- القرآن الكريم
- سور القرآن الكريم
- 1- سورة الفاتحة
- 2- سورة البقرة
- 3- سورة آل عمران
- 4- سورة النساء
- 5- سورة المائدة
- 6- سورة الأنعام
- 7- سورة الأعراف
- 8- سورة الأنفال
- 9- سورة التوبة
- 10- سورة يونس
- 11- سورة هود
- 12- سورة يوسف
- 13- سورة الرعد
- 14- سورة إبراهيم
- 15- سورة الحجر
- 16- سورة النحل
- 17- سورة الإسراء
- 18- سورة الكهف
- 19- سورة مريم
- 20- سورة طه
- 21- سورة الأنبياء
- 22- سورة الحج
- 23- سورة المؤمنون
- 24- سورة النور
- 25- سورة الفرقان
- 26- سورة الشعراء
- 27- سورة النمل
- 28- سورة القصص
- 29- سورة العنكبوت
- 30- سورة الروم
- 31- سورة لقمان
- 32- سورة السجدة
- 33- سورة الأحزاب
- 34- سورة سبأ
- 35- سورة فاطر
- 36- سورة يس
- 37- سورة الصافات
- 38- سورة ص
- 39- سورة الزمر
- 40- سورة غافر
- 41- سورة فصلت
- 42- سورة الشورى
- 43- سورة الزخرف
- 44- سورة الدخان
- 45- سورة الجاثية
- 46- سورة الأحقاف
- 47- سورة محمد
- 48- سورة الفتح
- 49- سورة الحجرات
- 50- سورة ق
- 51- سورة الذاريات
- 52- سورة الطور
- 53- سورة النجم
- 54- سورة القمر
- 55- سورة الرحمن
- 56- سورة الواقعة
- 57- سورة الحديد
- 58- سورة المجادلة
- 59- سورة الحشر
- 60- سورة الممتحنة
- 61- سورة الصف
- 62- سورة الجمعة
- 63- سورة المنافقون
- 64- سورة التغابن
- 65- سورة الطلاق
- 66- سورة التحريم
- 67- سورة الملك
- 68- سورة القلم
- 69- سورة الحاقة
- 70- سورة المعارج
- 71- سورة نوح
- 72- سورة الجن
- 73- سورة المزمل
- 74- سورة المدثر
- 75- سورة القيامة
- 76- سورة الإنسان
- 77- سورة المرسلات
- 78- سورة النبأ
- 79- سورة النازعات
- 80- سورة عبس
- 81- سورة التكوير
- 82- سورة الانفطار
- 83- سورة المطففين
- 84- سورة الانشقاق
- 85- سورة البروج
- 86- سورة الطارق
- 87- سورة الأعلى
- 88- سورة الغاشية
- 89- سورة الفجر
- 90- سورة البلد
- 91- سورة الشمس
- 92- سورة الليل
- 93- سورة الضحى
- 94- سورة الشرح
- 95- سورة التين
- 96- سورة العلق
- 97- سورة القدر
- 98- سورة البينة
- 99- سورة الزلزلة
- 100- سورة العاديات
- 101- سورة القارعة
- 102- سورة التكاثر
- 103- سورة العصر
- 104- سورة الهمزة
- 105- سورة الفيل
- 106- سورة قريش
- 107- سورة الماعون
- 108- سورة الكوثر
- 109- سورة الكافرون
- 110- سورة النصر
- 111- سورة المسد
- 112- سورة الإخلاص
- 113- سورة الفلق
- 114- سورة الناس
- سور القرآن الكريم
- تفسير القرآن الكريم
- تصنيف القرآن الكريم
- آيات العقيدة
- آيات الشريعة
- آيات القوانين والتشريع
- آيات المفاهيم الأخلاقية
- آيات الآفاق والأنفس
- آيات الأنبياء والرسل
- آيات الانبياء والرسل عليهم الصلاة السلام
- سيدنا آدم عليه السلام
- سيدنا إدريس عليه السلام
- سيدنا نوح عليه السلام
- سيدنا هود عليه السلام
- سيدنا صالح عليه السلام
- سيدنا إبراهيم عليه السلام
- سيدنا إسماعيل عليه السلام
- سيدنا إسحاق عليه السلام
- سيدنا لوط عليه السلام
- سيدنا يعقوب عليه السلام
- سيدنا يوسف عليه السلام
- سيدنا شعيب عليه السلام
- سيدنا موسى عليه السلام
- بنو إسرائيل
- سيدنا هارون عليه السلام
- سيدنا داود عليه السلام
- سيدنا سليمان عليه السلام
- سيدنا أيوب عليه السلام
- سيدنا يونس عليه السلام
- سيدنا إلياس عليه السلام
- سيدنا اليسع عليه السلام
- سيدنا ذي الكفل عليه السلام
- سيدنا لقمان عليه السلام
- سيدنا زكريا عليه السلام
- سيدنا يحي عليه السلام
- سيدنا عيسى عليه السلام
- أهل الكتاب اليهود النصارى
- الصابئون والمجوس
- الاتعاظ بالسابقين
- النظر في عاقبة الماضين
- السيدة مريم عليها السلام ملحق
- آيات الناس وصفاتهم
- أنواع الناس
- صفات الإنسان
- صفات الأبراروجزائهم
- صفات الأثمين وجزائهم
- صفات الأشقى وجزائه
- صفات أعداء الرسل عليهم السلام
- صفات الأعراب
- صفات أصحاب الجحيم وجزائهم
- صفات أصحاب الجنة وحياتهم فيها
- صفات أصحاب الشمال وجزائهم
- صفات أصحاب النار وجزائهم
- صفات أصحاب اليمين وجزائهم
- صفات أولياءالشيطان وجزائهم
- صفات أولياء الله وجزائهم
- صفات أولي الألباب وجزائهم
- صفات الجاحدين وجزائهم
- صفات حزب الشيطان وجزائهم
- صفات حزب الله تعالى وجزائهم
- صفات الخائفين من الله ومن عذابه وجزائهم
- صفات الخائنين في الحرب وجزائهم
- صفات الخائنين في الغنيمة وجزائهم
- صفات الخائنين للعهود وجزائهم
- صفات الخائنين للناس وجزائهم
- صفات الخاسرين وجزائهم
- صفات الخاشعين وجزائهم
- صفات الخاشين الله تعالى وجزائهم
- صفات الخاضعين لله تعالى وجزائهم
- صفات الذاكرين الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يتبعون أهواءهم وجزائهم
- صفات الذين يريدون الحياة الدنيا وجزائهم
- صفات الذين يحبهم الله تعالى
- صفات الذين لايحبهم الله تعالى
- صفات الذين يشترون بآيات الله وبعهده
- صفات الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وجزائهم
- صفات الذين يعملون السيئات وجزائهم
- صفات الذين لايفلحون
- صفات الذين يهديهم الله تعالى
- صفات الذين لا يهديهم الله تعالى
- صفات الراشدين وجزائهم
- صفات الرسل عليهم السلام
- صفات الشاكرين وجزائهم
- صفات الشهداء وجزائهم وحياتهم عند ربهم
- صفات الصالحين وجزائهم
- صفات الصائمين وجزائهم
- صفات الصابرين وجزائهم
- صفات الصادقين وجزائهم
- صفات الصدِّقين وجزائهم
- صفات الضالين وجزائهم
- صفات المُضَّلّين وجزائهم
- صفات المُضِلّين. وجزائهم
- صفات الطاغين وجزائهم
- صفات الظالمين وجزائهم
- صفات العابدين وجزائهم
- صفات عباد الرحمن وجزائهم
- صفات الغافلين وجزائهم
- صفات الغاوين وجزائهم
- صفات الفائزين وجزائهم
- صفات الفارّين من القتال وجزائهم
- صفات الفاسقين وجزائهم
- صفات الفجار وجزائهم
- صفات الفخورين وجزائهم
- صفات القانتين وجزائهم
- صفات الكاذبين وجزائهم
- صفات المكذِّبين وجزائهم
- صفات الكافرين وجزائهم
- صفات اللامزين والهامزين وجزائهم
- صفات المؤمنين بالأديان السماوية وجزائهم
- صفات المبطلين وجزائهم
- صفات المتذكرين وجزائهم
- صفات المترفين وجزائهم
- صفات المتصدقين وجزائهم
- صفات المتقين وجزائهم
- صفات المتكبرين وجزائهم
- صفات المتوكلين على الله وجزائهم
- صفات المرتدين وجزائهم
- صفات المجاهدين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المجرمين وجزائهم
- صفات المحسنين وجزائهم
- صفات المخبتين وجزائهم
- صفات المختلفين والمتفرقين من أهل الكتاب وجزائهم
- صفات المُخلَصين وجزائهم
- صفات المستقيمين وجزائهم
- صفات المستكبرين وجزائهم
- صفات المستهزئين بآيات الله وجزائهم
- صفات المستهزئين بالدين وجزائهم
- صفات المسرفين وجزائهم
- صفات المسلمين وجزائهم
- صفات المشركين وجزائهم
- صفات المصَدِّقين وجزائهم
- صفات المصلحين وجزائهم
- صفات المصلين وجزائهم
- صفات المضعفين وجزائهم
- صفات المطففين للكيل والميزان وجزائهم
- صفات المعتدين وجزائهم
- صفات المعتدين على الكعبة وجزائهم
- صفات المعرضين وجزائهم
- صفات المغضوب عليهم وجزائهم
- صفات المُفترين وجزائهم
- صفات المفسدين إجتماعياَ وجزائهم
- صفات المفسدين دينيًا وجزائهم
- صفات المفلحين وجزائهم
- صفات المقاتلين في سبيل الله وجزائهم
- صفات المقربين الى الله تعالى وجزائهم
- صفات المقسطين وجزائهم
- صفات المقلدين وجزائهم
- صفات الملحدين وجزائهم
- صفات الملحدين في آياته
- صفات الملعونين وجزائهم
- صفات المنافقين ومثلهم ومواقفهم وجزائهم
- صفات المهتدين وجزائهم
- صفات ناقضي العهود وجزائهم
- صفات النصارى
- صفات اليهود و النصارى
- آيات الرسول محمد (ص) والقرآن الكريم
- آيات المحاورات المختلفة - الأمثال - التشبيهات والمقارنة بين الأضداد
- نهج البلاغة
- تصنيف نهج البلاغة
- دراسات حول نهج البلاغة
- الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة السجادية
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- الباب السابع : باب الاخلاق
- الباب الثامن : باب الطاعات
- الباب التاسع: باب الذكر والدعاء
- الباب العاشر: باب السياسة
- الباب الحادي عشر:باب الإقتصاد
- الباب الثاني عشر: باب الإنسان
- الباب الثالث عشر: باب الكون
- الباب الرابع عشر: باب الإجتماع
- الباب الخامس عشر: باب العلم
- الباب السادس عشر: باب الزمن
- الباب السابع عشر: باب التاريخ
- الباب الثامن عشر: باب الصحة
- الباب التاسع عشر: باب العسكرية
- الباب الاول : باب التوحيد
- الباب الثاني : باب النبوة
- الباب الثالث : باب الإمامة
- الباب الرابع : باب المعاد
- الباب الخامس: باب الإسلام
- الباب السادس : باب الملائكة
- تصنيف الصحيفة بالموضوعات
- أسماء الله الحسنى
- أعلام الهداية
- النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام)
- لإمام علي بن الحسين (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)
- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام)
- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السَّلام)
- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السَّلام)
- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السَّلام)
- الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجَّل الله فرَجَه)
- تاريخ وسيرة
- "تحميل كتب بصيغة "بي دي أف
- تحميل كتب حول الأخلاق
- تحميل كتب حول الشيعة
- تحميل كتب حول الثقافة
- تحميل كتب الشهيد آية الله مطهري
- تحميل كتب التصنيف
- تحميل كتب التفسير
- تحميل كتب حول نهج البلاغة
- تحميل كتب حول الأسرة
- تحميل الصحيفة السجادية وتصنيفه
- تحميل كتب حول العقيدة
- قصص الأنبياء ، وقصص تربويَّة
- تحميل كتب السيرة النبوية والأئمة عليهم السلام
- تحميل كتب غلم الفقه والحديث
- تحميل كتب الوهابية وابن تيمية
- تحميل كتب حول التاريخ الإسلامي
- تحميل كتب أدب الطف
- تحميل كتب المجالس الحسينية
- تحميل كتب الركب الحسيني
- تحميل كتب دراسات وعلوم فرآنية
- تحميل كتب متنوعة
- تحميل كتب حول اليهود واليهودية والصهيونية
- المحقق جعفر السبحاني
- تحميل كتب اللغة العربية
- الفرقان في تفسير القرآن -الدكتور محمد الصادقي
- وقعة الجمل صفين والنهروان
|
أعلام الهدايةالإمام
علي بن موسى الرضا (عليه السلام)
|
|
أعلام الهداية المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
قم المقدسة |
|
أهل البيت في القرآن الكريم |
|
أهل البيت في السنة النبويّة |
|
فهرس إجمالي
|
|
الباب الأول: الباب الثاني: الباب الثالث: الباب الرابع: |
|
المقدمة
|
|
الحمد
لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، ثم الصلاة والسلام على من اختارهم هداةً
لعباده، لا سيَّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمد
(صلَّى الله عليه وآله) وعلى آله الميامين النجباء. (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)(الأنعام
(6): 71). (وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(البقرة
(2): 213). (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)(الأحزاب
(33): 4). (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ)(آل عمران (3): 101). (قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الْحَقِّ
أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ
كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(يونس (10): 35). (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ
مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إلى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(سبأ
(34): 6). (ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من الله)(القصص
(28):50). فالله
تعالى هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان
إلى الصراط المستقيم وإلى الحقّ القويم. وهذه
الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم. ولقد
أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى
الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال، ومن هنا قال تعالى: (وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ)(الذاريات
(51): 56). وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، كانت المعرفة
والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال. وبعد
أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال;
لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة; والهوى الناشئ منهما، والملازم لهما فمن
هنا احتاج الإنسان ـ بالإضافة إلى عقله وسائر أدوات المعرفة
ـ إلى ما يضمن له سلامة البصيرة والرؤية; كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة
الهداية، وتتوفّر لديه كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو
طريق الشرّ والشقاء بملء إرادته. ويتولّى أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم الهداة المهديّون مهمّة الهداية
بجميع مراتبها، والتي تتلخّص في: 1
ـ تلقِّي الوحي بشكل كامل واستيعاب الرسالة الإلهية بصورة دقيقة. وهذه المرحلة
تتطلّب الاستعداد التام لتلقّي الرسالة، ومن هنا يكون الاصطفاء الإلهي لرسله
شأناً من شؤونه، كما أفصح بذلك الذكر الحكيم قائلاً:
(اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)(الأنعام (6): 124) و(اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ)(آل
عمران (3): 179). 2
ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى البشرية ولمن أرسلوا إليه، ويتوقّف الإبلاغ على
الكفاءة التامّة التي تتمثّل في (الاستيعاب والإحاطة اللازمة) بتفاصيل الرسالة
وأهدافها ومتطلّباتها، و (العصمة) عن الخطأ والانحراف معاً، قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ
النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)(البقرة
(2): 213). 3
ـ تكوين اُمة مؤمنة بالرسالة الإلهية، وإعدادها لدعم القيادة الهادية من أجل
تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في الحياة، وقد صرّحت آيات الذكر الحكيم بهذه
المهمّة مستخدمةً عنواني التزكية والتعليم، قال تعالى:
(يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)(الجمعة(62): 2)
والتزكية هي التربية باتجاه الكمال اللائق بالإنسان. وتتطلّب التربية القدوة
الصالحة التي تتمتّع بكلّ عناصر الكمال، كما قال تعالى:
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(الأحزاب(33):
21). ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري: أ ـ أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق
الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين يتربّصون بها الدوائر. ب ـ أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة
باستمرار الأجيال; على يد مربٍّ كفوء علمياً ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في
الخلق والسلوك كالرسول (صلَّى الله عليه وآله)، يستوعب الرسالة ويجسّدها في كل
حركاته وسكناته. وتبلورت
حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم على نهج الرسول العظيم وانفتاح الأمة عليهم
والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم،
فكانوا هم الأدلاّء على الله وعلى مرضاته، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين
في محبّته، والذائبين في الشوق إليه، والسابقين إلى تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ
المنشود. ولا
يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا بجميع زوايا حياتهم العطرة ويدّعوا دراستها
بشكل كامل، ومن هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما هي إعطاء قبسات من حياتهم، ولقطات
من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها المؤرّخون واستطعنا اكتشافها من خلال
مصادر الدراسة والتحقيق، عسى الله أن ينفع بها إنّه وليّ التوفيق. إنّ
دراستنا لحركة أهل البيت (عليهم السلام) الرسالية تبدأ برسول الإسلام وخاتم
الأنبياء محمد بن عبد الله (صلَّى الله عليه وآله) وتنتهي بخاتم الأوصياء، محمد
بن الحسن العسكري المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه وأنار الأرض بعدله. ويختصّ
هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، ثامن أئمة أهل
البيت (عليهم السلام) بعد الرسول (صلَّى الله عليه وآله)، وهو المعصوم العاشر من
أعلام الهداية والذي تمثلت في حياته كل جوانب الشريعة، فكان نبراساً ومثلاً أعلى
للبشرية بعد خاتم المرسلين وآبائه الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم
تطهيراً. ولا
بدَّ لنا من تقديم الشكر إلى كل الإخوة الأعزّاء الذين بذلوا جهداً وافراً
وشاركوا في إنجاز هذا المشروع المبارك وإخراجه إلى عالم النور، لا سيَّما أعضاء لجنة التأليف بإشراف سماحة السيد منذر الحكيم
(حفظه الله تعالى). |
|
الباب الأول
|
|
فيه فصول: |
|
الفصل الأول: الإمام الرضا (عليه
السلام) في سطور
|
|
الإمام
علي بن موسى الرضا (عليه السلام) هو الثامن من أئمة أهل البيت(عليهم السلام)
الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً . وهم الثقل الذي لا يفارق القرآن
الكريم، ولا يضل المتمسك بهما معاً، وهم سفينة النجاة التي من ركبها نجا ومن
تخلّف عنها غرق. إنّ
دوافع المأمون غير النزيهة لم تخف على الإمام الرضا (عليه السلام)، كما لم تخف عليه
متطلبات الظرف الذي كان يعيشه صلوات الله عليه، وقد اُكره على قبول ولاية العهد،
ولكنّه فوّت الفرص الذهبيّة التي كان يطمع المأمون بتحقيقها من خلال إكراهه على
قبول ولاية العهد . فاغتنم الإمام الرضا(عليه السلام) هذا الظرف الذهبي الذي
جاءت به ولاية العهد على الوجه الأكمل بهدف نشر معالم الإسلام الحق وتثبيت دعائم
أطروحة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ،متحدِّياً كل الخطوط الفكرية والمذهبية
المنحرفة آنذاك. |
|
الفصل الثاني: انطباعات عن شخصيّة
الإمام الرضا (عليه السلام)
|
|
إنّ
شخصيّة الإمام أبي محمّد الرضا (عليه السلام) قد احتلت عواطف العلماء والمؤلّفين
في كلّ جيل وعصر، وتمثّل ذلك في جمل الثناء والتعظيم
على شخصيّته، وإليك بعض ما ورد من الثناء عليه |
|
الإمام الكاظم (عليه
السلام) :
|
|
لقد
أشاد الإمام الكاظم (عليه السلام) بولده الإمام الرضا ، وقدّمه على السادة
الأجلاّء من أبنائه ، وأوصاهم بخدمته ، والرجوع إليه في أمور دينهم، فقال لهم : (هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد (ص)، سلوه عن
أديانكم، واحفظوا ما يقول لكم، فإنّي سمعت أبي جعفر بن محمد (ع) يقول لي : إنّ
عالم آل محمد (ص) لفي صلبك، وليتني أدركته فإنّه سميُّ أمير المؤمنين...)
(كشف الغمة: 3 /
107 ، أعيان الشيعة: 4 / ق 2 / 100 .).
|
|
المأمون :
|
وأعلن المأمون العباسي فضل الإمام الرضا(عليه السلام) في كثير من
المناسبات: قال أبو الصلت عبد السلام الهروي ، وهو من أعلام عصره:
(ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا، ولا رآه عالم إلاّ شهد له بمثل شهادتي،
ولقد جمع المأمون في مجلس له عدداً من علماء الأديان، وفقهاء الشريعة والمتكلمين
فغلبهم عن آخرهم، حتى ما بقي منهم أحد إلاّ أقرّ له بالفضل وأقرَّ على نفسه
بالقصور...)( إعلام
الورى : 2/64 وعنه في كشف الغمة: 3/106، 107.). وقال زعيم الشيعة الشيخ محمّد بن محمّد النعمان العكبري البغدادي
الملَقَّب بالشيخ المفيد : (وكان الإمام بعد أبي الحسن
موسى بن جعفر(ع) ابنه أبا الحسن علي بن موسى الرضا(ع) لفضله على جماعة إخوته،
وأهل بيته، وظهور علمه وحلمه وورعه، واجتماع الخاصّة والعامّة على ذلك فيه،
ومعرفتهم به منه)(
الإرشاد: 2/247 .). وقال جمال الدين أحمد بن علي النسّابة، المعروف بابن عنبة : قيل لي أنت أوحد الناس طرّاً =
في فنون من المقال النبيه وخرج
الإمام الرضا(ع) يوماً على بغلة فارهة، فدنا منه أبو نؤاس، وسلّم عليه وقال له :
(يا ابن رسول الله! قلت فيك أبياتاً أحب أن تسمعها مني) ، فقال له : (قل). فانبرى أبو نؤاس
قائلاً : مطهّرون نقيّات ثيابهم = تجري الصلاة عليهم كلّما ذكروا (خلاصة الذهب المسبوك: 200 .) وأعجب
الإمام (ع) بهذه الأبيات فقال لأبي نؤاس : (قد جئتنا
بأبيات ما سبقك إليها أحد ..). ثم التفت إلى غلامه فقال له : ما معك من فاضل نفقتنا ؟ فقال : ثلاثمئة دينار، قال
: ادفعها له. فلما ذهب إلى بيته ، قال لغلامه
: لعلّه استقلّها، سق إليه البغلة(الإتحاف بحب الأشراف :
60، نزهة الجليس : 2 / 105، كشف الغمة : 3/107). لقد رحل ابن موسى بالمعالي = وسار
بيسره العلم الشريف (ديوان دعبل : 108 .) |
|
الفصل الثالث: مظاهر من شخصيّة
الإمام الرضا (عليه السلام)
|
|
لقد
كانت شخصيّة الإمام الرضا (عليه السلام) ملتقى للفضائل بجميع أبعادها وصورها،
فلم تبق صفة شريفة يسمو بها الإنسان إلاّ وهي من نزعاته، فقد وهبه الله كما وهب
آباءه العظام وزيّنه بكل مكرمة، وحباه بكل شرف وجعله علماً لأمة جده، يهتدي به
الحائر، ويسترشد به الضال، وتستنير به العقول . وقال له رجل : والله ما على وجه الأرض أشرف منك أباً
. فقال (ع) : (التقوى شرّفتهم، وطاعة الله أحفظتهم)
. وقال له شخص آخر : أنت والله خير الناس ... فردّ
عليه قائلاً: (لا تحلف يا هذا! خير مني من كان أتقى
لله عَزَّ وجَلَّ، وأطوع له، والله ما نسخت هذه الآية: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (عيون أخبار الرضا : 2/236 وعنه في بحار الأنوار: 49 / 95 .). زهده : ومن صفات الإمام الرضا (ع) الزهد في الدنيا، والإعراض عن مباهجها
وزينتها، وقد تحدث عن زهده محمد بن عباد حيث قال : كان جلوس
الرضا على حصيرة في الصيف، وعلى مسح(المسح : الكساء من الشعر .)
في الشتاء، ولباسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزيَّا (عيون أخبار الرضا: 2 /
178، المناقب: 4 / 389 .). وحينما
تقلّد ولاية العهد لم يحفل بأي مظهر من مظاهر السلطة، ولم يقم لها أي وزن، ولم
يرغب في أي موكب رسمي، حتى لقد كره مظاهر العظمة التي كان يقيمها الناس لملوكهم
. سخاؤه : ولم
يكن شيء في الدنيا أحبّ إلى الإمام الرضا(عليه السلام) من الإحسان إلى الناس
والبر بالفقراء. وقد ذكرت بوادر كثيرة من جوده وإحسانه، وكان منها ما يلي : متى آته يوماً لأطلب حاجتي =
رجعت إلى أهلي ووجهي بمائه ( الكافي: 4/23 و 24 و مناقب
آل أبي طالب: 4/390، وعن الكافي في بحار الأنوار : 49/101 ، ح 19.) 3 ـ وكان إذا أتي بصحفة طعام عمد إلى أطيب
ما فيها من طعام، ووضعه في تلك الصحفة ثم يأمر بها إلى المساكين، ويتلو قوله
تعالى: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) ثم يقول
: (علم الله عزَّ وجلَّ أن ليس كل إنسان يقدر على عتق
رقبة فجعل له السبيل إلى الجنة)( المحاسن للبرقي : 2/146 ، ح 20 وعنه في بحار الأنوار : 49/97
، ح 11 .). تكريمه
للضيوف : كان (عليه السلام) يكرم الضيوف،
ويغدق عليهم بنعمه وإحسانه وكان يبادر بنفسه لخدمتهم، وقد استضافه شخص، وكان
الإمام يحدثه في بعض الليل فتغيّر السراج فبادر الضيف لإصلاحه فوثب الإمام، وأصلحه
بنفسه، وقال لضيفه : (إنّا قوم لا نستخدم أضيافنا)( الكافي : 6/283 وعنه في
بحار الأنوار: 49/102، ح 20.). |
|
|
معرفته بجميع اللغات
:
|
|
وظاهرة
أخرى من علومه هي : معرفته التامة وإحاطته الشاملة بجميع اللغات، قال أبو
إسماعيل السندي: (سمعت بالهند أن لله في العرب حجة، فخرجت في طلبه، فدُلِلت على
الرضا (عليه السلام) فقصدته وأنا لا أحسن العربية، فسلّمت عليه بالسندية، فرد
عليَّ بلغتي، فجعلت أكلمه بالسندية، وهو يرد عليّ بها، وقلت له : إني سمعت أن
لله حجة في العرب، فخرجت في طلبه، فقال(عليه السلام): أنا
هو، ثم قال لي: سل عما أردته، فسألته
عن مسائل فأجابني عنها بلغتي)( الخرائج والجرائح: 1/340، ح 5 وعنه في بحار الأنوار: 49 /
50، ح 51 .). |
|
الإمام(عليه السلام)
والملاحم :
|
|
وأخبر
الإمام الرضا (عليه السلام) عن كثير من الملاحم والأحداث قبل وقوعها، وتحققت بعد
ذلك على الوجه الأكمل الذي أخبر به، وهي تؤكد ـ بصورة واضحة ـ أصالة ما تذهب
إليه الشيعة من أن الله تعالى قد منح أئمة أهل البيت (ع) المزيد من الفضل
والعلم، كما منح رسله، ومن بين ما أخبر به ما يلي : وإنّ الضغن بعد الضغن يفشو =
عليك، ويخرج الداء الدفينا (المناقب: 4 / 363، جوهرة
الكلام: 146 .) ولم تمض الأيام حتى قتل المأمون أخاه الأمين . |
|
عبادته وتقواه :
|
|
ومن ابرز ذاتيات الإمام الرضا (عليه السلام) انقطاعه
إلى الله تعالى، وتمسّكه به، وقد ظهر ذلك في عبادته، التي مثلت جانبا كبيراً من
حياته الروحية التي هي نور، وتقوى وورع، يقول إبراهيم بن عباس في حديث: (...
