(عليه السلام): أنّه
قد ولد لمحمد ابن، فاهبط إليه فاقرأه السلام وهنّئه منيّ ومنك، وقل له : إنّ
عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى فسمّه باسم ابن هارون، فهبط جبرئيل على
النبي وهنّأه من الله عَزَّ وجَلَّ ومنه، ثم قال له :
إنّ الله عَزَّ وجَلَّ يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون، قال : وما كان اسمه؟ قال : شبّر،
قال : لساني عربي،
قال : سمّه الحسن،
فسمّاه الحسن(راجع
معاني الأخبار : 57 وعلل الشرائع : 138 وبحار الأنوار : 43 / 240 الحديث 8 .). |
|
سنن الولادة :
|
|
وعقّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بيده عن
الحسن بكبش في اليوم السابع من ولادته، وقال : "بسم
الله، عقيقة عن الحسن، اللهمّ عظمها بعظمه ولحمها بلحمه ودمها بدمه وشعرها
بشعره، اللهمّ اجعلها وقاءً لمحمد وآله"، وأعطى القابلة شيئاً،
وقيل: رجل شاة، وأهدوا منها إلى الجيران، وحلق رأسه ووزن شعره فتصدّق بوزنه فضة
ورقاً(العوالم : 20
ـ 22 نقلاً عن الكافي : 6 / 33 وعن عيون أخبار الرضا : 2 / 45 أنّ الزهراء أعطت
القابلة رِجل شاة وديناراً .). |
|
رضاعه :
|
|
وجاء عن أم الفضل زوجة العباس ـ عمّ النبي (ص) ـ
أنّها قالت : قلت : يا رسول الله! رأيت في المنام كأنَّ عضواً من أعضائك في
حجري، فقال (ص): خيراً رأيتِ، تلد فاطمة غلاماً
فتكفلينه، فوضعت فاطمة الحسن (ع) فدفعه إليها النبي(ص) فرضعته بلبن قُثَم
بن العبّاس(العوالم
: 23 عن البحار : 43 / 242 و 255، والعدد القوية (مخطوط) : 5، وكشف الغمّة : 1 /
523 .). |
|
كنيته وألقابه :
|
|
أما كنيته فهي :
"أبو محمّد" لا غير . |
|
نقش خاتمه :
|
|
عن أبي عبد الله الصادق(ع): ثم كان في خاتم الحسن والحسين(ع) : "حسبي الله". |
|
حليته وشمائله :
|
|
عن جحيفة أنّه قال : رأيت رسول الله(صلَّى الله
عليه وآله) وكان الحسن بن علي يشبهه. |
|
الفصل الثاني:
مراحل حياة الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام)
|
|
تولّى الإمام الحسن السبط(عليه السلام) منصب
الإمامة والقيادة بعد استشهاد أبيه المرتضى (عليه السلام) في الواحد والعشرين من
رمضان سنة 40 هجرية وهو في السابعة والثلاثين من عمره المبارك . وقد عاش خلال
هذه المرحلة مع جدّه الرسول الأعظم(صلَّى الله عليه وآله) ما يزيد على سبع سنوات
ومع أبيه المرتضى(عليه السلام) فترة إمامته البالغة ثلاثين سنة تقريباً. وعاصر
خلالها كلاًّ من الخلفاء الثلاثة وشارك بشكل فاعل في إدارة دولة أمير المؤمنين
على بن أبي طالب (عليه السلام) . المرحلة الثانية: حياته في عهد أبي بكر وعمر
وعثمان. |
|
الفصل الثالث: الإمام
المجتبى(ع ) في ظلّ جده وأبيه(ع )
|
|
الإمام الحسن (عليه
السلام) في عهد الرسول الأعظم(صلَّى الله عليه وآله)
|
|
ولد الإمام الحسن(عليه السلام) في حياة جدّه الرسول
الأكرم(صلَّى الله عليه وآله) وعاش في كنفه سبع سنوات وستّة أشهر من عمره
الشريف، وكانت تلك السنوات على قلّتها كافية لأن تجعل منه الصورة المصغّرة عن
شخصية الرسول حتى ليصبح جديراً بذلك الوسام العظيم الذي حباه به جدّه، حينما قال
له : "أشبهت خلقي وخلقي"( حياة الإمام الحسن: 1 /
67، وسيرة الأئمة الإثني عشر للحسني: 1 / 513، وصلح الإمام الحسن لفضل الله ـ 15
عن الغزالي في إحياء العلوم . وحول شبهه(عليه السلام) بجدّه راجع : تاريخ
اليعقوبي: 2 / 226 ط . صادر، والبحار ج10، وأعيان الشيعة ج4، وذكر ذلك العلاّمة
المحقّق الأحمدي عن كشف الغمة : 154، والفصول المهمة للمالكي، والإصابة: 1 /
328، وكفاية الطالب 267، وتهذيب تاريخ ابن عساكر: 4 / 202، وينابيع المودة: 137،
وتاريخ الخلفاء: 126 ـ 127، والتنبيه والاشراف: 261 .). إن كلمة الرسول(ص) للإمام الحسن(عليه السلام) : "أشبهت خَلقي وخُلقي" تعدّ وسام الجدارة
والاستحقاق لذلك المنصب الإلهي الذي هو وراثة الرسالة وخلافة النبي(ص) بعد خلافة
وصيه علي بن أبي طالب (ع) . |
|
يوم المباهلة
ومداليله :
|
|
وفد
بعض أساقفة نصارى نجران على النبي(صلَّى الله عليه وآله) وناظروه في عيسى، فأقام
عليهم الحجة فلم يقبلوا، ثم اتفقوا على المباهلة(من البهلة : وهي اللعنة، ثم كثر استعمال الابتهال في المسألة
والدعاء إذا كان بإلحاح .) أمام الله
على أن يجعلوا لعنة الله الخالدة وعذابه المعجّل على الكاذبين . |
|
أوّلاً : الأنموذج
الحي :
|
|
إنّ
إخراج الحسنين (عليهما السلام) في قضية المباهلة لم يكن أمراً عادياً، وإنّما
كان مرتبطاً بمعاني ومداليل خطيرة، أهمها: أنّ النبي(صلَّى الله عليه وآله) حينما
يكون على استعداد للتضحية بنفسه وبهؤلاء الذين يعتبرهم القمّة في النضج الرسالي،
بالإضافة إلى أنّهم أقرب الناس إليه فإنّه لا يمكن أن يكون كاذباً ـ والعياذ
بالله ـ في دعواه، كما لاحظه وأقرّه رؤساء النصارى الذين جاءوا ليباهلوه، وكذلك
يدل على تفانيه في رسالته الإلهيّة وعلى ثقته بما يدعو إليه . |
|
ثانياً : في خدمة
الرسالة :
|
|
إنّ
اعتبار الإمام الحسن وأخيه الحسين (ع) في صباهما المثل الأعلى والأنموذج المجسّد
للإسلام وعي عقائدي سليم فرضته الأدلة والبراهين التي تؤكّد بشكل قاطع على أن
الأئمة الأطهار(ع) كانوا في حال طفولتهم في المستوى الرفيع الذي يؤهّلهم لتحمّل
الأمانة الإلهية وقيادة الأُمة قيادة حكيمة وواعية، كما سَجَّل التاريخ ذلك
بالنسبة لكل من الإمامين الجواد(ع) والمهدي "عجّل الله تعالى فرجه
الشريف" حيث شاءت الإرادة الإلهية أن يتحمّلا مسؤولياتهما القيادية في السنين
الأُولى من حياتهما، وهذا ليس بالغريب على من أرادهم الله حملة لدينه ورعاة
لبريته، فهذا عيسى بن مريم يتحدّث عنه القرآن الكريم بقوله : (فَأَشَارَتْ إليه قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي
الْمَهْدِ صَبِيَّاً * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ
وَجَعَلَنِي نَبِيَّاً ...)( مريم (19) : 29 ـ 30 .)
. |
|
ثالثاً : سياسات
لابدّ من مواجهتها :
|
|
هنالك مجموعة من الغايات التربوية
والسياسية التي كانت تكمن وراء إشراك النبي(ص) أهل بيته في المباهلة، منها : |
|
شهادة الحسنين
(عليهما السلام) على كتاب لثقيف :
|
|
لقد أشهد النبي(صلَّى الله عليه وآله) الحسنين
(عليهما السلام) حينما كتب كتاباً لثقيف، وأثبت فيه شهادة عليّ والحسنين صلوات
الله وسلامه عليهم . |
|
حضور الحسنين (عليهما
السلام) بيعة الرضوان :
|
|
لقد حضر الحسنان (عليهما السلام) بيعة الرضوان،
واشتركا في البيعة مع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وعرف ذلك عند المؤرّخين
. |
|
الحسن والحسين إمامان
:
|
|
روي عن النبي(ص) أنّه قال : "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا"( راجع علل الشرائع : 1 /
211 .). رغم أنّه لم يكن عمرهما
حينئذ قد تجاوز الخمس سنوات، وبذا يكون للحديث أهميته وعمق دلالته في معناه،
ونجد الإمام الحسن يستدلّ بهذا القول على من يعترض عليه في صلحه مع معاوية (راجع علل الشرائع : 1 /
211 .) . |
|
الإمام
الحسن (عليه السلام) في عهد الخلفاء
|
|
في عهد أبي بكر وعمر
:
|
|
بوفاة
الرسول الأعظم (ص) ينتهي عهد الرسالة ويبدأ عهد
الإمامة، بدءً بإمامة علي بن أبي طالب (ع) والذي عيّنه الرسول الأمين ليتحمّل
أعباء الثورة الإلهية المباركة والقيادة الربّانيّة للأُمة الإسلامية، التي
حباها الله بوافر لطفه، وأنقذها من براثن الجاهلية، لتنعم في ظلِّ الهداية
الرشيدة إلى حيث الكمال والجلال . |
|
1 ـ الحسنان(عليهما السلام) وفدك : |
|
لقد توفّي الرسول الأعظم محمد(صلَّى الله عليه
وآله) وحدث بعده ما حدث من استئثار القوم بالأمر، وتنصيب أبي بكر خليفةً على
المسلمين، وإقصاء علي ابن أبي طالب(عليه السلام) عن محلّه الطبيعي الذي أهّله
الله سبحانه وتعالى له، وتعرض فاطمة الزهراء(عليها السلام) بنت النبي الأعظم(ص)
لاغتصاب إرثها من أبيها، ومصادرة ما كان النبي قد ملّكها في حال حياته، وما دار
بينها وبين أبي بكر من مساجلات واحتجاجات حول هذا الموضوع، حتى طلب منها أن تأتي
بالشهود لإثبات ما تدّعيه، فجاءت بأمير المؤمنين(ع) وبالحسنين (عليهما السلام)
وباُم أيمن ( رضي الله عنها)، ولكنّ أبا بكر ردّ الشهود، ورفض إرجاع حقّها إليها
. |
|
2 ـ اعتراضه على أبي بكر :
|
|
وللحسن بن عليّ (عليهما السلام) موقف مع أبي بكر،
حيث جاء إليه يوماً وهو يخطب على المنبر، فقال له : انزل
عن منبر أبي، فأجابه أبو بكر : صدقت والله، إنّه لمنبر أبيك لا منبر أبي(تاريخ الخلفاء للسيوطي :
80، الصواعق المحرقة : 175 .). |
|
3 ـ الإمام الحسن (عليه السلام) وأسئلة
الأعرابي :
|
|
تقوم الإمامة على ركنين رئيسين : أحدهما : الكفاءة
التي تشمل العلم والعصمة وغيرهما، والآخر: النص، من هنا نجد الأئمة (عليهم
السلام) كانوا يهتمّون بذكر هذه النصوص والتذكير بها والتركيز عليها باستمرار،
وقد كان الإمام الحسن (عليه السلام) قد أولى اهتماماً خاصّاً ـ وفي كثير من أقواله
ومواقفه ـ لذكر هذه النصوص، ومن ذلك قوله: إنّهم هم الذين افترض الله طاعتهم،
وإنّهم أحد الثقلين(الغدير : 1 / 198 .). |
|
4 ـ الإمام الحسن(عليه السلام) في الشورى :
|
|
بعد أن طعن عمر بن الخطاب، ورتّب قضية الشورى على
النحو المعروف قال للمرشحين : "وأحضروا معكم من شيوخ الأنصار وليس لهم من
أمركم شيء، وأحضروا معكم الحسن بن علي وعبد الله بن عباس، فإنّ لهما قرابة،
وأرجو لكم البركة في حضورهما، وليس لهما من أمركم شيء . ويحضر عبد الله
مستشاراً، وليس له من الأمر شيء" فحضر هؤلاء(الإمامة والسياسة : 1 / 28 .). |
|
في
عهد عثمان :
|
|
1 ـ الإمام الحسن (عليه السلام) في وداع
أبي ذر :
|
|
"يا عمّاه! لو لا أنّه لا ينبغي للمودّع أن يسكت وللمشيّع
أن ينصرف; لقصر الكلام وإن طال الأسف، وقد أتى من القوم إليك ما ترى، فضع عنك
الدنيا بتذكّر فراغها، وشدّة ما اشتد منها برجاء ما بعدها، واصبر حتى تلقى
نبيّك(صلَّى الله عليه وآله) وهو عنك راض"( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 8 / 253، والغدير : 8 / 301،
وروضة الكافي : 8 / 207 .) . |
|
2 ـ هل اشترك الإمام الحسن(عليه السلام) في
الفتوح ؟
|
|
قال بعض المؤرّخين :
وفي سنة ثلاثين غزا سعيد بن العاص "طبرستان"، وكان أهلها في خلافة عمر
قد صالحوا سويد بن مقرن على مال بذلوه، ثم نقضوا فغزاهم سعيد بن العاص ومعه
الحسن والحسين وابن عبّاس!. أ ـ إنّ تلك الفتوحات
لم تكن عموماً من أجل مصالح الإسلام العليا، حيث إنّ الحكام كانوا يستفيدون من
تلك الفتوحات في مجال إرضاء طموحاتهم وإشباع غرورهم، فقد أسالت الفتوحات لعابهم
بما فيها من غنائم وبسط نفوذ، فصاروا يهتمّون بتقوية أمرهم وتثبيت سلطانهم،
وهناك من الحكّام من كان الدين والإسلام بنظرهم مجرد شعار يخدم ملكهم ويقوّيه . |
|
3 ـ الإمام الحسن(عليه السلام) وحصار عثمان
:
|
|
نقل بعض المؤرّخين:
أنّه حينما حاصر الثائرون عثمان; بعث الإمام أمير المؤمنين(ع) بولديه الحسن والحسين
(ع) للدفاع عنه، بل قالوا : إنّ الإمام الحسن(عليه السلام) قد جرح وخضّب بالدماء
على باب عثمان من جرّاء رمي الناس عثمان بالسهام، ثم تسوّر الثائرون الدار على
عثمان وقتلوه، وجاء الإمام علي(ع) كالواله
الحزين، فلطم الحسن وضرب صدر الحسين(عليه السلام) وشتم آخرين، منكراً عليهم أن
يُقتل عثمان وهم على الباب(راجع الصواعق المحرقة: 115 ـ 116، ومروج الذهب : 2 / 344 ـ
345، والإمامة والسياسة : 1 / 44 و 42 و 43، وأنساب الأشراف: 5 / 69 و 70 و 74
و93 و95، والبدء والتاريخ : 5 / 206، وتاريخ مختصر الدول 105.). |
|
4 ـ هل جرح الإمام الحسن(عليه السلام)
أثناء دفاعه عن عثمان؟
|
|
ويبقى أن نشير إلى أنّنا نشكّ في صحة ما ذكرته
الرواية من أنّ الإمام الحسن(عليه السلام) قد جرح أثناء الدفاع عن عثمان; وذلك
لأن الإمام عليّاً(عليه السلام) وإن كان يمكن أن يكون قد أرسل ابنيه ـ أو الإمام
الحسن وحده ـ للدفاع عن عثمان، وقد جاءا إليه وعرضا له المهمّة التي أوكلها
إليهما أبوهما إلاّ أنّه يبدو أنّ عثمان قد ردّهما ولم يقبل منهما ذلك، وثمّة
نصوص عديدة(الحياة
السياسية للإمام الحسن : 150 ـ 151 .)
توضّح ذلك نشير إلى أحدها : "ثم دعا عليّ بابنه الحسن، فقال: انطلق يا بنيّ إلى عثمان فقل له : يقول لك أبي : أفتحبّ أن
أنصرك؟ فأقبل الحسن إلى عثمان برسالة أبيه، فقال عثمان : لا، ما أريد
ذلك، لأنّي قد رأيت رسول الله ـ إلى أن قال ـ : فسكت الحسن، وانصرف إلى أبيه،
فأخبره بذلك"(
الفتوح لابن أعثم : 2 / 228 .). |
|
5 ـ هل كان الإمام الحسن(عليه السلام)
عثمانياً ؟
|
|
هنالك
جملة من الافتراءات ألحقها بعض كتّاب التاريخ بالحسن(ع)، ومن هذه الافتراءات:
دعوى أنّ الإمام الحسن(ع) "كان عثمانياً بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة"،
قالوا : "وربما غلا في عثمانيّته، حتى قال لأبيه ذات يوم ما لا يحبّ، فقد
روى الرواة : أنّ عليّاً مرّ بابنه الحسن وهو يتوضّأ، فقال
له : أسبغ الوضوء يا حسن! فأجابه الحسن بهذه الكلمة المرة : "لقد
قتلتم بالأمس رجلاً كان يسبغ الوضوء" فلم يزد عليٌ أن قال : لقد أطال الله
حزنك على عثمان"، وفي نصٍّ آخر للبلاذري : "لقد قتلت رجلاً كان يسبغ
الوضوء"(
الفتنة الكبرى قسم : علي وبنوه 176، وأنساب الأشراف : 3 / 12 بتحقيق المحمودي .) . |
|
الإمام الحسن(عليه السلام) في عهد الدولة العلوية
|
|
1 ـ البيعة لأمير المؤمنين (عليه السلام)
بالخلافة :
|
|
لقد
كان عامة المسلمين يتطلّعون بلهفة إلى من سيخلف عثمان عندما تتمخّض الأحداث عن
قتله أو اعتزاله، ولقد كان الطامعون فيها أكثر من واحد، ومن بين أُولئك من عمّق
مجرى الأحداث ووسّع دائرتها وأمدّ النار المتأجّجة بالوقود كطلحة والزبير وعائشة،
وكان من أكثر الناس لهفة عليها طلحة، وبلغ به الحال أن سبق نتائج تلك الأحداث،
وأخذ لنفسه المكان الذي قدّر أنّ الأيّام ستضعه فيه، فاستولى على بيت المال،
وأقام الصلاة بالناس وعثمان محصور في داره لا يزال على قيد الحياة . |
|
2 ـ استنجاد الإمام علي(عليه السلام)
بالكوفة :
|
|
بينما
كان الإمام علي (ع) يتهيّأ لمواجهة معاوية لمّا
أعلن التمرّد على حكومته ورفض بيعته، وبينما هو جادّ في تدبير الأمر إذ فاجأه
الخبر عن هياج بعض أهل مكة للطلب بدم عثمان بتحريض من طلحة والزبير وعائشة
وأتباعهم من الأُمويين، فأشفق من انشقاق الكلمة واختلاف شمل المسلمين، ورأى أنّ
خطرهم أقوى من خطر معاوية، وشرّهم أقوى من شرّه، وإذا لم يبادر لإخماد هذه
الفتنة فإنّها يوشك أن تتّسع ويكثر التمرّد والاختلاف، فتجهّز للتحرك نحوهم،
وشمّرت لنصرته البقية الصالحة من المهاجرين والأنصار، وخرجوا مسرعين ليلحقوا بهم
قبل أن يدخلوا مصراً من الأمصار فيفسدوه، فلمّا بلغوا الربذة علموا بسبقهم إلى
البصرة وبالحوادث التي جرت فيها، فأقام الإمام (ع)
بالربذة أيّاماً يحكّم أمره، وأرسل إلى جماهير أهل الكوفة يستنجد بهم
ويدعوهم إلى نصرته والقيام معه لإخماد نار الفتنة، وأوفد
لِلقياهم محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر، وزوّدهما
برسالة جاء فيها : "أنّي اخترتكم على
الأمصار، وفزعت إليكم لما حدث، فكونا لدين الله أعواناً وأنصاراً، وأيّدونا
وانهضوا إلينا، فالإصلاح ما نريد لتعود الأُمة إخواناً، ومن أحبّ ذلك وآثره فقد
أحبّ الحق، ومن أبغض ذلك فقد أبغض الحقّ وأغمضه"( الطبري : 3 / 393 و 394
.) . |
|
3 ـ إيفاد الإمام الحسن(عليه السلام) :
|
|
بعد
أن عرف الإمام عليّ(عليه السلام) إصرار أبي موسى وعدم إفلاح الرسل معه; بعث إليه
ولده الحسن ومعه عمار بن ياسر، وأرسل معه رسالة فيها عزل أبي موسى عن منصبه
وتعيين قرضة بن كعب مكانه، وهذا نصّ رسالته : "أمّا
بعد، فقد كنت أرى أن تعزب عن هذا الأمر الذي لم يجعل الله لك نصيباً منه، يمنعك
عن ردّ أمري وقد بعثت الحسن بن عليّ وعمار بن ياسر يستفزّان الناس، وبعثت قرضة
بن كعب والياً على المصر، فاعتزل عملنا مذموماً مدحوراً، فإن لم تفعل فإنّي قد
أمرته أن ينابذك"( حياة الإمام الحسن للقرشي : 1 / 434 .) . جزى الله أهل الكوفة اليوم
نصرة = أجابو ولم يأبوا بخذلان من خذل (الغدير : 2 / 76 .) وقالوا عليّ خير حاف وناعل = رضينا به من ناقضي العهد من بدل وعجّت الكوفة بالنفير ونزحت منها آلاف كثيرة، وقد
بدا عليهم الرضا والقبول، وساروا وهم تحت قيادة الإمام الحسن(ع)، فانتهوا إلى ذي
قار(ذي قار : ماء
لبكر بن وائل قريب من الكوفة يقع بينها وبين واسط . معجم البلدان : 7 / 8 .) وقد التقوا بالإمام أمير المؤمنين (ع) حيث كان
مقيماً هناك، فسرّ بنجاح ولده، وشكر له جهوده ومساعيه . |
|
4 ـ التقاء الفريقين في البصرة وخطاب
الإمام الحسن(عليه السلام) :
|
|
وتحرّكت كتائب الإمام من ذي قار حتى انتهت إلى
الزاوية(الزاوية:
موضع قريب من البصرة . معجم البلدان : 4 / 37 .).