كان(عليه السلام) قليل النوم بالليل، كثير السهر، يحيي أكثر لياليه من أوّلها
إلى الصبح وكان كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر...)( بحار الأنوار: 49/91 عن
عيون أخبار الرضا : 2/184 .). |
|
تسلّحه بالدعاء :
|
|
ومن مظاهر حياة الإمام الروحية تسلحه بالدعاء إلى
الله والتجاؤه إليه في جميع أموره، وكان يجد فيه متعة روحية لا تعادلها أية متعة
من متع الحياة. |
|
الباب الثاني:
|
|
فيه فصول: |
|
الفصل الأوّل: نشأة الإمام الرضا
(عليه السلام)
|
انحدر
الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) من سلالة طاهرة مطهرة، ارتقت سلّم المجد
والكمال، وكان ابناؤها قمة في جميع مقومات الشخصية الإنسانية; في الفكر والعاطفة
والسلوك، فهم نجوم متألّقة في المسيرة الإنسانية، والقدوة الشامخة في تاريخ
الإسلام، استسلموا لله واقتدوا برسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وكانوا عِدلاً
للقرآن الكريم . |
|
الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام
الرضا (عليه السلام)
|
|
تنقسم حياة الإمام الرضا (عليه السلام) إلى قسمين رئيسين كحياة سائر
الأئمة الأطهار(عليهم السلام). |
|
الفصل الثالث: الإمام الرضا في ظلّ
أبيه الكاظم(عليهما السلام)
|
|
في
المرحلة التاريخيّة التي عاشها الإمام الرضا مع أبيه (عليهما السلام) برزت عدّة ظواهر كانت ذات تأثير على نشاط ومواقف الإمام الرضا
(عليه السلام) أثناء تصدّيه للإمامة. ونشير إلى أهمها كما يلي: |
|
1 ـ الانحراف الفكري والديني :
|
|
لقد تعدّدت التيارات
المنحرفة في تلك الفترة مثل تيّار المشبّهة والمجسّمة والمجبّرة والمفوّضة،
وتيّار القياس والاستحسان والرأي، وحابى بعض الفقهاء الحكام الطغاة فكانت هذه
الفترة خطيرة جدّاً إذ كانت الأجواء مليئة بالاختلافات الفقهيّة والتوتر السياسي
الخانق. |
|
2 ـ الفساد الأخلاقي والمالي :
|
|
وعاصر الإمام الرضا
(ع) وهو في ظلّ أبيه حكّاماً يتلاعبون بأموال المسلمين ويرونها ملكاً لهم، لا
يردعهم أيّ تشريع أو نقد وإنما كان الإنفاق قائماً على أساس هوى الحاكم العبّاسي
ورغباته الشخصية أو رغبات زوجاته وإمائه (مروج الذهب : 3 / 308.)
. وقد خلّف المنصور عند وفاته ستمائة ألف ألف درهم وأربعة عشر ألف ألف دينار (مروج الذهب : 3 / 308 .) . |
|
3 ـ الفساد السياسي :
|
|
وشاهد
الإمام كيفية تعامل العباسيين مع الخلافة حيث كانوا يفهمونها على أنها موروثة
لهم من قبل رسول الله (ص) عن طريق عمّه العباس، واتّبعوا اُسلوب الاستخلاف دون
النظر إلى آراء المسلمين ولم يرجعوها إلى أهلها الشرعيين الذين نصبهم الرسول (ص)
بأمر من الله تعالى. وأخضع العباسيّون القضاء لسياستهم فاستخدموا الدين ستاراً
يموّهون به على الناس إذ أشاعوا أنّهم الولاة من قبل الله تعالى فلا يجوز للناس
نقدهم أو محاسبتهم. |
|
4 ـ تعاطف المسلمين مع أهل البيت (عليهم
السلام) :
|
|
وعاش
الإمام الرضا(عليه السلام) روح المودّة والتآلف والموالاة مع أهل البيت (عليهم
السلام) وهي ثمرة جهود آبائه السابقين (عليهم السلام)( تاريخ العلويين، محمد أمين غالب الطويل : 200.). واعترف
بهذا هارون الرشيد نفسه حيث قال للإمام الكاظم (عليه السلام) : أنت الذي تبايعك
الناس سرّاً(الصواعق
المحرقة : 309.) . |
|
5 ـ الحركات المسلّحة :
|
|
ومن الظواهر المهمّة
البارزة في حياة الإمام الرضا مع أبيه كثرة الثورات المسلّحة التي استمرت طول
الفترة التي نشأ فيها في كنف أبيه(عليه السلام) ، فمن الثورات المهمة ثورة
الحسين بن علي بن الحسن بن الإمام الحسن (عليه السلام) المعروف بصاحب فخ الذي
قاد ثورة مسلّحة ضد الوالي العبّاسي في المدينة والتي انتهت بمقتل الحسين وأهل
بيته رضوان الله تعالى عليهم. |
|
الإمام الكاظم
والتمهيد لإمامة الرضا (عليهما السلام)
|
|
حدّد رسول الله (ص)
إحدى مسؤوليات الإمام بقوله : (في كل خلف من اُمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن
هذا الدين تحريف الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ...(( الصواعق المحرقة : 231
.). |
|
الوصيّة بالإمامة
|
|
الإمامة مسؤولية
إلهية كبيرة ولذا فهي لا تكون إلاّ بتعيين ونصب من الله ونص من رسول الله (صلَّى
الله عليه وآله) ولا اختيار للمسلمين فيها لعدم قدرتهم على تشخيص الإمام المعصوم
الذي أكّد الله عصمته بقوله تعالى : (لا ينال عهدي الظالمين)( البقرة(2): 124 .)، وقد أكّدت الروايات النبويّة على هذه الحقيقة،
ومنها ما صرّح به رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في بداية الدعوة بقوله :
(انّ الأمر لله يضعه حيث يشاء)( تاريخ الطبري : 2 / 350، السيرة الحلبية : 2 / 3، السيرة
النبوية لابن كثير : 2 / 159 .). |
|
الوصية في المراحل
الأُولى ( 150 ـ 178 هـ)
|
|
|
في
المراحل الاولى من تصدّي الإمام الكاظم (ع) للامامة نجده يوصي بإمامة ولده علي
الرضا (ع) لخاصة اصحابه وللثقات الذين يحفظون الاسرار ولا يبوحون بها في المحافل
العامة، وكان يصرّح أحياناً ويلمح اُخرى . فعن داود بن كثير الرقي، قال : (قلت لموسى
الكاظم (عليه السلام) جعلت فداك اني قد كبرت سنّي فخذ بيدي وأنقذني من النار،
مَن صاحبنا بعدك ؟ فأشار إلى ابنه أبي الحسن الرضا، فقال : هذا صاحبكم بعدي)( الفصول المهمة : 243 ـ
244 .) . قال حسين بن بشير : (أقام لنا أبو الحسن موسى بن
جعفر(عليهما السلام) ابنه علياً(عليه السلام) كما أقام رسول الله (ص) علياً (ع)
يوم غدير خم، فقال: يا أهل المدينة أو يا أهل المسجد هذا وصيي من بعدي)( عيون أخبار الرضا : 1 /
29 .). |
|
الوصية في مرحلة
الاعتقال
|
|
لقد اعتقل الإمام الكاظم
(ع) في سنة (179 هـ ) قبل التروية بيوم، أي في اليوم السابع من ذي الحجة سنة (
179 هـ ) على رواية، وفي يوم (27) رجب سنة (179 هـ ) كما في رواية أخرى(بحار الأنوار : 48 / 206
ـ 207 .). |
|
إمامة الرضا (عليه
السلام) وزمن الإعلان عنها
|
|
إنّ الظروف التي
عاشها الإمام الكاظم (عليه السلام) كانت تستدعي الكتمان والسرية في القرار
والموقف السياسي وخصوصاً فيما يتعلق بالامام من بعده لذا نرى أنه كان يتكتم في
إعلان ذلك، ولكنه كان قد عيّن زمناً خاصاً للامام الرضا (عليه السلام) لإعلان
إمامته (عليه السلام) . |
|
الباب الثالث:
|
|
فيه فصول: |
|
الفصل الأول: الإمام الرضا (ع)
ومحنة أبيه الكاظم(ع)
|
|
أدرك
هارون الرشيد عمق الارتباط بين الإمام الكاظم (عليه السلام) والمسلمين، ووجد أنّ
القاعدة الشعبية للامام (عليه السلام) تتوسّع بمرور الزمن، فما دام الإمام حيّاً
فإنّ المسلمين يقارنون بين منهجين : منهج الإمام الكاظم (ع) ومنهج هارون،
وبالمقارنة يشخّصون النهج السليم المستقيم عن النهج المنحرف . |
|
الانفراج النسبي في
عهد هارون
|
|
لقد استشهد الإمام
الكاظم مسموماً سنة (183 هـ ) (مروج الذهب : 3 / 355 .) وبايعاز
من هارون الرشيد، وكان هارون يخشى تسرّب خبر السم والاغتيال إلى المجتمع
الاسلامي . من هنا خطط لتفادي ذلك، وذلك حين جمع القوّاد والكتّاب والقضاة وبني
هاشم، ثم كشف عن وجه الإمام (عليه السلام) وقال : أترون أنّ به أثراً ما يدلّ
على اغتيال ؟ قالوا: لا (تاريخ اليعقوبي : 2 / 414 .). |
|
التصدّي للإمامة
|
|
وفي الفترة الواقعة
بين سنة ( 183 هـ ) إلى سنة ( 187 هـ ) لم يعلن الإمام الرضا (عليه السلام) عن
إمامته، ولم يظهر له أيّ تحرّك علني في المدينة من خطب أو لقاءات عامّة، ولم يسجّل
عليه أي حضور في المحافل العامة . |
|
الفصل الثاني: مظاهر الانحراف في
عصر الإمام الرضا (عليه السلام)
|
|
نستعرض في هذا الفصل
مظاهر الانحراف المختلفة في العهد العباسي وفي فترة حكومة هارون وابنه محمد حتى
قتله من قبل جيش أخيه المأمون سنة (198 هـ) وهي الفترة الواقعة بين سنة (183 هـ)
و(198 هـ)، ثم نتبعه في فصل آخر ببيان دور الإمام الرضا(عليه السلام) لمعالجة
أنواع الانحراف في هذه الفترة. |
|
الانحراف الفكري
|
|
لقد
راجت التيارات الفكرية المنحرفة في عهد العباسيين، ووجدت لها أتباعاً وأنصاراً،
وكثر الجدل والمراء وانشغلت الأمة بذلك، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على
منهج الحكّام العباسيين في الترويج لها وتشجيع القائمين عليها; لإشغال الأمة عن
الأحداث والمواقف التي يتخذونها في السياسة والاقتصاد والحياة العامة، و إبعادهم
عن ما يثيرهم اتخاذ الموقف المعارض للسياسات القائمة . حب الخليفة حبّ لا يدين له = عاصي الإله وشار يلقح الفتنا (تاريخ الخلفاء : 233 .) وقال
سَلْم الخاسر يمدح الأمين وهارون : قد بايع الثقلان مهديَّ الهدى =
لمحمد بن زُبيدة ابنة جعفر فأعطته
زبيدة جوهراً باعه بعشرين ألف دينار(تاريخ الخلفاء : 233 .). ومن أجل إبعاد
المسلمين عن نهج أهل البيت (عليهم السلام) قام العباسيون بمحاصرة الفقهاء
المؤيّدين لهم، وشجّعوا على نشوء التيارات الهدّامة، وهذا واضح من خلال عدم
ملاحقتهم لأتباعها وأنصارها. فقد نشأ تيار الواقفة وتيار الغلاة، ولم يبادر
العباسيون إلى تطويقهما في بداية نشوئهما، سعياً منهم لتشويه منهج أهل البيت
(عليهم السلام) وتفتيت كيانهم . |
|
التلاعب بأموال
المسلمين
|
|
خالف العباسيون أسس
النظام الاقتصادي الإسلامي التي تنصّ على أنّ الأموال هي وديعة عند الحاكم وليست
ملكاً خاصاً له، وانّ إنفاقها يجب أن يكون مقيداً بقيود شرعية، فكانوا يتصرّفون
بالأموال حسب رغباتهم وشهواتهم، فكانوا ينفقونه لشراء الذمم من أجل تثبيت
سلطانهم، وكانوا يعيشون أعلى درجات البذخ والترف، وكان للجواري والمغنيين
والمتملّقين نصيبٌ كبيرٌ في بيت المال، وقد جيء إلى هارون بخراج عظيم وأموال
طائلة من الموصل، فأمر بصرف المال إلى بعض جواريه، فاستعظم الناس ذلك وتحدّثوا
به، فقال أبو العتاهية : أيدفع هذا المال الجليل إلى امرأة، ولا تتعلق كفّي بشيء
منه، ثم دخل على هارون فانشده ثلاثة أبيات، فأعطاه عشرين ألف درهم، وزاده الفضل
بن الربيع خمسة الآف(الأغاني : 4 / 67).
وأسمعه إبراهيم بن المهدي أغنية فأمر له بألف ألف درهم(الأغاني : 10 / 99 .). |
|
الانحراف الأخلاقي
|
|
لعبت
أجواء الترف والرفاهية دوراً كبيراً في انتشار وتفشي الانحراف الأخلاقي، عند
الحاكم ومؤسساته الحكومية وعند الأمة، فكان الحاكم يعيش مظاهر اللهو واللعب
والانسياق وراء الشهوات، فهارون أول خليفة لعب بالصوالجة والكرة ورمي النشاب في
البرجاس، وأول خليفة لعب الشطرنج من بني العباس(تاريخ الخلفاء : 237 .). وكان
مولعاً بالغناء، ومن اهتمامه وتشجيعه للغناء أن جعل للمغنين مراتب وطبقات(تاريخ الخلفاء : 237 .). ملك الثلاث الآنسات عناني =
وحللن من قلبي بكلِّ مكانِ (الأغاني : 16 / 345 ، فوات
الوفيات : 4 / 226) وفي
الوقت الذي يذهب الآف الجنود ضحايا في الغزوات تجده لا يكترث من كثرة القتلى
والمعوّقين وإنّما يؤلمه موت جارية من جواريه تسمى هيلانة، فيرثيها بأبيات شعر : فلها تبكي البواكي =
ولها تشجي المراثي (فوات الوفيات : 4 / 226 .) وكان
مدمناً على شرب الخمر وربما كان يتولّى بنفسه سقاية ندمائه(حياة الإمام علي بن موسى
الرضا : 2 / 224 .). ألا فاسقني خمراً =
وقل لي هي الخمر (الكامل في التاريخ : 6 / 295
.) وقال ابن
الأثير واصفاً له : ولم نجد في سيرته ما
يستحسن ذكره من حلم، أو معدلة، أو تجربة، حتى نذكرها (الكامل في التاريخ : 6 / 295 .). لو طعنوا عليه في
أحكامه قبل ذلك منهم، وبعد ازدياد الشكاوي عليه عزله، ثم أصبح فيما بعد من
ندمائه ورخّص له في أمور كثيرة(مروج الذهب : 3 / 435 .). |
|
الانحراف السياسي
|
|
1 ـ الأوضاع السياسية في عهد هارون
|
|
عاصر الإمام الرضا (ع) في مرحلة إمامته
حكومة هارون عشر سنين من سنة (183 هـ) إلى سنة (193 هـ )، ولم تختلف سياسة هارون
عن سياسة من سبقه من الحكّام، ولا عن سياسته السابقة في مرحلة الإمام الكاظم (ع)
إلاّ أنه لم يتعرض تعرضاً مباشراً للإمام الرضا (عليه السلام) ; لأن الظروف
والأوضاع السياسية لم تساعده على ذلك، فاغتيال الإمام الكاظم (ع) مسموماً لا زال
يثير هواجسه خوفاً من ردود فعل الحركات المسلّحة المرتبطة بأهل البيت(ع)، ولذا
نجده في بداية استشهاد الإمام (عليه السلام) أحضر القوّاد والكتّاب والهاشميين
والقضاة، ثم كشف عن وجهه، وقال : أترَوْن به أثراً أو ما يدل على اغتيال ؟( تاريخ اليعقوبي : 2 /
414 .). ولهذا لم يقدم على
اتخاذ نفس الأسلوب مع الإمام الرضا (ع) ورفض الاستجابة لمن حرّضه على قتله ـ كما
تقدّم ـ وإضافة إلى ذلك فإن الإمام الرضا اتخذ أسلوباً واعياً في التحرك
السياسي، ولم يعط لهارون أيّ مبرّر للتخوف من تحركه، على أنّ أغلب الرسائل التي
رفعت إليه لم تتطرق إلى نشاط سياسي ملحوظ للإمام الرضا (ع). |
|
أولاً : الإرهاب
|
|
إن وصول هارون للحكم كغيره من بني
أُمية وبني العبّاس لم يكن بنص من رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ولا باختيار
من المسلمين، ولم يختاره أهل الحل والعقد طبقاً للنظريات السائدة آنذاك . وإنّما
وصل عن طريق العهد والاستخلاف من قبل من سبقه، وهذا الشعور دفعه للتشبث بالحكم
بأيّ أسلوب أمكن، ولهذا استخدم الإرهاب إلى جانب الإغراء في تثبيت حكمه، فلم
يسمح لأي معارضة وان كانت سلمية كما لم يسمح لأيّ نصح أو أمر بمعروف أو نهي عن
منكر، ففي أحد خطبه قام إليه رجل فقال : (كَبُرَ
مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)( سورة الصف (61): 3 .)، فأمر بضربه مائة سوط(العقد الفريد : 1 / 51 .). وطارد هارون يحيى بن عبد الله بن الحسن
بن الحسن، ثم آمنه، وحينما حمل إليه، سجنه وبقي في السجن إلى أن مات فيه، وقيل
إن الموكل به منعه من الطعام أياماً فمات جوعاً(تاريخ اليعقوبي: 2 / 408 .). |
|
ثانياً : الاستبداد
|
|
لقد استبد هارون بالحكم وجعله موروثاً لأولاده الثلاث
من بعده، واختار ابنه محمداً بن زبيدة إرضاءً لها على الرغم من اعترافه بعدم
أهلية محمد للخلافة، حيث اعترف بذلك قائلاً : وقد قدمت محمداً ... وإني لأعلم
أنّه منقاد إلى هواه، مبذر لما حوته يداه، يشارك في رأيه الإماء والنساء، ولولا
أم جعفر ـ يعني زبيدة ـ وميل بني هاشم إليه لقدمت عبد الله عليه(تاريخ الخميس 6 2 / 334
.). |
|
ثالثاً : الأخطار
الخارجية
|
|
كانت الدولة والحكومة محاطة بمخاطر خارجية ففي
بداية عهد الإمام الرضا (ع) أوقع الخزر بالمسلمين وقعة شديدة الوطأة، قتل فيها
الآلاف وأسر فيها من النساء والرجال أكثر من مائة ألف، وكما يقول المؤرخون : جرى
على الإسلام أمر عظيم لم يسمع قبله بمثله أبداً(تاريخ الإسلام للذهبي حوادث سنة ( 181، 191) : 12 .). |
|
رابعاً : اختلال
الجبهة الداخلية
|
|
بسبب السياسات الخاطئة التي مارسها
هارون في مرحلة حكمه، ظهر الخلل والاضطراب في الجبهة الداخلية، ففي سنة (184 هـ) خرج أبو عمرو حمزة الشاري، واستمر في
خروجه إلى سنة (185 هـ )، وقمع هارون حركته بعد
مقتل عشرة آلاف من أنصاره والخارجين معه . |
|
2 ـ الأوضاع السياسية في عهد محمد ( الأمين
)
|
|
عاصر الإمام (عليه السلام) حكومة محمد
بن هارون خمس سنين، من سنة (193 هـ) إلى سنة
(198 هـ )، وفي هذه المرحلة لم تظهر من محمد بن هارون
أي مبادرة إرهابية باتجاه الإمام (ع) وباتجاه أهل البيت
عموماً، فلم يهدّد بقتله وقتل بقية العلويين، ولم يذكر لنا التأريخ
تصريحاً منه بالتفكير في ذلك، ولعلّ الظروف والأوضاع التي أحاطت به لم تساعده
على ذلك، ففي بداية حكومته بدأ الخلاف بينه وبين أخيه عبد الله المأمون، وانقسمت
الدولة الإسلامية في الحكم إلى قسمين، فلكل منهما أنصار وأتباع ومصادر
قوة من أموال وسلاح . |
|
الفصل الثالث: دور الإمام الرضا
(عليه السلام) قبل ولاية العهد
|
|
لقد كان الإمام (عليه
السلام) محطّ أنظار الفقهاء ومهوى أفئدة طلاّب العلم، ويشهد لذلك قوله (ع) : (كنت أجلس في الروضة، والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا أعيى
الواحد منهم عن مسألة أشاروا عليّ بأجمعهم وبعثوا إليّ بالمسائل فأجبت عنها)( إعلام الورى : 2/64
وعنه في كشف الغمة: 3/107 وفي بحار الأنوار : 49/100 .). |
|
الإصلاح الفكري
والديني
|
|
وضّح الإمام (ع)
حقيقة التآمر الفكري في بلبلة عقول المسلمين، وأعطى قاعدة كلية في الأساليب
والممارسات التي يستخدمها أعداء الإسلام لتشويه الأفكار والمفاهيم الإسلامية
فقال (ع) : (إن مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا
وجعلوها على ثلاثة أقسام أحدها : الغلو، وثانيها : التقصير في أمرنا، وثالثها :
التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى
القول بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا
بأسمائهم; ثلبونا بأسمائنا ...)( عيون أخبار الرضا : 1 / 304 .). |
|
أوّلاً : الرد على
الانحرافات الفكرية
|
|
قام الإمام (عليه السلام) بالرد على
جميع ألوان الانحراف الفكري من أجل كسر الألفة بين المنحرفين وبينها، وكان
يستهدف الأفكار والأقوال تارة، كما يستهدف الواضعين لها والمتأثرين بها تارة
أخرى . وأمّا موقفه(عليه السلام) من
الواقفة فيمكن تلخيصه بما يلي: بعد أن استشهد الإمام الكاظم (عليه السلام)
طالب الإمام الرضا (عليه السلام) جماعة من وكلائه بإرسال المال الذي كان بحوزتهم
إليه، ولكنهم طمعوا به، فأجابوه : إن أباك (صلوات الله عليه) لم يمت وهو حي
قائم، ومن ذكر أنّه مات فهو مبطل(الغيبة للطوسي : 65 ح 67 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 253 .). وأمر بمنع الزكاة
عنهم فعن يونس بن يعقوب قال : قلت لأبي الحسن الرضا (ع) أعطي هؤلاء الذين يزعمون
أن أباك حيّ من الزكاة شيئاً ؟ قال : (لا تعطهم فإنهم
كفار مشركون زنادقة)( رجال الكشي: 456 ح 862 .). |
|
ثانياً : نشر الأفكار
السليمة
|
|
ابتدأ الإمام (ع) بالرد على الأفكار
المنحرفة ثم أمر بمقاطعة واضعيها والقائلين بها والمتأثرين بها; لتطويقها في
مهدها والحيلولة دون استشرائها في الواقع، ثم عمل على نشر الأفكار السليمة لتتم
المحاصرة من جميع الجوانب . |
|
ثالثاً : إرجاع الأمة
إلى العلماء
|
|
بعد توسّع القاعدة الشعبية لأهل البيت
(ع) وصعوبة الالتقاء بالإمام (ع) باستمرار، قام الإمام بإرجاع الأمة إلى عدد من
العلماء لأخذ معالم دينهم، فعن عبد العزيز بن المهتدي قال : سألت الرضا، فقلت :
إني لا ألقاك في كل وقت فعن من آخذ معالم ديني ؟ قال : (خذ
من يونس بن عبد الرحمن)( رجال الكشي: 483 ح 910 .). |
|
الاصلاح الاقتصادي
|
|
لم يكن الإمام (ع) على رأس سلطة حتى
يستطيع إصلاح الأوضاع الاقتصادية إصلاحاً فعلياً، ولذا اكتفى بنشر المفاهيم
الإسلامية المتعلقة بالحياة الاقتصادية والنظام الاقتصادي الإسلامي، فقد حدّد
جوامع الشريعة في رسالة له طويلة اعتبر الانحراف عن نهج الإسلام الاقتصادي من
الكبائر التي يعاقب عليها الإنسان، ومما جاء في هذه الرسالة : (واجتناب الكبائر، وهي ... أكل مال اليتامى ظلماً ... وأكل
الربا والسحت بعد البينة، والميسر، والبخس في الميزان والمكيال ... وحبس الحقوق
من غير عسر ... والإسراف والتبذير)( تحف العقول : 316 .). وهذا تصريح يكشف التلاعب بأموال
المسلمين من قبل الحكّام بتوزيعهم الأموال حسب أهوائهم ورغباتهم دون التقيّد
بميزان شرعي . وكان يحارب التصوّف
ومفاهيم الزهد الخاطئ، الذي شجّع عليه الحكّام لإبعاد الأُمة عن المطالبة
بحقوقها، أو الدعوة إلى التوازن الاقتصادي، فكان (عليه السلام) يجلس في الصيف
على حصير وفي الشتاء على بساط من شعر، ويلبس الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس
تزيّن لهم(عيون
أخبار الرضا : 2 / 178 .). |
|
الإصلاح الأخلاقي
|
|
كان الإمام (ع)
يستثمر جميع الفرص المتاحة للإصلاح والتغيير الأخلاقي والاجتماعي وبناء واقع
جديد مغاير لما عليه عامة الناس، ولهذا تعددت أساليبه
التربوية الإصلاحية فكانت كما يلي : |
|
أولاً : إحياء روح
الاقتداء برسول الله (صلَّى الله عليه وآله)
|
|
قام الإمام
(ع) بتوجيه الأنظار والقلوب للاقتداء
بأرقى النماذج البشرية وهو رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، فهو قدوة للحكّام
باعتباره حاكماً ورئيس دولة، وقدوة للفقهاء، وقدوة لسائر المسلمين من أفراد
وجماعات . |
|
ثانياً : القيام بدور
القدوة
|
|
إن دور الإمام (ع) هو دور القدوة، وقد
أدى الإمام (ع) هذا الدور أداءً مطابقاً لقيم الإسلام الثابتة، وأبرز للمسلمين
نموذجاً من أرقى نماذج الخلق الإسلامي الرفيع، وكان قمة في الصدق وأداء الأمانة
والوفاء بالعهد، والتواضع، واحترام الآخرين، والاهتمام بالمسلمين، وقضاء حوائجهم
. إذا كان من دوني بليت بجهله =
أبيت لنفسي أن أقابل بالجهل وإن كان مثلي في محلّي من النهى = أخذت بحلمي كي أجلّ عن المثل وإن كنت أدنى منه في الفضل والحجى = عرفت له حق التقدّم والفضل (مناقب آل
أبي طالب : 4 / 402 .) |
|
ثالثاً : الدعوة إلى
مكارم الأخلاق
|
|
كان (عليه السلام)
يدعو إلى التمسك بمكارم الأخلاق ومحاسنها، ويعمق هذه الدعوة من خلال نشر أحاديث
رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) التي ترسم للمسلمين المنهج السلوكي السليم،
ومن تلك الأحاديث التي رواها : اعذر أخاك على ذنوبه =
واستر وغطّ على عيوبه (عيون أخبار
الرضا: 2/176 ح 4 وكشف الغمة: 3/59 و : 119 عن إعلام الورى: 2/69 .) وانشد شعراً لربط المسلمين باليوم
الآخر وعدم الانخداع بالأماني، ولاستحضار اليوم الآخر في الأذهان باعتبار تأثيره
الكبير في إصلاح الأخلاق قال (عليه السلام) : كلنا يأمل مداً في الأجل =
والمنايا هنّ آفات الأمل (البداية والنهاية
: 10 / 250 .) وكان (ع)
يدعو المسلمين إلى إقامة العلاقات الاجتماعية الصالحة ويدعو إلى الإخاء والتآلف
والتآزر، ويدعو إلى نبذ الأخلاق الطالحة التي تؤدّي إلى التقاطع والتدابر، أو
تؤدّي إلى إرباك العلاقات، كالكذب والغيبة والنميمة والبهتان، والاعتداء على
أموال الناس وأرواحهم وأعراضهم، وينهى عن جميع الانحرافات الأخلاقية، لكي تكون
الأخلاق مطابقة للمنهج الإسلامي السليم، الذي أرسى دعائمه رسول الله (ص) وأهل
بيته (ع). |
|
رابعاً : بناء
الجماعة الصالحة
|
|
كان الإمام (عليه السلام)
يقوم بأداء دوره التربوي على مستويين : الأوّل : مجموع
الأُمة الاسلامية . |
|
الإصلاح السياسي
|
|
1 ـ الإمام الرضا (عليه السلام) وقيادة
الحركة الرسالية
|
|
للتعرف على
أسلوب الإمام الرضا (عليه السلام) في قيادة الحركة الرسالية ينبغي إلقاء صورة مختصرة واضحة عن أساليب الأئمة (عليهم
السلام) في قيادتهم للحركة الرسالية، لنتعرف من خلالها على أساليب قيادة
الإمام (عليه السلام) للحركة الرسالية في عصره . وإذا سمحت الظروف للائمة الثلاث الإمام
علي والحسن والحسين(عليهم السلام) بقيادة الحركة الرسالية بجميع مجالاتها قيادة
مباشرة، فإنها قد تغيّرت في عهد الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه
السلام) وبقية الأئمة (عليهم السلام)، لذا نجدهم قد التجئوا إلى الإشراف غير
المباشر على سير الأحداث وخصوصاً الأوضاع السياسية والعسكرية منها، فكانوا
يقودون جميع خطوط الحركة الرسالية في آن واحد، دون أن تصل الحكومة إلى معرفة
خطوط الحركة ونشاطاتها التنظيمية ومدى قربها وبعدها من الإمام(ع) ومدى إشرافه
عليها . ثوى باقر العلم في ملحد =
إمام الورى طيّب المولد (مناقب آل
أبي طالب : 4/213 وعنه في بحار الأنوار : 46 / 296 .) وتصريح الإمام الباقر (ع)
حول نصرة زيد شاهد على أن الأئمة (ع) كانوا
يقودون الخط العسكري بصورة غير مباشرة . قال (ع) : (إن