وبعث(عليه السلام) إلى عائشة يدعوها إلى حقن الدماء وجمع كلمة المسلمين، كما
بعث(عليه السلام) برسالة إلى طلحة والزبير يدعوهما إلى الوئام ونبذ الشقاق(حياة الإمام الحسن
للقرشي : 1 / 442 ـ 443 .) إلاّ
أنّهم جميعاً لم يستجيبوا لنداء الحقّ، وأصرّوا على مقاومة الإمام ومناجزته . |
|
5 ـ الإمام علي (عليه السلام) في الكوفة
بعد حرب الجمل :
|
|
بعد أن وضعت حرب الجمل أوزارها توقَّف الإمام أمير
المؤمنين(ع) شهراً في البصرة، ثم غادرها متوجّهاً إلى الكوفة، مخلّفاً عبد الله
بن عباس عليها، وقد مكث أمير المؤمنين(ع) عدّة أشهر في الكوفة قبل أن يتحرك نحو
صفّين لقتال القاسطين (أي معاوية وأنصاره)، وقد قام خلال هذه الفترة بتعيين
وظائف ولاته وتنظيم الأمور، كما وتبادل الرسائل مع معاوية وغيره من المتمرّدين
على خلافته(ع) . |
|
6 ـ خطاب الإمام الحسن (عليه السلام) :
|
|
نقل العلاّمة المجلسي (رضوان الله تعالى عليه) عن
كتاب "العدد" روايةً أشارت إلى أنّ بعض أهل الكوفة اتّهموا الإمام
الحسن(عليه السلام) بضعف الحجّة والعجز عن الخطابة، ولعلّ هذه الرواية متعلّقة
بهذه الفترة (زندگانى
إمام حسن مجتبى، للسيد هاشم رسولي : 138 .). |
|
7 ـ تهيّؤ الإمام علي(عليه السلام) لجهاد
معاوية :
|
|
لمّا أخفقت جميع الوسائل التي سلكها الإمام أمير
المؤمنين(ع) من أجل السلم بعد إصرار معاوية على محاربة السلطة الشرعية والإطاحة
بالخلافة الإسلامية وإعادة المثل الجاهلية وزحفه بجيشه إلى صفين واحتلال الفرات،
تهيّأ(ع) للحرب وقد استدعى المهاجرين والأنصار
الذين خفّوا لنجدته، فقال لهم : "إنّكم ميامين
الرأي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحقّ، مباركو الفعل والأمر، وقد أردنا المسير إلى
عدوّنا فأشيروا علينا برأيكم" .
(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1 /
283 .) |
|
8 ـ في معركة صفّين :
|
|
احتشد الجيشان في صفيّن، وبَذَلَ الإمام علي (عليه
السلام) العديد من المساعي لتفادي وقوع الحرب مع معاوية، إلاّ أنّها لم تفلح،
ممّا اضطرّ الإمام عليّاً(عليه السلام) لخوض غمار حرب استمرت عدة أشهر، وراح
خلالها ـ ضحيةً لسلطوية معاوية ـ الآلاف من المسلمين والمؤمنين . |
|
9 ـ أملكوا عنّي هذا الغلام :
|
|
لم تكن المواجهة في صفّين على وتيرة واحدة، فكانت
تارةً على شكل مناوشات بين الفريقين، وتارة أخرى كانت بصورة التحام كامل بين
الجيشين، وأول مواجهة حيث اتّخذت شكل الالتحام العام رأى الإمام علي (عليه
السلام) ابنه الإمام الحسن(عليه السلام) يستعدّ ليحمل على صفوف أهل الشام، فقال
لمن حوله : "أملكوا عنّي هذا الغلام لا يهدّني(يهدّني : أي يهلكني .) فإنّني أنفس(أنفس : أبخل .) بهذين الغلامين ـ يعني الحسن والحسين ـ لئلاّ ينقطع بهما نسل
رسول الله"( حياة الإمام الحسن : 1 / 497 .) . |
|
10 ـ الإمام الحسن(عليه السلام) والتحكيم :
|
|
بعد أن مضت عدّة أشهر على المواجهة بين جيش الإمام
علي (عليه السلام) وجيش معاوية، وبعد الخسائر الكبيرة التي لحقت بالجانبين، أوشك
جيش الحقّ بقيادة أمير المؤمنين(عليه السلام) على تحقيق النصر ووضع حدٍّ لهذا
النزف الذي أوجده معاوية في جسم الأمة الإسلامية، إلاّ أنّ عمرو بن العاص أنقذ
جيش معاوية من الهزيمة المؤكدة، عندما دعا هذا الجيش إلى رفع المصاحف على الرماح
والمطالبة بتحكيم القرآن بين الجانبين . |
|
11 ـ وصية الإمام أمير المؤمنين إلى ابنه
الحسن :
|
|
ووجّه
الإمام لدى عودته من صفّين بمنطقة يقال لها: "حاضرين" وصيةً مهمّة إلى
ابنه الحسن (عليه السلام) وقد تضمّنت دروساً بليغة : واعلم أنّ الذي بيده خزائن السماوات والأرض قد أذن لك في الدعاء،
وتكفّل لك بالإجابة، وأمرك أن تسأله ليعطيك، وتسترحمه ليرحمك، ولم يجعل بينك
وبينه من يحجبك عنه . ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه من مسألته،
فمتى استفتحت بالدعاء أبواب نعمته، واستمطرت شآبيب(شآبيب : جمع الشؤبوب ـ بالضم
ـ وهو الدفعة من المطر، وما أشبه رحمة الله بالمطر ينزل على الأرض الموات
فيحييها .)
رحمته، فلا يُقنّطك(القنوط : اليأس .) إبطاء إجابته، فإنّ العطيّة على قدر النيّة، وربّما أُخّرت
عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل، وأجزل لعطاء الآمل، وربّما سألت الشيء
فلا تؤتاه، وأوتيت خيراً منه عاجلاً أو آجلاً، أو صُرف عنك لما هو خيرٌ لك،
فلرُبّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أُوتيته فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله،
ويُنفى عنك وباله، فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له . واعلم يقيناً أنّك لن تبلغ أملك، ولن تعدو أجلك، وأنّك في سبيل من
كان قبلك، فخفّض(خفّض : أمر من خفّض ـ بالتشديد ـ: أي أرفق .) في الطلب، وأجمل(أجمل في كسبه : أي سعى سعياً
جميلاً لا يحرص فيمنع الحق ولا يطمع فيتناول ما ليس بحق .) في
المكتسب، فإنّه رُبَّ طلب قد جرّ إلى حَرَب(حَرَب ـ بالتحريك ـ: سلب المال .) فليس كل طالب بمرزوق،
ولا كل مجمل بمحروم . وأكرم نفسك عن كل دنيّة(الدنيّة : الشيء الحقير المبتذل .) وإن ساقتك إلى
الرغائب(الرغائب
: جمع رغيبة، وهي ما يرغب في اقتنائه من مال وغيره .)، فإنّك لن تعتاض بما
تبذل من نفسك عوضاً(عِوضاً : بدلاً .). ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك، ولا ترغبنّ فيمن زهد عنك، ولا يكوننّ
أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته، ولا تكوننّ على الإساءة أقوى منك على
الإحسان، ولا يَكبُرنَّ عليك ظلم من ظلمك، فإنّه يسعى في مضرته ونفعك، وليس جزاء
من سرّك أن تسوءه. استَودِعِ الله دينك ودُنياك، واسألهُ
خير القضاء لكَ في العاجلة والآجلة والدنيا والآخرة، والسلام) |
|
12 ـ النهروان ومؤامرة قتل أمير
المؤمنين(عليه السلام) :
|
|
أدّى نفاق وتمرّد بعض الجهلاء والمتظاهرين بالتديّن
إلى أن تتمرّد مجموعة كبيرة من جيش أمير المؤمنين(ع)
فترفض الانصياع لأوامره، بل ذهب هؤلاء المارقون إلى أبعد من ذلك عندما أصدروا
حكماً بتكفير الإمام (ع) . |
|
13 ـ في ليلة استشهاد الإمام أمير المؤمنين
(عليه السلام) :
|
|
لما
عزم الإمام علي (عليه السلام) على الخروج من بيته ـ قبل أن تشرق أنوار الفجر ـ
إلى مناجاة الله وعبادته في مسجد الكوفة صاحت في وجهه إوز كانت قد أُهدِيَتْ إلى
الحسن، فتنبّأ(عليه السلام) من صياحهنّ وقوع الحادث العظيم والرزء القاصم،
قائلاً : "لا حول ولا قوّة إلا بالله، صوائح
تتبعها نوائح" . أُشدد حيازيمك للموت = فإن الموت لاقيكا ولا تجزع من الموت =
إذا حلّ بواديكا واضطرب
الإمام الحسن(ع) من خروج أبيه في هذا الوقت الباكر فقال له: "ما أخرجك في هذا الوقت؟". |
|
14 ـ الإمام الحسن (عليه السلام) بجوار
والده(عليه السلام) الجريح :
|
|
وصل أمير المؤمنين(عليه السلام) مسجد الكوفة ووقعت
تلك الفاجعة العظمى على يد أشقى الأشقياء، وسمع أهل الكوفة بالفاجعة، فهرعوا إلى
المسجد وخفّ أبناء الإمام(عليه السلام) مسرعين، وكان الإمام الحسن(عليه السلام)
في مقدمة الذين وصلوا المسجد فوجد أباه(عليه السلام) صريعاً في محرابه وقد تخضّب
وجهه ولحيته بدمه، وجماعة حافّين به يعالجونه للصلاة، ولمّا وقع نظره على
ولدهالحسن(عليه السلام); أمره أن يصلّي بالناس، وصلّى الإمام وهو جالس والدم
ينزف منه. |
|
15 ـ آخر وصايا أمير المؤمنين (عليه
السلام) :
|
|
وأخذ الإمام يوصي أولاده بمكارم الأخلاق، ويضع بين
أيديهم المثل الرفيعة، ويلقي عليهم الدروس القيّمة، وقد وجه (عليه السلام)
نصائحه الرفيعة أولاً لولديه الحسن والحسين، وثانياً لبقية أولاده وعموم
المسلمين قائلاً : |
|
16 ـ الإمام علي (عليه السلام) ينصّ على
خلافة ابنه الحسن (عليه السلام) :
|
|
ولمّا علم أمير المؤمنين أنّه مفارق لهذه الدنيا
وأنّ لقاءه بربّه لقريب; عهد بالخلافة والإمامة لولده الحسن، فأقامه من بعده
لترجع إليه الأُمة في شؤونها كافة، ولم تختلف كلمة الشيعة في ذلك، فقد ذكر ثقة
الإسلام الكليني أنّ أمير المؤمنين أوصى إلى الحسن، وأشهد على وصيته الحسين
ومحمداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع إليه الكتب والسلاح، وقال
له: "يا بني! أمرني رسول الله (صلى الله عليه
وآله) أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي، كما أوصى إلي رسول الله ودفع
إليّ كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين"
. |
|
17 ـ إلى الرفيق الأعلى :
|
|
ولمّا فرغ الإمام أمير المؤمنين من وصاياه أخذ
يعاني آلام الموت وشدّته، وهو يتلو آي الذكر الحكيم ويكثر من الدعاء والاستغفار،
ولمّا دنا منه الأجل المحتوم كان آخر ما نطق به قوله تعالى : (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ) ثم فاضت
روحه الزكية إلى جنّة المأوى وسمت إلى الرفيق الأعلى، وارتفع ذلك اللطف الإلهي
إلى مصدره، فهو النور الذي خلقه الله ليبدّد به غياهب الظلمات . |
|
18 ـ تجهيزه ودفنه :
|
|
وأخذ الحسن (عليه السلام) في تجهيز أبيه، فغسَّل
الجسد الطاهر وطيَّبه بالحنوط، وأدرجه في أكفانه، ولمّا حل الهزيع الأخير من
الليل خرج ومعه حفنة من آله وأصحابه يحملون الجثمان المقدّس إلى مقرّه الأخير
فدفنه في النجف الأشرف حيث مقره الآن كعبة للوافدين ومقراً للمؤمنين والمتقين
ومدرسة للمتعلمين، ورجع الإمام الحسن بعد أن وارى أباه إلى بيته وقد استولى عليه
الأسى والذهول وأحاط به الحزن(حياة الإمام الحسن : 1 / 568 ـ 569 .) . |
|
الباب الثالث:
|
|
فيه فصول: |
|
الفصل الأول: عصر الإمام الحسن
المجتبى (عليه السلام)
|
|
إنّ
الخوارج حينما خرجوا على أمير المؤمنين (عليه السلام) وتمرّدوا عليه; لم يكن
لحركتهم أيّة ميزة على غيرهم من المتمرّدين عليه كطلحة والزبير ومعاوية وغيرهم،
ولم يكن لهم هدف خاص كما كان لمعاوية وطلحة والزبير، وما ينسبه لهم المؤرّخون من
الجدل حول التحكيم مع أنّهم من أنصاره في بداية الأمر ـ ونتائجه لم يلتزم بها
أمير المؤمنين (عليه السلام) إن صحّ ـ يدلّ على أنّهم كانوا في منتهى السذاجة
والعفوية، وأنّهم كانوا ضحايا المتآمرين على أمير المؤمنين بقصد إثارة الفتن في
جيشه وإلهائه عن معاوية والرجوع لحربه، وكان لمقتلهم آثاره السيئة في نفوس
الكثيرين من أصحابه، لأنّ القتلى كان أكثرهم ينتمي إلى عشائر الكوفة والبصرة،
فليس بغريب إذا ترك قتلهم في نفوس من ينتمون إليهم ما يجده كلّ قريب لفقد قريبه
. |
|
الفصل الثاني: مواقف الإمام (عليه
السلام) وإنجازاته
|
|
البحث الأول : من البيعة إلى الصلح
|
|
1 ـ خطبة الإمام الحسن (عليه السلام) يوم شهادة أبيه (عليه
السلام) : |
|
تحدّث أغلب المؤرّخين عن أنّ الإمام الحسن (عليه
السلام) ألقى في صباح الليلة التي دَفَنَ فيها أباه (عليه السلام) خطبةً في
الناس جاء فيها : |
|
2 ـ بيعة الإمام الحسن (عليه السلام) :
|
|
ولمّا أنهى الإمام (ع) خطابه، انبرى عبيد الله بن
العباس فحفّز المسلمين إلى المبادرة لمبايعته قائلاً : |
|
3 ـ الإمام الحسن (ع) يقتصّ من قاتل أمير
المؤمنين (ع) :
|
|
وفي اليوم الذي بايع الناس الإمام الحسن (ع) وبعد
إتمام البيعة أمر بإحضار عبد الرحمن بن ملجم فلمّا مثل بين يديه قال له ابن ملجم : ما الذي أمرك به أبوك ؟ فأجابه
الإمام (ع) : "أمرني أن لا أقتل غير قاتله، وأن
أُشبع بطنك وأُنعم وطأك"( تاريخ اليعقوبي : 2 / 191، وتاريخ الطبري: 6 / 86، ومقاتل
الطالبيين: 16، وتاريخ ابن الأثير: 3 / 170 .)
. ثم ضرب عنقه، ولم يمثِّل به. |
|
4 ـ جهاد الإمام الحسن (عليه السلام) :
|
|
يكشف
النصّ التاريخي ـ الذي نقلناه سابقاً عن قيام الإمام (عليه السلام) بمضاعفة
الأجور التي كان يتقاضاها المقاتلة ـ عن موقف الإمام (عليه السلام) الجادِّ من
الحرب وإصراره الأكيد في مجابهة معاوية كما يتّضح من عمله في إصلاح حال جيشه
وبنائه له . فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى
= تجهّز لأخرى مثلها فكأن قدِ " ( مقاتل الطالبيين : 33 .) لقد
كانت هذه الحادثة إنذاراً لمعاوية بالحرب وتهديداً له وقطعاً لآماله بالاستيلاء
على الكوفة بسلام . |
|
5 ـ تحرك معاوية نحو العراق وموقف الإمام
(عليه السلام) :
|
|
وبدأ معاوية يعبّئ جيشه ويكتب لعمّاله بموافاته
لغزو العراق، وفي بعض كتبه لعمّاله يذكر أنّ بعض أشراف الكوفة وقادتهم كتبوا
إليه يلتمسون منه الأمان لأنفسهم وعشائرهم، وإن صح هذا فهو أول الخذلان الذي
ارتكبه أهل الكوفة بحقّ الإمام الحسن (عليه السلام) . |
|
6 ـ استنكار الموقف المتخاذل :
|
|
وهكذا
وقف أهل الكوفة هذا الموقف المتخاذل من قائدهم وإمامهم، إذ سكتوا حيث طلب منهم
الإجابة على ندائه بالخروج إلى معسكرهم في النخيلة، فتحوّلت أعينهم وهلعت
قلوبهم، فلمّا رأى ذلك عدي بن حاتم الطائي قام فقال : "أنا
ابن حاتم، سبحان الله ! ما أقبح هذا المقام! ألا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيّكم؟
أين خطباء المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة، فإذا جَدّ الجدّ فروّاغون
كالثعالب؟ أما تخافون مقت الله، ولا عيبها وعارها". |
|
7 ـ الاتجاهات المتضادة في جيش الإمام
(عليه السلام) :
|
|
كان جيش الإمام (عليه السلام) يتكوّن من خليط غريب،
فقد تجمّعت فيه عدّة اتجاهات مختلفة وعناصر متضادة، ويمكن بالنظرة الأُولى
تصنيفه إلى فئات : أ ـ الخوارج : وهم الذين خرجوا عن طاعة الإمام عليّ
(عليه السلام) وحاربوه وناوؤه ونصبوا له العداوة، فكانوا قد وجدوا من الإمام
الحسن (ع) حلاًّ وسطاً، فانضموا إليه لمحاربة معاوية، وهؤلاء أناس تستثيرهم أدنى
شبهة عارضة فيتعجّلون الحكم عليها، وسنرى أنّهم كيف وثبوا على الإمام الحسن
(عليه السلام) فيما بعد. |
|
8 ـ طلائع جيش الإمام الحسن (عليه السلام)
:
|
|
انتهى الإمام الحسن (عليه السلام) بجيشه إلى
النخيلة، فأقام فيها ونظّم الجيش، ثمّ ارتحل عنها وسار حتى انتهى إلى " دير
عبد الرحمن " فأقام به ثلاثة أيام ليلتحق به المتخلّفون من جنده، وأرسل
مقدمة جيشه للاستطلاع على حال العدو وإيقافه في محلّه، واختار إلى مقدّمته خلّص
أصحابه وخيرة عناصر جيشه، وكان عددهم اثني عشر ألفاً، وأعطى القيادة العامة إلى
ابن عمّه عبيد الله بن العباس، وقد زوّده قبل تحرّكه بهذه الوصية القيّمة وهي : |
|
9 ـ خيانة قائد الجيش :
|
|
وصل عبيد الله بن العباس إلى " مسكن "( موضع قريب من "
أوانا " على نهر الدجيل، وبها كانت الواقعة بين عبد الملك بن مروان ومصعب
بن الزبير سنة / 72 هـ .) فعسكر
فيها، وقابل العدوّ وجهاً لوجه، وعندها بدأت تظهر بوادر الفتنة بوضوح، وانطلقت
دسائس معاوية تشقّ طريقها إلى المعسكر حيث تجد المجال الخصب بوجود المنافقين ومن
يؤثرون العافية، وكانت الشائعة الكاذبة " أنّ الحسن يكاتب معاوية على الصلح
فلِمَ تقتلون أنفسكم ؟ "( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 16 / 42 .) . |
|
10 ـ توالي الخيانات في جيش الإمام (عليه
السلام) :
|
|
وصلت
أنباء استسلام عبيد الله لعدوّه إلى المدائن، وشاع جوّ من المحنة في النفوس،
وشعر الإمام (ع) بالطعنة في الصميم تأتيه من أقرب الناس إليه وأخصّهم به،
وتسرّبت إليه أنباء عن مكاتبة بعض رؤساء الأجناد والقوّاد لمعاوية وطلبهم الأمان
لأنفسهم وعشائرهم، ومكاتبة معاوية لبعضهم بالأمان والمواعيد (أعيان الشيعة : 4 / 22
.) . وغادر الوفد مقصورة الإمام مستعرضاً مضارب الجيش
الذي كان يترقّب نتائج المفاوضات، فرفع أحد أفراد الوفد صوته ليسمعه الناس :
"إنّ الله قد حقن بابن رسول الله الدماء وسكّن الفتنة وأجاب إلى الصلح
..."( تأريخ
اليعقوبي : 2 / 191 .) . |
|
11 ـ محاولات اغتيال الإمام (عليه السلام)
:
|
|
ولم
تقف محنة الإمام (عليه السلام) في جيشه إلى هذا الحدّ، فقد أقدم المرتشون
والخوارج على قتله، وجرت ثلاث محاولات لاغتياله (عليه
السلام) وسلم منها، وهي كما يلي : 1
ـ إنّه (عليه السلام) كان يصلّي فرماه شخص بسهم فلم يؤثّر شيئاً فيه(حياة الإمام الحسن : 2 /
106 .) . 2
ـ طعنه الجرّاح بن سنان في فخذه، وقال الشيخ المفيد : " إنّ الحسن أراد أن
يمتحن أصحابه ليرى طاعتهم له وليكون على بصيرة من أمره، فأمر أن ينادى بالصلاة
جامعة، فلمّا اجتمع الناس قام خطيباً فقال : 3 ـ طعنه بخنجر في أثناء الصلاة(ينابيع المودة : 292 .) . |
|
12 ـ موقف الإمام الحسن (عليه السلام) :
|
|
قال الشيخ المفيد : "
.. ونظر ( الإمام الحسن (عليه السلام) ) في أمورهم ( أي في أمور الناس ) فازدادت
بصيرة الحسن (عليه السلام) بخذلان القوم له وفساد نيّات المحكِّمة فيه بما
أظهروه له من السبّ والتكفير له واستحلال دمه ونهب أمواله، ولم يبق معه من يأمن
غوايله إلاّ خاصّته من شيعة أبيه وشيعته وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام، فكتب
إليه معاوية في الهدنة والصلح، وأنفذ إليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها
الفتك به وتسليمه إليه، فاشترط له على نفسه في إجابته إلى صلحه شروطاً كثيرة،
وعقد له عقوداً كان في الوفاء بها مصالح شاملة، فلم يثق به الحسن (ع) وعلم
باحتياله بذلك واغتياله، غير أنّه لم يجد بدّاً من إجابته إلى ما التمس من ترك
الحرب وإنفاذ الهدنة لما كان عليه أصحابه ممّا وصفناه من ضعف البصائر في حقّه
والفساد عليه والخلف منهم له وما انطوى عليه كثير منهم في استحلال دمه وتسليمه
إلى خصمه وما كان من خذلان ابن عمّه له ومصيره إلى عدوّه وميل الجمهور منهم إلى
العاجلة وزهدهم في الآجلة ..."( الإرشاد : 190 ـ 191 .) . |
|
البحث الثاني : في
الصلح وأسبابه ونتائجه
|
|
تعتبر المرحلة التي صالح فيها الإمام الحسن (عليه
السلام) معاوية بن أبي سفيان من أصعب مراحل حياته (عليه السلام) وأكثرها تعقيداً
وحسّاسية وأشدها إيلاماً، بل إنّها كذلك وعلى مدى حياة أهل بيت رسول الله (عليه
السلام)، وقد أصبح صلح الإمام (عليه السلام) من أهم الأحداث في التاريخ الإسلامي
بما تستبطنه من موقف بطولي للإمام المعصوم (عليه السلام)، وبما أدّى إليه من تطورات
واعتراضات وتفسيرات مختلفة طوال القرون السالفة وحتى عصرنا الحاضر، وألّف
الباحثون المسلمون في توضيح وتحليل الصلح كتباً عديدة، وأصدر الأعداء والأصدقاء
أحكامهم بشأنه. |
|
إتمام الحجّة :
|
|
ذكر المؤرّخون : أنّ الإمام الحسن (عليه السلام)
بعد أن رأى خيانات جيشه والمحيطين به ونفاقهم، مع أنّه لم يبق له ثمّة أمل في
ثباتهم وصمودهم في مواجهة العدو، ومع انكشاف ما تنطوي عليه تلك الضمائر من
رغبات، لكنّه (عليه السلام) ولكي يتمّ الحجة ألقى فيهم الخطاب الآتي : " ويلكم ! والله إنّ معاوية لا
يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي، وإنّي أظنّ إن وضعتُ يدي في يده فأسلمه لم
يتركني أدين بدين جَدّي، وإنّي اَقدِرُ أن أعبدَ الله عَزَّ وجَلَّ وحدي، ولكن
كأنّي أنظر إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم يستسقونهم ويطعمونهم بما جعل
الله لهم فلا يسقون ولا يطعمون، فبُعداً وسحقاً لما كسبته أيديهم، وسيعلم الذين
ظلموا أيّ منقلب ينقلبون "( تاريخ الطبري : 4 / 122، وتذكرة الخواص لابن الجوزي : 112 .). |
|
القبول بالصلح :
|
|
لم يبق أمام الإمام الحسن (عليه السلام) سبيلٌ غير
القبول بالصلح، وترك أمر الحكم لمعاوية فترةً من الزمن، ويتبيّن من خلال التمعّن