أخي زيد بن علي خارج فمقتول على الحق، فالويل لمن خذله، والويل لمن حاربه،
والويل لمن يقتله) ( مقتل الحسين للخوارزمي : 2 / 113 .). والخط العسكري هو درع الأئمة
من جهتين : |
|
2 ـ الدور السياسي للإمام (عليه السلام) في
عهد هارون ومحمد
|
|
استثمر الإمام (ع) أجواء وظروف
الانفراج السياسي النسبي لبناء وتوسعة القاعدة الشعبية، وتسليحها بالفكر السياسي
السليم المنسجم مع رؤية أهل البيت(ع)، وتعبئة الطاقات لاتخاذ الموقف المناسب في
الوقت المناسب، ولهذا لم تنفجر أي ثورة علوية في هذين العهدين لعدم اكتمال العدة
والعدد . (أربعة أنا لهم شفيع
يوم القيامة : المكرم لذرّيتي من بعدي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في
أمورهم عند اضطرارهم إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه)( عيون
أخبار الرضا : 1 / 253 .). |
|
الباب الرابع:
|
|
فيه فصول: الفصل الأول: الإمام الرضا (عليه
السلام) وظاهرة ولاية العهد. |
|
الفصل الأول : الإمام الرضا (عليه
السلام) وظاهرة ولاية العهد
|
|
وقائع وأحداث سياسية
قبل ولاية العهد
|
|
استلم المأمون زمام الحكم بعد حرب
دامية استمرت خمس سنين قتل فيها آلاف القادة والجنود، وحدث تفتت في التحالف
العباسي وانقسم إلى قسمين، مؤيدين ومعارضين لحكم المأمون الذي قد حدث فيه انفراج
سياسي للإمام الرضا (عليه السلام) ولأهل بيته بعد أربع سنين، فكان الإمام (عليه
السلام) يتحدث بحرية تامة ويتحرك في دائرة أوسع من قبل وهي دائرة البلاط الحاكم
لاتصاله بالوزراء والقادة مباشرة . وجبهة اليمن بقيادة إبراهيم بن موسى بن
جعفر (عليه السلام). |
|
الموقف السياسي
للإمام الرضا (عليه السلام)
|
|
استثمر الإمام (عليه
السلام) الظروف المناسبة فاتخذ ما يناسبها من مواقف، وقد عاش (ع) الانفراج
الحقيقي بالانطلاق بحرية في نشر الفكر السياسي والعقيدة السياسية لأهل البيت
(عليهم السلام) لأن ظروف الاقتتال بين الأمين والمأمون وما أفرزته من اضطراب
وخلل في الجبهة الداخلية وانقسام البيت العباسي، حالت دون ملاحقته (عليه السلام)
ومطاردته أو إيقاف تحركه، وقام (عليه السلام) بتوسيع قاعدته الشعبية في كل مصر
من الأمصار الإسلامية . |
|
دوافع المأمون لفرض
ولاية العهد على الإمام (عليه السلام)
|
|
لم تكن دوافع المأمون من جعل الإمام
(ع) ولياً لعهده نابعة من ولائه لأهل البيت (ع); لأن مغريات السلطة والرئاسة
متغلبة على جميع الولاءات والميول، ولم يكن المأمون صادقاً في ولائه، وكان ميله
للعلويين اصطناعاً (شذرات الذهب : 2 / 3 .)، ولا
يمكن التصديق بعمق الولاء حتى يكون دافعاً للتنازل عن الحكم وتسليمه إلى الإمام
الرضا (عليه السلام) أو توليته للعهد من بعده، فهل
يُعقل أن يضحّي المأمون بالحكم الذي قتل من أجله الآلاف من الجنود والقادة، وقتل
أخاه وبعض أهل بيته، ثم يسلّمه إلى غيره ؟! |
|
أولاً : تهدئة
الأوضاع المضطربة
|
|
كانت الأوضاع في عهد المأمون مضطربة للغاية، فبعد قتال دام مع أخيه واستيلائه على
الحكم فوجئ بعدة ثورات وحركات مسلحة، ومنها
ثورات العلويين، وكان المعارضون لحكمه منتشرين في جميع
الأمصار الإسلامية، وقد وضّح المأمون حقيقة
الأوضاع قائلاً: والله ما أنزلت قيساً من
ظهور خيولها إلاّ وأنا أرى أنّه لم يبق في بيت مالي درهم واحد ... وأمّا اليمن، فو الله ما أحببتها، ولا أحبتني قطّ، وأمّا قضاعة فساداتها تنتظر السفياني، حتى تكون من
أشياعها، وأما ربيعة فساخطة على ربّها مذ بعث
الله نبيّه من مُضر(الكامل في التاريخ: 6 / 432، .). |
|
ثانياً : إضفاء
الشرعية على حكمه
|
|
إنّ شرعية الحاكم عند المسلمين مستمدة
من النص عليه من قبل رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وهو رأي أهل البيت (عليهم
السلام) أو من الشورى وموافقة أهل الحل والعقد، أو العهد من قبل السابق مشروطاً
برضى الأُمة المتأخّر عن زمن العهد وهو رأي بقية الفقهاء، وهؤلاء الفقهاء وإن
أقرّوا حكومة المأمون إلا أن إقرارهم كان نابعاً من الترغيب والترهيب، أو
استسلاماً منهم للأمر الواقع وعدم قدرتهم على إزالته . |
|
ثالثاً : منع الإمام
من الدعوة لنفسه
|
|
إن الإمام (ع) مسؤول عن دعوة الأُمة
للارتباط بالإمام الحق وبالمنهج الحق، والمتجسّد بإمامته وبمنهج أهل البيت
(عليهم السلام)، ولذلك فإنّه لا يتوانى عن هذه المسؤولية، ومن هنا كان تفكير
المأمون منصباً على منع الإمام من الدعوة لنفسه، أو تحجيم سعة الدعوة، والمتعارف
عليه أن ولي العهد يدعو للحاكم الفعلي ثم يدعو لنفسه، وقد عبّر المأمون عن
دوافعه بالقول : قد كان هذا الرجل مستتراً عنّا يدعو إلى نفسه دوننا، فأردنا أن
نجعله وليّ عهدنا ليكون دعاؤه إلينا(فرائد السمطين : 2 / 214 .). |
|
رابعاً : إبعاد
الإمام عن قواعده
|
|
وجود الإمام (عليه السلام) في العاصمة
إلى جنب المأمون يعني ابتعاده عن قواعده الشعبية، وتحجيم الفرص المتاحة للاجتماع
بوكلائه ونوّابه المنتشرين في شرق الأرض وغربها، وإبعاد الإمام (عليه السلام) عن
قواعده يعني التقليل من التوجيه والإرشاد المباشر لها، ومن خلال ذلك يمكن مراقبة
الإمام(عليه السلام) مراقبة دقيقةً ومعرفة تحركاته ولقاءاته اليومية، فقد قام
المأمون بتقريب هشام بن إبراهيم الراشدي، وقد كان ممّن يتقرّب إلى الإمام(عليه
السلام) ويحاول الاختصاص به وولاّه حجابة الإمام(عليه السلام)، فكان ينقل
الأخبار إليه، وكان يمنع من اتصال كثير من مواليه به، وكان لا يتكلم الإمام في
شيء إلاّ أورده هشام على المأمون(عيون أخبار الرضا: 2/153 ح 22 وعنه في بحار الأنوار : 49 /
139 .). |
|
خامساً : إيقاف خطر
الإمام على الحكم القائم
|
|
إن التفاف المسلمين حول الإمام (عليه
السلام) وتوسع قاعدته الشعبية كان يشكل
خطراً على الحكم القائم وخصوصاً أن الحكم قد خرج من معارك طاحنة بين الأمين
والمأمون، وبين المأمون والمعارضين، فقوة الإمام (عليه السلام) تعني ضعف
المأمون، وقد اعترف المأمون بذلك فقال : وقد خشينا إن تركناه على تلك الحالة أن
ينفتق علينا منه ما لا نسدّه، ويأتي علينا ما لا نطيقه(فرائد السمطين : 2 / 214 .). |
|
سادساً : تشويه سمعة
الإمام (عليه السلام)
|
|
أراد المأمون من خلال تولية الإمام (ع)
للعهد أن يشوه سمعته بالتدريج عن طريق عيونه ووسائل إعلامه، وقد كشف الإمام (ع)
هذه الحقيقة للمأمون بقوله : (تريد بذلك أن يقول
الناس إن علي بن موسى الرضا لم يزهد في الدنيا بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف
قبل ولاية العهد طمعاً بالخلافة)( علل الشرائع : 238 .). |
|
سابعاً : تفتيت جبهة
المعارضة
|
|
إن المعارضين لحكم المأمون
سينظرون إلى الإمام (ع) على أنه جزء من الحكومة القائمة،
وتتعمّق هذه النظرة حينما يجدون أن إخوة الإمام (ع) وأبناء عمومته قد أصبحوا
ولاة وأمراء على الأمصار، وبالفعل فقد عيّن المأمون العباس وإبراهيم أخويّ
الإمام (ع) ولاة على الكوفة واليمن(تاريخ ابن خلدون : 5 / 527، 532 .). |
|
أسباب قبول الإمام
(عليه السلام) بولاية العهد
|
|
قال المأمون للإمام الرضا (ع) : يا ابن
رسول الله قد عرفت فضلك وعلمك وزهدك وورعك وعبادتك، وأراك أحقّ بالخلافة منّي. فقال (عليه السلام) : (ما حمل جدي أمير المؤمنين (عليه السلام) على الدخول في
الشورى)(
عيون أخبار الرضا: 2 / 141 .). |
|
استثمار الإمام(عليه السلام) للظروف
|
|
أولاً : استثمار
الظروف لإقامة الدين وإحياء السنّة
|
|
إن الحرية النسبية الممنوحة للإمام
(عليه السلام) ولأهل بيته وأنصاره هي فرصة مناسبة لتبيان معالم الدين وإحياء
السنة، ونشر منهج أهل البيت (ع) في مختلف الأوساط الاجتماعية والسياسية، فالإمام
(عليه السلام) يمكنه التحرك في البلاط والالتقاء بالوزراء وقادة الجيش وخواص
المأمون، ويمكن لإخوانه الذين أصبحوا ولاة التحرك في أمصارهم، وكذلك أنصاره
يمكنهم التحرك في وسط الأُمة، وفي هذا الصدد قال
(عليه السلام) : (اللهم إنك قد نهيتني عن الإلقاء
بيدي إلى التهلكة، وقد أكرهت واضطررت كما أشرفت من قبل عبد الله المأمون على
القتل متى لم أقبل ولاية عهده ... اللهم لا عهد إلاّ عهدك، ولا ولاية إلاّ من
قبلك، فوفقني لإقامة دينك، وإحياء سنة نبيك محمد (صلَّى الله عليه وآله)، فإنك
أنت المولى وأنت النصير، ونعم المولى أنت ونعم النصير)( عيون أخبار الرضا : 1 /
19 .). وقد سمحت الظروف للإمام (عليه
السلام) لتبيان المنهج السليم أمام الوزراء والقضاة والفقهاء وأهل الديانات
الذين جمعهم المأمون لمناظرة الإمام، إضافة إلى قيامه بتوجيه المأمون إلى اتخاذ
الرأي والموقف الأصوب، وحل المسائل المستعصية . |
|
ثانياً : تعبئة
الطاقات
|
|
بعد فشل الثورات العلوية وانكسارها
عسكرياً، أصبح الظرف مناسباً لإعادة بناء قوّاتها، وتعبئة الطاقات عن طريق إيقاف
الملاحقة والمطاردة لها، فهي بحاجة إلى قسط من الراحة لإدامة التحرك فيما بعد،
وهذه المكاسب لا تتحقق إن لم يقبل الإمام (عليه السلام) بولاية العهد . |
|
ثالثاً : إفشال
مخططات المأمون
|
|
من المتوقع أن يقوم المأمون ـ في حالة
رفض الإمام(عليه السلام) لقبول ولاية العهد ـ بتولية العهد لأحد العلويين،
ويستثني عن إكراه الإمام (ع) وقتله، والعلوي الذي ينصبه ولياً للعهد، إما أن
يكون مساوماً وانتهازياً، أو مخلصاً قليل الوعي، أو مخلصاً معرّضاً للانزلاق في
مغريات السلطة، وفي جميع الحالات، فإنّ هذا الموقف سيؤدي إلى شق صفوف أنصار أهل
البيت (عليهم السلام)، أو توريط العلوي بممارسات خاطئة تؤدّي إلى تشويه سمعة أهل
البيت (عليهم السلام)، أو إلقاء المسؤولية عليه، وقد يؤدّي انزلاق من يتولى
العهد من العلويين إلى قيامه بمعارضة الإمام (عليه السلام) أو ملاحقة أتباعه
وأنصاره . |
|
رابعاً : تصحيح
الأفكار السياسية الخاطئة
|
|
من الأفكار السائدة عند كثير من
المسلمين هي عدم ارتباط الدين بالسياسة، وأنّه لا يليق بالأئمة والفقهاء أن
يكونوا سياسيين، أو يتولوا المناصب السياسية، وأن الزهد في الحكومة والخلافة هو
مقياس التقييم، وقد حاول العباسيون تركيز هذا المفهوم عند المسلمين، فأراد الإمام (عليه السلام) بقبوله بولاية العهد أن يصحح هذه
الأفكار السياسية الخاطئة ويوضّح للمسلمين وجوب التصدي للحكم إن كانت الظروف
مناسبة للتصدي . |
|
كيف تحقّقت البيعة
بولاية العهد ؟
|
|
بعد قبول الإمام الرضا (عليه السلام)
بولاية العهد مضطراً، جمع المأمون خواصه من الأمراء والوزراء والحجّاب والكتّاب
وأهل الحل والعقد، وأمر الفضل بن سهل أن يخبرهم حول ولاية العهد، وأن يلبسوا
الخضرة بدلاً من السواد، ثم أعطاهم استحقاقاتهم من الأموال لسنة متقدمة ثم
صرفهم، وبعد أسبوع حضر الناس وجلسوا، كلٌ في موضعه، وجلس المأمون ثم جيء بالإمام
الرضا (عليه السلام) فجلس وهو لابس الخضرة وعلى رأسه عمامة مقلد بسيف، فأمر
المأمون ابنه العباس بان يكون أول من يبايعه (ع)، فرفع الإمام (عليه السلام) يده
وحطها من فوق، فقال له المأمون: ابسط يدك فقال
الإمام (ع) : (هكذا كان يبايع رسول الله(صلَّى الله
عليه وآله) يضع يده فوق أيديهم)، فقال المأمون : افعل ما ترى . ثم وزعت
الهدايا على الحاضرين، وقام الخطباء والشعراء فذكروا ولاية العهد، وعدّدوا فضائل
ومآثر الإمام (عليه السلام) . |
|
فقرات من كتاب العهد
بخط المأمون
|
|
كتب المأمون كتاب العهد بخط يده، ووضّح
فيه سبب اختياره للإمام (ع)، وإليك فقرات منه : وكانت خيرته ... علي بن موسى
الرضا بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، لما رأى من
فضله البارع، وعلمه الذائع، وورعه الظاهر الشائع، وزهده الخالص النافع، وتخليته
من الدنيا، وتفرده عن الناس، وقد استبان ما لم تزل الأخبار عليه مطبقة والألسن
عليه متفقة والكلمة فيه جامعة، والأخبار واسعة ولما لم نزل نعرفه به من الفضل،
يافعاً وناشئاً وحدثاً وكهلاً، فلذلك عقد بالعهد والخلافة من بعده .. ودعا أمير
المؤمنين ولده وأهل بيته وخاصته، وقواده، وخدمه فبايعه الكل مطيعين مسارعين
مسرورين ...(
الفصول المهمة : 258 .). |
|
فقرات مكتوبة بظهر
كتاب العهد بخط الإمام (عليه السلام)
|
|
كتب الإمام بخطه على ظهر كتاب العهد
كتاباً جاء فيه: (... أنه جعل إليَّ عهده والإمرة الكبرى إن بقيت بعده ...
وخوفاً من شتات الدين واضطراب أمر المسلمين، وحذر فرصة تنتهز وناعقة تبتدر; جعلت
لله على نفسي عهداً إن استرعاني أمر المسلمين وقلدني خلافة العمل فيهم ... أن
أعمل فيهم بطاعة الله تعالى وطاعة رسوله (صلَّى الله عليه وآله)، ولا أسفك دماً
حراماً، ولا أبيح فرجاً، ولا مالاً إلاّ ما سفكته حدوده، وأباحته فرائضه، وأن
أتخير الكفاة جهدي وطاقتي ... وإن أحدثت أو غيّرت أو بدّلت كنت للعزل مستحقاً،
وللنكال متعرّضاً ... وما أدري ما يفعل بي وبكم، إن الحكم إلاّ لله، يقصّ الحق
وهو خير الفاصلين ...)( الفصول المهمة : 258 ـ 259 وانظر صورة الكتابين في عيون
أخبار الرضا: 2/154 ـ 159.). |
|
أوامر المأمون بعد
البيعة
|
|
أمر المأمون بطرح
السواد وهو شعار العباسيين، واستبداله بالخضرة،
وأمر الجميع بذلك وبالبيعة للإمام (ع) وكتب إلى الأمصار بذلك، وضرب الدراهم باسم
الإمام، فلما وصل كتابه إلى بغداد أجابه البعض
وامتنع البعض الآخر (الكامل في التاريخ : 6 / 326 .). (ولي عهد المسلمين علي بن موسى بن جعفر
بن محمد بن علي بن الحسين بن علي (عليهم السلام) . ستة آباءهم ما هم =
أفضل من يشرب صوب الغمام) ( عيون أخبار الرضا: 2/145 وفي مقاتل الطالبيين : 565 وفي الإرشاد :
2/262 والشعر للنابغة الذُبياني والمستشهد به حاكم المدينة عبد الجبّار سعيد
المُساحقي .) |
|
أحداث ما بعد البيعة
|
|
بحلول العيد أي بعد ثلاثة
وعشرين يوماً من كتابة العهد بعث المأمون إلى الإمام (عليه السلام) يسأله أن
يصلي بالناس صلاة العيد ويخطب ليطمئن قلوب الناس، ويعرفوا فضله، وتقرّ قلوبهم
على هذه الدولة، فبعث إليه الإمام
(ع) بالقول : (قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط
في دخولي في هذا الأمر)، فقال المأمون : إنما أريد بهذا أن يرسخ في قلوب
العامة والجند والشاكرية هذا الأمر، فتطمئن قلوبهم، ويقرّوا بما فضّلك الله به. وأمر المأمون القوّاد والناس فقعدوا
عند باب الإمام (ع) وفي الطرقات والسطوح، فلما طلعت الشمس، خرج الإمام متعمّماً
بعمامة بيضاء وألقى طرفاً منها على صدره وطرفاً بين كتفه، ورفع ثوبه وهو حاف،
ومعه مواليه على نفس الحالة، ثم رفع رأسه إلى السماء، وكبّر أربع تكبيرات، وقال
: (الله أكبر الله أكبر الله أكبر على ما هدانا، الله
أكبر على ما رزقنا ...) ورفع صوته فأجهش الناس بالبكاء والعويل، ونزل
القوّاد عن دوابهم وترجّلوا، وضجّت مرو ضجّة واحدة، ولم يتمالك الناس من البكاء
والضجيج، وكان الإمام (ع) يمشي ويقف في كل عشر خطوات وقفة، ولما سمع المأمون
بذلك، قال له الفضل بن سهل : يا أمير المؤمنين
إن بلغ الرضا المصلّى على هذا السبيل افتتن به الناس، فالرأي أن تسأله أن يرجع،
فبعث إليه وسأله الرجوع، فدعا الإمام (عليه السلام) بخفّه فلبسه ورجع (عيون أخبار الرضا : 2 /
150 ـ 151 .). |
|
مكتسبات القبول بولاية العهد
|
|
إن الموقف الذي يتخذه الإمام (عليه
السلام) لابد من اشتماله على مصلحة ذات عائد مقبول للإسلام والمسلمين ولأتباع
أهل البيت (عليهم السلام)، وقد حصل الإمام(عليه السلام) على مكتسبات عديدة بعد
اضطراره للقبول بولاية العهد، ولولا قبوله لما تحققت تلك المكتسبات، ومن هذه
المكتسبات : |
|
أوّلاً : اعتراف
المأمون بأحقيّة أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
قام الأمويون ومن بعدهم العباسيون
بمحاولة طمس فضائل أهل البيت (ع) والتقليل من شأنهم، واستخدموا جيمع طاقاتهم
للحد من ذلك، تحت الترغيب والترهيب، ولكنّ الوضع تغيّر بعد قبول الإمام (ع)
بولاية العهد، فقد قام المأمون بتوضيح هذه الفضائل، وتوضيح مظلومية أهل البيت
(ع) من قبل الحكّام السابقين . |
|
ثانياً : توظيف وسائل
الإعلام لصالح الإمام (عليه السلام)
|
|
وظّف المأمون وسائل الإعلام لصالح
الإمام (عليه السلام) فأصبح من أكثر الناس شيوعاً صيتهُ، وتحققت معرفة المسلمين
وغير المسلمين به، فالولاة والأمراء
وأئمة الجمعة، يدعون له من على المنابر كل يوم وكل جمعة وكل مناسبة، إضافة إلى
طبع اسمه على الدارهم والدنانير المعمول بها في جميع الأمصار، ووجد الخطباء
والشعراء الفرصة مناسبة للترويج لشخصية الإمام(عليه السلام) وآبائه وأجداده،
فكثرت الخطب والأشعار المادحة له، والذاكرة لفضائله وفضائل أهل بيته، وانتشرت في
جميع الأمصار، وهذا إن دل على شيء فإنما يدلّ على تعميق الارتباط بالإمام (عليه
السلام) وتبنّي أفكاره وآرائه المطابقة للمنهج الإسلامي السليم، ولولا قبوله
بولاية العهد لما كان ذلك بالصورة الأوسع والأمثل، مادامت وسائل الإعلام الرسمية
موجودة في جميع الأمصار، دون الحاجة إلى بث الدعاة لمنهجه ومنهج أهل بيته (عليهم
السلام) . أُلام على حب الوصيّ أبي الحسن = وذلك عندي من عجائب ذي الزمن خليفة خير الناس والأوّل الذي
= أعان رسول الله في السر والعلن وقال أيضاً: لا تقبل التوبة من تائب =
إلاّ بحب ابن أبي طالب أخو رسول الله حلف الهدى = والأخ فوق الخل والصاحب (تذكرة
الخواص: 320 عن كتاب الأوراق للصولي .) وهذا الشعر وغيره من مدائح المأمون
لأهل البيت (عليهم السلام) قد أثمر فيما بعد، حتى إنه بعد استشهاد الإمام (عليه
السلام) بثمان سنين أي في سنة (211 هـ) أمر المأمون أن ينادى : |
|
ثالثاً : حرية الإمام
(عليه السلام) في مناظرة أهل الأديان والمذاهب
|
|
منح المأمون نوعاً من
الحرية للإمام (عليه السلام) للتحدث بما يؤمن به من أفكار ومعتقدات وآراء سياسية
، وأمر المأمون الفضل بن سهل أن يجمع للإمام (عليه السلام) أصحاب المقالات :
ومنهم : الجاثليق وهو رئيس الأساقفة ، (معرّب : كاثوليك) ورأس الجالوت عالم
اليهود ، ورؤساء الصابئين ، وعظماء الهنود من أبناء المجوس ، وأصحاب زردشت ،
وعلماء الروم ، والمتكلمين ، وقد احتجّ الإمام (عليه السلام) بالكتب المعتبرة
عندهم ، وقد اعترف الجميع بأعلمية الإمام (ع) ، بعد ان فنّد حججهم ، فأذعنوا
لقوله ، واعترفوا بصحة أفكاره وآرائه . |
|
رابعاً : نشر مفاهيم
أهل البيت (عليهم السلام) وفضائلهم
|
|
استثمر الإمام (عليه السلام) الفرصة
المتاحة له لنشر مفاهيم أهل البيت (عليهم السلام) ونشر فضائلهم ، وخصوصاً بين
الفقهاء والقضاة والقوّاد والوزراء ، ومن يرتبط بالبلاط الحاكم بصلة . وذكر (ع) في لقاءاته المختلفة وفي أجوبته
المتعددة صفات الإمام ، ووحدة الإمامة ، وواجبات وحقوق الإمام لكي يعطي للأمة
الفرصة لتشخيص الإمام الحقّ وإن لم يكن مبسوط اليد ، فليس كل من استلم الحكم
أصبح إماماً ، وإنما الإمام له صفات خاصة ثابتة في الإسلام ومنها أن يكون (أعلم الناس وأحكم الناس وأتقى الناس ، وأحلم الناس ، وأشجع
الناس ، وأسخى الناس ، وأعبد الناس) (عيون أخبار الرضا : 1 / 213 .)
. |
|
خامساً : حقن دماء
أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
من مكتسبات قبول ولاية العهد من قبل
الإمام (عليه السلام) هو حقن دماء أهل البيت (عليهم السلام) ، فقد قام المأمون
تقرباً للإمام (عليه السلام) بإعلان العفو العام عن جميع قادة الثورات ، ومنهم
زيد أخو الإمام (عليه السلام) وإبراهيم ، ومحمد بن جعفر ، وأردف العفو بتنصيب
بعضهم ولاة في بعض الأمصار ، فكانت خير فرصة لهم للقيام بإصلاح الأوضاع بصورة
سلمية هادئة ، وخير فرصة لإعادة بناء القاعدة الشعبية الموالية لأهل البيت
(عليهم السلام) وتنظيم صفوفها ، والاستفادة من الإمكانيات المتاحة لتطوير الحركة
الرسالية ، ولولا قبول الإمام (عليه السلام) بولاية
العهد لسفكت دماء كثيرة قبل أن تؤدّي دورها ومسيرتها في داخل الأُمة ، فقد
جاء قبول الإمام (عليه السلام) في وقت كان خط أهل البيت (عليهم السلام) بحاجة إلى قسط من التفرّغ للعمل الرسالي السلمي بعيداً عن شهر
السلاح الذي يكلّف كثيراً ويربك الأوضاع الداخلية له. |
|
الفصل الثاني: نشاطات الإمام
الرضا (عليه السلام) بعد البيعة بولاية العهد
|
|
لم يحصل المأمون من
بيعته للإمام الرضا (عليه السلام) إلاّ على بعض الامتيازات والمكاسب والتي منها
إيقاف العمليات العسكرية المسلحة، وقطع علاقة الإمام (عليه السلام) بأغلب قواعده
الشعبية المقيمة في العراق وفي الحجاز واليمن، وأمّا الإمام (عليه السلام) ومنهج
أهل البيت (عليهم السلام) فقد حصلا على امتيازات واسعة، واستثمر الإمام (عليه السلام) الفرصة للقيام بأداء دوره الإصلاحي والتغييري
بشكل كبير، وتتحدد معالم هذه المرحلة بالمظاهر والممارسات التالية : |
|
إفشال خطط المأمون
|
|
أراد المأمون أن يجعل
الإمام (عليه السلام) وسيلة لإضفاء الشرعية على حكمه، وإيقاف نشاط الحركات
الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، وقد طلب من الإمام (عليه السلام) أن يولّي
أحد أتباعه على البلدان التي تمرّدت على حكمه، ولكي يوقف تمرّدها حينما يكون
الوالي من أنصار وأتباع الإمام (عليه السلام)، أو يجعل المعارضة وجهاً لوجه أمام
بعضها البعض . |
|
إصلاح القضاء
|
|
كان المأمون يجلس في ديوان المظالم يوم
الاثنين ويوم الخميس، ويجلس الإمام (عليه السلام) إلى جانبه الأيمن، فرفع إليه
أن صوفياً من أهل الكوفة سرق، فأمر بإحضاره فرأى عليه سيماء الخير فقال : سوءاً
لهذه الآثار الجميلة بهذا الفعل القبيح، فقال الرجل : فعلت ذلك اضطراراً لا
اختياراً، وقد منعت من الخمس والغنائم، فمنعتني حقي وأنا مسكين وابن السبيل وأنا
من حملة القرآن . قال: فابدأ أوّلاً
بنفسك فطهرها ثم طهّر غيرك، وأقم حدود الله عليها ثم على غيرك . |
|
إصلاح الأعمال
الإدارية
|
|
لم يتدخل الإمام (عليه السلام) في
الشؤون الإدارية إلاّ في الحالات التي كان يجد فيها مصلحة إسلامية عامة تخص
الإسلام والمسلمين، وتمنع الأعداء من اختراق الجهاز الإداري أو الحكومي، فكان
يبدي نصائحه وتوجيهاته القيّمة في هذا المجال . |
|
نشر الآراء السديدة
في داخل البلاط
|
|
استثمر الإمام (عليه
السلام) فرصة وجوده في البلاط الحاكم لنشر الآراء السديدة في مختلف جوانب الفكر
والعقيدة، ليطّلع الحاكم ووزراؤه والمقربون إليه من قادة وأمراء وفقهاء وخدم
وبوّابين على آراء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ومتبنياتهم الفكرية
والعقائدية، وفضائلهم ومكارمهم . |
|
نصائح الإمام الرضا
(عليه السلام) للمأمون
|
|
وكان الإمام (عليه
السلام) يكثر وعظ المأمون إذا خلا به، ويخوفه بالله، ويقبّح ما يرتكبه به، فكان
المأمون يظهر قبول ذلك منه، ويبطن كراهته واستثقاله(الإرشاد : 2/269 .). |
|
الحفاظ على الوجود
الإسلامي
|
|
من مسؤوليات الأئمة
(عليهم السلام) ـ بعد إقصائهم عن الخلافة ـ الحفاظ على الوجود الإسلامي وحمايته
أمام مؤامرات الأعداء والطامعين، فقد كانوا (عليهم السلام) يبذلون ما بوسعهم من
أجل ذلك، ويقومون بحل المسائل المستعصية على الحكّام من أجل إدامة الوجود
والكيان الإسلامي، ومنعه من الانهيار والتفكك. ومن ذلك كشف مؤامرة الفضل بن سهل،
حيث إنه أراد قتل المأمون، فلم يسمع كلامه ولعنه وكان قصد الفضل هو السيطرة على
الحكم، واستغلال الإمام (عليه السلام) لإسكات المسلمين ويبقى الإمام (عليه
السلام) حاكماً محجوراً عليه في البلاط، ويكون الفضل هو الحاكم الفعلي، إضافة
إلى ذلك فإن مثل هذا العمل يؤدّي إلى انقسام خطير في الكيان الإسلامي، وتفتيت
لوحدة الأمة والدولة، فقام الإمام (عليه السلام) بتحذير المأمون من الفضل وأن
يتعامل معه بحيطة وحذر(عيون أخبار الرضا : 2 / 167 .)
لأن المقصود هو الكيان الإسلامي وليس شخص المأمون . |
|
إظهار الكرامات
واستثمارها في الإصلاح
|
|
وبعد البيعة ظهرت
كرامات الإمام (عليه السلام) فاستثمرها (عليه السلام) في إصلاح الناس بإرشادهم
وتوجيههم، ففي بداية ولاية العهد احتبس المطر، فجعل بعض حاشية المأمون والمبغضين
للإمام (عليه السلام) يقولون : انظروا لمّا جاءنا علي بن موسى وصار ولي عهدنا،
حبس الله عنّا المطر، وسمع المأمون بذلك فاشتدّ عليه، وطلب من الإمام (عليه
السلام) أن يدعو الله لكي يمطر الناس، فخرج (عليه السلام) إلى الصحراء وخرج
الناس ينظرون، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : (اللهم يا رب أنت عظّمت حقنا أهل البيت، فتوسّلوا بنا كما
أمرت وأمّلوا فضلك ورحمتك وتوقّعوا إحسانك ونعمتك، فاسقهم سقياً نافعاً عاماً
غير رايث، ولا ضائر، وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى منازلهم
ومقارّهم) . |
|
تشجيع الشعراء
الرساليين
|
|
ومن أجل نشر فضائل أهل البيت (ع)
ودورهم الريادي في الأمة، وتبيان مظلوميتهم على مرّ التاريخ; شجّع الإمام (ع)
الشعراء على نظم الشعر في هذا الخصوص لأنه خير وسيلة إعلامية في ذلك العصر،
لسرعة انتشاره وسهولة حفظه وإنشاده، فقد دخل عليه
الشاعر دعبل الخزاعي وأنشده قصيدته التي جاء فيها : مدارس آيات خلت من تلاوة =
ومنزل وحي مقفر العرصات منازل جبريل الأمين يحلها = من الله بالتسليم والرحمات ثم بدأ بإبراز
مظلوميتهم وما جرى عليهم من قبل الحكّام المتعاقبين على الحكم، ثم ختم القصيدة
بخروج الإمام العادل الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً وهو الإمام المهدي الذي
تنتظره الأمم والشعوب . |
|
النشاطات العلميّة
للإمام الرضا(عليه السلام)
|
|
إنّ الإمام (عليه السلام) وإن كان يعيش
تحت رقابة شديدة، إلاّ أن ذلك لم يكن ليمنعه من ممارسة دوره العلمي في الأوساط
التي كان يعيش فيها، وبالنسبة لكل من يلتقي معه من الوزراء والفقهاء والقضاة
وأمراء الجيش فضلاً عن الخدم وسائر الناس. ممّا كتبه الإمام الرضا(عليه
السلام) للمأمون رسالة في محض الإسلام وشرائع الدين،
وبيّن لآخرين علل الشرائع كالصلاة والصوم والحج والزكاة والخمس والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، وأسباب تحريم الموبقات والمنكرات، كما كتب رسالة في الطب
وأرسلها إلى المأمون فكتبها المأمون بماء الذهب. |
|
الإمام(عليه السلام)
والمستقبل
|
|
إن دور الإمام (ع)
لا يتحدد بحدود المرحلة الزمنية التي يعاصرها، بل يمتد بامتداد الزمان، فله دور
مرحلي، ودور شمولي، فهو المسؤول عن ثبات المنهج الإسلامي وخلوده مع الزمن، وحفظه
من التشويه والتحريف، ومن هنا فان دور الإمام ينصبّ في
المهام التالية : |
|
النصّ على إمامة
محمّد الجواد(عليه السلام)
|
|
نصّ الإمام الرضا(عليه السلام) على إمامة
ابنه محمّد الجواد قبل أن يولد واستمر بالتنصيص عليه رغم السنوات القليلة التي
عاشها الجواد مع أبيه الرضا(عليه السلام). 3 ـ
وعن معمر بن خلاّد قال : سمعت الرضا (عليه السلام) وذكر شيئاً، فقال : (ما حاجتكم إلى ذلك، هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته
مكاني إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة)( الكافي : 1 / 320 ،
الفصول المهمة : 265 .). وقد نصّ (عليه السلام) على إمامة
الإمام الجواد (عليه السلام) بالشكل الذي تثبت إمامته عند المقربين من الإمام
(عليه السلام) وأتباعه المخلصين، والكوادر الرسالية التي أعدها للمستقبل،
ووكلائه الثقاة . |
|
الإعداد لدولة
المهديّ المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه)
|
|
إنّ إمامة الإمام المهدي(ع)
من الحقائق الثابتة عند المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وهو المصلح الأكبر والمنقذ
الأعظم للبشرية من شتّى أنواع الانحراف، وهو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد
امتلائها ظلماً وجوراً. كما قال (صلَّى الله عليه وآله) : (المهدي من عترتي من ولد فاطمة)( سنن ابي داود : 4 /
107، سنن ابن ماجة : 2 / 1368، عقد الدرر : 42 .)،
وقال: (المهدي من ولد الحسين)( عقد الدرر : 46، كفاية
الطالب : 503 .). وقد أشخص الحكّام من بعد المأمون
الأئمة الباقين إلى مركز حكمهم كالإمام الجواد(عليه السلام) والإمامين الهادي
والعسكري(عليهما السلام)( والملفت للنظر لدى الباحث التاريخي أن الأئمة من بعد
الرضا(ع) لم يولد لهم مثل ما ولد لآبائهم من قبل، وهو شاهد على مدى تحديدهم
وإحكام الرقابة عليهم، وكما أنه مؤشّر إلى تخوّف الحكّام منهم خشية من ظهور
المهدي الموعود من بين أبنائهم(عليهم السلام) .). وهذه المواقف التي
كانت تبدر من السلطة والتحفّظات الكثيرة هي التي جعلت الإمام المهدي(عليه
السلام) يختفي دون أن تقوم السلطات باعتقاله، وهي نتيجة للتخطيط الدقيق الذي كان
قد بدأه الإمام الرضا(ع) وتلميحاته وتصريحاته السرية في خصوص الإيمان
بالمهدي(عليه السلام) وولادته واسمه . وقد تابع الأئمة من بعده نفس التخطيط، دون
أن تشعر بهم السلطات القائمة . |
|
اغتيال الإمام الرضا
(عليه السلام)
|
|
لقد كان الإمام الرضا(عليه السلام)
يعلم بأنه سوف يُقتل، وذلك لروايات وردت عن آبائه عن رسول الله(صلَّى الله عليه
وآله)، إضافة إلى الإلهام الإلهي له، لوصوله إلى قمة السموّ والارتقاء الروحي.
ولا غرابة في ذلك، فقد شاهدنا في حياتنا المعاصرة أن بعض الأتقياء يحدّدون أيام
وفاتهم أو سنة وفاتهم، لرؤيا رأوها أو لإلهام إلهي غير منظور. فما المانع أن
يعلم الإمام الرضا (عليه السلام) بمقتله وهو الشخصية العظيمة التي ارتبطت بالله
تعالى ارتباطاً حقيقياً في سكناتها وحركاتها، وأخلصت له إخلاصاً تاماً . (وقبر ببغداد لنفس زكية = تضمّنها الرحمن في الغرفات قال له الإمام (عليه السلام) : (أفلا اُلحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟ وقبر بطوس يا لها من مصيبة
= توقد في الأحشاء بالحرقات فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا القبر
الذي بطوس قبر من هو ؟ |
|
الأدلة على شهادته
مسموماً
|
|
اختلفت الروايات في سبب موت الإمام (ع)
بين الموت الطبيعي وبين السمّ، وقال الأكثر إنّه مات
مسموماً، وفيما يلي نستعرض بعض الروايات ـ
الدالة على ذلك ـ باختصار . ولما كان
اليوم الثاني اجتمع الناس وقالوا :
إن هذا قتله واغتاله، يعنون المأمون(عيون أخبار الرضا : 2 / 241 .). |
|
أسباب إقدام المأمون
على سمّ الإمام(عليه السلام) واغتياله
|
|
من الأسباب التي دعت المأمون
إلى سمّ الإمام انّه لم يحصل على ما
أراد من توليته للعهد، فقد حدثت له فتنة جديدة وهي تمرّد العباسيين عليه،
ومحاولتهم القضاء عليه . ومن الأسباب التي وردت عن
أحمد بن علي الأنصاري عن أبي الصلت الهروي في قوله
: (... وجعل له ولاية العهد من بعده ليرى الناس أنه راغب في الدنيا; فيسقط محلّه
من نفوسهم، فلمّا لم يظهر منه في ذلك للناس إلا ما ازداد به فضلاً عندهم،
ومحلاًّ في نفوسهم، وجلب عليه المتكلمين من البلدان طمعاً من أن يقطعه واحد منهم
فيسقط محله عند العلماء، وبسببهم يشتهر نقصه عند العامة، فكان لا يكلمه خصم من
اليهود والنصارى والمجوس والصابئية والبراهمة والملحدين والدهرية، ولا خصم من
فرق المسلمين المخالفين إلا قطعه وألزمه الحجة . أرى
أمية معذورين إن قتلوا = ولا
أرى لبني العباس من عذر (عيون أخبار
الرضا : 2 / 251 .) وكانت شهادة
الإمام الرضا (عليه السلام) في آخر صفر سنة (203 هـ) كما
ذكر على ذلك أغلب الرواة والمؤرخين . |
|
كرامة زيارته
|
|
قال ابن حبّان : قد
زرته مراراً كثيرة، وما حلّت بي شدّة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى
الرضا، صلوات الله على جده وعليه ودعوت الله إزالتها
عني إلا استجيب لي، وزالت عني تلك الشدة، وهذا شيء جربته مراراً، فوجدته كذلك(الثقات
: 8 / 457 .). |
|
الفصل الثالث: مدرسة الإمام
الرضا(عليه السلام) احتجاجاته وتراثه
|
|
عاش الإمام الرضا(عليه السلام) في عصر
انفتاح الأمة الإسلامية على تراث الأمم الأخرى التي أخذت تدخل في حاضرة المسلمين
وتساهم معهم في بناء صرح حضارتهم الإسلامية. |
|
البحث الأول: مدرسة
الإمام الرضا(عليه السلام)
|
|
يتراوح عدد الرواة عن الإمام الرضا
(عليه السلام) كما جاء في المصادر الموجودة بأيدينا بين (313) إلى (367) راوياً.
وهؤلاء يعتبرون طلاّب مدرسته والمتخرجين على يديه. وقد أحصى عددهم صاحب مسند
الإمام الرضا وترجم لِـ 313 راوياً منهم بشكل موجز جدّاً استناداً إلى ما جاء
لهم من ذكر في أسناد روايات المسند . |
|
البحث الثاني:
احتجاجات الإمام الرضا(عليه السلام)
|
|
إن انفتاح الأمة الإسلامية على الأمم
والثقافات الأخرى ـ بأيّ سبب كان (قد يكون هذا الانفتاح نتيجة طبيعية لدخول الأمم الأخرى في
الحاضرة الإسلامية بعد اعتناق الإسلام أو معايشتها للمسلمين، وقد يكون السبب
محاولة الاختراق منهم رغم الفتوحات الإسلامية التي أنتجت خضوعهم للدولة
الإسلامية، كما يحتمل أن يكون للخلفاء دور في التشجيع على الترجمة للتراث الآخر
رغبةً منهم في التوسع العلمي والاطلاع على سائر الثقافات أو رغبة منهم لانشغال
طلاّب العلم بالثقافات الأخرى لئلا يتفرّغوا للتوجه إلى معين أهل البيت (عليهم
السلام) الرسالي، لأنّ هذا التوجه سيؤدي إلى مرجعيتهم العلمية والتي تستتبعها
مرجعيتهم السياسية ولو بعد فترة طويلة، وهذا مما لا يروق لهم بحال من الأحوال.) ـ كان يتطلّب من القيادة الرساليّة التي كانت
مهمّتها الأولى صيانة الرسالة الإسلامية والأمة المسلمة من الانهيار والسقوط أن
تقوم بتحصين الأمة والمجتمع الإسلامي تحصيناً علمياً وثقافياً يجعلها تصمد أمام
الاختراق الثقافي المقصود أو غير المقصود. |
|
1 ـ حواره مع الثنوية
|
|
روى الصدوق عن الفضل بن
شاذان: سأل رجلٌ من الثنوية أبا الحسن
علي بن موسى الرضا(ع) وأنا حاضر فقال له: إنّي أقول: إنّ صانع العالم اثنان فما
الدّليل على أنّه واحد؟ فقال: (قولك: إنّه اثنان دليل
على أنّه واحد لأنّك لم تدّع الثاني إلاّ بعد إثباتك الواحد، فالواحد مجمع عليه
وأكثر من واحد مختلف فيه) (التوحيد: 250 .) .
|
|
2 ـ حواره مع أصحاب الأديان
|
|
قال الحسن بن محمد
النوفليّ: لمّا قدم علي بن موسى الرضا(عليه
السلام) إلى المأمون أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق
ورأس الجالوت ورؤساء الصابئين والهربذ الأكبر، وأصحاب زردهشت وقسطاس الرّومي
والمتكلّمين ليسمع كلامه وكلامهم فجمعهم الفضل بن سهل، ثم أعلم المأمون
باجتماعهم، فقال: أدخلهم عليّ، ففعل، فرحّب بهم المأمون . قال الجاثليق: لا أنكر ما قد بان لي في
الإنجيل وإنّي لمقرّ به. قال الرضا (عليه السلام) : فما تقول في شهادة الوقا ، ومرقابوس ومتي على عيسى وما
نسبوه إليه ؟ فقال له الرضا (عليه السلام) : هل جاءكم من إخوة بني إسرائيل نبي غير محمد (صلّى الله عليه
وآله) . قال رأس الجالوت : قد قال ذلك حيقوق
(عليه السلام) ولا ننكر قوله . قال الرضا (ع) : فكيف أقررتم بالأنبياء الذين كانوا قبل موسى (ع) ولم يفلقوا
البحر ولم يفجروا من الحجر اثنتي عشرة عيناً ، ولم يخرجوا أيديهم بيضاء مثل
إخراج موسى يده بيضاء ولم يقلب العصا حيّة تسعى ؟! قال الرضا (عليه السلام) : فالشاهد الذي شهد لعيسى ولمحمد (صلّى الله عليه وآله) شاهد
زور . قال عمران : لابدّ من ذلك . قال الرضا (عليه السلام) : مشيّته واسمه وصفته وما أشبه ذلك ، وكلّ ذلك محدث مخلوق
مدبّر . قال الرضا (عليه السلام) : فأرناه ؟ فلم يحر جواباً . والحروف هي المفعول بذلك
الفعل وهي الحروف التي عليها الكلام والعبارات كلّها من الله عَزَّ وجَلَّ ،
علّمها خلقه ، وهي ثلاثة وثلاثون حرفاً ، فمنها ثمانية وعشرون حرفاً تدل على
اللغات السريانيّة ، والعبرانيّة ، ومنها خمسة أحرف متحرّفة في سائر اللغات من
العجم لأقاليم اللغات كلّها وهي خمسة أحرف تحرّفت من الثمانية والعشرين الحرف من
اللغات فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفاً . قال عمران : فكيف لنا بمعرفة ذلك ؟ قال الرضا (عليه
السلام) : واعلم أنّه لا يكون صفة لغير موصوف ولا اسم
لغير معنى ولا حدّ لغير محدود ، والصفات والأسماء كلّها تدلّ على الكمال والوجود
ولا تدلّ على الإحاطة كما تدلّ على الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس ،
لأنّ الله عَزَّ وجَلَّ وتقدّس تدرك معرفته بالصفات والأسماء ، ولا تدرك
بالتحديد بالطول والعرض والقلّة والكثرة واللّون والوزن وما أشبه ذلك ، وليس
يحلّ بالله جلّ وتقدّس شيء من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي
ذكرنا . قال : سل
عمّا أردت . |
|
3 ـ حواره مع علي بن الجهم
|
|
عن علي بن إبراهيم بن هاشم
عن القاسم بن محمد البرمكي عن أبي الصلت الهروي :
أن المأمون لما جمع لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام) أهل المقالات من أهل
الإسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وساير أهل المقالات فلم
يقم أحد إلاّ وقد ألزمه حجّته كأنّه قد ألقم حجراً . |
|
4 ـ حواره مع صاحب الجاثليق
|
|
عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ،
عن صفوان بن يحيى صاحب السابريّ ، قال : سألني أبو قرّة صاحب الجاثليق أن أوصله
إلى الرضا (عليه السلام) فستأذنته في ذلك . فقال (عليه السلام) : أدخله عليّ . فلما دخل عليه قبّل بساطه وقال : هكذا
علينا في ديننا أن نفعل بأشراف أهل زماننا ، ثم قال : أصلحك الله ما تقول في
فرقة ادّعت دعوى فشهدت لهم فرقة أخرى معدّلون ؟ |
|
5 ـ حواره مع أرباب المذاهب الإسلامية
|
|
لما حضر عليُّ بن موسى الرضا (عليهما
السلام) مجلس المأمون وقد اجتمع فيه جماعة علماء أهل العراق وخراسان . فقال
المأمون : (أخبروني عن معنى هذه الآية (ثُمَّ
أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)( سورة فاطر (35): 32 .) ؟ فقال الرضا (عليه السلام) : أخبروني هل تحرم الصدقة على آل محمد ؟ ثمَّ قال أبو الحسن(عليه السلام) : حدثني أبي، عن جدّي، عن آبائه، عن الحسين بن علي (عليهم
السلام) قال : اجتمع المهاجرون والأنصار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فقالوا : إن لك يا رسول الله مؤونةً في نفقتك وفيمن يأتيك من الوفود وهذه
أموالنا مع دمائنا فاحكم بها بارَّاً مأجوراً، أعطِ ما شئت وأمسك ما شئت من غير
حرج . فأنزل الله عَزَّ وجَلَّ عليه الروح الأمين فقال : يا محمد (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا
الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) لا تؤذوا قرابتي
من بعدي، فخرجوا ، فقال أناس منهم : ما حمل رسول الله على ترك ما عرضنا عليه إلا
ليحُثَّنا على قرابته من بعده إن هو إلاّ شيء افتراه في مجلسه وكان ذلك من قولهم
عظيماً . فأنزل الله هذه الآية (أَمْ
يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ
اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيداً
بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)( الأحقاف (46): 7 .) فبعث إليهم النبي (ص)
فقال : هل من حدث؟ فقالوا : إي والله يا رسول الله، لقد تكلّم بعضنا كلاماً
عظيماً [فـ]ـكرهناه،
فتلا عليهم رسول الله فبكوا واشتدَّ بكاؤهم، فأنزل الله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو
عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)( الشورى (42): 25 .)
فهذه السادسة
. فقال المأمون : هذا ما لا اختلاف فيه
[أصلا] وعليه الإجماع فهل عندك في الآل شيء أوضح من هذا القرآن ؟ قال أبو الحسن (عليه السلام) : أخبروني عن قول الله :
(يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ)( يس (36): 1 ـ 4 .)
فمن عنى بقوله: يس؟ قال العلماء : يس محمد ليس
فيه شك . قال أبو الحسن (عليه السلام) : أعطى الله
محمداً وآل محمد من ذلك فضلاً لم يبلغ أحدٌ كنه وصفه لمن عقله وذلك أنَّ الله لم
يسلّم على أحد إلاّ على الأنبياء [صلوات
الله عليهم] فقال تبارك وتعالى : (سَلَامٌ عَلَى
نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ)( الصافات (37): 77 . أي سلام ثابت أو مستمر أو مستقر على نوح
في العالمين من الملائكة والجن والانس .)
وقال : (سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ)( الصافات (37): 109 .) وقال : (سَلَامٌ عَلَى
مُوسَى وَهَارُونَ)( الصافات (37): 120 .)
ولم يقل : سلامٌ على آل نوح ولم يقل : سلامٌ على آل
إبراهيم ولا قال : سلامٌ على آل موسى وهارون; وقال عَزَّ وجَلَّ : (سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ)( الصافات (37): 130 .) يعني آل محمد
. فقال المأمون : لقد علمت أنَّ في معدن النبوة شرح هذا وبيانه . فهذه السابعة . وأمّا الثانية عشرة فقوله
: (وَأْمُرْ
أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)( طه (20): 132 .) فخصّنا بهذه الخصوصية إذ أمرنا مع أمره، ثم خصَّنا دون
الأمة، فكان رسول الله (ص) يجيء إلى باب عليٍّ وفاطمة (ع) بعد نزول هذه الآية
تسعة أشهر في كل يوم عند حضور كل صلاة خمس مرّات فيقول الصلاةَ يرحمكم الله، وما
أكرم الله أحداً من ذراري الأنبياء بهذه الكرامة التي أكرمنا الله بها وخصّنا من
جميع أهل بيته فهذا فرق ما بين الآل والأمة. وصلّى الله على ذرّيته والحمد لله
رب العالمين وصلّى الله على محمد نبيه(تحف العقول: 313 .)
. |
|
6 ـ حواره مع المأمون
|
|
عن أبي الصلت الهروي قال :
قال المأمون يوماً للرضا(عليه السلام) : يا أبا الحسن أخبرني عن جدّك أمير
المؤمنين بأيّ وجه هو قسيم الجنّة والنار؟ وبأي معنى ؟ فقد كثر فكري في ذلك ! |
|
7 ـ حواره مع متكلمي الفرق الإسلامية
|
|
عن الحسن بن الجهم، قال : (حضرت مجلس
المأمون يوماً وعنده عليّ ابن موسى الرضا (ع) وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام من
الفرق المختلفة فسأله بعضهم، فقال له : يابن رسول الله بأيّ شيء تصح الإمامة
لمدّعيها ؟ قال له المأمون : يا أبا الحسن بلغني
أنَّ قوماً يغلون فيكم ويتجاوزون فيكم الحدّ ؟ فقال الرضا (عليه السلام) : (حدَّثني أبي موسى بن جعفر; عن أبيه، عن جعفر بن محمد عن
أبيه محمد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ عن أبيه علي
بن أبي طالب (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا
ترفعوني فوق حقّي فإنَّ الله تبارك وتعالى اتّخذني عبداً قبل أن يتخذني نبياً . فقال المأمون : يا أبا الحسن فما تقول
في الرّجعة ؟ فقال الرضا (عليه السلام) : إنها لحقّ قد كانت في الأمم السالفة ونطق به القرآن وقد قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكون في هذه الأمة كلّ ما كان في الأمم السالفة
حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة . قال (عليه السلام) : إذا خرج المهدي من ولدي
نزل عيسى بن مريم (عليه السلام) فصلّى خلفه . وقال (عليه السلام) : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) إنَّ الإسلام بدأ غريباً
وسيعود غريباً فطوبى للغرباء . قيل : يا رسول الله ثمّ يكون ماذا؟ قال: ثمّ يرجع
الحق إلى أهله. فقال المأمون : يا أبا الحسن فما تقول
في القائلين بالتناسخ ؟ فقال الرضا (عليه السلام) : من قال بالتناسخ فهو كافر بالله العظيم مكذّب بالجنة والنار. قال المأمون : ما تقول في المسوخ ؟ قال الرضا (عليه السلام) : أولئك قوم غضب الله عليهم، فمسخهم، فعاشوا ثلاثة أيام ثم
ماتوا ولم يتناسلوا، فما يوجد في الدنيا من القردة والخنازير وغير ذلك مما وقع
عليهم اسم المسوخيّة فهو مثل ما لا يحلّ أكلها والانتفاع بها. قال المأمون : لا أبقاني الله بعدك يا
أبا الحسن، فو الله ما يوجد العلم الصحيح إلا عند أهل هذا البيت وإليك انتهت
علوم آبائك فجزاك الله عن الإسلام وأهله خيراً. قال الحسن بن الجهم : فلما قام الرضا
(ع) تبعته فانصرف إلى منزله، فدخلت عليه وقلت له : يا ابن رسول الله، الحمد لله
الذي وهب لك من جميل رأي أمير المؤمنين ما حمله على ما أرى من إكرامه لك وقبوله
لقولك . فقال (ع) : يابن الجهم لا يغرنَّك ما ألفيته عليه من إكرامي والاستماع
منّي فإنه سيقتلني بالسمّ وهو ظالم إليَّ ، إني أعرف ذلك بعهد معهود إليَّ من
آبائي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فاكتم هذا ما دمت حياً . |
|
8 ـ حواره مع يحيى بن الضّحاك السمرقندي
|
|
لقد كان المأمون يحبّ سقطات الرضا
(عليه السلام) وأن يعلوه المحتج وإن أظهر غير ذلك، فاجتمع عنده الفقهاء
والمتكلمون فدس إليهم أن ناظروه في الإمامة . فعجب المأمون من كلامه، وقال: يا أبا
الحسن ما في الأرض من يحسن هذا سواك) (عيون أخبار الرضا : 2 / 231 .)