في بنود معاهدة الصلح أنّ الإمام (عليه السلام) لم يقدّم أيّ امتياز لمعاوية،
وأنّه (عليه السلام) لم يعترف به رسمياً باعتباره خليفةً وحاكماً للمسلمين، بل
إنّما اعتبر الحكم القيادة حقّه الشرعي، مثبتاً بطلان ادعاءات معاوية بهذا الصدد
. |
|
بنود معاهدة الصلح :
|
|
لم
تذكر المصادر التأريخية نصّاً صريحاً لكتاب الصلح، الذي يعتبر الوثيقة التأريخية
لنهاية مرحلة من أهم مراحل التأريخ الإسلامي، وبخاصة في عصوره الأول، ولا نعرف
سبباً وجيهاً لهذا الإهمال . 2 ـ أن يكون الأمر للحسن من بعده، فإن حدث به
حدث فلأخيه الحسين، وليس لمعاوية أن يعهد إلى أحد . باعتبار أنّ هذه المادة لا تتناسب وشأن الإمام
الحسن (ع) ومقامه(زندگانى
امام حسن : 223 .) . والله أعلم . |
|
أسباب الصلح كما
تُصَورّها النصوص عن الإمام الحسن (عليه السلام) :
|
|
1 ـ روى الشيخ الصدوق في " علل
الشرايع " بسنده عن أبي سعيد عقيصا الذي سأل الإمام الحسن (عليه السلام) عن
السبب الذي دفعه إلى الصلح مع معاوية من أنّه (عليه السلام) يعلم أنّه على الحقّ
وأنّ معاوية ضالّ وظالم، فأجابه الإمام (عليه السلام) :
" يا أبا سعيد، ألستُ حجّة الله تعالى ذكره على خلقه، وإماماً عليهم بعد
أبي (عليه السلام) ؟ قلتُ : بلى، قال : ألستُ
الذي قال رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) لي ولأخي : الحسن والحسين إمامان قاما
أو قعدا ؟ قلتُ : بلى، قال : فأنا إذن إمام لو
قمتُ، وأنا إمام إذا قعدتُ، يا أبا سعيد عِلّةُ مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة
رسول الله (صلى الله عليه وآله) لبني ضُمْرة وبني أشجع، ولأهل مكة حين انصرف من
الحديبية، أُولئك كفّار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفّار بالتأويل، يا أبا سعيد
إذا كنتُ إماماً من قبل الله تعالى ذكره لم يجب أن يُسَفَّه رأيي فيما أتيته من
مهادنة أو محاربة، وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته مُلتبساً، ألا ترى الخضر (عليه
السلام) لمَّا خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى (عليه السلام)
فعله؟ لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي. هكذا أنا، سخطتم عليّ بجهلكم
بوجه الحكمة فيه، ولو لا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحدٌ إلاّ قُتِل
"( علل
الشرايع : 200 .). |
|
تحليلان لأسباب الصلح
:
|
|
التحليل الأوّل :
|
|
لقد حاول معاوية أن يظهر نفسه بأنّه رجل مسالم يدعو
إلى السلام والصلح، وذلك عبر رسائله إلى الإمام الحسن (عليه السلام) التي يدعوه
فيها إلى الصلح مهما كانت شروط الإمام (عليه السلام)، وقد اعتبر الباحثون أنّ
الخطاب السلمي لمعاوية كان أخطر حيلة فتّت عضد الإمام (عليه السلام)، الأمر الذي
أزّم ظروفه (عليه السلام) ولم يكن للإمام خيار غير القبول بالصلح . |
|
التحليل الثاني :
|
|
إن
معاوية كان قد نشط في عهد الخليفتين الثاني والثالث بإمارته على الشام عشرين
سنة، تمكّن بها في أجهزة الدولة، وصانع الناس فيها وأطمعهم به فكانت الخاصة في
الشام كلّها من أعوانه، وعظم خطره في الإسلام، وعرف في سائر الأقطار بكونه من
قريش أسرة النبي (صلى الله عليه وآله) وأنّه من أصحابه، حتى كان في هذه أشهر من
كثير من السابقين الأولين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، كأبي ذرّ وعمّار
والمقداد وأضرابهم . |
|
زبدة المخض :
|
|
إذن تتلخّص أسباب الصلح فيما يلي : |
|
البحث
الثالث : ما بعد الصلح حتى الشهادة
|
|
الاجتماع في الكوفة :
|
|
بعد
توقيع الصلح بين الإمام الحسن (عليه السلام) ومعاوية اتّفقا على مكان يلتقيان
به، ليكون هذا اللقاء تطبيقاً عملياً للصلح، وليعترف كلّ منهماعلى سمع من الناس
بما أعطى صاحبه من نفسه وبما يلتزم له من الوفاء بعهوده، فاختارا الكوفة فقصدا
إليها، وقصدت معهما سيول من الناس غصّت بهم العاصمة الكبرى، وكان أكثر الحاضرين
جند الفريقين، تركوا معسكريهما وحفّوا لليوم التاريخي الذي كتب على طالع الكوفة
النحس أن تشهده راغمة أو راغبة . |
|
المعارضون للصلح :
|
|
أ ـ قيس بن سعد بن
عبادة :
|
|
اشتهر قيس بموالاة أهل البيت (عليهم السلام) وكان
أمير المؤمنين (عليه السلام) قد عيّنه والياً على مصر في أوائل خلافته وعندما
سمع قيس بن سعد نبأ التوقيع على الصلح بين الإمام (عليه السلام) ومعاوية غشيته
سحب من الأحزان، واستولت عليه موجة من الهموم، لكنّه عاد إلى الكوفة في نهاية
المطاف . |
|
ب ـ حجر بن عدي :
|
|
وهو من كبار صحابة رسول الله (صلَّى الله عليه
وآله) وأمير المؤمنين (ع)، ومن أبدال عصره، وحسب ابن الأثير الجزري في
"اُسد الغابة" وغيره، أنّه وصل مقاماً في القرب إلى الله تعالى بحيث
أصبح مستجاب الدعوة، وقد قتل شهيداً في "مرج عذراء" وهي إحدى قرى
الشام، بأمر معاوية وبواسطة أزلامه، وقد اندلعت إثر شهادته موجة من الاحتجاجات
على سياسات معاوية وحتى ندّدت عائشة وآخرون بالجريمة(اُسد الغابة : 1 / 386 .)
. |
|
ج ـ عدي بن حاتم :
|
|
وعدي من الشجعان والمخلصين لأهل البيت (عليهم
السلام)، وقد نقل أُنه قال للإمام وقد ذابت حشاه من الحزن والمصاب : "يابن
رسول الله! لوددت أنّي متّ قبل ما رأيت، أخرجتنا من العدل إلى الجور، فتركنا
الحقّ الذي كنّا عليه، ودخلنا في الباطل الذي كنّا نهرب منه، وأعطينا الدنيّة من
أنفسنا، وقبلنا الخسيس التي لم تلق بنا"، فأجابه الإمام (ع) : "يا عدي! إنّي رأيت هوى معظم الناس في الصلح وكرهوا
الحرب، فلم أُحبّ أن أحملهم على ما يكرهون، فرأيتُ دفع هذه الحروب إلى يوم ما،
فإنّ الله كلّ يوم هو في شأن"( حياة الإمام الحسن : 2 / 274 .) . |
|
د ـ المُسيَّب بن
نجبة وسليمان بن صُرد :
|
|
وعرفا بالولاء والإخلاص لأهل البيت (عليهم السلام)،
وقد تألّما من الصلح فأقبلا إلى الإمام وهما محزونا النفس فقالا : ما ينقضي
تعجّبنا منك ! بايعت معاوية ومعك أربعون ألف مقاتل من الكوفة سوى أهل البصرة
والحجاز"، فقال الإمام للمسيّب : "ما ترى؟" قال : والله أرى أن
ترجع لأنّه نقض العهد، فأجابه الإمام : "إنّ
الغدر لا خير فيه ولو أردت لما فعلت ..."( مناقب ابن شهر آشوب : 4 / 35، طبعة قم.) . |
|
إلى يثرب :
|
|
بقي الإمام الحسن في الكوفة أياماً، ثمّ عزم على
مغادرة العراق، والشخوص إلى مدينة جدّه، وقد أظهر عزمه ونيّته إلى أصحابه، ولمّا
أذيع ذلك دخل عليه المسيّب بن نجبة الفزاري وظبيان بن عمارة التميمي ليودّعاه،
فالتفت لهما قائلاً : "الحمد لله الغالب على
أمره، لو أجمع الخلق جميعاً على أن لا يكون ما هو كائن ما استطاعوا .. إنّه
والله ما يكبر علينا هذا الأمر إلاّ أن تضاموا وتنتقصوا، فأمّا نحن فإنّهم
سيطلبون مودّتنا بكلّ ما قدروا عليه" |
|
مرجعية الإمام الحسن
(عليه السلام) العلمية والدينيّة :
|
|
وتمثّلت في تربيته لكوكبة من طلاّب المعرفة،
وتصدّيه للانحرافات الدينية التي كانت تؤدي إلى مسخ الشريعة، كما تصدّى لمؤامرة
مسخ السنّة النبويّة الشريفة التي كان يخطّط لها معاوية بن أبي سفيان من خلال
تنشيط وضع الأحاديث والمنع من تدوين الحديث النبويّ . |
|
مدرسة الإمام ونشاطه
العلمي :
|
|
أنشأ
الإمام مدرسته الكبرى في يثرب، وراح يعمل مجدّاً في نشر الثقافة الإسلامية في
المجتمع الإسلامي، وقد انتمى لمدرسته كبار العلماء وعظماء المحدّثين والرواة،
ووجد بهم خير عون لأداء رسالته الإصلاحية الخالدة التي بلورت عقلية المجتمع .
وأيقظته بعد الغفلة والجمود، وقد ذكر المؤرّخون بعض أعلام تلامذته ورواة حديثه
وهم : ابنه الحسن المثنى، والمسيّب بن نجبة، وسويد بن غفلة، والعلا بن عبد
الرحمن، والشعبي، ومبيرة بن بركم، والأصبغ بن نباتة، وجابر بن خلد، وأبو الجوزا،
وعيسى بن مأمون بن زرارة، ونفالة بن المأموم، وأبو يحيى عمير بن سعيد النخعي،
وأبو مريم قيس الثقفي، وطحرب العجلي، وإسحاق بن يسار والد محمد بن إسحاق، وعبد
الرحمن بن عوف، وسفين بن الليل، وعمرو بن قيس الكوفيون(تاريخ ابن عساكر : ج12، صورة فوتوغرافية في مكتبة الإمام أمير
المؤمنين .)، وقد ازدهرت يثرب بهذه
الكوكبة من العلماء والرواة فكانت من أخصب البلاد الإسلامية علماً وأدباً وثقافة
. |
|
مرجعيّته الاجتماعية
:
|
|
والتي تمثّلت في عطفه على الفقراء وإحسانه وبذله
المعروف، وتجلّت في استجارة المستجيرين به للتخلّص من ظلم الأُمويين وأذاهم . |
|
أ ـ عطفه على الفقراء
:
|
|
وأخذ (عليه السلام) يفيض الخير والبرّ على الفقراء
والبائسين، ينفق جميع ما عنده عليهم، وقد ملأ قلوبهم سروراً بإحسانه ومعروفه،
ومن كرمه أنّه جاءه رجل في حاجة فقال له : "أُكتب
حاجتك في رقعة وادفعها إلينا"، فكتبها ذلك الشخص ورفعها إليه، فأمر
(عليه السلام) بضعفها له، قال بعض الحاضرين: ما كان أعظم بركة هذه الرقعة عليه
يا بن رسول الله ؟!، فأجابه (عليه السلام) : "بركتها
علينا أعظم، حين جعلنا للمعروف أهلاً، أما علمت أنّ المعروف ما كان ابتداءً من غير
مسألة، فأمّا من أعطيته بعد مسألة فإنّما أعطيته بما بذل لك من وجهه، وعسى أن
يكون بات ليلته متململاً أرقاً يميل بين اليأس والرجاء، لا يعلم بما يرجع من
حاجته، أبكآبة أم بسرور النجح، فيأتيك وفرائصه ترعد، وقلبه خائف يخفق، فإن قضيت
له حاجته فيما بذلك من وجهه فإنّ ذلك أعظم ممّا نال من معروفك" . |
|
ب ـ الاستجارة به :
|
|
كان (عليه السلام) في عاصمة جدّه(صلَّى الله عليه
وآله) كهفاً منيعاً لمن يلجأ إليه، وملاذاً حصيناً لمن يلوذ به، قد كرّس أوقاته
في قضاء حوائج الناس، ودفع الضيم والظلم عنهم، وقد استجار به سعيد بن أبي سرح من
زياد فأجاره، فقد ذكر الرواة أنّه كان معروفاً بالولاء لأهل البيت (عليهم
السلام) فطلبه زياد من أجل ذلك فهرب إلى يثرب مستجيراً بالإمام، ولمّا علم زياد
ذلك عمد إلى أخيه وولده وزوجه فحبسهم، ونقض داره، وصادر أمواله، وحينما علم
الإمام الحسن ذلك شقّ عليه الأمر، فكتب رسالة إلى زياد يأمره فيها بأن يعطيه
الأمان، ويخلّي سبيل عياله وأطفاله، ويشيّد داره، ويردّ عليه أمواله(حياة الإمام الحسن : 2 /
289 ـ 290 .) . |
|
مرجعيّته السياسيّة :
|
|
لقد صالح الإمام الحسن (عليه السلام) معاوية من
موقع القوّة، كما نصّت المعاهدة على أن يكون الأمر من بعده للحسن ولا يبغي له
الغوائل والمكائد . |
|
رفض الإمام (عليه
السلام) مصاهرة الأُمويين :
|
|
ورام معاوية أن يصاهر بني هاشم ليحوز بذلك الشرف
والمجد، فكتب إلى عامله على المدينة مروان بن الحكم أن يخطب ليزيد زينب بنت عبد
الله ابن جعفر على حكم أبيها في الصداق، وقضاء دينه بالغاً ما بلغ، وعلى صلح
الحيّين بني هاشم وبني أمية، فبعث مروان خلف عبد الله، فلمّا حضر عنده فاوضه في
أمر كريمته، فأجابه عبد الله : إنّ أمر نسائنا بيد الحسن بن علي فاخطب منه،
فأقبل مروان إلى الإمام فخطب منه ابنة عبد الله، فقال (عليه السلام) :
"اجمع مَن أردت" فانطلق مروان فجمع الهاشميّين والأُمويين في صعيد
واحد وقام فيهم خطيباً، وبيّن أمر معاوية له . |
|
من مواقف الإمام
الحسن (عليه السلام) مع معاوية وبطانته :
|
|
أ ـ مع معاوية في
المدينة :
|
|
روى الخوارزمي أنّ معاوية سافر إلى يثرب فرأى تكريم
الناس وحفاوتهم بالإمام وإكبارهم له ممّا ساءه ذلك، فاستدعى
أبا الأسود الدؤلي والضحّاك بن قيس الفهري، فاستشارهم في أمر الحسن وأنّه
بماذا يوصمه ليتّخذ من ذلك وسيلة للحطّ من شأنه والتقليل من أهميّته أمام
الجماهير، فأشار عليه أبو الأسود بالترك قائلاً : وشقّ
على معاوية كلام الإمام فبادر إلى قطعه قائلاً : "يا حسن! عليك بصفة
الرطب"، فقال (عليه السلام): "الريح تلقحه
والحرّ ينضجه، والليل يبرده ويطيبه، على رغم أنفك يا معاوية" ثم
استرسل (عليه السلام) في تعريف نفسه قائلاً : ... = والحقّ يعرفه ذوو الألباب )" فقال
معاوية على عادته من المراوغة : لا مرحباً بمن ساءك(راجع حياة الإمام الحسن : 2 / 297 ـ 299 عن الخوارزمي .) . |
|
ب ـ في دمشق :
|
|
اتفق جمهور المؤرّخين على أنّ الإمام الحسن (عليه
السلام) قد وفد على معاوية في دمشق، واختلفوا في أنّ وفادته كانت مرةً واحدةً أو
أكثر، وإطالة الكلام في تحقيق هذه الجهة لا تغنينا شيئاً، وإنّما المهم البحث عن
سرّ سفره، فالذي نذهب إليه أنّ المقصود منه ليس إلاّ نشر مبدأ أهل البيت(عليهم
السلام) وإبراز الواقع الأُموي أمام ذلك المجتمع الذي ضلّله معاوية وحرّفه عن
الطريق القويم، أمّا الاستدلال عليه فإنّه يظهر من مواقفه ومناظراته مع معاوية،
فإنّه قد هتك بها حجابه . |
|
المناظرة الأُولى :
|
|
أقبل معاوية على الإمام (عليه السلام) فقال له :
"يا حسن أنا خير منك !" فقال له الإمام (عليه السلام) : "وكيف ذاك يا بن هند ؟"، فقال معاوية :
لأنّ الناس قد أجمعوا عليّ، ولم يجمعوا عليك . |
|
المناظرة الثانية :
|
|
وهناك
موقف آخر، ولعلّه من أروع ما نقله التأريخ من مواقف الإمام (عليه السلام)، فقد
اجتمع لدى معاوية أربعة من أعمدة حكمه ومروّجي جاهليّته، وهم : عمرو بن العاص
والوليد بن عقبة بن أبي معيط وعتبة بن أبي سفيان والمغيرة بن شعبة، وطلبوا منه
إحضار الإمام (عليه السلام) لكي يعيبوه وينالوا منه، بعدما ساءهم إلتفاف الناس
حوله يلتمسون منه عطاء العلم والدين. همك إلى يوم القيامة فقال : "وأمّا أنت يا عتبة، فوالله ما أنت بحصيف فأجيبك، ولا عاقل
فأحاورك وأعاتبك، وما عندك خير يرجى، ولا شرّ يتقى، وما عقلك وعقل أمتك إلاّ
سواء، وما يضرّ عليّاً لو سببته على رؤوس الأشهاد، وأمّا وعيدك إيّاي بالقتل
فهلا قتلت اللحياني إذ وجدته على فراشك ... وكيف ألومك على بغض عليّ ؟ وقد قتل
خالك الوليد مبارزة يوم بدر، وشرك حمزة في قتل جدّك عتبة، وأوحدك من أخيك حنظلة
في مقام واحد" . |
|
البحث
الرابع : مصير شروط الصلح وشهادة الإمام الحسن (عليه السلام)
|
|
إخلال معاوية بالشروط
:
|
|
كان
الشرط الأول ـ وكما مرّ علينا ـ هو أن يسلّم الإمام الأمر لمعاوية على أن يعمل
بكتاب الله وسنّة نبيّه وسيرة الخلفاء الصالحين . |
|
تآمر معاوية على
الإمام الحسن (عليه السلام) :
|
|
لقد
حاول معاوية أن يجعل الخلافة ملكاً عضوضاً وراثة في أبنائه، وقد بذل جميع جهوده
وصرف الأموال الطائلة لذلك، فوجد أنّه لا يظفر بما يريد والحسن بن عليّ (عليه
السلام) حيّ ينتظر المسلمون حكمه العادل وخيره العميم، ومن هنا قرّر اغتيال
الإمام المجتبى (صلَّى الله عليه وآله) بما اغتال به من قبل مالك الأشتر وسعد بن
أبي وقاص وغيرهما . وكان
الدهاء المزعوم لمعاوية هو الذي زيّن له أُسلوباً من القتل قصّر عنه ابنه يزيد،
فكان هذا "الشابّ المغرور" وكان ذاك "الداهية المحنّك في تصريف
الأمور" !!! ولو تنفس العمر بأبي سفيان إلى عهد ولديه هذين لأيقن أنّهما قد
أجادا اللعبة التي كان يتمناها لبني أمية . |
|
كيف استشهد الإمام
الحسن (عليه السلام)؟
|
|
لقد
دعا معاوية مروان بن الحكم إلى إقناع جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي ـ وكانت من
زوجات الإمام الحسن (ع) ـ بأن تسقي الحسن السمّ وكان شربة من العسل بماء رومة(صلح الإمام الحسن : 365
. وقد اشتهرت كلمة معاوية : " إنّ لله جنوداً من عسل " .)، فإن هو قضى نحبه زوّجها بيزيد، وأعطاها مئة ألف
درهم . |
|
وصاياه الأخيرة :
|
|
أ ـ وصيّته لجنادة :
|
|
دخل
جنادة بن أبي أُميّة ـ الصحابيّ الجليل ـ على الإمام عائداً له ، فالتفت إلى
الإمام قائلاً : عظني يا بن رسول الله . |
|
ب ـ وصيّته للإمام
الحسين (عليه السلام) :
|
|
ولمّا
ازداد ألمه وثقل حاله استدعى أخاه سيّد الشهداء فأوصاه بوصيّته وعهد إليه بعهده
، وهذا نصّه : |
|
ج ـ وصيّته لمحمد بن
الحنفية :
|
|
وأمر الإمام (عليه السلام) قنبراً أن يحضر أخاه
محمد بن الحنفية ، فمضى إليه مسرعاً فلمّا رآه محمد ذُعر فقال : هل حدث إلاّ خير
؟ ، فأجابه بصوت خافت : " أجب أبا محمد " . |
|
إلى الرفيق الأعلى :
|
|
وثقل حال الإمام (عليه السلام) واشتدّ به الوجع
فأخذ يعاني آلام الاحتضار، فعلم أنّه لم يبق من حياته الغالية إلاّ بضع دقائق
فالتفت إلى أهله قائلاً : |
|
تجهيز الإمام وتشييعه
:
|
|
وأخذ
سيد الشهداء في تجهيز أخيه ، وقد أعانه على ذلك عبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن
جعفر وعلي بن عبد الله بن عباس وأخواه محمد بن الحنفية وأبو الفضل العباس،
فغسّله وكفّنه وحنّطه وهو يذرف من الدموع مهما ساعدته الجفون ، وبعد الفراغ من
تجهيزه; أمر (عليه السلام) بحمل الجثمان المقدّس إلى مسجد الرسول لأجل الصلاة
عليه(أعيان الشيعة
: 4 / 80 .) . |
|
دفن الإمام (عليه
السلام) وفتنة عائشة :
|
|
ولم يشكَّ مروان ومن معه من بني أمية أنّهم
سَيَدْفُنونَه عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فتجمَّعوا لذلك ولبسوا
السلاح ، فلمّا توجّه به الحسين (عليه السلام) إلى قبر جدّه رسول الله(صلى الله
عليه وآله) ليجدّد به عهداً; أقبلوا إليهم في جمعهم، ولحقتهم عائشة على بغل وهي
تقول: ما لي ولكم تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحب، وجعل مروان يقول : يا رُبَّ
هيجا هي خير مِن دَعَة، أَيُدْفَنُ عثمانُ في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع
النبيّ؟! لا يكون ذلك أبداً وأنا أحمل السيف. |
|
الفصل الثالث:
تراث الإمام المجتبى (عليه السلام)
|
|
1 ـ نظرة عامة في تراث الإمام المجتبى
(عليه السلام) :
|
|
الإمام المجتبى (عليه السلام) كأبيه المرتضى وجدّه
المصطفى قائد مبدئي تتلخّص مهمّاته القيادية في كلمة موجزة ذات معنىً واسع
وأبعاد شتى هي : "الهداية بأمر الله تعالى" انطلاقاً من قوله تعالى : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا
وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ
الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)( الأنبياء (21) : 73 .). |
|
2 ـ في رحاب العلم والعقل :
|
|
أ
ـ قال (عليه السلام) في الحثّ على طلب العلم وكيفية طلبه وأُسلوب تنميته : ب ـ إنّ العقل
أساس العلم، ومن هنا فقد عرّف العقل من خلال لوازمه وآثاره العلمية ومدى أهميته
ودوره في كمال الإنسان بقوله : |
|
3 ـ في رحاب القرآن الكريم :
|
|
أ ـ قال (عليه
السلام) في بيان حقيقة القرآن ورسالته وأهدافه وفضله وكيفية الارتواء من معينه
الثرّ : |
|
4 ـ في رحاب الحديث النبوي والسيرة الشريفة
:
|
|
لقد
اهتمّ الإمام الحسن المجتبى بنشر حديث النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) وسيرته
ومكارم أخلاقه، ونختار من الأحاديث التي رواها عن جدّه (صلَّى الله عليه وآله)
ما يلي : قال
الإمام الحسن (عليه السلام) : "فسألته عن مخرجه
كيف كان يصنع فيه ؟ فقال : "كان رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يخزن
لسانه إلاّ ممّا يعينهم، ويؤلّفهم ولا يفرّقهم، أو قال : ينفرهم، ويكرم كريم كلّ
قوم، ويوليه عليهم ويحذّر الناس، ويحترس منهم، من غير أن يطوى عن أحد بشره ولا
خلقه، يتفقّد أصحابه، ويسأل عمّا في الناس، فيحسن الحسن ويقوّيه، ويقبّح القبيح
ويوهنه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا لكلّ حال
عنده عتاب، لا يقصّر عن الحقّ ولا يجوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم
عنده أعمّهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة . ."