. |
|
9 ـ حواره مع سليمان المروزي
|
|
قال الحسن بن محمد النوفليّ: قدم
سليمان المروزي متكلّم خراسان على المأمون فأكرمه ووصله. قلت: خلّفته يلبس ثيابه وأمرنا أن
نتقدّم ، ثم قلت: يا أمير المؤمنين إنّ عمران مولاك معي وهو بالباب. قال الرضا(عليه السلام): أفبإرادته كان ذلك؟! ثمّ قال(عليه السلام): فليس لقولك أراد، أن يكون حيّاً سميعاً بصيراً معنى إذا لم
يكن ذلك بإرادته . قال: فأراه
في قولك: قد زادهم ما لم يكن في علمه أنّه يكون. ثم قال الرضا(عليه السلام): يا سليمان ألا تخبرني عن الإرادة فعل هي أم غير فعل؟ قال(عليه السلام): فهي محدثة ليست كالسمع والبصر لأن السمع والبصر ليسا
بمصنوعين وهذه مصنوعة. قال الرضا(عليه السلام): فمعنى الإرادات كلّها معنى واحد . قال سليمان: أجل. |
|
10 ـ حواره مع فقهاء المذاهب الإسلامية
|
|
حلف رجل بخراسان بالطّلاق أنّ معاوية
ليس من أصحاب رسول الله (ص)، فأفتى الفقهاء بطلاقها. |
|
البحث الثالث: تراث
الإمام الرضا(عليه السلام)
|
|
إن الثروة العلمية الهائلة التي قدّمها
الإمام الرضا (عليه السلام) للعالم الإسلامي بل للعالم الإنساني عامة ولأتباع
أهل البيت خاصة قد شملت ألوان العلوم والمعارف من فلسفة وكلام وطب وفقه وتفسير
وتاريخ و تربية وآداب وسياسة واجتماع ... فاحتجاجات الإمام (عليه
السلام) صريحة وصارخة في محتواها ولا تجد فيها أي مجال للتقية أو الاقتصار على
طرح بعض الحقائق التاريخية دون بعض، بل نجد الإمام (ع) يدخل الساحة العقائدية
المذهبية بكل ثقله وهو يعلم بأن القتل في سبيل المبدأ والاغتيال الذي ينتظره هو
آخر الخطّ . وأنّه يدخل معترك الصراع بكل
أبعاده ليقرر حقيقة المذهب وأدلّته ومبررات وجوده وأنه هو الخط الوحيد الذي
يمثّل رسالة الله في الأرض وأنه امتداد خط الرسول(صلى الله عليه وآله) دون سواه
. |
|
في رحاب العقل والعلم
والمعرفة
|
|
1 ـ (العقل حباء
من الله والأدب كُلفة، فمن تكلّف الأدب قدر عليه ومن تكلّف العقل لم يزدد إلا
جهلاً)(
الكافي : 1 / 24 .). |
|
في رحاب القرآن
الكريم
|
|
1 ـ عن الحسين بن خالد، قال: قلت للرّضا
علي بن موسى(عليهما السلام): ياابن رسول الله أخبرني عن القرآن أخالق أو مخلوق؟
فقال: (ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنّه كلام الله عَزَّ
وجَلَّ)(
التوحيد: 223 .). |
|
في رحاب التوحيد
|
|
1 ـ
سأله رجل عن الدليل على حدوث العالم فقال : (أنت لم
تكن ثمّ كنت وقد علمت أنّك لم تكوّن نفسك ولا كوّنك من هو مثلُك)( التوحيد : 293 .). 2 ـ
جاء رجل إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) من وراء نهر بلخ، فقال : (إني أسألك عن مسألة فإن أجبتني فيها بما عندي قلت
بإمامتك، فقال أبو الحسن (عليه السلام): سل عما شئت،
فقال : أخبرني عن ربك متى كان ؟ وكيف كان ؟ وعلى أي شيء كان اعتماده ؟ |
|
في رحاب النبوة
والأنبياء
|
|
1 ـ قال ابن السكيت لأبي الحسن الرضا (عليه
السلام) لماذا بعث الله عَزَّ وجَلَّ موسى بن عمران بالعصا ويده البيضاء وآلة
السحر وبعث عيسى (عليه السلام) بالطب وبعث محمداً(صلى الله عليه وآله) بالكلام
والخطب ؟ |
|
في رحاب الإمامة
والأئمّة
|
|
1 ـ عن عبد العزيز بن مسلم قال : كنّا مع الرضا
(عليه السلام) بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمر
الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيّدي (عليه السلام) فأعلمته
خوض الناس فيه، فتبسم (عليه السلام) ثمّ قال : (يا
عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم، إن الله عَزَّ وجَلَّ لم يقبض نبيه (صلى
الله عليه وآله) حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء، بيّن
فيه الحلال والحرام، والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملاً، فقال
عَزَّ وجَلَّ : (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ
مِنْ شَيْءٍ)( الأنعام (6): 38 .)، وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره (صلى الله عليه وآله) : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً)( المائدة (5): 3 .) وأمر الإمامة من تمام
الدين، ولم يمض (صلى الله عليه وآله) حتى بيّن لاُمتّه معالم دينهم وأوضح لهم
سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحق وأقام لهم علياً (عليه السلام) علماً وإماماً،
وما ترك [لهم] شيئاً يحتاج إليه الأمة إلاّ بيّنه، فمن زعم أن الله عَزَّ وجَلَّ لم
يكمل دينه فقد رد كتاب الله، ومن رد كتاب الله فهو كافرٌ به . |
|
في رحاب الغدير:
|
|
روي عن أبي الحسن الرضا في يوم الغدير أنه قال: (وهو يوم التهنئة يهنّئ بعضكم بعضاً فإذا لقي المؤمن أخاه
يقول : الحمد لله الذي جعلنا من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنين والأئمة(عليهم
السلام)، وهو يوم التبسّم في وجوه الناس من أهل الإيمان فمن تبسّم في وجه أخيه
يوم الغدير نظر الله إليه يوم القيمة بالرحمة، وقضى له ألف حاجة، وبنى له قصراً
في الجنة من درّة بيضاء ونضر وجهه . |
|
في رحاب فقه الإمام
الرضا (عليه السلام)
|
|
إن التراث الفقهي للإمام الرضا (ع) يتمثل
في النصوص الفقهية التي وصلتنا بشكل مسند. فالعبادات
المتمثلة في الطهارة والصلاة والصوم والزكاة والحج والزيارة تبلغ عدد النصوص
الواصلة عنه (437) نصاً . ونصوص النكاح والطلاق تبلغ (162) نصاً ونصوص المعيشة
والعيد والأطعمة والأشربة تبلغ (255) نصاً ونصوص التجمل (82) نصاً والجهاد (12)
نصاً والحدود والديات والقضاء والشهادة تبلغ (39) نصاً والأيمان والنذور
والوصايا والجنائز والمواريث تبلغ (62) نصاً ويبلغ مجموع هذه النصوص الفقهية
حوالي (1049) نصاً وهذا الحجم يشكل أكثر من نصف النصوص التي وصلتنا عنه(عليه
السلام) حيث أحصيناها وبلغت حوالي (2033) نصاً. |
|
في رحاب مواعظه وقصار
كلماته
|
|
1 ـ قال الرضا (عليه السلام) : (لا يكون المؤمن مؤمناً حتى تكون فيه ثلاث خصال : سنّة من
ربّه وسنّة من نبيِّه (صلى الله عليه وآله) وسنّة من وليِّه (عليه السلام) .
فأما السنّة من ربِّه فكتمان السرِّ . أمَّا السنّة من نبيِّه (صلى الله عليه
وآله) فمداراة الناس . وأمّا السنّة من وليِّه (عليه السلام) فالصبر في البأساء
والضراء). وآخر دعوانا
أن الحمد لله رب العالمين |
|
|
|
|
أعلام الهدايةالإمام
علي بن موسى الرضا (عليه السلام)
|
|
أعلام الهداية المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
قم المقدسة |
|
أهل البيت في القرآن الكريم |
|
أهل البيت في السنة النبويّة |
|
فهرس إجمالي
|
|
الباب الأول: الباب الثاني: الباب الثالث: الباب الرابع: |
|
المقدمة
|
|
الحمد
لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، ثم الصلاة والسلام على من اختارهم هداةً
لعباده، لا سيَّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمد
(صلَّى الله عليه وآله) وعلى آله الميامين النجباء. (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)(الأنعام
(6): 71). (وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(البقرة
(2): 213). (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)(الأحزاب
(33): 4). (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ)(آل عمران (3): 101). (قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الْحَقِّ
أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ
كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(يونس (10): 35). (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ
مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إلى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(سبأ
(34): 6). (ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من الله)(القصص
(28):50). فالله
تعالى هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان
إلى الصراط المستقيم وإلى الحقّ القويم. وهذه
الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم. ولقد
أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى
الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال، ومن هنا قال تعالى: (وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ)(الذاريات
(51): 56). وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، كانت المعرفة
والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال. وبعد
أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال;
لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة; والهوى الناشئ منهما، والملازم لهما فمن
هنا احتاج الإنسان ـ بالإضافة إلى عقله وسائر أدوات المعرفة
ـ إلى ما يضمن له سلامة البصيرة والرؤية; كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة
الهداية، وتتوفّر لديه كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو
طريق الشرّ والشقاء بملء إرادته. ويتولّى أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم الهداة المهديّون مهمّة الهداية
بجميع مراتبها، والتي تتلخّص في: 1
ـ تلقِّي الوحي بشكل كامل واستيعاب الرسالة الإلهية بصورة دقيقة. وهذه المرحلة
تتطلّب الاستعداد التام لتلقّي الرسالة، ومن هنا يكون الاصطفاء الإلهي لرسله
شأناً من شؤونه، كما أفصح بذلك الذكر الحكيم قائلاً:
(اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)(الأنعام (6): 124) و(اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ)(آل
عمران (3): 179). 2
ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى البشرية ولمن أرسلوا إليه، ويتوقّف الإبلاغ على
الكفاءة التامّة التي تتمثّل في (الاستيعاب والإحاطة اللازمة) بتفاصيل الرسالة
وأهدافها ومتطلّباتها، و (العصمة) عن الخطأ والانحراف معاً، قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ
النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)(البقرة
(2): 213). 3
ـ تكوين اُمة مؤمنة بالرسالة الإلهية، وإعدادها لدعم القيادة الهادية من أجل
تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في الحياة، وقد صرّحت آيات الذكر الحكيم بهذه
المهمّة مستخدمةً عنواني التزكية والتعليم، قال تعالى:
(يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)(الجمعة(62): 2)
والتزكية هي التربية باتجاه الكمال اللائق بالإنسان. وتتطلّب التربية القدوة
الصالحة التي تتمتّع بكلّ عناصر الكمال، كما قال تعالى:
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(الأحزاب(33):
21). ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري: أ ـ أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق
الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين يتربّصون بها الدوائر. ب ـ أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة
باستمرار الأجيال; على يد مربٍّ كفوء علمياً ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في
الخلق والسلوك كالرسول (صلَّى الله عليه وآله)، يستوعب الرسالة ويجسّدها في كل
حركاته وسكناته. وتبلورت
حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم على نهج الرسول العظيم وانفتاح الأمة عليهم
والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم،
فكانوا هم الأدلاّء على الله وعلى مرضاته، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين
في محبّته، والذائبين في الشوق إليه، والسابقين إلى تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ
المنشود. ولا
يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا بجميع زوايا حياتهم العطرة ويدّعوا دراستها
بشكل كامل، ومن هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما هي إعطاء قبسات من حياتهم، ولقطات
من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها المؤرّخون واستطعنا اكتشافها من خلال
مصادر الدراسة والتحقيق، عسى الله أن ينفع بها إنّه وليّ التوفيق. إنّ
دراستنا لحركة أهل البيت (عليهم السلام) الرسالية تبدأ برسول الإسلام وخاتم
الأنبياء محمد بن عبد الله (صلَّى الله عليه وآله) وتنتهي بخاتم الأوصياء، محمد
بن الحسن العسكري المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه وأنار الأرض بعدله. ويختصّ
هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، ثامن أئمة أهل
البيت (عليهم السلام) بعد الرسول (صلَّى الله عليه وآله)، وهو المعصوم العاشر من
أعلام الهداية والذي تمثلت في حياته كل جوانب الشريعة، فكان نبراساً ومثلاً أعلى
للبشرية بعد خاتم المرسلين وآبائه الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم
تطهيراً. ولا
بدَّ لنا من تقديم الشكر إلى كل الإخوة الأعزّاء الذين بذلوا جهداً وافراً
وشاركوا في إنجاز هذا المشروع المبارك وإخراجه إلى عالم النور، لا سيَّما أعضاء لجنة التأليف بإشراف سماحة السيد منذر الحكيم
(حفظه الله تعالى). |
|
الباب الأول
|
|
فيه فصول: |
|
الفصل الأول: الإمام الرضا (عليه
السلام) في سطور
|
|
الإمام
علي بن موسى الرضا (عليه السلام) هو الثامن من أئمة أهل البيت(عليهم السلام)
الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً . وهم الثقل الذي لا يفارق القرآن
الكريم، ولا يضل المتمسك بهما معاً، وهم سفينة النجاة التي من ركبها نجا ومن
تخلّف عنها غرق. إنّ
دوافع المأمون غير النزيهة لم تخف على الإمام الرضا (عليه السلام)، كما لم تخف عليه
متطلبات الظرف الذي كان يعيشه صلوات الله عليه، وقد اُكره على قبول ولاية العهد،
ولكنّه فوّت الفرص الذهبيّة التي كان يطمع المأمون بتحقيقها من خلال إكراهه على
قبول ولاية العهد . فاغتنم الإمام الرضا(عليه السلام) هذا الظرف الذهبي الذي
جاءت به ولاية العهد على الوجه الأكمل بهدف نشر معالم الإسلام الحق وتثبيت دعائم
أطروحة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ،متحدِّياً كل الخطوط الفكرية والمذهبية
المنحرفة آنذاك. |
|
الفصل الثاني: انطباعات عن شخصيّة
الإمام الرضا (عليه السلام)
|
|
إنّ
شخصيّة الإمام أبي محمّد الرضا (عليه السلام) قد احتلت عواطف العلماء والمؤلّفين
في كلّ جيل وعصر، وتمثّل ذلك في جمل الثناء والتعظيم
على شخصيّته، وإليك بعض ما ورد من الثناء عليه |
|
الإمام الكاظم (عليه
السلام) :
|
|
لقد
أشاد الإمام الكاظم (عليه السلام) بولده الإمام الرضا ، وقدّمه على السادة
الأجلاّء من أبنائه ، وأوصاهم بخدمته ، والرجوع إليه في أمور دينهم، فقال لهم : (هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد (ص)، سلوه عن
أديانكم، واحفظوا ما يقول لكم، فإنّي سمعت أبي جعفر بن محمد (ع) يقول لي : إنّ
عالم آل محمد (ص) لفي صلبك، وليتني أدركته فإنّه سميُّ أمير المؤمنين...)
(كشف الغمة: 3 /
107 ، أعيان الشيعة: 4 / ق 2 / 100 .).
|
|
المأمون :
|
وأعلن المأمون العباسي فضل الإمام الرضا(عليه السلام) في كثير من
المناسبات: قال أبو الصلت عبد السلام الهروي ، وهو من أعلام عصره:
(ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا، ولا رآه عالم إلاّ شهد له بمثل شهادتي،
ولقد جمع المأمون في مجلس له عدداً من علماء الأديان، وفقهاء الشريعة والمتكلمين
فغلبهم عن آخرهم، حتى ما بقي منهم أحد إلاّ أقرّ له بالفضل وأقرَّ على نفسه
بالقصور...)( إعلام
الورى : 2/64 وعنه في كشف الغمة: 3/106، 107.). وقال زعيم الشيعة الشيخ محمّد بن محمّد النعمان العكبري البغدادي
الملَقَّب بالشيخ المفيد : (وكان الإمام بعد أبي الحسن
موسى بن جعفر(ع) ابنه أبا الحسن علي بن موسى الرضا(ع) لفضله على جماعة إخوته،
وأهل بيته، وظهور علمه وحلمه وورعه، واجتماع الخاصّة والعامّة على ذلك فيه،
ومعرفتهم به منه)(
الإرشاد: 2/247 .). وقال جمال الدين أحمد بن علي النسّابة، المعروف بابن عنبة : قيل لي أنت أوحد الناس طرّاً =
في فنون من المقال النبيه وخرج
الإمام الرضا(ع) يوماً على بغلة فارهة، فدنا منه أبو نؤاس، وسلّم عليه وقال له :
(يا ابن رسول الله! قلت فيك أبياتاً أحب أن تسمعها مني) ، فقال له : (قل). فانبرى أبو نؤاس
قائلاً : مطهّرون نقيّات ثيابهم = تجري الصلاة عليهم كلّما ذكروا (خلاصة الذهب المسبوك: 200 .) وأعجب
الإمام (ع) بهذه الأبيات فقال لأبي نؤاس : (قد جئتنا
بأبيات ما سبقك إليها أحد ..). ثم التفت إلى غلامه فقال له : ما معك من فاضل نفقتنا ؟ فقال : ثلاثمئة دينار، قال
: ادفعها له. فلما ذهب إلى بيته ، قال لغلامه
: لعلّه استقلّها، سق إليه البغلة(الإتحاف بحب الأشراف :
60، نزهة الجليس : 2 / 105، كشف الغمة : 3/107). لقد رحل ابن موسى بالمعالي = وسار
بيسره العلم الشريف (ديوان دعبل : 108 .) |
|
الفصل الثالث: مظاهر من شخصيّة
الإمام الرضا (عليه السلام)
|
|
لقد
كانت شخصيّة الإمام الرضا (عليه السلام) ملتقى للفضائل بجميع أبعادها وصورها،
فلم تبق صفة شريفة يسمو بها الإنسان إلاّ وهي من نزعاته، فقد وهبه الله كما وهب
آباءه العظام وزيّنه بكل مكرمة، وحباه بكل شرف وجعله علماً لأمة جده، يهتدي به
الحائر، ويسترشد به الضال، وتستنير به العقول . وقال له رجل : والله ما على وجه الأرض أشرف منك أباً
. فقال (ع) : (التقوى شرّفتهم، وطاعة الله أحفظتهم)
. وقال له شخص آخر : أنت والله خير الناس ... فردّ
عليه قائلاً: (لا تحلف يا هذا! خير مني من كان أتقى
لله عَزَّ وجَلَّ، وأطوع له، والله ما نسخت هذه الآية: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (عيون أخبار الرضا : 2/236 وعنه في بحار الأنوار: 49 / 95 .). زهده : ومن صفات الإمام الرضا (ع) الزهد في الدنيا، والإعراض عن مباهجها
وزينتها، وقد تحدث عن زهده محمد بن عباد حيث قال : كان جلوس
الرضا على حصيرة في الصيف، وعلى مسح(المسح : الكساء من الشعر .)
في الشتاء، ولباسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزيَّا (عيون أخبار الرضا: 2 /
178، المناقب: 4 / 389 .). وحينما
تقلّد ولاية العهد لم يحفل بأي مظهر من مظاهر السلطة، ولم يقم لها أي وزن، ولم
يرغب في أي موكب رسمي، حتى لقد كره مظاهر العظمة التي كان يقيمها الناس لملوكهم
. سخاؤه : ولم
يكن شيء في الدنيا أحبّ إلى الإمام الرضا(عليه السلام) من الإحسان إلى الناس
والبر بالفقراء. وقد ذكرت بوادر كثيرة من جوده وإحسانه، وكان منها ما يلي : متى آته يوماً لأطلب حاجتي =
رجعت إلى أهلي ووجهي بمائه ( الكافي: 4/23 و 24 و مناقب
آل أبي طالب: 4/390، وعن الكافي في بحار الأنوار : 49/101 ، ح 19.) 3 ـ وكان إذا أتي بصحفة طعام عمد إلى أطيب
ما فيها من طعام، ووضعه في تلك الصحفة ثم يأمر بها إلى المساكين، ويتلو قوله
تعالى: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) ثم يقول
: (علم الله عزَّ وجلَّ أن ليس كل إنسان يقدر على عتق
رقبة فجعل له السبيل إلى الجنة)( المحاسن للبرقي : 2/146 ، ح 20 وعنه في بحار الأنوار : 49/97
، ح 11 .). تكريمه
للضيوف : كان (عليه السلام) يكرم الضيوف،
ويغدق عليهم بنعمه وإحسانه وكان يبادر بنفسه لخدمتهم، وقد استضافه شخص، وكان
الإمام يحدثه في بعض الليل فتغيّر السراج فبادر الضيف لإصلاحه فوثب الإمام، وأصلحه
بنفسه، وقال لضيفه : (إنّا قوم لا نستخدم أضيافنا)( الكافي : 6/283 وعنه في
بحار الأنوار: 49/102، ح 20.). |
|
|
معرفته بجميع اللغات
:
|
|
وظاهرة
أخرى من علومه هي : معرفته التامة وإحاطته الشاملة بجميع اللغات، قال أبو
إسماعيل السندي: (سمعت بالهند أن لله في العرب حجة، فخرجت في طلبه، فدُلِلت على
الرضا (عليه السلام) فقصدته وأنا لا أحسن العربية، فسلّمت عليه بالسندية، فرد
عليَّ بلغتي، فجعلت أكلمه بالسندية، وهو يرد عليّ بها، وقلت له : إني سمعت أن
لله حجة في العرب، فخرجت في طلبه، فقال(عليه السلام): أنا
هو، ثم قال لي: سل عما أردته، فسألته
عن مسائل فأجابني عنها بلغتي)( الخرائج والجرائح: 1/340، ح 5 وعنه في بحار الأنوار: 49 /
50، ح 51 .). |
|
الإمام(عليه السلام)
والملاحم :
|
|
وأخبر
الإمام الرضا (عليه السلام) عن كثير من الملاحم والأحداث قبل وقوعها، وتحققت بعد
ذلك على الوجه الأكمل الذي أخبر به، وهي تؤكد ـ بصورة واضحة ـ أصالة ما تذهب
إليه الشيعة من أن الله تعالى قد منح أئمة أهل البيت (ع) المزيد من الفضل
والعلم، كما منح رسله، ومن بين ما أخبر به ما يلي : وإنّ الضغن بعد الضغن يفشو =
عليك، ويخرج الداء الدفينا (المناقب: 4 / 363، جوهرة
الكلام: 146 .) ولم تمض الأيام حتى قتل المأمون أخاه الأمين . |
|
عبادته وتقواه :
|
|
ومن ابرز ذاتيات الإمام الرضا (عليه السلام) انقطاعه
إلى الله تعالى، وتمسّكه به، وقد ظهر ذلك في عبادته، التي مثلت جانبا كبيراً من
حياته الروحية التي هي نور، وتقوى وورع، يقول إبراهيم بن عباس في حديث: (...
كان(عليه السلام) قليل النوم بالليل، كثير السهر، يحيي أكثر لياليه من أوّلها
إلى الصبح وكان كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر...)( بحار الأنوار: 49/91 عن
عيون أخبار الرضا : 2/184 .). |
|
تسلّحه بالدعاء :
|
|
ومن مظاهر حياة الإمام الروحية تسلحه بالدعاء إلى
الله والتجاؤه إليه في جميع أموره، وكان يجد فيه متعة روحية لا تعادلها أية متعة
من متع الحياة. |
|
الباب الثاني:
|
|
فيه فصول: |
|
الفصل الأوّل: نشأة الإمام الرضا
(عليه السلام)
|
انحدر
الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) من سلالة طاهرة مطهرة، ارتقت سلّم المجد
والكمال، وكان ابناؤها قمة في جميع مقومات الشخصية الإنسانية; في الفكر والعاطفة
والسلوك، فهم نجوم متألّقة في المسيرة الإنسانية، والقدوة الشامخة في تاريخ
الإسلام، استسلموا لله واقتدوا برسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وكانوا عِدلاً
للقرآن الكريم . |
|
الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام
الرضا (عليه السلام)
|
|
تنقسم حياة الإمام الرضا (عليه السلام) إلى قسمين رئيسين كحياة سائر
الأئمة الأطهار(عليهم السلام). |
|
الفصل الثالث: الإمام الرضا في ظلّ
أبيه الكاظم(عليهما السلام)
|
|
في
المرحلة التاريخيّة التي عاشها الإمام الرضا مع أبيه (عليهما السلام) برزت عدّة ظواهر كانت ذات تأثير على نشاط ومواقف الإمام الرضا
(عليه السلام) أثناء تصدّيه للإمامة. ونشير إلى أهمها كما يلي: |
|
1 ـ الانحراف الفكري والديني :
|
|
لقد تعدّدت التيارات
المنحرفة في تلك الفترة مثل تيّار المشبّهة والمجسّمة والمجبّرة والمفوّضة،
وتيّار القياس والاستحسان والرأي، وحابى بعض الفقهاء الحكام الطغاة فكانت هذه
الفترة خطيرة جدّاً إذ كانت الأجواء مليئة بالاختلافات الفقهيّة والتوتر السياسي
الخانق. |
|
2 ـ الفساد الأخلاقي والمالي :
|
|
وعاصر الإمام الرضا
(ع) وهو في ظلّ أبيه حكّاماً يتلاعبون بأموال المسلمين ويرونها ملكاً لهم، لا
يردعهم أيّ تشريع أو نقد وإنما كان الإنفاق قائماً على أساس هوى الحاكم العبّاسي
ورغباته الشخصية أو رغبات زوجاته وإمائه (مروج الذهب : 3 / 308.)
. وقد خلّف المنصور عند وفاته ستمائة ألف ألف درهم وأربعة عشر ألف ألف دينار (مروج الذهب : 3 / 308 .) . |
|
3 ـ الفساد السياسي :
|
|
وشاهد
الإمام كيفية تعامل العباسيين مع الخلافة حيث كانوا يفهمونها على أنها موروثة
لهم من قبل رسول الله (ص) عن طريق عمّه العباس، واتّبعوا اُسلوب الاستخلاف دون
النظر إلى آراء المسلمين ولم يرجعوها إلى أهلها الشرعيين الذين نصبهم الرسول (ص)
بأمر من الله تعالى. وأخضع العباسيّون القضاء لسياستهم فاستخدموا الدين ستاراً
يموّهون به على الناس إذ أشاعوا أنّهم الولاة من قبل الله تعالى فلا يجوز للناس
نقدهم أو محاسبتهم. |
|
4 ـ تعاطف المسلمين مع أهل البيت (عليهم
السلام) :
|
|
وعاش
الإمام الرضا(عليه السلام) روح المودّة والتآلف والموالاة مع أهل البيت (عليهم
السلام) وهي ثمرة جهود آبائه السابقين (عليهم السلام)( تاريخ العلويين، محمد أمين غالب الطويل : 200.). واعترف
بهذا هارون الرشيد نفسه حيث قال للإمام الكاظم (عليه السلام) : أنت الذي تبايعك
الناس سرّاً(الصواعق
المحرقة : 309.) . |
|
5 ـ الحركات المسلّحة :
|
|
ومن الظواهر المهمّة
البارزة في حياة الإمام الرضا مع أبيه كثرة الثورات المسلّحة التي استمرت طول
الفترة التي نشأ فيها في كنف أبيه(عليه السلام) ، فمن الثورات المهمة ثورة
الحسين بن علي بن الحسن بن الإمام الحسن (عليه السلام) المعروف بصاحب فخ الذي
قاد ثورة مسلّحة ضد الوالي العبّاسي في المدينة والتي انتهت بمقتل الحسين وأهل
بيته رضوان الله تعالى عليهم. |
|
الإمام الكاظم
والتمهيد لإمامة الرضا (عليهما السلام)
|
|
حدّد رسول الله (ص)
إحدى مسؤوليات الإمام بقوله : (في كل خلف من اُمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن
هذا الدين تحريف الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ...(( الصواعق المحرقة : 231
.). |
|
الوصيّة بالإمامة
|
|
الإمامة مسؤولية
إلهية كبيرة ولذا فهي لا تكون إلاّ بتعيين ونصب من الله ونص من رسول الله (صلَّى
الله عليه وآله) ولا اختيار للمسلمين فيها لعدم قدرتهم على تشخيص الإمام المعصوم
الذي أكّد الله عصمته بقوله تعالى : (لا ينال عهدي الظالمين)( البقرة(2): 124 .)، وقد أكّدت الروايات النبويّة على هذه الحقيقة،
ومنها ما صرّح به رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في بداية الدعوة بقوله :
(انّ الأمر لله يضعه حيث يشاء)( تاريخ الطبري : 2 / 350، السيرة الحلبية : 2 / 3، السيرة
النبوية لابن كثير : 2 / 159 .). |
|
الوصية في المراحل
الأُولى ( 150 ـ 178 هـ)
|
|
|
في
المراحل الاولى من تصدّي الإمام الكاظم (ع) للامامة نجده يوصي بإمامة ولده علي
الرضا (ع) لخاصة اصحابه وللثقات الذين يحفظون الاسرار ولا يبوحون بها في المحافل
العامة، وكان يصرّح أحياناً ويلمح اُخرى . فعن داود بن كثير الرقي، قال : (قلت لموسى
الكاظم (عليه السلام) جعلت فداك اني قد كبرت سنّي فخذ بيدي وأنقذني من النار،
مَن صاحبنا بعدك ؟ فأشار إلى ابنه أبي الحسن الرضا، فقال : هذا صاحبكم بعدي)( الفصول المهمة : 243 ـ
244 .) . قال حسين بن بشير : (أقام لنا أبو الحسن موسى بن
جعفر(عليهما السلام) ابنه علياً(عليه السلام) كما أقام رسول الله (ص) علياً (ع)
يوم غدير خم، فقال: يا أهل المدينة أو يا أهل المسجد هذا وصيي من بعدي)( عيون أخبار الرضا : 1 /
29 .). |
|
الوصية في مرحلة
الاعتقال
|
|
لقد اعتقل الإمام الكاظم
(ع) في سنة (179 هـ ) قبل التروية بيوم، أي في اليوم السابع من ذي الحجة سنة (
179 هـ ) على رواية، وفي يوم (27) رجب سنة (179 هـ ) كما في رواية أخرى(بحار الأنوار : 48 / 206
ـ 207 .). |
|
إمامة الرضا (عليه
السلام) وزمن الإعلان عنها
|
|
إنّ الظروف التي
عاشها الإمام الكاظم (عليه السلام) كانت تستدعي الكتمان والسرية في القرار
والموقف السياسي وخصوصاً فيما يتعلق بالامام من بعده لذا نرى أنه كان يتكتم في
إعلان ذلك، ولكنه كان قد عيّن زمناً خاصاً للامام الرضا (عليه السلام) لإعلان
إمامته (عليه السلام) . |
|
الباب الثالث:
|
|
فيه فصول: |
|
الفصل الأول: الإمام الرضا (ع)
ومحنة أبيه الكاظم(ع)
|
|
أدرك
هارون الرشيد عمق الارتباط بين الإمام الكاظم (عليه السلام) والمسلمين، ووجد أنّ
القاعدة الشعبية للامام (عليه السلام) تتوسّع بمرور الزمن، فما دام الإمام حيّاً
فإنّ المسلمين يقارنون بين منهجين : منهج الإمام الكاظم (ع) ومنهج هارون،
وبالمقارنة يشخّصون النهج السليم المستقيم عن النهج المنحرف . |
|
الانفراج النسبي في
عهد هارون
|
|
لقد استشهد الإمام
الكاظم مسموماً سنة (183 هـ ) (مروج الذهب : 3 / 355 .) وبايعاز
من هارون الرشيد، وكان هارون يخشى تسرّب خبر السم والاغتيال إلى المجتمع
الاسلامي . من هنا خطط لتفادي ذلك، وذلك حين جمع القوّاد والكتّاب والقضاة وبني
هاشم، ثم كشف عن وجه الإمام (عليه السلام) وقال : أترون أنّ به أثراً ما يدلّ
على اغتيال ؟ قالوا: لا (تاريخ اليعقوبي : 2 / 414 .). |
|
التصدّي للإمامة
|
|
وفي الفترة الواقعة
بين سنة ( 183 هـ ) إلى سنة ( 187 هـ ) لم يعلن الإمام الرضا (عليه السلام) عن
إمامته، ولم يظهر له أيّ تحرّك علني في المدينة من خطب أو لقاءات عامّة، ولم يسجّل
عليه أي حضور في المحافل العامة . |
|
الفصل الثاني: مظاهر الانحراف في
عصر الإمام الرضا (عليه السلام)
|
|
نستعرض في هذا الفصل
مظاهر الانحراف المختلفة في العهد العباسي وفي فترة حكومة هارون وابنه محمد حتى
قتله من قبل جيش أخيه المأمون سنة (198 هـ) وهي الفترة الواقعة بين سنة (183 هـ)
و(198 هـ)، ثم نتبعه في فصل آخر ببيان دور الإمام الرضا(عليه السلام) لمعالجة
أنواع الانحراف في هذه الفترة. |
|
الانحراف الفكري
|
|
لقد
راجت التيارات الفكرية المنحرفة في عهد العباسيين، ووجدت لها أتباعاً وأنصاراً،
وكثر الجدل والمراء وانشغلت الأمة بذلك، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على
منهج الحكّام العباسيين في الترويج لها وتشجيع القائمين عليها; لإشغال الأمة عن
الأحداث والمواقف التي يتخذونها في السياسة والاقتصاد والحياة العامة، و إبعادهم
عن ما يثيرهم اتخاذ الموقف المعارض للسياسات القائمة . حب الخليفة حبّ لا يدين له = عاصي الإله وشار يلقح الفتنا (تاريخ الخلفاء : 233 .) وقال
سَلْم الخاسر يمدح الأمين وهارون : قد بايع الثقلان مهديَّ الهدى =
لمحمد بن زُبيدة ابنة جعفر فأعطته
زبيدة جوهراً باعه بعشرين ألف دينار(تاريخ الخلفاء : 233 .). ومن أجل إبعاد
المسلمين عن نهج أهل البيت (عليهم السلام) قام العباسيون بمحاصرة الفقهاء
المؤيّدين لهم، وشجّعوا على نشوء التيارات الهدّامة، وهذا واضح من خلال عدم
ملاحقتهم لأتباعها وأنصارها. فقد نشأ تيار الواقفة وتيار الغلاة، ولم يبادر
العباسيون إلى تطويقهما في بداية نشوئهما، سعياً منهم لتشويه منهج أهل البيت
(عليهم السلام) وتفتيت كيانهم . |
|
التلاعب بأموال
المسلمين
|
|
خالف العباسيون أسس
النظام الاقتصادي الإسلامي التي تنصّ على أنّ الأموال هي وديعة عند الحاكم وليست
ملكاً خاصاً له، وانّ إنفاقها يجب أن يكون مقيداً بقيود شرعية، فكانوا يتصرّفون
بالأموال حسب رغباتهم وشهواتهم، فكانوا ينفقونه لشراء الذمم من أجل تثبيت
سلطانهم، وكانوا يعيشون أعلى درجات البذخ والترف، وكان للجواري والمغنيين
والمتملّقين نصيبٌ كبيرٌ في بيت المال، وقد جيء إلى هارون بخراج عظيم وأموال
طائلة من الموصل، فأمر بصرف المال إلى بعض جواريه، فاستعظم الناس ذلك وتحدّثوا
به، فقال أبو العتاهية : أيدفع هذا المال الجليل إلى امرأة، ولا تتعلق كفّي بشيء
منه، ثم دخل على هارون فانشده ثلاثة أبيات، فأعطاه عشرين ألف درهم، وزاده الفضل
بن الربيع خمسة الآف(الأغاني : 4 / 67).
وأسمعه إبراهيم بن المهدي أغنية فأمر له بألف ألف درهم(الأغاني : 10 / 99 .). |
|
الانحراف الأخلاقي
|
|
لعبت
أجواء الترف والرفاهية دوراً كبيراً في انتشار وتفشي الانحراف الأخلاقي، عند
الحاكم ومؤسساته الحكومية وعند الأمة، فكان الحاكم يعيش مظاهر اللهو واللعب
والانسياق وراء الشهوات، فهارون أول خليفة لعب بالصوالجة والكرة ورمي النشاب في
البرجاس، وأول خليفة لعب الشطرنج من بني العباس(تاريخ الخلفاء : 237 .). وكان
مولعاً بالغناء، ومن اهتمامه وتشجيعه للغناء أن جعل للمغنين مراتب وطبقات(تاريخ الخلفاء : 237 .). ملك الثلاث الآنسات عناني =
وحللن من قلبي بكلِّ مكانِ (الأغاني : 16 / 345 ، فوات
الوفيات : 4 / 226) وفي
الوقت الذي يذهب الآف الجنود ضحايا في الغزوات تجده لا يكترث من كثرة القتلى
والمعوّقين وإنّما يؤلمه موت جارية من جواريه تسمى هيلانة، فيرثيها بأبيات شعر : فلها تبكي البواكي =
ولها تشجي المراثي (فوات الوفيات : 4 / 226 .) وكان
مدمناً على شرب الخمر وربما كان يتولّى بنفسه سقاية ندمائه(حياة الإمام علي بن موسى
الرضا : 2 / 224 .). ألا فاسقني خمراً =
وقل لي هي الخمر (الكامل في التاريخ : 6 / 295
.) وقال ابن
الأثير واصفاً له : ولم نجد في سيرته ما
يستحسن ذكره من حلم، أو معدلة، أو تجربة، حتى نذكرها (الكامل في التاريخ : 6 / 295 .). لو طعنوا عليه في
أحكامه قبل ذلك منهم، وبعد ازدياد الشكاوي عليه عزله، ثم أصبح فيما بعد من
ندمائه ورخّص له في أمور كثيرة(مروج الذهب : 3 / 435 .). |
|
الانحراف السياسي
|
|
1 ـ الأوضاع السياسية في عهد هارون
|
|
عاصر الإمام الرضا (ع) في مرحلة إمامته
حكومة هارون عشر سنين من سنة (183 هـ) إلى سنة (193 هـ )، ولم تختلف سياسة هارون
عن سياسة من سبقه من الحكّام، ولا عن سياسته السابقة في مرحلة الإمام الكاظم (ع)
إلاّ أنه لم يتعرض تعرضاً مباشراً للإمام الرضا (عليه السلام) ; لأن الظروف
والأوضاع السياسية لم تساعده على ذلك، فاغتيال الإمام الكاظم (ع) مسموماً لا زال
يثير هواجسه خوفاً من ردود فعل الحركات المسلّحة المرتبطة بأهل البيت(ع)، ولذا
نجده في بداية استشهاد الإمام (عليه السلام) أحضر القوّاد والكتّاب والهاشميين
والقضاة، ثم كشف عن وجهه، وقال : أترَوْن به أثراً أو ما يدل على اغتيال ؟( تاريخ اليعقوبي : 2 /
414 .). ولهذا لم يقدم على
اتخاذ نفس الأسلوب مع الإمام الرضا (ع) ورفض الاستجابة لمن حرّضه على قتله ـ كما
تقدّم ـ وإضافة إلى ذلك فإن الإمام الرضا اتخذ أسلوباً واعياً في التحرك
السياسي، ولم يعط لهارون أيّ مبرّر للتخوف من تحركه، على أنّ أغلب الرسائل التي
رفعت إليه لم تتطرق إلى نشاط سياسي ملحوظ للإمام الرضا (ع). |
|
أولاً : الإرهاب
|
|
إن وصول هارون للحكم كغيره من بني
أُمية وبني العبّاس لم يكن بنص من رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ولا باختيار
من المسلمين، ولم يختاره أهل الحل والعقد طبقاً للنظريات السائدة آنذاك . وإنّما
وصل عن طريق العهد والاستخلاف من قبل من سبقه، وهذا الشعور دفعه للتشبث بالحكم
بأيّ أسلوب أمكن، ولهذا استخدم الإرهاب إلى جانب الإغراء في تثبيت حكمه، فلم
يسمح لأي معارضة وان كانت سلمية كما لم يسمح لأيّ نصح أو أمر بمعروف أو نهي عن
منكر، ففي أحد خطبه قام إليه رجل فقال : (كَبُرَ
مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)( سورة الصف (61): 3 .)، فأمر بضربه مائة سوط(العقد الفريد : 1 / 51 .). وطارد هارون يحيى بن عبد الله بن الحسن
بن الحسن، ثم آمنه، وحينما حمل إليه، سجنه وبقي في السجن إلى أن مات فيه، وقيل
إن الموكل به منعه من الطعام أياماً فمات جوعاً(تاريخ اليعقوبي: 2 / 408 .). |
|
ثانياً : الاستبداد
|
|
لقد استبد هارون بالحكم وجعله موروثاً لأولاده الثلاث
من بعده، واختار ابنه محمداً بن زبيدة إرضاءً لها على الرغم من اعترافه بعدم
أهلية محمد للخلافة، حيث اعترف بذلك قائلاً : وقد قدمت محمداً ... وإني لأعلم
أنّه منقاد إلى هواه، مبذر لما حوته يداه، يشارك في رأيه الإماء والنساء، ولولا
أم جعفر ـ يعني زبيدة ـ وميل بني هاشم إليه لقدمت عبد الله عليه(تاريخ الخميس 6 2 / 334
.). |
|
ثالثاً : الأخطار
الخارجية
|
|
كانت الدولة والحكومة محاطة بمخاطر خارجية ففي
بداية عهد الإمام الرضا (ع) أوقع الخزر بالمسلمين وقعة شديدة الوطأة، قتل فيها
الآلاف وأسر فيها من النساء والرجال أكثر من مائة ألف، وكما يقول المؤرخون : جرى
على الإسلام أمر عظيم لم يسمع قبله بمثله أبداً(تاريخ الإسلام للذهبي حوادث سنة ( 181، 191) : 12 .). |
|
رابعاً : اختلال
الجبهة الداخلية
|
|
بسبب السياسات الخاطئة التي مارسها
هارون في مرحلة حكمه، ظهر الخلل والاضطراب في الجبهة الداخلية، ففي سنة (184 هـ) خرج أبو عمرو حمزة الشاري، واستمر في
خروجه إلى سنة (185 هـ )، وقمع هارون حركته بعد
مقتل عشرة آلاف من أنصاره والخارجين معه . |
|
2 ـ الأوضاع السياسية في عهد محمد ( الأمين
)
|
|
عاصر الإمام (عليه السلام) حكومة محمد
بن هارون خمس سنين، من سنة (193 هـ) إلى سنة
(198 هـ )، وفي هذه المرحلة لم تظهر من محمد بن هارون
أي مبادرة إرهابية باتجاه الإمام (ع) وباتجاه أهل البيت
عموماً، فلم يهدّد بقتله وقتل بقية العلويين، ولم يذكر لنا التأريخ
تصريحاً منه بالتفكير في ذلك، ولعلّ الظروف والأوضاع التي أحاطت به لم تساعده
على ذلك، ففي بداية حكومته بدأ الخلاف بينه وبين أخيه عبد الله المأمون، وانقسمت
الدولة الإسلامية في الحكم إلى قسمين، فلكل منهما أنصار وأتباع ومصادر
قوة من أموال وسلاح . |
|
الفصل الثالث: دور الإمام الرضا
(عليه السلام) قبل ولاية العهد
|
|
لقد كان الإمام (عليه
السلام) محطّ أنظار الفقهاء ومهوى أفئدة طلاّب العلم، ويشهد لذلك قوله (ع) : (كنت أجلس في الروضة، والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا أعيى
الواحد منهم عن مسألة أشاروا عليّ بأجمعهم وبعثوا إليّ بالمسائل فأجبت عنها)( إعلام الورى : 2/64
وعنه في كشف الغمة: 3/107 وفي بحار الأنوار : 49/100 .). |
|
الإصلاح الفكري
والديني
|
|
وضّح الإمام (ع)
حقيقة التآمر الفكري في بلبلة عقول المسلمين، وأعطى قاعدة كلية في الأساليب
والممارسات التي يستخدمها أعداء الإسلام لتشويه الأفكار والمفاهيم الإسلامية
فقال (ع) : (إن مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا
وجعلوها على ثلاثة أقسام أحدها : الغلو، وثانيها : التقصير في أمرنا، وثالثها :
التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى
القول بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا
بأسمائهم; ثلبونا بأسمائنا ...)( عيون أخبار الرضا : 1 / 304 .). |
|
أوّلاً : الرد على
الانحرافات الفكرية
|
|
قام الإمام (عليه السلام) بالرد على
جميع ألوان الانحراف الفكري من أجل كسر الألفة بين المنحرفين وبينها، وكان
يستهدف الأفكار والأقوال تارة، كما يستهدف الواضعين لها والمتأثرين بها تارة
أخرى . وأمّا موقفه(عليه السلام) من
الواقفة فيمكن تلخيصه بما يلي: بعد أن استشهد الإمام الكاظم (عليه السلام)
طالب الإمام الرضا (عليه السلام) جماعة من وكلائه بإرسال المال الذي كان بحوزتهم
إليه، ولكنهم طمعوا به، فأجابوه : إن أباك (صلوات الله عليه) لم يمت وهو حي
قائم، ومن ذكر أنّه مات فهو مبطل(الغيبة للطوسي : 65 ح 67 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 253 .). وأمر بمنع الزكاة
عنهم فعن يونس بن يعقوب قال : قلت لأبي الحسن الرضا (ع) أعطي هؤلاء الذين يزعمون
أن أباك حيّ من الزكاة شيئاً ؟ قال : (لا تعطهم فإنهم
كفار مشركون زنادقة)( رجال الكشي: 456 ح 862 .). |
|
ثانياً : نشر الأفكار
السليمة
|
|
ابتدأ الإمام (ع) بالرد على الأفكار
المنحرفة ثم أمر بمقاطعة واضعيها والقائلين بها والمتأثرين بها; لتطويقها في
مهدها والحيلولة دون استشرائها في الواقع، ثم عمل على نشر الأفكار السليمة لتتم
المحاصرة من جميع الجوانب . |
|
ثالثاً : إرجاع الأمة
إلى العلماء
|
|
بعد توسّع القاعدة الشعبية لأهل البيت
(ع) وصعوبة الالتقاء بالإمام (ع) باستمرار، قام الإمام بإرجاع الأمة إلى عدد من
العلماء لأخذ معالم دينهم، فعن عبد العزيز بن المهتدي قال : سألت الرضا، فقلت :
إني لا ألقاك في كل وقت فعن من آخذ معالم ديني ؟ قال : (خذ
من يونس بن عبد الرحمن)( رجال الكشي: 483 ح 910 .). |
|
الاصلاح الاقتصادي
|
|
لم يكن الإمام (ع) على رأس سلطة حتى
يستطيع إصلاح الأوضاع الاقتصادية إصلاحاً فعلياً، ولذا اكتفى بنشر المفاهيم
الإسلامية المتعلقة بالحياة الاقتصادية والنظام الاقتصادي الإسلامي، فقد حدّد
جوامع الشريعة في رسالة له طويلة اعتبر الانحراف عن نهج الإسلام الاقتصادي من
الكبائر التي يعاقب عليها الإنسان، ومما جاء في هذه الرسالة : (واجتناب الكبائر، وهي ... أكل مال اليتامى ظلماً ... وأكل
الربا والسحت بعد البينة، والميسر، والبخس في الميزان والمكيال ... وحبس الحقوق
من غير عسر ... والإسراف والتبذير)( تحف العقول : 316 .). وهذا تصريح يكشف التلاعب بأموال
المسلمين من قبل الحكّام بتوزيعهم الأموال حسب أهوائهم ورغباتهم دون التقيّد
بميزان شرعي . وكان يحارب التصوّف
ومفاهيم الزهد الخاطئ، الذي شجّع عليه الحكّام لإبعاد الأُمة عن المطالبة
بحقوقها، أو الدعوة إلى التوازن الاقتصادي، فكان (عليه السلام) يجلس في الصيف
على حصير وفي الشتاء على بساط من شعر، ويلبس الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس
تزيّن لهم(عيون
أخبار الرضا : 2 / 178 .). |
|
الإصلاح الأخلاقي
|
|
كان الإمام (ع)
يستثمر جميع الفرص المتاحة للإصلاح والتغيير الأخلاقي والاجتماعي وبناء واقع
جديد مغاير لما عليه عامة الناس، ولهذا تعددت أساليبه
التربوية الإصلاحية فكانت كما يلي : |
|
أولاً : إحياء روح
الاقتداء برسول الله (صلَّى الله عليه وآله)
|
|
قام الإمام
(ع) بتوجيه الأنظار والقلوب للاقتداء
بأرقى النماذج البشرية وهو رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، فهو قدوة للحكّام
باعتباره حاكماً ورئيس دولة، وقدوة للفقهاء، وقدوة لسائر المسلمين من أفراد
وجماعات . |
|
ثانياً : القيام بدور
القدوة
|
|
إن دور الإمام (ع) هو دور القدوة، وقد
أدى الإمام (ع) هذا الدور أداءً مطابقاً لقيم الإسلام الثابتة، وأبرز للمسلمين
نموذجاً من أرقى نماذج الخلق الإسلامي الرفيع، وكان قمة في الصدق وأداء الأمانة
والوفاء بالعهد، والتواضع، واحترام الآخرين، والاهتمام بالمسلمين، وقضاء حوائجهم
. إذا كان من دوني بليت بجهله =
أبيت لنفسي أن أقابل بالجهل وإن كان مثلي في محلّي من النهى = أخذت بحلمي كي أجلّ عن المثل وإن كنت أدنى منه في الفضل والحجى = عرفت له حق التقدّم والفضل (مناقب آل
أبي طالب : 4 / 402 .) |
|
ثالثاً : الدعوة إلى
مكارم الأخلاق
|
|
كان (عليه السلام)
يدعو إلى التمسك بمكارم الأخلاق ومحاسنها، ويعمق هذه الدعوة من خلال نشر أحاديث
رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) التي ترسم للمسلمين المنهج السلوكي السليم،
ومن تلك الأحاديث التي رواها : اعذر أخاك على ذنوبه =
واستر وغطّ على عيوبه (عيون أخبار
الرضا: 2/176 ح 4 وكشف الغمة: 3/59 و : 119 عن إعلام الورى: 2/69 .) وانشد شعراً لربط المسلمين باليوم
الآخر وعدم الانخداع بالأماني، ولاستحضار اليوم الآخر في الأذهان باعتبار تأثيره
الكبير في إصلاح الأخلاق قال (عليه السلام) : كلنا يأمل مداً في الأجل =
والمنايا هنّ آفات الأمل (البداية والنهاية
: 10 / 250 .) وكان (ع)
يدعو المسلمين إلى إقامة العلاقات الاجتماعية الصالحة ويدعو إلى الإخاء والتآلف
والتآزر، ويدعو إلى نبذ الأخلاق الطالحة التي تؤدّي إلى التقاطع والتدابر، أو
تؤدّي إلى إرباك العلاقات، كالكذب والغيبة والنميمة والبهتان، والاعتداء على
أموال الناس وأرواحهم وأعراضهم، وينهى عن جميع الانحرافات الأخلاقية، لكي تكون
الأخلاق مطابقة للمنهج الإسلامي السليم، الذي أرسى دعائمه رسول الله (ص) وأهل
بيته (ع). |
|
رابعاً : بناء
الجماعة الصالحة
|
|
كان الإمام (عليه السلام)
يقوم بأداء دوره التربوي على مستويين : الأوّل : مجموع
الأُمة الاسلامية . |
|
الإصلاح السياسي
|
|
1 ـ الإمام الرضا (عليه السلام) وقيادة
الحركة الرسالية
|
|
للتعرف على
أسلوب الإمام الرضا (عليه السلام) في قيادة الحركة الرسالية ينبغي إلقاء صورة مختصرة واضحة عن أساليب الأئمة (عليهم
السلام) في قيادتهم للحركة الرسالية، لنتعرف من خلالها على أساليب قيادة
الإمام (عليه السلام) للحركة الرسالية في عصره . وإذا سمحت الظروف للائمة الثلاث الإمام
علي والحسن والحسين(عليهم السلام) بقيادة الحركة الرسالية بجميع مجالاتها قيادة
مباشرة، فإنها قد تغيّرت في عهد الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه
السلام) وبقية الأئمة (عليهم السلام)، لذا نجدهم قد التجئوا إلى الإشراف غير
المباشر على سير الأحداث وخصوصاً الأوضاع السياسية والعسكرية منها، فكانوا
يقودون جميع خطوط الحركة الرسالية في آن واحد، دون أن تصل الحكومة إلى معرفة
خطوط الحركة ونشاطاتها التنظيمية ومدى قربها وبعدها من الإمام(ع) ومدى إشرافه
عليها . ثوى باقر العلم في ملحد =
إمام الورى طيّب المولد (مناقب آل
أبي طالب : 4/213 وعنه في بحار الأنوار : 46 / 296 .) وتصريح الإمام الباقر (ع)
حول نصرة زيد شاهد على أن الأئمة (ع) كانوا
يقودون الخط العسكري بصورة غير مباشرة . قال (ع) : (إن
أخي زيد بن علي خارج فمقتول على الحق، فالويل لمن خذله، والويل لمن حاربه،
والويل لمن يقتله) ( مقتل الحسين للخوارزمي : 2 / 113 .). والخط العسكري هو درع الأئمة
من جهتين : |
|
2 ـ الدور السياسي للإمام (عليه السلام) في
عهد هارون ومحمد
|
|
استثمر الإمام (ع) أجواء وظروف
الانفراج السياسي النسبي لبناء وتوسعة القاعدة الشعبية، وتسليحها بالفكر السياسي
السليم المنسجم مع رؤية أهل البيت(ع)، وتعبئة الطاقات لاتخاذ الموقف المناسب في
الوقت المناسب، ولهذا لم تنفجر أي ثورة علوية في هذين العهدين لعدم اكتمال العدة
والعدد . (أربعة أنا لهم شفيع
يوم القيامة : المكرم لذرّيتي من بعدي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في
أمورهم عند اضطرارهم إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه)( عيون
أخبار الرضا : 1 / 253 .). |
|
الباب الرابع:
|
|
فيه فصول: الفصل الأول: الإمام الرضا (عليه
السلام) وظاهرة ولاية العهد. |
|
الفصل الأول : الإمام الرضا (عليه
السلام) وظاهرة ولاية العهد
|
|
وقائع وأحداث سياسية
قبل ولاية العهد
|
|
استلم المأمون زمام الحكم بعد حرب
دامية استمرت خمس سنين قتل فيها آلاف القادة والجنود، وحدث تفتت في التحالف
العباسي وانقسم إلى قسمين، مؤيدين ومعارضين لحكم المأمون الذي قد حدث فيه انفراج
سياسي للإمام الرضا (عليه السلام) ولأهل بيته بعد أربع سنين، فكان الإمام (عليه
السلام) يتحدث بحرية تامة ويتحرك في دائرة أوسع من قبل وهي دائرة البلاط الحاكم
لاتصاله بالوزراء والقادة مباشرة . وجبهة اليمن بقيادة إبراهيم بن موسى بن
جعفر (عليه السلام). |
|
الموقف السياسي
للإمام الرضا (عليه السلام)
|
|
استثمر الإمام (عليه
السلام) الظروف المناسبة فاتخذ ما يناسبها من مواقف، وقد عاش (ع) الانفراج
الحقيقي بالانطلاق بحرية في نشر الفكر السياسي والعقيدة السياسية لأهل البيت
(عليهم السلام) لأن ظروف الاقتتال بين الأمين والمأمون وما أفرزته من اضطراب
وخلل في الجبهة الداخلية وانقسام البيت العباسي، حالت دون ملاحقته (عليه السلام)
ومطاردته أو إيقاف تحركه، وقام (عليه السلام) بتوسيع قاعدته الشعبية في كل مصر
من الأمصار الإسلامية . |
|
دوافع المأمون لفرض
ولاية العهد على الإمام (عليه السلام)
|
|
لم تكن دوافع المأمون من جعل الإمام
(ع) ولياً لعهده نابعة من ولائه لأهل البيت (ع); لأن مغريات السلطة والرئاسة
متغلبة على جميع الولاءات والميول، ولم يكن المأمون صادقاً في ولائه، وكان ميله
للعلويين اصطناعاً (شذرات الذهب : 2 / 3 .)، ولا
يمكن التصديق بعمق الولاء حتى يكون دافعاً للتنازل عن الحكم وتسليمه إلى الإمام
الرضا (عليه السلام) أو توليته للعهد من بعده، فهل
يُعقل أن يضحّي المأمون بالحكم الذي قتل من أجله الآلاف من الجنود والقادة، وقتل
أخاه وبعض أهل بيته، ثم يسلّمه إلى غيره ؟! |
|
أولاً : تهدئة
الأوضاع المضطربة
|
|
كانت الأوضاع في عهد المأمون مضطربة للغاية، فبعد قتال دام مع أخيه واستيلائه على
الحكم فوجئ بعدة ثورات وحركات مسلحة، ومنها
ثورات العلويين، وكان المعارضون لحكمه منتشرين في جميع
الأمصار الإسلامية، وقد وضّح المأمون حقيقة
الأوضاع قائلاً: والله ما أنزلت قيساً من
ظهور خيولها إلاّ وأنا أرى أنّه لم يبق في بيت مالي درهم واحد ... وأمّا اليمن، فو الله ما أحببتها، ولا أحبتني قطّ، وأمّا قضاعة فساداتها تنتظر السفياني، حتى تكون من
أشياعها، وأما ربيعة فساخطة على ربّها مذ بعث
الله نبيّه من مُضر(الكامل في التاريخ: 6 / 432، .). |
|
ثانياً : إضفاء
الشرعية على حكمه
|
|
إنّ شرعية الحاكم عند المسلمين مستمدة
من النص عليه من قبل رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وهو رأي أهل البيت (عليهم
السلام) أو من الشورى وموافقة أهل الحل والعقد، أو العهد من قبل السابق مشروطاً