. |
|
5 ـ في رحاب العقيدة :
|
|
1 ـ التوحيد : أمر الإمام عليّ المرتضى
(عليه السلام) نجله المجتبى (عليه السلام) ليخطب الناس في مسجد الكوفة، فصعد
المنبر، وقال : |
|
6 ـ في رحاب ولاية أهل البيت (عليهم
السلام) :
|
|
1 ـ قال (عليه السلام) مبيّناً لحقيقة الثقلين وموقع كلّ منهما
من الآخر : "... واعلموا علماً يقيناً أنّكم لن
تعرفوا التقى حتى تعرفوا صفة الهدى، ولن تمسكوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي
نبذه، ولن تتلوا الكتاب حقّ تلاوته حتى تعرفوا الذي حرّفه، فإذا عرفتم ذلك عرفتم
البدع والتكلّف، ورأيتم الفرية على الله، ورأيتم كيف يهوى من يهوى، ولا يجهلنّكم
الذين لا يعلمون، والتمسوا ذلك عند أهله فإنّهم خاصة نور يستضاء بهم وأئمة يقتدى
بهم، بهم عيش العلم وموت الجهل، وهم الذين أخبركم حلمهم عن علمهم، وحكم منطقهم
عن صمتهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه، وقد خلت لهم من
الله سابقة، ومضى فيهم من الله حكم : (ذَلِكَ
ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) "( حياة الإمام الحسن : 1
/ 360 ، عن تحف العقول .) . |
|
7 ـ البشارة بالإمام المهديّ المنتظر (عليه
السلام) :
|
|
1 ـ قال (عليه السلام) بعد أن صالح معاوية
ودخل عليه الناس ولامه بعضهم على بيعته : "...
أما عَلِمتم أنّه ما مِّنا من أحد إلاّ ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلاّ
القائم الذي يصلّي روح الله عيسى بن مريم خلفه، فإنّ الله يخفي ولادته ويُغيِّب
شخصه، لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من وُلد أخي الحسين،
ابن سيّدة الإماء، يطيلُ الله عُمَره في غيبته ثم يُظهره بقدرته في صورة شاب دون
أربعين سنة ... "( راجع معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) : 3 / 165
لتقف على مصادر هذا الحديث .) . |
|
8 ـ في رحاب الأخلاق والتربية :
|
|
عن
جابر (رضي الله عنه) قال : سمعت الحسن (عليه السلام) يقول : "مكارم الأخلاق عشرة : صدق اللسان، وصدق البأس، وإعطاء
السائل، وحسن الخلق، والمكافأة بالصنائع، وصلة الرحم، والتذمّم على الجار(أي : أخذه تحت حمايته .)،
ومعرفة الحقّ للصاحب، وقري الضيف، ورأسهنّ الحياء"( راجع تاريخ اليعقوبي :
2 / 206 .) . وأجاب
الإمام بكل استرسال وعدم تكلّف على مجموعة أخرى من أسئلة أبيه فيما يخصّ (مساوئ
الأخلاق) ونختار منها ما يلي : وتحدّث الإمام عن أصول الجرائم الأخلاقية وأمهات
الرذائل قائلاً : هلاك الناس في ثلاث : الكبر، الحرص،
الحسد . الكبر : به هلاك الدين وبه لُعِن إبليس . الحرص : عدو النفس وبه أُخرج
آدم من الجنّة . الحسد : رائد السوء وبه قتل هابيل قابيل(حياة الإمام الحسن : 1 /
345، عن نور الأبصار : 110 .) . |
|
9 ـ في رحاب المواعظ الحكيمة :
|
|
1 ـ قال (عليه السلام) في تعريف التقوى والحثّ عليها : "إنّ الله لم يخلقكم عبثاً، وليس بتارككم سدىً، كتب
آجالكم، وقسم بينكم معائشكم ليعرف كلُّ ذي منزلة منزلته، وإنّ ما قدّر له أصابه،
وما صُرف عنه فلن يصيبه، قد كفاكم مؤونة الدنيا، وفرّغكم لعبادته، وحثّكم على
الشكر، وافترض عليكم الذكر، وأوصاكم بالتقوى، وجعل التقوى منتهى رضاه، والتقوى
بابُ كلِّ توبة ورأسُ كلِّ حكمة وشرفُ كلِّ عمل، بالتقوى فاز من فاز من المتقين،
قال الله تبارك وتعالى : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ
مَفَازاً) وقال : (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ
لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ من يتّقِ الله يجعل
له مخرجاً من الفتن، ويسدّده في أمره، ويُهيّئ له رشده، ويُفلجه بحجّته، ويُبيّض
وجهه، ويُعطهِ رغبته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء
والصالحين، وحسن أُولئك رفيقاً "( تحف العقول : 55 .)
. ومن قصار كلماته الحكيمة وغرر حكمه الثمينة : |
|
10 ـ في رحاب الفقه وأحكام الشريعة :
|
|
1 ـ عن عاصم بن ضمرة قال : كنت أسير مع
الحسن بن عليّ على شاطئ الفرات وذلك بعد العصر ونحن صيام وماء الفرات يجري على
رضراض(رضراض : ما
صغر من الحصى .)والماء صاف ونحن
عطاش، فقال الحسن بن علي (عليهما السلام) : "لو
كان معي مئزر لدخلت الماء" قلت : إزاري أُعطيكه، قال : "فما تلبس أنت ؟" قلت : أدخل كما أنا، قال
: "فذاك الذي أكره، إنّي سمعت رسول الله (ص)
يقول : إنّ للماء عوامر من الملائكة كعوامر البيوت استحيوهم وهابوهم وأكرموهم
إذا دخلتم عليهم الماء فلا تدخلوا إلاّ بمئزر"( رجال إصبهان : 1 / 331
.) . |
|
11 ـ في رحاب أدعية الإمام المجتبى (عليه
السلام) :
|
|
وللإمام الحسن بن عليّ (عليهما السلام) أنواع من الأدعية والابتهالات
تدلّ على مدى اتّصاله بالله ومدى تعلّقه به وانقطاعه إليه، واليك بعض نماذجها : 1
ـ كان (عليه السلام) يدعو بهذا الدعاء الشريف في قنوته، وكان يبدو عليه الخضوع
والخشوع أمام الله، وهذا نصه : "يا من بسلطانه ينتصر المظلوم، وبعونه يعتصم المكلوم، سبقت
مشيئتك، وتمّت كلمتك، وأنت على كلّ شيء قدير، وبما تمضيه خبير، يا حاضر كلّ غيب
وعالم كلّ سر وملجأ كلّ مضطرّ، ضلّت فيك الفهوم، وتقطّعت دونك العلوم، أنت الله
الحيّ القيوم، الدائم الديّوم، قد ترى ما أنت به عليم، وفيه حكيم، وعنه حليم،
وأنت القادر على كشفه، والعون على كفّه غير ضائق، وإليك مرجع كلّ أمر، كما عن
مشيئتك مصدره، وقد أبنت عن عقود كلّ قوم، وأخفيت سرائر آخرين، وأمضيت ما قضيت،
وأخّرت ما لا فوت عليك فيه، وحملت العقول ما تحملت في غيبك، ليهلك من هلك عن
بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة، وإنّك أنت السميع العليم، الأحد البصير، وأنت الله
المستعان، وعليك التوكّل، وأنت ولىّ من تولّيت، لك الأمر كلّه، تشهد الانفعال،
وتعلم الاختلال، وترى تخاذل أهل الخبال، وجنوحهم إلى ما جنحوا إليه من عاجل فان،
وحطام عقباه حميم آن، وقعود من قعد، وارتداد من ارتد .. وخلوي من النصار
وانفرادي عن الظهار، وبك اعتصم، وبحبلك استمسك، وعليك أتوكّل . 2
ـ وكان يدعو بهذا الدعاء على الظالمين له والمعتدين عليه، ويطلب من الله أن
يكفيه شرّهم ويعلوه عليهم : "اللهمّ يا من جعل بين البحرين
حاجزاً وبرزخاً، وحجراً محجوراً، يا ذا القوة والسلطان، يا عليّ المكان، كيف
أخاف وأنت أملي، وكيف أضام وعليك متكلي، فغطّني من أعدائك بسترك، وأظهرني على
أعدائي بأمرك، وأيّدني بنصرك، إليك ألجأ ونحوك الملتجأ، فاجعل لي من أمري فرجاً
ومخرجاً، يا كافي أهل الحرم من أصحاب الفيل، والمرسِل عليهم طيراً أبابيل،
ترميهم بحجارة من سجّيل، إرمِ من عاداني بالتنكيل . |
|
12 ـ في رحاب أدب الإمام المجتبى (عليه
السلام) :
|
|
كتب الحسن البصري ـ
وهو من أبرز الشخصيات المعاصرة للإمام ـ معرّفاً بأدب الإمام (عليه السلام)
وثقافته "أمّا بعد، فإنّكم معشر بني هاشم الفلك الجارية في اللّجج الغامرة
والأعلام النيّرة الشاهرة أو كسفينة نوح (عليه السلام) التي نزلها المؤمنون ونجا
فيها المسلمون، كتبتُ إليك يا بن رسول الله عند اختلافنا في القدر وحيرتنا في
الاستطاعة فأخبرنا بالذي عليه رأيك ورأي آبائك، فإنّ مِن علم الله علمَكم وأنتم
شهداء على الناس والله الشاهد عليكم (ذُرِّيَّةً
بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)( تحف العقول : 231 .) . وأمّا الرسالة الأخرى فقد
بعثها إلى زياد حيث نكّل بأحد المؤمنين، فطالبه (عليه السلام) بالكفّ عن ذلك،
فردّ زياد برسالة إلى الحسن (عليه السلام) جاء فيها :
"من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة : أمّا بعد، فقد أتاني كتابك
تبدأ فيه بنفسك قبلي، وأنت طالب حاجة وأنا سلطان"( جمهرة الرسائل : 2 / 3
.) . |
|
من أدبه (عليه
السلام) المنظوم :
|
|
1 ـ قال (عليه السلام) في التذكير بالموت : قل للمقيم بغير دار إقامةٍ
= حان الرحيل فودع الأحبابا إنّ الذين لقيتهم وصحبتهم = صاروا جميعاً في القبور ترابا 2
ـ وقال (عليه السلام) في الزهد في الدنيا : لكسرة من خسيس الخبز
تشبعني = وشربة من قراح الماء
تكفيني وطمرة من رقيق الثوب
تسترني = حياً وإن متّ تكفيني
لتكفيني (أعيان الشيعة : 4 ق 1 .) 3
ـ وله (عليه السلام) في السخاء : إنّ السخاء على العباد
فريضة = لله يقرأ في كتاب محكم وعد العباد الأسخياء جنانه
= وأعدّ للبخلاء نار جهنّمِ من كان لا تندى يداه
بنائلٍ = للراغبيل فليس ذاك بمسلم (بحار الأنوار : 10 / 95 .) 4
ـ وبلغه (عليه السلام) سبّ ابن العاص له في مجلس معاوية، فقال (عليه السلام) : أتأمر يا معاويَ عبد سهم = بشتمي والملا منّا شهودُ؟ إذا أخذت مجالسها قريش = فقد علمت قريش ما تريدُ أأنت تظل تشتمني سفاهاً = لضغنٍ ما يزول وما يبيدُ؟ فهل لك من أب كأبي تسامى = به من قد تسامى أو تكيدُ؟ ولا جَدٌّ كجدي يا ابن
حربٍ =
رسول الله إن ذُكر الجدودُ ولا أم كأمي في قريش = إذا ما حصّل الحسب التليدُ فما مثلي تهكّم يا ابن حرب
=
ولا مثلي ينهنهه الوعيدُ فمهلاً لا تهيّج بنا
أموراً = يشيب لهولها الطفل
الوليدُ (حياة الإمام الحسن : 2 / 260 .) 5
ـ وله (عليه السلام) في الاستغناء عن الناس : أغنَ عن المخلوق بالخالقِ = تغنَ عن الكاذب والصادق واسترزقِ الرحمن من فضله = فليس غير الله بالرازقِ من ظنّ أن الناس يغنونه = فليس بالرحمن بالواثق من ظنّ أنّ الرزق من كسبه = زلّت به النعلان من حالقِ (نور الأبصار : 175 .) والحمد لله رب العالمين |
|
|
|
|
أعلام
الهداية
|
|
الإمام الحسن
المجتبى (عليه السلام)
|
|
أعلام الهداية |
|
فهرس إجمالي
|
|
مقدمة المجمع
العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) الباب الأول: الباب الثاني: الباب الثالث: |
|
المقدمة
|
|
الحمد
لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، ثم الصلاة والسلام على من اختارهم هداةً
لعباده، لا سيَّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمد
(صلَّى الله عليه وآله) وعلى آله الميامين النجباء. (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)(الأنعام
(6): 71). (وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(البقرة
(2): 213). (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)(الأحزاب
(33): 4). (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(آل
عمران (3): 101). (قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الْحَقِّ
أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ
كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(يونس (10): 35). (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ
مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إلى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(سبأ
(34): 6). (ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من الله)(القصص
(28):50). فالله
تعالى هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان
إلى الصراط المستقيم وإلى الحقّ القويم. وهذه
الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم. ولقد
أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى
الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال، ومن هنا قال تعالى: (وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ)(الذاريات
(51): 56). وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، كانت المعرفة
والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال. وبعد
أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال; لم
يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة; والهوى الناشئ منهما، والملازم لهما فمن هنا
احتاج الإنسان ـ بالإضافة إلى عقله وسائر أدوات المعرفة ـ إلى ما يضمن له سلامة
البصيرة والرؤية; كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة الهداية، وتتوفّر لديه كلّ
الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو طريق الشرّ والشقاء بملء
إرادته. ويتولّى
أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم الهداة المهديّون مهمّة الهداية بجميع مراتبها،
والتي تتلخّص في: 1
ـ تلقِّي الوحي بشكل كامل واستيعاب الرسالة الإلهية بصورة دقيقة. وهذه المرحلة
تتطلّب الاستعداد التام لتلقّي الرسالة، ومن هنا يكون الاصطفاء الإلهي لرسله
شأناً من شؤونه، كما أفصح بذلك الذكر الحكيم قائلاً:
(اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)(الأنعام (6): 124) و(اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ)(آل
عمران (3): 179). 2
ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى البشرية ولمن أرسلوا إليه، ويتوقّف الإبلاغ على
الكفاءة التامّة التي تتمثّل في (الاستيعاب والإحاطة اللازمة) بتفاصيل الرسالة
وأهدافها ومتطلّباتها، و (العصمة) عن الخطأ والانحراف معاً، قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ
النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)(البقرة (2): 213). 3
ـ تكوين اُمة مؤمنة بالرسالة الإلهية، وإعدادها لدعم القيادة الهادية من أجل
تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في الحياة، وقد صرّحت آيات الذكر الحكيم بهذه
المهمّة مستخدمةً عنواني التزكية والتعليم، قال تعالى:
(يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)(الجمعة(62): 2)
والتزكية هي التربية باتجاه الكمال اللائق بالإنسان. وتتطلّب التربية القدوة
الصالحة التي تتمتّع بكلّ عناصر الكمال، كما قال تعالى:
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(الأحزاب(33):
21). ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري: أ
ـ أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين
يتربّصون بها الدوائر. ب
ـ أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة باستمرار الأجيال; على يد مربٍّ كفوء علمياً
ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في الخلق والسلوك كالرسول (صلَّى الله عليه وآله)،
يستوعب الرسالة ويجسّدها في كل حركاته وسكناته. وتبلورت
حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم على نهج الرسول العظيم وانفتاح الأمة عليهم
والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم،
فكانوا هم الأدلاّء على الله وعلى مرضاته، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين
في محبّته، والذائبين في الشوق إليه، والسابقين إلى تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ
المنشود. ولا
يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا بجميع زوايا حياتهم العطرة ويدّعوا دراستها
بشكل كامل، ومن هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما هي إعطاء قبسات من حياتهم، ولقطات
من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها المؤرّخون واستطعنا اكتشافها من خلال
مصادر الدراسة والتحقيق، عسى الله أن ينفع بها إنّه وليّ التوفيق. إنّ
دراستنا لحركة أهل البيت (عليهم السلام) الرسالية تبدأ برسول الإسلام وخاتم
الأنبياء محمد بن عبد الله (صلَّى الله عليه وآله) وتنتهي بخاتم الأوصياء، محمد
بن الحسن العسكري المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه وأنار الأرض بعدله. ويختص
هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام الحسن بن علي المجتبى (عليه السلام) ثاني أئمة
أهل البيت (عليهم السلام) بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وهو المعصوم الرابع
من أعلام الهداية، والذي جسَّد الإسلام في جوانب حياته الشريفة . إنه سبط رسول
الله (صلَّى الله عليه وآله) وسيد شباب أهل الجنة وأَحد اثنين انحصرت بهما ذريّة
رسول الله(صلَّى الله عليه وآله)، ومن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس
وطهّرهم تطهيراً. فكان مثلاً أعلى، ونبراساً مضيئاً يشعُّ إيماناً وطهراً
وبهاءً. ولا
بدَّ لنا من تقديم الشكر إلى كل الإخوة الأعزّاء الذين بذلوا جهداً وافراً
وشاركوا في إنجاز هذا المشروع المبارك وإخراجه إلى عالم النور، لا سيَّما أعضاء
لجنة التأليف بإشراف سماحة السيد منذر الحكيم (حفظه الله تعالى). المجمع
العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) قم
المقدسة |
|
الباب الأول
|
|
فيه
فصول: |
|
الفصل الأول:
|
|
الإمام الحسن
المجتبى(عليه السلام) في سطور
|
|
* الإمام أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب المجتبى، ثاني أئمة
أهل البيت بعد رسول الله (ص)، وسيّد شباب أهل الجنة بإجماع المحدّثين، وأحد
اثنين انحصرت بهما ذريّة رسول الله، وأحد الأربعة الذين باهى بهم رسول الله
(صلَّى الله عليه وآله) نصارى نجران، ومن المطهّرين الذين أذهب الله عنهم الرجس،
ومن القربى الذين أمر الله بموّدتهم، وأحد الثقلين الذين من تمسّك بهما نجا ومن
تخلّف عنهما ضلّ وغوى . |
|
الفصل الثاني: انطباعات عن
شخصيّة الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام)
|
|
1 ـ مكانة الإمام المجتبى في آيات الذكر
الحكيم :
|
|
لم
تتّفق كلمة المسلمين في شيء كاتّفاقهم على فضل أهل البيت وعلوّ مقامهم العلمي
والروحي وانطوائهم على مجموعة الكمالات التي أراد الله للإنسانية أن تتحلّى بها
. |
|
2 ـ مكانته (عليه
السلام) لدى خاتم المرسلين(صلَّى الله عليه وآله) :
|
|
لقد خصّ الرسول الأعظم حفيديه الحسن والحسين(ع)
بأوصاف تنبئ عن عظيم منزلتهما لديه، فهما : |
3 ـ مكانته (عليه السلام) لدى معاصريه :
|
|
أ ـ عن جابر عن النبي (صلَّى الله عليه وآله) : "أنّ الله خلقني وخلق علياً نورين بين يدي العرش،
نسبّح الله ونقدّسه قبل أن يخلق آدم بألفي عام، فلمّا خلق الله آدم أسكننا في
صلبه، ثم نقلنا من صُلب طيّب وبطن طاهر حتى أسكننا في صلب إبراهيم، ثم نقلنا من
صُلب إبراهيم إلى صلب طيّب وبطن طاهر حتى أسكننا في صلب عبد المطلّب، ثم افترق
النور في عبد المطّلب، فصار ثلثاه في عبد الله وثلثه في أبي طالب، ثم اجتمع
النور منّي ومن علي في فاطمة، فالحسن والحسين نوران من نور ربّ العالمين"( نزهة المجالس : 2 / 206
.) . |
|
4 ـ مكانته (عليه السلام) لدى العلماء
والمؤرّخين :
|
|
|
أ ـ قال الحافظ أبو نعيم الإصبهاني ـ وهو من أعلام القرن الخامس ـ عن الإمام الحسن
المجتبى : سيّد الشباب، والمصلح بين الأقارب والأحباب، شبه رسول الله(ص) وحبيبه،
سليل الهدى، وحليف أهل التقى، خامس أهل الكساء، وابن سيّدة النساء، الحسن بن علي
بن أبي طالب رضي الله عنهما(أخبار إصبهان : 1 / 44، طبعة ليدن سنة 1931 .). |
|
الفصل الثالث:
من فضائل الإمام المجتبى (ع) ومظاهر شخصيته
|
|
عبادته (عليه السلام)
:
|
|
أ ـ روى المفضّل عن الإمام جعفر بن محمد
الصادق(عليه السلام) عن أبيه عن جدّه : "أنّ
الحسن بن علي بن أبي طالب كان أعبد الناس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا
حجّ حجّ ماشياً، وربّما مشى حافياً، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر
بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر الممرّ على الصراط بكى، وإذا ذكر
العرض على الله ـ تعالى ذكره ـ شهق شهقةً يغشى عليه منها . |
|
حلمه وعفوه :
|
|
لقد
عُرف الإمام الحسن المجتبى (ع) بعظيم حلمه، وأدلّ دليل على ذلك هو تحمّله لتوابع
صلحه مع معاوية الذي نازع علياً حقّه وتسلّق من خلال ذلك إلى منصب الحكم
بالباطل، وتحمّل (ع) بعد الصلح أشد أنواع التأنيب من خيرة أصحابه، فكان يواجههم
بعفوه وأناته، ويتحمّل منهم أنواع الجفاء في ذات الله صابراً محتسباً . |
|
كرمه وجوده :
|
|
إنّ
السخاء الحقيقي هو بذل الخير بداعي الخير، وبذل الإحسان بداعي الإحسان، وقد
تجلّت هذه الصفة الرفيعة بأجلى مظاهرها وأسمى معانيها في الإمام أبي محمد الحسن
المجتبى(عليه السلام) حتى لُقّب بكريم أهل البيت . |
|
تواضعه وزهده :
|
|
إنّ التواضع دليل على كمال النفس وسموّها وشرفها،
والتواضع لا يزيد العبد إلاّ رفعةً وعظمةً، وقد حذا الإمام الحسن (عليه السلام)
حذو جدّه وأبيه في أخلاقه الكريمة، وقد أثبت التاريخ بوادر كثيرة تشير إلى سموّ
الإمام في هذا الخلق الرفيع، نشير إلى شيء منها : |
الباب
الثاني:
|
|
فيه
فصول: |
|
الفصل الأول:
|
|
نشأة
الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام)
|
|
|
تاريخ ولادته :
|
|
أصحّ ما قيل في ولادته أُنه ولد بالمدينة في النصف
من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وكان والده (عليه السلام) قد بنى بالزهراء
فاطمة (عليها السلام) وتزوّجها في ذي الحجة من السنة الثانية، وكان الحسن
المجتبى (عليه السلام) أوّل أولادها(راجع كشف الغمة : 1 / 514، والبحار : 44 / 136، والعوالم
(الإمام الحسن) : 13 .) . |
|
كيفية ولادته :
|
|
عن جابر : لمّا حملت فاطمة(عليها السلام) بالحسن
فولدت كان النبي (صلَّى الله عليه وآله) قد أمرهم أن يلفّوه في خرقة بيضاء،
فلفّوه في صفراء، وقالت فاطمة(عليها السلام): يا علي
سمّه، فقال : ما كنت لأسبق باسمه رسول الله
(صلَّى الله عليه وآله)، فجاء النبيّ(صلَّى الله عليه وآله) فأخذه
وقبّله، وأدخل لسانه في فمه، فجعل الحسن(عليه السلام) يمصّه، ثم قال لهم رسول
الله(صلَّى الله عليه وآله) : ألم أتقدّم إليكم أن لا
تلفّوه في خرقة صفراء ؟! فدعا(صلَّى الله عليه وآله) بخرقة بيضاء فلفّه
فيها ورمى الصفراء، وأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثم قال لعلي (عليه
السلام): ما سمّيته؟ قال : ما كنت لأسبقك باسمه، فقال رسول الله (صلَّى الله
عليه وآله) : ما كنت لأسبق ربّي باسمه، قال :
فأوحى الله عزّ ذكره إلى جبرئيل(عليه السلام): أنّه
قد ولد لمحمد ابن، فاهبط إليه فاقرأه السلام وهنّئه منيّ ومنك، وقل له : إنّ
عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى فسمّه باسم ابن هارون، فهبط جبرئيل على
النبي وهنّأه من الله عَزَّ وجَلَّ ومنه، ثم قال له :
إنّ الله عَزَّ وجَلَّ يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون، قال : وما كان اسمه؟ قال : شبّر،
قال : لساني عربي،
قال : سمّه الحسن،
فسمّاه الحسن(راجع
معاني الأخبار : 57 وعلل الشرائع : 138 وبحار الأنوار : 43 / 240 الحديث 8 .). |
|
سنن الولادة :
|
|
وعقّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بيده عن
الحسن بكبش في اليوم السابع من ولادته، وقال : "بسم
الله، عقيقة عن الحسن، اللهمّ عظمها بعظمه ولحمها بلحمه ودمها بدمه وشعرها
بشعره، اللهمّ اجعلها وقاءً لمحمد وآله"، وأعطى القابلة شيئاً،
وقيل: رجل شاة، وأهدوا منها إلى الجيران، وحلق رأسه ووزن شعره فتصدّق بوزنه فضة
ورقاً(العوالم : 20
ـ 22 نقلاً عن الكافي : 6 / 33 وعن عيون أخبار الرضا : 2 / 45 أنّ الزهراء أعطت
القابلة رِجل شاة وديناراً .). |
|
رضاعه :
|
|
وجاء عن أم الفضل زوجة العباس ـ عمّ النبي (ص) ـ
أنّها قالت : قلت : يا رسول الله! رأيت في المنام كأنَّ عضواً من أعضائك في
حجري، فقال (ص): خيراً رأيتِ، تلد فاطمة غلاماً
فتكفلينه، فوضعت فاطمة الحسن (ع) فدفعه إليها النبي(ص) فرضعته بلبن قُثَم
بن العبّاس(العوالم
: 23 عن البحار : 43 / 242 و 255، والعدد القوية (مخطوط) : 5، وكشف الغمّة : 1 /
523 .). |
|
كنيته وألقابه :
|
|
أما كنيته فهي :
"أبو محمّد" لا غير . |
|
نقش خاتمه :
|
|
عن أبي عبد الله الصادق(ع): ثم كان في خاتم الحسن والحسين(ع) : "حسبي الله". |
|
حليته وشمائله :
|
|
عن جحيفة أنّه قال : رأيت رسول الله(صلَّى الله
عليه وآله) وكان الحسن بن علي يشبهه. |
|
الفصل الثاني:
مراحل حياة الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام)
|
|
تولّى الإمام الحسن السبط(عليه السلام) منصب
الإمامة والقيادة بعد استشهاد أبيه المرتضى (عليه السلام) في الواحد والعشرين من
رمضان سنة 40 هجرية وهو في السابعة والثلاثين من عمره المبارك . وقد عاش خلال
هذه المرحلة مع جدّه الرسول الأعظم(صلَّى الله عليه وآله) ما يزيد على سبع سنوات
ومع أبيه المرتضى(عليه السلام) فترة إمامته البالغة ثلاثين سنة تقريباً. وعاصر
خلالها كلاًّ من الخلفاء الثلاثة وشارك بشكل فاعل في إدارة دولة أمير المؤمنين
على بن أبي طالب (عليه السلام) . المرحلة الثانية: حياته في عهد أبي بكر وعمر
وعثمان. |
|
الفصل الثالث: الإمام
المجتبى(ع ) في ظلّ جده وأبيه(ع )
|
|
الإمام الحسن (عليه
السلام) في عهد الرسول الأعظم(صلَّى الله عليه وآله)
|
|
ولد الإمام الحسن(عليه السلام) في حياة جدّه الرسول
الأكرم(صلَّى الله عليه وآله) وعاش في كنفه سبع سنوات وستّة أشهر من عمره
الشريف، وكانت تلك السنوات على قلّتها كافية لأن تجعل منه الصورة المصغّرة عن
شخصية الرسول حتى ليصبح جديراً بذلك الوسام العظيم الذي حباه به جدّه، حينما قال
له : "أشبهت خلقي وخلقي"( حياة الإمام الحسن: 1 /
67، وسيرة الأئمة الإثني عشر للحسني: 1 / 513، وصلح الإمام الحسن لفضل الله ـ 15
عن الغزالي في إحياء العلوم . وحول شبهه(عليه السلام) بجدّه راجع : تاريخ
اليعقوبي: 2 / 226 ط . صادر، والبحار ج10، وأعيان الشيعة ج4، وذكر ذلك العلاّمة
المحقّق الأحمدي عن كشف الغمة : 154، والفصول المهمة للمالكي، والإصابة: 1 /
328، وكفاية الطالب 267، وتهذيب تاريخ ابن عساكر: 4 / 202، وينابيع المودة: 137،
وتاريخ الخلفاء: 126 ـ 127، والتنبيه والاشراف: 261 .). إن كلمة الرسول(ص) للإمام الحسن(عليه السلام) : "أشبهت خَلقي وخُلقي" تعدّ وسام الجدارة
والاستحقاق لذلك المنصب الإلهي الذي هو وراثة الرسالة وخلافة النبي(ص) بعد خلافة
وصيه علي بن أبي طالب (ع) . |
|
يوم المباهلة
ومداليله :
|
|
وفد
بعض أساقفة نصارى نجران على النبي(صلَّى الله عليه وآله) وناظروه في عيسى، فأقام
عليهم الحجة فلم يقبلوا، ثم اتفقوا على المباهلة(من البهلة : وهي اللعنة، ثم كثر استعمال الابتهال في المسألة
والدعاء إذا كان بإلحاح .) أمام الله
على أن يجعلوا لعنة الله الخالدة وعذابه المعجّل على الكاذبين . |
|
أوّلاً : الأنموذج
الحي :
|
|
إنّ
إخراج الحسنين (عليهما السلام) في قضية المباهلة لم يكن أمراً عادياً، وإنّما
كان مرتبطاً بمعاني ومداليل خطيرة، أهمها: أنّ النبي(صلَّى الله عليه وآله) حينما
يكون على استعداد للتضحية بنفسه وبهؤلاء الذين يعتبرهم القمّة في النضج الرسالي،
بالإضافة إلى أنّهم أقرب الناس إليه فإنّه لا يمكن أن يكون كاذباً ـ والعياذ
بالله ـ في دعواه، كما لاحظه وأقرّه رؤساء النصارى الذين جاءوا ليباهلوه، وكذلك
يدل على تفانيه في رسالته الإلهيّة وعلى ثقته بما يدعو إليه . |
|
ثانياً : في خدمة
الرسالة :
|
|
إنّ
اعتبار الإمام الحسن وأخيه الحسين (ع) في صباهما المثل الأعلى والأنموذج المجسّد
للإسلام وعي عقائدي سليم فرضته الأدلة والبراهين التي تؤكّد بشكل قاطع على أن
الأئمة الأطهار(ع) كانوا في حال طفولتهم في المستوى الرفيع الذي يؤهّلهم لتحمّل
الأمانة الإلهية وقيادة الأُمة قيادة حكيمة وواعية، كما سَجَّل التاريخ ذلك
بالنسبة لكل من الإمامين الجواد(ع) والمهدي "عجّل الله تعالى فرجه
الشريف" حيث شاءت الإرادة الإلهية أن يتحمّلا مسؤولياتهما القيادية في السنين
الأُولى من حياتهما، وهذا ليس بالغريب على من أرادهم الله حملة لدينه ورعاة
لبريته، فهذا عيسى بن مريم يتحدّث عنه القرآن الكريم بقوله : (فَأَشَارَتْ إليه قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي
الْمَهْدِ صَبِيَّاً * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ
وَجَعَلَنِي نَبِيَّاً ...)( مريم (19) : 29 ـ 30 .)
. |
|
ثالثاً : سياسات
لابدّ من مواجهتها :
|
|
هنالك مجموعة من الغايات التربوية
والسياسية التي كانت تكمن وراء إشراك النبي(ص) أهل بيته في المباهلة، منها : |
|
شهادة الحسنين
(عليهما السلام) على كتاب لثقيف :
|
|
لقد أشهد النبي(صلَّى الله عليه وآله) الحسنين
(عليهما السلام) حينما كتب كتاباً لثقيف، وأثبت فيه شهادة عليّ والحسنين صلوات
الله وسلامه عليهم . |
|
حضور الحسنين (عليهما
السلام) بيعة الرضوان :
|
|
لقد حضر الحسنان (عليهما السلام) بيعة الرضوان،
واشتركا في البيعة مع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وعرف ذلك عند المؤرّخين
. |
|
الحسن والحسين إمامان
:
|
|
روي عن النبي(ص) أنّه قال : "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا"( راجع علل الشرائع : 1 /
211 .). رغم أنّه لم يكن عمرهما
حينئذ قد تجاوز الخمس سنوات، وبذا يكون للحديث أهميته وعمق دلالته في معناه،
ونجد الإمام الحسن يستدلّ بهذا القول على من يعترض عليه في صلحه مع معاوية (راجع علل الشرائع : 1 /
211 .) . |
|
الإمام
الحسن (عليه السلام) في عهد الخلفاء
|
|
في عهد أبي بكر وعمر
:
|
|
بوفاة
الرسول الأعظم (ص) ينتهي عهد الرسالة ويبدأ عهد
الإمامة، بدءً بإمامة علي بن أبي طالب (ع) والذي عيّنه الرسول الأمين ليتحمّل
أعباء الثورة الإلهية المباركة والقيادة الربّانيّة للأُمة الإسلامية، التي
حباها الله بوافر لطفه، وأنقذها من براثن الجاهلية، لتنعم في ظلِّ الهداية
الرشيدة إلى حيث الكمال والجلال . |
|
1 ـ الحسنان(عليهما السلام) وفدك : |
|
لقد توفّي الرسول الأعظم محمد(صلَّى الله عليه
وآله) وحدث بعده ما حدث من استئثار القوم بالأمر، وتنصيب أبي بكر خليفةً على
المسلمين، وإقصاء علي ابن أبي طالب(عليه السلام) عن محلّه الطبيعي الذي أهّله
الله سبحانه وتعالى له، وتعرض فاطمة الزهراء(عليها السلام) بنت النبي الأعظم(ص)
لاغتصاب إرثها من أبيها، ومصادرة ما كان النبي قد ملّكها في حال حياته، وما دار
بينها وبين أبي بكر من مساجلات واحتجاجات حول هذا الموضوع، حتى طلب منها أن تأتي
بالشهود لإثبات ما تدّعيه، فجاءت بأمير المؤمنين(ع) وبالحسنين (عليهما السلام)
وباُم أيمن ( رضي الله عنها)، ولكنّ أبا بكر ردّ الشهود، ورفض إرجاع حقّها إليها
. |
|
2 ـ اعتراضه على أبي بكر :
|
|
وللحسن بن عليّ (عليهما السلام) موقف مع أبي بكر،
حيث جاء إليه يوماً وهو يخطب على المنبر، فقال له : انزل
عن منبر أبي، فأجابه أبو بكر : صدقت والله، إنّه لمنبر أبيك لا منبر أبي(تاريخ الخلفاء للسيوطي :
80، الصواعق المحرقة : 175 .). |
|
3 ـ الإمام الحسن (عليه السلام) وأسئلة
الأعرابي :
|
|
تقوم الإمامة على ركنين رئيسين : أحدهما : الكفاءة
التي تشمل العلم والعصمة وغيرهما، والآخر: النص، من هنا نجد الأئمة (عليهم
السلام) كانوا يهتمّون بذكر هذه النصوص والتذكير بها والتركيز عليها باستمرار،
وقد كان الإمام الحسن (عليه السلام) قد أولى اهتماماً خاصّاً ـ وفي كثير من أقواله
ومواقفه ـ لذكر هذه النصوص، ومن ذلك قوله: إنّهم هم الذين افترض الله طاعتهم،
وإنّهم أحد الثقلين(الغدير : 1 / 198 .). |
|
4 ـ الإمام الحسن(عليه السلام) في الشورى :
|
|
بعد أن طعن عمر بن الخطاب، ورتّب قضية الشورى على
النحو المعروف قال للمرشحين : "وأحضروا معكم من شيوخ الأنصار وليس لهم من
أمركم شيء، وأحضروا معكم الحسن بن علي وعبد الله بن عباس، فإنّ لهما قرابة،
وأرجو لكم البركة في حضورهما، وليس لهما من أمركم شيء . ويحضر عبد الله
مستشاراً، وليس له من الأمر شيء" فحضر هؤلاء(الإمامة والسياسة : 1 / 28 .). |
|
في
عهد عثمان :
|
|
1 ـ الإمام الحسن (عليه السلام) في وداع
أبي ذر :
|
|
"يا عمّاه! لو لا أنّه لا ينبغي للمودّع أن يسكت وللمشيّع
أن ينصرف; لقصر الكلام وإن طال الأسف، وقد أتى من القوم إليك ما ترى، فضع عنك
الدنيا بتذكّر فراغها، وشدّة ما اشتد منها برجاء ما بعدها، واصبر حتى تلقى
نبيّك(صلَّى الله عليه وآله) وهو عنك راض"( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 8 / 253، والغدير : 8 / 301،
وروضة الكافي : 8 / 207 .) . |
|
2 ـ هل اشترك الإمام الحسن(عليه السلام) في
الفتوح ؟
|
|
قال بعض المؤرّخين :
وفي سنة ثلاثين غزا سعيد بن العاص "طبرستان"، وكان أهلها في خلافة عمر
قد صالحوا سويد بن مقرن على مال بذلوه، ثم نقضوا فغزاهم سعيد بن العاص ومعه
الحسن والحسين وابن عبّاس!. أ ـ إنّ تلك الفتوحات
لم تكن عموماً من أجل مصالح الإسلام العليا، حيث إنّ الحكام كانوا يستفيدون من
تلك الفتوحات في مجال إرضاء طموحاتهم وإشباع غرورهم، فقد أسالت الفتوحات لعابهم
بما فيها من غنائم وبسط نفوذ، فصاروا يهتمّون بتقوية أمرهم وتثبيت سلطانهم،
وهناك من الحكّام من كان الدين والإسلام بنظرهم مجرد شعار يخدم ملكهم ويقوّيه . |
|
3 ـ الإمام الحسن(عليه السلام) وحصار عثمان
:
|
|
نقل بعض المؤرّخين:
أنّه حينما حاصر الثائرون عثمان; بعث الإمام أمير المؤمنين(ع) بولديه الحسن والحسين
(ع) للدفاع عنه، بل قالوا : إنّ الإمام الحسن(عليه السلام) قد جرح وخضّب بالدماء
على باب عثمان من جرّاء رمي الناس عثمان بالسهام، ثم تسوّر الثائرون الدار على
عثمان وقتلوه، وجاء الإمام علي(ع) كالواله
الحزين، فلطم الحسن وضرب صدر الحسين(عليه السلام) وشتم آخرين، منكراً عليهم أن
يُقتل عثمان وهم على الباب(راجع الصواعق المحرقة: 115 ـ 116، ومروج الذهب : 2 / 344 ـ
345، والإمامة والسياسة : 1 / 44 و 42 و 43، وأنساب الأشراف: 5 / 69 و 70 و 74
و93 و95، والبدء والتاريخ : 5 / 206، وتاريخ مختصر الدول 105.). |
|
4 ـ هل جرح الإمام الحسن(عليه السلام)
أثناء دفاعه عن عثمان؟
|
|
ويبقى أن نشير إلى أنّنا نشكّ في صحة ما ذكرته
الرواية من أنّ الإمام الحسن(عليه السلام) قد جرح أثناء الدفاع عن عثمان; وذلك
لأن الإمام عليّاً(عليه السلام) وإن كان يمكن أن يكون قد أرسل ابنيه ـ أو الإمام
الحسن وحده ـ للدفاع عن عثمان، وقد جاءا إليه وعرضا له المهمّة التي أوكلها
إليهما أبوهما إلاّ أنّه يبدو أنّ عثمان قد ردّهما ولم يقبل منهما ذلك، وثمّة
نصوص عديدة(الحياة
السياسية للإمام الحسن : 150 ـ 151 .)