برضى الأُمة المتأخّر عن زمن العهد وهو رأي بقية الفقهاء، وهؤلاء الفقهاء وإن
أقرّوا حكومة المأمون إلا أن إقرارهم كان نابعاً من الترغيب والترهيب، أو
استسلاماً منهم للأمر الواقع وعدم قدرتهم على إزالته . |
|
ثالثاً : منع الإمام
من الدعوة لنفسه
|
|
إن الإمام (ع) مسؤول عن دعوة الأُمة
للارتباط بالإمام الحق وبالمنهج الحق، والمتجسّد بإمامته وبمنهج أهل البيت
(عليهم السلام)، ولذلك فإنّه لا يتوانى عن هذه المسؤولية، ومن هنا كان تفكير
المأمون منصباً على منع الإمام من الدعوة لنفسه، أو تحجيم سعة الدعوة، والمتعارف
عليه أن ولي العهد يدعو للحاكم الفعلي ثم يدعو لنفسه، وقد عبّر المأمون عن
دوافعه بالقول : قد كان هذا الرجل مستتراً عنّا يدعو إلى نفسه دوننا، فأردنا أن
نجعله وليّ عهدنا ليكون دعاؤه إلينا(فرائد السمطين : 2 / 214 .). |
|
رابعاً : إبعاد
الإمام عن قواعده
|
|
وجود الإمام (عليه السلام) في العاصمة
إلى جنب المأمون يعني ابتعاده عن قواعده الشعبية، وتحجيم الفرص المتاحة للاجتماع
بوكلائه ونوّابه المنتشرين في شرق الأرض وغربها، وإبعاد الإمام (عليه السلام) عن
قواعده يعني التقليل من التوجيه والإرشاد المباشر لها، ومن خلال ذلك يمكن مراقبة
الإمام(عليه السلام) مراقبة دقيقةً ومعرفة تحركاته ولقاءاته اليومية، فقد قام
المأمون بتقريب هشام بن إبراهيم الراشدي، وقد كان ممّن يتقرّب إلى الإمام(عليه
السلام) ويحاول الاختصاص به وولاّه حجابة الإمام(عليه السلام)، فكان ينقل
الأخبار إليه، وكان يمنع من اتصال كثير من مواليه به، وكان لا يتكلم الإمام في
شيء إلاّ أورده هشام على المأمون(عيون أخبار الرضا: 2/153 ح 22 وعنه في بحار الأنوار : 49 /
139 .). |
|
خامساً : إيقاف خطر
الإمام على الحكم القائم
|
|
إن التفاف المسلمين حول الإمام (عليه
السلام) وتوسع قاعدته الشعبية كان يشكل
خطراً على الحكم القائم وخصوصاً أن الحكم قد خرج من معارك طاحنة بين الأمين
والمأمون، وبين المأمون والمعارضين، فقوة الإمام (عليه السلام) تعني ضعف
المأمون، وقد اعترف المأمون بذلك فقال : وقد خشينا إن تركناه على تلك الحالة أن
ينفتق علينا منه ما لا نسدّه، ويأتي علينا ما لا نطيقه(فرائد السمطين : 2 / 214 .). |
|
سادساً : تشويه سمعة
الإمام (عليه السلام)
|
|
أراد المأمون من خلال تولية الإمام (ع)
للعهد أن يشوه سمعته بالتدريج عن طريق عيونه ووسائل إعلامه، وقد كشف الإمام (ع)
هذه الحقيقة للمأمون بقوله : (تريد بذلك أن يقول
الناس إن علي بن موسى الرضا لم يزهد في الدنيا بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف
قبل ولاية العهد طمعاً بالخلافة)( علل الشرائع : 238 .). |
|
سابعاً : تفتيت جبهة
المعارضة
|
|
إن المعارضين لحكم المأمون
سينظرون إلى الإمام (ع) على أنه جزء من الحكومة القائمة،
وتتعمّق هذه النظرة حينما يجدون أن إخوة الإمام (ع) وأبناء عمومته قد أصبحوا
ولاة وأمراء على الأمصار، وبالفعل فقد عيّن المأمون العباس وإبراهيم أخويّ
الإمام (ع) ولاة على الكوفة واليمن(تاريخ ابن خلدون : 5 / 527، 532 .). |
|
أسباب قبول الإمام
(عليه السلام) بولاية العهد
|
|
قال المأمون للإمام الرضا (ع) : يا ابن
رسول الله قد عرفت فضلك وعلمك وزهدك وورعك وعبادتك، وأراك أحقّ بالخلافة منّي. فقال (عليه السلام) : (ما حمل جدي أمير المؤمنين (عليه السلام) على الدخول في
الشورى)(
عيون أخبار الرضا: 2 / 141 .). |
|
استثمار الإمام(عليه السلام) للظروف
|
|
أولاً : استثمار
الظروف لإقامة الدين وإحياء السنّة
|
|
إن الحرية النسبية الممنوحة للإمام
(عليه السلام) ولأهل بيته وأنصاره هي فرصة مناسبة لتبيان معالم الدين وإحياء
السنة، ونشر منهج أهل البيت (ع) في مختلف الأوساط الاجتماعية والسياسية، فالإمام
(عليه السلام) يمكنه التحرك في البلاط والالتقاء بالوزراء وقادة الجيش وخواص
المأمون، ويمكن لإخوانه الذين أصبحوا ولاة التحرك في أمصارهم، وكذلك أنصاره
يمكنهم التحرك في وسط الأُمة، وفي هذا الصدد قال
(عليه السلام) : (اللهم إنك قد نهيتني عن الإلقاء
بيدي إلى التهلكة، وقد أكرهت واضطررت كما أشرفت من قبل عبد الله المأمون على
القتل متى لم أقبل ولاية عهده ... اللهم لا عهد إلاّ عهدك، ولا ولاية إلاّ من
قبلك، فوفقني لإقامة دينك، وإحياء سنة نبيك محمد (صلَّى الله عليه وآله)، فإنك
أنت المولى وأنت النصير، ونعم المولى أنت ونعم النصير)( عيون أخبار الرضا : 1 /
19 .). وقد سمحت الظروف للإمام (عليه
السلام) لتبيان المنهج السليم أمام الوزراء والقضاة والفقهاء وأهل الديانات
الذين جمعهم المأمون لمناظرة الإمام، إضافة إلى قيامه بتوجيه المأمون إلى اتخاذ
الرأي والموقف الأصوب، وحل المسائل المستعصية . |
|
ثانياً : تعبئة
الطاقات
|
|
بعد فشل الثورات العلوية وانكسارها
عسكرياً، أصبح الظرف مناسباً لإعادة بناء قوّاتها، وتعبئة الطاقات عن طريق إيقاف
الملاحقة والمطاردة لها، فهي بحاجة إلى قسط من الراحة لإدامة التحرك فيما بعد،
وهذه المكاسب لا تتحقق إن لم يقبل الإمام (عليه السلام) بولاية العهد . |
|
ثالثاً : إفشال
مخططات المأمون
|
|
من المتوقع أن يقوم المأمون ـ في حالة
رفض الإمام(عليه السلام) لقبول ولاية العهد ـ بتولية العهد لأحد العلويين،
ويستثني عن إكراه الإمام (ع) وقتله، والعلوي الذي ينصبه ولياً للعهد، إما أن
يكون مساوماً وانتهازياً، أو مخلصاً قليل الوعي، أو مخلصاً معرّضاً للانزلاق في
مغريات السلطة، وفي جميع الحالات، فإنّ هذا الموقف سيؤدي إلى شق صفوف أنصار أهل
البيت (عليهم السلام)، أو توريط العلوي بممارسات خاطئة تؤدّي إلى تشويه سمعة أهل
البيت (عليهم السلام)، أو إلقاء المسؤولية عليه، وقد يؤدّي انزلاق من يتولى
العهد من العلويين إلى قيامه بمعارضة الإمام (عليه السلام) أو ملاحقة أتباعه
وأنصاره . |
|
رابعاً : تصحيح
الأفكار السياسية الخاطئة
|
|
من الأفكار السائدة عند كثير من
المسلمين هي عدم ارتباط الدين بالسياسة، وأنّه لا يليق بالأئمة والفقهاء أن
يكونوا سياسيين، أو يتولوا المناصب السياسية، وأن الزهد في الحكومة والخلافة هو
مقياس التقييم، وقد حاول العباسيون تركيز هذا المفهوم عند المسلمين، فأراد الإمام (عليه السلام) بقبوله بولاية العهد أن يصحح هذه
الأفكار السياسية الخاطئة ويوضّح للمسلمين وجوب التصدي للحكم إن كانت الظروف
مناسبة للتصدي . |
|
كيف تحقّقت البيعة
بولاية العهد ؟
|
|
بعد قبول الإمام الرضا (عليه السلام)
بولاية العهد مضطراً، جمع المأمون خواصه من الأمراء والوزراء والحجّاب والكتّاب
وأهل الحل والعقد، وأمر الفضل بن سهل أن يخبرهم حول ولاية العهد، وأن يلبسوا
الخضرة بدلاً من السواد، ثم أعطاهم استحقاقاتهم من الأموال لسنة متقدمة ثم
صرفهم، وبعد أسبوع حضر الناس وجلسوا، كلٌ في موضعه، وجلس المأمون ثم جيء بالإمام
الرضا (عليه السلام) فجلس وهو لابس الخضرة وعلى رأسه عمامة مقلد بسيف، فأمر
المأمون ابنه العباس بان يكون أول من يبايعه (ع)، فرفع الإمام (عليه السلام) يده
وحطها من فوق، فقال له المأمون: ابسط يدك فقال
الإمام (ع) : (هكذا كان يبايع رسول الله(صلَّى الله
عليه وآله) يضع يده فوق أيديهم)، فقال المأمون : افعل ما ترى . ثم وزعت
الهدايا على الحاضرين، وقام الخطباء والشعراء فذكروا ولاية العهد، وعدّدوا فضائل
ومآثر الإمام (عليه السلام) . |
|
فقرات من كتاب العهد
بخط المأمون
|
|
كتب المأمون كتاب العهد بخط يده، ووضّح
فيه سبب اختياره للإمام (ع)، وإليك فقرات منه : وكانت خيرته ... علي بن موسى
الرضا بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، لما رأى من
فضله البارع، وعلمه الذائع، وورعه الظاهر الشائع، وزهده الخالص النافع، وتخليته
من الدنيا، وتفرده عن الناس، وقد استبان ما لم تزل الأخبار عليه مطبقة والألسن
عليه متفقة والكلمة فيه جامعة، والأخبار واسعة ولما لم نزل نعرفه به من الفضل،
يافعاً وناشئاً وحدثاً وكهلاً، فلذلك عقد بالعهد والخلافة من بعده .. ودعا أمير
المؤمنين ولده وأهل بيته وخاصته، وقواده، وخدمه فبايعه الكل مطيعين مسارعين
مسرورين ...(
الفصول المهمة : 258 .). |
|
فقرات مكتوبة بظهر
كتاب العهد بخط الإمام (عليه السلام)
|
|
كتب الإمام بخطه على ظهر كتاب العهد
كتاباً جاء فيه: (... أنه جعل إليَّ عهده والإمرة الكبرى إن بقيت بعده ...
وخوفاً من شتات الدين واضطراب أمر المسلمين، وحذر فرصة تنتهز وناعقة تبتدر; جعلت
لله على نفسي عهداً إن استرعاني أمر المسلمين وقلدني خلافة العمل فيهم ... أن
أعمل فيهم بطاعة الله تعالى وطاعة رسوله (صلَّى الله عليه وآله)، ولا أسفك دماً
حراماً، ولا أبيح فرجاً، ولا مالاً إلاّ ما سفكته حدوده، وأباحته فرائضه، وأن
أتخير الكفاة جهدي وطاقتي ... وإن أحدثت أو غيّرت أو بدّلت كنت للعزل مستحقاً،
وللنكال متعرّضاً ... وما أدري ما يفعل بي وبكم، إن الحكم إلاّ لله، يقصّ الحق
وهو خير الفاصلين ...)( الفصول المهمة : 258 ـ 259 وانظر صورة الكتابين في عيون
أخبار الرضا: 2/154 ـ 159.). |
|
أوامر المأمون بعد
البيعة
|
|
أمر المأمون بطرح
السواد وهو شعار العباسيين، واستبداله بالخضرة،
وأمر الجميع بذلك وبالبيعة للإمام (ع) وكتب إلى الأمصار بذلك، وضرب الدراهم باسم
الإمام، فلما وصل كتابه إلى بغداد أجابه البعض
وامتنع البعض الآخر (الكامل في التاريخ : 6 / 326 .). (ولي عهد المسلمين علي بن موسى بن جعفر
بن محمد بن علي بن الحسين بن علي (عليهم السلام) . ستة آباءهم ما هم =
أفضل من يشرب صوب الغمام) ( عيون أخبار الرضا: 2/145 وفي مقاتل الطالبيين : 565 وفي الإرشاد :
2/262 والشعر للنابغة الذُبياني والمستشهد به حاكم المدينة عبد الجبّار سعيد
المُساحقي .) |
|
أحداث ما بعد البيعة
|
|
بحلول العيد أي بعد ثلاثة
وعشرين يوماً من كتابة العهد بعث المأمون إلى الإمام (عليه السلام) يسأله أن
يصلي بالناس صلاة العيد ويخطب ليطمئن قلوب الناس، ويعرفوا فضله، وتقرّ قلوبهم
على هذه الدولة، فبعث إليه الإمام
(ع) بالقول : (قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط
في دخولي في هذا الأمر)، فقال المأمون : إنما أريد بهذا أن يرسخ في قلوب
العامة والجند والشاكرية هذا الأمر، فتطمئن قلوبهم، ويقرّوا بما فضّلك الله به. وأمر المأمون القوّاد والناس فقعدوا
عند باب الإمام (ع) وفي الطرقات والسطوح، فلما طلعت الشمس، خرج الإمام متعمّماً
بعمامة بيضاء وألقى طرفاً منها على صدره وطرفاً بين كتفه، ورفع ثوبه وهو حاف،
ومعه مواليه على نفس الحالة، ثم رفع رأسه إلى السماء، وكبّر أربع تكبيرات، وقال
: (الله أكبر الله أكبر الله أكبر على ما هدانا، الله
أكبر على ما رزقنا ...) ورفع صوته فأجهش الناس بالبكاء والعويل، ونزل
القوّاد عن دوابهم وترجّلوا، وضجّت مرو ضجّة واحدة، ولم يتمالك الناس من البكاء
والضجيج، وكان الإمام (ع) يمشي ويقف في كل عشر خطوات وقفة، ولما سمع المأمون
بذلك، قال له الفضل بن سهل : يا أمير المؤمنين
إن بلغ الرضا المصلّى على هذا السبيل افتتن به الناس، فالرأي أن تسأله أن يرجع،
فبعث إليه وسأله الرجوع، فدعا الإمام (عليه السلام) بخفّه فلبسه ورجع (عيون أخبار الرضا : 2 /
150 ـ 151 .). |
|
مكتسبات القبول بولاية العهد
|
|
إن الموقف الذي يتخذه الإمام (عليه
السلام) لابد من اشتماله على مصلحة ذات عائد مقبول للإسلام والمسلمين ولأتباع
أهل البيت (عليهم السلام)، وقد حصل الإمام(عليه السلام) على مكتسبات عديدة بعد
اضطراره للقبول بولاية العهد، ولولا قبوله لما تحققت تلك المكتسبات، ومن هذه
المكتسبات : |
|
أوّلاً : اعتراف
المأمون بأحقيّة أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
قام الأمويون ومن بعدهم العباسيون
بمحاولة طمس فضائل أهل البيت (ع) والتقليل من شأنهم، واستخدموا جيمع طاقاتهم
للحد من ذلك، تحت الترغيب والترهيب، ولكنّ الوضع تغيّر بعد قبول الإمام (ع)
بولاية العهد، فقد قام المأمون بتوضيح هذه الفضائل، وتوضيح مظلومية أهل البيت
(ع) من قبل الحكّام السابقين . |
|
ثانياً : توظيف وسائل
الإعلام لصالح الإمام (عليه السلام)
|
|
وظّف المأمون وسائل الإعلام لصالح
الإمام (عليه السلام) فأصبح من أكثر الناس شيوعاً صيتهُ، وتحققت معرفة المسلمين
وغير المسلمين به، فالولاة والأمراء
وأئمة الجمعة، يدعون له من على المنابر كل يوم وكل جمعة وكل مناسبة، إضافة إلى
طبع اسمه على الدارهم والدنانير المعمول بها في جميع الأمصار، ووجد الخطباء
والشعراء الفرصة مناسبة للترويج لشخصية الإمام(عليه السلام) وآبائه وأجداده،
فكثرت الخطب والأشعار المادحة له، والذاكرة لفضائله وفضائل أهل بيته، وانتشرت في
جميع الأمصار، وهذا إن دل على شيء فإنما يدلّ على تعميق الارتباط بالإمام (عليه
السلام) وتبنّي أفكاره وآرائه المطابقة للمنهج الإسلامي السليم، ولولا قبوله
بولاية العهد لما كان ذلك بالصورة الأوسع والأمثل، مادامت وسائل الإعلام الرسمية
موجودة في جميع الأمصار، دون الحاجة إلى بث الدعاة لمنهجه ومنهج أهل بيته (عليهم
السلام) . أُلام على حب الوصيّ أبي الحسن = وذلك عندي من عجائب ذي الزمن خليفة خير الناس والأوّل الذي
= أعان رسول الله في السر والعلن وقال أيضاً: لا تقبل التوبة من تائب =
إلاّ بحب ابن أبي طالب أخو رسول الله حلف الهدى = والأخ فوق الخل والصاحب (تذكرة
الخواص: 320 عن كتاب الأوراق للصولي .) وهذا الشعر وغيره من مدائح المأمون
لأهل البيت (عليهم السلام) قد أثمر فيما بعد، حتى إنه بعد استشهاد الإمام (عليه
السلام) بثمان سنين أي في سنة (211 هـ) أمر المأمون أن ينادى : |
|
ثالثاً : حرية الإمام
(عليه السلام) في مناظرة أهل الأديان والمذاهب
|
|
منح المأمون نوعاً من
الحرية للإمام (عليه السلام) للتحدث بما يؤمن به من أفكار ومعتقدات وآراء سياسية
، وأمر المأمون الفضل بن سهل أن يجمع للإمام (عليه السلام) أصحاب المقالات :
ومنهم : الجاثليق وهو رئيس الأساقفة ، (معرّب : كاثوليك) ورأس الجالوت عالم
اليهود ، ورؤساء الصابئين ، وعظماء الهنود من أبناء المجوس ، وأصحاب زردشت ،
وعلماء الروم ، والمتكلمين ، وقد احتجّ الإمام (عليه السلام) بالكتب المعتبرة
عندهم ، وقد اعترف الجميع بأعلمية الإمام (ع) ، بعد ان فنّد حججهم ، فأذعنوا
لقوله ، واعترفوا بصحة أفكاره وآرائه . |
|
رابعاً : نشر مفاهيم
أهل البيت (عليهم السلام) وفضائلهم
|
|
استثمر الإمام (عليه السلام) الفرصة
المتاحة له لنشر مفاهيم أهل البيت (عليهم السلام) ونشر فضائلهم ، وخصوصاً بين
الفقهاء والقضاة والقوّاد والوزراء ، ومن يرتبط بالبلاط الحاكم بصلة . وذكر (ع) في لقاءاته المختلفة وفي أجوبته
المتعددة صفات الإمام ، ووحدة الإمامة ، وواجبات وحقوق الإمام لكي يعطي للأمة
الفرصة لتشخيص الإمام الحقّ وإن لم يكن مبسوط اليد ، فليس كل من استلم الحكم
أصبح إماماً ، وإنما الإمام له صفات خاصة ثابتة في الإسلام ومنها أن يكون (أعلم الناس وأحكم الناس وأتقى الناس ، وأحلم الناس ، وأشجع
الناس ، وأسخى الناس ، وأعبد الناس) (عيون أخبار الرضا : 1 / 213 .)
. |
|
خامساً : حقن دماء
أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
من مكتسبات قبول ولاية العهد من قبل
الإمام (عليه السلام) هو حقن دماء أهل البيت (عليهم السلام) ، فقد قام المأمون
تقرباً للإمام (عليه السلام) بإعلان العفو العام عن جميع قادة الثورات ، ومنهم
زيد أخو الإمام (عليه السلام) وإبراهيم ، ومحمد بن جعفر ، وأردف العفو بتنصيب
بعضهم ولاة في بعض الأمصار ، فكانت خير فرصة لهم للقيام بإصلاح الأوضاع بصورة
سلمية هادئة ، وخير فرصة لإعادة بناء القاعدة الشعبية الموالية لأهل البيت
(عليهم السلام) وتنظيم صفوفها ، والاستفادة من الإمكانيات المتاحة لتطوير الحركة
الرسالية ، ولولا قبول الإمام (عليه السلام) بولاية
العهد لسفكت دماء كثيرة قبل أن تؤدّي دورها ومسيرتها في داخل الأُمة ، فقد
جاء قبول الإمام (عليه السلام) في وقت كان خط أهل البيت (عليهم السلام) بحاجة إلى قسط من التفرّغ للعمل الرسالي السلمي بعيداً عن شهر
السلاح الذي يكلّف كثيراً ويربك الأوضاع الداخلية له. |
|
الفصل الثاني: نشاطات الإمام
الرضا (عليه السلام) بعد البيعة بولاية العهد
|
|
لم يحصل المأمون من
بيعته للإمام الرضا (عليه السلام) إلاّ على بعض الامتيازات والمكاسب والتي منها
إيقاف العمليات العسكرية المسلحة، وقطع علاقة الإمام (عليه السلام) بأغلب قواعده
الشعبية المقيمة في العراق وفي الحجاز واليمن، وأمّا الإمام (عليه السلام) ومنهج
أهل البيت (عليهم السلام) فقد حصلا على امتيازات واسعة، واستثمر الإمام (عليه السلام) الفرصة للقيام بأداء دوره الإصلاحي والتغييري
بشكل كبير، وتتحدد معالم هذه المرحلة بالمظاهر والممارسات التالية : |
|
إفشال خطط المأمون
|
|
أراد المأمون أن يجعل
الإمام (عليه السلام) وسيلة لإضفاء الشرعية على حكمه، وإيقاف نشاط الحركات
الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، وقد طلب من الإمام (عليه السلام) أن يولّي
أحد أتباعه على البلدان التي تمرّدت على حكمه، ولكي يوقف تمرّدها حينما يكون
الوالي من أنصار وأتباع الإمام (عليه السلام)، أو يجعل المعارضة وجهاً لوجه أمام
بعضها البعض . |
|
إصلاح القضاء
|
|
كان المأمون يجلس في ديوان المظالم يوم
الاثنين ويوم الخميس، ويجلس الإمام (عليه السلام) إلى جانبه الأيمن، فرفع إليه
أن صوفياً من أهل الكوفة سرق، فأمر بإحضاره فرأى عليه سيماء الخير فقال : سوءاً
لهذه الآثار الجميلة بهذا الفعل القبيح، فقال الرجل : فعلت ذلك اضطراراً لا
اختياراً، وقد منعت من الخمس والغنائم، فمنعتني حقي وأنا مسكين وابن السبيل وأنا
من حملة القرآن . قال: فابدأ أوّلاً
بنفسك فطهرها ثم طهّر غيرك، وأقم حدود الله عليها ثم على غيرك . |
|
إصلاح الأعمال
الإدارية
|
|
لم يتدخل الإمام (عليه السلام) في
الشؤون الإدارية إلاّ في الحالات التي كان يجد فيها مصلحة إسلامية عامة تخص
الإسلام والمسلمين، وتمنع الأعداء من اختراق الجهاز الإداري أو الحكومي، فكان
يبدي نصائحه وتوجيهاته القيّمة في هذا المجال . |
|
نشر الآراء السديدة
في داخل البلاط
|
|
استثمر الإمام (عليه
السلام) فرصة وجوده في البلاط الحاكم لنشر الآراء السديدة في مختلف جوانب الفكر
والعقيدة، ليطّلع الحاكم ووزراؤه والمقربون إليه من قادة وأمراء وفقهاء وخدم
وبوّابين على آراء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ومتبنياتهم الفكرية
والعقائدية، وفضائلهم ومكارمهم . |
|
نصائح الإمام الرضا
(عليه السلام) للمأمون
|
|
وكان الإمام (عليه
السلام) يكثر وعظ المأمون إذا خلا به، ويخوفه بالله، ويقبّح ما يرتكبه به، فكان
المأمون يظهر قبول ذلك منه، ويبطن كراهته واستثقاله(الإرشاد : 2/269 .). |
|
الحفاظ على الوجود
الإسلامي
|
|
من مسؤوليات الأئمة
(عليهم السلام) ـ بعد إقصائهم عن الخلافة ـ الحفاظ على الوجود الإسلامي وحمايته
أمام مؤامرات الأعداء والطامعين، فقد كانوا (عليهم السلام) يبذلون ما بوسعهم من
أجل ذلك، ويقومون بحل المسائل المستعصية على الحكّام من أجل إدامة الوجود
والكيان الإسلامي، ومنعه من الانهيار والتفكك. ومن ذلك كشف مؤامرة الفضل بن سهل،
حيث إنه أراد قتل المأمون، فلم يسمع كلامه ولعنه وكان قصد الفضل هو السيطرة على
الحكم، واستغلال الإمام (عليه السلام) لإسكات المسلمين ويبقى الإمام (عليه
السلام) حاكماً محجوراً عليه في البلاط، ويكون الفضل هو الحاكم الفعلي، إضافة
إلى ذلك فإن مثل هذا العمل يؤدّي إلى انقسام خطير في الكيان الإسلامي، وتفتيت
لوحدة الأمة والدولة، فقام الإمام (عليه السلام) بتحذير المأمون من الفضل وأن
يتعامل معه بحيطة وحذر(عيون أخبار الرضا : 2 / 167 .)
لأن المقصود هو الكيان الإسلامي وليس شخص المأمون . |
|
إظهار الكرامات
واستثمارها في الإصلاح
|
|
وبعد البيعة ظهرت
كرامات الإمام (عليه السلام) فاستثمرها (عليه السلام) في إصلاح الناس بإرشادهم
وتوجيههم، ففي بداية ولاية العهد احتبس المطر، فجعل بعض حاشية المأمون والمبغضين
للإمام (عليه السلام) يقولون : انظروا لمّا جاءنا علي بن موسى وصار ولي عهدنا،
حبس الله عنّا المطر، وسمع المأمون بذلك فاشتدّ عليه، وطلب من الإمام (عليه
السلام) أن يدعو الله لكي يمطر الناس، فخرج (عليه السلام) إلى الصحراء وخرج
الناس ينظرون، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : (اللهم يا رب أنت عظّمت حقنا أهل البيت، فتوسّلوا بنا كما
أمرت وأمّلوا فضلك ورحمتك وتوقّعوا إحسانك ونعمتك، فاسقهم سقياً نافعاً عاماً
غير رايث، ولا ضائر، وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى منازلهم
ومقارّهم) . |
|
تشجيع الشعراء
الرساليين
|
|
ومن أجل نشر فضائل أهل البيت (ع)
ودورهم الريادي في الأمة، وتبيان مظلوميتهم على مرّ التاريخ; شجّع الإمام (ع)
الشعراء على نظم الشعر في هذا الخصوص لأنه خير وسيلة إعلامية في ذلك العصر،
لسرعة انتشاره وسهولة حفظه وإنشاده، فقد دخل عليه
الشاعر دعبل الخزاعي وأنشده قصيدته التي جاء فيها : مدارس آيات خلت من تلاوة =
ومنزل وحي مقفر العرصات منازل جبريل الأمين يحلها = من الله بالتسليم والرحمات ثم بدأ بإبراز
مظلوميتهم وما جرى عليهم من قبل الحكّام المتعاقبين على الحكم، ثم ختم القصيدة
بخروج الإمام العادل الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً وهو الإمام المهدي الذي
تنتظره الأمم والشعوب . |
|
النشاطات العلميّة
للإمام الرضا(عليه السلام)
|
|
إنّ الإمام (عليه السلام) وإن كان يعيش
تحت رقابة شديدة، إلاّ أن ذلك لم يكن ليمنعه من ممارسة دوره العلمي في الأوساط
التي كان يعيش فيها، وبالنسبة لكل من يلتقي معه من الوزراء والفقهاء والقضاة
وأمراء الجيش فضلاً عن الخدم وسائر الناس. ممّا كتبه الإمام الرضا(عليه
السلام) للمأمون رسالة في محض الإسلام وشرائع الدين،
وبيّن لآخرين علل الشرائع كالصلاة والصوم والحج والزكاة والخمس والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، وأسباب تحريم الموبقات والمنكرات، كما كتب رسالة في الطب
وأرسلها إلى المأمون فكتبها المأمون بماء الذهب. |
|
الإمام(عليه السلام)
والمستقبل
|
|
إن دور الإمام (ع)
لا يتحدد بحدود المرحلة الزمنية التي يعاصرها، بل يمتد بامتداد الزمان، فله دور
مرحلي، ودور شمولي، فهو المسؤول عن ثبات المنهج الإسلامي وخلوده مع الزمن، وحفظه
من التشويه والتحريف، ومن هنا فان دور الإمام ينصبّ في
المهام التالية : |
|
النصّ على إمامة
محمّد الجواد(عليه السلام)
|
|
نصّ الإمام الرضا(عليه السلام) على إمامة
ابنه محمّد الجواد قبل أن يولد واستمر بالتنصيص عليه رغم السنوات القليلة التي
عاشها الجواد مع أبيه الرضا(عليه السلام). 3 ـ
وعن معمر بن خلاّد قال : سمعت الرضا (عليه السلام) وذكر شيئاً، فقال : (ما حاجتكم إلى ذلك، هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته
مكاني إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة)( الكافي : 1 / 320 ،
الفصول المهمة : 265 .). وقد نصّ (عليه السلام) على إمامة
الإمام الجواد (عليه السلام) بالشكل الذي تثبت إمامته عند المقربين من الإمام
(عليه السلام) وأتباعه المخلصين، والكوادر الرسالية التي أعدها للمستقبل،
ووكلائه الثقاة . |
|
الإعداد لدولة
المهديّ المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه)
|
|
إنّ إمامة الإمام المهدي(ع)
من الحقائق الثابتة عند المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وهو المصلح الأكبر والمنقذ
الأعظم للبشرية من شتّى أنواع الانحراف، وهو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد
امتلائها ظلماً وجوراً. كما قال (صلَّى الله عليه وآله) : (المهدي من عترتي من ولد فاطمة)( سنن ابي داود : 4 /
107، سنن ابن ماجة : 2 / 1368، عقد الدرر : 42 .)،
وقال: (المهدي من ولد الحسين)( عقد الدرر : 46، كفاية
الطالب : 503 .). وقد أشخص الحكّام من بعد المأمون
الأئمة الباقين إلى مركز حكمهم كالإمام الجواد(عليه السلام) والإمامين الهادي
والعسكري(عليهما السلام)( والملفت للنظر لدى الباحث التاريخي أن الأئمة من بعد
الرضا(ع) لم يولد لهم مثل ما ولد لآبائهم من قبل، وهو شاهد على مدى تحديدهم
وإحكام الرقابة عليهم، وكما أنه مؤشّر إلى تخوّف الحكّام منهم خشية من ظهور
المهدي الموعود من بين أبنائهم(عليهم السلام) .). وهذه المواقف التي
كانت تبدر من السلطة والتحفّظات الكثيرة هي التي جعلت الإمام المهدي(عليه
السلام) يختفي دون أن تقوم السلطات باعتقاله، وهي نتيجة للتخطيط الدقيق الذي كان
قد بدأه الإمام الرضا(ع) وتلميحاته وتصريحاته السرية في خصوص الإيمان
بالمهدي(عليه السلام) وولادته واسمه . وقد تابع الأئمة من بعده نفس التخطيط، دون
أن تشعر بهم السلطات القائمة . |
|
اغتيال الإمام الرضا
(عليه السلام)
|
|
لقد كان الإمام الرضا(عليه السلام)
يعلم بأنه سوف يُقتل، وذلك لروايات وردت عن آبائه عن رسول الله(صلَّى الله عليه
وآله)، إضافة إلى الإلهام الإلهي له، لوصوله إلى قمة السموّ والارتقاء الروحي.