توضّح ذلك نشير إلى أحدها : "ثم دعا عليّ بابنه الحسن، فقال: انطلق يا بنيّ إلى عثمان فقل له : يقول لك أبي : أفتحبّ أن
أنصرك؟ فأقبل الحسن إلى عثمان برسالة أبيه، فقال عثمان : لا، ما أريد
ذلك، لأنّي قد رأيت رسول الله ـ إلى أن قال ـ : فسكت الحسن، وانصرف إلى أبيه،
فأخبره بذلك"(
الفتوح لابن أعثم : 2 / 228 .). |
|
5 ـ هل كان الإمام الحسن(عليه السلام)
عثمانياً ؟
|
|
هنالك
جملة من الافتراءات ألحقها بعض كتّاب التاريخ بالحسن(ع)، ومن هذه الافتراءات:
دعوى أنّ الإمام الحسن(ع) "كان عثمانياً بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة"،
قالوا : "وربما غلا في عثمانيّته، حتى قال لأبيه ذات يوم ما لا يحبّ، فقد
روى الرواة : أنّ عليّاً مرّ بابنه الحسن وهو يتوضّأ، فقال
له : أسبغ الوضوء يا حسن! فأجابه الحسن بهذه الكلمة المرة : "لقد
قتلتم بالأمس رجلاً كان يسبغ الوضوء" فلم يزد عليٌ أن قال : لقد أطال الله
حزنك على عثمان"، وفي نصٍّ آخر للبلاذري : "لقد قتلت رجلاً كان يسبغ
الوضوء"(
الفتنة الكبرى قسم : علي وبنوه 176، وأنساب الأشراف : 3 / 12 بتحقيق المحمودي .) . |
|
الإمام الحسن(عليه السلام) في عهد الدولة العلوية
|
|
1 ـ البيعة لأمير المؤمنين (عليه السلام)
بالخلافة :
|
|
لقد
كان عامة المسلمين يتطلّعون بلهفة إلى من سيخلف عثمان عندما تتمخّض الأحداث عن
قتله أو اعتزاله، ولقد كان الطامعون فيها أكثر من واحد، ومن بين أُولئك من عمّق
مجرى الأحداث ووسّع دائرتها وأمدّ النار المتأجّجة بالوقود كطلحة والزبير وعائشة،
وكان من أكثر الناس لهفة عليها طلحة، وبلغ به الحال أن سبق نتائج تلك الأحداث،
وأخذ لنفسه المكان الذي قدّر أنّ الأيّام ستضعه فيه، فاستولى على بيت المال،
وأقام الصلاة بالناس وعثمان محصور في داره لا يزال على قيد الحياة . |
|
2 ـ استنجاد الإمام علي(عليه السلام)
بالكوفة :
|
|
بينما
كان الإمام علي (ع) يتهيّأ لمواجهة معاوية لمّا
أعلن التمرّد على حكومته ورفض بيعته، وبينما هو جادّ في تدبير الأمر إذ فاجأه
الخبر عن هياج بعض أهل مكة للطلب بدم عثمان بتحريض من طلحة والزبير وعائشة
وأتباعهم من الأُمويين، فأشفق من انشقاق الكلمة واختلاف شمل المسلمين، ورأى أنّ
خطرهم أقوى من خطر معاوية، وشرّهم أقوى من شرّه، وإذا لم يبادر لإخماد هذه
الفتنة فإنّها يوشك أن تتّسع ويكثر التمرّد والاختلاف، فتجهّز للتحرك نحوهم،
وشمّرت لنصرته البقية الصالحة من المهاجرين والأنصار، وخرجوا مسرعين ليلحقوا بهم
قبل أن يدخلوا مصراً من الأمصار فيفسدوه، فلمّا بلغوا الربذة علموا بسبقهم إلى
البصرة وبالحوادث التي جرت فيها، فأقام الإمام (ع)
بالربذة أيّاماً يحكّم أمره، وأرسل إلى جماهير أهل الكوفة يستنجد بهم
ويدعوهم إلى نصرته والقيام معه لإخماد نار الفتنة، وأوفد
لِلقياهم محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر، وزوّدهما
برسالة جاء فيها : "أنّي اخترتكم على
الأمصار، وفزعت إليكم لما حدث، فكونا لدين الله أعواناً وأنصاراً، وأيّدونا
وانهضوا إلينا، فالإصلاح ما نريد لتعود الأُمة إخواناً، ومن أحبّ ذلك وآثره فقد
أحبّ الحق، ومن أبغض ذلك فقد أبغض الحقّ وأغمضه"( الطبري : 3 / 393 و 394
.) . |
|
3 ـ إيفاد الإمام الحسن(عليه السلام) :
|
|
بعد
أن عرف الإمام عليّ(عليه السلام) إصرار أبي موسى وعدم إفلاح الرسل معه; بعث إليه
ولده الحسن ومعه عمار بن ياسر، وأرسل معه رسالة فيها عزل أبي موسى عن منصبه
وتعيين قرضة بن كعب مكانه، وهذا نصّ رسالته : "أمّا
بعد، فقد كنت أرى أن تعزب عن هذا الأمر الذي لم يجعل الله لك نصيباً منه، يمنعك
عن ردّ أمري وقد بعثت الحسن بن عليّ وعمار بن ياسر يستفزّان الناس، وبعثت قرضة
بن كعب والياً على المصر، فاعتزل عملنا مذموماً مدحوراً، فإن لم تفعل فإنّي قد
أمرته أن ينابذك"( حياة الإمام الحسن للقرشي : 1 / 434 .) . جزى الله أهل الكوفة اليوم
نصرة = أجابو ولم يأبوا بخذلان من خذل (الغدير : 2 / 76 .) وقالوا عليّ خير حاف وناعل = رضينا به من ناقضي العهد من بدل وعجّت الكوفة بالنفير ونزحت منها آلاف كثيرة، وقد
بدا عليهم الرضا والقبول، وساروا وهم تحت قيادة الإمام الحسن(ع)، فانتهوا إلى ذي
قار(ذي قار : ماء
لبكر بن وائل قريب من الكوفة يقع بينها وبين واسط . معجم البلدان : 7 / 8 .) وقد التقوا بالإمام أمير المؤمنين (ع) حيث كان
مقيماً هناك، فسرّ بنجاح ولده، وشكر له جهوده ومساعيه . |
|
4 ـ التقاء الفريقين في البصرة وخطاب
الإمام الحسن(عليه السلام) :
|
|
وتحرّكت كتائب الإمام من ذي قار حتى انتهت إلى
الزاوية(الزاوية:
موضع قريب من البصرة . معجم البلدان : 4 / 37 .).
وبعث(عليه السلام) إلى عائشة يدعوها إلى حقن الدماء وجمع كلمة المسلمين، كما
بعث(عليه السلام) برسالة إلى طلحة والزبير يدعوهما إلى الوئام ونبذ الشقاق(حياة الإمام الحسن
للقرشي : 1 / 442 ـ 443 .) إلاّ
أنّهم جميعاً لم يستجيبوا لنداء الحقّ، وأصرّوا على مقاومة الإمام ومناجزته . |
|
5 ـ الإمام علي (عليه السلام) في الكوفة
بعد حرب الجمل :
|
|
بعد أن وضعت حرب الجمل أوزارها توقَّف الإمام أمير
المؤمنين(ع) شهراً في البصرة، ثم غادرها متوجّهاً إلى الكوفة، مخلّفاً عبد الله
بن عباس عليها، وقد مكث أمير المؤمنين(ع) عدّة أشهر في الكوفة قبل أن يتحرك نحو
صفّين لقتال القاسطين (أي معاوية وأنصاره)، وقد قام خلال هذه الفترة بتعيين
وظائف ولاته وتنظيم الأمور، كما وتبادل الرسائل مع معاوية وغيره من المتمرّدين
على خلافته(ع) . |
|
6 ـ خطاب الإمام الحسن (عليه السلام) :
|
|
نقل العلاّمة المجلسي (رضوان الله تعالى عليه) عن
كتاب "العدد" روايةً أشارت إلى أنّ بعض أهل الكوفة اتّهموا الإمام
الحسن(عليه السلام) بضعف الحجّة والعجز عن الخطابة، ولعلّ هذه الرواية متعلّقة
بهذه الفترة (زندگانى
إمام حسن مجتبى، للسيد هاشم رسولي : 138 .). |
|
7 ـ تهيّؤ الإمام علي(عليه السلام) لجهاد
معاوية :
|
|
لمّا أخفقت جميع الوسائل التي سلكها الإمام أمير
المؤمنين(ع) من أجل السلم بعد إصرار معاوية على محاربة السلطة الشرعية والإطاحة
بالخلافة الإسلامية وإعادة المثل الجاهلية وزحفه بجيشه إلى صفين واحتلال الفرات،
تهيّأ(ع) للحرب وقد استدعى المهاجرين والأنصار
الذين خفّوا لنجدته، فقال لهم : "إنّكم ميامين
الرأي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحقّ، مباركو الفعل والأمر، وقد أردنا المسير إلى
عدوّنا فأشيروا علينا برأيكم" .
(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1 /
283 .) |
|
8 ـ في معركة صفّين :
|
|
احتشد الجيشان في صفيّن، وبَذَلَ الإمام علي (عليه
السلام) العديد من المساعي لتفادي وقوع الحرب مع معاوية، إلاّ أنّها لم تفلح،
ممّا اضطرّ الإمام عليّاً(عليه السلام) لخوض غمار حرب استمرت عدة أشهر، وراح
خلالها ـ ضحيةً لسلطوية معاوية ـ الآلاف من المسلمين والمؤمنين . |
|
9 ـ أملكوا عنّي هذا الغلام :
|
|
لم تكن المواجهة في صفّين على وتيرة واحدة، فكانت
تارةً على شكل مناوشات بين الفريقين، وتارة أخرى كانت بصورة التحام كامل بين
الجيشين، وأول مواجهة حيث اتّخذت شكل الالتحام العام رأى الإمام علي (عليه
السلام) ابنه الإمام الحسن(عليه السلام) يستعدّ ليحمل على صفوف أهل الشام، فقال
لمن حوله : "أملكوا عنّي هذا الغلام لا يهدّني(يهدّني : أي يهلكني .) فإنّني أنفس(أنفس : أبخل .) بهذين الغلامين ـ يعني الحسن والحسين ـ لئلاّ ينقطع بهما نسل
رسول الله"( حياة الإمام الحسن : 1 / 497 .) . |
|
10 ـ الإمام الحسن(عليه السلام) والتحكيم :
|
|
بعد أن مضت عدّة أشهر على المواجهة بين جيش الإمام
علي (عليه السلام) وجيش معاوية، وبعد الخسائر الكبيرة التي لحقت بالجانبين، أوشك
جيش الحقّ بقيادة أمير المؤمنين(عليه السلام) على تحقيق النصر ووضع حدٍّ لهذا
النزف الذي أوجده معاوية في جسم الأمة الإسلامية، إلاّ أنّ عمرو بن العاص أنقذ
جيش معاوية من الهزيمة المؤكدة، عندما دعا هذا الجيش إلى رفع المصاحف على الرماح
والمطالبة بتحكيم القرآن بين الجانبين . |
|
11 ـ وصية الإمام أمير المؤمنين إلى ابنه
الحسن :
|
|
ووجّه
الإمام لدى عودته من صفّين بمنطقة يقال لها: "حاضرين" وصيةً مهمّة إلى
ابنه الحسن (عليه السلام) وقد تضمّنت دروساً بليغة : واعلم أنّ الذي بيده خزائن السماوات والأرض قد أذن لك في الدعاء،
وتكفّل لك بالإجابة، وأمرك أن تسأله ليعطيك، وتسترحمه ليرحمك، ولم يجعل بينك
وبينه من يحجبك عنه . ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه من مسألته،
فمتى استفتحت بالدعاء أبواب نعمته، واستمطرت شآبيب(شآبيب : جمع الشؤبوب ـ بالضم
ـ وهو الدفعة من المطر، وما أشبه رحمة الله بالمطر ينزل على الأرض الموات
فيحييها .)
رحمته، فلا يُقنّطك(القنوط : اليأس .) إبطاء إجابته، فإنّ العطيّة على قدر النيّة، وربّما أُخّرت
عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل، وأجزل لعطاء الآمل، وربّما سألت الشيء
فلا تؤتاه، وأوتيت خيراً منه عاجلاً أو آجلاً، أو صُرف عنك لما هو خيرٌ لك،
فلرُبّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أُوتيته فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله،
ويُنفى عنك وباله، فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له . واعلم يقيناً أنّك لن تبلغ أملك، ولن تعدو أجلك، وأنّك في سبيل من
كان قبلك، فخفّض(خفّض : أمر من خفّض ـ بالتشديد ـ: أي أرفق .) في الطلب، وأجمل(أجمل في كسبه : أي سعى سعياً
جميلاً لا يحرص فيمنع الحق ولا يطمع فيتناول ما ليس بحق .) في
المكتسب، فإنّه رُبَّ طلب قد جرّ إلى حَرَب(حَرَب ـ بالتحريك ـ: سلب المال .) فليس كل طالب بمرزوق،
ولا كل مجمل بمحروم . وأكرم نفسك عن كل دنيّة(الدنيّة : الشيء الحقير المبتذل .) وإن ساقتك إلى
الرغائب(الرغائب
: جمع رغيبة، وهي ما يرغب في اقتنائه من مال وغيره .)، فإنّك لن تعتاض بما
تبذل من نفسك عوضاً(عِوضاً : بدلاً .). ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك، ولا ترغبنّ فيمن زهد عنك، ولا يكوننّ
أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته، ولا تكوننّ على الإساءة أقوى منك على
الإحسان، ولا يَكبُرنَّ عليك ظلم من ظلمك، فإنّه يسعى في مضرته ونفعك، وليس جزاء
من سرّك أن تسوءه. استَودِعِ الله دينك ودُنياك، واسألهُ
خير القضاء لكَ في العاجلة والآجلة والدنيا والآخرة، والسلام) |
|
12 ـ النهروان ومؤامرة قتل أمير
المؤمنين(عليه السلام) :
|
|
أدّى نفاق وتمرّد بعض الجهلاء والمتظاهرين بالتديّن
إلى أن تتمرّد مجموعة كبيرة من جيش أمير المؤمنين(ع)
فترفض الانصياع لأوامره، بل ذهب هؤلاء المارقون إلى أبعد من ذلك عندما أصدروا
حكماً بتكفير الإمام (ع) . |
|
13 ـ في ليلة استشهاد الإمام أمير المؤمنين
(عليه السلام) :
|
|
لما
عزم الإمام علي (عليه السلام) على الخروج من بيته ـ قبل أن تشرق أنوار الفجر ـ
إلى مناجاة الله وعبادته في مسجد الكوفة صاحت في وجهه إوز كانت قد أُهدِيَتْ إلى
الحسن، فتنبّأ(عليه السلام) من صياحهنّ وقوع الحادث العظيم والرزء القاصم،
قائلاً : "لا حول ولا قوّة إلا بالله، صوائح
تتبعها نوائح" . أُشدد حيازيمك للموت = فإن الموت لاقيكا ولا تجزع من الموت =
إذا حلّ بواديكا واضطرب
الإمام الحسن(ع) من خروج أبيه في هذا الوقت الباكر فقال له: "ما أخرجك في هذا الوقت؟". |
|
14 ـ الإمام الحسن (عليه السلام) بجوار
والده(عليه السلام) الجريح :
|
|
وصل أمير المؤمنين(عليه السلام) مسجد الكوفة ووقعت
تلك الفاجعة العظمى على يد أشقى الأشقياء، وسمع أهل الكوفة بالفاجعة، فهرعوا إلى
المسجد وخفّ أبناء الإمام(عليه السلام) مسرعين، وكان الإمام الحسن(عليه السلام)
في مقدمة الذين وصلوا المسجد فوجد أباه(عليه السلام) صريعاً في محرابه وقد تخضّب
وجهه ولحيته بدمه، وجماعة حافّين به يعالجونه للصلاة، ولمّا وقع نظره على
ولدهالحسن(عليه السلام); أمره أن يصلّي بالناس، وصلّى الإمام وهو جالس والدم
ينزف منه. |
|
15 ـ آخر وصايا أمير المؤمنين (عليه
السلام) :
|
|
وأخذ الإمام يوصي أولاده بمكارم الأخلاق، ويضع بين
أيديهم المثل الرفيعة، ويلقي عليهم الدروس القيّمة، وقد وجه (عليه السلام)
نصائحه الرفيعة أولاً لولديه الحسن والحسين، وثانياً لبقية أولاده وعموم
المسلمين قائلاً : |
|
16 ـ الإمام علي (عليه السلام) ينصّ على
خلافة ابنه الحسن (عليه السلام) :
|
|
ولمّا علم أمير المؤمنين أنّه مفارق لهذه الدنيا
وأنّ لقاءه بربّه لقريب; عهد بالخلافة والإمامة لولده الحسن، فأقامه من بعده
لترجع إليه الأُمة في شؤونها كافة، ولم تختلف كلمة الشيعة في ذلك، فقد ذكر ثقة
الإسلام الكليني أنّ أمير المؤمنين أوصى إلى الحسن، وأشهد على وصيته الحسين
ومحمداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع إليه الكتب والسلاح، وقال
له: "يا بني! أمرني رسول الله (صلى الله عليه
وآله) أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي، كما أوصى إلي رسول الله ودفع
إليّ كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين"
. |
|
17 ـ إلى الرفيق الأعلى :
|
|
ولمّا فرغ الإمام أمير المؤمنين من وصاياه أخذ
يعاني آلام الموت وشدّته، وهو يتلو آي الذكر الحكيم ويكثر من الدعاء والاستغفار،
ولمّا دنا منه الأجل المحتوم كان آخر ما نطق به قوله تعالى : (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ) ثم فاضت
روحه الزكية إلى جنّة المأوى وسمت إلى الرفيق الأعلى، وارتفع ذلك اللطف الإلهي
إلى مصدره، فهو النور الذي خلقه الله ليبدّد به غياهب الظلمات . |
|
18 ـ تجهيزه ودفنه :
|
|
وأخذ الحسن (عليه السلام) في تجهيز أبيه، فغسَّل
الجسد الطاهر وطيَّبه بالحنوط، وأدرجه في أكفانه، ولمّا حل الهزيع الأخير من
الليل خرج ومعه حفنة من آله وأصحابه يحملون الجثمان المقدّس إلى مقرّه الأخير
فدفنه في النجف الأشرف حيث مقره الآن كعبة للوافدين ومقراً للمؤمنين والمتقين
ومدرسة للمتعلمين، ورجع الإمام الحسن بعد أن وارى أباه إلى بيته وقد استولى عليه
الأسى والذهول وأحاط به الحزن(حياة الإمام الحسن : 1 / 568 ـ 569 .) . |
|
الباب الثالث:
|
|
فيه فصول: |
|
الفصل الأول: عصر الإمام الحسن
المجتبى (عليه السلام)
|
|
إنّ
الخوارج حينما خرجوا على أمير المؤمنين (عليه السلام) وتمرّدوا عليه; لم يكن
لحركتهم أيّة ميزة على غيرهم من المتمرّدين عليه كطلحة والزبير ومعاوية وغيرهم،
ولم يكن لهم هدف خاص كما كان لمعاوية وطلحة والزبير، وما ينسبه لهم المؤرّخون من
الجدل حول التحكيم مع أنّهم من أنصاره في بداية الأمر ـ ونتائجه لم يلتزم بها
أمير المؤمنين (عليه السلام) إن صحّ ـ يدلّ على أنّهم كانوا في منتهى السذاجة
والعفوية، وأنّهم كانوا ضحايا المتآمرين على أمير المؤمنين بقصد إثارة الفتن في
جيشه وإلهائه عن معاوية والرجوع لحربه، وكان لمقتلهم آثاره السيئة في نفوس
الكثيرين من أصحابه، لأنّ القتلى كان أكثرهم ينتمي إلى عشائر الكوفة والبصرة،
فليس بغريب إذا ترك قتلهم في نفوس من ينتمون إليهم ما يجده كلّ قريب لفقد قريبه
. |
|
الفصل الثاني: مواقف الإمام (عليه
السلام) وإنجازاته
|
|
البحث الأول : من البيعة إلى الصلح
|
|
1 ـ خطبة الإمام الحسن (عليه السلام) يوم شهادة أبيه (عليه
السلام) : |
|
تحدّث أغلب المؤرّخين عن أنّ الإمام الحسن (عليه
السلام) ألقى في صباح الليلة التي دَفَنَ فيها أباه (عليه السلام) خطبةً في
الناس جاء فيها : |
|
2 ـ بيعة الإمام الحسن (عليه السلام) :
|
|
ولمّا أنهى الإمام (ع) خطابه، انبرى عبيد الله بن
العباس فحفّز المسلمين إلى المبادرة لمبايعته قائلاً : |
|
3 ـ الإمام الحسن (ع) يقتصّ من قاتل أمير
المؤمنين (ع) :
|
|
وفي اليوم الذي بايع الناس الإمام الحسن (ع) وبعد
إتمام البيعة أمر بإحضار عبد الرحمن بن ملجم فلمّا مثل بين يديه قال له ابن ملجم : ما الذي أمرك به أبوك ؟ فأجابه
الإمام (ع) : "أمرني أن لا أقتل غير قاتله، وأن
أُشبع بطنك وأُنعم وطأك"( تاريخ اليعقوبي : 2 / 191، وتاريخ الطبري: 6 / 86، ومقاتل
الطالبيين: 16، وتاريخ ابن الأثير: 3 / 170 .)
. ثم ضرب عنقه، ولم يمثِّل به. |
|
4 ـ جهاد الإمام الحسن (عليه السلام) :
|
|
يكشف
النصّ التاريخي ـ الذي نقلناه سابقاً عن قيام الإمام (عليه السلام) بمضاعفة
الأجور التي كان يتقاضاها المقاتلة ـ عن موقف الإمام (عليه السلام) الجادِّ من
الحرب وإصراره الأكيد في مجابهة معاوية كما يتّضح من عمله في إصلاح حال جيشه
وبنائه له . فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى
= تجهّز لأخرى مثلها فكأن قدِ " ( مقاتل الطالبيين : 33 .) لقد
كانت هذه الحادثة إنذاراً لمعاوية بالحرب وتهديداً له وقطعاً لآماله بالاستيلاء
على الكوفة بسلام . |
|
5 ـ تحرك معاوية نحو العراق وموقف الإمام
(عليه السلام) :
|
|
وبدأ معاوية يعبّئ جيشه ويكتب لعمّاله بموافاته
لغزو العراق، وفي بعض كتبه لعمّاله يذكر أنّ بعض أشراف الكوفة وقادتهم كتبوا
إليه يلتمسون منه الأمان لأنفسهم وعشائرهم، وإن صح هذا فهو أول الخذلان الذي
ارتكبه أهل الكوفة بحقّ الإمام الحسن (عليه السلام) . |
|
6 ـ استنكار الموقف المتخاذل :
|
|
وهكذا
وقف أهل الكوفة هذا الموقف المتخاذل من قائدهم وإمامهم، إذ سكتوا حيث طلب منهم
الإجابة على ندائه بالخروج إلى معسكرهم في النخيلة، فتحوّلت أعينهم وهلعت
قلوبهم، فلمّا رأى ذلك عدي بن حاتم الطائي قام فقال : "أنا
ابن حاتم، سبحان الله ! ما أقبح هذا المقام! ألا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيّكم؟
أين خطباء المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة، فإذا جَدّ الجدّ فروّاغون
كالثعالب؟ أما تخافون مقت الله، ولا عيبها وعارها". |
|
7 ـ الاتجاهات المتضادة في جيش الإمام
(عليه السلام) :
|
|
كان جيش الإمام (عليه السلام) يتكوّن من خليط غريب،
فقد تجمّعت فيه عدّة اتجاهات مختلفة وعناصر متضادة، ويمكن بالنظرة الأُولى
تصنيفه إلى فئات : أ ـ الخوارج : وهم الذين خرجوا عن طاعة الإمام عليّ
(عليه السلام) وحاربوه وناوؤه ونصبوا له العداوة، فكانوا قد وجدوا من الإمام
الحسن (ع) حلاًّ وسطاً، فانضموا إليه لمحاربة معاوية، وهؤلاء أناس تستثيرهم أدنى
شبهة عارضة فيتعجّلون الحكم عليها، وسنرى أنّهم كيف وثبوا على الإمام الحسن
(عليه السلام) فيما بعد. |
|
8 ـ طلائع جيش الإمام الحسن (عليه السلام)
:
|
|
انتهى الإمام الحسن (عليه السلام) بجيشه إلى
النخيلة، فأقام فيها ونظّم الجيش، ثمّ ارتحل عنها وسار حتى انتهى إلى " دير
عبد الرحمن " فأقام به ثلاثة أيام ليلتحق به المتخلّفون من جنده، وأرسل
مقدمة جيشه للاستطلاع على حال العدو وإيقافه في محلّه، واختار إلى مقدّمته خلّص
أصحابه وخيرة عناصر جيشه، وكان عددهم اثني عشر ألفاً، وأعطى القيادة العامة إلى
ابن عمّه عبيد الله بن العباس، وقد زوّده قبل تحرّكه بهذه الوصية القيّمة وهي : |
|
9 ـ خيانة قائد الجيش :
|
|
وصل عبيد الله بن العباس إلى " مسكن "( موضع قريب من "
أوانا " على نهر الدجيل، وبها كانت الواقعة بين عبد الملك بن مروان ومصعب
بن الزبير سنة / 72 هـ .) فعسكر
فيها، وقابل العدوّ وجهاً لوجه، وعندها بدأت تظهر بوادر الفتنة بوضوح، وانطلقت
دسائس معاوية تشقّ طريقها إلى المعسكر حيث تجد المجال الخصب بوجود المنافقين ومن
يؤثرون العافية، وكانت الشائعة الكاذبة " أنّ الحسن يكاتب معاوية على الصلح
فلِمَ تقتلون أنفسكم ؟ "( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 16 / 42 .) . |
|
10 ـ توالي الخيانات في جيش الإمام (عليه
السلام) :
|
|
وصلت
أنباء استسلام عبيد الله لعدوّه إلى المدائن، وشاع جوّ من المحنة في النفوس،
وشعر الإمام (ع) بالطعنة في الصميم تأتيه من أقرب الناس إليه وأخصّهم به،
وتسرّبت إليه أنباء عن مكاتبة بعض رؤساء الأجناد والقوّاد لمعاوية وطلبهم الأمان
لأنفسهم وعشائرهم، ومكاتبة معاوية لبعضهم بالأمان والمواعيد (أعيان الشيعة : 4 / 22
.) . وغادر الوفد مقصورة الإمام مستعرضاً مضارب الجيش
الذي كان يترقّب نتائج المفاوضات، فرفع أحد أفراد الوفد صوته ليسمعه الناس :
"إنّ الله قد حقن بابن رسول الله الدماء وسكّن الفتنة وأجاب إلى الصلح
..."( تأريخ
اليعقوبي : 2 / 191 .) . |
|
11 ـ محاولات اغتيال الإمام (عليه السلام)
:
|
|
ولم
تقف محنة الإمام (عليه السلام) في جيشه إلى هذا الحدّ، فقد أقدم المرتشون
والخوارج على قتله، وجرت ثلاث محاولات لاغتياله (عليه
السلام) وسلم منها، وهي كما يلي : 1
ـ إنّه (عليه السلام) كان يصلّي فرماه شخص بسهم فلم يؤثّر شيئاً فيه(حياة الإمام الحسن : 2 /
106 .) . 2
ـ طعنه الجرّاح بن سنان في فخذه، وقال الشيخ المفيد : " إنّ الحسن أراد أن
يمتحن أصحابه ليرى طاعتهم له وليكون على بصيرة من أمره، فأمر أن ينادى بالصلاة
جامعة، فلمّا اجتمع الناس قام خطيباً فقال : 3 ـ طعنه بخنجر في أثناء الصلاة(ينابيع المودة : 292 .) . |
|
12 ـ موقف الإمام الحسن (عليه السلام) :
|
|
قال الشيخ المفيد : "
.. ونظر ( الإمام الحسن (عليه السلام) ) في أمورهم ( أي في أمور الناس ) فازدادت
بصيرة الحسن (عليه السلام) بخذلان القوم له وفساد نيّات المحكِّمة فيه بما
أظهروه له من السبّ والتكفير له واستحلال دمه ونهب أمواله، ولم يبق معه من يأمن
غوايله إلاّ خاصّته من شيعة أبيه وشيعته وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام، فكتب
إليه معاوية في الهدنة والصلح، وأنفذ إليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها
الفتك به وتسليمه إليه، فاشترط له على نفسه في إجابته إلى صلحه شروطاً كثيرة،
وعقد له عقوداً كان في الوفاء بها مصالح شاملة، فلم يثق به الحسن (ع) وعلم
باحتياله بذلك واغتياله، غير أنّه لم يجد بدّاً من إجابته إلى ما التمس من ترك
الحرب وإنفاذ الهدنة لما كان عليه أصحابه ممّا وصفناه من ضعف البصائر في حقّه
والفساد عليه والخلف منهم له وما انطوى عليه كثير منهم في استحلال دمه وتسليمه
إلى خصمه وما كان من خذلان ابن عمّه له ومصيره إلى عدوّه وميل الجمهور منهم إلى
العاجلة وزهدهم في الآجلة ..."( الإرشاد : 190 ـ 191 .) . |
|
البحث الثاني : في
الصلح وأسبابه ونتائجه
|
|
تعتبر المرحلة التي صالح فيها الإمام الحسن (عليه
السلام) معاوية بن أبي سفيان من أصعب مراحل حياته (عليه السلام) وأكثرها تعقيداً
وحسّاسية وأشدها إيلاماً، بل إنّها كذلك وعلى مدى حياة أهل بيت رسول الله (عليه
السلام)، وقد أصبح صلح الإمام (عليه السلام) من أهم الأحداث في التاريخ الإسلامي
بما تستبطنه من موقف بطولي للإمام المعصوم (عليه السلام)، وبما أدّى إليه من تطورات
واعتراضات وتفسيرات مختلفة طوال القرون السالفة وحتى عصرنا الحاضر، وألّف
الباحثون المسلمون في توضيح وتحليل الصلح كتباً عديدة، وأصدر الأعداء والأصدقاء
أحكامهم بشأنه. |
|
إتمام الحجّة :
|
|
ذكر المؤرّخون : أنّ الإمام الحسن (عليه السلام)
بعد أن رأى خيانات جيشه والمحيطين به ونفاقهم، مع أنّه لم يبق له ثمّة أمل في
ثباتهم وصمودهم في مواجهة العدو، ومع انكشاف ما تنطوي عليه تلك الضمائر من
رغبات، لكنّه (عليه السلام) ولكي يتمّ الحجة ألقى فيهم الخطاب الآتي : " ويلكم ! والله إنّ معاوية لا
يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي، وإنّي أظنّ إن وضعتُ يدي في يده فأسلمه لم
يتركني أدين بدين جَدّي، وإنّي اَقدِرُ أن أعبدَ الله عَزَّ وجَلَّ وحدي، ولكن
كأنّي أنظر إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم يستسقونهم ويطعمونهم بما جعل
الله لهم فلا يسقون ولا يطعمون، فبُعداً وسحقاً لما كسبته أيديهم، وسيعلم الذين
ظلموا أيّ منقلب ينقلبون "( تاريخ الطبري : 4 / 122، وتذكرة الخواص لابن الجوزي : 112 .). |
|
القبول بالصلح :
|
|
لم يبق أمام الإمام الحسن (عليه السلام) سبيلٌ غير
القبول بالصلح، وترك أمر الحكم لمعاوية فترةً من الزمن، ويتبيّن من خلال التمعّن
في بنود معاهدة الصلح أنّ الإمام (عليه السلام) لم يقدّم أيّ امتياز لمعاوية،
وأنّه (عليه السلام) لم يعترف به رسمياً باعتباره خليفةً وحاكماً للمسلمين، بل
إنّما اعتبر الحكم القيادة حقّه الشرعي، مثبتاً بطلان ادعاءات معاوية بهذا الصدد
. |
|
بنود معاهدة الصلح :
|
|
لم
تذكر المصادر التأريخية نصّاً صريحاً لكتاب الصلح، الذي يعتبر الوثيقة التأريخية
لنهاية مرحلة من أهم مراحل التأريخ الإسلامي، وبخاصة في عصوره الأول، ولا نعرف
سبباً وجيهاً لهذا الإهمال . 2 ـ أن يكون الأمر للحسن من بعده، فإن حدث به
حدث فلأخيه الحسين، وليس لمعاوية أن يعهد إلى أحد . باعتبار أنّ هذه المادة لا تتناسب وشأن الإمام
الحسن (ع) ومقامه(زندگانى
امام حسن : 223 .) . والله أعلم . |
|
أسباب الصلح كما
تُصَورّها النصوص عن الإمام الحسن (عليه السلام) :
|
|
1 ـ روى الشيخ الصدوق في " علل
الشرايع " بسنده عن أبي سعيد عقيصا الذي سأل الإمام الحسن (عليه السلام) عن
السبب الذي دفعه إلى الصلح مع معاوية من أنّه (عليه السلام) يعلم أنّه على الحقّ
وأنّ معاوية ضالّ وظالم، فأجابه الإمام (عليه السلام) :
" يا أبا سعيد، ألستُ حجّة الله تعالى ذكره على خلقه، وإماماً عليهم بعد
أبي (عليه السلام) ؟ قلتُ : بلى، قال : ألستُ
الذي قال رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) لي ولأخي : الحسن والحسين إمامان قاما
أو قعدا ؟ قلتُ : بلى، قال : فأنا إذن إمام لو
قمتُ، وأنا إمام إذا قعدتُ، يا أبا سعيد عِلّةُ مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة
رسول الله (صلى الله عليه وآله) لبني ضُمْرة وبني أشجع، ولأهل مكة حين انصرف من
الحديبية، أُولئك كفّار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفّار بالتأويل، يا أبا سعيد
إذا كنتُ إماماً من قبل الله تعالى ذكره لم يجب أن يُسَفَّه رأيي فيما أتيته من
مهادنة أو محاربة، وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته مُلتبساً، ألا ترى الخضر (عليه
السلام) لمَّا خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى (عليه السلام)
فعله؟ لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي. هكذا أنا، سخطتم عليّ بجهلكم
بوجه الحكمة فيه، ولو لا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحدٌ إلاّ قُتِل
"( علل
الشرايع : 200 .). |
|
تحليلان لأسباب الصلح
:
|
|
التحليل الأوّل :
|
|
لقد حاول معاوية أن يظهر نفسه بأنّه رجل مسالم يدعو
إلى السلام والصلح، وذلك عبر رسائله إلى الإمام الحسن (عليه السلام) التي يدعوه
فيها إلى الصلح مهما كانت شروط الإمام (عليه السلام)، وقد اعتبر الباحثون أنّ
الخطاب السلمي لمعاوية كان أخطر حيلة فتّت عضد الإمام (عليه السلام)، الأمر الذي
أزّم ظروفه (عليه السلام) ولم يكن للإمام خيار غير القبول بالصلح . |
|
التحليل الثاني :
|
|
إن
معاوية كان قد نشط في عهد الخليفتين الثاني والثالث بإمارته على الشام عشرين
سنة، تمكّن بها في أجهزة الدولة، وصانع الناس فيها وأطمعهم به فكانت الخاصة في
الشام كلّها من أعوانه، وعظم خطره في الإسلام، وعرف في سائر الأقطار بكونه من
قريش أسرة النبي (صلى الله عليه وآله) وأنّه من أصحابه، حتى كان في هذه أشهر من
كثير من السابقين الأولين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، كأبي ذرّ وعمّار
والمقداد وأضرابهم . |
|
زبدة المخض :
|
|
إذن تتلخّص أسباب الصلح فيما يلي : |
|
البحث
الثالث : ما بعد الصلح حتى الشهادة
|
|
الاجتماع في الكوفة :
|
|
بعد
توقيع الصلح بين الإمام الحسن (عليه السلام) ومعاوية اتّفقا على مكان يلتقيان
به، ليكون هذا اللقاء تطبيقاً عملياً للصلح، وليعترف كلّ منهماعلى سمع من الناس
بما أعطى صاحبه من نفسه وبما يلتزم له من الوفاء بعهوده، فاختارا الكوفة فقصدا
إليها، وقصدت معهما سيول من الناس غصّت بهم العاصمة الكبرى، وكان أكثر الحاضرين
جند الفريقين، تركوا معسكريهما وحفّوا لليوم التاريخي الذي كتب على طالع الكوفة
النحس أن تشهده راغمة أو راغبة . |
|
المعارضون للصلح :
|
|
أ ـ قيس بن سعد بن
عبادة :
|
|
اشتهر قيس بموالاة أهل البيت (عليهم السلام) وكان
أمير المؤمنين (عليه السلام) قد عيّنه والياً على مصر في أوائل خلافته وعندما
سمع قيس بن سعد نبأ التوقيع على الصلح بين الإمام (عليه السلام) ومعاوية غشيته
سحب من الأحزان، واستولت عليه موجة من الهموم، لكنّه عاد إلى الكوفة في نهاية
المطاف . |
|
ب ـ حجر بن عدي :
|
|
وهو من كبار صحابة رسول الله (صلَّى الله عليه
وآله) وأمير المؤمنين (ع)، ومن أبدال عصره، وحسب ابن الأثير الجزري في
"اُسد الغابة" وغيره، أنّه وصل مقاماً في القرب إلى الله تعالى بحيث
أصبح مستجاب الدعوة، وقد قتل شهيداً في "مرج عذراء" وهي إحدى قرى
الشام، بأمر معاوية وبواسطة أزلامه، وقد اندلعت إثر شهادته موجة من الاحتجاجات
على سياسات معاوية وحتى ندّدت عائشة وآخرون بالجريمة(اُسد الغابة : 1 / 386 .)
. |
|
ج ـ عدي بن حاتم :
|
|
وعدي من الشجعان والمخلصين لأهل البيت (عليهم
السلام)، وقد نقل أُنه قال للإمام وقد ذابت حشاه من الحزن والمصاب : "يابن
رسول الله! لوددت أنّي متّ قبل ما رأيت، أخرجتنا من العدل إلى الجور، فتركنا
الحقّ الذي كنّا عليه، ودخلنا في الباطل الذي كنّا نهرب منه، وأعطينا الدنيّة من
أنفسنا، وقبلنا الخسيس التي لم تلق بنا"، فأجابه الإمام (ع) : "يا عدي! إنّي رأيت هوى معظم الناس في الصلح وكرهوا
الحرب، فلم أُحبّ أن أحملهم على ما يكرهون، فرأيتُ دفع هذه الحروب إلى يوم ما،
فإنّ الله كلّ يوم هو في شأن"( حياة الإمام الحسن : 2 / 274 .) . |
|
د ـ المُسيَّب بن
نجبة وسليمان بن صُرد :
|
|
وعرفا بالولاء والإخلاص لأهل البيت (عليهم السلام)،
وقد تألّما من الصلح فأقبلا إلى الإمام وهما محزونا النفس فقالا : ما ينقضي
تعجّبنا منك ! بايعت معاوية ومعك أربعون ألف مقاتل من الكوفة سوى أهل البصرة
والحجاز"، فقال الإمام للمسيّب : "ما ترى؟" قال : والله أرى أن
ترجع لأنّه نقض العهد، فأجابه الإمام : "إنّ
الغدر لا خير فيه ولو أردت لما فعلت ..."( مناقب ابن شهر آشوب : 4 / 35، طبعة قم.) . |
|
إلى يثرب :
|
|
بقي الإمام الحسن في الكوفة أياماً، ثمّ عزم على
مغادرة العراق، والشخوص إلى مدينة جدّه، وقد أظهر عزمه ونيّته إلى أصحابه، ولمّا
أذيع ذلك دخل عليه المسيّب بن نجبة الفزاري وظبيان بن عمارة التميمي ليودّعاه،
فالتفت لهما قائلاً : "الحمد لله الغالب على
أمره، لو أجمع الخلق جميعاً على أن لا يكون ما هو كائن ما استطاعوا .. إنّه
والله ما يكبر علينا هذا الأمر إلاّ أن تضاموا وتنتقصوا، فأمّا نحن فإنّهم
سيطلبون مودّتنا بكلّ ما قدروا عليه" |
|
مرجعية الإمام الحسن
(عليه السلام) العلمية والدينيّة :
|
|
وتمثّلت في تربيته لكوكبة من طلاّب المعرفة،
وتصدّيه للانحرافات الدينية التي كانت تؤدي إلى مسخ الشريعة، كما تصدّى لمؤامرة
مسخ السنّة النبويّة الشريفة التي كان يخطّط لها معاوية بن أبي سفيان من خلال
تنشيط وضع الأحاديث والمنع من تدوين الحديث النبويّ . |
|
مدرسة الإمام ونشاطه
العلمي :
|
|
أنشأ
الإمام مدرسته الكبرى في يثرب، وراح يعمل مجدّاً في نشر الثقافة الإسلامية في
المجتمع الإسلامي، وقد انتمى لمدرسته كبار العلماء وعظماء المحدّثين والرواة،
ووجد بهم خير عون لأداء رسالته الإصلاحية الخالدة التي بلورت عقلية المجتمع .