ولا غرابة في ذلك، فقد شاهدنا في حياتنا المعاصرة أن بعض الأتقياء يحدّدون أيام
وفاتهم أو سنة وفاتهم، لرؤيا رأوها أو لإلهام إلهي غير منظور. فما المانع أن
يعلم الإمام الرضا (عليه السلام) بمقتله وهو الشخصية العظيمة التي ارتبطت بالله
تعالى ارتباطاً حقيقياً في سكناتها وحركاتها، وأخلصت له إخلاصاً تاماً . (وقبر ببغداد لنفس زكية = تضمّنها الرحمن في الغرفات قال له الإمام (عليه السلام) : (أفلا اُلحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟ وقبر بطوس يا لها من مصيبة
= توقد في الأحشاء بالحرقات فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا القبر
الذي بطوس قبر من هو ؟ |
|
الأدلة على شهادته
مسموماً
|
|
اختلفت الروايات في سبب موت الإمام (ع)
بين الموت الطبيعي وبين السمّ، وقال الأكثر إنّه مات
مسموماً، وفيما يلي نستعرض بعض الروايات ـ
الدالة على ذلك ـ باختصار . ولما كان
اليوم الثاني اجتمع الناس وقالوا :
إن هذا قتله واغتاله، يعنون المأمون(عيون أخبار الرضا : 2 / 241 .). |
|
أسباب إقدام المأمون
على سمّ الإمام(عليه السلام) واغتياله
|
|
من الأسباب التي دعت المأمون
إلى سمّ الإمام انّه لم يحصل على ما
أراد من توليته للعهد، فقد حدثت له فتنة جديدة وهي تمرّد العباسيين عليه،
ومحاولتهم القضاء عليه . ومن الأسباب التي وردت عن
أحمد بن علي الأنصاري عن أبي الصلت الهروي في قوله
: (... وجعل له ولاية العهد من بعده ليرى الناس أنه راغب في الدنيا; فيسقط محلّه
من نفوسهم، فلمّا لم يظهر منه في ذلك للناس إلا ما ازداد به فضلاً عندهم،
ومحلاًّ في نفوسهم، وجلب عليه المتكلمين من البلدان طمعاً من أن يقطعه واحد منهم
فيسقط محله عند العلماء، وبسببهم يشتهر نقصه عند العامة، فكان لا يكلمه خصم من
اليهود والنصارى والمجوس والصابئية والبراهمة والملحدين والدهرية، ولا خصم من
فرق المسلمين المخالفين إلا قطعه وألزمه الحجة . أرى
أمية معذورين إن قتلوا = ولا
أرى لبني العباس من عذر (عيون أخبار
الرضا : 2 / 251 .) وكانت شهادة
الإمام الرضا (عليه السلام) في آخر صفر سنة (203 هـ) كما
ذكر على ذلك أغلب الرواة والمؤرخين . |
|
كرامة زيارته
|
|
قال ابن حبّان : قد
زرته مراراً كثيرة، وما حلّت بي شدّة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى
الرضا، صلوات الله على جده وعليه ودعوت الله إزالتها
عني إلا استجيب لي، وزالت عني تلك الشدة، وهذا شيء جربته مراراً، فوجدته كذلك(الثقات
: 8 / 457 .). |
|
الفصل الثالث: مدرسة الإمام
الرضا(عليه السلام) احتجاجاته وتراثه
|
|
عاش الإمام الرضا(عليه السلام) في عصر
انفتاح الأمة الإسلامية على تراث الأمم الأخرى التي أخذت تدخل في حاضرة المسلمين
وتساهم معهم في بناء صرح حضارتهم الإسلامية. |
|
البحث الأول: مدرسة
الإمام الرضا(عليه السلام)
|
|
يتراوح عدد الرواة عن الإمام الرضا
(عليه السلام) كما جاء في المصادر الموجودة بأيدينا بين (313) إلى (367) راوياً.
وهؤلاء يعتبرون طلاّب مدرسته والمتخرجين على يديه. وقد أحصى عددهم صاحب مسند
الإمام الرضا وترجم لِـ 313 راوياً منهم بشكل موجز جدّاً استناداً إلى ما جاء
لهم من ذكر في أسناد روايات المسند . |
|
البحث الثاني:
احتجاجات الإمام الرضا(عليه السلام)
|
|
إن انفتاح الأمة الإسلامية على الأمم
والثقافات الأخرى ـ بأيّ سبب كان (قد يكون هذا الانفتاح نتيجة طبيعية لدخول الأمم الأخرى في
الحاضرة الإسلامية بعد اعتناق الإسلام أو معايشتها للمسلمين، وقد يكون السبب
محاولة الاختراق منهم رغم الفتوحات الإسلامية التي أنتجت خضوعهم للدولة
الإسلامية، كما يحتمل أن يكون للخلفاء دور في التشجيع على الترجمة للتراث الآخر
رغبةً منهم في التوسع العلمي والاطلاع على سائر الثقافات أو رغبة منهم لانشغال
طلاّب العلم بالثقافات الأخرى لئلا يتفرّغوا للتوجه إلى معين أهل البيت (عليهم
السلام) الرسالي، لأنّ هذا التوجه سيؤدي إلى مرجعيتهم العلمية والتي تستتبعها
مرجعيتهم السياسية ولو بعد فترة طويلة، وهذا مما لا يروق لهم بحال من الأحوال.) ـ كان يتطلّب من القيادة الرساليّة التي كانت
مهمّتها الأولى صيانة الرسالة الإسلامية والأمة المسلمة من الانهيار والسقوط أن
تقوم بتحصين الأمة والمجتمع الإسلامي تحصيناً علمياً وثقافياً يجعلها تصمد أمام
الاختراق الثقافي المقصود أو غير المقصود. |
|
1 ـ حواره مع الثنوية
|
|
روى الصدوق عن الفضل بن
شاذان: سأل رجلٌ من الثنوية أبا الحسن
علي بن موسى الرضا(ع) وأنا حاضر فقال له: إنّي أقول: إنّ صانع العالم اثنان فما
الدّليل على أنّه واحد؟ فقال: (قولك: إنّه اثنان دليل
على أنّه واحد لأنّك لم تدّع الثاني إلاّ بعد إثباتك الواحد، فالواحد مجمع عليه
وأكثر من واحد مختلف فيه) (التوحيد: 250 .) .
|
|
2 ـ حواره مع أصحاب الأديان
|
|
قال الحسن بن محمد
النوفليّ: لمّا قدم علي بن موسى الرضا(عليه
السلام) إلى المأمون أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق
ورأس الجالوت ورؤساء الصابئين والهربذ الأكبر، وأصحاب زردهشت وقسطاس الرّومي
والمتكلّمين ليسمع كلامه وكلامهم فجمعهم الفضل بن سهل، ثم أعلم المأمون
باجتماعهم، فقال: أدخلهم عليّ، ففعل، فرحّب بهم المأمون . قال الجاثليق: لا أنكر ما قد بان لي في
الإنجيل وإنّي لمقرّ به. قال الرضا (عليه السلام) : فما تقول في شهادة الوقا ، ومرقابوس ومتي على عيسى وما
نسبوه إليه ؟ فقال له الرضا (عليه السلام) : هل جاءكم من إخوة بني إسرائيل نبي غير محمد (صلّى الله عليه
وآله) . قال رأس الجالوت : قد قال ذلك حيقوق
(عليه السلام) ولا ننكر قوله . قال الرضا (ع) : فكيف أقررتم بالأنبياء الذين كانوا قبل موسى (ع) ولم يفلقوا
البحر ولم يفجروا من الحجر اثنتي عشرة عيناً ، ولم يخرجوا أيديهم بيضاء مثل
إخراج موسى يده بيضاء ولم يقلب العصا حيّة تسعى ؟! قال الرضا (عليه السلام) : فالشاهد الذي شهد لعيسى ولمحمد (صلّى الله عليه وآله) شاهد
زور . قال عمران : لابدّ من ذلك . قال الرضا (عليه السلام) : مشيّته واسمه وصفته وما أشبه ذلك ، وكلّ ذلك محدث مخلوق
مدبّر . قال الرضا (عليه السلام) : فأرناه ؟ فلم يحر جواباً . والحروف هي المفعول بذلك
الفعل وهي الحروف التي عليها الكلام والعبارات كلّها من الله عَزَّ وجَلَّ ،
علّمها خلقه ، وهي ثلاثة وثلاثون حرفاً ، فمنها ثمانية وعشرون حرفاً تدل على
اللغات السريانيّة ، والعبرانيّة ، ومنها خمسة أحرف متحرّفة في سائر اللغات من
العجم لأقاليم اللغات كلّها وهي خمسة أحرف تحرّفت من الثمانية والعشرين الحرف من
اللغات فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفاً . قال عمران : فكيف لنا بمعرفة ذلك ؟ قال الرضا (عليه
السلام) : واعلم أنّه لا يكون صفة لغير موصوف ولا اسم
لغير معنى ولا حدّ لغير محدود ، والصفات والأسماء كلّها تدلّ على الكمال والوجود
ولا تدلّ على الإحاطة كما تدلّ على الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس ،
لأنّ الله عَزَّ وجَلَّ وتقدّس تدرك معرفته بالصفات والأسماء ، ولا تدرك
بالتحديد بالطول والعرض والقلّة والكثرة واللّون والوزن وما أشبه ذلك ، وليس
يحلّ بالله جلّ وتقدّس شيء من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي
ذكرنا . قال : سل
عمّا أردت . |
|
3 ـ حواره مع علي بن الجهم
|
|
عن علي بن إبراهيم بن هاشم
عن القاسم بن محمد البرمكي عن أبي الصلت الهروي :
أن المأمون لما جمع لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام) أهل المقالات من أهل
الإسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وساير أهل المقالات فلم
يقم أحد إلاّ وقد ألزمه حجّته كأنّه قد ألقم حجراً . |
|
4 ـ حواره مع صاحب الجاثليق
|
|
عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ،
عن صفوان بن يحيى صاحب السابريّ ، قال : سألني أبو قرّة صاحب الجاثليق أن أوصله
إلى الرضا (عليه السلام) فستأذنته في ذلك . فقال (عليه السلام) : أدخله عليّ . فلما دخل عليه قبّل بساطه وقال : هكذا
علينا في ديننا أن نفعل بأشراف أهل زماننا ، ثم قال : أصلحك الله ما تقول في
فرقة ادّعت دعوى فشهدت لهم فرقة أخرى معدّلون ؟ |
|
5 ـ حواره مع أرباب المذاهب الإسلامية
|
|
لما حضر عليُّ بن موسى الرضا (عليهما
السلام) مجلس المأمون وقد اجتمع فيه جماعة علماء أهل العراق وخراسان . فقال
المأمون : (أخبروني عن معنى هذه الآية (ثُمَّ
أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)( سورة فاطر (35): 32 .) ؟ فقال الرضا (عليه السلام) : أخبروني هل تحرم الصدقة على آل محمد ؟ ثمَّ قال أبو الحسن(عليه السلام) : حدثني أبي، عن جدّي، عن آبائه، عن الحسين بن علي (عليهم
السلام) قال : اجتمع المهاجرون والأنصار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فقالوا : إن لك يا رسول الله مؤونةً في نفقتك وفيمن يأتيك من الوفود وهذه
أموالنا مع دمائنا فاحكم بها بارَّاً مأجوراً، أعطِ ما شئت وأمسك ما شئت من غير
حرج . فأنزل الله عَزَّ وجَلَّ عليه الروح الأمين فقال : يا محمد (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا
الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) لا تؤذوا قرابتي
من بعدي، فخرجوا ، فقال أناس منهم : ما حمل رسول الله على ترك ما عرضنا عليه إلا
ليحُثَّنا على قرابته من بعده إن هو إلاّ شيء افتراه في مجلسه وكان ذلك من قولهم
عظيماً . فأنزل الله هذه الآية (أَمْ
يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ
اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيداً
بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)( الأحقاف (46): 7 .) فبعث إليهم النبي (ص)
فقال : هل من حدث؟ فقالوا : إي والله يا رسول الله، لقد تكلّم بعضنا كلاماً
عظيماً [فـ]ـكرهناه،
فتلا عليهم رسول الله فبكوا واشتدَّ بكاؤهم، فأنزل الله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو
عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)( الشورى (42): 25 .)
فهذه السادسة
. فقال المأمون : هذا ما لا اختلاف فيه
[أصلا] وعليه الإجماع فهل عندك في الآل شيء أوضح من هذا القرآن ؟ قال أبو الحسن (عليه السلام) : أخبروني عن قول الله :
(يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ)( يس (36): 1 ـ 4 .)
فمن عنى بقوله: يس؟ قال العلماء : يس محمد ليس
فيه شك . قال أبو الحسن (عليه السلام) : أعطى الله
محمداً وآل محمد من ذلك فضلاً لم يبلغ أحدٌ كنه وصفه لمن عقله وذلك أنَّ الله لم
يسلّم على أحد إلاّ على الأنبياء [صلوات
الله عليهم] فقال تبارك وتعالى : (سَلَامٌ عَلَى
نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ)( الصافات (37): 77 . أي سلام ثابت أو مستمر أو مستقر على نوح
في العالمين من الملائكة والجن والانس .)
وقال : (سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ)( الصافات (37): 109 .) وقال : (سَلَامٌ عَلَى
مُوسَى وَهَارُونَ)( الصافات (37): 120 .)
ولم يقل : سلامٌ على آل نوح ولم يقل : سلامٌ على آل
إبراهيم ولا قال : سلامٌ على آل موسى وهارون; وقال عَزَّ وجَلَّ : (سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ)( الصافات (37): 130 .) يعني آل محمد
. فقال المأمون : لقد علمت أنَّ في معدن النبوة شرح هذا وبيانه . فهذه السابعة . وأمّا الثانية عشرة فقوله
: (وَأْمُرْ
أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)( طه (20): 132 .) فخصّنا بهذه الخصوصية إذ أمرنا مع أمره، ثم خصَّنا دون
الأمة، فكان رسول الله (ص) يجيء إلى باب عليٍّ وفاطمة (ع) بعد نزول هذه الآية
تسعة أشهر في كل يوم عند حضور كل صلاة خمس مرّات فيقول الصلاةَ يرحمكم الله، وما
أكرم الله أحداً من ذراري الأنبياء بهذه الكرامة التي أكرمنا الله بها وخصّنا من
جميع أهل بيته فهذا فرق ما بين الآل والأمة. وصلّى الله على ذرّيته والحمد لله
رب العالمين وصلّى الله على محمد نبيه(تحف العقول: 313 .)
. |
|
6 ـ حواره مع المأمون
|
|
عن أبي الصلت الهروي قال :
قال المأمون يوماً للرضا(عليه السلام) : يا أبا الحسن أخبرني عن جدّك أمير
المؤمنين بأيّ وجه هو قسيم الجنّة والنار؟ وبأي معنى ؟ فقد كثر فكري في ذلك ! |
|
7 ـ حواره مع متكلمي الفرق الإسلامية
|
|
عن الحسن بن الجهم، قال : (حضرت مجلس
المأمون يوماً وعنده عليّ ابن موسى الرضا (ع) وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام من
الفرق المختلفة فسأله بعضهم، فقال له : يابن رسول الله بأيّ شيء تصح الإمامة
لمدّعيها ؟ قال له المأمون : يا أبا الحسن بلغني
أنَّ قوماً يغلون فيكم ويتجاوزون فيكم الحدّ ؟ فقال الرضا (عليه السلام) : (حدَّثني أبي موسى بن جعفر; عن أبيه، عن جعفر بن محمد عن
أبيه محمد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ عن أبيه علي
بن أبي طالب (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا
ترفعوني فوق حقّي فإنَّ الله تبارك وتعالى اتّخذني عبداً قبل أن يتخذني نبياً . فقال المأمون : يا أبا الحسن فما تقول
في الرّجعة ؟ فقال الرضا (عليه السلام) : إنها لحقّ قد كانت في الأمم السالفة ونطق به القرآن وقد قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكون في هذه الأمة كلّ ما كان في الأمم السالفة
حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة . قال (عليه السلام) : إذا خرج المهدي من ولدي
نزل عيسى بن مريم (عليه السلام) فصلّى خلفه . وقال (عليه السلام) : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) إنَّ الإسلام بدأ غريباً
وسيعود غريباً فطوبى للغرباء . قيل : يا رسول الله ثمّ يكون ماذا؟ قال: ثمّ يرجع
الحق إلى أهله. فقال المأمون : يا أبا الحسن فما تقول
في القائلين بالتناسخ ؟ فقال الرضا (عليه السلام) : من قال بالتناسخ فهو كافر بالله العظيم مكذّب بالجنة والنار. قال المأمون : ما تقول في المسوخ ؟ قال الرضا (عليه السلام) : أولئك قوم غضب الله عليهم، فمسخهم، فعاشوا ثلاثة أيام ثم
ماتوا ولم يتناسلوا، فما يوجد في الدنيا من القردة والخنازير وغير ذلك مما وقع
عليهم اسم المسوخيّة فهو مثل ما لا يحلّ أكلها والانتفاع بها. قال المأمون : لا أبقاني الله بعدك يا
أبا الحسن، فو الله ما يوجد العلم الصحيح إلا عند أهل هذا البيت وإليك انتهت
علوم آبائك فجزاك الله عن الإسلام وأهله خيراً. قال الحسن بن الجهم : فلما قام الرضا
(ع) تبعته فانصرف إلى منزله، فدخلت عليه وقلت له : يا ابن رسول الله، الحمد لله
الذي وهب لك من جميل رأي أمير المؤمنين ما حمله على ما أرى من إكرامه لك وقبوله
لقولك . فقال (ع) : يابن الجهم لا يغرنَّك ما ألفيته عليه من إكرامي والاستماع
منّي فإنه سيقتلني بالسمّ وهو ظالم إليَّ ، إني أعرف ذلك بعهد معهود إليَّ من
آبائي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فاكتم هذا ما دمت حياً . |
|
8 ـ حواره مع يحيى بن الضّحاك السمرقندي
|
|
لقد كان المأمون يحبّ سقطات الرضا
(عليه السلام) وأن يعلوه المحتج وإن أظهر غير ذلك، فاجتمع عنده الفقهاء
والمتكلمون فدس إليهم أن ناظروه في الإمامة . فعجب المأمون من كلامه، وقال: يا أبا
الحسن ما في الأرض من يحسن هذا سواك) (عيون أخبار الرضا : 2 / 231 .)
. |
|
9 ـ حواره مع سليمان المروزي
|
|
قال الحسن بن محمد النوفليّ: قدم
سليمان المروزي متكلّم خراسان على المأمون فأكرمه ووصله. قلت: خلّفته يلبس ثيابه وأمرنا أن
نتقدّم ، ثم قلت: يا أمير المؤمنين إنّ عمران مولاك معي وهو بالباب. قال الرضا(عليه السلام): أفبإرادته كان ذلك؟! ثمّ قال(عليه السلام): فليس لقولك أراد، أن يكون حيّاً سميعاً بصيراً معنى إذا لم
يكن ذلك بإرادته . قال: فأراه
في قولك: قد زادهم ما لم يكن في علمه أنّه يكون. ثم قال الرضا(عليه السلام): يا سليمان ألا تخبرني عن الإرادة فعل هي أم غير فعل؟ قال(عليه السلام): فهي محدثة ليست كالسمع والبصر لأن السمع والبصر ليسا
بمصنوعين وهذه مصنوعة. قال الرضا(عليه السلام): فمعنى الإرادات كلّها معنى واحد . قال سليمان: أجل. |
|
10 ـ حواره مع فقهاء المذاهب الإسلامية
|
|
حلف رجل بخراسان بالطّلاق أنّ معاوية
ليس من أصحاب رسول الله (ص)، فأفتى الفقهاء بطلاقها. |
|
البحث الثالث: تراث
الإمام الرضا(عليه السلام)
|
|
إن الثروة العلمية الهائلة التي قدّمها
الإمام الرضا (عليه السلام) للعالم الإسلامي بل للعالم الإنساني عامة ولأتباع
أهل البيت خاصة قد شملت ألوان العلوم والمعارف من فلسفة وكلام وطب وفقه وتفسير
وتاريخ و تربية وآداب وسياسة واجتماع ... فاحتجاجات الإمام (عليه
السلام) صريحة وصارخة في محتواها ولا تجد فيها أي مجال للتقية أو الاقتصار على
طرح بعض الحقائق التاريخية دون بعض، بل نجد الإمام (ع) يدخل الساحة العقائدية
المذهبية بكل ثقله وهو يعلم بأن القتل في سبيل المبدأ والاغتيال الذي ينتظره هو
آخر الخطّ . وأنّه يدخل معترك الصراع بكل
أبعاده ليقرر حقيقة المذهب وأدلّته ومبررات وجوده وأنه هو الخط الوحيد الذي
يمثّل رسالة الله في الأرض وأنه امتداد خط الرسول(صلى الله عليه وآله) دون سواه
. |
|
في رحاب العقل والعلم
والمعرفة
|
|
1 ـ (العقل حباء
من الله والأدب كُلفة، فمن تكلّف الأدب قدر عليه ومن تكلّف العقل لم يزدد إلا
جهلاً)(
الكافي : 1 / 24 .). |
|
في رحاب القرآن
الكريم
|
|
1 ـ عن الحسين بن خالد، قال: قلت للرّضا
علي بن موسى(عليهما السلام): ياابن رسول الله أخبرني عن القرآن أخالق أو مخلوق؟
فقال: (ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنّه كلام الله عَزَّ
وجَلَّ)(
التوحيد: 223 .). |
|
في رحاب التوحيد
|
|
1 ـ
سأله رجل عن الدليل على حدوث العالم فقال : (أنت لم
تكن ثمّ كنت وقد علمت أنّك لم تكوّن نفسك ولا كوّنك من هو مثلُك)( التوحيد : 293 .). 2 ـ
جاء رجل إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) من وراء نهر بلخ، فقال : (إني أسألك عن مسألة فإن أجبتني فيها بما عندي قلت
بإمامتك، فقال أبو الحسن (عليه السلام): سل عما شئت،
فقال : أخبرني عن ربك متى كان ؟ وكيف كان ؟ وعلى أي شيء كان اعتماده ؟ |
|
في رحاب النبوة
والأنبياء
|
|
1 ـ قال ابن السكيت لأبي الحسن الرضا (عليه
السلام) لماذا بعث الله عَزَّ وجَلَّ موسى بن عمران بالعصا ويده البيضاء وآلة
السحر وبعث عيسى (عليه السلام) بالطب وبعث محمداً(صلى الله عليه وآله) بالكلام
والخطب ؟ |
|
في رحاب الإمامة
والأئمّة
|
|
1 ـ عن عبد العزيز بن مسلم قال : كنّا مع الرضا
(عليه السلام) بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمر
الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيّدي (عليه السلام) فأعلمته
خوض الناس فيه، فتبسم (عليه السلام) ثمّ قال : (يا
عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم، إن الله عَزَّ وجَلَّ لم يقبض نبيه (صلى
الله عليه وآله) حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء، بيّن
فيه الحلال والحرام، والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملاً، فقال
عَزَّ وجَلَّ : (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ
مِنْ شَيْءٍ)( الأنعام (6): 38 .)، وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره (صلى الله عليه وآله) : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً)( المائدة (5): 3 .) وأمر الإمامة من تمام
الدين، ولم يمض (صلى الله عليه وآله) حتى بيّن لاُمتّه معالم دينهم وأوضح لهم
سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحق وأقام لهم علياً (عليه السلام) علماً وإماماً،
وما ترك [لهم] شيئاً يحتاج إليه الأمة إلاّ بيّنه، فمن زعم أن الله عَزَّ وجَلَّ لم
يكمل دينه فقد رد كتاب الله، ومن رد كتاب الله فهو كافرٌ به . |
|
في رحاب الغدير:
|
|
روي عن أبي الحسن الرضا في يوم الغدير أنه قال: (وهو يوم التهنئة يهنّئ بعضكم بعضاً فإذا لقي المؤمن أخاه
يقول : الحمد لله الذي جعلنا من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنين والأئمة(عليهم
السلام)، وهو يوم التبسّم في وجوه الناس من أهل الإيمان فمن تبسّم في وجه أخيه
يوم الغدير نظر الله إليه يوم القيمة بالرحمة، وقضى له ألف حاجة، وبنى له قصراً
في الجنة من درّة بيضاء ونضر وجهه . |
|
في رحاب فقه الإمام
الرضا (عليه السلام)
|
|
إن التراث الفقهي للإمام الرضا (ع) يتمثل
في النصوص الفقهية التي وصلتنا بشكل مسند. فالعبادات
المتمثلة في الطهارة والصلاة والصوم والزكاة والحج والزيارة تبلغ عدد النصوص
الواصلة عنه (437) نصاً . ونصوص النكاح والطلاق تبلغ (162) نصاً ونصوص المعيشة
والعيد والأطعمة والأشربة تبلغ (255) نصاً ونصوص التجمل (82) نصاً والجهاد (12)
نصاً والحدود والديات والقضاء والشهادة تبلغ (39) نصاً والأيمان والنذور
والوصايا والجنائز والمواريث تبلغ (62) نصاً ويبلغ مجموع هذه النصوص الفقهية
حوالي (1049) نصاً وهذا الحجم يشكل أكثر من نصف النصوص التي وصلتنا عنه(عليه
السلام) حيث أحصيناها وبلغت حوالي (2033) نصاً. |
|
في رحاب مواعظه وقصار
كلماته
|
|
1 ـ قال الرضا (عليه السلام) : (لا يكون المؤمن مؤمناً حتى تكون فيه ثلاث خصال : سنّة من
ربّه وسنّة من نبيِّه (صلى الله عليه وآله) وسنّة من وليِّه (عليه السلام) .
فأما السنّة من ربِّه فكتمان السرِّ . أمَّا السنّة من نبيِّه (صلى الله عليه
وآله) فمداراة الناس . وأمّا السنّة من وليِّه (عليه السلام) فالصبر في البأساء
والضراء). وآخر دعوانا
أن الحمد لله رب العالمين |
|
|
|