وأيقظته بعد الغفلة والجمود، وقد ذكر المؤرّخون بعض أعلام تلامذته ورواة حديثه
وهم : ابنه الحسن المثنى، والمسيّب بن نجبة، وسويد بن غفلة، والعلا بن عبد
الرحمن، والشعبي، ومبيرة بن بركم، والأصبغ بن نباتة، وجابر بن خلد، وأبو الجوزا،
وعيسى بن مأمون بن زرارة، ونفالة بن المأموم، وأبو يحيى عمير بن سعيد النخعي،
وأبو مريم قيس الثقفي، وطحرب العجلي، وإسحاق بن يسار والد محمد بن إسحاق، وعبد
الرحمن بن عوف، وسفين بن الليل، وعمرو بن قيس الكوفيون(تاريخ ابن عساكر : ج12، صورة فوتوغرافية في مكتبة الإمام أمير
المؤمنين .)، وقد ازدهرت يثرب بهذه
الكوكبة من العلماء والرواة فكانت من أخصب البلاد الإسلامية علماً وأدباً وثقافة
. |
|
مرجعيّته الاجتماعية
:
|
|
والتي تمثّلت في عطفه على الفقراء وإحسانه وبذله
المعروف، وتجلّت في استجارة المستجيرين به للتخلّص من ظلم الأُمويين وأذاهم . |
|
أ ـ عطفه على الفقراء
:
|
|
وأخذ (عليه السلام) يفيض الخير والبرّ على الفقراء
والبائسين، ينفق جميع ما عنده عليهم، وقد ملأ قلوبهم سروراً بإحسانه ومعروفه،
ومن كرمه أنّه جاءه رجل في حاجة فقال له : "أُكتب
حاجتك في رقعة وادفعها إلينا"، فكتبها ذلك الشخص ورفعها إليه، فأمر
(عليه السلام) بضعفها له، قال بعض الحاضرين: ما كان أعظم بركة هذه الرقعة عليه
يا بن رسول الله ؟!، فأجابه (عليه السلام) : "بركتها
علينا أعظم، حين جعلنا للمعروف أهلاً، أما علمت أنّ المعروف ما كان ابتداءً من غير
مسألة، فأمّا من أعطيته بعد مسألة فإنّما أعطيته بما بذل لك من وجهه، وعسى أن
يكون بات ليلته متململاً أرقاً يميل بين اليأس والرجاء، لا يعلم بما يرجع من
حاجته، أبكآبة أم بسرور النجح، فيأتيك وفرائصه ترعد، وقلبه خائف يخفق، فإن قضيت
له حاجته فيما بذلك من وجهه فإنّ ذلك أعظم ممّا نال من معروفك" . |
|
ب ـ الاستجارة به :
|
|
كان (عليه السلام) في عاصمة جدّه(صلَّى الله عليه
وآله) كهفاً منيعاً لمن يلجأ إليه، وملاذاً حصيناً لمن يلوذ به، قد كرّس أوقاته
في قضاء حوائج الناس، ودفع الضيم والظلم عنهم، وقد استجار به سعيد بن أبي سرح من
زياد فأجاره، فقد ذكر الرواة أنّه كان معروفاً بالولاء لأهل البيت (عليهم
السلام) فطلبه زياد من أجل ذلك فهرب إلى يثرب مستجيراً بالإمام، ولمّا علم زياد
ذلك عمد إلى أخيه وولده وزوجه فحبسهم، ونقض داره، وصادر أمواله، وحينما علم
الإمام الحسن ذلك شقّ عليه الأمر، فكتب رسالة إلى زياد يأمره فيها بأن يعطيه
الأمان، ويخلّي سبيل عياله وأطفاله، ويشيّد داره، ويردّ عليه أمواله(حياة الإمام الحسن : 2 /
289 ـ 290 .) . |
|
مرجعيّته السياسيّة :
|
|
لقد صالح الإمام الحسن (عليه السلام) معاوية من
موقع القوّة، كما نصّت المعاهدة على أن يكون الأمر من بعده للحسن ولا يبغي له
الغوائل والمكائد . |
|
رفض الإمام (عليه
السلام) مصاهرة الأُمويين :
|
|
ورام معاوية أن يصاهر بني هاشم ليحوز بذلك الشرف
والمجد، فكتب إلى عامله على المدينة مروان بن الحكم أن يخطب ليزيد زينب بنت عبد
الله ابن جعفر على حكم أبيها في الصداق، وقضاء دينه بالغاً ما بلغ، وعلى صلح
الحيّين بني هاشم وبني أمية، فبعث مروان خلف عبد الله، فلمّا حضر عنده فاوضه في
أمر كريمته، فأجابه عبد الله : إنّ أمر نسائنا بيد الحسن بن علي فاخطب منه،
فأقبل مروان إلى الإمام فخطب منه ابنة عبد الله، فقال (عليه السلام) :
"اجمع مَن أردت" فانطلق مروان فجمع الهاشميّين والأُمويين في صعيد
واحد وقام فيهم خطيباً، وبيّن أمر معاوية له . |
|
من مواقف الإمام
الحسن (عليه السلام) مع معاوية وبطانته :
|
|
أ ـ مع معاوية في
المدينة :
|
|
روى الخوارزمي أنّ معاوية سافر إلى يثرب فرأى تكريم
الناس وحفاوتهم بالإمام وإكبارهم له ممّا ساءه ذلك، فاستدعى
أبا الأسود الدؤلي والضحّاك بن قيس الفهري، فاستشارهم في أمر الحسن وأنّه
بماذا يوصمه ليتّخذ من ذلك وسيلة للحطّ من شأنه والتقليل من أهميّته أمام
الجماهير، فأشار عليه أبو الأسود بالترك قائلاً : وشقّ
على معاوية كلام الإمام فبادر إلى قطعه قائلاً : "يا حسن! عليك بصفة
الرطب"، فقال (عليه السلام): "الريح تلقحه
والحرّ ينضجه، والليل يبرده ويطيبه، على رغم أنفك يا معاوية" ثم
استرسل (عليه السلام) في تعريف نفسه قائلاً : ... = والحقّ يعرفه ذوو الألباب )" فقال
معاوية على عادته من المراوغة : لا مرحباً بمن ساءك(راجع حياة الإمام الحسن : 2 / 297 ـ 299 عن الخوارزمي .) . |
|
ب ـ في دمشق :
|
|
اتفق جمهور المؤرّخين على أنّ الإمام الحسن (عليه
السلام) قد وفد على معاوية في دمشق، واختلفوا في أنّ وفادته كانت مرةً واحدةً أو
أكثر، وإطالة الكلام في تحقيق هذه الجهة لا تغنينا شيئاً، وإنّما المهم البحث عن
سرّ سفره، فالذي نذهب إليه أنّ المقصود منه ليس إلاّ نشر مبدأ أهل البيت(عليهم
السلام) وإبراز الواقع الأُموي أمام ذلك المجتمع الذي ضلّله معاوية وحرّفه عن
الطريق القويم، أمّا الاستدلال عليه فإنّه يظهر من مواقفه ومناظراته مع معاوية،
فإنّه قد هتك بها حجابه . |
|
المناظرة الأُولى :
|
|
أقبل معاوية على الإمام (عليه السلام) فقال له :
"يا حسن أنا خير منك !" فقال له الإمام (عليه السلام) : "وكيف ذاك يا بن هند ؟"، فقال معاوية :
لأنّ الناس قد أجمعوا عليّ، ولم يجمعوا عليك . |
|
المناظرة الثانية :
|
|
وهناك
موقف آخر، ولعلّه من أروع ما نقله التأريخ من مواقف الإمام (عليه السلام)، فقد
اجتمع لدى معاوية أربعة من أعمدة حكمه ومروّجي جاهليّته، وهم : عمرو بن العاص
والوليد بن عقبة بن أبي معيط وعتبة بن أبي سفيان والمغيرة بن شعبة، وطلبوا منه
إحضار الإمام (عليه السلام) لكي يعيبوه وينالوا منه، بعدما ساءهم إلتفاف الناس
حوله يلتمسون منه عطاء العلم والدين. همك إلى يوم القيامة فقال : "وأمّا أنت يا عتبة، فوالله ما أنت بحصيف فأجيبك، ولا عاقل
فأحاورك وأعاتبك، وما عندك خير يرجى، ولا شرّ يتقى، وما عقلك وعقل أمتك إلاّ
سواء، وما يضرّ عليّاً لو سببته على رؤوس الأشهاد، وأمّا وعيدك إيّاي بالقتل
فهلا قتلت اللحياني إذ وجدته على فراشك ... وكيف ألومك على بغض عليّ ؟ وقد قتل
خالك الوليد مبارزة يوم بدر، وشرك حمزة في قتل جدّك عتبة، وأوحدك من أخيك حنظلة
في مقام واحد" . |
|
البحث
الرابع : مصير شروط الصلح وشهادة الإمام الحسن (عليه السلام)
|
|
إخلال معاوية بالشروط
:
|
|
كان
الشرط الأول ـ وكما مرّ علينا ـ هو أن يسلّم الإمام الأمر لمعاوية على أن يعمل
بكتاب الله وسنّة نبيّه وسيرة الخلفاء الصالحين . |
|
تآمر معاوية على
الإمام الحسن (عليه السلام) :
|
|
لقد
حاول معاوية أن يجعل الخلافة ملكاً عضوضاً وراثة في أبنائه، وقد بذل جميع جهوده
وصرف الأموال الطائلة لذلك، فوجد أنّه لا يظفر بما يريد والحسن بن عليّ (عليه
السلام) حيّ ينتظر المسلمون حكمه العادل وخيره العميم، ومن هنا قرّر اغتيال
الإمام المجتبى (صلَّى الله عليه وآله) بما اغتال به من قبل مالك الأشتر وسعد بن
أبي وقاص وغيرهما . وكان
الدهاء المزعوم لمعاوية هو الذي زيّن له أُسلوباً من القتل قصّر عنه ابنه يزيد،
فكان هذا "الشابّ المغرور" وكان ذاك "الداهية المحنّك في تصريف
الأمور" !!! ولو تنفس العمر بأبي سفيان إلى عهد ولديه هذين لأيقن أنّهما قد
أجادا اللعبة التي كان يتمناها لبني أمية . |
|
كيف استشهد الإمام
الحسن (عليه السلام)؟
|
|
لقد
دعا معاوية مروان بن الحكم إلى إقناع جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي ـ وكانت من
زوجات الإمام الحسن (ع) ـ بأن تسقي الحسن السمّ وكان شربة من العسل بماء رومة(صلح الإمام الحسن : 365
. وقد اشتهرت كلمة معاوية : " إنّ لله جنوداً من عسل " .)، فإن هو قضى نحبه زوّجها بيزيد، وأعطاها مئة ألف
درهم . |
|
وصاياه الأخيرة :
|
|
أ ـ وصيّته لجنادة :
|
|
دخل
جنادة بن أبي أُميّة ـ الصحابيّ الجليل ـ على الإمام عائداً له ، فالتفت إلى
الإمام قائلاً : عظني يا بن رسول الله . |
|
ب ـ وصيّته للإمام
الحسين (عليه السلام) :
|
|
ولمّا
ازداد ألمه وثقل حاله استدعى أخاه سيّد الشهداء فأوصاه بوصيّته وعهد إليه بعهده
، وهذا نصّه : |
|
ج ـ وصيّته لمحمد بن
الحنفية :
|
|
وأمر الإمام (عليه السلام) قنبراً أن يحضر أخاه
محمد بن الحنفية ، فمضى إليه مسرعاً فلمّا رآه محمد ذُعر فقال : هل حدث إلاّ خير
؟ ، فأجابه بصوت خافت : " أجب أبا محمد " . |
|
إلى الرفيق الأعلى :
|
|
وثقل حال الإمام (عليه السلام) واشتدّ به الوجع
فأخذ يعاني آلام الاحتضار، فعلم أنّه لم يبق من حياته الغالية إلاّ بضع دقائق
فالتفت إلى أهله قائلاً : |
|
تجهيز الإمام وتشييعه
:
|
|
وأخذ
سيد الشهداء في تجهيز أخيه ، وقد أعانه على ذلك عبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن
جعفر وعلي بن عبد الله بن عباس وأخواه محمد بن الحنفية وأبو الفضل العباس،
فغسّله وكفّنه وحنّطه وهو يذرف من الدموع مهما ساعدته الجفون ، وبعد الفراغ من
تجهيزه; أمر (عليه السلام) بحمل الجثمان المقدّس إلى مسجد الرسول لأجل الصلاة
عليه(أعيان الشيعة
: 4 / 80 .) . |
|
دفن الإمام (عليه
السلام) وفتنة عائشة :
|
|
ولم يشكَّ مروان ومن معه من بني أمية أنّهم
سَيَدْفُنونَه عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فتجمَّعوا لذلك ولبسوا
السلاح ، فلمّا توجّه به الحسين (عليه السلام) إلى قبر جدّه رسول الله(صلى الله
عليه وآله) ليجدّد به عهداً; أقبلوا إليهم في جمعهم، ولحقتهم عائشة على بغل وهي
تقول: ما لي ولكم تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحب، وجعل مروان يقول : يا رُبَّ
هيجا هي خير مِن دَعَة، أَيُدْفَنُ عثمانُ في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع
النبيّ؟! لا يكون ذلك أبداً وأنا أحمل السيف. |
|
الفصل الثالث:
تراث الإمام المجتبى (عليه السلام)
|
|
1 ـ نظرة عامة في تراث الإمام المجتبى
(عليه السلام) :
|
|
الإمام المجتبى (عليه السلام) كأبيه المرتضى وجدّه
المصطفى قائد مبدئي تتلخّص مهمّاته القيادية في كلمة موجزة ذات معنىً واسع
وأبعاد شتى هي : "الهداية بأمر الله تعالى" انطلاقاً من قوله تعالى : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا
وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ
الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)( الأنبياء (21) : 73 .). |
|
2 ـ في رحاب العلم والعقل :
|
|
أ
ـ قال (عليه السلام) في الحثّ على طلب العلم وكيفية طلبه وأُسلوب تنميته : ب ـ إنّ العقل
أساس العلم، ومن هنا فقد عرّف العقل من خلال لوازمه وآثاره العلمية ومدى أهميته
ودوره في كمال الإنسان بقوله : |
|
3 ـ في رحاب القرآن الكريم :
|
|
أ ـ قال (عليه
السلام) في بيان حقيقة القرآن ورسالته وأهدافه وفضله وكيفية الارتواء من معينه
الثرّ : |
|
4 ـ في رحاب الحديث النبوي والسيرة الشريفة
:
|
|
لقد
اهتمّ الإمام الحسن المجتبى بنشر حديث النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) وسيرته
ومكارم أخلاقه، ونختار من الأحاديث التي رواها عن جدّه (صلَّى الله عليه وآله)
ما يلي : قال
الإمام الحسن (عليه السلام) : "فسألته عن مخرجه
كيف كان يصنع فيه ؟ فقال : "كان رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يخزن
لسانه إلاّ ممّا يعينهم، ويؤلّفهم ولا يفرّقهم، أو قال : ينفرهم، ويكرم كريم كلّ
قوم، ويوليه عليهم ويحذّر الناس، ويحترس منهم، من غير أن يطوى عن أحد بشره ولا
خلقه، يتفقّد أصحابه، ويسأل عمّا في الناس، فيحسن الحسن ويقوّيه، ويقبّح القبيح
ويوهنه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا لكلّ حال
عنده عتاب، لا يقصّر عن الحقّ ولا يجوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم
عنده أعمّهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة . ."
. |
|
5 ـ في رحاب العقيدة :
|
|
1 ـ التوحيد : أمر الإمام عليّ المرتضى
(عليه السلام) نجله المجتبى (عليه السلام) ليخطب الناس في مسجد الكوفة، فصعد
المنبر، وقال : |
|
6 ـ في رحاب ولاية أهل البيت (عليهم
السلام) :
|
|
1 ـ قال (عليه السلام) مبيّناً لحقيقة الثقلين وموقع كلّ منهما
من الآخر : "... واعلموا علماً يقيناً أنّكم لن
تعرفوا التقى حتى تعرفوا صفة الهدى، ولن تمسكوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي
نبذه، ولن تتلوا الكتاب حقّ تلاوته حتى تعرفوا الذي حرّفه، فإذا عرفتم ذلك عرفتم
البدع والتكلّف، ورأيتم الفرية على الله، ورأيتم كيف يهوى من يهوى، ولا يجهلنّكم
الذين لا يعلمون، والتمسوا ذلك عند أهله فإنّهم خاصة نور يستضاء بهم وأئمة يقتدى
بهم، بهم عيش العلم وموت الجهل، وهم الذين أخبركم حلمهم عن علمهم، وحكم منطقهم
عن صمتهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه، وقد خلت لهم من
الله سابقة، ومضى فيهم من الله حكم : (ذَلِكَ
ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) "( حياة الإمام الحسن : 1
/ 360 ، عن تحف العقول .) . |
|
7 ـ البشارة بالإمام المهديّ المنتظر (عليه
السلام) :
|
|
1 ـ قال (عليه السلام) بعد أن صالح معاوية
ودخل عليه الناس ولامه بعضهم على بيعته : "...
أما عَلِمتم أنّه ما مِّنا من أحد إلاّ ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلاّ
القائم الذي يصلّي روح الله عيسى بن مريم خلفه، فإنّ الله يخفي ولادته ويُغيِّب
شخصه، لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من وُلد أخي الحسين،
ابن سيّدة الإماء، يطيلُ الله عُمَره في غيبته ثم يُظهره بقدرته في صورة شاب دون
أربعين سنة ... "( راجع معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) : 3 / 165
لتقف على مصادر هذا الحديث .) . |
|
8 ـ في رحاب الأخلاق والتربية :
|
|
عن
جابر (رضي الله عنه) قال : سمعت الحسن (عليه السلام) يقول : "مكارم الأخلاق عشرة : صدق اللسان، وصدق البأس، وإعطاء
السائل، وحسن الخلق، والمكافأة بالصنائع، وصلة الرحم، والتذمّم على الجار(أي : أخذه تحت حمايته .)،
ومعرفة الحقّ للصاحب، وقري الضيف، ورأسهنّ الحياء"( راجع تاريخ اليعقوبي :
2 / 206 .) . وأجاب
الإمام بكل استرسال وعدم تكلّف على مجموعة أخرى من أسئلة أبيه فيما يخصّ (مساوئ
الأخلاق) ونختار منها ما يلي : وتحدّث الإمام عن أصول الجرائم الأخلاقية وأمهات
الرذائل قائلاً : هلاك الناس في ثلاث : الكبر، الحرص،
الحسد . الكبر : به هلاك الدين وبه لُعِن إبليس . الحرص : عدو النفس وبه أُخرج
آدم من الجنّة . الحسد : رائد السوء وبه قتل هابيل قابيل(حياة الإمام الحسن : 1 /
345، عن نور الأبصار : 110 .) . |
|
9 ـ في رحاب المواعظ الحكيمة :
|
|
1 ـ قال (عليه السلام) في تعريف التقوى والحثّ عليها : "إنّ الله لم يخلقكم عبثاً، وليس بتارككم سدىً، كتب
آجالكم، وقسم بينكم معائشكم ليعرف كلُّ ذي منزلة منزلته، وإنّ ما قدّر له أصابه،
وما صُرف عنه فلن يصيبه، قد كفاكم مؤونة الدنيا، وفرّغكم لعبادته، وحثّكم على
الشكر، وافترض عليكم الذكر، وأوصاكم بالتقوى، وجعل التقوى منتهى رضاه، والتقوى
بابُ كلِّ توبة ورأسُ كلِّ حكمة وشرفُ كلِّ عمل، بالتقوى فاز من فاز من المتقين،
قال الله تبارك وتعالى : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ
مَفَازاً) وقال : (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ
لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ من يتّقِ الله يجعل
له مخرجاً من الفتن، ويسدّده في أمره، ويُهيّئ له رشده، ويُفلجه بحجّته، ويُبيّض
وجهه، ويُعطهِ رغبته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء
والصالحين، وحسن أُولئك رفيقاً "( تحف العقول : 55 .)
. ومن قصار كلماته الحكيمة وغرر حكمه الثمينة : |
|
10 ـ في رحاب الفقه وأحكام الشريعة :
|
|
1 ـ عن عاصم بن ضمرة قال : كنت أسير مع
الحسن بن عليّ على شاطئ الفرات وذلك بعد العصر ونحن صيام وماء الفرات يجري على
رضراض(رضراض : ما
صغر من الحصى .)والماء صاف ونحن
عطاش، فقال الحسن بن علي (عليهما السلام) : "لو
كان معي مئزر لدخلت الماء" قلت : إزاري أُعطيكه، قال : "فما تلبس أنت ؟" قلت : أدخل كما أنا، قال
: "فذاك الذي أكره، إنّي سمعت رسول الله (ص)
يقول : إنّ للماء عوامر من الملائكة كعوامر البيوت استحيوهم وهابوهم وأكرموهم
إذا دخلتم عليهم الماء فلا تدخلوا إلاّ بمئزر"( رجال إصبهان : 1 / 331
.) . |
|
11 ـ في رحاب أدعية الإمام المجتبى (عليه
السلام) :
|
|
وللإمام الحسن بن عليّ (عليهما السلام) أنواع من الأدعية والابتهالات
تدلّ على مدى اتّصاله بالله ومدى تعلّقه به وانقطاعه إليه، واليك بعض نماذجها : 1
ـ كان (عليه السلام) يدعو بهذا الدعاء الشريف في قنوته، وكان يبدو عليه الخضوع
والخشوع أمام الله، وهذا نصه : "يا من بسلطانه ينتصر المظلوم، وبعونه يعتصم المكلوم، سبقت
مشيئتك، وتمّت كلمتك، وأنت على كلّ شيء قدير، وبما تمضيه خبير، يا حاضر كلّ غيب
وعالم كلّ سر وملجأ كلّ مضطرّ، ضلّت فيك الفهوم، وتقطّعت دونك العلوم، أنت الله
الحيّ القيوم، الدائم الديّوم، قد ترى ما أنت به عليم، وفيه حكيم، وعنه حليم،
وأنت القادر على كشفه، والعون على كفّه غير ضائق، وإليك مرجع كلّ أمر، كما عن
مشيئتك مصدره، وقد أبنت عن عقود كلّ قوم، وأخفيت سرائر آخرين، وأمضيت ما قضيت،
وأخّرت ما لا فوت عليك فيه، وحملت العقول ما تحملت في غيبك، ليهلك من هلك عن
بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة، وإنّك أنت السميع العليم، الأحد البصير، وأنت الله
المستعان، وعليك التوكّل، وأنت ولىّ من تولّيت، لك الأمر كلّه، تشهد الانفعال،
وتعلم الاختلال، وترى تخاذل أهل الخبال، وجنوحهم إلى ما جنحوا إليه من عاجل فان،
وحطام عقباه حميم آن، وقعود من قعد، وارتداد من ارتد .. وخلوي من النصار
وانفرادي عن الظهار، وبك اعتصم، وبحبلك استمسك، وعليك أتوكّل . 2
ـ وكان يدعو بهذا الدعاء على الظالمين له والمعتدين عليه، ويطلب من الله أن
يكفيه شرّهم ويعلوه عليهم : "اللهمّ يا من جعل بين البحرين
حاجزاً وبرزخاً، وحجراً محجوراً، يا ذا القوة والسلطان، يا عليّ المكان، كيف
أخاف وأنت أملي، وكيف أضام وعليك متكلي، فغطّني من أعدائك بسترك، وأظهرني على
أعدائي بأمرك، وأيّدني بنصرك، إليك ألجأ ونحوك الملتجأ، فاجعل لي من أمري فرجاً
ومخرجاً، يا كافي أهل الحرم من أصحاب الفيل، والمرسِل عليهم طيراً أبابيل،
ترميهم بحجارة من سجّيل، إرمِ من عاداني بالتنكيل . |
|
12 ـ في رحاب أدب الإمام المجتبى (عليه
السلام) :
|
|
كتب الحسن البصري ـ
وهو من أبرز الشخصيات المعاصرة للإمام ـ معرّفاً بأدب الإمام (عليه السلام)
وثقافته "أمّا بعد، فإنّكم معشر بني هاشم الفلك الجارية في اللّجج الغامرة
والأعلام النيّرة الشاهرة أو كسفينة نوح (عليه السلام) التي نزلها المؤمنون ونجا
فيها المسلمون، كتبتُ إليك يا بن رسول الله عند اختلافنا في القدر وحيرتنا في
الاستطاعة فأخبرنا بالذي عليه رأيك ورأي آبائك، فإنّ مِن علم الله علمَكم وأنتم
شهداء على الناس والله الشاهد عليكم (ذُرِّيَّةً
بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)( تحف العقول : 231 .) . وأمّا الرسالة الأخرى فقد
بعثها إلى زياد حيث نكّل بأحد المؤمنين، فطالبه (عليه السلام) بالكفّ عن ذلك،
فردّ زياد برسالة إلى الحسن (عليه السلام) جاء فيها :
"من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة : أمّا بعد، فقد أتاني كتابك
تبدأ فيه بنفسك قبلي، وأنت طالب حاجة وأنا سلطان"( جمهرة الرسائل : 2 / 3
.) . |
|
من أدبه (عليه
السلام) المنظوم :
|
|
1 ـ قال (عليه السلام) في التذكير بالموت : قل للمقيم بغير دار إقامةٍ
= حان الرحيل فودع الأحبابا إنّ الذين لقيتهم وصحبتهم = صاروا جميعاً في القبور ترابا 2
ـ وقال (عليه السلام) في الزهد في الدنيا : لكسرة من خسيس الخبز
تشبعني = وشربة من قراح الماء
تكفيني وطمرة من رقيق الثوب
تسترني = حياً وإن متّ تكفيني
لتكفيني (أعيان الشيعة : 4 ق 1 .) 3
ـ وله (عليه السلام) في السخاء : إنّ السخاء على العباد
فريضة = لله يقرأ في كتاب محكم وعد العباد الأسخياء جنانه
= وأعدّ للبخلاء نار جهنّمِ من كان لا تندى يداه
بنائلٍ = للراغبيل فليس ذاك بمسلم (بحار الأنوار : 10 / 95 .) 4
ـ وبلغه (عليه السلام) سبّ ابن العاص له في مجلس معاوية، فقال (عليه السلام) : أتأمر يا معاويَ عبد سهم = بشتمي والملا منّا شهودُ؟ إذا أخذت مجالسها قريش = فقد علمت قريش ما تريدُ أأنت تظل تشتمني سفاهاً = لضغنٍ ما يزول وما يبيدُ؟ فهل لك من أب كأبي تسامى = به من قد تسامى أو تكيدُ؟ ولا جَدٌّ كجدي يا ابن
حربٍ =
رسول الله إن ذُكر الجدودُ ولا أم كأمي في قريش = إذا ما حصّل الحسب التليدُ فما مثلي تهكّم يا ابن حرب
=
ولا مثلي ينهنهه الوعيدُ فمهلاً لا تهيّج بنا
أموراً = يشيب لهولها الطفل
الوليدُ (حياة الإمام الحسن : 2 / 260 .) 5
ـ وله (عليه السلام) في الاستغناء عن الناس : أغنَ عن المخلوق بالخالقِ = تغنَ عن الكاذب والصادق واسترزقِ الرحمن من فضله = فليس غير الله بالرازقِ من ظنّ أن الناس يغنونه = فليس بالرحمن بالواثق من ظنّ أنّ الرزق من كسبه = زلّت به النعلان من حالقِ (نور الأبصار : 175 .) والحمد لله رب العالمين |
|
|
|